طلاب سورية يستعدون لامتحانات موحدة بعد سنوات من الانقسام/ هاديا المنصور

11 يونيو 2025
يعيش طلاب سورية وأسرهم هذا العام أجواء ارتياح وطمأنينة غير مسبوقة منذ سنوات طويلة بعد توحيد امتحانات الشهادة الثانوية، وهو أحد التغييرات على إثر إسقاط نظام الأسد الذي كان يجبر طلاب المناطق الخارجة عن سيطرته على السفر إلى مناطقه لتقديم الامتحانات في ظل ظروف أمنية واقتصادية صعبة.
وشهدت السنوات السابقة معاناة آلاف الطلاب السوريين، خصوصاً في الشمال والشرق، من الاضطرار إلى اجتياز مئات الكيلومترات والمرور عبر حواجز أمنية محفوفة بالمخاطر من أجل تقديم امتحانات الشهادة الثانوية المعترف بها دولياً، ودفع تكاليف باهظة للإقامة والنقل، ما شكل عبئاً نفسياً ومادياً كبيراً على العائلات. لكن العام الحالي، اعتمد نظام موحد للامتحانات والمناهج، ما أنهى الحاجة إلى الرحلات الشاقة والخطيرة.
تقول حنان السلوم، والدة أحد طلاب الثانوية العامة من مدينة إدلب، لـ”العربي الجديد”: “عشنا في السنوات الماضية حالة رعب قبل الامتحانات، ليس من الأسئلة، بل من الطريق والخوف من الاعتقال أو الفقدان، واليوم سيُقدم ابني امتحانه في مدرسته من دون خوف وبلا مصاريف تفوق طاقتنا”. أضافت: “كنت أجمع راتبي الذي لا يتجاوز 125 دولاراً كي أغطي مصاريف دراسة ابني وانتقاله إلى دمشق خلال فترة الامتحانات، وكنت طوال الامتحانات أعيش في رعب على سلامته”.
وأبدى الطالب أحمد الخطيب (18 عاماً) من ريف حلب الغربي سعادته، وقال لـ”العربي الجديد”: “نشعر بأن مستقبلنا لم يعد مرهوناً بمكان إقامتنا أو سيطرة جهة على منطقتنا. أشعر للمرة الأولى بأننا نعيش ضمن دولة. كان أهلي يتكبدون مصاريف سفري وإقامتي الباهظة في دمشق لتقديم الامتحانات، وهذا باستثناء المخاطر الأمنية التي قد يخسر فيها طالب حياته في أي لحظة”.
وفي خطوة وُصفت بأنها مفصلية، توصلت الحكومة السورية أخيراً إلى اتفاق شامل مع قيادة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) لتوحيد الامتحانات في كل الأراضي السورية، وأعلنت وزارة التربية والتعليم فتح خمسة مراكز امتحانات لطلاب شهادتي التعليم الأساسي (التاسع) والثانوية العامة (البكالوريا) في مناطق “قسد”، وتأجيل امتحانات الشهادتين. جاء ذلك في بيان أصدره وزير التربية محمد تركو في 8 يونيو/حزيران الجاري، وتضمن أيضاً تأجيل الامتحانات لمدة أسبوع لاستكمال الإجراءات اللازمة لسير الامتحانات بما يلبي مصلحة الطلاب.
وينظر السوريون إلى الاتفاق على أنه أولى خطوات دمج مناطق شمال شرقي سورية مع باقي المناطق ضمن سلطة الدولة، ويرى سوريون أنها واحدة من أبرز مؤشرات عودة الاستقرار بعد أكثر من عقد من النزاع، ورمز لبداية مرحلة جديدة من إعادة بناء التعليم والمؤسسات الوطنية.
وبموجب الاتفاق، اعتمد منهج موحد بإشراف وزارة التربية والتعليم، وأُنشئت مراكز امتحانات رسمية في مناطق الحسكة والقامشلي والرقة وصرين ودير الزور، بإدارة مشتركة وبإشراف مراقبين تربويين من الطرفين، كذلك أُتيح للطلاب تقديم الامتحانات في مناطقهم من دون الحاجة إلى التنقل إلى مناطق أخرى، ما خفف الأعباء المادية والنفسية عن آلاف الأسر.
نضال مصطفى، والد أحد طلاب الثانوية العامة من مدينة الطبقة، قال لـ”لعربي الجديد”: “أشعر للمرة الأولى أن الدولة تتعامل معنا كمواطنين متساوين. أنهى الاتفاق القلق التي عاشته الأسر عند كل موسم امتحانات، وهو يعكس توجهاً جدياً لدمج كل أبناء سورية ضمن نظام تعليمي واحد يهدف إلى ضمان الاعتراف المتساوي بالشهادات، وتكافؤ الفرص في التقدم الجامعات والمهن مستقبلاً.
من جهته، قال محمد العلي، وهو طالب من الحسكة لـ”العربي الجديد”: “كنا نشعر بالتمييز سابقاً، وكأن شهادتنا أقل قيمة. الآن سنقدم الامتحانات نفسها في دمشق أو حلب ومحافظات أخرى. وهذا يمنحنا دافعاً كبيراً للدراسة ومواصلة تحقيق أحلامنا”.
ومع اقتراب موعد الامتحانات في 12 يوليو/ تموز المقبل، أمل العلي في أن تشكل هذه التجربة التعليمية الموحدة نقطة انطلاق نحو مصالحة حقيقية تشمل كل نواحي الحياة.
العربي الجديد