التدخل الاسرائيلي السافر في سورياالعقوبات الأميركية على سورياسقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوعسياسةعن أشتباكات صحنايا وجرمانالقاء الشرع-ترامب ورفع العقوبات الأمريكية عن سوريا

عن التدخل الاسرائيلي السافر في سورية الجديدة، ملف تناول “شهية إسرائيلية لتفتيت سوريا” – تحديث 17 حزيران 2025

لمتابعة مكونات الملف اتبع الرابط التالي

التدخل الاسرائيلي السافر في سورية الجديدة

لمتابعة تفاصيل هذا الملف اتبع الرابط التالي

عن أشتباكات صحنايا وجرمانا

——————————

التدخّل الإسرائيلي في سورية ومسؤولية الحكومة الانتقالية/ فضل عبد الغني

17 يونيو 2025

شكَّل سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر/ كانون الأول 2024 نقطة تحوُّل جيوسياسية محورية في الشرق الأوسط، حيث أنهى هذا التحول المفاجئ، والذي لم تتوقعه القوى الإقليمية والدولية، عقوداً من الحكم الأوتوقراطي والثبات السياسي النسبي الذي اتسم به النظام السوري منذ وصول حافظ الأسد إلى السلطة عام 1970.

هذا التحول غير المتوقع وفر لإسرائيل فرصة غير مسبوقة لإعادة رسم المشهد الإقليمي بما يتماشى مع رؤيتها الأمنية والسياسية، فقد تبنّت إسرائيل موقفاً عدائياً واضحاً، متجاهلةً محاولات الرئيس السوري، أحمد الشرع، الانفتاح والاعتدال السياسي، حيث وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يسرائيل كاتس حكومة الشرع بأنَّها “تهديد وجودي”، مركِّزين على خلفيته الجهادية، ورافضين الاعتراف بتخلّيه عن أيديولوجيته السابقة. بل ذهبت إسرائيل إلى حدّ اعتبار حكومته متوافقة أيديولوجياً مع حركة حماس، في مسعى واضح لتبرير خطط توسعية معدة مسبقاً.

وفي أخطر تصعيد عسكري/ سياسي، فجر يوم الجمعة الموافق 2 الشهر الماضي (مايو/ أيار) شنَّت طائرات حربية تابعة لقوات الاحتلال الإسرائيلي غارة جوية استهدفت موقعاً قريباً من القصر الرئاسي في دمشق. وعقب الهجوم، صدر بيان مشترك عن نتنياهو وكاتس، اعتبرا فيه الغارة رسالة مباشرة إلى النظام السوري، مؤكدَين رفضهما القاطع ما وصفاه بـ”تهديد الطائفة الدرزية أو إرسال قوات إلى الجنوب”.

وقد اتجهت أنظار إسرائيل، مباشرة بعد انهيار نظام الأسد، إلى السيطرة على المنطقة العازلة التي تراقبها الأمم المتحدة، ففي 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024، سارعت القوات الإسرائيلية إلى احتلال أجزاء واسعة من المنطقة المنزوعة السلاح، التي تمتد بطول يقارب 75 كيلومتراً، ويتراوح عرضها بين عشرة كيلومترات في الوسط ومائتي متر في أقصى الجنوب. وعلى مدار خمسة عقود، شكلت هذه المنطقة حاجزاً أمنياً محورياً تحت إشراف قوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك (UNDOF)، ما أسهم في الحفاظ على درجة من الاستقرار الحدودي، رغم غياب معاهدة سلام رسمية بين الطرفين.

وفي خطوة مدروسة تعكس تحوّلاً استراتيجياً، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أنَّ اتفاقية فك الاشتباك لم تعد سارية، معتبراً أنَّ الترتيبات السابقة فقدت صلاحيتها في ضوء الواقع الجديد. رافق الاحتلال الإسرائيلي عمليات تضييق كبير على مهام قوة الأمم المتحدة، حيث انخفض عدد دورياتها اليومية من 55 – 60 مهمة إلى ثلاث – خمس فقط. كما كشفت تقارير ميدانية عن إنشاء القوات الإسرائيلية منشآت عسكرية جديدة ووضع رموز سيادية داخل المنطقة العازلة، في انتهاك مباشر للصلاحيات الممنوحة للبعثة الأممية. فإلى جانب السيطرة على المنطقة العازلة، عمدت إسرائيل إلى توسيع رقعة نفوذها الإقليمي لتشمل:

1. كامل مرتفعات الجولان، التي تبلغ مساحتها نحو 1200 كيلومتر مربع، حيث عزّزت إسرائيل وجودها فيها رغم احتلالها المستمر منذ 1967.

2. مناطق إضافية تتجاوز مساحتها 500 كيلومتر مربع في جنوب غرب سورية، ما يشكل توغلاً غير مسبوق داخل العمق السوري.

كما كشفت التحرّكات الإسرائيلية على الأرض عن نية واضحة لتعزيز الوجود العسكري طويل الأمد في المناطق السورية المحتلة حديثاً، فقد أظهرت صور الأقمار الصناعية إنشاء إسرائيل عدة قواعد عسكرية جديدة، وأكّدت تقارير إذاعة الجيش الإسرائيلي أنَّ تسع قواعد أُقيمت منذ ديسمبر/ كانون الأول 2024، توزّعت على النحو التالي: قاعدتان في جبل الشيخ، تعزّز الهيمنة الإسرائيلية على أعلى النقاط الجغرافية في المنطقة. سبع قواعد عسكرية داخل المنطقة العازلة، ما يعكس توجهاً نحو تثبيت الاحتلال بشكل دائم.

ويُلاحظ أنَّ هذه القواعد لا تقتصر على البنية العسكرية، بل تتضمّن أيضاً منشآت سكنية وكنيساً يهودياً، في مؤشّر على وجود خطة منهجية تهدف إلى فرض واقع ديموغرافي وسياسي جديد في المناطق المحتلة. كما تجري أعمال بناء طرق في تلك المناطق، ما يُفسَّر كجزء من جهود دعم العمليات العسكرية وتعزيز السيطرة طويلة الأمد.

تنسيق مع مشايخ دروز وتباين مواقف

في أعقاب سقوط نظام الأسد، كثَّفت إسرائيل مساعيها إلى التواصل مع بعض الشخصيات البارزة في الطائفة الدرزية داخل سورية، متبنية خطاباً يُظهِرها مدافعاً عن الأقليات في مواجهة ما وصفته بتهديدات محتملة من الحكومة السورية الجديدة ذات التوجّه الإسلامي. وفي هذا السياق، أصدر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تعليمات مباشرة للجيش الإسرائيلي بضرورة توفير الحماية للتجمّعات السكانية الدرزية، مترافقة مع تحذيرات واضحة بأنَّ إسرائيل ستستهدف القوات السورية في حال اقترابها من قرى محدّدة، كبلدة جرمانا.

اعتمد الدروز السوريون تاريخياً مقاربات سياسية متفاوتة، تأقلمت مع تحوّلات ميزان القوى، وقد تجلى هذا النمط في تباين المواقف تجاه التدخل الإسرائيلي بعد سقوط الأسد. تراوحت المواقف بين انخراط محدود وتعاون حذر من جهة، ورفض قاطع من جهة أخرى:

• الانخراط الحذر: رحبت فئات داخل المجتمع الدرزي بالحماية الإسرائيلية التي أُطلق عليها محلياً وصف “القبة الحديدية الدرزية”. وقد أبدت قيادات درزية استعداداً لتنسيق أمني محدود مع إسرائيل، وأُنشئت تشكيلات عسكرية محلية سعت إلى الحصول على ضمانات أمنية من الجانب الإسرائيلي.

• الرفض الشعبي والسياسي: في المقابل، عبّرت شرائح واسعة من الدروز عن رفضها القاطع لأي تدخل إسرائيلي. شهدت محافظة السويداء تظاهرات رفعت لافتاتٍ تؤكّد وحدة الأراضي السورية ورفض الوصاية الأجنبية. وفي مارس/ آذار 2025، خرجت احتجاجات واسعة في بلدة جرمانا استنكاراً لتصريحات نتنياهو بشأن “حماية” الدروز، وردّد المحتجون شعارات مثل: “نحن سوريون ولا نحتاج حماية أجنبية” و”وحدة سورية خط أحمر”، مؤكّدين تمسكهم بالسيادة الوطنية ورفضهم أي تدخل خارجي.

تداعيات وتأثيرات

يشكل الاحتلال الإسرائيلي خرقاً واضحاً للمبادئ الجوهرية في القانون الدولي، وفي مقدمها مبدأ حظر الاستيلاء على الأراضي بالقوة، كما ورد في ميثاق الأمم المتحدة، وأُعيد تأكيده في قرار مجلس الأمن 242 لعام 1967. ومن خلال تجاهلها اتفاقية فك الاشتباك لعام 1974، التي نظمت الوضع في المنطقة العازلة خمسة عقود، فإنَّ إسرائيل تُقوِّض الأطر القانونية التي تحكم العلاقات الدولية، وتفتح المجال أمام سابقة خطيرة.

ويؤكّد إنشاء قواعد عسكرية وبنية تحتية دائمة في الأراضي السورية المحتلة عزم إسرائيل على ترسيخ احتلال طويل الأمد. ومن شأن هذا التوسّع أن يُخضع أجزاء واسعة من جنوب سورية للهيمنة الأمنية الإسرائيلية، في تكرارٍ لنموذج الاحتلال الذي مارسته في جنوب لبنان بين عامي 1982 و2000. كما أدّت هذه الحملة العسكرية إلى إضعاف كبير في القدرات الدفاعية السورية. وتفيد التقارير بأنَّ ما بين 70% و80% من الأصول العسكرية الاستراتيجية لسورية قد دُمّرت، بما يشمل أنظمة الدفاع الجوي والقدرات الصاروخية والبنية التحتية العسكرية التقليدية. وهو ما ينعكس سلباً على قدرة الحكومة السورية في الدفاع عن أراضيها أو بسط سيادتها، خصوصاً في المناطق التي تشهد نزاعات مع فصائل مدعومة من أطراف خارجية.

ويشكّل التنسيق الإسرائيلي مع الطائفة الدرزية و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، في أعقاب سقوط نظام الأسد، تحدّياً مباشراً لسلطة الدولة السورية. فمن خلال تقديم نفسها جهة حامية للدروز، وإنشاء قنوات اتصال وتنسيق أمني مباشر معهم، تسعى إسرائيل إلى إعادة رسم التوازنات الداخلية في سورية بما يتجاوز حدود المواجهة العسكرية التقليدية. ويُتيح هذا التنسيق لإسرائيل بناء هياكل سلطة موازية تُضعف المركزية الحكومية، وتُهدد وحدة الدولة الوطنية.

وتُظهر شهادات سكان القرى السورية الواقعة تحت الاحتلال الإسرائيلي آثاراً مدمّرة على نمط حياتهم اليومي، ففي بلدات مثل جملة وعابدين، أفاد الأهالي بأنَّ دوريات إسرائيلية أحرقت مركبات عسكرية، ونفذت عمليات تفتيش، مع فرض مطالبات بنزع السلاح وتسجيل أسماء القيادات المحلية. كما أبلغ السكان عن حالات مصادرة مواشٍ، واحتجاز مدنيين، وفرض قيود صارمة على النشاط الزراعي، خصوصاً في المناطق القريبة من مواقع قوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك، ما أدّى إلى تفاقم الوضع الإنساني في المنطقة.

وقد أسفرت العمليات العسكرية الإسرائيلية، والاستحواذ القسري على الأراضي، عن موجة نزوح جديدة طاولت آلاف السوريين من المناطق المتأثرة، ليلتحقوا بملايين النازحين داخلياً نتيجة الصراع الممتد منذ عام 2011. ويُشكّل هذا التهجير المستمر عبئاً إضافياً على الموارد الإنسانية والخدمات العامة في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة السورية، ما يزيد من تعقيدات جهود الإغاثة وإعادة التوطين.

مسؤولية الحكومة السورية

تتحمّل الحكومة السورية الجديدة مسؤولية وطنية عاجلة لتعزيز التشاركية السياسية مع الطائفة الدرزية، من خلال تبنّي رؤية متكاملة تضمن تمثيلها الفاعل في مختلف مستويات صنع القرار، ابتداءً من المجالس المحلية ووصولاً إلى المناصب العليا في الدولة. كما يتطلب الأمر منحها دوراً ملموساً في مسارات العدالة الانتقالية، وإعادة بناء مؤسّسات الدولة، مع الحفاظ على خصوصيتها الثقافية والدينية وحمايتها.

ويجب تخصيص موارد تنموية كافية للمناطق ذات الأغلبية الدرزية، والتي عانت من التهميش والإهمال سنوات طويلة، إلى جانب إشراك أبناء الطائفة في صياغة ميثاق وطني جديد يكفل حقوق جميع المكوّنات السورية على أساس المساواة والمواطنة. من شأن هذا النهج التشاركي أن يعزّز شرعية الحكومة الانتقالية داخلياً، ويقطع الطريق أمام محاولات إسرائيل استمالة بعض الفئات الدرزية وتوظيفها أداة لتمزيق النسيج الوطني السوري. كما يُسهم في إفشال سياسة “فرّق تسد” التي تسعى إسرائيل إلى ترسيخها أداة استراتيجية لإضعاف الدولة السورية وتقويض سيادتها.

حراك دبلوماسي واسع

تواجه الحكومة السورية الانتقالية ضرورة حتمية للتصدّي للاعتداءات الإسرائيلية المتكرّرة عبر تبنّي حراك دبلوماسي نشط ومتعدّد المستويات. ويتطلب ذلك المبادرة الفورية بطلب عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن عقب الهجوم الإسرائيلي على القصر الرئاسي، مدعومة بملف قانوني متكامل يوثق سلسلة الانتهاكات الإسرائيلية للسيادة السورية ومبادئ القانون الدولي. بالتوازي، على سورية طلب عقد اجتماع عاجل لمجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري لاستصدار موقف عربي موحد يدين العدوان ويدعم الحقوق السورية المشروعة. كما أنَّ التحرك الدبلوماسي النشط تجاه الاتحاد الأوروبي، وتحديداً الدول ذات المواقف المستقلة نسبياً، يشكل أولوية لاستصدار إدانة أوروبية للعدوان الإسرائيلي تتخطّى بيانات القلق المعتادة. ويجب أن يترافق هذا مع حملة إعلامية منظّمة تستند إلى التوثيق الدقيق للانتهاكات الإسرائيلية، وتفعيل التحالفات مع القوى الدولية المناهضة للاحتلال، واللجوء إلى المنظّمات الأممية المتخصّصة كمحكمة العدل الدولية، والمفوضية السامية لحقوق الإنسان، بهدف تعزيز الشرعية السورية وكشف ممارسات الاحتلال الإسرائيلي أمام الرأي العام العالمي، وحشد الدعم الدولي لحماية سيادة سورية ووحدة أراضيها.

مسؤولية المجتمع الدولي

يتحمل بموجب قواعد القانون الدولي مسؤوليات واضحة في سياق الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا، من بينها ضمان احترام سيادة سوريا وسلامة أراضيها، وتوفير الحماية للمدنيين المتأثرين بالنزاع. فعلى الأمم المتحدة أن تعيد النظر في دورها الرقابي عبر إصلاح قوة الأندوف أو إنشاء بعثة جديدة بولاية موسعة، إلى جانب تطوير آلية إنسانية مستقلة تضمن وصول المساعدات دون عوائق. كما يبرز ضرورة طلب رأي استشاري من محكمة العدل الدولية بشأن الوضع القانوني للجولان السوري المحتل، في خطوة نحو توضيح التزامات إسرائيل الدولية.

من جهتها، تتحمل الولايات المتحدة مسؤولية مزدوجة بصفتها حليفًا رئيسيًا لإسرائيل وعضوًا دائمًا في مجلس الأمن. ويجب أن تُربط مساعداتها العسكرية لإسرائيل باحترام القانون الدولي، بما في ذلك الامتناع عن أي ممارسات استيطانية أو انتهاك لسيادة سوريا. كما يُنتظر منها دعم الانخراط الدبلوماسي مع الحكومة السورية الانتقالية والعمل على صياغة إطار أمني إقليمي متوازن.

أما الاتحاد الأوروبي، فيُتوقع منه تعزيز المسار الدبلوماسي من خلال استضافة حوارات غير رسمية بين خبراء من الطرفين، إلى جانب الضغط السياسي والاقتصادي لضمان امتثال إسرائيل للقانون الدولي. وفي السياق الإقليمي، تقع على عاتق تركيا مسؤولية استثمار علاقاتها مع الجانبين لتخفيف التوتر، بينما يُنتظر من الدول العربية أداء دور داعم لاستعادة سيادة سوريا، سياسيًا واقتصاديًا، وربما عسكريًا في مراحل لاحقة.

خاتمة

يُعَدّ الصراعُ الإسرائيلي – السوري في مرحلة ما بعد نظام الأسد تحدّياً استثنائياً للإدارة السورية الجديدة، تتقاطعُ فيه أبعادٌ جيوسياسية، ومعاييرُ القانون الدولي، وتداعياتٌ إنسانيّة معقّدة. ورغم أنّ السيناريو الأكثر ترجيحاً على المدى المنظور هو استمرارُ الاحتلال الإسرائيلي لأراضٍ سوريّةٍ مع ترسيخ «صراعٍ مُجمَّد»، فإنّ فرصاً دبلوماسيّة لا تزال قائمة—ولا سيّما عبر مفاوضاتٍ جدية، وإحياء آليات الرقابة الدوليّة، وتبنّي مقارباتٍ تدريجيّةٍ لاستعادة السيادة والاستقرار في سوريا.

يتطلّبُ الانخراطُ الدولي الفعّال موازنةً دقيقةً بين احترام السيادة السوريّة، وتعزيز الامتثال للقانون الدولي، والاعتراف بالتعقيدات البنيويّة والواقعيّة للنزاع. وفي هذا السياق، يُعَدّ فهمُ التحوّل الذي شهده أحمد الشرع – من قائدٍ عسكريٍّ إلى رئيسٍ للدولة- عنصراً محورياً في استشراف مستقبل العلاقات السوريّة – الإسرائيليّة.

تتجاوزُ مخاطرُ هذا الصراع نطاقَه الثنائي، لِتُهدِّد الاستقرارَ الإقليمي، والشرعيّةَ القانونيّة الدوليّة، ومصيرَ ملايين السوريّين المُنهَكين من سنواتِ الحرب. وعلى الرغم من صعوبة التوصّل إلى تسويةٍ شاملةٍ في ظلّ توازنات القوى الراهنة، والحكومة الإسرائيلية اليمينة المتطرفة، والمجازر المستمرة منذ قرابة عامين في قطاع غزة، فإنّ إحرازَ تقدّمٍ تدريجيٍّ في الملفَّات الإنسانيّة والأمنيّة قد يَحول دون مزيدٍ من التدهور، ويُمهِّد الأرضيّةَ لحلٍّ أكثر استدامة.

ويبقى لزاماً على المجتمع الدولي أن يتعامل بجدّيةٍ مع الانتهاكات الإسرائيليّة المستمرّة، وأن يكفلَ حقَّ سوريا المشروع في السيادة وسلامةِ أراضيها. فالاتّجاهاتُ الدبلوماسيّة والسياساتُ الدوليّة خلال الأشهر والسنوات المقبلة ستُحدِّد ما إذا كان الشرقُ الأوسط مُقبِلاً على فوضى إقليميّة أوسع، أم على بزوغ توازنٍ جديدٍ يُرسِّخُ الاستقرار طويل الأمد.

العربي الجديد

——————————————

الجولان… جوهرة سورية المستباحة بين عهدَين/ عدنان علي

17 يونيو 2025

من المفارقات أن يتشابه موقف الإدارة الجديدة في دمشق اليوم مع موقف النظام السابق، لجهة الشعور بالعجز إزاء العدوّ نفسه، إسرائيل التي واصلت، بل صعّدت من اعتداءاتها وتحرّشاتها بالجانب السوري بعد سقوط نظام الأسد، من دون أن يجد الرئيس أحمد الشرع، كما بشّار الأسد من قبل، وسيلةً ناجعة لوقف هذه الاعتداءات.

كانت بعض الاعتداءات الإسرائيلية على سورية في عهد النظام الساقط، تجري، وفق الترجيحات، برضى ضمنيّ منه، أو على الأقل من حليفته روسيا، باعتبار أنها كانت تستهدف أساساً مواقع محسوبة على إيران أو حزب الله، وذلك في إطار مسعى روسيا، ومعها النظام، أو بعض أجنحته، لتقليص الوجود الإيراني في سورية.

كان نظام الأسد يتحرّج أحياناً من هذه الاعتداءات، خصوصاً حين تستهدف المطارات أو العاصمة دمشق، فيحاول إطلاق ما لديه من صواريخ أو مضادّات أرضية، ونجح مرّة في إسقاط طائرة إسرائيلية عام 2018 بصواريخ “إس – 200” الروسية، لكن ردّه لم يتجاوز ذلك، مثل محاولة قصف إسرائيل بالمثل، خشية أن يتلقّى ردّاً إسرائيلياً قوياً، أو أن تنخرط إسرائيل في جهود إطاحته. وكان الاعتقاد السائد، والمدعوم بتصريحات بعض المسؤولين الإسرائيليين، أن نظام الأسد “شيء جيّد” لإسرائيل، ولا يزعجها وجوده، باستثناء عجزه عن إبعاد إيران وحزب الله عن الأراضي السورية، رغم أنه بذل محاولاتٍ في هذا الاتجاه، خصوصاً في الأشهر الأخيرة من حكمه.

الخدمة الأساسية التي قدّمها نظام بشار الأسد لإسرائيل، أنّ تمسُّكه بالحكم في وجه الاحتجاجات الداخلية، أوصل سورية إلى حالة من التمزّق والانقسام والضعف، ويصبّ ذلك كله استراتيجياً في مصلحة إسرائيل. لذلك؛ كانت سياسة الأخيرة، التي التزمت بها أيضاً الولايات المتحدة، تقوم على إطالة أمد الحرب في سورية أطول فترة ممكنة، وعدم تمكين طرف من الانتصار على الآخر، لتبقى البلاد في حالة صراع داخلي يقضي على مقوّمات الدولة السورية، ويُبعد أي خطر محتمل منها على إسرائيل عقوداً.

تعمل إسرائيل على هذه السياسة نفسها في ظل العهد الجديد، أي محاولة إبقاء سورية في حالة ضعف مستديم، عبر تدمير ما تبقّى من بنيتها العسكرية، وتغذية الانقسامات المحلية، بزعم الدفاع عن بعض المكونات السورية، ومواصلة الضغط والابتزاز العسكري على النظام، على أمل استفزازه وجرّه إلى مواجهةٍ تتيح لها القضاء عليه في لحظة ولادته، وقبل أن يستكمل الحصول على مقوّمات الشرعية والقوة، من منطلق أن الخلفية الإسلامية – الجهادية لهذا النظام تؤهله حكماً ليكون معادياً لإسرائيل، بغضّ النظر عمّا يصدُر عنه اليوم من تطميناتٍ لها.

وفي تصريحات له أخيراً، وصف وزير الخارجية الإسرائيلي، جدعون ساعر، الإدارة الجديدة في سورية بأنها “جماعة إرهابية”، فيما قال وزير الأمن الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، إنّ إسرائيل لا تثق بالرئيس السوري الجديد أحمد الشرع، وإنّها ستواصل السيطرة على المنطقة العازلة مع سورية، وتحويل جنوب سورية إلى منطقة منزوعة السلاح.

ووفق صحف إسرائيلية، تعمل إسرائيل على إنشاء منطقة سيطرة تمتد نحو 15 كيلومتراً داخل الأراضي السورية، إلى جانب منطقة نفوذ بعمق 60 كيلومتراً تنشط فيها المصادر الاستخبارية الإسرائيلية، بغرض منع نشوء أي تهديد مستقبلي ضدّها من الأراضي السورية.

ومن الواضح أن الحسابات الإسرائيلية تقوم على فرضيّتَين؛ الأولى عدم ثقتها بالحكم الجديد في سورية، الذي تعتبر أن لديه مرجعيات دينية (جهادية) تدعم محاربة إسرائيل، والثانية افتراض إسرائيلي بأن حركتَي حماس والجهاد الإسلامي سوف تبحثان عن جبهة انطلاق جديدة محاذية للجولان السوري المحتل، لمهاجمة إسرائيل بعد أن خسرتا جبهتَي غزّة وجنوب لبنان.

وتدرك إسرائيل ذلك، لكنّها ترمي إلى ما هو أبعد، مثل انتزاع تخلٍّ علنيٍّ من دمشق عن أي التزام بالقضية الفلسطينية، حتى على الصعيدَين السياسي والإعلامي، على نحو ما كان يفعله النظام السابق، الذي كان يمنع النشاط العسكري الفلسطيني، ويكتفي بالدعم الإعلامي، الذي تقلّص أيضاً في الأشهر الأخيرة قبل سقوط النظام، تحت الضغط الإسرائيلي.

إضافة إلى ذلك، تبدو إسرائيل، وهي تعيش هذه الفترة نشوة الانتصار (على “حماس” في غزّة، وحزب الله في لبنان، وتراجع نفوذ إيران في المنطقة ووضعها تحت الضغط)، تسعى إلى جني مكاسب ذات طابع استراتيجي في سورية أيضاً، رغم انزياح النظام الذي كان يتعاون مع إيران وحزب الله، بذريعة عدم ثقتها بالنظام الجديد.

وتندرج هذه المكاسب من محاولة الاستحواذ على أراضٍ سورية معينة تحت عنوان “تدابير مؤقتة” (قد يمتدّ المؤقت عند الإسرائيليّ عقوداً أو يصبح أبدياً طالما أمكن ذلك)، وصولاً إلى محاولة انتزاع اعترافٍ من القيادة الجديدة بالتنازل عن الجولان، وعقد اتفاق سلام مع إسرائيل من دون مقابل، وهو ما ألمح إليه المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، في تصريحات له أخيراً.

عين إسرائيل على المياه

الجزء الآخر من الأراضي الذي تطمع فيه إسرائيل هو ما يضمّ المياه ومنابعها، إذ تؤمّن بحيرة طبريا أكثر من ثلث حاجة إسرائيل من المياه، لكن مصادر تغذية البحيرة تقع كلّها في سورية ولبنان وخارج سيطرة القوات الإسرائيلية، الأمر الذي يفسّر مسارعة قوات الاحتلال إلى التمركز قرب تجمّعات المياه، فقد سيطرت على سبعة سدود رئيسية جنوبي سورية: المنطرة (الأكبر جنوب سورية)، والشيخ حسين، وسحم، والوحدة، وكودنا، ورويحينة، وبريقة.

كما سيطرت على منابع الأنهار مثل نهر اليرموك، مهدّدة الأمن المائي لسورية والأردن، وبعد سيطرة قوات الاحتلال على السدود المهمة، بدأت محافظة القنيطرة تعاني من أزمة مياه حادّة، خصوصاً بعد سيطرتها على سدّ المنطرة، ثاني أكبر سد في سورية، الذي يغذّي القنيطرة وريف درعا، ويخزن 40 مليون متر مكعب من المياه، لكن جيش الاحتلال عمد إلى تحديد حصص المياه للسكان، بعد أن تعمّد تخريب شبكات المياه في قرى وبلدات عدّة في المحافظة.

ووفق المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، في “تقدير موقف”، نُشر في 9 مارس/ آذار الماضي، يشكّل استمرار سيطرة جيش الاحتلال على هذه الموارد المائية خطراً ليس على المجتمع المحلي داخل المنطقة العازلة فحسب (مساحتها 235 كيلومتراً مربعاً)، وإنما أيضاً على مجمل سكان محافظة القنيطرة ويهدّد أمنهم المائي والغذائي.

احتلال الجولان ومفاوضات السّلام

تبلغ مساحة هضبة الجولان نحو 1860 كيلومتراً مربعاً، احتلت منها إسرائيل عام 1967 حوالى 1250 كيلومتراً مربعاً، وهي تطلّ على لبنان والأردن. وحاول الجيش السوري في حرب 1973 استعادة الجولان، لكنّه أخفق، بينما استعادت سورية مدينة القنيطرة سلمياً إثر انسحاب القوات الإسرائيلية التي أحدثت دماراً كبيراً في المباني قبل مغادرتها. وتاريخياً، تُعتبر القنيطرة، التي فُصلت إدارياً عن العاصمة دمشق عام 1966، أكبر مدن إقليم الجولان، وكان عدد سكانها قد بلغ في ذلك العام أكثر من 147 ألف نسمة. لكن الجولان، من الناحية الإدارية، يتبع ما سُمّي لاحقاً محافظة القنيطرة. وقد ضمّت إسرائيل مرتفعات الجولان إليها رسمياً عام 1981، وكان يقيم فيه قبل الاحتلال نحو 140 ألف سوري، نزحوا منه نتيجة حرب 1967، وبات عددهم اليوم أكثر من نصف مليون نسمة، يقيمون في تجمّعات النازحين في درعا والقنيطرة، إضافة إلى محافظة دمشق وريفها.

وبعد انطلاق مفاوضات السلام العربية الإسرائيلية في مدريد عام 1991، كانت عودة الجولان السوري البند الرئيسي في المفاوضات بين الجانبين السوري والإسرائيلي، والتي وصلت إلى طريق مسدود بسبب رفض إسرائيل الانسحاب الكامل من الجولان. وظلّت العقدة في جميع هذه المفاوضات تتعلق بحجم الانسحاب الإسرائيلي من مرتفعات الجولان، إذ أصرّت سورية على العودة إلى حدود ما قبل عام 1967، التي تمنحها موطئ قدم على شاطئ بحيرة طبريا، بينما راوغت إسرائيل في ذلك، وحتى إنها أنكرت لاحقاً ما يمكن اعتباره الإنجاز الوحيد الذي حصل عليه الجانب السوري في المفاوضات، ما يُسمّى “وديعة رابين”، التي قالت سورية إنها تتضمّن تعهداً إسرائيلياً بالانسحاب إلى خط 4 حزيران (1967)، بينما زعمت إسرائيل أن هذا التعهد كان عرضاً افتراضياً من رئيس وزراء إسرائيل آنذاك إسحق رابين لوزير الخارجية الأميركية الأسبق وارن كريستوفر، بصيغة: ماذا ستقدّم سورية لإسرائيل مقابل الانسحاب الكامل من الجولان؟

وقد اغتيل رابين عام 1995، وتولى شمعون بيريس رئاسة الحكومة خلفاً له، واستؤنفت المفاوضات في “واي بلانتيشن”، وتناولت تفاصيل الانسحاب وجوهر العلاقات الدبلوماسية والسلمية بين الجانبَين، لكن المفاوضات توقفت بعد وقوع هجمات انتحارية عدّة في فبراير وآذار من ذلك العام، وجرت انتخابات إسرائيلية فاز فيها حزب الليكود اليميني بزعامة بنيامين نتنياهو، إذ توقفت المفاوضات خلال سنوات حكم الليكود، إلى أن عاد حزب العمل إلى الحكم عام 1999، وتولى رئيس الأركان السابق إيهود باراك رئاسة الحكومة، وعُقدت جولة جديدة من المفاوضات في ديسمبر/ كانون الأول عام 2000، ترأسها عن الجانب السوري وزير الخارجية حينها فاروق الشرع، وعن إسرائيل إيهود باراك.

وفي آخر محاولة من الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون لجمع الطرفين، بعد تحديد نقاط الخلاف والاتفاق بينهما، اجتمع برئيس النظام الأسبق حافظ الأسد في 26 مارس/ آذار في جنيف، وهو يحمل عرضاً من باراك يتضمّن الانسحاب من 99% من هضبة الجولان وتعويض سورية عن الأراضي التي تبقى تحت السيطرة الإسرائيلية. وتضمّن العرض الإسرائيلي إبقاء شريط بعرض 500 متر بمحاذاة نهر الأردن، وشريط آخر بعرض نحو 70 متراً على الضفة الشرقية لبحيرة طبريا، فكان رد الأسد أن باراك لا يرغب بالسلام، ورفض حتى النظر في الخرائط التي حملها معه كلينتون، وفشل اللقاء.

الجولان اليوم

وفق الإحصائيات الإسرائيلية، بلغ عدد حملة الجنسية الإسرائيلية من سكان الجولان السوري المحتل حتى نهاية سبتمبر/ أيلول 2021 والمسجّلين مقيمين في قرى الجولان 3792 شخصاً، يشمل ذلك الأبناء ممن ورثوا الجنسية عن آبائهم وأمهاتهم، وكذلك الزيجات من خارج الجولان، والأفراد والعائلات الذين انتقلوا من الجليل والكرمل داخل فلسطين المحتلة أو أماكن أخرى للإقامة في الجولان، من أصل نحو 23 ألفاً من السوريين المقيمين في الجولان، مقابل نحو 25 ألفَ مستوطن يهودي يعيشون في مستوطنات عدّة، أكبرها “كتسرين”. وقد قاوم مَن بقي من سكان الجولان طوال عقود المحاولات الإسرائيلية لتهويد منطقتهم، وتمسكوا بالهوية السورية، ورفضوا قبول الجنسية الإسرائيلية برغم ما توفّره لهم من امتيازات حياتية.

وبعد 2011، وما ظهر من انقسام أفقي في الساحة السورية بين موالاة ومعارضة، انسحب المشهد أيضاً على أهالي الجولان الذين توزّعوا بين مؤيد للثورة ومؤيد للنظام، وهو ما كان له أثره في تراجع الشعور بالانتماء لهذا الوطن الممزّق، فتزايد تالياً عدد الذين يقبلون الجنسية الإسرائيلية بدرجة ملحوظة خلال السنوات الماضية، ليصل إلى نحو 20% من سكان الجولان، بعد أن ظل هؤلاء عقوداً محدودي العدد، ومنبوذين من مجتمعهم المحلي.

وترافق ذلك مع تكثيف للجهود الإسرائيلية لتهويد الجولان، إذ وضعت حكومة الاحتلال نهاية عام 2021 خطّة بقيمة 317 مليون دولار لمضاعفة أعداد المستوطنين في الجولان إلى خمسين ألفاً، من خلال بناء 7300 منزل للمستوطنين على مدى خمس سنوات. وبطبيعة الحال، حافَظَ نظام الأسد، الذي قاتل بشراسة للدفاع عن كرسي الحكم، عقوداً على الهدوء التام في جبهة الجولان، من دون أن يُطلق، أو يسمح لأحد بإطلاق طلقة ضد إسرائيل، وهو ما جعله يحظى بالرضى الإسرائيلي الكامل، فيما بدا واضحاً أنه الشرط الإسرائيلي على النظام لمواصلة تل أبيب تزكيته لدى الإدارات الأميركية المتعاقبة، بوصفه خير حليف “سرّي” يرفع شعارات المقاومة والتحرير، بينما يمنع، في الواقع، أيّ مقاومة قد تقود إلى تحرير الأرض المحتلة.

والنظام نفسه لم يُطوّر طوال العقود الماضية أيّ استراتيجية عسكرية أو دبلوماسية تردع إسرائيل، وتجبرها على التفاوض حول مستقبل الجولان، على نحو ما فعل مثلاً حزب الله في لبنان، الذي أجبر إسرائيل على الانسحاب من جنوب لبنان.

وما يشير أيضاً إلى هذا الإهمال الجسيم لقضية الجولان وسكّانه، مصير سكان الجولان النازحين منه، الذين يزيد عددهم اليوم عن نصف مليون نسمة يعيشون في مناطق مهمّشة على أطراف المدن.

ماذا تريد إسرائيل من دمشق؟

بعد إطاحة نظام الأسد، حاولت حكومة الاحتلال اللعب على التناقضات الداخلية في سورية، ومنها ورقة دروز السويداء، وقدّمت عرضاً تراجعت عنه لاحقاً باستقدام عمالة منهم للعمل في الجولان والتجمّعات الدرزية داخل فلسطين المحتلة.

ويبدو أن إسرائيل تطمح أيضاً إلى ربط سورية بها اقتصادياً من خلال تزويدها بالغاز، وإنْ على نحوٍ غير مباشر. ووفق صحيفة معاريف، لدى إسرائيل خطط لتوريد الغاز إلى النظام الجديد في سورية، لاستغلال حاجة سورية إلى الطاقة، وذلك عبر مصر والأردن، أي سيبدو الغاز وكأن مصدره مصر والأردن عبر “خط الغاز العربي”، بينما هو في الحقيقة غاز إسرائيلي،

كما يمكن ملاحظة بداية تراجع إسرائيلي عن خطاب الإملاءات بعد محادثات نتنياهو في واشنطن مع الرئيس دونالد ترامب، الذي نصحه بالتعقّل في تعامله مع الرئيس التركي أردوغان، وعرض التوسّط بينهما.

وبدا ما يشبه التحوّل في الخطاب الإسرائيلي من خلال بعض الإشارات، مثل تصريح الناطق باسم جيش الاحتلال، أفيخاي أدرعي، من القنيطرة: “لا يعنينا الاقتتال الداخلي في سورية”، بينما كانت الرسائل الإسرائيلية السابقة تعد بدعم هذا الطرف أو ذاك في سورية، بزعم حماية الأقليات.

وعموماً، لم تُفصح إسرائيل عن أيّ مطالب محدّدة من الحكومة الجديدة في دمشق، باستثناء المزاعم الأمنية. ومن غير المرجّح أن تكون الحكومة في دمشق قد تلقّت أيّ عروض رسمية للتطبيع مع إسرائيل، وكانت تصريحات المبعوث الأميركي ربما نوعاً من جسّ النبض. وما تزال دمشق في موقف الترقب، بانتظار نضوج سياسة أميركية واضحة تجاه سورية يمكن البناء عليها، إضافة إلى أن هذه الحكومة ربما لا تعوّل كثيراً على ما يصدر من مواقف وتصريحات من حكومة نتنياهو المأزومة داخلياً، التي تفتح جبهات عسكرية عدّة في غزة ولبنان وسورية، ولا يمكن تالياً معرفة السياسة الإسرائيلية الحقيقية تجاه سورية، ما لم تصل إلى السلطة حكومة إسرائيلية أكثر تعقّلاً من الحكومة الراهنة، التي تعيش في ذروة أوهام القوة، وتظنّ أن في وسعها فعل ما تريد في المنطقة من دون رادع من أحد.

وهنا، ينبغي ألّا نغفل دور القوى الإقليمية في صياغة العلاقة بين الإدارة في دمشق وإسرائيل، خصوصاً الموقف التركي، وما يمكن أن تسفر عنه تفاهمات محتملة بين الرئيس أردوغان ونظيره الأميركي ترامب، بشأن ملفات عدّو، في مقدّمتها الملف السوري.

العربي الجديد

————————————-

الأسد الصاعد” وسوريا… مواجهة ما تبقى من النفوذ الإيراني الميليشياوي/ صبحي فرنجية

تحدي الثغرات الأمنية

آخر تحديث 16 يونيو 2025

تبذل الحكومة السورية جهودا داخلية كي لا تتحول إلى ساحة يمتد إليها التصعيد الكبير الذي تشهده منطقة الشرق الأوسط منذ فجر يوم الجمعة 13 يونيو/حزيران الجاري، وذلك بعد أن شنّت إسرائيل هجوما ضخما على إيران ضمن إطار عملية أطلقت عليها اسم “الأسد الصاعد”، والتي أسفرت عن مقتل أبرز القادة العسكريين في الجيش الإيراني بالإضافة إلى عدد من العلماء الإيرانيين المرتبطين بالمشروع النووي الإيراني، فضلا عن تدمير أصول إيرانية نووية.

إيران استخدمت عبر السنوات الماضية وكلاء لها في سوريا والعراق لاستهداف الأصول الأميركية، ردا على أي استهداف لمصالحها، فقد تعرضت القواعد الأميركية لعشرات الضربات في سوريا والعراق، فضلا عن استهدافات انطلقت من الجنوب السور ١ي نحو الجانب الإسرائيلي في تماشٍ واضح لخط السياسة الإيرانية في إدارة الصراع مع الجانبين الأميركي والإسرائيلي في المنطقة.

“جبهة المقاومة الإسلامية في سوريا” (أولي البأس) قالت في بيان لها إن “العدو الذي اغتال قادة في دمشق، وبغداد، وبيروت، واليوم في طهران، هو ذاته الذي يشنّ حربا ناعمة وخشنة على شعوب الأمة كلها”، وأضافت أنه من “واجبنا جميعا أن نواجهه بوحدة الصف، وتصعيد الجبهة، وتكثيف الضربات”، داعية كل “الأحرار في الأمة، من فصائل وجماعات، من إعلاميين ومفكرين، من علماء ومجاهدين” إلى “مقاومة تقلب الموازين”.

“أولي البأس” تبنّت الهجوم الذي استهدف الجانب الإسرائيلي انطلاقا من الجنوب السوري مطلع الشهر الجاري، وهدّدت قبل يوم من الهجمة الإسرائيلية على طهران، يوم الخميس 12 يونيو، بأن الهجمات ستستمر وأن الصواريخ التي أطلقت هي “جرس إنذار وتحدٍّ أوّلي، وسيرى العدو في الميدان ما يجعله يتألّم ويتراجع”. وأضافت الجبهة أن “الثأر قادم، والمقاومة المشروعة ستُواصل ضرباتها حتى تحرير آخر ذرّة ترابٍ من أرضنا المغتصبة”.

حتى اللحظة لم تتخذ “أولي البأس” أو أي مجموعة أخرى خطوات تصعيدية من الأرض السورية، في الوقت الذي قامت فيه الحكومة باتخاذ إجراءات أمنية واحتياطات عسكرية في سبيل الحفاظ على الساحة السورية ساكنة وخارج النار المتبادلة عبر سمائها بين إيران وإسرائيل.

السماء السورية هي وحدها حتى اللحظة تعيش بعض حيثيات الصراع الإسرائيلي الإيراني، فخزانات وقود للطائرات وقعت في أكثر من منطقة سورية، وبقايا صواريخ تم اعتراضها من قبل الجانب الإسرائيلي سقطت في الأراضي السورية. وزير الطوارئ والكوارث رائد الصالح قال في تصريح لوكالة “سانا”: “في ظل التصعيد العسكري في المنطقة، نهيب بالمواطنين عدم التجمهر أو الصعود للأسطح لمراقبة ما يحدث، وذلك حفاظا على سلامتهم”، وحذّر المواطنين السوريين من “الاقتراب من أي جسم غريب أو حطام قد يسقط نتيجة الأحداث، ونُشدد على عدم لمسه، وترك التعامل معه لفرق الهندسة أو فرق إزالة مخلفات الحرب، والإبلاغ فورا عن أي بقايا أو مخلفات حرب”.

إجراءات احترازية

بحسب معلومات “المجلة”، أرسلت الحكومة السورية تعزيزات تجاه الجنوب السوري يومي الخميس والجمعة، إضافة إلى استنفار على الحدود السورية العراقية، والسورية اللبنانية، وذلك لمنع أي محاولة تهريب تجعل الأرض السورية ساحة للصراع الدائر، خصوصا في ظل التحديات الأمنية التي تواجهها الحكومة في مسعاها لإرساء الاستقرار وضبط السلاح.

وزادت الحكومة السورية من تحركاتها في الجنوب السوري، وكثّفت عملياتها في مواجهة أي محاولة لانفلات أمني أو تنفيذ لأي هجمات من المنطقة. وكانت الداخلية السورية قد أعلنت الخميس أنها أرسلت “تعزيزات أمنية إلى منطقة مساكن جلين بريف درعا الغربي”، وذلك عقب “تعرّض دورية أمنية لكمين مسلّح أثناء استجابتها لبلاغ أمني حول قيام مجموعة خارجة عن القانون بنصب حاجز في المنطقة”، وبحسب المعلومات فإن إدارة الأمن الداخلي صادرت مستودع أسلحة في الجنوب السوري يوم الجمعة.

على الرغم من أن النفوذ الإيراني السياسي والميليشياوي في سوريا انتهى مع سقوط نظام الأسد، فإن بعض بقاياه من أفراد وخلايا ما زالت موجودة، وهذه الخلايا تحاول العمل سواء على مستوى تهريب السلاح والمخدرات، أو على مستوى خلق فوضى أمنية. الحكومة السورية تستمر في مواجهة هذه الخلايا ونفذت عدّة عمليات في الأيام القليلة الماضية في دير الزور والمناطق الحدودية مع العراق ولبنان واعتقلت أشخاصا ما زالوا يعملون على خدمة المشروع الإيراني في سوريا.

 مصادر محلية قالت لـ”المجلة” إن ضربتين جويتين استهدفتا مناطق بالقرب من الحدود السورية على الجانب العراقي، كما أن طائرات تابعة للتحالف أجرت أكثر من جولة على المنطقة الحدودية السورية العراقية، ومن المرجح أن يكون السبب هو منع أي عملية تسلل أو تهريب من الطرف العراقي إلى الجانب السوري، وكان لافتا أيضا تعرض قوة من الجيش السوري- ليل الجمعة السبت- إلى هجمات نفذتها ميليشيات على الحدود السورية العراقية، لترد الأولى على مصدر النار، وبحسب المعلومات فإن جنديا من الجيش السوري تعرض للإصابة نتيجة الهجوم.

ومن المتوقع أن ترسل الحكومة السورية تعزيزات جديدة إلى الحدود السورية العراقية، في محاولة لاحتواء الوضع وضمان ضبط الحدود التي ما زالت تشكل ثغرة أمنية بالنسبة للحكومة، كون أن الميليشيات الإيرانية خلال السنوات الماضية قد حفرت شبكات أنفاق كثيرة ومعقّدة- تحاول الدولة السورية تفكيكها- تصل طرفي الحدود السورية-العراقية كان يتم استخدامها في عمليات تهريب الأسلحة والأفراد والمخدرات.

الفراغ الأمني المحتمل وتداعياته

استمرار الصراع الإيراني-الإسرائيلي لفترة طويلة وامتداده من حرب مباشرة إلى حرب بالوكالة من قبل الجانب الإيراني سيُعقد المشهد السوري المتأرجح وغير المستقر أصلا، ويجعل الحكومة السورية تستنفد جزءا كبيرا من قدراتها لضبط الحدود ومنع امتداد النفوذ والصراع إلى الداخل السوري، وهو أمر قد يخلق ثغرات أمنية يمكن أن تستغلها قوى في الداخل السوري أبرزها تنظيم “داعش”.

الدولة السورية تدرك أن تنظيم “داعش” يقوم بتغيير استراتيجية عملياته في سوريا، وأن أصول الحكومة السورية العسكرية والبشرية تُعتبر هدفا للتنظيم الذي تبنى نهاية الشهر الماضي عملية ضد الحكومة السورية عبر معرفاته استهدفت قوة عسكرية سورية في منطقة تلول الصفا. كما أن وزير الداخلية السوري أنس خطاب قال في مقابلة مع “الإخبارية” السورية مطلع الشهر الجاري إن تنظيم “داعش” انتقل من “العمل العبثي الذي يسبب أذية فقط، إلى عمل مدروس بأهداف استراتيجية”.

ومن غير المستبعد أن يستغل تنظيم “داعش” أي فراغ أمني قد يسببه توجه الحكومة السورية لاستخدام مواردها في مواجهة ارتدادات الصراع الإيراني-الإسرائيلي ومنع تحوله نحو الأرض السورية، سيّما أن التنظيم يتغذى على الفراغ الأمني لتوزيع قدراته عبر الأراضي السورية، وتعزيز جهوده في تسليح نفسه، مستغلا كميات السلاح الكبيرة الخارجة عن سيطرة الدولة والتي يمكن الحصول عليها في مقابل المال.

كما أن تنظيم “داعش” ليس وحده يمكن أن يستفيد من الفراغ الأمني الذي يمكن أن يحصل في سوريا، فهناك مجموعات أخرى ما زالت تحمل وتخزن سلاحها، وتنتظر الفرصة لمواجهة الدولة، بما فيها فلول النظام والمجموعات العاملة في عمليات التهريب وإنتاج المخدرات. وهما طرفان يستنزفان في الأصل كثيرا من موارد الدولة السورية الأمنية والعسكرية، في ظل محدودية هذه القدرات ومواردها اللوجستية سيّما بعد تدمير إسرائيل للبنية العسكرية السورية عقب سقوط النظام السوري، وعمليات السرقة الكبيرة التي تمت للسلاح الموجود في القطعات العسكرية ومخازن السلاح التابعة للنظام قبل سقوطه.

المجلة

————————————-

الشرق الأوسط في زمن التحولات.. تحالفات القوة الناعمة أم مواجهة الهيمنة الصلبة؟/ عدي محمد الضاهر

2025.06.16

يشهد الشرق الأوسط في الوقت الراهن مرحلة مفصلية تتسم بإعادة تشكيل موازين القوى وتداخل المصالح الدولية والإقليمية، وسط تراجع واضح لدور بعض الفاعلين وصعود نسبي لآخرين. غير أن هذا التحول لا يمكن قراءته من زاوية تقليدية تعتمد على نظريات العلاقات الدولية الكلاسيكية، فهذه النظريات كثيرًا ما تعجز عن تفسير الخصوصية الجيوسياسية للمنطقة.

منطق التوازن التقليدي

في السياقات الغربية، يُفترض أن النظام الدولي يعمل على أساس توازن القوى بين الفاعلين. إلا أن هذا المنطق يتعطل عند إسقاطه على مشهد الشرق الأوسط. فبدلًا من تحقيق توازن مستقر، تسود المنطقة ديناميكيات كسر التوازن وإعادة تشكيله قسرًا عبر فرض واقع جديد يكون فيه الطرف الأقوى – سياسيًا وعسكريًا – هو من يحدد معايير اللعبة.

في هذا السياق، تُبرَز إسرائيل من قِبَل القوى الغربية كقوة مركزية لا غنى عنها لضمان الاستقرار النسبي في منطقة الشرق الأوسط، وهو طرح يُحاكي إلى حدّ كبير صورة الولايات المتحدة كقطب أوحد في النظام الدولي. هذا التمركز الإسرائيلي في قلب معادلات القوة يتم تعزيزه عبر التفوق التكنولوجي والعسكري والاستخباراتي، إضافة إلى شبكة علاقات ممتدة تشمل تطبيعًا متسارعًا مع عدد من العواصم العربية، ما يمنحها غطاءً شرعيًا يتجاوز البعد الأمني.

تركيا والسعودية: قوتان متمايزتان ضمن المساحة الرمادية

رغم محاولة بعضهم قراءة تراجع الدور الإيراني كنتاج مباشر لصعود قوى إقليمية مثل تركيا والسعودية، إلا أن هذا التفسير يتسم بالتبسيط. فتركيا، على الرغم من حضورها الجيوسياسي المتزايد، تواجه تحديات اقتصادية بنيوية تجعل من قدرتها على الاستمرار في ماراثون النفوذ الإقليمي محل تساؤل. ومع ذلك، فإن تموضعها الذكي داخل فضاء المصالح الأميركية لا سيما في الملفات الأمنية والطاقة يمنحها هامشًا معتبرًا من التأثير، ولو كان محدودًا بحجم اقتصادها المتقلب.

أما السعودية، فقد اختارت طريقا مختلفا يتمثل في دبلوماسية مرنة وواقعية، قادرة على التكيف مع المتغيرات، مع تركيز واضح على الاستثمار في الاستقرار والتنمية. فهي لا تسعى إلى تصدير أيديولوجيا أو فرض هيمنة فكرية، بل إلى بناء شرق أوسط جديد يسوده السلام والنمو الاقتصادي، وهو توجه يلقى قبولًا متزايدًا إقليميًا ودوليًا.

نحو تحالف إقليمي يوازن الهيمنة

السؤال المحوري الذي يُطرح اليوم هو: كيف ننتقل إلى مرحلة القوة الحقيقية؟

الجواب لا يكمن في سباق تسلح جديد أو اجترار شعارات راديكالية، بل في بناء تحالف إقليمي جماعي، يضم السعودية وتركيا ودول الخليج ودول الطوق (الأردن، مصر، سوريا ولبنان) تحالف يتجاوز التباينات الثانوية ويوحّد المصالح الأمنية والاقتصادية تحت مظلة استراتيجية واحدة.

مثل هذا التحالف يمكن أن يشكل نقطة ارتكاز جديدة لتوازن قوى حقيقي في المنطقة، توازن لا يتحدى إسرائيل فقط، بل يعيد ضبط العلاقة مع القوى الدولية الكبرى، ويوفر بديلًا عمليًا للنظام الإقليمي المتهالك. إذ إن القوة هنا ستكون جيوسياسية، اقتصادية، عسكرية وناعمة في آن واحد، قادرة على التفاوض من موقع الندية، لا التبعية.

إيران.. نموذج يجب تجاوزه

في المقابل، فإن النموذج الإيراني في إدارة النفوذ الإقليمي يبدو أنه بلغ نهايته. لقد اعتمدت طهران على سياسة منفردة ومتغطرسة، وظفّت أدوات طائفية للتمدد داخل دول المنطقة، تحت راية “مقاومة إسرائيل”، لكنها في الواقع أنهكت اقتصادات وشعوبًا، وزرعت الفوضى والاقتتال الأهلي.

ظنّ النظام الإيراني أنه قادر على ابتلاع المنطقة، متجاهلًا التحولات الدولية ومصالح القوى الكبرى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، التي وإن تغاضت لفترة عن تمدد طهران، فإنها لم تكن لتقبل يومًا أن يتحول ذلك التمدد إلى واقع دائم. ويبدو أن المرحلة المقبلة تشهد بداية تفكيك هذا المشروع، وتهيئة المجال أمام فاعلين جدد يتسمون بالمرونة والواقعية.

نموذج إيران بدأ بالتشكل بعد الفراغ الذي خلّفه سقوط نظام صدام حسين عام 2003، وقد سمحت له الولايات المتحدة بالتمدد في إطار سياسة “ملء الفراغ”. لكن اليوم، يتكرر المشهد بشكل مختلف، إذ أن القوى الدولية تسعى إلى تعزيز استقرار شامل لا يسمح بإعادة إنتاج الهيمنة تحت شعارات جديدة.

المستقبل لمن يتحكم بالقوة الناعمة

المرحلة المقبلة ستتسم بانتقال ميزان التأثير من القوة الصلبة (العسكرية) إلى القوة الناعمة المسالمة، المتمثلة في الاقتصاد المستقر والعلاقات الدولية المتوازنة والمشاريع التنموية العابرة للحدود، مع التأثير الثقافي والإعلامي المدروس. فالقوة في المستقبل لن تكون لمن يملك أكبر عدد من الصواريخ، بل لمن يستطيع بناء شبكات مصالح تحاكي منطق الاقتصاد العالمي وتتكامل معه. من يتقن هذا النموذج، يستطيع فرض نفسه كفاعل إقليمي ودولي فاعل، أما من يصر على سلوك طريق الهيمنة والصدام، فسيجد نفسه معزولًا أو هدفًا مباشرًا في مواجهة قادمة.

إننا أمام مشهد جديد قيد التبلور في الشرق الأوسط، تتحدد فيه مواقع اللاعبين لا بناءً على الشعارات أو موازين العسكر فقط، بل على أساس القدرة على خلق بيئة مستقرة، متطورة، متصلة بالعالم، ومحترِفة للعبة التوازنات.

الفرصة متاحة اليوم أمام الدول العربية وتركيا لتقديم بديل إقليمي متماسك يضع حدًا لعقود من الاستقطاب والتدخلات. وإذا لم يتم التقاط هذه اللحظة التاريخية، فقد نجد أنفسنا بعد عقد من الزمان أمام صراع عسكري منفرد جديد، طرفه الأول دولة تتوهم أنها قادرة على ابتلاع المنطقة، وطرفه الآخر وكيل غربي إسرائيلي يفرض نفسه مجددًا كصاحب الحل والربط.

تلفزيون سوريا

——————————-

 الحرب الإسرائيلية على إيران والرد الإيراني: من الظل إلى الصدام المباشر

المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات

2025.06.16

أطلقت إسرائيل فجر الجمعة، 13 حزيران/ يونيو 2025، عملية عسكرية كبيرة ومنسّقة ضد إيران تحت اسم “الأسد الناهض” شاركت فيها أكثر من 200 طائرة حربية، بما في ذلك مقاتلات “إف-35” نفذت خلالها خمس موجات من الغارات الجوية على نحو مئة هدف داخل البلاد.

وتبيّن أنها بداية حرب شاملة تتجاوز هدفها المعلن المتمثل في ضرب القوة النووية الإيرانية، إلى محاولة ضرب الاقتصاد وإسقاط النظام الإيراني. وقد أسفر الهجوم الذي برز فيه التفوق الاستخباري والتكنولوجي الإسرائيلي (والأميركي بطبيعة الحال) خلال اليوم الأول عن اغتيال نحو عشرين من كبار ضباط الحرس الثوري والقوات المسلحة الإيرانية، بمن فيهم قائد الحرس الثوري حسين سلامي، ورئيس هيئة أركان الجيش محمد باقري، وتسعة علماء نوويين. كما استهدف الهجوم مواقع البرنامج النووي الإيراني في نطنز (أصفهان) وفوردو (قم) وبارشين (شرق طهران) وآراك (غرب وسط البلاد)، فضلًا عن مراكز تصنيع الصواريخ البالستية وقواعد إطلاقها، ومنشآت إنتاج الطائرات المسيّرة. وفي المقابل، ردّت إيران بإطلاق عملية “الوعد الصادق 3″، حيث أطلقت أكثر من 150 صاروخًا بالستيًا وأكثر من 100 طائرة مسيّرة في اتجاه إسرائيل تمكّن العديد منها من تجاوز المنظومات الدفاعية الإسرائيلية والأميركية، التي شاركت في محاولات صدّ الهجوم الإيراني، وأصابت مناطق مختلفة من إسرائيل، بما فيها حيفا وتل أبيب. وجاءت هذه المواجهة الإسرائيلية – الإيرانية عشية انتهاء مهلة الستين يومًا التي حددها الرئيس الأميركي دونالد ترمب لإبرام اتفاق حول برنامج إيران النووي، وبعد الإعلان عن جولة جديدة من المفاوضات كان مقررًا عقدها بين واشنطن وطهران في سلطنة عُمان.

توقيت الهجوم الإسرائيلي

جعل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، منذ عودته إلى الحكم عام 2009، تدمير البرنامج النووي الإيراني هدفًا رئيسًا لكل الحكومات التي شكّلها، سواء من خلال عمليات أمنية تخريبية، أو عبر استهداف العلماء النوويين الإيرانيين بالاغتيال. وفي هذا السياق، عارض أيّ تسوية سلمية لملف إيران النووي، ووقف بقوة ضد اتفاق عام 2015 الذي أبرمته إدارة الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، والذي عُرف رسميًا باسم “خطة العمل الشاملة المشتركة”، وسعى لإجهاضه، وهو ما حصل عندما قرر الرئيس ترمب الانسحاب منه في أيار/ مايو 2018 وأعاد فرض العقوبات الاقتصادية على إيران في إطار سياسة عُرفت إعلاميًا بسياسة “الضغوط القصوى” التي استهدفت دفعها إلى القبول باتفاق جديد أكثر تشددًا في مراقبة نشاطاتها النووية[1]

. وفي العام نفسه، تمكّنت إسرائيل من سرقة أرشيف البرنامج النووي الإيراني، وعرضت أجزاء منه للعلن[2]. ونجحت في تشرين الثاني/ نوفمبر 2020 في اغتيال محسن فخري زاده، الذي تعدّه إيران بمنزلة “أب” لبرنامجها النووي[3]

. وعلى الرغم من استئناف المفاوضات بين واشنطن وطهران في عهد إدارة جو بايدن بهدف العودة إلى اتفاق عام 2015، فإن تلك الجهود لم تكلّل بالنجاح، قبل أن تتوقف تمامًا عقب عملية “طوفان الأقصى” التي نفّذتها حركة المقاومة الإسلامية “حماس” في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023.

وفي سياق التصعيد بين إسرائيل وإيران بعد طوفان الأقصى، شهد عام 2024 مواجهتَين جويتَين كبريَين بينهما؛ وقعت الأولى في نيسان/ أبريل بعد أن قصفت إسرائيل القنصلية الإيرانية في دمشق وقتلت قادة الحرس الثوري في سورية ولبنان، وردّت إيران حينها بإطلاق نحو 200 صاروخ ومسيّرة في اتجاه إسرائيل[4]

، أما المواجهة الثانية فجرت في تشرين الأول/ أكتوبر؛ وذلك ردًّا على اغتيال إسرائيل لرئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، في طهران[5]، واغتيال الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، في الضاحية الجنوبية لبيروت[6]. وحاولت إسرائيل استغلال ردّ إيران في المواجهة الثانية لتوجيه ضربة إلى برنامجها النووي، لكنّ الضغوط التي مارستها عليها إدارة بايدن، مخافة جرّها إلى حرب مع إيران، جعلت إسرائيل تكتفي بضرب الدفاعات الجوية الإيرانية، خصوصًا تلك التي تحمي المنشآت النووية في أصفهان، وكذلك تدمير منشآت تصنيع الوقود الصلب للصواريخ البالستية[7]

ومع وصول ترمب مرة أخرى إلى السلطة مطلع عام 2025، ونجاح إسرائيل في إضعاف حلفاء إيران في المنطقة، صار توجيه ضربة إسرائيلية إلى البرنامج النووي الإيراني مسألة وقت لا أكثر. فقد اعتمدت إيران على مدى عقود طويلة، لا سيما بعد حرب تموز/ يوليو 2006 التي أثبت فيها حزب الله قدرته على التصدي للآلة العسكرية الإسرائيلية، على استراتيجية تُعرف بـ “الدفاع المتقدم”، تقوم على بناء القدرات العسكرية لحلفاء أو وكلاء إقليميين (في لبنان والعراق، ولاحقًا في سورية واليمن) واستخدامهم جزءًا من منظومة الردع لأيّ استهداف إسرائيلي لإيران أو لبرنامجها النووي. وشكّل حزب الله، خصوصًا، عائقًا كبيرًا أمام أيّ هجوم إسرائيلي ضد إيران، إذ إنه كان يمتلك ترسانة واسعة من الصواريخ المختلفة التي يصعب على إسرائيل صدّها، نظرًا إلى القرب الجغرافي والوقت الذي يستغرقه وصولها من جنوب لبنان. لكنّ هذه الاستراتيجية انهارت تمامًا بعد أن نجحت إسرائيل في تدمير القدرات العسكرية لحزب الله، واستهداف قياداته العسكرية والسياسية، وفرض اتفاق لوقف إطلاق النار على لبنان في إطار قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1701، في تشرين الثاني/ نوفمبر 2024[8]

، وبعد سقوط النظام السوري وخروج إيران وحلفائها من سورية، في كانون الأول/ ديسمبر 2024؛ فبات الطريق إلى أن تهاجم إسرائيل إيران مفتوحًا. وكان ذلك مخططًا القيام به، وفقًا لنتنياهو، قبل نيسان/ أبريل 2025، لكنّ إصرار ترمب على فسحة تفاوضية تفرض فيها الولايات المتحدة وقف التخصيب على إيران أجّل الهجوم مدة ستين يومًا.

أهداف إسرائيل

أعلنت إسرائيل أنها تهدف من وراء هذه العملية العسكرية إلى تفكيك (تدمير) برنامج إيران النووي والقضاء على فرصها في الحصول على سلاح نووي. وهي تحاول بذلك الاحتفاظ بوضعها الراهن باعتبارها القوة النووية الوحيدة في المنطقة، في إطار سياسة مكّنتها حتى الآن من تدمير البرنامج النووي العراقي (1981)، وتفكيك البرنامج النووي الليبي (2003)، وضرب البرنامج النووي السوري (2007). لكن يبدو من خلال طبيعة الأهداف التي استهدفتها إسرائيل في اليومين الأوّلين من العملية العسكرية أن حكومة نتنياهو تسعى، إضافة إلى إضعاف القدرات العسكرية الإيرانية، لإسقاط النظام في طهران، عبر إضعاف شرعيته وكسر هيبته داخليًا، وهو هدف صريح ومعلن دأب نتنياهو على تبنّيه وسعى مرارًا لإقناع واشنطن به، كما دعا صراحة، خلال خطابه الذي ألقاه بعد هجمات يوم الجمعة، الشعب الإيراني إلى الثورة على النظام[9]

. ويُعتقد أن استهداف إسرائيل للبنية التحتية النفطية ومنشآت الطاقة في إيران يصبّ في هذا الاتجاه، وذلك من خلال إثارة التذمر في الداخل من سياسات النظام وتشديد الخناق على الاقتصاد الإيراني الذي يعاني أصلًا عقوبات شديدة فرضتها إدارة ترمب.

الموقف الأميركي

اتخذ ترمب في رئاسته الأولى (2017-2021) موقفًا متشددًا من إيران، إذ إنه انسحب من الاتفاق النووي الذي أبرمه سلفه، على أمل إبرام اتفاق جديد يحمل اسمه، وتبنّى سياسة الضغوط القصوى ليدفعها إلى الموافقة على اتفاق جديد. وبعد عودته إلى السلطة، جدد اهتمامه بعقد اتفاق مع إيران، وفي نيسان/ أبريل 2025، وجّه إنذارًا إليها، منحها فيه مهلة مدتها ستون يومًا للتوصل إلى اتفاق جديد، وإلا ستواجه “عواقب مدمرة”، بما في ذلك احتمال تنفيذ ضربات عسكرية أميركية أو إسرائيلية ضد منشآتها النووية. وجاءت المهلة عبر رسالة مباشرة وجّهها إلى المرشد الإيراني، علي خامنئي، حملها مسؤول إماراتي، وتضمنت شروطًا صارمة تشمل من بين طلبات عدة تفكيك برنامجها النووي، ووقف تخصيب اليورانيوم، ووقف دعم الحوثيين في اليمن وتسليحهم. وفي المقابل، أبدى ترمب استعداده لرفع العقوبات الاقتصادية وإنهاء عزلة إيران الدولية. لكنّ خامنئي رفض الإنذار وعدّه “خدعة” تهدف إلى فرض شروط أميركية على إيران، غير أنه وافق على إجراء مفاوضات غير مباشرة مع الولايات المتحدة، بدأت في نيسان/ أبريل 2025 في سلطنة عمان، ثم تواصلت في روما، في خمس جولات، إلا أنها لم تسفر عن تقدّم ملموس؛ بسبب إصرار واشنطن على منع إيران من القيام بأيّ عمليات تخصيب على أراضيها. وطلب ترمب من نتنياهو، الذي كان يستعد لتوجيه ضربة عسكرية إلى برنامج إيران النووي، إعطاء فرصة للدبلوماسية التي كان يقودها مبعوثه إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف. ويبدو أنّ اتفاقًا حصل بينهما في هذا الإطار يقضي بأن يدعم الأول خطط الثاني لمهاجمة إيران في حال فشل التوصل إلى اتفاق معها خلال مهلة الستين يومًا. ومع انتهاء المهلة في حزيران/ يونيو 2025 من دون التوصل إلى اتفاق، شنّت إسرائيل عمليتها العسكرية، التي أشاد بها ترمب ووصفها بأنها “ناجحة جدًا”، متباهيًا بالأسلحة الأميركية التي استُخدمت فيها، محذّرًا إيران من أنّ “ما هو قادم سيكون أكثر تدميرًا” إذا لم تعد إلى طاولة المفاوضات[10]

.

وبناء عليه، يبدو من الواضح أن ترمب يستخدم العملية العسكرية الإسرائيلية أداةَ ضغطٍ على إيران لدفعها إلى العودة إلى طاولة المفاوضات، والقبول بشروطه؛ فهو لا يريد إسقاط النظام فيها، بل يريد ضمّه إلى المعسكر الأميركي بعد التخلص من احتمال التسلح النووي. لكنه، في الوقت ذاته، يتحسب من احتمال أن تورّطه إسرائيل في مواجهة عسكرية لا يريدها مع إيران، وخاصة أنها لن تكون قادرة وحدها على تدمير المنشآت النووية الإيرانية بالكامل باعتباره أحد أهم أهداف عمليتها العسكرية، ولا سيما تلك المدفونة عميقًا تحت الأرض في فوردو تحديدًا. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة سمحت بهذه الحرب ودعمتها، إذ لم يكن خوضها ممكنًا من دون هذا الدعم، فإنّ من الخطأ الاستنتاج أن ترمب يستخدم إسرائيل، فالأخيرة تستخدمه أيضًا، ونتنياهو يستغل الفرصة المتاحة لتوسيع نطاق الحرب بما يخدم تحقيق أهدافه، لا أهداف ترمب، ويصعّد من وتيرتها على نحو يضطر الولايات المتحدة إلى الانضمام إليها، وهو ما لم ينجح في تحقيقه بعد.

خاتمة

شكّل الهجوم الإسرائيلي على إيران الحلقة الأخيرة في سلسلة مواجهات عسكرية بدأتها إسرائيل بعد عملية طوفان الأقصى بهدف تفكيك “محور المقاومة”. وكان واضحًا أنّ إيران باتت مكشوفة تمامًا بعد تدمير القدرات العسكرية لحزب الله وإسقاط النظام السوري وتصفية وجود الفصائل الموالية لها في سورية على الحدود، ومن ثم صار هجوم إسرائيل عليها هجومًا مباشرًا مسألة وقت، وزاد احتماله مع عودة ترمب إلى الحكم. ومن غير الواضح ما ستسفر عنه المواجهة بين إيران وإسرائيل، ويتوقف الكثير فيها على الموقف الأميركي، ومدى استعداد ترمب للتورط فيها، خاصة إذا فشلت إسرائيل في تدمير البرنامج النووي الإيراني، أو ارتفعت أسعار النفط بشدّة في ضوء توجّهها إلى تدمير صناعة النفط والغاز في إيران لزيادة الضغوط عليها. ويمكن أن تصمد إيران بثمن مرتفع جدًا (عسكري واقتصادي وبشري) إذا لم يحصل تدخّل أميركي مباشر. ولكن، من الواضح أنها لا تدفع الثمن وحدها.

[1]

 Mark Landler, “Trump Abandons Iran Nuclear Deal He Long Scorned,” The New YorkTimes, 8/5/2018, accessed on 15/6/2025, at: https://acr.ps/1L9zRHL[2] Loveday Morris & Karen DeYoung, “Israel Says it Holds a Trove of Documents from Iran’s Secret Nuclear Weapons Archive,” TheWashington Post, 30/4/2018, accessed on 15/6/2025, at: https://acr.ps/1L9zS6A[3] David E. Sanger et al., “Gunmen Assassinate Iran’s Top Nuclear Scientist in Ambush, Provoking New Crisis,” The New YorkTimes, 27/11/2020, accessed on 15/6/2025, at: https://acr.ps/1L9zRQU[4] ينظر: “رد فعل إسرائيل المحدود على الهجوم الإيراني: دوافعه وأهدافه”، تقدير موقف، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 25/4/2024، شوهد في 15/6/2025، في: https://acr.ps/1L9zRDa[5] ينظر: “المواجهة بين حزب الله وإسرائيل واحتمالات اندلاع حرب شاملة”، تقدير موقف، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 3/7/2024، شوهد في 15/6/2025، في: https://acr.ps/1L9zSas؛ “اغتيال إسماعيل هنية وتداعياته”، تقدير موقف، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 31/7/2024، شوهد في 15/6/2025، في: https://acr.ps/1L9zRt4[6] ينظر: “العدوان الإسرائيلي على لبنان بعد استهداف مقر القيادة المركزية لحزب الله واغتيال أمينه العام”، تقدير موقف، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 29/9/2024، شوهد في 15/6/2025، في: https://acr.ps/1L9zSax

[7]

 ينظر: “قراءة في موقف إدارة بايدن من الهجوم الإسرائيلي المحتمل على إيران”، تقدير موقف، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 9/10/2024، شوهد في 15/6/2025، في: https://acr.ps/1L9zRKG[8] ينظر: “اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله: الدوافع والتحديات”، تقدير موقف، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2/12/2024، شوهد في 15/6/2025، في: https://acr.ps/1L9zRCA[9] “Netanyahu Calls on Iranians to Unite Against ‘Evil and Oppressive Regime’,” Arab News Pakistan, 13/6/2025, accessed on 15/6/2025, at: https://acr.ps/1L9zSg2[10] “Trump Said US was Aware of Israel’s Plans to attack Iran, WSJ Reports,” Reuters, 13/6/2025, accessed on 15/6/2025, at: https://acr.ps/1L9zSdG

———————————-

حرب إسرائيل العدوانية على إيران… القرار وتوازن القوى وخيارات طهران (2)

المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات

16 يونيو 2025

في سياق تصميم إسرائيل على الاستمرار في احتكار السلاح النووي في منطقة الشرق الأوسط، اتخذ الكابينت السياسي والأمني الإسرائيلي، في 9 يونيو/ حزيران 2025، قراراً بشن الحرب على إيران، بالتنسيق مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب. وفي فجر 13 من الشهر ذاته، أطلقت إسرائيل حربها العدوانية بهدف القضاء على المشروع النووي الإيراني، وبرنامج إيران الصاروخي، وصولاً إلى إضعاف النظام وإسقاطه.

وقد ساهمت مجموعة من العوامل في تهيئة الشروط الملائمة لاتخاذ إسرائيل هذا القرار، والحصول على موافقة الإدارة الأميركية في هذا الشأن، أهمها فقدان إيران عديداً من عناصر القوة التي كانت لديها، من خلال حدوث تطوّرات متسارعة؛ بعضها نتيجة لعملٍ إسرائيلي أو استغلالٍ لوضع ما بعد عملية طوفان الأقصى، أبرزها: أولاً، تحييد قوة حزب الله على نحو واضح وحاسم؛ فقد كانت ترسانة الأسلحة التي يمتلكها تشكّل احتياطاً استراتيجياً لإيران لردع إسرائيل عن مهاجمة منشآت المشروع النووي الإيراني. ثانياً، فقدان إيران تمركزها العسكري في سورية. ثالثاً، سقوط النظام السوري. رابعاً تحييد إسرائيل قوة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) العسكرية. خامساً، وصول ترامب إلى رئاسة الولايات المتحدة، الذي كان قد انسحب من الاتفاق النووي الإيراني في عام 2018.

وقد جاء قرار إسرائيل بشن هذه الحرب في أعقاب حملة طويلة استمرت نحو ثلاثة عقود من التحريض المنهجي ضد إيران ومشروعها النووي. وكانت إسرائيل، في سياق سياستها احتكار السلاح النووي في المنطقة، قد دمرت المفاعل النووي العراقي في عام 1981، والمنشأة النووية في سورية في عام 2007.

استعدادات إسرائيل للحرب

أعدّت إسرائيل نفسها جيداً لهذه الحرب على مختلف الصعد؛ فقد استكملت في الأشهر الأخيرة الحصول من إدارة الرئيس ترامب على الذخيرة والأسلحة الضرورية التي تمكّنها من ضرب العمق الإيراني، لا سيما طائرات التزويد بالوقود في الجو. ومنذ أكثر من ثلاثة عقود، شرعت في إعادة هيكلة قواتها المسلحة وبنائها على أسس جديدة، في أعقاب التحوّلات التي طرأت على طبيعة الحرب الحديثة، إلى جانب التغير في طبيعة الأعداء الذين تواجههم، بعد التوصل إلى اتفاقيات سلام مع دول عربية عديدة تخلّى بعضها رسمياً عن الخيار العسكري لاستعادة الأراضي العربية والفلسطينية المحتلة. وفي هذا السياق، قرّرت إسرائيل تحويل جيشها إلى “جيش صغير وذكي” بتعبير رئيس الأركان ورئيس الوزراء السابق، إيهود باراك، والتركيز على تطوير سلاح الجو، وتزويده بأحدث الطائرات والمسيّرات العسكرية، وتطوير الاستخبارات العسكرية، والأجهزة الأمنية المختلفة، ومنظومات السايبر العسكرية، ولاحقاً الذكاء الاصطناعي، وتخصيص الميزانيات الضخمة لذلك. وعلى مدى 50 عاماً، كانت ميزانية سلاح الجو الإسرائيلي، الذي يزيد عدد قواته النظامية وقواته الاحتياطية على 90 ألف عنصر، تشكّل أكثر من نصف مجمل ميزانية الجيش الإسرائيلي. وقد أسهمت عملية إعادة الهيكلة هذه في تمكين قوة الجيش الضاربة من الوصول إلى الدائرة الثانية من الدول التي تقع حدودها على بُعد يتجاوز ألف كيلومتر، بما في ذلك إيران.

ميزان القوى وردّة فعل إيران

يميل ميزان القوى العسكري بين إسرائيل وإيران كثيراً إلى مصلحة إسرائيل التي تمتلك مئات الطائرات العسكرية القاذفة والمقاتلة الأكثر تطوراً في العالم، إضافة إلى طائرات حديثة لتزويد الطائرات بالوقود في الجو، ومئات المسيّرات المتطورة، والعديد من الأقمار الصناعية، والصواريخ الدقيقة البعيدة المدى، ولديها كذلك سلاح بحري حديث وغوّاصات عديدة متطوّرة في إمكانها توجيه ضربات إلى الموانئ الإيرانية، إضافة إلى أهداف كثيرة في إيران. وتمتلك، أيضاً، عدة منظومات متطوّرة مضادة للصواريخ، إلى جانب منظومة “ثاد” التي أرسلتها الولايات المتحدة إليها مع طواقمها الأميركية.

ولدى إسرائيل مئات القنابل النووية والهيدروجينية والنيوترونية، ولديها كذلك قدرة على توجيه الضربة النووية الثانية، من خلال امتلاكها ستّ غواصات ألمانية الصنع من طراز “دولفين” مُعدّة لإطلاق صواريخ تحمل رؤوساً نووية إلى مسافات بعيدة. ولديها، أيضاً، مركز قيادة حصين محمي من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل الأخرى، في جوف جبل في القدس الغربية بالقرب من مقر رئيس الحكومة الإسرائيلية، لإدارة حرب نووية إذا ما اقتضت الضرورة ذلك.

أما قدرات إيران العسكرية، فتبدو محدودة مقارنةً بقدرات إسرائيل، بسبب نظام العقوبات المفروض عليها؛ إذ تفتقر إلى سلاح جو حديث، ولا تستطيع طائراتها (يعود أكثرها إلى فترة حكم الشاه) الوصول إلى إسرائيل. ومنظومات دفاعها الجوي في أغلبها محلية الصنع ومحدودة القدرات. إضافة إلى ذلك، لديها عدد محدود من منظومات “إس 300″ الروسية القديمة، و”إس 400” التي يصعب عليها التصدّي للطائرات الإسرائيلية الحديثة. وتعتمد في الرد على العدوان الإسرائيلي على صواريخها البعيدة المدى التي طوّرتها في العقود الماضية، لكن يبدو أن هذه الصواريخ لا تستطيع إصابة أهدافها بدقة؛ ومن ثم، فهي لا تشكّل خطراً حقيقياً على البنية التحتية الاستراتيجية الإسرائيلية، مثل منشآت المشروع النووي، ومحطات الطاقة، والكهرباء، والمطارات، والموانئ.

في مقابل ذلك، تمتلك إسرائيل القدرة على استهداف منشآت البرنامج النووي والبنية التحتية الاستراتيجية الإيرانية خلال فترة طويلة ما دامت تحظى بتأييد إدارة الرئيس ترامب، وتحصل على الأعتدة والذخائر اللازمة للاستمرار في قصف الأهداف. فقد صار سلاح الجو الإسرائيلي، كما يبدو، مسيطراً على الأجواء الإيرانية إلى حدّ بعيد، وصارت مسيّرات إسرائيلية كثيرة قادرة على التحليق طوال الوقت فوق أجواء طهران، ومناطق أخرى في إيران؛ لجمع المعلومات وتوجيه الضربات إلى أهداف محددة.

ومن المتوقع ألّا تقتصر الضربات الإسرائيلية على مواقع المشروع النووي الإيراني المختلفة وعلى البنية التحتية العسكرية الإيرانية، وأن تمتدّ تدريجياً إلى البنية التحتية الاقتصادية الإيرانية التي تشمل منشآت الغاز والنفط وتوليد الكهرباء والمصانع والموانئ والمطارات. وتبذل إسرائيل قصارى جهدها للحصول على موافقة الإدارة الأميركية على توسيع أهدافها لتشمل كلّ البنية الاقتصادية الاستراتيجية الإيرانية. وهي تسعى كذلك إلى انخراط الولايات المتحدة في الحرب، على نحو مباشر وفعّال، من أجل القضاء على المشروع النووي الإيراني بمختلف مكوناته؛ فقدرات إسرائيل العسكرية الذاتية لا تستطيع الوصول إلى بعض المواقع المحصّنة تحصيناً كبيراً في عُمق الأرض، على غرار موقع “فوردو” على سبيل المثال.

وتبدي إيران مقاومة صلبة مستندة إلى سلاح الصواريخ، ولديها تحدٍّ كبير متمثل في الحفاظ على تماسك جبهتها الداخلية، ومواجهة آثار الحرب الاقتصادية الهائلة في حال استمرارها. ومن المرجّح أن تبذل ما في وسعها لتجنّب صدام عسكري مع الولايات المتحدة؛ لذلك يُستبعد أن تستهدف القواعد العسكرية الأميركية أو مصالحها في المنطقة، أو أن تُقدِم على إغلاق مضيق هرمز، أو تستهدف ناقلات للنفط، أو حقولاً نفطية، في الدول العربية المجاورة؛ لأن ذلك يعطي الإدارةَ الأميركية تبريراً للدخول في الحرب ضدها على نحو مباشر؛ وهو هدف إسرائيل الرئيس.

وبناءً على ذلك، يواجه صاحب القرار الإيراني جملةً من التحديات التي تستدعي اتخاذ مواقف وقرارات خلال الفترة المقبلة، ومن ضمنها استئناف المفاوضات مع الإدارة الأميركية بشأن مشروعها النووي، والسماح للمراقبين الدوليين بمراقبة هذا المشروع باستمرار، فضلاً عن مسألة الانسحاب من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية. وفي هذا الشأن، من غير المرجح أن تتخذ إيران قراراً بالانسحاب من هذه المعاهدة، أو أن تنسحب من المفاوضات المتعلقة ببرنامجها النووي مع الإدارة الأميركية. ولكن المعضلة الأكثر أهمية هي مسألة اتخاذ القرار بشأن الشروع في إنتاج السلاح النووي؛ فإيران تمتلك، وفقاً للمعطيات المتوفرة، كميات من اليورانيوم المخصب بنسبة 60%، وهي تكفي لصناعة نحو 10 قنابل نووية، وفي إمكانها – حتى في ظروف استمرار الحرب – تخصيبها لتصل، خلال أسابيع فحسب، إلى نسبة 90%. ويتعلق التساؤل الأهم، في هذا السياق، بالمدة الزمنية التي تحتاج إليها إيران لإنتاج قنبلتها النووية الأولى وتثبيتها على صاروخ لتصبح صالحة للإطلاق؛ لتُشكِّل، من ثمّ، ردعاً لإسرائيل، أو توازناً رادعاً؛ وذلك لأن استخدام السلاح النووي غير ممكن. هذه، إذاً، عملية معقدة، وتكاد تكون مستبعدة.

من المرجّح أن تسعى إسرائيل إلى جعل هذا الموضوع قضية أساسية في جدول اهتمامات إدارة ترامب لحضّها على التدخل عسكرياً مباشرةً من أجل منع إيران من حيازة السلاح النووي. وقد تحاول جعل مصير اليورانيوم المخصّب إحدى القضايا المركزية لدى إدارة ترامب، حتى يضغط على إيران كي توافق على التخلي عن مشروعها في سياق أي حلّ كان.

خاتمة

تسعى إسرائيل إلى الاستمرار في حربها ضد إيران حتى تحقيق أهدافها، ما دامت تحظى بتأييد الإدارة الأميركية في ذلك. وتهدف إلى ضرب المنشآت النووية الإيرانية وإلحاق الضرر بها إلى أقصى حدّ ممكن. وتهدف، أيضاً، إلى توسيع اعتداءاتها لتشمل البنية التحتية الاقتصادية، ولا سيما منشآت النفط والغاز ومحطات إنتاج الكهرباء، من أجل إضعاف النظام الإيراني وإهانته داخلياً وإقليمياً، على نحو يؤدي إلى إسقاطه. وفي كل الأحوال تبذل إسرائيل قصارى جهدها حتى تنخرط الولايات المتحدة مباشرة في الحرب؛ لأن هذا الأمر، وفقاً لوجهة نظرها، هو الذي يضمن إنهاء المشروع النووي الإيراني.

—————————-

 العرب بين جبهتين/ عبد الله مكسور

2025.06.16

في قلب مواجهة ميدانية بين إيران وإسرائيل، يجد العرب أنفسهم محاصرين بجبهتين تتنازعان الهيمنة على الإقليم، بينما تتآكل قدرتهم على البقاء خارج مرمى النيران.

هذه ليست حربًا بالوكالة فحسب، بل اختبار وجودي لمكانة العرب في معادلة أمنهم الإقليمي، حيث تُرسم الخطوط الحمراء فوق أجوائهم، وتُخاض المعارك على أراضيهم، وتُعقد التفاهمات بمعزل عنهم. لم يعد الحياد مجديًا، ولا الصمت ممكنًا.

فإيران تُقاتل من داخل العمق العربي عبر شبكة حلفاء ووكلاء، بينما تصوغ إسرائيل أمنها من فوق الجغرافيا العربية. بين منطق “الردع المسبق” الإسرائيلي و”الردع الميداني” الإيراني، تضيع السيادة العربية وتُختزل الجغرافيا إلى ممرات أو ساحات. العرب يسيرون في صراع لا يملكون مفاتيحه، لكنه يرسم مستقبلهم. يحاولون وضع المقاربات الممكنة بالصمت أمام غياب المشروع، ويستعرضون عبر الشاشات مخاطر الانفجار الكامل. إنها لحظة مفصلية، لا تقبل التردد: إما أن ينهض العرب باستراتيجية استباقية، أو تُفرض عليهم شروط القوة من دون استئذان.

إسرائيل ترى في المشروعين العربي والإيراني تهديدين مختلفين من حيث الطبيعة، لكنهما يتقاطعان في تقويض رؤيتها للأمن الإقليمي. فالمشروع الإيراني يُقرأ إسرائيلياً كتهديد وجودي، نووي وعقائدي، يستهدف التفوق الإسرائيلي المباشر. أما المشروع العربي، حين يتماسك أو يبدي نزعة استقلال، فتتعامل معه إسرائيل كخطر سياسي طويل الأمد يعيق هيمنتها على المنطقة وتنفيذ مشروعها الصهيوني. لذلك، تسعى تل أبيب إلى تفكيك العمق العربي عبر التطبيع الانتقائي من جهة، وتطويق النفوذ الإيراني من جهة أخرى. فأي مشروع عربي جامع يُعامل كقوة ممانعة، بينما يُستثمر الانقسام العربي لضرب طهران دون أن يتوحد العرب على موقف سيادي يُحاصر الهيمنة الإسرائيلية أو التمدد الإيراني.

إسرائيل ترى في إيران خصماً استراتيجياً شاملاً، يتجاوز حدود النزاع التقليدي إلى مستوى تهديد وجودي متعدد الأبعاد. فإيران، بمنظور المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، تجمع بين العقيدة الثورية والسعي لحيازة سلاح نووي يشكل تهديداً مباشراً لإسرائيل. مشروع طهران النووي يُعد “نقطة اللاعودة”، واستكماله يُفسر في تل أبيب كمحرك لتغيير موازين القوة في المنطقة. لذلك، تعتمد إسرائيل نهج الضربات الاستباقية، وتتمسك بعقيدة “السلام بالقوة”، معتبرة أن الردع وحده لا يكفي، بل يجب تحطيم القدرة الإيرانية قبل أن تُترجم إلى نتائج ميدانية. إيران هي خصم لا يُحتوى، بل يجب تفكيك مقوماته الاستراتيجية وفق المنطق الإسرائيلي.

التحول من الاغتيالات إلى المواجهة المباشرة

بدأت إسرائيل تطبيق هذا النموذج منذ سنوات عبر حرب الظل: اغتيال العلماء الإيرانيين، بدءًا من مجيد شهرياري إلى محسن فخري زاده، ثم عبر هجمات سيبرانية مركّزة استهدفت منشآت نووية حساسة مثل نطنز وأراك. لم تكن هذه العمليات تسعى لتغيير شامل، بل لخلق حالة استنزاف مستمرة تمنع إيران من تجاوز ما تصفه تل أبيب بـ “الخط الأحمر”.

توسعت هذه الحرب لاحقًا إلى ضرب الأذرع الإقليمية لطهران – في سوريا ولبنان والعراق – بهدف تعطيل ما يمكن وصفه بـ “الجغرافيا الإيرانية الممتدة”. عقيدة الجيش الإسرائيلي أصبحت ترتكز على “الضرب الوقائي” دون الحاجة لتبني الفعل، وهو ما انعكس في أكثر من 1500 غارة على أهداف مرتبطة بإيران في سوريا وحدها خلال العقد الماضي.

ومع تعقّد الموقف النووي وارتفاع ثقة إيران بإمكانياتها الدفاعية والهجومية، قررت إسرائيل الدخول في المرحلة الرابعة والأكثر خطورة: الاشتباك المباشر. الضربة الأخيرة، بغض النظر عن حجمها أو نتائجها العسكرية، جاءت كمحاولة لتكريس مبدأ أن إسرائيل تحتفظ بحق الضربة الاستباقية في العمق الإيراني متى شعرت بأن “النافذة الزمنية للإجهاز على الخطر” قد بدأت تُغلق. طبعاً فرضت هذه المعادلة كثير من الأسباب بالنسبة لإسرائيل، منها انكفاء إيران عن الإقليم بعد تقليم أظافرها في سوريا ولبنان والعراق، وكذلك الحسم الأميركي الذي طرحه ترمب وإدارته بالحديث عن اتفاق عبر مفاوضات في سلطنة عمان، ومهلة الستين يوماً التي منحها لطهران. بالإضافة إلى الضغط الذي يمثله ملف قطاع غزة المدمّر الذي مارست فيه إسرائيل إبادة جماعية وتسعى لتطبيق التطهير العرقي والتهجير الجماعي لسكانه.

القوة وسيلة لإعادة تشكيل الواقع

السلوك الإسرائيلي ينبع من منظومة أيديولوجية–عسكرية يتبنّاها صناع القرار الإسرائيليون وعلى رأسهم بنيامين نتنياهو، الذي وصف البرنامج النووي الإيراني بأنه خطر وجودي لا يخضع للتفاوض أو التأجيل. ولهذا، فإن فشل الضربة الواحدة لا يعني إعادة تقييم الجدوى، بل فقط تعزيز القناعة بأن الضربات المتكررة هي وحدها القادرة على تحقيق الهدف في التدمير. في هذا السياق، يمكن تلمُّس عودة منطق “عقيدة الضاحية” – التي طُوّرت أثناء حرب لبنان 2006 – لتصبح مرجعية أساسية في السلوك الإسرائيلي العسكري، من خلال استخدام قوة نارية مفرطة ضد العمق المدني أو البنية الحيوية لخلق حالة من الرعب تؤدي إلى تغيير سلوك الخصم. وهو ما نراه الآن في استهداف المدن الإيرانية مباشرة بعد فشل منظومة الردع غير المباشرة.

إسرائيل تدرك أن المواجهة مع إيران لن تُحسم في ضربة واحدة، وأن طهران تمتلك بنية ردع متعددة المستويات. ومع ذلك، فإن المؤسسة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية مستعدة – بل مهيّأة نفسيًا – لـ خوض معركة استنزاف طويلة الأمد. الهدف ليس فقط تحجيم البرنامج النووي، بل كسر إرادة إيران على الاستمرار فيه، حتى وإن كلف الأمر إعادة هندسة المشهد الإقليمي بأكمله. بمعنى آخر، المبدأ الصهيوني لم يعد خطابًا دعائيًا، بل محرّكًا فعليًا لاستراتيجية تراكم القوة، وهو ما يجعل أي تسوية مرحلية لا تُفضي إلى نزع القدرات النووية الإيرانية مجرد “فاصل زمني” في رحلة طويلة من التصعيد المستمر.

الصراع أداة هندسة إقليمية

إسرائيل لم تعد تتعامل مع إيران بوصفها خصمًا بعيدًا، بل بوصفها مهددًا داخليًا للمنظومة الأمنية الداخلية. وبالتالي فإن المنطق السائد في تل أبيب اليوم هو: الصراع ضرورة استراتيجية، لا خيارًا اضطراريًا. ولذلك، فإن كل ضربة، وكل اشتباك، وكل تصعيد، هو جزء من مشهد أكبر يراد له أن يُعيد ترسيم حدود القوة في المنطقة، حتى لو تطلّب الأمر الانزلاق إلى حرب واسعة. أو دفع أطراف أخرى تحت أي ظرف إلى الدخول في المواجهة.

هذا ما يجعل المواجهة الحالية أخطر من سابقاتها: إنها ليست رد فعل، بل تجسيد ممنهج لمبدأ قديم لا يزال يحكم العقل الصهيوني: القوة لا تُمارس فقط للدفاع، بل لإعادة تعريف الواقع وفق موازين إسرائيلية خالصة. ففي العقل الإسرائيلي السياسي والأمني، سقف المفاوضات ليس مسألة مرونة أو تكتيك، بل صيغة نهائية غير قابلة للتأويل. تل أبيب لا ترى في التفاوض مع إيران وسيلة للوصول إلى تسويات مرحلية أو تفاهمات تكتيكية، بل أداة لإجبار طهران على الانصياع الكامل لشروط الردع الإسرائيلي. في هذا السياق، ما يُسمّى “المفاوضات” ليس سوى شكل من أشكال الضغط، لا منصة لتنازلات متبادلة. والسؤال هنا: على ماذا سيتفاوض الأطراف إذا ما جلسوا إلى طاولة المفاوضات؟، أعتقد أن ملف التطبيع أو الاعتراف المتبادل “الإيراني بإسرائيل” و “الإسرائيلي بحق إيران بالطاقة النووية السلمية تحت إشراف دولي” سيكونان قطبان أساسيان في أي عملية مفاوضات مقبلة بعد انتهاء هذه الحرب التي تسعى إدارة نتنياهو لإطالة أمدها، وقد بدأت بوادر ذلك تظهر من خلال تمديد حالة الطوارئ في إسرائيل حتى نهاية الشهر الجاري. وأيضاً لا قدرة للطرفين – وفق المنطق الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والأمني- على تحمُّل كلفة وتبعات الاستهداف المباشر لمراكز حيوية وحساسة وسيادية في ذات الوقت.

العقل الأمني الإسرائيلي

الخط الأحمر الذي يضبط الحركة السياسية الإسرائيلية واضح ومحدد: “لا صفقة بدون تفكيك”، والمقصود بذلك هو التفكيك الكامل غير القابل للعكس للبنية النووية الإيرانية، مع إخضاع كل مراحل الدورة النووية – من التخصيب إلى البحث العلمي – لرقابة دولية صارمة. لا مكان هنا لسيناريوهات مثل العودة إلى الاتفاق النووي السابق، أو تطوير نموذج تفاوضي جديد يكتفي بتجميد مرحلي أو تعطيل جزئي. وفقاً للصحافة الإسرائيلية التي تنقل تقديرات المؤسسة الأمنية في تل أبيب،  فإن أي اتفاق لا يمنع إيران من امتلاك القدرة النووية، حتى لو لم تصل إلى إنتاج السلاح فعلياً، هو تهديد وجودي مؤجل. وهذا ما يُفسّر تشدد نتنياهو في كل خطاباته: “لن ننتظر حتى تُشهر إيران السلاح في وجوهنا”، و”البرنامج النووي الإيراني لا يُمكن احتواؤه، بل يجب تدميره جذرياً”. بالتالي، فإن أي حديث عن مفاوضات يظل مشروطًا بتنفيذ مسبق لا بتفاهم لاحق. وليس الملف النووي وحده هو محل الاشتراط، بل تُضيف إسرائيل شرطًا ثانيًا جوهريًا: وقف كامل ونهائي للدعم الإيراني لأذرعها الإقليمية – من حزب الله في لبنان، إلى الميليشيات في سوريا والعراق، وصولاً إلى الحوثيين في اليمن. في تقدير الإسرائيليين، البرنامج النووي هو التهديد الاستراتيجي، أما الوكالات الإقليمية فهي سلاح إيران التكتيكي الذي يجب نزعه بالتوازي. لذلك، عندما تتحدث أطراف محسوبة على إسرائيل عن “اتفاق”، فإنها لا تشير إلى صفقة دبلوماسية بالمعنى الكلاسيكي، بل إلى استسلام كامل للمطالب الإسرائيلية الأمنية، وهو ما يجعل السقف التفاوضي فعليًا أقرب إلى إنذار استراتيجي منه إلى أرضية حوار. هذا الإنذار يقوم على معادلة واضحة في تل أبيب: تفكيك البرنامج ووقف الدعم الإقليمي لأذرع طهران.

العقل الاستراتيجي الإسرائيلي يرفض كلياً نموذج “الاحتواء الناعم” الذي تؤمن به بعض العواصم الغربية، القائم على ضبط توقيت الوصول إلى القنبلة النووية دون تفكيك البنية التحتية. فبالنسبة لإسرائيل، مجرد امتلاك المعرفة والقدرة التقنية هو تهديد وجودي، سواء استُخدمت القنبلة أم لا. لذلك، فالمعيار الوحيد المقبول إسرائيلياً هو عدم الامتلاك المطلق، لا عدم الاستخدام، فتل أبيب ونتنياهو تحديداً ضد “الاحتواء الناعم لإيران” رافعاً شعاراً لهذه المواجهة يقوم على مقولة: لا مساومات على الزمن. والمفاوضات التي تجري في أماكن مختلفة وفقاً للإعلان الأميركي هي بمثابة غطاء للضغط،  ففي تل أبيب، لا يُنظر إلى التفاوض كفرصة دبلوماسية، بل كأداة ضمن منظومة الردع المتكاملة. الضغط العسكري، التهديد السيبراني، العمليات النوعية، والدبلوماسية الصارمة، كلها أدوات متداخلة في عقل الأمن الإسرائيلي. والمطلوب إسرائيلياً واضح: لا تفاوض بدون تفكيك – لا تخفيف عقوبات دون وقف التموضع – ولا شرعية لأي تراجع تكتيكي من طهران. وبناء على هذا الهرم الثلاثي فإن السقف التفاوضي الإسرائيلي لا يُبنى فوق طاولة المفاوضات، بل يُرسم في غرف العمليات العسكرية، وأروقة الأمن القومي، ومختبرات التقدير الاستخباراتي.

المنطق الإيراني

إيران في هذه المواجهة المفتوحة التي فُرِضت عليها، توظِّف استراتيجية الردع قبل التفاوض، ما يجعل الحدث الحالي يمثِّل منعطفاً نوعياً. فالمعادلة تغيّرت في طهران: لم يعد الحديث عن ميزان رعب غير متماثل، بل عن دستور شرعي عالمي تصرّ عليه إيران مهما كانت كلفته، يقول بأن الرد الفوري والمباشر هو شرط أولي لوجود أية دبلوماسية. ولا مفاوضات في ظل العدوان، ولا طاولة دون إشعال جبهة الرد. يمكن تلمس هذا السلوك في خروج إيران من نمط الحرب بالنيابة إلى استراتيجية الردع الثنائي المباشر. الصواريخ التي أطلقت من أراضٍ إيرانية باتجاه العمق الإسرائيلي لم تكن رسالة رمزية، بل إعلان ميداني عن أن الجمهورية الإسلامية باتت صاحبة اليد العليا في تقرير مستوى الاشتباك. الرد جاء بصيغة مدروسة: إصابة نقاط ذات طابع عسكري وشبه مدني في الداخل الإسرائيلي، بالتزامن مع تهديد واضح وعلني من قائد الحرس الثوري بأن “إيران فتحت أبواب جهنم على إسرائيل”، في توصيف يُحاكي البُعد العقائدي والعسكري في آنٍ معًا. هذه التحوّلات ليست ظرفية. إنما تعبّر عن قرار مؤسسي في طهران بأن كلفة الاستهداف الصهيوني لم تعد تُواجه بضبط النفس الإيراني، بل بالتصعيد الميداني المتدرِّج، بما يُعيد تعريف حدود الاشتباك وقواعده، ويضع الردع الإيراني على قدم المساواة مع “عقيدة الضاحية” الإسرائيلية.

نهاية مرحلة وبداية مبدأ

وبهذا بات واضحاً أن إيران تبنّت قاعدة جديدة تقول إنه لا تفاوض دون رد، فلا يمكن العودة إلى طاولة المفاوضات من موقع الضعف أو تحت ضغط نيران الطائرات والمسيِّرات الإسرائيلية. الردّ يأتي أولاً، ليُنهي اختلال ميزان الردع، ثم يُمكن الحديث عن شروط الدخول في تسوية. بهذا المعنى، المفاوضات لم تعد سبيلاً لاحتواء التصعيد، بل نتيجةً حتميةً له. ومن هنا، يمكن فهم لماذا سارعت طهران إلى الرد الميداني على الاستهدافات الإسرائيلية الأخيرة لمنشآتها النووية أو الاغتيالات التي طاولت قياداتها العسكرية والعلمية، قبل أن يتم الحديث عن أي هامش للمبادرات الدبلوماسية لخفض التصعيد. وهي بذلك تفرض مشهد جديد في منطق قواعد الاشتباك مع إسرائيل: من يهاجم يُضرب، ومن يريد تسوية لا بد أن يدفع ثمن العدوان أولاً. هذا المبدأ نابع من إدراك إيراني مركزي يؤمن أن الضغوط العسكرية لا تسبق الاتفاقات، بل تفجّرها. لذا، فإن الدبلوماسية الإيرانية باتت تجري تحت ظل الصواريخ، لا ظل التنازلات.

وسقف التفاوض الإيراني يُبنى بأن طهران تريد ضمانات لا وعوداً في رفع غير مسبوق لسقف التفاوض النووي، يطيح بشكل نهائي وتام بعقيدة الضربات الاستباقية التي تروّج لها تل أبيب دائماً. في هذا السياق، تبدو كل التصريحات الأميركية الأخيرة. بما فيها الحديث عن أن الوقت لم يفت بعد أمام إيران، مجرّد استغاثات تفاوضية في ظل واقع سياسي وعسكري تجاوز قدرة واشنطن وتل أبيب على إدارة الإيقاع.

وأمام هذا لا تستند الاستراتيجية التفاوضية الإيرانية المقبلة إلى أوراق سياسية فقط، بل إلى ردع مرحلي متراكم. الهجوم لا يكون شاملاً دفعة واحدة، بل يُقسّم على مراحل، كل مرحلة تحقّق هدفًا تكتيكيًا وتُمهّد لتنازل تفاوضي من الطرف الآخر. هذا ما يُسمّى في العقل الأمني الإيراني بـ”التفاوض بالنار”، أو “الكرّ الاستراتيجي”. وفي هذا تسعى إيران إلى تحقيق الاحترام القسري للقوة: فكما أنّ إسرائيل تحشد طيرانها لضرب المنشآت، فإن إيران تُعلن بكل وضوح: لدينا القدرة على إسقاط قواعد الاشتباك التقليدية، والذهاب إلى ما هو أبعد مما يتوقّعه العدو. وهذا ما يمكن تسميته بدبلوماسية ما بعد اللهب الإيراني، عبر التفاوض بالقوة لا بالرموز والشعارات ليكون الردع المرحلي القوي والممكن والواقع في آنٍ معاً أداة ضغط أساسي في الصورة الجديدة. وما يجري ليس استعراض عضلات، بل إعادة تأسيس للإقليم. ومن هنا فإن طهران وتل أبيب تسعيان لفرض شروط التهدئة بمعادلات غير تقليدية. إن لم يتم الاعتراف بالقواعد الجديدة، فإن الطريق نحو تصعيد طويل الأمد سيُصبح قدَر المنطقة.

العرب.. تموضع وسط النار

لم تعد المواجهة بين إسرائيل وإيران شأنًا ثنائيًا يمكن مراقبته من الشرفة العربية. فالمسافة بين المتفرّج والمتورط قد تلاشت تماما، ولم يعد العرب قادرين على التموضع في “منتصف النار” دون أن تحترق أطرافهم. لقد تحوّلت الجغرافيا العربية، بحكم تداخل المصالح والمساحات والمجالات السيادية، إلى امتداد فعلي لجبهة الحرب. إنهم في قلب الصراع، لا على هامشه. فالغارات الإسرائيلية أو الصواريخ الإيرانية التي تخترق الأجواء السورية أو العراقية أو الأردنية لا تمر دون أثر. وصمت العواصم العربية لم يعد يُشكّل عزلة دبلوماسية آمنة، بل صار يُفهم كاصطفاف مضمر أو تواطؤ ضمني. والثنائية مستحيلة هنا إما إسرائيل أو إيران؟ وبذلك فإن الاصطفاف لم يعد خيارًا بسيطًا. فالخيار بين إسرائيل وإيران أشبه بالاختيار بين زلزال وحريق. إيران، وإن حملت في ظاهر خطابها شعارات “تحرير القدس” و”محور المقاومة”، فإنها عمليًا أنهكت البنى السياسية والأمنية في العراق وسوريا ولبنان، وحوّلت أراضي هذه الدول إلى “منصات تهديد متقدمة” في مواجهتها الطويلة مع إسرائيل. فضلاً عن عبثها بالعقد الاجتماعي والسياسي لتلك الأقطار العربية عبر العقود الماضية. أما إسرائيل، فبعقيدتها الأمنية القائمة على الردع الاستباقي وتفوق السلاح، فإنها تتعامل مع العرب كـفراغ أمني قابل للتوظيف، لا كأطراف مستقلة. تضرب في العمق السوري، تخترق العمق اللبناني، وتُراكم نفوذًا استخباراتيًا في المشرق ككل، تحت عنوان “محاربة التهديد الإيراني. أمام هذه الثنائيات، يضيع الصوت العربي، وتتآكل السيادة، وتصبح كل عاصمة مرشحة لتكون ضحية جديدة.

أزمة المشروع لا الموقع

الخلل الأكبر ليس في الموقع العربي ضمن الصراع، بل في غياب مشروع عربي مستقل تجاهه. العرب ككتلة بشرية وسياسية يفتقرون إلى القدرة والقرار. التحالفات تتصدع تحت وطأة الأولويات الأمنية. دول الطوق منهكة داخليًا وغير قادرة على التأثير. لا توجد صيغة ردع عربية، ولا إطار تفاوضي عربي جامع، ولا حتى لغة سياسية موحّدة تجاه تطورات تمسّ مباشرة الأمن القومي لكل دولة. والصمت العربي في هذا الصراع ليس موقفًا عقلانيًا، بل دليل عجز استراتيجي. فإسرائيل تقاتل لفرض هندسة أمنية إقليمية تتجاهل العرب، وإيران تقاتل على أرضهم، عبر وكلاء ينتسبون لها أكثر مما ينتسبون لعواصمهم الأصلية. وبالتالي فإن الحياد  في هذه الحرب وهم. وتحييد الذات مستحيل. للخروج من هذا المأزق يراهن البعض على سياسة النأي بالنفس أو الحياد الإيجابي، لكن ما يجري اليوم يتجاوز تلك الحسابات. كيف يمكن الحياد وإسرائيل تستخدم الأجواء العربية لتنفيذ غارات على الأراضي السورية؟ كيف يمكن الحياد وإيران تُسلّح ميليشيات داخل الجغرافيا العربية تحت عنوان الردع؟ كيف يمكن الحياد ولبنان مهدد بالانفجار في أي لحظة، وسوريا التي تغرق في أزماتها الداخلية مهددة بتفكك نسيجها الاجتماعي؟.

العرب أول من يدفع الثمن

إذا انزلق الصراع إلى مواجهة شاملة بين إيران وإسرائيل، فالعرب سيكونون أول من يدفع الكلفة الباهظة لذلك، عبر انهيار الهياكل الهشة في لبنان وسوريا والعراق. فضلاً عن استهداف المنشآت النفطية والموانئ الخليجية. وما يليه من تعطيل خطوط التجارة البحرية في باب المندب والخليج. وهذه الظروف بطبيعة الحال ستؤدي إلى تصاعد حركات التطرف المسلّح التي تجد في الفوضى الكبرى فرصة للعودة. فالفراغ الاستراتيجي العربي سيتحوّل إلى حفرة تمتصّ الاستقرار الهش الذي ما زال قائمًا.

هل يمكن تجاوز كل ما سبق عربياً؟ نعم، أو ربما من خلال تشكيل أو إطلاق مبادرة عربية استباقية، تتجاوز فكرة الوساطة إلى هندسة جديدة للأمن الإقليمي، منطلقين من قاعدة أنهم ليسوا جزءاً من الحرب لكنهم في جغرافيتها وميدانها، فالمطلوب ليس الانحياز، بل فرض قواعد اشتباك إقليمية تُمنع فيها الأطراف الدولية من استباحة المجال العربي. المطلوب ليس الصراخ السياسي، بل مأسسة موقف دبلوماسي عربي منضبط، يجرّ الصراع نحو آلية تفاوض لا تتجاوز العواصم العربية. فالمعركة اليوم أكبر من البيانات، وأعمق من الحسابات الثنائية، وأخطر من الانتظار. ورغم حساسية وجود إسرائيل في الثنائية ” إسرائيل وإيران” فإن الواقع الحالي يفرض معادلة جديدة إن لم ينتبه لها العرب فإن المشروع الصهيوني قاب قوسين أو أدنى من الاكتمال في حال انتصار إسرائيل، وكذلك المشروع الفارسي قاب قوسين أو أدنى في حال انتصار إيران، لذلك فإن البحث عن الحلول الوسط التي تضمن وجود مشروع عربي قابل للموازنة هو الملاذ الأخير الذي يمكن الاشتغال عليه الآن، و إلا سنكون جميعاً وقودًا لصراع لا نملك فيه اليد العليا. العرب مطالبون بالعودة إلى مركز الطاولة، لا كمجرد مراقبين، بل كصانعي وفارضي الشروط. وفي لحظة يتكثف فيها التصعيد وتغيب فيها التفاهمات. إن لم يحصل ذلك الآن وليس غداً أو بعد ساعات، فإن المنطقة مقبلة على خرائط جديدة لن تكون فيها العواصم العربية الكبرى أكثر من نقاط عبور أو نقاط اشتعال. وبالتالي يكون المشهد الختامي إما أن يصوغ العرب معادلتهم، أو سيُصاغوا في معادلة الآخرين.

تلفزيون سوريا

——————————-

دمشق «على مسافة عداء واحدة» من تل أبيب وطهران/ سعاد جرَوس

السلطات الجديدة «حذرة جداً» حيال التصعيد في المنطقة وتسعى لتجنب ارتداداته

15 يونيو 2025 م

لا تزال دمشق في موقع المتفرج الحذر أمام الصراع الدائر بين إسرائيل وإيران، الذي يهدد منطقة الشرق الأوسط ككل، حيث تتابع وسائل الإعلام الرسمية وقائع الضربات المتبادلة كخبر أول وتفرد القناة التلفزيونية الإخبارية مساحات واسعة من البث لمتابعة وتحليل مجريات الأحداث، وذلك فيما تلقت دمشق نصائح تركيا بالبقاء خارج دائرة الاصطدام.

ورغم صدور إدانات عربية وإقليمية للهجمات الإسرائيلية، لم يصدر موقف أو بيان رسمي سوري في هذا الشأن. وكان لافتاً أن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان الذي اعتبر إدارة نتنياهو تجر المنطقة والعالم إلى كارثة، واصفاً أفعال إسرائيل بـ«المتهورة والعدوانية وغير القانونية» وأنها استفزاز واضح وتجاهل للقانون الدولي، نصح الرئيس السوري أحمد الشرع «بإبقاء سوريا خارج نطاق المواجهة، وتجنب جرّها إلى دائرة الصراع الإقليمي»، وذلك في مكالمة هاتفية، يوم السبت، بحث خلالها التصعيد المتسارع بين إسرائيل وإيران، وعدداً من القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، وفق ما أعلنته الرئاسة التركية.

وتشير المعطيات على الأرض إلى أن دمشق ليست في وارد الانخراط بأي نزاع، فهي على مسافة عداء واحدة مع الطرفين، حسب مصادر قريبة من الحكومة بدمشق، قالت لـ«الشرق الأوسط» إن «الوضع السوري الهش وأولويات إعادة تشكيل وبناء الدولة لا يحتمل تصدير مواقف غير محسوبة بدقة بين خصمين، كلاهما ساهم بتدمير سوريا».

ولفتت إلى أن دمشق «حذرة جداً» حيال التصعيد في المنطقة، وتسعى لتجنب ارتداداته، فهي منذ تسلمها السلطة وضعت ملف معالجة التعامل مع إسرائيل على الطاولة العربية والإقليمية، كما دعت إلى التفاوض وتطبيق اتفاق فض الاشتباك 1974، دون استبعاد التوصل إلى اتفاق سلام لاحقاً. وحافظت على هذا الموقف رغم الاستفزازات الإسرائيلية والتوغل في الأراضي السورية، ومواصلة توجيه ضربات إلى المواقع العسكرية.

أما إيران، فهي لا تزال خصماً رغم انسحابها من سوريا، ولا تزال تحاول التدخل وتهديد أمن واستقرار سوريا. إلا أن ذلك لا يلغي قلق دمشق من الضربات الإسرائيلية الواسعة ضد المواقع العسكرية والمفاعلات النووية، وما قد يترتب عليها من تداعيات وتأثيرات تهدد استقرار المنطقة عموماً، مع تنامي انفلات عقال الغطرسة الإسرائيلية. واستبعدت المصادر أن يصدر عن دمشق موقف ضد أي طرف، «إلا في حال تم المساس بسوريا بشكل مباشر».

على الصعيد الشعبي، عدا الشعور بالقلق من احتمالات تأثير ضرب المفاعلات النووية على المنطقة، هناك شعور بالارتياح لدى السوريين بأن المواجهة بين إسرائيل وإيران تحصل خارج الأراضي السورية، مع أن «صواريخ وطائرات الطرفين تعبر السماء السورية وتهدد أمن وحياة الأهالي».

وقالت مصادر مواكبة إن إيران كانت تستخدم الأراضي السورية واللبنانية جبهة بعيدة عن أراضيها في الصراع مع إسرائيل، وكانت سوريا ولبنان تتكبدان الخسائر المباشرة، لكن الآن تم تحييد ساحة سوريا، ودمشق عينها على تحقيق الاستقرار ولا ترغب بفتحها مجدداً.

وتشهد السماء السورية عبوراً للطيران الإسرائيلي وللصواريخ الإيرانية، ويتابع السوريون في الأماكن المفتوحة حركة المسيرات وصليات الصواريخ العابرة لأجوائهم، ومنهم من وثق ذلك بمقاطع فيديو يجري تبادلها في وسائل التواصل. وسقطت صباح الأحد طائرة مسـيّرة إيرانية بعد اعتراضها من قبل إسرائيل فوق قرية الطليعي بريف صافيتا التابعة لمحافظة طرطوس على الساحل السوري، وحسب مصادر محلية، ما أدى لاحتراق منزل وإصابة امرأة بحروق خطـيرة.

ويوم الجمعة، سقطت بقايا مخلفات صواريخ في ريف درعا خلال عبورها الأجواء السورية إثر قصف متبادل بين إسرائيل وإيران، ورجح سكان أن تكون البقايا خزان وقود فارغاً لطائرة حربية. كما سقطت بقايا مخلفات صواريخ إيرانية فوق مدينة إنخل وقرب مدينة الصنمين شمال درعا.

الشرق الأوسط

——————————-

الرمال المتحرّكة في الشرق الأوسط… ما بعد تفكيك “الممانعة”/ محمد أبو رمان

17 يونيو 2025

تعكس الحرب الإسرائيلية الإيرانية تحوّلاً في نمط الديناميكيات التي تحكم العلاقات الإقليمية في الشرق الأوسط، وهي ترجمة لتطوّر مهمّ على صعيد النظرية الأمنية الجديدة في إسرائيل، والتحوّل من المنظور الدفاعي في الأمن إلى مفهوم الهجوم والهيمنة، والتوسّع في القدرة على الردع إلى مسافات بعيدة، تمتدّ من شرق إيران إلى جنوب اليمن، وإزالة مصادر التهديد الرئيسة، التي تشكّلت بصورة متدحرجة منذ احتلال العراق، وصعود النفوذ الإيراني، وصولاً إلى معركة طوفان الأقصى، التي شكّلت (قبل نحو عامين) الانعطافة الكبيرة لانتقال إسرائيل نحو المفاهيم الأمنية الإقليمية الجديدة.

لم يكن رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو يبالغ عندما أعلن منذ بداية “طوفان الأقصى”، ثمّ حرب الإبادة الإسرائيلية على غزّة، أنّه سيغيّر وجه الشرق الأوسط، فقد كانت تلك اللحظة بمثابة “صافرة البداية” لإطلاق مشروع اليمين الإسرائيلي، ومشروع نتنياهو تحديداً، على صعيد الداخل الإسرائيلي والعلاقة مع الفلسطينيين، وحتى في الإقليم، والانتقال به من مرحلة التفكير والتخطيط إلى برنامج عملي قيد التنفيذ، بدايةً من تدمير غزّة، وإنهاء دور “حماس” والقضاء عليها، ثمّ حزب الله، لكنّ الجائزة الكُبرى التي كان يسعى إليها “رأس البرنامج النووي الإيراني”.

قضى نتنياهو على أذرع إيران وأطرافها، وبدأ أخيراً بـ”رأس الأخطبوط”، وقد تمكّن (حتى اليوم) من تأخير البرنامج النووي الإيراني أعواماً أخرى، وفق تقديرات مُعلَنة من إسرائيليين، وعلى الأغلب سيعمل مع الإدارة الأميركية، بعد انتهاء الحرب، على الضغط على النظام الإيراني للقبول بتنازلاتٍ أخرى على صعيد البرنامج النووي، ثمّ تحييده إقليمياً، وربّما التخلّص منه من الداخل، عبر إضعاف مصادر شرعيته الأيديولوجية.

صحيحٌ أنّ طهران تمكّنت من الصمود، وتجاوزت بدرجة نسبية النتائج الكارثية للضربة الأولى، ووجّهت ضربات قاسية لإسرائيل، لكن “هيكل موازين القوى” الدولية، والدور الأميركي الذي يراقب وينتظر لحظة التدخّل المناسبة، دبلوماسياً أو عسكرياً، يجعل من الأفق المقبل محدوداً أمام المدى الذي يمكن أن تحقّقه إيران في مواجهة إسرائيل.

المرحلة المقبلة في “المشروع الإسرائيلي الأميركي” في المنطقة تتمثّل في إنهاء النفوذ الإيراني في العراق، بعد لبنان، وسقوط النظام في سورية، وتدمير البنية العسكرية لحركة حماس في غزّة، وإنهاء حكمها، وستعمل أميركا على إضعاف النفوذ الإيراني، وقد بدأ (بمنطق التطوّرات الجارية) يتراجع لأسباب تتعلّق بطبيعة النفوذ الإيراني، والأخطاء في إدارته وتعامله مع جيل الشباب العراقي، أولاً، وثانياً بتخلّي إيران الواضح عن حلفائها، ما أثار لديهم تساؤلاتٍ عن معنى العلاقة مع طهران طالما أنّهم أدوات وليسوا شركاءَ حقيقيين في الغنم والغرم، وطالما أنّ إيران لا تستطيع حمايتهم في نهاية اليوم. تفكيك محور الممانعة إذاً هو أحد أهم متغيّرات المرحلة الإقليمية الجديدة، فإيران لم تعد قائمةً قوةً إقليميةً، وستتّجه في المرحلة المقبلة إلى معالجة مشكلات داخلية كبيرة، وربّما فوضى سياسية، وتعزيز حالة الاستقطاب مع تراجع قوة الاتجاه المحافظ ونفوذه، بعد النكسات العسكرية والسياسية.

في الجهة المقابلة، صعود دور القوى ما دون الدولة (Non State Actors) أو أشباه الدولة (Semi- State Actors)، الذي ميّز المرحلة الانتقالية السابقة، سينتهي هو الآخر كذلك، أو بدأ بالتراجع، إذ كانت الاستراتيجية الإيرانية تعتمد بدرجة كبيرة على دور المليشيات المزدوج، عسكرياً وسياسياً، من جهة، وتستثمر حالة الفوضى وتفكّك وفشل عدد من الدول، من جهةٍ أخرى، فدور حزب الله يعاد تأطيره ضمن الحالة اللبنانية، وهيئة تحرير الشام تحوّلت من إمارة في إدلب إلى حكومة يفترض أن تسيطر على الإقليم السوري بكامله، وانتهى دور المليشيات القريبة من إيران في سورية، وحركة حماس انتهت عملياً حكومةً في غزّة، والحشد الشعبي والقوى التي تضع قدماً في السلطة، وتتمتّع بمليشيات عسكرية خارجها، هي أيضاً تحت طائلة التنظيم والتأطير في المرحلة المقبلة. ويبقى الحوثيون، وهم خارج الإطار الجغرافي السياسي لمنطقة الشرق الأوسط، لكنّهم سيكونون أيضاً جزءاً من عملية ترتيب الأوضاع. ماذا عن قواعد اللعبة الإقليمية وسؤال الهيمنة والقوة وموازين القوى؟

يريد نتنياهو (بالسياسة الراهنة) توليدَ نموذجٍ جديد لإسرائيل، “وحشاً إقليمياً” في المنطقة، يمتلك القدرة على الردع، ولا منافس له على الصعيد العسكري، وهو الأمر الذي يسعى إلى تحقيقه من خلال تدمير قدرات إيران العسكرية، وتقزيم دورها الإقليمي، ما يمهّد الطريق للعودة إلى فكرة “السلام الإقليمي” (Regional Piece)، التي تبلورت قبل أعوام، وأنجبت الاتفاقات الإبراهيمية، التي تتجاوز شرط إنهاء القضية الفلسطينية، كما كانت الحال سابقاً في شرط التطبيع العربي، الذي تكرّس مع المبادرة العربية للسلام في العام 2002 (الانسحاب من كل الأراضي العربية المحتلة مقابل تطبيع العالم الإسلامي مع إسرائيل).

يقوم المنظور الإسرائيلي الجديد على أنّ القوة العسكرية تكرّس دوراً جديداً لإسرائيل، وتطوير علاقتها مع الجوار، وتتويج ذلك بالتطبيع والسلام مع السعودية، لكن ذلك يقفز عن التحوّل الكبير في الإدراك لدى السعودية، منذ أحداث 7 أكتوبر (2023)، وقد رصده الباحث الأميركي المعروف ولي نصر في مقالة مهمّة له (نشرها في Foreign Affairs أخيراً)، بعنوان: “توازن القوى الجديد في الشرق الأوسط”، إذ إنّ الدور الإقليمي المتصاعد للسعودية، والتقارب السعودي الأميركي في عهد ترامب، يقوم اليوم على إعادة تأسيس ميزان قوى جديد في المنطقة، ليس مع إسرائيل، بل في مواجهة إسرائيل والسلوك العدواني لنتنياهو، وكان واضحاً على سبيل المثال الحرص السعودي على إدانة العدوان الإسرائيلي على إيران، وعلى التعزية بالشهداء الإيرانيين الذين سقطوا في الهجمات الإسرائيلية، وعلى النقد المستمرّ لنتنياهو، وجعل شرط التطبيع إقامة الدولة الفلسطينية.

لا يمكن القفز بالضرورة عن العامل العسكري في موازين القوى، وهو اليوم (إذا تمّ تحييد إيران وإضعافها)، يميل لصالح إسرائيل بالكلّية، مع تخلّي العرب منذ فترة طويلة عن خيار الحرب والصراع المسلّح، على مستوى الحكومات والأنظمة، إلّا أنّ الانفراد الإسرائيلي سيكون عسكرياً، ولن يكون مقبولاً ولا شرعياً من دول المنطقة، بل يعزّز اليوم حالةً من التقارب الملحوظ بين السعوديين والأتراك والأردن ومصر وقطر والإمارات، وهي حالة إقليمية تقودها السعودية اليوم، التي تمتلك علاقات جيّدة وقوية مع أوروبا وأميركا، وحتى مع الصين وروسيا، وقد تتضاعف الأزمة مع إسرائيل بخاصة إذا ما انتقل نتنياهو في المرحلة المقبلة خطوات أخرى في تدمير مفهوم الدولة الفلسطينية في القدس والضفة الغربية.

لا تزال الرمال متحركةً في منطقة الشرق الأوسط، والديناميكيات في مرحلة التحوّل والتغيّر المستمرّة، وقواعد اللعبة غير راسخة ولا مستقرّة، لكن بالضرورة حلم الهيمنة الإسرائيلية على المنطقة لن يجلب سلاماً إقليمياً ولا استقراراً، بل مزيداً من الأزمات والمشكلات والفوضى.

العربي الجديد

——————————-

 هل انتهى عهد التخادم بين حلف الممانعة وإسرائيل؟/ حسن النيفي

2025.06.17

عاشت المنطقة العربية، منذ أوائل ثمانينيات القرن الماضي، على مفصل جديد من هاجس المواجهة الدائمة مع الكيان الصهيوني، وذلك تزامنًا مع وصول الخميني إلى السلطة في إيران (1979) وشروع طهران في استراتيجيتها القائمة على التوسع والهيمنة في محيطها الإقليمي، ونزوعها الدائم لتعزيز فكرة “تصدير الثورة”.

وقد وجدت في نظام حافظ الأسد – آنذاك – حليفًا يمكن الركون إليه، نظرًا لحاجته إلى مقوّمات داعمة لاستمرار سلطته وبقائها ممسكةً بما يسمّى “مفاتيح الصراع العربي–الإسرائيلي”.

واقع الحال يؤكّد أن كلا النظامين – الأسدي والإيراني – لم يكن يستمدّ مشروعية سلطته من أي مشروع ذي صلة بمسائل التنمية الداخلية أو رفع سويّة الواقع الحياتي، أو التطوير أو تحديث بنى مؤسسات الدولة بما يعود على المواطنين بالنفع العام، بل إن مشروعات كهذه كانت مصادرةً كلّيًا لصالح فكرة “المواجهة مع العدو الخارجي” المتمثل بإسرائيل وحليفتها أميركا.

علمًا أن تلك المواجهة المزعومة لم تكن قائمة كمنهج وممارسة، بقدر ما كانت مجرّد “فلسفة سلطوية” تستلهم قضية فلسطين على مستوى الشعارات والتجييش واستنفار الوجدان الشعبي لدى الشعوب العربية والإسلامية. إلا أنها، من ناحية عملية، لم تجد في قضية فلسطين أو الجولان أو مناهضة الصهيونية سوى “منجم للتذخير الإعلامي” من شأنه توفير أكبر قدر من الاستثمار الأيديولوجي الشعبوي الخادم لمشروع الحفاظ على السلطة وتأمين عوامل استمراريتها.

وتأسيسًا على ذلك، وجدت طهران من يقف إلى جانبها أو يحظى بتعاطفه في حربها على العراق طوال ثماني سنوات (1980–1988)، إذ ظهر آية الله الخميني آنذاك، في عيون أنصاره، بل في عيون بعض العرب والمسلمين، كمخلّص أو منقذ للأمة، وكقائدٍ لن يحول بينه وبين تحرير القدس سوى النظام العراقي “الكافر” وفقًا لإعلام طهران.

وعلى الرغم من إخفاق إيران في التمدد نحو دول الخليج العربي آنذاك، لعدم قدرتها على تحقيق نصر عسكري على العراق، إلا أن مشروعها التوسّعي لم يتوقف، بل توجّه نحو لبنان واليمن وسوريا، ليجعل من تلك البلدان مجالًا حيويًا لأذرعها التي راحت تتغوّل داخل بنية الدولة حتى تحوّلت إلى سلطة تنازع السلطة الشرعية صلاحياتها وواجباتها. وتكفي الإشارة – في هذا السياق – إلى معاناة الشعب اللبناني الذي تجرّع ويلات عدة حروب لم يكن هو صاحب القرار فيها، بل كانت إيران هي صاحبة القرار عبر ذراعها الطائفية المتمثلة بحزب الله.

لعله من المفيد ذكره دومًا، أنه على الرغم من ارتفاع وتيرة السخونة الإعلامية بين إسرائيل وإيران، إلا أن الطرفين لم تحصل بينهما مواجهة عسكرية مباشرة طوال (44 سنة: 1980–2024)، بل يمكن القول إن الناظم لعلاقة الطرفين هو مفهوم “التخادم” الذي لم ينقطع حتى في أحلك الظروف، بما في ذلك التعاون العسكري، وهذا ما كان قائمًا بالفعل في أثناء الحرب العراقية–الإيرانية.

إلى ذلك، لم يكن نظام دمشق – بصفته الحليف الأهم لإيران – أقلّ التزامًا بمفهوم “التخادم” مع الجانب الإسرائيلي، بل ربما كان سلوك نظام الأسد هو الأكثر تجسيدًا لذلك، إذ يكفي أنه قدّم نموذجًا شديد الالتزام بحماية الحدود الجنوبية لإسرائيل لأكثر من نصف قرن.

لعل مفهوم “الممانعة والمقاومة”، بجانبه الشعاراتي، لدى كل من طهران ودمشق، قد حرم الشعبين السوري والإيراني من أية فرصة تنموية حقيقية، كما جعلهما محرومين من مجمل حقوقهما الدستورية والإنسانية، في ظل نظامين شموليين صادرا الحقوق، وأوغلا في القمع والإقصاء، وجعلا بلديهما نموذجين للتسلّط والتغوّل على حقوق المواطنين، والإمعان في القتل والاعتقال والتشريد. ولعلها من المفارقات النادرة في الأعراف “النضالية لحلف الممانعة” أن يتلازم مفهوم التصدّي للعدو الصهيوني مع مزيد من العدوان على المواطن، وكلّما ازداد خضوع الحاكم وارتهانه لقوى الخارج، ازداد صلفه وارتفعت وتيرة قمعه وإذلاله لمواطنيه. وبهذا يكون استمرار التمسّك بشعار “المقاومة” ضروريًا باعتباره يجسد حاجة سلطوية أكثر مما هو تعبير عن موقف حقيقي من الكيان الصهيوني.

لعله من الخطأ القول إن هزيمة أنظمة “الممانعة” جاءت نتيجة منطقية لعدم تكافؤ موازين القوى العسكرية، أو لأسباب ذات صلة بتفوّق استراتيجية عسكرية على أخرى، علمًا أن هذا الأمر يبقى قائمًا في نهاية المطاف، ولكن العامل الأهم في هزيمة هكذا أنظمة هو عامل داخلي ذو صلة مباشرة بطريقة تفكيرها وسلوكها معًا. إذ استلهمت تلك الأنظمة مقاربتها في الحكم من “فلسفة سلطوية” قوامها القدرة على استثمار الشعارات ذات الصلة بالقضايا الكبرى، موازاةً مع الاعتماد على فكرة “التخادم” القائمة على تبادل المصالح مع الخارج. وهاتان المسألتان – الشعارات الكبرى والمصالح – محكومتان بمعطيات وظروف محدّدة، وليستا مطلقتين، كما أنهما مشروطتان أيضًا بقدرة نظام الحكم على إعادة إنتاج نفسه وفقًا للمستجدّات الإقليمية والدولية. وهذا ما تفتقر إليه أنظمة “الممانعة” التي مُنيت بتعفّنٍ شديد لا يتيح لها سوى اجترار كامل موروثها من القذارة.

لقد أبدت إسرائيل حرصًا واضحًا على بقاء نظام الأسد طوال سنوات الثورة، ولكنها لم تبدِ كثيرَ أسفٍ على سقوطه، حين لم يعد قادرًا على الاستجابة لشروط “التخادم” الذي كان قائمًا طوال الفترة السابقة، وبات عبئًا حتى على حلفائه المقرّبين.

وكذا الشأن مع النظام في طهران، الذي لم تكن سياساته التوسعية ونزوعه نحو الهيمنة في المنطقة العربية بعيدين عن أعين الصهاينة. وكذلك لم تكن ميليشيات إيران في سوريا ولبنان خافية عن طائرات إسرائيل طوال السنوات الماضية، بل لم تكن مجمل الجرائم التي ارتكبتها إيران وميليشياتها الطائفية بحق السوريين موضع إدانة من الكيان الصهيوني، طالما أن تلك الجرائم لا تمس مصالح إسرائيل، بل ربما كانت خادمة لها بأشكال مختلفة.

كذلك لم يكن المسار التفاوضي مع إيران بخصوص مشروعها النووي مقلقًا لإسرائيل، طالما أن مخرجات التفاوض لن تفضي إلى امتلاك إيران للسلاح النووي، الذي من شأنه إحداث تغيير في موازين القوى على الأرض. ولكن الذي حدث أن إيران، إبان عودتها إلى المفاوضات النووية، لم تأخذ بعين الاعتبار تداعيات حرب السابع من أكتوبر، وكذلك لم تأخذ بعين الاعتبار هزيمة أهم حليفين لها في لبنان وسوريا. وربما دفعها توهّمها بأن مفهوم “التخادم”، بصيغته التقليدية، ما يزال ساري المفعول، من دون النظر إلى المعطيات الجديدة المتمثلة بتجريد إيران مما كانت تظنه أوراق قوة بيدها. ما تتجاهله إيران هو أن المطلوب منها اليوم هو الإذعان وليس التفاوض، وأن استمرارها في المكابرة عن الرضوخ لهذا الإذعان لن يتيح لها خيارًا أقلّ إذلالًا وإهانة.

هزيمةُ أنظمةِ “الممانعة” أمام الكيان الصهيوني ليست مجرّد فضيحة عسكرية أو سياسية، بل فضيحة أخلاقية كبرى، ليست أمام إسرائيل، بقدر ما هي أمام الشعوب التي سُلب منها قوتها، وحُرمت من أبسط حقوقها، وتحمّلت قدرًا فظيعًا من الجور والحرمان، بذرائع لا تنطوي سوى على المزيد من الزيف والكذب.

وهذا ما يجعل هزيمة تلك الأنظمة أمرًا غير مأسوف عليه من جانب الشعوب، ليس شماتةً بزوال طغمة ظالمة قاتلة فحسب، وليس تعاطفًا مع الخصم الصهيوني، بل أملًا بحلول عهد جديد، لا يكون فيه مصير الشعوب مادّةً لمقامرات الطغاة من أجل السلطة.

تلفزيون سوريا

———————————-

 إسرائيل أبعد من مجرد ضربة ضد إيران ومشروعها النووي/ ماجد عزام

2025.06.17

لا يمكن الجدال في حقيقة أن الضربة الإسرائيلية استهدفت أساسًا المشروع النووي الإيراني، بقواعده ومؤسساته وبُناه التحتية، لكنها استهدفت أيضًا مسؤولين كبارًا، فيما يشبه تعمّد الإهانة والصفعة للقيادة الإيرانية.

وإلى ذلك، وكما هي العادة، فإسرائيل لا تملك سياسة خارجية بل داخلية فقط، كما قال ذات مرة وزير الخارجية الأميركي الأسبق، وأحد أهم مفكري العصر، هنري كيسنجر.

ومن هنا، ثمّة أسباب سياسية وحزبية داخلية أخرى تخص رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وحساباته التي قد لا تتعلّق بالضرورة بإطالة بقائه في السلطة، وإنما بالخروج منها عبر الباب الكبير، وتخليد إرثه، ومحو عار وخطايا وتقصير 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، التي لا ولم ولن ينساها الإسرائيليون عن حق، بعدما عجزت حكومتهم وجيشهم عن حمايتهم، رغم تدمير غزة عن بكرة أبيها وإعادتها سنوات، بل عقودًا طويلة إلى الوراء.

إذًا، وجّهت إسرائيل صباح الجمعة ضربة تبدو قاصمة أو مؤثّرة جدًا ضد البُنى التحتية النووية، وأهم المنشآت في نطنز وفوردو وكرمانشاه وأصفهان، كما استهدفت منظومات الدفاع الجوي، ومستودعات الصواريخ البعيدة المدى والطائرات المسيّرة، والصف الأول من القادة العسكريين في الجيش والحرس، أي أنها قضت في الضربة الأولى على مكامن وأُسس القوى الإيرانية “الهشة” الأربعة، بل الخمسة، التي تشمل: المشروع النووي، منظومات الدفاع الجوي، الصواريخ الباليستية الطويلة المدى، الطائرات المسيّرة، وعرّابي المشروع النووي من الصف الأول في الجيش والحرس. ما أبقى إيران مغلولة بصواريخ “غبية”، ونهج دعائي صاخب أقرب إلى البروباغندا – “الميغافون” المعتادة.

تشبه ضربة الجمعة ما حصل في نكسة/نكبة حزيران (يونيو) 1967، علمًا أن وزير الدفاع السابق، يواف غالانت، كان قد وصف هجمات تشرين الأول/أكتوبر العام الماضي ضد منظومات الدفاع الجوي ومستودعات الصواريخ الإيرانية بأنها تشبه عملية “الموقد” (موكيد بالعبرية)، التي افتتحت بها إسرائيل حرب حزيران 1967، وأخرجت المطارات ومكامن القوة للدول العربية الثلاث من الخدمة، والحرب التي انتهت عمليًا في ست ساعات لا ستة أيام.

زعمت إسرائيل كذلك أن الطريق باتت متاحة ومفتوحة أمامها عسكريًا منذ هجمات تشرين الأول/أكتوبر الماضي، وأن إيران كانت بصدد إعادة بناء منظومات الدفاع الجوي، كما إعادة تصنيع كميات كبيرة من الصواريخ الباليستية الطويلة المدى، بعد صفقة مع الصين حصلت خلالها على كميات ضخمة من بيروكلورات الصوديوم، وهي المادة المركزية في تصنيع الوقود الصلب للصواريخ الطويلة المدى.

وكان قد جرى تفجير جزء منها في عملية غامضة بميناء رجائي في مدينة بندر عباس (نيسان/أبريل الماضي)، قبل أن تحصل إيران على شحنات إضافية منها.

أظهرت ضربة الجمعة حجم الاختراق الأمني الإسرائيلي الكبير لإيران، ولمؤسساتها وأجهزتها وعمقها الأمني، حيث وصلت إلى حد قيام جهاز الموساد بعمليات على الأرض تمهيدًا ومواكبة للضربة الجوية الأولى، وشملت اغتيالات لعلماء، وتدميرًا لمنظومات الدفاع الجوي والصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة.

الظروف العسكرية الملائمة، بحسب تل أبيب، تتعلّق كذلك بالتطوّرات في المنطقة، مع تحييد الأذرع والميليشيات الإيرانية، خصوصًا الذراع الإقليمي المركزي لطهران “حزب الله”، وتحجيم الحشد والحوثي، وإسقاط النظام السوري، الذي كان بمنزلة العمود الفقري لـ”إمبراطورية الدم والوهم” الفارسية، التي كانت عاصمتها الحركية بغداد، بينما عاصمتها الفعلية في الضاحية الجنوبية لبيروت.

من هنا، يمكن استنتاج انهيار ما يمكن تسميته بـ”عقيدة قاسم سليماني”، التي تمثلت في تحاشي أي حرب مباشرة مع إسرائيل أو أميركا، والاعتماد على الأذرع والميليشيات الطائفية لتحقيق مكاسب لإيران، حتى على حساب الدول العربية ومصالحها وأمنها واستقرارها.

الأمر لا يرتبط فقط بتوفّر البيئة العسكرية الملائمة أمام الدولة العبرية، وإنما السياسية أيضًا، مع تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي اتهم طهران بإخفاء متعمّد لمنشآت محددة، وانعدام الشفافية في التعاطي مع الوكالة، كما تعثرت المفاوضات بين واشنطن وطهران، بينما ستسعى إدارة دونالد ترامب لاستثمار العملية العسكرية لفرض اتفاق صارم، فيما يشبه “تجرّع السم النووي” – بعد السم العراقي والسوري – كما قال، أو للدقة، كما نصح الرئيس حسن روحاني زملاءه السابقين في القيادة الإيرانية.

أما داخليًا في إسرائيل، فقد كانت العملية مطروحة على الطاولة منذ شهور طويلة، ثمانية على الأقل (منذ تشرين الثاني/نوفمبر الماضي)، ونظريًا منذ عقود (15 سنة تقريبًا).

وهي ليست مرتبطة بالأزمة الائتلافية الراهنة، التي استُخدمت أيضًا للخداع ولفت الأنظار عن الاستعدادات للعملية الأخيرة، بينما جعل مشروع تجنيد الحريديم مسألة الانتخابات قصة وقت وسؤال “متى؟” لا “هل؟”، منذ شهور طويلة، وفلسفيًا ومنهجيًا، ربما كانت الانتخابات متوقعة منذ تشكيل الحكومة الحالية نهاية عام 2022، وهي المدة التقريبية لذهاب الدولة العبرية إلى انتخابات عامة مبكرة خلال العقود الثلاثة الماضية.

وفق مقولة هنري كيسنجر الشهيرة، يسعى نتنياهو لدخول التاريخ كمن دمّر المشروع النووي الإيراني أو عطّله لفترة طويلة، وبالتالي استغلال الإنجاز لمغادرة الحياة السياسية من الباب العريض، ودخول التاريخ عبر اتفاق محتمل مع النيابة العامة – مطروح على الطاولة – يتيح له الإفلات من السجن والعقاب، مقابل اعتزال الحياة السياسية وتخليد إرثه من منظوره الخاص، إلى جانب قادة إسرائيل السابقين: دافيد بن غوريون، وليفي أشكول، وغولدا مئير، ومناحيم بيغن، وإسحق رابين، وشمعون بيريز، وأريئيل شارون، كل على طريقته.

ومن جهة أخرى، يعمل نتنياهو على طمس الإخفاق التاريخي في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 (طوفان الأقصى)، والمجادلة بأنه ردّ بتحقيق الأهداف الممكنة عسكريًا، والتي أدّت إلى تدمير غزة، وقتل وإصابة ربع مليون مواطن، وتشريد مليونين آخرين، ووضع مخطط التهجير على الطاولة، وتفكيك “حماس” كقوة عسكرية وسلطوية، ومنع غزة من تهديد إسرائيل لسنوات وعقود طويلة.

مع نهاية المواجهة الإسرائيلية–الإيرانية، ستنتهي حرب غزة كذلك، مع صفقة لتبادل الأسرى وفق اقتراح المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف، وانسحاب إسرائيل من القطاع، والسيطرة – ولو لفترة – على المنطقة العازلة ناريًا وعملياتيًا (ثلث مساحة القطاع)، ومواصلة النقاش حول “اليوم التالي”، مع سعي إسرائيلي يائس وغير واقعي لترك غزة بين الفوضى وعدم الاستقرار لشهور وربما سنوات، ولكن من دون أن تفيض أزماتها على المحيط.

وفيما يخص التداعيات على المنطقة، وباختصار أولي، على أن تتم قراءتها لاحقًا بشكل مستفيض ومتأنٍ، فلا شك أن إضعاف وتحييد النظام الإيراني، بعد كسر أذرعه وفلوله، سينعكس إيجابًا على الداخل الإيراني، مع احتمال اندلاع انتفاضة شعبية ضده إثر فقدان الهيبة، كما سينعكس إيجابًا على الإقليم برمّته، وستتسارع وتيرة قيام سوريا الجديدة ولبنان الجديد، مع الضربة التي ستشغل إيران بنفسها لسنوات وربما عقود طويلة.

في الأخير، وباختصار وتركيز، ومع التأكيد على انهيار وسقوط فكرة الأذرع والميليشيات الطائفية التي لم تحمِ إيران ولم تمنع إسرائيل من التنكيل بها، يجب الانتباه إلى حقيقة مهمة مفادها: أنه لا فرصة لنتنياهو – أو لخلفائه – للتذرّع بإيران وممارساتها التوسعية للفت الأنظار عن الاحتلال والقضية الفلسطينية العادلة، التي تمثل جذر عدم الاستقرار. ولن يستكين الشعب الفلسطيني أو يتوقف عن عناده ونضاله لنيل حقوقه المشروعة بعد “النكبة الثانية” عام 2024، تمامًا كما فعل بعد النكبة الأولى عام 1948.

تلفزيون سوريا

 ——————————-

عن فتنة القوة وسقوط الضحية في حبّ جلادها/ سمر يزبك

17 يونيو 2025

بدأت إسرائيل منذ يوم 13 يونيو/ حزيران الجاري ضربات عسكرية مباشرة على الأراضي الإيرانية، في لحظة تبدو في السطح سياسية – أمنية، لكنّها من منظور آخر مجرّد فصل إضافي من استعراضات القوة العارية، التي تشكّل بنية هذا الزمن. في الخلفية: نووي مُهدَّد، طموحات إقليمية، خطوط حمراء. وفي الواجهة: مشهد مدروس بصرياً، يُنتج نشوةً في المخيّلة، أكثر ممّا يخلق رأياً عامّاً واعياً. لكن ما يجري في الإعلام العربي وشبكات التواصل الاجتماعي من ردّات فعل مرتبكة حدّ التواطؤ، يكشف أعمق من مجرّد الانقسام بين “ممانع” و”مُهلِّل”: نحن أمام لحظة افتتان جماعي بالقوة بصرف النظر عن منطقها وغايتها، فحين يصفّق بعض المقهورين للضربة الإسرائيلية على طهران لا يفعلون ذلك حبّاً بإسرائيل، إنما لأن الذاكرة الجريحة وجدت أخيراً من يضرب الجلاد السابق باسمها. لكن هذه الرغبة، مهما تفهّمنا أسبابها، تظلّ نكوصاً نفسياً، تعويضاً قهرياً. إنهم لا يريدون العدالة، يريدون إعادة تمثيل مشهد الإهانة بالعكس، وإن اقتضى ذلك الوقوف على الخشبة نفسها، تحت الأضواء نفسها.

في هذا السياق، لم تعد الحرب امتداداً للسياسة بوسائل أخرى، بقدر ما تكون امتداداً للعرض المسرحي بوسائل أكثر جاذبية. لا تعنينا النتائج، وحدها هنا الصورة: دخانٌ أنيق، هدفٌ مصوَّب، تعليقاتٌ ساخرة، خريطة تشتعل. وهنا تتجلّى القوة العارية: لا عنفاً، بل بنيةً رمزيةً تنتج شرعيةً داخليةً للعنف، من خلال اختزال الآخر إلى “شيءٍ يجب ضربه”. ولأننا لم نعد نملك أدوات إنتاج المعنى، نكتفي بإعادة توزيع الأدوار على خشبة المسرح، ونصفّق لمن يلعب دور الجلّاد بمهارة أكثر. هكذا تصبح الضحية شريكاً في إعادة تمثيل تعذيبها، لأن الجلّاد تغيّر فقط.

في هذا الزمن، لا أحد بريء، لا إسرائيل التي تحوّلتْ حربُها فيديو غرافيك عالي الجودة، ولا إيران التي أسبغتْ على مليشياتها خطاباً مقاوماً لتبرير سحق الذوات، ولا الشعوب التي تاهت بينهما، وتحوّلت مُستهلكاً عاطفياً لصراعات لا تصنعها. فهل يُعقل أن القوة التي تسحق غزّة تصبح مقبولةً فقط لأنها تقصف طهران؟ وهل يجوز أن نتخلّى عن معاييرنا الأخلاقية، فقط لأن الألم تغيّر موقعه؟

لا يكشف هذا التحوّل هشاشة المعايير فقط، بل أيضاً زوالها الكامل، وظهور بنية خطاب ما بعد أخلاقية، يُعرّف فيها الخير والشرّ حسب جمالية الصورة، والافتتان بالفعل، لا بمأساوية الواقع. لقد تحوّلت الحرب جسدَ فحل، يُعرَض بتقنيات متطوّرة، يُراقَب لا ليُدان، بقدر ما يراقب ليتحوّل إلى موضوع شهواني للمشاهدة السياسية. ومثلما أُعجب بعض الأوروبيين بالنازية في ثلاثينيّات القرن الماضي، لا لأنها أقنعتهم، بل لأنها أبهرتهم، نعيد اليوم الخطأ ذاته: نصفّق للقوي، ونصمت عن الدمار.

لكنّ الهزيمة الكُبرى لا تكمن في القصف، بل في أن تصير أنتَ (بوصفك ضحيةً) غير قادر على الحزن، بقدر تعطّشك لرؤية خصمك يُصفَع في الشاشة. في هذه اللحظة، تنزلق الضحيةُ من موقع الأخلاقي إلى موقع المتفرّج المتواطئ. من مقاومة الإبادة إلى استهلاك صور الإبادة المضادّة. من المطالبة بالعدالة إلى التماهي مع الجلّاد الأكثر إثارة. وفي ظلّ هذا التلوّن، تصبح مقولة “المجد للشعوب” فعلَ مقاومةٍ رمزيةٍ أكثر من أن تكون جملةً تنتمي إلى زمن الحرب الباردة.

الإيمان بالشعوب يعني أن ترفض الاختيار بين قاتلَين، وتعيد مركزية الإنسان الهشّ، ليس بوصفه ضحيةً تُستثمر ويعاد تدويرها كلّ مرّة، إنما كائناً حرّاً شهماً، يرفض المشاركة في المذبحة ولو متفرّجاً. “المجد للشعوب”، هذا تدخُّل طفيف في خطاب الخراب، تذكير بأن هناك من لا يزال يرفض فتنة القوة، ولو صامتاً. إنه تذكير بأن الانسحاب من مشهد الحرب أحياناً أشرف من تحليل تفاصيلها.

السلامة للشعب الإيراني وبقيّة الشعوب المقهورة.

العربي الجديد

———————————

مصير قاآني يعيد سيرة كواليس ما قبل سقوط دمشق/ مصطفى رستم

شارك في اجتماع سري مع استخبارات الأسد انعقد في مقر لـ”الحرس الثوري” قبل أيام قليلة من عملية “ردع العدوان” وتركز حول دفع المفاوضات مع القطريين

الأحد 15 يونيو 2025

لم يكن الحديث عن المصير الغامض لإسماعيل قاآني هو الأول من نوعه، إذ تداولت تقارير في أكتوبر (تشرين الأول) 2024، أنباء غير مؤكدة عن اغتياله بضربات إسرائيلية على لبنان، بالتزامن مع اختراقات أمنية أدت حينها إلى اغتيال الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله، أو لأسباب أمنية تتعلق بالتحقيق معه بدعوى التجسس، ولكنه ظهر مجدداً ليدحض كل هذه الأنباء.

تضاربت الأنباء حول مصرع قائد “فيلق القدس” إسماعيل قاآني، في الضربة الإسرائيلية التي شُنت على إيران أخيراً، فيما غبارها لم ينقشع من كلا جبهتي الصد أو الرد المتبادلتين بين تل أبيب وطهران، ولعل قاآني من أبرز الشخصيات العسكرية المستهدفة، حيث أثار الحديث عن مصرعه أو نجاته من الهجمات جدلاً خلال الساعات الأخيرة الساخنة.

ولم يكن ذلك الحديث عن مصيره المتضارب والغامض هو الأول من نوعه، إذ تداولت تقارير في أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي، أنباء غير مؤكدة عن اغتياله بضربات إسرائيلية على لبنان، بالتزامن مع اختراقات أمنية أدت حينها إلى اغتيال الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصرالله، أو لأسباب أمنية تتعلق بالتحقيق معه بدعوى التجسس، ولكنه ظهر مجدداً ليدحض كل هذه الأنباء.

ويعد قآاني، وهو خليفة قاسم سليماني، من أبرز القادة العسكريين في إيران، وعينه المرشد في يناير (كانون الثاني) 2020 بعد استهداف سليماني بعملية اغتيال نوعية، كما أنه إحدى أكثر الشخصيات التي تطلبها تل أبيب وتضعها على لوائح الموت، لذا تحاط تحركاته بالسرية الشديدة، وهو قليل الظهور الإعلامي.

لقاء سري

في معرض الحديث عن إسماعيل قاآني (مواليد 1957) نستعرض تفاصيل أبرز الاجتماعات السرية الاستخباراتية التي جمعته مع وفد أمني سوري زار طهران في الـ24 من نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، والتقى شخصيات من كبار قادة أجهزة الاستخبارات والحرس الثوري، وحصلت “اندبندنت عربية” على تفاصيل الاجتماع الذي دار بين قاآني والوفد السوري في طهران، والذي انعقد قبل أيام قليلة فقط من اندلاع عملية “ردع العدوان” في الـ27 من نوفمبر، وأدت إلى تحرير مدينة حلب شمال سوريا من قوات النظام، ومن ثم هرب الرئيس المخلوع بشار الأسد في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) 2024.

الاجتماع الأمني جرى بسرية تامة في أحد المقرات التابعة للحرس الثوري، وكان بشار الأسد على اطلاع بتفاصيله قبل هربه من البلاد إلى روسيا، وأبرز ما جاء به تمحور حول تقديم الدعم لسوريا، فضلاً عن ملفات تتعلق بقوات العشائر السورية، وقضية الكرد، وعمليات التفاوض مع الأتراك والقطريين بغية الدفع بعملية تفاوض وتنسيق لاجتماعات عالية المستوى.

إزاء ذلك تشير المعلومات المتوفرة إلى تأكيد قائد “فيلق القدس” خلال الاجتماع على وقوف إيران وروسيا إلى جانب سوريا (في ظل حكم الأسد)، وأن “حزب الله” سيستمر بتنفيذ خططه كصاحب الدور الرئيس بالميدان في لبنان.

وتطرق الاجتماع إلى المشكلات الموجودة في سوريا، وقال قاآني بوجود مساعٍ لحل مشكلات العشائر والأكراد، مضيفاً “هم يعرفون أنه يجب عليهم حلّ هذه المشكلات من طريق الدولة السورية”.

دفع عجلة التفاوض

اللافت للنظر عدم تطرق الاجتماع المنعقد قبل أيام من عملية “ردع العدوان” إلى أي تهديدات أمنية من الشمال السوري، بل دار حول دفع المفاوضات مع القطريين، وجاء في حديث قاآني “أن الاجتماعات مع القطريين مثمرة، ويجب أن تستمر، ويمكن استئنافها لحل المشكلات معهم، وهم يعرفون أنهم أخطأوا بموقفهم، ويريدون تصحيح هذا الخطأ، ويبدو أن حل المشكلة مع قطر سيسهم بحل المشكلات مع المسلحين، وفي ما يتعلق بالأتراك فهم لا يزالون يريدون أن يلعبوا ببعض المواضيع، وهم مستعدون في هذه الظروف لإعادة العلاقات مع سوريا، ويعلمون أن المسلحين في الشمال من الممكن أن يشكلوا بعض المشكلات لتركيا”.

ولم يخف رجل “الحرس الثوري” في الاجتماع دعم بلاده للسوريين في هذه المواضيع في وقت حرج، إذ تشي المعلومات بتحضيرات قبل أشهر تعمل عليها سلطة أمر الواقع في إدلب (هيئة تحرير الشام) بقيادة أحمد الشرع، المعروف بقربه من إسطنبول قبل أن يصبح رئيساً للدولة في سوريا ويقود حكومتها الانتقالية بعد إسقاط الأسد.

في المقابل أفصح الوفد السوري عن عقد ثلاثة لقاءات مع الجانب القطري برعاية إيرانية، وعلى رغم عدم تحقيق نتائج مثمرة “بقينا مستمرين بعقد اللقاءات، وطلبنا رفع تمثيل سوريا في تلك اللقاءات لتكون على مستوى رؤساء الأجهزة، ووعد الجانب القطري بأن يكون ذلك خلال اللقاء المقبل”.

وأضاف الوفد الأمني السوري (في عهد الأسد) “لاحظنا أن القطريين يريدون التدخل في الشأن السوري، ويبحثون عن دور لهم، كما أنهم ينسقون مع الأتراك، وهذا سبب مماطلتهم، وهم يجتمعون معنا نتيجة الضغط الإيراني”.

خطوة متأخرة للأمام

في غضون ذلك بدا وفد الاستخبارات السوري خلال الاجتماع متلهفاً لانتزاع أية خطوة في طريق المفاوضات سواء مع أنقرة أو الدوحة، وكشف محضر الاجتماع (السري للغاية) عن فتح دمشق قنوات تواصل مع تركيا من طريق موسكو، وحل مشكلات الفصائل المسلحة بإجراء تسويات معها، وإخراج المسلحين الأجانب من شمال سوريا إلى حيث أتوا، مع القضاء على المسلحين من الرؤوس “الحامية”.

ومع كل هذا الدفع من قبل الوفد الأمني، والإلحاح بترتيب المفاوضات وتحريكها، فإنهم ألحوا على قاآني أن تكون عودة العلاقات مع تركيا مرتبطة بالانسحاب من الأراضي السورية، وعندما يصبح الانسحاب كاملاً تعود العلاقات بصورة كاملة كما كانت.

وأظهر الوفد توجسه من بناء قوات سوريا الديمقراطية (قسد) ما يقارب 30 برج مراقبة على نهر الفرات مشابهة للأبراج الإسرائيلية، وتمتد من البوكمال حتى دير الزور لمراقبة ما وصف بـ”قوات العشائر وقوات الأصدقاء”، والمقصود بهم الميليشيات الإيرانية والحليفة لها.

في الأثناء لم تكن الزيارة الأخيرة للوفد الأمني السوري لقاآني مرتبطة بتفاصيل استخباراتية، بل بدا التدخل الإيراني في الشأن الداخلي السوري جلياً حتى في شأن مواسم القمح، إذ رأى قائد “فيلق القدس” أنه يجب التخطيط لنقل القمح فضلاً عن النفط الذي يباع بأثمان قليلة.

وأردف في سياق حديثه مع الوفد “يمكن التخطيط لشرائه عبر الوسطاء أو المهربين، وليس بصورة مباشرة، لأنه في النهاية سيصل تركيا، وفي حال قبول الفكرة يمكن المساعدة بتحديد أشخاص يمكنهم شراء القمح والنفط من (قسد)”.

بالنتيجة خرجت كافة الميليشيات الإيرانية من دمشق وبقية التراب السوري مع عملية تحرير البلاد من نظام البعث (1970 ـ 2024)، ويرى مراقبون في الميدان السوري أن طهران خسرت الساحة السورية واللبنانية، وهو ما أفقدها أذرعاً فاعلة في الحرب الأخيرة التي تدور حالياً، إذ كانت هذه الساحات ستمثل منصات إطلاق صواريخ قريبة من جبهة إسرائيل الشمالية عبر مناطق متاخمة للجولان أو الجنوب اللبناني.

———————————–

سوريا على مسافة عداء واحدة من خصمين متحاربين

أجواؤها ممر لطائرات إسرائيلية ومسيرات إيرانية

سعاد جروس وموفق محمد القامشلي: كمال شيخو

16 يونيو 2025 م

تشير المعطيات إلى أن دمشق ليست في وارد الانخراط بأي نزاع، فهي على مسافة عداء واحدة مع إيران وإسرائيل. وقالت مصادر قريبة من الحكومة السورية لـ«الشرق الأوسط» إن «الوضع السوري الهش وأولويات إعادة بناء الدولة لا يحتملان تصدير مواقف غير محسوبة بين خصمين كلاهما ساهم بتدمير سوريا».

ورغم ذلك، بدت تأثيرات الحرب الإسرائيلية – الإيرانية واضحةً من بقايا الصواريخ والمسيّرات الإيرانية التي سقطت في جنوب البلاد بعد اعتراضها من قبل الصواريخ الإسرائيلية في الأجواء السورية.

في الأثناء، تمكَّنت القوات الأميركية في شمال شرقي سوريا من إسقاط صواريخ إيرانية استهدفت قواعدها المنتشرة في المنطقة، وسط تحليق مكثف للطيران الحربي فوق أجواء تمركز قواتها والمناطق المتاخمة للحدود العراقية، تحسباً لأي هجمات أو ردود فعل انتقامية تقوم بها ميليشيات مرتبطة بـ«الحرس الثوري» الإيراني منتشرة في الجانب العراقي.

—————————–

أجواء سوريا ممر لطائرات إسرائيلية ومسيّرات إيرانية لم توفر ضحايا أو حرائق/موفق محمد

السوريون فرحون بقصف إيران… وغير متحمسين لإسرائيل

15 يونيو 2025 م

على الرغم من أن سوريا الجديدة ليست طرفاً في المواجهة الدائرة بين إسرائيل وإيران، فإنها ربما تكون من بين أكثر الدول تأثراً بحكم موقعها الجغرافي القريب من كلا الطرفين.

وإن كان تأثير الحرب التي اندلعت فجر الجمعة الماضي عبر تبادل الضربات الجوية والصاروخية، على كثير من دول المنطقة والعالم اقتصر على الجانب المادي والاقتصادي، فإن هذا التأثير تجاوز ذلك في سوريا؛ لأن أجواءها شكلت ممراً لطائرات حربية إسرائيلية خرقت تلك الأجواء للوصول إلى إيران وقصفها، وكذلك لصواريخ وطائرات مسيّرة إيرانية خرقت أيضاً تلك الأجواء للعبور نحو إسرائيل.

ودأب العديد من وسائل التواصل الاجتماعي والنشطاء منذ حينه على نشر أخبار قصيرة وصور وفيديوهات لعشرات الصواريخ والطائرات المسيّرة الإيرانية في الأجواء السورية، خصوصاً في جنوب البلاد والعاصمة دمشق، وهي متجهة إلى إسرائيل، وكذلك لطائرات إسرائيلية متجهة إلى إيران، وأخرى تلاحق مسيّرات إيرانية لإسقاطها.

وبدت تأثيرات الحرب الإسرائيلية – الإيرانية على سوريا والسوريين واضحة، من بقايا الصواريخ والمسيّرات الإيرانية التي سقطت في جنوب البلاد (محافظتَي درعا والقنيطرة) بعد اعتراضها من قبل الصواريخ الإسرائيلية في الأجواء السورية.

وأفاد «تجمع أحرار حوران» بإسقاط 6 طائرات مسيّرة إيرانية من قبل إسرائيل في ريفَي درعا والقنيطرة، منذ صباح الأحد، إحداها سقطت في حرش بلدة نافعة غرب درعا، في حين اندلع حريق جراء سقوط صاروخ إيراني بين قريتَي قيطة وكفر شمس شمال المحافظة. كما اندلع حريق في الأراضي الزراعية في بلدة الرفيد بريف القنيطرة، جراء سقوط مسيّرة إيرانية اعترضتها الصواريخ الإسرائيلية في أجواء البلدة.

وفي ظل الازدحام الذي تشهده الأجواء السورية بالصواريخ والطائرات المسيّرة الإيرانية المتجهة إلى إسرائيل وتصدي الأخيرة لها، أفادت محافظة طرطوس في صفحتها على «فيسبوك»، بأن طائرة مسيّرة مجهولة المصدر سقطت على منزل سكني في منطقة صافينا بريف المحافظة؛ ما أدى لاحتراق المنزل وإصابة امرأة تقطنه بحروق خطيرة.

وأوضحت المحافظة أن الطائرة المسيّرة سقطت عند الساعة العاشرة صباح الأحد، وانفجرت عند ارتطامها بالمنزل؛ ما أدى لنشوب حريق في كامل المنزل. وأشارت إلى أنه جرى إسعاف المرأة المصابة إلى المشفى لتلقي العلاج، في حين أخمدت فرق الإطفاء الحريق في المنزل وتفقدت المكان، بالتعاون مع المجتمع الأهلي.

وتزامنت الحادثة في طرطوس الواقعة على الساحل السوري غرب البلاد مع لقطات عرضتها محطات فضائية أظهرت اعتراض الدفاع الجوي الإسرائيلي لصواريخ إيرانية فوق سماء مدينة طرطوس.

وذكرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية، السبت، أن نحو 100 صاروخ إيراني أُطلقت على إسرائيل سقط عدد منها في سوريا.

ووسط هذا التوتر المتصاعد في المنطقة، حذر الدفاع المدني السوري المواطنين بشدة من الاقتراب من أي جسم غريب أو حطام قد يسقط، وعدم لمسه، وترك التعامل معه لفرق الهندسة أو فرق إزالة مخلفات الحرب، والإبلاغ فوراً عن أي بقايا أو مخلفات حرب. وطالب المواطنين بعدم التجمهر أو الصعود للأسطح لمراقبة ما يحدث.

وذكر أن فرق الإطفاء استجابت لحريقين في أراضٍ زراعية نجما عن سقوط حطام (صواريخ/ طائرات مسيّرة) بسبب الأحداث العسكرية التي تشهدها المنطقة، أحدهما في أرض زراعية وأعشاب جافة في قرية الرفيد بمحافظة القنيطرة، والثاني بأرض مزروعة بالقمح بالقرب من بلدة تسيل في ريف درعا.

ارتباك حركة الطيران

وتسببت المواجهات بين إسرائيل وإيران في حالة ارتباك بحركة الطيران المدني في سوريا؛ إذ أعلنت «الخطوط الجوية السورية»، الجمعة، وقف جميع الرحلات الجوية التابعة لها مؤقتاً وحتى إشعار آخر، لتعود الهيئة العامة للطيران المدني السوري وتعلن السبت إعادة فتح الأجواء السورية بشكل كامل أمام حركة الطيران المدني، وذلك بعد انتهاء الظروف التي استدعت الإغلاق المؤقت، لتعود وتعلن السبت إغلاق الأجواء السورية مؤقتاً، حتى الساعة 08:00 صباح الأحد، لتعود وتعلن إيقاف جميع رحلاتها الجوية المقررة الأحد، وذلك نتيجة التوترات الأمنية في المنطقة، وإغلاق المجال الجوي أمام حركة الطيران.

وبينما لم يصدر موقف رسمي سوري إزاء المواجهة الإسرائيلية – الإيرانية حتى ساعة إعداد هذا التقرير، تابع الشارع السوري باهتمام المواجهة بين إسرائيل وإيران، وباتت تطوراتها الشغل الشاغل للغالبية العظمى من المواطنين، في حين تصدرت وقائعها أخبار وسائل الإعلام المحلية الرسمية والخاصة، ومواقع وقنوات التواصل الاجتماعي.

ولم يخفِ كثير من السوريين فرحتهم بتعرض إيران للقصف؛ كونها اصطفت إلى جانب النظام السوري السابق المخلوع في سنوات الحرب، في حين لم يبدوا حماساً تجاه إسرائيل التي يعدونها عدواً تحتل جزءاً من أراضيهم وتستهدف على الدوام الأراضي السورية، إلى جانب ما تفعله في الفلسطينيين.

وقبل مغادرتها الأراضي السورية على أثر التغيير السوري أواخر العام الماضي، كانت الميليشيات الإيرانية والأخرى الأجنبية التابعة لها، ومن بينها «حزب الله» اللبناني، التي فاق عددها عشرات الآلاف، الداعم الأساسي للرئيس المخلوع بشار الأسد في حربه على الشعب السوري التي أسفرت عن مقتل أكثر من نصف مليون شخص، وأدت إلى تهجير ونزوح أكثر من نصف عدد السكان الذي كان يقدر بنحو 23 مليون نسمة. في حين تحتل إسرائيل منذ يونيو (حزيران) عام 1967 هضبة الجولان السورية.

وكانت قوات الجيش التابعة للنظام السابق قد انسحبت بشكل غير منظم من مواقعها في جنوب البلاد، حتى قبل وصول فصائل المعارضة المسلحة إلى دمشق وهروب الأسد في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وبعد ساعات، أعلنت إسرائيل أن قواتها تقدمت إلى المنطقة العازلة، حيث تنتشر قوات الأمم المتحدة، بموجب اتفاق فضّ الاشتباك بين الطرفين منذ حرب عام 1973.

الشرق الاوسط

—————————

 قوة إسرائيلية تقتحم مدرسة بريف القنيطرة فجراً وتخرّب ممتلكاتها

2025.06.15

توغّلت قوة من جيش الاحتلال الإسرائيلي، فجر اليوم الأحد، داخل قرية في ريف القنيطرة الشمالي، واقتحمت مدرسةً وعبثت بمحتوياتها وكسّرت أثاثها.

وقال مراسل تلفزيون سوريا إن القوة توغّلت في قرية الحرية قرابة الساعة الخامسة والنصف فجراً بالتوقيت المحلي، وخلعت أبواب المدرسة، وكسّرتها، وعبثت في الأثاث، ثم عمدت إلى تكسيره قبل أن تنسحب، من دون معرفة الدوافع أو الأسباب وراء هذا الفعل.

وكانت دورية تابعة لجيش الاحتلال الإسرائيلي قد اقتحمت، مساء السبت، مدرسة كودنة الواقعة في ريف القنيطرة الجنوبي، في أثناء وجود عدد من الأطفال يلعبون كرة القدم، واعتقلت اثنين منهم بحجّة البحث.

وبرّر جيش الاحتلال عملية الاعتقال بالاشتباه في قيام أشخاص بتصوير مواقع عسكرية إسرائيلية، لا سيما المنتشرة في تل الأحمر، من دون أن يقدّم تفاصيل إضافية عن مصير الطفلين.

تضييق وخنق للمناطق السكنية في القنيطرة

قال أهالٍ من بلدة كودنة إن التوغلات الإسرائيلية باتت شبه يومية، وتشمل اقتحام المناطق السكنية، وقطع الطرقات، ونصب الحواجز، وتفتيش المدنيين، ومصادرة هواتفهم.

وشهدت بلدة جبا، الواقعة في ريف القنيطرة الأوسط، خلال الليلة قبل الماضية، عملية اقتحام جديدة من قبل قوات الاحتلال، حيث فتّشت عدة منازل مدنية في المنطقة.

الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا

تصاعدت اعتداءات الاحتلال الإسرائيلي على سوريا بشكل كبير عقب سقوط نظام الأسد في الثامن من كانون الأول الماضي، إذ شنّت قواته مئات الغارات على المواقع العسكرية التابعة للجيش السوري بهدف تدميرها ومنع إعادة تأهيل بنيتها التحتية.

وتزامنت تلك الهجمات مع عمليات توغل برية نفذتها قوات الاحتلال في أرياف دمشق والقنيطرة ودرعا، حيث سيطرت على المنطقة العازلة، ثم انتقلت إلى تنفيذ عمليات مداهمة في المناطق الحدودية.

ولاحقاً، أخذت عمليات جيش الاحتلال منحىً آخر، إذ لم تعد تقتصر على المواقع العسكرية فحسب، بل باتت تستهدف المدنيين أيضاً، حيث قُتل في 17 آذار الماضي أربعة مدنيين بقصف على درعا، كما قُتل ستة آخرون قبل ذلك بأيام في قصف على بلدة كويا في منطقة حوض اليرموك.

————————————-

 تصعيد خطير في القنيطرة: الاحتلال يهدم منازل ويهجّر عائلات

القنيطرة – نور الحسن

الثلاثاء 2025/06/17

نفّذ جيش الاحتلال الإسرائيلي، ليلة أمس، عمليات هدم واسعة في محافظة القنيطرة، طاولت 15 منزلاً مدنياً، ما أدى إلى تهجير قسري لعشرات العائلات من مساكنهم.

وقالت مصادر محلية لـ”المدن”، إن هذه العمليات جاءت بحجة قرب المنازل من قاعدة عسكرية أنشأها الاحتلال مؤخراً في المنطقة. وتأتي هذه الخطوة بعد سلسلة من التوغلات اليومية التي نفذتها قوات الاحتلال خلال الفترة الماضية، وترافقت مع مضايقات مستمرة للسكان، شملت التضييق على حركة تنقلهم ومنعهم من الوصول إلى أراضيهم الزراعية.

كما قامت جرافات الاحتلال بتجريف “حرج الشحار” قرب بلدة “جباثا الخشب”، وتحويل أجزاء واسعة منه إلى منطقة عسكرية مغلقة. وفي السياق ذاته، باشرت قوات الاحتلال بإنشاء قواعد عسكرية جديدة ومهبط لطائرات حربية داخل المناطق المهدمة في القنيطرة.

وفي تطور لافت، رُصدت عمليات طمس ممنهجة لمعالم تاريخية في المنطقة، من بينها “مستشفى الجولان”، الذي يُعد من أبرز معالم المدينة.

وتأتي هذه الانتهاكات في ظل تصاعد التوتر في المنطقة، وسط غياب أي تحرك محلي أو دولي فاعل لحماية المدنيين وضمان حقوقهم الأساسية.

جدير بالذكر أنه قبل نحو شهرين، وأثناء توغل قوات الاحتلال الإسرائيلي في بلدة الرفيد بريف القنيطرة الجنوبي، تم هدم منزلين بعد إنذارات بإخلائهما، كما شهدت قرية رسم الرواضي القريبة من بلدة الحميدية بريف القنيطرة الأوسط عمليات هدم مماثلة طالت منزلين آخرين.

كما توغلت القوات الإسرائيلية فجر اليوم، في بلدة طرنجة، حيث انتشرت في شوارع البلدة، وفتشت عدداً من المنازل، واعتقلت أحد سكانها.

من جهة ثانية، أسقط جيش الاحتلال الإسرائيلي فجر اليوم، خمسة مسيّرات وصواريخ إيرانية فوق ريف القنيطرة الجنوبي. وشهدت المحافظة تحليقاً مكثفاً للطيران الحربي الإسرائيلي، بالتزامن مع سماع انفجارات قوية هزت مناطق عدة نتيجة عمليات التصدي.

—————————

أول اختبار خارجي للإدارة الانتقالية: حياد سوريا بين نيران الحرب الإيرانية الإسرائيلية/ معاذ الحمد

الإدارة الانتقالية تواجه أول اختبار خارجي: كيف تدير سوريا أزمة إقليمية معقدة في ظل الحرب بين إسرائيل وإيران؟

2025-06-16

في أول امتحان جدي لقدرتها على إدارة الأزمات الخارجية، تجد الإدارة السورية الانتقالية بقيادة أحمد الشرع نفسها أمام اختبار إقليمي، يتمثل في التصعيد العسكري بين إيران وإسرائيل، والتي تتطاير شررها فوق الأراضي السورية، وتحولت محافظتا القنيطرة ودرعا جنوبي البلاد، إلى ساحة مواجهة جوية لا تشبه أي مواجهة سابقة منذ سنوات، كما أن سماء العاصمة دمشق صارت مشتعلة بالصواريخ، وفي هذا السياق يشير محللون سياسيون إلى أن الحكومة السورية تواصل عملها وفق أولوية تثبيت الاستقرار في السياسة الخارجية والداخلية.

سقوط صواريخ ومسيرات إيرانية في الجنوب السوري

شهدت درعا والقنيطرة يومي الجمعة والسبت الماضيين، تطورات ميدانية متسارعة، بعد أن تحولت سماء المحافظتين إلى مسرح لاعتراضات متبادلة بين الدفاعات الجوية الإسرائيلية والمسيرات والصواريخ الإيرانية.

وأفاد مراسل “963+” أن صاروخين باليستيين سقطا في بلدة إنخل ومدينة الصنمين شمال درعا، بعد اعتراضهما من قبل الدفاعات الإسرائيلية، دون تسجيل خسائر بشرية، إذ سقطا في مناطق زراعية أو قريبة من مساكن مدنية.

وأضال المراسل أن منظومة الدفاع الجوي الإسرائيلية أسقطت خلال نهار الجمعة الماضي، ما مجموعه 41 مسيّرة وصاروخين باليستيين في أجواء جنوب سوريا. وقد كان النصيب الأكبر لقرية الرفيد بريف القنيطرة الجنوبي، حيث سقطت أكثر من 25 مسيّرة، فيما تم رصد سقوط مسيّرات أخرى في قرى قصيبة وقرقس ومنطقة حوض اليرموك بريف درعا الغربي.

وقد تسببت هذه التطورات في حالة من الهلع بين المدنيين، وسط سماع أصوات انفجارات عنيفة ودعوات شعبية لالتزام المنازل في القرى القريبة من الشريط الحدودي مع الجولان السوري المحتل. كما أعلنت الخطوط الجوية السورية تعليق جميع الرحلات الجوية “حتى إشعار آخر”، حرصاً على سلامة الركاب والطواقم، في ظل تصاعد التوتر الأمني في المنطقة.

غارات إسرائيلية على الداخل الإيراني

كانت قد أعلنت القناة “12” الإسرائيلية عن تدمير مطار تبريز شمال غربي إيران إلى جانب استهداف عشر نقاط عسكرية أخرى في أذربيجان الشرقية. وقد أعلن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أن “العملية أسفرت عن مقتل كبار قادة المنظومة الأمنية الإيرانية”، من بينهم رئيس الحرس الثوري ورئيس الأركان ونائبه، في حين تم استهداف أكثر من 300 هدف عسكري وعلمي باستخدام 330 قنبلة من قبل 200 مقاتلة حربية.

وأطلقت عدة دول ومنظمات دولية دعوات لوقف التصعيد وتغليب الحلول الديبلوماسية. في المقابل، التزمت الحكومة السورية الصمت، ولم يصدر أي بيان حتى لحظة إعداد هذا التقرير.

الحياد الصامت أم الحسابات المعقدة؟

منذ تسلمها السلطة في كانون الأول/ ديسمبر 2024، انتهجت الإدارة السورية الانتقالية سياسة واضحة في فك الارتباط مع إيران. فقد شهدت العلاقات بين الطرفين قطيعة شبه تامة، تجسدت بخروج المستشارين والديبلوماسيين الإيرانيين من سوريا، وتأكيد طهران نفسها على غياب أي تواصل مباشر مع الإدارة الجديدة.

الشرع كان قد وجّه انتقادات مباشرة للدور الإيراني في سوريا خلال العقد الماضي، متهماً طهران بتأجيج النعرات الطائفية وتهديد سيادة البلاد. وفي هذا السياق، حذرت الإدارة مراراً من أي محاولات إيرانية لبث الفوضى داخل الأراضي السورية، مطالبة باحترام إرادة السوريين ومخرجات المرحلة الانتقالية.

وعكس النهج الجديد للإدارة السورية الانتقالية توجهاً نحو بناء شبكة علاقات إقليمية ودولية مستقلة، تقلل من النفوذ الإيراني أو تقويضه بالكامل، وهو ما يفسر إلى حد كبير الموقف الرسمي “الصامت” من التصعيد الإيراني الإسرائيلي، والذي قد يكون نابعاً من رغبة في النأي بالنفس، أو من حسابات أمنية وديبلوماسية دقيقة في لحظة فارقة.

وفي هذا السياق، يؤكد معن طلاع، مدير البحوث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، في تصريحات لـ”963+” أن “الإدارة السورية الجديدة، ومنذ لحظتها الأولى، عملت على أولوية تثبيت الاستقرار في السياسة الخارجية والداخلية”.

ويشير طلاع إلى أن “هذه الجهود تمثلت في خطوات واضحة أبرزها محاولة إبعاد الخطر الإسرائيلي عن الجغرافيا السورية، والانخراط في السياسة العربية، ورفع العقوبات الدولية”.

ويقول طلاع إن “لحظة الرد على العدوان الإقليمي شهدت تحليلاً دقيقاً لخريطة المواقف العسكرية في سوريا، وأسفر ذلك عن وضوح تام في رفض أي تفاعل مع الفعل الإيراني، حتى على مستوى العلاقات الديبلوماسية”، معتبراً أن “المرحلة الحالية تحمل عنوان تدحرج المشروع الإيراني”.

ويشير إلى أن السياسة الإقليمية لسوريا اليوم تُبنى على ثلاث محددات: “منع تحويل سوريا إلى منصة لعدم الاستقرار، وعدم جعلها ساحة للتنافس الدولي، إلى جانب التوازن في السياسات الإقليمية والاتساق مع الموقف العربي”.

كما يشدد على أن الحكومة تتبع سياسة “التحصين الذاتي والحياد الاستراتيجي”، بما في ذلك ضبط الحدود والسيطرة على المجال الجوي.

إيران المرتبكة: من الإنكار إلى التحذير

إيران، التي وجدت نفسها خارج المعادلة السياسية في سوريا ما بعد الأسد، كانت تتعامل بحذر مع الإدارة الجديدة. فقد عبّر مسؤولون إيرانيون عن مراقبة حذرة للأوضاع، مع تأكيدهم على ضرورة تشكيل حكومة شاملة تحظى بتأييد شعبي.

لكن في المقابل، صدرت تحذيرات من شخصيات إيرانية بارزة، من بينها المرشد علي خامنئي، وقيادات في “الحرس الثوري”، حول “مثيري الفوضى” في سوريا، في رسائل غير مباشرة وُصفت بالتحريضية ضد القيادة الجديدة.

وفي هذا السياق، يقول اللواء محمد عبد الواحد، مستشار الأمن الإقليمي والعلاقات الدولية، لـ”963+” إن “الإدارة الانتقالية السورية تتبع نهجاً متوازناً وحذراً في التعامل مع الأزمات الإقليمية، وعلى رأسها الحرب بين إسرائيل وإيران”، مؤكداً أن “أولوياتها تتركز على بناء الدولة وفرض السيادة وتجنب الدخول في تحالفات قد تُعقّد المشهد الداخلي”.

ويضيف عبد الواحد أن “الإدارة الجديدة تسعى لتوطيد علاقاتها مع الدول العربية، خصوصاً قطر والسعودية، وتعمل على ضبط العلاقة مع تركيا”. ويوضح أن “الضربات الإسرائيلية ضد الوجود الإيراني في سوريا ما قبل نهاية عام 2024 ساهمت في تراجع نفوذ طهران بشكل واضح، رغم استمرار بعض التأثيرات من قبل جهات موالية لها داخل البلاد”.

ويعتبر أن “الإدارة السورية قادرة، من خلال تعزيز قدراتها الأمنية وفتح قنوات مع المجتمع الدولي، على منع اندلاع حرب على أراضيها، شريطة الحفاظ على الحياد وعدم الانخراط في اصطفافات إقليمية”.

+963

—————————-

نقاش في الحرب الإسرائيلية ـ الإيرانية… جرائم إسرائيل لا تغطّي جرائم إيران وبالعكس/ ماجد كيالي

16.06.2025

ما تفعله اسرائيل اليوم ضدّ إيران، التي تتحمّل قيادتها مسؤولة أفعالها طوال العقدين الماضيين، كانت فعلت مثله وأكثر ضدّ الفلسطينيين واللبنانيين والسوريين، وهي ستفعل ذلك مستقبلاً بحكم طبيعتها، فالجريمة جريمة، إذ لا جرائم إسرائيل تغطّي أو تبرّر جرائم إيران في سوريا ولبنان والعراق، ولا جرائم إيران تغطّي أو تبرّر جرائم إسرائيل الاستعمارية والعنصرية والعدوانية ضدّ الفلسطينيين واللبنانيين والسوريين. فالتمييز والتبصّر مهمان أيضاً.

بشنّها حرباً استباقية ضدّ إيران تكون إسرائيل في ذلك قد أغلقت، أو استكملت استهدافها الدائرة المتعلّقة بما عُرف في السنوات السابقة بمحور “المقاومة والممانعة”، الذي تألّف أساساً من قوى ميليشياوية لبنانية وسورية وفلسطينية وعراقية ويمنية بزعامتها.

هكذا، وبعد أن كانت إسرائيل خلال العشرين شهراً الماضية قوّضت، أو كسرت قدرات مختلف الأطراف الميليشياوية المذكورة ونفوذها، ها هي تتوجّه لاستهداف إيران مباشرة هذه المرّة، بعد أن كانت هذه تنأى بنفسها عن التورّط في أي اشتباك مباشر وكبير قد يضعها في مواجهة حربية مستمرّة مع إسرائيل.

على ذلك فإن الضربة الإسرائيلية، التي أودت بالصف الأول من القادة العسكريين في الجيش وفي الحرس الثوري الإيراني، إلى جانب كبار العلماء الذين يشتغلون في المفاعلات النووية، لم تأتِ مفاجئة كونها أتت في السياق العامّ لحرب الإبادة التي تشنّها إسرائيل منذ 20 شهراً في المنطقة، بدعوى أنها تدافع عن وجودها رداً على عمليّة “طوفان الأقصى”، بخاصّة أن إسرائيل ظلّت تعلن وتهدّد بأنها لن تتسامح مع دعم إيران لـ”حزب الله” في لبنان، وحركة “حماس” في فلسطين، و”الحوثيين” في اليمن، و”الحشد الشعبي” في العراق، ولا عن سعيها لحيازة قوّة نووية، أو قوّة صاروخية، أي أنها كانت تصرّح علانية عن سعيها لإضعاف إيران، وتقويض قدراتها النووية والصاروخية وإنهاء نفوذها في المشرق العربي واليمن.

يمكن تشبيه العمليّة الإسرائيلية في مرحلتها الأولى في 13 حزيران /يونيو الحالي، من ناحية الخبرة التكنولوجية واللوجستية والاستخباراتية، بعملية “البيجر” و”الووكي توكي” في لبنان  في 17 و18 أيلول/ سبتمبر الماضي، وعملية اغتيال قيادة “قوّة الرضوان” في 19 أيلول/ سبتمبر الماضي أيضاً، التي هزّت “حزب الله” لاستهدافها نخبة قيادته العسكرية، كما يمكن تشبيهها بالعملية الكبيرة والمفاجئة التي شنّتها القوّات الأوكرانية ضدّ مطارات روسية في 2 حزيران/ يونيو الحالي.

ما تريده إسرائيل من تلك الحرب هو استعادة تموضعها كقوّة عظمى إقليمية وحيدة في الشرق الأوسط، بالمعنى الذي كانت عليه بعد كسرها عدّة جيوش عربية في حرب حزيران/يونيو  1967، بعد أن كانت إيران غدت بمثابة اللاعب الرئيس في الشرق الأوسط، إثر قيام الولايات المتّحدة بتمكينها من العراق بعد إسقاط نظام صدام حسين في العراق في عام 2003.

معلوم أنه منذ ذلك التاريخ، وبعد انهيار الاتّحاد السوفييتي مطلع التسعينيات، توافقت الولايات المتّحدة وإسرائيل على انتهاج سياسة مفادها السكوت عن توسيع إيران نفوذها الإقليمي في الشرق الأوسط، لتوظيف هذا النفوذ في إثارة التناقضات في تلك المنطقة، بما يفيد بزعزعة بنى الدولة والمجتمع فيها، بما يخدم المصالح الإسرائيلية على المدى الاستراتيجي، وبما يؤمّن إخضاع المنطقة للسياسات الأميركية، بواقع الابتزاز الذي شكّله التحدّي الإيراني للنظام العربي، على نحو ما شهدناه طوال العقدين الماضيين.

المشكلة أن إيران لم تتفهّم هذا الواقع، وتصرّفت وكأنها ندّ للولايات المتّحدة ولإسرائيل، في مبالغة كبيرة بقدراتها العسكرية والاقتصادية، إلى درجة أن قياديين فيها باتوا يتحدّثون عن هيمنة إيران على عدّة عواصم عربية (بيروت ودمشق وبغداد وصنعاء) وأن صواريخ إيران بإمكانها هزّ إسرائيل التي هي “أوهن من خيط العنكبوت”، وأن محور “المقاومة والممانعة” بإمكانه هزيمة إسرائيل في غضون دقائق أو ساعات أو أيّام.

بعد عمليّة “طوفان الأقصى”، تغيّر الأمر تماماً، إذ إن إسرائيل التي باتت تحت قيادة يمينية مؤدلجة، تضمّ اليمين القومي والديني المتطرّف بزعامة نتانياهو، وجدت في تلك العمليّة فرصة سانحة لها لتغيير الصورة.

 أولاً، من خلال حرب الإبادة التي شنّتها ضدّ فلسطينيي غزّة، لتكريس هيمنتها وتأبيدها على الفلسطينيين من النهر إلى البحر، مع وأد فكرة الدولة الفلسطينية المستقلّة. وثانياً، من خلال الحرب التي شنّتها على لبنان لتقويض قوّة “حزب الله” نهائياً، وهو ما حصل بخاصّة منذ أيلول/سبتمبر 2024. وثالثاً، من خلال الانتهاء من فكرة الاستثمار الأميركي والإسرائيلي بإيران، بعد أن انتهت مفاعيل توظيف سياساتها في المنطقة، كونها أدّت مهمّتها في تصديع بنى الدولة والمجتمع في سوريا ولبنان والعراق واليمن.

الآن، تذهب إسرائيل نحو حرب مفتوحة ومدمّرة ضدّ إيران، في ظرف باتت فيه هذه الدولة معزولة على الصعيدين الدولتي والمجتمعي عن محيطها العربي والدولي والإقليمي، وبعد أن قامت إسرائيل بتقويض كلّ القوى الميليشياوية التي تشتغل كأذرع إقليمية لها، بمعنى أن إيران التي لطالما حاولت النأي بنفسها عن حرب مع إسرائيل، باتت منخرطة في تلك الحرب التي انتقلت إلى داخلها.

بديهي أن حرب إسرائيل هذه ضدّ إيران، هي حرب إسرائيلية أميركية أولاً، وهي حرب إقليمية ودولية ثانياً، بواقع عزلة النظام الإيراني والتبرّم من سياساته دولياً وإقليمياً وعربياً. وهي تكتسب هذا البعد أيضاً، بواقع الابتزاز الذي شكّلته السياسات الإيرانية للأنظمة العربية لا سيّما في المشرق العربي والخليج. بيد أن النقطة الأهمّ هنا هو تصرّف الغرب بخاصّة الولايات المتّحدة، باعتبار إسرائيل بمثابة وضع دولي، أو امتداد دولي للغرب، وليست مجرّد دولة في الشرق الأوسط، ما يفسّر ضمان الغرب لأمن إسرائيل وتفوقّها النوعي في المنطقة، مهما اختلفت السياسات والخيارات.

الفكرة هنا، أن إسرائيل المتوحّشة اليوم، هي إسرائيل الأيديولوجية المتطرّفة إزاء الفلسطينيين وإزاء محيطها العربي، التي تريد فرض ذاتها كقوّة وحيدة إقليمية، لا إيران ولا تركيا ولا أي دولة في العالم العربي. وفي ذلك، فهي، أيضاً ترفض السلام والتطبيع مقابل الأرض، بفرض منطقها الخاصّ بتحقيق السلام بواسطة القوّة، وفرض مفهومها الخاصّ للتطبيع بتعميم خاصيتها كدولة يهودية، عبر إقامة كيانات طائفية وإثنية في المنطقة، من العراق إلى لبنان بحيث يشمل ذلك سوريا.

على ذلك، يمكن تفهّم مواقف البعض الغاضب من سياسات إيران، التي قتلت وشرّدت سوريين، وأثارت النزعة الطائفية في مجتمعات المشرق العربي، وخرّبت بنى الدولة والمجتمع في لبنان والعراق وسوريا، وتلاعبت أو وظّفت قضيّة فلسطين لصالح تعزيز نفوذها في المنطقة، ولتغطية سياساتها المضرّة بالمجتمعات العربية فيها. بيد أن ما يجب إدراكه أيضاً، أن إسرائيل الاستعمارية والعنصرية والاستيطانية والعدوانية والدينية والمصطنعة، تفعل ما تفعله لمصلحتها هي فقط، وبتوقيتها هي فقط. فهي التي استثمرت مع أميركا في سياسات إيران الحمقاء، لتخريب بنى الدولة والمجتمع في بلدان المشرق العربي، ثم قامت بما قامت به بعد أن رأت أن ذلك الاستثمار أتى أُكْلَه، وأنه بات يجب إيقاف إيران عند حدّها.

لذا فإن ما تفعله اسرائيل اليوم ضدّ إيران، التي تتحمّل قيادتها مسؤولة أفعالها طوال العقدين الماضيين، كانت فعلت مثله وأكثر ضدّ الفلسطينيين واللبنانيين والسوريين، وهي ستفعل ذلك مستقبلاً بحكم طبيعتها، فالجريمة جريمة، إذ لا جرائم إسرائيل تغطّي أو تبرّر جرائم إيران في سوريا ولبنان والعراق، ولا جرائم إيران تغطّي أو تبرّر جرائم إسرائيل الاستعمارية والعنصرية والعدوانية ضدّ الفلسطينيين واللبنانيين والسوريين. فالتمييز والتبصّر مهمان أيضاً.

– صحافي وكاتب فلسطيني – سوري

درج

————————————

وسط نار الحرب الإقليمية.. سوريا في مواجهة مساع إسرائيلية لفرض سلام بالقوة/ أحمد الكناني

17 يونيو 2025

اعتبر مراقبون أن طلب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، من المبعوث الأميركي لسوريا توماس باراك، التوسط الأميركي في مفاوضات سلام مع سوريا، يشكل نقطة تحول جديدة، لا سيما أنه التصريح الأول على لسان رأس الهرم في السلطة الإسرائيلية، والذي طالب بالتوصل إلى مجموعة من الاتفاقيات، بدءًا باتفاقية أمنية محدّثة تستند إلى اتفاقية فض الاشتباك لعام 1974، مع بعض التعديلات، وانتهاءً باتفاقية سلام بين البلدين.

إلا أن هذه التصريحات سبقها توغل إسرائيلي جديد في منطقة بيت جن بريف دمشق الغربي، هو الأول من نوعه، إذ أقدمت قوات عسكرية مؤلفة من دبابات وناقلات جند وآليات برفقة طيران مسير، بتنفيذ عمليات دهم في المنطقة أسفرت عن مقتل مدني واختطاف 7 آخرين لا يزال مصيرهم مجهولًا، رغم احتجاجات الأهالي المطالبة بالإفراج عن أبنائهم، ما فُسر على أنه ورقة ضغط جديدة على دمشق مع اقتراب المحادثات المحتملة.

يأتي ذلك في وقت تشير التقديرات السياسية إلى أن تصاعد المواجهة بين إسرائيل وإيران، قد ينعكس بشكل مباشر على سوريا، والتي لا يمكن تحييدها من ساحة الصراع، وذلك بسبب الجغرافيا الحدودية مع إسرائيل، واحتمالية استخدامها من قبل الميليشيات الإيرانية للرد، أو كذريعة إسرائيلية جديدة للتوغل في العمق السوري.

سوريا بين نارين

يعتقد الباحث في الشؤون الإسرائيلية، محمد أبو شريفة، أن مسار المواجهة بين إسرائيل وإيران سيفرض واقعًا جديدًا في المنطقة، من حيث تغير قواعد الاشتباك، إذ تخشى إسرائيل من تفعيل إيران لأذرعها في المنطقة بما في ذلك سوريا، ما يعزز من فكرة توغلها وتواجدها في الجنوب السوري، لافتًا إلى أن بقاء القوات الإسرائيلية متوقف على نتائج المواجهة الدائرة بين الطرفين.

فيما يتوقع الخبير في الشؤون الأمنية والدولية، عزيز موسى، حدوث توغلات إسرائيلية إضافية في القريب، تحت ذريعة حفظ الأمن القومي، والقضاء على فصائل مرتبطة بإيران، وهو ما نفذته إسرائيل مؤخرًا للمرة الأولى في بيت جن عندما توغلت واعتقلت العديد من المدنيين الذين تزعم انتماءهم لحركة حماس، حسب ما جاء في بيان هيئة إذاعة الجيش الإسرائيلي.

مباحثات تحت الضغط

يرى أبو شريفة أن التوغل الأخير في بيت جن ليس الأول من نوعه، ولكنه الأعمق من حيث التمدد في الأراضي السورية، وتحديدًا مناطق ريف دمشق التي تقع على سفح جبل الشيخ، إضافة إلى حجم التعزيزات العسكرية الكبيرة التي دخلت بذريعة البحث عن عناصر تنتمي لحركة حماس، وعليه يندرج ذلك في إطار زيادة الضغط على دمشق، وممارسة حرب نفسية ممنهجة عليها لدفعها مجبرة إلى طاولة المفاوضات تحت مسميات عديدة منها اتفاق سلام، أو اتفاق تطبيع كما صدر مؤخرًا عن مسؤولين إسرائيليين، الأمر الذي يشكل إنهاكًا معنويا ونفسيًا على مستوى القيادة السورية قبل أي إجراء تفاوضي.

فيما يرى عزيز موسى أن هذه التطورات تعكس استراتيجية إسرائيل القائمة على الضغط الأمني، بفرض منطقة منزوعة السلاح جنوبًا، قبل الدخول في المحادثات مع سوريا من بوابة خلق واقع جديد ومفروض، وهو ما أراد نتنياهو إيصاله للمبعوث الأميركي توماس باراك بطلبه خلق منطقة منزوعة السلاح.

مقترح تعديل اتفاق 1974

بات من الواضح، وفقًا لما جاء على لسان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أن لا انسحاب من الأراضي السورية قبل التوصل لاتفاق مع دمشق، وإجراء بعض التعديلات على اتفاق فض الاشتباك 1974، تتضمن مقترحًا إسرائيليًا بتواجد القوات الأميركية في المنطقة الحدودية، الأمر الذي يراه الباحث محمد أبو شريفة مطلبًا متعارضًا مع بنود اتفاق فض الاشتباك الرئيسية والتي تنص على وجود قوات دولية وليست أميركية، إضافة إلى أن ذلك يتعارض مع السياسات الأميركية الرامية للانسحاب من سوريا، وليس تعزيز تواجدها.

وفي هذا الإطار يشير الباحث في الشؤون الأمنية عزيز موسى إلى المطلب الإسرائيلي الثاني المتعلق بإبعاد التواجد العسكري التركي عن الجنوب، وذلك بالتوصل لاتفاق أمني صريح بهذا المطلب، إضافة إلى أن إسرائيل تريد لعب دور يتجاوز توقيع السلام مع سوريا، من خلال خلق كيانات موازية جنوبًا يرتبط استمرارها بوجود إسرائيل بشكل مباشر، وعدم ترك الساحة السورية ضمن دائرة النفوذ الخليجي التركي.

دبلوماسية سوريا الحذرة

وفي ظل الضغوط الإسرائيلية على سوريا، يرى الباحث أبو شريفة أن الدبلوماسية السورية لا تريد الذهاب نحو تفاهمات مع إسرائيل مبنية على فرض واقع أمني، إذ عملت دمشق على إرسال التطمينات السياسية لكافة دول الجوار، بما فيها إسرائيل، والتي من الواضح أنها فشلت في تشكيل منطقة جنوبية آمنة بالنسبة لها، وذلك بعد أن زعمت وجود مجموعة تابعة لإيران أطلقت عدة صواريخ تجاه أراضيها، وعليه لا يمكن أن تفرض إسرائيل واقعًا أمنيًا على دمشق دون وجود القوات السورية بشكل فعلي على الحدود.

الترا سوريا

—————————————–

الحرب على إيران وقتالنا فوق الركام/ ربيع بركات

لا بأس من الاشتباك مع أصحاب التشوّه الإدراكي في قلب الحرب، خصوصًا أن بعض من يُحسب على النخب يُظهر حماسة بالغة للقضاء على إيران.

قبل ثلاثة أشهر، أجرى الإعلامي الأميركي تاكر كارلسون مقابلة مع رئيس الوزراء القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني. سأله عما سيحصل إن فُجّر مفاعل “بوشهر” النووي الإيراني على الضفة المقابلة لقطر من الخليج، ووقع تسرّب إشعاعي.

أجابه بن عبد الرحمن أن بلاده أجرت تمرينًا للمخاطر قبل سنوات، وكانت خلاصاته قاطعة: ستنفذ المياه من البلاد في غضون ثلاثة أيام بسبب التلوّث الإشعاعي. وهذا السيناريو لا ينطبق على قطر فحسب، بل على الكويت والإمارات أيضًا.

شرح بن عبد الرحمن، في مقطع آخر من المقابلة، كيف أنه خلال زيارة سابقة إلى الكونغرس ولقائه بأحد أعضاء مجلس الشيوخ، طمأنه الأخير بالقول “لن يتوجّب عليكم أنتم التعامل مع إيران”. فما كان من الضيف القطري إلا أن رسم خريطة تُظهر له ضيق الفاصل الجغرافي بين قطر (ومعها الإمارات) والمنشأة النووية، ليُبرز التشابك بين المصيرين. أما المفاجأة فكانت أن عضو مجلس الشيوخ… “فوجئ” بالخريطة.

لم يتعرّض مفاعل “بوشهر” إلى قصف إسرائيلي حتى الآن ولا حصل تسرّب إشعاعي منه. غير أن أخذ المثال المذكور كمعيار للقياس يبقى مفيدًا. ثمّة ضيق أفق وضعف إدراك لمدى تشابك المصالح بين إيران والدول العربية، سواء تلك المحيطة بإيران أو تلك المحيطة بإسرائيل. ولا ينطبق التشابك على سيناريو التسرّب الإشعاعي فحسب، بل على سيناريو “القضاء على إيران”، بشكلها الحالي، وعلى تبعات ذلك على المنطقة وفي قلبها إسرائيل.

ويبدو ضعف الإدراك هذا مذهلًا إذا ما قورن بديناميات التعامل مع الحرب داخل إيران نفسها. ففي إيران، حتى اللحظة (وهذا قد يتغيّر ربطًا بمسارات الحرب وصعوبة الظروف)، طيف واسع من المعارضة الإيرانية المتمسّك بحقوق دولته، بل بوجودها نفسه، لإدراكه أن الحرب هي على إيران الكيان ومصالح الشعب العليا (لا يخلو الأمر طبعًا من كتل معارضة ترى في الحرب على البلد فرصة ينبغي اقتناصها).

في المقابل، هناك عرب يرغبون بـ”تحرير” إيران أكثر من هذا الطيف الواسع من الإيرانيين المعارضين أنفسهم. وعلى يد من؟ على يد ممارس أكثر الإبادات توثيقًا في التاريخ، بحق واحد من الشعوب العربية، ومحتلٍّ لأكثر من بقعة في عالمنا العربي، ومعتدٍ خارجي لا هم له إن اندثرت إيران أصلًا أو لوّثت إشعاعات مفاعلاتها مياه الخليج.

ثمّة تشوّه إدراكي واسع النطاق ينبغي الوقوف عنده، أزعم أنه رافق، بشكل خاص، التحوّلات التي شهدها “الربيع العربي” في مراحله الأولى، خصوصًا لدى القوى والبيئات التي كان همّها الأوحد قلب أنظمة دمويّة من دون رسم خرائط طرق لما بعد هذا السقوط، أو فهم أن قدرتها على رسم هذه الخرائط باتت محدودة.

هذا التشوّه ترافق مع نمو جماعات سياسية وفضاءات معرفية أدّت أدوارًا وظيفية في سياقات إقليمية بالغة التعقيد، حتى أُعيد إنتاج انفصالات ثنائية بين قضايا “قومية” وأخرى “وطنية”، وحقوق فردية وأخرى جماعية. ومع ثنائيات كهذه برزت جماعات سلفية وأخرى حداثية تكاد تستنسخ ثنائيات الأنظمة والمعارضات في التسعينيات، أحيانًا بالمقلوب (كما هو الحال في سوريا، مع فارق أن أقطاب هذه الثنائية، ذوي الصوت العالي، لا يُعيرون اهتمامًا جديًا بالمجريات المصيرية في المحيط السوري).

على الأغلب أن هذا التشوّه الإدراكي يستدعي العودة إلى الأساسيات، بحيث يُعاد تعريف الأشياء، ويُقدّم إطار تفسيري لها متجاوز للثنائيات، ويبني فهمه لهذا الواقع ومآلاته المحتملة لا على تخيّلات أنتجها ضخ إعلامي (وبحثي) مهول، بالغ التحيّز، وسرديات مثقوبة أو أحادية البعد، من قبل أكثر من طرف. بل على الأغلب أنه يستدعي إعادة قراءة للتاريخ القريب الذي بالكاد أُغلقت إحدى مراحله (مع سقوط النظام السوري بعد 14 عامًا من أولى الاحتجاجات ضدّه) لتُفتتح أخرى (مع احتمالات تغيّر خرائط الإقليم).

وبانتظار أن يأخذ نقاش كهذا مداه، وهو بالغ الضرورة، لا بأس من الاشتباك مع أصحاب التشوّه الإدراكي في قلب الحرب، خصوصًا أن بعض من يُحسب على النخب يُظهر حماسة بالغة للقضاء على إيران بمعزل عن النتائج (والنخب في نهاية المطاف، جزئيًا على الأقل، انعكاس للموارد الموظّفة في عمليّة إنتاجها، وبعضها مصطنع بالتالي).

يُفيد على هامش الحرب على إيران، على سبيل المثال، التذكير بأن العدّة المفاهيمية المسطّحة التي يلوكها البعض بحاجة إلى تفكيك. يفيد القول، مثلًا، إن النسويّة إما أن تكون تقاطعية تأخذ في الاعتبار الحالة الاستعمارية كإطار مهيمن (dominant frame)، أو تكون نسوية بيضاء قائمة على المركزية الغربية، بل طبقية أيضًا. والحقوقية الليبرالية إما أن تكون شاملة، تنطوي على نزعة سيادية مجتمعية، أو مجرّد أداة كولونيالية لهندسة المجتمعات ودغدغةً لِحاجات الخلاص الفردي.

يفيد القول أيضًا إن العروبة إما أن تُقارب القضية الفلسطينية بوصفها مسألة مركزية ومصيرية، والعلاقة مع إيران وتركيا بوصفها تكاملية وتشاركية وندّية، أو تكون مجرد أداة خطابية لخطف الانتباه وحرف الأنظار. وكذا الأمر بالنسبة للإسلام والتاريخ الإسلامي المُستعاد في الحاضر، سواء كان شعاره التعبوي بني أمية أو شيعة علي أو خلاف ذلك.

يفيد الاشتباك في هذه الميادين بمعزل عن نتائج الحرب، ومع إدراك الاختلال الهائل في الموازين وصعوبة تطويع إسرائيل. كل هذا حتى لا نُضحي مجرّد أدوات وظيفية تعجز عن فهم واقعها حتى، سواء تجاوزنا الحرب من دون هزيمة، أو وجدنا أنفسنا فوق الركام، أو نتقاتل على جنباته.

أوان

—————————

 النِّظام الإيراني والجماعة الأوجلانيَّة/ هوشنك أوسي

2025.06.17

لي مقالات كثيرة حاولت فيها تفكيك وتحليل العلاقة بين النِّظام الإيراني وحزب العمَّال الكردستاني؛ المُنحلَّ شكلاً، الموجود تحت مسمّيات عديدة في سوريا وإيران وتركيا والعراق.

النِّظام الإيراني الدِّيني الطَّائفي الثّيوقراطي، والجماعة (الكرديّة) العسكريتاريّة الإيديولوجيّة اليساريّة، جمعتهما مصالح وتقاطعات مشتركة، لن تكون هذه الأسطر رصدًا وتحليلاً لها. يكفي القول: هناك نسخة أوجلانيّة إيرانيّة تُدعى “حزب الحياة الحرّة الكردستاني”، وتعرف اختصارًا بـ(PJAK)، أو ما يمكن وصفها بالمعادل الإيراني لـ”حزب الاتحاد الديمقراطي” (PYD) في سوريا.

لم تكد تمضي 24 ساعة على الحرب التي تشنّها إسرائيل على إيران، حتّى أصدر العمّال الكردستاني بيانَ شجبٍ وإدانة للهجمات الإسرائيليّة، ووصفها بأنّها تستهدف ضرب الشُّعوب بعضها ببعض، وخلق الحروب والدَّمار، وطالب الحزب في بيانه بالحوار لحلّ المشكلات!

وفي 14/6/2025 أصدر الفرع الإيراني للعمّال الكردستاني، وأقصد حزب (PJAK) بيانًا خاصًّا ومنفصلاً حيال الأوضاع في إيران. القسم العربي لوكالة فرات للأنباء (تابعة للحزب الأوجلاني في أوروبا) نَشَر جزءاً من مضمون البيان مترجمًا إلى اللغة العربيّة، دعا فيه جماهيره إلى “تشكيل مجموعات لدعم ضحايا الحرب، وإنشاء لجان لإنقاذ الجرحى، وتأسيس هيئات للمساعدة المالية، وتعزيز الإدارة الذاتية، وتقليص التدخل الحكومي في حياة المواطنين”. وقال: “هذه الإجراءات تمثل خطوات أساسية نحو بناء مجتمع ديمقراطي يعتمد على الإدارة الذاتية والعدالة الاجتماعية”. هذا الكلام الذي في ظاهره انحياز للمجتمع والإنسان ومناهضة للحرب والصِّراع، هو نفسه الكلام المعسول الذي كان يقوله حزب الاتحاد الديمقراطي من مارس 2011 ولغاية إعلانه فرض سلطته على شمالي سوريا، تحت مسمّى “الإدارة الذاتيّة الديمقراطيّة”، وبقيّة تفاصيل الحكاية الأوجلانيّة معروفة في سوريا!

السّؤال هنا: هل تسعى واشنطن وتل أبيب إلى إسقاط نظام الملالي الذي دعمه الغرب وفرضه على الإيرانيين، ثمّ أصبح وبالاً على الشّعوب الإيرانيّة وعلى العرب ومنطقة الخليج والشّرق الأوسط والعالم؟! لأنّ المبرر الذي دفع أميركا والغرب لضرب وحصار ثمَّ قلع نظام صدّام حسين، كان “أسلحة الدمار الشّامل”، واتضح لاحقًا سقوط هذا المبرر – الحجّة. وعليه، عمليّة خلع وإسقاط النظام العراقي السّابق، استمرَّت من 1998 ولغاية 2003. بينما مبرر إسقاط النظام الإيراني أقوى بكثير من مبرر إسقاط نظام صدّام. وبالتالي، لا يمكن استبعاد فرضيّة أو مخطط الإسقاط.

وكي يسدَّ نظام خامنئي أبواب ثورة حقيقيّة عارمة في إيران بالتزامن مع القصف الذي يتعرّض له، تبدو خياراته صعبة ومحدودة. لأنّ هذا النِّظام عصفت به حركات احتجاج عديدة من 2009 ولغاية 2024، لعلّ أبرزها:

– الحركة الخضراء في يونيو 2009، التي قام بها التيّار الإصلاحي، تنديدًا بالتزوير الذي شهدته انتخابات الرِّئاسة التي أتت بمحمود أحمدي نجاد لدورة رئاسيّة ثانية.

– الحركات الاحتجاجيّة سنوات 2017 و2018 و2019 وكانت على خلفيّة اقتصاديّة.

– حركة الاحتجاجات الكرديّة التي اندلعت في مدن ومحافظات كردستان إيران عقب الإعلان عن مقتل الفتاة الكرديّة مهسا أميني (جينا أميني) تحت تعذيب شرطة الأخلاق، في 16 سبتمبر 2022.

ومع كلّ تحرُّك جماهيري، كان النِّظام الإيراني يتّهم الغرب، وتحديدًا أميركا وإسرائيل بالوقوف خلفها. في حين أنَّ السَّحق الدَّموي لكلّ تلك الحركات الاحتجاجيّة، معطوفًا عليها الضّلوع الدّموي للنّظام الإيراني في سوريا ولبنان واليمن، وتهديد أمن البحرين والكويت والسّعوديّة، لم تدفع المجتمع الدولي والغرب وأميركا لاتخاذ إجراء رادع حازم صارم ضدّ طهران. وحين وصل الأمر إلى تهديد أمن إسرائيل، تدخّلت الأخيرة بشكل منفرد، وهي مطمئنة أنَّ الدّعم الغربي سيأتي لاحقًا، ودمَّرت غزَّة وضربت “حماس” داخل وخارج فلسطين، وضربت “حزب الله”، وجماعة “الحوثي”، ثمّ جاء دور رأس الأخطبوط، بعد بتر أو شلّ أذرعه. والسّؤال: هل تمّ قطع أذرع إيران كلّها؟ والإجابة؛ لا. بقي “الحشد الشَّعبي” الشّيعي العراقي، والحشد الأوجلاني في إيران والعراق.

وبحسب بيان “العمّال الكردستاني” وفرعه الإيراني، السّالفي الذّكر؛ تتجه طهران إلى منح سلطة وإدارة مناطق كرديّة إيرانيّة لهذه الجماعة، بهدف ضبط الأمن وتحييد كرد إيران، وتخفيف الضَّغط على جيش وأمن النِّظام، حتّى يتفرّغ الأخير لمعركته. يعني تطبيق سيناريو يشبه سيناريو “روجافا – الإدارة الذاتيّة الديمقراطيّة” التي كانت في ظاهرها مُعارِضة لنظام الأسد، لكن من تحت الطّاولة كان هناك تنسيق أمني وسياسي واقتصادي مشترك معه.

في حال تحقق المشروع المشترك بين نظام طهران والجماعة الأوجلانيّة، والمؤشّرات تفضي إلى ذلك، فغالب الظنّ أنّ تركيا لن تعارض ذلك. لأنّها نددت بالهجمات الإسرائيليّة. واعتبر دولت بختشلي، (شريك أردوغان في الائتلاف الحكومي)، أنّ “الهدف المقبل سيكون تركيا” في إشارة منه إلى نيّة أميركا تفكيك دول المنطقة..، إلى آخر هذه السرديّة التي يكررها أردوغان وأوجلان وبختشلي على حد سواء وبشكل متناغم. يعني، ليس من مصلحة تركيا إسقاط النِّظام الإيراني بأيدي أميركيّة – إسرائيليّة، مثلما لم يكن من مصلحتها إسقاط نظام صدّام حسين.

النُّخب السِّياسيّة الكرديّة الإيرانيّة، تُقِر بوجود هكذا مشروع، إلاّ أنّها تقلل من احتماليّة نجاحه، بسبب وجود قوّة عسكريّة مسلّحة تابعة للأحزاب الكرديّة الإيرانيّة، مناهضة للحزب الأوجلاني الإيراني، ولن تسمح له بفرض سيطرته على مدن ومحافظات كردستان إيران، كما فعل الحزب منتصف 2011 في المدن الكرديّة السوريّة. ذلك أنَّ الأحزاب الكرديّة السُّوريّة منذ نشأتها هي أحزاب سياسيّة اعتمدت النِّضال السِّلمي المدني، ولم تتبنَّ الخيار العنفي المسلّح في مواجهة نظام دمشق وحليفه العمّال الكردستاني!

تجب الإشارة إلى أنّه في سنة 2009 وفي أثناء اتساع رقعة حركة الاحتجاجات الإيرانيّة (الخضراء)، دعا البنتاغون حاجي أحمدي؛ الزَّعيم السّابق لحزب (PJAK)، إلى واشنطن مرّتين بشكل سرّي، وطلبت منه مشاركة حزبه في الاحتجاجات، وسيلقى الدَّعم بالمال والسِّلاح من واشنطن، إلاّ أنَّ جميل بايق زعيم الكردستاني في جبال قنديل، رفض ذلك بشكل مطلق.

مقصدي؛ حاولت واشنطن إقناع فرع الكردستاني في إيران بالدخول في مواجهة النِّظام الإيراني، إلاّ أنَّ الجماعة الأوجلانيّة رجّحت كفّة مصالحها مع طهران على كفّة حريّة الشّعب الكردي من ظلم وقمع ونظام طهران الذي كان ينفذ أحكام الإعدام بحقِّ العشرات من النّاشطين السِّياسيين الكُرد.

وعليه؛ ربّما يتمّ تأجيل جدولة نزع سلاح العمّال الكردستاني من قبل تركيا، لأنّ وجود أو بقاء هذا السّلاح الآن سيدخل في مصلحة طهران وأنقرة على حدّ سواء. وفي أضعف الإيمان، سيتمّ إيهام الرّأي العام التركي بترتيب نزع سلاح الحزب ظاهريًّا، لكنه سيدخل في مهمّة الوقوف في وجه أيّ كيان مستقلّ أو فيدرالي، ربّما يفرض على إيران في المستقبل القريب. هذا من جهة، من جهة أخرى؛ الأذريون وإقليم أذربيجان – إيران، هم تحت سيطرة أنقرة، سواء بشكل مباشر أم عبر حكومة جمهوريّة أذربيجان. ويبقى العرب السنّة خارج السَّيطرة التركيّة والإيرانيّة، بالإضافة إلى الشِّيعة السَّاخطين على نظام الملالي.

حاصل قولي: إذا خرج النِّظام الإيراني من هذه الأزمة سليمًا، حتّى ولو على ركام وأنقاض بلد منهار، فإنَّ سقوطه أو إسقاطه سيكونان من رابع المستحيلات.

تلفزيون سوريا

————————–

حملة أمنية سورية في مناطق الحدود مع العراق خشية تحرك إيراني تستهدف «فلول النظام البائد» و«الحرس الثوري» في خطوة وقائية دمشق

سعاد جرَوس

أطلقت دمشق حملة أمنية شرق سوريا على الحدود مع العراق في خطوة وقائية، وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر خاصة في دمشق، أن السلطة السورية تلقت تحذيرات إقليمية من احتمال لجوء إيران إلى تحريك مجموعات مسلحة وعناصر ميليشيات كانت مرتبطة مع «الحرس الثوري» الإيراني، والتي لا تزال تنشط اليوم في التهريب على الحدود السورية – العراقية، وتمتلك شبكة علاقات واسعة مع ميليشيات عراقية تتبع لإيران.

وقالت المصادر إن هناك حذراً من احتمال لجوء إيران إلى توجيه ضربات لقوات التحالف وقوات إقليمية عبر تلك المجموعات؛ بهدف توسيع دائرة الصراع وتخفيف وطأة الضربات الموجهة من إسرائيل إلى إيران.

وبعد يومين من اتصال هاتفي جرى بين الرئيس التركي رجب طيب إردوغان والرئيس السوري أحمد الشرع، طلب خلاله الرئيس التركي إبقاء سوريا خارج دائرة المواجهة، أعلن قائد الأمن الداخلي في محافظة دير الزور العقيد ضرار الشملان، الاثنين، إطلاق «حملة أمنية شاملة» على مستوى محافظة دير الزور، وذلك بالتنسيق «المباشر والتعاون الكامل مع وزارة الدفاع التي تساهم في تأمين الغطاء الأمني والدعم اللوجيستي اللازم».

ودعا الشملان جميع الأهالي إلى «الإبلاغ عن أي نشاطات مشبوهة»، مضيفاً أن الحملة تستهدف «فلول النظام البائد»، وقد بدأت فجر الاثنين مع إعلان حظر التجول في مدينة الميادين (45 كم جنوب شرقي دير الزور) على الحدود مع العراق.

وأوضح الشملان في بيان رسمي نشرته وسائل الإعلام السورية، أن الحملة بدأت من الميادين «نظراً لما تبين من وجود عناصر مطلوبة فيها متورطة في أنشطة تشكل تهديداً مباشراً لأمن المجتمع»، مثل الاتجار بالمخدرات وارتكاب جرائم قتل، والاعتداء على الأهالي، إلى جانب ورود عدد من الدعاوى الخاصة بحق بعض المتورطين.

وأضاف أن الحملة «ستنفذ بشكل مرحلي ومدروس بما يضمن أعلى درجات الدقة والفاعلية مع الالتزام التام باحترام حقوق المواطنين وعدم المساس بأي طرف بريء»، والتأكيد على أن «الحملة تستهدف فقط من تثبت بحقهم أدلة واضحة على تورطهم في الجرائم المذكورة».

مصادر محلية في دير الزور قالت لـ«الشرق الأوسط»، إن المشهد معقد جداً في المناطق الشرقية، حيث تواجه قوى الأمن الداخلي ووزارة الدفاع تحديات كبيرة في ضبط الوضع الأمني، أبرزها التكتلات العشائرية، حيث تعتمد دمشق على انتشار عسكري لامركزي تقوم فيه مجموعات محلية انتسبت لقوى الأمن ووزارة الدفاع بإدارة المناطق.

غير أن هناك كثيراً من المنتسبين كانوا سابقاً في ميليشيات تتبع للنظام وإيران وروسيا؛ وهو ما يتسبب بحالة سخط شعبي لارتكاب عناصر منهم تجاوزات وانتهاكات بحق الأهالي أدت مؤخراً إلى فصل عدد منهم من قوى الأمن العام.

وأشارت المصادر إلى ثقل «التركة» التي خلفها النظام السابق وحلفاؤه في دير الزور، فعدا الدمار الهائل والوضع الاقتصادي البائس، لا تزال هناك مجموعات مسلحة خارجة عن القانون تواصل نشاطها في التهريب وتجارة المخدرات، واستخدام نفوذها العشائري في المنطقة؛ ما يعني أن هؤلاء ما زالوا يشكلون خطراً يهدد الأمن، وثغرة يمكن لإيران استخدامها في أي وقت.

وأفاد موقع «فرات بوست»، بأن قوى الأمن العام اعتقلت، صباح الاثنين، في بلدة صبيخان شرق دير الزور، عمر بدر الخالد، الملقب بـ«أبي عبد الله»، مع أنه سبق أن أجرى تسوية. إلا أن مصادر إعلامية محلية كانت قد أفادت مطلع الشهر الحالي باعتقال الخالد مع فيصل سطام الفياض، وكلاهما قيادي في مجموعة «قاطرجي» التي كانت تتولى حماية حقول النفط وعمليات الشحن من مناطق سيطرة «قسد» إلى مناطق نظام الأسد إلى جانب الأعمال القتالية. كما أن القياديين كانا مرتبطين بـ«الفيلق الخامس» في قوات النظام السابق التابع لروسيا، وعُرفا بنشاطهما في تجنيد الشباب لصالح ميليشيا «فاغنر» الروسية.

وسبق ذلك تفكيك قوى الأمن العام في 20 مايو (أيار) الماضي إحدى أبرز شبكات التهريب المتمركزة في بلدة الهري على الحدود مع العراق، بريف مدينة البوكمال شرقي دير الزور، والتي يتزعمها حسين العلي وأبناؤه، حيث تم اعتقالهم بعد اشتباكات عنيفة مع عشرات المسلحين الناشطين في التهريب، وضبط كميات كبيرة من المخدرات والذخائر، بالإضافة إلى كشف أنفاق وغرف سرية تحت الأرض كان يستخدمها «الحرس الثوري» الإيراني على الحدود السورية – العراقية.

الشرق الاوسط

————————-

====================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى