العدالة الانتقالية تحديث 13 حزيران 2025

لمتابعة هذا الملف اتبع الرابط التالي
——————————-
فادي صقر: «سفّاح التضامن» أم «المقدّم النصيري»؟/ صبحي حديدي
في مستوى أوّل من السجال حول شخصيات فادي مالك أحمد (أو فادي صقر لاحقاً، وراهناً) لا تُحسد سلطات أحمد الشرع الانتقالية على الورطة التي علقت بها بعد اتضاح منحها الأمن والأمان (ثمّ سلطة التوسط مع أبناء الطائفة العلوية، من حيّ عشّ الورور في دمشق، إلى بلدات قرفيص والدالة في أعالي جبال الساحل السوري). هذه، أغلب الظنّ، ورطة أخلاقية تمسّ ما قطعت «فصائل التحرير» من عهود وما أبرمت من عقود، ليس مع شخصيات تُحتسب على «فلول» النظام بمقادير مختلفة متفاوتة، فحسب؛ بل كذلك، وأولاً، مع شارع شعبي اقتنع، أو انطلت عليه بسهولة، مقولة أحمد الشرع بصدد الانتقال من عقلية الفصيل/ الثورة إلى عقلية الدولة/ القانون.
لكنها، أيضاً واستطراداً، ورطة سياسية تخصّ عناوين مثل التسامح مع الماضي أو طيّ صفحته (على عجل، كما يتوجب التشديد)؛ وإدخال خصوم الماضي إلى صفوف الحاضر والمستقبل (ليس بأقلّ عجالة، أو حتى تعجلاً، هنا أيضاً)؛ واستفزاز الضمير الشعبي العريض، المثقل بالجراح الغائرة والمظالم الجائرة ومطالب إحقاق الحق. الورطة أمنية، إلى هذا، في ضوء تقارير شتى متقاطعة أشارت إلى أنّ أعدادا غير قليلة ممّن قاتلوا في صفوف فلول النظام، خلال تمرّد 8 و9 آذار (مارس) وما تخلله على الجانبين من أعمال قتل على الهوية الطائفية، كانوا يحملون في جيوبهم وثائق تسوية أوضاع مع سلطات الأمر الواقع، لم تمنعهم من حمل السلاح تحت راية مقداد فتيحة وأضرابه. وهي، ثالثاً، ورطة قانونية وحقوقية تتجاوز، بكثير وبعمق جزائي ومقاضاة واجبة، عموميات أمثال حسن صوفان ونور الدين البابا حول «السلم الأهلي»؛ لأنها، في خطأ فادح أوّل،
القدس العربيتستفزّ الضمير الشعبي العريض، المثقل بجراح غائرة ومظالم جائرة ومطالب إحقاق حقّ وراءه ملايين المطالبين.
منذا الذي، ابتداء من الرئيس الانتقالي أحمد الشرع، مروراً بوزير الداخلية أنس خطاب وليس انتهاء بأيّ عضو عالي المهارات في «التفلسف» حول العفو والتسامح والمسالمة الأهلية؛ يملك، اليوم أو في غد قريب أو بعيد، مقدرة طمس الصفات الدامغة التي اقترنت بشخص صقر؟ مَن يطمس عن مظهره الراهن، المُعاد إنتاجه وتدويره وتحسينه، سلسلة الصور التالية، الراسخة في ضمائر ضحاياه وخصومه قبل أنصاره ومحازبيه:
ـ أحد كبار قياديي ميليشيا «قوات الدفاع الوطني»، التي لم تكن بعيدة عن احتلال الصفة الأعنف والأشرس والأشدّ دموية في مساندة النظام، عن طريق ارتكاب المجازر الجماعية والفردية، وموالاة «الحرس الثوري» الإيراني و«حزب الله» والميليشيات المذهبية العراقية تارة، أو موالاة القوات الروسية ومجموعات «فاغنر» تارة أخرى، في دير الزور كما في مخيم اليرموك، وفي القامشلي كما في حي حمص.
2 ـ المهندس، إذا لم يكن القائد الآمر، خلف سلسلة مجازر عُدّت «ممنهجة»، على ما في المفردة من بذاءة دلالية دموية، في حيّ التضامن الدمشقي خصوصاً، في سنة 2013، ولم تُفتَضح إلا بعد 9 سنوات حين كشفت تفاصيلها الوحشية صحيفة الـ»غارديان» البريطانية.
3 ـ «أمير الحرب» الذي اهتدى إلى الأشغال والأعمال والتجارة والنهب والفساد والإفساد، ومارسها وفقاً لأنساق شديدة الابتذال لم يكن لروائحها الكريهة إلا أن تزكم أنوف أسياده أنفسهم، وسيداته أنفسهنّ والحقّ يُقال؛ كما في ملفّ مجمّع الـ«بيغ فايف» الدمشقي، حين اضطرّ كبار تماسيح اللصوصية إلى إجراء الحدّ الأدنى من وضع الكمامات على الأنوف.
4 ـ فإذا كانت السلطة الانتقالية قد منحت صقر الأمن والأمان، فهل في وسعها التوسط له لدى البيت الأبيض والخزانة الفدرالية الأمريكية لرفع اسمه عن لائحة عقوبات، جمعته في الأصل مع أمثال لونا الشبل وعمار ساعاتي وآخرين من غاسلي دماء السوريين عن أيدي كبار مجرمي الحرب؟
وقد يتساءل متسائل، محقاً في درجات غير ضئيلة: ولكن… أليست هذه هي، بالضبط، الصفات التي منحت صقر موقعاً تفاوضياً، وامتيازاً خاصاً لدى بيئاته الاجتماعية والسياسية والمناطقية، ثمّ الطائفية تالياً، كي يحصل من سلطات الشرع الانتقالية على تفويض بالتوسط و«حقن الدماء»؛ حتى إذا كان الثمن مرافقة محافظ دمشق في تعزية ضحايا التصفيات الطائفية في عشّ الورور، أو قبلها التجوّل هنا وهناك في قرى الساحل السوري بهدف «تعزيز السلم الأهلي»، على نحو استعراضي فاقع ومسرحي هابط؟
نعم، بالطبع، من وجهة نظر السلطة الانتقالية الراهنة، قبل انطلاق معارك ّ»ردع العدوان» حيث يتردد اليوم كلام مثير عن التنسيق مع صقر وأمثاله، أو بعد سقوط النظام فجر 8 كانون الأول (ديسمبر) 2023، أو خلال وبعيد تمرّد الفلول ومجازر الساحل السوري مطلع آذار (مارس) الماضي. ولكن لا، بالطبع أيضاً، من وجهة نظر وطنية وسياسية واجتماعية وتاريخية لا تعتبر أبناء الطائفة العلوية، في غالبية عالية على الأقلّ، «مخابر تجريب» لدى قائد سابق في «قوات الدفاع الوطني»، استحقّ بالفعل لقب «سفاح التضامن»؛ لا لأي اعتبار آخر يسبق حقيقة وجود أبناء الطائفة العلوية في قلب المعمار السياسي والاجتماعي والاقتصادي والوجداني السوري، ولهم بالتالي ما للآخرين من حقوق، وعليهم ما على الآخرين من واجبات مماثلة، وأفظع الحماقات سوف تكون زجّهم قسراً في قوالب مسبقة طائفية أو مناطقية.
وهذه السطور نأت على الدوام عن توصيف النظام الذي شيّده آل الأسد بـ«العلوي»، لأنه ليس دقيقاً بالمعاني السياسية أو الاجتماعية أو الديمغرافية أو حتى الاصطلاحية المجردة، ولسبب جوهري أوّل هو أن مكونات النظام، سواء في الأجهزة الأمنية أو الجيش أو الحزب أو مجلس الوزراء أو الإدارات الكبرى، ضمّت السنّة والعلويين والدروز والإسماعيليين من الطوائف المسلمة، والكاثوليك والأرثوذكس والبروتستانت من المسيحيين. لا يصحّ، في المقابل، إغفال حيثية أنثروبولوجية ومذهبية في آن، ذات صلة بما تمنحه التعاليم النصيرية من تراتبية اجتماعية ــ دينية لشخصية الزعيم «الوليّ» أو القائد «المقدّم»، وما يرتبط بهما من مراتب أدنى تابعة مثل «الرؤساء» و«النقباء» و«النجباء» و«المخلصين» و«الممتَحنين».
وفي العصور اللاحقة، بعد فترات الاضطهاد المملوكية والعثمانية، ثمّ خلال الانتداب الفرنسي (1921 ـ 1945) توطد التحالف بين «المقدّم» و«الشيخ»، كما في زعامات مثل جابر عباس زعيم عشيرة الخياطين، ومنافسه إبراهيم الكنج زعيم عشيرة الحدادين، ثمّ سليمان المرشد الذي جمع بين الزعيم العشائري والشيخ وناشر الخزعبلات حسب تقرير للمخابرات الفرنسية بتاريخ 30 يناير 1924. فإذا جاز الافتراض بأنّ فقهاء السلم الأهلي داخل السلطة الانتقالية يراهنون أيضاً على بُعد «المقدّم» في باطن شخصيات صقر المتعددة، التي تبدأ من مجرم الحرب ولا تنتهي عند تمساح النهب والفساد؛ فإنّ الخطأ هنا ليس جسيماً في مستوياته الحسابية كافة فحسب، بل هو إهانة لجراح تلك الأمّ التي تعرف الآن أنّ شقيقها قضى بأيدي عناصر سفاح اسمه فادي صقر، ولكنها تطالب بمعرفة مكان جثمانه، وتفرض على أمثال حسن صوفان ونور الدين البابا أن يجرّا المسامَح من أنفه كي يدلّ على القبر.
ليس هذا المطلب تهويلاً درامياً إلا عند أولئك الذين ثاروا ضدّ نظام «الحركة التصحيحية»، وزعموا رِفْع راية الحقّ في وجه الباطل، ونفروا خفافاَ وثقالاً حسب سرديات لم تغب عنها الدراما العالية؛ لكنهم اليوم أكثر عرضة لاحتمال الإصابة بصمم أو خرس إزاء تظاهرات سارت بالأمس في شوارع سوريا، ترفع شعار «لا سلام مع الإفلات من العقاب»!
كاتب وباحث سوري يقيم في باريس
القدس العربي
————————————————
عندما يُعبث بالسلم الأهلي في سورية/ أحمد مظهر سعدو
12 يونيو 2025
السلم الأهلي في أيّ بلد، خارج من حرب طويلة وصعبة ومثخنة بالجراح والآلام، يحتاج إلى لجان للسلم الأهلي، وقائمين عليها لتضميد الجراح، يمتلكون وعياً حقوقياً وإنسانياً وأخلاقياً وسياسياً، يواكب حالة التغيير الجديدة، ومن ثمّ يبلسم الجراح المفتوحة، وليس العبث بها أو نكء هذه الجراح من جديد. لكنّ ما حصل واقعاً مع عمل لجنة السلم الأهلي، المتجسّدة في بعض الشخصيات السورية ضمن تلك اللجنة، وأطلقت للعلن منذ فترة قصيرة، أيْ إبّان ما حصل من أحداث في الساحل السوري، وكانت ضمن محاولة الإدارة الجديدة (على عجل) لمنع امتداد الجرح وتوسعه إلى ما هو أبعد من ذلك. لكن كان هناك (ولا يزال) غياب للوعي المطابق والمواكب عقلانياً لمجريات الأمور، ثمّ ممارسة بعضهم حالات تركض وراء وعي مغلوط، من دون قدرة على الوصول إلى حالة الاستشفاء المجتمعي، وضمن سياقات التوهّم بأنهم يداوون الجراح، لكنّهم بالفعل “يعفّسون بالبقلة”، كما يقول المثل الحلبي السوري المعروف.
بات أعضاء في لجنة السلم الأهلي، بخطابهم التبريري، وأفعالهم التي ادَّعوا أنها تعبّر عن فهم جديد للعدالة الانتقالية، عبئاً كبيراً، ليس على اللجنة فحسب، بل على سياسات الحكومة الانتقالية السورية برمّتها، وتؤشّر إلى وجود انحدارات كُبرى في مسارات بناء السلم الأهلي، قد لا تكون عاقلةً، ولا رصينةً، بل لا تحفظ الحقوق، إذ تزيد وبالها وبالاً، وتعيد إنتاج الواقع السوري الجديد على أسس في غاية الانفلات، وضمن حالات من الفوات المجتمعي السياسي لم يسبق لها مثيل. ويقول العقل السياسي الهادئ، الواعي لما يجري، إنه من دون توافر مسار العدالة الانتقالية الحقّة، العادلة والواعية، ومن دون تفعيل وإنتاج لجنتها (المُعلَنة رئاستها منذ فترة فقط)، ومن دون العمل الجدّي الحثيث واليومي على إحقاق الحقوق، وعودة الحقّ بكلّيته إلى أهله، ومن ثمّ جبر الضرر، والاشتغال واقعياً وصولاً إلى حالة عامّة من المصالحة الوطنية السورية، فلا توجد أيّ إمكانية حقّة للسلم الأهلي، لأن مسألة إنفاذ السلم الأهلي لم تعد قضيةً شعاراتيةً، ولا هي عملية إطلاق هيئات شكلية فقط، بل هي ممارسة واقعية. ومن ثم، الدفع بالجميع نحو سيادة القانون المبتغى والمأمول، ضمن مسارات العمل على بناء دولة المواطنة، وليس دولة الطوائف، التي لفظها المجتمع السوري، وكانت (كما يبدو) أحد أسباب واقع التشظّي والتفتّت، التي آلت إليها الأمور، خلال فترة حكم سورية من دولة العصابة الأسدية، منذ عام 1970، وحتى لحظة السقوط المدوّي لنظام الاستبداد الأسدي. واليوم، فإن اعتقال بعض ضباط أمن بشّار الأسد، المرتكبين والعابثين والموغلين حقيقة في الدم السوري خلال فترة حكم الأسد، تحت سقف القانون، ضرورة وطنية لإحقاق السلم الأهلي. ومن ثمّ، محاكمتهم جميعاً محاكمةً عادلةً، ثمّ إطلاق سراح من لم تثبت بحقّه الأفعال المقترنة به، وتحكيم العدالة العلنية في رقاب من يدينه القانون الوضعي السوري، هو الملاذ المطلوب والضروري. غير ذلك، يؤدّي (عاجلاً أو آجلاً) إلى مزيد من الارتدادات، وعمليات القتل الفردي، والثأر الموجود أصلاً ضمن معظم أنساق المجتمع العربي، والسوري منه على وجه الخصوص.
لا يمكن إنفاذ السلم الأهلي، ولا يمكن أن يحصل مطلقاً، في ظلّ وجود حالات إعطاء الأمان لمن ارتكب الجرائم بحقّ ناسه من السوريين، وبقي طليقاً أمام ناظري السوريين من الضحايا، أو ذويهم، إذ لم يجفّ الدم السوري بعد، والآلام ما انفكّت تفقأ العين وتُدمي القلب. لا يجوز اليوم أن يعتقل بعضهم مرتكبي الجرائم ثمّ يطلق سراحهم من دون محاكمة، ومن دون أن يتبيّن للناس، كلّ الناس، مدى أحقية تنفيذ العدل الواضح والصريح، والخروج بعدها بمؤتمرات وتصريحات لا تعبّر بالضرورة عن آلام الناس، ولا تواكب حالة الفوران الشعبي، هذا الشعب المنتهكة حقوقه في طول حكم آل الأسد، ثمّ يأتي اليوم الذي يعتقد فيه هؤلاء الناس أنهم سوف ينالون حقوقهم، وسيجبر ضررهم، لكنّهم يستفيقون على إجراءات وقرارات وعبث في هذه الحقوق، وجنوح إلى مهاوي لا طائل منها.
كان السوريون دائماً يتحدّثون عن أن المجرم ما زال طليقاً، من قتلهم بالسلاح الكيماوي، ومن اعتقل أبناءهم، وهجّر أكثر من نصف الشعب السوري، ونهب خيرات البلد، وهدم أزيد من 65% من البنية التحتية في سورية، وخلق مجتمعاً كاملاً بمئات الآلاف من معوقي الحرب الأسدية على السوريين، وعندما سقط نظام المقتلة الأسدية صبيحة يوم 8 ديسمبر/ كانون أول 2024، تأمّل الناس خيراً، وقالوا لن يكون المجرم طليقاً بعد اليوم، لكنّهم، وبعد عبث لجنة السلم الأهلي بحالة السلم الأهلي ومساره، باتوا يعيدون التفكير مرّة أخرى في خطورة أن يكون المجرم طليقاً، ما يقلقهم على مستقبلهم وحيواتهم، وهي حاضرة بين ظهرانيهم.
المطلوب اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، إعادة إنتاج لجنة السلم الأهلي وتشكيلها على أسس جديدة ومختلفة، وشمول حراكها وعملها ليكون الوطن السوري كلّه، وليس الساحل السوري فقط. كذلك لا يمكن أن تعمل لجنة السلم الأهلي وحدها، فعملها يُواكب عملين مهمّين متساوقين معها لتشكيل هيئة عدالة انتقالية، شاملة وقادرة وكفؤة، وبأسرع وقت ممكن، وكذلك لجنة عليا للمفقودين، لأن عمل هيئات العدالة الانتقالية والمفقودين سيترك أثره إيجاباً في مجريات ومنتجات وآليات عمل السلم الأهلي بالضرورة، وبغير ذلك لا إمكانية أبداً للحديث عن السلم الأهلي في سورية، فوجود لجان للسلم الأهلي لا تمنع بالضرورة حرباً أهلية، فمن أجل منع تلك الحرب لا بدّ من بناء صرح جدّي للجان تعمل للحفاظ على السلم الأهلي، وإعادة بناء الوطن السوري على معطيات حديثة يقوم عليها أناس يمتلكون الوعي الحقيقي والعقل الهادئ المستنير، وليس العقل القمعي السلطوي المستبدّ والخارج من القرون الوسطى.
———————————
سلطة دمشق تحت الاختبار/ بكر صدقي
12 حزيران 2025
أثارت تصريحات أدلى بها رئيس «لجنة السلم الأهلي» حسن صوفان ردود فعل غاضبة أعادت إلى الواجهة موضوع العدالة الانتقالية الذي تعاملت معه سلطة دمشق منذ البداية بكثير من الحذر. وأكثر ما أثار الغضب هو تبريراته بشأن «إعطاء الأمان» لمجرمين معروفين كفادي صقر الذي كان قائد «قوات الدفاع الوطني» (الشبيحة) المسؤولة عن ارتكابات ومجازر موصوفة بحق السوريين، أو كمحمد حمشو الذي كان يدير أموال ماهر الأسد ويقوم بتمويل مجموعات الشبيحة، وغيرهما. فقد برر الرجل ذلك بالقول إنهم قاموا بأدوار مهمة في تفكك قوات النظام. لو أنه قال هذا الكلام دفاعاً عنهم في قاعة محكمة مكلفة بمحاكمتهم على جرائمهم، ليأخذ القاضي علماً بالأمر وربما يعتبر ذلك سبباً لتخفيف العقوبة التي سينطق بها، ربما كان لهذا أن يكون مقبولاً من غير أن تشكل شهادته العامل الحاسم في قرار المحكمة. أما أن تجري الأمور من وراء ظهر الرأي العام وتمنح اللجنة نفسها الحق في تبرئة مجرمين أو تجريم أبرياء فهذا ليس مما يساهم في إقامة سلم أهلي أو استقرار، بل من شأنه أن يؤجج مشاعر الثأر الشخصي من جهة، وتعزيز عدم الثقة بالسلطة القائمة من جهة أخرى.
ليس هذا هو الموضوع الوحيد الذي يثير الغضب أو التحفظات الجدية على ما تفعله سلطة دمشق التي تبدو وكأنها غير معنية برأي أحد في إجراءاتها ومسالكها، مقابل اهتمامها الحصري برأي الدول القوية التي قامت باحتضانها، الولايات المتحدة والسعودية وتركيا والإمارات وغيرها. في حين أنها ماضية في نهج التفرد بالسلطة والقرار وكأن تعزيز تفردها بالسلطة سيمر بلا أي عقبات. وعلى سبيل المثال ثار جدل صاخب حول قرار وزارة السياحة الذي وضع «مدونة مظهر» لمن يريدون الاصطياف على الشواطئ أو في المسابح الخاصة، يميز بين الأجانب والسكان المحليين في درجة «الاحتشام» المطلوبة من كل من الفئتين! وتظهر رغبة السلطة في هندسة المجتمع بما يتفق مع المنظور الإيديولوجي للمجموعة الحاكمة في تدخلها في كل صغيرة وكبيرة من شؤون المجتمع ومؤسسات الدولة، كإخضاع المنتسبين للجيش والأمن العام لدورات شرعية والتدخل في شؤون التربية والقضاء بالمنهجية نفسها. أما هيئة الشؤون السياسية التي تم تأسيسها في بنية وزارة الخارجية (!) فهي أكثر ما ذكّرت السوريين بالحزب القائد للدولة والمجتمع. أي الحزب الشمولي الذي يهيمن على جميع مؤسسات الدولة ويتدخل في كل شؤون المجتمع.
من المحتمل أن السلطة تراهن على ضعف المقاومات الاجتماعية لإجراءاتها، وهي كذلك فعلاً إلى الآن بسبب حالة التعب العامة بعد 14 عاماً من الحرب والوضع الاقتصادي المخيف وفشل الأطر السياسية المعارضة وميلها إلى التحلل من غير أن نذكر بقرار السلطة «الانتقالية» حظر نشاطها ومنع تأسيس أطر جديدة في الوقت الحالي. ولكن ماذا عن الجماعات الأهلية التي باتت اليوم هي القوى السياسية الوحيدة التي تعجز سلطة دمشق عن إخضاعها أو احتوائها؟ فمن الواضح أن الأمور لا تمشي بالاتجاه الذي تريده السلطة مع كل من مناطق شرق الفرات الخاضعة لقسد وفصائل السويداء المسلحة والزعامة الروحية للدروز في الجنوب، وذلك لأن السلطة تطالب كلاً منهما بالخضوع لها بدعوى أنها الدولة، في حين يريانها طرفاً وحسب لا يمثلهما بسبب رفضه للشراكة الوطنية في الدولة المأمولة.
صحيح أن الدول الداعمة القوية المشار إليها أعلاه غير مهتمة بالكيفية التي تصوغ بها السلطة علاقتها بالسكان، ولا بالنظام السياسي الذي ستتشكل الدولة وفقاً له (ديمقراطي، دكتاتوري، رئاسي، برلماني، مركزي، لا مركزي، بحزب قائد، أو بتعددية حزبية، بفصل بين السلطات أو بهيمنة السلطة التنفيذية… إلخ) وقد منحتها الاعتراف والمظلة الحامية، ولكن بشرط أساسي هو تأمين الاستقرار الذي لا بد من توفره لتدفق الاستثمارات. ولا يمكن تحقيق الاستقرار إلا حين يشعر جميع السوريين بأن الدولة هي دولتهم حتى لو كانت لديهم تحفظات على هذه الجزئية أو تلك، وحتى لو كانوا يعارضون السلطة القائمة. فكيف يمكن الحديث عن استقرار في الوقت الذي لا تسيطر فيه السلطة على مناطق واسعة، وترفض في الوقت نفسه تقديم تنازلات للقوى المسيطرة فيها تجعلها جزءا من الدولة وليس عقبة في طريق الوحدة والاستقرار طويل المدى؟ مع العلم أن أي تفكير بإخضاع تلك المناطق بالقوة مرفوض من قبل الدول الراعية للسلطة التي لا تريد سنوات إضافية من الصراعات الدموية.
من المؤسف أن هذه العقبة المتمثلة في المناطق خارج سيطرة السلطة هي الضمانة الوحيدة لعدم تفرد الجماعة الحاكمة بإنشاء سلطة شمولية تسعى لهندسة المجتمع وفق منظورها الإيديولوجي، أي هي تعويض واقعي عن غياب معارضة سياسية ديمقراطية وضمور المقاومة الاجتماعية، يشكل نوعاً من توازن القوى مع سلطة دمشق لتكون سلطة انتقالية حقاً بصرف النظر عن المظلة الخارجية القوية التي يبدو أنها تتمتع بها.
فهذه المظلة ليست مطلقة، بل هي مشروطة ومؤقتة، ولدى السلطة فترة محدودة لتفادي أخطائها في الأشهر الستة التي مضت من عمرها، والاعتراف لنفسها بوجوب خضوعها لتسويات وحلول وسط ترضي الداخل وإن بدرجات متفاوتة إذا أرادت الاستمرار في السلطة. أي أنها ملزمة بالتخفيف من متطلباتها الإيديولوجية وتفردها مقابل تقوية النزوع إلى دولة تمثل كل التنوع الاجتماعي والسياسي في سوريا.
كاتب سوري
القدس العربي،
—————————-
السلم الأهلي.. بلاغة الخطاب وغياب العدالة/ عبد الله مكسور
2025.06.13
في البلدان التي شهدت حروبًا طويلة مدمّرة مثل سوريا، يكتسب مفهوم “السلم الأهلي” أهمية مركزية في الخطاب السياسي والاجتماعي، ويُطرح بوصفه أحد المفاتيح الأساسية للعبور من حالة الحرب إلى حالة اللا اشتباك أو بصيغة أكثر تحضراً “الاستقرار”.
ومع ذلك، فإن هذا المفهوم لا يزال غامضًا أو محمّلاً بتناقضات شتى، إذ يتراوح استخدامه بين مقاربات توظّفه كأداة لضبط المجتمع، وبين رؤى مدنية تنظر إليه بوصفه ضرورة أخلاقية، وشرطًا تأسيسيًا لبناء دولة عادلة على أنقاض الحرب والخراب.
بحسب الأمم المتحدة ووفقاً للمعايير الدولية، لا يُعرَّف السلم الأهلي بشكل منفصل عن مفاهيم “بناء السلام” و”العدالة الانتقالية” و”المصالحة الوطنية”، بل يُفهم ضمن سياق أشمل يُعنى بمنع النزاعات، وحلّها بطريقة سلمية، ومعالجة جذورها البنيوية، وضمان التماسك المجتمعي. تشير الأمم المتحدة عن “بناء السلام المستدام “إلى أن بناء السلام يتطلب “التماسك الاجتماعي، ومؤسسات شاملة، وتفاعل مجتمعي يعالج مظالم الماضي ويمنع تجدد العنف”. أما في البروتوكولات الإنسانية الدولية، خصوصاً تلك الصادرة عن اللجنة الدولية للصليب الأحمر، فإن السلم الأهلي لا يُعدّ مجرد “غياب للحرب”، بل يُنظر إليه بوصفه حالة نشطة من الاحترام المتبادل، وقبول التنوع، ونبذ التحريض، وبناء الثقة بين المجتمعات المتصارعة. وهو بذلك يخرج من كونه مسألة أمنية أو سياسية، ليصبح مسألة حقوقية وأخلاقية وثقافية واجتماعية في آنٍ واحد.
تشظي المفهوم وازدواجية الخطاب
في السياق السوري، يواجه مفهوم السلم الأهلي تحديات معقّدة ناتجة عن الطبيعة الطائفية والسياسية والعنفية للصراع. إذ لم يكن النزاع السوري مجرد صراع عسكري، بل كان أيضًا صراعًا على الهوية الوطنية، والعدالة الاجتماعية، وشرعية السلطة، والتمثيل السياسي. لذلك، لا يمكن حصر السلم الأهلي في استعادة السيطرة الأمنية أو تنظيم المصالحات المحلية التي جرى كثير منها تحت ضغط السلاح أو الحصار فيما سبق، وتحت ضغط العامل الأمني في الوقت الحالي. فالسلم الأهلي في سوريا لا يعني فقط وقف الاشتباك، أو الإفراج عن عدد من المعتقلين، بل يتطلب عملية عميقة متعددة الأبعاد تشمل، العدالة الانتقالية وما تتضمنه من اعتراف بالجرائم والانتهاكات التي وقعت خلال النزاع، وضمان المحاسبة وعدم الإفلات من العقاب. إلى جانب المصالحة الوطنية التي تتم عبر إعادة بناء العلاقات بين مكونات المجتمع السوري على أساس الاحترام والتعايش والاعتراف المتبادل. وإعادة الاعتبار للضحايا وهنا الإشارة بأن ذلك لا يتم فقط من خلال التعويضات أو البيانات الرمزية، بل بمنحهم دورًا في صياغة المستقبل. وإصلاح المؤسسات الأمنية والقضائية باعتبار ذلك ضامناً بأنها لم تعد أدوات قمع، بل مؤسسات حامية للحقوق والحريات. بالإضافة إلى مشاركة المجتمع المدني، لأن أي سلم أهلي لا يُبنى من القاعدة المجتمعية، سيبقى هشًا وعرضة للانهيار.
السلم الأهلي كقيمة، لا كتكتيك
الخطورة في استخدام السلطات السورية لمصطلح السلم الأهلي تكمن في تفريغه من مضمونه القيمي، وتحويله إلى مجرد أداة دعائية لإسكات الاعتراضات. كثير من المبادرات التي تُطلق تحت لافتة “تعزيز السلم الأهلي” تغيب عنها الشفافية، وتفتقر للمشاركة المجتمعية، وتُركّز على السعي لضبط الشارع لا على علاج أسبابه. في المقابل، ترى قطاعات واسعة من السوريين – وفق ما تعكسه منصات التواصل والمنتديات المجتمعية – أن السلم الأهلي يجب أن يُبنى على أسس الحقيقة والعدالة. فيما يرفض كثيرون مقايضة العدالة بـ”الاستقرار”، معتبرين أن أي استقرار مبني على إنكار الماضي، أو على إقصاء الضحايا، هو استقرار زائف. مؤقت ومرحلي. والأهم من كل هذا أنه هش.
تجارب عالمية
في تجارب ما بعد النزاع عبر العالم، مثل رواندا، وجنوب أفريقيا، ولبنان بعد اتفاق الطائف، لم يكن السلم الأهلي مجرد شعار أخلاقي أو نتيجة طبيعية لوقف الحرب، بل كان نتاجًا لعمليات سياسية ومجتمعية معقدة تهدف إلى تفكيك الأسباب البنيوية للعنف، وإعادة بناء الروابط بين الدولة والمجتمع، وبين الجماعات المتنازعة، على أسس جديدة قائمة على العدالة، والمساءلة، والتمثيل العادل، والمساواة. وفي البحث عن المقاربات الحقيقية لبناء السلم الأهلي في رواندا، على سبيل المثال، بعد المجازر التي أودت بحياة مئات الآلاف من البشر، لم تكتف الدولة بفرض الأمن أو إصدار قوانين العفو، بل اعتمدت على منطق مزدوج يقوم على مسار قضائي عبر محاكم تقليدية، أفسحت بدورها المجال لمشاركة مجتمعية في كشف الحقيقة والمساءلة. ومسار تنموي عبر إصلاحات سياسية واجتماعية هدفت إلى إزالة التصنيفات العرقية من الحياة العامة، ودمج الناجين والجلادين في مشروع وطني موحّد. أما في جنوب أفريقيا، فقد تأسس مفهوم “السلم الأهلي” بعد نظام الفصل العنصري على لجنة “الحقيقة والمصالحة”، التي اعتمدت مبدأ “العفو مقابل الاعتراف”، لكنها لم تساوِ بين الضحية والجلاد، بل أرست سردية وطنية تقوم على الاعتراف بالخطأ، وإعادة الاعتبار للضحايا، وتحصين الدولة من عودة العنف من خلال إصلاحات دستورية ومؤسساتية شاملة. وفي لبنان بعد الطائف، ورغم انتهاء الحرب الأهلية رسميًا، فإن السلم الأهلي بقي هشًا نتيجة اعتماد مقاربة العفو العام دون محاسبة، مما جعل أمراء الحرب يحتفظون بمواقعهم في الدولة والمجتمع، ما أدى إلى تجميد العدالة وتكريس الطائفية السياسية كأداة حكم. والنتيجة أن السلام استمر ظاهريًا، لكن التوتر المجتمعي والسياسي ظل قائمًا، وقابلاً للانفجار في أي لحظة وبأشكال مختلفة. يمكن رصده في أي منعطف سياسي أو تحول يمر به لبنان.
ضرورات لا يمكن القفز فوقها
تُظهر هذه التجارب المقارنة أن السلم الأهلي لا يمكن أن يكون بديلاً عن العدالة، ولا واجهة لتطبيع الظلم. فحين يُستخدم في السياق السوري كشعار برَّاق لتسويق “تطبيع داخلي” مع من ارتكبوا جرائم بحق السوريين، أو كمبرّر لتمرير صفقات تسوية تُبقي على منظومات القمع دون مساءلة، فإنه يتحوّل إلى سلم زائف، مفروض من أعلى الهرم، هش بطبيعته، ومعرّض للانهيار في أي وقت. وبالتالي فإن مفهوم السلم الأهلي الحقيقي في سوريا يجب أن يقوم على ركائز متكاملة، أبرزها بناء عقد اجتماعي جديد يكرّس المواطنة لا الطائفة، ويؤسس لدولة القانون والحقوق المتساوية. وإنشاء آليات عدالة انتقالية تضمن الحقيقة، والمحاسبة، وجبر الضرر، ومنع تكرار الجرائم، مع إشراك المجتمع المدني والضحايا في تصميمها وتنفيذها. بالإضافة إلى ضمانات جماعية للمستقبل، تشمل إصلاح المناهج التربوية، وإعادة بناء الإعلام، وتوفير فرص متساوية للعمل والتعليم، بما يعيد الثقة بين الأفراد والدولة.
الاستقرار السياسي لا ينبع من القمع أو فرض النظام بالقوة، أو التطبيع مع المجرمين، بل من شعور كل فئة من فئات المجتمع بأنها ممثلة ومحترمة في مؤسسات الدولة. والسلم الأهلي هنا يعزّز الشرعية السياسية، ويمنح الحكومات المستقبلية قاعدة مجتمعية داعمة. أما الاستقرار المجتمعي، فلا يتحقق إلا حين يشعر المواطنون بأن روابطهم الأفقية مع بعضهم البعض وروابطهم العمودية مع الدولة قائمة على الثقة لا الخوف، وعلى الإنصاف لا الامتياز. وبالتالي، فإن تهميش العدالة باسم “الاستقرار” هو خيانة للمفهوم الحقيقي للسلم الأهلي. وكما تُظهر تجارب العالم، فإن السلام القائم على القهر أو الإنكار أو التواطؤ مع الماضي الدموي لا يصمد طويلًا، بل ينفجر من جديد عند أول أزمة. والسؤال الذي سمعناه في المؤتمر الصحفي من صحفي يطالب لجنة السلم الأهلي بقبر خاله في مخيم اليرموك مثال واضح عن إمكانية الانفجار عند أول أزمة.
في سوريا، لا يمكن الحديث عن السلم الأهلي بجدّية ما لم تُفتح ملفات الجرائم، ويُسحب البساط من تحت أقدام المتورطين بها، يتم رؤيتهم في الأقفاص قبل الشروع ببناء مشروع وطني شامل، لا تقوده الأجهزة، بل يصنعه الناس. من هنا، فإن المطلوب في سوريا ليس مجرد “هدنة اجتماعية”، بل سلم أهلي تحويلي يعيد تعريف العلاقة بين الدولة والمجتمع، ويعيد تأسيس العقد الاجتماعي، ويضمن تمثيلًا عادلًا للمكونات كافة، ويُخرج الدولة من كونها دولة تتلمس خطاها إلى كونها دولة مواطنة.
السلم الأهلي في المؤتمر الصحفي
في مؤتمر السلم الأهلي الذي تم بثه على الهواء مباشرة، قدّم حسن صوفان، أحد أبرز الشخصيات الفاعلة في الإدارة السورية الجديدة بما يتعلق بملف السلم الأهلي، خطابًا بدا للوهلة الأولى متماسكًا ومطمئنًا. لكن التدقيق في لغته وبنيته يكشف ما هو أبعد من التهدئة الرمزية، ويطرح سؤالًا جوهريًا: هل يُبنى السلم الأهلي حقًا فوق عدالة مؤجلة، أم فوق واقع يُعاد إنتاجه بخطاب جديد؟
السيد حسن صوفان لم يتحدث بلغة سياسية تقليدية، بل استخدم مفردات ذات طابع أخلاقي ورسالي، مثل “حقن الدماء”، و”تفكيك العقد”، و”لا وطن دون عدالة”. تبدو هذه التعبيرات وكأنها تنتمي إلى مشهد تأسيسي، لكن بلاغتها تخفي حقيقة أن ما يُطرَح هو سلم مفروض من فوق، لا نتيجة لتفكيك فعلي لأسباب العنف. الأخطر من ذلك هو بناء الثنائيات القسرية في الخطاب الذي تم تقديمه: العدالة أو الفوضى، الشفافية أو الانهيار، السلم أو الغرق. هذه ليست مفاضلات حقيقية، بل أدوات ضغط نفسي تُستخدم عادة لتثبيت خيار وحيد يُطرَح كقدر لا بديل عنه. هو منطق يستبدل النقاش السياسي بإملاء أخلاقي، ويحوّل السلم من عملية تفاوض مجتمعي إلى قرار أمني مغلّف بعبارات وطنية. وفي التحليل اللغوي رغم الحديث عن “لجنة تعمل بعيدًا عن الإعلام”، و”صلاحيات منحتها الرئاسة”، فإن التناقض واضح بين ما يُقال وما يُمارس. فإسناد الفعل إلى الرئاسة يخفف من ثقل القرار شعبيًا، ويضع المتحدث في موقع الوسيط، لا المسؤول، بينما تغييب الإعلام يعني تغييب الرقابة، لا تعزيز الثقة. فيما يتكرر في الخطاب الحديث عن “الأمان” و”الطمأنينة” و”الاستقرار”، وكأن السلم الأهلي مقايضة بين حريات مسلوبة ومجتمع مرهق يبحث عن النجاة. عبارة مثل “من لم يثبت تورطه في جرائم حرب” تعني ببساطة أن التحقيقات داخلية، وأن معايير العدالة يُعاد تعريفها ضمن جدران السلطة الجديدة.
هيكل الخطاب نفسه في المؤتمر الصحفي لو أردنا قراءته بهدوء يقوم على ترتيب ذكي: فأولاً تم تقديم النتيجة “الإفراج”، ثم التبرير “لم تثبت التهم”، ثم وعد غامض “سنستمر في العدالة”. بهذا التدرّج، يُصبح الإفراج قرارًا واقعًا لا نقاش حوله، ويُستخدم الوعد كأداة تأجيل سياسي لا كخطة عدالة انتقالية.
وفق المنطق السابق هل يمكن وضع التصريحات التي أدلى بها عضو اللجنة الوطنية العليا للسلم الأهلي حسن صوفان، بحضور ومشاركة المتحدث باسم وزارة الداخلية السيد نور الدين البابا في سياق عدالة انتقالية فعلية، أم في إطار خطاب سياسي يهدف إلى امتصاص القلق المجتمعي وإعادة ضبط السردية الوطنية. من خلال خطاب يستخدم بلاغة “العدالة” لتمرير واقع سياسي يمكن وصفه بمرحلة ما بعد النظام، هذا الخطاب يقوم على تجميد المطالب بالمحاسبة، وتسويق الإفراجات كأفعال وطنية كبرى. إنه خطاب لا يمكن أن يتم قراءته على أنه تأسيس لعدالة، بل إعادة هندسة الذاكرة الجمعية بطريقة تسمح بطيّ الملفات تحت شعار السلم الأهلي.
في نهاية المطاف، لا يمكن بناء سلم أهلي حقيقي دون مساءلة، ولا يمكن الاستناد إلى مفردات “التفكيك” و”العدالة” إذا بقيت البُنى التي أنتجت العنف قائمة أو موجودة في المشهد، أو أعيد تدويرها بوجوه جديدة. وحين يُصبح السلم أداة لتجميد العدالة لا تفعيلها، يتحوّل إلى هدنة مؤقتة، لا إلى ميثاق مجتمعي. فالعدالة في سوريا ليست عبئًا على الاستقرار، بل شرط أساسي له. والسلم الأهلي لا يُبنى على الصمت، بل على الحقيقة. وهو كذلك بطبيعة الحال لا يُبنى عبر التوجيهات الأمنية، بل عبر التفاهمات الوطنية الشاملة. ولا يتحقق بالقرارات الفوقية، بل بالمسارات التفاوضية المجتمعية التي تُنصت لصوت القاعدة الشعبية، وتُعطي الضحايا وأصحاب المصلحة دورًا حقيقيًا في صنع القرار. ولا بد من الإدراك أنه لا يمكن بناء سلم أهلي في مجتمع جُرِح دون أن يُعترف له بألمه، ودون أن تُفتَح له أفق العدالة والكرامة. فالسلم الأهلي، كما يُفهم في كل التجارب العالمية الناجحة، هو نتيجة للعدالة، وليس بديلاً عنها. والسؤال البسيط الذي يُطرح كيف من الممكن أن يتعايش المواطن السوري الذي حُرِق بيتُهُ أو سُلِبَت أرضُهُ لأربعة عشر عاماً مع مرتكب الجريمة في حي واحد أو شارع واحد في بعض الأحيان!.
تلفزيون سوريا
——————————–
جدلية النقد الوطني والنقد غير الوطني في العدالة الانتقالية في سوريا/ حمدان العكله
2025.06.13
في خضم التحولات الجذرية التي تعيشها سوريا، تبرز العدالة الانتقالية كإحدى أكثر القضايا إلحاحاً في الخطاب السياسي والاجتماعي المعاصر، ليس فقط بوصفها استحقاقاً حقوقياً وإنسانياً، بل أيضاً باعتبارها مدخلاً لإعادة بناء العقد الوطني وصياغة مستقبل سياسي أكثر توازناً، في هذا السياق، يُعاد إنتاج النقد بوصفه ممارسة محورية تُمثل انعكاساً لتغير العلاقة بين الدولة والمجتمع، وتكشف عن تنازع عميق في الرؤى والغايات، ففي حين يتبلور تيار من النقد الوطني البنّاء، الذي يستند إلى القيم السيادية ويهدف إلى إصلاح مؤسسات الدولة من الداخل، يظهر في المقابل خطاب نقدي غير وطني، يتوسل أدوات التشكيك والتقويض، ويُدار غالباً من منابر خارجية أو أطر ذات نزعات تفكيكية.
هذه المفارقة لا تعبّر عن اختلاف في أدوات النقد فحسب، بل تُجسد صراعاً على تعريف الوطن، وعلى طبيعة العملية الانتقالية نفسها: هل تكون العدالة أداة لإعادة بناء الثقة والمؤسسات، أم ذريعة لإعادة تشكيل الدولة وفق مقاربات مفروضة من الخارج؟
في هذا السياق، مثّل مؤتمر “السلم الأهلي” محطة مثيرة للجدل، إذ فاقم شكوك قطاعات واسعة من السوريين بشأن جدية التزام النخب الحاكمة بمسار العدالة الانتقالية، خاصة في ظل إشراك شخصيات متهمة بارتكاب انتهاكات جسيمة من دون مساءلة، ورغم شعاراته التصالحية، اعتُبر المؤتمر لدى كثيرين محاولة لإعادة تدوير السلطة تحت غطاء المصالحة، من دون معالجة حقيقية لجذور الظلم أو مساءلة الجناة، ما جعل العدالة تبدو انتقائية، والمصالحة سطحية، وهنا يبرز التمييز بين النقد الوطني والنقد غير الوطني كأداة لفهم هذه المفارقة بين الخطاب والممارسة.
ينطلق النقد الوطني، كما يتبدى في مواقف العديد من المثقفين والناشطين السوريين، من قناعة عميقة بأن تحقيق العدالة لا يكون إلا من خلال مؤسسات وطنية قوية وخاضعة للمساءلة، ويُمارَس بوعي قانوني وأخلاقي يستند إلى مفاهيم حقوق الإنسان والسيادة والكرامة، ويسعى هذا النقد إلى تصحيح المسار من دون المساس بأسس الدولة الوطنية، بل إنه يتخذ من هذه الأسس نقطة انطلاق لإعادة بناء الثقة بين المواطن والنظام السياسي، وفي سياق العدالة الانتقالية، يتمحور هذا النقد حول أربعة محاور رئيسة وهي: الكشف الشامل عن الحقيقة بما يعيد الاعتبار للضحايا ويمنع تكرار الانتهاكات؛ والمطالبة بتحقيق العدالة عبر المساءلة القضائية وجبر الضرر؛ والدفع نحو بناء مؤسسات شفافة ومستقلة، قادرة على منع الاستبداد وتكريس سيادة القانون؛ وأخيراً، دعم مبادرات المصالحة المجتمعية التي تتجاوز الانقسامات الطائفية والعرقية، وتُعيد ترميم النسيج الوطني، فالمطالبة بإنشاء لجنة وطنية مستقلة للبحث في شهادات ضحايا التعذيب تُعدّ مثالاً عملياً على هذا النوع من النقد، حيث تُطرح المبادرة بوصفها مدخلاً ضرورياً لكشف الحقيقة، وتحقيق الإنصاف، وترسيخ ثقافة المساءلة ضمن الإطار السيادي للدولة، بعيداً عن أي توظيف سياسي أو استقواء خارجي.
في المقابل، يظهر النقد غير الوطني كممارسة تهدف إلى التشكيك الممنهج في مشروعية الدولة ومؤسساتها، وهو غالباً ما يُروَّج له عبر منصات إعلامية أو سياسية تابعة لأطراف خارجية أو ذات مصالح فئوية ضيقة، هذا النوع من النقد لا ينبع من رغبة في الإصلاح بقدر ما يُستخدم كأداة لتبرير دعوات التدخل الدولي، أو فرض وصاية خارجية على القرار الوطني السوري، وفي سياق العدالة الانتقالية، يتجسد هذا النقد في محاولات الطعن في قدرة الدولة على إنجاز أي عملية إصلاح ذات مصداقية، والدعوة إلى حلول بديلة خارجة عن السياق الوطني، كالفدرالية الانفصالية أو الحماية الدولية، كما يُستَغل هذا الخطاب في تغذية الانقسامات الهوياتية، من خلال التركيز على القضايا العرقية والطائفية بشكل انتقائي يُغيب البعد الوطني ويُضعف مقومات الوحدة المجتمعية، الأمر الذي يُهدد بتفتيت الدولة ويُكرّس حالة من اللاثقة والتفكك. ومثاله نشاهده على بعض الشاشات الفضائية الممولة خارجياً من خلال دعوات فرض إدارة دولية مؤقتة على سوريا، والمطالبة بإعادة هيكلة النظام السياسي عبر حلول مفروضة من الخارج، مع التشكيك الكلي في شرعية المؤسسات الوطنية.
إن التمييز بين هذين النوعين من النقد ليس ترفاً نظرياً، بل هو ضرورة استراتيجية لضمان استقرار سوريا وبناء مستقبلها السياسي على أسس متينة، فالنقد الوطني يُسهم في تعزيز مشروعية النظام السياسي من خلال دفعه نحو الإصلاح والاستجابة لمطالب الشعب، في حين يؤدي النقد غير الوطني إلى نزع الشرعية عن مؤسسات الدولة وتغذية الفراغ السياسي والأمني، وعليه فإن تعزيز النقد الوطني يقتضي العمل على عدة محاور، من أبرزها دعم مؤسسات المجتمع المدني القادرة على إنتاج معرفة نقدية مستقلة ومسؤولة، وخلق منابر وطنية حوارية تتيح للمواطنين التعبير عن آرائهم بحرية ضمن إطار قانوني ضامن، إلى جانب إصلاح النظام التعليمي بما يُرسّخ ثقافة المساءلة والمواطنة الفاعلة، كما أن التشريعات الوطنية ينبغي أن تُعيد تعريف العلاقة بين الدولة والمجتمع، من خلال حماية حرية التعبير من جهة، وتجريم محاولات التحريض على تفكيك الدولة أو تبرير التدخل الأجنبي من جهة أخرى.
في الختام، تبقى العدالة الانتقالية في سوريا مرهونةً بقدرة السوريين على إنتاج خطاب نقدي وطني جامع، يُعيد الاعتبار لمفهوم السيادة من دون أن يُفرّط بحقوق الإنسان، ويُؤسس لمجتمع سياسي قائم على الشفافية والمحاسبة؛ لأن المأزق السوري لا يُحل عبر وصايات أجنبية أو حلول مفروضة من الخارج، بل عبر وعي جمعي قادر على التمييز بين النقد الذي يُبنى على مسؤولية وطنية، والنقد الذي يُسوّق لانهيار الدولة تحت شعارات زائفة لا تخدم إلا مشاريع التقسيم والهيمنة.
تلفزيون سوريا
——————————-
فادي صقر يراوغ العدالة.. وانتقادات حقوقية لتعامل الحكومة السورية/ عبد الله البشير
12 يونيو 2025
تنصّل فادي صقر، قائد مليشيا الدفاع الوطني التابعة للنظام السوري السابق والمتورط في ارتكاب جرائم حرب ومجازر، من مسؤوليته عن انتهاكات أو جرائم بحق السوريين، وفق ما صرح به لصحيفة نيويورك تايمز الأميركية اليوم الخميس، مؤكداً أنه لم يحصل على عفو من الحكومة السورية. وقال صقر إن الدولة كانت واضحة معه منذ البداية بعد سقوط نظام الأسد، مضيفاً أنه “لو كان لدى وزارة الداخلية أي دليل ضدي، لما كنت أعمل معها اليوم”، ومؤكداً: “سأمتثل لما تقرره السلطة القضائية ضمن إجراءات قانونية سليمة”.
ولفت صقر إلى أن خلفيته ليست فقط شخصاً ينتمي للطائفة العلوية، بل قائدَ مليشيا سابقاً، وهو ما منحه المصداقية لإقناع مؤيدي النظام السابق بعدم الانفصال عن الحكومة الجديدة. وعند سؤاله إن كان جمهور الثورة سيقبل به شريكاً في الوطن، أجاب: “اسم فادي صقر هو اختبار لما إذا كان التعايش ممكناً بين طرفي الصراع”. وفي معرض ردّه على حديث صقر، قال مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني، لـ”العربي الجديد”، إنّ تصريحات صقر “مجرد أكاذيب”، وهي مطابقة تماماً لتصريحات محمد الشعار، وزير الداخلية السابق في عهد نظام الأسد. وأضاف: “نشرنا تقريراً مفصّلاً ضده، وثّقنا فيه جرائم الوزارة التي كان على رأسها، ويتضمن التقرير ما يقارب ربع مليون انتهاك”.
وأوضح عبد الغني أنّ الشعار حاول التنصّل من المسؤولية كما يفعل صقر، مؤكداً أن لدى الشبكة أدلة كثيرة على جرائم مليشيا الدفاع الوطني في مناطق متعددة من سورية، تشمل القتل، والإعدامات الميدانية، والانتهاكات واسعة النطاق، ومنها مجزرة حي التضامن، وغيرها. وأشار عبد الغني إلى أنّ الانتهاكات التي ارتكبتها المليشيا تشمل الاعتقال والإخفاء القسري، والتعذيب، والتهجير القسري، والسيطرة على منازل المدنيين، وابتزاز السكان، وتجنيس بعض المقاتلين، موضحاً أن المليشيا باتت قوة مستقلة تفوق أحياناً الجيش والأجهزة الأمنية.
وأضاف عبد الغني أنّ مليشيا الدفاع الوطني ارتكبت جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، ولا يمكن التعامل مع ملفها وكأنه مجرد قرار عفو، مشيراً إلى أن لجنة العدالة الانتقالية، وليس لجنة السلم الأهلي، هي المخولة تقييم الجرائم ومقارنتها بأي “إسهامات” مزعومة. وتساءل عبد الغني: “على أي أساس يُعفى عن شخص مثل هذا؟ هل تمتلك الحكومة توثيقاً للجرائم؟ هل شاهدت الفيديوهات، مثل تلك التي توثق مجزرة حي التضامن؟ وهي واحدة فقط من عشرات المجازر التي ارتكبتها المليشيا”.
وأكد أن ملف فادي صقر لا يمكن أن يعالَج بتلك البساطة، مشيراً إلى وجود تخبط حكومي وخلط بين السلم الأهلي والعدالة الانتقالية. وأضاف: “وزارة الخارجية تتولى الآن ملف العدالة الانتقالية، رغم أن اختصاصها سياسي، وليس حقوقياً أو قضائياً”، متسائلاً: “لماذا لم تتول وزارة العدل هذا الملف؟ ولماذا لا تتولى وزارة الداخلية أو الشرطة مسؤولية ملفات المفقودين؟”.
فادي صقر في سطور
ينحدر فادي مالك أحمد، المعروف بـ”فادي صقر”، من مدينة جبلة في ريف محافظة اللاذقية غربي سورية، وهو من مواليد 1975. كان قائداً بارزاً في مليشيا الدفاع الوطني، وتولى قيادة عناصرها في دمشق والمنطقة الجنوبية. يتهم صقر بارتكاب مجزرة حي التضامن في 16 إبريل/ نيسان 2013، والإشراف على تهجير سكان القابون وبرزة والغوطة الشرقية، وتجويع سكان مخيم اليرموك، وفق ما صرح به فايز أبو عيد، مدير مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سورية، لـ”العربي الجديد”.
تولى صقر موقعاً قيادياً في مليشيا الدفاع الوطني منذ عام 2012، وشارك في حملات القمع والحصار والتجويع بدمشق وريفها ودرعا، وارتبط اسمه بمئات عمليات القتل والتهجير. وكشف مصدر خاص لـ”العربي الجديد” أن أول وظيفة حكومية لصقر كانت في وزارة التموين، عندما كان لا يزال في المرحلة الثانوية. أما لقبه “صقر”، فيعود لاستخدامه قبل عام 2011.
وكانت نقابة المحامين في دمشق قد أصدرت، في 4 مايو/ أيار الماضي، قراراً يقضي بشطب فادي مالك أحمد من جدول المحامين لثبوت تورطه في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، مؤكدًة ضلوعه في مجزرة حي التضامن في إبريل/ نيسان 2013. وفي مؤتمر صحافي عقد بدمشق الثلاثاء، قال حسن صوفان، أحد أعضاء لجنة “السلم الأهلي” المكلفة من الإدارة السورية، إن فادي صقر “أُعطي الأمان من القيادة، بدلاً من توقيفه، بناءً على تقدير للمشهد، ولحقن الدماء”، ما أثار موجة غضب شعبي وتساؤلات حول طبيعة العدالة الانتقالية في سورية.
—————————-
صوفان وصقر نقيضان سوريان لا يلتقيان… بل التقيا/ اسماعيل درويش
قائد”حركة أحرار الشام” أصبح داعية سلام بمشاركة قائد ميليشيات “الدفاع الوطني” التابعة لنظام الأسد
الجمعة 13 يونيو 2025
حسن صوفان القيادي الذي قضى شبابه في السجن قبل أن يخرج إلى ساحات القتال، قائد فصيل تحول إلى رجل سياسي وداعية سلم أهلي. وخلال الوقت ذاته ينتظر أهالي الضحايا تحقيق العدالة الانتقالية، في حين يطالب آخرون بتغليب السلم الأهلي في الأقل خلال المرحلة الحالية.
من جديد ظهر على الساحة السورية اسمان تناقضا طوال الأعوام الماضية، الأول قائد فصيل “أحرار الشام” حسن صوفان، والثاني قائد ميليشيات “الدفاع الوطني” فادي صقر، إلا أن الصادم خروجهما في صف واحد وفق وصف منتقدي حسن صوفان.
صوفان ظهر هذه المرة عبر منصة رسمية من قلب دمشق، لا من ساحات القتال التي خاض فيها كثيراً من المعارك، ولا من الزنازين التي قضى بها عدة سنين من عمره، خرج متحدثاً رسمياً بصفته عضو لجنة السلم الأهلي التي تشكلت بمرسوم أصدره الرئيس السوري أحمد الشرع.
من زنزانة صيدنايا إلى محافظ اللاذقية
ولد “أبو البراء” أو حسن صوفان باسمه الحقيقي عام 1977 داخل مدينة اللاذقية، التي عين محافظاً لها بعد انتصار الثورة.
عاش طفولته ودراسته الابتدائية والثانوية داخل اللاذقية وحصل على شهادة في الاقتصاد من جامعة تشرين قبل أن ينتقل للعيش في السعودية، وخلال عام 2005 عاد إلى سوريا فتعرض للاحتجاز من قبل النظام السابق، واعتُقل في سجن صيدنايا سيئ السمعة.
وخلال عام 2008 وتزامناً مع استضافة دمشق للقمة العربية، شارك صوفان في تمرد ضد النظام داخل سجن صيدنايا، متسبباً في توتر لم تشهده فترة حكم بشار الأسد قبل ذلك، وخلال فترة وجوده داخل السجن ارتبط بشخصيات شاركت لاحقاً في تشكيل فصائل مسلحة قاتلت ضد النظام وأسهمت في إسقاطه.
وأواخر ديسمبر (كانون الأول) 2016، جرت عملية تبادل بين النظام والمعارضة شملت إطلاق سراح حسن صوفان الذي التحق على الفور بفصيل “حركة أحرار الشام”، وما لبث أن عُين زعيماً لها في منتصف عام 2017، خلال فترة من أشد الفترات ضعفاً بالنسبة إلى المعارضة السورية وسط توسع كبير لمصلحة النظام.
ويقول مقربون من صوفان إنه من أكثر الشخصيات الإسلامية اعتدالاً، ووعد بإحياء الحركة التي قادها بعدما كانت تمر بمرحلة صعبة، وكان ضد الاقتتال الفصائلي حتى استطاع عام 2018 من دمج “حركة أحرار الشام” مع “حركة نور الدين الزنكي” لتشكيل “جبهة تحرير سوريا”، التي أصبح قائداً لها حتى مايو (أيار) 2019 قبل أن يعلن استقالته من منصبه لأسباب قال إنها “شخصية” دون أن يذكرها، لكنه تعهد بـ”الاستمرار في القتال ضد النظام”، وبالفعل بقي يشارك في الأعمال العسكرية حتى ليلة الثامن من ديسمبر 2024.
“أحرار الشام”… من خلايا نائمة إلى قوة حاسمة
تأسست “حركة أحرار الشام” على صورة خلايا نائمة خلال مايو 2011 بعد أشهر قليلة من اندلاع الانتفاضة السورية، وأُعلن عنها رسمياً خلال نهاية العام نفسه. وتشكيل الحركة كان عبارة عن اندماج أربع فصائل هي “كتائب أحرار الشام” و”حركة الفجر” و”جماعة الطليعة” و”كتائب الإيمان” منذ اللحظات الأولى لتشكيلها، وعلى رغم الخلفية الراديكالية لبعض مؤسسيها أعلنت الحركة عدم ارتباطها بأي تنظيم خارج سوريا أو داخلها، نافية بذلك الاتهامات الموجهة للحركة بالتعامل مع تنظيم “القاعدة”، وفي المقابل نفت الحركة أيضاً تبعيتها للجيش السوري الحر، مشيرة إلى أنها تنظيم مستقل يهدف لإسقاط النظام السوري.
شاركت الحركة إلى جانب الجيش الحر في قتال النظام، وسيطرت على مناطق واسعة شرق وشمال سوريا، لكن قوتها الضاربة تمركزت في محافظات حلب وإدلب وحماة، وخلال يناير (كانون الثاني) 2013 خاضت “حركة أحرار الشام” واحدة من أكبر المعارك تمثلت بالسيطرة على مطار تفتناز العسكري وتدميره بصورة كاملة، مما عُدَّ خسارة عسكرية كبيرة للنظام السابق الذي كان يستخدم المطار كقاعدة عسكرية لقصف مدن الشمال السوري، واشتركت الحركة إلى جانب الجيش الحر و”جبهة النصرة” في معارك وادي الضيف الشهيرة داخل بلدة معرة النعمان بإدلب.
كيف جمعت “أحرار الشام” بين الراديكالية والانفتاح؟
مؤسس “حركة أحرار الشام” هو القيادي والسجين السابق في صيدنايا حسان عبود، وعُرفت الحركة بمرونتها في انتقاء عناصرها من أهالي المناطق الثائرة، وفي البداية تركز نشاطها داخل الشمال الغربي في قرى ومدن ريف إدلب كسراقب ومعرة النعمان وأريحا وجبل الزاوية، لكنها سرعان ما توسعت باتجاه ريف حلب وريف حماة ودير الزور وريف حمص وريف اللاذقية والرقة ودرعا وريف العاصمة دمشق، وفي ذروة المعارك قال مؤسسها حسان عبود إن “للحركة امتداداً في جميع المحافظات السورية عدا السويداء وطرطوس”، وامتازت “أحرار الشام” في بداية ظهورها بعملياتها النوعية، والتي تعتمد على زرع العبوات الناسفة على جوانب الطرق لاستهداف الإمداد العسكري وعرقلته.
تمكنت “أحرار الشام” عبر احتوائها على نخب عسكرية خبيرة بصناعة المتفجرات ومدفعيات “الهاون” والراجمات من تحقيق رصيد عسكري مميز، سرعان ما مكنها من الحصول على كميات جيدة من القناصات ومضادات الدروع، والتي استطاعت من خلالها اتباع تكتيك الحصار للحواجز والقطع العسكرية واجتياحها واغتنام أسلحتها.
على صعيد علاقتها بالأقليات الإثنية والدينية والطائفية، تدافع الحركة في مواثيقها عن “وحدة سوريا وترفض أي مشروع تقسيمي على أساس ديني أو طائفي أو قومي، وتؤكد ضرورة التعايش بين أبناء الوطن الواحد مهما اختلفت مشاربهم وعقائدهم ويترتب على ذلك حقوق وواجبات متبادلة، وتجعل أصل حرمة الدماء والأموال والأعراض مشتركاً بين الجميع”.
صوفان بين الضحايا والجناة
خلال التاسع من سبتمبر (أيلول) 2014، قُتل قائد ومؤسس “حركة أحرار الشام” حسان عبود مع أكثر من 45 قيادياً في انفجار غامض لا تزال أسراره لم تُكشف حتى اليوم، استهدف اجتماعاً لهم في بلدة رام حمدان بريف إدلب، على رغم أنه كان مُنعقداً في نفق سري ومحصن تحت الأرض.
وفي الـ10 من يونيو (حزيران) 2025، عقد عضو لجنة السلم الأهلي حسن صوفان مؤتمراً صحافياً داخل مبنى وزارة الإعلام في دمشق، تناول فيه أبرز التطورات المرتبطة بعمل اللجنة والقرارات الأخيرة المتعلقة بالإفراج عن عدد من ضباط وعناصر النظام السابق، والظهور “الحر” للقيادي السابق في ميليشيات “الدفاع الوطني” فادي صقر، والمتهم بارتكاب جرائم حرب بحق السوريين.
بالعودة عبر التاريخ ستة أشهر إلى الوراء، وتحديداً خلال الأحد الأول من ديسمبر 2024 وقبل أسبوع واحد من سقوط النظام، دخلت فصائل المعارضة إلى مدينة حلب ثاني أهم المدن السورية في حدث وصف بزلزال عسكري بعد نحو خمسة أعوام من الهدوء، وللمرة الأولى تخرج مدينة حلب كاملة عن سيطرة النظام، لكن ما لفت أنظار العالم هو سرعة سيطرة الفصائل على المدينة، ولحق ذلك سقوط تدريجي وسريع للمدن السورية بيد فصائل المعارضة حتى تمكنت من دخول دمشق بعد أسبوع واحد من دخول حلب.
خلال معركة “ردع العدوان”، أعلنت إدارة العمليات العسكرية أنها “تنسق مع ضباط النظام لانشقاقهم وتسهيل السيطرة على مواقع النظام العسكرية”، وهو ما أعلنه بصورة رسمية المتحدث باسم وزارة الداخلية نور الدين البابا، مما فسره متابعون بأن “ضباطاً من النظام السابق شاركوا في إسقاطه”، لكن على رغم ذلك فإن وسائل التواصل الاجتماعي شهدت جدلاً واسعاً خلال اليومين الماضيين بسبب تصريحات صوفان التي قال فيها إن “شخصيات مثل فادي صقر تلعب دوراً في تفكيك العقد وحل المشكلات، ومواجهة الأخطار التي تتعرض لها البلاد”، وأضاف “نتفهم الألم والغضب الذي تشعر به عائلات الشهداء، لكننا مضطرون لاتخاذ قرارات تؤمن استقراراً نسبياً في هذه المرحلة”، هذه التصريحات عدَّها بعض أهالي الضحايا “استفزازاً” لهم، كون عضو لجنة السلم الأهلي رأى أن فادي صقر “مساهم في تحقيق السلم الأهلي”.
وبعد ساعات من تصريحات صوفان، ظهر وزير الإعلام السوري حمزة المصطفى عبر لقاء تلفزيوني أوضح خلاله أن “اسم مثل فادي صقر يعد إشكالياً حتى بالنسبة إلى الحكومة”، وخلال الوقت ذاته أكد المصطفى أن “الحكومة السورية تقترب من إعلان خريطة طريق للعدالة الانتقالية، وأن هذا المسار بدأ فعلياً من خلال تشكيل هيئة مستقلة ذات صلاحيات واضحة، وأن اللجنة الوطنية للعدالة ستعرض طروحاتها قريباً”.
الحكومة الجديدة تحت مجهر الضحايا
على رغم تبريرات الحكومة، انتقدت منظمة “ملفات قيصر من أجل العدالة” ما وصفته بمحاولات إعادة تأهيل متورطين في جرائم حرب ومنحهم أدواراً اجتماعية من قبل الحكومة السورية، إذ أصدرت المنظمة بياناً يؤكد أن “العدالة الشاملة تشكل أساس الاستقرار، ولا يمكن تحقيق سلم حقيقي دون محاسبة مرتكبي الانتهاكات بحق الشعب السوري خلال حكم بشار الأسد”. ووصفت المنظمة التصريحات التي تربط الاستقرار والسلم الأهلي بتأجيل العدالة بـ”المغالطة المفاهيمية الخطرة”، مشيرة إلى أن تغليب الاستقرار على المحاسبة يعيد إنتاج العنف ويهدد فرص السلام الدائم، موضحة أنه “خلافاً لما ورد على لسان حسن صوفان، تؤكد منظمة ’ملفات قيصر من أجل العدالة‘ أن المجتمعات المستقرة هي تلك التي تبنى على العدالة الشاملة، التي تضمن الحقوق لجميع أفراد المجتمع ومن جميع مكوناته، فالعدالة ليست نتيجة تأتي بعد الاستقرار بل شرط مسبق وأساس لا غنى عنه لتحقيقه”.
بين سطور مسيرة حسن صوفان تختصر سوريا عقداً ونصف العقد من التحولات العنيفة، إذ تقاطعت السجون مع ساحات القتال واختلطت شعارات الثورة بتحديات السلطة ومقتضيات الحكم، ومع دخول البلاد مرحلة جديدة بعد سقوط النظام السابق، تعود الأسئلة الكبرى لتفرض نفسها، هل يمكن تحقيق سلم أهلي حقيقي دون عدالة شاملة؟ وهل يغدو الاستقرار غطاء لإعادة تدوير مرتكبي الانتهاكات؟
لكن التصريحات الصادرة عن صوفان وردود الفعل الغاضبة من الضحايا ومنظمات العدالة تكشف حجم التحدي أمام مشروع “العدالة الانتقالية” في سوريا، فبينما تدافع بعض الأطراف عن حلول واقعية تراعي هشاشة المرحلة، يتمسك آخرون بمبدأ أن لا سلام بلا محاسبة ولا استقرار دائماً دون اعتراف بالحقائق، وما بين هذين الموقفين يبقى مستقبل سوريا مرهوناً بقدرتها على صياغة نموذج لا يتجاوز الماضي، بل يتجاوزه عبر مواجهته
——————————–
بالأرقام.. الشبكة السورية توثق انتهاكات وجرائم محمد الشعار بحق الشعب السوري
2025.06.11
أصدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان، الأربعاء، تقريراً يؤكد تورّط وزير الداخلية السابق في عهد نظام الأسد المخلوع، محمد الشعار، في ارتكاب انتهاكات وجرائم ضد الإنسانية في سوريا.
وأفاد التقرير بأن وزارة الداخلية السورية في عهد الشعار ارتكبت أكثر من ربع مليون انتهاك توجب المحاسبة الحتمية، مؤكداً أن الشعار كان “مشرفاً مباشراً على سياسات القمع الممنهج”.
وأكدت الشبكة السورية أن “السجل الأسود من الجرائم” للوزير السابق، شمل القتل خارج نطاق القانون، والاعتقال التعسفي، والإخفاء القسري، والتعذيب، والإعدامات غير القانونية، والتهجير القسري، كما شارك في تنفيذ قرارات المحاكم الاستثنائية، كالميدان العسكرية ومحكمة قضايا الإرهاب، والتلاعب بسجلات المختفين قسرياً، وقمع حالات التمرد داخل السجون المدنية باستخدام الرصاص الحي.
الانتهاكات بالأرقام
وبلغت أعداد الانتهاكات المرتكبة من وزارة الداخلية والأجهزة التابعة لها خلال فترة الشعار، 256 ألفاً و364 انتهاكاً، بحسب إحصاءات “الشبكة السورية” التي أشارت إلى أن الأرقام لا تشمل “عشرات الآلاف من ضحايا التهجير القسري الذين لعبت الوزارة أدواراً مختلفة في تهجيرهم، وكذلك الآلاف الذين حرموا من الحصول على وثائقهم الرسمية”.
ووثقت الشبكة مقتل 10 آلاف و452 مدنياً، بينهم 803 أطفال و737 سيدة، على يد قوات الشرطة والأمن السياسي التابعَين لوزارة الداخلية، خلال عمليات قمع التظاهرات في مختلف المحافظات السورية واستهدافها بالرصاص، منذ 14 نيسان 2011، وحتى تشرين الثاني 2018.
ووثقت أيضاً، مقتل ما لا يقل عن 32 شخصاً تحت التعذيب داخل فروع الأمن الجنائي، وذلك في الفترة بين 14 نيسان 2011، وحتى تشرين الثاني 2018، واختفاء ما لا يقل عن 326 شخصاً، بينهم 12 طفلاً و9 سيدات، ما يزالون قيد الاختفاء القسري داخل هذه الفروع خلال الفترة ذاتها.
ووثقت الشبكة مقتل ما لا يقل عن 83 شخصاً، بينهم 3 أطفال، تحت التعذيب داخل فروع الأمن السياسي، واختفاء ما لا يقل عن ألف و459 شخصاً، بينهم 23 طفلاً و14 سيدة، ما يزالون في عداد المختفين قسراً داخل فروع الأمن السياسي التابعة لنظام بشار الأسد خلال الفترة ذاتها.
ووثقت الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان ما لا يقل عن ألف و608 حالات اعتقال، بينهم 18 طفلاً و198 سيدة، بالإضافة إلى 73 شخصاً سبق أن أجروا تسوية لوضعهم الأمني، وذلك في أثناء وجودهم في دوائر الهجرة والجوازات في عدة محافظات سورية لإجراء معاملاتهم.
وأحصت الشبكة مقتل ما لا يقل عن 110 معتقلين في السجون المدنية، منهم 17 نتيجة لإطلاق رصاص الشرطة، و93 آخرين نتيجة التعذيب، والإهمال الطبي، وسوء التغذية، كما وثقت مقتل ما لا يقل عن 93 معتقلاً داخل السجون المركزية في مختلف المحافظات السورية بين 14 نيسان 2011، وحتى تشرين الثاني 2018، نتيجة التعذيب الممنهج والإهمال الطبي المتعمد، بما في ذلك رفض تقديم الرعاية الصحية للمعتقلين أو الاستجابة لحالاتهم الصحية الحرجة، وسوء التغذية، الذي تسبب في تدهور حالتهم الصحية وأدى إلى وفاتهم.
إعدام عناصر وضباط منشقين
وبحسب قاعدة بيانات الشبكة، فإن وزارة الداخلية تواطأت في تنفيذ أحكام الإعدام بحق 843 عنصراً وضابطاً من الشرطة المنشقين، في الفترة الممتدة بين آذار 2011، وحتى تشرين الأول 2018.
ووثق التقرير، تنفيذ وزارة الداخلية 11 ألفاً و267 إجراءً لمصادرة الممتلكات، وإصدار 115 ألفاً و836 تعميماً، و112 ألف مذكرة مذكرة بحث صدرت عن شعبة الأمن السياسي، ما عزَّز عمليات القمع والملاحقة الأمنية.
ووثقت الشبكة السورية ما لا يقل عن ألف و661 مختفياً قسراً سُجلوا رسمياً على أنهم متوفون، بينهم 50 طفلاً و21 سيدة، إضافةً إلى 16 من الكوادر الطبية و10 من الكوادر الإعلامية، وذلك في الفترة الممتدة من بداية عام 2018 وحتى سقوط النظام في 8 من كانون الأول 2024.
وأكد التقرير أن الجرائم المرتكبة تشكل انتهاكات لاتفاقيات دولية صدقت عليها سوريا، أبرزها العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية واتفاقية مناهضة التعذيب، ما يفتح الباب أمام ملاحقة الشعار قضائياً أمام المحاكم الوطنية والدولية بموجب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
وفي ختام تقريرها، قدمت الشبكة توصيات للحكومة الانتقالية في سوريا، شملت محاسبة الشعار وجميع المتورطين في الانتهاكات، والتحقيق الشامل في دور وزارة الداخلية، وحماية حقوق الضحايا، وإصلاح الوزارة، وإلغاء الإجراءات التعسفية الصادرة عنها، وتكثيف التعاون الدولي، ودعم المنظمات الحقوقية، وإنشاء آلية وطنية للعدالة الانتقالية تضمن المحاسبة وعدم الإفلات من العقاب.
من هو اللواء محمد إبراهيم الشعار؟
في الخامس من شباط الماضي، أعلنت وزارة الداخلية السورية، أن الشعار سلّم نفسه بعد ملاحقته أمنياً ومداهمة مواقع اختبائه.
وأوضحت الوزارة في بيان أن “وزير الداخلية في حكومة النظام البائد، محمد الشعار، سلّم نفسه لإدارة الأمن العام في الجمهورية العربية السورية، بعد ملاحقات من قبل إدارة الأمن ومداهمة مواقع اختبأ بها خلال الأيام الماضية”.
وولد محمد الشعار في مدينة الحفة بريف اللاذقية عام 1950، وانتسب إلى الجيش والقوات المسلحة عام 1971، حيث تدرج في الرتب العسكرية.
خلال فترة حكم النظام السابق، تقلد الشعار عدة مناصب، من بينها وزير الداخلية، وقائد الشرطة العسكرية، ورئيس فرع المنطقة 227 في دمشق عام 2006، إضافة إلى رئاسته فرعي الأمن العسكري في حلب وطرطوس، كما خدم في لبنان ضمن شعبة المخابرات العسكرية، وفق موقع “مع العدالة”
يُعد اللواء الشعار أحد الشخصيات البارزة في لبنان خلال عهد غازي كنعان، حيث أشرف على مشاركة القوات السورية في أحداث طرابلس – باب التبانة في كانون الأول 1986، والتي راح ضحيتها نحو 700 مدني، بينهم أطفال. ومنذ ذلك الحين، أُطلق عليه لقب “سفاح طرابلس”. كما يُعتبر أحد المتورطين في انتهاكات سجن صيدنايا عام 2008، بحسب الموقع.
تولى الشعار وزارة الداخلية بعد اندلاع الثورة السورية عام 2011، حيث لعبت الوزارة دوراً محورياً في التعامل مع التطورات الأمنية المتسارعة. وكان الشعار أحد أبرز أعضاء “خلية الأزمة” التي شكلها النظام لمواجهة الاحتجاجات ومحاولة فرض السيطرة على الوضع الداخلي.
في 18 من تموز 2012، نجا الشعار من تفجير استهدف مكتب الأمن الوطني في دمشق، وهو الهجوم الذي أسفر عن مقتل شخصيات أمنية بارزة، من بينهم وزير الدفاع العماد داوود راجحة، ونائبه العماد آصف شوكت، وغيرهما.
ومنذ منتصف عام 2011، أُدرج اسم محمد الشعار على قوائم العقوبات الغربية، حيث فُرضت عليه قيود مشددة بسبب دوره في قمع الاحتجاجات، وما يزال يخضع لهذه العقوبات حتى اليوم.
تلفزيون سوريا
————————
عفو عن فادي صقر باسم السلم الأهلي… من يوقّع باسم الضحايا؟/ أنيس المهنا
الخميس 12 يونيو 2025
في مواجهة عاصفة من الغضب الشعبي بعد الإفراج عن عشرات من عناصر النظام السابق، بمن فيهم بعض رجالات النظام السابق المثيرين للجدل، مثل فادي صقر، قدّم رئيس الهيئة العليا للسلم الأهلي، حسن صوفان، رؤيةً فلسفيةً وسياسيةً صارخةً: “الاستقرار أولاً، والعدالة الانتقالية لاحقاً، ولو كان الثمن إفلات بعض المتهمين من العقاب الفوري”.
هذه الرؤية، التي جسّدتها تصريحات صوفان، في مؤتمره الصحافي يوم الثلاثاء 10 حزيران/ يونيو الجاري، تضع البلاد أمام معضلة وجودية في أهم مراحلها الانتقالية الحساسة.
وضع صوفان السلم الأهلي فوق كل شيء، مصرّاً على أنّ غياب الحدّ الأدنى من الأمن والاستقرار (السلم الأهلي)، يجعل تحقيق العدالة الانتقالية “مستحيلاً”. بناءً على هذا، تقدّم اللجنة جهود “حقن الدماء” ومنع التصعيد، حتى لو تطلب ذلك منح “الأمان” وإطلاق سراح شخصيات مثيرة للجدل، كشرط مسبق لتهيئة الأرضية لعدالة مستقبلية.
هذه النظرة الواقعية -وإن بدت منطقيةً من زاوية تقليل الخسائر الحالية- تصطدم مباشرةً بتوقعات ضحايا النظام السابق، وأسرهم، إذ يرون فيها تنازلاً خطيراً عن حقّهم في المحاسبة.
من يمتلك حق التنازل عن محاسبة المجرمين؟
يمثّل الإفراج عن صقر (الرجل القوي السابق في قوات الدفاع الوطني المتهمة بارتكاب جرائم حرب)، جرحاً نازفاً، ولعلّ دفاع صوفان عنه بزعم “دوره الإيجابي” و”مساهمته في حقن الدماء”، أكثر إثارةً للغضب حتى. ثم إنّ غياب التفاصيل والأدلة العلنية المقنعة حول هذا “الدور الإيجابي”، جعل تصريحات صوفان تبدو كتبرير هشّ وباهت، حتى وصفته الصحافة بأنه تحوّل إلى “محامٍ للشيطان”.
إنّ الرسالة التي يبعثها هذا الإفراج خطيرة، فالتعاون مع السلطة الحالية قد يكون طريق النجاة، بغضّ النظر عن الماضي المغرِق في الوحشية.
وتتمثّل رسالة خطيرة أخرى في تأكيد صوفان، هي أنّ العدالة الانتقالية في منظور اللجنة لا تعني “محاسبة مطلقة للجميع”، بل التركيز على “كبار المجرمين والمخططين”، مع نبذ تجريم الأشخاص لمجرد الانتماء الجغرافي.
وبينما يحمي هذا النهج من الانتقام العشوائي، فإنه يثير مخاوف جدّيةً من إهدار حقوق آلاف الضحايا الذين عانوا على أيدي عناصر ليسوا بالضرورة من “كبار المجرمين”، لكن جرائمهم لا تقل فظاعةً؛ مثلاً أمجد يوسف صاحب مجزرة التضامن، الذي كان يعمل تحت إمرة فادي صقر. والسؤال المركزي هنا: متى وكيف ستُحاسب هذه الفئة؟ وهل سيصبح التأجيل نسياناً؟
هل القرار فعلاً بيد اللجنة؟
برغم عائديتها للقصر الرئاسي، إلا أنّ صلاحيات اللجنة هشّة، ودورها حسب صوفان، هو “الطلب” فقط من وزارة الداخلية، للإفراج عن الموقوفين بعد التحقيقات، بينما “التنفيذ عائد للوزارة”، واختيار التوقيت “أمر عائد للدولة”. هذا يجعل اللجنة كبش فداء لقرارات تتخذها جهات أخرى، ويُضعف الثقة بها كطرف فاعل ومستقلّ.
يثير كون عمل اللجنة محصوراً ضمن قوانين الدولة السورية الحالية، دون معايير دولية مقبولة للعدالة الانتقالية أو مرجعية قانونية مستقلة، شكوكاً عميقةً حول نزاهة وفعالية إجراءاتها، خاصةً مع الإعلان عن تحقيقات “سرّية” في ملفات شائكة مثل الساحل. إلى جانب لجوء صوفان، إلى بعض الآيات القرآنية لتبرير بعض أعمال لجنته، ولجنة العدالة الانتقالية، والحكومة السورية الحالية.
لكن اعتراف صوفان، بـ”كثير من التقصير” في إطلاع الرأي العام على المستجدات، ووصفه إيّاه بأنه “أول عائق” يواجه اللجنة، يكشفان عن خلل خطير في عمل اللجنة، ما يشكّل فجوةً كارثيةً في الشفافية. فكيف تُبنى مصالحة وطنية دون ثقة شعبية ودون إشراك المجتمع في فهم مبررات القرارات الصعبة والتضحيات المطلوبة؟ كما أنّ وعد صوفان، بتحسين التواصل مع الناس يبدو غير كافٍ أمام حجم الغضب وانعدام الثقة الحالي.
أيضاً حدود العمل، والاختباء خلف الصلاحيات، ونفي وجود أي عمل للّجنة في مناطق شرق الفرات، بالإضافة إلى رد صوفان على اتهامات “قسد” بأن التعليق عليها من “صلاحيات الرئيس”، كلها تعزّز الانطباع عند الجميع بضعف استقلالية اللجنة وهامش عملها الضيق، وخضوعها التام للسلطة التنفيذية.
يقدّم صوفان، رؤيته كـ”خيارات واقعية” ضرورية لتغليب “صوت العقل”، ومنع مزيد من سفك الدماء، معترفاً ضمناً بالثمن الباهظ وهو تأجيل العدالة، الذي سيسبب استياءً صارخاً للضحايا. ويربط أيضاً بين تحقيق “الحد الأدنى من العدالة”، والاستقرار الحالي، على أمل أن يمهّد هذا لـ”حلول أوسع” في المستقبل تبدو نظريّةً حتى اللحظة.
غضب مكبوت كرامة للسلم الأهلي؟
لكن السؤال المصيري يظلّ قائماً: هل يمكن لـ”سلم أهلي” أن يقوم ويتأسس فعلاً، على أنقاض عدالة مؤجلة، وغضب مكبوت لأهل الضحايا، وغياب ثقة شعبية؟ أم أنّ مسرحية المؤتمر الصحافي الأخير لن تبني لأهل الضحايا سوى عروش من ورق قابلة للانهيار عند أول هزّة؟
الاعتراف من قبل صوفان بأنّ “معاناة الضحايا تعتريهم”، خطوة ضرورية، لكنها تبقى كلمات تحتاج إلى ترجمة فعلية ملموسة.
فنجاح مسار السلم الأهلي، أو فشله، مرهونان الآن بقدرة اللجنة والسلطة في دمشق، على جسر الهوّة الهائلة مع الشارع السوري، من خلال شفافية غير مسبوقة، في المبررات والمعايير والإجراءات التنفيذية.
كذلك يجب أن تكون هناك مشاركة حقيقية، لممثلي الضحايا والمجتمع المدني في صياغة مسار العدالة الانتقالية.
وبالطبع فإنّ إجراءات استعادة الثقة من قبل لجنة السلم الأهلي، ولجنة التحقيق الخاصة بأحداث الساحل، والحكومة على حدّ سواء، تثبت بشكل عملي أنّ تأخير العدالة ليس إنكاراً لها، وأنّ هناك خطةً واضحةً ومحددةً زمنياً، ووعود صوفان بمبادرات جديدة ستواجه اختباراً قاسياً على أرض الواقع وفي قلوب السوريين الغاضبين والمشككين.
فمعضلة الاستقرار مقابل العدالة ليست نظريةً؛ إنها تحدٍّ وجودي حقيقي لمستقبل سوريا.
رصيف 22
——————————
السلم الأهلي يصطدم بإرث الأسد…و”الإرادة الشعبية”/ مصطفى الدباس
الأربعاء 2025/06/11
أثار المؤتمر الصحافي الذي عقدته لجنة السلم الأهلي في دمشق، الثلاثاء، ردود أفعال غاضبة من جهات حقوقية ومدنية، على خلفية تصريحات عضو اللجنة حسن صوفان، والتي ألمح فيها إلى منح “أمان” لشخصيات متهمة بارتكاب جرائم حرب خلال سنوات الصراع، من بينها المدعو فادي صقر وسقراط رحية.
وفيما بدت التصريحات محاولة لتقديم هذه الإجراءات كجزء من مسار “التهدئة الوطنية”، قوبلت بموجة رفض شعبية ومؤسساتية، اعتبرتها تسوية تفتقر إلى العدالة وتكرس الإفلات من العقاب.
نقابة محامي حمص: لا صكوك غفران للقتلة
وفي بيان حمل توقيع لجنة العدالة الانتقالية والدفاع عن حقوق الإنسان، التابعة لنقابة المحامين في حمص، أعلنت اللجنة رفضها الكامل لما وصفته بـ”محاولة منح صكوك العفو والغفران لمرتكبي جرائم حرب”، مؤكدة أن ما ورد على لسان صوفان “يمثل استهزاءً بذاكرة الضحايا، واستفزازاً لمشاعرهم”. وأشارت اللجنة إلى أن أي إجراءات تتعلق بإطلاق سراح ضباط متهمين، يجب أن تكون تحت إشراف القضاء، لا وفق اجتهادات لجان سياسية أو أمنية.
وأضاف البيان أن المادة 49 من الدستور السوري تفرض ملاحقة كل من ارتكب جرائم ضد السوريين، وأن “الطريق الوحيد لتحقيق العدالة هو المحاسبة، لا التسويات، والمصالحة لا يمكن أن تبنى على تغييب حقوق الضحايا أو القفز على آلامهم”.
منظمة “قيصر”: لا سلام من دون محاسبة
وفي بيان منفصل، أعربت منظمة ملفات “قيصر من أجل العدالة” عن استنكارها لمحاولات منح الأمان أو العفو المشروط لمرتكبي الجرائم، معتبرة أن “العدالة ليست تسوية سياسية، بل شرطاً ضرورياً للسلم الأهلي والاستقرار المستدام”. وأكد البيان أن المجتمع المدني السوري لا يقبل بطيّ صفحة الماضي من دون محاسبة، وأن العفو عن المجرمين هو “تهديد مباشر لإمكانية تحقيق سلام حقيقي، ويقوض ثقة السوريين بالعدالة”.
ورأت المنظمة أن غياب العدالة يفتح الباب أمام إعادة إنتاج العنف، ويفشل في منع تكرار الانتهاكات. كما حذرت من “توظيف رموز العمل الأهلي” كغطاء لتبييض الانتهاكات، مؤكدة أن العدالة لا تملكها أي لجنة أو جهة، بل تتطلب قضاءً مستقلاً يراعي معايير الإنصاف وحقوق الضحايا.
الجلاد لن يصبح وسيط سلام
في منصات التواصل الاجتماعي، عبّر مئات السوريين عن غضبهم من مضمون المؤتمر، معتبرين أن منح العفو لأشخاص متورطين في جرائم تعذيب وقتل “هو طعنة جديدة في ذاكرة السوريين”. وكتب أحد الناشطين: “حين يصبح الجلاد وسيط سلام، تُقتل الضحية مرتين”. فيما نشر آخرون صوراً لفادي صقر متهمينه بالمشاركة في تصفيات ميدانية، ومطالبين بمثوله أمام القضاء، لا منحه مناصب رسمية.
كما عبّر حقوقيون عن قلقهم من الخطاب المستخدم في المؤتمر، الذي اعتبروه محاولةً لإعادة تدوير وجوه أمنية تحت مسمى “السلم الأهلي”، وتهميشاً لأصوات الضحايا والناجين: “نريد عدالة انتقالية وسلم أهلي ولكن ليس على حساب الضحايا”.
مَشاهد مؤثرة في المؤتمر: “أين قبر خالي؟”
وانتشرت مقاطع فيديو صوّرها بعض الحضور خلال جلسات المؤتمر، أظهرت مشاهد غير متوقعة، عكست حجم الألم الذي يحمله ذوو الضحايا. ففي إحدى اللقطات، ظهر شاب فقد خاله خلال السنوات الماضية، وهو يوجه سؤالاً إلى حسن صوفان قائلاً: “والدتي تريد أن تعرف أين دُفن شقيقها، هل يستطيع فادي صقر أن يدلها على قبر شقيقها الذي قتله؟”. لكن صوفان ردّ قائلاً: “لا نريد استعراضاً هنا، لو سمحت”، في موقف اعتبره كثيرون دليلاً على انعدام حساسية اللجنة تجاه مشاعر الضحايا.
وفي مقطع آخر، يظهر رجل مسن يحاول طرح بعض الأسئلة، قبل أن يتم سحب الميكروفون من يده، ومنعه من إكمال حديثه، ما أثار استياء الحاضرين، الذين رأوا في هذه التصرفات دلالة على رغبة في إسكات الأصوات التي تطالب بالحقيقة.
وزير الإعلام: الغضب مشروع
في محاولة لاحتواء الجدل، قال وزير الإعلام السوري، حمزة المصطفى، إن ردود الأفعال على تصريحات حسن صوفان “مفهومة”، مضيفاً أن “الغضب مشروع لأن الأمر يتعلق بالذاكرة الجماعية، وهذه القضايا لا يمكن تجاوزها بالنسيان”.
وفي مقابلة مع “تلفزيون سوريا”، أوضح المصطفى أن “الدولة السورية الجديدة والحكومة تدركان تماماً حساسية ملف العدالة، وتعتبرانه من أبرز الملفات في المرحلة الانتقالية”، مشيراً إلى أن مسار العدالة الانتقالية قد بدأ فعلياً من خلال تشكيل هيئة مستقلة بصلاحيات واضحة، وأن اللجنة الوطنية للعدالة ستقدّم قريباً خريطة طريق شاملة. وأكد المصطفى أن “ما جرى في المؤتمر يمثل رأي لجنة السلم الأهلي، وليس موقفاً رسمياً للحكومة”، لافتاً إلى أن “المصالحة الحقيقية لا تتم من دون اعتراف، ولا تتأسس إلا على محاسبة عادلة وشفافة”.
من جهته، برر الإعلامي والكاتب في شبكة “الجزيرة”، أحمد زيدان، والمقرب من الحكومة الحالية، العفو عن فادي صقر، عبر حساباته قائلاً: “الرجل نسّق مع عمليات ردع العدوان قبل دخول دمشق، وكان لتنسيقه أثر كبير في تفتيت خلايا العصابة الأسدية، وتسريع النصر”.
———————————–
فادي صقر ينفي علاقته بمجزرة التضامن: لا أدلة ضدي
الخميس 2025/06/12
أنكر الزعيم السابق لـ”ميلشيا الدفاع الوطني” فادي صقر، مسؤوليته عن “مجزرة التضامن” على عهد نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، مؤكداً أنه يعمل على إقناع أنصاره بدعم الحكومة السورية الجديدة.
كلام صقر جاء في مقابلة مع صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، غداة تفجّر غضب واسع وتوجيه انتقادات واسعة ضد الحكومة السورية، على خلفية انخراط صقر، المتهم بارتكاب انتهاكات واسعة وجرائم حرب ضد السوريين، بالعمل مع الحكومة ضمن ما يسمى لجنة السلم المدني، لاحتواء التوترات الداخلية الناجمة عن الحرب.
“لا دلائل ضدي”
وقال صقر إن الحكومة السورية الجديدة لم تمنحه أي عفو، وإن وزارة الداخلية لا تملك أي أدلة ضده، مشيراً إلى أنه يعمل اليوم مع الحكومة. وأضاف أن خلفيته الطائفية، وكونه كان قائد ميلشيا على عهد النظام المخلوع، يمنحانه مصداقية في إقناع أنصار النظام بعدم التخلي عن الحكومة الجديدة. واعتبر أن وجود “اسمه يمثّل اختباراً لإمكانية التعافي بين طرفي النزاع في سوريا”.
وحول ارتباط اسمه بمجزرة التضامن، أنكر صقر تورطه بالمجزرة، مؤكداً أنه تسلم قيادة “ميليشيا الدفاع الوطني” في دمشق بعد وقوع المجزرة. لكنه شدد على أنه سيخضع لما تقرره السلطة القضائية وفقاً للإجراءات القانونية السليمة، بحسب تعبيره.
حقن الدماء
والثلاثاء، فجّر عضو الهيئة العليا للسلم الأهلي حسن صوفان، غضب السوريين بسبب صقر، حيث اتّهم ناشطون وصحافيون وحقوقيون، اللجنة بـ”التستر” على مجرمي الحرب ومرتبكي الانتهاكات بحق السوريين خلال حكم النظام المخلوع.
وقال صوفان خلال مؤتمر صحافي من دمشق، إن منح الأمان لشخصيات مثل صقر، ساهم بـ”حقن الدماء” وإغلاق باب الفتن، مضيفاً أنه قام “بدور إيجابي”، مشيراً إلى أن هذه القرارات التي اتخذتها الدولة، “اجتهادات بشرية غير معصومة” لكنها ضرورية و”حققت بعض أهدافها”.
وحذّر صوفان، من أن الإسراع بمسار العدالة الانتقالية بشكل فردي أو غير مدروس، قد يؤدي إلى الفوضى وتدخلات خارجية و”ضياع الحقوق”، مؤكداً أن الثأر ليس هو طريق العدالة في سوريا الجديدة”.
وعن إطلاق سراح ضباط وعناصر متهمين بارتكاب انتهاكات، قال صوفان إن اللجنة تعمل على إطلاق سراح المعتقلين الذين لم تثبت إدانتهم، خصوصاً في المناطق “الساخنة” مثل الساحل، معتبراً أن “بقاءهم في السجن لا يحقق مصلحة وطنية وليس له مشروعية قانونية”.
————————————
من هو فادي صقر الذي فجر “السلم الأهلي” السوري… وما علاقته بإيران وروسيا؟/ صبحي فرنجية
فادي مالك أحمد، قائد ميليشيات “قوات الدفاع الوطني”
آخر تحديث 11 يونيو 2025
قنابل كلامية تفجرت أمس في المؤتمر الصحافي الذي عُقد الثلاثاء 10 يونيو/حزيران الجاري في دمشق، والذي عقده كل من عضو “اللجنة العليا للحفاظ على السلم الأهلي” حسن صوفان، والمتحدث باسم وزارة الداخلية السورية نور الدين البابا. وذلك للوقوف على آخر مستجدات عمل اللجنة، إضافة إلى توضيح مقاصد القرارات الأخيرة المتعلقة بالإفراج عن عدد من الضباط في جيش النظام السابق والتي تمت خلال العيد.
أبرز تلك “الألغام” كان إعلان حسن صوفان أن قائد ميليشيات “قوات الدفاع الوطني” في دمشق فادي صقر “قد أُعطي الأمان من قبل القيادة” بدلا من توقيفه بناء على تقدير المشهد، وقال أيضا: “نتفهم الألم والغضب الذي تشعر به عائلات الشهداء، لكننا مضطرون لاتخاذ قرارات تؤمّن استقرارا نسبيا في هذه المرحلة”، كما أكد أن العدالة الانتقالية لا تعني محاسبة كل من خدم النظام، والمحاسبة هي لكبار المجرمين الذين نفذوا جرائم وانتهاكات جسيمة، وهو ما أثار كثيرا من التساؤلات حول طبيعة الجرائم والانتهاكات الجسيمة التي قصدها صوفان إن كانت لا تشمل فادي صقر.
غضب “صحافي” شهده المؤتمر، حيث انهال الصحافيون السوريون بالتعليقات على قرار إعطاء الأمان لفادي صقر، ليتبعه غضب واسع بين أوساط السوريين على “السوشيال ميديا” الذين استنكروا أي قرار بالعفو عن المجرمين وعدّوا أن قرارات كهذه سيكون لها دور سلبي جدا في تحقيق العدالة للسوريين. كما انتشر الغضب بين أوساط المدنيين في سوريا وسط دعوات لوقفات في العاصمة دمشق يوم الخميس 12 يونيو/حزيران الجاري تحت عنوان “لا سلام مع الإفلات من العقاب”، وذلك تنديدا بالقرارات التي تُعطي الأمان لشخصيات ارتبط اسمها بنهج القمع والقتل الذي نفذه نظام الأسد ضد السوريين.
وعلى الرغم من أن حسن صوفان ونور الدين البابا حاولا خلال المؤتمر عدة مرات إيضاح أن قرار الدولة السورية إعطاء الأمان لفادي صقر-وربما لغيره- جاء نتيجة الدور الذي لعبوه في تسهيل انهيار النظام السوري والوصول إلى العاصمة السورية بأقل الخسائر البشرية والبنيوية، فإن ذلك لم يكن له وقع مخفف للصدمة التي اعترت وجوه الحاضرين والمشاهدين للمؤتمر.
من هو فادي صقر؟
هو فادي مالك أحمد، من مواليد مدينة جبلة في ريف اللاذقية، أُطلق عليه اسم “فادي صقر” بين جماعته للدلالة على قوته، كما أُطلق عليه اسم “صقر الدفاع الوطني” كونه كان أحد قياديي “قوات الدفاع الوطني” الميليشيا المعروفة بعنفها بين السوريين، والمعروفة أيضا بتعدد ولاءاتها، فهي كانت توالي الروس في دير الزور، وتوالي الإيرانيين في الحسكة والقامشلي، وتخدم أجندات الطرفين في ريف دمشق والجنوب. وقد تضاربت الأنباء حول ولاء فادي صقر في زمن النظام، فالبعض قال إنه أحد “مهندسي مد النفوذ الإيراني” في منطقة دمشق وريفها، في حين يرى آخرون أن نفوذه يمتد من ولائه للروس. ولعل هذا التضارب يأتي من كون فادي صقر كان يلعب على حبل رفيع بين الطرفين، فهو ظهر في عدة مناسبات مع ضباط روس، وفي مناسبات أخرى مع إيرانيين.
فادي مالك أحمد الملقب بـ “فادي صقر”، قائد ميليشيات “قوات الدفاع الوطني” في نظام الأسد.
يُعد فادي صقر أحد أهم “مهندسي عمليات القتل الممنهج” التي تمت في حي التضامن بدمشق عام 2013، والتي راح ضحيتها أكثر من 280 مدنيا، فقد قامت قواته بإعدامات ميدانية للمدنيين وقاموا بتصويرها كنوع من المتعة وإظهار الولاء والبطولة. كما ظهر فادي صقر في فيديوهات وهو يأمر بتوجيه المدافع نحو منطقة الحجر الأسود قرب دمشق، ويُشرف على إطلاقها.
بقي فادي صقر يقود “قوات الدفاع الوطني” حتى بدأ تدريجيا منذ عام 2020 التحول إلى مجال الأعمال التجارية، مستغلا سلطته كأحد أبرز قياديي “الدفاع الوطني” في سوريا، كما يرى البعض أن توجه فادي صقر إلى التجارة جاء نتاج حجم الأموال التي كسبها من عمليات سرقة المنازل في المناطق التي هجرها أهلها، وهي العمليات التي يُطلق عليها السوريون اسم “التعفيش”، ووفق المعلومات فإن فادي صقر كان المالك الحقيقي لمول “بيغ فايف”، على الرغم من أن العقار يعود إلى بلال نعال، الواقع في منطقة الميدان بدمشق، قبل أن تقرر محافظة دمشق وضع يدها عليه عام 2023 في قضية أثارت كثيرا من الجدل حينها في أوساط النظام السابق بشار الأسد.
وفي شهر أغسطس/آب من عام 2020، وضعت الإدارة الأميركية اسم فادي صقر على لوائح العقوبات. وقد شمل قرار وزارة الخزانة الأميركية حينها كلا من فادي صقر، ولونا الشبل المستشارة الإعلامية لبشار الأسد والتي ماتت في ظروف غامضة في يوليو/تموز 2024 إثر حادث سير، وزوج الشبل محمد عمار ساعاتي. وبحسب وزير الخارجية الأميركية حينها، فإن وزارة الخارجية فرضت عقوبات على قيادات عدة وحدات عسكرية سورية، بما في ذلك قائد “قوات الدفاع الوطني” فادي صقر، بسبب جهودهم لمنع وقف لإطلاق النار.
كما زاد التركيز على اسم فادي صقر بعد أن نشرت صحيفة “الغارديان” البريطانية تحقيقا في عام 2022 كشفت فيه النقاب عن عدة فيديوهات تُظهر عناصر للنظام السوري ينفذون إعدامات ميدانية لمدنيين في حي التضامن الدمشقي، حيث كان لفادي صقر دور كبير في العمليات العسكرية التي نُفذت في الحي حينها. الفيديوهات كانت صادمة وتعكس عمليات قتل بدم بارد ودون خوف أو تعاطف مع الضحايا الذين كان يتم جلبهم معصوبي العينين ليتم إطلاق الرصاص عليهم وهم متجهون دون دراية إلى حفرة امتلأت بإطارات السيارات، وهو ما يُشير إلى نية العناصر حرق الجثث بعد الانتهاء من عمليات القتل الجماعي.
الحكومة السورية اليوم أمام امتحان ليس سهلا للحفاظ على التوازن وإرضاء الشعب السوري الذي عانى على مدار السنوات الماضية من أعتى أنواع القتل والتعذيب والتشريد الممنهج، فهي أعطت الأمان لفادي صقر- وربما شخصيات أخرى مثله- ضمن تفاهمات تزامنت مع عملية “ردع العدوان” التي أسفرت عن إسقاط النظام في 8 ديسمبر/كانون الأول الماضي، أو عمليات الوساطة التي تتم في الوقت الحالي في منطقة الساحل السوري ومناطق أخرى لحقن الدماء، لكن وعدَ الأمان هذا يصطدم بالغضب الشعبي الذي ينادي بإنصاف الضحايا من جهة، ووجود أطراف تنتظر الفرصة المناسبة لخلق الفوضى واستغلال أي ثغرة أمنية أو اجتماعية لزعزعة الاستقرار من جهة ثانية.
——————————–
المؤسسة المستقلة تبدأ التحقيقات بشأن المفقودين في سوريا
أعلنت رئيسة “المؤسسة المستقلة المعنية بالمفقودين في سوريا”، كارلا كينتانا، أن المؤسسة بدأت التحقيقات في الأطفال المفقودين، والمختفين قسرًا من قبل النظام السابق، وطالبي اللجوء المفقودين، مشيرة إلى وجود شراكة بناءة مع السلطات السورية، لم تكن موجودة قبل 8 من كانون الأول 2024.
وتشير جهود منظمات المجتمع المدني ومجموعات الضحايا على مدى سنوات عديدة إلى أن أعداد المفقودين تتجاوز 100,000 شخص، بحسب ما قالت رئيسة المؤسسة، لعنب بلدي، في وقت سابق.
وأوضحت كينتانا، خلال إحاطتها غير الرسمية الأولى في الجمعية العامة للأمم المتحدة، الخميس 12 من حزيران، أن المؤسسة حاليًا تقوم بجمع المعلومات عن الأشخاص المفقودين على يد تنظيم “الدولة الإسلامية”.
ومع ذلك، فإن فتح خط تحقيق معين لا يعني أننا لا نبحث عن الجميع طوال الوقت، كما ترى المسؤولة الأممية، التي أكدت التزام المؤسسة بـ”البحث عن جميع المفقودين دون استثناء”.
وبحسب المسؤولة الأممية، فإن المبدأ الأول لعملية البحث عن المفقودين هو الافتراض بأنهم على قيد الحياة، و”لكن وللأسف، في حال لم يكونوا على قيد الحياة، فمن الضروري تحديد هويتهم وإعادة رفاتهم إلى أحبائهم بطريقة تكفل الحفاظ على كرامتهم”.
أفق جديد
وقالت كينتانا إنه بعد سنوات طويلة من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والنزاع العنيف، تقف سوريا أمام أفق جديد.
وفي حين أن التحديات لا تزال هائلة، فقد ظهرت فرص جديدة للبحث عن عشرات الآلاف من المفقودين والشروع معًا في البحث عن الحقيقة، بحسب المسؤولة الأممية.
كينتانا اعتبرت أن مصير المفقودين ليس أمرًا محوريًا بالنسبة للعائلات فحسب، بل بالنسبة للمجتمع السوري ككل.
وأشارت إلى أن معالجة هذه القضية أمر ضروري لتحقيق المصالحة وبناء سلام مستدام، فدعم العائلات ومشاركتها في توضيح مصير المفقودين ومكان وجودهم أمر لا غنى عنه من أجل التعافي المجتمعي.
ولا يمكن إنكار تسارع الأحداث اليومية في سوريا، بحسب رئيسة المؤسسة المستقلة، التي طالبت المجتمع الدولي أن “يرتقي إلى مستوى اللحظة ويتصرف بمسؤولية”.
وتعمل المؤسسة المستقلة المعنية بالمفقودين في سوريا، على تطوير استراتيجية دعم شاملة للعائلات تُراعي الواقع المتغيّر داخل سوريا وعبر الحدود، من خلال رسم خريطة لمقدّمي الخدمات للمساعدة في إنشاء نظام إحالة يستجيب لاحتياجات الأسر.
ركائز العمل
اعتبرت رئيسة “المؤسسة المستقلة المعنية بالمفقودين” في سوريا أن بناء مؤسسة مكلفة بمهمة ضخمة للبحث عن آلاف الأشخاص ليس بالأمر السهل، ويستغرق وقتًا طويلًا.
وأشارت إلى أن هذا الأمر يتطلب العديد من الخطوات. ويشمل ذلك إنشاء العمليات، وتنفيذ المنهجيات، والتنسيق مع جميع أصحاب المصلحة المعنيين، وتلقي المعلومات واستيعابها، وتعزيز الثقة مع العائلات والمجتمع المدني والسلطات والمجتمع السوري بأكمله.
واتخذت المؤسسة المستقلة خطوات “مهمة” للبدء في بناء هذه الركائز، بحسب كينتانا، إذ جرى تعيين موظفين تقنيين، وصياغة النصوص التوجيهية والخطط، ورسم خرائط للجهات الفاعلة والأحداث والمواقع، وإجراء تحليل للسياق وخطوط التقصي الضرورية للبحث عن الحقيقة.
وأما على المستوى التقني، فقد جرى إنشاء مركز بيانات آمن ومنصة تحليل لجميع المصادر، مع استكمالها بإطار قانوني لمعالجة المعلومات، كما استثمرت في التكنولوجيا المتقدمة لعمليات البحث، وأنشأت سجلًا.
وترى كنيتانا أنه من الضروري العمل مع جميع أصحاب المصلحة المعنيين، وبعضهم موجود بالفعل في الميدان، وذلك من خلال منهجيات محددة.
وفي الوقت ذاته، يجب تعزيز القدرات الوطنية لسوريا، بما في ذلك البنية التحتية والموارد البشرية.
وأشارت المسؤولة الأممية إلى أن “المشاركة الفعلية للعائلات والمجتمع المدني في عملية البحث عن المفقودين، يقع في صميم ولايتها، والمؤسسة على تواصل يومي معهم.
وقالت كينتانا إن “أحد العناصر الأساسية لتنفيذ ولايتنا وتعزيز التعاون هو إقامة وجود لنا في سوريا ونقل موظفين إلى هناك وتعيين موظفين سوريين وسوريات.. لقد تقدمنا بالفعل بطلب رسمي، وآمل أن تتقدم مناقشاتنا مع السلطات بسرعة”.
ما “المؤسسة المستقلة المعنية بالمفقودين في سوريا”
تأسست بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة في 29 من حزيران 2023، وهي كيان تابع للأمم المتحدة، جاء “استجابة للنداءات العاجلة من أفراد أسر الآلاف من الأشخاص المفقودين في سوريا لاتخاذ إجراءات لتحديد مصيرهم ومكان وجودهم”.
وينص القرار التأسيسي للمؤسسة المستقلة المعنية بالمفقودين على:
توضيح مصير ومكان وجود جميع الأشخاص المفقودين في سوريا.
توفير الدعم الكافي للضحايا، بمن في ذلك الناجون والناجيات وأسر المفقودين.
مسعى عالمي
شددت، رئيسة المؤسسة المستقلة المعنية بشؤون المفقودين في سوريا، على الأهمية المستمرة للدعوة الواردة في قرار الجمعية العامة والأمين العام للأمم المتحدة لجميع الدول الأعضاء، بالتعاون الكامل مع المؤسسة المستقلة، بما يتماشى مع التزاماتها بموجب القانون الدولي.
وأشارت إلى أن البحث عن المفقودين في سوريا هو بالفعل “مسعى عالمي”، فهو يتجاوز حدود سوريا والجهات الفاعلة الإقليمية التي أبدت التزامها بالفعل، هو يتعلق بأشخاص من جنسيات عديدة و”يظل واجبًا إنسانيًا أساسيًا بالنسبة لنا جميعًا”.
وقالت كنيتانا إن “هناك أمر واضح لا جدال فيه، هو أنه لا يمكن لأي أحد أن يعالج بمفرده أزمة المفقودين، ويجب أن يكون السوريون هم من يقودون هذه العملية، بينما نقف إلى جانبهم لدعمهم.
وفي ظل نشوء سوريا جديدة، تُدرك المؤسسة المستقلة تمامًا هذا التغيير الهائل والتحديات ذات الصلة، بحسب كينتانا، مضيفة، “نعلم أنه علينا أن نتأقلم بسرعة مع هذا التغيير الهائل، فالوقت هو جوهر المسألة في عملية البحث عن المفقودين”.
صندوق ائتماني
يجري بناء المؤسسة المستقلة ليس فقط في ظل واقع متغير جذريًا في سوريا والمنطقة، بل أيضًا في سياق الوضع المالي للأمم المتحدة، بحسب المسؤولة الأممية.
وتعمل المؤسسة على تحسين هيكلها لتعزيز الكفاءة ومواءمة الموارد مع الأولويات البرامجية بشكل أفضل، حيث يشمل ذلك السعي إعادة النقل الجغرافي لمعظم الوظائف، ويُفضّل أن يكون ذلك في دمشق، ريثما تتم الموافقة من السلطات.
ورغم الجهود المبذولة للتقليل من تأثير قيود السيولة على تنفيذ ولاية المؤسسة، تم تأجيل بعض الأنشطة، ولم يتم شغل سوى 30 وظيفة من أصل 45 وظيفة معتمدة حتى الآن.
وكشفت كينتانا عن إنشاء صندوق ائتماني في نيسان الماضي لدعم المبادرات الاستراتيجية من خلال المساهمات الطوعية، ليتيح مزيدًا من المرونة والدعم الموجه.
وشكرت رئيسة المؤسسة المستقلة حكومة ألمانيا، باعتبارها أول دولة تبرعت للصندوق الائتماني، داعية الدول الأعضاء الأخرى إلى النظر في تقديم مساهمات إضافية في لحظة حاسمة بالنسبة للمؤسسة المستقلة ولسوريا.
ترحيب وخطة للتعاون
في 17 من أيار الماضي، جرى تشكيل الهيئة الوطنية للمفقودين في سوريا، برئاسة محمد رضا جلخي.
رئيسة المؤسسة المستقلة المعنية بالمفقودين في سوريا، كارلا كينتانا، رحبت بمرسوم الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، بتشكيل الهيئة الوطنية للمفقودين في سوريا، وتعيين الدكتور محمد رضى جلخي رئيسًا لها.
كينتانا قالت، في حديث سابق إلى عنب بلدي، إن “إنشاء الهيئة الوطنية خطوة فعالة نحو قضية المفقودين وعلاقتها بالمصالحة الوطنية وبناء السلام. إنه اعتراف بالألم الذي تشعر به العائلات على أحبائها المفقودين والجرح الذي لا يزال مفتوحًا بكل بيت في سوريا”.
وأضافت، “في إطار ولايتنا الإنسانية، تدعم المؤسسة المستقلة المعنية بالمفقودين جهود سوريا للبحث عن جميع المفقودين دون استثناء، لقد فُقد أشخاص في سوريا خلال أكثر من 50 عامًا من حكم النظام، بما في ذلك 14 عامًا من الحرب”.
رئيسة المؤسسة المستقلة المعنية بالمفقودين كشفت عن تواصل أجرته مع رئيس الهيئة الوطنية للمفقودين، محمد رضى جلخي، واتفاقها معه على نقاط للتعاون.
وأشارت إلى أن المؤسسة مستعدة للتعاون مع الهيئة ودعم جهودها، مضيفة، “لطالما قلنا إن البحث عن المفقودين يجب أن يكون بقيادة سورية وبدعم دولي”.
وتابعت أن “المؤسسة المستقلة” يمكنها تقديم الدعم الفني ومنهجيات الطب الشرعي المتقدمة وخطط البحث المحددة، وتعزيز البنية التحتية الوطنية وقدرات الموارد البشرية اللازمة للبحث، وتقديم الدروس المستفادة السابقة من التجارب الدولية المختلفة، وتنسيق الدعم الدولي للجهود الوطنية، وغيرها من الجهود.
عنب بلدي
——————————–
نيويورك تايمز: اسم فادي صقر يتحول إلى اختبار وطني لمصير العدالة الانتقالية في سوريا
12 يونيو 2025
اتهم سوريون مناهضون للأسد السلطات الجديدة بتقديم أولويات المصالحة على حساب العدالة، بعد إفراج لجنة السلم الأهلي عن عناصر من النظام السابق خلال عيد الأضحى. ووفقًا لصحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، فجّرت هذه الخطوة احتجاجات شعبية، وسط تصاعد الجدل حول دور اللجنة وتعاونها مع شخصيات متهمة بارتكاب جرائم حرب، ويأتي في مقدمتهم فادي صقر.
بحسب “نيويورك تايمز”، يتصاعد الاستياء بين بعض السوريين الذين كانوا مناهضين للديكتاتور المخلوع بشار الأسد، إذ يتهمون قادة المعارضة الذين أطاحوا به بتقديم لجنة السلم الأهلي التي أُسست لتخفيف الانقسامات الداخلية، على حساب محاسبة من تبقى من رموز النظام السابق.
وانفجر هذا الغضب الشعبي خلال عيد الأضحى مطلع حزيران/يونيو، حين أفرجت اللجنة عن العشرات من جنود النظام السابق، قائلة إنهم “غير متورطين في أي جرائم”. وقد دفع ذلك المنتقدين إلى الدعوة للاحتجاج.
وقال الناشط رامي عبد الحق لـ”نيويورك تايمز”: “ما كان ينتظره الجميع منذ سقوط الأسد هو محاسبة من ارتكبوا جرائم حرب، وتحقيق العدالة الانتقالية. وبدلًا من ذلك، صُدمنا بالإفراج عن عدد كبير من الأشخاص”.
وقد تشكّلت لجنة السلم الأهلي في أعقاب المجازر الواسعة التي طالت مدنيين من الطائفة العلوية في آذار/مارس الماضي، وذلك بعد محاولة تمرد فاشلة نفذتها مجموعات موالية لنظام الأسد في منطقة الساحل السوري، مما أسفر عن مقتل المئات من المدنيين العلويين على يد مؤيدين مسلحين للحكومة، بحسب منظمات حقوقية.
ووفقًا للصحيفة الأميركية، تقول اللجنة إنها تعمل على تهدئة التوترات مع الأقليات السورية، لكن النقاشات حول أهدافها تلامس جوهر السؤال المحوري في سوريا ما بعد الأسد: كيف يمكن تحقيق العدالة والمصالحة في مجتمع عانى عقودًا من القمع العنيف؟
وبحسب منظمات حقوقية، فقد قُتل أكثر من 600 ألف شخص من جميع الأطراف في الحرب، وتعرض عشرات الآلاف للتعذيب والسجن. فيما لا يزال آلاف الأشخاص الذين اختفوا في معتقلات الأسد في عداد المفقودين حتى اليوم.
ويطالب ضحايا نظام الأسد بعملية عدالة انتقالية تُحاسب المسؤولين عن هذه الجرائم. لكن بالنسبة للبعض ممن عاشوا تحت حكم الأسد، وخاصة في الأوساط العلوية، فقد عمّقت مجازر آذار/مارس في الساحل مخاوفهم من “عدالة ثأرية دموية” تنفّذها جهات غير رسمية، بحسب الصحيفة ذاتها.
وأكدت لجنة السلم الأهلي أن هدفها هو تعزيز التماسك الاجتماعي لنجاح العدالة الانتقالية، وقد أظهرت استعدادًا للعمل مع شخصيات من النظام السابق لتشجيع القبول الشعبي المحلي.
لكن منذ شهور، تتصاعد الانتقادات بشأن تعاون اللجنة مع فادي صقر، الذي كان يقود ميليشيا “الدفاع الوطني”، وهي مجموعة موالية للأسد تأسست عقب اندلاع الاحتجاجات الشعبية في العاصمة دمشق في 2011.
وكانت اللجنة قد عقدت مؤتمرًا صحفيًا، الثلاثاء الماضي، وكان الهدف من المؤتمر شرح آلية عملها ومحاولة تهدئة التوترات، لكن المؤتمر فجّر عاصفة من الجدل، حيثُ اتهم نشطاء اللجنة بأنها تتيح لمرتكبي الجرائم الإفلات من العقاب، وطالبوا فادي صقر بالكشف عن أماكن المقابر الجماعية للمفقودين.
وأثار دور صقر غضبًا خاصًا، إذ يقول المنتقدون إنه يتحمل مسؤولية مجزرة “حي التضامن” جنوبي دمشق عام 2013، إلى جانب حصار ضواحي المدينة التي كانت تحت سيطرة المعارضة.
لكن صقر نفى مسؤوليته وقال إنه عُيّن قائدًا للميليشيا بعد مجزرة التضامن، وأوضح في بيان لـ”نيويورك تايمز” أنه لم يحصل على أي عفو من الحكومة.
وقال صقر في البيان: “كانت الدولة واضحة معي منذ البداية: لو كانت وزارة الداخلية تملك أي دليل ضدي، لما كنت أعمل معها اليوم”، مضيفًا: “سأخضع لما تقرره السلطة القضائية، شريطة أن يكون ذلك ضمن الإجراءات القانونية السليمة”.
من جانبه، أقرّ عضو لجنة السلم الأهلي حسن صوفان بـ”ألم الناس وغضبهم المبرر”، وذلك رغم خلفية صقر، حيث أشاد بدوره في اللجنة. وقال صوفان: “في سياق المصالحة الوطنية، نجد أنفسنا أحيانًا مضطرين لاتخاذ قرارات تمنع التصعيد والعنف، وتسهم في تحقيق قدر من الاستقرار في المرحلة المقبلة”.
ووفقًا لـ”نيويورك تايمز”، تواجه الحكومة ديناميكية وطنية شديدة الانفجار من جميع الجهات، إذ بحسب نشطاء حقوقيين، باتت “الاغتيالات الانتقامية” أمرًا شائعًا في سوريا، حيث يُعلّق السكان المحليون قوائم “مطلوبين” من أعضاء النظام السابق على جدران الأزقة، فيما تتعهد مجموعات غامضة من المنتقمين بملاحقة المتهمين.
أما في المجتمعات العلوية، التي ما زالت خائفة وغاضبة بعد المجازر الساحلية، فتسود شائعات مستمرة بأن هناك تمردًا مسلحًا يجري الإعداد له ضد الحكومة الجديدة، مما يثير قلق القادة المحليين الساعين لاحتواء التوترات.
وقال المتحدث باسم وزارة الداخلية السورية، نور الدين البابا، إن حجم قوات النظام والميليشيات التابعة له، والذي يصل إلى 800 ألف عنصر، يجعل من المستحيل محاسبة الجميع.
أما بالنسبة لصقر، فإنه يرى خلفيته كعلوي وقائد سابق لميليشيا النظام، تمنحه مصداقية في إقناع مؤيدي النظام بعدم الانقلاب على الحكومة الجديدة. لكن السؤال الجوهري ما زال قائمًا، كما قال في ختام حديثه لـ”نيويورك تايمز”: “هل سيقبل جمهور الثورة بهم كشركاء في الوطن؟”، وأضاف “اسم فادي صقر هو اختبار لما إذا كان التعايش ممكنًا بين طرفي الصراع”.
——————————–
==========================