الناسسقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوع

السوريات في فرنسا والأعياد/ سلوى زكزك

14 يونيو 2025

في مدينة فرنسية تشكل تجمعاً لعائلات سورية لاجئة، تحاول السوريات رأب صدع الغربة عبر محاولات تشاركية تبدو بسيطة، لكنّها تصنع فارقاً كبيراً، خاصّة في ظل صعوبات اللغة وارتفاع الأسعار المتلاحق وغياب الرجال مع وجود أطفال في سن الرعاية الأسرية.

تقاسمت مروة ولبنى ترتيبات عيد الأضحى بالتفاصيل اللازمة كافّة، اشترت مروة لوازم معمول الجوز والعجوة، وانصرفت لبنى لشراء المواد اللازمة لتحضير الكبب بنوعيها المقلية واللبنية، صنعوا المعمول في بيت مروة، لأن الفرن الذي تمتلكه أفضل لصناعة الحلويات، والتأم شمل العائلتين قبل الغداء وبعده في منزل لبنى الماهرة في إعداد الكبب، ولأنها تمتلك ماكينة خاصة بطحن اللحم والبرغل، ومن ثم تقاسمت العائلتان كل ما تبقى مناصفة.

وصلت السيدتان مع أطفالهما الخمسة إلى المدينة الفرنسية منذ أقل من عام، كل شيء يبدو غريباً ومكلفاً وثقيلاً، لكنّهما كانتا قد عقدتا العزم معاً ومنذ قرارهما بمغادرة سورية أن تمدا يد العون لبعضهما البعض، السيدتان ترملتا وفقدتا زوجيهما منذ حوالى خمس سنوات، لم تعد البلد متسامحة مع حالتهما المستجدة، تدخّل من الأهل خاصة أهالي الزوجين، نقص حاد في السيولة، خاصّة بعد أن جرى حرمان العائلتين من الدعم البسيط من العائلة الكبيرة، وبقرار من الجد والأعمام للضغط عليهم للعودة إلى القرية بعد الترمل!، فجأة بدأت المساحة تضيق بشدة على العائلتَين فاقدتَي الدعم وعوامل القوة الذاتية، شعرت المرأتان أنّ مدخول عملهما لا يكفي للأساسيات، كما أن الاحتياجات تتزايد ومستوى الأطفال التعليمي يتراجع بسرعة.

في لحظة يأس أو اشتداد للمعاندة قرّرتا الرحيل، باعتا كل ما تملكان، حتّى إنّ مروة دعمت لبنى بمبلغ لتكمل قيمة تذاكر الطائرة كاستدانة لأنها تملك بيتاً لها الحق في بيعه.

يظن البعض أنّ قرار الهجرة يتوقف عند توقف الرصاص، لكنّ للنساء أسباب أخرى للهجرة وحيدات وسراً إلى البلاد الغريبة. وهنا تنشأ حاجة ماسة للدعم، حاجة تفصيلية قد تزداد يوماً بعد يوم، مثل عوائق تأمين سكن مناسب ومستقل، وفي حال عدم توفره يغدو السكن المشترك واقعاً يستوجب الحذر والاهتمام الشديد، وفي حال وجود الدعم تكون المشاكل أقل صعوبة وأقل تكلفة.

اليوم، وفي السوق الشعبية كانت زينة تقف على بسطة مرتجلة لبيع الملابس الداخلية النسائية وربطات الشعر والحجابات، يفتح السوق أبوابه مرتين في الأسبوع، واليومان هما خارج أيام العطلة، لذلك تستعين زينة بجارتها السورية الستينية، التي تنتظر الأطفال في بيت زينة عند استراحة الغداء، تشاركهم غداءهم في بعض الأيام، وربما تكمل تحضير الوجبات قبل مجيئهم من المدرسة، بالأمس دعت زينة جارتها أمل لقضاء العيد معها ومع أطفالها في بيتهم، لكن أمل وافقت بشرط وهو تحضير طبخة يحبّها طفلا زينة، كان وجود أمل في يوم العيد هدية مفرحة لأمل الوحيدة، والمفاجأة أن زينة وطفليها قدموا لأمل هدية طالما فكرت بشرائها، لكنّها عجزت مادياً عن ذلك، وهي عبوة عطر المسك ذات النوع الجيّد الذي تفضله أمل.

تعني الأعياد أولاً وأخيراً لمّة الأحبّة، وباقي التفاصيل تبدو مجرد ترتيبات إجرائية لاحقة.

ولأن الغربة تحضر فجأة بظلها الثقيل أيام الأعياد وتجثم على صدور النساء الوحيدات، تلجأ السوريات للتضامن معاً ولو بأشكال نظنّها بسيطة، لكنّها تحمل الجوهر الاحتفالي الحقيقي للعيد.

يوماً بعد يوم تبدو البلاد أكثر بعداً ممّا تعتقد اللاجئات، وتتغير الأولويات، وتكثر الاحتياجات المادية والعاطفية، وما الأعياد إلّا فرصة للتلاقي، على أمل تجاوز مشاعر الغربة ثقيلة الوطأة.

كلما بالغ اللجوء في فرض سيطرته الحادة، لجأت النساء والسوريات حديثات العهد باللجوء إلى ابتداع كل التفاصيل الممكنة لتبديد الوحشة، وجعل الحياة أكثر لطفاً وإنسانية.

العربي الجديد

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى