الناستشكيل الحكومة السورية الجديدةسقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوع

من أجل إصلاح ضريبي عادل وشامل في المرحلة الانتقالية في سوريا/ د. عبد المنعم حلبي

 

2025.06.11

أعلنت وزارة المالية مؤخراً عن تشكيل لجنة حكومية مركزية للإصلاح الضريبي، عبر مراجعة ودراسة منظومة الضرائب والرسوم، وصولاً لإعداد نظام ضريبي جديد، حيث تم التركيز في الإعلان –إعلامياً- على وجود ممثلين عن القطاع الخاص في خطوة وُصفت بأنها غير مسبوقة. ورغم أهمية هذه المبادرة، لا سيما في ظل الحاجة الملحة لإصلاح المنظومة الضريبية وتعزيز موارد الدولة، إلا أن عدداً من الملاحظات والتوصيات الشكلية والموضوعية يمكن أن تسهم في تطوير أداء اللجنة وتعزيز شفافيتها وشرعيتها المجتمعية، ارتباطاً بمستوى الأهمية التي يتمتع بها النظام الضريبي في إطار بناء العقد الاجتماعي الجديد بين الدولة السورية الجديدة ومواطنيها، بما ينسجم مع روح المرحلة الانتقالية ومتطلبات الحوكمة الرشيدة على المدى البعيد.

لقد ضمَّت اللجنة إلى جانب وزير المالية رئيساً كلاً من نائبه ومعاون وزير الاقتصاد والصناعة، وعدداً من مديري ومسؤولي وزارة المالية، وعميد كلية الاقتصاد بجامعة دمشق ورئيس جمعية المحاسبين القانونيين، وخبيرين لم يُحدد مجال خبرتهما، وممثلين عن غرف التجارة والصناعة في دمشق وحلب والهيئة العامة للمنافذ والبرية والبحرية. وعلى الرغم من التطور الإيجابي المتمثل بإشراك ممثلين عن القطاع الخاص، وبصرف النظر عن نسبة وتأثير هذه المشاركة وتمثيلها الفعلي للقطاع الخاص السوري بشكل عام، إلا أنها خلت من أي حضور قانوني مستقل بارز أو ممثلين عن المجتمع المدني الأوسع، بما يشمل النقابات المهنية والعمالية وممثلين عن المناطق الأكثر تضرراً من الحرب مثلاً.

من جهة أخرى، كلف القرار هيئة الضرائب والرسوم في وزارة المالية إعداد محاضر اجتماعات اللجنة، ومتابعة خطة عملها، التي تتولى أيضاً مناقشة اقتراحات التعديلات على الرسوم مع الوزارات والهيئات المعنية. كما نص القرار أن تنهي اللجنة أعمالها في الثلاثين من تموز المقبل. وهكذا فإن القرار قد خلا أيضاً من تحديد آليات اتخاذ القرار داخل اللجنة، التصويت أو المراجعة، ولم يتضمن إمكانية التمديد وفق مقتضيات المصلحة العامة لتحقيق الإنجاز النوعي المطلوب.

السابقة الأهم في الإعلان، والتي لم يتم التركيز عليها إعلامياً، أو في تصريحات السيد وزير المالية عن هذا الإعلان، هي إتاحته للجنة الإصلاح الضريبي الاستعانة بخبراء من المؤسسات الإقليمية والدولية، ولكن دون تحديد واضح أيضاً لماهية تلك الخبرات أو المؤسسات.

وانطلاقاً من أن الإصلاح الضريبي أداة مهمة لبناء العقد الاجتماعي الجديد بين الدولة والمواطنين، وفي إطار السياق الانتقالي الذي تعيشه البلاد، فمن البديهي ألا يُنظر إلى الضريبة هنا على أنها مجرد أداة مالية لتحصيل الإيرادات، بل كركيزة أساسية في بناء علاقة جديدة بين الحكومة والمواطن، قوامها الثقة والعدالة والمساءلة. وبالتالي، فإن نجاح لجنة الإصلاح الضريبي لا يقاس فقط بجودة التوصيات الفنية، بل أيضاً بمدى اتساق عملها مع مبدأ الشفافية، والمشاركة، واحترام الإرادة العامة، المنصوص عليها في الإعلان الدستوري، لاسيما في ظل استمرار غياب الجهة التشريعية المؤقتة الممثلة افتراضياً للإرادة الشعبية، حتى الآن.

ومن هنا، ومن أجل تحقيق الشفافية والتنظيم اللازم يتوجب على وزارة المالية ولجنة الإصلاح الضريبي إصدار لائحة داخلية تتضمن خطة عمل معلنة ومجدولة زمنياً، يتم فيها تنظيم عملية اتخاذ القرار، إضافة إلى ضرورة وضع وتنفيذ آلية أوسع لتدوين محاضر الاجتماعات وإتاحتها للرقابة العامة. ولتحقيق ذلك، إلى جانب تأمين التمثيل المجتمعي وتوسيع قاعدة الشراكة، المطلوبين حُكماً، يوصى بإنشاء هيئة استشارية مدنية مرافقة للجنة، تُعطى صلاحية تقديم الرأي والتوصيات، وتُنشَر مداولاتها علناً لتعزيز الثقة.

وإذا كانت الاستعانة بالخبرات الأجنبية ضرورية فعلاً لتحديث النظام الضريبي، فإنه من الضروري أيضاً ضبط هذه الاستعانة بمعايير الشفافية وتحديد الأدوار، بمعنى أن يتم تحديد الجهات الخارجية التي يمكن التعاون معها وفق معايير مهنية، يتم على أساسها توقيع أي عقود استشارية، وباطلاع الهيئة الاستشارية المدنية المشار إليها، مع نشر التقارير ذات الصلة بعمل تلك الخبرات، وضمان عدم التأثير على آلية اتخاذ القرار خارج الحدود الفنية.

وفي الواقع، لا يمكن الجزم بكفاية فترة الشهرين لإنجاز المتطلبات الشكلية والموضوعية المذكورة، المهمة والضرورية، ولكن المهم في النهاية هو إنجاز نظام ضريبي يحقق الغايات المرجوة منه، في تحديد العلاقة المالية بين الدولة ومختلف شرائح المجتمع، وكجزء من عملية إصلاح أوسع، تشمل تطبيق اللامركزية الإدارية والمالية على امتداد الجغرافيا السورية، وتخصيص العوائد المحلية للخدمات المباشرة في مناطق تحققها، بما يضمن العدالة في توزيع العوائد والثروة الوطنية.

كما ينبغي ختاماً التأكيد على سمتي الإعداد والاقتراح للنظام الضريبي الجديد الذي ستصل إليه اللجنة، بمعنى أنه مرحلة يجب أن يتلوها إخضاع هذا النظام المقترح للهيئة التشريعية الانتقالية المُنتظرة فور انعقاد مؤتمرها الأول، وذلك انسجاماً مع مبدأ الفصل بين السلطات، وضرورة خضوع السياسات المالية للمساءلة العامة، باعتبارها تمس بصورة مباشرة حياة المواطنين ومعيشتهم، بانتظار مبادئ استراتيجية اقتصادية عليا، يتم في إطارها بناء السياسات التجارية والمالية والنقدية، وطرحها بصورة شفافة وخاضعة للمساءلة، وبما يضمن تشاركية حقيقية بين الدولة والقطاع الخاص والمجتمع المدني في صياغة مستقبل سوريا الجديدة.

تلفزيون سوريا

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى