تشكيل الحكومة السورية الجديدةسقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوعنقد ومقالات

“مأزق” أبو العلاء المعري بين وزير سوري وطفل/ مصطفى رستم

المسؤول الحكومي عن الثقافة سأل طالباً في الصف الثالث عن “رهين المحبسين”

الثلاثاء 10 يونيو 2025 12:22

ترك حوار عابر بين وزير الثقافة السوري محمد ياسين الصالح وطفل أثناء إحدى الجولات الرسمية أصداء واسعة عقب توجيه الوزير سؤالاً لطفل في الصف الثالث بالمرحلة الابتدائية عن معرفته بأبيات شعر للشاعر المعري وإذا ما كان يعرفه لتأتي كلمة “لا” مفاجأة لوزير الثقافة.

طالما أثار شاعر الفلاسفة وفيلسوف الشعراء، كما يطلق على أبي العلاء المعري الجدل بآرائه الفلسفية وأعماله الإبداعية، ومنها كتابه الشهير “رسالة الغفران” لكن أن يصل هذا الجدل حول معرفة شخصيته في حوار عابر حدث، أخيراً، بين مسؤول حكومي وطفل لم يتعرف على المعري، فهذا لم يكن في حسبان السوريين.

 وترك حوار عابر بين وزير الثقافة السوري، محمد ياسين الصالح وطفل أثناء إحدى الجولات الرسمية أصداء واسعة عقب توجيه الوزير سؤالاً لطفل في الصف الثالث بالمرحلة الابتدائية عن معرفته بأبيات شعر للشاعر المعري، وإذا ما كان يعرفه لتأتي كلمة “لا” مفاجأة لوزير الثقافة.

وإن بدا المشهد عبر المقطع المصور انتهى عند هذا الحد فإن الأمر أدى لانفجاره على شاشات الفضاء الأزرق، ومواقع التواصل الافتراضية، وغرق الشارع السوري بآراء متناقضة منها من تعاطفت مع الطفل، وطالبت بوقف التنمر عليه وانتقاده، وآخر يرى أن الوزير لم يرتكب الخطأ الذي يستوجب إلقاء اللوم عليه لمجرد عدم صياغة الوزير “سؤالاً سهلاً” في حينها، بخاصة أنه أصر على البحث عن سؤال أسهل بعد فشله بالإجابة.

 ولعل الآراء بين مستاء من سؤال الوزير، الصالح، ومن جهة ثانية من يجده تساؤلاً عابراً جعلت من أصداء المقطع المصور بالتدحرج كما كرة الثلج حتى وصلت لشخصيات سورية ومؤثرين من الفنانين السوريين، وقال الممثل السوري عدنان أبوالشامات في منشور له “بدلاً من أن يسأله عن المعري، كان لازم يسأله: هل تعرف اللحم؟ هل تعرف الشاورما؟ أي نوع فاكهة رأيت آخر مرة؟”.

 وعلى رغم أن منشور أبوالشامات الساخر حصد تفاعلاً، دافع مؤيدون عن شاعر “طبق الكرامة” نسبة إلى قصيدة شعرية شهيرة ألقاها الصالح في مراسم تنصيبه وزيراً، وألقوا اللوم على ما حدث من تراجع بالتعليم والثقافة خلال فترة الصراع المسلح التي طاولت بلادهم على مدى عقد من الزمن، علاوة على تراجع الاقتصاد والحال المادية لعموم السوريين مما دفع نسبة واسعة من الأطفال لا سيما في الشمال السوري خصوصاً ممن قطن المخيمات إثر هجرة قسرية وتحت وابل القصف إلى ترك المدارس والذهاب إلى سوق العمل.

ويعتقد الباحث الأكاديمي في اللغة العربية أحمد برهوم من أبناء مدينة معرة النعمان وهي مدينة أبي العلاء المعري أن الطفل الذي ظهر بالفيديو مع الوزير قد يكون لديه قدرات معرفية محدودة أو أنه خانته الذاكرة، لكن يستدرك في حديثه إلى “اندبندنت عربية” إلى أن كثيراً من الأطفال، لا سيما من أبناء المعرة وهم في نفس عمر هذا الطفل يحفظون بعض قصائد المعري، ويمتلكون فصاحة ومستوى ممتازاً بالخطابة.

 وأردف، “كما لا بد أن نعلم في الوقت ذاته أنه ليس من السهولة حفظ أبيات المعري بهذه السهولة، لما تحمله من فسلفة ومعرفة قد يكون الطفل غير مدرك لها، من الواجب الاهتمام بجيل ولد في أتون الحرب، وهذه مهمة ملقاة على عاتق الحكومة من وزارات التعليم والتربية والثقافة مجتمعة بتكثيف نشاطها”.

في الأثناء أتى هذا الموقف المثير للجدل تزامناً مع جولة لوزير الثقافة شملت مدينة معرة النعمان ومعالمها الأثرية والثقافية من بينها المركز الثقافي بالمعرة، وهو ذاته بيت أبي العلاء ويوجد فيه ضريحه، ونشرت “اندبندنت عربية” في وقت سابق قبل زيارة الوزير فيديو مصوراً حصرياً يظهر فيه القبر محطماً، وظهر المركز الثقافي في المعرة مفتوح الأبواب، من دون أدنى اهتمام.

وحصل محمد ياسين الصالح 1985 على بكالوريوس في اللغويات من جامعة لندن ونال الماجستير في الترجمة من جامعة وستمنستر البريطانية، وعمل بالحقل الإعلامي، وفاز بالمركز الأول في مسابقة “فصاحة” بقطر عام 2016 وله مساهمات من مقالات وبحوث حول اللغة العربية.

وبالحديث عن مواقف “فصيح العرب” كناية عن عمله مقدم برامج، وفوزه في برنامج شعري يحمل ذات الاسم، فإن الصالح تصدر “الترند” السوري بعد جلوسه أرضاً مرتدياً زياً شبابياً على قارعة الطريق يتناول وجبة طعام، مما أثار في نفوس السوريين الحديث عن تواضع الوزير، موقف لم يعتد عليه الشارع، إذ بقي الوزراء في عزلة عن الشعب لعقود طويلة في ظل النظام الأسد البائد قبل الثامن من ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي 2024.

 مقابل هذا يرى فريق من المتابعين تصرف الوزير في جلوسه على الرصيف نوعاً من أنواع التصنع أو الدعاية، خصوصاً أنه ظهر محاطاً بأشخاص من المرافقين يرتدون أطقماً وألبسة رسمية، وهذا التصرف لا يعطي الانطباع المثالي عن شخصية حكومية ينبغي أن “يبهرنا بأعمال وإنجازات في مجال عمله”، يقول أحد المعلقين على الموقف ويستغرب قائلاً “لماذا نعطي الأمور أكبر من حجمها؟ أمر طبيعي هو وزير، أي موظف أمام الشعب، ولا بد أن يكون بسيطاً، وإلا لما خرجنا بالثورة ضد الديكتاتورية، والظلم؟”.

 ولا يكف وزير الثقافة عن صناعة الجدل لا سيما بعد “هفوة” كما وصفها الناس، وقع بها إثر حضوره مع جميل الشرع شقيق الرئيس السوري، أحمد الشرع مجلس الشيخ فرحان المرسومي أحد الشخصيات المقربة والبارزة في عهد الأسد وإيران.

 وطالب سوريون حينها باستقالة الوزير الصالح بعد انتقادات لاذعة طالته على رغم الشهرة الواسعة بعد إلقاء قصيدته في مراسم تنصيبه وزيراً، لكنه في المقابل قدم اعتذاراً للشعب السوري نشرها على منصة “إكس” جاء بها “أريد أن أعتذر للشعب السوري العظيم عن أي صورة غير مقصودة مع أي شخص محسوب على النظام البائد”.

إلى ذلك لا يزال وزير الثقافة السوري يحجز المرتبة الأولى في صناعة مواقف تثير الجدل بين وزراء الحكومة الانتقالية التي تشكلت، أخيراً، بعد سقوط الأسد على يد غرفة عمليات “ردع العدوان” في الـ27 من نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، ومع هذا ينتظر السوريون من وزير الثقافة والوزراء في الحكومة أعمالاً لا مواقف عابرة تثير غباراً إلكترونياً وحسب.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى