عن التدخل الاسرائيلي السافر في سورية الجديدة، ملف تناول “شهية إسرائيلية لتفتيت سوريا” – تحديث 15 حزيران 2025

لمتابعة مكونات الملف اتبع الرابط التالي
التدخل الاسرائيلي السافر في سورية الجديدة
لمتابعة تفاصيل هذا الملف اتبع الرابط التالي
————————–
مَن يجيب على السؤال الإسرائيلي الكبير؟/ عمر قدور
السبت 2025/06/14
ليس خبراً القصفُ الإسرائيلي لمنشآت إيرانية نووية وأخرى عسكرية، واستهداف شخصيات كبرى ذات صلة بالمضمارين. الخبر هو في تفاصيل الضربات الإسرائيلية فجر يوم الجمعة. فليس تفصيلاً على الإطلاق أن تشارك مئتا مقاتلة إسرائيلية في ضربات على أهداف بعيدة جداً عن تل أبيب، ولا هو بالتفصيل العابر استهدافُ شخصيات من الصف الأول بنجاح، أو مشاركة عناصر كوماندوس في الهجوم، أو مشاركة مسيَّرات انتحارية كانت معدّة على الأراضي الإيرانية في انتظار أوامر الإطلاق، بالتزامن مع القصف الذي نفّذته الطائرات المقاتلة من الجو.
حدث مماثل، من حيث اجتماع العناصر الاستخباراتية والعسكرية، كان عندما نفّذت إسرائيل عملية “البيجر”، وما رافقها وتلاها من استهداف لقيادات في حزب الله. وبعيداً عن المكابرة، يمكن الجزم بأن الحزب لم يعد تلك القوة المرهوبة داخلياً، أو حتى خارجياً بوصفه درّة التاج الإيراني، وبوصف صواريخه أداةً تردع تل أبيب عن استهداف طهران.
وكما هو معلوم، بدأ الأمر كله بعملية “طوفان الأقصى” التي نفّذتها حماس في السابع من أكتوبر 2023، ولم يكن أقوى المتشائمين بصيرةً ليتوقع عدم انتهاء الرد الإسرائيلي بعد ما يزيد عن عشرين شهراً. في الأصل، أتى الرد الإسرائيلي غير متناسب إطلاقاً مع عملية حماس، ومن الواضح أن مراميه أبعد بكثير من مجرد الرد، أو من مجرد استئصال قدرات حماس بأكملها. نحن نعجز حتى عن وصف الجحيم الذي عاشه فلسطينيو غزة خلال هذه الفترة، وحتى تمنّي نجاتهم بأي ثمن لا يبدو متاحاً، ولا يُعرف تحديداً الـ(أي ثمن) الذي تقبل به تل أبيب.
على مستوى متدنٍّ، قصفت الطائرات الإسرائيلية هدفاً في الضاحية الجنوبية قبل أيام قليلة، وهي ليست المرة الأولى التي تقصف فيها، مخترقةً وقف إطلاق النار المعلن بينها وبين الحزب. في غزة، حالةُ مدّ وجزر العمليات العسكرية مستمرة، وقد شهدت الأيام الأخيرة أيضاً تصعيداً إضافياً، إلا أن الوصف الأخير فقد دلالته اللغوية لكثرة ما استُخدِم، فلم نعد نعرف ما هو التصعيد الاعتيادي ليُعرَف الإضافي. في سوريا، توغّلت القوات الإسرائيلية مسافة إضافية في الأيام الأخيرة، وأخبار التوغّل صارت معتادة، ويجوز القول إن تل أبيب فرضت حدوداً جديدة لتواجد قواتها منذ سيطرت على المنطقة المنزوعة السلاح في الجانب السوري، بموجب اتفاقية الهدنة لعام 1974، ولم تكترث بالإشارات الإيجابية تجاهها الآتية من دمشق.
في واحد من جوانبها، غير الأساسية أو المقصودة بذاتها، يمكن اعتبار العملية الإسرائيلية الأخيرة رسالة للعديد من الدول في الإقليم، مفادها طول الذراع العسكرية الإسرائيلية عند اللزوم. هذا قد يكون له آثار على العديد من الملفات الإقليمية. ومنذ مدة تسرّبت أخبار عن تراجع أنقرة عن إقامة قواعد عسكرية في سوريا، بعد قصف إسرائيل المواقع المفترضة لإقامتها، قبل الشروع في ذلك.
الضربات الإسرائيلية لطهران وحلفائها مبعثُ فرح للمتضررين من المشروع الإيراني في المنطقة، وفي مقدمهم أولياء الضحايا الذين قتلتهم الميليشيات الإيرانية في سوريا، وهناك في القائمة ذاتها متضررين في اليمن وغيره. وكان ثمة قناعة رائجة من قبل، مفادها أن النفوذ الإيراني يتضخم بلا ممانعة إسرائيلية، وأن تل أبيب قادرة على الإجهاز عليه عندما تحين لحظة المواجهة. لكن، رغم هذه القناعة، لم يكن متوقَّعاً حدوث ذلك بالسهولة التي حدث بها في سوريا ولبنان، حيث يفترض أن النفوذ الإيراني فيهما هو خط التماس بين الجانبين.
أيضاً، كانت هناك فرضية رائجة، خصوصاً مع وجود الحزب الديموقراطي في البيت الأبيض، فحواها المقايضة بين البرنامج النووي والنفوذ الإقليمي، بحيث تكسب طهران في الثاني بمقدار تنازلاتها في الأول. وظهر خلال حكم بايدن أن طهران تسعى إلى تقويض المساومة التي كانت أيام أوباما، وكسب النووي والنفوذ الإقليمي معاً. الضربات الإسرائيلية الأخيرة تقول بوضوح أن على طهران القبول مرغمة بخسارة الاثنين. والانصياع الإيراني، إذا حدث، سيكون إعلاناً مدوّياً عن فشل حكم الملالي في مضمارين استثمر فيهما على مختلف الأصعدة، ويكفي منها ما أهدره من ثروات طائلة انتُزعت من لقمة عيش الإيرانيين.
ما حدث من ارتدادات بعد “طوفان الأقصى” أكبر بكثير من ربطه بالعملية ذاتها، وإن تسببت به. فإعلان العصر الإسرائيلي يمكن ردّه إلى ربع قرن مضى، تغيّرت خلاله إلى حد كبير نغمة الخطاب الإسرائيلي الموجَّه للمنطقة، وتوارت فيه الدعوات إلى السلام. نشير تحديداً إلى تخلّي النخبة السياسية بأكملها عن مبدأ “الأرض مقابل السلام”، وتبنّيها مبدأ “السلام مقابل السلام”، وحتى الثاني منهما من المرجّح أنه صار مصحوباً بشروط من جهة تل أبيب، أو غير مرغوب فيه.
نتوقع أن تكون القوة العسكرية الإسرائيلية قد تطورت منذ ربع قرن إلى مستوى أثّر على التوجهات السياسية للنخبة، فلم يعد لديها من حافز للتخلي عن بعض الأرض مقابل السلام. ما تشير إليه عمليتا البيجر ثم عملية فجر يوم الجمعة هو وجود هوة تكنولوجية شاسعة، ليست ابنة اليوم، ولا يُستبعد ازديادها عمقاً واتساعاً كل يوم مع المزيد من التطور التقني والمعلوماتي. فداحة اختلال التوازن التقني بين إسرائيل والجوار لا تتوقف عنده فحسب، بل تمتد إلى آثاره على مجمل السياسات الإسرائيلية التي نرى مؤشرات على دخولها طوراً جديداً.
مثلاً، قد لا تمانع تل أبيب بقاء الحزب في لبنان، ضمن مستوى لا يهددها، ويُبقي لها ذريعة لإبقاء لبنان في حالة من عدم الاستقرار. ورغم “الإيجابية” التي تبديها السلطة الجديدة في دمشق، مدعومة بجمهورها الذي صار يدعو إلى السلام، فلا يظهر في المدى المنظور أي دافع لدى تل أبيب لإبرام صفقة سلام، بينما تستطيع إبقاء الجار الجديد تحت الضغط، وإبقاء سوريا في حالة من عدم الاستقرار. في المثالين اللبناني والسوري، تستطيع القوة العسكرية الإسرائيلية، بثمن بخس، أن تعيق أي مشروع للتنمية والانتعاش الاقتصادي المستدام.
بالطبع، ليست إسرائيل كلية القوة، لكن الحديث التقليدي عن نقاط ضعفها لم تثبت صحته أيضاً. والحديث السوري عن السلام كأنه ذهاب إلى حيث كانت إسرائيل قبل ربع قرن، وربما كذلك هو حال بلدان الجوار جميعاً التي يفكّر أبناؤها في الانكفاء عن الشأن الفلسطيني، إلا أن الانكفاء لا يضمن حقاً البقاء خارج دائرة السؤال الإسرائيلي الكبير، والذي يطرح تحديات عديدة لا تتعلق بالعجز عن المقاومة، بل وبإفلاس مشاريع السلام كلها، وبعدم القدرة على اقتراح مشروع سلام مقبول إسرائيلياً.
لقد عاشت المنطقة من قبل لعقود حالة اللاسلم واللاحرب، ليس هذا ما يُخشى منه حالياً؛ الخشية هي من حالةٍ دون الاثنين تتحكم بها تل أبيب، وتتحكم تالياً بتفاصيل لم تكن تمسك بمفاتيحها من قبل. قد تجيب طهران يوم الأحد المقبل على الاختبار النووي بما يجنبها جولة جديدة من القصف الإسرائيلي. أما السؤال الإسرائيلي المطروح على دول الجوار فهو مديد ومعقّد، والإجابات السهلة البسيطة لا تصلح، إن كانت لها صلاحية فيما مضى.
المدن
—————————
الحرب على إيران: «عقيدة المحيط» الإسرائيلية وتحولاتها/ وسام سعادة
تحديث 14 حزيران 2025
كانت لديفيد بن غوريون فكرة. تبدّلت تطبيقاتها في زمانه وبعده. اصطُلح على تسميتها في الذاكرة الإسرائيلية بـ«التحالف مع الأطراف»، أو «عقيدة المحيط»: إيثار المحيط الأبعد على الجوار.
كان يقصد بها، إلى حد كبير، في بدايات سني إسرائيل، التعويل على العلاقات مع الدولتين الشرق أوسطيتين المسلمتين غير العربيتين، تركيا وإيران، في مقابل المواجهة مع بلدان «الطوق العربي».
تدريجياً، شهدت تلك العقيدة الإسرائيلية انزياحاً: من التعويل على دولتين إقليميتين كبيرتين، إلى التعويل على التقاطع مع حيويات إثنية تعاكس المزاج «العربي الإسلامي».
كان هذا قبل أن تتطور العقيدة بعد عقود طويلة على رحيل بن غوريون وانقضاء هيمنة اليسار الصهيوني على إسرائيل، إلى حيث التعويل على التحالف مع العرب الأبعد جغرافياً عن منطقة «الطوق»، وهذا كنه «الاتفاقات الإبراهيمية».
لحظة الافتراق في مجرى هذا التحول الذي شهدته عقيدة «التحالف مع بلدان الطرف»، على حساب «بلدان الطوق»، جاءت مع الثورة الإيرانية أواخر السبعينيات. إذ انتقلت إيران من ثلاثة عقود من العلاقات مع الدولة العبرية، إلى سحب كل اعتراف بها، وتبني شعار تدمير إسرائيل كعنصر أساسي لأيديولوجية «الدولة – الثورة»، الدولة الحرسية، هذا في وقت كانت فيه مصر، الدولة العربية المحورية وصاحبة الباع الأساسي في الحروب النظامية مع إسرائيل، تخرج من دائرة الصراع، وتوقع صلحاً منفرداً وتسترجع على أساسه شبه جزيرة سيناء، وتُنبذ لعقد كامل من جامعة الدول العربية، بالتوافق بين الأنظمة الجمهورية العربية «اليسارية» والملكية «اليمينية» على حد سواء. في اللحظة نفسها، خرجت إيران، تلك التي عوّلت عليها إسرائيل في زمن الشاه في إطار عقيدة التشبيك مع البلدان «الطرفية» في الشرق الأوسط – أي الطرفية نسبة لمركز الصراع الجغرافي- لتعلن ليس فقط نقضها لسياسات الشاه، بل مضت تزايد وبمفعول رجعي، حيال الأنظمة العربية وتركة حروبها النظامية مع إسرائيل. وحجة إيران في كل هذا أن طبيعة الصراع مع إسرائيل تتطلب استنزافها من قبل أخطبوط من التشكيلات والفصائل، التي لا يمكن أن يكون معيار الربح والخسارة عندها محدوداً كمعياره عند الدول. المضمر في السردية الخمينية أن دولة غير محاذية جغرافية لإسرائيل، إنما بسعة وقدرات إيران، بإمكانها مدّ العون، مادياً ومعنوياً، لحركات مقاتلة إسرائيل، بما من شأنه «تقزيم» الأخيرة، وإرهاقها، والدفع قدماً بتناقضاتها إلى الواجهة، وبما فيه إلقاء الحجة باستمرار على البلدان العربية التي لم تنفعها كثيراً الرابطة «العروبية» الجاهلية في مواجهة هذا العدو الحضاري للأمة الإسلامية. المضمر أكثر في كل هذا التفكير هو أن المواجهة المباشرة بين إيران وإسرائيل لا يمكن أن تحصل إلا عرضاً، أو لماماً، وستبقى المواجهة بالمراسلة، أو بالوكالة، وفي أبعد تقدير بالمواجهة المباشرة خارج إيران، بين النفوذ الإيراني، المباشر وغير المباشر، في البلدان العربية المحيطة بإسرائيل، وبين الأخيرة.
الحرب الجوية الإسرائيلية الحالية، حرب الظل بمعية العمليات الأمنية الخاصة، على إيران، وقياداتها العسكرية وطواقمها العلمية ومنشآتها النووية ومطاراتها، تعني بشكل قاطع انتهاء ما يقارن النصف قرن إلا قليلاً من سردية «الحروب بالوكالة التي لا تنتهي». إنما مهد لذلك سياق من المواجهة المباشرة – من جانب واحد معظم الوقت – أولا على الأرض السورية، فمنذ 2013 شنت إسرائيل مئات الغارات الجوية على مواقع إيرانية في سوريا، وعلى قوافل أسلحة كانت في طريقها إلى حزب الله. لذلك، انتقل الصراع إلى الفضاء الرقمي. أواخر 2020: قُتل محسن فخري زاده، أبرز علماء إيران النوويين، و«العقل المدبر» للبرنامج النووي العسكري المزعوم، في كمين محكم، حيث استخدم مدفع رشاش يتم التحكم فيه عن بعد، وبتقنيات تُمكّن من تنفيذ الاغتيال دون وجود مباشر لعنصر بشري في الميدان.
في أبريل 2021 تعرضت منشأة تخصيب اليورانيوم في نطنز لهجوم أدى إلى تعطيل أجهزة الطرد المركزي المتطورة. الحرب الحالية تبني على هذا التراكم الذي حصّلته سنوات عديدة من «حرب الظل» الذي تنامى فيها أكثر فأكثر الاعتماد على الذكاء الاصطناعي والحرب الروبوتية.
فالحرب الإسرائيلية لم تمتد فقط إلى إيران كتتمة للحرب التدميرية في غزة وللحرب على حزب الله وتقويض النفوذ الإيراني في سوريا، إنما أيضا كاستمرارية لسنوات – منذ 2018 تقريبا – من حرب التخريب المتواصلة ضد البرنامج النووي الإيراني بشكل أساسي. بالتوازي، فإن إسرائيل الحالية لم تعد تفتش عن تطبيقات جديدة لنظرية «التحالف مع الأبعد ضد الأقرب جغرافيا» أو بالعكس، في الشرق الأوسط. كما أنها تخوض الحرب من دون أن تمهد لذلك باستجماع توافق غربي لصالحها. غير أنها تراهن أيضا على أن الانحياز اليها، إقليميا، كما غربيا، بأشكال ووتائر متعددة ومتفاوتة، ستفرضه الوقائع الحربية تباعا.
الدول جميعها بدت «متفاجئة» بالحرب الإسرائيلية على إيران، وهي نفسها الدول التي «أفتت» بالأمس بهذه الحرب من خلال قرار الوكالة الدولية للطاقة الذرية. الأخطر هو التعاقب السريع بين صدور قرار الوكالة وبين الترجمة الإسرائيلية الفورية لهذا القرار، في الوقت الذي كان فيه الأمريكيون يؤدون دور «تنويم إيران بالعسل» حتى يوم الأحد، موعد اجتماع مسقط.
ما الذي تريده إسرائيل بالفعل من هذه الحرب؟ تدمير النووي الإيراني فقط؟ الإجهاز على نظام الحرس الثوري؟ هل يمكن أن يبقى هذا النظام على قاعدة تدمير كل مشروعه النووي وتعريضه لهزيمة عسكرية في عقر داره من بعد ضرب زعانفه في الإقليم؟ إنما في الوقت نفسه، أن تقوم دولة بحجم إسرائيل بإحداث زلزال حربي بهذا الزخم يفتح الطريق لضرب النظام الناتج عن الثورة الإيرانية، فهذا لا يعكس، حتى في حقل الإمكان، سوى وصول انعدام التوازن في الشرق الأوسط إلى حالة قصوى. والحال، أن المشهد يزداد توحشاً. انعدام التوازن يحطم أرقاما قياسية. إنما في كل هذا المشهد ثمة شيء واحد يمكن التقاطه: الشعارات «الخلاصوية» المؤدلجة، لغة «سوف وسوف سوف»، إذ تتهاوى كالهزل في عز المأساة. انتقلت إسرائيل من الرهان على التحالف مع «الطرف» ضد بلدان المواجهة الأقرب، إلى الحرب «المباشرة عن بعد» والشاملة، ضد هذا الطرف. الرهان لم يعد التحالف مع «المحيط» غير العربي ضد البلدان العربية، بل أن ضرب المحيط، الطرف، إيران، سينهي من تلقائه كل أعراض عدم التطبع العربي وغير العربي على حد سواء مع وجود إسرائيل.
يبقى أن مقدار اللاتوازن في الصورة الإجمالية ليس من النوع الذي يسهل حياله ترديد لازمة أن «نهاية من رعب خير من رعب بلا نهاية».
القدس العربي
————————————–
سوريا الجديدة: سماء مفتوحة لإسرائيل
تستغلّ إسرائيل هشاشة سوريا وتحوّل أجواءها إلى ميدان دعم لعملياتها ضد إيران، وسط صمت رسمي سوري وانفتاح على تل أبيب ومعاداة لطهران.
السبت 14 حزيران 2025
طائرة إسرائيلية تتزوّد بالوقود في سماء سوريا؛ هذا المشهد التقطه ناشطون خلال العدوان الإسرائيلي غير المسبوق على إيران، والذي تستثمر فيه تل أبيب نفوذها في سوريا، الهشّة المخلوعة الأنياب، لضمان أمنها، وزيادة تحصين مواقعها. وقبيل الهجوم الإسرائيلي على إيران، حلّقت طائرات إسرائيلية حربية فوق سوريا، مستغلّة عدم امتلاك البلاد جيشاً قادراً على حماية سمائه، وعدم امتلاك قدرات عسكرية دفاعية، بعد أن دمّرت إسرائيل معظم القدرات السورية بعيد سقوط نظام بشار الأسد، واستثمرت الموقف الذي تتّخذه الإدارة الجديدة الساعية لعقد اتفاق معها، في تحويل سوريا إلى أحد خطوط «الدفاع».
على أنه خلال الهجمات الإسرائيلية السابقة، وما تبعها من ردّ إيراني، لم تخترق الطائرات الإسرائيلية السماء السوريّة، فيما تجنّبت إيران إقحام سوريا، حليفتها الوثيقة حينها، في معاركها مع إسرائيل، الأمر الذي حوّل الصراع البعيد المدى، آنذاك، إلى مسارات غير مباشرة، اضطرّت خلالها إسرائيل إلى سلك طرق جوية معقّدة. كذلك، اعتمدت إيران على المسارات نفسها، لكنّ هذه النقطة تغيّرت في الوقت الحالي، الأمر الذي يضع سوريا في قلب المعركة.
وفي وقت لم تعلن فيه، صباح أمس، عن بدء أي رد على الهجمات الإسرائيلية، أعلنت وزارة الدفاع الإسرائيلية إسقاط نحو 100 طائرة مُسيّرة، قالت إنها إيرانية، في حين شهدت بعض المناطق السورية سقوط أجسام حربية، تسبّبت بعضها باندلاع حرائق، في ريف درعا.
وبينما ذكرت «وكالة الأنباء السورية» (سانا) أن صاروخين إيرانيين سقطا في درعا أثناء عبورهما إلى الأراضي المحتلة، في ما يبدو أنه عملية تصدٍّ إسرائيلية، تجلّي امتلاك تل أبيب نفوذاً عسكرياً كبيراً في سوريا، خصوصاً في قمة جبل الشيخ الاستراتيجية، التي تعتبرها أحد أبرز الحصون المتقدّمة للدفاع عنها، نفت مصادر ميدانية صحّة هذه المعلومات. وأكّدت المصادر، في حديثها إلى «الأخبار» أن الأجسام التي سقطت عبارة عن خزانات وقود إسرائيلية، موضحة أن «الخزانات سقطت في محيط مدينة الصنمين وفي أحد أحياء مدينة إنخل في ريف درعا الشمالي. كما سُجّل سقوط جسم حربي غير معروف في الأراضي الزراعية المحيطة بمدينة إنخل، من دون تسجيل أي أضرار.
وتسبّب الانتهاك الإسرائيلي للأجواء السورية، والذي تحوّلت سوريا معه إلى أحد ميادين المعركة، بتوقف حركة الطيران، وإعلان سلطات الطيران وقف جميع الرحلات الجوية في الوقت الحالي، من دون تحديد موعد واضح لعودتها. غير أنه لم تصدر عن السلطات السورية الانتقالية أي ردود أفعال أو تصريحات حول العدوان الإسرائيلي، كما لم يصدر عنها أي تعليق على انتهاك إسرائيل الأجواء السورية، والمخاطر الكبيرة لاستعمال سوريا في العمليات العسكرية الإسرائيلية، الأمر الذي يتّسق مع توجهات السلطات الجديدة للانفتاح على تل أبيب، ويتوافق، في الوقت نفسه، مع موقفها المعادي لإيران.
ومع بدء الرد الإيراني، مساء أمس، شهدت السماء السورية انفجارات عديدة في إطار محاولة إسرائيل استهداف الصواريخ الإيرانية في سوريا، قبل وصولها إلى الأراضي المحتلة. وجاء ذلك وسط تحذيرات شعبية من خطورة التواجد في أماكن مفتوحة، في ظل احتمالية سقوط مقذوفات جراء المعارك الجوية الجارية.
——————————-
الهجوم الإسرائيلي على إيران: لماذا الآن؟/ إياد الجعفري
الأحد 2025/06/15
على مدار ثلاثة عقود، نشأ جيل كامل من سكان المنطقة، في أجواء سردية إسرائيلية تتحدث عن خطر نووي إيراني آتٍ، وعن نيّة إسرائيل تدميره قبل أن يصبح واقعاً. سردية، طال انتظار تحققها، حتى غلب الظن أنها مجرد بروباغندا، وما عاد أحد يعتقد باحتمال وقوعها، حتى حدث ذلك، بالفعل، ليل 14 حزيران الجاري. فما سرّ هذا التوقيت الذي أنهى انتظار ثلاثة عقود؟
تقول الرواية الرسمية الإسرائيلية إن برنامج الأسلحة الإيراني اقترب من نقطة اللاعودة. وأصبحت القنبلة النووية الإيرانية قاب قوسين أو أدنى، من الوجود. تخالف هذه الرواية شهادة أدلت بها مديرة الاستخبارات الوطنية الأميركية، تولسي غابارد، أمام الكونغرس، في آذار الفائت، قالت فيها إن مجتمع الاستخبارات الأميركي لا يزال يعتقد أن إيران لا تُصنّع سلاحاً نووياً، في الوقت الحالي. من زاوية أخرى، تتعارض الرواية الرسمية الإسرائيلية مع حالة الاسترخاء الأمني الكبيرة التي طبعت تحركات القادة العسكريين الإيرانيين، رغم بروز معطيات تؤشر إلى هجوم إسرائيلي وشيك، قرأه القادة الإيرانيون على أنه مجرد “دعاية إسرائيلية”، لدفعهم إلى تقديم تنازلات في جولة المفاوضات النووية مع أميركا، التي كان من المزمع عقدها في عُمان، يوم الأحد 15 حزيران. لذلك، لم يتخذ هؤلاء القادة أية إجراءات أمنية استثنائية، بل وعقد فريق منهم اجتماعاً طارئاً، أتاح لإسرائيل استهدافهم بصورة جماعية. وهنا نتساءل: لو كانت إيران على مقربة من امتلاك قنبلة نووية بالفعل، أما كان قادتها تعاملوا بجدية أكبر مع المعلومات التي وصلتهم عن هجوم إسرائيلي وشيك!
في كتاب “التحالف الغادر أو الخائن”، للأكاديمي الأميركي من أصل إيراني، تريتا بارزي، يمكن قراءة لحظة تاريخية شبيهة بالتي نعيشها اليوم، تأسست قبل ثلاثة عقود. فالخبير في السياسة الخارجية الأميركية، وأستاذ العلاقات الدولية في جامعة جون هوبكنز -سابقاً- بذل جهداً استثنائياً في محاولة سبر أغوار العلاقة (الإيرانية- الإسرائيلية)، في كتابه الصادر عام 2006، والذي استند فيه إلى حديث مباشر أجراه مع مسؤولين إيرانيين وإسرائيليين وأميركيين، كانوا خلال عقود، مشاركين في صنع السياسة الخارجية لبلادهم، أو على مقربة منها.
إحدى أبرز النقاط التي يشير إليها بارزي، أن التحولات الكبرى في العلاقات الإسرائيلية- الإيرانية كانت نتيجة لتحولات جيوسياسية، وليس أيديولوجية. ويقلل بارزي من أهمية البعد الأيديولوجي للخطاب العدائي بين الدولتين، معتبراً أنه غطاء للسبب العميق في العداوة بينهما. ويحدد بارزي منعطفاً نوعياً تمثّل في هزيمة العراق وتفكيك الاتحاد السوفياتي عام 1991. يقول بارزي: “بعد أن انجلى الغبار دخل الحليفان الاستراتيجيان السابقان (إيران وإسرائيل) في منافسة شرسة على النظام المستقبلي في المنطقة”.
وهنا بدأت حقبة العقود الثلاثة التي أشرنا إليها في بداية مقالنا. في بداية هذه الحقبة (منتصف التسعينات)، استأنفت إيران برنامجها النووي الذي يعود إلى عهد حكم الشاه. لكن مجتمع الاستخبارات الأميركي كان يرى أن امتلاك إيران لقدرة تصنيع سلاح نووي لن تتحقق قبل العام 2015. في ذلك الحين كان لدى مجتمع الاستخبارات الإسرائيلي تقييم علني مختلف، بات أشبه باستراتيجية. إذ عمد الجهاز الاستخباراتي الإسرائيلي إلى تضخيم القدرات النووية الإيرانية، حتى أن خبيراً سابقاً في ذلك الجهاز قال لمؤلف كتاب “التحالف الغادر”: “تذكر، لا يزال يفصل الإيرانيين عن امتلاك قنبلة بين خمس وسبع سنوات. سينقضي الوقت، وسيظل يفصلهم عن امتلاك القنبلة خمس إلى سبع سنوات”. كان ذلك تعليق ساخر من جانب الخبير الإسرائيلي حيال استراتيجية تل أبيب في تضخيم الخطر النووي الإيراني. لكن لماذا انطلقت شرارة هذه العداوة بين طهران وتل أبيب في تلك الحقبة تحديداً: مطلع ومنتصف التسعينات؟
تجيب مصادر بارزي أن إيران قرأت في مسار السلام الذي رعته أميركا بين العرب والإسرائيليين حينها، تهديداً بعزلها إقليمياً، وذلك بعد أن تم تجاهل دورها تماماً في مسار السلام هذا. ولطالما كان الهم الإيراني منصباً على اقتناص اعتراف أميركي بإيران، كقوة إقليمية يحق لها المشاركة في صنع التوازنات في شرق المتوسط والخليج. وهو ما لم يحدث. إذ تجاهلت واشنطن يومها، أي دور لإيران. فاتجهت الأخيرة لتصعيد دعمها لحزب الله في لبنان، وطوّرت علاقاتها مع حركتَي الجهاد الإسلامي وحماس. بالمقابل، كانت إسرائيل تشعر بخطر التحول الطارئ على النظام الإقليمي في مطلع التسعينات. فأميركا باتت متواجدة بصورة عسكرية مباشرة في المنطقة، وأصبحت علاقاتها مع دول عربية بارزة، في أوجها، مما جعل الإسرائيليين يشعرون بالقلق من تراجع الأهمية الاستراتيجية للدولة اليهودية في نظر الأميركيين. إذ لم تعد حليف الغرب الذي يمكن الاعتماد عليه في المياه العكرة لسياسات الشرق الأوسط. بل إن إسرائيل باتت من وجوه عديدة، عبئاً على واشنطن، التي كانت تراهن على قيادة عملية سلام كبرى في الشرق الأوسط، يومها. وفي هكذا أجواء، رأت إسرائيل أن أي خرق في العلاقات الأميركية- الإيرانية، يمكن أن يزيل ما تبقى من أهمية استراتيجية ضئيلة تحتفظ بها إسرائيل. لذلك وجدت ضرورة ملحة في سردية الخطر النووي الإيراني.
يمكن إسقاط كثير من المعادلات التي حكمت تفكير صانع القرار الإسرائيلي، قبل ثلاثة عقود، على ما يحدث اليوم. فخلال الأشهر الثلاثة الفائتة، كان يمكن التقاط مؤشرات كثيرة على التوتر في العلاقات الأميركية الإسرائيلية، لأسباب عديدة، منها الاستياء الأميركي جراء التعنت الإسرائيلي في إنهاء الحرب بغزة، والاستياء الإسرائيلي جراء وقف الضربات الأميركية ضد الحوثيين خلافاً لرغبة تل أبيب. ومن ثم جولة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في دول الخليج، الشهر الفائت، والتي كشفت عن تطور لافت في العلاقات الأميركية – العربية – التركية، كان في القلب منها، تبني ترامب لموقف الخليج وتركيا من إدارة الرئيس السوري الجديد، أحمد الشرع، ورفع العقوبات عن سوريا، خلافاً لرغبة إسرائيل. بالتزامن، كان عقد جولات متتالية من المفاوضات الأميركية مع إيران، مصدر قلق إسرائيلي أيضاً. كل ما سبق، جعل إسرائيل تدرك الحاجة الملحة لإعادة تثقيل قوتها العسكرية والاستخباراتية في نظر الأميركيين، بوصفها القوة الإقليمية الواجب على واشنطن، استمرار المراهنة عليها. فكانت الضربات العسكرية الإسرائيلية الأخيرة لإيران.
تستهدف هذه الضربات، على الأرجح، دفع إيران إلى تقديم تنازلات قاسية على طاولة المفاوضات مع الأميركيين. وهو ما يحقق قيمة نوعية للإسرائيلي من أكثر من زاوية. أبرزها، استعادة دوره كلاعب إقليمي لا يمكن لواشنطن تجاهله في ترتيباتها مع حلفائها الجدد بالمنطقة. وفيما استطاعت دول خليجية، تعزيز وزنها لدى صانع القرار الأميركي باستخدام القوة الناعمة والمال، تعمل إسرائيل على تحقيق ذلك، بقوة السلاح والاستخبارات. وهي الأدوات التي ستواصل تل أبيب استخدامها في الفترة المقبلة، لفرض دورها كشريك في أي ترتيبات بالمنطقة، شريطة أن تنجح مساعيها في تحقيق الأهداف المنتظرة من حربها الراهنة ضد إيران.
المدن
————————-
إعلام ما بعد الأسد: إسرائيل تقصف وإيران ترد…وسوريا تصمت/ مصطفى الدباس
السبت 2025/06/14
منذ عودة التوتر الإقليمي إلى واجهته الأكثر عنفاً مع تبادل القصف بين إسرائيل وإيران، بدا أن سوريا لم تكن ساحة للرد فحسب، بل ساحة لتبدلات أعمق في اللغة والموقف الإعلامي، بعد شهور قليلة فقط من سقوط النظام السوري المخلوع.
واللافت في تغطية وسائل الإعلام السورية الرسمية وشبه الرسمية، ليس فقط غياب الموقف الرسمي من الأحداث، بل التغير الجذري في الخطاب المستخدم، بما يكشف عن تصدعات في المحور التقليدي، وتحولات جذرية في التموضع السياسي للدولة السورية الجديدة.
نجاح إسرائيلي
وقدمت قناة “الإخبارية السورية” الحدث بوصفه نجاحاً إسرائيلياً في تحجيم الرد الإيراني، واستضافت محللين تحدثوا عن ضعف الرد الإيراني، واستعراضيته، وكونه جاء في سياق عزلة متنامية تعيشها طهران وموسكو على الساحة الدولية.
ولم تكتف القناة بعدم التنديد بالقصف الإسرائيلي، بل نقلت حرفياً أخباراً من الإعلام العبري تصب في هذا الاتجاه، وقدّمتها كوقائع نهائية.
واستندت التغطية السورية للحدث بشكل لافت إلى ما تنقله وسائل الإعلام الإسرائيلية، سواء في تقييم “ضعف الرد الإيراني”، أو في إظهار دقة الضربات الإسرائيلية وفعاليتها. حيث تم اقتباس تقارير من “هآرتس” و”يديعوت أحرونوت” و”القناة 12″، من دون محاولة لتقديم رواية محايدة أو تحليل مستقل.
في المقابل، ركزت التغطية على عرض صور وتقارير عن الدمار داخل إيران، متجنبة بشكل تام الحديث عن الخسائر الإسرائيلية أو أي أثر ملموس للهجمات الإيرانية، ما يعكس موقفاً في السرد الإعلامي، وتوظيفاً للحرب كمادة سياسية داخلية، أكثر من كونها حدثاً إقليمياً يستوجب مهنية أو توازناً.
الردّ الإيراني لم يحدث!
ولم تنتشر وكالة “سانا” الرسمية أي خبر أو بيان أو تعليق حول القصف الإسرائيلي ولا الرد الإيراني في صفحاتها الرسمية في وسائل التواصل الاجتماعي، وكأنه لم يحدث، حيث بقيت تركز على الأوضاع الداخلية في سوريا. هذا الغياب الممنهج يعكس خطاً تحريرياً يتجنب الدخول في أي مواجهة رمزية مع تل أبيب، أو حتى التلميح إلى إدانة الخروق المتكررة للمجال الجوي السوري.
“الجيش الإسرائيلي” أم “الاحتلال الإسرائيلي”؟
في نشرات قناة الإخبارية ومنشوراتها، برز أيضاً غياب سياسة تحريرية واضحة في توصيف الطرف الإسرائيلي. فتارة يُستخدم مصطلح “الجيش الإسرائيلي”، وتارة أخرى “الاحتلال الإسرائيلي”، من دون التزام بمفردات محددة تعكس موقفاً سياسياً متماسكاً، ما يكشف إرباكاً في خطاب الدولة الجديدة التي تحاول الخروج من عباءة الخطاب العقائدي السابق، دون أن تملك بعد خطاباً وطنياً بديلاً.
صواريخ داخل سوريا
رغم سقوط شظايا ومخلّفات لصواريخ الرد المتبادل داخل الأراضي السورية، لم يصدر أي تنديد أو اعتراض رسمي من وزارة الدفاع أو الخارجية السورية. كما لم يُذكر الأمر في وسائل الإعلام الرسمية، وكأن سقوط المقذوفات داخل البلاد لم يعد مدعاة للرد أو حتى الإدانة، ما يعكس تغيراً واضحاً في تعريف السيادة، وإعادة ضبط للخطوط الحمر.
من تصدير الثورة إلى تصفية الحليف
صحيفة “الثورة”، الناطقة باسم السلطة، اختارت زاوية مغايرة، واعتبرت أن مشروع إيران في المنطقة تلقى أولى ضرباته الحقيقية في سوريا، منذ سقوط نظام الأسد، وأن ما يجري الآن من تصعيد هو استكمال لمسار بدأه “الثوار” ضد النفوذ الإيراني. وهو خطاب جديد كلياً، لم يكن من الممكن تصوره في ظل النظام السابق الذي ربط مصيره بتحالفه الاستراتيجي مع طهران.
إغلاق الأجواء: رسالة بلا توقيع
في موازاة ذلك، أشارت وسائل الإعلام إلى إغلاق المجال الجوي السوري مؤقتاً أمام حركة الطيران، وهو ما قُدّم بوصفه “رسالة أمنية واضحة” بأن الأراضي السورية لن تُستخدم في أي عملية هجومية ضد إسرائيل أو غيرها. وجاء ذلك متسقاً مع تصريح سابق لوزير الخارجية السوري أسعد الشيباني أكد فيه أن “سوريا لن تشكل أي تهديد لدول الجوار”، في سياق بدا أقرب إلى خطاب تطمين إقليمي.
خارج المعركة… أم خارج المعادلة؟
ربما المؤشر الأهم في هذا التحول، هو غياب أي صوت دفاعي عن إيران في الإعلام السوري. لا تحليلات، لا تصريحات، لا محاولة للتوازن في السرد، بل على العكس، بدا الحدث فرصة لتصفية الحساب مع حليف النظام السابق، وإعادة تعريف الصراع على الأرض السورية باعتباره مسؤولية إيران وحدها، لا علاقة لسوريا الجديدة به.
المدن
—————————–
هجوم إسرائيل على إيران.. اغتيالات دقيقة وارتدادات خليجية وسورية/ محمد فواز
2025.06.15
استفاق العالم يوم الجمعة على وقع ضربات إسرائيلية مركّزة وغير مسبوقة في العمق الإيراني، حملت رسائل استراتيجية وأمنية من العيار الثقيل. فقد استهدفت الضربات عددًا من القيادات العليا في الحرس الثوري الإيراني، كان أبرزهم اللواء حسين سلامي، القائد العام للحرس الثوري، واللواء محمد باقري، رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة، بالإضافة إلى اللواء غلام علي رشيد، قائد مقر “خاتم الأنبياء”، ضمن سلسلة هجمات نُفذت بدقة عالية.
استفاق العالم يوم الجمعة على وقع ضربات إسرائيلية مركّزة وغير مسبوقة في العمق الإيراني، حملت رسائل استراتيجية وأمنية من العيار الثقيل. فقد استهدفت الضربات عددًا من القيادات العليا في الحرس الثوري الإيراني، كان أبرزهم اللواء حسين سلامي، القائد العام للحرس الثوري، واللواء محمد باقري، رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة، بالإضافة إلى اللواء غلام علي رشيد، قائد مقر “خاتم الأنبياء”، ضمن سلسلة هجمات نُفذت بدقة عالية.
كما طالت الضربات علماء بارزين في البرنامج النووي الإيراني، من بينهم محمد مهدي طهرانجي وأحمد رضا ذو الفقاري. أما الذراع الثالث لهذه الضربة فكان استهداف المنشآت النووية الاستراتيجية، وعلى رأسها منشأة نطنز، التي تُعد من أهم أعمدة البنية التحتية النووية الإيرانية. وقد نُفذت العملية عبر تنسيق استخباري محكم بين الجيش الإسرائيلي والموساد، من خارج وداخل إيران، بخيوط وتفاصيل قد لا تُكتشف إلا مع مرور الوقت.
صحيح أن الضربة في إيران ولكنها أثارت ضجة في العالم كله. ففي عالم مترابط كما نعيشه اليوم، انكبّت كل دولة وكيان نحو مراجعة حساباته، تأثرًا وتأثيرًا بما حدث، وما قد يحدث، في هذا الفصل المتصاعد من الحرب بين إيران وإسرائيل.
الولايات المتحدة، من جهتها، ترى في هذه الضربة فرصة سانحة لفرض اتفاق حاسم على إيران، تتخلى فيه عن مشروعها النووي ونفوذها مقابل الحفاظ على النظام، بعد أن كانت قد رفضت ذلك في السابق. لكن نجاح إسرائيل في تحقيق كامل مساعيها مع إيران، في حال حصل، قد يدفعها إلى الإفلات من الضبط الأميركي ذاته أو قد يدفع واشنطن إلى إعادة النظر في سياستها الإقليمية لتصبح من خلال المنظور الإسرائيلي حصرا.
بشكل أوضح، هناك خطان يتنازعان في النظرة الأميركية تجاه إسرائيل: الأول يتمثل في محاولة الموازنة بين الحلفاء التقليديين في المنطقة (إسرائيل والدول العربية)، والثاني هو ما تسعى إليه إسرائيل نفسها، أي أن يكون العالم العربي بكامله تحت مظلتها السياسية والأمنية والاقتصادية. وبالتالي، فإن تحقّق كامل أهداف إسرائيل في إيران – وهي أهداف لن تكتمل إلا بإسقاط النظام إذا استمرّ هذا المسار – يدفع بشكل أكبر لتثبيت النظرة الثانية للمنطقة وما يُشكّل تحديا استراتيجيًا على الدول العربية قاطبةً، وعلى تركيا أيضًا.
لهذا السبب، سارع عدد من الدول الخليجية إلى إدانة الهجوم الإسرائيلي، في خطوة اعتبرها بعضهم مفاجئة، لكنها تنسجم مع منطق المصالح الخليجية العامة. فالخليج يخشى من أن يؤدي انفلات الأمور إلى تداعيات مباشرة عليه، كاستهداف قواعد أميركية على أراضيه، أو تسربات نووية إلى محيطه، أو حتى ضربات إيرانية غير مباشرة عبر مضائق مائية أو في ساحات اشتباك كاليمن. أي تصعيد إيراني، في إطار الرد على الضربة، قد يتجه نحو استهداف المصالح الأميركية أو عرقلة التجارة العالمية، وكلها سيناريوهات تمسّ أمن الخليج بشكل مباشر.
من هذا المنطلق، ينظر الخليج إلى أن توسّع الضربة الإسرائيلية على إيران كخطر، وهو الذي يسعى في هذه المرحلة إلى تعزيز الاستقرار، وتنويع الشراكات الدولية، والتركيز على التنمية الداخلية، وتصفير المشكلات الخارجية.
العين أيضًا على روسيا والصين، باعتبارهما من المتضررين الأساسيين من انفراد الولايات المتحدة بالتحكم بمصير الشرق الأوسط. فهذه المنطقة تمثّل خزان الطاقة العالمي، وعقدة الوصل الجغرافي بين القارات، وتلعب إيران فيها دورًا محوريًا بالنسبة للصين في مشاريع كبرى مثل “الحزام والطريق” أو تزويدها بالطاقة. ومع ذلك، فإن روسيا المنهكة في أوكرانيا وغير الراضية أساسا عن المشروع النووي الإيراني، والصين التي لم تفعّل أدواتها في السياسة العالمية أبعد من الاقتصاد، تظلّان محدودتي التأثير في هذه المرحلة، ما لم يتطوّر المشهد إلى مستويات أكثر خطورة.
تحت هذا الشد العالمي تعيش سوريا اليوم مرحلة انتقالية دقيقة، فقد عانت طويلاً من كمّاشة جيوسياسية وأمنية بين إسرائيل من جهة، وإيران من جهة أخرى. ورغم أن السوريين نجحوا في إقصاء النفوذ الإيراني في الداخل، يعانون اليوم من تأهّب إسرائيل ضاغط على النظام الجديد، مستغلة بذلك حالة الضعف في هذا الظرف الدقيق.
لكن ارتياح إسرائيل من الخطر الإيراني – إذا ما تحقق بالكامل – سيمنحها قدرة أكبر على تحويل تركيزها نحو ملفات أخرى في الإقليم. فقد كانت حتى الآن مضبوطة نسبيًا في سوريا بفعل ضغط سعودي – تركي مشترك، أثمر مع الولايات المتحدة، لكن هذا التوازن قد يتغيّر تحت وطأة الثور الإسرائيلي الهائج. القلق السوري مشروع في هذا السياق، فالتجربة تُثبت أن إسرائيل ما إن تنهي معركة حتى تبدأ أخرى، وفق منطق استباقي توسعي تبنّاه نتنياهو طوال مسيرته السياسية.
وعليه، فإن التحدي أمام سوريا والعالم العربي سيكون في تثبيت العلاقات العربية، وتوحيد التوجّه والموقف – ليس فقط فيما بينهم، بل أيضًا مع تركيا – من أجل الوقوف أمام المشروع الإسرائيلي التوسعي في المنطقة. فالمعركة المقبلة، إذا ما جرى تحييد إيران بالكامل، قد تتمحور حول تفتيت الكيانات، وتحجيم أي نفوذ مستقل خارج العباءة الإسرائيلية – حتى داخل الولايات المتحدة نفسها في نظرتها للشرق الأوسط.
تلفزيون سوريا
———————————–
==========================