سقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوعنصوص

أول الحقائق… وآخر الأحلام/ إبراهيم الزيدي

15 – يونيو – 2025

«أتمنى أن يكون خروجي من الدنيا ممتعا، وأتمنى ألا أعود إليها ثانية»، مذ قرأت هذه العبارة في مذكرات الفنانة المكسيكية فريدا كاهلو، وأنا أراجع موقفي من الحياة، ومن وجودي في هذه البقعة التي اسمها سوريا. أحيانا أخشى أن يخونني الصمت، وفي أغلب الأحيان أخشى أن يخذلني صوتي ويخونني الكلام، لذلك أكتب. فالورقة البيضاء هي مساحة حريتي التي لا أستطيع التنازل عنها. أحيانا أكتب كلمات تمشي على رؤوس أصابعها خشية أن تستيقظ صورة تلك المرأة النائمة في مرآة روحي. وأحيانا أكتب شهادات تفتح باب الغياب «فالإنسان مسؤول، ليس عن أقواله فقط، بل عن كل ما سكت عنه أيضا». وقد سكتّ طويلا، ولا عجب، فأنا ابن رجل خائف، تزوج من امرأة خائفة، فأنجبا وريث خوفهما.

في تلك الغابة التي اسمها «سوريا» كان الخوف ثقافة عامة! الموظفون خائفون، العمال خائفون، الطلاب خائفون، التجّار، المزارعون، الأطباء، الصيادلة، القضاة، المحامون، الشيوخ، النساء، الأطفال، وعناصر الأمن الذين زرعوا في نفوسنا الخوف، خائفون أيضا! الجميع خائف من الجميع، على مدار الساعة، ولم يكن متاحا لأحد أن يأخذ إجازة من ذلك الخوف، إلا إذا غادر الحياة.

البعض قادهم خوفهم إلى الحياد، والحياد كما تصفه آين راند (هو مرحلة مؤقتة، بعد ذلك تبدأ الناس تدريجيا بالتطبيع مع الرذيلة)، وهذا ما حصل. أربعة عشر عاما والتطبيع مع الرذيلة لم يتوقف، في كل مرة يتمظهر، حسب مقتضى الحال، لدرجة أن أحد أعضاء مجلس الشعب، في جلسة بث وقائعها التلفزيون الرسمي، أعلن على الملأ أن قيادة سورية قليلة على الرئيس الهارب، واقترح عليه قيادة العالم!

كان الخوف جدارا أصمّ، عشنا خلفه في عزلة تامة، قبل أن تثقبه بضع كلمات كتبها أطفال درعا على جدران المدرسة، فانهار الجدار، وارتبكنا. لم نعد نعرف ماذا سنفعل بخوفنا،

أعرف أن الموت لا شريك له في المساواة، وليس بإمكاننا أن نسأل الذين ماتوا، لماذا ماتوا؟ يجب أن نسأل كيف ماتوا؟ إذ لا توجد طريقة مشرّفة للقتل، «والضمير الذي يصمت فترة طويلة، يصبح شاهد زور». يقول فنست فان غوخ: ما أردت التعبير عنه، ليس شيئاً وجدانياً، أو كآبة، ولكنه لوعة عميقة. هذه اللوعة تعاني منها غالبية الشعب السوري، باستثناء أولئك الذين غادروا برفقة امتيازاتهم، وأشباههم من أصحاب الامتيازات الذين – مع الأسف – ما زال الكثير منهم يعيشون بيننا!

لقد تعب السوريون من السير خلف الأسئلة التي لا جواب لها، ولم يبق أمامهم إلا أن يكنسوا النفايات التي عملوا على تدويرها طيلة العقود الماضية، قبل أن نتحول إلى حيوانات أليفة، تقتادنا الفتاوى والأيديولوجيات إلى حظائرها.

كاتب سوري القدس العربي

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى