الأحداث التي جرت في الساحل السوريالإعلان الدستوري لسوريا 2025الاتفاق بين "قسد" وأحمد الشرعالتدخل الاسرائيلي السافر في سورياالشرع و المقاتلين الأجانب و داعشالعدالة الانتقاليةالعقوبات الأميركية على سورياتشكيل الحكومة السورية الجديدةسقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوعسياسةعن أشتباكات صحنايا وجرمانالقاء الشرع-ترامب ورفع العقوبات الأمريكية عن سوريا

سوريا حرة إلى الأبد: مقالات وتحليلات 11 حزيران 2025

حرية إلى الأبد: كل المقالات والتحليلات والحوارات التي تناولت انتصار الثورة السورية اعتبارا من 08 كانون الأول 2024، ملاحقة يومية دون توقف تجدها في الرابط التالي:

سقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوع

—————————-

تحدّيات الخروج من أزمة الكهرباء في سورية/ سمير سعيفان

11 يونيو 2025

الإعلان عن توقيع مذكرة تفاهم لبناء خمس محطات توليد كهرباء، باستطاعة خمسة آلاف ميغاواط (تشكّل أكثر من 60% من طاقة التوليد التي كانت مركّبة في سورية سنة 2010، وقدرها نحو 8500 ميغاواط)، باستثمار أجنبي تُقدّر قيمته بنحو سبعة مليارات دولار، شكّل حدثاً، ليس اقتصاديّاً واجتماعيّاً كبيراً وحسب، لأنّ الكهرباء تشكّل عصب الحياة المنزلية وعصب الاقتصاد، بل وشكّل حدثاً سياسيّاً أيضاً، لأنّ شركات قطرية وأميركية وتركية ستُشارك معاً في المشروع، ولأنّ مراسم التوقيع قد جرت بحضور الرئيس السوري أحمد الشرع، والقائم بأعمال سفارة قطر في دمشق خليفة عبد الله المحمود الشريف، وسفير تركيا في دمشق السفير برهان قور أوغلو، ومبعوث واشنطن الخاص إلى دمشق توماس باراك، الذي أشاد بالخطوة، وقال: “هدفنا تمكين التجارة لا الفوضى”. وسيوفّر المشروع أكثر من 50 ألف فرصة عمل مباشرة، بحسب الرئيس التنفيذي لشركة أورباكون القابضة السوري – القطري، رامز الخياط، ما يسهم في دعم سوق العمل في سورية. ويشير هذا التجمّع الى الاهتمام بدفع سورية نحو طريق التعافي، الذي يأمل السوريون أن يستمرّ، ويتكلّل برفع كامل لكل العقوبات التي فُرضت على النظام السابق، بسبب جرائمه بحقّ الشعب السوري.

المشروع ومراحله

يتكوّن المشروع من بناء أربع محطّات توليد كهرباء، بتوربينات غازية تعمل بالدورة المركبة (CCGT) التي تتيح استخدام الحرارة الناتجة عن احتراق الغاز لتشغيل توربين بخاري إضافي، ما يزيد من كفاءة استهلاك الوقود ويخفض الانبعاثات. وتقع المحطات في مناطق: تريفاوي (حمص، ولعل المقصود جندر، حيث يوجد محطة توليد من قبل)، وزيزون (حماة – سهل الغاب)، ودير الزور (وآمل أن يكون في حقل التيم، فهو الموقع الأفضل)، ومحردة (في محافظة حماة)، بسعة توليد إجمالية تقدّر بنحو أربعة آلاف ميغا، إضافة إلى محطة طاقة شمسية بسعة ألف ميغا، في وديان الربيع جنوب دمشق.

يشترك في هذا الاستثمار تحالف من أربع شركات (المستثمر): أورباكون القابضة، من خلال شركتها التابعة “يو سي سي كونسيشنز إنفستمنتس”، وهي شركة قطرية متخصّصة في امتيازات الطاقة والإنشاءات، وهي قائدة هذا التحالف. “باور إنترناشيونال يو إس إيه، ذ.م.م”، وهي شركة أميركية متخصّصة في الاستثمارات الاستراتيجية في مجال الطاقة. “كاليون جي إي إس إنرجي ياتيريميلاري”، وهي شركة تركية مستثمرة ومطوّرة لمشاريع الطاقة المتجدّدة. “جينكيز إنرجي سان. في تيك”، وهي شركة تركية متخصّصة في تطوير مشاريع الطاقة وتشغيلها.

وقد وقّع مذكرة التفاهم، مع وزير الطاقة السوري محمد البشير، كلٌّ من محمد معتز الخياط رئيس مجلس إدارة أورباكون القابضة، ومحمد جنكيز رئيس مجلس إدارة جنكيز للطاقة، وأورهان جمال كاليونجو رئيس مجلس إدارة شركة كاليون للطاقة، ومازن السبيتي الرئيس التنفيذي لشركة باور إنترناشيونال يو إس إيه.

سيبني هذا التحالف المحطات المذكورة على نفقته الخاصة، ويكون نموذج الاتفاق مع الحكومة وفق ما يعرف بنموذج BOT أو BOOT، وهي اختصار للكلمات الإنكليزية Build, Operate/own and Transfer، وتعني: ابنِ المحطات وشغلّها واستثمرها لحسابك/ امتلكها، وفق معادلة متفّق عليها ولمدّة متفق عليها مع الحكومة، ثم أعد المحطة إلى الدولة، بعد انقضاء المدّة المتفق عليها، وهي عادة بحدود 20 – 25 سنة تبدأ من يوم وضع المحطّات الجديدة في الخدمة. وعلى المستثمر أن يعيد المحطات للحكومة، وهي بحالة جيدة، بعد انتهاء مدّة الاتفاق.

سيمرّ بناء المحطات الخمس بمراحل عدّة، تمتدّ إلى سنوات ثلاث وربما أكثر، إلى أن تصبح جاهرة لتزويد الشبكة بالكهرباء:

الأولى، التعاقد: إبرام العقد بين المستثمرين والحكومة السورية، فما تمّ مذكرة تفاهم (MOU)، وهي أشبه بخطاب النيات، أو “الخطوبة”، أي لا شيء ملزماً بها ما لم تتحوّل إلى عقد. … يتطلّب إبرام العقد إعداد ملفٍّ فنيٍّ ضخم، يتضمّن المواصفات الفنية العامة، والشروط التجارية والمالية، ويعدّ ملف العقد مهندسون وفنيون وماليون وتجاريون لديهم خبرات وافية، وربما يستغرق ذلك الأمر شهرين بمساعدة جهاتٍ ذات خبرة. وتالياً أهم مراحل التعاقد:

أ‌- تحديد نموذج الاتفاق أو ما يسمّى بالإنكليزية “Business Model”، وقد جرى اختيار نموذج BOT أو BOOT، كما ذُكر أعلاه، حيث يبني المستثمر المحطات، وتلتزم الدولة بتأمين الغاز للمحطّات الجديدة الأربع (الخامسة طاقة شمسية)، سواء من إنتاج حقول الغاز السورية أو استيراداً من تركيا أو من مصر عبر خط الغاز العربي القادم من مصر عبر العريش وخليج العقبة ثم إلى سورية عبر الأردن، وهو موجود، أو من العراق حيث توجد حقول غاز كبيرة في الأراضي العراقية قريبة من الحدود السورية، وربطها سهل من منطقة تقع الآن تحت سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، لأنّ إنتاج الغاز واستيراده بيد الدولة ومسؤوليتها. ويتم عادة وضع معادلة لتحديد سعر بيع الغاز من الدولة إلى المستثمر بالدولار بدلالة أسعار الفيول بالدولار. وفي الوقت نفسه، تشتري الدولة الكهرباء من المستثمرين بسعر محدّد، وتتولّى توزيع الكهرباء على المستهلكين وتقبض الثمن منهم، ولا يمكن جعل المستثمرين يوزّعون الكهرباء، لأكثر من سببٍ، منها أن لدى الدولة أيضاً محطات توليد كهرباء، وأنها تملك شبكة النقل والتوزيع ومحطات التحويل، كما يجب الاتفاق على عدد سنوات الاستثمار، إذ تعود المحطّات بعد ذلك للدولة السورية (ربما 25 عاماً)، ويستردّ المستثمر رأسماله عادةً خلال خمس إلى سبع سنوات.

ب‌- إصدار العقد بقانون، سيصدر الرئيس مرسوماً بتصديق القانون، (لعدم وجود مجلس شعب) ونشر العقد في الجريدة الرسمية، ويعدّ إصدار العقد بقانون أمراً ضروريّاً، كونه سينصّ على موضوعات عديدة تُخالف التشريعات النافذة الآن، مثل التشريعات الحالية الحاكمة التي تقيّد استقدام فنيين أجانب، إن لزم الأمر (هنا تضع الدولة نسبة صغيرة من إجمالي العاملين كسقف 5% مثلاً للمستثمر، وأكثر من ذلك للشركات التي تبني المحطّات لأنها تحتاج ذلك في فترة البناء)، ثم تُحدّد كيفية تسديد أجورهم وتحويلات رواتبهم، وإخضاعهم لضريبة دخل الرواتب، وإعادة تحويل الأرباح إلى خارج سورية، وإعفاء مستوردات المشروع من الرسوم الجمركية ومن قواعد الحظر والمنع، والإدخال المؤقّت للآليات والمعدّات، ووضع شرط بأن تنسحب تلك الإعفاءات على المقاولين الذين سينفذون المحطّات (متعهّد التنفيذ) وغيرها، وعلى الدولة أن تشترط تسديد الضرائب على الأرباح، من المستثمر والمقاولين العاملين معه. ويمكن الاتفاق على نسبة معينة لقاء الضريبة على الأرباح من قيمة ما يقبضه المستثمر من الدولة ثمن كهرباء (مثلاً 3% أو 4% مقطوعة من قيمة العقد، وتخصم من كل فاتورة تسدّدها الدولة إلى المستثمر)، وهذا أفضل من إجراءات التكليف والتحصيل المعتادة التي شابها فسادٌ واسعٌ وتهرّب ضريبي كبير.

ت‌- إلزام المستثمر بتسجيل جميع العاملين لديه في التأمينات الاجتماعية، أي عكس ما ذهب إليه وزير الاقتصاد السوري أخيراً، فحقوق العمال لا يجوز المساومة عليها، ولا يجوز تقديمها هدية مجانية للمستثمرين. ويجب أن توضع في العقد/ العقود شروط جزائية على كلّ من المستثمر والدولة، في حال الإخلال بالتزاماتهما العقدية (كأن تتوقّف المحطّات عن إنتاج الكهرباء أكثر من عدد محدد من الأيّام في السنة، منفصلة أو متصلة، وهذا يعدّ إخلالاً من المستثمر، أو أن تتأخّر الدولة بتوريد الغاز الكافي لتشغيل المحطات، ويعدّ ذلك إخلالاً من الحكومة، وهنا يحدّد مقدار التعويض عن التأخير أو طريقة حسابه. وهذا يعني أنّ على الحكومة أن تتأكّد من توفير الغاز للمحطات الخمس.

ث‌- الاتفاق على كيفية حلّ الخلافات بين الحكومة والمستثمر، وعلى القانون الذي تخضع له اتفاقية الاستثمار والمحكمة التي تقضي بحل الخلافات.

المرحلة الثانية، بناء المحطات الخمس: بعد تصديق العقد ونشره، تُصدر الوزارة أمر المباشرة وتسليم مواقع بناء المحطات جاهزة وخالية من أيّة عوائق، ويكون المستثمر قد قدّم كفالة حسن التنفيذ (Performance Bond)، ويستكمل المستثمر إقامة مكاتبه وطاقم العاملين في إدارة المشروع ويؤسّس مكاتبه في دمشق وفي مواقع المحطّات الخمس، ويمرّ إنشاء المحطات بالمراحل التالية:

أ‌- إعداد ملف فني مفصّل مع الرسومات الهندسية، وإعداد ملف مالي وتجاري للإعلان عن استدراج عروض أسعار لتنفيذ المحطات الخمس، وهذا موضوع يحتاج أسابيع من العمل، ومئات الصفحات الفنية والمالية والتجارية، وعلى المستثمر أن يختار بين إعلان واحد يشمل المحطّات الخمس، أو خمسة إعلانات متفرّقة، وبالتالي خمس شركات منفّذة، وهذا أفضل، لأنّ الإعلان الواحد يعني أنّ عدداً قليلاً جدّاً من الشركات سيتنافس على الفوز بالمشروع، وتعطى عادة مهلة ستة أشهر لتقديم الشركات الأجنبية المتخصّصة العروض، ويحتاج ثلاثة أشهر أخرى لتقييم العروض وإرساء العرض أو العروض على الشركات التي قدّمت أفضل العروض الفنية والمالية والتجارية، ويحتاج تقييم العقود وكتابة العقد إلى مختصّين من ذوي الخبرة ويقوم بها المستثمر عادة.

ج‌- إبرام العقود مع الشركات الفائزة الخمس، ووضعها قيد التنفيذ وإعطاؤها أمر المباشرة، ويستغرق هذا الأمر عادة ثلاثة أشهر، وهنا توجد كفالاتٌ بنكيةٌ ابتدائية حين تقديم العروض وكفالات بنكية لحسن التنفيذ بعد إرساء العقود.

ح‌- يستغرق بناء المحطات قرابة السنتين من تاريخ المباشرة، لأن العنفات (The Turbine) لا تتوفّر في المستودعات، بل يُطلب تصنيعها من عدد محدود من الشركات العالمية التي تصنع العنفات/ التوربيات، ويستغرق تصنيع العنفة سنة، ثم تأتي عملية نقلها وتركيبها واختبارها، ثم التسليم والاستلام، وتبدأ المرحلة التجريبية وتكون ربما لشهر. ومن ثم ستبلغ المدة بين التعاقد وبدء إنتاج الكهرباء أكثر من ثلاث سنوات للمحطّات الأربع التقليدية المعتمدة على الغاز، أما محطّة الطاقة الشمسية، فتكون أقلّ من ذلك.

المرحلة الثالثة: التشغيل: مع بدء تشغيل المستثمر المحطات الخمس، بعد سنوات ثلاث تقريباً، يجب أن تكون الدولة قد ضمنت توريد كمية كافية من الغاز لتشغيل المحطّات، ويضمن المستثمر تشغيل المحطات بكفاءة، وسيتم تحويل الطاقة المُنتجة إلى الشبكة، حيث تتولى شركة توزيع الكهرباء إيصالها إلى المستهلكين، من منازل ومصانع ومشاغل ومحلات تجارية ومزارع وغيرها، وستحصِّل الشركة الحكومية قيمة الكهرباء بالليرات السورية، لكنها ستسدّد قيمة الكهرباء المولّدة للمستثمر بالدولار، بعد خصم قيمة الغاز المورد وخصم الضرائب، وأي استحقاقاتٍ أخرى، أي يجب أن يكون لدى الدولة موارد كافية بالدولار، كي تستطيع الالتزام بالتسديد من دون تأخير، كي لا يفرض عليها غرامات.

يظهر من كلّ ما تقدم أن إدارة هذا الاستثمار والإيفاء باحتياجاته أمرٌ في غاية التعقيد، ويحتاج كفاءاتٍ لديها خبرات طويلة، ولكن وزارة الطاقة (أسوة ببقية الوزارات والمؤسّسات الحكومية) كانت قد صرفت أصحاب هذه الخبرات من الخدمة، فما العمل سوى إعادة هؤلاء لخدمة وطنهم.

كي لا ننتظر ثلاث سنوات

بالطبع، يجب عدم الانتظار ثلاث سنوات، فلدى سورية حقول إنتاج غاز ومحطّات توليد، وهي تحتاج إلى صيانة، ويمكن القيام بإجراءات عاجلة تزيد من توليد الكهرباء خلال بضعة أشهر، حتى السنة. وتعمل وزارة الطاقة الآن لتأمين زيادة ساعات وصول الكهرباء إلى أربع ساعات، ثم ست ساعات، لتصل في العام القادم إلى عشر ساعات كلّ 24 ساعة، بدلاً من ساعتين حالياً، ويمكن أن يتحقّق هذا عبر مجموعة إجراءات:

أ‌- صيانة حقول الغاز، ويقع معظمها غرب تدمر وجنوبها وشمالها، وقد كانت سورية تنتج نحو 25 مليون متر مربع في اليوم، سنة 2010 من كل حقول الغاز والنفط أيضاً، حيث يخرج بعض الغاز مع النفط ويسمّى الغاز المصاحب، بما يؤدّي إلى زيادة الإنتاج الحالي ليبلغ ربما نحو 40% من الكمية المنتجة 2010 من الغاز، وتأمين ما يكفي لعشر ساعات من الكهرباء يوميّاً.

ب‌- تخطّط الوزارة لاستكمال صيانة عدّة محطات توليد، منها محطة توليد اللاذقية (526 ميغاواط)، والمرحلة الثانية من محطة دير علي (750 ميغاواط)، ولإعادة تأهيل محطة توليد حلب (600 ميغاواط). ويمكن أن تؤدي صيانة حقول الغاز ومحطات التوليد إلى رفع إنتاج محطات التوليد إلى أربعة آلاف ميغاواط، يمكن أن تؤمن إمداد بالكهرباء لنحو 12 ساعة، في حال تنفيذها حتى العام المقبل.

ت‌- صيانة شبكات نقل الكهرباء التي لحق بها دمار كثير خلال سنوات الحرب.

ث‌- صيانة عدة محطات للتحويل وبناء محطّات تحويل جديدة.

ج‌- معالجة الفاقد، وأسبابه كثيرة، وهو لا يقل عن 25% من الطاقة المولدة.

ولكن هذا كله يتطلب تمويلاً يبلغ مئات ملايين الدولارات، ولا تملك الخزينة حالياً هذه المبالغ، ويمكن تأمينها عبر مساعدات أو قروض.

من جهة أخرى، تبادر تركيا لزيادة توليد الطاقة في أمد قصير عبر طريقين: أ‌- تزويد سورية بالغاز الطبيعي من شبكتها الداخلية، وربطها بالشبكة السورية الداخلية للغاز، وقد صرّح وزير الطاقة التركي، ألب أرسلان بيرقدار، بانتهاء ربط خط أنابيب الغاز بين كلّس التركية وحلب السورية، إذ ستبدأ أنقرة توريد مليارَي متر مكعب من الغاز سنويّاً إلى سورية، لتغذية محطات توليد الكهرباء. ب‌- تعمل وزارة الطاقة السورية على استكمال ربط خط كهرباء باستطاعة 400 كيلوفولت، بين تركيا وسورية، مع توقعات بدخوله الخدمة بحلول نهاية العام الجاري.

نتيجة كل هذه الجهود، ستشهد سورية تحسّناً في أوضاع الكهرباء على ثلاث مراحل: الأولى، تحسّن جزئي تدريجي خلال الشهور المقبلة وحتى نهاية العام، حيث يمكن زيادة الأوقات إلى ست إلى ثماني ساعات خلال 24 ساعة، حسب التوقعات اليوم. الثانية، تحسين ملحوظ خلال سنة 2026، إذا نجحت الحكومة بصيانة حقول الغاز، واستطاعت تأمين غاز كاف، ونجحت في صيانة محطات التوليد واستعادة الجزء الأكبر من قدرات التوليد في سورية التي كانت 2010 وقدرها ثمانية آلاف ميغا. الثالثة تبدأ بعد ثلاث سنوات، بعد تركيب الخمسة آلاف ميغاواط المعلن عنها. وقد تبلغ الطاقة المركبة حينها 13 ألف ميغاواط، وسيكون هذا كافياً لتلبية الطلب المتزايد على الطاقة نتيجة الفورة التنموية المتوقّعة في سورية في حال رفع العقوبات.

الدلالات

يحمل هذا المشروع الساعي إلى استعادة قدرة سورية على تأمين احتياجاتها من الكهرباء دلالاتٍ متعدّدة، فإلى جانب الدور الذي ستلعبه زيادة إنتاج الكهرباء ووصولها إلى البيوت في تحسين نوعية الحياة، والدور الذي سيلعبه وصول الكهرباء إلى المصانع والشركات والمحلات والمزارع في زيادة الإنتاج، فهو يحمل دلالة سياسية، ولعلها الأهم، إذ تفيد بأنّ هذا التصميم الدولي حالياً على مساعدة سورية في استعادة عافيتها، قد يستمر الى حين بلوغ إزالة كل العقوبات التي فرضت على النظام القديم وما زالت مستمرة، رغم سقوطه، ومن دون إزالتها، لن تفتح أبواب التعافي أمام سورية من مختلف الجوانب.

يبقى احتمال إزالة العقوبات رهن الإرادة الأميركية، سواء البيت الأبيض أو الكونغرس، وقد أزيلت بعضها، وجُمدت عقوبات قانون قيصر ستة أشهر، وهي العقوبات الأشد، ومن ثمَّ من المهمّ أن يستمر الزخم الحالي لرفع العقوبات، وإذا كنّا نضمن استمرار دعم الرياض والدوحة وأنقرة، فمن الصعب ضمان دونالد ترامب بمزاجه المتقلّب، وسلوكه الاستعراضي، فهو لا يعطي شيئاً بلا مقابل، وإن كان قد قبض ثمناً باهظاً فجاء قبوله الإعلان عن رفع العقوبات ومقابلة الرئيس أحمد الشرع كهدية البائع، فمن المتداول أنه طالب الشرع بتلبية شروط كي يتلافى النقد الذي سيوجّه له في الولايات المتحدة. وإذا كان بعض تلك الشروط ممكن التنفيذ، فإن بعضها الآخر يشكّل تحديّاً للشرع لأكثر من سبب، وقد يصعب الالتزام ببعضها خلال أجل قصير.

ضمن هذا الوضع المعقّد، مصلحة السوريين جميعاً في إزالة العقوبات بغضّ النظر عن مواقفهم من السلطة الحالية. ويعتقد أن إزالة العقوبات ستُسهم في دفع الأوضاع نحو الاعتدال، بينما ستدفع عودة العقوبات الأوضاع نحو التشدّد.

العربي الجديد

————————————-

 القانون كناظم لسلوك السلطة وليس حسن النيّات/ حسن النيفي

2025.06.10

ثمّة تحوّلٌ نوعيٌّ لا بدّ من الإقرار به في المواقف الدولية والإقليمية حيال الدولة السورية نتيجة لعملية التغيير التي حققها السوريون منذ الثامن من شهر كانون الأول/ديسمبر 2024 ، وقد تجلّى هذا التحوّل بأحداث ومواقف متلاحقة ربما فاقت التوقعات بسلاستها، لعل أبرزها قرار الرئيس ترمب رفعَ العقوبات عن سوريا، وقد تلاه قرار أوروبي مماثل، فضلاً عن الانفتاح الدولي، والأميركي على وجه الخصوص تجاه الحكومة السورية، في مسعى يؤكّد رغبة المجتمع الدولي في رؤية سوريا بلداً مغايراً لما كانت عليه خلال الحقبة الأسدية الماضية.

وتزامناً مع هذا المنعطف النوعي في تاريخ الدولة السورية الذي يترجمه التفاعل الإيجابي الدولي مع الحكومة الراهنة، تتصاعد أصوات سورية عديدة تطالب الحكومة بألّا تراهن على نجاحاتها الخارجية فحسب، بل إن ما تحققه السلطة الحالية من قبول لدى الآخر (الخارجي) ينبغي أن يوازيه مسار آخر يلبي تطلعات الداخل السوري أيضاً، بل يرى بعضهم أن حفاظ السلطة على مكتسباتها الخارجية مرهون بقدرتها على موازاته بكسب الرأي العام السوري حين يشعر جميع السوريين أنهم شركاء في السلطة وإدارة البلاد وليسوا مجرّد رعايا، وعليه، فإن اتهام السلطة سواء في العلن أو الخفاء بأنها ذات لون واحد بات شديد الوضوح، وبعبارة أكثر وضوحاً، يرى كثيرون أن الفريق الحاكم، وعلى جميع مستويات الإدارة والمؤسسات المدنية والعسكرية، عماده “هيئة تحرير الشام” والفصائل العسكرية المتحالفة معها، وهذا تجسيد فعلي لمقولة ( من يحرر يقرر).

قبل الحديث عن وجاهة أي نقد أو مطلب ينبغي التأكيد أن الاستئثار بالسلطة هو سمة مُلازِمة لأي نظام حكم، بعيداً عن توجهه الإيديولوجي أو السياسي، كما من المهمّ التأكيد أنّ أيَّ كيان سياسي بعد وصوله إلى سدّة الحكم ستتغيّر أولوياته، بل سيتخلّى عن قسط كبير من رصيده القيمي لصالح الهدف المستجد وهو الحفاظ على السلطة، وتغدو المعايير الناظمة لسلوكه هي التي توجبها مصالح السلطة وليس ما يُرضي الآخرين، فالسلطة أيّاً كانت، من خصائصها النوعية هي الاستئثار والأنانية واحتكار القوة والنزوع نحو الهيمنة وبسط السيطرة على دقائق الأمور ومفاصل الإدارة، ولا يمكن أن يتخلّى أي نظام حكم عن جزء من سلطته عن طيب خاطر أو تكرّماً، وإنما نتيجة لوجود عاملين اثنين:

    دستور، وما تتفرّع عنه من قوانين، تُلزم الحاكم بالعمل بها والانصياع لها.

    قوى سياسية سواء تمثلت بأحزاب أو تيارات أو جماعات، وقوى مدنية تتمثّل بمنظمات مجتمع مدني ونقابات مهنية وجمعيات، إذ من شأن هذه القوى مراقبة السلطة على الدوام وعدم السماح لها بتجاوز الدستور أو القوانين المنبثقة عنه، شريطة أن تكون هذه القوى فاعلة على الأرض وذات تجذّر شعبي وقادرة على التماهي مع معاناة المواطنين في الداخل، وليست قوى افتراضية على منصات وسائل التواصل وحسب.

لعله من الصحيح أن الحكومة الحالية قد أصدرت إعلاناً دستورياً في الثالث عشر من شهر آذار الماضي، إلّا أن القوانين الناظمة لتشكيل الأحزاب لم تصدر بعدُ، ولكن يمكن البدء بتشكيل جمعيات ومنظمات مجتمع مدني وفقاً للقوانين التي تبيّنها وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل.

لقد قيل من الكلام الكثير عن تصحّر الحياة السياسية في سوريا خلال الحقبة الأسدية، كما قيل الكثير عن افتقار السوريين إلى إرث حزبي يمكن البناء عليه، ولكن لعله من الحق أيضاً أن سوريا تشهد منعطفاً نوعياً ومهمّاً يجب البدء باستثماره واستلهام معطياته، من جهة زوال آلة القمع الأسدية وزوال كل القوانين التي تشرعن مصادرة الحقوق وتعويم العنف ومصادرة الرأي، وباتت البلاد السورية أحوج ما تكون إلى وجود قوى سياسية ومجتمعية تعمل على الأرض، إذ من شأن تلك القوى أن تجسّد التعددية التي ينشدها السوريون وعدم تسيّد جهة سياسية واحدة وانفرادها بصناعة القرار.

إلحاحُ كثيرٍ من السوريين على المشاركة في إدارة مفاصل الدولة والمطالبة بعدم احتكار السلطة هو أمر في غاية المشروعية، بل من حق أي مواطن سوري يرى في نفسه الكفاءة في تقديم أي مُنجز أن يحظى بالفرصة التي تتيح له العمل، ولكن السعي نحو هذا الحق ينبغي أن يكون مقروناً بعملٍ منظّم عبر الأطر والقوانين التي تتيح ذلك، وليس من خلال النزعات الرغبوية فحسب. إذ من المؤسف (ومنذ الأيام الأولى للتحرير) أن تجد كثيرين ممّن تكتظ بهم فنادق دمشق ومقاهيها، لا لشيء، سوى للقاء بعض المسؤولين والتقاط الصور، والبحث عن سبل للوصول من خلال العلاقات الشخصية والمعارف الخاصة، أملاً بالحصول على منصب في إدارة أو مكان ما، وكأن المناصب أو الوظائف هي عبارة عن هبات أو هدايا يمكن لمن هو في موقع المسؤولية أن يوزّعها على أحبائه والمقرّبين منه، ولا شك أن هذا النمط من التفكير والسلوك هو إهانة وإساءة لتضحيات السوريين وما انطوت عليه ثورتهم من قيم رفيعة، فضلاً عن كونه اجتراراً لموروث الفساد الذي أتخمت به الحقبة الأسدية البائدة.

إلى ذلك، ثمة شريحة واسعة تتوجّه بعتب شديد إلى الفريق الحاكم الذي عمل على تحييد كثير من الكفاءات الوطنية التي لها رصيد كبير في العمل الوطني سواء خلال سنوات الثورة أم قبلها، في حين أنها لم تمانع من الاعتماد على بدائل لا تحظى بأي رصيد ثوري، بل ربما تتدرّج في مواقفها بين الحالة الرمادية وموالاة النظام البائد، وهو عتب لا يخلو من الوجاهة والمشروعية، وواقع الحال أننا هنا حيال طريقتين مختلفتين في التفكير، الأولى تجسّد المنطق الثوري الذي لا يستطيع الانفكاك عن فحواه القيمي أو الأخلاقي، والثاني هو منطق السلطة التي ترفع شعار: (نهاية الثورة والبدء ببناء الدولة) وهو شعار ينطوي على جزء كبير من البراغماتية التي تتذرع بها السلطة للدفاع عن سلوكها، ولئن كانت القطيعة مع الثورة، كعمل مقاوم على الأرض، أصبحت أمراً واقعاً، إلّا أنّها لا توجب القطيعة مع الإرث القيمي أو الأخلاقي للثورة، وإذا كانت عملية (بناء الدولة) تستدعي العمل على خطط وبرامج ومشاريع تختلف بطبيعتها عن العمل الثوري الذي يتميّز بالنزوع إلى هدم البنى السلطوية القديمة وتقويض مشروعية نظام التسلّط والإرهاب الأسدي، فإنّ الحوامل القيمية للعمل الثوري لا تفقد مضامينها أو قدرتها على التأثير، بل يمكن أن تكون عاملاً مُعزّزاً في عملية البناء، فضلاً عن كونها عاملَ حصانة قيمية لتعافي الدولة وعبورها إلى ضفة الأمان.

وأيّاً كان الشأن، فإن الاستمرار بمطالبة قيادة الدولة بإرساء مبدأ المشاركة وعدم استبعاد الآخرين وتجاوز احتكار السلطة هو أمر في غاية الأهمية، بل هو واجب يتوافق مع قيم الدولة الحديثة وذات التجارب التنموية الناجحة، وإن استئثار فريق محدّد بجميع مفاصل الدولة يمكن أن يلبي حاجة سلطوية، ولكن سيكون خاذلاً لمقوّمات استقرار الدولة وقدرتها على الاستمرار في النهوض. ولكن على الرغم من ذلك، فإنه لا يمكن التوقع بأن السلطة (أية سلطة وفي أي زمان ومكان) يمكن أن تتخلّى عمّا تفترضه امتيازاً وأوراق قوّة بيدها، كما من غير المتوقع أن تقوم السلطة – أية سلطة كانت – بإشراك الآخرين وتعزيز مبدأ تقاسم المسؤوليات انطلاقاً من معايير قيمية أو أخلاقية، إنْ لم تجد من يُلزمها بذلك، وفقاً للدستور والقوانين المنبثقة عنه، فسيادة القانون هي التي تحول دون تغوّل السلطة، وحينئذ تكون مصدر قوّة للدولة والشعب معاً.

تلفزيون سوريا

———————————-

أبناء «الإخوان المسلمين» في العهد السوري الجديد/ حسام جزماتي

الذاكرة، والعلاقة مع العالم، والمهارات، وتلاقي الأجيال

10-06-2025

        بات واضحاً أن تعيينات المسؤولين في السلطة السورية، التي تبلورت خلال الأشهر الستة الماضية، تنحو باتجاه تفضيل المنتسبين إلى هيئة تحرير الشام، ثم العاملين السابقين في «حكومة الإنقاذ» في إدلب، الذين قد يكونون أصلاً من «الهيئة» التي لا تُعلَن عن عضويتها.

        غير أن شرائح أخرى لا بد أن ترفد هؤلاء؛ كيلا يبدو الاستئثار فاقعاً من جهة، وبحكم الحاجة إليهم من جهة ثانية، ولإرضاء بعض المكونات الطائفية أو المعادلات المحلية، أو الحسابات الشخصية أخيراً.

        ومن بين مصادر التوظيف الرسمي هذه خطٌ يرجع، بفعل الولادة والأرومة الشخصية، إلى جماعة الإخوان المسلمين في سورية، كما تدل متابعة بعض الأسماء التي عُيّنت في مناصب متوسطة، خاصة في وزارة الخارجية. ورغم أن هؤلاء ليسوا عدداً كبيراً، إلا أن تحليل السياق الذي أتى بهم يفيد في فهم الحالة الإسلامية السورية، وطبيعة الحكم الجديد للبلاد، بشكل يتجاوز أهميتهم الذاتية والفاعلية الحصرية لمناصبهم، وهي ليست قليلة على أي حال.

        يُقصد بمصطلح «أبناء الإخوان» ذرية بضعة آلاف من الجماعة، أُتيحت لهم فرصة الهروب من البلاد إبان أحداث الثمانينيات، فيما لاقى زملاؤهم حتفهم بالقتل أو بالإعدام، أو سُجنوا لسنوات طويلة شهيرة.

        خرج هؤلاء، الناجون بالصدفة أو بالقدر، على أمل عودة سريعة، من دون أفق واضح ولا خطط للمستقبل. ومع انكسار الجماعة نهائياً في حماة عام 1982، وتوالي السنوات المُحبِطة، وجدوا أن عليهم تدبر أمور حياتهم الخاصة في الخارج؛ متابعةً للدراسة أو بدءاً لها من جديد، وزواجاً أو استقداماً للأسرة الناشئة – إذ كان معظمهم في العشرينيات والثلاثينيات – وبحثاً عن عمل ثابت.

        وكما تنوعت مصائرهم، توزعت البلدان التي استقروا فيها. بين من بقي في الأردن الذي كان محطة اللجوء الأولى في الغالب، أو في العراق، الموئل الثاني، أو في السعودية ودول الخليج، الموطن الثالث المفضّل لكثيرين؛ وبين من وجد طريقه إلى المهاجر الأوروبية أو الأميركية. مما شكّلَ مروحة واسعة من الدول لم تستثنِ أفغانستان، رغبة في متابعة طريق «الجهاد»، واليمن عندما لا يُتاح غيره. واحتفظ هؤلاء بعلاقات معقدة متفاوتة مع الجماعة، تراوحت بين العمل التنظيمي النشط، قدر الإمكان، وبين الانسحاب مع البقاء في الجو العاطفي والشخصي، حباً أو نقداً لاذعاً.

        وفي كنف هؤلاء نشأ جيل أعقد من الشبان والشابات، يشبه أفرادُهُ بعضهم بتأثير وحدة الفضاء الأيديولوجي للبيت وعلاقاته الاجتماعية، وبفعل شعور الاغتراب في بلاد لم يختاروها عن بلد لم يعرفوه، والمعاناة في وثائق السفر والإقامة.

        لم ينتسب معظم هؤلاء إلى الجماعة، التي تبددت حدود عضويتها، لأن جيل آبائهم لم يشأ أن يورثهم الملاحقة الأمنية كاملة، أملاً في أن تتاح لهم زيارة البلد والتعرّف إلى العائلة الكبيرة، وفرصة الدراسة في الجامعات السورية إذا تَعقَّدَ الوضع في الخارج. وهو ما حصل للكثيرين مع تخفيف نظام الأسد إجراءاته الاستئصالية الشمولية ضد «الإخوان» وغيرهم.

        أما من النواحي الفكرية والسياسية ونمط الحياة اليومية، فقد سار الأبناء في طريقين، ما بعد إخوانيَّيَن، مُتباعدَين. فمن جهة كانت الجماعة، التي سبق أن خاضت، طوعاً أو كرهاً، عملاً عسكرياً، مفتوحة على الفضاء الإعلامي والرمزي للجهاد الأفغاني، خاصة مع صعود نجم الحركات الإسلامية المسلحة على حساب الإخوانية الإصلاحية التقليدية. فيندر من بين الأبناء من لم ينفعل بمشاهدة إصدار جهادي أو من لم تشده شخصية أسامة بن لادن، من دون أن يتحول ذلك إلى اختيار هذا المنهج عملياً. ومن جهة أخرى عمدَ الآباء، وقد أتيحت لأكثرهم فرص البحبوحة المتراكمة، إلى توجيه أولادهم لدراسة اختصاصات واعدة، كتكنولوجيا المعلومات وإدارة الأعمال والعلاقات السياسية، في جامعات غربية، أو شبه غربية في الدول العربية. وقد منحَ ذلك للجيل الجديد فرصة إتقان اللغات والانفتاح على العالم، وقاده إلى نوع من الإسلام الحضاري اللايت، لكن أيضاً من دون أن يسير في هذا الخط نهائياً. وهكذا تجمَّعت، في كثير من نماذج الأبناء، مؤثرات متناقضة لكنها متعايشة، يغلّفها التهذيب الذي نشأ بفعل التربية الدينية غير بعيد عن تقية المنفيين.

        على الضفة الأخرى كانت هناك «هيئة تحرير الشام»، طبعة ثالثة ومُنقّحة عن «جبهة النصرة» التي ارتبطت سابقاً بكل من تنظيمي «الدولة الإسلامية في العراق» و«القاعدة»، وكان على رأسها جيل من مواليد الثمانينيات هو الآخر، أتى من خلفيات اجتماعية غير دينية، كما يتضح الآن من المعلومات التي صارت متوافرة عن عائلات أبرزهم أحمد الشرع وأسعد الشيباني وأنس خطاب على سبيل المثال.

        وعبر طريقهم الخاص وصل هؤلاء ورفاقهم إلى خلطة مشابهة لتلك التي تركبت في شخصيات أبناء الإخوان؛ ذاكرة جهادية تُناظر مخيلة أولئك، ورغبة في الانفتاح على العالم واستخدام أدواته والدخول في علاقاته، مما بدا أن المغتربين يمتلكونه، ولا بد من استثمار مهاراتهم فيه لتعويض نقص الخبرات المحلية التي لم تتمكن من متابعة تعليم مرموق.

        وفي إطار أشمل، كانت تحولات إيديولوجيّة تحمل الطرفين إلى بعضهما. ففي الخارج كان الشيخ الدرعاوي محمد سرور زين العابدين قد ولّف بين التطلعات الإخوانية لتغيير المجتمع وبين الأساس السلفي، في تيار اشتهر باسمه وعُرف دراسياً بوصف «السلفية الحركية» وإعلامياً باسم «الصحوة». وتأثر به أبناء الإخوان بسبب علاقاتهم الجامعية والمسجدية، ولا سيما في دول الخليج أو في المراكز الإسلامية المتصلة بمؤسساتها الدينية في العالم. وفي الداخل كانت قيادة «هيئة تحرير الشام»، الباحثة عن طريق للنزول عن ذروة سنام «السلفية الجهادية»، تجد نفسها تلقائياً في هضبة السلفية الإخوانية المشار إليها أعلاه، طالما أن الانعطافة المفاجئة ربما تكسر عنق الجماعة، كما يتضح من اضطرابها المنهجي بعد التمدُّن المفرط الذي أبدته منذ معركة «ردع العدوان».

        لكن هل يعني ذلك انفتاحاً من «الهيئة»، التي حلت نفسها ظاهرياً في نهاية شهر كانون الثاني المنصرم، على الجماعة المحظورة في البلاد منذ أوائل ستينيات القرن العشرين؟ لا يبدو أن شيئاً من هذا حاصلٌ أو على وشك الحدوث. فما زالت السلطة تصر على معاملة «الإخوان» على أنهم حزب يسري عليه منع النشاط حتى استعادة الحياة السياسية يوماً ما. وما زالت الجماعة تنظر بعين ريبة صامتة إلى ما يجري رغم أن أعضاء فيها، وربما على مستويات تنظيمية أكبر، مَنحوا الرضا لأبنائهم للإسهام في التجربة الجديدة، حتى يقضي الله أمراً كان مفعولا.

موقع الجمهورية

——————————-

مبادرة سعودية – أميركية لحل أزمة الأقليات في سوريا/ وليد فارس

بإمكان الرياض وواشنطن إقامة إطار حواري يقنع جميع الأطراف بالجلوس إلى طاولة التفاوض لحل أزمات حالية ومنع أخرى مستقبلية

الأربعاء 11 يونيو 2025 0:04

 السلطة في دمشق أمامهما خياران، حرب ميدانية مع الأقليات قد تتحول إلى مواجهة مع مقاومات مختلفة، أو تسويات تاريخية.

بعد حسم مسألة الاعتراف بالسلطة الجديدة في دمشق لمصلحة “هيئة تحرير الشام” سابقاً، وتسلمها مفاصل البلاد العسكرية والأمنية والدبلوماسية، يبدو أنه بقي على المجتمع الدولي أن يختار بين اثنين، إما دعم هذه السلطة من دون شروط بما فيه ميدانياً، كي تبسط سلطتها بالقوة على كامل أراضي سوريا، أو أن يدخل المجتمع الدولي في صلب عملية مصالحة سورية – سورية تصل إلى اعترافات متبادلة بين النظام ومعارضيه في مناطق الأقليات، والدخول فوراً في مفاوضات تؤدي إلى تسوية سياسية شاملة للأزمة في سوريا.

والخياران الآن غير متساويين، إذ إن الاعتراف العربي والدولي كان ولا يزال حاسماً لسلطة أحمد الشرع، وبالتالي فالدعم لمعارضي هذه السلطة غير موجود ولا سيما إذا كانت المعارضة هي من بقايا النظام السابق، وقد رأينا أن الغرب وقف صفاً واحداً مع الدول الخليجية في الاستثمار تحت إشراف سلطة دمشق وبشراكة معها، ومن المنطقي جيوسياسياً أن تضغط السلطة الجديدة على مانحيها وشركائها الجدد كي يوفروا لها الحرية الكاملة للتصرف داخلياً مع المعارضة، وبخاصة مع الأقليات. وعلى رغم إصدار تصريحات محدودة عن أحداث في الساحل واحترام الخصوصية الدرزية وتقوية الشراكة مع الأكراد، فإن الغرب اتفق على عدم الضغط على دمشق كي لا تتعثر مسيرتها السياسية والدستورية، وكي لا تتأخر العقود الاستثمارية الهائلة الآتية إليها من الخليج ومصادر أخرى.

إلا أن عدم معالجة الجروح الداخلية السياسية، ولا سيما إذا كانت قومية وإثنية وطائفية، وبحسب الدروس التاريخية، ستفتح أزمات خطرة بالنسبة إلى الدولة السورية ككل والإقليم بعامة، إذ إن فرض السلطة بصورة أمنية وعسكرية من دون توافق سياسي لن يقوى على التغييرات الممكنة التي قد تطيح بالاستقرار عندما تتغير الظروف، فالمصالح المالية والاقتصادية التي تشكل القاعدة الدولية لدعم النظام الجديد واسعة وغير قابلة للتوقف، لأن المستفيدين المحليين والإقليميين والدوليين يمثلون المحور الفولاذي الشامل، ويشكلون المظلة فوق السلطة الجديدة.

ولكن القوة الحامية للحكم الذي يصف نفسه بـ “الأموي” تاريخياً، وإن حمت السلطة من أخصامها الخارجيين، سواء أكانوا القوى التابعة للنظام الإيراني أم حتى إسرائيل، فليس بإمكانهم أن يحموها من صراع داخلي، أي من مواجهات سنيّة – سنيّة إن حصلت بطريقة أو بأخرى، أو إذا حصلت مواجهة إقليمية نتيجة اشتباك إيراني – إسرائيلي شامل، لذا فمن الأفضل إقليمياً ودولياً، وحتى حيال المصالح الاقتصادية، أن يجري حل مشكلة الأقليات بصورة جذرية وباكراً كي لا تُضرم نيران من خلالها تصيب المصالح المتشابكة والمتسارعة.

وبكلام أبسط فإن السلطة في دمشق وداعميها أمامهما خياران، حرب ميدانية مع الأقليات قد تتحول إلى مواجهة مع مقاومات مختلفة، أو تسويات تاريخية، ففي العراق جرت تسوية مع الأكراد عبر “إقليم اتحادي” دخل في الدستور، وكان للولايات المتحدة دوراً أساس في إقناع الأطراف بقبول التعددية أياً كان شكلها في العراق، وفي سوريا تحد مماثل، فهل تقبل السلطة المركزية بشركاء اتحاديين؟ وهل تقبل الأقليات بالبقاء في دولة وحدوية؟ ومن سيساعد الطرفين في التوجه إلى المصالحة والشراكة؟

من المنتظر أن السلطة الحالية التي تسيطر على الجمهورية العربية السورية والمعترف بها من معظم الدول، والمنبثقة عن “هيئة تحرير الشام” والفصائل القتالية التي كانت توصف بـ “الجهادية”، لن تقبل بشراكة مع آخرين لتقاسم سوريا، أو أي شكل من أشكال الفيدرالية، لكن طرفين دوليين بإمكانهما أن يبادرا إلى إقامة إطار حواري يقنع الأطراف السورية بالجلوس إلى طاولة التفاوض لحل الأزمة الحالية ومنع الأزمات المستقبلية، وهما السعودية والولايات المتحدة، ومن مصلحتهما أن يعملا على حل المعضلة لمصلحة الاستقرار الإقليمي، فواشنطن والرياض هما من وفرا الإطار السياسي والدبلوماسي الأساس لتشريع الشرع، وهما من في قدرتهم أن يقنعا السلطة بأن تجلس في السعودية وبحضور إدارة الرئيس دونالد ترمب كعرابين لمؤتمر المكونات الأساس في سوريا، وحجة العرابين حيال القيادة الشامية لا بد من أن تكون مصلحة الذين أعطوا الشرعية لـ “الهيئة” أساساً، وهو خيار قائم على حسابات إستراتيجية للكبار، فالسعودية يهمها الاستقرار الإستراتيجي، وإدارة ترمب تتأثر بالصفقات الاقتصادية الكبرى، وحل مسألة المكونات في سوريا ممر لا مفر منه لإرضاء حاجات المحور السعودي – الأميركي، إذ تلعب الرياض دوراً أساساً في حماية المستقبل السياسي للحكم الجديد، وتلعب الإدارة دوراً حاسماً في حماية السلطة الجديدة من جهة، ومصالح المستفيدين من الأسواق الآتية من جهة أخرى.

وبالتلخيص الإستراتيجي فإن الرياض وواشنطن قادرتان على أن تختارا الابتعاد من الاهتمام بالمسألة الاثنية والطائفية، وتتركا للسلطة حلها على طريقتها من دون رقيب، مع ما ينجم عن ذلك من أخطار حالية ومستقبلية على سوريا والمشرق، أو إطلاق مبادرة مشتركة تقود أجندتها السعودية، فتدعو إلى مشروع حوار وحل للأزمة تحت مظلتها، كما فعلت مع أزمات أخرى إقليمية، فإذا اقتنعت السعودية والولايات المتحدة الأميركية بصواب هذا التحليل، واستشرفتا المستقبل بكل احتمالاته، سواء في المنطقة أو دولياً، فستخرج سيناريوهات كثيرة تساعد في تأمين المستقبل لبلاد الشام، وقد تكون بعض هذه السيناريوهات أفضل من الأهداف المعروضة حالياً، ولكن الأهم هو معرفة ما تريده المكونات السورية نفسها من الأكبر إلى الأصغر، وسنكتب عنها قريباً.

اندبندنت عربية

—————————

6 أشهر على سقوط الأسد… تمسك بالأمل رغم ضخامة التحديات

الإدارة الجديدة ورثت سوريا مقسمة ومعزولة دولياً

9 يونيو 2025 م

قبل 6 أشهر، ما كان مستحيلاً يوماً ما في سوريا، صار واقعاً حقيقياً، إذ أُطيح بنظام الرئيس بشار الأسد الذي حكم البلاد لنحو رُبع قرن، وذلك بعد سنوات من الحرب الأهلية الوحشية.

وشهدت سوريا نهاية 5 عقود من الحكم السلطوي لعائلة الأسد، تركت مجتمعاً ممزقاً مشوهاً بسبب العنف، يعصف به انعدام الثقة، ولكنه يحمل أملاً في بداية جديدة، بحسب تقرير لـ«وكالة الأنباء الألمانية».

اليوم، تتولى إدارة جديدة مقاليد الأمور في سوريا، التي يبلغ تعداد سكانها نحو 23 مليون نسمة، بقيادة الرئيس أحمد الشرع، بعدما فرَّ بشار الأسد إلى موسكو. وقام وتحالفه، بدور رئيسي في الإطاحة ببشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول). ولدى تولي القيادة الجديدة مقاليد السلطة، تعهَّدت بأن تكون «سوريا للجميع». بعد مرور 6 أشهر، هل أوفت هذه الإدارة بوعدها؟

مخاوف الأقليات

على الصعيد الدولي، ينظر إلى طريقة معاملة الأقليات في «سوريا الجديدة»، بنوع من التشكك. يشار إلى أن أغلبية سكان سوريا من المسلمين السُّنَّة، مثل الشرع ورفاقه. ورغم ذلك، فإن مخاوف الدروز والعلويين والمسيحيين تأججت، نتيجة أحداث العنف الطائفي التي شهدتها سوريا خلال الأشهر الأخيرة. وفي أوائل شهر مايو (أيار) الماضي، شنَّ مقاتلون متحالفون مع الحكومة هجمات استهدفت أفراداً من الطائفة الدرزية؛ ما أسفر عن مقتل العشرات. كما أفاد مراقبون بوقوع ما وصفوها بـ«مجازر» في منطقة الساحل السوري أوائل شهر مارس (آذار) الماضي.

وهاجمت مجموعات كبيرة من مؤيدي وفلول نظام بشار الأسد، بشكل منسق ومتزامن، مواقع عسكرية ومدنية تعود للحكومة التي ردَّت بعملية عسكرية واسعة، أودت بحياة مئات العلويين (الطائفة التي ينتمي إليها الأسد).

من جهته، قال حمود الحناوي، وهو شيخ درزي وأحد كبار قادة الطائفة الدينية، لـ«وكالة الأنباء الألمانية»: «ثمة خوف، ليس فقط بين الطائفة الدرزية، ولكن بين الأقليات الأخرى أيضاً». وأضاف: «إذا لم نتعلم قبول بعضنا بعضاً، بغض النظر عن عقائدنا، فلن نتمكَّن مطلقاً من بناء أمة». وهذا بالضبط ما تعهَّد به الرئيس أحمد الشرع للشعب السوري عندما تولى مقاليد السلطة: سوريا موحدة. وأكد الزعيم الدرزي: «ولكن علينا أن نضع في اعتبارنا دائماً أن سوريا كانت مقسمةً من قبل النظام القديم»، مضيفاً أنه لا يمكن بناء وطن موحد «إلا إذا وضعنا يدنا في يد بعضنا»، ودون تطرف من أي طرف.

بالنسبة للأكراد في شمال شرقي البلاد، الذين كانوا يحكمون منطقتهم في السابق بدرجة كبيرة من الحكم الذاتي (بعد اندلاع الاحتجاجات الشعبية في سوريا 2011)، جاءت الخطوة الرئيسية نحو تحقيق الوحدة الوطنية السورية عبر اتفاق بين القادة الأكراد والحكومة على الاندماج الكامل في مؤسسات الدولة. ومن الناحية النظرية، من شأن ذلك أن يمنح إدارة الشرع سلطةً على جميع الهياكل المدنية والعسكرية في شمال شرقي سوريا. ورغم ذلك، فإن التفاصيل الرئيسية للاتفاق لا تزال لم تحسم بعد.

وأعرب ممثلو الأكراد عن تفاؤل حذر، بقولهم: «يساورنا القلق، مثلنا مثل الطوائف الأخرى، ولكننا سنرى ما إذا كان الحكام الجدد سيوفون بوعودهم، ويعيدون لكل سوري وطنه».

العودة إلى الساحة الدولية

وضعت القيادة الجديدة في دمشق ضمن أولوياتها، النأي بنفسها عن إرث نظام الأسد، وإعادة بناء العلاقات الدولية. كان نظام الأسد معزولاً إلى حد كبير بعد اندلاع الحرب الأهلية، وتعرَّضت حكومته لعقوبات شديدة من غالبية المجتمع الدولي.

واندلع الصراع في سوريا عام 2011 باحتجاجات ضد النظام، تعرَّضت للقمع العنيف، ثم تصاعد الأمر إلى حرب أهلية واسعة النطاق، شهدت مشاركة دولية؛ ما أدى إلى نزوح نحو 14 مليون شخص، بحسب تقديرات الأمم المتحدة.

وبعد مرور نحو 6 أشهر على سقوط الأسد، التقى الشرع كثيراً من قادة العالم، بينهم الرئيس الأميركي دونالد ترمب. وفي أوروبا، استقبله الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. ومن المقرر أن يلقي الشرع كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.

إعادة التواصل بالشبكات المالية العالمية

وحقَّقت دمشق في الآونة الأخيرة مكاسب واسعة على الساحة الدولية، خصوصاً فيما يتعلق برفع العقوبات. وفي منتصف شهر مايو، هرع السوريون إلى الشوارع للاحتفال بإعلان الرئيس ترمب، بشكل مفاجئ وبعد تدخل من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، رفع العقوبات الأميركية على البلاد بشكل كامل. وبعد أيام قليلة، حذا الاتحاد الأوروبي حذو أميركا. وأشادت وزارة الخارجية السورية بهذه «الخطوة التاريخية» لـ«سوريا الجديدة».

ويشار إلى أنه خلال سنوات الحرب، كانت السلع الأساسية – بداية من الأدوية إلى الوقود – شحيحةً، حيث كان الاستيراد مستحيلاً في ظل وطأة العقوبات الدولية. كما كانت سوريا معزولةً إلى حد كبير عن النظام المالي العالمي، مما جعل تحويل الأموال من البلاد وإليها، شبه مستحيل. ويقول المراقبون إن رفع العقوبات عن سوريا قد يؤدي إلى خفض الأسعار بشكل تدريجي، والسماح بتدفق رؤوس الأموال الأجنبية، حيث إن البلاد في حاجة ماسة إليها، وهو أمر بالغ الأهمية للانتعاش الاقتصادي وجهود إعادة الإعمار على المدى الطويل.

90 % من السوريين يعتمدون على المساعدات

واليوم بعد مرور 6 أشهر على الإطاحة بنظام الأسد، فإن سوريا لا تزال بعيدةً عن الاستقرار. ووفقاً لبيانات الأمم المتحدة لشهر أبريل (نيسان)، عاد نحو 400 ألف لاجئ سوري من الدول المجاورة – وأكثر من مليون نازح بالداخل – إلى ديارهم.

ولا يزال الوضع الإنساني في سوريا مزرياً، حيث تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن نحو 90 في المائة من السكان ما زالوا يعتمدون على شكل ما من المساعدات الإنسانية. وبعد مرور السنوات الطويلة على اندلاع الصراع، لا يزال الفقر متفشياً على نطاق واسع. ويقول كثير من السوريين إنهم لا يزالون يعانون من الغموض بشأن مستقبل بلادهم. وقال أحد العائدين: «في بعض الأيام نتساءل ما إذا كانت سوريا الجديدة مختلفة… وفي أيام أخرى نعتقد أننا نسير في الاتجاه الصحيح خطوة بخطوة… الأمل لا يزال حياً».

——————————-

منطقتنا والتحدّيات الخارجية والداخلية/ عبد الباسط سيدا

10 يونيو 2025

لم يأت تصريح المبعوث الأميركي الخاص إلى سورية توم باراك، بشأن الإقرار بأخطاء نجمت من تطبيق اتفاقية سايكس بيكو 1916، والاتفاقات التي كانت ضمن إطارها العام، خصوصاً التي صيغت في مؤتمر سان ريمو 1920، والاتفاقية الفرنسية التركية (اتفاقية أنقرة الأولى 1921)، وصولاً إلى معاهدة لوزان 1953، والإقرار بإخفاق سياسة الولايات المتحدة تجاه سورية قرناً كاملا، لم يأتِ بجديد لا تعرفه شعوب منطقتنا، التي وجدت نفسها بعد انقشاع غبار الحرب العالمية الأولى محشورةً ضمن دائرة حدود رُسمت في مكاتب المسؤولين الغربيين بالمسطرة والفرجار. وكان ذلك وفق حسابات دولهم ومصالحها، لا بناءً على رغبات الشعوب أو مصالحها في تلك الكيانات الوليدة، التي أعلنت بعد الحرب دولاً قادتها أنظمةٌ حاكمةٌ مختلفةٌ، لكنّها تشاركت سمةً أساسيةً تمثّلت في تعاملها مع تلك الحدود بوصفها مقدّسة، رغم معرفة الجميع بأنها مفروضة من دول كانت بعد الحرب من القوة إلى الحدّ الذي مكّنها من فرض مشاريعها وإرادتها على دول المنطقة، والقوى الدولية المنافسة، في حين أن الشعوب في منطقتنا كانت مغلوبةً على أمرها، لا تمتلك قدرةَ الاعتراض، ولا المواجهة الفعلية. وحينما حاول الغيارى على أوطانهم وشعوبهم أن يعترضوا على ما كان يحصل، وخرجوا في انتفاضات وثورات، كانت الخسارات هي النتيجة في معارك غير متكافئة بكلّ الأشكال.

يتكامل كلام باراك (بل يتطابق) مع ما ذهب إليه الرئيس دونالد ترامب في أثناء زيارته الرياض، حين أشاد بتجربة السعودية من جهة نجاحها اللافت، والأكثر أهميةً في ذلك النجاح، أنه (وفق ما ذهب إليه ترامب) تحقّق بالانسجام مع خصوصية المجتمع السعودي، ولم يكن حصيلةَ تقليد نموذج وافد أو مقحم مفروض بنزعة تبشيرية من الغرب.

واليوم، وبعد مرور أكثر من قرن على تقسيم المنطقة، ورسم الحدود السياسية بين شعوبها بناء على مصالح القوى الدولية الاستعمارية، أصبحت الدول المُستحدَثة، تلك التي تحكّمت الأنظمة العسكرية بمعظمها، أكثر ضعفاً نتيجة الفساد والاستبداد، في حين أن الدول المُتحكِّمة التي أوجدتها باتت أقوى ممّا كانت عليه بأضعاف أضعاف المرّات، بفعل التقدّم التكنولوجي غير المسبوق، سيّما في ميادين الذكاء الاصطناعي. هذا التقدّم الذي كان يُصنَّف قبل ثلاثة أو أربعة عقود في عداد الخيال العلمي. فهذه الدول هي اليوم في موقع القادر على فرض الخطط والمشاريع بأساليب القوة الناعمة، ومعاقبة الحكومات، وحتى تغييرها إذا لزم الأمر. وقد أدركت شعوب منطقتنا وقواها السياسية، ولو متأخّرةً، هذه الحقيقة، بينما لم يعترف أصحاب الأيديولوجيات، الذين غالباً ما يتبعون أجندات عابرة للحدود لا تحافظ على مصالح بلدانهم وشعوبهم، بهذه الحقيقة المرّة. والمقصود هنا الأيديولوجيات القومية والدينية، بالإضافة إلى اليسارية العلمانية، فهؤلاء يرفضون الإقرار بالحقائق الواضحة رغم معرفتهم الأكيدة بإنسداد الآفاق أمامهم، ويرفعون شعاراتٍ كُبرى تنسجم مع نزعتهم الشعبوية، ويهدّدون الخصوم بمختلف الأساليب، بما في ذلك اتهامهم بالخيانة والكفر، وهم يعيشون حالة انفصامٍ عن الواقع، يمارسون الغطرسة والتبجّح من دراسة الأمكانات وفهم المتغيّرات. وذلك كلّه يحول بينهم وبين التركيز في مشاريع وطنية كانت (وما زالت) تمثّل المَخرج الآمن للمحافظة على جغرافية دول ما بعد الحرب، وهي الدول التي كانت (وما زالت) ميداناً لنقاشات وجدالات عقيمة بين الماضويين، بتيّاراتهم المختلفة، بشأن السبق الزمني والأحقية التاريخية. واللافت اتهام كلّ طرف الآخر، أو الأطراف الأخرى، بالانتقائية والتزييف والتشويه. أمّا النتيجة، فتتشخّص راهناً في استمرارية المشكلات، وعدم التوصّل إلى حلول توافقية وطنية، كان من شأنها طمأنة الجميع وإرضائهم. هذه الإشكالات عانت منها (وما زالت تعاني) دول منطقتنا، التي تتسم بالتنوّع الديني والمذهبي والإثني، خصوصاً في العراق وسورية ولبنان، وفي الجزائر والسودان واليمن ودول أخرى، في حين أن المنطق السليم كان يوجب الإقرار بالواقع القائم والتعامل معه بعقلية إبداعية بعيدة النظر، تراعي الإمكانات والحاجات والتحدّيات.

وكان من شأن مثل هذا الإقرار أن يدفع أصحاب الشأن والتأثير نحو التفكير في كيفية تحسين قواعد العيش المشترك بين المكوّنات المجتمعية المتنوّعة، والعمل من أجل ذلك. ولبلوغ هذا الهدف، تُبرِز الضرورة أهمية إزالة الهواجس المتراكمة لدى الناس، على مستوى الجماعات والأفراد، وذلك بعقود مكتوبة واضحة لا تحتمل التأويل. فالناس، بناءً على التجارب المريرة السابقة في منطقتنا، وهي التجارب التي عاشوها، أو على الأقلّ قرأوها أو سمعوا بها، وعانوا من آثارها، لديهم خوف مشروع من المستقبل، خصوصاً في مناخات الغموض، وغياب الشفافية، والممارسات الهجينة غير المتّسقة. ولكن إلى جانب ذلك، علينا أن نأخذ في اعتبارنا حقيقة أن النصوص وحدها لا تكفي، بل تحتاج هذه الخطوة، على أهميتها، خطوة أخرى لا تقلّ عنها أهمية، بل ربّما تتجاوزها في هذا المجال، والمقصود بذلك تعزيز اجراءات الثقة، وهذا لن يتحقّق بالمجاملات والخطابات العاطفية المنمّقة، وإنما بخطوات فعلية حقيقية، يتم تلمّسها واقعاً في الأرض.

وحتى تكون هذه العملية متماسكةً متكاملةً مستدامةً، لا بدّ من التوافق على آلية لحلّ الخلافات التي ستحدث، شاء المرء أم أبى. والتباينات والاختلافات والخلافات من الظواهر الطبيعية، إن لم نقل الصحّية، ما دمنا نحترم حقّ الآخر المختلف في التعبير عن رأيه بحرية، وبممارسة النقد والاعتراض على ما يعتبره خللاً أو خطأً. لذلك سيكون من المفيد أن تكون هناك آلية للتعامل مع الخلافات بغية تذليلها، عبر مؤسّسات قانونية دستورية، صلاحياتها وقواعدها واضحة، وأحكامها القضائية نافذة، والجميع أمامها في قضايا المساءلة والمحاسبة سواسية من دون أي تمييز موجب أو سالب. إلا أن التوافق على هذه الخطوات الثلاث سيكون عسيراً (إن لم نقل مستحيلاً) في أجواء طغيان اللغة الطائفية المذهبية البغيضة، والقوموية العنصرية المقيتة، خصوصاً في مجتمعات متنوّعة متعدّدة، مثلما هو عليه الحال في كلّ من سورية والعراق ولبنان وغيرها من الدول. فهذه اللغة المنبثقة من عقلية جمعية ثأرية تفتقر إلى أبسط مقوّمات النضج الوطني، والاتساق العقلي المنطقي، وهي تعتمد أسلوب تبنّي الأحكام المسبقة، التي قد تكون في صيغة كليشهات مكرّرة ممجوجة، توصف بها مكوّنات دينية أو مذهبية أو قومية بأكملها، من دون أيّ بحث أو تدقيق، أو تكليف النفس بضرورة التمييز بين مواقف التيّارات والأحزاب والأفراد ضمن هذا المكوّن المجتمعي أو ذاك، وهذا مؤدّاه تكريس ذهنية “نحن وهم”. نحن “الأمّة المصطفاة” وهم “الأشرار”. نحن أصحاب الحقّ والوطن، وهم الدخلاء الأغيار مصدر الشرور والمخاطر. وغالباً ما يكون مصدر ترويج هذه الأطروحات الزائفة، وتلك المقابلة لها، مجموعة من الناس ممّن يجهلون التاريخ القديم والوسيط للمنطقة، بل يجهلون حتى مجريات التاريخ الحديث والمعاصر، وخلفياته، خلال مرحلة إعلان تشكيل هذه الدول بموجب الاتفاقيات الاستعمارية بعد الحرب. لذلك، يلاحَظ أن هؤلاء المروّجين يتعاملون مع الحدود القائمة بين الدول المعنية وكأنّها حدود مقدّسة كانت منذ الأزل، وينبغي أن تستمرّ إلى الأبد. ولعلّ هذا ما يفسّر اعتبارهم شركاء الوطن والمصير “خصوماً”، بعد أن حشرتهم اتفاقات سايكس بيكو وإفرازاتها ضمن كيانات جغرافية، اقتطعت ولصقت وفق حسابات المستعمرين الإمبريالية؛ ومن دون أن يكون للناس داخل تلك الأوطان، التي ستصبح دولاً، أيَّ رأي، بل حتى معرفة بما كان يجري.

واليوم يقرّ المبعوث الأميركي باراك بالأخطاء الجسيمة التي ارتكبتها القوى العظمى بعد الحرب العالمية الأولى في منطقتنا، سيّما في سورية والعراق. والجدير بالذكر هنا أن مثل هذه الأخطاء، التي كانت بناءً على التوجّهات والاستراتيجيات الاستعمارية، ارتكبت في أفريقيا، وأماكن أخرى متعدّدة في آسيا، وغيرها. والاعتراف بالخطأ فضيلة، هذا إذا كان صادقاً مبنياً على مراجعات عقلية ضميرية، ولكنّه مع ذلك لا يغيّر من الأمر كثيراً ما لم يُقرَن بخطوات عملية تؤكّد أن الخطأ ذاته، أو شبيهه، لن يتكرّر مرّة أخرى، وبصيغة أخرى. وهنا تتحمّل مجتمعاتنا عبر قواها السياسية ونُخبها وتيّاراتها الشعبية مسؤولية الإسهام في تبلور مجتمعات وطنية حقيقية، لا تكون مجرّد تجمّع من الحارات الدينية والمذهبية، أو القومية أو الجهوية المناطقية، حارات متوجّسة من بعضها، تتكوّر على ذاتها، تمارس النفاق والتقيّة، وتتحيّن الفرصة للانتقام الذي تعتبره حقّها المشروع بناءً على سردية مظلوميتها التي تغدو مع الوقت جداراً عازلاً، يقطع الطريق أمام أيّ نفَس وطني انفتاحي، لا تستغني عنه الدول الطبيعية المتوازنة.

العربي الجديد

——————————————————-

كيف بذل الأسد قصارى جهده ليسقط!/ عمر قدور

الثلاثاء 2025/06/10

لذكرى وفاة حافظ الأسد هذا العام وقْعٌ مختلف. إذ يجوز القول إنه أخيراً مات، بعد ربع قرن من الإعلان عن وفاته. فالاعتقاد الشائع هو أنه استمر بالحكم عبر ابنه، وكان مرشَّحاً للاستمرار عبر حفيده، وهذا هو فحوى الأبد في الشعار الذي يعرفه السوريون جميعاً: قائدنا إلى الأبد.. الأمين حافظ الأسد. ثمة الكثير مما يُقال في أن حافظ الأسد لم يبقَ فقط من خلال حكم ابنه، فأثره المستدام كان أيضاً من خلال معارضيه الذين تمثّلوا الكثير من سيئات الحقبة الأسدية، بل لطالما اتُهموا بأنهم نسخة مقلوبة منه.

بعد الإعلان عن الوفاة، سار كل شيء كما كان مدبَّراً منذ سنوات، أي منذ مقتل ابنه باسل الأسد في حادث سير، ثم دفْعِه ببشار إلى الواجهة كوريث بديل. هكذا تم تعديل الدستور على عجل، وكما هو متوقّع أصلاً لأن وراثة بشار سارت على نحو معلن منذ بدايات سنة 1994، عندما أُعيد من إنكلترا حيث كان يتابع دراسته في طب العيون، ليكون رئيس المستقبل.

قبل سفره إلى إنكلترا، بل قبل وفاة باسل، لم يكن يُعرف الكثير عن بشار. كانت هناك معلومات أكثر شيوعاً عن أخيه الآخر ماهر، تحديداً ما كان يُقال عن نزوعه العسكري المشابه لعمه رفعت. لباسل نفسه وجهٌ عسكري، من بين وجوه عديدة كانت تُروّج عنه، فهو المظلي والضابط والمهندس والرياضي… وفوق ذلك هو ابن أبيه بما كان يروّج عنه من دهاء. قبل كانون الثاني 1994، كان من السهل الجزم بأن ذلك الابن الطبيب لن يكون حاضراً في صلب السلطة، أو على رأسها، والظن الشائع أنه بعيد جداً عنها.

بموجب معلومات متفرقة عن تلك الفترة، كانت الحظوة لدي الأبوين موزّعة في المقام الأول بين البنت والابن الأكبر، وبعد تحييد العم رفعت عن وراثة السلطة صار باسل هو الملازِم لأبيه، ولم تكن علاقة الوريث الأول بالوريث اللاحق على ما يرام. أثناء دراسته كان بشار يحظى بامتيازات كونه ابناً لحافظ الأسد، وإن حاول إظهار العكس، فلم يمارس سلطوية فظّة إلا في مناسبات قليلة، وهناك معلومات عن أنه كان يُظهر تململه من السلطة الذي أصبح باسل هو من يمثّلها فعلياً. على هذا، من المرجّح أنه كان يطمح إلى الخلاص من هيمنة باسل، وإن أتى الحلول مكانه هدية غير متوقَّعة.

الشائع أيضاً على نطاق واسع آنذاك، أن باسل سرُّ أبيه، بمعنى أنه إلى حد ما سيكون استمراراً للأب، في وقت كانت فيه أغلبية السوريين تتوق إلى التغيير. لقد كان باسل عسكرياً، وهو ما كانت تفضّله قلّة تخشى على إرث الأسد من الضياع إذا لم يكن الوريث عسكرياً حازماً وشديداً. على نطاق أوسع، هناك شريحة الشباب التي كان باسل يُقدَّم كرمز لها ولرغبتها في التحديث، ولم يكن سهلاً ولا صعباً إقناعها ببديل مدني، يدرس في الغرب كناية عن مستقبل حداثي غربي. أما الكتلة الأكبر المنشغلة بالاقتصاد والعيش، والتي قاست من العسكر والمخابرات، فهي بلا شك تفضّل حكماً مدنياً، وإن قاد هذا التحول وريث لشخصية غير محبَّبة بقدر ما صارت مُهابة.

الخلاص من حافظ الأسد كان مطلباً خارجياً وداخلياً، فوجوده صار معيقاً للكثير من الديناميكيات الداخلية والإقليمية. وقد سلّم الخارج والداخل بأن التغيير لن يكون إلا من ضمن السلطة، حيث لا يوجد مرشّح سوى من العائلة نفسها. من الوقائع الشهيرة الدالة على الترحيب الدولي بالوريث الجديد استقبالُه في قصر الإليزيه من قبل الرئيس جاك شيراك، ثم انفراد وزيرة الخارجية الأميركية به عندما أتت لتعزّي بوفاة أبيه.

لم تكن هناك أداة إحصائية موثوقة وقتذاك، لكن يمكن الجزم بلا مبالغة بأن بشار الأسد حظي قبل ربع قرن بقبول سوري واسع جداً. ولم تكن الأكثرية العددية السُنّية خارج هذا القبول، بل كانت من ضمنه، وبقوة أحياناً. وبالطبع كانت الآمال معقودة عليه ليقود البلد نحو الحداثة، ونحو قدر أوسع من الحريات، ومنها حرية الرأي والتعبير. الذين انخرطوا فيما سُمّي ربيع دمشق آنذاك كانوا في طليعة المنادين بالحريات السياسية، ومعظمهم كان مستعداً للقبول بعملية إصلاح سياسي يقودها الرئيس الشاب.

الصناعيون والتجار توسّموا خيراً أيضاً بالرئيس الجديد، وكانت قرارات الانفتاح الاقتصادي قد بدأت مع وضع مشروع التوريث على نار ساخنة، ومن جهة أخرى بدأت ثروات أبناء المسؤولين الكبار بالظهور في السوق، وكان البعض يأمل أن يكون لأموال الفساد تأثير مشابه لما حدث في بعض أنظمة أمريكا اللاتينية لجهة الانتقال من الاستبداد إلى الليبرالية. الأكيد أن الوضع الاقتصادي شهد تحسناً بعد ركود بدأ في الثمانينات، وإن كان توزيع الحصيلة غير متساوٍ، إذ نالت دمشق الحصة الأكبر، بينما بقيت مناطق الجزيرة السورية هي الأكثر تهميشاً.

نتحدث عن شاب كان في منتصف الثلاثينات من عمره، بلا خبرة سياسية في بلد ممنوع من السياسة، ومع ذلك يتسلم الرئاسة وهو يحظى بشعبية بناءً على ما هو مأمول منه، وعلى أنه “رئيس الضرورة”. وهو لم يبخل في تغذية الآمال حول التغيير الذي يحمله، إلى أن انقلب على ربيع دمشق، ثم انقلب عقب ذلك على وعوده الإقليمية والدولية، وبات متهماً باغتيال الرئيس رفيق الحريري.

خلال خمس سنوات لا غير أهدر بشار الرصيد الذي اكتسبه بين عامي 1994 و2000، وهو بنفسه فعل ذلك، لا تحت أية ضغوط تهدد حكمه، لا في المدى القريب آنذاك ولا البعيد. ورغم ما حدث، كانت أمامه الفرصة لا تزال سانحة ليلتفت إلى الداخل التفاتة حقيقية، بعدما اضطر إلى سحب قواته من لبنان، خصوصاً أن النوايا الدولية لم تكن متجهة لمعاقبته بعد انسحابه من هناك. بل سيُفهم أن ثمة تواطؤاً أميركي وإسرائيلياً معه مَنَع تقديم وثائق للجنة التحقيق الدولية في مقتل الحريري، ما يعني أن قرار الإبقاء على حكمه بقي سارياً.

في غضون ما سبق، وبعد القضاء على ربيع دمشق، عاد بشار إلى نهج أبيه لجهة تغوّل المخابرات على الحياة العامة. الذي لا يقل تأثيراً وسوءاً أنه أسفر عن جشع شديد على الصعيد الاقتصادي، حيث صار واضحاً أنه يتعين على أي صاحب نشاط اقتصادي القبول بشراكة إذعان مع السلطة، أو بالأحرى مع وكيل من وكلاء رأس السلطة المعروفين بالاسم. أي أن وعود منتصف التسعينات بالحرية والازدهار الاقتصاديين تبخرت في العقد الأول من الألفية الجديدة، فيما لم تبدر عنه أدنى حساسية إزاء الوضع العام بأكمله.

نتوقع أنه كان مزهواً بقدَره الذي أوصله إلى السلطة بحادث سير، وبتعامل الخارج معه على أنه “رئيس الضرورة” رغم كل ما فعله. ربما هذا ما جعله شديد الثقة بنفسه مع اندلاع الربيع العربي، ليصرّح بأن سوريا ليست تونس أو مصر. الثقة ذاتها جعلته يخرج وهو يضحك في أول خطاب له بعد اندلاع الثورة وقيام شبيحته ومخابراته بقتل المتظاهرين العزّل، فهو كان يضحك كشخص بلا أدنى إحساس بالجرم الذي يرتكبه، وهذا الانفصال عن الواقع يجد تبريره بأنه واثق من كونه (هو وسلطته) خارج دائرة العقاب.

تاريخ ما بعد اندلاع الثورة معروف أكثر مما سبقه، والأكيد أن حكم بشار كان آيلاً للسقوط في العديد من المناسبات، لولا العناية والمشيئة الدوليتين اللتين أبقيتا عليه ولو في “غرفة الإنعاش”. وإذا عدنا سنة إلى الوراء، يمكن العثور على أكوام من التسجيلات والكتابات التي يقرّ أصحابها بأن المشيئة الإقليمية والدولية تتجه إلى إعادة تدويره، والأسئلة التي راحت تطرح يدور معظمها حول كيفية طي صفحة المساءلة عن الجرائم التي ارتكبها. والشائع أنه بقي جشعاً للاستئثار بالبلد، فرفض تقديم التنازلات الضرورية لإعادة تدويره، ما أدى إلى إسقاطه في النهاية؛ ربطاً بإخراج إيران من سوريا.

ما سبق إحاطة موجزة أُهمِل فيها الكثير من الفرص التي أُتيحت لبشار الأسد، إلا أنه كمن أبى استغلالها، وكان مصراً على المضي في طريق الهاوية. قد يُقال الكثير في البنية النفسية له، لكننا لا نراها حاسمة أو مؤثّرة إلا بموجب بنية سلطة تستوعب هذا القدر من الجشع إلى الاحتكار، وهذا القدر من اللامأسسة الذي يسمح لشخص (أو لعائلة) بأن تقرر ما تشاء. ربما، في جانب من الملهاة والمأساة معاً، يصحّ القول بأن حكم الأسد انتهى مع الموت البطيء للأب المؤسس، وأن سنوات حكم الابن هي محاولات إنعاش للجثة، أي أنه السلطة ببنيتها وبحيثياتها الداخلية لم تكن قابلة للاستمرار، وفي الرهان بين قوة الخارج وقوة الداخل ربح الثاني منهما أخيراً، وربما هذه هي العبرة في أن “إصرار” بشار على السقوط كان أقوى من محاولات ثنيه عن ذلك!  

المدن

———————————-

سوريا بين المبادرة والتغيير الحقيقي.. وفرصة لن تنتظر/  إردام أوزان

نشر الثلاثاء، 27 مايو / أيار 2025

إذا اختارت سوريا الشجاعة على الأداء، والرؤية على الارتجال، والشعب على السياسة، فإنها لا تزال قادرة على طي الصفحة. ولكن هذه الصفحة لن تطوي نفسها.تجد سوريا نفسها في منعطف حرج، تواجه فيه تناقضات تُشكّل حاضرها ومستقبلها. فمن جهة، ثمة بصيص أمل بغدٍ أكثر إشراقًا مع سقوط بشار الأسد وتخفيف العقوبات مؤخرًا؛ ومن جهة أخرى، يواجه المواطنون تضاؤلًا في فرص العمل وتزايدًا في التشكيك في الحكومة الانتقالية بقيادة أحمد الشرع.

ينشط المشهد السياسي من جديد، لكن هذه الحركة لا تُحركها الضغوط فحسب، بل تضافر الفرص النادرة. فبعد جهود ضغط فعّالة من السعودية وتركيا ودول أخرى، عرضت الولايات المتحدة مؤخرًا إعفاءً من العقوبات. ويتزامن هذا التطور مع زيارات الشرع إلى الرياض وأنقرة، مما يُشير إلى أن سوريا ربما تكون قد دخلت نافذةً حساسةً يُمكن فيها لقراراتٍ ذكية وسريعة ومدروسة أن تُعيد رسم مسارها بعد الحرب. ومع ذلك، فإن هذه النافذة ليست مفتوحةً إلى أجلٍ غير مسمى أو خاليةً من المخاطر.

لا تزال عناوين الأخبار السياسية تُسلّط الضوء على العنف ضد الأقليات، وعدم اليقين بشأن اندماج القوات الكردية، واستمرار عدم الاستقرار في الجنوب، ومزاعم اتخاذ إجراءات مثيرة للجدل مثل إغلاق الحانات وتطبيق حظر الكحول. تُشير هذه الإجراءات، إلى جانب المبادرات الدبلوماسية تجاه إسرائيل، مثل إعادة رفات إيلي كوهين، إلى تحول جيوسياسي كبير.

لفترة طويلة، اعتمدت السياسة السورية على مظاهر خارجية، مثل مبادرات الإصلاح، والشعارات المُعاد تدويرها، والانخراط الانتقائي. ومع ذلك، لا يزال الجمهور ساكنًا. تُثير الأفعال والتصريحات الرمزية عناوين الصحف، لكنها لا تُثير الأمل، مما يُقلل من شأن تلبية المطالب الأعمق لبلد لا يزال يواجه نزوحًا مستمرًا، وانهيارًا اقتصاديًا، وتفتتًا في السيادة.

ما تحتاجه سوريا الآن ليس مزيدًا من الإشارات، بل استراتيجية متماسكة تجمع إعادة الإعمار والعدالة والدبلوماسية في مشروع وطني واحد تطلعي. يجب تمهيد الطريق بعناية. تخفيف العقوبات، مهما كان محدودًا، لا يوفر فقط متنفسًا اقتصاديًا، بل رأس مال سياسي أيضًا. إذا استُخدم بحكمة، يُمكنه فتح آفاق المشاركة الإقليمية والدولية، وجذب تدفقات إعادة الإعمار، وتحسين تقديم الخدمات. أما إذا أُسيء استخدامه، فقد يُصبح فرصة ضائعة أخرى.

مع ذلك، فإن تخفيف العقوبات وحده لن يُقنع السوريين أو حلفائهم بأن التغيير الحقيقي جارٍ. فمصداقية العملية تعتمد على إحراز تقدم موازٍ في العدالة. فالعدالة الانتقالية في سوريا ميدان مشحون سياسيًا ومحفوف بالمشاعر. لا يزال عشرات الآلاف في عداد المفقودين، وتجارب التعذيب والحصار والهجمات الكيميائية والتهجير القسري ليست مجرد اتهامات قانونية؛ بل هي جزء من الذاكرة الجماعية. هذه الصدمات تطال كل المجتمعات، وتُغذي انعدام الثقة المستمر في هياكل الدولة.

يُعدّ إنشاء الهيئة الوطنية للمفقودين والهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية مؤخرًا خطوة مبدئية في الاتجاه الصحيح. ويجب ألا يقتصر الأمر على مجرد مبادرات استعراضية للاستهلاك الخارجي. يجب اعتبار العدالة الانتقالية أساسًا سياسيًا وأخلاقيًا للمصالحة الوطنية والشرعية. إذا ما تم التعامل معها بصدق، يُمكن أن تُصبح إطارًا موحدًا، يسمح لمختلف المجتمعات السورية بالبدء في إعادة بناء الثقة مع الدولة ومع بعضها البعض. يتطلب الأمر شفافية ومشاركة شعبية وسردًا يُؤكد بوضوح أن هذه العملية ملك للشعب، لا للنخب فحسب.

بينما يتزايد الزخم الدبلوماسي في دوائر النخبة، لا يزال الخطاب العام بعيدًا عن مساره. ينشغل جزء كبير من الحوار الداخلي بمواضيع رمزية وثانوية. تهيمن القيود الاجتماعية والمظالم الطائفية والمناوشات المحلية على المنصات العامة، حتى في ظل تجاهل قضايا هيكلية مثل مستقبل القوات الكردية وخطر عودة داعش. هذه الفجوة بين ما هو مهم وما يهيمن على النقاش العام خطيرة؛ فهي تسمح للحكومة بالعمل دون مساءلة، مما يُعرّضها لخطر إهدار فرص نادرة بفشلها في بناء زخم مجتمعي حولها.

يُجسّد ملف إعادة الإعمار هذه المسألة. فغالبًا ما يُنظر إليه كمسألة تقنية أو يُختزل إلى سياسات المانحين، إلا أنه ذو طابع سياسي عميق. تتعلق إعادة الإعمار بالملكية، أي بمن يتحكم في السردية، ومن يُكلّف بإعادة الإعمار، ولصالح من. وإذا تُرك دون استراتيجية واضحة، فإنه يُخاطر بترسيخ هياكل السلطة القديمة. ومع ذلك، إذا ارتبط برؤية قائمة على العدالة والشفافية والشمول، يُمكن أن يُصبح محركًا للتجديد الوطني.

لهذا السبب، يُعدّ تشكيل الخطاب العام أمرًا مُلِحًّا. يجب تشجيع السوريين على تحويل تركيزهم من الرمزي إلى الهيكلي. يجب على المنصات المدنية والنقابات المهنية ووسائل الإعلام ومنظمات الشتات إعادة توجيه اهتمامها نحو محوري تخفيف العقوبات والعدالة. هنا يُحدَّد مستقبل سوريا.

بالنسبة للشرع ومن حوله، لا يكمن التحدي الآن في الرؤية فحسب، بل في سرعة التحرك. فالسياق الإقليمي يشهد تحولات. السعودية تُرسّخ مكانتها بشكل متزايد كعامل استقرار إقليمي. وتركيا، التي تواجه إعادة تقييم اقتصادي وسياسي، منفتحة على المشاركة في التعاملات التجارية. وتسعى الولايات المتحدة إلى تقليص دورها مع الحفاظ على نفوذها. في هذه المرحلة من التقلب النسبي، لدى سوريا مساحة للمناورة، لكن ليس لديها وقت لتضييعه.

تتطلب القيادة الفعّالة اليوم فهمًا دقيقًا للوضع الراهن. من الضروري إدراك أن سوريا لا تواجه إعادة ضبط شاملة، بل فرصة محدودة وسط مجموعة معقدة من المصالح. وسيتوقف استعادة سيادتها أو استمرار تبعيتها على إجراءاتها الاستراتيجية والسريعة.

الرمزية لن تُحقق إعادة الإعمار، والخطابات لن تُعيد المفقودين، والدبلوماسية دون متابعة لن تُحقق استقرار البلاد. المطلوب هو خطة وطنية متكاملة، ترتكز على العدالة، وتدعمها رسائل واضحة، وترتبط بإغاثة ملموسة للمواطنين.

لا تزال هناك فرصة لاستعادة مسار سوريا، لكن هذه الفرصة لن تنتظر.

* نبذة عن الكاتب:

إردام أوزان دبلوماسي تركي متمرس يتمتع بخبرة 27 عامًا في الخدمة الدبلوماسية. وقد شغل العديد من المناصب البارزة، بما في ذلك منصبه الأخير كسفير لدى الأردن، بالإضافة إلى مناصب في الإمارات العربية المتحدة والنمسا وفرنسا ونيجيريا.

ولد في إزمير عام 1975، وتخرج بمرتبة الشرف من كلية العلوم السياسية بجامعة أنقرة. واكتسب معرفة واسعة بالمشهد السياسي والاجتماعي والاقتصادي في الشرق الأوسط، حيث قام بتحليل تعقيدات الصراعين السوري والفلسطيني، بما في ذلك جوانبهما الإنسانية وتداعياتهما الجيوسياسية.

كما شارك في العمليات الدبلوماسية المتعددة الأطراف، وتخصص في مجال حقوق الإنسان والتطورات السياسية الإقليمية. وتشمل مساهماته توصيات لتعزيز السلام والاستقرار من خلال الحوار والتفاوض بالتعاون مع المنظمات غير الحكومية والمنظمات الدولية. ويواصل حاليا دراساته عن الشرق الأوسط بينما يعمل مستشارا.

————————————–

المخاض السوري وموازنة الديني بالسياسي/ علي العبدالله

11 يونيو 2025

يرزح المشهد السياسي السوري تحت وطأة ظاهرتين سياسيتين سلبيتين: سلطة تأخذ قراراتها بدلالة فئوية، سنّية، ورجال دين يتصدّرون قيادة المكونات الدينية والمذهبية الأخرى، المسيحيين والموحدين الدروز والعلويين والإسماعيليين، ما حوّل الصراع السياسي إلى صراع ديني ومذهبي، أفرز حالة تفاضلية بين مكونات المجتمع السوري، عمّقت الخلافات وكرّست الانقسامات، وجعلت الاستقرار السياسي والأمني بعيد المنال.

نحن أمام مشهد سياسي تهيمن على تفاعلاته سرديّتان اتفقتا فاختلفتا، اتفقتا على إعطاء الأولوية لهوياتها الفرعية، فاختلفتا على الخيارات والحلول الوطنية المناسبة لإقامة دولة سورية جديدة، حيث توجّهت السلطة السورية الجديدة السنّية منذ اللحظة الأولى لإسقاط النظام البائد في عملية ردع العدوان إلى البدء ببسط سيطرتها على المجال العام بنقل حكومتها في محافظة إدلب إلى العاصمة، وتسليمها سلطة إدارة مرحلة انتقالية، تلتها عمليات تعيين محافظين وقادة جيش وأمن من لون واحد، سنّة، من الفصائل التي شاركت في عملية ردع العدوان، وفي مقدّمتها الفصيل الأساسي: هيئة تحرير الشام، تلتها خطوات تأسيسية لكيان سياسي جديد: عقد مؤتمر النصر وتولية أحمد الشرع رئاسة المرحلة الانتقالية، وتكليفه بمهام من صلاحيات رئيس منتخب، حل الأحزاب والفصائل المسلحة ووضع إعلان دستوري وتشكيل هيئة تشريعية، وتكليفه قائداً من هيئة تحرير الشام بتشكيل جيش سوري جديد قوامه الفصائل المسلحة، وآخر لتشكيل جهاز مخابرات جديد، ومنح رتب عسكرية من مرتبة الضباط القادة لمقاتلين من الفصائل وعينهم في مواقع عسكرية حسّاسة، وعقد مؤتمر حوار وطني لإسباغ الشرعية على خطواته التالية التي يستدعي القيام بها وجود شرعية شعبية مثل وضع إعلان دستوري وتشكيل هيئة تشريعية انتقالية. حتى تشكيل لجنتي العدالة الانتقالية والكشف عن مصير المفقودين اللتين تستدعي طبيعتهما أن تكونا مستقلتين، لم يخرج عن التوجّه العام للسلطة الجديدة باختيار شخصيات لرئاسة اللجنتين من المقرّبين، بحيث تضمن السلطة أن يبقى عملها تحت السيطرة وأن تكون النتائج في صالح سرديتها.

زاد الطين بلة ما تسرّب عن ممارسات السلطة في مواضيع شديدة الحساسية، مثل إخضاع عناصر الجيش والمخابرات والشرطة لدورات تثقيف عقائدية في الفكر السلفي، والتحضير لإخضاع معلمي المدارس الابتدائية لدورات مماثلة، كي تنعكس في تعاطيهم مع تلاميذهم، بحيث يكونون سبل ترويج وتعميم، واستبدال خطباء المساجد بخطباء مرضيٍّ عنهم لترويج نمطٍ من السلفية معروفة باسم المدخلية، يقوم أساسه المنهجي على رفض الطائفية والفرقة والتحزّب وعدم جواز معارضة الحاكم وعدم إبداء النصيحة له في العلن، يرى النصيحة له في السرّ أولى؛ ويعتبر ذلك من أصول عقيدة أهل السنّة والجماعة، ويعتبر مخالفة هذا الأصل خروجاً على الحاكم المسلم. وسبق ذلك تشكيل مجلس إفتاء من ممثلين عن المذاهب السنّية فقط، ما أثار أسئلة عن مغزى استبعاد أتباع بقية المذاهب الإسلامية العلويين والموحدين الدروز والإسماعيليين، هل اعتبرتهم خارج الإسلام أم اعتبرتهم سقط متاعٍ لا قيمة له، وهل يعني استثناء المذاهب غير السنّية أن من حقّهم تشكيل مجالس إفتاء خاصة بهم، ما يفتح على صراع فتاوى؟. وكان لافتاً أن بيان مجلس الإفتاء العتيد عن تحريم الثأر والانتقام خارج نطاق القضاء والإطار القانوني لم يحدّد ما إذا كان هذا التحريم يشمل كل المواطنين السوريين بغضّ النظر عن دينهم ومذهبهم، لأن ربطه حرمة الدم والمال والعرض بكلام الرسول (عليه الصلاة والسلام) يثير شبهة شموله المسلمين فقط.

تشكيل حزب للسلطة السورية الجديدة تحت اسم “الأمانة العامة للشؤون السياسية” في وقتٍ تمنع نشاط الأحزاب السياسية القائمة، وتمنع تأسيس أحزاب جديدة، ما أثار مخاوف من تأسيس نظام الحزب الواحد، وتحول “الأمانة العامة للشؤون السياسية” إلى حزب قائد في المجتمع والدولة؛ كما كان حزب البعث في النظام البائد. ما ترك انطباعاً بأن السلطة الجديدة تعمل في المرحلة الانتقالية، التي حددت مدّتها بخمس سنوات، على إقامة نظام شمولي عبر ترويض المجتمع وتنميط سلوكه وردّات فعله وفق توجهاتها.

عكست القرارات والإجراءات العملية المذكورة أعلاه وجود هدفين رئيسين للسلطة السورية الجديدة: توفير غطاء سياسي وإحكام السيطرة على المجال العام، كان هذا واضحاً بقوة في قرار الرئيس الانتقالي أحمد الشرع تكليف لجنة لوضع إعلان دستوري وتزويدها بمحدّدات، بحيث يظهر الإعلان ثمرة جهود لجنة مستقلة، ويحقق خيارات الرئيس الانتقالي وتفضيلاته في الوقت نفسه، كما تجلى ذلك في إصدار مراسيم تشريعية، في تعارض تام مع مواد في الإعلان الدستوري تقيّد حقّ الرئيس الانتقالي بإصدار مثل هذه المراسيم، لتسجيل مكاسب على طريق تحقيق الهدفين المذكورين.

لم يحظ توجّه السلطة السورية الجديدة بقبول مكونات سورية عديدة رأت فيه توجهاً لفرض سردية محدّدة على المجتمع السوري وتشكيل نظام سياسي فئوي لا يختلف عن النظام البائد إلا بالشكل، سنّي مقابل علوي. وقاد هذا إلى بروز مواقف رافضة لدى الموحّدين الدروز ولدى العلويين. رفض الكرد أيضاً، لكن لاعتبارات قومية ومطالب تتعلق بطبيعة النظام السياسي المستهدف، بحيث تضمن تعددية وتشاركية فعليتين، وقد ترتّب عن رفض الموحدين الدروز والعلويين توجهات السلطة السورية الجديدة الذي تصدّرته قيادات دينية، مشايخ العقل الدروز وشيوخ الطائفة العلوية، نشوء حالة سياسية شديدة الخطورة والتدمير، فحواها تحوّل الصراع السياسي إلى صراع مذهبي عزّز الانقسامات ورفع الجدران بين مكوّنات المجتمع السوري، فالخيارات ما دون الوطنية لدى السلطة الجديدة استدعت خياراتٍ دون وطنية مضادّة، وهو ما جسّده رفض الموحدين الدروز في السويداء وجرمانا وصحنايا تسليم أسلحتهم قبل تلبية مطالبهم وتحفظ مشايخ العلويين في محافظات الساحل، اللاذقية وطرطوس، ومطالبتهم بوقف الانتهاكات بحقّ المدنيين من العلويين في حمص وحماة، حيث وقعت عمليات اعتقال عشوائية وانتقام وقتل للمدنيين ونهب للبيوت وإتلاف لمحتوياتها والتعدّي على مزارات علوية، والتنمّر على المدنيين وإذلالهم خلال عمليات البحث عن عناصر النظام البائد وحل الجيش والمخابرات من دون تقديم بدائل توفر فرص عيش كريم للأسر، فرص عمل لغير القتلة والفاسدين الذين يجب عزلهم ومحاسبتهم، وطرد الأسر من مساكنهم التي حصلوا عليها خلال سنوات الخدمة في الجيش والمخابرات، وعمليات القتل الواسعة التي حصلت ضد المدنيين بعد استغلال أنصار النظام البائد هذه المظالم بتحريض أبناء الطائفة، والتحرّك لبسط سيطرتهم على محافظات الساحل، واستمرار عمليات القتل، وجديدها أخيراً ما حصل في قرية الدالية في ريف اللاذقية، وهذا أثار أسئلة حول طبيعة المواطنة التي تسعى السلطة السورية الجديدة لإرسائها قاعدة للنظام السياسي المستهدف، أهي مواطنة مبنية على الهوية الإثنية أم مواطنة مبنية على القيم المشتركة، وحول تجاهل السلطة السورية الجديدة انعكاسات قراراتها على المواطنين وردود الفعل المحتملة وطبيعتها وحدّتها بالتالي، حيث ثمة حاجة ماسّة عند أخذ أي قرار أو إصدار مرسوم إلى مراعاة التعدّد القومي والديني والمذهبي، ووضع انعكاس هذا القرار أو المرسوم على المجتمع السوري وقواه السياسية والاجتماعية بالحسبان، وإجراء حسابات دقيقة، بحيث تضمن السلطة السورية الجديدة أن يكون أثر قرارها ومرسومها إيجابياً يؤدّي إلى تخفيف الاحتقان والتوتر، وإلى تقريب المواقف على طريق بناء وحدة وطنية، فالوضع الهشّ والانقسامات القومية والمذهبية تحتاج حصافة وقدرة على تدوير الزوايا لرأب الصدع وجسر الهوّة بين المواقف والسرديات.

لا يشكّل التصرف الحصيف المذكور من السلطة، على أهميته وضرورته، حلّاً للمعضلة التي يواجهها المجتمع السوري على خلفية الاصطفافات المذهبية والانقسامات العمودية التي خلفها النظام البائد، وكرّستها السلطة الجديدة عبر سياستها الفئوية والتمييزية؛ فالموقف يحتاج تحرّكاً موازياً من القوى السياسية والاجتماعية في كل المكونات السورية، للتخفيف من حدّة الاستقطاب وتطويق عمليات التحريض على الكراهية والتحرّك لرأب الصدع في المناطق التي شهدت مواجهات وقتل ونهب عبر العمل على توفير الأمن وتضميد الجراح وجبر الضرر بالتعويض عن الخسائر وإجراء المصالحات. وهذا يستدعي جهداً سياسياً واجتماعيّاً لإعادة صياغة التوازنات داخل المكونات ودفعها إلى موازنة حضور القيادات الدينية بتشكيل هيئات سياسية وازنة تتصدّر المشهد السياسي، أو تعادل، على الأقل، تأثير القيادات الدينية بحيث تشكّل قوة امتصاصٍ للتحريض وللتوتّرات السياسية والاجتماعية، تمهيداً لإعادة البعد السياسي إلى المشهد، وفتح الطرق أمام المساومات السياسية والاتفاق على حلول مقبولة للملفات العالقة.

العربي الجديد

———————————–

عن ارتباط سورية وأوكرانيا/ مروان قبلان

11 يونيو 2025

عادت أوكرانيا، في الأسابيع الأخيرة، لتحتل عناوين الأخبار حول العالم، بسبب تصاعد وتيرة القصف الروسي، أملاً في الحصول على مزيد من التنازلات، في ضوء اهتمام الرئيس الأميركي، ترامب، بوضع حدّ للحرب، والردّ الأوكراني الذي يحاول أن يقنع ترامب بأن الهزيمة ليست حتمية، وأن أوكرانيا، التي تملك مثل هذه الإرادة للقتال، تستحق دعماً أكبر لعقلنة طموحات بوتين، وحرمانه نصراً كاملاً. لكن اهتمامنا نحن بأوكرانيا كان مرتبطاً، دائماً، بتداعيات أزمتها على قضايا المشرق العربي، وبالأخص سورية، فليس هناك صراع واحد في العالم، من خارج النظام الإقليمي الشرق الأوسطي، كان له أثرٌ في المسألة السورية أكثر عمقاً من أزمة أوكرانيا، إلى درجة أنه يمكن القول إن مصير سورية كان يتقرّر فعلاً في ساحات الحرب الأوكرانية، وتحديداً في سهوب حوض الدونباس، وعلى شواطئ البحر الأسود.

بدأت علاقة سورية بأوكرانيا تتضح، في التفكير الاستراتيجي الروسي، منذ عام 2009، أي قبل عامين من انطلاق الثورة السورية، عندم قرّرت روسيا قطع إمدادات الغاز عن أوكرانيا، مستغلةً قسوة شتاء ذلك العام، للضغط عليها لرفع الأسعار، أملاً في إسقاط حكومة الرئيس فيكتور يوشينكو، المؤيدة للغرب، والتي جاءت إلى الحكم على خلفية الثورة البرتقالية (2004-2005) التي أخذت أوكرانيا إلى المعسكر الغربي. في المقابل، قرّر الرئيس يوشينكو أن بلاده لن تمدّد عقد تأجير قاعدة سيفاستوبول، في شبه جزيرة القرم، التي يستخدمها الروس مقرّاً لقيادة أسطول البحر الأسود. جدّدت أزمة 2009 الروسية-الأوكرانية اهتمام موسكو بقاعدة طرطوس البحرية السورية، التي كانت تستخدم خلال فترة الحرب الباردة نقطة إمداد للحضور العسكري السوفييتي في المتوسّط. وعندما تمكّنت روسيا من تدبير إطاحة حكومة يوشينكو في انتخابات عام 2010 وتنصيب حكومة موالية لها تراجع اهتمامها بسورية. لكن الوضع تغيّر مرة أخرى، عندما أسهم الدعم الغربي في إطاحة الحكومة المولية لموسكو، في احتجاجات الميدان (2013 – 2014)، ما دفع هذه الأخيرة إلى الرد باحتلال شبه جزيرة القرم. على الإثر، قرّر الرئيس الأميركي حينئذ، باراك أوباما، الذي كان يتعامل مع روسيا باستخفافٍ ترك مرارة بالغة في نفس الرئيس بوتين، فرض عقوبات اقتصادية على موسكو، وكأنها دولة عالمثالثية. ردّ بوتين بتخريب مفاوضات جنيف 2 السورية (يناير/ كانون الثاني- فبراير/ شباط 2014)، التي جرى التوافق عليها بين موسكو وواشنطن إثر صدور قرار مجلس الأمن 2118. وجاء القرار المذكور تتويجاً لاتفاق السلاح الكيماوي الذي وافق النظام السوري على تسليمه تفادياً لضربة أميركية بعد استخدامه ضد المدنيين في غوطة دمشق الشرقية. قرّرت روسيا، فوق ذلك، دعم “الانتخابات الرئاسية” التي قرّر بشّار الأسد إجراءها في يونيو/ حزيران عام 2014، في تحوّل عن موقفها السابق الذي كان يرى ضرورة إجراء الانتخابات جزءاً من توافق أوسع مع المعارضة. استمرّ التشدّد الروسي في المسألة السورية بالتوازي مع تصاعد التوتر في العلاقة مع الغرب خلال الحرب التي اشتعلت في إقليم دونباس، ودعمت روسيا فيها استقلال إقليمي لوغانتسك ودونيتسك اللذين تقطنهما أقلية روسية كبيرة، وامدّتهما بالمرتزقة والسلاح. وفي 2015، استغلت موسكو استفحال مظاهر فشل السياسة الأميركية في العراق وسورية، للتدخّل عسكرياً في الأخيرة. أراد بوتين استخدام نتائج حربه في سورية في إطار مقايضة مع الغرب لاستعادة أوكرانيا، لكن إدارة أوباما رفضت قطعاً المقاربة الروسية.

لم يكن أوباما يلقي بالاً للصراع في سورية، وكان ينظر إليه باعتباره جزءاً من صراع “تاريخي” سنّي شيعي، لا حليف مفضلاً لأميركا فيه. أما أوكرانيا، فصارت أداته الرئيسة في احتواء طموحات روسيا إلى استعادة مكانتها العالمية. لكن بوتين لم يصبر على تجاهل الغرب لتدخّله في سورية، فعمد إلى إغراقه بموجات من اللاجئين السوريين الهاربين من جحيم القصف الروسي. واعتباراً من 2018، أخذ بوتين يستخدم مناطق المعارضة في شمال غرب سورية أداة للضغط على تركيا في ملفّات عديدة متشابكة بينهما، منها أوكرانيا. وقد برز الرابط الأهم بين سورية وأوكرانيا بعد الغزو الروسي الأخير عام 2022، حيث اضطر بوتين إلى سحب الجزء الأكبر من قواته من سورية وزجّها في أتون الحرب الأوكرانية. لولا ذلك، لربما كنا لا نزال نعايش ظلمة الأسد ونظامه.

العربي الجديد

————————————–

ملاقاة التحول والفرص المهدورة/ سام منسى

ا9 يونيو 2025 م

في خضم التحولات المتسارعة بالمنطقة، يبقى سقوط نظام بشار الأسد وتسلّم أحمد الشرع رئاسة سوريا حدثاً استثنائياً تأسيسياً على مستوى سوريا والشرق الأوسط، ولعلَّه أحدُ أهم تداعيات «طوفان الأقصى» وما تلاه، وأخطرُ تحوّل استراتيجي تشهده المنطقة منذ نكسة عام 1967. فالأمر لم يقتصر على مجرد تغيير في رأس النظام السوري، بل امتد للبنية الإقليمية التي تشكّلت خلال العقود الماضية حول محور إيراني – سوري – لبناني، امتد تأثيره إلى العراق وفلسطين، وبدأت مرحلة جديدة أقفل فيها بابُ المشرق العربي أمام التمدد الإيراني، وعادت الولايات المتحدة للمنطقة من الباب العريض، مدعومة بإجماع عربي نادر حول ضرورة تفكيك منظومات النفوذ غير العربي التي ترسَّخت في العقدين الأخيرين.

استدعت هذه اللحظة اهتماماً عربياً ودولياً غيرَ مسبوق قادته بداية السعودية وتوّجه لقاء الرئيس الأميركي دونالد ترمب مع الشرع، وبدأ سباق القوى الدولية إلى دمشق للمشاركة في إعادة تشكيل موقع سوريا ودورها في الإقليم. هذا الاهتمام الكثيف أثار في لبنان مشاعرَ الاستغراب والاستهجان، وطرح أسئلة مشروعة تقارن بين حجم وفاعلية الاهتمام والاحتضان العربي والدولي لسوريا مقارنة بلبنان، رغم تشكّل سلطة سياسية جديدة فيه خارج جناح الوصايتين السورية والإيرانية. فكيف ينسحب الضوء عن بلدٍ لطالما عُد «شاغلَ العرب»، و«مختبرَ التسويات الدولية»؟ وهل يعني ذلك أنَّ العالم قد حسم أمره بشأن بيروت؟

لبنان، الذي لطالما حظي باهتمام عربي ودولي كثيف منذ بداية الأزمة سنة 1969 مع الفلسطينيين، يضيع الفرصة تلو الأخرى وهو في طريق خسارة ما تبقى من ثقة المجتمع الدولي به، لا بسبب ضعف موارده أو هشاشة نظامه السياسي فحسب، بل بسبب غياب الرؤية الوطنية الموحدة والإرادة والإصلاح. فبينما كانت غالبية الدول العربية والقوى الدولية تنتظر منه مواقف واضحة في قضايا سيادية مصيرية بعد المتغيرات والانقلابات بالمنطقة وبالداخل اللبناني، مثل حصر السلاح بيد الدولة، ومحاربة الفساد، وترسيخ استقلالية القضاء، اختار لبنان مسارات ملتبسة، كأنه لم يدرك معنى المتغير السوري، والخروج الإيراني من المشرق، وتهاوي قوة «حزب الله»، وما إلى ذلك. محصلة ذلك ثلاثة أشهر على السلطة الجديدة، نتائجها المراوحة والمراهنة على الوقت والاستمرار في لعبة التوازنات الهشة والمساومات الصغيرة. بقي التردد سيد الموقف جراء الخوف من فزاعة الحرب الأهلية من جهة، وصعوبة تفكيك توغل «حزب الله» بأروقة الإدارة والأمن وبقية الأجهزة، إلى التلكؤ في فك الارتباط بين الطائفة الشيعية و«حزب الله» رغم دقته وصعوبته.

يبدو لبنان كأنه يُدفع به إلى خارج المشهد. فبينما حظيت سوريا بفرصة تاريخية بغطاء دولي وعربي واسع، لم يلق لبنان سوى وفرة مبادرات من دون دعم سياسي وازن، رغم تشكيل سلطة جديدة تحمل في تركيبتها إشارات رمزية على رغبة التغيير. ليس الأمر تجاهلاً متعمّداً، بقدر ما هو تعبير عن يأس متراكم من قدرة لبنان على التقاط اللحظة والتجاوب مع الرسائل الجليّة، ومفادها القرار السياسي الرسمي الواضح والمعلن بانتهاء عمل المقاومة المسلحة بكل أشكالها، وعدّ سلاح «حزب الله» سلاحاً غير شرعي، ووضع خطة زمنية معلنة بالتعاون مع القوات الدولية لسحبه، والسعي إلى هدنة دائمة مع إسرائيل على غرار هدنة 1949.

هذا الأمر ينزع كل الذرائع من يد إسرائيل التي لن تكون عاملاً مساعداً، بل معرقلة في كل من لبنان وسوريا. الحكومة الإسرائيلية الحالية اليمينية المتشددة، تعيش في حالة من البارانويا، وتتعامل مع أي تحوّل عربي كأنه تهديد مباشر. فهي تطالب بكل شيء دون تقديم أي تنازل سياسي، وتُفضّل الحسم العسكري على الانخراط في تسويات سياسية. فالنجاحات التي حققتها في حربها زادت تصلبها، وعزّزت وهم القدرة على فرض الوقائع بالقوة وحدها، ولو على حساب الاستقرار الإقليمي، وتوتير العلاقة مع إدارة ترمب الساعية إلى توسيع دائرة «اتفاقات أبراهام».

في نهاية المطاف، لا يكمن الفارق بين سوريا ولبنان في حجم الأزمة، بل في القدرة على الاستجابة لها. فسوريا شهدت بسقوط نظامها تحوّلاً بنيوياً واستراتيجياً استدعى تدافعاً دولياً وعربياً لملء الفراغ وإعادة رسم المعادلات. اللحظة السورية اليوم تشبه لحظة «ما بعد الحرب الباردة»: لحظة انكشاف، وإعادة تشكيل، والانفتاح على احتمالات جديدة. أما لبنان، فبقي في منطقة رمادية، لا ينهار بالكامل ولا ينهض فعلياً، يُدير الأزمات ولا يحلّها. وبينما تحوّلت دمشق إلى ساحة اختبار لنظام إقليمي جديد ولاعب متفاعل، فإن بيروت تخبو في نظر العالم.

دقّ جرس التحول، والفرص لا تنتظر من يتقن فن إضاعتها. الرهان على الزمن والمواربة لم يعودا يقنعان أحداً في عالم تحكمه الوقائع لا النيات.

الشرق الأوسط

———————————

الزبداني… غنيمة حزب الله عادت إلى أهلها/ بشير البكر

10 يونيو 2025

الزبداني بلدة سورية مرّت عليها الحرب بقسوة. آثار القتال الضاري والحصار المديد، لا تزال ماثلة في كلّ مكان، ولم تنته بعد فصولُ المعاناة والتهجير. كان الهدف إحداث تغيير ديمغرافي على أساس طائفي، لما تتمتع به المنطقة من مواصفات جغرافية مهمّة، وأرض خصبة وفيرة المياه، قريبة من حاضنة حزب الله في البقاع.

بدأت حرب السيطرة على الزبداني بمحاولات اقتحام حزب الله، حينما تدخل عسكرياً في سورية عام 2012. وضع مخطط العملية، القائد الراحل للواء القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني. وفي التفاصيل شمل الهجوم احتلال كامل منطقة وادي بردى، وذلك لأسباب عدّة، أولها ربط دمشق وجوارها بالبقاع، حيث مراكز حزب الله العسكرية، والثاني تأمين خاصرة دمشق الجنوبية من هجمات الفصائل العسكرية السورية المسلحة، وثالثاً السيطرة على مصادر المياه والأراضي الخصبة، ضمن خطة تغيير ديمغرافي على أسس طائفية، يحل فيها محل السكان الأصليين، شيعة من إيران ولبنان، والعراق، وباكستان، وأفغانستان.

في تلك الفترة خسر النظام المدن والبلدات المحيطة بدمشق كافة، وكان رأي سليماني أن استرجاع الزبداني، سوف يعيد تمكين النظام، ويقضي على الحراك الذي بدأ في قرى المنطقة، ويضع حداً للانشقاقات عن الجيش الرسمي في بلدتَي سرغايا ومضايا المهمتَين لوقوعهما قريباً من الحدود مع لبنان، وكونها تتمتعان بطبيعة جبلية وعرة.

معارك رئيسية في الزبداني

شهدت الزبداني عدة معارك رئيسية في أعوام 2012 و2015، و2016، وتمركز حزب الله في البداية في مدينة الطلائع القريبة منها، وكانت تسانده قطعات عسكرية من النظام والحزب القومي السوري، والحرس الثوري الإيراني. وقد صمدت المنطقة أعواماً رغم أنها ساقطة عسكرياً بحكم كونها واقعة ضمن منخفض سهلي، ما ساعد حزب الله على قصفها من المناطق الجبلية اللبنانية المتاخمة التي تبعد حوالى عشرة كيلومترات.

يستعيد أبو حسام، وهو من أهالي البلدة الذين عادوا من إدلب، ذكريات معارك قاسية لمنع تقدم قوات حزب الله حتى اللحظة الأخيرة. وفقد المدافعون عنها أغلب أراضيها، وانحصروا في مساحة كيلومتر مربع واحد، حتى جرى التوصل لاتفاق سمّي باتفاق “الفوعة ـ الزبداني”، بعد مفاوضات في تركيا بين الحرس الثوري الإيراني و”حركة أحرار الشام”، وتوقّفت على إثره المعارك. وكان يفترض بالاتفاق أن ينقل كل سكان الزبداني نحو إدلب، وينقل بضعة آلاف من سكان كفريا والفوعة (ريف إدلب) إلى مناطق النظام في دمشق وريفها، إلّا أن التدخل الروسي في سبتمبر/أيلول 2015 أوقف تطبيق هذا الجزء من الاتفاق، حتى جرى التوصل إلى اتفاق المدن الأربع: مضايا والزبداني في مقابل كفريا والفوعة، الذي وُقّع في إبريل/نيسان 2017، بين إيران والمليشيات المرتبطة بها من جهة، وعدد من الفصائل المعارضة الإسلامية المسلّحة (أبرزها جبهة فتح الشام، وحركة أحرار الشام) من جهة أخرى، بوساطة قطرية.

بدورهم، يتحدث عائدون إلى بلدة مضايا، القريبة من الزبداني، عن حصار خانق، بوجود عشرات الآلاف، أغلبهم من المسنين والأطفال والنساء، بينما دافع عنها قرابة 200 مقاتل من قوات “الجيش السوري الحر” و”أحرار الشام”. وما يميزها أنها حظيت بهدوء بعد ذلك، واجتذبت النازحين من كل المنطقة المحيطة بها، نظراً لوجود اتفاق سابق مع النظام وقوات حزب الله بعدم القيام بعمليات عسكرية متبادلة، ونزح إليها في بداية معارك الزبداني في العام 2015 ما يقارب 18 ألفاً.

يقول أبو أحمد، أحد قادة “أحرار الشام” الذين عادوا إلى المنطقة بعد سقوط النظام، إنه جرى تنفيذ اتفاق المدن الأربع في 14 إبريل 2017، وخَرج 3800 شخص، بينهم مقاتلون من المعارضة المسلحة، من منطقة الزبداني إلى مناطق خاضعة للمعارضة المسلحة على الحدود مع تركيا. ويضيف أن العملية كانت تهجيراً متعمداً وقسرياً يهدف إلى تغيير التركيبة السكانية، أما من فضّل البقاء في الزبداني ومضايا فحاله لم يكن أفضل، في ظل سوء الأوضاع الأمنية، وانتشار تجارة المخدرات تحت سيطرة حزب الله والفرقة الرابعة، وقلّة فرص العمل، واستيلاء النظام على أملاك الأهالي، لا سيّما المعتقلين والملاحقين غيابياً بعد توجيه تهم الإرهاب لهم. وحتّى الآن لم يعد جميع من تهجروا، بانتظار توافر الشروط المناسبة لإعادة إعمار البيوت المهدمة.

يقول أبو شادي الذي استقبلنا في منزله في بلدة سرغايا، بعد أن قمنا بجولة واسعة في المنطقة، إنه حينما خرج الشباب من الزبداني كانت تنقصهم الذخيرة، لكن المشكلة الفعلية لم تكن هنا، بل كانت تكمن في نقص الطعام، و”عندما وصلوا متسلّلين إلى منطقتنا على بُعد كيلومترات عدّة كانوا على درجة عالية من الهزال، وبعضهم فتكت به الأمراض، لأنهم أمضوا الأيام الأخيرة وهم يقتاتون على أوراق الشجر، ولم يسلّموا سلاحهم، وانسحبوا من هناك بموجب اتفاق المدن الأربع”.

لا تزال آثار الدمار الكبير واضحة في المنطقة، ولم يتسنَّ لأهل البيوت المدمرة الذين عادوا بعد سقوط النظام أن يرفعوا الركام، والبعض الآخر لم يرجع بعد. مسجد ضرار بن الأزور الواقع على الطريق العام شاهدٌ على المعارك التي دارت هناك، المئذنة التي رفع فوقها حزب الله راياته الصفراء تحتفظ بآثار الرصاص والقذائف الصاروخية التي أصابتها، وقال بعض الأهالي إن الحزب حوّل بعض المساجد إلى مزارات شيعية، وهي المحطة وسط المدينة، وقلعة الزهراء في حي قلعة الزهراء غربي المدينة، والغفران على طريق الزبداني ـ سرغايا، ولم يُسمع الأذان من مسجد الغفران، منذ أن رمّمه الحزب ومنع على المدنيين دخوله، رغم أنه يقع خارج المربع الأمني الذي أقامه في المدينة. وكان الحزب يقوم بجولات في المنطقة لأهالي قتلاه، ويقدم لهم إغراءات للانتقال من لبنان والإقامة في بيوت المهجّرين، واستثمار الأراضي، ووعدهم بنسبة من عائدات الإعمار.

مرارة أعوام التهجير

الأهالي الذين عادوا من إدلب بعد سقوط النظام، يتحدثون بمرارة عن أعوام التهجير، كانت صعبة كالاقتلاع من الجذور. البعض من دون مأوى، ولا يمتلك أي مقومات للحياة، ومن الصعب للغاية استئجار منزل وجلب الأغراض له، لأنهم لم يكونوا يمتلكون أي أموال أو عمل. الفقر هو أصعب ما واجه المهجّرين، كما تدهورت أوضاع المصابين بشدّة، خاصّة الذين كانوا يعانون من بتر في الأطراف، لأنهم كانوا بحاجة إلى عناية دائمة، وهو ما كان يجري في المشافي التركية ويحتاج إلى إذن للخروج، بالإضافة إلى عدم امتلاك بعض الأسر الوثائق المطلوبة لتسجيل الطلاب بالمدارس، التي تثبت ما اجتازوه من صفوف. وفي العام الأول من التهجير أسّس أهالي الزبداني الذين تجمّع أغلبهم في مدينة إدلب وبلدة معرة مصرين، مكتباً خاصاً بهم للنفوس يسجل حالات الولادات والزواج والطلاق، لكنّهم في ما بعد عملوا تحت سلطة الإدارة الموجودة في إدلب.

هناك منازل مدمرة بالكامل تقع على الطريق العام بين الزبداني وبلودان وسرغايا. ومن بين إغراءات احتلال هذه المنطقة وتمليكها لأنصار الحزب أن هذه البلدات تقع على مسافة 80 كيلومتراً عن دمشق، وقريبة من الحدود اللبنانية، حيث تقع بلدة معربون، التي يفصلها عن سرغايا نهر صغير. وأهل سرغايا يتحدثون بلهجة أهل بعلبك اللبنانية، ويتشاركون معهم في نمط الاقتصاد الزراعي، وعادات أهالي المناطق الحدودية المتجاورة، وتتوزع القرى في السهول، وتحيط بها سلاسل جبلية عالية، إذ يصل الارتفاع في ذرى جبل الشيخ إلى 2880 كيلومتراً، وهي غير بعيدة، بل متصلة مع جبال القلمون التي تلتف حول خاصرة دمشق، وتمتد حتى حدود محافظة حمص.

الأراضي هناك خصبة. ونوعية التربة تسمح بزراعات عديدة ومتنوعة تلائم الطقس البارد شتاء والمعتدل صيفاً. وهناك قرى كسرغايا يُحرم أهلها بيع الأرض لأحد من خارجها، وذلك من أجل حفظ الملكية وعدم تسرّبها، أو اختلاطها بقادمين من خارجها. سهول غنية شاسعة، مزروعة بالأشجار المثمرة، وتنتشر بكثافة على جانبَي الطريق، وتمتد حتى السفوح القريبة من الجبال مزارع الجوز واللوز والكرز الذي يحتاج إلى طقس بارد. ولحسن حظ الأهالي تقلّ السناجب في المنطقة، وإلّا كانت ستقضي على ثمار الجوز. وتمتاز المنطقة بالنوعيات الجيدة من الكرز واللوز، وتنتشر فيها شتى أنواع الطيور خاصة الحجل.

على جانبَي الطريق العام تقف صفوف كثيرة من السيارات، ينزل منها رجال ونساء يحملون غالونات بلاستيكية بيضاء ذات سعة كبيرة تصل إلى 20 لتراً. يظن الذي لا يعرف المنطقة أن الجمع يقصد محطات الوقود لشراء المازوت الذي كان نادراً حتى سقوط النظام، وصار متوافراً بكثرة وبأسعار مقبولة، بعد أن كان يباع وفق البطاقة الذكية، بالإضافة إلى المواد الأولية، ومنها الخبز. يقف الناس بالدور من أجل تعبئة مياه معدنية من العيون المنتشرة في المنطقة. وقد قام بعض الأهالي بتأهيلها ببناء مصاطب وصنابير للتعبئة. لا بدّ أن يرجع كل عائد إلى دمشق بكمية من المياه والكرز والعسل والفواكه الطازجة، التي يباع بعضها بأسعار مقبولة وبعضها تفوق أسعار تركيا، البلد المجاور الشبيه بمناخه وفواكهه.

الماء سبب رئيس للدفاع عن الأرض

الماء أحد أسباب تمسك الأهالي بالأرض والدفاع عنها. قدموا الآلاف من الضحايا، خلال الثورة، من أجل حماية منطقتهم. هناك قرى لم يتمكن حزب الله من دخولها بسبب صعوبة التضاريس وخوفه من أن يخسر أعداداً كبيرة. على حدود الزبداني تقع بلدة بلودان، وهي منطقة مثالية للتصييف، بفضل مناخها المعتدل وهوائها النظيف الخالي من التلوث وهدوئها، وتوافر جبال تصلح لممارسة رياضة المشي والتسلق. وهنا على عكس سرغايا، يتملك عدد كبير من عرب الخليج قصوراً وبيوتاً صيفية، بعضها ينفرد ببنائه على ذرى الجبال، وهناك استراحة للرئيس المخلوع بشار الأسد تحولت إلى مقر أمني للقوات الموجودة في المنطقة. ويقول صاحب مكتب عقاري إن بعض عرب الخليج بدأوا بالعودة إلى بيوتهم للمرة الأولى منذ أعوام، وهم يرمّمون بيوتهم لقضاء فصل الصيف، بعد أن احتل حزب الله بعضها، وحولها لمقرات عسكرية.

هناك مساحات شاسعة من الأراضي غير الزراعية، الأمر الذي يرشح هذه المناطق لبناء مدن ذكية تستفيد من الطقس المعتدل والهواء النظيف وتوافر المياه والفواكه والخضار، ما يخفف عن العاصمة الازدحام السكاني الذي تعيشه، ويحد من غلاء السكن. هنا يجدر التوقف عند نقطة مهمة وهي أن نظام عائلة الأسد، بدلاً من أن يتوسع عمرانياً باتجاه هذه المناطق، قام باجتثاث الجزء الأكبر من منطقة الغوطة التي كانت تشكل رئة دمشق.

لا تزال الإمكانية متوافرة لتخفيف العبء عن العاصمة، لا سيّما أن هناك خط سكة حديد، يربط الزبداني وبلودان بدمشق، ويصل حتى بيروت. وحتى لو لم تجرِ إعادة تأهيل هذه السكة، فإن شبكة الطرق الموجودة تسمح بحركة سريعة للحافلات والسيارات، بعد أن اختفت حواجز “الفرقة الرابعة” التي كان يديرها ماهر الأسد، من حدود دمشق إلى الحدود مع لبنان، التي كانت تتولى التهريب، وتجبي الضرائب من الداخلين إلى العاصمة، سواء كانوا قادمين من لبنان، أو من داخل سورية. موسم الأشجار المثمرة ضعيف هذا العام، لكن الفرح بسقوط النظام عوّض الأهالي، الذين بدأوا رحلة العودة من التهجير. ورشات رفع الركام تواصل عملها، من أجل إعادة البناء قبل هطول الأمطار والثلوج.

العربي الجديد

————————————–

طلاب سورية يستعدون لامتحانات موحدة بعد سنوات من الانقسام/ هاديا المنصور

11 يونيو 2025

يعيش طلاب سورية وأسرهم هذا العام أجواء ارتياح وطمأنينة غير مسبوقة منذ سنوات طويلة بعد توحيد امتحانات الشهادة الثانوية، وهو أحد التغييرات على إثر إسقاط نظام الأسد الذي كان يجبر طلاب المناطق الخارجة عن سيطرته على السفر إلى مناطقه لتقديم الامتحانات في ظل ظروف أمنية واقتصادية صعبة.

وشهدت السنوات السابقة معاناة آلاف الطلاب السوريين، خصوصاً في الشمال والشرق، من الاضطرار إلى اجتياز مئات الكيلومترات والمرور عبر حواجز أمنية محفوفة بالمخاطر من أجل تقديم امتحانات الشهادة الثانوية المعترف بها دولياً، ودفع تكاليف باهظة للإقامة والنقل، ما شكل عبئاً نفسياً ومادياً كبيراً على العائلات. لكن العام الحالي، اعتمد نظام موحد للامتحانات والمناهج، ما أنهى الحاجة إلى الرحلات الشاقة والخطيرة.

تقول حنان السلوم، والدة أحد طلاب الثانوية العامة من مدينة إدلب، لـ”العربي الجديد”: “عشنا في السنوات الماضية حالة رعب قبل الامتحانات، ليس من الأسئلة، بل من الطريق والخوف من الاعتقال أو الفقدان، واليوم سيُقدم ابني امتحانه في مدرسته من دون خوف وبلا مصاريف تفوق طاقتنا”. أضافت: “كنت أجمع راتبي الذي لا يتجاوز 125 دولاراً كي أغطي مصاريف دراسة ابني وانتقاله إلى دمشق خلال فترة الامتحانات، وكنت طوال الامتحانات أعيش في رعب على سلامته”. 

وأبدى الطالب أحمد الخطيب (18 عاماً) من ريف حلب الغربي سعادته، وقال لـ”العربي الجديد”: “نشعر بأن مستقبلنا لم يعد مرهوناً بمكان إقامتنا أو سيطرة جهة على منطقتنا. أشعر للمرة الأولى بأننا نعيش ضمن دولة. كان أهلي يتكبدون مصاريف سفري وإقامتي الباهظة في دمشق لتقديم الامتحانات، وهذا باستثناء المخاطر الأمنية التي قد يخسر فيها طالب حياته في أي لحظة”.

وفي خطوة وُصفت بأنها مفصلية، توصلت الحكومة السورية أخيراً إلى اتفاق شامل مع قيادة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) لتوحيد الامتحانات في كل الأراضي السورية، وأعلنت وزارة التربية والتعليم فتح خمسة مراكز امتحانات لطلاب شهادتي التعليم الأساسي (التاسع) والثانوية العامة (البكالوريا) في مناطق “قسد”، وتأجيل امتحانات الشهادتين. جاء ذلك في بيان أصدره وزير التربية محمد تركو في 8 يونيو/حزيران الجاري، وتضمن أيضاً تأجيل الامتحانات لمدة أسبوع لاستكمال الإجراءات اللازمة لسير الامتحانات بما يلبي مصلحة الطلاب.

وينظر السوريون إلى الاتفاق على أنه أولى خطوات دمج مناطق شمال شرقي سورية مع باقي المناطق ضمن سلطة الدولة، ويرى سوريون أنها واحدة من أبرز مؤشرات عودة الاستقرار بعد أكثر من عقد من النزاع، ورمز لبداية مرحلة جديدة من إعادة بناء التعليم والمؤسسات الوطنية.

وبموجب الاتفاق، اعتمد منهج موحد بإشراف وزارة التربية والتعليم، وأُنشئت مراكز امتحانات رسمية في مناطق الحسكة والقامشلي والرقة وصرين ودير الزور، بإدارة مشتركة وبإشراف مراقبين تربويين من الطرفين، كذلك أُتيح للطلاب تقديم الامتحانات في مناطقهم من دون الحاجة إلى التنقل إلى مناطق أخرى، ما خفف الأعباء المادية والنفسية عن آلاف الأسر.

نضال مصطفى، والد أحد طلاب الثانوية العامة من مدينة الطبقة، قال لـ”لعربي الجديد”: “أشعر للمرة الأولى أن الدولة تتعامل معنا كمواطنين متساوين. أنهى الاتفاق القلق التي عاشته الأسر عند كل موسم امتحانات، وهو يعكس توجهاً جدياً لدمج كل أبناء سورية ضمن نظام تعليمي واحد يهدف إلى ضمان الاعتراف المتساوي بالشهادات، وتكافؤ الفرص في التقدم الجامعات والمهن مستقبلاً.

من جهته، قال محمد العلي، وهو طالب من الحسكة لـ”العربي الجديد”: “كنا نشعر بالتمييز سابقاً، وكأن شهادتنا أقل قيمة. الآن سنقدم الامتحانات نفسها في دمشق أو حلب ومحافظات أخرى. وهذا يمنحنا دافعاً كبيراً للدراسة ومواصلة تحقيق أحلامنا”.

ومع اقتراب موعد الامتحانات في 12 يوليو/ تموز المقبل، أمل العلي في أن تشكل هذه التجربة التعليمية الموحدة نقطة انطلاق نحو مصالحة حقيقية تشمل كل نواحي الحياة.

العربي الجديد

——————————————

عن حيوانات بلادنا التي لا تنطق!/ عمّار المأمون

10.06.2025

لا تنطق الحيوانات إلا ساعة الخطر أو تقديم النصح للحاكم، لكن حيوانات بلادنا لا تتكلم، أو لم تتكلم بعد لأن لا حكمة لتنطقها، فما الذي يمكن أن تقوله النمور العربية التي أهدتها السعودية إلى ترامب؟ أو الفيلة التي أصابها الاكتئاب في حديقة حيوان في تونس؟

وافقت السعودية أخيراً على منح دونالد ترامب، ضمن وعود الاستثمار التي “باعته” إياها، نمرين عربيين نادرين، سيُقيمان في حديقة الحيوان الوطنية التابعة لمتحف السمثونيون، الذي تحدثت مديرته مع ترامب، وأخبرها أنه “مهتم كثيراً بالنمور كفصيلة، يريد أن يعرف أكثر عن شخصيتها”.

اللافت انفتاح الدبلوماسيّة الدولية على مجال مثل تبادل حيوانات نادرة، تلك التي لا تنُطق حتى، فربما بروتوكولات المواء قد تغير رأي أقوى دولة في العالم، أو على الأقل، رأي رئيسها الحالي الذي تراوده فكرة الترشح لدورة انتخابية ثالثة، محافظاً على أقفاص الأطفال المكسيكيين المهاجرين على الحدود.

لا تنطق الحيوانات إلا ساعة الخطر أو تقديم النصح للحاكم، لكن حيوانات بلادنا لا تتكلم، أو لم تتكلم بعد، ولا حكمة لتنطقها، وإن كان ابن المقفّع في “كليلة ودمنة” ترجم كلامها عن الهندية، فلا مترجم اليوم لما يمكن أن تقوله، هذا إن رغبت في الكلام.  في تونس مثلاً، حيث قيس سعيدّ يعطل تشكيل محكمة دستورية، أصيبت 3 فيلة بالاكتئاب، واضطرت جمعيات حماية الحيوان للتدخل لنقل الفيلة إلى الهند،  وهذا ليس بجديد، إذ سبق لفيل عام 2023 أن أُخرج من تونس لسوء المعاملة.

في خضم حرب الإبادة، ظهرت علينا صور الحمير، التي تحولت إلى شرايين للحياة في غزة، تحمل الموتى، والمهجّرين، وأثاث المنزل، تلك التي احتار راشد عيسى  في حسم حقيقة إن كانت تجفل من القصف أو لا، لكن الأكيد أنها تتعرض أيضاً للإصابات، وتختبر شح الطعام، كون علفها أصبح خبزاً لأهل غزّة، أولئك الذين لم يجدوا مفراً من المجاعة سوى البحر، فتحولت سلاحفه إلى طعام يصل ثمن الكيلوغرام الواحد من لحمها إلى 30 دولاراً!

قبلها في لبنان، ركضت نعامة هرباً من القصف الإسرائيلي على جنوب لبنان، لم تهتم النعامة لشيء، بقيت تركض طويلاً، وبدأ البعض يسأل عن مصير النعامة، بينما تُمسح قرى الجنوب بالقصف الإسرائيلي. لاحقاً، تواردت أخبار أن النعامة بخير، ما زالت حيّة، وربما عادت إلى أصحابها، لكن يبقى السؤال، من ذاك الذي تخلى عن الهرب من القصف وقرر مطاردة نعامة؟

أما في سوريا الجديدة، حيث العواء ليس حصراً على الكلاب، فاجتمع متظاهرون دفاعاً عن حقوق الحيوانات الشاردة، الكلاب التي تقتل في الشارع لمجرد أنها كلاب، في سوريا أيضاً يقتل في الشوارع أشخاص لأنهم مجرد أشخاص، في حين عشاق بني أمية، نسوا أن ثاني خلفاء بني أمية، يزيد بن معاوية، كان له قرد ماجن، ينافس يزيد بمجونه، اسمه أبو قيس، و” كان (أي يزيد) يسقيه (أي أبو قيس) النبيذ ويضحك مما يصنع، وكان يحمله على أتان وحشية ويرسلها مع الخيل فيسبقها”، مع ذلك، قيل أن يزيد “مات بعضة قرد”.

سابقاً، عام 2018،  هربت قردة من حديقة حيوان الجيزة في مصر والتقطها الناس وأعادوها الى القفص، أشخاص عاديون، مواطنون، وجودوا قردة هاربة فـ”ألقوا القبض عليها”. وأخيراً، في العاصمة الإدارية الجديدة في مصر، دشن السيسي نسر الجمهورية الجديد، الذي وُصف بأنه “أقرب الى الحمامة، بلا رقبة، ومنقاره أقرب الى منقار الببغاء، ومخالبه مغروسة حرفياً في جملة (جمهورية مصر العربية)، والدهانات التي استُخدمت لتلوين علم مصر شديدة الرداءة”.

قروش تلتهم كابلات إنترنت، وقروش أخرى تلتهم مصطافين على شاطئ البحر الأبيض المتوسط، البهائم في منطقتنا، تعيش شروطاً تختلف عما تتوقعه فطرتها، كأن يعبر نمر نصف العالم كهديّة، أو تختبر نعامة سرعتها على الاسفلت هرباً من القصف الإسرائيلي ،  الشروط التي تعيشها الدّواب لا أثر تطوريّ لها،  هي غرائز الضرورة، ولا تتوارثها السلالة ذاتها، أي لا تتكرر جيلاً بعد جيل، خصوصاً أن حيواناتنا لا تنطق، ولا تُخبر عن نفسها، لكن ربما في السياقات حيث تظهر، تفصح في ألسنتنا كلاماً أو مشهداً لم نعرفه من قبل، لنعيد النظر في  مساحة لا يفترض أن توجد الدابة فيها أصلاً، كأن تكون “معتقلة” تقاد إلى الأقفاص حيث “تكتئب”.

استنزف مجاز الحيوانات والحكمة والحُكم، خصوصاً  الوحوش التي تنطق،  فما بالك بتلك التي ما زالت على بهيميتها، لا ضبط لغريزتها ولا سياسة تحكم وجودها إلا حبساً؟! تلك الكائنات حين نتتبع أخبارها، لا جدوى من محاولة ربطها بالفلسفة، كالقول إنها خارج النظام الدستوري/ القانوني، الصفة التي يشاركها معها، السيّد، و”الحياة الصرفة،” تلك التي تستحق القتل من دون أن يكون قتلها جريمة. لا حق لشخص هنا ولا حق للجميع (الحق العام)، حتى هذا المجاز استنزف حيث تستهدف إسرائيل الحمير لعرقلة إنقاذ الأرواح، وتمنع سلطات إيران الكلاب من الفضاءات العامة وتحد من “نزهاتها”، وحين يطلب مسلحون من مدنيين عزّل أن يبدأوا بالعواء،  أي أن تَستكلب آخرَ بكلمة أخرى، أن تخلق الطاعة بشكلها الصرف، بلا كلمات، مجرد نباح.

يفترض عبد الفتاح كيليطو، ألا وجود لنسخة هندية من “كليلة ودمنة”، كل حكاية الكتاب المترجم هي خدعة من ابن المقفع، أي لا أصل هندي، ولا ملك، ولا وزير، هناك كاتب ابتدع سلطة فاسدة وضرورة نصحها، واخترع مجاز حيوانات ناطقة لإصلاح السلطة الحقيقية أو مخاطبتها، دورة طويلة لتفادي البطش ربما، ولاحقاً، يمكن القول إن مجاز الحيوانات الناطقة أصبح شكلاً فقط، لم يعد له السحر ذاتها أو السطوة ذاتها، وحتى الإنسان الذي يعوي مهاناً فقد قدرته على التأثير، ولم يبق لنا ربما، سوى صورة النعامة التي تركض هرباً، أو سوري يعوي أو فيلة مصابة بالاكتئاب.

العنف الذي يطبق على الحيوانات والبهائم يبدو غريباً دوماً حين نتأمل به، كون العداوة مع بعضها طبيعيّة، أي حرصاً على الشرط البشريّ، وبعضها وجد نفسه في خضم حروب البشر وفساد السلطة السياسية وعطبها، فأن تكون قرداً على كتف الخليفة لا يختلف كثيراً عن أن تكون قرداً هارباً من البشر الذين يريدون إلقاء القبض عليك، هو اختلاف أحوال وتصاريف. لكن اللافت أن الوحش (البهيمة) إن اقترب من السلطة نال طائرةً خاصة و”نبيذاً”، وإن ابتعد، قد يكتئب، أو يغدو طعاماً لأصحاب المجاعة، فهل من مجاز هنا صالح لتكون الحيوانات منهلاً للحكمة؟ ما العناصر التي يجب ترتيبها في الحكاية لتتحول من مأساة إلى موعظة؟ أيصلح أن نقول إن هروب نعامة في جنوب لبنان من القصف الإسرائيلي حكمة مفادها أن النجاة الفرديّة حقّ للجميع؟

– كاتب سوري

درج

——————-

الغاز.. كلمة السر لفهم ذعر إسرائيل من نفوذ تركيا بسوريا/ محمد دار خليل

10/6/2025

لا تختزل المواجهة بين تركيا وإسرائيل في الساحة السورية على البعد الأمني التقليدي، لكنها تتعداه إلى ملفات أخرى، في مقدمتها الاقتصاد وما ينطوي تحته من طموح لهما في تحقيق نفوذ وإنجازات كبرى تدخل تحت مفهوم الأمن القومي الأوسع لكل منهما.

ويعد ملف الغاز الطبيعي واحدا من أهم نقاط التدافع ومحرّكا غير معلن لديناميات التنافس بين القوتين في سوريا، فقد فتحت التحولات في الإقليم منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 آفاقا في هذا الملف، وأوجدت في الوقت ذاته عوائق قد تغيّر خارطة الاستحواذ على ثروة غاز شرق المتوسط والهيمنة على خطوط الإمداد في الإقليم.

من هذا المنطلق، يضفي ملف الغاز الطبيعي في منطقة شرقي المتوسط على المشهد السوري منظورا جيوسياسيا، لا سيما مع وجود مخزون احتياطي كبير مثبت وآخر مقدر في سوريا، بالإضافة إلى احتمال تحولها إلى نقطة تقاطع لخطوط الإمداد بالشركة مع تركيا.

الغاز الإسرائيلي والتنافس الجيوسياسي

بعد اكتشاف حقول تمار ولفيتان وكاريش، وضع قادة إسرائيل نصب أعينهم هدف تحويلها إلى نقطة ارتكاز حيوية لتصدير ونقل الطاقة من المنطقة إلى أوروبا، فإضافة إلى العوائد المالية الهائلة، سيجعل ذلك منها لاعبا إقليميا ودوليا نافذا.

ورغم عدم مضاهاة هذه الحقول إنتاج كبار موردي الغاز في الخليج، فإن الحكومة الإسرائيلية تروج لإمكان أن يصل إنتاج حقلي تمار وليفايثان وحدهما إلى نحو 40 مليار مترٍ مكعّب سنويّا، وهو ما عززه وزير الطاقة الإسرائيلي الأسبق يوفال شتاينيتز بقوله إن “تطوير احتياطيات الغاز يعد ذا أهمية اقتصادية وإستراتيجية بالغة لإسرائيل”.

ويشير تقرير صادر عن معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب إلى أن أهمية الغاز الإسرائيلي تكمن في ترسيخ تحالفات جديدة، فضلا عن فتح قنوات دبلوماسية مع أطراف إقليمية ودولية.

في هذا السياق، يُحذر باحثون إسرائيليون، مثل إيلان زلايت ويويل غوزانسكي، الباحثان في معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب، من أن النفوذ التركي المتنامي في سوريا، إذا ما ترجم عبر تنفيذ خطوط أنابيب مستقبلية للغاز الخليجي، قد يضعف وزن إسرائيل كمصدر طاقة إلى أوروبا، لأن الأخيرة تفضل تنويع مصادرها بدل الاعتماد على مزود واحد.

وأشار الخبيران إلى أن السماح لتركيا بتأسيس بنية تحتية واسعة للغاز في سوريا سيمكنها من منافسة مشاريع إسرائيل مع قبرص واليونان، الأمر الذي قد يفقد إسرائيل فرصا إستراتيجية في شرق المتوسط.

سوريا في حسابات تركيا الغازية

في المقابل يحرك تركيا طموح نابع من إدراك صناع قرارها لقيمة موقع تركيا في خريطة الطاقة بأن تتحول إلى ممر أساسي ومركز إقليمي يغذي الأسواق الأوروبية.

ويشكل استقرار السلطة في سوريا -وفق الرؤية التركية- عاملا يمكّن أنقرة من إعاقة مشاريع الطاقة بين إسرائيل ودول في المنطقة، إذ يصبح بمقدورها تقديم بدائل أو مسارات بعيدة عن الخطط الإسرائيلية.

وبعد أن كانت إسرائيل تنظر إلى الساحة السورية من زاوية التهديد الإيراني الأمني مع غياب احتماليات التهديد المستقبلي للطموح الاقتصادي المتعلق بتوريد الغاز الطبيعي، باتت تراقب بقلق خطوط الأنابيب التي قد تمر في الغد القريب أو البعيد عبر الأراضي السورية لنقل الغاز الخليجي إلى أوروبا عبر تركيا، مما يمنح أنقرة ورقة قوة لا يستهان بها قد تمنع إسرائيل من بسط نفوذ أكبر في شرق المتوسط.

كما باتت إسرائيل تخشى من انخراط تركيا من البوابة السورية كلاعب حاسم في ترسيم الحدود مع لبنان، مما يحد من الطموح الإسرائيلي في الهيمنة على مساحات بحرية متنازع عليها تعظم حصتها من حقول الغاز المستكشف والقابل للاكتشاف.

ورغم أن دور تركيا في ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل لم يبرز رسميا، فإنها تسعى إلى حضور إقليمي يربط بين نفوذها في سوريا وبين أي ترتيبات بحرية لاحقة قد تُعيد رسم خريطة استغلال حقول الغاز بما فيه الغاز اللبناني.

كما أن أي نفوذ لأنقرة في سوريا سينعكس على المعادلات السياسية في لبنان، نظرا لمعادلة التأثير السوري تاريخيا في هيكلية السياسة والقوى اللبنانية.

إعادة تموضع

منذ تأسيس منتدى غاز شرق المتوسط، الذي يفترض الأتراك أنه جاء ضمن مساع لإقصائها أو حتى كمحاولة لتأسيس تحالف يبنى على العداء لتركيا -كما صرح وزير الخارجية السابق مولود تشاووش أوغلو- سعت تركيا جاهدة إلى إعادة تموضعها ضمن معادلة إقليمية تمثّل فيها طرفا قويا عصيا على الإقصاء أو التهميش.

فقامت نتيجة لذلك بإرسال سفن للتنقيب شرقي المتوسط محمية بأخرى حربية، إضافة إلى توقيع اتفاقيات لترسيم حدود المناطق البحرية الاقتصادية الخالصة، كالاتفاق مع حكومة الوفاق الليبية سابقا.

بالإضافة إلى ما سبق، ستسعى أنقرة إلى عقد اتفاقيات تنقيب واستثمار في الغاز البحري السوري المحتمل الذي قد يتراوح قرب 400 مليار متر مكعب من مجمل الحوض الذي يحتوي على احتياطات تقدر بـ 122 ترليون متر مكعب، وفقا لهيئة المسح الجيولوجي الأميركية، مما سيعيد، بموازاة ملفات أخرى قيد التشكل، رسم المشهد الإقليمي برمته وتكون معالمه متناقضة مع منطق الإقصاء والهيمنة الذي تطمح إسرائيل إلى بلوغه.

إعادة إحياء خط الغاز القطري التركي

ولعل خط الغاز القطري الذي اقترحته الدوحة عام 2009 -الذي عرقله النظام السوري السابق آنذاك- يعد من أبرز الدلائل على محورية الأراضي السورية في أي مشروع إقليمي للطاقة.

فبحسب تقرير لصحيفة الغارديان، فلو اكتمل هذا الخط، لسلك مسارا عبر السعودية والأردن وسوريا وتركيا نحو أوروبا، مما يمنح تركيا ميزة إستراتيجية لوجستية واقتصادية ضخمة.

وقد سعت قطر آنذاك إلى إتمام اتفاقات مبدئية مع دمشق تضمن مرور الأنبوب، بيد أن ميل النظام السوري لمشروع إيراني مواز قدر بـ10 مليارات دولار ويصب في مصالح روسيا أفشل هذا المشروع.

ومن المرجح أن تسعى كل من أنقرة والدوحة إلى إعادة إحياء هذا الخط، وقد أشار وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي ألب أرسلان بيرقدار، إلى “إمكانية إحياء المقترح القطري بعد سقوط نظام الأسد في حال بلغت سوريا درجة من الاستقرار والأمن”.

جدير بالذكر أن أنبوب الغاز القطري عبر السعودية والأردن إلى تركيا سيكلف، بحسب مختصين، ما يقارب 10 مليارات دولار، وسيبلغ طوله نحو 1500 كيلومترا، وسيشكل بديلا موازيا لإمدادات الغاز الروسية لأوروبا.

ولعل ما يثير قلق إسرائيل في هذا السياق لا يقتصر على المنافسة الاقتصادية وحدها -وإن كانت تحاول فرض نفسها كمصدّر للغاز الطبيعي لأوروبا- بل يمتد إلى حسابات جيوسياسية تمس نفوذها الإقليمي.

فإذا ما كتب لهذا المشروع أن يرى النور، فسوف تحظى كل من قطر وتركيا بثقل إستراتيجي، بما قد ينعكس سلبا على الأهمية الإقليمية التي تطمح إسرائيل إلى ترسيخها عبر تحالفات ومشاريع غازية مشتركة مع حلفائها.

استقرار مشوب بالتوتر أم مواجهة حتمية؟

تتشابك الاعتبارات الاقتصادية مع الأمنية مع النزوع نحو البحث عن زيادة النفوذ الإقليمي لتؤكد أن المواجهة الإسرائيلية التركية في سوريا لا يمكن اختزالها ببعد أمني تهديدي على الحدود الشمالية لدولة الاحتلال، كما يطغى في فضاءات النقاش السياسي.

لكن ما السلوك المرتقب لكلتا الدولتين في ظل الحاجة إلى الهدوء والاستقرار كشرطٍ مسبق لنجاح مشاريع الطاقة؟ وهل ستجد إسرائيل نفسها أمام خيارات صعبة تخضع فيها لحقيقة وجود خط مناقض ومواز لسياساتها في الهيمنة على الإقليم؟

ليس من السهولة بمكان أن تبلغ القوتان مقاربة غازية تكون نتيجتها الانسجام، حيث تشير الوقائع إلى أن أي تفاهم بين إسرائيل وتركيا سيكون ملغّما بالتناقضات.

لذلك، من المرجح أن يتحول الغاز إلى سلاح ابتزاز متبادل يستعمله كل طرفٍ ضد الآخر، فلا ترغب إسرائيل في الارتهان لإرادة تركيا إذا ما بدأ الغاز يتدفق عبر أراضيها نحو الأسواق الأوروبية، ولا تريد تركيا أن تفقد فرصة سنحت بسقوط نظام الأسد لتحقيق رؤيتها بالتحول إلى معبر لخطوط الطاقة لا يمكن تجاوزه.

لكن إذا استمر الجانبان في التصعيد، فستؤول الأزمة إلى التفاقم، وستدفع إسرائيل إلى السعي لإنتاج فرص من شأنها تهديد الاستقرار في سوريا، بالإضافة إلى السعي لإقامة مزيد من التحالفات الإقليمية والتقارب أكثر مع دول منتدى شرق المتوسط كقبرص واليونان ومصر، والسعي الحثيث لإقناع الأوروبيين بمحورية مكانة إسرائيل الغازية والتخويف من الارتهان لتركيا.

في الوقت ذاته، وعلى النقيض، ستبحث تركيا عن تعزيز نفوذها الميداني في سوريا بما يضمن لها فرض أمر واقع ومعادلة يستحيل القفز عنها في أي مشروع دولي للغاز، ومن المرجح أنها ستعيد إحياء مشروع خط الغاز القطري، بالتوازي مع مساعيها الحالية لتوفير شروط الاستقرار والوحدة السياسية في سوريا، ودعم ترسيخ النظام الجديد، وستقطع الطريق بحزم أمام محاولات تقسيم سوريا وستضع ذلك وفقا لمنطق أمنها القومي.

المصدر: الجزيرة

————————-

مستقبل الاقتصاد السوري بين الرؤى والتصورات والواقع

نشر في 10 حزيران/يونيو ,2025

مقدمة

تواجه سورية والسوريون معها بعد إسقاط نظام الأسد في كانون الأول/ ديسمبر 2024 واقعًا جديد قوامه الاقتصاد، والتحوّل من أوضاع معيشية أشبه بحال البلدان التي ضربتها المجاعات، إلى أوضاع مقبولة في الوقت الحالي، ومن ثم الإسراع بخطوات مدروسة نحو نمط اقتصاد ينقل البلاد من عهد إلى آخر، ويفتح أمامها أفق التنمية والازدهار.

وبناء على ما يطرحه ذلك من تساؤلات عدة أمام الخبراء، عقدت مجلة قلمون هذه الورشة الحوارية متوجهة بالملفات والمحاور والأسئلًة الملحة إلى الخبراء والمستشارين الاقتصاديين ورجال الدولة لمحاولة تكوين تصورات أكثر وضوحًا عن المستقبل.

وما تزال البلاد تواجه واقعًا اقتصاديًا معقدًا يحمل في طياته أزمات بنيوية عميقة، فالاقتصاد السوري الذي كان قبل الثورة يعاني اختلالات هيكلية، أصبح اليوم منهارًا انهيارًا شبه كامل نتيجة الدمار الواسع في البنية التحتية، والنزوح الكبير للسكان، وخروج عددً من المناطق الصناعية والزراعية عن دائرة الإنتاج، فضلا عن النزيف البشري المتمثل بتهجير العقول والكفاءات.

وتأتي هذه الورشة الحوارية في ظل هذا الواقع الدقيق، لتفتح مناقشة وطنية جادة حول الآفاق المستقبلية للاقتصاد السوري في مرحلة ما بعد الصراع، وفي ظل استمرار العقوبات الاقتصادية المفروضة على البلاد التي زادت من تعقيد فرص التعافي، وفرضت قيودًا كبيرة على حركة التجارة والاستثمار والمساعدات.

وليست هذه الورشة مساحة للمناقشة فقط بل محاولة لتأطير الأفكار والرؤى ضمن تصور عملي وواقعي يستند إلى التحديات القائمة، ويتطلع نحو الحلول الممكنة. فالأسئلًة المطروحة كثيرة ومتشعبة، من بينها: كيف يمكن إعادة بناء الاقتصاد السوري على أسس جديدة أكثر عدالة وشفافية.

تحميل الموضوع

مركز حرمون

——————————–

 “الخوذ البيضاء”.. من توثيق جرائم الكيماوي إلى حضن الدولةL منصور حسين

الأربعاء 2025/06/11

محتضناً ابنته، يجلس محمد الحسين (23 عاماً)، يتابع المؤتمر الصحافي الخاص بإعلان مؤسسة “الخوذ البيضاء” حلّ نفسها لصالح وزارة الطوارئ السورية، في لحظة تحمل وقعاً خاصاً على مشاعره.

محمد الذي صار اليوم صاحب أسرة، يعتقد أنه لم يكن ليحظى بهذه الحياة، لولا أحد عناصر الدفاع المدني الذي حمله بعيداً عن القصف، حيث كانت لتنتهي حياته بعمر 11 سنة في حلب، بعد غارات جوية متتابعة لطائرات النظام البائد استهدفت ضاحية المرجة جنوب المدينة، وأودت بحياة العشرات عام 2013.

وفي استحضاره اللحظة، يقول محمد لـ”المدن”: كنا نلعب قريباً من مكان القصف، لدرجة فقداننا السمع لحظات بعد الغارة الأولى، عندها بدأ الجميع الركض القريب يهرب والبعيد يأتي للمكان، بينما كنت أعيش وقع الصدمة منفصلاً عن الواقع، فبدأت الركض باتجاه مكان القصف، قبل أن ترميني شدة الغارة الثانية أرضاً”.

ويضيف “بعد الغارة استفقت على صوت شقيقي يبكي ممسكاً بقميص عنصر يحملني من الدفاع المدني بعيداً عن المكان الذي شهد وقوع ضحايا بسبب القصف المدفعي، وسقوط منازل جديدة، كنت فعلياً بجانبها”.

موقف ومؤسسة

محمد ليس الوحيد الذي يربط استمرار حياته اليوم بعناصر الخوذ البيضاء، إذ يشاركه الشعور أكثر من 128 ألف شخص من مختلف المناطق السورية، أنقذتهم المؤسسة منذ عام 2014، من تحت أنقاض القصف والكوارث التي ضربت البلاد.

قصة محمد، سبقت هذا التأسيس بأكثر من عام، حيث كان الدفاع المدني اسماً لفرق صغيرة من المتطوعين، تشكلت بعد منع نظام الأسد أحد فرق الدفاع المدني في حلب من الاستجابة لحريق سكني عام 2012، ذريعة وقوعه خارج مناطق سيطرته.

يومها تحدى مسؤول الفريق منير مصطفى القرار، واتجه نحو موقع الحريق، وأعلن في اليوم ذاته إنشاء مركز الدفاع المدني الأول في مناطق سيطرة المعارضة، ما شجع كثيرين على الانشقاق وإنشاء مراكز للاستجابة الإنسانية لخدمة الطوارئ.

ومع نجاح الفرق في  إثبات أهميتها ووجودها على الأرض، أصبحت قضية مأسسة المنظمة حاجة ملحة لتوسعة نشاطها، ليأتي الإعلان عن تشكيل الدفاع المدني خلال مؤتمر أضنة عام 2014، قبل أن توسم فرقه باسم “الخوذ البيضاء”، نسبة للخوذ التي يرتديها المتطوعون.

وارتبط اسمها بمشاهد متطوعيها ينقذون المدنيين من تحت الأنقاض، ويهرعون لأماكن القصف والاستجابة للكوارث ومساعدة الأهالي على النزوح، ما جعلها مثالاً ملهماً للعمل الإنساني في ظروف قاهرة، من تحديات العمل رغم نقص المعدات، وهي معضلة لازمت المؤسسة منذ تأسيسها وحتى إعلان حلها، فضلاً عن الدعاية المضادة التي أدارها نظام الأسد وروسيا والتحريض عليها أمام الإعلام، لتبرير استهدافها وتقويض نشاطها الإنساني.

ومما يؤكد تعمد النظام وروسيا، نسف فكرة الخوذ البيضاء، استهدافهم مقراتها بعمليات القصف الجوية، التي راح ضحيتها 308 متطوعين، نتيجة الاستهداف المتعمد، رغم غياب البعد العسكري وارتباطها بأهداف تخريبية، لزيادة الضغط على السكان.

فضح جرائم الكيماوي

ركز نظام الأسد وروسيا عام 2018، حملاتهم ضد الخوذ البيضاء، واتهموها بالتضليل وتمثيل مجازر كيماوية بأوامر مخابراتية، بعد كشفها استخدام غاز الكلور السام في قصف مدينة دوما بريف دمشق، في نيسان/أبريل من العام ذاته، مودياً بحياة ما لا يقل عن 65 شخصاً.

عندها خرج وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف، متهماً المؤسسة بدعم الإرهاب، وتنفيذ “مسرحيات مفبركة” لاتهام الأسد وحلفائه باستهداف المدنيين في المناطق التي كانت تخضع لسيطرة فصائل الثورة.

وبدا التحرك محملاً بحقد دفين، سببه توثيق الدفاع المدني وقوع هجمات كيماوية في مناطق اللطامنة بريف حماة، وخان شيخون بريف إدلب، نهاية آذار/مارس 2017، راح ضحيتها 84 مدنياً و520 مصاباً، بينهم 70 شخصاً ظهرت عليهم أعراض عامل كيماوي.

وكان لإنقاذ العشرات وإجلائهم من مواقع الغارات، عاملاً في الحفاظ على الشهود، وإكمال أدلة الجريمة، دفعت الولايات المتحدة لشن أكثر من 80 غارة بصواريخ من طراز “توماهوك”، استهدفت مطار الشعيرات التي خرجت منه طائرة التنفيذ.

ويعتبر مدير الشبكة السورية لحقوق الانسان فضل عبد الغني، أن الخوذ البيضاء لعبوا دوراً أساسياً في توثيق جرائم النظام البائد واستخدامه الأسلحة الكيماوية، وقدموا في طريقه تضحيات كبيرة. ويضيف أنه “يمكن ملاحظة هذا الدور في كشف فظائع النظام البائد وقتله المدنيين بالأسلحة الكيماوية وتوثيقها رغم المخاطرة في مجال لا يندرج فعلياً ضمن سياق مهامهم المختصة بالاستجابة الإنسانية”.

حوكمة وتنظيم

وحتى إعلان المؤسسة حلّ نفسها، ضمّت 3 ألاف و300 متطوعاً، وأدارت 6 برامج حيوية تخدم السوريين في مستويات عديدة، منها الصحة والبحث، والإنقاذ والإطفاء، وبرامج العدالة والمساءلة، والبنية التحتية، والخدمات الاجتماعية، وبرامج الحماية وإدارة مخلفات الحرب.

وفي بيان الاندماج ضمن وزارة الطوارئ، الأسبوع الماضي، الذي تلاه منير مصطفى مديراً للدفاع المدني، قال إ”ن أغلبية أعضاء الهيئة العامة أيدوا قرار الحل الكامل في جسد الحكومة السورية، بحيث تنقل البرامج التي تقوم عليها المؤسسة إلى الوزارات والجهات المعنية بحسب اختصاصها”.

وأكد مصطفى أن “القرار يأتي في سياق تحقيق المصلحة العليا للسوريين ويجسد الالتزام الصادق بميثاق المبادئ الذي وقعناه قبل 10 أعوام، وأكدنا فيه أن مهمتنا الإنسانية لا تتوقف عند إنقاذ الأرواح خلال الحرب، بل تستمر من خلال الإسهام الفاعل في بناء سوريا مستقرة، تحقق تطلعات الشعب بالعدالة والحرية ودولة المؤسسات”.

ولا يسع السياسي السوري درويش خليفة، إلا الوثوق بقرار إدارة الخوذ البيضاء التي استطاعت الارتباط بالذكرى والتاريخ في قلوب السوريين، حتى صارت رمزاً من رموز الثورة ونضالها.

ويقول خليفة لـ”المدن”: “اندماج المؤسسة في وزارة الطوارئ، يعني استمرار عملها السابق، لكن ضمن إطار حكومي، ما يعني انتقال دورها من العمل الإنساني كمنظمة مجتمع مدني إلى العمل الحكومي المنظّم”.

المدن

——————————

أرشيف مخابرات نظام الأسد يدخل سباق الانتخابات في العراق/ محمد علي

11 يونيو 2025

بعد ساعات من لقاء المبعوث الخاص لرئيس الوزراء العراقي عزت الشابندر، مع الرئيس السوري أحمد الشرع في العاصمة دمشق، الاثنين، روّج نواب وسياسيون في العراق مزاعم أن الشابندر ذهب لتسلم أرشيف مخابرات نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد المتعلق بسياسيين عراقيين، لغرض ابتزازهم أو الضغط عليهم قبل الانتخابات التشريعية المقبلة.

هذه الاتهامات التي كانت موجهة بالدرجة الأولى لرئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، بوصفه المعني في هذا اللقاء، تتزامن مع اتساع حدة الانقسام السياسي بين قوى في “الإطار التنسيقي”، الحاكم في البلاد من جهة، والسوداني من جهة أخرى، والذي اصطفت معه أخيراً شخصيات وقوى سياسية شيعية، وهو ما أعاد للسطح الحديث عن مستقبل تحالف “الإطار التنسيقي”، وإمكانية تفككه قبل الانتخابات المقرر إجراؤها في 11 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.

ووفقاً لبيان صدر عن الرئاسة السورية نهار الاثنين، فإن الرئيس السوري استقبل بقصر الشعب، المبعوث الخاص لرئيس الوزراء العراقي عزت الشابندر، من دون ذكر أي تفاصيل أخرى.

وعقب اللقاء أدلى الشابندر بتصريحات للصحافيين، وصف فيها اللقاء بـ”المفيد جداً من أجل بناء علاقات اقتصادية وسياسية واجتماعية بين العراق وسورية”. وأضاف في إيجاز للصحافة المحلية العراقية: “التقيت الرئيس السوري أحمد الشرع مبعوثاً من قبل رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، للتباحث في أمور تسهم بتقريب وجهات النظر وتمتين العلاقات بين البلدين الشقيقين”.

وهاجمت القوى المناوئة للسوداني، ضمن تحالف “الإطار التنسيقي”، زيارة المبعوث إلى سورية، وعدّتها ضمن المصالح الشخصية للسوداني. وقال النائب في البرلمان العراقي عن “الإطار التنسيقي”، يوسف الكلابي، في منشور على منصة إكس، إن “أرشيف المخابرات السورية بزمن بشار (بشار الأسد)، الخاص بالعراق لدى الجولاني (الرئيس السوري أحمد الشرع). الجولاني اليوم زاره خطار عراقي وتم إعطاؤه الأرشيف”، متحدثاً عن أن أخذ هذا الأرشيف كان لصالح السوداني، الذي وصفه بـ”المَلاّج”، وهي لفظة شعبية تعني المالك أو الرئيس. واتهم السوداني بمحاولة “الاستفادة منه في التسقيط الانتخابي”، وختم بعبارة أن شرف الخصومة معدوم.

كذلك، شنّ مدونون وسياسيون حملة واسعة على منصات التواصل، لمهاجمة زيارة الشابندر إلى سورية ولقائه الرئيس الشرع، ضمن نفس فكرة استلام أرشيف المخابرات السورية المنحلة، المتعلقة بالعراق، وهو ما دعا الشابندر للرد عبر حسابه على منصة إكس، مهاجماً من وصفهم بـ”الذباب الإلكتروني”، الذين روّجوا لقصة أرشيف المخابرات السورية.

وقال الشابندر: “أخوتي وأحبتي الذين أبدوا وجهات نظرهم في زيارتي إلى دمشق، وانتقدوا طبيعتها، وما يمكن أن يترتب عليها من نتائج، بمنطق الحجة والدليل، وبهدف الحرص على مصالح العراق وشعبه، أنحني لهم وأحترم وجهة نظرهم وإن اختلفت معهم”، مضيفاً: “أما الذباب الإلكتروني الوسخ، أو بعض من يستجدون الشفقة من أربابهم، ويذبحون الحقيقة بلا تقَصٍ ولا سنَد ككلاب سائبة تنبح لصالح من يدفع، فأأنف من الرد عليهم لأني مو شايفهم على الخريطة أصلاً”.

وعلّق الناشط السياسي نبيل العزاوي، وهو أحد السياسيين المقربين من السوداني، على موضوع تسلم نسخ من أرشيف مخابرات النظام السوري المتعلقة بالعراق، بالقول إنها “سيل من الأكاذيب والافتراءات التي لا تمت للواقع بصلة”. وأضاف في تصريحات صحافية، أن “خصوم السوداني قد بدأوا يتشبثون بروايات واهية لا أساس لها، ومنها هذه القصة المتعلقة بسورية. علاقة العراق الإيجابية مع جارته سورية نابعة من موقف مبدئي وإنساني، فالعراق لم ولن يتنصل من محيطه الإقليمي، بل يمدّ يد العون للشعوب الشقيقة، وهو أمر أزعج البعض ودفعهم لاختلاق هذه المزاعم”.

من جانبه، وصف عضو التيار المدني العراقي أحمد حقي، الصراع الانتخابي الحالي، بأنه “مفتوح، ونتوقع أن تستخدم فيه مختف الوسائل، بما فيها الأمنية للأسف”. وأضاف حقي أن “رواية استلام العراق معلومات أو أرشيف من نظام الأسد يتعلق بالعراق، لا يمكن أن يكون واقعياً، والكلام عنه سذاجة، لكنه يستهدف الشارع العراقي لا الطبقة السياسية الحاكمة”.

واعتبر في حديث مع “العربي الجديد”، أن زيارة مبعوث السوداني إلى دمشق، تتعلق بملفات أمنية واقتصادية، بينها استئناف فتح المعابر الحدودية بين البلدين، وتنظيم آلية تواصل معينة بين الجانبين، ومن غير المعقول أن تسلّم دمشق أرشيفها هذا الذي يعود لخمسين سنة على الأقل للعراق بهذه الصورة”. ووصف الصراع بين القوى السياسية العربية الشيعية، في الانتخابات المقبلة، بأنه سيكون “الأعلى منذ عام 2003، بسبب تعدد القوى والأحزاب، وتعذر تشكيل تحالفات كبيرة بينهم لغاية الآن”.

العربي الجديد

—————————-

لماذا احتضن الغرب سوريا وتخلى عن أفغانستان؟

11/6/2025

يستكشف مقال بمجلة أميركية التناقض الصارخ في كيفية تعامل الغرب -خاصة الولايات المتحدة- مع سوريا وأفغانستان عام 2025، فرغم كونهما دولتين تعانيان من الصراعات وكانتا مرتبطتين في السابق بالتشدد الإسلامي، فإن سوريا تحظى باحتضان دبلوماسي، بينما تظل أفغانستان تحت حكم طالبان معزولة.

ويحاول الكاتب آدم وينشتاين -في مقال له بمجلة فورين بوليسي الأميركية- أن يوضح أسباب هذا التباين في النهج الغربي تجاه الحكومة السورية الجديدة وحركة طالبان في أفغانستان.

ويحدد هذا المحلل السياسي ونائب مدير برنامج الشرق الأوسط في معهد كوينسي 5 نقاط رئيسية لتوضيح مظاهر هذا التباين وأسبابه والدروس المستفادة منه:

    أولا: إعادة تأهيل سوريا المفاجئة

رحب القادة الغربيون بالرئيس السوري الجديد أحمد الشرع، وهو قيادي جهادي سابق كان يعرف بأبي محمد الجولاني عندما كان يتزعم هيئة تحرير الشام (فرع القاعدة) في سوريا.

التقى الشرع قادة عالميين وبالذات الرئيسين الفرنسي إيمانويل ماكرون والأميركي دونالد ترامب وحظي بإشادات في الأوساط الدبلوماسية، وشهد عودة سوريا إلى المحافل الدولية.

كما تعهد ترامب برفع العقوبات عن سوريا وتطبيع العلاقات معها، على الرغم من ماضي الشرع، الذي يبدو واضحا أنه أعاد صياغة نفسه، من جهادي يرتدي زيًا عسكريًا إلى مثقف ورجل دولة يرتدي بزات رسمية.

    ثانيا: تفاقم عزلة أفغانستان

أفغانستان، التي استُبعدت سابقًا من حظر السفر الذي فرضه ترامب عام 2017، أصبحت الآن جزءًا من النسخة الأحدث، بينما استُبعدت سوريا من قائمة المحظورين من دخول الولايات المتحدة.

ورغم إعرابها عن انفتاحها على الدبلوماسية، فلا تزال حركة طالبان منبوذة من قِبل القوى الغربية، خاصةً بعد عودتها إلى السلطة عام 2021.

وتُهدد هذه الخطوة الشركاء الأفغان السابقين وتُؤجج المخاوف الإنسانية في هذا البلد.

    ثالثا: لماذا هذا التفاوت؟

1. التاريخ والصدمة النفسية

جماعة الشرع (هيئة تحرير الشام) ليست مرتبطة مباشرة بالصدمة النفسية العميقة التي سببتها هجمات 11 سبتمبر/أيلول، على النقيض من حركة طالبان.

كما أن دمشق لا تتحمل العبء العاطفي لخسائر القوات الأميركية بأفغانستان، حيث قُتل أكثر من ألفي جندي أميركي، وذلك على عكس كابل.

2. الصورة والمنظور العام

يتناقض التحول المُدروس لصورة الشرع مع الصورة السرية والمتشددة لقيادة طالبان.

ففي سوريا، لا تزال المرأة تُشارك علنًا؛ وفي أفغانستان، حظرت طالبان تعليم الفتيات وقيدت مشاركة المرأة في الحياة العامة.

3. سياسات الشتات

يُعارض الشتات الأفغاني في الغرب حركة طالبان إلى حد كبير، ويدفع باتجاه استمرار عزلها، بينما يدفع الشتات السوري، رغم حذره، إلى مزيد من الانفتاح في التعامل مع حكومة الشرع.

4. الأهمية الإستراتيجية

تتمتع سوريا بمركز جيوسياسي مركزي، إذ تحدها إسرائيل وتركيا والبحر الأبيض المتوسط، ولذا فهي أهم بالنسبة للغرب، وهي تقع على مفترق طرق في الشرق الأوسط، كما أنها كانت تُعتبر وكيلًا لإيران ومصدرًا للاجئين إلى أوروبا، ناهيك عن وجود قواعد عسكرية لروسيا بها، أما أفغانستان، فرغم أهميتها الشعرية والتاريخية، فإن الغرب “تخلى” عنها في نهاية المطاف.

فأهمية سوريا بالنسبة لروسيا وإيران وإسرائيل تُبقيها على رادار الغرب، أما أفغانستان، فعلى الرغم من مركزيتها السابقة خلال الحرب على الإرهاب، فإنها اليوم تُعتبر دولة هامشية.

    رابعا: الولايات المتحدة والتحولات الدبلوماسية العالمية

بدأت فرنسا وألمانيا وروسيا التعاون بالفعل مع سوريا، وبدأت الولايات المتحدة تلحق بالركب، مُعربةً عن استعدادها لتطبيع العلاقات من خلال:

– تعيين توماس باراك سفيرًا لدى تركيا ومبعوثًا خاصًا إلى سوريا.

– تخفيف العقوبات والإشادة بجهود الشرع في تحقيق الاستقرار.

ويُنظر إلى الانخراط مع الشرع كحالة اختبار محتملة لمدى قدرة الدبلوماسية المبكرة على تهدئة الأنظمة بشكل أفضل من انتهاج دبلوماسية العقوبات والعزل.

    خامسا: الدروس

اكتسبت كل من سوريا الشرع وحركة طالبان السلطة من خلال ملء فراغات حكومات فاشلة، وليس من خلال التأييد الدولي، ومع ذلك، يختلف الاعتراف والشرعية، فقد نجح الشرع في التودد إلى الغرب، بينما لم تنجح طالبان.

ويشير المقال إلى أن طالبان يمكن أن تتعلم من براغماتية الشرع، ويوصي واشنطن بأن تتبنى نهجًا متسقًا بخصوص طالبان إذا أثبت التعاون مع سوريا أنه مثمر.

وختاما، يرى الكاتب أن المعاملة المتباينة لسوريا وأفغانستان تبرز كيف أن الموقف الشعبي والقيمة الإستراتيجية والارتباطات التاريخية هي أساس الانخراط الغربي أكثر من الأيديولوجية أو نماذج الحكم، ولهذا فالغرب يراهن على المشاركة المبكرة مع سوريا كوسيلة للاستقرار، ويبقى أن يتحدد إذا ما كان هذا الرهان سيُؤتي ثماره، وإذا ما كانت أفغانستان ستظل منبوذة.

المصدر: فورين بوليسي

—————————–

حمى البحث عن الآثار السورية وبيعها ارتفعت منذ سقوط الأسد

صحيفة «الغارديان» تحدثت عن أن الفقر وغياب الأمن السوري زادا من معدل السرقات بعد ديسمبر

8 يونيو 2025 م

أدّى انهيار جهاز الأمن السوري بعد سقوط نظام الأسد، وانتشار الفقر، إلى ارتفاع حمى البحث عن «الذهب»، سواء بمعناه المباشر أم بمعناه الاستعاري. سوريا التي تقع حيث نشأت الحضارة المستقرة، تزخر بالفسيفساء والتماثيل والقطع الأثرية التي تُباع بأسعار مرتفعة لدى هواة جمع الآثار في الغرب، وكانت موقع نهب لآثارها منذ عام 2012، بحسب تحقيق لصحيفة «الغارديان» البريطانية.

ووفقاً لمشروع أبحاث الاتجار بالآثار وأنثروبولوجيا التراث (ATHAR)، الذي يحقق في الأسواق السوداء للآثار عبر الإنترنت، فإن ما يقرب من ثلث الحالات السورية، البالغ عددها 1500 حالة، وثّقه المشروع منذ عام 2012، وجرى منذ ديسمبر (كانون الأول).

ويُنفّذ كثير من عمليات النهب أفرادٌ يائسون من تحصيل المال، على أمل العثور على عملات معدنية أو آثار قديمة، يُمكنهم بيعها بسرعة. وفي دمشق، يكشف التقرير أنه انتشرت في المتاجر أجهزة الكشف عن المعادن، بينما تُظهر الإعلانات على وسائل التواصل الاجتماعي المستخدمين وهم يكتشفون كنوزاً مخفية بنماذج مثل جهاز «XTREM Hunter»، الذي يُباع بالتجزئة بأكثر من 2000 دولار أميركي.

يقول محمد الفارس، أحد سكان تدمر وناشط في منظمة «تراث من أجل السلام» غير الحكومية: «يأتون ليلاً مسلحين بالمعاول والمجارف والمطارق، ويُزعج اللصوص الموتى. وتحت جنح الظلام، ينبش الرجال قبوراً دُفنت منذ أكثر من ألفي عام في مدينة تدمر السورية القديمة، بحثاً عن الكنز».

ويتابع الناشط: «في النهار، يكون الدمار الذي أحدثه لصوص القبور واضحاً. تُشوّه حفر بعمق 3 أمتار معالم تدمر، حيث تجذب سراديب الدفن القديمة الناس بوعود الحصول على ذهب جنائزي وقطع أثرية قديمة تُباع بآلاف الدولارات».

وبينما كان يقف على بقايا سرداب قديم نبشه اللصوص، قال فارس لمراسل الصحيفة: «هذه الطبقات المختلفة مهمة، وعندما يخلطها الناس معاً، يستحيل على علماء الآثار فهم ما ينظرون إليه». والتقط قطعة فخار محطمة تركها لصوص القبور ووضعها بجانب زعنفة قذيفة هاون صدئة. تعرّضت مدينة تدمر، التي يعود تاريخها إلى القرن الثالث قبل الميلاد، لأضرار جسيمة خلال فترة سيطرة تنظيم «داعش»، عندما فجّر مسلحون أجزاءً من الموقع الأثري عام 2015، معتبرين آثاره أصناماً.

وتدمر ليست الموقع الأثري الوحيد المُهدد. يقول خبراء ومسؤولون إن نهب الآثار السورية والاتجار بها قد ارتفع إلى مستويات غير مسبوقة منذ الإطاحة بالرئيس السوري السابق بشار الأسد في ديسمبر (تشرين الأول)، ما زاد من الخطر على تراث البلاد.

يقول عمرو العظم، أستاذ تاريخ وأنثروبولوجيا الشرق الأوسط في جامعة شوني ستيت بولاية أوهايو، والمدير المشارك لمشروع «آثار»: «عندما سقط نظام الأسد، شهدنا طفرة هائلة في أعمال النهب. كان ذلك انهياراً تاماً لأي قيود ربما كانت قائمة في عهد النظام، وكانت تتحكم في عمليات النهب».

من جهتها، أفادت كاتي بول، المديرة المشاركة لمشروع «آثار» ومديرة مشروع الشفافية التقنية: «شهدت الأشهر الثلاثة أو الأربعة الماضية أكبر موجة تهريب للآثار رأيتها في حياتي، من أي بلد». تتابع: «نشهد الآن أسرع عملية بيع للقطع الأثرية شهدناها على الإطلاق. على سبيل المثال، كان بيع فسيفساء من الرقة يستغرق عاماً كاملاً، الآن، تُباع الفسيفساء في غضون أسبوعين».

وتتابع بول، بالتعاون مع العظم، مسار تهريب الآثار الشرق أوسطية عبر الإنترنت، وقد أنشأت قاعدة بيانات تضم أكثر من 26,000 لقطة شاشة ومقطع فيديو وصورة توثق عمليات تهريب الآثار التي يعود تاريخها إلى عام 2012.

يلفت تحقيق «الغارديان» إلى أن الحكومة السورية الجديدة حثّت اللصوص على التوقف عن الحفر، وعرضت مبالغ لمن يُسلم الآثار بدلاً من بيعها، وهدّدت المخالفين بالسجن لمدة تصل إلى 15 عاماً. لكن دمشق، المنشغلة بإعادة بناء بلد مُدمّر، وتكافح لفرض سيطرتها، لا تملك سوى موارد محدودة لحماية تراثها الأثري.

في عام 2020، حظر «فيسبوك» بيع الآثار التاريخية على منصته، وأعلن أنه سيزيل أي محتوى ذي صلة. ومع ذلك، وفقاً لبول، نادراً ما تُطبق هذه السياسة، على الرغم من توثيق عمليات البيع المستمرة على المنصة جيداً. وتتابع: «الاتجار بالممتلكات الثقافية أثناء النزاعات جريمة». وأضافت أنها تتابع عشرات مجموعات تجارة الآثار على «فيسبوك» التي تضم كل منها أكثر من 100 ألف عضو، وأكبرها يضم نحو 900 ألف عضو.

ورفض ممثل عن «ميتا»، الشركة الأم لـ«فيسبوك»، الردّ على طلب صحيفة «الغارديان» للتعليق. وتُستخدم مجموعات «فيسبوك» كبوابة للمتاجرين، حيث تربط لصوصاً صغاراً في سوريا بشبكات إجرامية تُهرّب القطع الأثرية خارج البلاد إلى الأردن وتركيا المجاورتين. ومن هناك، تُشحن القطع حول العالم لإصدار فواتير بيع ومصادر مزورة، ليتم غسلها في السوق السوداء للآثار. وبعد 10 إلى 15 عاماً، تجد طريقها إلى دور المزادات القانونية، حيث يقتنصها جامعو الآثار والمتاحف، التي تقع في الغالب في الولايات المتحدة وأوروبا.

الشرق الأوسط

———————————–

جنرال وكاتب إسرائيلي من أصل لبناني: أعطوا فرصة للشرع

يدعو الباحث والكاتب الإسرائيلي جاك نيريا، جنرال في الاحتياط، إسرائيل إلى “إعطاء فرصة لأحمد الشرع“. ويعلل ذلك بالقول إن القائد الجديد (وما زال مؤقتًا) لسوريا، منذ سقوط نظام الأسد، في كانون الأول/ديسمبر 2024، بدأ مسارًا جديدًا في علاقات سوريا الخارجية، وبخلاف التوقعات والتقديرات، أطلق الشرع تصريحات فاجأت الباحثين، وكذلك السياسيين، في ما يتعلق بعلاقة النظام الجديد مع إسرائيل.

نيريا، يهودي من أصل لبناني، عمل في الاستخبارات العسكرية كضابط وملحق جيش الاحتلال في فرنسا، يقول في مقال ينشره اليوم موقع القناة 12 العبرية، إن تصريحات الشرع التصالحية تجاه إسرائيل قوبلت ببرود وبشكوك كبيرة حيال نيّته الحقيقية. ويرى أن الحجة الأساسية تتمثل في كونه جهاديًا سابقًا، إذ كان عضوًا في “داعش”، وهو من مؤسسي جبهة النصرة (المنشقة عن “داعش”)، ومؤسس “هيئة تحرير الشام” التي سيطرت في السنوات الأخيرة على جيب إدلب في الشمال السوري، ونجحت في 8 كانون الأول/ديسمبر في إسقاط النظام الذي حكمته عائلة الأسد و”حزب البعث” ما يقرب من خمسين عامًا.

كما يرى نيريا أن التعامل الإسرائيلي المشكك والمتهكم يستند إلى مقولة النبي إرميا: “هل يغيّر النمر جلده؟”، وعن ذلك يضيف: “في الوقت الذي يستمر التشكيك في نيات الشرع في إسرائيل، فإنه يواصل إطلاق تصريحاته التصالحية.

ففي كانون الأول/ديسمبر 2024، أعلن أن حكومته لن تسعى لصراعات، لا مع إسرائيل، ولا مع أي جهة أخرى، ولن تسمح باستخدام سوريا كقاعدة لأعمال عدائية من هذا النوع. نحن لا نريد تهديد أمن إسرائيل، ولا أمن أي دولة أخرى”.

اتفاق فصل القوات

ويقول نيريا إن الموضوع المتكرر في تصريحات الشرع كان التزام اتفاق فصل القوات (1974)، والتأكيد أن “سوريا ملتزمة باتفاق 1974″، داعيًا قوة مراقبي الأمم المتحدة “يوندوف” إلى “العودة إلى خط الفصل الأزرق”. كذلك، أشار الشرع مرارًا إلى أنه بعد سقوط نظام الأسد “لم يعد هناك ما يبرر للإسرائيليين قصف المنشآت السورية، أو التقدُّم داخل سوريا”.

ويضيف نيريا: “قال الشرع أيضًا إنه لا يوجد لإسرائيل أي سبب للاستمرار في إيذاء سوريا، وخصوصًا أن النظام الحالي يعارض إيران و”حزب الله”. إن عصر القصف على طريقة العين بالعين يجب أن ينتهي، فلا يمكن أن تزدهر أمة، سماؤها مليئة بالخوف”.

أمريكا تدفع نحو التطبيع مع سوريا

ويقول نيريا أيضًا إنه في الوقت الذي اختارت فيه إسرائيل الرسمية تجاهل تحركات الشرع، أعلن الأخير، في أيار/مايو 2025، أن حكومته تُجري “محادثات غير مباشرة” مع إسرائيل عبر وسطاء. والهدف المعلن من هذه المحادثات هو “تهدئة الأوضاع ومحاولة تحقيق الاستقرار كي لا تصل الأمور إلى مرحلة تفقد فيها الأطراف السيطرة”.

ويستذكر نيريا تقارير عربية وغربية بشأن لقاءات عُقدت في أذربيجان والإمارات بين ممثلين للطرفين. وفي الآونة الأخيرة، ذُكر أيضًا إجراء لقاءات في المنطقة العازلة بين إسرائيل وسوريا، حيث مثّل الجانب الإسرائيلي رئيس شعبة العمليات في الجيش، بينما مثّل الجانب السوري محافظ السويداء.

كما يستذكر لقاء الشرع بالرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الذي دعاه للانضمام إلى “اتفاقيات أبراهام”، وتخلّل اللقاء تصريحات نُسبت إلى الشرع، جاء فيها أنه مستعد لمداولات أمنية. ويتابع نيريا: “فضلًا عن التصريحات الكلامية، بادر القائد السوري الجديد واتخذ خطوة فريدة في نوعها تهدف إلى بناء الثقة مع إسرائيل. ففي مطلع أيار/مايو 2025، تم نقل أغراض شخصية ووثائق وصور تتعلق بإيلي كوهين، الجاسوس الإسرائيلي الذي أُعدم في دمشق سنة 1965، إلى إسرائيل، وتشير التقارير إلى أن أحمد الشرع صادق شخصيًا على عملية النقل”.

التغيير السوري فرصة

ويمضي نيريا في نقد الموقف الإسرائيلي: “بينما نواصل في إسرائيل الإصرار على تسميته بــ “الجولاني” بدلًا من الشرع، ونتجاهل تحركاته تجاه إسرائيل، تُجري الولايات المتحدة ودول الغرب والدول العربية وتركيا اتصالات تهدف إلى إعادة إعمار الدولة السورية المدمّرة. وقد أحسنت الولايات المتحدة حين قررت رفع جميع العقوبات التي كانت مفروضة على نظام الأسد، في حين وقّعت الإمارات عقدًا بمئات الملايين من الدولارات لإعادة تأهيل ميناء طرطوس”.

ويشير إلى أن الولايات المتحدة أعلنت، في هذه الأيام، أنها لم تعد تعارض دمج 3500 جهادي في صفوف الجيش السوري الذي تتم إعادة تشكيله. كذلك، قررت سحب قواتها من حقول النفط المعروفة باسم “كونوكو”، لتمكين سوريا من استعادة السيطرة على مواردها الطبيعية والحصول على إيرادات لخزينتها الفارغة.

ويعتبر نيريا أن هذه التصريحات، إلى جانب خطوات ملموسة، مثل إعادة أرشيف إيلي كوهين، تدل على تغيير إستراتيجي في اتجاه تخفيف التصعيد والانخراط المحتمل في ترتيبات مستقبلية، بعيدًا عن عقود من العداء العلني.

ويسعى لتبرير رؤيته بالقول إن الواقع الجيوسياسي يخلق اليوم تقاطع مصالح نادرًا بين إسرائيل وسوريا. فإسرائيل تسعى لمنع تسلل الجهاديين نحو هضبة الجولان، وهو سيناريو يحمل في طياته خطر تكرار “كارثة” 7 أكتوبر من هذه الجبهة، ولذلك فهي بحاجة إلى تعاون من النظام السوري الجديد.

ويقول نيريا إن الشرع، من جانبه، يدرك تمامًا طبيعة العلاقة بين إسرائيل وبعض أفراد الطائفة الدرزية، وكذلك علاقاتها مع الأكراد، والإمكانات الكامنة في هذه العلاقات لزعزعة استقرار النظام في سوريا.

ويخلص نيريا إلى القول: “من هذه الزوايا كلها، ونظرًا إلى السياسة الأمريكية التي تسعى لتحطيم المحور الإيراني عبر إنشاء بديل إقليمي بقيادتها، من الجدير بصنّاع القرار وراسمي السياسات في إسرائيل محاولة نسيان النبي إرميا، ومنح الفرصة لشيء مختلف، كما قال مناحيم بيغن”

————————————–

 في براءة “المعنى”: بعد إسقاط نظام الأسد أم بعد تحرير سوريا؟/ محمد السكري

2025.06.11

بدأت الأوساط الاجتماعية السورية عقب سقوط الأسد في سوريا استخدام تعبيرات متنوعة حول هذا الحدث التاريخي، حملت نوعاً من الاستقطاب الفكري والتعبيري، نظراً لما يمثله الحدث من أهمية كبرى في الوعي الجمعي السوري، وفي اعتقادٍ شائع أن وصف الحدث بـ”التحرير” في سياقه الجديد يمنحه فهماً أوسع وتوصيفاً أدق، غاب معنى إسقاط النظام كفعل مركزي يدور حوله الحدث.

وخلال أيام معدودة، بات من الرائج استخدام مصطلح “بعد التحرير” للدلالة على السياق العسكري الذي فرض نفسه في المعركة الأخيرة “ردع العدوان” الذي اصطلح كإشارة لعملية تحرير سوريا من نظام الأسد، بينما خفت مع الوقت مصطلح “إسقاط نظام الأسد” كتجسيد للصرخة الأولى في الثورة السورية، وامتداد لحقبة أساسية في الثورة “المظاهرات” قبل اللجوء إلى العنف من قبل نظام الأسد.

وتجلى هذا الجدل في المصطلحات امتدادًا لجدل سابق في الثورة السورية، تراوح بين استخدامات “الحرب الأهلية” و “الأزمة السورية” وبين “الثورة السورية” بينما ظهر ذات السجال عقب سقوط الأسد عبر صيغ تعبيرية جديدة، قد تكون مقصودة أو عفوية، لكنها موجودة وتعكس تحولات حقيقية، وافتراض “السجال” بينها قد لا يكون صائباً، لكنه حقيقي في الأبعاد والفكر السياسي. ولعلّ نمط هذا السجال تجسد في دلالتي “إسقاط الأسد” أو “بعد التحرير” على اعتبار أن اللغة في الحالة السورية لم تكن مجرد وسيلة وصف، وإنما محملة بأعباء ورؤية وهوية سياسية، وساحة صراع رمزية بين أطراف عديدة على “الشرعية والذاكرة والمستقبل”.

إن مصطلح “إسقاط الأسد” ليس سياقاً مرحلياً فحسب، وإنما تراكماً بذاته، يعبر عن البداية والتحولات ومن ثم النهاية، ويحمل صيغة ثورية حاسمة، متسقة مع الربيع العربي، ضمن منظومة قيم ومبادئ عامة، وذلك منذ لحظة التكوين الأولى التي رفعت شعار “الشعب يريد إسقاط النظام”. ويحمل المصطلح في كينونته، أهدافاً لمشروع سياسي، من المفترض أن يبدأ بعد إسقاط النظام، كنتيجة له وذلك عبر بناء دول الحرية والعدالة والقانون.

بينما جاء تعبير “التحرير” محملاً بدلالات فرضها التحول العسكري ضمن الثورة، عندما استخدم الأسد العنف ضد شعبه، ليضطر جمهور الثورة السورية لحمل السلاح دفاعاً عن المتظاهرين السلميين، وعلى هذا الأساس اتسم منطق التحرير ببعد جديد ضمن مشهد أكبر وبات مقروناً بقدرة الثوار على إخراج جيش الأسد وميليشياته من المحافظات السورية، تمهيداً لتحقيق الهدف النهائي “إسقاط نظام الأسد”، فكان التحرير وسيلة للهدف النهائي.

بالتالي، دلل مصطلح التحرير على سياق عسكري كان أحد محطات الثورة السورية لا “المحطات كلها” وذلك نتيجة “عسكرة” الحدث كردة فعل على عنف النظام. إنّ المصطلح بحد ذاته مطروق لدى كل الأطراف الفاعلة في سوريا، على طرفي النقيض، حتى لدى نظام الأسد نفسه؛ فعند حصار حلب، احتفل مؤيدوه بما سمّاه إعلام الأسد “تحرير حلب”، وهو ما يدل على إمكانية التوظيف المتعدد للمصطلح وقابلة التأويل والاختراق عكس ذلك اصطلاح “إسقاط نظام الأسد” الذي يراه الأسد وجمهوره شراً مطلقاً لأنه مباشر وحاسم، وهو ما حافظ على نقائه الرمزي والقيمي في وجدان جمهور الثورة السورية.

ومن اللافت أنّ جمهور الأسد أو الرماديين قد أعادوا استخدام مصطلح “التحرير” عند سقوط النظام، لكن في سياق مختلف هذا المرّة ضد نظام الأسد، فكان من الشائع سماع عبارات مثل “خلال الحرب” أو “خلال الأزمة” إلى جانب “بعد التحرير، وهو ما يشي أن مصطلح التحرير قد تم تحييده رمزياً وفكرياً، ولم يعد يُشير إلى تمايز سياسي واضح، بل أصبح جزءًا من اللغة الرسمية الحربية الجافة لا الثورية. 

ومن هنا يمكن القول إنّ “بعد إسقاط النظام” ليس مجرد تأريخ سياسي وعسكري، وإنما ذاكرة نضالية تحافظ على العلاقة الحيّة بين اللغة والحدث والهوية، وهو ما تمثله الثورة بكل محدداتها وأبعادها بما يؤسس لقطيعة تامة مع بنية الاستبداد وممارساته الرمزية والسياسية.

يرسخ مفهوم إسقاط النظام موقعاً وقيمةً سياسيةً، بالاعتراف بشرعية الثورة، وانتماءً صريحاً لمطلبها الجوهري، ورفضاً صريحاً لكل ما يمثله نظام الأسد، ويسجل دلالات المفهوم فعلاً لغوياً تعترف بالطبيعة الثورية Perlocutionary act بإعادة إنتاج المفهوم العام في الحاضر ومصفوفة أهدافه التي دفعت الناس للثورة، وهو ما يسمى أكاديمياً “نظرية الأفعال الكلامية” Speech act theory التي طورها “جون سيرل” والتي تتلخص في “نحن عبر اللغة لا ننقل معلومات فقط، بل ننجز أفعالاً”

مفهوم التحرير، كان منطلقاً كذلك لفئة أعادت إنتاج لحظة حدث إسقاط النظام وربطت سياقا كاملا بالتحرير، بوصفه الحدث المفصلي في النضال السوري، رغم كونه نتاجاً لسلسلة من الموجات الثورية التي تمفصلت بأشكال عديدة، كان النضال العسكري إحدى سماتها وليس “كلها” ومن هذا الفهم الضيق جاء تعبير “من يحرر يقرر” كأحد السجالات التي نتجت عن الاستثمار اللغوي بالحدث؛ باختصار المحدد الزمني وتأطير الفاعلين المساهمين في المشهد الأخير، وما بعده؛ يصنع “أحقية التحرير” على حساب “الأحقية الثورية” ويقلل من شأن المواطنة كمرتكز في الثقافة السياسية الوطنية.

في سوريا كحالة نضال شعبي ضد نظام مستبد، تصبح اللغة ليست مجرد اختلاف شفوي أو نصي، بل تكشف حجم صراع فكري وسياسي على التاريخ والسلطة والحدث كتأويلات عديدة، تساهم في صناعة السرديات لتصبح اللغة ساحة رمزية يعاد من خلالها تعريف الواقع السياسي وتؤدي هذه التوترات اللغوية في كثير من الأحيان إلى تجاهل التراكم النضالي الذي سبق لحظة السقوط، وإلى محاولات لإعادة تعريف الشرعية السياسية من نقطة الصفر، ويحيلنا هذا إلى ما أشار إليه ميشيل فوكو حين قال إنّ ‘المصطلحات ليست بريئة أو محايدة، بل تُنتج ضمن بنى القوة والمعرفة”، لأنّ المعركة على “المعنى” هي بطبيعة الحال معركة على السلطة ورواية التاريخ.

تلفزيون سوريا

———————————-

 الإعلام يَقود ويُعلم/ عدنان علي

2025.06.11

يكثر العديد من الوزراء والمسؤولين في الدولة من الظهور الإعلامي، وعلى وسائل التواصل الاجتماعي في مشاهد وحركات، بعضها يتصل بمجال عملهم، وأخرى تمثل أنشطة طبيعية، أو يفترض أنها كذلك، في الشارع والأسواق والأماكن العامة، لتبدو وكأنها طبيعية، لكنها قد لا تخرج عن إطار معد مسبقاً، على طريقة “صورني وأنا غير منتبه”.

وقد يكون حب الظهور الإعلامي مفهوماً كطبيعة بشرية لدى كثير من الناس، غير أن المبالغة في ذلك، قد يحمل دلالات سلبية عن هذا المسؤول، خاصة إذا كان هذا الحضور غير موفق، أو غير مدروس بما فيه الكفاية.

ولعل ما يشير إلى هذا الجانب الإشكالي في الظهور الإعلامي للمسؤولين، هو حرص البعض منهم على تصوير وترويج أنشطتهم الروتينية اليومية التي تدخل في صلب مهامهم، كأن يلتقي وزير ما محافظ، أو مدير ضمن وزارته، أو يلتقي وزير الدفاع قائد فرقة عسكرية ضمن الوزارة لبحث أمور تخص الجيش.

وبطبيعة الحال، مثل هذه الأنشطة يفترض أنها روتينية، وعمل يومي لهؤلاء المسؤولين، وهي لا تتطلب تالياً تصويرها، وتصديرها للإعلام كنشاط يستحق التغطية الخبرية.

من المفترض بمن يتولون مناصب عامة التركيز على عملهم، وعدم الانجرار وراء إغراء الكاميرا والشهرة، لأن ذلك لن يفيد في شيء، وسيكون التقييم لعملهم على ما حققوه من إنجازات، وليس حجم نشاطهم الاجتماعي، وظهورهم الإعلامي، وعليهم أن يبتعدوا أيضا عن مشاهير وسائل التواصل الاجتماعي الباحثين عن الإعجابات والتقاط الصور مع المسؤولين والوزراء، وهؤلاء عادة ضررهم على المدى البعيد أكثر من نفعهم.

 من المفهوم أن العديد ممن تولوا مناصب في الدولة الجديدة لا يدركون كفاية المجال الصحيح لظهورهم الإعلامي، ذلك أنهم انتقلوا فجأة إلى حالة جديدة من العيش خلف الأضواء إلى الزج بهم فجأة في صلب الحياة العامة، مع عدم منحهم الوقت الكافي لموازنة مواقعهم الجديدة، ومعرفة كيفية التعامل مع ما تتطلبه هذه المواقع من حسابات أو ما تفرضه من متطلبات، فخيل للبعض منهم أن الظهور بطريقة مثالية أو شعبية أمام الجمهور هو من هذه المتطلبات، وأن صورة لهم في الشارع أو مع طفل أو عجوز، تجعلهم محبوبين شعبياً.

والواقع أن جزءًا محدوداً من اللوم يقع على عاتق هؤلاء المسؤولين، لكن اللوم الأساسي يتحمله القائمون على وسائل الإعلام، خاصة المملوكة للدولة، والذين لا يميزون بحكم خبراتهم المتواضعة، وغياب السياسة التحريرية الواعية، بين ما له قيمة خبرية في أنشطة المسؤولين ويستحق تالياً التعامل معه إعلامياً، وبين النشاط الطبيعي الذي يدخل في أدب “استقبل وودع” من إرث إعلام نظام الأسد السابق.

لا أعتقد أن هناك أية وصاية على الواقع الإعلامي في سوريا اليوم لا من جانب وزارة الإعلام ولا أية جهة أخرى في الدولة، لكن ضعف المهنية لدى القائمين على هذا الإعلام من جانب، وشح المصادر الرسمية التي تتعامل مع الإعلام من جانب آخر، يجعل أي نشاط اعتيادي وعديم القيمة الخبرية، يحظى بفرصة للنشر والتغطية الإعلامية في هذه الوسائل.

إن الإعلام الجيد هو الذي يعكس اهتمامات أوسع شرائح المجتمع، وليس الذي يرصد فقط تحركات المسؤولين، حتى ما كان منها عديم الأهمية. والتغطية الجيدة لأي تطور أو نشاط، لا تقتصر على إعلان ما قالته الحكومة أو صرح به أحد المسؤولين، بل محاولة تقديم وتفسير ذلك للناس بطريقة صادقة وأمينة، مع مراعاة كل الجوانب والمخاوف، وليس فقط الجانب الدعائي للحكومة.

ومن هنا، فإن الإشارات المستمرة لخطورة دور الإعلام في الحياة العامة، تأخذ في الاعتبار هذه الجوانب، أي ما قد يسهم به الإعلام في تدجين المسؤولين والجمهور معاً، لأن من مهام الإعلام الواعي أن يعمل على رسم حدود لكليهما المسؤول والمواطن، لأننا في دولة جديدة، الكل فيها يتعلم حقوقه وواجباته، والإعلام هنا هو أحد أبرز من يفترض أن يقودوا عملية التعليم في حال كان القائمون عليه يتحلون بالوعي السياسي والمهني، ولا ينقادون خلف توجهات (ولا أقول توجيهات) قد لا تكون حكيمة للمسؤولين، ولا خلف زوبعات يثيرها ناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي بحكم شهرتهم، وهي في الحقيقة ضعيفة، أو معدومة الأهمية المهنية والاجتماعية.

هذا الدور القيادي للإعلام، خصوصا في المراحل الانتقالية، من الصعب تخيل وجوده في حال جرى تسليم الإعلام كله لناشطين مبتدئين، أو خضع لسطوة مسؤولين متنفذين غير محيطين بدور الاعلام ورسالته، ما يجعل الاعلام هنا مجرد ضحية لهذه الفوضى، بدل أن يكون رائداً في تنظيمها، وشريكاً في تحديد الأدوار والمسؤوليات.

تلفزيون سوريا

——————————–

 من أجل إصلاح ضريبي عادل وشامل في المرحلة الانتقالية في سوريا/ د. عبد المنعم حلبي

2025.06.11

أعلنت وزارة المالية مؤخراً عن تشكيل لجنة حكومية مركزية للإصلاح الضريبي، عبر مراجعة ودراسة منظومة الضرائب والرسوم، وصولاً لإعداد نظام ضريبي جديد، حيث تم التركيز في الإعلان –إعلامياً- على وجود ممثلين عن القطاع الخاص في خطوة وُصفت بأنها غير مسبوقة. ورغم أهمية هذه المبادرة، لا سيما في ظل الحاجة الملحة لإصلاح المنظومة الضريبية وتعزيز موارد الدولة، إلا أن عدداً من الملاحظات والتوصيات الشكلية والموضوعية يمكن أن تسهم في تطوير أداء اللجنة وتعزيز شفافيتها وشرعيتها المجتمعية، ارتباطاً بمستوى الأهمية التي يتمتع بها النظام الضريبي في إطار بناء العقد الاجتماعي الجديد بين الدولة السورية الجديدة ومواطنيها، بما ينسجم مع روح المرحلة الانتقالية ومتطلبات الحوكمة الرشيدة على المدى البعيد.

لقد ضمَّت اللجنة إلى جانب وزير المالية رئيساً كلاً من نائبه ومعاون وزير الاقتصاد والصناعة، وعدداً من مديري ومسؤولي وزارة المالية، وعميد كلية الاقتصاد بجامعة دمشق ورئيس جمعية المحاسبين القانونيين، وخبيرين لم يُحدد مجال خبرتهما، وممثلين عن غرف التجارة والصناعة في دمشق وحلب والهيئة العامة للمنافذ والبرية والبحرية. وعلى الرغم من التطور الإيجابي المتمثل بإشراك ممثلين عن القطاع الخاص، وبصرف النظر عن نسبة وتأثير هذه المشاركة وتمثيلها الفعلي للقطاع الخاص السوري بشكل عام، إلا أنها خلت من أي حضور قانوني مستقل بارز أو ممثلين عن المجتمع المدني الأوسع، بما يشمل النقابات المهنية والعمالية وممثلين عن المناطق الأكثر تضرراً من الحرب مثلاً.

من جهة أخرى، كلف القرار هيئة الضرائب والرسوم في وزارة المالية إعداد محاضر اجتماعات اللجنة، ومتابعة خطة عملها، التي تتولى أيضاً مناقشة اقتراحات التعديلات على الرسوم مع الوزارات والهيئات المعنية. كما نص القرار أن تنهي اللجنة أعمالها في الثلاثين من تموز المقبل. وهكذا فإن القرار قد خلا أيضاً من تحديد آليات اتخاذ القرار داخل اللجنة، التصويت أو المراجعة، ولم يتضمن إمكانية التمديد وفق مقتضيات المصلحة العامة لتحقيق الإنجاز النوعي المطلوب.

السابقة الأهم في الإعلان، والتي لم يتم التركيز عليها إعلامياً، أو في تصريحات السيد وزير المالية عن هذا الإعلان، هي إتاحته للجنة الإصلاح الضريبي الاستعانة بخبراء من المؤسسات الإقليمية والدولية، ولكن دون تحديد واضح أيضاً لماهية تلك الخبرات أو المؤسسات.

وانطلاقاً من أن الإصلاح الضريبي أداة مهمة لبناء العقد الاجتماعي الجديد بين الدولة والمواطنين، وفي إطار السياق الانتقالي الذي تعيشه البلاد، فمن البديهي ألا يُنظر إلى الضريبة هنا على أنها مجرد أداة مالية لتحصيل الإيرادات، بل كركيزة أساسية في بناء علاقة جديدة بين الحكومة والمواطن، قوامها الثقة والعدالة والمساءلة. وبالتالي، فإن نجاح لجنة الإصلاح الضريبي لا يقاس فقط بجودة التوصيات الفنية، بل أيضاً بمدى اتساق عملها مع مبدأ الشفافية، والمشاركة، واحترام الإرادة العامة، المنصوص عليها في الإعلان الدستوري، لاسيما في ظل استمرار غياب الجهة التشريعية المؤقتة الممثلة افتراضياً للإرادة الشعبية، حتى الآن.

ومن هنا، ومن أجل تحقيق الشفافية والتنظيم اللازم يتوجب على وزارة المالية ولجنة الإصلاح الضريبي إصدار لائحة داخلية تتضمن خطة عمل معلنة ومجدولة زمنياً، يتم فيها تنظيم عملية اتخاذ القرار، إضافة إلى ضرورة وضع وتنفيذ آلية أوسع لتدوين محاضر الاجتماعات وإتاحتها للرقابة العامة. ولتحقيق ذلك، إلى جانب تأمين التمثيل المجتمعي وتوسيع قاعدة الشراكة، المطلوبين حُكماً، يوصى بإنشاء هيئة استشارية مدنية مرافقة للجنة، تُعطى صلاحية تقديم الرأي والتوصيات، وتُنشَر مداولاتها علناً لتعزيز الثقة.

وإذا كانت الاستعانة بالخبرات الأجنبية ضرورية فعلاً لتحديث النظام الضريبي، فإنه من الضروري أيضاً ضبط هذه الاستعانة بمعايير الشفافية وتحديد الأدوار، بمعنى أن يتم تحديد الجهات الخارجية التي يمكن التعاون معها وفق معايير مهنية، يتم على أساسها توقيع أي عقود استشارية، وباطلاع الهيئة الاستشارية المدنية المشار إليها، مع نشر التقارير ذات الصلة بعمل تلك الخبرات، وضمان عدم التأثير على آلية اتخاذ القرار خارج الحدود الفنية.

وفي الواقع، لا يمكن الجزم بكفاية فترة الشهرين لإنجاز المتطلبات الشكلية والموضوعية المذكورة، المهمة والضرورية، ولكن المهم في النهاية هو إنجاز نظام ضريبي يحقق الغايات المرجوة منه، في تحديد العلاقة المالية بين الدولة ومختلف شرائح المجتمع، وكجزء من عملية إصلاح أوسع، تشمل تطبيق اللامركزية الإدارية والمالية على امتداد الجغرافيا السورية، وتخصيص العوائد المحلية للخدمات المباشرة في مناطق تحققها، بما يضمن العدالة في توزيع العوائد والثروة الوطنية.

كما ينبغي ختاماً التأكيد على سمتي الإعداد والاقتراح للنظام الضريبي الجديد الذي ستصل إليه اللجنة، بمعنى أنه مرحلة يجب أن يتلوها إخضاع هذا النظام المقترح للهيئة التشريعية الانتقالية المُنتظرة فور انعقاد مؤتمرها الأول، وذلك انسجاماً مع مبدأ الفصل بين السلطات، وضرورة خضوع السياسات المالية للمساءلة العامة، باعتبارها تمس بصورة مباشرة حياة المواطنين ومعيشتهم، بانتظار مبادئ استراتيجية اقتصادية عليا، يتم في إطارها بناء السياسات التجارية والمالية والنقدية، وطرحها بصورة شفافة وخاضعة للمساءلة، وبما يضمن تشاركية حقيقية بين الدولة والقطاع الخاص والمجتمع المدني في صياغة مستقبل سوريا الجديدة.

تلفزيون سوريا

————————————–

أهمها الحوكمة والشفافية.. متطلبات الاندماج السوري في النظام المالي العالمي/ أيهم الشيخ

11 يونيو 2025

في ضوء التحولات الإقليمية الأخيرة وتخفيف بعض القيود المفروضة على التعاملات الاقتصادية، بدأ مصرف سوريا المركزي خطوات أولية لإعادة دمج الاقتصاد السوري في النظام المالي العالمي، وذلك عبر محاولة العودة إلى نظام “سويفت” (SWIFT)، الشبكة العالمية لتحويل الأموال بين البنوك.

وفي تصريحات أدلى بها حاكم مصرف سوريا المركزي، عبد القادر حصرية، أشار إلى أن الحكومة السورية بدأت بالتحرك بعد ما وصفه بـ “قرارات رفع العقوبات”، في إشارة إلى بعض الاستثناءات أو التراخي النسبي في تطبيق العقوبات الغربية والعربية، خصوصاً بعد تطورات ما بعد الزلزال وسياسات الانفتاح الجزئي لبعض الدول العربية تجاه دمشق.

وأكد الحصرية أن من بين الأهداف الحالية للمصرف المركزي: إعادة تحديث البنية التحتية المصرفية والأنظمة الإلكترونية لتتوافق مع المعايير الدولية واستثمار الاحتياطيات المالية لدعم استقرار الليرة وتحفيز الدورة الاقتصادية.

كما أشار إلى فتح المجال أمام القطاع المصرفي الأردني واللبناني للمشاركة في عملية إعادة الإعمار والنمو، حيث تعمل حاليًا ثلاثة مصارف أردنية داخل سوريا، وهناك مساعٍ لزيادتها، كما كشف عن مبادرة ثلاثية بين سوريا والأردن ولبنان تهدف إلى إطلاق مشروع نهضة اقتصادية إقليمي، يهدف إلى تحفيز الاقتصاد وتسهيل التبادل التجاري والمصرفي بين هذه الدول.

ويقول الباحث الاقتصادي السوري عبد العظيم المغربل، في حديث لـ”الترا سوريا”، إن التحديات السياسية أمام تحسين المناخ الاقتصادي في البلاد باتت أقل حدّة.

وأشار المغربل إلى أن التحديات الحقيقية التي تواجه الاقتصاد السوري اليوم تتعلق بالإطار القانوني، وبخاصة ضرورة إصدار قانون استثمار عصري يلبي متطلبات المرحلة، ويضمن حقوق المستثمرين. وأضاف: “نحتاج إلى آليات قانونية مناسبة لحفظ حقوق المستثمرين، مما سيعزز بيئة الاستثمار في البلاد”.

رفع العقوبات عن مؤسسات مالية يفتح المجال لإعادة الدمج

وفي سياق حديثه عن إعادة دمج النظام المالي السوري بنظام “سويفت” العالمي، أوضح المغربل أنه “حتى مع بقاء بعض المؤسسات المالية تحت طائلة العقوبات، إلا أن هناك عددًا من البنوك والمؤسسات رُفعت عنها العقوبات مؤخرًا، ويمكن الاعتماد عليها في المرحلة الانتقالية، ريثما يتم رفع العقوبات عن البقية”.

وأكد الباحث الاقتصادي أن البنك المركزي السوري يعمل على تنفيذ إجراءات تقنية ومالية تتوافق مع متطلبات الشفافية والحوكمة، مشيرًا إلى أن نظام “سويفت” لم يتوقف كليًا خلال السنوات الماضية، إذ استمرت بعض التحويلات عبر الأمم المتحدة كمساعدات إنسانية إلى بنوك سورية.

وأضاف أن إعادة تفعيل نظام “سويفت” يتطلب تحديثًا لأنظمة التحويل والقوانين المرتبطة به، إلى جانب تحسين البنية التحتية التقنية التي تراجعت خلال السنوات الـ14 سنة الماضية.

وقال المغربل إن الحكومة السورية تعمل حاليًا على تطوير وتأمين البنية التحتية المالية والتقنية، موضحًا أن وزارات الاتصالات والمالية، إلى جانب مصرف سوريا المركزي، تتحمّل المسؤولية الأساسية في استيعاب متطلبات “سويفت”، لا سيما في ما يتعلق بالأمن السيبراني وتبادل البيانات والمعلومات.

مخاطر محتملة وتحديات تتعلق بغسل الأموال

وفيما يتعلق بالمخاطر المرتبطة بإعادة دمج النظام المالي السوري في المنظومة الدولية، أشار المغربل إلى ضرورة التأكد من خلو التحويلات المالية – سواء كانت داخلية أو خارجية – من أي شبهة تتعلق بغسل الأموال أو تمويل الإرهاب، مؤكدًا أن هذا الأمر يتطلب تفعيل الشفافية والحوكمة على نحو صارم.

لكن رغم هذه المبادرات، لا تزال هناك تحديات بنيوية وقانونية تعرقل هذا المسار، من بينها استمرار إدراج بعض المؤسسات السورية على لوائح العقوبات الغربية وتردي البنية التحتية للمصارف السورية بعد سنوات من الحرب والعزلة، والقيود التقنية والأمنية المطلوبة للامتثال لمعايير “سويفت”، وعدم وضوح موقف الشركاء الدوليين من إعادة إدماج النظام المصرفي السوري في الأسواق العالمية.

وفي حديث لـ”الترا سوريا”، تناول الباحث الاقتصادي السوري أدهم قضيماتي واقع التعاون المصرفي بين سوريا وكلٍّ من الأردن ولبنان، مشيرًا إلى الفروقات في السياقات الاقتصادية والسياسية التي تحكم العلاقة المصرفية مع كل من البلدين.

أوضح قضيماتي أن المصارف الأردنية لم تكن حاضرة بقوة في السوق السورية منذ بداية الأزمة، وذلك بسبب مخاوف المنظومة المصرفية الدولية من التعامل مع سوريا نتيجة العقوبات المفروضة، إضافةً إلى طبيعة القطاع المصرفي المحلي، الذي كان محكومًا بأشخاص ضمن بيئة غير شفافة. إلا أن الباحث أشار إلى أن دخول المصارف الأردنية إلى سوريا في المرحلة المقبلة يحمل أهمية استراتيجية، إذ يمكنه أن يسهم في تقليص التهريب وتعزيز العلاقة الاقتصادية بين البلدين عبر قنوات رسمية، مما يخلق بيئة تجارية أكثر قانونية وانضباطًا.

على الجانب الآخر، يرى قضيماتي أن الوضع في لبنان يختلف جذريًا، إذ تمر البلاد بأزمة اقتصادية حادة، إلى جانب عقوبات على شخصيات لبنانية وصعوبات في القطاع المصرفي اللبناني. ونتيجة لذلك، يتوقع أن يكون التعاون المصرفي بين سوريا ولبنان محدودًا جدًا، ودقيقًا بطبيعته، على عكس ما هو ممكن مع الأردن.

وفي معرض حديثه عن الاحتياطيات المالية في سوريا، أكد قضيماتي أن البلاد لا تملك حاليًا احتياطيات يُعتد بها على المستوى الدولي. لكنه شدد على أهمية التفكير في إنشاء صندوق سيادي يُدار من قبل مختصين ويستثمر في مجالات متنوعة داخل وخارج البلاد، ليكون قاعدة انطلاق لأي نهضة اقتصادية مستقبلية.

وأكد قضيماتي أن الأنظمة المصرفية الإلكترونية تلعب دورًا جوهريًا في تحديث القطاع المصرفي وجذب الاستثمارات. وأشار إلى أن النظام العالمي للتحويلات المالية “سويفت” لا يُعد كافيًا بحد ذاته لتحقيق النهضة المصرفية، لكنه يبقى ضروريًا كجزء من المنظومة المتكاملة. كما نوّه إلى مبادرات تعاون مثل اقتراح من “زراعات بنك” التركي لدخول السوق السورية، وهو ما يعزز الآمال بتحديث البنية التحتية الرقمية للمصارف السورية.

ويرى قضيماتي أن أي اندماج مالي بين سوريا والدول العربية لن يكون ممكنًا دون إصلاح شامل للأنظمة والقوانين الاقتصادية، وهو ما بدأت به وزارة الاقتصاد والتجارة السورية. واعتبر أن الاستثمار الدولي، سواء كان عربيًا أو أجنبيًا، لن يدخل سوريا ما لم تكن هناك بنية تحتية قانونية وإدارية واضحة وشفافة.

واختتم قضيماتي حديثه بالتأكيد على أن مستقبل الاقتصاد السوري قد يكون واعدًا، لكن الوصول إلى تلك المرحلة يحتاج من 6 أشهر إلى سنة من الإصلاحات والتجهيزات. وشدد على ضرورة أن تكون التحويلات المالية والاستثمارات عبر قنوات رسمية، منعًا لظواهر مثل الأموال الساخنة أو غسيل الأموال.

هذه التطورات تفتح الباب لعدة تساؤلات اقتصادية حول مدى واقعية هذه المساعي، وما إذا كانت ستنجح في كسر العزلة المالية المفروضة على سوريا منذ أكثر من عقد، أم أنها مجرد تحرك رمزي ضمن سياسة التكيف مع الواقع الإقليمي الجديد.

——————————–

تحديات الفرصة المشتركة بين لبنان وسوريا/ رفيق خوري

قوامها تصحيح العلاقات الاقتصادية وترسيم الحدود بحرية وإعادة النازحين

الأربعاء 11 يونيو 2025

التحدي كبير حالياً أمام لبنان وسوريا ليس في موضوع من يسبق من وبماذا بل في تكامل الاقتصاد الكلي، فكلما اتسعت مساحة الجغرافيا أمام الاقتصاد، ازداد تحسن الاقتصاد في البلدين لجهة تنويع الصادرات وتوسيع مجالها.

لبنان له مصلحة حيوية في انفتاح العرب والغرب على سوريا بإدارة الرئيس أحمد الشرع، وبدء التوجه السوري إلى الاقتصاد الليبرالي. وهو معني، لا فقط بالفرصة المفتوحة لعلاقات طبيعية مع دمشق بعد كابوس الوصاية السورية خلال حكم آل الأسد بل أيضاً بتصحيح ومراجعة وإعادة النظر في اقتناعات رسمية وشعبية مؤذية بدت كأنها مسلمات في سياسات كل من البلدين.

ولا مبرر للتخوف من أن تسبق سوريا لبنان في إعادة الإعمار وتجديد البنية التحتية، لأن عليها أن تقطع مسافة طويلة للوصول إلى حيث يقف لبنان حالياً، على رغم أزماته المتعددة. فالشرعية اللبنانية في الوضع الجديد كاملة الأوصاف، في حين أن الاعتراف الرسمي بالشرعية السورية للإدارة الجديدة مؤجل حتى تأكيد الأقوال بالأفعال، وإن بدأ الدعم القوي تحت مجهر المراقبة الدقيقة. غير أن دمشق تبني بسرعة رصيداً في عواصم القرار عبر تطبيق ما التزمته من مهام، وبيروت تتعثر في إنجاز الجانب الأساس من المهام التي تلتزمها.

 ذلك أن إدارة الرئيس أحمد الشرع أخذت لائحة الشروط المطلوبة منها وبدأت تنفيذها، من تقييد نشاط الفصائل الفلسطينية وسحب سلاحها إلى حل الفصائل المسلحة ودمجها في الجيش الوليد وإقناع واشنطن بأن ضم المقاتلين الأجانب، لا سيما الإيغور منهم، إلى الجيش أفضل من تركهم على الطريق لإحداث الفوضى والانضمام إلى “داعش” و”القاعدة”. ومن تشكيل لجان وهيئات للتحقيق في المجازر والبحث عن المفقودين وتفعيل العدالة الانتقالية إلى إشراك القطاع الخاص السوري والعربي والأجنبي في مشاريع النهوض الاقتصادي.

والبداية كانت إنجاز عقد مع أربع شركات عربية دولية لبناء معامل كهربائية تنتج 5 آلاف ميغاوات، وعقد آخر مع موانئ دبي لتوسيع المرافئ السورية وتجديدها وإدارتها. ومن التفكير في مطلب الرئيس دونالد ترمب الدخول في “اتفاقات أبراهام” إلى إجراء محادثات مباشرة وغير مباشرة مع إسرائيل والإعلان يومياً أن دمشق لا تشكل تهديداً لأي من جيرانها، وبينهم إسرائيل. والباقي هو تحقيق التزامات أخرى تلح عليها أميركا وأوروبا والدول العربية، وهي الانفتاح الداخلي على التنوع في المجتمع السوري، وبدء تمثيل هذا التنوع في السلطة. لا في المناصب الشكلية بل في المراكز الحساسة والمهمة التي أعطيت في المرحلة الأولى للقادة والكوادر في “هيئة تحرير الشام” وبعض حلفائها.

وهذه أمور بالغة الأهمية بالنسبة إلى السوريين قبل الآخرين. فالدعم الأميركي خوفاً من “انهيار سوريا” بحسب وزير الخارجية ماركو روبيو ليس على مستوى الدعم الضروري لتطور سوريا على أيدي أصحاب المهارات من أبنائها في مختلف المناطق والمكونات بدل أصحاب الولاءات، الذين يتسلم بعضهم أكثر المناصب حساسية من دون خبرة ولا حد أدنى من المعرفة.

واستمرار العجز عن حماية المواطنين في الساحل وريف دمشق وحمص من المجازر، كما عن محاسبة المرتكبين يعني أن سياسة “التكفير” مستمرة على رغم خطاب الشرع ودعوته إلى “التفكير”. والفرصة المفتوحة من العرب والغرب مشتركة بين لبنان وسوريا. وهي فرصة لتصحيح نوعين من العلاقات الاقتصادية، والعمل على ترسيم الحدود البرية والبحرية بين البلدين وإعادة النازحين. النوع الأول هو الذي ساد خلال الوصاية السورية: كل الاتفاقات مع لبنان كانت لمصلحة سوريا. ولم يكن من الممكن بدء تكامل بين نظامين اقتصاديين متناقضين، واحد ليبرالي حر وآخر يوصف بأنه “اشتراكي”.

لكن ما حدث هو التكامل بين المافيا المقربة من الأسد والمافيا المالية والسياسية والميليشياوية في لبنان. النوع الثاني هو ما كان في بدايات استقلال البلدين عن فرنسا، بحيث أضاعت السياسات الأنانية الضيقة فرصة تكامل نظامين اقتصاديين حرين. كيف؟ بالخلاف بين الذين يعطون الأولوية للتجارة في لبنان والذين يعطون الأولوية للصناعة في سوريا. ومن هنا لعنة “القطيعة” بين الاقتصادين التي أعلنها خالد العظم عام 1950، وتصور تجار بيروت أنها مفيدة لهم. لكن الواقع أن دمشق خسرت الامتيازات التي كان يؤمنها لبنان. وخسرت بيروت بدورها المجال الاقتصادي الواسع في سوريا وعبرها إلى البلدان العربية.

وكل شيء كان ضد المنطق الاقتصادي. فالجمع بين التجارة والصناعة ليس مهمة مستحيلة ولا صعبة بل قضية لا بد منها في أي اقتصاد. هكذا هي الحال في الاقتصاد الأميركي الذي هو الأول في العالم، حيث التكامل بين التجارة والصناعة ثم التطور نحو اقتصاد المعرفة والتطور التكنولوجي وصولاً إلى الذكاء الاصطناعي.

وهكذا هي الحال في الاقتصاد الصيني الذي هو الثاني في العالم، والذي تتركز الاهتمامات والسياسات الاقتصادية فيه على زيادة الإنتاج الصناعي وتطوير التجارة مع العالم. والرمز هو مشروع “الحزام والطريق” الذي استوحى قصة “طريق الحرير” في القرون الماضية، وفتح شراكات مع نحو 130 بلداً. كذلك الأمر في الاقتصادات الألمانية والبريطانية والفرنسية والإيطالية وسواها. حتى البلدان التي تنتج النفط، فإنها تسعى إلى تنويع الاقتصاد غير النفطي إلى جانب تنمية التجارة، بحيث صار الناتج المحلي السعودي البالغ 1.1 تريليون دولار يعتمد بنسبة النصف تقريباً على الاقتصاد غير النفطي.

والتحدي كبير حالياً أمام لبنان وسوريا. لا في موضوع من يسبق من وبماذا بل في تكامل الاقتصاد الكلي. فكلما اتسعت مساحة الجغرافيا أمام الاقتصاد، ازداد تحسن الاقتصاد في البلدين لجهة تنويع الصادرات وتوسيع مجالها.

وما كان العماد الأساس للاقتصاد في الأربعينيات والخمسينيات من القرن الـ20 تجاوزه بمسافات اقتصاد المعرفة، حيث الرأسمال هو العقل قبل الآلات، والتبادل التجاري هو توظيف الرأسمال. وإذا كانت حلب مركز الصناعة، فإن دمشق مركز التجارة وتجارها أشطر حتى من تجار بيروت. وإذا كانت الأرض ضيقة على الزراعة في لبنان بما في ذلك سهل البقاع وسهل عكار، فإن الأرض واسعة في سوريا. وأكبر مؤسسة للزراعة خلال الخمسينيات والستينيات في الجزيرة شرق الفرات كانت مؤسسة “أصفر ونجار” اللبنانية. وعماد البناء والزراعة في لبنان هم السوريون وكان اللبنانيون عماد المصارف في سوريا خلال المرحلة الأخيرة قبل انهيار النظام المصرفي في بيروت.

و”الجدران العالية تصنع جيراناً جيدين” كما كتب الشاعر الأميركي روبرت فروست.

———————————

 رهان على المناطق الحرة في سوريا.. أين تتوزع وما هي قواعد الاستثمار؟/ ثائر المحمد

2025.06.11

عادت المناطق الحرة في سوريا إلى واجهة المشهد الاقتصادي، مع إعلان الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية فتح باب التسجيل على فرص استثمارية جديدة في ثماني مناطق حرة موزعة على مواقع استراتيجية في البلاد.

ويأتي هذا التطور في ظل مساعٍ حكومية لتحفيز عجلة الاستثمار، وخلق بيئة أكثر مرونة لاستقطاب رؤوس الأموال المحلية والخارجية، بعد سنوات من التراجع الحاد الذي شهدته هذه المناطق بسبب الحرب.

وتمثل المناطق الحرة ركيزة أساسية في البنية الاقتصادية السورية، فهي مصممة لتكون نقاط جذب للتجارة والخدمات والصناعة، عبر حزمة واسعة من التسهيلات الجمركية والإدارية، إذ تُعفى هذه المناطق من معظم القيود المالية والتنظيمية، ما يجعلها مساحة محفزة للأنشطة الاستثمارية التي تحتاج إلى أطر قانونية مرنة وبيئة منخفضة الكلفة.

ويتوزع النشاط الاستثماري في هذه المناطق على محاور متعددة، أبرزها الاستيراد وإعادة التصدير، التخزين، والتصنيع الخفيف، كما تسمح للمستثمرين بامتلاك المشاريع وتشغيل الأيدي العاملة السورية والأجنبية، وتحويل الأرباح بحرية إلى الخارج.

ولطالما شكلت المناطق الحرة السورية نقطة التقاء مهمة بين الأسواق الإقليمية والدولية، واستقطبت مستثمرين من دول عربية وأجنبية، لا سيما في قطاعات السيارات، المواد الغذائية، والصناعات التحويلية، إلا أن ارتباط بعضها خلال السنوات الماضية بشبكات مصالح ضيقة تتبع للنظام المخلوع، كما في حالة عائلة مخلوف، أثّر سلباً على شفافيتها وأدائها.

فتح باب الاستثمار

أعلنت الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية في 24 نيسان الماضي عن فتح باب التسجيل على الفرص الاستثمارية في المناطق الحرة داخل الجمهورية العربية السورية، وذلك في المناطق الحرة التالية: دمشق، مطار دمشق الدولي، عدرا، حسياء، حلب (المسلمية)، الداخلية في اللاذقية، المرفئية في اللاذقية، المرفئية في طرطوس.

ودعت الهيئة المستثمرين الراغبين في التسجيل إلى مراجعة المنطقة الحرة المراد الاستثمار بها، وذلك اعتباراً من يوم الأحد الموافق 2025/04/27م.

وفي تصريحات خاصة لموقع تلفزيون سوريا، أوضح مازن علوش، مدير العلاقات المحلية والدولية في الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية، أن المناطق الحرة في الجمهورية العربية السورية صُممت لتكون بيئة محفزة للتجارة والاستثمار، عبر تقديم حزمة من التسهيلات المتعلقة بالضرائب والجمارك والإجراءات الإدارية.

وأشار إلى أن هذه المناطق تتيح استيراد المواد الخام والسلع وتصديرها أو تصنيعها دون أن تخضع للضرائب التقليدية المفروضة في بقية أنحاء البلاد، ما يجعلها خياراً مفضلاً لدى العديد من المستثمرين.

وأكد علوش أن نظام العمل في هذه المناطق يمنح إعفاءات كاملة من الرسوم الجمركية والضرائب على البضائع الداخلة والخارجة، ويوفر تسهيلات لوجستية وخدمية متقدمة، مع إمكانية تملّك المشاريع وتشغيل العمالة المحلية والأجنبية، إلى جانب تسهيل حركة الأموال وتحويل الأرباح إلى الخارج.

وأضاف أن هذه المناطق تخضع لبيئة قانونية منظمة تُدار حالياً من قبل الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية، بعد أن كانت تابعة في السابق للمؤسسة العامة للمناطق الحرة.

الدور الاقتصادي للمناطق الحرة

وحول الدور الاقتصادي الذي لعبته هذه المناطق سابقاً، أشار علوش إلى أن النشاط الاستثماري في المناطق الحرة السورية كان نشطاً قبل عام 2011، خصوصاً في مجالات التخزين والتجارة والصناعات الخفيفة، حيث استقطبت مستثمرين من دول عربية وأجنبية، وتركزت أبرز نشاطاتها في تجارة السيارات، المواد الغذائية، والصناعات التحويلية.

وبيّن أن المناطق الحرة الحالية تشمل ثماني مناطق رئيسية، وهي:

    المنطقة الحرة في دمشق

    المنطقة الحرة في مطار دمشق الدولي

    المنطقة الحرة في عدرا (قرب دمشق)

    المنطقة الحرة في حسياء (قرب حمص)

    المنطقة الحرة في حلب (المسلمية)

    المنطقة الحرة في اللاذقية (المنطقة المرفئية)

    المنطقة الحرة الداخلية في اللاذقية

    المنطقة الحرة في طرطوس (المنطقة المرفئية)

كما أشار إلى وجود مناطق حرة أخرى خارج سيطرة الحكومة حالياً، مثل المنطقة الحرة في اليعربية الواقعة على الحدود العراقية.

وفيما يتعلق بالمستفيدين من فرص الاستثمار المعلنة، شدد علوش على أن الباب مفتوح أمام المستثمرين السوريين وغير السوريين على حد سواء، حيث يحصل الجميع على التسهيلات ذاتها، مع الالتزام بالإجراءات القانونية لتسجيل الشركات والمشاريع وفق القوانين المعمول بها داخل سوريا.

جهود لتطوير المناطق الحرة

في 15 أيار الماضي، أعلنت الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية عن توقيع مذكرة تفاهم مع شركة موانئ دبي العالمية (دي بي ورلد) بقيمة 800 مليون دولار أميركي، وذلك لتطوير وإدارة وتشغيل محطة متعددة الأغراض في ميناء طرطوس.

وتنص مذكرة التفاهم كذلك على العمل المشترك لتأسيس مناطق صناعية ومناطق حرة، بالإضافة إلى إنشاء موانئ جافة ومحطات عبور للبضائع في عدد من المناطق الاستراتيجية داخل الأراضي السورية، بما يفتح آفاقاً واسعة للاستثمار ويعزز الحضور الاقتصادي لسوريا على خارطة التجارة الإقليمية والدولية.

ووقعت الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية في 23 من الشهر نفسه مذكرة تفاهم استراتيجية مع شركة CMA CGM العالمية الرائدة في مجال النقل البحري والخدمات اللوجستية، بهدف إنشاء وتشغيل موانئ جافة في كل من المنطقة الحرة السورية الأردنية المشتركة، والمنطقة الحرة في عدرا بريف دمشق.

وبحسب بيان صادر عن الهيئة، تأتي هذه الخطوة في إطار رؤية الهيئة لتطوير البنية التحتية اللوجستية وتعزيز دور المناطق الحرة كمراكز محورية للتجارة الإقليمية، من خلال ربطها بشبكات النقل البحري والبري الدولية وتحقيق تكامل فعّال بين المرافئ والموانئ الجافة بما يسهم في تسريع حركة البضائع وخفض التكاليف.

وتنص المذكرة على أن تتولى شركة CMA CGM إدارة وتشغيل الموانئ الجافة وفق أفضل المعايير الدولية، مع توفير خدمات متكاملة تشمل التخليص الجمركي، التخزين والنقل متعدد الوسائط، بما ينعكس إيجاباً على البيئة الاستثمارية في سوريا والمنطقة.

اتفاق على استثمار مناطق حرة بمساحة تتجاوز المليون متر مربع

أعلنت الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية خلال الشهر الماضي أيضاً توقيع مذكرة تفاهم استراتيجية مع شركة Fidi Contracting الصينية، تقضي بمنح الشركة حق استثمار كامل المنطقة الحرة في حسياء بمحافظة حمص، بمساحة تُقدّر بنحو 850 ألف متر مربع، بهدف إنشاء منطقة صناعية متكاملة تحتوي على مصانع متخصصة ومنشآت إنتاجية.

وشملت مذكرة التفاهم أيضاً منح الشركة الصينية حق استثمار 300 ألف متر مربع من المنطقة الحرة في عدرا بمحافظة ريف دمشق، لترسيخ مشاريع تجارية وخدمية تواكب متطلبات السوق المحلي والإقليمي.

وتبلغ مدة العقد عشرين عاماً، على أن تلتزم الشركة المستثمرة بتنفيذ مراحل المشروع وفق جدول زمني محدد، بما يضمن تحقيق الجدوى الاقتصادية وتعزيز دور المناطق الحرة كمحرك للتنمية وجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة.

منطقة حرة في إدلب

قالت الهيئة في بيان نُشر 24 أيار الماضي: “في إطار المساعي الرامية لتعزيز الحركة الاقتصادية وتوسيع نطاق الاستثمار في عموم أراضي الجمهورية العربية السورية، أجرى رئيس الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية الأستاذ قتيبة بدوي زيارة رسمية إلى محافظة إدلب، برفقة وفدٍ من رئاسة الهيئة، حيث كان في استقباله محافظ إدلب الأستاذ محمد عبد الرحمن”.

وتناول اللقاء عدداً من الملفات الحيوية وفي مقدمتها إنشاء منطقة حرة في محافظة إدلب، بما يسهم في دعم النشاط التجاري وتوفير بيئة جاذبة للاستثمار المحلي والخارجي، إذ تم التوافق على تشكيل لجنة فنية مشتركة، لتحديد الموقع المناسب، ووضع خطة تنفيذية تتماشى مع متطلبات المرحلة الراهنة.

بين الطموح والتحديات

لا تزال تحديات كثيرة تواجه تنشيط المناطق الحرة، أبرزها ما يتعلق بضعف البنية التحتية، واستعادة ثقة المستثمرين بعد سنوات من الفوضى والتضييق في عهد النظام المخلوع، فضلاً عن العقوبات الدولية التي ألقت بظلالها على أغلب الملفات الاقتصادية في سوريا.

ومع ذلك، فإن الانفتاح على شركات دولية يُظهر رغبة حقيقية في كسر الجمود الاقتصادي، وتثبيت موقع سوريا على خارطة النقل والتجارة في المنطقة، لا سيما إذا ما اقترن ذلك بإرادة سياسية واضحة لرفع المعوقات البيروقراطية، وتطوير الإطار التنظيمي للمناطق الحرة.

ويبقى نجاح هذه الخطط رهناً بمدى قدرة الجهات الرسمية على تنفيذ الاتفاقات وفق الجداول الزمنية المحددة، وضمان استقرار بيئة الاستثمار على المدى الطويل، كما سيشكل أداء هذه المناطق في العامين القادمين على الأقل اختباراً حقيقياً لفعالية الرؤية الاقتصادية المعلنة، لا سيما في ظل تطلع شريحة واسعة من المستثمرين السوريين والعرب إلى فرص آمنة وفعالة في البلاد.

تلفزيون سوريا

————————————

=========================

عن التدخل الاسرائيلي السافر في سورية الجديدة، ملف تناول “شهية إسرائيلية لتفتيت سوريا” – تحديث 11 حزيران 2025

لمتابعة مكونات الملف اتبع الرابط التالي

التدخل الاسرائيلي السافر في سورية الجديدة

لمتابعة تفاصيل هذا الملف اتبع الرابط التالي

عن أشتباكات صحنايا وجرمانا

—————————

الغاز.. كلمة السر لفهم ذعر إسرائيل من نفوذ تركيا بسوريا/ محمد دار خليل

تقدر احتياطيات سوريا من الغاز الطبيعي في حوض المتوسط بـ400 مليار متر مكعب (مواقع التواصل الاجتماعي)

10/6/2025

لا تختزل المواجهة بين تركيا وإسرائيل في الساحة السورية على البعد الأمني التقليدي، لكنها تتعداه إلى ملفات أخرى، في مقدمتها الاقتصاد وما ينطوي تحته من طموح لهما في تحقيق نفوذ وإنجازات كبرى تدخل تحت مفهوم الأمن القومي الأوسع لكل منهما.

ويعد ملف الغاز الطبيعي واحدا من أهم نقاط التدافع ومحرّكا غير معلن لديناميات التنافس بين القوتين في سوريا، فقد فتحت التحولات في الإقليم منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 آفاقا في هذا الملف، وأوجدت في الوقت ذاته عوائق قد تغيّر خارطة الاستحواذ على ثروة غاز شرق المتوسط والهيمنة على خطوط الإمداد في الإقليم.

من هذا المنطلق، يضفي ملف الغاز الطبيعي في منطقة شرقي المتوسط على المشهد السوري منظورا جيوسياسيا، لا سيما مع وجود مخزون احتياطي كبير مثبت وآخر مقدر في سوريا، بالإضافة إلى احتمال تحولها إلى نقطة تقاطع لخطوط الإمداد بالشركة مع تركيا.

الغاز الإسرائيلي والتنافس الجيوسياسي

بعد اكتشاف حقول تمار ولفيتان وكاريش، وضع قادة إسرائيل نصب أعينهم هدف تحويلها إلى نقطة ارتكاز حيوية لتصدير ونقل الطاقة من المنطقة إلى أوروبا، فإضافة إلى العوائد المالية الهائلة، سيجعل ذلك منها لاعبا إقليميا ودوليا نافذا.

ورغم عدم مضاهاة هذه الحقول إنتاج كبار موردي الغاز في الخليج، فإن الحكومة الإسرائيلية تروج لإمكان أن يصل إنتاج حقلي تمار وليفايثان وحدهما إلى نحو 40 مليار مترٍ مكعّب سنويّا، وهو ما عززه وزير الطاقة الإسرائيلي الأسبق يوفال شتاينيتز بقوله إن “تطوير احتياطيات الغاز يعد ذا أهمية اقتصادية وإستراتيجية بالغة لإسرائيل”.

ويشير تقرير صادر عن معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب إلى أن أهمية الغاز الإسرائيلي تكمن في ترسيخ تحالفات جديدة، فضلا عن فتح قنوات دبلوماسية مع أطراف إقليمية ودولية.

في هذا السياق، يُحذر باحثون إسرائيليون، مثل إيلان زلايت ويويل غوزانسكي، الباحثان في معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب، من أن النفوذ التركي المتنامي في سوريا، إذا ما ترجم عبر تنفيذ خطوط أنابيب مستقبلية للغاز الخليجي، قد يضعف وزن إسرائيل كمصدر طاقة إلى أوروبا، لأن الأخيرة تفضل تنويع مصادرها بدل الاعتماد على مزود واحد.

وأشار الخبيران إلى أن السماح لتركيا بتأسيس بنية تحتية واسعة للغاز في سوريا سيمكنها من منافسة مشاريع إسرائيل مع قبرص واليونان، الأمر الذي قد يفقد إسرائيل فرصا إستراتيجية في شرق المتوسط.

سوريا في حسابات تركيا الغازية

في المقابل يحرك تركيا طموح نابع من إدراك صناع قرارها لقيمة موقع تركيا في خريطة الطاقة بأن تتحول إلى ممر أساسي ومركز إقليمي يغذي الأسواق الأوروبية.

ويشكل استقرار السلطة في سوريا -وفق الرؤية التركية- عاملا يمكّن أنقرة من إعاقة مشاريع الطاقة بين إسرائيل ودول في المنطقة، إذ يصبح بمقدورها تقديم بدائل أو مسارات بعيدة عن الخطط الإسرائيلية.

وبعد أن كانت إسرائيل تنظر إلى الساحة السورية من زاوية التهديد الإيراني الأمني مع غياب احتماليات التهديد المستقبلي للطموح الاقتصادي المتعلق بتوريد الغاز الطبيعي، باتت تراقب بقلق خطوط الأنابيب التي قد تمر في الغد القريب أو البعيد عبر الأراضي السورية لنقل الغاز الخليجي إلى أوروبا عبر تركيا، مما يمنح أنقرة ورقة قوة لا يستهان بها قد تمنع إسرائيل من بسط نفوذ أكبر في شرق المتوسط.

كما باتت إسرائيل تخشى من انخراط تركيا من البوابة السورية كلاعب حاسم في ترسيم الحدود مع لبنان، مما يحد من الطموح الإسرائيلي في الهيمنة على مساحات بحرية متنازع عليها تعظم حصتها من حقول الغاز المستكشف والقابل للاكتشاف.

ورغم أن دور تركيا في ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل لم يبرز رسميا، فإنها تسعى إلى حضور إقليمي يربط بين نفوذها في سوريا وبين أي ترتيبات بحرية لاحقة قد تُعيد رسم خريطة استغلال حقول الغاز بما فيه الغاز اللبناني.

كما أن أي نفوذ لأنقرة في سوريا سينعكس على المعادلات السياسية في لبنان، نظرا لمعادلة التأثير السوري تاريخيا في هيكلية السياسة والقوى اللبنانية.

إعادة تموضع

منذ تأسيس منتدى غاز شرق المتوسط، الذي يفترض الأتراك أنه جاء ضمن مساع لإقصائها أو حتى كمحاولة لتأسيس تحالف يبنى على العداء لتركيا -كما صرح وزير الخارجية السابق مولود تشاووش أوغلو- سعت تركيا جاهدة إلى إعادة تموضعها ضمن معادلة إقليمية تمثّل فيها طرفا قويا عصيا على الإقصاء أو التهميش.

فقامت نتيجة لذلك بإرسال سفن للتنقيب شرقي المتوسط محمية بأخرى حربية، إضافة إلى توقيع اتفاقيات لترسيم حدود المناطق البحرية الاقتصادية الخالصة، كالاتفاق مع حكومة الوفاق الليبية سابقا.

بالإضافة إلى ما سبق، ستسعى أنقرة إلى عقد اتفاقيات تنقيب واستثمار في الغاز البحري السوري المحتمل الذي قد يتراوح قرب 400 مليار متر مكعب من مجمل الحوض الذي يحتوي على احتياطات تقدر بـ 122 ترليون متر مكعب، وفقا لهيئة المسح الجيولوجي الأميركية، مما سيعيد، بموازاة ملفات أخرى قيد التشكل، رسم المشهد الإقليمي برمته وتكون معالمه متناقضة مع منطق الإقصاء والهيمنة الذي تطمح إسرائيل إلى بلوغه.

إعادة إحياء خط الغاز القطري التركي

ولعل خط الغاز القطري الذي اقترحته الدوحة عام 2009 -الذي عرقله النظام السوري السابق آنذاك- يعد من أبرز الدلائل على محورية الأراضي السورية في أي مشروع إقليمي للطاقة.

فبحسب تقرير لصحيفة الغارديان، فلو اكتمل هذا الخط، لسلك مسارا عبر السعودية والأردن وسوريا وتركيا نحو أوروبا، مما يمنح تركيا ميزة إستراتيجية لوجستية واقتصادية ضخمة.

وقد سعت قطر آنذاك إلى إتمام اتفاقات مبدئية مع دمشق تضمن مرور الأنبوب، بيد أن ميل النظام السوري لمشروع إيراني مواز قدر بـ10 مليارات دولار ويصب في مصالح روسيا أفشل هذا المشروع.

ومن المرجح أن تسعى كل من أنقرة والدوحة إلى إعادة إحياء هذا الخط، وقد أشار وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي ألب أرسلان بيرقدار، إلى “إمكانية إحياء المقترح القطري بعد سقوط نظام الأسد في حال بلغت سوريا درجة من الاستقرار والأمن”.

جدير بالذكر أن أنبوب الغاز القطري عبر السعودية والأردن إلى تركيا سيكلف، بحسب مختصين، ما يقارب 10 مليارات دولار، وسيبلغ طوله نحو 1500 كيلومترا، وسيشكل بديلا موازيا لإمدادات الغاز الروسية لأوروبا.

ولعل ما يثير قلق إسرائيل في هذا السياق لا يقتصر على المنافسة الاقتصادية وحدها -وإن كانت تحاول فرض نفسها كمصدّر للغاز الطبيعي لأوروبا- بل يمتد إلى حسابات جيوسياسية تمس نفوذها الإقليمي.

فإذا ما كتب لهذا المشروع أن يرى النور، فسوف تحظى كل من قطر وتركيا بثقل إستراتيجي، بما قد ينعكس سلبا على الأهمية الإقليمية التي تطمح إسرائيل إلى ترسيخها عبر تحالفات ومشاريع غازية مشتركة مع حلفائها.

استقرار مشوب بالتوتر أم مواجهة حتمية؟

تتشابك الاعتبارات الاقتصادية مع الأمنية مع النزوع نحو البحث عن زيادة النفوذ الإقليمي لتؤكد أن المواجهة الإسرائيلية التركية في سوريا لا يمكن اختزالها ببعد أمني تهديدي على الحدود الشمالية لدولة الاحتلال، كما يطغى في فضاءات النقاش السياسي.

لكن ما السلوك المرتقب لكلتا الدولتين في ظل الحاجة إلى الهدوء والاستقرار كشرطٍ مسبق لنجاح مشاريع الطاقة؟ وهل ستجد إسرائيل نفسها أمام خيارات صعبة تخضع فيها لحقيقة وجود خط مناقض ومواز لسياساتها في الهيمنة على الإقليم؟

ليس من السهولة بمكان أن تبلغ القوتان مقاربة غازية تكون نتيجتها الانسجام، حيث تشير الوقائع إلى أن أي تفاهم بين إسرائيل وتركيا سيكون ملغّما بالتناقضات.

لذلك، من المرجح أن يتحول الغاز إلى سلاح ابتزاز متبادل يستعمله كل طرفٍ ضد الآخر، فلا ترغب إسرائيل في الارتهان لإرادة تركيا إذا ما بدأ الغاز يتدفق عبر أراضيها نحو الأسواق الأوروبية، ولا تريد تركيا أن تفقد فرصة سنحت بسقوط نظام الأسد لتحقيق رؤيتها بالتحول إلى معبر لخطوط الطاقة لا يمكن تجاوزه.

لكن إذا استمر الجانبان في التصعيد، فستؤول الأزمة إلى التفاقم، وستدفع إسرائيل إلى السعي لإنتاج فرص من شأنها تهديد الاستقرار في سوريا، بالإضافة إلى السعي لإقامة مزيد من التحالفات الإقليمية والتقارب أكثر مع دول منتدى شرق المتوسط كقبرص واليونان ومصر، والسعي الحثيث لإقناع الأوروبيين بمحورية مكانة إسرائيل الغازية والتخويف من الارتهان لتركيا.

في الوقت ذاته، وعلى النقيض، ستبحث تركيا عن تعزيز نفوذها الميداني في سوريا بما يضمن لها فرض أمر واقع ومعادلة يستحيل القفز عنها في أي مشروع دولي للغاز، ومن المرجح أنها ستعيد إحياء مشروع خط الغاز القطري، بالتوازي مع مساعيها الحالية لتوفير شروط الاستقرار والوحدة السياسية في سوريا، ودعم ترسيخ النظام الجديد، وستقطع الطريق بحزم أمام محاولات تقسيم سوريا وستضع ذلك وفقا لمنطق أمنها القومي.

المصدر: الجزيرة

————————-

 التحولات الأميركية في المنطقة.. التسويات أو مشاريع التفتيت الإسرائيلي؟/ صهيب جوهر

2025.06.10

لم تُغفل الإدارة الأميركية، بقيادة دونالد ترمب، الملف اللبناني كما يُشاع، بل أبقته ضمن أولوياتها الاستراتيجية، وإن كانت أنظارها قد تحوّلت مؤقتاً نحو سوريا بفعل المعطيات الجيوسياسية المتغيّرة هناك. فلبنان، بالنسبة لواشنطن، يبقى ساحة مترابطة مع مجمل ملفات المنطقة، وخاصة تلك المتعلقة بإيران، إسرائيل، وسوريا. وقد عكست تصريحات ترمب، خلال جولاته الخليجية، هذا الترابط بوضوح، إذ أشار أكثر من مرة إلى الوضع اللبناني ضمن رؤيته الإقليمية الأوسع.

في الواقع، جاءت الحرب الأخيرة في غزة لتُعيد ترتيب أوراق النفوذ في الشرق الأوسط. فالولايات المتحدة، عبر انتشارها العسكري والاستخباراتي، استعادت زمام المبادرة في مناطق كانت بدأت تميل لصالح قوى مثل روسيا والصين. ومن خلال قيادة المنطقة الوسطى في الجيش الأميركي، عززت واشنطن هيمنتها الجوية والاستخباراتية، فارضة على القوى الأخرى، وعلى رأسها روسيا في سوريا، التنسيق معها مسبقاً قبل تنفيذ أي نشاط عسكري.

ضمن هذا الإطار، ظهر خلاف داخلي في المؤسسة الأميركية حول مستقبل المنطقة: فريق يدعو إلى إعادة ترسيم النظام الإقليمي من خلال تسوية شاملة مع إيران، وآخر، ممثل باللوبي اليهودي، يطرح رؤية تقوم على إعادة تفكيك الدول العربية إلى كيانات مذهبية صغيرة تُضعف التهديد الاستراتيجي لإسرائيل.

الرؤية الأولى تنطلق من قراءة واقعية للداخل الإيراني. فصحيح أن النظام الإيراني أيديولوجي الطابع، إلا أنه – بحسب التحليل الأميركي – يدرك تماماً حجم التراجع الذي أصاب “محور المقاومة”، ويدرك أيضاً أن استمرارية النظام نفسه باتت مرهونة بتنازلات عقلانية تضمن له النفاذ مجدداً إلى الساحة الدولية. هذا ما يفسّر النقاشات داخل معسكر المحافظين الإيرانيين بين اتجاهين: الأول يطالب بالصمود والمراهنة على الفوضى الإقليمية، والآخر يرى ضرورة التكيّف مع المعطيات الجديدة، خصوصاً بعد الانهيارات التي أصابت النفوذ الإيراني في سوريا ولبنان.

لكن في المقابل، يسود داخل اللوبي الإسرائيلي اقتناع بأن تسوية كهذه مع طهران ستكون بمنزلة عقبة أمام مشروع أكبر يجري الدفع نحوه، وهو تفكيك الكيانات الكبرى في المنطقة لصالح كيانات طائفية هشّة لا تشكل تهديداً لإسرائيل. هذا التوجّه يرى في مشهد ما بعد غزة فرصة نادرة، ويعتقد أن الضفة الغربية ستكون المرحلة التالية لإعادة رسم الواقع الفلسطيني.

على خلفية هذه الثنائية في الرؤية، يظهر التوتر القائم بين واشنطن وتل أبيب، خصوصاً بشأن توقيت وشكل التعامل مع إيران. ففي حين تسعى إدارة ترمب لتوظيف مفاوضات نووية في خدمة مشروع اقتصادي وأمني أوسع، تُصرّ إسرائيل، بدعم اللوبي اليهودي، على مقاربة أكثر راديكالية، قوامها توجيه ضربات عسكرية مباشرة لطهران.

وتكمن خلفية الموقف الأميركي في اعتبارات اقتصادية واستراتيجية مركّبة. فالإدارة السابقة، التي واجهت خطر التراجع الاقتصادي، سعت إلى عقد شراكات استثمارية ضخمة، بما فيها مع دول الخليج وأوكرانيا (خاصة في المعادن النادرة). ومن هنا، فإن تسوية مع إيران، بما تمتلكه من موارد طبيعية واحتياطات استراتيجية، قد تكون في نظر ترمب فرصة اقتصادية، إلى جانب كونها ورقة ضغط إقليمية ضد التمدد الصيني والروسي.

أما على مستوى السياسات الداخلية، فقد تزامن تراجع شعبية ترمب مع ضغوط متزايدة من معارضي سياساته الجمركية، ما دفعه إلى إعادة حساباته في ملفات عديدة، من بينها رفع الرسوم الجمركية، العلاقة مع أوروبا، والانسحاب من الصراعات. وفي هذا السياق، عادت شعبيته لترتفع تدريجياً، وهو ما جعله أكثر اندفاعاً لإنجاح مفاوضات طهران، ضمن منظور يخدم الأمن الأميركي والاقتصاد معاً.

في المقابل، تبقى إسرائيل مصممة على منع أي تسوية طويلة الأمد في غزة أو لبنان. فنتنياهو ومعسكره اليميني لا يزالون يتمسكون بفكرة استمرار الاشتباك، سواء عبر رفض وقف دائم لإطلاق النار في غزة، أو إبقاء الوضع في جنوبي لبنان متوتراً. فالحرب – بالنسبة إليهم – لم تنته، بل يُراد لها أن تُستأنف في الوقت المناسب، ضمن خطط توسعية تشمل الضفة الغربية أيضاً.

أما في سوريا، فرغم دعم واشنطن لحكم الرئيس أحمد الشرع، إلا أن مؤسسات القرار الأميركي تدرك ضعف سيطرته على كامل الأراضي السورية، وتصاعد حراك الجماعات غير المنضوية تحت سلطته، إلى جانب عودة تنظيم “داعش” للواجهة. في حين يعتبر اللوبي اليهودي أن رهان واشنطن على الشرع مبالغ به، ويُخفي تهديدات كامنة، سواء من الداخل العلوي أو من الجنوب الدرزي.

وفي لبنان، تركّز السياسة الأميركية على فك الارتباط بين “الشيعة كجماعة وطنية” وبين إيران كمرجعية سياسية. وترى واشنطن أن هذا الفصل لا يمكن أن يتم من دون نزع سلاح “حزب الله” وتجفيف موارده المالية، والتي يمثّل “القرض الحسن” نموذجاً رئيسياً لها. ولهذه الغاية، كُلّفت مورغان أورتاغوس بمهام ضغط منتظم على بيروت، عبر زيارات دورية، لإبقاء هذه السياسة قيد التنفيذ.

وبرغم التحليلات المتداولة في بيروت، إلا أن إدارة ترامب – بحسب مصادر ديبلوماسية – تواصل دعمها الكامل لكل من الرئيس جوزيف عون ورئيس الحكومة نواف سلام، في حين تبدي تحفّظها فقط على أداء بعض الوزراء وبطء العمل الحكومي. وتحتفظ واشنطن بثقتها بالمؤسسة العسكرية، التي تعتبرها أداة أساسية لأي استقرار مستقبلي.

ختاماً، تتعامل إيران مع هذه المتغيرات بدقّة. فزيارة عباس عراقجي الأخيرة إلى بيروت، والموقف الذي أعلنه حول تقدّم محتمل في الملف النووي، يُفهم ضمن محاولة لطمأنة “حزب الله” إلى شكل التفاهم مع واشنطن، لكن من دون إغفال أن إسرائيل تراقب هذه المؤشرات عن كثب، وقد تلجأ إلى مفاجآت عسكرية إذا شعرت أن المفاوضات تسير بعكس مصالحها.

تلفزيون سوريا

——————————–

==========================

العدالة الانتقالية تحديث 11 حزيران 2025

لمتابعة هذا الملف اتبع الرابط التالي

العدالة الانتقالية في سوريا

—————————-

 نريد عدالة انتقالية لا انتقامية/ ميشال شماس

2025.06.10

إن العدالة الانتقالية اليوم ليست مجرد محاسبة قانونية ومحاكمات قضائية فقط، بل هي عملية شاملة ومتسلسلة من العمليات القضائية وغير القضائية، هدفها تحقيق محاسبة المرتكبين وإجراء محاكمة وطنية للمتورطين في ارتكاب الجرائم والانتهاكات الخطيرة لحقوق الانسان وضمان حقوق الضحايا وتعويضهم والاعتراف بمعاناتهم، والعمل على كشف حقيقة ماجرى للضحايا والكشف عن مصير المفقودين وتخليد ذكراهم بإقامة نصب تذكارية، وإنشاء سجل وطني يوثق الجرائم المرتكبة وإجراء إصلاح مؤسساتي خاصة في المؤسسات الأمنية والجيش ومصالحات وطنية لتعزيز السلم الأهلي وإرساء أسس الاستقرار في البلد بما يساعد على ضمان عدم تكرار هذه الانتهاكات في المستقبل.

ويتطلب تحقيق هذه الآليات وجود إرادة سياسية ودعم دولي وشفافية في إدراة مسار العدالة الانتقالية التي يجب تبنى على أسس قانونية واضحة ، وليس على قرارات عامة من هذه الجهة أو تلك قد تؤدي إلى ظلم فئات بأكمله، كما في القرار الصادر عن فرع  محامي ريف دمشق الذي قضى بإحالة كل المحامين الذين أدوا الخدمة الإلزامية أو الاحتياطية أو الدفاع الوطني إلى التحقيق، وإلزام كل من دفع بدل الخدمة بتسديد نسبة 10 في المئة من مبلغ البدل لخزينة الفرع المذكور.

هذا القرار عكس بوضوح نهجاً تعسفياً في تطبيق العدالة، وهو ما أثار احتجاجاً واستنكاراً من قبل فئة واسعة من المحامين وغير المحامين، وطرح صدوره العديد من التساؤلات حول مدى عدالته وقانونيته وتأثيره على استقلالية المهنة. وهو مادفع نقيب المحامين إلى القول:”بأنه قرار غير مدروس ومخالف للأصول المهنية والقانونية، وأنه لن يعمل به إطلاقاً ولن يكون له أي تداعيات على أي محامي”.

إن تصنيف كل من أدى الخدمة الإلزامية أو دفع بدل الخدمة العسكرية على أنه متورط في ارتكاب جريمة، أو أسهم في دعم نظام الأسد الإجرامي يعتبر تعميماً ظالماً، ومخالفاً لمبدأ العدالة القائم على وجوب توفر أدلة واضحة لا تحتمل التأويل، والمحاسبة العادلة تستند إلى تحقيقات دقيقة ثم تقوم بها هيئات قانونية وقضائية مستقلة.

الخطورة في قرار نقابة محامي ريف دمشق تأتي من صيغة التعميم والجماعية في توجيهه الاتهامات، فقد افترض القرار المذكور أن جميع المحامين الذين خدموا في قوات الأسد أو دفعوا بدل خدمة كما لو أنهم متورطون فعلاً في ارتكاب الجرائم أو في دعم النظام الساقط بدفع البدل النقدي، من دون النظر إلى الظروف الفردية لكل محام.  واستناداً لهذا المنطق الأعوج، يمكن أيضاً محاسبة كل من بقي في مناطق سيطرة نظام الأسد الإجرامي باعتبارهم داعمين للنظم البائد مثلاً من خلال دفع فواتير الماء والكهرباء والضرائب وثمن طوابع المجهود الحربي وإعادة الإعمار واللصيقة القضائية.. إلخ. فالمحاسبة العادلة تستند إلى تحقيقات تتولاها جهات مستقلة، وليس إلى تصنيفات عامة لاتستند إلى أي دليل.

اليوم المفترض أن تحافظ نقابة المحامين بفروعها على طبيعتها بصفتها جهة مستقلة تماماً، وظيفتها الأساسية هي الدفاع عن حقوق المحامين وعن سيادة القانون وحريات الناس، وليس إصدار قرارات هيمن اختصاص سلطة القضاء المنوط به وحده إجراء التحقيقات مع مرتكبي الجرائم وتقرير العقوبة بحقهم. وإذا وجدت النقابة أدلة قوية على تورط محامي أو محامية في ارتكاب جريمة ما، فيجب أن تحيلهم إلى القضاء، ثم تسائلهم مسلكياً استناداً لما سيقرره القضاء، وليس بناءً على قرارات عامة مسبقة.

إن تحقيق العدالة الانتقالية لا يتم  ولايجب أن يتم من خلال إصدار قرارات تعسفية، بل من خلال تحقيقات قانونية وقضائية عادلة ومستقلة. ولا يمكن معاقبة أشخاص بناءً على تصنيفات عامة من دون أدلة واضحة. والمحاسبة والمحاكمة يجب أن تكون دقيقة ومنصفة، ويجب أن نحرص دائماً في قراراتنا ألا تؤدي إلى ظلم أي إنسان بريء، وأن نركز دوماً على محاسبة الفاعلين والمرتكبين الحقيقيين وفقاً للأدلة القانونية والقضائية المتوفرة.

وكان الأولى بالنقابة ومجالس فروعها بالمحافظات تشكيل لجان داخلية مستقلة في كل فرع وعلى مستوى النقابة مهمتها إجراء مراجعة قانونية لكل الأعمال والقرارات السابقة ولاسيما فيما يتعلق بالدعاوى المسلكية وقررات الشطب التي جرت منذ آذار 2011 وحتى سقوط نظام الأسد الإجرامي، وتحديد ما إذا كانت هناك انتهاكات لحقوق المحامين أو إتخاذ اجراءات غير قانونية أدت إلى شطبهم من سجل المحامين أو حماية بعض المحامين الذين اشتغلوا بالسمسرة والاحتيال على الناس. وإذا ماظهر خلال التحقيقات حالات بشتبه فيها بحدوث انتهاكات جسيمة يمكن للنقابة أو الفرع المعني إحالتها إلى الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية، لضمان نزاهة التحقيق وعدم تسييس الإجراءات. وإذا أثبتت تحقيقات هيئة العدالة الانتقالية صحة حدوث تلك الانتهاكات، عندها يمكن للفرع المعني أو النقابة لا بل من واجبهم اتخاذ إجراءات تأديبية بحق المرتكبين، كتجميد عضويتهم أو شطبهم نهائياً من النقابة.

اليوم بعد تأسيس الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية، وتكليفها بمهمة البحث والتقصي والتحقيق في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان المرتكبة من قبل نظام الأسد الإجرامي،  لايجب أن يقوم فرع محامي ريف دمشق أو أي فرع  نقابة أخرى، بتجاوز دورهم المهني والمسلكي في تطبيق آليات العدالة الانتقالية بشكل منفرد. فآليات العدالة الانتقالية، تتطلب تحقيقات دقيقة ومحاكمات عادلة تُشرف عليها جهات قضائية مختصة، وليس كيانات مهنية كنقابة المحامين وغيرها من النقابات. لكن هذا لايمنع أن يكون هناك تعاوناً ويجب أن يكون بين نقابة المحامين ومختلف النقابات وبين الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية. كأن تقدم لها الأدلة القانونية التي تثبت تورط بعض المحامين في انتهاكات جسيمة. واتخاذ إجراءات مسلكية داخل النقابة وفروعها، مثل شطب المحامين المدانين بجرائم خطيرة من سجل المحامين استناداً إلى الأحكام  التي ستصدر عن الهئية الوطنية العدالة الانتقالية. وأن تحرص النقابة على استقلال مهنة المحاماة وضمان عدم استخدام المساءلة النقابية كأداة سياسية أو انتقائية ضد فئات معينة من المحامين كما كان يجري في عهد النظام الساقط.

يجب أن نبقى متقيظين وعيوننا مفتوحة على أي قرار أو تصرف، فهذه بلدنا ومن حقنا أن نخاف عليها وأن نحميها حتى برموش عيوننا.

تلفزيون سوريا

——————————–

لم يَقُل حسن صوفان خطأً، ولكن../ ياسين السويحة

الألم والفزع، الانتقال، وعدالة (غير) تامة

11-06-2025

        تكاد تكون مقايضات العفو مقابل كفِّ الأذى جزءاً جوهرياً من أي تعريف نزيه لـ«العدالة الانتقالية». فلا يخلو نموذج واحد من «قصصِ نجاحِ» هذا المصطلح من أمثلة على إحساس عشرات، أو مئات، أو حتى ملايين الضحايا بالحنق تجاه إفلات بعض المجرمين، أو الكثير منهم، من العقاب مقابل ضمان عدم تهديدهم لعملية سياسية هشّة أو لوضع اجتماعي حَرِج. الأرجنتين، جنوب أفريقيا، كولومبيا، تشيلي، رواندا، غواتيمالا.. كلها أمثلة متفاوتة الجودة لنجاحات «العدالة الانتقالية» وإخفاقاتها، تحفل بها الدورات التدريبية لمنظمات المجتمع المدني ومناهج تدريب الحقوقيين، وكلها، دون استثناء، حافلة بقصص الخذلان، وبمجرمين طلقاء (وبعض هؤلاء المجرمين قد يُكافَأون على دورهم في «حفظ السلم»)، وبملفات متروكة للنسيان في أسوأ الأحوال، أو للسينما والأدب وغيرها من الفنون في أحسنها.

        العدالة الانتقالية هي إجراءات قضائية وقانونية، صحيح. ولكنها أيضاً، وأساساً في أغلب الأحيان، عمليات سياسية ووساطات مجتمعية وردُّ اعتبار وجبر خواطر وتعويضات معنوية ومادّية، وكلّ هذه الأخيرة ضرورية بالذات لأن أساس منطق «العدالة الانتقالية» أنها تجري حيث لا عدالة «حاف» ممكنة، إما لأن حجم الهول أكبر من أي مؤسسة قضائية ممكنة، أو لأن توازنات القوّة (أو توازنات الضعف بالأحرى) تقتضي مساومات مع جزءٍ من المجرمين الذين هُزموا لكنهم لم يفقدوا كامل قدرتهم على الأذى ربما، أو بحوزتهم ملفات أو معلومات قد تؤدي لدرء خطرٍ أكبر أو ملاحقة مجرمين أهم في هرمية السلطة، أو أخطر، أو أقل استعداداً منهم للمُسايسة.

        لُبُّ «العدالة الانتقالية» هو، باختصارٍ تراجيدي، تفضيلُ ما يُؤلِم على ما يُفزِع، دون أن يكون الفارق واضحاً سلفاً في كثيرٍ من الأحيان. هي مسار متعرّج، غير مضمون ولا نهائي النتائج ولا مكان فيه للنبرات الانتصارية «إلى يوم القيامة». بَعدَ قانونَي عفوٍ شَنيعيَن في الثمانينيات، ومسارٍ طويل ومُضنٍ لعكسِهما في التسعينيات والألفينات، نجحَ بشكل باهر وحقَّقَ ملاحقات ومحاكمات للكثير من المجرمين وساهمَ في كشف مصير الكثير من الضحايا المُغيَّبين، يحكم الأرجنتين اليوم إنكاريٌ ترامبي لجرائم الحكم العسكري، ترافقه نائبة رئيس آتية من عائلة عسكرية انقلابية، بَنَتْ شهرتها بوصفها مناضلة مُرّة ضد «طغيان سردية» ضحايا الحكم العسكري. الأرجنتين كانت، حتى سنواتٍ قليلة جداً، قصة النجاح، بأل التعريف.

        من داخل منطق «العدالة الانتقالية»، ليس هناك خلاف مفاهيمي أو نظري مهم ممكن مع حديث حسن صوفان، عضو لجنة السلم الأهلي، في مؤتمره الصحفي في دمشق أمس. فكلام الرجل عن الاضطرار للمساومة مع بعض المجرمين مقابل كفِّ الأذى وضمان السلم والاستقرار؛ وعن عدم تَوقُّع العدالة الكاملة من أي مسار «عدالة انتقالية» وإشارته إلى السموات وربِّها كمصدر أوحد للعدالة التامة؛ وعن أن مسار «العدالة الانتقالية» ليس إلا اجتهادات متتابعة قد تكون متعثّرة؛ وعن أن الشفافية ضرورية ولكنها ليست سهلة دوماً هو، بحرفيته، هو ألف باء ما يمكن سماعه من أيّ خبيرٍ رصين في الشأن. الشيخ حسن صوفان رصينٌ فعلاً ويحظى بالاحترام والثقة، لكن السجال هنا ليس مع شخصه، بل مع مكانه كعضو في لجنةٍ ثلاثية للسلم الأهلي، أُنشأت بقرار رئاسي، إلى جانب لجنة تقصّي الحقائق، بُعيد مجازر الساحل.

        تُمارَس السلطة اليوم في سوريا انطلاقاً من رئيس فرد، يُصدر المراسيم والقرارات التي تنبع منها السلطة التنفيذية، والسلطة التشريعية المُزمَع إنشاؤها، والسلطة القضائية التي من غير الواضح كيف تُدار بغياب المجالس العدلية اللازمة لحسن سيرها؛ وتنبع منها أيضاً الهيئات واللجان الخاصة بـ«العدالة الانتقالية» و«السلم الأهلي»، والتي عُيّن الشيخ صوفان فيها. السلطة في سوريا اليوم تُوقِّعُ بروتوكولات وتمنح امتيازات استثمار لسنوات أطول بكثير من مدّة صلاحياتها «الانتقالية» التي وضعتها لنفسها. يجرى كل هذا بناءً على إعلان دستوري كُتِبَ على عجل، على يد لجنة عيّنتها الرئاسة نفسها، ووُقِّعَ في حفلٍ حضره أهل السلطة فقط، وبحضور «القيادة الروحية» للمسلمين السُنّة حصراً. سبق ذلك مؤتمر «حوار» حُضِّرَ ونُفِّذَ على غفلة وعجالة، وباحترام غائب لتنوّع شرائح السوريين والسوريات المختلفة جهوياً ومذهبياً وإثنياً وجندرياً، وقبل كل شيء «مؤتمر نصرٍ» تلغرامي، أعلن فيه ذكورٌ عسكر، جُلّهم إسلاميون، أنهم انتصروا وقرروا. ليس هذا وضعَ انتقال، بل بالأحرى استحواذ. وما تجري فيه من ترتيبات، بما في ذلك مساومات وضمانات واتفاقات هنا وهناك، هي استحواذية وليست انتقالية.

        أحسنَ الشيخ صُوفان صنعاً بإصراره في حديثه على أولوية السلم الأهلي. لكن كلامه، غير المشكوك بصدق مُنطلقه، غير متّسق مع وقائع ما شهدته الأشهر السابقة، لا في صحنايا وجرمانا وعلى طريق السويداء، ولا بالذات مع العلويين قبل وخلال وبعد مجازر آذار المريعة. لم يحصل أي تعاطٍ علني وفعلي من قِبل السلطة مع الجماعة العلوية بوصفها جزءاً تكوينياً من هذا البلد، ولم تُدعَ لا هي ولا غيرها من الجماعات إلى أيٍّ من مؤتمرات ومراسم تشكيل السلطة في دمشق، ولم يُوجَّه لها إلا الازدراء والكراهية وتسويغ الإجرام بحقها في خطاب إعلاميي السلطة وضفافها. هل تعني «العدالة الانتقالية» على نموذج سوريا الجديدة أن العلويين الوحيدين الذين يحظون بعتبة احترام لحيواتهم ولكرامتهم، والذين يُصان الأمانُ الممنوح لهم، والذين تراهم السلطة وتخاطبهم وتتعامل معهم سياسياً، هم فادي صقر وخالد الأحمد، زميل الشيخ صوفان في اللجنة؟

        كلام حسن صوفان، مجدداً، ليس فيه أخطاء كبيرة ضمن عوالم «العدالة الانتقالية» المفاهيمية المجرّدة. لكن نجد فيه مشكلتين سوريتين، الأولى كبيرة: أننا لسنا في وضع انتقالي حقيقي في سوريا كما أسلفنا، بل نعيش مساراً انفرادياً لتشكيل سلطة انطلاقاً من واقع مُدمَّر وبأدوات وموارد محدودة، وبتوجّه نرى مع مرور الوقت كم هو استبعادي للسوريات ولغير العرب-السنّة؛ والثانية أكبر: أنه يضع الاضطرارات من نوع المُسايسة مع المجرم فادي صقر وغيره حصراً في خانة «قرارات القيادة»، التي من مكانها الفوقي المنفرد تعلم ما لا نعلم، وبالتالي لا تُناقَش، وليس كنتيجة جهدٍ واجتهاد جماعييَن، ومشاركة في القرار وفي تبعاته؛ كما لا ترافق هكذا قرارات أي جهود أوسع يحضر فيها البُعدان السياسي والمجتمعي لـ«العدالة الانتقالية». تقتضي «العدالة الانتقالية»، وقبلها المنطق الانتقالي بحدّ ذاته، بعضَ الاعتراف المتواضع بمحدودية القدرة وبالحاجة للتكاتف، والإقبال على السياسة، وقبل كل شيء الاستعداد للاحترام ولقدر ما من الندّية، وبالتالي لا تقرر بشأنها «قيادة» منفردة، بل تقتضي عملية معقّدة وصعبة من السعي للتوافقات والإجماعات، تبدأ حكماً من مؤتمر وطني جامع وحقيقي، تحضر فيه كل تنوّعات السوريين والسوريات، جهوياً وجماعاتياً وإثنياً وسياسياً، وتنبثق عنه مجالس وهيئات جماعية كاملة الأهلية وتحظى بأكبر قدر ممكن من احترام وثقة أوسع قدر ممكن من السوريين والسوريات، وبالذات من العلويين في حالتنا السوريّة. هذه الآليات الجماعية، وليس القرارات الفوقية المنفردة، هي الإطار الأنسب لمناقشة قرارات مؤلمة، من نوع العفو الاضطراري عن مجرمين كبار منعاً لأذىً أكبر؛ وهي الأوسع حيلة للخوض في مساومات صعبة وتحصيل ما لا يمكن تحصيله بالأمر والنهي من علٍ؛ وهي الأفضل موقعاً لجبر خاطر الضحايا واحتضانهم والحصول منهم على تفهّمٍ للألم الذي لا بد من تفضيله على الفزع.

        على عكس ما يُريه الاطمئنان المبالغ به الذي يبديه المتحمسون للسلطة، خاصةً بعد رفع العقوبات الأميركية، سوريا اليوم ما زالت شبكة من توازنات الضعف والـ«على مضض»؛ وتحت خطر موجات متتالية من العنف العاصف، منها ما قد «يُسيطَر» عليه ويُدار، ومنها ما قد يخرج عن السيطرة. البلد بحاجة لمسار عدالة انتقالية حقاً، بكل ما في المفهوم من مشاكل وتناقضات ونواقص؛ وبحاجة للحظات اختيار كثيرة بين الألم والفزع، على عكس ما يُطالب به جذريو العدالة الغاضبون على وسائل التواصل، بغضبٍ محقّ كمشاعر ولو أنه بحاجة لتوجّه أكثر تأنّياً وتركيباً، كأفكار وكسياسة.

        ليست هناك عدالة تامة ممكنة لسوريا ولأهلها، الشيخ حسن صوفان محقٌ هنا، وتركة الأسدين اللعينة علينا، نحن مَن نجونا، هي أن نموت متفحّمي القلوب، وحَسبُنا أن نَحِنَّ لمستقبلٍ تكون قلوب من يأتون ويأتين بعدنا أقل اضطراراً للألم والفزع وللمفاضلة بينهما. شرطُ مسار العدالة الانتقالية، التي تحتاجها سوريا فعلاً، هو عملية انتقال سياسي حقيقية، بمحاولات جدّية لتحقيق إجماعات وتوافقات عريضة وحقيقية بين متنوعين ومتخاصمين، يحضر فيها الجميع ويشارك فيها أكبر قدر ممكن من الناس، وبكل ما يلزم من احترام وندّية وأمان، مهما استغرقت من الوقت، ومهما أخذت من الجهد.. لكل ذلك، سوريا بحاجة لمؤتمر وطني تأسيسي حقيقي، أولاً وقبل أيّ شيءٍ آخر.

موقع الجمهورية

———————

غضب سوري بعد إطلاق متهمين من نظام الأسد/ محمد أمين و حسام رستم

11 يونيو 2025

كثُرت مطالبات الشارع في سورية في الآونة الأخيرة بتبيان الأسس والمعايير التي تتبعها الإدارة الحالية في التعاطي مع ملف يُعد من أكثر الملفات حساسية لدى عموم السوريين، وهو ملف المتهمين بارتكاب جرائم ومجازر أو مشاركين فيها إبان حكم النظام المخلوع. وتداول ناشطون سوريون أنباء عن إطلاق سراح متهمين، خصوصاً من “الشبيحة”، من السجون بوساطة من “لجنة السلم الأهلي”، منهم المدعو فادي صقر الذي كان قائد ما كان يسمى “الدفاع الوطني”، والذي ارتكب مجازر بحق السوريين على مدى سنوات الحرب، خصوصاً في دمشق وريفها.

وكان الرئيس السوري أحمد الشرع قد شكّل في مارس/آذار الماضي هذه اللجنة بهدف تعزيز الاستقرار في الساحل السوري وحل الخلافات المجتمعية، وضمت محافظ اللاذقية حسن صوفان، المسؤول عن ملف “أمن السلم المجتمعي” في منطقة الساحل السوري، وأنس عيروط، ابن مدينة بانياس التابعة لمحافظة طرطوس، وخالد الأحمد المستشار السابق غير الرسمي لبشار الأسد والذي أثار تعيينه لغطاً كبيراً في ظل تداول معلومات عن دور قام به ساعد في التعجيل في إسقاط نظام الأسد في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول الماضي.

تبرير إطلاق مسؤولين من نظام الأسد

وفي مؤتمر صحافي عقده أمس الثلاثاء في دمشق، حاول عضو “لجنة السلم الأهلي” حسن صوفان الدفاع عن القرارات التي قضت بإطلاق سراح متهمين من فلول النظام البائد، مشيراً إلى أن الضباط الذين أُطلق سراحهم “ضباط عاملون منذ عام 2021 وسلّموا أنفسهم طوعاً على الحدود العراقية ومنطقة السخنة (في البادية) ضمن ما يعرف بحالة الاستئمان”. وبيّن أن “الموقوفين خضعوا لتحقيقات ولم تثبت ضدهم أي تهم بارتكاب جرائم حرب”، مضيفاً: “بقاؤهم في السجن لا يحقق مصلحة وطنية وليس له مشروعية قانونية”، وقال إن “هذه الإجراءات ليست بديلاً عن العدالة الانتقالية والتي بدأت بالفعل، وهذه مهمة اللجنة الوطنية للعدالة الانتقالية التي شُكّلت بمرسوم رئاسي”، وأضاف: “في مرحلة السلم الأهلي مضطرون لاتخاذ قرارات لتأمين استقرار نسبي للمرحلة المقبلة”. وبرأيه فإن “العدالة الانتقالية لا تعني محاسبة كل من خدم النظام، والمحاسبة هي لكبار المجرمين الذين نفذوا جرائم وانتهاكات جسيمة”.

وتُتهم الإدارة الحالية في سورية بالتمادي في تطبيق مبدأ “المسامحة”، والذي كان سبباً في إفلات الكثير من مجرمي الحرب أو المتهمين بارتكاب تجاوزات جسيمة بحق السوريين من العقاب، بل إن البعض منهم ما يزال يتحرك بكل حرية في البلاد، وأبرزهم فادي صقر الذي ظهر علناً في حي التضامن جنوب دمشق، الذي ارتكبت فيه المليشيات التي كان يقودها جرائم بحق مدنيين عزّل. وما تزال “مجزرة التضامن” التي وقعت عام 2013 ماثلة أمام أعين السوريين.

وتعليقاً على إطلاق سراح متهمين بارتكاب جرائم من السجون في سورية بوساطة من “لجنة السلم الأهلي”، رأى مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “ذلك يؤدي إلى خلق حالة احتقان ويؤجج مشاعر الانتقام والغضب لدى السوريين، خصوصاً لدى ذوي الضحايا”. وتابع: “يجب أن تكون الحكومة شفافة وأن توضح للرأي العام أسباب إطلاق سراحهم. هذا موضوع حساس مرتبط بحقوق ضحايا”. وأشار إلى أن الأمر “يتعلق بتعذيب وقتل وإخفاء قسري، وعن جرائم واسعة، لذا ليس من حق الحكومة إطلاق متهمين، فالأمر مرده كله للقضاء المستقل”، مضيفاً: “ما يجري خطأ جسيم. النائب العام يُحيل هؤلاء للقضاء والمحكمة هي صاحبة الأمر بإطلاق سراحهم من عدمه”. وبرأيه، فإن ما يجري يؤكد أنه “ليس هناك مسار قانوني في التعاطي مع هؤلاء المتهمين”، مضيفاً: “هذه الإجراءات ترسل رسالة خاطئة للمجتمع ودعوة للانتقام الفردي الكفيل بإدخال البلاد دورة عنف”.

من جهته، اعتبر المحامي والناشط الحقوقي غزوان قرنفل، في حديث مع “العربي الجديد”، أن إطلاق سراح متهمين بارتكاب جرائم من النظام البائد “مجرد فقرة تهريج في السيرك السوري الكبير”، متسائلاً: “عن أي سلم أهلي نتحدث بينما أثر الدم ما يزال يلطخ أيدي هؤلاء الذين يُفرَج عنهم؟”. وتابع: “لو أننا شهدنا محاكمة واحدة فقط… لو أن الناس رأت مسؤولاً عن القتل يقف مذلولاً في قفص محكمة، لربما ساعد هذا الإجراء في تعزيز السلم الأهلي أكثر مما يتم”. ودعا قرنفل إلى “عدم التهاون مع حقوق الناس أو مقايضتها بسلم أهلي ترقيعي”، مضيفاً: “العدالة مدخل إلى السلم المجتمعي. حتى اللحظة – كما يبدو – يد العدالة مغلولة ولا يُراد إطلاق يدها”.

أسئلة العدالة الانتقالية في سورية

وكان الشرع قد شكّل هيئة للعدالة الانتقالية في سورية “تتولّى كشف الحقائق بشأن انتهاكات النظام السابق، ومحاسبة المسؤولين عنها، وجبر الضرر الواقع على الضحايا”، في منتصف الشهر الماضي. وعُيّن عبد الباسط عبد اللطيف رئيساً للهيئة، وكُلف بتشكيل فريق العمل ووضع نظامها الداخلي خلال مدة لا تتجاوز 30 يوماً، على أن تتمتع الهيئة بـ”الشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي والإداري، وتمارس مهامها في جميع أنحاء الأراضي السورية”. لكن إطلاق سراح متهمين بارتكاب مجازر في الآونة الأخيرة من السجون ربما يخلق حالة من عدم الثقة لدى الشارع السوري في قدرة هذه الهيئة على إطلاق مسار محاسبة يشمل جميع المتهمين في ارتكاب جرائم حرب في البلاد ما بين عامي 2011 و2024. وكان جهاز الأمن في وزارة الداخلية قد اعتقل عدداً من مسؤولي النظام المخلوع من أمنيين وعسكريين، لكن حتى اللحظة لم تتضح الخطوات القانونية المقبلة للتعاطي معهم في سياق مسار العدالة الانتقالية في البلاد. وأعلنت الشبكة السورية لحقوق الإنسان، في ديسمبر الماضي، أنها أعدت قائمة تضم أسماء نحو 16200 شخص من قوات النظام المخلوع وأجهزة الأمن، وقوات رديفة تضم مليشيات، ارتكبوا جرائم بحق السوريين.

واعتبر المدير التنفيذي لـ”رابطة المحامين السوريين” سامر ضيعي هذا الإجراء (إطلاق سراح متهمين) انتهاكاً خطيراً لمبادئ العدالة الانتقالية ولحقوق الضحايا، مشيراً في حديث مع “العربي الجديد” إلى أن “العدالة الانتقالية، كما هي معرّفة في القانون الدولي وممارسات الأمم المتحدة، تقوم على أربعة أركان مترابطة: الحق في معرفة الحقيقة، والحق في العدالة (والمساءلة)، وجبر الضرر للضحايا، وضمانات عدم التكرار”. وتابع: “إطلاق سراح متهمين بارتكاب جرائم حرب، من دون تحقيق قضائي نزيه، ومن دون صدور أحكام قضائية نهائية، هو تقويض صريح للركنين الثاني والثالث، بل إنه يوجّه رسالة عكسية للضحايا مفادها: أن دماءهم قابلة للمقايضة، وأن منتهكي حقوقهم يمكن أن يكافؤوا على حسابهم. وبيّن أنه من الناحية القانونية “لا تملك أي لجنة أهلية أو محلية، بمن فيها لجان السلم الأهلي، صلاحية قانونية أو دستورية لإصدار قرارات بالعفو أو إطلاق سراح متهمين بارتكاب انتهاكات جسيمة”، مضيفاً: “هذه صلاحيات حصرية للقضاء، ويجب أن تتم عبر محاكم مستقلة، محايدة، ووفق إجراءات تضمن العدالة للضحايا والمتهمين على السواء”. وحول التبعات على العدالة الانتقالية في سورية أشار إلى أن إطلاق سراح متهمين بارتكاب جرائم “ضرب لمبدأ سيادة القانون: حين يتم تجاوز القضاء لصالح تسويات سياسية أو مجتمعية”، و”تعميق فقدان الثقة في المؤسسات، خصوصاً من جانب الضحايا وذويهم، وتشجيع الإفلات من العقاب، ما يُهدد بتكرار الجرائم مستقبلاً”.

العربي الجديد

——————————————-

الدكتور هاني حرب: مشروع البحث عن المفقودين يشمل أخذ مليون عينة

حرب يكشف عن “كيف يسعى مشروع ‘الأمل المستعاد’ لكشف مصير مئات آلاف المفقودين في سوريا؟

عمار زيدان

2025-06-03

أعلنت المؤسسة الألمانية السورية للبحث العلمي، في الـ 19 من أيار / مايو الجاري عن إطلاق مشروع “الأمل المُستعاد” والذي يهدف إلى دعم جهود التعرف على المفقودين وضحايا الاختفاء القسري في سوريا خلال عهد النظام المخلوع باستخدام أحدث تقنيات تحليل الحمض النووي.

ويقوم المشروع على مبادرة علمية تهدف إلى بناء قدرات وطنية ونقل الخبرات إلى كوادر سورية مؤهلة لضمان استمرارية المشروع بما يحقق الاستقلالية على المدى البعيد وبناء مستقبل سوري أكثر عدالة وشفافية.

وفي هذا الخصوص التقى “963+” مع رئيس مؤسسة “الأمل المستعاد” وعضو مجلس إدارة المؤسسة الألمانية السورية للبحث العلمي، الأستاذ الدكتور هاني حرب حيث تحدث عن تفاصيل خاصة حول أهداف مشروع البحث عن المفقودين وضحايا الاختفاء القسري بعهد النظام المخلوع، وحجم العينات التي ستأخذ للكشف عن هؤلاء المفقودين ولماذا يعتبر هذا المشروع سيادي بشكل كبير.

فيما يلي الحوار كاملاً:

لو تُحدثنا عن مشروع “الأمل المُستعاد” الذي بدأت بالعمل عليه مع مجموعة من الباحثين والعلماء السوريين فيما يتعلق بالبحث عن ضحايا ورفات المفقودين؟

مشروع “الأمل المستعاد” بدأ بعد يوم واحد من سقوط النظام وهو مشروع علمي وإنساني، يشارك فيه مجموعة من الباحثين السوريين في الداخل والخارج، هدفه الأساسي المساعدة في الكشف عن مصير ضحايا الاختفاء القسري.  حيث كان هناك حديث واسع عن العدالة الانتقالية والكشف عن المفقودين والمقابر الجماعية لكن لم يتم الحديث عن الطرق والآليات والصعوبات التي تواجه هذا العمل. ومن هنا ولد مشروع “الأمل المستعاد” والذي جاء كضرورة لبناء الخطوط والقدرات التقنية للكشف عن مصير المفقودين والشهداء من مخابر وحواسيب وسيرفرات مع تمكين وتدريب الأفراد في سوريا حول ذلك. وهذا المشروع يأتي استجابة لواحدة من أعمق الجراح المفتوحة في المجتمع السوري، وهو لا يهدف فقط إلى التعرف على الرفات، بل إلى رد الكرامة لعائلات المفقودين، والمساهمة في بناء مسار حقيقي للعدالة.

كيف آلية البحث عن المقابر الجماعية، وماهي حجم العينات التي ستأخذونها للكشف عن المفقودين؟

هنالك معلومات عن 200 مقبرة جماعية في سوريا ومهمتنا في هذا المشروع ستكون ضمن المخابر والعمليات التقنية والتعاون مع منظمة الدفاع المدني السوري “الخوذ البيضاء” التي لديها القدرات على الكشف عن المقابر الجماعية بأجهزة متطورة. بالنسبة لكمية العينات هذا الأمر لا يمكن التنبؤ به، كل مقبرة جماعية سيتم فتحها والعمل عليها بطريقة احترافية بمعنى سيتم استخراج الجثث وتنفيذ دراسة عليها من قبل فريق متخصص لمعرفة كم جثة موجودة بالتحديد داخل كل مقبرة جماعية ومن الممكن في العديد من الحالات أن نأخذ ضعف العينات للجثث الموجودة في المقبرة وكل ذلك سيضاعف العمل بشكل كبير خلال الفترة المقبلة، كما سيكون هناك مخبر متحرك “موبايل لاب” مهمته تحليل الطرائق المختلفة الأنسب لعزل عينات الـ “DNI”.

من هي الجهات الممولة والمشاركة في هذا المشروع؟ وهل ترى بأن المشروع سيكون له جدوى حقيقة بالكشف عن مئات آلاف المفقودين؟

حالياً ليس هناك جهات ممولة هذا المشروع هو مشروع سيادي بمعنى لكي نحصل على تمويل نحتاج إلى موافقة وتفويض ودعم من الحكومة السورية، وعند الحصول على هذا التفويض هناك العديد من الجهات الدولية التي من ممكن العمل معها سواء الحكومة الألمانية أو الفرنسية أو الدنماركية أو البريطانية وكل هذه الحكومات قمنا بالتحدث معها خلال الفترة الماضية حول المشروع كما تتواجد جهات أخرى خاصة وعامة ممكن العمل معها في هذا الإطار. بالتأكيد هناك جدوى حقيقية بالكشف عن مئات آلاف المفقودين هذا الأمر مهم جداً لتكريم الضحايا وأن يكون لهم دور حقيقي في العدالة الانتقالية وملاحقة الجناة والمجرمين ومهم جداً أيضاً فيما يتعلق بالأمور القانونية كإصدار شهادات وفاة. لا نقول إننا نملك حلولًا سحرية، لكننا نؤمن أن العمل الممنهج والعلمي، إن بدأ الآن، يمكنه أن يحدث فرقًا حقيقيًا، ويضع حجر الأساس لمشروع وطني طويل الأمد هدفه الرئيسي كشف مصير المفقودين. نحن لا نعد بكشف مصير كل الضحايا فورًا، لكننا نضع أدوات العمل الصحيحة، والاستقلال العلمي، ونقل الخبرات في قلب هذه الجهود.

هل هناك تنسيق مع المؤسسات ذات الصلة في الحكومة السورية؟ وهل قُدمت لكم التسهيلات للعمل بشكل مناسب وماهي هذه التسهيلات؟

نحن على تواصل دائم وبشكل يومي مع الجهات الحكومية الرسمية وخاصة محمد رضا الجلخي مدير الهيئة الوطنية للمفقودين. نعمل على خلق توافق بين رؤيتنا للمشروع الذي نطرحه وبين الحكومة السورية ومن جهة أخرى مع عوائل الضحايا و” الآلية المستقلة لشؤون المفقودين” حيث نسعى بأن نكون الفريق التقني لدعم هذا المشروع.

هل المشروع يساعد بدفع العدالة الانتقالية إلى الأمام وبناء مسار وطني للعدالة والمصالحة؟

بالتأكيد فإن المشروع مهم جداً خاصة عند التعرف على هوية الضحايا وهو ما سيؤدي إلى تحقيق السلم الأهلي وسيشعر الكثير من السوريين بالاطمئنان. وكل هذا العمل يتم تحت إدارة الحكومة السورية ووزارة العدل بمعنى أن سلاسل التعرف والأدلة ستبقى محفوظة في مؤسسات الدولة المعنية بالتالي يستطيع المحامي أو المدعي العام المتخصص بشؤون العدالة الانتقالية استخدام هذه المعلومات لرفع دعاوى قضائية ضد مجرمي الحرب في المستقبل.

من أهداف المشروع المذكورة حماية استقلال القرار السوري، كيف ذلك؟

حماية استقرار القرار السوري يعتبر أمراً بالغ الأهمية. بالإضافة إلى وجود “الداتا” وعينات “DIN” المتعلقة بالمفقودين داخل سوريا ومعلومات عن عوائل الضحايا أيضاً. هذا المشروع ضخم جداً ويشمل أخذ مليون عينة يجب أن نقوم بقياسها يعني تقريباً 5 بالمائة من سكان سوريا، ما تحدثت به هو ثروة قومية ويمكن أن تكون أساس لمشروع البصمة الوراثية السورية وهذه “الداتا” بالإمكان استخدامها لاكتشاف الأمراض الوراثية والسرطانية مستقبلاً. يضاف إلى ذلك فإن المخابر الذي سيتم استحداثها بهذا الإطار ستكون بمثابة بنية تحتية هائلة تقدم لاحقاً لوزارات الداخلية والعدل والتعليم العالي والصحة للاستفادة منها بمختلف المجالات، كما أن القدرات الحاسوبية التي سيتم بنائها في مشروع “الأمل المستعاد” ستقدم بعد انتهاء العمل لوزارة الاتصالات والتكنولوجيا. هناك أمثلة عالمية عديدة حول البحث عن المفقودين لم تكن بالشكل المطلوب ففي قبرص وبعد 30 عاماً من الحرب تم اكتشاف وتسليم 40 عينة فقط من الضحايا أما في البوسنة وبعد 35 عاماً تم التعرف على حوالي 70 بالمائة من الأشخاص الذين قتلوا في الحرب وكل ذلك يعود إلى عدم وجود قرار جدي من هذه الدول بالكشف عن الضحايا على عكس دول أخرى مثل الأرجنتين وغواتيمالا التي اتخذت قراراً وطنياً بهذا الخصوص.

نحن نرفض أن يتحول ملف المفقودين إلى أداة سياسية بيد أي طرف. ولهذا يعمل المشروع ضمن نموذج “BOT Build, Operate, Transfer “، القائم على البدء ببناء القدرات والمختبرات والتدريب، ثم نُسلمها لكوادر سورية قادرة على متابعة العمل بشكل مستقل. الهدف هو أن تُدار هذه الملفات الحساسة بأيدٍ سورية، ضمن مؤسسات وطنية مسؤولة وشفافة وتستجيب لأصوات الأهالي، لا لضغوط أو توظيفات سياسية.

963+

——————————–

السلم الأهلي السورية: الأولوية للعدالة الانتقالية ولا سلم بلا شفافية/ شام السبسبي

10/6/2025

دمشق – عقد عضو اللجنة العليا للسلم الأهلي في سوريا حسن صوفان مع المتحدث باسم وزارة الداخلية نور الدين البابا، اليوم الثلاثاء، مؤتمرا صحفيا في مقر وزارة الإعلام في دمشق، تناول فيه آخر المستجدات المتعلقة بعمل اللجنة بحضور وزير الإعلام حمزة مصطفى ووكالات الإعلام والصحف المحلية والعربية.

واستهل صوفان المؤتمر بإثارة قضية الضباط المفرج عنهم مؤخرا من عناصر النظام السابق، وأوضح أنهم انضموا للعمل العسكري منذ 2021، وكانوا قد سلّموا أنفسهم طوعا عبر الحدود العراقية ومنطقة السخنة ضمن ما يُعرف بحالة “الاستئمان”، وخضعوا لتحقيقات لم تثبت خلالها مسؤوليتهم عن جرائم حرب.

وأكد صوفان أن استمرار احتجازهم ليس له مبرر قانوني ولا يخدم المصلحة الوطنية، خاصة في ظل حساسية الأوضاع الأمنية في مناطق مثل الساحل.

وشدد على أن الإفراج عنهم يأتي ضمن إجراءات تهدف لتعزيز السلم الأهلي، وليس بديلا عن العدالة الانتقالية التي شرعت فيها لجنة وطنية مختصة بموجب مرسوم رئاسي، والتي يُنتظر منها تقديم خارطة طريق واضحة.

لأغراض أمنية

وكانت الحكومة السورية قد أفرجت يوم الجمعة الماضي عن أكثر من 300 موقوف، معظمهم ضباط سابقون لدى النظام المخلوع.

وتداولت مواقع إعلامية محلية أن الإفراج تم بوساطة القيادي السابق بما تعرف بمليشيا الدفاع الوطني “فادي صقر” والمتهم بارتكاب جرائم حرب بحق المدنيين في عهد النظام السابق.

ومن جهته، نشر سقراط الرحية، أحد الموقوفين المفرج عنهم والمتهم بارتكاب جرائم حرب في مدينتي جوبر ومضايا في دمشق وريفها، مقطعا مصورا يشكر فيه فادي صقر لوساطته في الإفراج، مما أثار غضبا شعبيا على مواقع التواصل الاجتماعي.

وفي سياق متصل بقضية الضباط المفرج عنهم، أشار صوفان إلى أن تلك الإجراءات، رغم أنها اجتهادات موضوعية، تبقى ضرورية لاحتواء التوترات المجتمعية، مضيفا أن وجود شخصيات مثيرة للجدل كفادي صقر، وهو قائد مليشيا رديفة لقوات النظام السابق، ضمن هذا المسار يسهم أحيانا في حلحلة العقد الأمنية والاجتماعية، رغم تفهم اللجنة لمشاعر الغضب لدى عائلات الشهداء والضحايا.

وأكد صوفان التزام اللجنة بالشفافية، وبناء “قاعدة صلبة” للمرحلة المقبلة تقوم على تحقيق العدالة الحقيقية ومحاسبة الجناة، وإتاحة المجال للمجتمع لتضميد جراحه.

دور فعّال

وردا على سؤال للجزيرة نت حول الإجراءات التي اتخذها القائمون على اللجنة لحقن الدماء وتعزيز السلم الأهلي في المناطق التي شهدت توترات أمنية في سوريا مؤخرا، قال صوفان “إن لجنة السلم الأهلي شُكِّلت على خلفية الأحداث التي شهدتها مدن الساحل السوري في مارس/آذار الماضي، وهي معنية بشكل خاص بهذه المنطقة”.

وأشار إلى أن ما حدث في الساحل السوري متداخل ومرتبط بما يحدث في عموم سوريا، لأن تنوّع وتعدد المكونات والصداقات والعداوات ليس حكرا على هذه المنطقة، مؤكدا أن تركيز اللجنة منصب على منطقة الساحل وممتد إلى دمشق.

وأوضح أن العديد من جلسات الصُلح تُعقد وتكون أحيانا مثمرة بشكل ملحوظ، وتخلص إلى حلول تعاونية وتشاركية مع مواطنين سوريين، وينتج عنها شبكة علاقات واسعة يمكن توظيفها لحل المشاكل دون اطلاع الرأي العام أو القنوات الإعلامية على ذلك.

وأكد أن هذه الجلسات “تسحب فتائل الفتن الكبيرة بهدوء”، لكن الوصول إلى السلم الأهلي كواقع ملموس يحتاج إلى وقت كافٍ، يصعب تقييم عمل لجنة السلم الأهلي قبل الوصول إليه.

وتابع أن الاستقرار في البلاد لا يتم فقط عبر إقامة العدل، بل عبر مسار راسخ هو “المصالحة المجتمعية بين المكونات السورية” لأنها السبيل الوحيد لتحقيق الاستقرار.

ضرورات السلم الأهلي

وفي سياق متصل، أشار صوفان إلى أن العدالة الانتقالية لا تقوم على محاسبة كل من خدم في النظام السابق، بل تركز على ملاحقة كبار المجرمين المتورطين بارتكاب انتهاكات جسيمة بحق السوريين، مبينا أن اعتقال كل من حمل السلاح أمر غير واقعي ويقوّض جهود السلم الأهلي، لكنه شدد على أن الدولة لن تدّخر جهدا في ملاحقة أولئك المجرمين.

وحول التعاون مع شخصيات مثيرة للجدل خلال مرحلة النظام السابق كفادي صقر، أوضح صوفان أن “القيادة قد أعطته الأمان بدلا من توقيفه بناء على تقدير المشهد، على أن يكون ذلك سببا في حقن الدماء سواء لدى جنود الدولة أو للمناطق الساخنة والحواضن المجتمعية”.

وأضاف أن الثأر والانتقام لا يحققان العدالة، بل يُكرِّسان الفوضى في وقت أسهم فيه السعي لتحقيق السلم الأهلي عبر إعطاء الأمان لشخصيات كانت محسوبة على النظام في إنجازات كبرى شهد بها الجميع، وحذَّر من الاستعجال أو التصرفات الفردية في مسار العدالة الانتقالية لخطرها في تقويض هيبة الدولة وفتح الباب أمام تدخلات خارجية.

وأكد أن اللجنة تضطلع بدور مباشر في ملف الإفراج عن الموقوفين غير المدانين، في حين تتعامل مؤسسات الدولة الأخرى مع الملفات الأمنية كحالات الخطف وغيرها، وشدد على أن الاستقرار لا يتحقق بالعدالة وحدها، بل عبر مسار مواز من المصالحة المجتمعية المرتكزة على تطبيق القانون، مشيرا إلى أن إجراءات اللجنة ليست بديلا عن العدالة الانتقالية.

محاسبة المتورطين

ومن جهته، قال المتحدث باسم وزارة الداخلية نور الدين البابا إن بعض ضباط جيش النظام المخلوع وأجهزته الأمنية تعاونوا خلال معركة “ردع العدوان” وسلّموا مقارهم لقوات “التحرير”، مما سهّل استعادة السيطرة على مناطق كثيرة.

وأشار البابا إلى أن بعض الأسماء التي يتداولها السوريون اليوم على أنها متورطة بجرائم حرب في عهد النظام السابق ساهمت بشكل عملي في تحييد الوحدات العسكرية للنظام السابق أثناء عملية “التحرير”، الأمر الذي عجّل بتحقيق النصر و”تحرير سوريا”، مؤكدا أن المحاسبة لا تعني تجاهل مساهمات أفراد ساعدوا على استعادة البلاد.

وفي سياق منفصل، شدد البابا على أن استرداد الأموال المنهوبة من واجهات اقتصادية مرتبطة بالنظام المخلوع هو حق للشعب السوري، لافتا إلى أن إدارة الإنتربول الدولي التابعة للوزارة مكلّفة بملاحقة المتورطين خارج البلاد.

وذكر أن دولا معادية لسوريا تسعى لتقويض السلم الأهلي فيها عبر دعم مجموعات تعمل ضد استقرار الدولة وتنسق مع فلول النظام البائد.

وأوضح البابا أن عدد من عملوا في وزارة الداخلية خلال فترة النظام السابق يبلغ نحو 123 ألف عنصر، توَّرط بعضهم في جرائم ضد الشعب السوري، لافتا إلى أن الدولة ملزمة بتأمين محاكمة عادلة لكل من يثبت ضلوعه في جرائم حرب.

وأضاف أنه من أبسط أسس العدالة الانتقالية “تأمين محاكمات عادلة للضباط والمتورطين، ومن غير المنطقي غض الطرف عن الجرائم المرتكبة بحق السوريين”.

المصدر: الجزيرة

—————————————

 فضل عبد الغني: إطلاق سراح ضباط نظام الأسد غير قانوني يهدد العدالة وينذر بالعنف

2025.06.10

انتقد مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فضل عبد الغني، قرار الحكومة السورية المؤقتة بإطلاق سراح عدد من الضباط السابقين في جيش نظام الأسد المخلوع، محذراً من خطورة هذه الخطوة على مسار العدالة وحقوق الضحايا.

وفي تصريحات لموقع “تلفزيون سوريا”، أوضح عبد الغني أن “إطلاق سراح المجرمين، خصوصاً أولئك المعروفين في المجتمع بارتكابهم جرائم خطيرة، مع وجود أدلة موثقة ضدهم، ومن دون أي توضيح من قبل الحكومة، يخلق حالة من الاحتقان الشديد لدى الضحايا، ويؤجج مشاعر الغضب والرغبة في الانتقام”.

وأضاف عبد الغني أن هذه الإجراءات يجب أن تتم بشفافية تامة، موضحاً أن “على الحكومة أن تعلن بشكل واضح بناءً على ماذا تم إطلاق سراحهم، وهل جرت تسوية أو صفقة ما؟ فهذا موضوع حساس يرتبط بحقوق ضحايا التعذيب والإخفاء القسري والقتل والانتهاكات الجسيمة الأخرى”.

لا صلاحية للحكومة بالإفراج

وشدد عبد الغني على أن قرار الإفراج عن متهمين بارتكاب جرائم جسيمة “ليس من صلاحية الحكومة أو الأجهزة الأمنية”، مشيراً إلى أن هذه المسألة يجب أن تكون بيد السلطة القضائية المستقلة وحدها.

وأكد على ضرورة “تحويل ملفات هؤلاء الضباط إلى القضاء، عبر النائب العام، والذي يقرر إحالتهم إلى المحكمة، لتقرر بدورها الإفراج عنهم أو محاكمتهم، وفقاً لأدلة وقرارات قضائية واضحة”.

ووصف عبد الغني العملية برمتها بأنها “خاطئة ومخالفة للمسار القانوني”، موضحاً أن “قيام الحكومة بالاعتقال والإفراج بطريقة غير خاضعة لأي رقابة قانونية، يعكس حالة من التخبط، ويبعث برسالة مقلقة إلى المجتمع مفادها أن هؤلاء لن يُحاسبوا على ما ارتكبوه من جرائم بحق السوريين”.

تهديد مباشر للعدالة

وأكد مدير الشبكة السورية أن غياب المحاسبة الحقيقية قد يؤدي إلى نتائج كارثية، مشيراً إلى أن هذه “الرسائل السلبية تدفع الضحايا إلى الاعتقاد بأن العدالة لن تتحقق، وتشجعهم على أخذ حقهم بأيديهم، مما يهدد بفتح باب واسع للانتقام والقتل خارج إطار القانون”.

وحذّر عبد الغني من أن هذه السياسات، إذا استمرت، “ستقوّض أي جهود مستقبلية لتحقيق العدالة الانتقالية، وستغرق المجتمع في دوامة جديدة من العنف لا يُحمد عقباها”.

ودعا مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان الحكومة السورية إلى احترام مبدأ الفصل بين السلطات، وإعادة جميع قضايا الانتهاكات والجرائم إلى القضاء المختص، بما يضمن المحاسبة والعدالة للضحايا، ويعيد ثقة السوريين بمؤسسات الدولة وسلطة القانون.

لجنة الحفاظ على السلم الأهلي: الإجراءات ليست بديلاً عن العدالة

واليوم الثلاثاء، عقد عضو اللجنة العليا للحفاظ على السلم الأهلي، حسن صوفان، مؤتمراً صحفياً في وزارة الإعلام بدمشق، تناول فيه أبرز التطورات المرتبطة بعمل اللجنة والقرارات الأخيرة المتعلقة بالإفراج عن عدد من الضباط في جيش النظام المخلوع.

وأكد صوفان أن الضباط المفرج عنهم هم “ضباط عاملون” منذ عام 2021، وقد سلّموا أنفسهم طوعاً على الحدود العراقية وفي منطقة السخنة، وذلك ضمن ما يُعرف بحالة “الاستئمان”.

وبيّن أن الموقوفين خضعوا لتحقيقات قانونية لم تثبت بحقهم أي تهم تتعلق بارتكاب جرائم حرب، مشدداً على أن استمرار احتجازهم لا يحقق مصلحة وطنية، ولا يستند إلى أي مشروعية قانونية.

أوضح أن الإفراج عنهم لا يُعد بديلاً عن مسار العدالة الانتقالية، والذي بدأ بالفعل عبر اللجنة الوطنية للعدالة الانتقالية المشكّلة بموجب مرسوم رئاسي.

وأشار عضو لجنة الحفاظ على السلم الأهلي إلى أن “شخصيات مثل فادي صقر تلعب دوراً في تفكيك العقد، وحل المشكلات، ومواجهة المخاطر التي تتعرض لها البلاد”، مضيفاً قولهَ “نتفهم الألم والغضب الذي تشعر به عائلات الشهداء، لكننا مضطرون لاتخاذ قرارات تؤمّن استقراراً نسبياً في هذه المرحلة”.

تلفزيون سوريا

———————————–

 إطلاق فادي صقر.. “السلم الأهلي” يتقدم على العدالة الانتقالية؟

دمشق – أنيس المهنا

الثلاثاء 2025/06/10

حذّر عضو الهيئة العليا للسلم الأهلي حسن صوفان، من أن الإسراع بمسار العدالة الانتقالية بشكل فردي أو غير مدروس، قد يؤدي للفوضى وتدخلات خارجية و”ضياع الحقوق”، مؤكدًا أن الثأر ليس هو طريق العدالة في سوريا الجديدة”. لكن صوفان وضع حداً للجدل الدائر حول أحد رجالات النظام السابق “فادي صقر”، الذين تلطخت أيديهم بالدم السوري.

وعقد صوفان اليوم الثلاثاء، مؤتمراً صحافياً في وزارة الإعلام السورية، استعرض فيه جهود اللجنة، وآليات عملها، مع التركيز على تعزيز المصالحة الوطنية ومعالجة ملفات النازحين والمعتقلين في إطار الأولوية القصوى لـ “السلم الأهلي” كمدخل لاستقرار سوريا الجديدة، وذلك على خلفية إطلاق سراح بعض جنود وضباط النظام السابق الموقوفين، عشية عيد الأضحى، الأمر الذي سبب العديد من الانتقادات من السوريين، على مواقع التواصل الذين اعتبرهم الكثير ممن “تلطخت أيديهم بالدماء”.

الأهداف والإجراءات التنفيذية

وفي إشارته إلى إطلاق سراح عسكريين هاربين إلى العراق عشية سقوط النظام السوري في ديسمبر/كانون الأول 2024، أكد صوفان أن اللجنة تعمل على إطلاق سراح المعتقلين الذين لم تثبت إدانتهم، خصوصاً في المناطق “الساخنة” مثل الساحل، معتبراً أن “بقاءهم في السجن لا يحقق مصلحة وطنية وليس له مشروعية قانونية”.

وأوضح صوفان أن الأولوية تُعطى لملفات تُسهم في “حقن الدماء” وتفادي التصعيد، مع وجود مواصفات محددة للشخصيات التي تُمنح الأمان، مثل “التأثير الإيجابي في المجتمع والصدق مع الدولة”. واعتبر أن استقرار مسار السلم الأهلي هو “المقدّم في حقيقة الأمر حتى على مسار العدالة الانتقالية”، مشدداً على أن غياب الحد الأدنى من السلم الأهلي يجعل تحقيق العدالة الانتقالية مستحيلاً.

وأوضح أن العدالة الانتقالية لا تعني “محاسبة مطلقة” للجميع، بل التركيز على “كبار المجرمين” والمخططين، وليس تجريم أشخاص لمجرد الانتماء الى منطقة معينة.

التوقيت والأخطاء

وعن الحالات المثيرة للجدل مثل فادي صقر، وهو الذي كان يرأس ما كان يسمى “قوات الدفاع الوطني” في نظام الأسد المخلوع، والتي تتهم باقتراف الكثير من الجرائم بحق الثائرين بوجه النظام، برر صوفان بأن منح الأمان لشخصيات مثل صقر، ساهم بـ”حقن الدماء” وإغلاق باب الفتن، مضيفاً أنه قام “بدور إيجابي”. وأكد  أن هذه القرارات التي أخذتها الدولة، “اجتهادات بشرية غير معصومة” لكنها ضرورية و”حققت بعض أهدافها”. 

ورداً على سؤال حول عدم ملاحقة ماهر الأسد دولياً، ذكر أن اللجنة تلتزم بـ”قوانين الدولة” وأن التعامل مع مثل هذه الملفات يتم عبر “إدارة جديدة لها علاقة بالانتربول الدولي” تابعة للدولة، وهو ما أشار إليه أيضاً المتحدث باسم وزارة الداخلية أنور البابا الذي شارك في المؤتمر الصحافي، لافتاً إلى أن التحقيقات في ملفات الساحل مستمرة “بسرية”.

الرأي العام والشفافية

كذلك اعترف صوفان بـ”كثير من التقصير” في إطلاع الرأي العام على أعمال اللجنة، بسبب “حساسية الأعمال التي نقوم بها”، ووعد بتحسين التواصل مستقبلاً. كما أقرّ بأن الرأي العام أيضاً هو “أول معوق” يواجه اللجنة.

وأكد صوفان أن دور اللجنة، هو “الطلب” من الجهات المختصة (مثل وزارة الداخلية والعدل) للإفراج عن الموقوفين بعد استكمال التحقيقات، لكن “التنفيذ عائد إلى الوزارة” واختيار التوقيت “أمر عائد للدولة”.  كذلك أوضح أن اللجنة تعمل في إطار “قوانين الدولة” السورية الحالية، وليس لها مرجعية قانونية دولية مستقلة، رغم أنه استحضر بعض التشريعات من القرآن الكريم، التي تبرر للجنة والدولة ما تقوم به.

وذكر صوفان أن اللجنة تتدخل بسرعة لـ”سحب فتيل الأزمات” في حالات الاحتقان الطارئة.

رسالة لأهالي الضحايا

وأكد صوفان أن معاناة الضحايا “تعترينا”، معترفًا بشدة الألم الناتج عن تأخر العدالة.   وربط تحقيق “الحد الأدنى من العدالة” باستقرار البلاد الذي اعتبره أمراً مهماً جداً، مشيراً إلى أن الهدف هو “الاستقرار” الذي يمهد الطريق لحلول أوسع، واستراتيجية لأبناء الشعب السوري جميعهم.

كذلك أشار صوفان إلى إمكانية “تعديل الخطة” لاحقاً في حال تناقض مسارا السلم الأهلي والعدالة الانتقالية.

واقعية سياسية

في ختام المؤتمر، أكد صوفان صعوبة، وتعقيد المهمة الموكلة للجنة السلم الأهلي وصعوبة التوفيق بين متطلبات السلم الأهلي العاجلة، وطموحات العدالة الانتقالية الشاملة، معتبراً أن الإجراءات الحالية هي “خيارات واقعية” تهدف لتغليب “صوت العقل” ومنع استمرار سفك الدماء. وشدد على أن الوصول للسلم الأهلي “لن يكون هيناً”، لكنه الأساس الذي يُبنى عليه استقرار سوريا المستقبلي، داعياً وسائل الإعلام لدور إيجابي في تعزيز ثقافة السلام ووعد بمبادرات جديدة في القريب

—————————————

مطالبين بالعدالة.. السوريون يرفضون تبرير لجنة السلم الأهلي عدم محاسبة فادي صقر

10 يونيو 2025

أثار دفاع عضو لجنة السلم الأهلي، حسن صوفان، عن القيادي في ميليشيا “الدفاع الوطني”، فادي صقر، التي أسسها النظام البائد مع اندلاع الاحتجاجات الشعبية في عام 2011، موجة من ردود الفعل الغاضبة في أوساط السوريين، الذين أكدوا على ضرورة محاكمة صقر المتهم بارتكاب مجازر وانتهاكات ضد المدنيين في مناطق جنوب دمشق خلال السنوات الماضية.

وكانت قيادة الأمن الداخلي في محافظة اللاذقية قد أطلقت، أمس الأحد، سراح عشرات الموقوفين الذين اعتُقلوا خلال معركة “ردع العدوان”، وذلك بعد التأكد من عدم تورطهم بالدماء، مشيرةً إلى أن الإفراج عن المعتقلين تم بالتنسيق مع لجنة السلم الأهلي بعد التحقق من عدم إدانتهم.

وردًا على الانتقادات التي وجهت للجنة السلم الأهلي، بعد تكرر ظهور صقر مع أعضائها في أكثر من جولة، قال صوفان خلال مؤتمر صحفي إن إشراك شخصيات مثيرة للجدل مثل فادي صقر في مسار المصالحة الوطنية يأتي في إطار السعي لتفكيك العقد المتراكمة، ومعالجة الأزمات المعقدة، ومواجهة التحديات التي تهدد استقرار البلاد.

وأوضح أن القيادة السورية هي من قررت منحه الأمان بدلًا من توقيفه، في خطوة تهدف إلى تهدئة الأوضاع وتخفيف التوترات داخل الحواضن المجتمعية، معتبرًا أن هذا النهج القائم على تقدير المصلحة العليا للدولة حقق نتائج إيجابية على الأرض.

وأضاف: “ندرك حجم الألم والغضب لدى عائلات الشهداء ونتفهم مشاعرهم، لكن متطلبات مرحلة السلم الأهلي تفرض علينا اتخاذ قرارات صعبة تهدف إلى تأمين قدر من الاستقرار النسبي تمهيدًا للمرحلة القادمة”.

وتعليقًا على ذلك، كتب عبد الرحمن الحاج في منشور على منصة “إكس” مشيرًا إلى أن “عدم وجود معايير معلنة وقانون يغطي التعامل مع الفلول ومجرمي الحرب سيقود إلى ثلاث نتائج وخيمة”، والتي لخصها بأنها ستؤدي إلى “إجبار الناس على الانتقام بيدها، وفقدان الأمل بدور الدولة في تحقيق العدالة وإنصاف الضحايا”.

وأضاف الحاج أن هذه الإجراءات ستتسبب بـ”تآكل الشرعية المستندة إلى مسار التضحيات في الثورة”، إضافة إلى “فشل ترسيخ القانون”، مؤكدًا أنه “ليس صحيحًا أن الهدف من العدالة الانتقالية السلم الأهلي فقط، بل تحقيق انتقال سياسي مستقر وترسيخ سلطة القانون”.

من جانبه، اعتبر الإعلامي بهاء دبوس في منشور على منصة “فيسبوك” أن “مشكلة فادي صقر وأمثاله ليست شخصية مع القيادة ممثلة بالشرع، حتى تصفح عنها القيادة”، لافتًا إلى أن “تطبيق العدالة على فادي صقر وأمثاله حق عام للسوريين جميعًا، وهو لُب العدالة الانتقالية”، مؤكدًا أن “لا يملك أحد أن يسقط هذا الحق”.

وأشار دبوس إلى أن السلطات الجديدة تقول إن “عدم محاسبة فادي صقر ساهم بحقن الدماء، من دون أن تذكر تفاصيل أكثر”، وأضاف مستدركًا أنه “حتى وإن كان ذلك صحيحًا، فتعاونه لا يعفيه من كامل ما اقترفه خلال سنوات الثورة، والقضاء هو من يجب أن يبت بشأنه، في نهاية المطاف، إن كنا نريد أن نبني دولة محترمة، أما البقاء على هذا الحال، سيبقي أصواتنا عالية”.

وشدد دبوس على أن السلطة “ليست صديقك المقرب حتى تثق به عالعمياني” مشيرًا إلى أن “أي سلطة في العالم تحتاج متابعة ورقابة حتى تبقى على المسار الصحيح، فلا أحد معصوم من الانحراف، وهذه المتابعة اسمها مطالب محقة وليست استعراضًا”.

من جهته، قال الكاتب والروائي إبراهيم الجبين في منشور على “فيسبوك” إن “سجن صيدنايا واعتصام الإسلاميين فيه والتفاوض مع آصف شوكت ليس أكاديمية لتخريج الخبراء بالسلم الأهلي والعدالة”، في إشارة إلى أعضاء السلم الأهلي الذين كانوا مسجونين في سجن صيدنايا خلال حقبة الأسد.

وعُرف صقر خلال السنوات الماضية بـ”صقر الدفاع الوطني”، حيثُ ارتبط اسمه بميليشيا “الدفاع الوطني” التي أسسها نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، قبل أن يترقى ليصبح قائدًا للميليشيا في مختلف أنحاء البلاد، قد أدرجته الولايات المتحدة ضمن قائمة الشخصيات المدرجة على لائحة العقوبات الأميركية بسبب قربه من الأسد.

وتُتهم قواته بارتكاب مجازر ضد المدنيين وتدمير المنازل ونهب الممتلكات، خاصة خلال حصار قوات النظام لأحياء المعارضة جنوب العاصمة، كما أنها مسؤولة عن ارتكاب المجازر في حي التضامن، فضلًا عن اعتقال المئات من الشبان والشابات الذين قضوا في سجون النظام تحت التعذيب.

—————————-

لجنة السلم الأهلي: التسويات الأخيرة ليست بديلًا للعدالة الانتقالية

10 يونيو 2025

قال عضو لجنة السلم الأهلي، حسن صوفان، إن الضباط الذين تم الإفراج عنهم مؤخرًا هم “ضباط عاملون” منذ عام 2021، وقد سلّموا أنفسهم طوعًا على الحدود العراقية وفي منطقة السخنة ضمن ما يُعرف قانونيًا بحالة “الاستئمان”، مشيرًا إلى أنهم لم يُعتقلوا كأسرى أو بموجب مذكرات جنائية.

جاء ذلك خلال مؤتمر صحفي عقدته وزارة الإعلام في العاصمة دمشق، تناول مستجدات ملف الإفراج عن عدد من الضباط والعناصر التابعين للنظام السابق، والذي أثار جدلًا واسعًا في الشارع السوري.

وأكد صوفان أن الموقوفين خضعوا لتحقيقات موسعة، ولم تثبت بحقهم أي تهم تتعلق بارتكاب جرائم حرب أو انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، موضحًا أن استمرار احتجازهم في ظل غياب الأدلة لا يخدم المصلحة الوطنية، ولا يستند إلى أي أساس قانوني مشروع.

وردًا على الانتقادات التي طالت اللجنة بشأن عمليات الإفراج الأخيرة، شدد صوفان على أن هذه الإجراءات لا تُعد بديلًا عن مسار العدالة الانتقالية، التي بدأت بالفعل في سوريا، وتُشرف عليها اللجنة الوطنية للعدالة الانتقالية التي تم تشكيلها بمرسوم رئاسي.

وأشار إلى أن الإفراج عن الموقوفين لا يعني إسقاط القضايا إن وُجدت، بل هو إجراء قانوني استند إلى نتائج تحقيقات رسمية، مضيفًا: “لدينا مساران متوازيان والأسبقية هي لمسار السلم الأهلي كونه يوفر الأرضية الصلبة لهذه الإجراءات الإستراتيجية”.

واعتبر صوفان أن إشراك شخصيات مثيرة للجدل مثل فادي صقر في مسار المصالحة الوطنية يأتي في إطار السعي لتفكيك العقد المتراكمة، ومعالجة الأزمات المعقدة، ومواجهة التحديات التي تهدد استقرار البلاد.

وأوضح أن القيادة السورية هي من قررت منحه الأمان بدلًا من توقيفه، في خطوة تهدف إلى تهدئة الأوضاع وتخفيف التوترات داخل الحواضن المجتمعية، معتبرًا أن هذا النهج القائم على تقدير المصلحة العليا للدولة حقق نتائج إيجابية على الأرض.

وأضاف: “ندرك حجم الألم والغضب لدى عائلات الشهداء، ونتفهم مشاعرهم، لكن متطلبات مرحلة السلم الأهلي تفرض علينا اتخاذ قرارات صعبة تهدف إلى تأمين قدر من الاستقرار النسبي تمهيدًا للمرحلة القادمة”.

وقال إن بعض الأسماء التي يسلط عليها الضوء اليوم وحولها الكثير من إشارات التعجب والاستفهام ساعدت خلال معركة ردع العدوان على تحييد الكثير من القطع العسكرية التابعة للنظام البائد وهذا ما عجّل النصر وتحرير سوريا.

وأضاف موضحًا: “ضباط من جيش ومخابرات النظام البائد تعاونوا معنا وسلمونا القطع العسكرية وأفرع الأمن ما سهل وصول قوات ردع العدوان إلى المناطق السورية لتحريرها”.

وأكد أن منح الأمان لبعض الشخصيات والجهات في مرحلة التحرير ساهم بشكل كبير في حقن الدماء، مشيرًا إلى أن هناك إنجازات كبرى في هذا المجال يشهد بها الجميع.

ومن جانب آخر قال إن هناك المزيد من السجناء الذين سيتم الإفراج عنهم قريبًا من سجون محافظة إدلب.

وأشار إلى أن هناك العديد من الخطوات القادمة قيد الإعداد، وستُعلن في الوقت المناسب وفقًا للظروف والاحتياجات، مؤكدًا أن كل مرحلة سيتم الكشف عنها بشفافية عند الشروع بتنفيذها.

واعتبر أن مسار الاستقرار في البلاد يحتاج إلى توفر ظروف موضوعية، فالأجواء المضطربة لن توفر الظروف المناسبة لأي مشاريع ممهدة للمصالحة الوطنية. ولفت إلى أن اللجنة تواكب كل ما يطرح في الشارع السوري، لكن الضرورة تقتضي أن يكون جزء مهم من عملها بعيدًا عن الإعلام.

وشدد على أن العدالة الانتقالية لا تعني محاكمة كل من خدم أو ساعد النظام البائد، لافتًا إلى أن العدالة الانتقالية في سوريا يجب أن تُنجز مباشرةً، ولا يمكن لها أن تتحقق من دون السلم الأهلي.

وأكد أن الاستعجال في مسار العدالة الانتقالية أو تنفيذها بشكل فردي سيؤدي إلى الفوضى ويفتح الباب أمام التدخلات الخارجية. ونوه في ختام تصريحاته إلى أن الثأر والانتقام لن يؤديا إلى تحقيق العدالة الانتقالية بل إلى ضياع المسؤولية وهروب المسؤولين عن ارتكاب المجازر بحق السوريين.

وختم بالإشارة إلى أن العديد من الخطوات الهادفة إلى حقن الدماء وتحقيق المصالحة الوطنية قد أُنجزت بعيدًا عن الإعلام، حفاظًا على سرية الإجراءات ونجاعتها، مضيفًا أن الامتناع عن إعلان بعض هذه التفاصيل كان ضروريًا من أجل ضمان استمرارها ونجاحها في تحقيق أهدافها.

من جهته، أكد المتحدث باسم وزارة الداخلية، نور الدين البابا، أن ضرب السلم الأهلي هدف لكثير من الدول المعادية لسوريا. وأشار إلى أن عدد المنخرطين في القتال مع مليشيات النظام السابق ضد السوريين يبلغ نحو 450 ألف شخص. ولفت إلى أن تأمين محاكمة عادلة للمتورطين بجرائم الحرب من أهم وأبسط أسس العدالة الانتقالية.

وأكد أن وزارة الداخلية تتعامل مع حالات الخطف في جميع المناطق بمساواة، مشيرًا إلى وجود  الكثير من التهويل والتحريض والتزوير حول حالات الخطف وهدفها ضرب السلم الأهلي.

وأضاف ختامًا: “أفضل ما تقدمه وزارة الداخلية في المرحلة الانتقالية أن تقوم بواجباتها بحفظ الأمن ومكافحة الجرائم المنظمة”.

——————————

 منظمة ملفات قيصر: السلطة الانتقالية في دمشق تكرّس الإفلات من العقاب/ حسن صوفان

2025.06.11

انتقدت منظمة “ملفات قيصر من أجل العدالة” ما وصفته بمحاولات إعادة تأهيل متورطين في جرائم حرب ومنحهم أدواراً اجتماعية من قبل الإدارة السورية الجديدة.

جاء ذلك في بيان صادر عن المنظمة تعليقاً على ما جرى تداوله بشأن المؤتمر الإعلامي الذي عقد في دمشق أمس الثلاثاء، بمشاركة عضو لجنة السلم الأهلي حسن صوفان، والمتحدث الرسمي باسم وزارة الداخلية نور الدين البابا.

وأكدت المنظمة أن العدالة الشاملة تشكل أساس الاستقرار، ولا يمكن تحقيق سلم حقيقي دون محاسبة مرتكبي الانتهاكات بحق الشعب السوري خلال حكم بشار الأسد.

ووصفت المنظمة التصريحات التي تربط الاستقرار والسلم الأهلي بتأجيل العدالة بـ”المغالطة المفاهيمية الخطيرة”، مشيرة إلى أن تغليب الاستقرار على المحاسبة يعيد إنتاج العنف ويهدد فرص السلام الدائم.

وأضافت “خلافا لما ورد على لسان السيد حسن صوفان، تؤكد منظمة ملفات قيصر من أجل العدالة أن المجتمعات المستقرة هي تلك التي تُبنى على العدالة الشاملة، التي تضمن الحقوق لجميع أفراد المجتمع، ومن جميع مكوناته. فالعدالة ليست نتيجة تأتي بعد الاستقرار، بل هي شرط مسبق وأساس لا غنى عنه لتحقيقه”، وتابعت “إن الطرح القائل بأن (الاستقرار يسبق العدالة) يُعدّ مغالطة مفاهيمية خطيرة، تنمّ عن فهم مشوه لطبيعة العدالة ودورها الجوهري كقيمة تأسيسية في بناء المجتمعات الحرة، فالتغاضي عن العدالة في سبيل الاستقرار لا يؤدي إلا إلى إعادة إنتاج العنف، ويقوض أي إمكانية لتحقيق سلام دائم”.

وشدد البيان على أن لا أحد يملك حق تبرئة مرتكبي جرائم الحرب أو تبييض سجلهم عبر تقديمهم كرموز للسلم الأهلي، واعتبرت محاولات تقديمهم كواجهات اجتماعية انتهاكاً صارخاً لحقوق الضحايا وإهانة لمبدأ العدالة.

وأوضح أن المؤتمر الأخير فشل في تهدئة الرأي العام، بل عمق فجوة الثقة مع المتضررين، وعكس غياب الحوار الفعال مع ضحايا الانتهاكات.

وتابع البيان في إشارة إلى “فادي صقر”، حيث تحدث صوفان عن دور له في “التحرير” قبل أن ينشط في مجال السلم الأهلي، “تشدد المنظمة على أنه لا يملك أي فرد أو جهة، كائنًا من كان، الحق في منح صكوك براءة لمرتكبي جرائم الحرب أو تمكينهم من تبييض سجلهم عبر تقديمهم كـواجهات اجتماعية أو رموز للسلم الأهلي. إن محاولات إعادة تأهيل صورة هؤلاء الأفراد ومنحهم أوصاف البطولة أو صبغة العمل السلمي، بينما لا تزال دماء الضحايا شاهدة على جرائمهم، تُعدّ انتهاكاً صارخاً لحقوق الضحايا، وإهانة لمبدأ العدالة ذاته. لا يمكن القبول منطقياً أو أخلاقياً أن يسند دورٌ في إعادة بناء المجتمع لمن كان شريكًا في تدميره، ولا يمكن تصور أن يقدم من تلطخت يداه بدماء الأبرياء كرمز للسلامٍ في مجتمع منكوب ما زال يعاني من أثار الانتهاكات التي ارتكبت”.

“منح الأمان للمجرمين انتهاك خطير”

أعربت المنظمة عن قلقها من المسار الذي تتبعه “السلطة الانتقالية” في دمشق، معتبرة أن منح الحصانة أو الأمان لمجرمي الحرب يمثل انتهاكاً خطيراً يكرّس ثقافة الإفلات من العقاب ويفتح الباب أمام الفوضى والانتقام.

وأكدت “منظمة ملفات قيصر من أجل العدالة” على أهمية دور منظمات المجتمع المدني في مراقبة تصرفات “السلطة الانتقالية”، خصوصاً في ملفات ضحايا التعذيب والمفقودين والمختفين قسرياً على يد النظام المخلوع وجميع الأطراف المتورطة بالانتهاكات.

ودعت المنظمة إلى الإسراع في إعداد بيئة قانونية وتشريعية شاملة تضمن محاسبة جميع مرتكبي الجرائم والانتهاكات بحق السوريين وفق خطة وطنية واضحة ومرتكزة إلى مبادئ المساءلة وعدم الإفلات من العقاب.

اختتمت المنظمة بيانها بالتأكيد على موقفها المبدئي بأن “لا عدالة دون محاسبة، ولا سلم مستدام دون إنصاف الضحايا، ولا صكوك غفران للقتلة”.

——————————-

 وزير الإعلام لتلفزيون سوريا: إعلان وشيك لخريطة طريق العدالة الانتقالية

2025.06.11

أكد وزير الإعلام السوري، حمزة المصطفى، أن الحكومة السورية تقترب من إعلان خريطة طريق للعدالة الانتقالية، مشيراً إلى أن هذا المسار قد بدأ فعلياً من خلال تشكيل هيئة مستقلة ذات صلاحيات واضحة، وأن اللجنة الوطنية للعدالة ستعرض طروحاتها قريباً.

وقال المصطفى في مقابلة مع تلفزيون سوريا إن جميع ردود الفعل على المؤتمر الصحفي لعضو اللجنة العليا للسلم الأهلي، حسن صوفان، “مفهومة، وكل مباعث القلق يجب أن تُؤخذ بعين الاعتبار، حتى الغضب مشروع، لأن الأمر يتعلق بالذاكرة، ولأن هذه القضايا لا تحتمل النسيان”.

الحكومة تعي حساسية الجراح ومسار العدالة بدأ

شدّد وزير الإعلام على أن الدولة السورية الجديدة والحكومة تعيان تماماً حساسية هذه المسألة، وتدركان الثمن الباهظ الذي دفعه السوريون لنيل حريتهم طيلة 14 عاماً.

كما أكد أن ملف العدالة يُعد من أبرز الملفات التي تعترض مسار المرحلة الانتقالية، وهو ملف لا يُغلق في يوم أو أسبوع أو أشهر، بل سيبقى حاضراً لسنوات، مضيفاً: “قبل الخوض في ما جرى بالمؤتمر الصحفي، أود توجيه كلمة للسوريين: الدولة تُقدّر هذه الجراح، وهذا الجرح النازف لا يُنسى، ولا يُطلب من أحد نسيانه”.

وأشار إلى أن الدولة اتخذت منذ البداية جملة من الإجراءات، أبرزها تشكيل هيئة مستقلة للعدالة الانتقالية بصلاحيات واستقلالية واضحة، مضيفاً: “مسار العدالة الانتقالية قد بدأ، وننتظر من اللجنة الوطنية أن تبلور طروحاتها وخريطة الطريق التي ستُعرض قريباً على الجمهور”.

وأوضح أن ما حصل في المؤتمر الصحفي هو محاولة من لجنة السلم الأهلي للتعبير عن وجهة نظرها بخصوص بعض الإجراءات الأخيرة، وأبرزها إطلاق سراح مجموعة من ضباط النظام المخلوع.

ودعا المصطفى إلى التمييز بين مساري العدالة الانتقالية والسلم الأهلي، مشدداً على أن السلم الأهلي في عموم سوريا يختلف عن نظيره في المناطق التي شهدت أحداثاً في آذار الماضي، في إشارة إلى منطقة الساحل.

وتابع: “المجموعة التي تم إطلاق سراحها تضم ضباطاً سلّموا أنفسهم بعد سقوط النظام مباشرة، وليس حديثاً، وبعد استكمال التحقيقات وورود مطالب من الأهالي، رأت اللجنة أن إنهاء هذا الملف قد يشكّل مبادرة”.

ولفت إلى أن الدولة تواجه تحديات جمّة حالياً، ليس فقط على الصعيد الاقتصادي والمعيشي، بل أيضاً في الحفاظ على وحدة سوريا وتجاوز الانقسامات، مضيفاً: “لدينا ملفات مثل قسد، السويداء، والساحل، وهذه المبادرة كانت محاولة استباقية لتجنب تعكير الاستقرار، مع إدراكنا لحجم الضغوط الخارجية”.

فادي صقر إشكالي واللجنة قد تراجع مقارباتها

وفيما يخص الجدل حول أسماء معينة تستعين بها لجنة السلم الأهلي، مثل فادي صقر، قال المصطفى: “نعم، فادي صقر اسم إشكالي، ليس فقط بالنسبة للسوريين، بل حتى للدولة، وعندما قال صوفان إن ما جرى ليس بالضرورة صائباً بالكامل، كان يقصد ذلك فعلاً، والدولة أرادت أن تكون شفافة مع شعبها، وقد تدفع ردود الأفعال اللجنة إلى مراجعة مقارباتها”.

وأضاف: “فيما يتعلق بفادي صقر، فقد كانت هناك اتصالات مع بعض الضباط خلال إدارة عملية ردع العدوان لتسهيل سقوط النظام دون مواجهات دموية، وحالة الاستئمان هذه كانت مؤقتة، ولا تمثّل حكماً نهائياً أو بديلاً عن العدالة الانتقالية”.

وبخصوص تصريح المتحدث باسم وزارة الداخلية عن وجود 450 ألف شخص متورطين بجرائم ضد الشعب السوري، قال المصطفى: “تصريح المتحدث، نور الدين البابا، لا يجب تأويله خارج سياقه؛ الحديث كان عن أرقام وأوضاع وحدات عسكرية، وليس عن مسار عدالة محدد”.

وأردف: “العدالة الانتقالية متعددة المسارات، بينها العدالة القضائية التي تتيح محاسبة الجناة وفق الحق الشخصي، والعدالة التصالحية على نموذج جنوب إفريقيا.. وكما قال نيلسون مانديلا: نغفر ولا ننسى”، مضيفاً: “الجراح تبقى في الذاكرة وتلهم مسارات العدالة، والدولة جازمة، والهيئة الوطنية ستعلن قريباً خططها ونظامها الداخلي وخريطة الطريق”.

ترسيخ السلم الأهلي مهمة جماعية

وعن ترسيخ السلم الأهلي، أوضح المصطفى أن هذا الملف لا يتبع جهة واحدة، بل تشارك فيه وزارات الداخلية، الإعلام، والشؤون الاجتماعية، وهناك تداعيات ناتجة عن الانقسامات المجتمعية التي خلفها النظام المخلوع، الذي استثمر في الانقسامات كاستراتيجية للبقاء لعقود.

وأكد أن “رفع غطاء الاستبداد كشف عن أجمل ما في المجتمع السوري، لكنه كشف أيضاً عن مشكلات يجب الاعتراف بها ومعالجتها بمقاربات شاملة”، مشيراً إلى أن وزارة الإعلام تسعى لنشر خطاب وطني جامع، يحارب خطاب الكراهية والتضليل، ويؤكد على المساواة بين المواطنين.

وتابع: “نحن نبدأ مساراً لا ننهيه، وهو يحتمل الصواب والخطأ. نحاول في الحكومة الجديدة الجمع بين مسارين متوازيين: العدالة الانتقالية والاستقرار السياسي. الشعب السوري تواق للحرية، لكنه أيضاً يعي أن جراحه ليست أرقاماً، بل جرح أصاب كل بيت سوري، وعلينا احترام هذه الذاكرة والآلام التي تدفعنا إلى صون الإنجازات”.

وجدّد التأكيد على أن “ما حصل من إطلاق سراح بعض الضباط كان خطوة إسعافية في ظل واقع ضاغط، وعلينا أن نتفهّم وجود أسماء لا يرغب السوريون برؤيتها، لكن العلاقة بين الحكومة والشعب يجب أن تكون مباشرة وشفافة”.

وأضاف: “هذه الحكومة انبثقت من ثورة شعبية ومسار نضالي بدأ في درعا وبلغ دمشق، ولا يمكن أن تُنسى هذه التضحيات أو تُهدر. المحاسبة قادمة، وسيراها السوريون”.

استراتيجية وزارة الإعلام في سوريا

أما عن خطة وزارة الإعلام، فقد أوضح المصطفى أن الوزارة تعمل على استراتيجية واضحة، وبدأت بتطبيق أولى التصورات، وتسعى لمواجهة الشائعات والخطاب المضلل بالحقيقة، وخلق علاقة مباشرة مع الناس.

وقال: “أعلنا عن مدونة الأخلاقيات، ونعكف حالياً على صياغة قوانين إعلام حديثة تميّز بين حرية التعبير والفوضى، ونلمس نتائج ملموسة تدريجياً، ونحن نرى أن حرية الصحافة في سوريا تتنامى، ووجود الوزارة كهيكل ليس هو الأهم، بل المهم أن يكون هناك جسم إعلامي يستثمر في حرية الصحافة والوعي والإرث الإعلامي”.

وتابع: “نعيد تفعيل الإعلام الوطني على أساس التنافس والموضوعية، ونرحّب بالقطاع الخاص والمستقل. الإعلام متعب، لكن غيابه كارثي. ودمشق تستحق أن تكون مقراً لجميع وسائل الإعلام، كما في الدول الراسخة”.

——————————-

=========================

واقع وكواليس الاتفاق بين “قسد” وحكومة الجمهورية العربية السورية مقالات وتحليلات تتحدث يوميا  تحديث 11 حزيران 2025

متابعة تفاصيل هذا الملف اتبع الرابط التالي

دوافع وكواليس الاتفاق بين “قسد” وأحمد الشرع

—————————-

ضد سايكس بيكو مع كينغ – كراين/ طوني فرنسيس

رؤية ترمب للشرق العربي وتصريحات مبعوثه باراك… هل تعكسان قناعات جديدة؟

الاثنين 9 يونيو 2025 0:00

لم تكن الولايات المتحدة شريكاً في مشروع تقسيم المشرق العربي خلال الحرب العالمية الأولى، كانت الدولة العظمى بعيدة من هذه الحرب وانتظمت فيها متأخرة إلى ما بعد الاتفاقية الإنجليزية الروسية الفرنسية، بل إن مساهمتها في رسم مستقبل المنطقة لم يؤخذ بها، واقتصرت تلك المساهمة على إرسالها لجنة كينغ – كراين إلى بلاد الشام لتستطلع رغبات مواطنيها ونخبها.

لم يكن التكهن بأولوية الاختراق السوري الذي أنجزه الرئيس الأميركي دونالد ترمب في غير مكانه، وجاء تصريح سفيره في تركيا ثم مبعوثه الخاص إلى سوريا توم باراك ليضفي على هذا الاختراق أبعاداً تتخطى اللحظة السياسية الراهنة إلى أبعاد تاريخية ورؤية استراتيجية مختلفة قد تتبناها الإدارة الأميركية الجديدة.

في التركيز على سوريا، دعماً لنظامها الجديد وتسهيلاً لمهامه، بل وحماية له من خصم إسرائيلي في الجنوب وحليف تركي طامح في الشمال، رهان أميركي على تجربة تخوضها قوى سورية وصلت إلى السلطة نتيجة إصرار دؤوب، ومعارك متدحرجة وخيارات متنوعة، لكنها تعبر في العمق عن خيارات سورية أساسية، وهي حققت في آن واحد تغييراً لنظام أتعب الإدارة الأميركية على مدى عقود، وابتز محيطه لسنوات طويلة، كما وجهت ضربة حاسمة لخصوم أميركا الرسميين، من إيران التي فقدت رأس جسرها إلى المشرق، إلى روسيا التي تنتظر مصير وجودها العسكري في بلاد الشام على رصيف التطورات السورية.

والرهان الأميركي لا يقتصر على سوريا، بل يمتد إلى محيطها، ومحيطها المقصود هو المنطقة الممتدة من العراق إلى لبنان وفلسطين، وهو ما يعنيه السفير الأميركي لدى تركيا توم باراك، مبعوث ترمب إلى سوريا، ولاحقاً، كما يبدو، إلى لبنان، عندما قال في تصريح نهاية مايو (أيار) الماضي بضرورة تغيير نظرة الغرب إلى منطقة الشرق العربي الذي يضم البلدان المذكورة.

انتقد باراك اتفاقية سايكس – بيكو (البريطانية – الفرنسية الموقعة عام 1916 بمشاركة روسيا قبل أن تنسحب منها)، وقال “لقد فرض الغرب قبل قرن من الزمان خرائط وانتدابات، وحدوداً مرسومة، لقد قسمت اتفاقية سايكس – بيكو سوريا ومنطقة أوسع، ليس من أجل السلام، بل من أجل المكاسب الإمبريالية، وقد كلف هذا الخطأ أجيالاً عديدة”.

ويستنتج باراك، وهنا جوهر موقفه “لن نكرر هذا الخطأ مرة أخرى، لقد انتهى عصر التدخل الغربي، المستقبل هو للدبلوماسية التي تقوم على الحلول الإقليمية، والشراكات والاحترام، وكما قال الرئيس ترمب: لقد ولت الأيام التي كان فيها الغربيون يتدخلون في شؤون الشرق الأوسط ويذهبون إلى هناك ليعلموا الناس كيف يعيشون وكيف يديرون شؤونهم”.

لم تكن الولايات المتحدة الأميركية شريكاً في مشروع تقسيم المشرق العربي خلال الحرب العالمية الأولى، كانت الدولة العظمى بعيدة من هذه الحرب وانتظمت فيها متأخرة إلى ما بعد الاتفاقية الإنجليزية الروسية الفرنسية، بل إن مساهمتها في رسم مستقبل المنطقة لم يؤخذ بها، اقتصرت تلك المساهمة على إرسالها لجنة كينغ – كراين إلى بلاد الشام لتستطلع رغبات مواطنيها ونخبها.

وخلصت أبحاث تلك البعثة عام 1919 إلى مطالبة غالبية السوريين واللبنانيين والفلسطينيين بالاستقلال في دولة تحمي الحريات والأقليات، كانت اللجنة من نتاج أفكار الرئيس الأميركي وودرو ويلسون عشية مؤتمر السلام في باريس، ولاقت جولتها ارتياح وترحيب السكان، لكن الأوروبيين المنتصرين فرضوا رؤيتهم في النهاية وقرروا تقاسماً ذهب بنتيجته لبنان وسوريا إلى الانتداب الفرنسي والعراق وفلسطين وشرق الأردن إلى الوصاية الإنجليزية.

كان ينقص تصريح باراك (أو منشوره) الإشارة إلى نتائج أعمال تلك اللجنة ليستخلص أن الرؤية الأميركية لوقائع المنطقة تختلف عن رؤية “الإمبرياليين” منذ ما يزيد على قرن، لكن قرناً مر تتحمل فيه أميركا والشركاء الأوروبيون والدوليون المسؤولية عما آلت إليه أحوال الدول والشعوب التي تقاسمها السيدان جورج بيكو ومارك سايكس.

الآن يبدي ترمب آراء جديدة، بعض تعبيراتها نجدها في كلمات مبعوثه الخاص باراك الذي يشمل في اهتماماته تركيا الواردة في نصه الذي أثار جدلاً وتقييمات، وآراء ترمب ليست في حاجة إلى إيضاحات إضافية، وهي قابلة للتغيير، عرضها في البيت الأبيض في شأن غزة، وكانت آراء صادمة وكارثية، ووجهت بانتقادات ورفض ما جعله يخفف من الإلحاح عليها.

في شأن سوريا كان في تصريحاته قدر من التخلي وعدم الاهتمام، لكنه ظهر في مظهر آخر لدى زيارته السعودية وإثر محادثاته مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ولقائه القادة الخليجيين، وعد ترمب عندها بالسعي إلى اتفاق في غزة وتقدم خطوته الكبرى في اللقاء مع رئيس الجمهورية العربية السورية أحمد الشرع ثم قراره رفع العقوبات عن سوريا، فيما كان يعلن عن فرصة أمام لبنان عليه الاستفادة منها لإعادة بناء دولته وترميم اقتصاده.

بدا ترمب في خطواته هذه وكأنه يترجم ما قاله في السعودية أيضاً، من أن أيام تدخل الغرب في إدارة الشعوب لشؤونها قد “ولَّت”، وعليهم هم أن يمسكوا أقدارهم بأيديهم بدفع أميركي صريح، بين الإعلان الأميركي وتطبيق مساراته على أرض الواقع مسافات لا بد من قطعها وهو ما ينتظره من أميركا أبناء المشرق العربي من بغداد إلى غزة.

تحمل تصريحات السفير باراك وتوجهات رئيسه في الظروف الراهنة رغبة بالقول إن المنطقة لا تتحمل مزيداً من التقسيم والشرذمة، أي أن تكرار سايكس – بيكو في صيغ جديدة غير مطروح على بساط البحث، وهذا يعني الإبقاء على حدود الدول الوطنية كما رسمت قبل قرن، مما يعني عدم السماح بتقسيم سوريا أو لبنان أو العراق، وإنما الذهاب إلى ترتيبات تحمي وحدة هذه الدول وتزيد في تماسك مكوناتها ضمن أنظمة ديمقراطية تعددية، ويعني ذلك دعم الاتفاق بين الأكراد ودمشق، وإشراك الأقليات جدياً في حكم سوريا بما في ذلك الدروز والعلويين، كما يعني تدعيم قيام الدولة في لبنان والانتهاء من ازدواجية سلطة السلاح وعصر الميليشيات الوكيلة، وما يصح في سوريا يصح في لبنان والعراق واليمن.

 لا تتفق هذه الرؤية التي يقول بها الأميركيون، لا الآن ولا في المدى الأبعد، مع المشروع الإسرائيلي في فلسطين وتجاه الدول العربية المحيطة، فإسرائيل تتمسك بالدولة اليهودية وترفض قيام دولة فلسطينية، إنها في حال تصادم تاريخية مع سايكس – بيكو وحتى مع وعد بلفور، وكلها الآن موضع انتقاد أميركي متجدد.

إسرائيل واصلت حتى أيام قليلة ماضية تحريضها على الفوضى في سوريا، وهي تعتبر في خلفية مواقف حكومتها أنه لولا “انتصاراتها العسكرية” في معارك الأشهر الماضية، ما كان للحركة الدبلوماسية الأميركية أن تنشط وتحقق مكاسب في الإقليم، خصوصاً في سوريا ولبنان بعد الضربات التي تلقتها إيران و”حزب الله” وسقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد.

ستكون إسرائيل عقدة أساسية ومركزية تواجه المسعى الأميركي إلى رسم خرائط جديدة يأمل فيها ترمب، وسيكون الاختبار الأصعب أمام الرئيس الأميركي هو في كيفية التعامل مع الموقف العربي والدولي الحازم في شأن قيام دولة فلسطينية، فمن دون خطوة حقيقية في اتجاه الحل القائم على تسوية الدولتين لن يمكن استعادة الهدوء في الإقليم، وستتحول التصريحات عن مساوى سايكس – بيكو إلى مجرد “خطاب قومي” آخر وبائد، من مسؤول أجنبي هذه المرة، يدغدغ مشاعر لا تزال قائمة، شكلت دائماً وصفة للشرذمة والخراب.

——————————–

منطقتنا والتحدّيات الخارجية والداخلية/ عبد الباسط سيدا

10 يونيو 2025

لم يأت تصريح المبعوث الأميركي الخاص إلى سورية توم باراك، بشأن الإقرار بأخطاء نجمت من تطبيق اتفاقية سايكس بيكو 1916، والاتفاقات التي كانت ضمن إطارها العام، خصوصاً التي صيغت في مؤتمر سان ريمو 1920، والاتفاقية الفرنسية التركية (اتفاقية أنقرة الأولى 1921)، وصولاً إلى معاهدة لوزان 1953، والإقرار بإخفاق سياسة الولايات المتحدة تجاه سورية قرناً كاملا، لم يأتِ بجديد لا تعرفه شعوب منطقتنا، التي وجدت نفسها بعد انقشاع غبار الحرب العالمية الأولى محشورةً ضمن دائرة حدود رُسمت في مكاتب المسؤولين الغربيين بالمسطرة والفرجار. وكان ذلك وفق حسابات دولهم ومصالحها، لا بناءً على رغبات الشعوب أو مصالحها في تلك الكيانات الوليدة، التي أعلنت بعد الحرب دولاً قادتها أنظمةٌ حاكمةٌ مختلفةٌ، لكنّها تشاركت سمةً أساسيةً تمثّلت في تعاملها مع تلك الحدود بوصفها مقدّسة، رغم معرفة الجميع بأنها مفروضة من دول كانت بعد الحرب من القوة إلى الحدّ الذي مكّنها من فرض مشاريعها وإرادتها على دول المنطقة، والقوى الدولية المنافسة، في حين أن الشعوب في منطقتنا كانت مغلوبةً على أمرها، لا تمتلك قدرةَ الاعتراض، ولا المواجهة الفعلية. وحينما حاول الغيارى على أوطانهم وشعوبهم أن يعترضوا على ما كان يحصل، وخرجوا في انتفاضات وثورات، كانت الخسارات هي النتيجة في معارك غير متكافئة بكلّ الأشكال.

يتكامل كلام باراك (بل يتطابق) مع ما ذهب إليه الرئيس دونالد ترامب في أثناء زيارته الرياض، حين أشاد بتجربة السعودية من جهة نجاحها اللافت، والأكثر أهميةً في ذلك النجاح، أنه (وفق ما ذهب إليه ترامب) تحقّق بالانسجام مع خصوصية المجتمع السعودي، ولم يكن حصيلةَ تقليد نموذج وافد أو مقحم مفروض بنزعة تبشيرية من الغرب.

واليوم، وبعد مرور أكثر من قرن على تقسيم المنطقة، ورسم الحدود السياسية بين شعوبها بناء على مصالح القوى الدولية الاستعمارية، أصبحت الدول المُستحدَثة، تلك التي تحكّمت الأنظمة العسكرية بمعظمها، أكثر ضعفاً نتيجة الفساد والاستبداد، في حين أن الدول المُتحكِّمة التي أوجدتها باتت أقوى ممّا كانت عليه بأضعاف أضعاف المرّات، بفعل التقدّم التكنولوجي غير المسبوق، سيّما في ميادين الذكاء الاصطناعي. هذا التقدّم الذي كان يُصنَّف قبل ثلاثة أو أربعة عقود في عداد الخيال العلمي. فهذه الدول هي اليوم في موقع القادر على فرض الخطط والمشاريع بأساليب القوة الناعمة، ومعاقبة الحكومات، وحتى تغييرها إذا لزم الأمر. وقد أدركت شعوب منطقتنا وقواها السياسية، ولو متأخّرةً، هذه الحقيقة، بينما لم يعترف أصحاب الأيديولوجيات، الذين غالباً ما يتبعون أجندات عابرة للحدود لا تحافظ على مصالح بلدانهم وشعوبهم، بهذه الحقيقة المرّة. والمقصود هنا الأيديولوجيات القومية والدينية، بالإضافة إلى اليسارية العلمانية، فهؤلاء يرفضون الإقرار بالحقائق الواضحة رغم معرفتهم الأكيدة بإنسداد الآفاق أمامهم، ويرفعون شعاراتٍ كُبرى تنسجم مع نزعتهم الشعبوية، ويهدّدون الخصوم بمختلف الأساليب، بما في ذلك اتهامهم بالخيانة والكفر، وهم يعيشون حالة انفصامٍ عن الواقع، يمارسون الغطرسة والتبجّح من دراسة الأمكانات وفهم المتغيّرات. وذلك كلّه يحول بينهم وبين التركيز في مشاريع وطنية كانت (وما زالت) تمثّل المَخرج الآمن للمحافظة على جغرافية دول ما بعد الحرب، وهي الدول التي كانت (وما زالت) ميداناً لنقاشات وجدالات عقيمة بين الماضويين، بتيّاراتهم المختلفة، بشأن السبق الزمني والأحقية التاريخية. واللافت اتهام كلّ طرف الآخر، أو الأطراف الأخرى، بالانتقائية والتزييف والتشويه. أمّا النتيجة، فتتشخّص راهناً في استمرارية المشكلات، وعدم التوصّل إلى حلول توافقية وطنية، كان من شأنها طمأنة الجميع وإرضائهم. هذه الإشكالات عانت منها (وما زالت تعاني) دول منطقتنا، التي تتسم بالتنوّع الديني والمذهبي والإثني، خصوصاً في العراق وسورية ولبنان، وفي الجزائر والسودان واليمن ودول أخرى، في حين أن المنطق السليم كان يوجب الإقرار بالواقع القائم والتعامل معه بعقلية إبداعية بعيدة النظر، تراعي الإمكانات والحاجات والتحدّيات.

وكان من شأن مثل هذا الإقرار أن يدفع أصحاب الشأن والتأثير نحو التفكير في كيفية تحسين قواعد العيش المشترك بين المكوّنات المجتمعية المتنوّعة، والعمل من أجل ذلك. ولبلوغ هذا الهدف، تُبرِز الضرورة أهمية إزالة الهواجس المتراكمة لدى الناس، على مستوى الجماعات والأفراد، وذلك بعقود مكتوبة واضحة لا تحتمل التأويل. فالناس، بناءً على التجارب المريرة السابقة في منطقتنا، وهي التجارب التي عاشوها، أو على الأقلّ قرأوها أو سمعوا بها، وعانوا من آثارها، لديهم خوف مشروع من المستقبل، خصوصاً في مناخات الغموض، وغياب الشفافية، والممارسات الهجينة غير المتّسقة. ولكن إلى جانب ذلك، علينا أن نأخذ في اعتبارنا حقيقة أن النصوص وحدها لا تكفي، بل تحتاج هذه الخطوة، على أهميتها، خطوة أخرى لا تقلّ عنها أهمية، بل ربّما تتجاوزها في هذا المجال، والمقصود بذلك تعزيز اجراءات الثقة، وهذا لن يتحقّق بالمجاملات والخطابات العاطفية المنمّقة، وإنما بخطوات فعلية حقيقية، يتم تلمّسها واقعاً في الأرض.

وحتى تكون هذه العملية متماسكةً متكاملةً مستدامةً، لا بدّ من التوافق على آلية لحلّ الخلافات التي ستحدث، شاء المرء أم أبى. والتباينات والاختلافات والخلافات من الظواهر الطبيعية، إن لم نقل الصحّية، ما دمنا نحترم حقّ الآخر المختلف في التعبير عن رأيه بحرية، وبممارسة النقد والاعتراض على ما يعتبره خللاً أو خطأً. لذلك سيكون من المفيد أن تكون هناك آلية للتعامل مع الخلافات بغية تذليلها، عبر مؤسّسات قانونية دستورية، صلاحياتها وقواعدها واضحة، وأحكامها القضائية نافذة، والجميع أمامها في قضايا المساءلة والمحاسبة سواسية من دون أي تمييز موجب أو سالب. إلا أن التوافق على هذه الخطوات الثلاث سيكون عسيراً (إن لم نقل مستحيلاً) في أجواء طغيان اللغة الطائفية المذهبية البغيضة، والقوموية العنصرية المقيتة، خصوصاً في مجتمعات متنوّعة متعدّدة، مثلما هو عليه الحال في كلّ من سورية والعراق ولبنان وغيرها من الدول. فهذه اللغة المنبثقة من عقلية جمعية ثأرية تفتقر إلى أبسط مقوّمات النضج الوطني، والاتساق العقلي المنطقي، وهي تعتمد أسلوب تبنّي الأحكام المسبقة، التي قد تكون في صيغة كليشهات مكرّرة ممجوجة، توصف بها مكوّنات دينية أو مذهبية أو قومية بأكملها، من دون أيّ بحث أو تدقيق، أو تكليف النفس بضرورة التمييز بين مواقف التيّارات والأحزاب والأفراد ضمن هذا المكوّن المجتمعي أو ذاك، وهذا مؤدّاه تكريس ذهنية “نحن وهم”. نحن “الأمّة المصطفاة” وهم “الأشرار”. نحن أصحاب الحقّ والوطن، وهم الدخلاء الأغيار مصدر الشرور والمخاطر. وغالباً ما يكون مصدر ترويج هذه الأطروحات الزائفة، وتلك المقابلة لها، مجموعة من الناس ممّن يجهلون التاريخ القديم والوسيط للمنطقة، بل يجهلون حتى مجريات التاريخ الحديث والمعاصر، وخلفياته، خلال مرحلة إعلان تشكيل هذه الدول بموجب الاتفاقيات الاستعمارية بعد الحرب. لذلك، يلاحَظ أن هؤلاء المروّجين يتعاملون مع الحدود القائمة بين الدول المعنية وكأنّها حدود مقدّسة كانت منذ الأزل، وينبغي أن تستمرّ إلى الأبد. ولعلّ هذا ما يفسّر اعتبارهم شركاء الوطن والمصير “خصوماً”، بعد أن حشرتهم اتفاقات سايكس بيكو وإفرازاتها ضمن كيانات جغرافية، اقتطعت ولصقت وفق حسابات المستعمرين الإمبريالية؛ ومن دون أن يكون للناس داخل تلك الأوطان، التي ستصبح دولاً، أيَّ رأي، بل حتى معرفة بما كان يجري.

واليوم يقرّ المبعوث الأميركي باراك بالأخطاء الجسيمة التي ارتكبتها القوى العظمى بعد الحرب العالمية الأولى في منطقتنا، سيّما في سورية والعراق. والجدير بالذكر هنا أن مثل هذه الأخطاء، التي كانت بناءً على التوجّهات والاستراتيجيات الاستعمارية، ارتكبت في أفريقيا، وأماكن أخرى متعدّدة في آسيا، وغيرها. والاعتراف بالخطأ فضيلة، هذا إذا كان صادقاً مبنياً على مراجعات عقلية ضميرية، ولكنّه مع ذلك لا يغيّر من الأمر كثيراً ما لم يُقرَن بخطوات عملية تؤكّد أن الخطأ ذاته، أو شبيهه، لن يتكرّر مرّة أخرى، وبصيغة أخرى. وهنا تتحمّل مجتمعاتنا عبر قواها السياسية ونُخبها وتيّاراتها الشعبية مسؤولية الإسهام في تبلور مجتمعات وطنية حقيقية، لا تكون مجرّد تجمّع من الحارات الدينية والمذهبية، أو القومية أو الجهوية المناطقية، حارات متوجّسة من بعضها، تتكوّر على ذاتها، تمارس النفاق والتقيّة، وتتحيّن الفرصة للانتقام الذي تعتبره حقّها المشروع بناءً على سردية مظلوميتها التي تغدو مع الوقت جداراً عازلاً، يقطع الطريق أمام أيّ نفَس وطني انفتاحي، لا تستغني عنه الدول الطبيعية المتوازنة.

العربي الجديد

——————————————————-

=========================

لقاء الشرع-ترامب ورفع العقوبات الأمريكية عن سوريا تحديث 11 حزيران 2025

لمتابعة هذا الملف اتبع الرابط التالي

ملف رفع العقوبات عن سوريا

—————————-

ضد سايكس بيكو مع كينغ – كراين/ طوني فرنسيس

رؤية ترمب للشرق العربي وتصريحات مبعوثه باراك… هل تعكسان قناعات جديدة؟

الاثنين 9 يونيو 2025 0:00

لم تكن الولايات المتحدة شريكاً في مشروع تقسيم المشرق العربي خلال الحرب العالمية الأولى، كانت الدولة العظمى بعيدة من هذه الحرب وانتظمت فيها متأخرة إلى ما بعد الاتفاقية الإنجليزية الروسية الفرنسية، بل إن مساهمتها في رسم مستقبل المنطقة لم يؤخذ بها، واقتصرت تلك المساهمة على إرسالها لجنة كينغ – كراين إلى بلاد الشام لتستطلع رغبات مواطنيها ونخبها.

لم يكن التكهن بأولوية الاختراق السوري الذي أنجزه الرئيس الأميركي دونالد ترمب في غير مكانه، وجاء تصريح سفيره في تركيا ثم مبعوثه الخاص إلى سوريا توم باراك ليضفي على هذا الاختراق أبعاداً تتخطى اللحظة السياسية الراهنة إلى أبعاد تاريخية ورؤية استراتيجية مختلفة قد تتبناها الإدارة الأميركية الجديدة.

في التركيز على سوريا، دعماً لنظامها الجديد وتسهيلاً لمهامه، بل وحماية له من خصم إسرائيلي في الجنوب وحليف تركي طامح في الشمال، رهان أميركي على تجربة تخوضها قوى سورية وصلت إلى السلطة نتيجة إصرار دؤوب، ومعارك متدحرجة وخيارات متنوعة، لكنها تعبر في العمق عن خيارات سورية أساسية، وهي حققت في آن واحد تغييراً لنظام أتعب الإدارة الأميركية على مدى عقود، وابتز محيطه لسنوات طويلة، كما وجهت ضربة حاسمة لخصوم أميركا الرسميين، من إيران التي فقدت رأس جسرها إلى المشرق، إلى روسيا التي تنتظر مصير وجودها العسكري في بلاد الشام على رصيف التطورات السورية.

والرهان الأميركي لا يقتصر على سوريا، بل يمتد إلى محيطها، ومحيطها المقصود هو المنطقة الممتدة من العراق إلى لبنان وفلسطين، وهو ما يعنيه السفير الأميركي لدى تركيا توم باراك، مبعوث ترمب إلى سوريا، ولاحقاً، كما يبدو، إلى لبنان، عندما قال في تصريح نهاية مايو (أيار) الماضي بضرورة تغيير نظرة الغرب إلى منطقة الشرق العربي الذي يضم البلدان المذكورة.

انتقد باراك اتفاقية سايكس – بيكو (البريطانية – الفرنسية الموقعة عام 1916 بمشاركة روسيا قبل أن تنسحب منها)، وقال “لقد فرض الغرب قبل قرن من الزمان خرائط وانتدابات، وحدوداً مرسومة، لقد قسمت اتفاقية سايكس – بيكو سوريا ومنطقة أوسع، ليس من أجل السلام، بل من أجل المكاسب الإمبريالية، وقد كلف هذا الخطأ أجيالاً عديدة”.

ويستنتج باراك، وهنا جوهر موقفه “لن نكرر هذا الخطأ مرة أخرى، لقد انتهى عصر التدخل الغربي، المستقبل هو للدبلوماسية التي تقوم على الحلول الإقليمية، والشراكات والاحترام، وكما قال الرئيس ترمب: لقد ولت الأيام التي كان فيها الغربيون يتدخلون في شؤون الشرق الأوسط ويذهبون إلى هناك ليعلموا الناس كيف يعيشون وكيف يديرون شؤونهم”.

لم تكن الولايات المتحدة الأميركية شريكاً في مشروع تقسيم المشرق العربي خلال الحرب العالمية الأولى، كانت الدولة العظمى بعيدة من هذه الحرب وانتظمت فيها متأخرة إلى ما بعد الاتفاقية الإنجليزية الروسية الفرنسية، بل إن مساهمتها في رسم مستقبل المنطقة لم يؤخذ بها، اقتصرت تلك المساهمة على إرسالها لجنة كينغ – كراين إلى بلاد الشام لتستطلع رغبات مواطنيها ونخبها.

وخلصت أبحاث تلك البعثة عام 1919 إلى مطالبة غالبية السوريين واللبنانيين والفلسطينيين بالاستقلال في دولة تحمي الحريات والأقليات، كانت اللجنة من نتاج أفكار الرئيس الأميركي وودرو ويلسون عشية مؤتمر السلام في باريس، ولاقت جولتها ارتياح وترحيب السكان، لكن الأوروبيين المنتصرين فرضوا رؤيتهم في النهاية وقرروا تقاسماً ذهب بنتيجته لبنان وسوريا إلى الانتداب الفرنسي والعراق وفلسطين وشرق الأردن إلى الوصاية الإنجليزية.

كان ينقص تصريح باراك (أو منشوره) الإشارة إلى نتائج أعمال تلك اللجنة ليستخلص أن الرؤية الأميركية لوقائع المنطقة تختلف عن رؤية “الإمبرياليين” منذ ما يزيد على قرن، لكن قرناً مر تتحمل فيه أميركا والشركاء الأوروبيون والدوليون المسؤولية عما آلت إليه أحوال الدول والشعوب التي تقاسمها السيدان جورج بيكو ومارك سايكس.

الآن يبدي ترمب آراء جديدة، بعض تعبيراتها نجدها في كلمات مبعوثه الخاص باراك الذي يشمل في اهتماماته تركيا الواردة في نصه الذي أثار جدلاً وتقييمات، وآراء ترمب ليست في حاجة إلى إيضاحات إضافية، وهي قابلة للتغيير، عرضها في البيت الأبيض في شأن غزة، وكانت آراء صادمة وكارثية، ووجهت بانتقادات ورفض ما جعله يخفف من الإلحاح عليها.

في شأن سوريا كان في تصريحاته قدر من التخلي وعدم الاهتمام، لكنه ظهر في مظهر آخر لدى زيارته السعودية وإثر محادثاته مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ولقائه القادة الخليجيين، وعد ترمب عندها بالسعي إلى اتفاق في غزة وتقدم خطوته الكبرى في اللقاء مع رئيس الجمهورية العربية السورية أحمد الشرع ثم قراره رفع العقوبات عن سوريا، فيما كان يعلن عن فرصة أمام لبنان عليه الاستفادة منها لإعادة بناء دولته وترميم اقتصاده.

بدا ترمب في خطواته هذه وكأنه يترجم ما قاله في السعودية أيضاً، من أن أيام تدخل الغرب في إدارة الشعوب لشؤونها قد “ولَّت”، وعليهم هم أن يمسكوا أقدارهم بأيديهم بدفع أميركي صريح، بين الإعلان الأميركي وتطبيق مساراته على أرض الواقع مسافات لا بد من قطعها وهو ما ينتظره من أميركا أبناء المشرق العربي من بغداد إلى غزة.

تحمل تصريحات السفير باراك وتوجهات رئيسه في الظروف الراهنة رغبة بالقول إن المنطقة لا تتحمل مزيداً من التقسيم والشرذمة، أي أن تكرار سايكس – بيكو في صيغ جديدة غير مطروح على بساط البحث، وهذا يعني الإبقاء على حدود الدول الوطنية كما رسمت قبل قرن، مما يعني عدم السماح بتقسيم سوريا أو لبنان أو العراق، وإنما الذهاب إلى ترتيبات تحمي وحدة هذه الدول وتزيد في تماسك مكوناتها ضمن أنظمة ديمقراطية تعددية، ويعني ذلك دعم الاتفاق بين الأكراد ودمشق، وإشراك الأقليات جدياً في حكم سوريا بما في ذلك الدروز والعلويين، كما يعني تدعيم قيام الدولة في لبنان والانتهاء من ازدواجية سلطة السلاح وعصر الميليشيات الوكيلة، وما يصح في سوريا يصح في لبنان والعراق واليمن.

 لا تتفق هذه الرؤية التي يقول بها الأميركيون، لا الآن ولا في المدى الأبعد، مع المشروع الإسرائيلي في فلسطين وتجاه الدول العربية المحيطة، فإسرائيل تتمسك بالدولة اليهودية وترفض قيام دولة فلسطينية، إنها في حال تصادم تاريخية مع سايكس – بيكو وحتى مع وعد بلفور، وكلها الآن موضع انتقاد أميركي متجدد.

إسرائيل واصلت حتى أيام قليلة ماضية تحريضها على الفوضى في سوريا، وهي تعتبر في خلفية مواقف حكومتها أنه لولا “انتصاراتها العسكرية” في معارك الأشهر الماضية، ما كان للحركة الدبلوماسية الأميركية أن تنشط وتحقق مكاسب في الإقليم، خصوصاً في سوريا ولبنان بعد الضربات التي تلقتها إيران و”حزب الله” وسقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد.

ستكون إسرائيل عقدة أساسية ومركزية تواجه المسعى الأميركي إلى رسم خرائط جديدة يأمل فيها ترمب، وسيكون الاختبار الأصعب أمام الرئيس الأميركي هو في كيفية التعامل مع الموقف العربي والدولي الحازم في شأن قيام دولة فلسطينية، فمن دون خطوة حقيقية في اتجاه الحل القائم على تسوية الدولتين لن يمكن استعادة الهدوء في الإقليم، وستتحول التصريحات عن مساوى سايكس – بيكو إلى مجرد “خطاب قومي” آخر وبائد، من مسؤول أجنبي هذه المرة، يدغدغ مشاعر لا تزال قائمة، شكلت دائماً وصفة للشرذمة والخراب.

——————————–

قلق أميركي على الرئيس السوري: جهوده قد تجعله عرضة للاغتيال

11 يونيو 2025

نقل موقع المونيتور الأميركي، عن توم باراك، المبعوث الخاص للرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى سورية، أمس الثلاثاء، قوله إن الإدارة الأميركية قلقة من أن جهود الرئيس السوري أحمد الشرع لتعزيز الحكم الشامل والتواصل مع الغرب “قد تجعله هدفاً للاغتيال على يد مسلحين ساخطين”.

وقال باراك خلال مقابلة مع “المونيتور”: “نحن بحاجة إلى تنسيق نظام حماية حول الشرع”، مسلطاً الضوء على التهديد الذي تشكله الفصائل المنشقة من المقاتلين الأجانب الذين انضموا إلى الشرع في الحملة الخاطفة التي أطاحت رئيس النظام المخلوع بشار الأسد في أوائل ديسمبر/كانون الأول 2024. وبينما تعمل القيادة السورية الجديدة على دمج هؤلاء المقاتلين ذوي الخبرة القتالية في جيشها الوطني، فإنهم مستهدفون للتجنيد من قبل جماعات مثل تنظيم “داعش”.

وقال باراك إنه كلما طال الوقت اللازم لإدخال الإغاثة الاقتصادية لسورية “زاد عدد المجموعات التي ستقول: هذه فرصتنا للتعطيل”، مردفاً: “علينا ردع أيٍّ من هؤلاء المهاجمين الأعداء المحتملين قبل وصولهم”. وأضاف أن ذلك يتطلب تعاوناً وثيقاً وتبادلاً للمعلومات الاستخبارية بين حلفاء الولايات المتحدة بدلًا من التدخل العسكري. ووصف باراك، الذي التقى الشرع مرتين، الأخير بأنه ذكي وواثق ومُركز”. وقلل من شأن الشكوك حول ماضيه الجهادي، مشيداً به باعتباره محاوراً مثيراً للإعجاب ذا وجه جامد.

وقال باراك: “أنا متأكد من أن مصالحنا ومصالحه متطابقة تماماً اليوم، وهي تحقيق نجاح كما فعل في إدلب في بناء مجتمع شامل وفعال، يكون إسلاماً ليناً، لا إسلاماً متشدداً”. واعتبر باراك أن “الشرع وحكومته الهشة يُدبّران الأمور على النحو الأمثل في ظل هذه الظروف”. وقال: “أُشيد بهؤلاء الرجال لتسخيرهم الموارد المتاحة لهم والحفاظ على رباطة جأشهم في وقتٍ تُحاول فيه مبادرات الآخرين إشعال الحرائق التي ستُنسب إليهم”.

لا شروط ولكن “توقعات”

وجاء حديث باراك مع “المونيتور” بعد أقل من شهر من لقاء ترامب بالشرع في الرياض في 14 مايو/أيار الفائت وإعلانه رفع جميع العقوبات الأميركية المفروضة على سورية. وقد مثّل ذلك تحولاً مذهلاً في السياسة الأميركية، التي كانت تتجنب التعامل المباشر مع الشرع وحكومته المؤقتة. وقال باراك: “اتخذ ترامب قرارًا لا يُصدق من تلقاء نفسه، وهو إزالة الضمادة اللاصقة”. وأضاف: “كان ترامب على سجيته، وكان قراراً رائعاً”.

وأكد أنه لا توجد شروط مرتبطة بتخفيف العقوبات، كما دعا البعض في إدارة ترامب. وقال: “نحن لا نُملي الأمور. نحن لا نُعطي شروطًا. نحن لا نبني أمة. لقد فعلنا ذلك، ولكنه لم يُفلح قط”. وأضاف أنه بدلاً من الشروط، هناك “توقعات” باستمرار الشفافية مع تنفيذ الشرع للعديد من الأولويات التي حددها ترامب خلال لقائهما، وتشمل هذه الإجراءات “قمع المسلحين الفلسطينيين، والسعي لانضمام البلاد في نهاية المطاف إلى اتفاقيات أبراهام، والتصدي لعودة داعش”.

تفاهم “صامت” بين إسرائيل وسورية

وردًا على سؤال عن الخطوات التي تتخذها الولايات المتحدة لتسهيل الحوار أو بناء الثقة بين إسرائيل وسورية، قال باراك: “أملنا هو أن كلا الطرفين، إسرائيل وحكومة الشرع، حتى لو لم يتحدثا معًا في هذه المرحلة، سيكون لديهما تفاهم صامت في ما بينهما بأن الانخراط (عسكرياً) الآن سيكون شيئًا فظيعًا لكليهما”.

وأشار باراك إلى سلسلة من التحديات التي تنتظر الشرع، بما في ذلك دمج القوات الكردية السورية في الجيش الوطني، ودمج وحدته من المقاتلين الأجانب المتشددين، ومعالجة معسكرات الاعتقال مترامية الأطراف في شمال سورية التي تحتجز أعضاء “داعش” المشتبه فيهم وعائلاتهم وتعتبر أرضًا خصبة للتطرف.

“إغراق المنطقة بالأمل”

ووصف باراك الهدف الرئيسي للولايات المتحدة في سورية بأنه إزالة العوائق أمام تعافيها الاقتصادي حتى تتمكن دول الخليج وتركيا والسوريون أنفسهم من التدخل لخلق علامات مرئية على التقدم. وقال مخاطبًا السوريين: “هل تريدون بناء وطنكم؟ بادروا”، مضيفًا: “كل ما نفعله هو إزالة القيود التي تعيق تدفق الأفكار الجيدة والأشخاص الأكفياء للمساعدة”. وقال إن ذلك “يهدف إلى إغراق المنطقة بالأمل”. وختم: “في هذه المرحلة، ذرة أمل واحدة تتغلب على مخزون من الواقع السيّئ”.

العربي الجديد

——————————————

منطقتنا والتحدّيات الخارجية والداخلية/ عبد الباسط سيدا

10 يونيو 2025

لم يأت تصريح المبعوث الأميركي الخاص إلى سورية توم باراك، بشأن الإقرار بأخطاء نجمت من تطبيق اتفاقية سايكس بيكو 1916، والاتفاقات التي كانت ضمن إطارها العام، خصوصاً التي صيغت في مؤتمر سان ريمو 1920، والاتفاقية الفرنسية التركية (اتفاقية أنقرة الأولى 1921)، وصولاً إلى معاهدة لوزان 1953، والإقرار بإخفاق سياسة الولايات المتحدة تجاه سورية قرناً كاملا، لم يأتِ بجديد لا تعرفه شعوب منطقتنا، التي وجدت نفسها بعد انقشاع غبار الحرب العالمية الأولى محشورةً ضمن دائرة حدود رُسمت في مكاتب المسؤولين الغربيين بالمسطرة والفرجار. وكان ذلك وفق حسابات دولهم ومصالحها، لا بناءً على رغبات الشعوب أو مصالحها في تلك الكيانات الوليدة، التي أعلنت بعد الحرب دولاً قادتها أنظمةٌ حاكمةٌ مختلفةٌ، لكنّها تشاركت سمةً أساسيةً تمثّلت في تعاملها مع تلك الحدود بوصفها مقدّسة، رغم معرفة الجميع بأنها مفروضة من دول كانت بعد الحرب من القوة إلى الحدّ الذي مكّنها من فرض مشاريعها وإرادتها على دول المنطقة، والقوى الدولية المنافسة، في حين أن الشعوب في منطقتنا كانت مغلوبةً على أمرها، لا تمتلك قدرةَ الاعتراض، ولا المواجهة الفعلية. وحينما حاول الغيارى على أوطانهم وشعوبهم أن يعترضوا على ما كان يحصل، وخرجوا في انتفاضات وثورات، كانت الخسارات هي النتيجة في معارك غير متكافئة بكلّ الأشكال.

يتكامل كلام باراك (بل يتطابق) مع ما ذهب إليه الرئيس دونالد ترامب في أثناء زيارته الرياض، حين أشاد بتجربة السعودية من جهة نجاحها اللافت، والأكثر أهميةً في ذلك النجاح، أنه (وفق ما ذهب إليه ترامب) تحقّق بالانسجام مع خصوصية المجتمع السعودي، ولم يكن حصيلةَ تقليد نموذج وافد أو مقحم مفروض بنزعة تبشيرية من الغرب.

واليوم، وبعد مرور أكثر من قرن على تقسيم المنطقة، ورسم الحدود السياسية بين شعوبها بناء على مصالح القوى الدولية الاستعمارية، أصبحت الدول المُستحدَثة، تلك التي تحكّمت الأنظمة العسكرية بمعظمها، أكثر ضعفاً نتيجة الفساد والاستبداد، في حين أن الدول المُتحكِّمة التي أوجدتها باتت أقوى ممّا كانت عليه بأضعاف أضعاف المرّات، بفعل التقدّم التكنولوجي غير المسبوق، سيّما في ميادين الذكاء الاصطناعي. هذا التقدّم الذي كان يُصنَّف قبل ثلاثة أو أربعة عقود في عداد الخيال العلمي. فهذه الدول هي اليوم في موقع القادر على فرض الخطط والمشاريع بأساليب القوة الناعمة، ومعاقبة الحكومات، وحتى تغييرها إذا لزم الأمر. وقد أدركت شعوب منطقتنا وقواها السياسية، ولو متأخّرةً، هذه الحقيقة، بينما لم يعترف أصحاب الأيديولوجيات، الذين غالباً ما يتبعون أجندات عابرة للحدود لا تحافظ على مصالح بلدانهم وشعوبهم، بهذه الحقيقة المرّة. والمقصود هنا الأيديولوجيات القومية والدينية، بالإضافة إلى اليسارية العلمانية، فهؤلاء يرفضون الإقرار بالحقائق الواضحة رغم معرفتهم الأكيدة بإنسداد الآفاق أمامهم، ويرفعون شعاراتٍ كُبرى تنسجم مع نزعتهم الشعبوية، ويهدّدون الخصوم بمختلف الأساليب، بما في ذلك اتهامهم بالخيانة والكفر، وهم يعيشون حالة انفصامٍ عن الواقع، يمارسون الغطرسة والتبجّح من دراسة الأمكانات وفهم المتغيّرات. وذلك كلّه يحول بينهم وبين التركيز في مشاريع وطنية كانت (وما زالت) تمثّل المَخرج الآمن للمحافظة على جغرافية دول ما بعد الحرب، وهي الدول التي كانت (وما زالت) ميداناً لنقاشات وجدالات عقيمة بين الماضويين، بتيّاراتهم المختلفة، بشأن السبق الزمني والأحقية التاريخية. واللافت اتهام كلّ طرف الآخر، أو الأطراف الأخرى، بالانتقائية والتزييف والتشويه. أمّا النتيجة، فتتشخّص راهناً في استمرارية المشكلات، وعدم التوصّل إلى حلول توافقية وطنية، كان من شأنها طمأنة الجميع وإرضائهم. هذه الإشكالات عانت منها (وما زالت تعاني) دول منطقتنا، التي تتسم بالتنوّع الديني والمذهبي والإثني، خصوصاً في العراق وسورية ولبنان، وفي الجزائر والسودان واليمن ودول أخرى، في حين أن المنطق السليم كان يوجب الإقرار بالواقع القائم والتعامل معه بعقلية إبداعية بعيدة النظر، تراعي الإمكانات والحاجات والتحدّيات.

وكان من شأن مثل هذا الإقرار أن يدفع أصحاب الشأن والتأثير نحو التفكير في كيفية تحسين قواعد العيش المشترك بين المكوّنات المجتمعية المتنوّعة، والعمل من أجل ذلك. ولبلوغ هذا الهدف، تُبرِز الضرورة أهمية إزالة الهواجس المتراكمة لدى الناس، على مستوى الجماعات والأفراد، وذلك بعقود مكتوبة واضحة لا تحتمل التأويل. فالناس، بناءً على التجارب المريرة السابقة في منطقتنا، وهي التجارب التي عاشوها، أو على الأقلّ قرأوها أو سمعوا بها، وعانوا من آثارها، لديهم خوف مشروع من المستقبل، خصوصاً في مناخات الغموض، وغياب الشفافية، والممارسات الهجينة غير المتّسقة. ولكن إلى جانب ذلك، علينا أن نأخذ في اعتبارنا حقيقة أن النصوص وحدها لا تكفي، بل تحتاج هذه الخطوة، على أهميتها، خطوة أخرى لا تقلّ عنها أهمية، بل ربّما تتجاوزها في هذا المجال، والمقصود بذلك تعزيز اجراءات الثقة، وهذا لن يتحقّق بالمجاملات والخطابات العاطفية المنمّقة، وإنما بخطوات فعلية حقيقية، يتم تلمّسها واقعاً في الأرض.

وحتى تكون هذه العملية متماسكةً متكاملةً مستدامةً، لا بدّ من التوافق على آلية لحلّ الخلافات التي ستحدث، شاء المرء أم أبى. والتباينات والاختلافات والخلافات من الظواهر الطبيعية، إن لم نقل الصحّية، ما دمنا نحترم حقّ الآخر المختلف في التعبير عن رأيه بحرية، وبممارسة النقد والاعتراض على ما يعتبره خللاً أو خطأً. لذلك سيكون من المفيد أن تكون هناك آلية للتعامل مع الخلافات بغية تذليلها، عبر مؤسّسات قانونية دستورية، صلاحياتها وقواعدها واضحة، وأحكامها القضائية نافذة، والجميع أمامها في قضايا المساءلة والمحاسبة سواسية من دون أي تمييز موجب أو سالب. إلا أن التوافق على هذه الخطوات الثلاث سيكون عسيراً (إن لم نقل مستحيلاً) في أجواء طغيان اللغة الطائفية المذهبية البغيضة، والقوموية العنصرية المقيتة، خصوصاً في مجتمعات متنوّعة متعدّدة، مثلما هو عليه الحال في كلّ من سورية والعراق ولبنان وغيرها من الدول. فهذه اللغة المنبثقة من عقلية جمعية ثأرية تفتقر إلى أبسط مقوّمات النضج الوطني، والاتساق العقلي المنطقي، وهي تعتمد أسلوب تبنّي الأحكام المسبقة، التي قد تكون في صيغة كليشهات مكرّرة ممجوجة، توصف بها مكوّنات دينية أو مذهبية أو قومية بأكملها، من دون أيّ بحث أو تدقيق، أو تكليف النفس بضرورة التمييز بين مواقف التيّارات والأحزاب والأفراد ضمن هذا المكوّن المجتمعي أو ذاك، وهذا مؤدّاه تكريس ذهنية “نحن وهم”. نحن “الأمّة المصطفاة” وهم “الأشرار”. نحن أصحاب الحقّ والوطن، وهم الدخلاء الأغيار مصدر الشرور والمخاطر. وغالباً ما يكون مصدر ترويج هذه الأطروحات الزائفة، وتلك المقابلة لها، مجموعة من الناس ممّن يجهلون التاريخ القديم والوسيط للمنطقة، بل يجهلون حتى مجريات التاريخ الحديث والمعاصر، وخلفياته، خلال مرحلة إعلان تشكيل هذه الدول بموجب الاتفاقيات الاستعمارية بعد الحرب. لذلك، يلاحَظ أن هؤلاء المروّجين يتعاملون مع الحدود القائمة بين الدول المعنية وكأنّها حدود مقدّسة كانت منذ الأزل، وينبغي أن تستمرّ إلى الأبد. ولعلّ هذا ما يفسّر اعتبارهم شركاء الوطن والمصير “خصوماً”، بعد أن حشرتهم اتفاقات سايكس بيكو وإفرازاتها ضمن كيانات جغرافية، اقتطعت ولصقت وفق حسابات المستعمرين الإمبريالية؛ ومن دون أن يكون للناس داخل تلك الأوطان، التي ستصبح دولاً، أيَّ رأي، بل حتى معرفة بما كان يجري.

واليوم يقرّ المبعوث الأميركي باراك بالأخطاء الجسيمة التي ارتكبتها القوى العظمى بعد الحرب العالمية الأولى في منطقتنا، سيّما في سورية والعراق. والجدير بالذكر هنا أن مثل هذه الأخطاء، التي كانت بناءً على التوجّهات والاستراتيجيات الاستعمارية، ارتكبت في أفريقيا، وأماكن أخرى متعدّدة في آسيا، وغيرها. والاعتراف بالخطأ فضيلة، هذا إذا كان صادقاً مبنياً على مراجعات عقلية ضميرية، ولكنّه مع ذلك لا يغيّر من الأمر كثيراً ما لم يُقرَن بخطوات عملية تؤكّد أن الخطأ ذاته، أو شبيهه، لن يتكرّر مرّة أخرى، وبصيغة أخرى. وهنا تتحمّل مجتمعاتنا عبر قواها السياسية ونُخبها وتيّاراتها الشعبية مسؤولية الإسهام في تبلور مجتمعات وطنية حقيقية، لا تكون مجرّد تجمّع من الحارات الدينية والمذهبية، أو القومية أو الجهوية المناطقية، حارات متوجّسة من بعضها، تتكوّر على ذاتها، تمارس النفاق والتقيّة، وتتحيّن الفرصة للانتقام الذي تعتبره حقّها المشروع بناءً على سردية مظلوميتها التي تغدو مع الوقت جداراً عازلاً، يقطع الطريق أمام أيّ نفَس وطني انفتاحي، لا تستغني عنه الدول الطبيعية المتوازنة.

العربي الجديد

——————————————————-

ملاقاة التحول والفرص المهدورة/ سام منسى

ا9 يونيو 2025 م

في خضم التحولات المتسارعة بالمنطقة، يبقى سقوط نظام بشار الأسد وتسلّم أحمد الشرع رئاسة سوريا حدثاً استثنائياً تأسيسياً على مستوى سوريا والشرق الأوسط، ولعلَّه أحدُ أهم تداعيات «طوفان الأقصى» وما تلاه، وأخطرُ تحوّل استراتيجي تشهده المنطقة منذ نكسة عام 1967. فالأمر لم يقتصر على مجرد تغيير في رأس النظام السوري، بل امتد للبنية الإقليمية التي تشكّلت خلال العقود الماضية حول محور إيراني – سوري – لبناني، امتد تأثيره إلى العراق وفلسطين، وبدأت مرحلة جديدة أقفل فيها بابُ المشرق العربي أمام التمدد الإيراني، وعادت الولايات المتحدة للمنطقة من الباب العريض، مدعومة بإجماع عربي نادر حول ضرورة تفكيك منظومات النفوذ غير العربي التي ترسَّخت في العقدين الأخيرين.

استدعت هذه اللحظة اهتماماً عربياً ودولياً غيرَ مسبوق قادته بداية السعودية وتوّجه لقاء الرئيس الأميركي دونالد ترمب مع الشرع، وبدأ سباق القوى الدولية إلى دمشق للمشاركة في إعادة تشكيل موقع سوريا ودورها في الإقليم. هذا الاهتمام الكثيف أثار في لبنان مشاعرَ الاستغراب والاستهجان، وطرح أسئلة مشروعة تقارن بين حجم وفاعلية الاهتمام والاحتضان العربي والدولي لسوريا مقارنة بلبنان، رغم تشكّل سلطة سياسية جديدة فيه خارج جناح الوصايتين السورية والإيرانية. فكيف ينسحب الضوء عن بلدٍ لطالما عُد «شاغلَ العرب»، و«مختبرَ التسويات الدولية»؟ وهل يعني ذلك أنَّ العالم قد حسم أمره بشأن بيروت؟

لبنان، الذي لطالما حظي باهتمام عربي ودولي كثيف منذ بداية الأزمة سنة 1969 مع الفلسطينيين، يضيع الفرصة تلو الأخرى وهو في طريق خسارة ما تبقى من ثقة المجتمع الدولي به، لا بسبب ضعف موارده أو هشاشة نظامه السياسي فحسب، بل بسبب غياب الرؤية الوطنية الموحدة والإرادة والإصلاح. فبينما كانت غالبية الدول العربية والقوى الدولية تنتظر منه مواقف واضحة في قضايا سيادية مصيرية بعد المتغيرات والانقلابات بالمنطقة وبالداخل اللبناني، مثل حصر السلاح بيد الدولة، ومحاربة الفساد، وترسيخ استقلالية القضاء، اختار لبنان مسارات ملتبسة، كأنه لم يدرك معنى المتغير السوري، والخروج الإيراني من المشرق، وتهاوي قوة «حزب الله»، وما إلى ذلك. محصلة ذلك ثلاثة أشهر على السلطة الجديدة، نتائجها المراوحة والمراهنة على الوقت والاستمرار في لعبة التوازنات الهشة والمساومات الصغيرة. بقي التردد سيد الموقف جراء الخوف من فزاعة الحرب الأهلية من جهة، وصعوبة تفكيك توغل «حزب الله» بأروقة الإدارة والأمن وبقية الأجهزة، إلى التلكؤ في فك الارتباط بين الطائفة الشيعية و«حزب الله» رغم دقته وصعوبته.

يبدو لبنان كأنه يُدفع به إلى خارج المشهد. فبينما حظيت سوريا بفرصة تاريخية بغطاء دولي وعربي واسع، لم يلق لبنان سوى وفرة مبادرات من دون دعم سياسي وازن، رغم تشكيل سلطة جديدة تحمل في تركيبتها إشارات رمزية على رغبة التغيير. ليس الأمر تجاهلاً متعمّداً، بقدر ما هو تعبير عن يأس متراكم من قدرة لبنان على التقاط اللحظة والتجاوب مع الرسائل الجليّة، ومفادها القرار السياسي الرسمي الواضح والمعلن بانتهاء عمل المقاومة المسلحة بكل أشكالها، وعدّ سلاح «حزب الله» سلاحاً غير شرعي، ووضع خطة زمنية معلنة بالتعاون مع القوات الدولية لسحبه، والسعي إلى هدنة دائمة مع إسرائيل على غرار هدنة 1949.

هذا الأمر ينزع كل الذرائع من يد إسرائيل التي لن تكون عاملاً مساعداً، بل معرقلة في كل من لبنان وسوريا. الحكومة الإسرائيلية الحالية اليمينية المتشددة، تعيش في حالة من البارانويا، وتتعامل مع أي تحوّل عربي كأنه تهديد مباشر. فهي تطالب بكل شيء دون تقديم أي تنازل سياسي، وتُفضّل الحسم العسكري على الانخراط في تسويات سياسية. فالنجاحات التي حققتها في حربها زادت تصلبها، وعزّزت وهم القدرة على فرض الوقائع بالقوة وحدها، ولو على حساب الاستقرار الإقليمي، وتوتير العلاقة مع إدارة ترمب الساعية إلى توسيع دائرة «اتفاقات أبراهام».

في نهاية المطاف، لا يكمن الفارق بين سوريا ولبنان في حجم الأزمة، بل في القدرة على الاستجابة لها. فسوريا شهدت بسقوط نظامها تحوّلاً بنيوياً واستراتيجياً استدعى تدافعاً دولياً وعربياً لملء الفراغ وإعادة رسم المعادلات. اللحظة السورية اليوم تشبه لحظة «ما بعد الحرب الباردة»: لحظة انكشاف، وإعادة تشكيل، والانفتاح على احتمالات جديدة. أما لبنان، فبقي في منطقة رمادية، لا ينهار بالكامل ولا ينهض فعلياً، يُدير الأزمات ولا يحلّها. وبينما تحوّلت دمشق إلى ساحة اختبار لنظام إقليمي جديد ولاعب متفاعل، فإن بيروت تخبو في نظر العالم.

دقّ جرس التحول، والفرص لا تنتظر من يتقن فن إضاعتها. الرهان على الزمن والمواربة لم يعودا يقنعان أحداً في عالم تحكمه الوقائع لا النيات.

—————————-

هذه سوريا ادخلوها آمنين/ علي قاسم

سوريا التي عانت لعقود تحتاج إلى قيادة تُعيد لها كرامتها، قيادة تفهم أن المستقبل لا يُبنى على الانتقام بل على الحوار ولا على العنف بل على إعادة إحياء الأمل.

الثلاثاء 2025/06/10

آن لسوريا أن تستريح

كان يكفي أن أقرأ النزر اليسير ممّا كتب عن أحمد الشرع، لأعلم أنه الشخص القادر على إخراج سوريا والسوريين من وضع مأساوي وصلت إليه البلاد. كان هناك شيء في كلماته يوحي بالأمل، بتغيير قادم لا يشبه أياً مما سبق، وبمرحلة جديدة لا تحكمها الدكتاتوريات القديمة ولا تقودها المصالح الضيقة. كانت رؤيته تتجاوز مجرد إسقاط نظام، كان يبحث عن سوريا أكثر عدلًا، أكثر تصالحًا مع ذاتها، وأكثر قدرةً على استعادة مكانتها الطبيعية في العالم.

عندما حذّر الآخرون من مستقبل مظلم، وتحدثوا عن مجازر متوقعة وأعمال ثأر وانتقام، كنت على يقين أن الحل بات قريبًا، وأنه سيأتي على أيدي الشرع وأصدقائه. المعارضة، كما أتباع النظام، كانت تتوقع مشهدًا أكثر دموية وتتحدث عن مجازر ستشهدها منطقة الساحل السوري، لكن ذلك لم يحدث. لم نشهد مذابح جماعية، ولم نرَ عمليات انتقام منهجية، باستثناء بعض الأحداث المعزولة التي أراد من خلالها بعض رجال النظام السابق بث الرعب بين الناس، في محاولة يائسة منهم لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء.

خمسة عقود انقضت منذ أن غادرت سوريا، لكنني لم أقطع صلتي بها. كنت أتنفسها في الأخبار، في القصص القادمة من دمشق وحلب واللاذقية. رحلتي الطويلة لم تمحُ الذكريات التي صنعتني، ولم تُنسِني الطرق التي مشيتها، والحواري التي كانت وجوه الناس فيها مألوفة. لقد عبرت سوريا كلها، من الساحل السوري إلى سهل الغاب وحمص وتدمر ودمشق، إلى جبل العرب والجزيرة، سيرا على الأقدام، هذا كان كافيا لأدرك أن هذا البلد يستحق أفضل من آل الأسد ليحكموه. سوريا، بتاريخها وثقافتها ومزيجها البشري الغني، تستحق أن تكون دولة يعيش شعبها بكرامة، دون أن يكونوا رهينة للأهواء السياسية والمصالح الضيقة.

في 9 ديسمبر 2024، كتبت مقالا تحت عنوان “آن لسوريا أن تستريح” قائلا “كل شيء غامض عن ماضي أحمد حسين الشرع وحاضره ومستقبله؛ ماذا يخفي هذا الشاب الأنيق الذي يتحدث بهدوء عن التسامح والمصالحة، ويحذر من ممارسة أعمال انتقامية، ويدعو إلى احترام حقوق الأقليات؟”

في ذلك اليوم، بدأتُ أرى بوضوح أن شيئًا ما يتغير في المشهد السوري، وأن سوريا تقترب من واقع جديد قد يحمل معه ملامح المستقبل الذي كان يحلم به الملايين من أبنائها. وفي اليوم التالي، كتبتُ مقالًا تحت عنوان “أحمد الشرع رئيسًا لسوريا.. لمَ لا!”

العالم كان قد فهم، بما فيه الإدارة الأميركية والاتحاد الأوروبي، لماذا غادر 12 مليون سوري بلادهم، ولماذا عبروا البحر بقوارب متهالكة، مضحين بأرواحهم.

اللقطات القادمة من سوريا كانت صادمة؛ أنفاق سجن صيدنايا وجدرانه الإسمنتية المسلحة، المصممة لحجب الضوء، زُج خلفها النساء والأطفال والشباب في مشاهد لا يمكن تخيلها حتى في أفلام الرعب. ومع صور المعتقلين المحررين، ظهرت دموع السوريين الذين حُرموا من دخول بلدهم لسنوات طويلة. أعادت تلك اللحظات والمشاهد تعريف العالم بالقضية السورية، وأجبرت القوى الكبرى على إعادة النظر في إستراتيجياتها تجاه هذا البلد المنهك.

الكلمة التي ألقاها الرئيس الأميركي السابق جو بايدن حول سوريا لم تكن مجرد خطاب سياسي معتاد؛ كانت نتيجة متابعة دقيقة لمشاهد صدمت الجميع. لقد فهم العالم، بما في ذلك واشنطن وبروكسل، أن سوريا تعيش مأساة تجاوزت في قسوتها كل التوقعات، وأنه لا يمكن الاستمرار في التعامل معها وكأنها مجرد ملف أمني أو سياسي هامشي.

ما لم يقله بايدن مباشرة لأحمد الشرع، قاله مواربة؛ الإدارة الأميركية ستعيد النظر في الحكم الصادر، لقد رأينا ورأى العالم ليس ما يكفي فقط لإصدار حكم البراءة، بل لتوجيه الشكر إليك. لقد فهمنا الآن أنك ومن معك قاتلتم من أجل قضية إنسانية حقيقية، ونعتذر إن كنا يومًا قد أسأنا الحكم على دوافعكم. ولكن، لنا عذرنا في ذلك، لم نكن ندرك حجم المعاناة التي عاشها السوريون لأكثر من نصف قرن. رغم ذلك، ما زلتم قادرين على المسامحة والنسيان.

منذ يومين، 7 يونيو 2025، شهد مجلس الشيوخ الأميركي صدور قرار تاريخي؛ إزالة اسم سوريا من قائمة “الدول المارقة”، وهو مؤشر واضح على رغبة واشنطن في فتح صفحة جديدة مع دمشق. وفقًا للبيان الصادر عن البيت الأبيض، فإن القرار جاء بدعم واسع من أعضاء مجلس الشيوخ، وأشار إلى أن سوريا لم تعد ضمن القائمة التي تضم إيران وكوريا الشمالية وكوبا وفنزويلا.

يُذكر أن الولايات المتحدة صنّفت سوريا كدولة راعية للإرهاب منذ عام 1979، ما فرض قيودًا مشددة على المساعدات الخارجية، وحظرًا على صادرات الدفاع، بالإضافة إلى تضييق مالي خانق. ومن جهته، وصف المبعوث الأميركي إلى سوريا، توماس باراك، موقف واشنطن تجاه سوريا بأنه “مفعم بالأمل”، مؤكدًا أن رؤية الإدارة الأميركية ليست فقط إيجابية، بل قابلة للتحقق.

الآن، أعود لأكرر ما قلته في المقال الذي نشرته يوم 10 ديسمبر 2024 “لا أعلم إن كان أحمد الشرع، أو كما يعرفه البعض، أبومحمد الجولاني، سيتقدم ليرشح نفسه لمنصب الرئاسة في سوريا عندما يحين الوقت. لكن، ما أعلمه هو أنني في حال ترشحه للمنصب سأكون حريصًا جدًا على أن يكون الشخص الذي أمنحه صوتي.”

هذا التصريح لم يكن مجرد انحياز شخصي، بل كان يعكس واقعًا جديدًا بدأت سوريا تقترب منه. في النهاية، التغيير في سوريا لن يكون مجرد خطوة سياسية، بل هو عملية طويلة من المصالحة وإعادة بناء الوطن. سوريا، التي عانت لعقود، تحتاج إلى قيادة تُعيد لها كرامتها، قيادة تفهم أن المستقبل لا يُبنى على الانتقام بل على الحوار، ولا على العنف بل على إعادة إحياء الأمل.

قد يكون أحمد الشرع أحد أولئك الذين يمكنهم تغيير المسار، أو ربما يكون جزءًا من لحظة تاريخية تُعيد تشكيل سوريا من جديد. أياً كان القادم، فإن سوريا تستحق أن تُمنح فرصة للشفاء، فرصة لا تعتمد على القوى الخارجية بقدر ما تعتمد على قوة أبنائها وإرادتهم الحقيقية في إعادة بناء وطنهم. وهذا هو التحدي الأكبر الذي ينتظرها.

إلى أن يحين ذلك الوقت، ها هي سوريا تفتح أبوابها، وتقول للجميع: هذه سوريا ادخلوها آمنين.

كاتب سوري مقيم في تونس

——————————–

شرح جديد لتخفيف العقوبات المفروضة على سوريا وأخطارها/ مات زويغ وماكس ميزليش

فشل الحكومة الجديدة في القطيعة مع ماضيها سيستدعي من واشنطن الاستعداد لإعادة فرضها

آخر تحديث 10 يونيو 2025

أعادت الولايات المتحدة رسم سياستها تجاه سوريا بشكل جذري في أواخر الأسبوع الماضي. ففي 23 أيار/مايو، أصدرت إدارة مراقبة الأصول الأجنبية التابعة لوزارة الخزانة الأميركية الترخيص العام رقم 25 الخاص بسوريا، كما منحت شبكة مكافحة الجرائم المالية إعفاء استثنائيا للمصرف التجاري السوري، وأصدرت وزارة الخارجية إعفاء مؤقتا بموجب “قانون قيصر” لحماية المدنيين في سوريا. وفي الثامن والعشرين من مايو/أيار، أتبعت وزارة الخزانة هذه الخطوات بتوضيحات إضافية حول تطبيق هذه الإجراءات، عبر نشر مبادئ توجيهية جديدة. وتشكل هذه الإجراءات مجتمعة التحول الأبرز في السياسة الأميركية تجاه سوريا منذ سقوط نظام بشار الأسد،. حيث انتقلت واشنطن من موقف العزلة شبه الكاملة لسوريا إلى موقف الدعم الواسع للتعافي الاقتصادي وإعادة الإعمار.

لفهم تداعيات هذا التخفيف، بما في ذلك الأخطار الكبيرة المرتبطة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب التي نتجت منه، لا بد من دراسة نطاقه وحدوده، إلى جانب الحاجة الملحة إلى مراقبة الالتزام الصارم في الأسابيع والأشهر المقبلة لضمان تحقيق الأثر المنشود.

ما لم تُتخذ إجراءات إضافية فورية، يمنح الترخيص العام رقم 25 تفويضا دائما لإجراء معاملات كانت محظورة سابقا بموجب لوائح العقوبات المفروضة على سوريا. ويُعدّ هذا تعليقا فعليا لمعظم العقوبات الاقتصادية الأميركية المفروضة على سوريا، ولا سيما تلك الصادرة بموجب الأمر التنفيذي رقم 13582، مما يتيح إجراء معاملات في معظم قطاعات الاقتصاد السوري. ويشمل ذلك على نطاق واسع القيام باستثمارات جديدة، وتقديم خدمات مالية، والمتاجرة بالنفط أو المنتجات النفطية ذات المنشأ السوري.

ماذا يشمل التفويض الواسع للترخيص؟

بالإضافة إلى ذلك، ورغم أن هذه الخطوة لا ترقى إلى مستوى الاعتراف الديبلوماسي الكامل بالحكومة السورية الحالية، فإن الترخيص العام رقم 25 يجيز التعامل مع “حكومة سوريا… كما هي قائمة اعتبارا من 13 أيار/مايو 2025″، و”تشمل الرئيس السوري أحمد الشرع وحكومته”.

الجدير بالذكر أن التفويض الواسع الذي يمنحه الترخيص العام رقم 25 لا يشمل فقط المعاملات المرتبطة بالجيش السوري وأجهزة الاستخبارات، التي يشارك في بعضها أو يقودها مقاتلون جهاديون أجانب سبق أن فرضت الولايات المتحدة عليهم عقوبات بصفتهم “إرهابيين عالميين مصنفين بشكل خاص” أو لانتمائهم إلى “منظمات إرهابية أجنبية” مصنفة، بل يشمل أيضا أي “شخص يعمل أو سبق له أن عمل، أو يدّعي أنه يعمل، بشكل مباشر أو غير مباشر، لصالح “حكومة سوريا” الجديدة أو نيابة عنها. ويبدو أن هذا التعريف الواسع يتناقض مع النطاق المحدود للترخيصات العامة السابقة، مثل الترخيص العام رقم 24، الذي من المقرر أن تنتهي صلاحيته في 7 تموز/يوليو 2025 ما لم يُجدد، والذي لم يجز “أي معاملات تشمل كيانات عسكرية أو استخباراتية”.

من اللافت أن الترخيص العام رقم 25 يتضمن ملحقا يدرج أسماء أفراد وكيانات خاضعين للعقوبات، أصبح من المسموح الآن إجراء معاملات معهم، خارج نطاق التعاملات مع “حكومة سوريا” الجديدة. ويشمل ذلك الرئيس السوري أحمد الشرع ووزير الداخلية السوري أنس حسن خطاب، وكلاهما لا يزال خاضعا لعقوبات من الولايات المتحدة والأمم المتحدة نظرا الى علاقاتهما مع فرع تنظيم “القاعدة” في سوريا، المعروف بـ”هيئة تحرير الشام”. كما يتضمن الملحق كيانات خاضعة للعقوبات، من بينها مصرف سوريا المركزي، ووزارة النفط والثروة المعدنية السورية، ووزارة السياحة السورية.

الإعفاء الموقت لـ”قانون قيصر”

يذكر أن الترخيص العام رقم 25 لا يلغي ولا يعدل الترخيصات العامة الأخرى، مثل الترخيصين العامين رقم 23 و24، اللذين لا يزالان ساريين لأغراض إنسانية محددة. ويعكس ذلك واقعا ينطوي على أخطار مستمرة، إذ إن التفويض الممنوح بموجب الترخيص العام رقم 24 يوسّع نطاق المعاملات ليشمل الحكومة التي تقودها “هيئة تحرير الشام” في سوريا، ويمتد ليطال “كيانات غير محددة مرتبطة بـ في جميع المناطق الجغرافية في سوريا”، مما قد يتعارض مع أهداف الأمن القومي والسياسة الخارجية الأميركية.

بالتزامن مع إصدار الترخيص العام رقم 25، منحت وزارة الخارجية إعفاء مؤقتا بموجب “قانون قيصر” لحماية المدنيين في سوريا، يستثني بعض الأنشطة من العقوبات المفروضة بموجب القانون الذي استهدف نظام الأسد وحلفاءه. ومن اللافت أن الوزارة لجأت إلى استخدام الصلاحية الأضيق من بين خيارين يتيحهما القانون، فاختارت تجميد جزء من العقوبات لفترة مؤقتة مدتها 180 يوما، عوض اللجوء إلى الصلاحية الأوسع التي تخولها تعليق القانون بأكمله. وأسفر ذلك عن فترة إعفاء مؤقتة تمتد 180 يوما، تُعلّق خلالها العقوبات الثانوية الإلزامية، بما يمنح الدول الأجنبية فرصة الانخراط في جهود إعادة إعمار سوريا، مع تقليل ملموس لأخطار التعرّض للعقوبات.

في هذه الأثناء، يتيح الإعفاء الاستثنائي الذي منحته شبكة مكافحة الجرائم المالية للمصرف التجاري السوري الى المؤسسات المالية الأميركية إمكان إنشاء حسابات مراسلة لهذا المصرف أو الحفاظ عليها، رغم استمرار خضوعه للعقوبات بسبب تورطه في تسهيل انتشار الأسلحة في سوريا وكوريا الشمالية.

أهمية الالتزام بقانون”باتريوت” الأميركي

ورغم أن الهدف من هذا الإعفاء هو تسهيل المعاملات الدولية، مثل المدفوعات التجارية والتحويلات المالية لدعم جهود تعافي سوريا، فإن الإرشادات الصادرة عن الشبكة لا تعفي المصرف من الالتزامات التنظيمية الأخرى، ولا تخفف العبء الرقابي المفروض على البنوك المراسلة. بل إن هذا الإعفاء يفاقم أخطار الامتثال لدى المؤسسات التي تختار إنشاء حسابات مراسلة لهذا المصرف أو الحفاظ عليها، إذ لا يعفيها من التزامات العناية الواجبة المنصوص عليها في المادة 312 من قانون “باتريوت” الأميركي. ويعني ذلك أن على هذه المؤسسات “إجراء تدقيق معزز على مثل هذا الحساب للوقاية من غسل الأموال، ورصد أي معاملات مشبوهة والإبلاغ عنها، بما يتماشى مع القوانين والأنظمة السارية”.

يذكر أن الإجراءات الثلاثة – الترخيص العام رقم 25، والإعفاء بموجب قانون قيصر، والإرشادات الصادرة عن شبكة مكافحة الجرائم المالية – تحظر صراحة أي معاملات تعود بالنفع على روسيا أو إيران أو كوريا الشمالية. كما أنها لا تنطبق على أي من أفراد نظام الأسد أو المتعاونين معه، أو المنظمات الإرهابية، أو منتهكي حقوق الإنسان، أو مجرمي الحرب، أو المتورطين في الاتجار بالمخدرات الخاضعين حاليا لعقوبات أميركية، ما لم يكونوا يتصرفون، أو يدّعون أنهم يتصرفون، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، نيابة عن “حكومة سوريا”.

كذلك، لا تفضي هذه الإجراءات تلقائيا إلى رفع التجميد عن الأصول المحتجزة بموجب العقوبات السابقة على سوريا، ولا تلغي ضوابط التصدير أو القيود الأخرى المنصوص عليها في قانون محاسبة سوريا واستعادة سيادة لبنان، ولا تغير بأي شكل من الأشكال، تصنيف سوريا كدولة راعية للإرهاب. كما أنها لا تلغي التصنيفات الصادرة في حق منظمات مختلفة تمارس سلطات حكم في سوريا، مثل “هيئة تحرير الشام”.

ويفاقم هذه التحديات استمرار ضعف الشفافية في الحكومة الانتقالية والاقتصاد السوري، مما يعقّد جهود إنفاذ القوانين، إلى جانب تنامي خطر التهرب من العقوبات عبر شبكات مالية غير واضحة المعالم. كما أن التنسيق مع شركاء دوليين تختلف أطرهم التنظيمية وأولوياتهم السياسية، سيزيد بدوره تعقيد المشهد.

ماذا عن المصارف والجرائم المالية؟

يشكّل هذا الثلاثي من الإجراءات – الترخيص العام رقم 25، والإعفاء بموجب قانون قيصر، والإعفاء الاستثنائي من شبكة مكافحة الجرائم المالية في ما يتعلق بالمصرف التجاري السوري – بداية فصل جديد في مسار سوريا، قد تتصدر فيه جهود التعافي الاقتصادي وإعادة الإعمار المشهد. غير أن نجاح هذا المسار يبقى رهنا بتوفر رقابة صارمة، وتعاون دولي فعّال، والتزام جاد من الحكومة السورية الجديدة بالاستقرار والإصلاح، وقطع الصلة بشكل حاسم مع ماضيها الإرهابي. وعلى الولايات المتحدة أن تعبّر بوضوح في هذا السياق عن المعايير التي تُعتبر مؤشرا الى نجاح الحكومة السورية الجديدة، وأن تحدد الخطوات المستقبلية التي قد تفتح المجال لمزيد من تخفيف العقوبات، أو حتى إلغاء النظام التنظيمي الذي يدعمها بالكامل.

فرصة ثمينة لدعم تعافي سوريا

لقد أُتيحت للحكومة السورية الجديدة فرصة ثمينة. إذ يعكس التحول في السياسة الأميركية استعداد إدارة ترمب وبعض أعضاء الكونغرس لدعم تعافي سوريا، شرط أن يستند هذا التعافي إلى الإصلاح لا القمع. ومع ذلك، لا يزال الرئيس السوري، خاضعا لعقوبات أميركية وأممية نتيجة قيادته حركة جهادية، كما تظل وزارات رئيسة متورطة مع جماعات إرهابية مدرجة على قوائم العقوبات. أما مصرف سوريا المركزي، الذي شكّل لفترة طويلة قناة للتمويل غير المشروع ونشاطات انتشار الأسلحة، فلا يزال بعيدا عن مسار إعادة التأهيل. وتُعد هذه المؤشرات بمثابة إشارات تحذيرية جدية، تتطلب رقابة صارمة من الولايات المتحدة وهيئات الرقابة الدولية، مثل مجموعة العمل المالي.

ويشمل ذلك تطوير آليات امتثال قوية وشفافة، وتعزيز التنسيق الدولي، مع التأكيد أن تخفيف العقوبات يظل مشروطا وقابلا للإلغاء إذا توقفت الإصلاحات أو استمرت الانتهاكات. فالطموح نحو سوريا مزدهرة وآمنة يبقى هدفا مشروعا يستحق السعي الحثيث لتحقيقه، غير أن فشل الحكومة الجديدة في القطيعة مع ماضيها الإرهابي والوفاء بالتزاماتها سيستدعي من واشنطن الاستعداد لإعادة فرض العقوبات بالكامل. فسياسة دعم التعافي لا يمكن أن تتحوّل إلى حصانة من المساءلة.

المجلة

———————————–

توماس باراك: واشنطن تدعم الشرع وتراهن على الأمل بدل التدخل العسكري في سوريا

11 يونيو 2025

أكد المبعوث الأميركي الخاص لسوريا توماس باراك، في مقابلة مع موقع “المونيتور”، دعم واشنطن الشامل للرئيس السوري أحمد الشرع، محذرًا من تهديدات أمنية واقتصادية تحيط بالحكومة السورية الجديدة، كاشفًا عن تحول جذري في موقف إدارة ترامب، تمثل برفع العقوبات وتعزيز فرص الاستقرار، ضمن رؤية أميركية تُراهن على ما وصفه بالأمل بدلًا من التدخل العسكري.

وقال باراك في هذه المقابلة إن الحكومة السورية الجديدة “بحاجة إلى تنسيق نظام حماية” للشرع، مشيرًا إلى التهديد الذي تشكّله الفصائل المنشقة من المقاتلين الأجانب الذين انضموا إلى الشرع في الحملة التي أطاحت بالرئيس المخلوع بشار الأسد في أوائل كانون الأول/ديسمبر الماضي.

وأعاد الموقع التذكير بأنه وسط مساعي القيادة الجديدة في سوريا، والتي تهدف إلى دمج هؤلاء المقاتلين المخضرمين في الجيش الجديد، فإنه في المقابل تبرز محاولات لتجنيدهم من قبل جماعات مثل تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش).

ولفت باراك في المقابلة إلى أنه “كلما تأخرنا في تحقيق انفراج اقتصادي في سوريا، زاد عدد الفصائل التي ستقول: هذه فرصتنا لخلق الفوضى”، مؤكدًا على ضرورة “ردع أي من هؤلاء المهاجمين المحتملين قبل أن يتحركوا”، قبل أن يضيف مستدركًا أن ذلك يتطلب تعاونًا وثيقًا وتبادلًا استخباراتيًا بين حلفاء الولايات المتحدة، وليس تدخلاً عسكريًا.

ووصف باراك الرئيس السوري الذي التقاه مرتين بأنه “ذكي وواثق ومركّز”، مقللًا من أهمية الشكوك بشأن ماضي الشرع الجهادي، مشيدًا به كمفاوض بارع يتمتع بقدرة قوية على كتمان نواياه.

وحول هذه النقطة، قال باراك لـ”المونيتور”: “أنا واثق من أن مصالحنا ومصالحه اليوم متطابقة تمامًا”، معتبرًا أنها “تحقيق لنجاح مماثل لما فعله (الشرع) في إدلب ببناء مجتمع شامل وفعّال يقوم على إسلام معتدل، لا إسلام متشدد”.

وبحسب “المونيتور”، أثارت عمليات قتل انتقامية نفذتها فصائل موالية للحكومة، بما في ذلك موجة من العنف الطائفي في معقل الطائفة العلوية على الساحل السوري في شهر آذار/مارس الماضي، مخاوف بشأن قدرة الشرع على حفظ النظام وحماية الأقليات.

لكن باراك أشار إلى أن الشرع وحكومته الهشّة يتعاملون مع الوضع بأفضل ما يمكن ضمن هذه الظروف. وقال في هذا الصدد: “أنا فعلًا أحيي هؤلاء الأشخاص على استثمارهم للموارد المتاحة لهم، وعلى رباطة جأشهم في وقت يسعى فيه الجميع إلى إشعال الحرائق ثم نسبها إليهم”.

لا شروط.. بل “توقعات”

يشير “المونيتور” في التقرير إلى أن حديث باراك يأتي بعد شهر من إعلان ترامب من الرياض رفع العقوبات عن سوريا، في تحول مفاجئ بالسياسة الأميركية تجاه حكومة الشرع. وكان باراك، الصديق المقرب من ترامب، قد عُيّن مبعوثًا خاصًا لسوريا بعد عمله سفيرًا في تركيا، رغم تحفظات داخل الإدارة على خلفية ماضي الشرع الجهادي.

ووصف باراك مهمته بأنها تهدف إلى منع “الرقابة البيروقراطية” من تعطيل قرار الرئيس بشأن تخفيف العقوبات، لافتًا إلى أن ترامب “اتخذ قرارًا مذهلًا بمفرده لنزع الضمادة دفعة واحدة”، وأضاف “هذا كان ترامب الحقيقي، لا مستشاريه، وكان قرارًا عبقريًا”.

وأكد باراك أنه لا توجد شروط مرتبطة برفع العقوبات، بخلاف ما كان يطالب به بعض أعضاء الإدارة الأميركية، موضحًا ذلك بقوله: “نحن لا نفرض شروطًا. لسنا في طور الإملاء. لا نبني أمة. لقد جرّبنا ذلك من قبل، ولم ينجح أبدًا”.

وبدلاً من الشروط، هناك “توقعات” بمواصلة الشفافية بينما ينفّذ الشرع أولويات عدة تم الاتفاق عليها خلال لقائه مع ترامب، وفق ما أوضح باراك. وتشمل هذه الإجراءات كبح الجماعات الفلسطينية المسلحة، والسعي للانضمام إلى اتفاقات أبراهام، ومكافحة عودة تنظيم “داعش”.

وكانت وزارة الخزانة الأميركية قد أصدرت في أيار/مايو الماضي رخصة عامة تسمح للأميركيين والشركات الأميركية بإجراء معاملات مالية مع مؤسسات سورية، بما في ذلك المصرف المركزي السوري. كما أعلنت وزارة الخارجية عن إعفاء لمدة ستة أشهر من العقوبات المفروضة بموجب قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين الصادر عام 2019.

وبموازاة ذلك، بدأ نواب من الحزبين الرئيسيين في الكونغرس الأميركي بصياغة تشريعات لإلغاء قانون قيصر. وبحسب باراك، فإن الإدارة الأميركية تعتزم تمديد الإعفاء حتى يلغى القانون بالكامل، فضلًا عن توجه ترامب لتوقيع أمر تنفيذي هذا الأسبوع لإلغاء مجموعة من العقوبات المفروضة على سوريا منذ عام 1979، وفقًا لـ”المونيتور”.

إغراق المنطقة بالأمل

ولفت باراك في حديثه لـ”المونيتور” إلى وجود سلسلة من التحديات التي تواجه الشرع، بما في ذلك دمج القوات الكردية في الجيش الوطني، واحتواء مقاتليه المتشددين الأجانب، والتعامل مع معسكرات الاحتجاز الواسعة في شمال سوريا التي تضم أفرادًا من تنظيم “داعش” وعائلاتهم، والتي تُعد بيئة خصبة للتطرف.

كما يجب على الشرع التعامل مع إسرائيل، التي وسّعت بشكل كبير عملياتها البرية في سوريا منذ الإطاحة بالأسد. فقد احتلت القوات الإسرائيلية المنطقة العازلة منزوعة السلاح في الجولان، والتي تبلغ مساحتها نحو 400 كم، فضلًا عن تنفيذها توغلات محدودة في جنوب سوريا، وشنّت غارات جوية قالت إنها تهدف لمنع تسرب الأسلحة إلى أطراف معادية.

وأعرب الشرع عن التزامه باتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل لعام 1974، وطرح احتمال تطبيع العلاقات مستقبلًا. وبحسب “المونيتور”، سبق أن دعا باراك إلى إبرام اتفاق عدم اعتداء بين سوريا وإسرائيل، واصفًا النزاع بأنه “قضية قابلة للحل”، لكن عندما سُئل عن الخطوات الأميركية لتسهيل الحوار أو بناء الثقة بين الطرفين، أجاب حذرًا.

وقال باراك حول هذه المسألة: “أملنا هو أن يتوصل الطرفان، إسرائيل والشرع، حتى لو لم يتحدثا مباشرة الآن، إلى تفاهم صامت بأن أي انخراط عسكري في هذه المرحلة سيكون كارثيًا عليهما معًا”.

كما لفت باراك إلى أن الطريقة الوحيدة لبقاء سوريا موحدة تتمثّل بـ”منع وجود كيانات مسلحة غير وطنية تقاتل بعضها داخل الأراضي السورية، والسماح لجميع الأقليات بممارسة ثقافاتها وتقاليدها، لكن بصفتهم سوريين”، محذّرًا من أن دمج القوات المسلحة في سوريا يرتبط بأسئلة أعمق تتعلق بالهوية، مضيفًا: “المسألة تتعلق حتى بالزي العسكري”.

ووصف باراك الهدف الرئيسي للولايات المتحدة في سوريا بأنه إزالة العوائق أمام تعافيها الاقتصادي، وهو ما يسمح لدول الخليج وتركيا والسوريون أنفسهم بالتدخل وخلق مؤشرات ملموسة على التقدم.

وأوضح باراك ذلك في حديثه قائلًا: “هل تريدون بناء دولتكم بأنفسكم؟ تفضلوا. كل ما نفعله هو إزالة القيود التي تعيق تدفق الأفكار الجيدة والأشخاص الجيدين للمساعدة”، واصفًا هذه الاستراتيجية بأنها “إغراق المنطقة بالأمل”.

واختتم المبعوث الأميركي إلى سوريا حديثه لـ”المونيتور” قائلًا: “حتى لو لم يحصل الناس بعد على المزيد من الماء أو الكهرباء، فإنهم سيرون مولّدًا يُبنى”، مؤكدًا أن “في هذه المرحلة، قطرة أمل واحدة تغلب خزانًا من الواقع المرير”.

—————————————-

 التحولات الأميركية في المنطقة.. التسويات أو مشاريع التفتيت الإسرائيلي؟/ صهيب جوهر

2025.06.10

لم تُغفل الإدارة الأميركية، بقيادة دونالد ترمب، الملف اللبناني كما يُشاع، بل أبقته ضمن أولوياتها الاستراتيجية، وإن كانت أنظارها قد تحوّلت مؤقتاً نحو سوريا بفعل المعطيات الجيوسياسية المتغيّرة هناك. فلبنان، بالنسبة لواشنطن، يبقى ساحة مترابطة مع مجمل ملفات المنطقة، وخاصة تلك المتعلقة بإيران، إسرائيل، وسوريا. وقد عكست تصريحات ترمب، خلال جولاته الخليجية، هذا الترابط بوضوح، إذ أشار أكثر من مرة إلى الوضع اللبناني ضمن رؤيته الإقليمية الأوسع.

في الواقع، جاءت الحرب الأخيرة في غزة لتُعيد ترتيب أوراق النفوذ في الشرق الأوسط. فالولايات المتحدة، عبر انتشارها العسكري والاستخباراتي، استعادت زمام المبادرة في مناطق كانت بدأت تميل لصالح قوى مثل روسيا والصين. ومن خلال قيادة المنطقة الوسطى في الجيش الأميركي، عززت واشنطن هيمنتها الجوية والاستخباراتية، فارضة على القوى الأخرى، وعلى رأسها روسيا في سوريا، التنسيق معها مسبقاً قبل تنفيذ أي نشاط عسكري.

ضمن هذا الإطار، ظهر خلاف داخلي في المؤسسة الأميركية حول مستقبل المنطقة: فريق يدعو إلى إعادة ترسيم النظام الإقليمي من خلال تسوية شاملة مع إيران، وآخر، ممثل باللوبي اليهودي، يطرح رؤية تقوم على إعادة تفكيك الدول العربية إلى كيانات مذهبية صغيرة تُضعف التهديد الاستراتيجي لإسرائيل.

الرؤية الأولى تنطلق من قراءة واقعية للداخل الإيراني. فصحيح أن النظام الإيراني أيديولوجي الطابع، إلا أنه – بحسب التحليل الأميركي – يدرك تماماً حجم التراجع الذي أصاب “محور المقاومة”، ويدرك أيضاً أن استمرارية النظام نفسه باتت مرهونة بتنازلات عقلانية تضمن له النفاذ مجدداً إلى الساحة الدولية. هذا ما يفسّر النقاشات داخل معسكر المحافظين الإيرانيين بين اتجاهين: الأول يطالب بالصمود والمراهنة على الفوضى الإقليمية، والآخر يرى ضرورة التكيّف مع المعطيات الجديدة، خصوصاً بعد الانهيارات التي أصابت النفوذ الإيراني في سوريا ولبنان.

لكن في المقابل، يسود داخل اللوبي الإسرائيلي اقتناع بأن تسوية كهذه مع طهران ستكون بمنزلة عقبة أمام مشروع أكبر يجري الدفع نحوه، وهو تفكيك الكيانات الكبرى في المنطقة لصالح كيانات طائفية هشّة لا تشكل تهديداً لإسرائيل. هذا التوجّه يرى في مشهد ما بعد غزة فرصة نادرة، ويعتقد أن الضفة الغربية ستكون المرحلة التالية لإعادة رسم الواقع الفلسطيني.

على خلفية هذه الثنائية في الرؤية، يظهر التوتر القائم بين واشنطن وتل أبيب، خصوصاً بشأن توقيت وشكل التعامل مع إيران. ففي حين تسعى إدارة ترمب لتوظيف مفاوضات نووية في خدمة مشروع اقتصادي وأمني أوسع، تُصرّ إسرائيل، بدعم اللوبي اليهودي، على مقاربة أكثر راديكالية، قوامها توجيه ضربات عسكرية مباشرة لطهران.

وتكمن خلفية الموقف الأميركي في اعتبارات اقتصادية واستراتيجية مركّبة. فالإدارة السابقة، التي واجهت خطر التراجع الاقتصادي، سعت إلى عقد شراكات استثمارية ضخمة، بما فيها مع دول الخليج وأوكرانيا (خاصة في المعادن النادرة). ومن هنا، فإن تسوية مع إيران، بما تمتلكه من موارد طبيعية واحتياطات استراتيجية، قد تكون في نظر ترمب فرصة اقتصادية، إلى جانب كونها ورقة ضغط إقليمية ضد التمدد الصيني والروسي.

أما على مستوى السياسات الداخلية، فقد تزامن تراجع شعبية ترمب مع ضغوط متزايدة من معارضي سياساته الجمركية، ما دفعه إلى إعادة حساباته في ملفات عديدة، من بينها رفع الرسوم الجمركية، العلاقة مع أوروبا، والانسحاب من الصراعات. وفي هذا السياق، عادت شعبيته لترتفع تدريجياً، وهو ما جعله أكثر اندفاعاً لإنجاح مفاوضات طهران، ضمن منظور يخدم الأمن الأميركي والاقتصاد معاً.

في المقابل، تبقى إسرائيل مصممة على منع أي تسوية طويلة الأمد في غزة أو لبنان. فنتنياهو ومعسكره اليميني لا يزالون يتمسكون بفكرة استمرار الاشتباك، سواء عبر رفض وقف دائم لإطلاق النار في غزة، أو إبقاء الوضع في جنوبي لبنان متوتراً. فالحرب – بالنسبة إليهم – لم تنته، بل يُراد لها أن تُستأنف في الوقت المناسب، ضمن خطط توسعية تشمل الضفة الغربية أيضاً.

أما في سوريا، فرغم دعم واشنطن لحكم الرئيس أحمد الشرع، إلا أن مؤسسات القرار الأميركي تدرك ضعف سيطرته على كامل الأراضي السورية، وتصاعد حراك الجماعات غير المنضوية تحت سلطته، إلى جانب عودة تنظيم “داعش” للواجهة. في حين يعتبر اللوبي اليهودي أن رهان واشنطن على الشرع مبالغ به، ويُخفي تهديدات كامنة، سواء من الداخل العلوي أو من الجنوب الدرزي.

وفي لبنان، تركّز السياسة الأميركية على فك الارتباط بين “الشيعة كجماعة وطنية” وبين إيران كمرجعية سياسية. وترى واشنطن أن هذا الفصل لا يمكن أن يتم من دون نزع سلاح “حزب الله” وتجفيف موارده المالية، والتي يمثّل “القرض الحسن” نموذجاً رئيسياً لها. ولهذه الغاية، كُلّفت مورغان أورتاغوس بمهام ضغط منتظم على بيروت، عبر زيارات دورية، لإبقاء هذه السياسة قيد التنفيذ.

وبرغم التحليلات المتداولة في بيروت، إلا أن إدارة ترامب – بحسب مصادر ديبلوماسية – تواصل دعمها الكامل لكل من الرئيس جوزيف عون ورئيس الحكومة نواف سلام، في حين تبدي تحفّظها فقط على أداء بعض الوزراء وبطء العمل الحكومي. وتحتفظ واشنطن بثقتها بالمؤسسة العسكرية، التي تعتبرها أداة أساسية لأي استقرار مستقبلي.

ختاماً، تتعامل إيران مع هذه المتغيرات بدقّة. فزيارة عباس عراقجي الأخيرة إلى بيروت، والموقف الذي أعلنه حول تقدّم محتمل في الملف النووي، يُفهم ضمن محاولة لطمأنة “حزب الله” إلى شكل التفاهم مع واشنطن، لكن من دون إغفال أن إسرائيل تراقب هذه المؤشرات عن كثب، وقد تلجأ إلى مفاجآت عسكرية إذا شعرت أن المفاوضات تسير بعكس مصالحها.

تلفزيون سوريا

——————————–

=========================

الشرع و المقاتلين الأجانب و داعش تحديث 11 حزيران 2025

لمتابعة هذا الملف اتبع الرابط التالي

الشرع و المقاتلين الأجانب و داعش

—————————-

الإيغور في سوريا… من مقاتلين عابرين للحدود إلى فصيل عسكري ملتزم/ صبحي فرنجية

آخر تحديث 10 يونيو 2025

شرعت الحكومة السورية بتنفيذ خطة لدمج آلاف المقاتلين الأجانب في وزارة الدفاع السورية ضمن فرقة من المفترض أن تحمل اسم “الفرقة 84″، وذلك بعد أشهر من المفاوضات واللقاءات بين الحكومة السورية ودول عربية وغربية من بينها الولايات المتحدة حول مصير المقاتلين الذين كانوا في مناطق “هيئة تحرير الشام”، والذين أثبتوا انضباطهم والتزامهم بخط “هيئة تحرير الشام” سابقا، والدولة السورية في الوقت الراهن. واشنطن وافقت على خطة الحكومة السورية لدمج هؤلاء المقاتلين، وقال مبعوث الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى سوريا، توماس باراك، قبل أيام، إن بلاده وافقت على خطة الحكومة السورية فيما يخص هذا الملف، وأضاف لوكالة “رويترز”: “أعتقد أن هناك تفاهما وشفافية”، موضحا أن إبقاء هؤلاء المقاتلين ضمن مشروع الدولة أفضل من إقصائهم، وعدّ أنهم “مخلصون للغاية” للحكومة السورية الجديدة.

ملف المقاتلين الأجانب هو ملف شائك ومثير للجدل داخليا وخارجيا، فالحديث عن دمجهم ضمن وزارة الدفاع أثار كثيرا من النقاشات وتفاوت وجهات النظر في أوساط السوريين، بين مؤيد ومشكك في صحة هذه الخطوة. خطة الحكومة المرحلية تتوجه إلى أبرز مكون أجنبي كان عوناً لها، وهم الإيغور المنحدرون من تركستان الشرقية غرب الصين والذين يُعدّون القوة الضاربة داخل “الحزب الإسلامي التركستاني” في سوريا، حيث يشكلون ما يربو على 90 في المئة من قوام هذا الفصيل الذي تمزكز في أصعب وأخطر الأماكن الجغرافية في محافظة إدلب والمناطق المطلّة على الساحل السوري.

معلومات “المجلة” تقول إن الحكومة السورية خاضت مفاوضات طويلة مع واشنطن حيال ملف المقاتلين الأجانب، وقدمت الكثير من التبريرات حول ضرورة التعامل مع هذا الملف بحذر وحكمة كي لا يتحول الملف إلى نار وحديد، كما قدّمت خطة لدمج بعضهم- الموثوق بهم- داخل مؤسسة الجيش وضمان عدم قيامهم بأي تحرك من شأنه زعزعة الاستقرار في سوريا أو التحرك في الظل عبر الحدود خارج الجغرافيا السورية. ومن غير الواضح إن كانت واشنطن قد وافقت على دمج بعضهم ضمن الجيش دون إعطائهم مناصب عليا (وهو طلب سابق لواشنطن) أم إن الخطة التي قدمتها الحكومة السورية بددت شكوك ومخاوف الإدارة الأميركية والدول الإقليمية والغربية.

الحديث اليوم عن ضمّ أكبر مكون أجنبي في سوريا كان ضمن تحالف عسكري مع “هيئة تحرير الشام” في إدلب سابقا، وهم المقاتلون الإيغور، الذين هاجروا من الصين إلى سوريا بدءا من عام 2013، وبدأوا تشكيل فصيل “الحزب الإسلامي التركستاني” في سوريا عامي 2014-2015، وهو الاسم نفسه الذي يحمله فصيل في أفغانستان ويُشكل الإيغور أيضا عصب قوته.

القبول الأميركي لدمج هؤلاء المقاتلين ضمن الجيش السوري ليس حادثة فريدة من نوعها في سياق تعامل واشنطن مع ملف الإيغور العابرين للحدود، حيث قامت الولايات المتحدة الأميركية بشطب “الحزب الإسلامي التركستاني” في أفغانستان من قوائم الإرهاب في أكتوبر/تشرين الأول عام 2020، وذلك- بحسب المعلومات- بعد تلقي واشنطن تأكيدات صارمة بأن الحزب لن يعترض مصالح الولايات المتحدة في أي جغرافيا، كما أن قرار الإدارة الأميركية فُهمَ حينها على أنه خطوة تأتي في سياق التوترات الأميركية-الصينية.

ماذا نعرف عن الإيغور في سوريا؟

الإيغور بدأ توافدهم إلى سوريا لمواجهة النظام السوري ومساعدة القوى السورية المعارضة مطلع عام 2013، ولم يكونوا ضمن فصيل محدد كما لم يشكلوا فصيلا مستقلا حتى عام 2015 حيث أعلنوا تشكيل “الحزب الإسلامي التركستاني”. وبحسب إحصائيات غير رسمية فإن عددهم 3500 مقاتل، في حين يشكك البعض في دقة هذا الرقم في الوقت الراهن ويقولون إن العدد أقل من 3000 مقاتل، وذلك بعد أن خسروا مئات المقاتلين على الجبهات خلال السنوات الماضية، مقاتلو الإيغور تجمعوا في مجملهم ضمن محافظة إدلب ومشارف اللاذقية، ومع بدء “هيئة تحرير الشام” خطواتها في تشكيل بنية عسكرية ومدنية في محافظة إدلب، تماشى الفصيل مع سياسة الهيئة ليخلق من نفسه حليفا استراتيجيا للهيئة يتمركز في نقاط ساخنة جدا على جبهات القتال ضد النظام السوري والميليشيات التابعة لإيران، فهم كانوا خط الدفاع الأول في جبهات جسر الشغور وعُرف عنهم صلابتهم في الدفاع والقتال على الجبهات.

وعلى الرغم من الحديث والأنباء عن التنسيق بين الإيغور ضمن فصيل “الحزب الإسلامي التركستاني” في سوريا وقيادة “الحزب الإسلامي التركستاني” في أفغانستان فإن الفصيل الموجود في سوريا نفى أكثر من مرة ارتباطه بأي أجندات خارجية أو بـ”القاعدة”، كما التزم الإيغور في سوريا بسياسات “هيئة تحرير الشام”، وتماشوا معها بشكل واضح، وعاشوا تحولات “هيئة تحرير الشام” السياسية والعسكرية دون اعتراض أو تحركات مضادة. فهم لم يدخلوا في أي صراعات داخلية، ولم يكونوا طرفا في مواجهة أي فصيل سوري معارض، كما أن سلوكهم ضمن الأراضي السورية كان منضبطا بشكل كبير، فنادرا ما كان الناس في إدلب يسمعون عن إشكال سببه أو أحد أطرافه عناصر “الحزب الإسلامي التركستاني”.

الفصيل وقف مع أحمد الشرع عندما أعلن انفكاك “جبهة النصرة” عن “القاعدة”، وكان بين صفوف “هيئة تحرير الشام” في حربها ضد خلايا “داعش”، وفي تفكيك فصائل إسلامية متشددة مرتبطة بـ”القاعدة” مثل “حراس الدين”، كما أنه كان رأس حربة في الحفاظ على خطوط التماس بين “هيئة تحرير الشام” والنظام السوري على جبهات جبلي التركمان/الأكراد وضمن مناطق جسر الشغور، وكانت أيضا مشاركته فعالة- بحسب معلومات “المجلة”- على جبهات القتال خلال عملية ردع العدوان، دون أن يخالفوا الخطط أو يتجاوزوا أوامر غرفة ردع العدوان طيلة أيام القتال حتى الوصول إلى دمشق، وبعد سقوط النظام عاد من طلب منه العودة إلى أماكن تمركزهم في محافظة إدلب، وأعلنوا لاحقا عن حلّ فصيلهم والتزامهم بقرارات وزارة الدفاع السورية.

تطور مفاهيم ومنطق الإيغور في سوريا لافت للنظر، وربما يعكس ارتياح واشنطن لفكرة توطينهم في سوريا، فهم تحوّلوا من مقاتلين عابرين للحدود إلى فصيل عسكري ملتزم بجغرافيا غريبة عنه فلم يلعب دورا في أي تحرك خارج الحدود السورية، كما لم يكن طرفا في تمكين أي قوة أجنبية أخرى قدمت إلى سوريا. لم يُعلن ولاءه لأي قوة خارجية، وتحول بصمت من فصيل عابر للحدود إلى فصيل وقوة تخدم المسار السوري وتحتكم لأوامر وزارة الدفاع السورية وقرارات الرئيس السوري أحمد الشرع وحكومته، وهو ما يُفسر تقييم المبعوث الأميركي توماس باراك بأنهم “مخلصون جدا” للحكومة السورية.

كما أن التطور الذي شهده الإيغور في سوريا لم يكن من الناحية الأيديولوجية والعسكرية فحسب، بل تعدى ذلك إلى سياق الاندماج في النسيج السوري، فقد تعلّموا اللغة العربية، وتعايشوا مع المزاج المدني والمحلي في مناطق انتشارهم، حتى إن بعضهم قرر ترك صفوف القتال والتحول إلى الحالة المدنية، فعملوا في الزراعة والتجارة وامتهنوا حرفا يدوية، وباتوا يفكرون بالاستقرار في جغرفيا صديقة بالنسبة لهم على حدّ قولهم، خصوصا أن العودة إلى غرب الصين يعني بالضرورة الموت أو الاعتقال أو التعرض للعنصرية، بحسب ما قال أحد المدنيين في إدلب والذي تربطه علاقات صداقة مع كثير من الإيغور الذين يعملون بالتجارة والزراعة.

كيف سيتم دمجهم في الجيش السوري

نهاية شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي، قام الرئيس السوري أحمد الشرع بترفيع عبدالعزيز داود خدابردي (المعروف باسم أبو محمد تركستان) إلى رتبة عميد في الجيش السوري، خدابردي كان يقود الجناح العسكري في “الحزب الإسلامي التركستاني”، وتم ترفيعه إلى رتبة عميد دون منحه الجنسية السورية، وهي خطوة أثارت كثيرا من الأسئلة عن قانونية القرار وأهدافه. ومن المرجح أن الشرع أراد أن يُطمئن الإيغور بأنه لن يكون عدوا لهم ولن ينسى تحالفه معهم والخدمات التي قدّموها لـ”هيئة تحرير الشام” وغرفة ردع العدوان.

اليوم يتم الحديث عن توجه وزارة الدفاع لاستحداث فرقة في الجيش السوري، تستوعب المقاتلين الإيغور الذين يرغبون في البقاء ضمن صفوف الجيش السوري- خصوصا أن بعض المقاتلين الإيغور تركوا القتال في أوقات سابقة والتفتوا إلى الحياة المدنية والعمل في التجارة والزراعة- والعمل في صفوفه، وعلى الرغم من أن اسم الفرقة لم يتم تحديده رسميا فإن المعلومات تقول إنها ستحمل اسم “الفرقة 84″، وسيكون نطاق عملها بحسب المعلومات في الشمال السوري. المعلومات تقول إن العدد الكلي للفرقة لم يتم تحديده بعد، وأن نقاشات ما زالت تتم حول البنية البشرية للفرقة، بحيث تكون الفرقة مشكلة ببنية لا تثير كثيرا من الجدل، بمعنى أن الحكومة السورية لا تفكر- وفق المعلومات- بأن تكون الفرقة في كلّيتها من الإيغور، لأن ذلك سيفتح أبوابا تحاول الحكومة السورية إغلاقها في سياق تفاوضها مع “قسد” والقوى العسكرية في السويداء، كون الطرفين يطالبان الحكومة السورية بدخولهم إلى الجيش ككتلة واحدة وأن يكون عملهم في جغرافيا محددة، وهو أمر تراه الحكومة السورية تهديدا لفكرة المركزية ووحدة الأراضي السورية.

مصادر “المجلة” تقول أيضا إن قرار اسم الفرقة، وتعداد عناصرها، وتكوينها البشري، ونطاق عملها الجغرافي، ما زال قيد النقاش، ليس لكون الفرقة ستحتوي على مكون غير سوري- في الوقت الراهن لأن خطوة دمجهم في الجيش تعني أنهم اقتربوا من الحصول على الجنسية السورية- فحسب، بل لأن وزارة الدفاع ما زالت تدرس هيكلية الجيش، وبنيته التنظيمية، وطبيعة انتشار الفرق ونطاق عملها.

من الواضح أن الحكومة السورية تُفكر مليّا في الخطوات التي ستتخذها في إطار دمج المقاتلين الأجانب وذلك لعدّة اعتبارات، الأول هو الحفاظ على خطوط التفاهمات مع الولايات المتحدة الأميركية ومسار تطمين الدول الإقليمية والغربية، والثاني عدم الخروج عن السياق التفاوضي الذي انتهجته الدولة مع مكونات عسكرية سورية مثل “قسد”، وفصائل السويداء، وفصائل رئيسة كانت في درعا. والثالث هو عدم فتح أبواب الأمل أمام كل مقاتل أجنبي على الأراضي السورية، خصوصا عناصر الفصائل المتشددة التي بذلت “هيئة تحرير الشام” جهودا كبيرة في تفكيكها داخل محافظة إدلب كـ”حراس الدين”، أما الرابع فهو تطمين السوريين بأن الجيش السوري الجديد لن يكون قوامه كانتونات تحكمها تمايزات عرقية أو جنسيات معينة.

المجلة

——————————–

حسام جزماتي : كيف تغير الشرع ورجاله… وماذا عن تجنيس الأجانب؟

استضاف “المنتدى” الكاتب والباحث السوري حسام جزماتي في حوار عن سوريا وحكومتها الجديدة وواقع المقاتلين الأجانب والفصائل.

تناول الحوار ملفات عدة، منها تجنيس المقاتلين الأجانب، وإشكالية دمجهم في هيكلية وزارة الدفاع، بالإضافة للشروط التي وضعتها الولايات المتحدة على القيادة السورية.

كما تحدث جزماتي عن عقلية الرئيس أحمد الشرع والطاقم الذي رافقه من “الهيئة” وصولا للقصر الجمهوري.

محاور الحلقة

00:00  البداية

02:27 تغير مسار “الهيئة” بعد السيطرة على دمشق

 07:02 خارطة “الفصائل” والنفوذ السياسي والأمني داخل الدولة السورية

11:56 هل اندماج المقاتلين داخل المؤسسات حقيقي أم شكلي فقط؟

19:02 تعامل السلطات الجديدة مع ملف المقاتلين الأجانب

25:44 الطاقم الأساسي للرئيس أحمد الشرع

38:55 السياسة الخارجية والمحادثات مع إسرائيل

———————————-

ماذا لو أصبح جيشنا السوري طوائف وقوميات؟/ سميرة المسالمة

الثلاثاء 2025/06/10

يبرر الرافضون لضم المقاتلين الأجانب كفرقة مستقلة بذاتها ضمن الجيش السوري- المزمع تكوينه حديثاُ- بأن ذلك قد يفتح الباب لمطالبات مماثلة على أسس طائفية أو قومية. بمعنى آخر، قد يبرر ذلك مطالب قيادة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، أو مطالب بعض الدروز بزعامة شيخ العقل حكمت الهجري، وربما لاحقاً العلويين، بانضمامهم ككتل متماسكة تابعة للجيش اسمياً، وهو ما ترفضه القيادة السورية، لأن من شأنه تشتيت أهداف الجيش الموحد تحت قيادة مركزية سيادية، ما يجعله نواة التقسيم لسوريا، بديلاً عن حمايتها.

في المقابل، يشير بعض السوريين أن فردانية وجود قوة أجنبية من الأيغور تابعة مباشرة لرئيس الدولة، يعيد إلى الأذهان  تجربة الحرس الجمهوري الذي تأسس عام 1976، وكانت له صلاحية الدخول إلى العاصمة السورية، دمشق، والتمركز حول مداخلها الأربعة لحماية السلطة المركزية، وقد ارتبط اسمه بانتهاكات جسيمة بحق السوريين، دفاعاً عن نظام الأسد الأب، خلال مواجهاته مع الاخوان المسلمين في الثمانينات، والأسد الابن خلال سنوات الثورة السورية ضده. أي أنها مخاوف من أنها قد تكون مقدمة لإنتاج أدوات سلطوية (غير وطنية) يمكن توظيفها في مواجهات مستقبلية “متخيلة”.

بعبارة أخرى، تتركز المخاوف المحلية في معظمها على احتمال استخدام فرقة الأيغور ضد المدنيين، إلا أن هذه المخاوف المتعلقة بجنسية المقاتلين وحدها، في ضوء التجربة السورية، لا يمكن الركون لها. فالحرس الجمهوري، ومعه الفرقة الرابعة بقيادة ماهر الأسد، وكامل وحدات الجيش السوري، في عهد الأسدين كانت تتكون من سوريين، ورغم ذلك انخرطوا في أعمال قمع وقتال ضد المدنيين السوريين، وضد الشعب اللبناني وجنسيات أخرى. فالجنسية السورية لم تكن ضمانة  لعدم ارتكاب القوات المسلحة جرائم ضد الداخل السوري أو ضد جواره العربي. فالعقيدة التي يبنى عليها الجيش هي ما توجه عملياته ونشاطاته، وتبعية الجيش للنظام القمعي السابق هي ما جعلته أداة لتدمير سوريا، ووضعته في مواجهة السوريين حتى لحظة استسلامه في الثامن من كانون الأول/ديسمبر 2024.

قد لا أكون من المؤيدين لوجود مقاتلين أجانب في الجيش السوري، خصوصاً أن الحديث هو عن 3500 مقاتل من الأيغور. لكن ذلك لا يعني أن المخاوف من وجودهم تتعلق بجنسياتهم، فحيث العمل المسؤول والمنظم وطريقة قيادته وتوجيهه هي ما يفترض أن تقيّمه، وحياة التشرد والهجرة والجنسيات الجديدة التي حصل عليها السوريون، ومن بينهم أولادي على سبيل المثال، لا تقلل من انتماءاتهم إلى مجتمعات أوطانهم الجديدة، أو تحد من تقديمهم واجب الدفاع عنها. وهو بالطبع ينطبق على القادمين إلى سوريا من الأجانب. ولكن ما يخشى منه السوريون هو تعثر اندماجهم في مجتمعنا، وصعوبة إحلال عقل النظام المؤسساتي مكان عقلية الجهاد العابر للدولة الوطنية، التي ناضل هؤلاء تحت ظلها خلال الأعوام السابقة في حربهم ضد الأسد، وبعض الفصائل السورية المحسوبة على الثورة المنتصرة ذاتها.

وكما دفعت الأسباب الأمنية الولايات المتحدة الأميركية إلى إعادة النظر في مطالب إبعاد المقاتلين الأجانب، والقبول بتجنيدهم ضمن الجيش السوري (المتاخم لحليفتها إسرائيل) من خلال رؤية أمنية متكاملة، تحافظ من خلالها على مسافة أمان تمكنها من رقابتهم وتنظيمهم، وحمايتهم من استغلال الجماعات الإرهابية، التي تراهن على قدرتها في تجنيدهم من منطلق الجهاد الإسلامي، الذي يؤمنون بالسعي من أجله في كل اتجاه.. فإن هذه المخاوف هي ذاتها، التي تحّمل وزارة الدفاع والرئاسة السورية مسؤولية الاستثمار في قدراتهم وخبراتهم القتالية وفق عقيدة وطنية، وبضوابط قانونية، تعلي من شأن انتمائهم إلى وطنهم الجديد سوريا.

ولكن تبقى الأسئلة عالقة: هل يتحول نجاح السلطة في إقناع الغرب بأهمية الحفاظ على المقاتلين الأجانب ضمن وحدة قتالية داخل الجيش السوري، إلى ذريعة لتمسك جهات طائفية وقومية بمطالبها للانضمام إلى الجيش ككتل صلبة؟ وما هو شكل هذا الجيش وهو كتل أجنبية وطائفية وقومية؟ وكيف تتجاوز وزارة الدفاع كل ما سبق لتحقيق رؤيتها في تأسيس جيشها الموحد، والعابر لكل الانقسامات الداخلية الراهنة، التي لا تزال تهدد وحدة سوريا شعباً وجغرافيا؟

المدن

—————————–

نيويورك تايمز: رفاق السلاح الأجانب ملف ثقيل بين يدي الرئيس الشرع

8/6/2025

قالت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية إن ملف المقاتلين الأجانب، الذين شاركوا في الحرب إلى جانب الفصائل في سوريا، لا يزال مصدر جدل داخلي ودولي وسط تحولات سياسية دقيقة تمر بها البلاد.

وتوضح الصحيفة في تحقيق ميداني لها أنه في الوقت الذي تعدّهم السلطات السورية الجديدة “رفاق السلاح” و”أوفياء للثورة”، تنظر إليهم بعض الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، بريبة وشك، مستحضرة تجارب ماضية مع جماعات متطرفة مثل تنظيم الدولة الإسلامية.

وتابعت أنه منذ انطلاق الثورة السورية عام 2011، وفد آلاف الأشخاص من مختلف الجنسيات إلى سوريا للقتال في صفوف الفصائل المسلحة التي وقفت ضد النظام، لا سيما في المناطق الشمالية والشرقية.

تحدٍ كبير

وزادت أن الرئيس السوري أحمد الشرع يواجه تحديا كبيرا يتمثل في الموازنة بين دعم مقاتلين أجانب قاتلوا إلى جانب الثورة منذ سنوات، وبين رغبة شركائه الدوليين في تقليص نفوذ هؤلاء أو إبعادهم كليا.

وذكرت أن الولايات المتحدة، التي بدأت تخفيف العقوبات عن سوريا وتبحث في تطبيع تدريجي للعلاقات، عبّرت في مناسبات متعددة عن قلقها من استمرار وجود هؤلاء الأجانب.

وتؤكد الصحيفة الأميركية أن كثيرا من هؤلاء، بحسب شهاداتهم، لا يمكنهم العودة إلى بلدانهم الأصلية خشية الملاحقة القضائية أو السجن، كما أن ارتباطهم العائلي بالمجتمع السوري يجعل فكرة المغادرة أكثر تعقيدا.

وتحدثت في ريف إدلب مع مقاتل مصري متزوج من سورية، محاطا بأطفاله الذين يتعلمون الخط العربي، حيث قال لها “هذا بيتي الآن، لا أملك مكانا آخر أذهب إليه”.

وطن جديد

وقال إنه لا يستطيع العودة إلى مصر دون خطر الاعتقال، مشيرا إلى أطفاله بجواره “ماذا سيحدث لأطفالي إذا اضطررت للمغادرة؟”.

ونقلت عن عبد الله أبريك (36 عاما)، وهو مقاتل أجنبي من داغستان، في مقهى بالعاصمة دمشق قوله “من المستحيل أن يتخلى عنا الشرع، كنا أمامه وخلفه وبجانبه”. أبريك، الذي بدأ عملا في مجال الاستيراد، قال إنه يريد البقاء والحصول على جواز سفر سوري، بحسب نيويورك تايمز.

أما إسلام شخبنوف (39 عاما) الذي التقته الصحيفة في مدينة إدلب، فقال إنه من داغستان وجاء إلى سوريا عام 2015 للانضمام إلى الثوار، وأشار إلى أنه غير متأكد من انضمامه للجيش، لكنه صرح “سأدافع عن بلدي إذا اندلعت اشتباكات بين الحكومة وبقايا نظام الأسد”.

وذكرت نيويورك تايمز أن الحكومة السورية الجديدة بدأت في دمج بعض هؤلاء المقاتلين ضمن صفوف الجيش النظامي.

أرقام

وبحسب تقديرات دبلوماسية، يتراوح عدد المقاتلين الأجانب المتبقين في البلاد بين 3 آلاف و5 آلاف، ومعظمهم من الإيغور ودول خاضعة لروسيا ودول عربية.

وكان الشرع قد أكد في مقابلة مع نيويورك تايمز في أبريل/نيسان الماضي أن حكومته قد تنظر في منح الجنسية للمقاتلين الأجانب “الذين وقفوا إلى جانب الثورة” وعاشوا في سوريا لسنوات.

وأضاف “ما دام هؤلاء لا يشكلون تهديدا لأي دولة أجنبية ويحترمون القوانين والسياسات الداخلية لسوريا، فالموضوع ليس ملحا فعلا”.

ومؤخرا، وافقت الإدارة الأميركية على خطة للحكومة السورية تقضي بضم آلاف المقاتلين الأجانب، الذين شاركوا في قتال نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، إلى الجيش الجديد، وذلك بعدما كان إبعاد هؤلاء المقاتلين أحد الشروط الرئيسية لواشنطن مقابل الانفتاح ورفع العقوبات عن دمشق.

وبحسب ما نقلت وكالة رويترز عن مبعوث الرئيس الأميركي إلى سوريا توماس باراك، فإن هناك “تفاهما وشفافية” بين الولايات المتحدة وسوريا حول خطة للسماح لحوالي 3500 من المقاتلين الأجانب، معظمهم من الإيغور ودول الجوار، بالانضمام إلى الفرقة 84 من الجيش السوري.

المصدر: نيويورك تايمز

——————————–

=========================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى