الشرع و المقاتلين الأجانب و داعشالعقوبات الأميركية على سورياسقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوعسياسةلقاء الشرع-ترامب ورفع العقوبات الأمريكية عن سوريا

الشرع و المقاتلين الأجانب و داعش تحديث 17 حزيران 2025

لمتابعة هذا الملف اتبع الرابط التالي

الشرع و المقاتلين الأجانب و داعش

——————————

الجيش السوري الجديد وعقيدة “الجماعة المؤمنة”/ مالك الحافظ

16 يونيو 2025

شهدت التيّارات الجهادية العابرة للحدود، في العقود الماضية، تحوّلاتٍ نوعية، بدأت مع تجربة “الجهاد الأفغاني” في ثمانينيّات القرن العشرين، حين تبلورت أولى ملامح “العقيدة الجهادية الدولية” في سياق مقاومة الاحتلال السوفييتي. ثمّ في تسعينيّات القرن نفسه، اتّخذت هذه التيّارات مساراتٍ تنظيميةً وعقديةً أكثر راديكالية، مع صعود تنظيم القاعدة، ومنظّري السلفية الجهادية. ضمن هذا التصاعد، ظهرت أنماطٌ من “الهجرة الجهادية” إلى بؤر النزاع، تستند إلى مرجعياتٍ دينيةٍ سلفية، وتسعى إلى بناء جماعاتٍ مؤمنةٍ تتجاوز فكرة الدولة الوطنية وحدودها.

وفي السياق السوري، شكّلت الثورة نقطةَ تحوّلٍ مفصلية، سرعان ما دخلت منعطفاً معقّداً بفعل تدخّل قوى إقليمية، وتعدّد الفواعل المسلّحة في الأرض. وفي ظلّ هذا الانكشاف، وجدت التيّارات المتشدّدة فرصةً لتوسيع نفوذها، مستفيدةً من خطاب تعبوي، ومن شبكة تنظيمية عابرة، سرعان ما جعلت من سورية منطلقاً محورياً لمشروعها الديني المؤدلج.

استثمرت الحركات السلفية الجهادية هذا الانفتاح، فبنت شبكاتٍ عقائدية وتنظيمية باسم “الجماعة المؤمنة”، ممهّدةً الطريق لمدّ سيطرتها عبر شعار “الحكم الشرعي”، ومرسّخةً الجغرافية السورية ساحةً مركزيةً في مشروعها العابر للحدود.

اليوم، لم يَعُد حضور الجماعات الجهادية الأجنبية محصوراً في التمركز العقائدي أو في الانتشار العسكري المستقلّ، ففي سياق متغيّر لم تُحسَم فيه بعد ملامح الهُويَّة الوطنية، بدأت الحكومة الانتقالية السورية تروّج مقترحات تقضي بإعادة هيكلة بعض الفصائل الجهادية ضمن تركيبة الجيش الوطني الجديد. وقد كشفت تقارير صحافية حديثة مستندة إلى وكالة رويترز وجود موافقة أميركية على ضمّ عناصرَ متشدّدة، منها الكوادر الميدانية التابعة للحزب الإسلامي التركستاني، المنحدرون من الإيغور الصينيين، في البنية العسكرية الرسمية الناشئة. وتجسّد هذه الخطوة مؤشّراً واضحاً على تحوّل أعمق نحو إعادة تعريف الدولة، عبر إدخال منطق العقيدة الجهادية أحدَ مكوّنات التكوين السلطوي البديل، بما يُعيد خلط الانتماءات بين ما هو إيماني وما هو وطني، ويطرح إشكالات بنيوية حول مشروعية السلطة، واستقرار النموذج الأمني العسكري، الذي يُراد له أن يحكم سورية في مرحلتها الجديدة.

ما يستدعي الانتباه في تجربة الحزب الإسلامي التركستاني في سورية، أنه لم يدخل المشهد بوصفه جماعةً مقاتلةً فحسب، وإنما أيضاً واحدةً من حلقات ما تسمّى “الجماعة المؤمنة” العابرة للحدود، منطلقاً من نسق أيديولوجي يرى أن الجهادية السلفية لا تُقيَّد بإطار سيادي تقليدي، وإنما تتعاطى مع الجغرافية أداةَ تعبئةٍ لا حدوداً وطنيةً، وتُعيد تشكيل الولاء على أسس مرجعية متشدّدة تتجاوز الانتماء الجغرافي إلى منطق فوق وطني. وتستند فكرة “الجماعة المؤمنة” إلى تصوّر سلفي جهادي يرى أن الولاء يجب أن يكون للعقيدة وليس للدولة الوطنية، ما يعزّز منطق الطاعة المطلقة، ويعيد صوغ مفاهيم السيادة والانتماء.

تنبني السلفيةُ الجهاديةُ على خطاب مؤدلج يرى أنّ معظم الدول القائمة في المجال الإسلامي لا تُجسّد “حاكمية الله” كما ترد في منظومتهم الفكرية، وأنّ الولاء لأيّ بنية سياسية لا تتبنى هذا الفهم انحرافٌ عن المنهج القويم. وقد أسهم هذا التصوّر في بلورة خطاب تعبوي عسكري يحثّ على “الجهاد في سبيل إقامة الشريعة”، ويعمل، بالتوازي، على بناء سلطة تنظيمية بديلة. في السياق السوري، لعبت قياداتٌ أجنبية من التيّار السلفي الجهادي دوراً محورياً في ترسيخ هذا النهج، عبر منظومات إعلامية ودعوية عابرة للحدود، ما مهّد لتأسيس كيانات عسكرية عقائدية تعمل تحت عناوين متعدّدة، يجمعها منطق الطاعة المطلقة للشيخ القائد بوصفه مرجعيةً شرعيةً مطلقة.

يمكن تأطير هذا التحوّل ضمن ما يُسمّيها الباحث جيل كيبل “السلفية الجهادية الطبعة الثالثة”، والتي تنتقل من صدام مباشر مع الغرب إلى بناء سلطوي موازٍ داخل الفوضى السياسية للدول الضعيفة. كما يربط الباحث أوليفيه روا بين هذه التحوّلات و”أفول الإسلام السياسي” مقابل صعود “إسلام ما بعد الدولة”، إذ تتحول الجماعة إلى نواة بديلة للشرعية والسلطة.

يُعدُّ “الحزب الإسلامي التركستاني” أحد أكثر التعبيرات وضوحاً عن تشكّل البنية السلطوية السلفية الجهادية المتخطّية للجغرافيا الوطنية. فالحزب، الذي تأسّس في مطلع الألفية بوصفه امتداداً لتنظيم الحركة الإسلامية لتركستان الشرقية، حمل معه تصوّراً مشبعاً بفكرة “الأمّة المظلومة” و”الخلافة المؤجّلة”. ويُعدّ هذا التصوّر تمثيلاً واضحاً لمفهوم “الشرعية ما قبل الدولتية”، فهو يستمدّها من مرجعية إيمانية متشدّدة تستحضر مفاهيم مثل الخلافة والبيعة والتمكين، بوصفها مصادر تفوق شرعية الحدود والسيادات الوطنية. وقد مهّدت له البيئات غير المستقرّة أرضيةً خصبة لتحويل سردية المظلومية جهازَ تعبئة عقائدي وميداني شديد الانضباط. وتكمن خطورة هذا التوسّع في أنه يُعيد تفعيل فكرة “التمكين المرحلي”، كما نظّر لها أبو مصعب السوري، التي ترى أن كلّ ميدان مواجهة يُنظر إليه بوصفه “إمارة مؤقّتة”. وهذا ما يمنح الجماعة مشروعيةً ذاتيةً لا ترتبط بالدولة السورية، بل تتعالى عليها، وتربط وجودها بسياقاتٍ أمميةٍ مفتوحة، ما يجعلها قابلةً للتدوير الجيوسياسي في كلّ لحظة احتياج.

لم يكن تحوّل الحركات الجهادية من مجموعات تعبئة عقدية إلى هياكل حكم فعلية خاصّاً بالحالة السورية، بل يأتي ضمن نمط أوسع من إعادة تشكيل الفاعلين العقائديين قوىً حاكمةً داخل الفوضى السيادية، وقد أشار الباحث توماس هيغهامر في دراساته عن الحركات الجهادية إلى ما يُسمّيها “نقلة البندقية إلى البيروقراطية”، إذ تسعى التنظيمات المؤدلجة إلى بناء أجهزة حُكم، من التعليم إلى القضاء، من دون المرور بشرعية صناديق الاقتراع أو المبادئ الدستورية.

هذه النقلة، التي وصفها هيغهامر بأنها “عسكرة الحكم من خارج الدولة”، تُعيد تعريف السلطة بوصفها امتداداً للعقيدة، وتُعزّز منطق “السيطرة الإيمانية” داخل الفراغات السيادية. بهذا المعنى، يسمح إدماج تلك الحركات داخل بنية الدولة من دون نزع هذا المنطق المؤسّس، لها بإعادة إنتاج نفسها داخل قلب النظام، بما يهدّد بتفجير داخلي مستمرّ للكيان السيادي من داخله.

يتمثّل خطر الإدماج والتجنيس للقوى القتالية الأجنبية في سورية بما يكتنفهما من نسق عَقَدي يُقصي مفهوم الدولة الحديثة، فحين تُمنح الجنسية بوصفها تشريفاً جهادياً رمزياً يُحيل إلى قيمة استحقاق عقائدي لا انتماء قانوني. ومن هنا، تبدو خطورة أيّ مشروع لإلحاق عناصر من الحزب التركستاني في تشكيلات الدولة السورية الجديدة، بسبب استحالة انصهارهم في إطار وطني يحتكم إلى منطق الدولة ومؤسّساتها، فالحزبُ لم يكن يُخفي رؤيته إلى ما بعد سورية؛ بوصفها محطّةً في صراع أيديولوجي عالمي ضدّ “الطغاة والمرتدّين”، تُجيّره خطبه وأدبياته من حيث هي مرحلة في تحقيق السطوة. وبالإمكان تلمّس هذا التصوّر بوضوح في خطب منشورة لقادة الحزب في منصّاتٍ مثل “صوت الجهاد” و”مؤسّسة الفرقان” (منصّات تُعرف بانتمائها لتنظيمات راديكالية مثل القاعدة أو الجماعات المرتبطة بها)، إذ كان يُؤطَّر وجود الحزب في سورية مقدّمةً لاستعادة تركستان الشرقية، وإقامة ما يسمّونها “ولاية الأمّة” لا “الدولة”. هذا الخطاب لا يُبقي على الانفصال العقائدي، وإنما يُكرّس رؤية استبدالية شاملة للسلطة.

في سياقات دولية عدة عرفت صعود فصائل جهادية سلفية، لم يُشكّل انخراط الفصائل القتالية أو التعايش معهم داخل مؤسّسات الدولة حلاً ناجزاً. ففي أفغانستان مثلاً، أدّى احتضان حركة طالبان المقاتلين العرب إلى تعقيدات سيادية وتداخلات أمنية، أفضت إلى عزل الدولة دولياً. وفي الشيشان، ظلّ المقاتلون القادمون من الخارج خارج الإطار المؤسّسي، وأُعيد توظيف تجربتهم لاحقاً في مسارح نزاع أخرى. لا يتعلّق الأمر بمنح الجنسية فقط، بقدر ما يتّصل بالتماهي الأيديولوجي مع سرديةٍ لا ترى في الدولة الوطنية إطاراً نهائياً للانتماء، وإنما واحدةً من مراحل الجهاد الأممي. تصوّرات كهذه، حين تدخل المؤسّسة العسكرية من دون تفكيك، تُحدث تضارباً وظيفياً داخل المؤسّسة، فيتقدّم الولاء العقائدي على الانضباط الوطني المؤسّسي، وتتآكل مرجعية الدولة سلطةً عليا في اتخاذ القرار.

ما يثير القلق بشأن دمج المقاتلين الأجانب في سورية إمكانية قابليتهم المستمرّة للتحوّل قوّةً منفصلةً في القرار، مترابطةً في التكوين العقائدي، جاهزةً للاستدعاء في المساحات الرمادية من الجغرافية الإقليمية. فهؤلاء لا يستقرّون في الانتماء المؤسّسي كما يُفترض، إنما يظلّون كتلةً تعبويّة يُمكن تحريكها خارج النسق الوطني، لا لخدمة الدولة، وإنما لتلبية مشروعات تتجاوزها. وهكذا لا يُعاد تدوير “المجاهدين” جنوداً وطنيين، وإنما يُحتفظ بهم قوّةً كامنةً، مستعدّةً للانتقال إلى بؤر نزاع جديدة كلّما استدعتها حسابات النفوذ.

قد لا تكون السلطة الانتقالية في سورية في منأى عن نماذج الدولة الهشّة التي أنتجتها النزاعات المعاصرة، إذ تتآكل فيها الحدود الصلبة بين الدولة والمجتمع، ويتحوّل الجهاز السيادي، في سياقات كهذه، مجرّد وسيط لتوزيع الامتيازات على أساس الولاء لا المواطنة، في مشهدٍ يُحاكي ما يسمّيه برتران بادي “الدولةَ الوكيل”، إذ تفقد الدولة وظيفتها السيادية المستقلة، وتتحوّل أداةً لتجسير مصالح القوى المهيمنة وشبكات النفوذ غير الرسمية، بدل أن تكون ضامناً للعقد الاجتماعي. وهنا تبرز أيضاً مقاربة “الدولة الزبائنية” بوصفها نموذجاً تفسيرياً لطبيعة السلطة الناشئة، التي تقوم على شبكات الانتماء التعبوي والمصلحي، المرتبطة بشخصيات نافذة، أو مرجعيات دينية عسكرية.

لم تعد المواجهة اليوم محصورة بالمقاتل الأجنبي، ولا بمشروع دمجه في المؤسّسة العسكرية السورية، وإنما تتجاوز ذلك إلى جبهة أعمق متمثّلة بتفكيك المنظومة الذهنية التي ترى في الجهادية نواة لدولة بديلة. فحين تُبنى الجيوش على أساس الطاعة العقدية، لا نكون بصدد ترسيخ مؤسّسات سيادية بقدر ما نعيد إنتاج نسخة معولمة من العنف، تخفي بداخلها مشروعاً يتخطّى مفاهيم الدولة وحدودها، ويرتكز على مرجعية دينية لا تعترف بشرعية السيادة الحديثة.

العربي الجديد

————————————

 معولاً على التوترات الطائفية.. تنظيم الدولة يخطط لزعزعة استقرار سوريا

ربى خدام الجامع

2025.06.15

في الوقت الذي تشهد سوريا مرحلة انتقالية حساسة بعد سقوط نظام بشار الأسد في أواخر عام 2024، بدأ تنظيم الدولة باستغلال هشاشة الوضع الأمني والسياسي لإعادة بناء نفوذه وشنّ هجمات متصاعدة، وفق ما ورد في تقرير تحليلي حديث صادر عن مركز صوفان المتخصص بالأمن والاستراتيجيات. يشير التقرير إلى أن التنظيم، الذي تلقى ضربة قوية بانهيار النظام، عاد ليكثّف عملياته مستهدفًا المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة الجديدة وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، مستغلًا تأخر دمج هذه القوات في الجيش السوري الجديد، والفراغ الناتج عن انسحاب القوات الأميركية. وفي خضم هذه التحديات، يحذّر مركز صوفان من أن التنظيم يعوّل على تأجيج التوترات الطائفية وتقويض شرعية الحكومة الناشئة، مستفيدًا من الثغرات في الحكم والتنسيق الأمني، ومن الصراعات الجيوسياسية التي تعقّد جهود الاستقرار في البلاد.

يعرض موقع تلفزيون سوريا هذا التقرير في إطار التغطية الإعلامية للملفات المتعلقة بواقع الأمن في سوريا، مع الإشارة إلى أن ما ورد فيه يعكس رؤية المركز ومصادره، ويُقدّم كمادة تحليلية تساعد على فهم طريقة تناول الإعلام الدولي للملف السوري، من دون أن يُعد توثيقاً شاملاً لكامل المشهد أو تبنياً لاستنتاجاته.

 وفيما يلي ترجمة موقع تلفزيون سوريا لهذه المادة:

بعد انخفاض شديد في وتيرة العمليات منذ أواخر عام 2024، ومطلع عام 2025 مع انهيار نظام الأسد، زاد تنظيم الدولة في سوريا من وتيرة هجماته شهراً إثر شهر، إذ استهدف قوات الأمن وأهدافاً ناعمة ضمن المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، والحكومة السورية الانتقالية. وفي الوقت الذي تلوح أمام سوريا اليوم فرصة مشروعة لنشر الاستقرار في البلد عقب عقود من القمع والعزلة الاقتصادية، والتدخل الخارجي، والأزمات الإنسانية، يستغل تنظيم الدولة هذه الفترة الانتقالية ليعيد تموضعه بعد أن تلقى ضربة قاصمة عند انهيار نظام الأسد، والذي كان يمثل طوال فترة طويلة سبباً وجيهاً لتجنيد الشباب ضمن صفوفه.

وتهدف حملة تنظيم الدولة في سوريا إلى إذكاء العنف الطائفي، وتفتيت اللحمة الوطنية، وتقويض شرعية الحكومة الانتقالية. وقد تسبب التأخر في دمج قوات قسد ضمن الجيش السوري الجديد، وسحب القوات الأميركية، واستمرار دعاية تنظيم الدولة في استهداف الحكومة السورية الجديدة، والمجندين الأجانب، في ظهور بيئة استراتيجية مناسبة لمزيد من الاستغلال، ومن خلال وجوده، أثبت تنظيم الدولة من جديد بأنه مايزال قادراً على استغلال الفرص ليظهر من جديد، مستغلاً الثغرات والنقائص في الحكم وفي نشر الأمن، وفي التعاون على مكافحة الإرهاب، وذلك ليجند مزيداً من الأتباع، وليزيد من تطرف القاعدة التي تؤيده.

في 18 أيار الماضي، نفذ تنظيم الدولة هجوماً ناجحاً ضد الحكومة السورية الجديدة للمرة الأولى بعد سقوط نظام الأسد في كانون الأول 2024، فقد استهدف مقراً أمنياً بمحافظة دير الزور ضمن الجزء الذي يقع تحت سيطرة الحكومة، وأتى هذا الهجوم بعد عدة عمليات لمكافحة الإرهاب نفذتها الحكومة الجديدة ضد خلايا التنظيم ومخططاته. واللافت في الأمر هو أن الحكومة التي يترأسها أحمد الشرع أحبطت مخططاً كان يستهدف مقام السيدة زينب قرب دمشق، وهو مرقد مقدس عند الشيعة تعرض لهجمات من تنظيم الدولة في السابق، كان أعنفها ذلك الذي تم في عام 2016. وذلك الهجوم الذي أحبطته الحكومة الجديدة كان سيسهم في حال نجاحه بدعم دعاية تنظيم الدولة بشكل كبير، بما أن مطامح هذا التنظيم تشبه ومن نواح كثيرة مطامح تنظيم القاعدة سيء الصيت في العراق من خلال الهجوم الذي نفذه في شباط عام 2006 على العتبة العسكرية المقدسة بسامراء، والتي تعتبر أحد أقدس الأماكن عند الشيعة. ولذلك تسبب ذلك الهجوم بإذكاء العنف الطائفي بين السنة والشيعة بالعراق، بما أن ذلك كان أحد الأهداف الرئيسية التي وضعها أبو مصعب الزرقاوي، زعيم تنظيم القاعدة آنذاك.

قسد ومناطقها.. الضحية الكبرى لداعش

منذ شهر كانون الثاني من هذا العام جرى إحباط ما لا يقل عن عشرة مخططات مماثلة، كان من بينها تلك المخططات الساعية لتفخيخ مقامات دينية، وخطة لاغتيال الرئيس السوري أحمد الشرع. وفي الوقت الذي زاد تنظيم الدولة من هجماته ضد الحكومة الجديدة، نكتشف بأن المناطق التي تسيطر عليها قسد في شمال شرقي سوريا هي من تحمل القدر الأكبر من تلك الهجمات. وبحسب البيانات التي جمعها الباحث تشارلز ليستر المختص بالشأن السوري، فإن 94% من هجمات تنظيم الدولة التي نفذها في سوريا خلال عام 2025 نفذت ضمن مناطق سيطرة قسد.

ومع تأخر اندماج قسد بشكل كامل ضمن الجيش السوري الجديد، وعدم وضوح المستقبل بالنسبة لإدارة مقار الاحتجاز التي تؤوي مقاتلين في شمال شرقي سوريا، تظهر فراغات عديدة في الحكم بوسع تنظيم الدولة استغلالها، إذ ترى بعض المصادر بأن الولايات المتحدة اشترطت على قسد الاندماج ضمن الجيش السوري الجديد وذلك حتى نهاية شهر آب من هذا العام، وذلك قبل الموعد النهائي الأصلي الذي حدد بنهاية عام 2025. وفي هذه الأثناء، يمكن لتنظيم الدولة استغلال مواضع الفراغ بين المناطق التي تسيطر عليها قسد وبين المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية، وقد يتجلى ذلك بزيادة في وتيرة الهجمات، كما قد يتمثل أيضاً بتحسن في الشبكات اللوجستية وطرقات التهريب التي تعطل كثير منها بفضل الغارات الجوية الأميركية التي نفذت في كانون الأول في عام 2024 عقب إسقاط النظام على يد هيئة تحرير الشام.

الخوف من هروب مقاتلي داعش من السجون

بدأت الولايات المتحدة بسحب قواتها من شمال شرقي سوريا في نيسان الماضي، كما قررت تخفيض عدد قواعدها العسكرية من ثمان إلى واحدة، في حين عين الرئيس الأميركي دونالد ترمب سفيراً إلى تركيا، وهو توم باراك، كما نصبه مبعوثاً أميركياً إلى سوريا في أواخر شهر أيار، وهنا لا يجوز أن ننظر إلى الأمر على اعتبار أنه عودة للالتزام الأميركي بمزيد من التعاملات مع سوريا، بل بوجود حالة من المد والجزر في الوجود العسكري الأميركي بسوريا منذ عام 2015، فإن عمليات مكافحة الإرهاب أصبحت أولوية، ومن المتوقع للحكومة الانتقالية أن تترأس العمليات القتالية التي تستهدف تنظيم الدولة حال عودته للظهور. ثم إن استجابة الحكومة الانتقالية، إثر انضمام قسد للجيش السوري الجديد، ستصبح ضرورية لتأمين السجون التي تؤوي نحو عشرة آلاف مقاتل تابع لتنظيم الدولة، إلى جانب أربعين ألفاً من النساء والأطفال الموجودين في مخيمي الهول والروج.

ومع ازدياد جرأة تنظيم الدولة وجسارته، وتدهور الظروف الإنسانية في المخيمين، واحتمال ظهور عقيدة أكثر تشدداً ضمن تلك السجون، فإن تنظيم الدولة قد يستهدف السجون والمخيمين، على اعتبار أن الفرصة المناسبة قد حانت لتسهيل عمليات الهروب من السجن، تماماً كما فعل التنظيم في عام 2022. غير أن هذا الهروب لن يحرر المقاتلين الأشداء فحسب، بل إنه سوف يخلق أجندة مناسبة لتجنيد مقاتلين جدد.

سياسات دمشق المعتدلة والترويج لدعاية داعش

وإضافة لذلك، فإن دعاية تنظيم الدولة تستغل وبشكل كبير السياسات التي تروج لها الحكومة السورية الجديدة، والتي يراها بعضهم معتدلة، أو مراعية لمصالح الغرب، وقد يصبح هذا الوضع مقلقاً بالفعل، في حال لقيت تلك السرديات أصداء بين صفوف العاملين لدى الحكومة أو الجيش ممن لديهم تعاطف تجاه وجهات النظر المتشددة بنسبة أكبر. فالمقاتلون الأجانب الذين حاربوا في السابق إلى جانب هيئة تحرير الشام ضد نظام الأسد ثم اندمجوا في الجيش السوري الجديد هم الأكثر عرضة للتعاطف ولتبني هذه الدعاية. ولهذا تحدث المحلل السوري حسام حمود عن قنوات تيليغرام التابعة لتنظيم الدولة والتي استغلت غضب الشارع تجاه قيام الحكومة الجديدة بإطلاق سراح عناصر سابقة قاتلت ضمن ميليشيات تابعة للنظام السوري.

من خلال نظام الدعاية الموسع الذي يتبعه تنظيم الدولة، والذي يتضمن إصدار مجلة أسبوعية تعرف بـ”النبأ”، تعرضت الحكومة الانتقالية وقسد للاستهداف عدة مرات، تماماً كما كان يحدث عندما كان التنظيم يعرض بالنظام البائد، ويصفه بأنه ألعوبة بيد الولايات المتحدة، كما يتهم الحكومة الانتقالية وقسد اليوم. ففي إحدى صفحات عدد صدر مؤخراً من مجلة”النبأ”، جرى الحديث بشكل مباشر عن المقاتلين الأجانب في سوريا، مع التذكير بأن الدعوة للانضمام إلى تنظيم الدولة ماتزال قائمة، والتحذير من عدم التحول إلى بيدق يحركه الشرع كيف يشاء ليحصل على موافقة دولية.

في الوقت الذي نرى بأن الرياح المعاكسة أخذت تهب على المنطقة مقدمة للشرع فرصة لتغيير التاريخ الحديث لسوريا الحافل بالشقاء والتعاسة، هنالك عدة عوامل، خارجية وداخلية، بوسعها تخريب تلك الفرص التي يمكن لدمشق من خلالها خلق مستقبل أفضل للبلد. فاستمرار العنف الطائفي بين الحكومة الانتقالية والطائفة العلوية سيبقى مشكلة كبرى خلال المستقبل المنظور. وهنالك عدد من العناصر الخارجية التي اجتمعت على مصلحة زعزعة الاستقرار في سوريا من أجل تحقيق مكاسب تخصها. فلقد اعترضت الحكومة السورية عدداً من شحنات الأسلحة التابعة لإيران أو المصنعة فيها، والتي كان من المزمع أن تصل إلى حزب الله، كان بينها شحنة قذائف مدفعية. ونظراً لتراجع نفوذ حزب الله بشكل كبير خلال العام والنصف الماضيين، فإن طهران أصبحت تسعى جاهدة لإمداد هذا الحزب من جديد بالعتاد مع الحفاظ على موطئ قدم لها في سوريا مهما صغر ذلك الموطئ. كما أن إسرائيل ستنشط هي أيضاً في سوريا، ليس فقط ضمن الجنوب السوري، بل في مختلف أنحاء البلد. أما روسيا فستسعى للاحتفاظ بنفوذها العسكري في سوريا سعياً منها لتأمين وصولها إلى شرقي المتوسط. وكل هذه المتغيرات الخارجية تعقد وبصورة أكبر الجهود الساعية لمحاربة تنظيم الدولة، بما أن بعض الدول، بمن فيها تلك التي لديها مصلحة متأصلة في القضاء على تنظيم الدولة، تعمل على تحقيق أهداف متعارضة متناقضة، وهذه المصالح المتعارضة قد تخلق فرصة ومجالاً لتقدم الجهاديين.

تلفزيون سوريا

——————————–

 180 يوماً للاختبار.. هل تنجح واشنطن ودمشق في صياغة معادلة تفاهم جديدة؟/ مالك الحافظ

2025.06.16

منذ اللقاء المعلن بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب والرئيس السوري أحمد الشرع في الرياض، منتصف أيار/مايو الفائت، برزت تحولات لافتة في السياسة الأميركية تجاه سوريا، أعادت طرح الأسئلة حول طبيعة الدور الأميركي خلال المرحلة المقبلة، وحدود الانفتاح الأميركي الممكن على السلطة الانتقالية في دمشق.

اتّخذت واشنطن، في أعقاب لقاء الرياض، سلسلة إجراءات متدرجة يُستشف منها توجّه جديد يقوم على إعادة ضبط ما كان يُعدّ خطوطاً حمراء، وتكييف أدوات العقوبات بما يتناسب مع تعقيدات المرحلة الانتقالية. ومع تتابع هذه الخطوات، بدأت تتّضح ملامح مقاربة أميركية جديدة في إدارة العلاقة مع الحكومة الانتقالية السورية.

بين المطالب الأميركية واستجابة دمشق المرحلية شكّل لقاء الرياض (منتصف أيار/مايو الماضي) بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب والرئيس السوري أحمد الشرع أول اجتماع مباشر بين رئيسين للبلدين منذ ربع قرن، وقد جاء عقب إعلان مفاجئ من ترامب رفع العقوبات الأميركية عن سوريا، ما أضفى على اللقاء طابعاً استثنائياً من حيث الرمزية والتوقيت.

وفي بيان رسمي أعقب الاجتماع، صرّحت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارولين ليفيت، بأن الرئيس ترامب تعهّد بالعمل إلى جانب المملكة العربية السعودية من أجل “تشجيع السلام والازدهار في سوريا”، مشيرةً إلى أن ترامب قدّم خلال اللقاء خمسة مطالب رئيسية إلى الشرع؛ تمثّل أولها في التوقيع على اتفاقية أبراهام للتطبيع مع إسرائيل، وثانيها مطالبة جميع المقاتلين الأجانب بمغادرة الأراضي السورية، وثالثها ترحيل عناصر من فصائل فلسطينية مسلحة، أما رابع المطالب فتمثل في التعاون مع الولايات المتحدة في منع عودة تنظيم “داعش”، في حين انصبّ المطلب الخامس والأخير على تحمّل المسؤولية عن مراكز احتجاز عناصر التنظيم في شمال شرقي البلاد. جاءت نقطة الانطلاق في التحول الأميركي الأخير بإعلان رفع جزئي ومؤقت للعقوبات المفروضة على سوريا، في خطوة اعتبرها مراقبون تحولاً نوعياً في مقاربة واشنطن للملف السوري. وفي 24 أيار/مايو الفائت، صرّح وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، بأن الولايات المتحدة منحت إعفاءً لمدة 180 يوماً من العقوبات المفروضة بموجب “قانون قيصر”، مؤكداً أن هذا الإجراء يهدف إلى “اختبار النوايا والقدرة على الوفاء بالالتزامات الدولية”. وبالتوازي، أصدر مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC) التابع لوزارة الخزانة الأميركية الترخيص العام رقم (25)، والذي يسمح بتخفيف القيود المفروضة على التعاملات المالية والاقتصادية في سوريا.

وفي مقاربة تحليلية لمسار التعامل السوري مع هذه المحددات الأميركية، يتّضح أن دمشق قد استجابت بدرجات متفاوتة، اتّساقًا مع تعقيد الملفات وتفاوت حساسياتها السياسية والأمنية. فعلى صعيد المقاتلين الأجانب، وافق المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا، توم باراك، في مطلع حزيران/يونيو الجاري، على خطة لدمج نحو 3500 مقاتل أجنبي – معظمهم من الإيغور المنضوين ضمن تنظيمات كـ”حزب تركستان الإسلامي” – ضمن صفوف الفرقة 84 التابعة للجيش الوطني السوري، وذلك بشرط إخضاعهم لرقابة أمنية صارمة. وقد عُدّت هذه الخطوة تراجعاً ملحوظاً عن موقف أميركي سابق كان يرفض دمج المقاتلين الأجانب في مؤسسات الدولة. وبرر باراك القرار بالقول إن هذه المقاربة أكثر أماناً من إبقائهم خارج السيطرة التنظيمية.

أما فيما يتعلق بمسار التطبيع مع إسرائيل أو الانخراط في اتفاقيات إبراهام، فقد برزت خلال الأسابيع الأخيرة مؤشرات تفيد بتقدم محدود لكنه ملموس. فقد نقلت وكالة “رويترز” في 11 حزيران/يونيو الجاري عن قس أميركي مقرّب من ترامب أن “السلام بين سوريا وإسرائيل ممكن جداً”، مشيراً إلى لقائه – إلى جانب حاخام أميركي مؤيد لإسرائيل – بالشرع في القصر الرئاسي في دمشق. وفي تقارير أخرى، أفادت “رويترز” بأن البلدين أجريا خلال الأسابيع الماضية، محادثات غير مباشرة، تلتها أخرى مباشرة، بهدف تهدئة التوتر بينهما، ما يشي بوجود مسار دبلوماسي قيد التبلور، وإن بقي خارج الإعلان الرسمي حتى اللحظة.

وفي ملف الفصائل الفلسطينية، أظهرت دمشق تجاوباً سريعاً مع أحد أبرز المطالب الأميركية، حيث أفادت وكالة الصحافة الفرنسية في أواخر أيار/مايو بأن قادة فصائل فلسطينية مدعومة من طهران غادروا العاصمة السورية بعد تضييق السلطات عليهم، وقيام بعض الفصائل بتسليم أسلحتها. ونقلت الوكالة عن قيادي فلسطيني قوله إن “معظم قادة الفصائل الفلسطينية التي تلقت دعماً من طهران غادروا دمشق”، مشيراً إلى انتقال بعضهم إلى لبنان ودول أخرى. ويُعدّ هذا التطور

بمثابة تغيير ميداني مهم في خارطة تموضع ما يسمى بـ “محور المقاومة” داخل سوريا، في سياق ما يبدو أنه تكيّف مع متطلبات المرحلة الجديدة.

أما في ما يخص ملف تسلّم مراكز احتجاز عناصر داعش، فقد شهد يوم 24 أيار/مايو الفائت زيارة رسمية أجراها وفد من الحكومة الانتقالية إلى مخيم الهول شمال شرقي البلاد، بمرافقة قوة من التحالف الدولي. ووفق ما تم تداوله، ناقش الوفد مع إدارة المخيم – التابعة للإدارة الذاتية – أوضاع قاطني المخيم، وسبل إخراج العائلات السورية منه ضمن آلية تدريجية منسقة.

وفي الرابع من حزيران/يونيو، أدلت وزارة الدفاع الأميركية بتصريحات لقناة “الحدث”، أكدت فيها استمرار التعاون مع “شركائها السوريين” لمواجهة أي تهديد من قبل داعش، معتبرة أن “داعش لا يزال يسعى لاستغلال أي حالة من عدم الاستقرار في سوريا”، وأن واشنطن تعمل على تمكين شركائها المحليين من تنفيذ المهام المتبقية في مكافحة الإرهاب. تكشف القراءة المتأنية لاستجابة دمشق للمطالب الأميركية عن نمط سلوك براغماتي يتقاطع مع ما يمكن تسميته بـ”الانفتاح المشروط” من الطرف الأميركي، والذي لا يرقى بالضرورة إلى مستوى الاعتراف السياسي الكامل، لكنه يُجسد تحولاً تدريجياً في كيفية إدارة العلاقة مع السلطة السورية الجديدة. فواشنطن التي لا تزال حذرة في خطابها العلني، بدأت فعلياً في اختبار مدى التزام دمشق بشروط تعتبرها أساسية لإعادة دمج سوريا في النظام الإقليمي والدولي.

ولعل المفارقة الأبرز أن هذه المحددات الأميركية لم تأتِ بوصفها شروطاً تفاوضية كلاسيكية، وإنما كمصفوفة سياسية–أمنية ترسم مفهوم “الخطوط الحمراء” في التعامل مع السلطة الانتقالية في سوريا، حيث ركّزت واشنطن على قضايا ذات طبيعة أمنية–جيوسياسية.

بهذا المعنى، لا يمكن النظر إلى استجابات دمشق بوصفها تنازلات مجانية، بقدر ما هي جزء من إعادة تموضع محسوبة تسعى فيها السلطة إلى تجاوز الطوق السياسي المفروض عليها، من دون إثارة استفزازات مباشرة، وفي الوقت ذاته الحفاظ على هامش من الاستقلال السيادي الظاهري.

في المقابل، تبدو واشنطن كأنها تختبر نموذجاً جديداً للتعامل مع الأنظمة غير المعترف بها رسمياً، من خلال اعتماد سياسة “الاعتراف المؤجل”، أي التعامل العملي والمؤسساتي من دون إعلان سياسي رسمي وكامل، بما يسمح لها بالاستفادة من الترتيبات الأمنية والميدانية، من دون دفع ثمن سياسي داخلي أو خارجي.

هذا النهج إذا استمر، قد يؤدي إلى تراكم مؤشرات من شأنها أن تنتج لاحقاً حالة أمر واقع، تتجاوز شروط الاعتراف التقليدية، وتُمهّد لمسار تطبيع تدريجي تحت سقف التحفّظات، لكنه خالٍ من التصعيد أو العزل.

إعادة التموضع الأميركي في الفراغ السوري

في السادس من حزيران/يونيو الحالي، أجرى المبعوث الأميركي إلى سوريا، توم باراك، مباحثات مع الرئيس دونالد ترامب ووزير الخارجية ماركو روبيو، تناولت الملفات المتعلقة بسوريا وتركيا.

وفي 29 أيار/مايو الفائت، زار باراك دمشق، والتقى الرئيس الانتقالي السوري أحمد الشرع، ووزير الخارجية أسعد الشيباني، في أول زيارة رسمية له منذ تكليفه بمنصب المبعوث الخاص إلى سوريا.

وخلال زيارته إلى دمشق، أعلن باراك أن الرئيس ترامب يعتزم إزالة اسم سوريا من قائمة الدول الراعية للإرهاب قريباً، مؤكداً أن الهدف الأساسي للإدارة الأميركية هو تمكين الحكومة الحالية في دمشق. وفي وقت سابق زار باراك إسرائيل بهدف مناقشة تطورات الملف السوري والوضع الإقليمي، بحسب وسائل إعلام عبرية.

وذكرت صحيفة “إسرائيل هيوم” أن باراك اطّلع على الأوضاع الأمنية في الجولان، وزار عدة مواقع استراتيجية برفقة وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، ووزير الأمن الداخلي رون درمر، إلى جانب عدد من القادة العسكريين.

وفي الـ 23 من أيار الفائت أعلن السفير الأميركي لدى تركيا، توم باراك، أنه تولى دور المبعوث الخاص إلى سوريا.

وقال باراك في تغريدة على منصة “إكس” إنه سيدعم وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، في رفع العقوبات عن سوريا، بعد أن أصدر الرئيس دونالد ترامب إعلاناً تاريخياً في وقت سابق من الشهر الماضي بأن واشنطن ستخفف هذه الإجراءات.

الواضح أن واشنطن لا تسعى في الوقت الراهن إلى فرض مسار سياسي تقليدي من أعلى، وإنما تعمل على إعادة تشكيل البيئة السياسية والأمنية من خلال مجموعة أدوات “ليّنة” تعتمد على رفع العقوبات الجزئي، إشارات ديبلوماسية مدروسة انطلقت من تعيين مبعوث رئاسي خاص إلى سوريا، ودفع الحكومة السورية الحالية إلى مزيد من الخطوات التي تصب في خانة بناء الثقة.

وبذلك، يمكن فهم المرحلة الحالية على أنها انتقال من منطق الضغط القصوى إلى منطق “الاحتواء التفاعلي”، الذي يُبقي أوراق الضغط حاضرة، لكنه يُتيح في الوقت ذاته اختبار الفاعلين الجدد وفق شروط متغيرة.

أمام هذا المشهد، يبرز تساؤل جوهري؛ هل تمثل مدة الـ180 يوماً فرصة سياسية حقيقية لإعادة ضبط العلاقة بين واشنطن ودمشق، أم أنها مجرد نافذة مؤقتة للاختبار؟

في حال استمر التنسيق في الملفات ذات الأولوية بالنسبة للإدارة الأميركية، لا سيما مكافحة الإرهاب، فإن من المرجّح أن تذهب واشنطن نحو تمديد العمل بآليات تخفيف العقوبات أو توسيع نطاق التراخيص الخاصة، مع احتمالية الإبقاء على الإطار المؤسسي القائم الذي يفصل بين التعامل الإجرائي والاعتراف السياسي الكامل.

وفي المقابل، إذا تباطأت وتيرة الاستجابة أو طرأت مستجدات داخلية أو إقليمية تُقيد هامش الحركة الأميركية، فقد تتجه واشنطن إلى إعادة تقييم مؤشرات الانفتاح، من دون العودة إلى سياسات التصعيد السابقة، وذلك في ظل ما يظهر من إدراك أميركي لتعقيدات المرحلة الانتقالية في سوريا، وتوازنات الإقليم التي تفرض مرونة تكتيكية في إدارة هذا النوع من الملفات.

ما تقوم به الولايات المتحدة اليوم يمكن وصفه بأنه سياسة إعادة تموضع ذكية، تحاول من خلالها واشنطن استعادة تأثيرها داخل الملف السوري، من دون دفع كلفة سياسية أو عسكرية مباشرة، مستفيدة من نضج ظروف إقليمية ملائمة، وواقع دولي يتطلب ضبط الساحات المتروكة من دون إشعالها.

بين انتظار ما ستؤول إليه الأشهر القادمة، تبقى العلاقة بين واشنطن والحكومة السورية الانتقالية محكومة بمبدأ الانفتاح المشروط والتقدّم التدريجي. وفي ضوء هذه التحولات، تبدو السياسة الأميركية في سوريا أمام مفترق دقيق يتمثل في الحفاظ على التماسك الإقليمي من دون التفريط بملف ظل خارج أولوياتها لسنوات. أما دمشق، فهي بدورها تتحرك في مساحة اختبار لا تزال غير محددة السقف، تسعى عبرها لتثبيت حضورها الإقليمي عبر بوابة التعاون الأمني والبراغماتية السياسية، في انتظار ما إذا كانت النوافذ المؤقتة ستُفتح على أفق أطول مدى.

تلفزيون سوريا

———————————–

 هل أنقذت أميركا الشرع من محاولة اغتيال؟

الإثنين 2025/06/16

هل أنقذت الولايات المتحدة الأميركية الرئيس السوري أحمد الشرع من محاولة اغتيال كان يتم إعدادها له؟ كثيرة هي المؤشرات التي تفيد بذلك وفق ما تكشف مصادر ديبلوماسية. وتضيف هذه المصادر إن عملية اغتيال كان يتم تحضيرها لاستهداف الشرع هي الثانية منذ دخوله إلى قصر الشعب في دمشق، وتؤكد المصادر أن العملية الأخيرة كانت قبل حوالى الأسبوعين. أما محاولة الاغتيال الأولى كانت في شهر آذار الفائت. هذه المحاولات هي التي دفعت المبعوث الأميركي إلى سوريا توم باراك إلى الإعلان بشكل واضح من احتمال تعرض الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع لمحاولات اغتيال، في ظل مساعيه لتعزيز الحكم الشامل والانفتاح على الغرب.”

وقال باراك:” نحن بحاجة إلى تنسيق نظام حماية حول الشرع”، مشدداً على ضرورة تبادل المعلومات الاستخباراتية بين حلفاء الولايات المتحدة لردع “الأعداء المحتملين” دون اللجوء إلى تدخل عسكري مباشر. ورأى باراك أن فصائل المقاتلين الأجانب التي قاتلت إلى جانب قوات الشرع في “الحملة الخاطفة” التي أطاحت ببشار الأسد، تمثل تهديداً متزايداً، لا سيما في ظل محاولات تنظيم “داعش” إعادة تجنيدهم، وأضاف “كلما تأخرت المساعدات الاقتصادية، زادت فرص المجموعات المنقسمة لتعطيل العملية السياسية”.

وبحسب ما تشير المصادر فإن مجموعات جهادية تابعة لتنظيم داعش هي التي كانت تحاول اغتيال الشرع رفضاً للمسار السياسي الذي ينتهجه. وتكشف المعلومات أن داعش تعمل على تكثيف نشاطها وتحاول استقطاب الكثير من قادة سابقين في جبهة النصرة وهيئة تحرير الشام من الذين يعترضون على التغيرات التي أقدم عليها الشرع، بالإضافة إلى محاولات داعش استقطاب الكثير من المقاتلين الأجانب في سوريا.

وتشير المعلومات إلى أن الأميركيين يتهمون جهات عديدة بالعمل على التخلص من الشرع، سواء إيران وروسيا إما عبر عملية اغتيال، أو من خلال تحريك خلايا عسكرية في الساحل السوري أو في مناطق أخرى لمنعه من بسط سيطرته الكاملة على الجغرافيا السورية. وفي ضوء كل هذه المعلومات فإن الأميركيين أكثروا من الضغوط على جهات مختلفة لعدم الإقدام على أي هز للاستقرار في سوريا. وفي هذا الإطار جاء التصريح الأميركي بضرورة توفير الحماية للشرع، فيما تكشف المصادر أن الأميركيين يعرضون تولي المسؤولية الأمنية عن أمن الشرع وتنظيم جهازه الأمني بشكل كامل، بالإضافة إلى العمل على تعزيز التنسيق الأمني مع الأجهزة السورية ولا سيما مع وزارة الداخلية وأنس خطاب بالتحديد.

وفي هذا السياق، فإن التحركات الأميركية تهدف إلى تكريس الاستقرار في سوريا وعدم السماح بحصول أي مشكلات داخلية قد يقدم عليها المتشددون بالإضافة إلى إبقاء الاستعداد كاملاً لمواجهة أي تحرك سيقدم عليه تنظيم داعش. وتكشف المصادر الديبلوماسية أن أميركا ستعمل على تعزيز عدد قواتها في سوريا، ولن تقدم على سحب هذه القوات في هذه المرحلة قبل الانتهاء من مسألة النفوذ الإيراني، بالإضافة إلى تثبيت الاستقرار وتحويل سوريا إلى منطقة اقتصادية وصناعية منفتحة على استثمارات متعددة، لا سيما أن واشنطن لا تريد للصين أن تحقق أي تقدم استثماري أو اقتصادي على الساحة السورية.

المدن

——————————-

====================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى