أبحاثسقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوعسياسة

ملف تناول “الجيش السوري الجديد” و المقاتلين الأجانب

سوريا أمام مهمة عاجلة لاحتواء المقاتلين الأجانب/ طوني فرنسيس

ما يقرب من نصف المسلحين رحلوا إلى إيران والبقية قيد الاستيعاب والاحتواء

الجمعة 4 أبريل 2025

كان نظام الأسد سباقاً إلى اولاستعانة بمقاتلين أجانب عندما لجأ في وقت مبكر إلى إيران لقمع احتجاجات السوريين، وأرسلت طهران من سمّتهم “مستشاريها” على رأس ميليشيات مذهبية من دول عدة أسهمت في تعميق إضفاء الطابع الديني- المذهبي على الصراع.

تواجه السلطات الجديدة في سوريا سلسلة من التحديات التي عليها حلها بسرعة لتقصير فترة المرحلة الانتقالية وجعلها معبراً فعلياً نحو سوريا الموحدة المستقلة، وطناً يتسع لكل أبنائه الذين هبّوا طوال أكثر من 14 عاماً للخلاص من نظام ديكتاتوري فئوي.

وعلى رغم الخطوات الكبيرة التي خطتها القيادة الجديدة المنتصرة نتيجة معارك نهاية العام الماضي، فإن انقسامات بارزة لا تزال قائمة في الجسم السوري، حيث لا تزال قوى مسلحة تعمل خارج سلطة القيادة في الشمال والجنوب وحيث يحتاج الاتفاق المبدئي الموقع مع “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) إلى مزيد من الجهود لترجمته على أرض الواقع، فيما تطرح المشكلة الدموية مع العلويين ضرورة بتّ مسألة علاقة السلطة بالأقليات، وهي مشكلة قابلة للحل بقدر ما يمكن أن تتحول إلى صاعق يفجر المجتمع السوري ويطيح بأحلام قيام الدولة السورية الموحدة .

لقد أدت صدامات الساحل في مارس (آذار) الماضي إلى مقتل المئات، أكثرهم في مجازر ذات طابع طائفي، وقيل إن مرتكبي المجازر هم في أكثريتهم ممن لا ينتمون إلى قوات الشرعية الجديدة، بل إن بينهم كثيراً من الأجانب “المهاجرين” المنضوين في تنظيمات مصنفة إرهابية على المستوى الدولي، وأدى سلوكهم الدموي إلى موجة تهجير جديدة طاولت الآلاف من أبناء الطائفة العلوية الذين قصدوا لبنان، حيث سبقهم إليه مئات آلاف السوريين السنّة هرباً من بطش نظام بشار الأسد الذي ينتمي إلى تلك الفئة المكلومة الآن.

كان نظام الأسد سباقاً إلى الاستعانة بمقاتلين أجانب عندما لجأ في وقت مبكر إلى إيران لقمع احتجاجات السوريين، وأرسلت طهران من سمّتهم “مستشاريها” على رأس ميليشيات مذهبية من دول عدة أسهمت في تعميق إضفاء الطابع الديني- المذهبي على الصراع.

أتت هذه التركيبة بـ”حزب الله” من لبنان و”فاطميون” من أفغانستان و”زينبيون” من باكستان وغيرهم من بقاع النفوذ الإيراني، وقاتل هؤلاء تحت شعارات مذهبية أبرزها “حماية المراقد المقدسة” لدى الشيعة وشمل قتالهم مناطق سورية واسعة، مما أدى إلى تشتيت أهلها داخل البلاد وخارجها.

وخرجت إيران ومستشاروها ومعها ميليشياتها من سوريا مع فرار الأسد إلى موسكو، وعاد “حزب الله” منهكاً تحت الضربات الإسرائيلية للبنان، وفرّ ما يزيد على الفي مقاتل من الأفغان والباكستانيين بسلاحهم إلى العراق حيث يدور نقاش حول مصيرهم يتناول نزع سلاحهم إلى جانب نزع سلاح الميليشيات العراقية أو ترحيلهم إلى إيران، حيث الجهة التي تديرهم، الحرس الثوري الإيراني.

وفازت “هيئة تحرير الشام” في المعركة وكانت التنظيم الرئيس الذي أعد للحظة الفوز تلك، لكن كثيراً من المنظمات الأخرى كانت موجودة لمشاركتها النصر، وهناك مقاتلون جاؤوا على مدى الأعوام الماضية إلى سوريا يحملون أفكاراً تراوحت ما بين فكر تنظيم “القاعدة” ومشروع تنظيم “داعش” المهزوم خلال معركته الأخيرة في العراق وبعد ذلك في سوريا، وأتى هؤلاء من أكثر من 18 دولة، فبعضهم انضوى تحت لواء “الهيئة” مثل “أجناد القوقاز” (في أرياف حلب وإدلب وجبال الساحل) و”عصائب الإيغور” و”حراس الدين” الذي يضم أردنيين وأتراكاً ومغاربة ومصريين وتونسيين .

التنظيم الأخير تأسس عام 2018 كأحدث فروع “القاعدة” في بلاد الشام وحاول أن يخلف “جبهة النصرة” التي خرجت من “القاعدة” وتحولت إلى “هيئة تحرير الشام”، فاصطدم معها إلى أن أعلن حلّ نفسه في الـ28 من ديسمبر (كانون الثاني) عام 2024 لأن “المهمة في سوريا انتهت بعد تحرير أرض الشام من الطاغية”، على ما جاء في بيان التنظيم.

وكان الرئيس أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني سابقاً) لاحق “حراس الدين” في مناطق نفوذه، وواصلت الولايات المتحدة اصطياد قادته بعدما اعتبرت أن إجراءات حلّه بقيت شكلية.

وحاولت السلطات الجديدة احتواء المقاتلين الأجانب الذين ساعدوا في تأمين انتصارها على النظام، ولم يكُن في الأمر ما يفاجئ، فالأسد، على ما قيل وزّع جنسيات ومكاسب على عناصر في الميليشيات التي قاتلت إلى جانبه، وفي التاريخ شواهد وأمثلة عن مقاتلين أجانب جرى احتضانهم في بلدان خاضوا معارك من أجلها.

“الفيلق الأجنبي” الفرنسي الذي تأسس عام 1830 مثال على ذلك، وفي التاريخ الأقرب نال مقاتلون إلى جانب المقاومة الفرنسية ضد الألمان الجنسية الفرنسية، والنموذج الأبرز والأقرب ربما يكون الأرجنتيني إرنستو تشي غيفارا الذي قاتل إلى جانب فيديل كاسترو، فحاز الجنسية الكوبية ثم أصبح وزيراً في هذه الدولة.

وتختلف الظروف والتوجهات بين بلد وآخر أو حال وأخرى، لكن الثابت أن المقاتلين الأجانب لم يتحولوا يوماً إلى صناع قرار في البلدان التي عملوا فيها، وتجربة “الدولة الإسلامية في العراق وسوريا” مثال بارز.

في سوريا كان توجه السلطة الجديدة احتضان الأجانب الذين ساعدوا في فوزها ومحاولة ضبطهم، وهذا ما كان يعنيه المرسوم الذي أصدره الرئيس أحمد الشرع نهاية العام الماضي والذي تضمن ترقية ستة جهاديين أجانب من بين 49 رفّعوا إلى مناصب عليا في الجيش الجديد، وبين هؤلاء ألباني وأردني وطاجيكي وآخرين من بينهم إيغوري وتركستاني وتركي.

وكانت هذه الترقية خطوة تنسجم مع ما يعتبره الشرع احترام “تضحيات” الأجانب والإصرار على احتوائهم مع جماعاتهم في أطر وزارة الدفاع الجديدة، وما على هؤلاء في حال رفضهم الاندماج سوى البحث عن حلول أخرى تراوح ما بين العودة لبلدانهم واللجوء إلى دول أخرى أو “الهجرة” إلى ساحات قتال جديدة تستجيب لأفكارهم ومصالحهم، مما كانت مجموعة شيشانية فعلته عام 2023 (“أجناد القوقاز”) عندما انتقل 170 عنصراً منها إلى أوكرانيا للقتال ضد الروس، خصوصاً ضد قوات الرئيس الشيشاني رمضان قديروف ذراع موسكو في معارك أوكرانيا.

لكن الاحتواء ليس عملية سهلة إزاء جماعات تقودها أفكار دينية لا تعترف بالأوطان ويسهل اختراقها من أجهزة الاستخبارات الإقليمية والدولية كافة، فأثناء اشتباكات الساحل السوري ظهر أن قسماً من المقاتلين الأجانب، فضلاً عن مجموعات تتبع الأجهزة التركية في الشمال، قاما بدور أساس في ارتكابات تخطت حدود عملية ضبط النظام.

وتحدثت تقارير إعلامية عن قيام “جهاديين” قرغيز وأوزبك وشيشان، كانوا طردوا من الساحل مطلع العام، بارتكاب مجازر إثر تلبيتهم “النفير العام”، وإلى جانبهم برز دور فصائل موالية لتركيا في فرقة “سليمان شاه” المعروفة بـ”العمشات” وفرقة “الحمزة” (الحمزات) وهما جزء من “الجيش الوطني” الذي تدعمه تركيا لخوض معاركها ضد الأكراد.

وأظهرت تلك الاشتباكات أخطار الأدوار التي يمكن أن يضطلع بها “الأجانب” في السياسات الداخلية لسوريا، خصوصاً مع حتمية التوصل إلى حلول سلمية للانقسامات القائمة، ولم تلغِ مخاوف قوى دولية وإقليمية من إعادة تنشيط هؤلاء على جبهات عدة، ولذلك اختارت أميركا والاتحاد الأوروبي وقبلهما المجموعة العربية دعم حكومة الشرع، فهي المسؤولة أولاً وأخيراً عن إعادة بناء بلادها ومنع تحولها إلى بؤرة للفوضى والإرهاب.

(اندبندنت عربية)

———————————

المقاتلون الأجانب ما بين الفصائل السورية و”داعش”/ عبد الحليم سليمان

استغل تنظيم “القاعدة” في العراق تدهور الأوضاع مع بدء الاحتجاجات الشعبية وتحولها لمواجهات مسلحة ودخل إلى ساحة القتال لمساندة الحركات المعارضة

الجمعة 4 أبريل 2025

لم يشهد التاريخ السوري الحديث نشاطاً لحركات إسلامية مسلحة إلا في ثمانينيات القرن الماضي وكانت على علاقة بجماعة “الإخوان المسلمين” لتعود مجدداً مع المواجهات بين المعارضة والنظام السوري عام 2011 ثم تصل إلى أقصى تشددها مع سيطرة مقاتلين على مناطق واسعة في البلاد، بخاصة مع ظهور تنظيم “داعش” وتوافد عشرات آلاف المجاهدين الأجانب إلى الأراضي السورية.

يعود تاريخ تدفق المقاتلين الأجانب إلى الفصائل السورية للأشهر الأولى من الحرب في سوريا عام 2011، وحمل هذا الانضمام طابعاً قتالياً مناصراً للسوريين في مواجهة قوات نظام بشار الأسد، ولا سيما بعدما تحولت الاحتجاجات الشعبية إلى مواجهات مسلحة في معظم المناطق.

ويعود تاريخ العمل المسلح الديني لتنظيم “الطليعة المقاتلة” التابع لـ”الإخوان المسلمين” الذي تأسس في نهاية الستينيات من القرن الماضي ودخل في مواجهات عدة مع نظام الأسد الأب، إلا أن ذروته كانت معركة حماة عام 1982، معتمداً بذلك على تاريخ السلفية التي برزت في سوريا خلال عشرينيات القرن الماضي وثلاثينياته والتي كانت في حيز فكري من دون الولوج في السياسة والحياة العامة.

ولعل دخول المقاتلين الأجانب إلى سوريا ليس الظاهرة الوحيدة من نوعها في الصراعات المسلحة فإنه يعتبر جهاداً دينياً مسلحاً برز ضمن مناطق عدة في العالم كأفغانستان والشيشان والبلقان وليس انتهاء بالعراق حيث قام نظام بشار الأسد بإرسال المقاتلين إليه عقب سقوط نظام صدام حسين لمواجهة القوات الأميركية والتحالف الدولي هناك، في وقت تحولت دمشق إلى محطة ترانزيت للانتقال إلى داخل الحدود العراقية التي كانت تشهد فوضى وتراخياً، فكان من بين أولئك المقاتلين سوريون أشرفت قوى الأمن السورية على تجنيدهم ومتابعتهم ومراقبتهم لدى تنفيذ مهماتهم داخل الأراضي العراقية في مواجهة القوات الأميركية.

وعمد الأمن السوري إلى اعتقال من كان يعود منهم “حياً” وكان من بينهم أفراد نفذوا عصياناً مسلحاً داخل سجن صيدنايا في الحادثة المشهورة التي وقعت خلال صيف عام 2008.

العراق الرافد الأبرز

وشكلت الأحداث والمواجهات والدعاية الجهادية في العراق قرباً جغرافياً وزمنياً وحتى اجتماعياً مع سوريا التي استعرت فيها المواجهات بين القوات النظامية مع بدء تدفق الدعم الخارجي من جهة، مقابل مجموعات مسلحة أسسها ضباط وعناصر منشقون من الجيش السوري مع مسلحين محليين في مناطق مختلفة لتتحول من حال غير منسقة إلى فصائل تحت مسمى “الجيش السوري الحر” الذي لاقى دعم دول عدة من بينها الولايات المتحدة التي سرعان ما تراجعت وأوقفت دعمها، بخاصة بعد تسليم فصائل من “الجيش الحر كميات” من سلاحها إلى “جبهة النصرة” (“هيئة تحرير الشام” لاحقاً) في منطقة إدلب عام 2015.

ومع احتدام القتال بين السوريين وجد تنظيم “القاعدة” الفرصة سانحة للتغلغل في سوريا، فبدأ عناصر “جبهة النصرة” بالمشاركة في خطوط الجبهات إلى جانب “الجيش الحر” أواخر عام 2011 في مواجهة نظام الأسد، لتعلن عن تأسيسها رسمياً بداية 2012 ويزداد معها تدفق المقاتلين الأجانب إلى داخل الأراضي السورية حيث شكل الصراع في هذا البلد بوابة استقطاب كبيرة لهم، فوصل عددهم إلى 360 ألف شخص بالتناوب ما بين مقاتلين وعائلاتهم حتى نهاية عام 2015 وغالبيتهم قاتلوا في صفوف تنظيم “داعش” وكذلك “جبهة النصرة” ودخل معظمهم عبر الأراضي التركية بمن فيهم المقاتلون العرب وكذلك الأتراك الذين شكلوا النسبة الأكبر من الانضمام إلى هذا القتال.

الانقسام مع “داعش”

وظهر الانقسام بصورة مفاجئة بين “داعش” و”جبهة النصرة” في أبريل (نيسان) عام 2013 عقب كلمة لزعيم التنظيم وقتها أبو بكر البغدادي أعلن خلالها دمج “جبهة النصرة” التي كان يترأسها أبو محمد الجولاني (أحمد الشرع) مع تنظيم “داعش” في العراق لتتشكل “الدولة الإسلامية في العراق والشام”، مما رفضه الجولاني وطالب بالتحكيم والبيعة لأيمن الظواهري زعيم تنظيم “القاعدة” العالمي الذي بدوره ألغى الدمج الذي أعلنه البغدادي وحكم لمصلحة “جبهة النصرة” بإبقاء الجولاني زعيماً لها، مما أثر في المقاتلين الأجانب الذين استجابوا إلى دعوة البغدادي عند إعلان الدمج، في حين بقيت النسبة الكبرى من المقاتلين السوريين مع “جبهة النصرة”.

وعلى رغم الأساس الجهادي لدى التنظيمين، فإن “النصرة” كانت أكثر مرونة في التعامل مع الكتائب والفصائل السورية وتعمل بصورة مشتركة مع “الجيش الحر”، خصوصاً أن الأخير كان يستغل اندفاع مقاتلي “النصرة” وثباتهم في القتال ولا سيما الانغماسيون منهم الذي كانوا يقودون عربات مفخخة ويفجرونها في تحصينات القوات النظامية، في حين أن “داعش” كان يفرض السيطرة على “الجيش الحر” ودخل في مواجهات قضت على فصائله في معظم المناطق التي سيطر عليها، بل إن كثيراً من عناصر هذه الكتائب قبلوا الانضمام إلى التنظيم وأصبحوا أمراء ومسؤولين فيه.

وعلى رغم هذا الانقسام، فإن العنصر الأجنبي كان موجوداً لدى التنظيمين، بخاصة أن كثيراً منهم يحملون مزايا القتال في سوريا من حيث الفكر الأيديولوجي والإيمان بالقتال حتى النهاية لأنهم في “مهمة مقدسة”، إضافة إلى خبرات عسكرية جلبوها معهم سواء من كانوا عسكريين وضباطاً في جيوش بلادهم أو مجاهدين في مناطق مختلفة بما فيها الشيشان وأفغانستان وراكموا الخبرات في مواجهة الجيوش النظامية في تلك البلدان.

وبعد القضاء على تنظيم “داعش” عسكرياً وإنهاء سيطرته الجغرافية من قبل التحالف الدولي و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) خلال معركة الباغوز، توزع عدد من عناصر التنظيم بمن فيهم الأجانب في مناطق سيطرة المعارضة السورية المدعومة من تركيا في الشمال السوري وكذلك مناطق شمال غربي البلاد التي كانت مختلطة السيطرة ما بين الفصائل و”هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة)، في حين أن أكثر من ألفي مقاتل أجنبي وثمانية آلاف من عائلاتهم محتجزون داخل سجون “قسد” ومخيمي الهول وروج في شمال شرقي سوريا.

لكن وزن المقاتلين الأجانب بات في مناطق سيطرة “هيئة تحرير الشام” وأصبحت غالبيتهم جزءاً من تشكيلته العسكرية كالحزب التركستاني ومقاتلين عرب وطاجيك وإيغور من خارج سوريا وغيرهم ممن يحملون جنسيات مختلفة، فجرت مكافأتهم على القتال في مواجهة النظام السوري السابق ورُقي عدد منهم كضباط في الجيش السوري الذي يجري تأسيسه، في حين أن مطالب دولية توجه لدمشق بضرورة إبعاد العناصر الأجنبية من مراكز القيادة والسلطة في العهد السوري الجديد.

(اندبندنت عربية)

—————————

مصدر مطلع في وزارة الدفاع قال لـ “اندبندنت عربية” إن النية قائمة ليصل تعداده إلى 20 فرقة ليناهز قوامه 300 ألف مقاتل

الجمعة 4 أبريل 2025

الخطوة الأولى في تركيبة الجيش السوري الجديد تمثلت في تأسيس لجنتي التعيينات والهيكلة، إذ تتمتع كل منهما باستقلالية تامة عن الأخرى.

لم يتح للجيش السوري الوليد التنفس لبحث سبل تمويله وعسكرته بالشكل الأمثل عدداً وعتاداً، فكيف ستشكل الإدارة الجديدة جيشاً وطنياً محترفاً؟

بعد انتصار الانتفاضة السورية وإسقاط نظام بشار الأسد أواخر ديسمبر (كانون الأول) 2024، كان لا بد من رسم سياسة إستراتيجية جديدة تفكك بموجبها مراكز ثقل وارتكاز وقوة النظام السابق، وقد تجلى ذلك في “مؤتمر النصر” الذي عقدته الإدارة الجديدة في قصر الشعب أواخر يناير (كانون الثاني) الماضي، وهو الاجتماع الذي تمخضت عنه جملة قرارات قانونية ودستورية وسيادية من بينها حل “حزب البعث الاشتراكي” الذي ظل يحكم سوريا ضمن سياسة الحزب الواحد لعقود، وحل الجيش السوري السابق والأجهزة والإدارات الأمنية والفصائل المتحالفة معها أو الميليشيات الموالية لها.

وزارة الدفاع والجهود المكوكية

وتلك القرارات كادت تفرغ سوريا من قدرتها الدفاعية تماماً لولا المساعي الحثيثة لوزارة الدفاع بقيادة اللواء المهندس مرهف أبو قصرة إلى مسابقة الزمن لتشكيل جيش جديد من رحم الفصائل التي شاركت في عملية “ردع العدوان” التي أودت بحكم الأسد، لكن العقبات الأساس التي واجهت التنفيذ تمثلت في قلة التعداد العام ومشكلة التسليح والحاجة إلى تدريب عسكري مكثف من قبل خبراء، إضافة إلى أزمة خسارة سوريا نحو 80 في المئة من قدرتها الدفاعية والهجومية إثر 400 غارة شنتها مقاتلات الجو الإسرائيلية على مواقع ومعدات ومعسكرات ومعدات للجيش السوري السابق خلال الساعات الـ 48 التي تلت سقوطه، مما ترك أثراً عميقاً يمكن لحظه بسهوله إثر تداعي منظومة الدفاع الجوي بمضاداته من نوعي “بانستر” و”أس 200″ وراداراته وقوامه البشري، علاوة على استهداف المدافع والمركبات والآلات الثقيلة والأفراد، علماً أن الغارات الإسرائيلية لم تتوقف بعد ذلك بل لا تزال مستمرة ضمن ما يصنفه جيش الدفاع الإسرائيلي بـ “منع نشوء قوة تهديد” تؤثر في أمنه القومي في القريب أو البعيد، لذا تبقى إسرائيل أخطر القوى الإقليمية على ترسانة الجيش الوليد الذي لم يتح له التنفس بعد للبحث في سبل تمويله وعسكرته بالشكل الأمثل عدداً وعتاداً، بحسب عسكريين.

الجود من الموجود

وعلى رغم ذلك حاولت الوزارة خلال الأشهر الثلاثة الفائتة “الجود من الموجود”، فبعد تعيين اللواء أبو قصرة وزيراً للدفاع من رئيس الجمهورية العربية السورية أحمد الشرع، جرى ترفيع وتعيين اللواء علي نور الدين النعسان المنحدر من بلدة طيبة الإمام في ريف حماه رئيساً للأركان، كما أن وزير الدفاع ينحدر من بلدة حلفايا في ريف حماه.

والخطوة الأولى في تركيبة الجيش السوري الجديد جاءت عبر تأسيس لجنتي التعيينات والهيكلة، إذ تتمتع كل منهما باستقلالية تامة عن الأخرى إلى أن هدفهما المشترك هو توحيد فصائل الانتفاضة في بوتقة جيش وطني موحد يخضع للإدارة المركزية، فلجنة الهيكلة تولى إدارتها العميد الذي جرى ترفيعه بعد انتصار الانتفاضة، عبدالرحمن حسين الخطيب، وهو أردني الجنسية، ومن لجنة الهيكلة ولدت لجنة خاصة مهمتها إجراء جرد شامل لجميع فصائل الانتفاضة، وقد عمدت اللجنة المنبثقة عن اللجنة الأم إلى وضع آليات وضوابط وقوانين صارمة على صعيد الإحصاء، أبرزها إقرار الفصيل بتبعية المقاتل له وإجراء مقارنة بين رقم سلاحه واسمه، درءاً للتلاعب وإقحام أسماء جديدة لم تشارك في المعارك، وفي حال حصل ذلك، أي إذا وجد مقاتل لا يرتبط برقم سلاح محدد، فيجري تحويله إلى الانتساب المباشر للجيش خارج الفصيل الذي ادعى تمثيله.

تجري الرياح بما تريد الوزارة

أما عن اللجنة الثانية فقد تولاها رئيس أركان الجيش اللواء نعسان، وكانت مهمتها تعيين كبار مسؤولي الدولة العسكريين وقادة الفرق والألوية أحياناً، شرط أن يعتمد التعيين على الخبراء العسكريين التقنيين المشهود لهم بحسن إدارة المواقف العسكرية والقتالية، وضمناً من أثبت جدارة عليا في تخطيط المعارك والتنفيذ لها، “ويبقى الشرط الأساس أن تكون كامل الهيكلية بين اللجنتين تقتضي اعتراف الفصائل بالشرع رئيساً ومبايعته خلال ‘مؤتمر النصر’ مما يسهل على اللجان حصر السلاح بيد الدولة وإعداد وزارة دفاع متجانسة”، بحسب الخبير العسكري حاتم هلبة.

وكانت مهمات تلك اللجان قائمة بوتيرة متسارعة في وقت يعقد وزير الدفاع جولات لقاء مكوكية مع قادة الفصائل لضمها تحت عباءة وزارة الدفاع الجديدة، لكن الحديث حول اختيار الأكثر حنكة وقدرة عسكرية لتسلم مناصب عسكرية ذهب أدراج الرياح مع خروج أسماء التعيينات اللاحقة لـ “مؤتمر النصر” والتي شكلت مزيجاً من صدمة وخيبة لأوساط المراقبين للشأن السوري من جهة، وللسوريين من جهة ثانية، وللغرب الذي رأى بعض مسؤوليه في عدد من التعيينات تحدياً للمجتمع الدولي، على قاعدة أن بعض من تسلم المناصب الكبرى مدرج على لوائح العقوبات الأوروبية والأميركية، ومدان بمجازر حرب وإبادة وجرائم ضد الإنسانية.

7 فرق مبدئياً

وبعد انتهاء عمل اللجان والفرز والاتفاقات تمخضت الوزارة الجديدة عن سبع فرق قتالية تضم كامل فصائل غرفة عمليات “ردع العدوان”، فجرى تعيين العميد عناد درويش مسؤولاً للشؤون الإدارية في وزارة الدفاع، والعميد محمد منصور مسؤولاً عن شؤون الضباط، وهيثم العلي قائداً لفرقة حمص، وبنيان أحمد الحريري قائداً لفرقة درعا، وأبو القاسم بيت جن قائداً للقوى الجوية، أما قائد فرقة “العمشات” سابقاً العميد محمد الجاسم فقد أصبح قائداً للفرقة (25) في حماه، وقائد فرقة “الحمزات” سابقاً العميد سيف بولاد أصبح قائداً للفرقة (76) في حلب، والأخيران كانا يتبعان للجيش الوطني الذي ترعاه تركيا شمال سوريا، ومدانان بجرائم حرب وعقوبات أميركية نافذة، إضافة إلى تعيين الأردني عبدالرحمن الخطيب قائداً للحرس الجمهوري، وتعيين مختار التركي ذي الجنسية التركية قائداً لفرقة دمشق أو ما يعرف بـ “حامية دمشق”.

النية 20 فرقة

مصدر مطلع في وزارة الدفاع قال لـ “اندبندنت عربية” إن النية قائمة ليصل تعداد الجيش إلى 20 فرقة ليكون قوامه 300 ألف مقاتل، بعد اتخاذ القرار بإلغاء الجندية الإجبارية ليكون جيشاً محترفاً ونموذجياً، لكن ذلك التوسع يعتمد على التوافق مع قوات سوريا الديمقراطية الكردية (قسد) وفصائل السويداء المحلية واللواء الثامن في درعا بقيادة أحمد العودة جنوب سوريا، وتلك الجهات الثلاث لم تبد أية مرونة في التفاوض حتى الآن مما يجعل مهمة توسعة الجيش أكثر صعوبة، ومسألة إيجاد حلول لا بدائل أكثر مشقة لإتمام السيطرة على الحيز الجغرافي الأوسع من البلاد، وتالياً مواجهة التهديدات المحتملة وعلى رأسها خلايا إيران وخطر “داعش”، ولذلك قامت المؤسسة العسكرية بخطوات لدمج مكاتب التوجيه الشرعي التابعة لـ “هيئة تحرير الشام” وفصائل “ردع العدوان” بغية تشكيل مؤسسة جديدة هي إدارة التوجيه المعنوي بقيادة الشرعي في “هيئة تحرير الشام” مظهر الويس، وتُلقى على عاتق تلك الإدارة مهمة إعداد مناهج متقدمة ومتطورة لتطوير عقيدة قتالية عسكرية تقوم على الولاء للوطن لا الطائفة.

وفي هذا الصدد يقول الخبير الأمني مصطفى وهبي إن “مهمة إدارة التوجيه المعنوي تبدو شاقة للغاية، فالفصائل التي شاركت في الانتفاضة خرجت من رحم السلفية ومن الصعب عليها تقبل الأيديولوجية الوطنية بهذه السهولة، كما أن هناك ملف المقاتلين الأجانب، فهل ستتمكن الإدارة الجديدة من أدلجتهم بصورة عصرية متجددة تتناسب وقيم ومبادئ وتطلعات الحرية وانتصار الثورة وتشكيل وطن لجميع أبنائه؟ وأين هو دور هذه الإدارة من حالات القتل اليومية والخطف والاعتداء والانتهاكات والسرقة وحرق المنازل ومجازر الساحل؟ ولكن يبدو أن الأمر أقرب لذر الرماد في العيون أو كمن ينفخ في النار، وبالتالي فإن تحقيق تجانس فعلي أكثر من صعب”، مضيفاً “هل سيخضع أبو عمشة وبولاد لميثاق الشرف العسكري بعد ما فعلوه بالأكراد في عفرين وريف حلب من قتل وانتهاك وأكثر من ذلك، وهي الأسباب ذاتها التي وضعتهم تحت خانة عقوبات وزارة الخزانة الأميركية، فالجيش السوري الجديد فيه شرفاء كثر، لكن فيه متطرفين ولصوصاً ومنتهكين وقتلة، ولن تستطيع سوريا بناء نفسها بنفسها ولا بالمحاباة، وفي مرحلة قريبة عليها أن تستمع إلى النصح الداخلي والخارجي وأن تقبل تدخلات لوجستية وفكرية محدودة لضمان دفع العجلة إلى الأمام، إن كانت الإدارة الجديدة تنوي طمأنة بقية المكونات حقاً، بعد ضربها العلويين وطعنها الأكراد وتنفير الدروز منها”.

فوق المجزرة

بين السادس والـ 10 من مارس (آذار) الجاري تعرض الساحل السوري من مدن طرطوس إلى بانياس وجبلة واللاذقية مع عشرات القرى التابعة لها، لواحدة من أقسى عمليات التطهير العرقي التي راح ضحيتها أكثر من 2000 أعزل علوي، بين نساء وأطفال وشيوخ ورجال مع عدد من المسيحيين، بحسب ما أحصاه “المركز السوري لحقوق الإنسان”، وما وثقه المعارض البارز الحقوقي هيثم المناع، وقد انطلقت آلة القتل تلك إلى الساحل السوري من محافظات عدة إثر إعلان نفير عام في مساجد كثيرة وحملة تحريض غير مسبوقة على وسائل التواصل الاجتماعي، وكانت القصة بدأت بمواجهات بين الأمن العام السوري ومناصري النظام السابق، لكنها تطورت وارتقت لمرحلة الاستباحة الموثقة بالأسماء والصور.

ومع جلاء غبار المجزرة، بحسب وصف شهود، تمكنت منظمات محلية ودولية حكومية وغير حكومية من معرفة المتسببين فيها، وأشارت أصابع الاتهام مباشرة بالأدلة والقرائن إلى جهتين، الأولى مقاتلين أجانب من جنسيات أيغورية وتركستانية وطاجيكية وشيشانية وخلافه، والثانية لمجموعات محلية غير منضبطة على رغم تبعيتها لوزارة الدفاع، ولم تكن تلك المجموعات سوى “العمشات” و “الحمزات”، أي الفرقتين (25) و(76)، وقبل المجزرة كان الجاسم أبو عمشة نال ترفيعة لرتبة عميد وتقلد قيادة الفرقة (25) في حماه على رغم العقوبات التي تحاصره، وربما كان ذلك مفهوماً في سياق إعداد جيش يشترك فيه الجميع على أساس التحرير، أما المفاجأة فكانت بترفيع سيف بولاد وتوليته رئاسة الفرقة (76) في حلب بعد “مجازر الساحل”، مما فتح الجرح مجدداً لدى أهالي المكلومين متسائلين عن فحوى العدالة الانتقالية.

لئلا تكون عدالة استفزازية

ويرى بعض الحقوقيين وفقهاء القانون في تصاريح إلى “اندبندنت عربية” أن العدالة الانتقالية هي سبيل متين للخلاص من ثغرات وأحقاد الماضي، وبحسب القاضي أدهم مديني فإن تطبيق العدالة يبدأ بمحاكمة الجناة الأساس وتعويض الضحايا من دون تأخير، مشيراً إلى ضرورة تشكيل لجنة للمصالحة الوطنية مبنية على أسس ومعايير قانونية ومجتمعية وعرفية تنظر في 14 عاماً من الحرب والجرائم التي ارتكبها نظام الأسد.

ويتابع، “قد يرى بعضهم أن تطبيق العدالة الانتقالية سيكون منقوصاً ما لم يشمل جميع الأطراف، وهو رأي يؤخذ به ولكنه قد يفاقم الانقسام والاستفزاز في الشارع، لأن التاريخ يعلمنا أن المنتصر لا يُحاسب، وهنا نخشى تنامي الصراع مجدداً والدخول في متاهة متجددة من المشكلات عوضاً عن إتمام مشروع مصالحة وطنية جامعة، ولذلك فإنه يبدو من الشاق جداً خلال المرحلة الراهنة تعويض الضحايا لجملة أسباب، أولها مادي يتعلق بالموارد، ولكن يمكن الاستئناس بتجارب لجان المصالحة وما حققته من إنجازات عظيمة في جنوب أفريقيا وبعد الإبادة الجماعية في رواندا عام 1994”.

(اندبندنت عربية)

—————————

هل من مستقبل لـ”الشرع” في بلد منهار؟/ اسماعيل درويش

مراقبون يجمعون على أن استمراره في الحكم مرتبط بالقدرة على قيادة المرحلة الانتقالية وتلبية متطلبات الشارع

الجمعة 4 أبريل 2025

ملخص

 استطاع خلال قيادته فصائل المعارضة إسقاط نظام الأسد، وهو استحقاق تاريخي يحفظه له السوريون، لكن في المقابل يواجه سقف توقعات عالياً من الشارع السوري، وشرخاً مجتمعياً وعقوبات دولية، وهكذا ترتبط فرصه في الاستمرار بالحكم بمدى قدرته على قيادة السفينة السورية إلى بر الأمان.

قبل أشهر قليلة جداً لم يكن اسم الرئيس السوري أحمد الشرع متداولاً على الصعيد السوري ولا الإقليمي ولا الدولي، بل كان شخصاً يقود جماعة مصنفة على قائمة الإرهاب، ومعروفاً لدى الجميع باسم أبو محمد الجولاني، وقد بقي أعواماً عدة يقود “هيئة تحرير الشام” في محافظة إدلب شمال سوريا، واتسمت مناطق سيطرته بالانضباط الأمني الشديد مقارنة بباقي المناطق التي كانت تسيطر عليها فصائل المعارضة السورية، بل حتى مقارنة بمناطق سيطرة النظام السابق الذي كان يمثل الدولة الرسمية لدى المجتمع الدولي.

وما بين يوم وليلة قاد الجولاني معركة “ردع العدوان” لينتصر فيها باسم أحمد الشرع، وهو نصر قال الشرع عنه إن جميع السوريين شاركوا فيه، سواء المهجرين أو النازحين أو المقاتلين.

وأعلنت إدارة العمليات العسكرية تنصيبه رئيساً للبلاد خلال المرحلة الانتقالية، لينطلق بعد حصوله على صفة رسمية في إجراء زيارات دبلوماسية يلتقي بها نظراءه من زعماء العالم.

لكن الشرع الذي يقود سوريا اليوم يحكم بلداً منهكاً وعلى حافة الانهيار في ظل فقر بنسبة تزيد على 80 في المئة من الشعب السوري، وعقوبات خانقة، وفصائل ليست كلها على قلب رجل واحد.

مع بداية المرحلة الانتقالية، واجه الرئيس السوري تحديين كبيرين، عسكرياً وسياسياً، تمثل الأول في الأحداث التي جرت في الساحل السوري وأسفرت عن مقتل المئات من عناصر الجيش، وسط تقارير حقوقية وثقت مقتل عشرات المدنيين على أساس طائفي، وأما التحدي السياسي فتمثل بالإعلان الدستوري، إذ وصفه مراقبون بأنه شمولي منح رئيس البلاد صلاحيات وسلطات واسعة النطاق، فما فرص الشرع في الاستمرار بحكم البلاد في ظل كل هذه التحديات؟

وسام إسقاط الأسد

الباحث السياسي ورجل الأعمال السوري محمود الدرعاوي يقول لـ”اندبندنت عربية” إن “هناك فرصة قوية للشرع للاستمرار بحكم سوريا لأسباب عدة، مع ذلك لا يمكن نكران أن الأحداث التي جرت في الساحل السوري سيكون لها أثر سلبي، لكن ليس لدرجة رفض القبول الدولي بالشرع، بمعنى آخر فإن استمرار الشرع بالحكم يتعلق بالقبول سواء على الصعيد المحلي أو الإقليمي أو الدولي، وبطبيعة الحال سينظر المجتمع الدولي خلال تقييمه إدارة الرجل إلى تاريخ (هيئة تحرير الشام) والتنظيمات المصنفة راديكالية، وقبول الهيئة يتطلب إثبات العكس، وذلك يحتاج إلى بعض الوقت”.

ويضيف الدرعاوي “من جانب آخر فإن غالب الشعب السوري والمحيط العربي وجزءاً غير صغير من العالم استطاع الشرع أن يحظى بالقبول لديه، ولمعرفة سبب ذلك علينا العودة إلى عام 2011 عندما انطلقت الثورة السورية، فلم يكن لدى السوريين قناعة كبيرة بأنه يمكن إسقاط نظام الأسد الذي يجثم على صدر البلاد منذ خمسة عقود بالطرق السلمية أو بالتظاهرات، لذلك في بداية التظاهرات لم يكن هناك احتضان دولي جاد لها، واليوم بعد كل الذي حصل في سوريا يرى بعض الشارع السوري أن الشرع كان بمثابة المخلص من هذا النظام، لكن هذه النظرة للشرع، كمخلص، ستتلاشى تدريجاً في حال تأخرت مسألة تطوير البلاد وإعادة الإعمار. بمعنى آخر فإن بقاء سوريا تحت الضغوط الحالية وتردي الوضع المعيشي ستكون لهما آثار سلبية على الشرع نفسه، وبطبيعة الحال من حق الشارع أن يطالب بتحسين وضعه، إذ إن لدى السوريين طموحات بأن تصبح بلادهم في الأقل مثل دول الجوار، الأردن أو لبنان أو تركيا”.

ويتابع رجل الأعمال السوري “الشرع قدم نفسه قبطاناً للسفينة السورية، وهو بشكل أو بآخر مقبول لدى الغالبية، في حين توجد عليه تحفظات لدى بعض السوريين وعدم قبول لدى آخرين، لكن القبول النهائي وفرصة الاستمرار بالحكم مرجعها قيادته المرحلة الانتقالية، فإذا استطاع الشرع أن يقود السفينة إلى بر الأمان، وأن يتجاوز هذه المرحلة، مع تقديم تطمينات للدول المتحفظة بأن سوريا ليست بلداً يصدر الثورة ولا أي فكرة راديكالية، ربما بعد ذلك يلقى القبول الدولي”.

ويستطرد “من أهم القضايا التي يسأل عنها المجتمع الدولي اليوم: هل لدى الشرع سيطرة على كل الفصائل العسكرية المختلفة، خصوصاً تلك التي تنادي بأشياء لا ينادي بها السوريون، وأيضاً عليه معالجة قضية المقاتلين الأجانب، فعلى رغم أنهم قلة قليلة ولا يشكلون أي خطر فإن المجتمع الدولي أعطى هذه القضية أكبر من حجمها الحقيقي، بهدف اتخاذها ورقة ضغط أو تأخير بعض الأمور كالانفتاح على سوريا”.

يرى الدرعاوي أن “أحداث الساحل السوري لها جوانب سلبية وأخرى إيجابية، الأولى تتعلق بالانتهاكات التي حصلت والمرفوضة سورياً وإنسانياً وإسلامياً، ولا يخفى أن هناك انتقاماً حصل نفذه بعض الأشخاص نظراً إلى القتل الذي تعرضت له عائلاتهم أو أسرهم أو ذووهم على أيدي النظام السابق، ذلك النظام الذي كان يستخدم جزءاً من الطائفة العلوية لقمع الشعب السوري، لذا فإن نظام الأسد يتحمل جزءاً كبيراً من الانتهاكات التي حصلت في الساحل السوري.

أما الجانب الإيجابي للقضية، بحسب الدرعاوي، فهو “قدرة الحكومة في فترة وجيزة جداً على أن تسيطر على الوضع، وكما نعلم فإنه بعد هجوم الجماعات الموالية للنظام السابق على الأمن العام، كان هناك نحو 300 ألف شخص من مختلف الأراضي السورية تطوعوا على الفور بهدف الحفاظ على مكتسبات الثورة، وعلى رغم ذلك استطاعت الحكومة السيطرة على الوضع وإعادة الاستقرار إلى الساحل”.

ويختم المحلل السياسي حديثه “بالمختصر أعتقد أن هناك فرصة عالية للشرع للاستمرار بالحكم، لكن بسبب اسمه شخصياً قد يتأخر الاعتراف من بعض الدول، وأيضاً قد يتسبب في تأخير رفع كامل العقوبات، لكن المسألة لا تعدو مسألة وقت، ويمكن أيضاً الاعتماد على الحضن العربي، خصوصاً الدول ذات الثقل الكبير مثل السعودية وباقي دول الخليج ومصر، إذ إن اكتساب الدعم العربي سيكون له أثر إيجابي كبير”.

مأزق “رجل المرحلة”

خلافاً لما يقوله الدرعاوي، يرى الصحافي السوري ج ب، أن “أحمد الشرع لم تكن لديه الفرصة لحكم سوريا حتى قبل أحداث الساحل، فكيف بعد المجازر التي حصلت”، مضيفاً لـ”اندبندنت عربية”، “هناك حالات سابقة في التاريخ، فبعد الثورات أو تغيير نظام الحكم في أي بلد غالباً تكون أول قيادة بعد التغيير فاشلة، والشرع يسيطر على بلد منهار كلياً، اقتصاد تحت الصفر، فقر مدقع، عقوبات قاسية، شرخ مجتمعي كبير للغاية، لذلك كل ما يمكن له فعله هو تسيير المرحلة الانتقالية فقط لا أكثر، واليوم فإن كل سوري يؤمن بالوطن، أو كل شخص يريد استقرار سوريا يجب عليه دعم الشرع كونه صمام الأمان ضد نشوب حرب أهلية، لكن كما أسلفت فهذا الأمر لن يتجاوز المرحلة الانتقالية، وليس هناك أمل كبير بأن تتحسن الأوضاع أو يبدأ الإعمار في المستقبل القريب والمتوسط، لذلك أعتقد أن مهمة الشرع تقتصر على تسيير أمور البلاد خلال هذه الفترة قبل حصول التغيير الذي قد تستقر به سوريا إن أراد السوريون والمجتمع الدولي لهذه البلاد أن تستقر”.

الضابط السابق في الجيش السوري العقيد علي ناصيف، يرى أن “الشرع يعتبر رجل المرحلة، وهو استحق هذه المكانة لأن الجهد الأكبر في عملية إسقاط النظام كان لـ(هيئة تحرير الشام) التي يقودها، وإجماع كل الفصائل المقاتلة وغالبية القوى الفاعلة في سوريا على أن يكون هو رئيس المرحلة الانتقالية، وهذا مؤشر توافق داخلي حيث يلقى الشرع قبولاً واسعاً من غالبية الشعب السوري مع بعض التحفظات من بعض المكونات، أما بالنسبة إلى التوافق والقبول الدولي فهو متفاوت، فهناك دول إقليمية ترحب بالسياسات التي يتبعها، وبالانفتاح على الدول المحيطة والمجتمع السوري، وأخرى ترى أن لديه انفتاحاً على المجتمع الداخلي والعلاقات الخارجية، وتصريحاته في كل مناسبة توحي بأنه يعمل لتعزيز العلاقات السورية مع المحيط الإقليمي والمجتمع الدولي، وهناك بعض الدول من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لديها تحفظات على بعض السياسات الداخلية، وبصورة خاصة على تعيين بعض الأجانب في مراكز قيادية بالدولة”.

ويضيف ناصيف لـ”اندبندنت عربية”، أن “هناك أيضاً بعض الملاحظات داخلياً وخارجياً على عدم الإسراع بتفعيل وزارتي الدفاع والخارجية وتعزيزهما بالضباط المنشقين من الجيش والشرطة، والاستفادة أيضاً من المنشقين السياسيين والقانونيين والحكوميين، أما في ما يتعلق بأحداث الساحل فمن المعروف أنها تمت بدعم من أياد خارجية لضرب الاستقرار الداخلي، والتعامل معها أكد أنه لا بد من الاستفادة من المنشقين العسكريين من الجيش والشرطة، وفي شأن الإعلان الدستوري من المؤكد أنه غير ممكن حالياً، ففي هذه الظروف لا يمكن إجراء أي انتخابات أو استفتاء، لذلك وُضع إعلان دستوري ريثما تتهيأ الظروف الداخلية لإجراء انتخابات برلمانية وبعدها يُكتب ويُعلن الدستور وتناقش كل فقراته من قبل لجان متخصصة منبثقة من مجلس الشعب”.

والنتيجة التي توصل إليها المراقبون هي أن فرصة الشرع للاستمرار بالحكم مرتبطة بمدى قدرته على قيادة المرحلة الانتقالية، وتلبية الحد الأدنى من متطلبات الشارع السوري، خصوصاً أن سقف التوقعات لدى المواطن أعلى بكثير من قدرة الحكومة بسبب التقييدات الكبيرة المتعلقة بالعقوبات وعدم وضوح الموقف الأميركي حتى الآن، فإذا ما رفعت واشنطن العقوبات واعترفت بالشرع ستستكمل حكومته شرعيتها الدولية وتبدأ خطوات إعادة الإعمار بجدية أكبر، مما يعني تدفق مليارات الدولار للبلد المنهك، وهو مقدمة تمهد لاستمرار الشرع في حكم سوريا كرئيس شرعي محلياً وإقليمياً ودولياً.

(اندبندنت عربية)

—————————

من يسلح الجيش السوري الجديد؟/ بهاء العوام

حكومة الرئيس أحمد الشرع تخطط لجمع وتدريب وتسليح 300 ألف مقاتل على مرحلتين

الجمعة 4 أبريل 2025

تخطط القيادة السورية الجديدة إلى تشكيل جيش قوامه 300 ألف مقاتل، لكن ما ورثته سلطة الرئيس أحمد الشرع من أسلحة النظام البائد لا تكفي لتجهيز هذا الجيش، ولا بد لها من شراء أنواع مختلفة من الذخائر والآليات والمعدات لإتمام المهمة، لكن صعوبات عدة تحد من قدرة دمشق على التعامل عسكرياً مع دول الجوار والعالم.

انهار جيش نظام الرئيس بشار الأسد قبيل ساعات من سقوط العاصمة دمشق بيد المعارضة السورية المسلحة، خلت الثكنات ومقرات القوات المسلحة بعدما هرب الجنود تاركين وراءهم كل شيء، إلا من بعضهم الذين حملوا مسدسات وبنادق للتحوط من خطر ما في المستقبل، ثم أعادوها عندما فتحت السلطة الجديدة السبيل أمام أبواب التسوية لأوضاعهم وخدماتهم.

لم تهنأ فصائل المعارضة بما غنمته من أسلحة تركها الجنود الهاربون، فقد أغارت إسرائيل بعد سقوط الأسد مباشرة على مئات المواقع للجيش السابق، ولا تزال حتى اليوم تلاحق أي تحرك يمكن أن يدرج تحت عنوان العمل العسكري أياً كان مكانه في سوريا، وليس فقط في مناطق الجنوب التي تريدها تل أبيب خالية من السلاح لأجل غير مسمى.

ثمة أسلحة إيرانية وصينية وكورية شمالية كانت بحوزة نظام الأسد، لكن لا يعرف بدقة ماذا بقي منها بعد حرب دامت لأكثر من عقد كامل وقصف إسرائيلي استهدف مناطق مختلفة على امتداد الجغرافية السورية، وهنا يبرز السؤال حول تسليح جيش الدولة الجديدة ومن يمكن أن يقوم بهذا الدور في ظل الظروف الداخلية التي تعيشها البلاد، والهواجس الخارجية، الأمنية والسياسية، التي تحاصر وتضغط على حكومة الرئيس أحمد الشرع. 

الاستراتيجية الكبرى

من وجهة نظر المتخصص العسكري العميد إلياس حنا، فإن تسليح الجيش السوري يجب أن يستند على استراتيجية كبرى تضعها الدولة الجديدة وتحدد فيها العدو والأخطار والعلاقة مع المحيط العربي والإقليمي والدولي، فتصنيف العدو والصديق يسهم في رسم سياسة الدولة، ويضع محددات وتجليات العقيدة العسكرية التي يبنى عليها الجيش.

يقول حنا في حديث مع “اندبندنت عربية”، إن استراتيجية الأمن الكبرى تنتج عقيدة عسكرية توضح آلية تنظيم الجيش وتدريبه وتسليحه، وفي سوريا لا بد من الأخذ بعين الاعتبار التعددية الإثنية والعرقية فيها، وبقاء الدولة لأكثر من خمسة عقود متتالية تحت حكم نظام مركزي السلطة وله قائمة من الخصوم والأصدقاء وضعها وفقاً لمصالحه.

تخطط القيادة في دمشق إلى إعداد 300 ألف مقاتل على مرحلتين أولها تشمل 50 إلى 80 ألفاً، وبحسب تصريحات نقلت عن الرئيس السوري أحمد الشرع في فبراير (شباط) الماضي، فقد تقدم الآلاف للانضمام إلى الجيش السوري الجديد عقب إطاحة نظام الأسد، وفتح باب التطوع من قبل وزارة الدفاع التي يقودها مرهف أبوقصرة.

ويشير حنا إلى أن أسواق التسلح اليوم حول العالم مفتوحة ولكنها مراقبة من قبل دول كأميركا وإسرائيل، فلا يمكن لدول تستورد السلاح الأميركي مثلاً أن تصدره إلى سوريا من دون موافقة الولايات المتحدة، ولن تقوم دولة مصنعة مثل تركيا بتصدير أسلحة محلية إلى جارتها الجنوبية إلا لتحقيق أهداف سياسية وأمنية قد يصعب على دمشق تنفيذها.

وبحسب حنا اعتمدت سوريا خلال حقبة الأسد الأب والابن على دول مثل روسيا وإيران في تسليح الجيش، لكن ذلك لم يعد ممكناً على الغالب بسبب تاريخ البلدين مع الثورة السورية ضد النظام السابق، فالتعاون العسكري مع أي من الدولتين سيتسبب على الأرجح بغضب القاعدة الشعبية للسلطة الجديدة، وقد يخلق إشكاليات لا طائل من إثارتها. 

المعطيات الأولية تقول وفق حنا، إن سوريا اليوم في حاجة إلى أسلحة برية وجوية وبحرية لكن أولوية الدولة يجب أن تكون لتنظيم الجيش وتدريبه، ذلك لأن هاتين المهمتين تمهدان لتحديد حاجات القوات المسلحة والدول التي يمكن الاستعانة بها في هذا الشأن، وفق تلك الاستراتيجية الكبرى التي يفترض أن ترسمها سلطة دمشق في المقام الأول.

الشرق والغرب

الجيش السوري السابق كان شرقي العقيدة العسكرية، وقبل سقوط الأسد حاز وفق تقارير متخصصة قائمة من الأسلحة الروسية تضمنت 330 طائرة مقاتلة وقاذفة، مئات المروحيات، أنظمة دفاع جوي من طراز (أس 200 وأس 300)، كذلك صواريخ أرض- أرض ودبابات وغواصتان وفرقاطتان و16 زورقاً مسلحاً وخمس كاسحات ألغام.

برأي المتخصص العسكري العقيد أسعد الزعبي، تمتلك سوريا اليوم فرصة الاختيار بين معسكرين عسكريين شرقي وغربي ترسخا بعد الحرب العالمية الثانية، وانتقاء أي منهما سيحدد العقيدة العسكرية للدولة، ومن ثم تسليح جيشها، ذلك لأن كل عقيدة بينهما لها متطلباتها في التدريب والدراسة والبنية التحتية والاستراتيجيات الأمنية والسياسية.

ويقول الزعبي في حديث مع “اندبندنت عربية”، إن اختيار أسلحة الجيش السوري الجديد يقوم على ثلاثة عوامل رئيسة مترابطة في ما بينها هي العقيدة العسكرية والموازنة والعلاقات الدولية، فالجيش السابق كانت عقيدته شرقية، ولذلك جميع أسلحته كانت من روسيا بالدرجة الأولى ثم الصين وإيران وكوريا الشمالية، وهو ما جعل تدريب القوات المسلحة ومواقعها العسكرية وكلياتها ومراكز أبحاثها مصممة لاستخدام تلك الأسلحة فقط.

يشير الزعبي إلى أن الدولة السورية الجديدة تميل نحو المعسكر الغربي في التسلح، ذلك لأنها تبحث التعاون العسكري مع تركيا الدولة العضو في الـ”ناتو” والمصنعة لعدة أنواع من العتاد العسكري الأميركي والأوروبي، لأن المضي نحو هذا الخيار رهن بتوجهات وخطط سلطة دمشق الأمنية والعسكرية والسياسية وإمكاناتها المادية أيضاً.

والعلاقات الدولية من ناحية تصنيف الحلفاء والأعداء تعد من المحددات الرئيسة لنوع التسلح الممكن للجيش السوري الجديد، فالعلاقات الجيدة مع دول الغرب يعني توافقاً في الرؤى تجاه سياسات دول مثل الولايات المتحدة إزاء المنطقة، وإلا لن يكون ممكناً حتى لتركيا تزويدك بعتاد عسكري أميركي أو أوروبي جديد وفعال في الميدان.

الصناعة المحلية

الخيار الآخر المتاح أمام دمشق في الاستيراد إن أرادت هامش مناورة في مواقفها السياسية، هو الحصول على أسلحة غربية من الجيل الثاني أو الثالث، فلا يشعر المصدرون بالحرج أو يتعرضون للمساءلة القانونية من بلاد المنشأ لتزويد الجيش السوري بها، إضافة إلى إمكانية الحصول على أسلحة محلية التصنيع من دول مثل تركيا.

بالنسبة إلى التصنيع المحلي فيعتقد العميد إلياس حنا أن اللجوء إليه لن يكون خياراً متاحاً إلى حد كبير، خصوصاً مع مراقبة إسرائيل للنشاط العسكري في المنطقة عموماً ورفضها تحول سوريا إلى دولة مصنعة للسلاح، ومن ثم مهددة لأمنها القومي كما قال القادة السياسيون والعسكريون في تل أبيب خلال مناسبات عدة بعد سقوط نظام الأسد.

التحدي الآخر أمام التصنيع المحلي للأسلحة يتمثل بالبنية التحتية اللازمة، فقد دمرت إسرائيل وفقاً للعقيد أسعد الزعبي، جميع مصانع السلاح ومراكز أبحاث تطويره التي كانت تعمل لدى النظام السابق، وإحياء هذه المنشآت سيكون صعباً جداً بسبب الكلفة المالية من جهة، والظرف الإقليمي والدولي التي تعيشه سوريا اليوم من جهة ثانية.

وتمكن الجيش السوري السابق من إنتاج أنواع من الصواريخ والمسيرات والقذائف والأسلحة الفردية، كذلك عرفت فصائل المعارضة التي انضوت تحت راية الجيش الجديد، تجربة في التصنيع المحلي فأنتجت قذائف الهاون ومواد متفجرة للعبوات الناسفة والأفخاخ، كذلك تدرب أفرادها خلال الحرب على أسلحة تركية وغربية المنشأ.

(اندبندنت عربية)

————————–

القيادات الأجنبية في سوريا الجديدة تطرح معضلة استقلالية القرار/ مصطفى رستم

يستبعد البعض أن تمثل تلك التنظيمات الأجنبية خطراً عسكرياً كبيراً نظراً لقلة عددها وضعف تمويلها ومحدودية انتشارها الجغرافي

الجمعة 4 أبريل 2025

“خروج كل الأجانب المقاتلين والمتدخلين على الأرض السورية هو مطلب شعبي قبل أن يكون مطلباً أميركياً، ويندرج في مقدمة المطالب الأميركية لرفع العقوبات عن سوريا”.

لحظ المشهد الأمني والسياسي السوري تحولاً سريعاً ودراماتيكياً… فبعد إعلان سقوط نظام بشار الأسد عمت فرحة عارمة أرجاء البلاد مع زوال حكم استمر قرابة نصف قرن، وسادت أجواء من التفاؤل بين أبناء البلد المتعطش للحرية وبناء نظام جديد يحمل العدالة والمساواة والديمقراطية. لكن هذه الآمال حملت في طياتها نوعاً من الحذر والترقب لشكل الحكم الجديد، لا سيما بعد تسلم قادة مجموعات متطرفة مناصب سياسية وعسكرية بارزة تتمتع بصلاحيات واسعة. وكان مبعوثون لكل من دول أميركا وفرنسا وألمانيا حذروا الإدارة الجديدة في سوريا من تعيين متطرفين أجانب في مناصب عسكرية رفيعة، ما عكس قلقاً أمنياً دولياً.

وذلك في وقت تسعى دمشق إلى إقامة علاقات مع دول أجنبية بعدما أعلنت السلطات ترفيعات وتعيينات في مناصب عليا في الجيش لأشخاص من بينهم مقاتلون أجانب.

في غضون ذلك، أعلن رئيس الجمهورية العربية السورية أحمد الشرع دمج المقاتلين الأجانب في المجتمع من خلال السماح لهم بالحصول على الجنسية السورية كمكافأة لهم على مساندة الشعب السوري، في حال الاتساق مع أيديولوجية وقيم السوريين. وفيما لم تصدر أي تقارير رسمية أو إحصاءات تشير إلى عدد المقاتلين الأجانب، ذكرت ترجيحات أن عددهم التقريبي يصل لقرابة 3800 مقاتل من جنسيات مختلفة.

ومن واشنطن العاصمة الأميركية، اعتبرت الصحافية الأميركية- السورية والمقربة من البيت الأبيض، مرح البقاعي لـ “اندبندنت عربية”، أن “خروج كل الأجانب المقاتلين والمتدخلين على الأرض السورية هو مطلب شعبي قبل أن يكون مطلباً أميركياً، ويندرج في مقدمة المطالب الأميركية لرفع العقوبات عن سوريا”. وقالت إنه “مطلب شعبي ودولي ملح من أجل رفع العقوبات والبدء بعملية إعادة الإعمار التي ستؤدي إلى الاستقرار الأمني السياسي الذي تحتاج له سوريا بصورة سريعة جداً”.

‏وتابعت “أرى من الضروري أن تبدأ الحكومة السورية الوليدة في الاستجابة للمطالب الأميركية، وفي مقدمتها عدم إعطاء الأجانب العسكريين مناصب عليا في الدولة، ما سيعزز من الوحدة الوطنية السورية ويقطع الطريق أمام كل أجندة لا تتفق مع إرادة السوريين في وحدة شعبهم وأرضهم وتحقيق آمالهم في السيادة والاستقلال”.

قادة ومراكز حساسة

أما الشارع السوري فينقسم حول قرارات تصدر بحق المجموعات الأجنبية التي باتت تتصدر سُدّة الحكم والقيادة بخاصة الجيش، ولعل أول القرارات التي صدرت عن الإدارة الجديدة ترفيع ومنح رتب عسكرية لما يفوق على 40 ضابطاً عسكرياً بينهم قادة من جنسيات أجنبية. ويصف الباحث في شؤون سوريا السياسية محمد هويدي هذه التعينات والترفيعات في قيادة الجيش بأنها “تنسف كل مصداقية الإدارة الجديدة بالعمل من أجل هوية وطنية وبناء جيش سوري جديد”.

وأضاف “من هذه الأسماء عبدة البشري- ألباني الجنسية وأيضاً عمر محمد جفتي- تركي الجنسية، والمصري علاء محمد الباقي وعبد العزيز داوود من تركستان، وهذه الأسماء التي تم تعيينها بالجيش إضافة إلى أسماء أخرى “تؤكد مرة جديدة أن هذا الجيش ليس سورياً بل أممياً مفتوحاً أمام أيديولوجيات إسلامية متشددة، وهذا خطأ بالنسبة للإدارة الجديدة التي تقدم نفسها على أنها تفكر بعقلية الدولة”.

كذلك يعتقد أن التعيينات توحي بأن السلطات لا تفكر بعقلية الدولة بل بعقلية الجماعة العابرة للحدود، وهم مصنفون في دولهم على قوائم الإرهاب، “بمعنى أنك تضع هذا الجيش تحت طائلة العقوبات والتصنيف الإرهابي، وتحديداً الأسماء المصرية الذين صدرت مذكرات اعتقال بحقهم”.

حضور على الأرض

وحذر ناشطون من توسع دور المقاتلين الأجانب إلى حد تأثيرهم في صناعة القرارات، أو من التحرك بشكل غير منضبط والإساءة للمجتمع السوري وعاداته وتقاليده، لافتين إلى أن الأمر وصل حد “إقامة حدود شرعية من دون اللجوء إلى محاكمات أو تحقيق في أحداث الساحل”.

وهنا يرى الباحث السياسي هويدي أن “الشخصيات الأجنبية لها حضورها في المشهد السياسي والعسكري ولها تأثير في الإدارة السياسية، ولولا هذا التأثير لما صدرت قرارات تعيينهم في الجيش السوري، وهو تأثير كبير يتعدى التأثير السياسي إلى مرحلة صناعة القرار”، وفق وصفه، بخاصة “أننا أمام فصائل متنوعة ومتعددة منها حركة “أحرار الشام” و”فرقة المنتصر” و”فرقة محمد الفاتح” و”المهاجرين” الإيرانية ولواء القوقاز الروسي ولواء الأوزباكستاني و”الحزب التركستاني” الصيني و”الجماعة الطاجاكية” و”الجماعة الألبانية” و”جماعة البلوش” الأفغانية و”عتبة بن فرقد” الأذربيجانية وجماعة “أبو يعقوب التركي” وكتيبة “الأيغور”.

وأضاف “ربما هم يعرقلون أي خطوة نحو مشروع وطني مهم وذات تأثير داخلي ويرضي المطالب الغربية ويحقق ما تم الاتفاق عليه مع الدول العربية والمجتمع الدولي”.

ويضرب هويدي أمثلة في أحداث عدة كان للأجانب دور فيها منها “اعتقال أحمد حسون مفتي الجمهورية السابق الذي كان له الحق بالسفر لإجراء العلاج بعد حمايته من قبل الإدارة التي تراجعت وأصدرت مذكرة اعتقال بحقه، ما يشير إلى وجود مطبخين لصناعة القرار السياسي وكذلك الاجتماعي. ثم قرار إغلاق البارات والمقاهي في دمشق القديمة وهو القرار الذي أيضاً تراجعت عنه محافظة دمشق لاحقاً. هذه الشخصيات الأجنبية لها تأثير في الإدارة الجديدة وما نخشاه أن تكون الإدارة الجديدة الحلقة الأضعف بين صناع القرار في سوريا”.

الطريق نحو التجنيس

ووسط تداول أخبار تفيد ببقاء المجموعات الأجنبية، أكد ناشطون أن “الإدارة الجديدة تسعى إلى اتباع خطط لتجنيسهم في البلاد كمكافأة لهم على مساندة الشعب السوري والاستدلال بأمثلة حدثت في العراق لمقاتلين إيرانيين، في حين تعمل الحكومة الجديدة على إلغاء الجنسية لآلاف الإيرانيين”. وترى أوساط قريبة من قيادة “هيئة تحرير الشام” أن “أغلب المقاتلين الأجانب تزوجوا سوريات ولديهم أولاد، لقد سبق لسوريا أن احتضنت الكثير من الأجانب من جنسيات مختلفة ومنحتهم الجنسية”.

مقابل هذا يشير رئيس بعثة المجلس الدولي لحقوق الإنسان إلى الأمم المتحدة في جنيف، السفير هيثم أبو سعيد، في تصريحات صحافية إلى أن “تجنيس المقاتلين الأجانب ومنحهم هويات جديدة هو أسلوب استخدمته بعض الدول والجماعات المسلحة لتعزيز نفوذها الديمغرافي والسياسي”.

بدورها لفتت الإعلامية مرح البقاعي الانتباه إلى “مؤشرات عدة توحي بأن رأس الهرم في الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع يتجه إلى الاعتدال في سياساته والتعاون مع كل الأطراف من أجل تحقيق السلام العادل للسوريين والمنطقة”. وتقول “نحن سمعناه يكرر أكثر من مرة أنه يمد يد التعاون للجميع بما فيهم إسرائيل للتوصل إلى سلام عادل يضمن الحقوق السورية الوطنية مع دولة هي في النهاية جارة. ومن هذا المنطلق لا أرى أية مقاربة تصح بين نظام ‘طالبان‘ الذي يخص دولة أفغانستان وظروفها الاجتماعية الحياتية والسياسية، وبين ما يحدث الآن في سوريا. ونتمنى أن تستمر الحكومة السورية في هذا الاتجاه المعتدل الذي سيضمن السلام والأمن والاستقرار للشعب السوري أولاً”.

الفرص والتحديات

مستقبل حضور المقاتلين الأجانب سيشكل تحدياً أمام الإدارة الجديدة ولا سيما بعد تصريحات الولايات المتحدة الأخيرة بعدم منحهم مناصب قيادية، ومواقف باريس بأنها لا تمنح “شيكاً على بياض”.

في المقابل يستبعد رئيس مركز “ريكونسنس” للبحوث والدراسات، وعضو نادي الصحافة الوطني في واشنطن، عبد العزيز العنجري في حديث لـ”اندبندنت عربية” أن “تمثل تلك التنظيمات الأجنبية خطراً عسكرياً كبيراً نظراً لقلة عددها وضعف تمويلها ومحدودية انتشارها الجغرافي”، وأشار إلى أنه “في حال اتخاذ قرار بالتخلص منها، ستكون محاصرة من أربع جهات”.

وأردف “مع ذلك، تعترف إدارة الشرع بفضلهم وتؤكد على حقهم في الحياة داخل سوريا، وتسعى إلى دمجهم تدريجاً في المجتمع مع تقليص نفوذهم القيادي”.

وإلى ذلك، يطالب هويدي الإدارة الجديدة “التعامل بحزم مع الفصائل المقاتلة الأجنبية لتفويت الفرصة من نجاة سوريا من حمام دم”، ويردف “لا بد من بناء الدولة وفق أسس سليمة وصالحة لاستمرارية الدولة، والتحدي كبير أمام هذه الورقة إذا لم يتم التعاطي معها وفق ما يحقق الاستقرار ورفع العقوبات. أعتقد أننا سندخل في صراع أمراء الحرب في سوريا وهي ورقة خطيرة وبمثابة لغم قد ينفجر في وجه الإدارة الجديدة في أية لحظة”.

وعن حجم توليهم المناصب جزم الباحث في القانون الدولي، فراس حاج يحيى في حديث خاص، أنه “لا توجد إحصاءات دقيقة حول نسبة المقاتلين الأجانب في المناصب القيادية، لكن التقارير تشير إلى دمج عدد منهم في هياكل السلطة الجديدة، سواء في المؤسسات العسكرية أو الحكومية. هذا الأمر يثير مخاوف داخلية، بخاصة بين الأقليات الدينية، بشأن تأثيرهم في مستقبل البلاد”.

يواجه هذا الدمج تحديات عدة، أبرزها نقص التدريب الرسمي لدى بعضهم وتوترات مع الضباط السوريين بسبب حصولهم على رتب عالية، إضافة إلى التساؤلات حول استقلالية القرار العسكري والسياسي في ظل وجود قيادات أجنبية داخل مؤسسات الدولة، وهذا يعتبر التحدي الأكبر للحكومة السورية الجديدة في مدى قدرتها على التعامل مع هذا الملف على أساس وطني قبل أي اعتبارات أخرى.

بدوره، قال الباحث في القانون الدولي فراس حجاج يحيى إنه “وفقاً للمادة 6 من المرسوم التشريعي رقم 276 لعام 1969، يمكن منح الجنسية العربية السورية بمرسوم بناء على اقتراح الوزير من دون التقيد بالشروط المنصوص عليها في المادة 4 للأشخاص الذين أدوا للدولة أو للأمة العربية خدمات جليلة، فالقانون لم يحدد تفاصيل أو معايير محددة لتعريف ’الخدمات الجليلة‘، مما يترك تقدير نوعية هذه الخدمات وأهميتها للسلطات المعنية. أنا شخصياً أقترح أن يجري منحهم صفة اللجوء في سوريا تقديراً لجهودهم ولحفظ سلامتهم وعدم إعادتهم لبلادهم خشية الملاحقة، وأيضاً هذه الوضعية تمنحهم وعائلاتهم الاستفادة من كل الميزات من رواتب وتقاعد وتأمين صحي وتعليمي من دون حق الانتخاب أو تولي وظائف خدمة عامة عسكرية أو مدنية، مما يعني دمجهم في المجتمع السوري، وبذلك نجد حلاً وسطياً لا يتضمن منحهم الجنسية ولا إعادتهم لبلادهم أو بلاد أخرى”.

(اندبندنت عربية)

—————————–

هل أجبرت الفصائل المسلحة على التحالف لإسقاط الأسد؟/ اسماعيل درويش

بدأ الشارع يطالب بعملية عسكرية ضد النظام كونه من دون حلفاء وليست لديه القدرة على مواجهة قوى المعارضة

الجمعة 4 أبريل 2025

كانت الفصائل تتقاتل في ما بينها لكن قبيل سقوط نظام الأسد بأشهر تغير الوضع، وتشكلت “غرفة عمليات ردع العدوان” بقيادة “هيئة تحرير الشام”.

بعد سقوط النظام حُلت الفصائل وأصبح المقاتلون مخيرين بين العودة للحياة المدنية أو الاندماج ضمن وزارة الدفاع بشكل رسمي.

في الخامس من مارس (آذار) 2020 وقع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين اتفاقاً على وقف إطلاق النار في الشمال السوري، جاء ذلك بعد سلسلة عمليات عسكرية نفذها جيش النظام السوري السابق بدعم جوي روسي، ودعم بري من الجماعات الإيرانية. الحملة العسكرية استمرت أشهراً عدة، وأسفرت عن سقوط مئات الضحايا وآلاف النازحين، إلا أن تركيا بعدما شعرت أن النظام السوري ينوي السيطرة على مدينة إدلب تدخلت عسكرياً وأوقفت التقدم، وبعد محادثات بين مسؤولين روس وأتراك، وُقع الاتفاق الذي أسس لمرحلة هدوء في سوريا لم تشهدها البلاد من قبل.

ما هي إلا أشهر قليلة بعد توقيع اتفاق مارس، حتى بدأت الفصائل المختلفة في الشمال السوري تنظر بعين الريبة إلى بعضها بعضاً. فعلى امتداد مناطق واسعة بريف حلب الشمالي كانت تسيطر فصائل الجيش السوري الوطني المدعومة تركياً، وفي مدينة إدلب تسيطر “هيئة تحرير الشام”، وفي المنطقة الممتدة من أقصى ريف اللاذقية الشمالي حتى مدينة الباب بريف حلب، تنتشر فصائل من مختلف التيارات والأيديولوجيات، منها ما يصنفه المجتمع الدولي على قائمة التنظيمات الإرهابية، ومنها فصائل تصنف على أنها “معارضة مسلحة معتدلة”، وهي التي يدعم المجتمع الدولي وجودها.

كل هذه الفصائل لم تكن يوماً على قلب واحد على الإطلاق، فتقاتلت في ما بينها، وأسفر الاقتتال الداخلي الذي تكرر مرات عدة عن سقوط ضحايا من مختلف الأطراف ومن المدنيين الذين هم بالأصل كانوا محاصرين، إلا أن أقوى فصيل هناك كان “هيئة تحرير الشام”، نظراً إلى القيادة المركزية والعمل المنظم الذي كانت تتمتع به الهيئة، وكان بين الحين والآخر يظهر قائدها أحمد الشرع في أسواق ومناطق إدلب، واعداً الأهالي بالعودة إلى دمشق، بيد أن هذه الوعود لم تكن تؤخذ على محمل الجد.

بالنسبة إلى الجيش السوري الوطني وفصائل المعارضة المعتدلة فقد اشتركت في كثير من عملياتها القتالية مع القوات التركية في مواجهة التنظيمات المسلحة الكردية التي تصنفها أنقرة على قائمة الإرهاب.

وفي مطلع 2024 باتت “هيئة تحرير الشام” الفصيل الأكثر قوة وتنظيماً في عموم الشمال السوري، وتراجعت حدة الاقتتال الداخلية بين الفصائل، وخلال فترة ما بين 2020 و2024 نفذت الهيئة عمليات ضد تنظيم “حراس الدين” المصنف على قائمة الإرهاب الأميركية، استطاعت فيها إضعاف التنظيم بصورة غير مسبوقة، لدرجة أنه تلاشى وأعلن حل نفسه بعد سقوط النظام.

بعد إطلاق الفصائل الفلسطينية عملية “طوفان الأقصى”، وبدء إسرائيل حربها على غزة ثم لبنان، دعمت إيران من خلال وجودها في سوريا “حزب الله” اللبناني، فتلقت ضربات موجعة وصلت حد استهداف قنصليتها لدى دمشق، وقتل كبار ضباطها في سوريا. تزامناً انتظمت روسيا بشكل أعمق في الصراع الأوكراني وبدا أهم حليفين لنظام الأسد في أشد حالتهما ضعفاً، لذلك بدأ الشارع السوري المعارض يطالب بعملية عسكرية ضد النظام، كونه من دون حلفاء وليست لديه القدرة على مواجهة قوى المعارضة بمختلف فصائلها، إلا أن مطالبات الشارع كانت توجه أنظارها نحو “هيئة تحرير الشام”، أكثر من رغبتها بأن تقود باقي الفصائل العمليات خشية من حصول خلافات، أو تنفيذ العملية بشكل غير منظم.

مصدر أمني رفيع المستوى من “هيئة تحرير الشام” يقول في حديث خاص، إنه “بعد الحملة التي شنها النظام على إدلب عام 2020 والاتفاق الموقع مع روسيا، بدأت تركيا تراقب وتهتم بالوضع في الشمال السوري بصورة أكبر، وعند دراسة الأتراك وضع الفصائل المعارضة، وجدوا أن ’هيئة تحرير الشام‘ كانت الفصيل الأكثر تنظيماً والأكثر قدرة على إدارة أي معركة مرتقبة، لذلك كان هناك نوع من بناء الثقة بين الطرفين، هذا الأمر أدركته باقي فصائل المعارضة، فكان هذا أحد الأسباب التي دفعت باقي الفصائل إلى القبول بالتحالف مع ’هيئة تحرير الشام‘، وتنفيذ عملية تحرير البلاد تحت قيادتها”.

اختياري وإلزامي في آن

العميد عمار الواوي يقول في حديثه إلى “اندبندنت عربية”، إن “موضوع التحالف مع الفصائل انتهى ومضى عليه الزمن، ولم يعد هناك ’هيئة تحرير شام‘ مستقلة ولا فصائل مستقلة، الجميع حسب قرار الرئيس الشرع يندمجون تحت مظلة وزارة الدفاع.

ضرورة المرحلة

من جانب آخر يرى أحد الضباط المنشقين عن الجيش السوري السابق في حديث خاص، أن “تحالف ’هيئة تحرير الشام‘ مع الفصائل الأخرى كان خياراً فيه نوع من الاستراتيجية لمستقبل سوريا، لأن الفصائل الأخرى لديها عدد كبير من المقاتلين والسلاح وبعضها يتلقى دعماً من دول إقليمية، وعدم تحالفها مع ’هيئة تحرير الشام‘ كان سيؤدي إلى صدامات قد تتطور إلى صراع، لذلك أعتقد أن هذا التحالف كان ضرورياً في مرحلة ما بعد سقوط النظام، وكان خطوة لا بد منها وإلزامية في تلك المرحلة، بمعنى آخر لم تفرض الهيئة عليهم التحالف معها كما أنهم لم يختاروا ذلك بل فرضت المرحلة والمصلحة ذلك”.

بات إلزامياً

الباحث في مركز “جسور” للدراسات، وائل علوان، يقول “اليوم أصبح هناك دولة سورية ووزارة دفاع تحتكر السلاح، لذا لم يعد هناك ما يسمى الفصائل، إذ إن نظام الحكم الجديد أو السلطة الجديدة منعت وجود سلاح خارج إطار الدولة، لذا فإن المقاتلين الموجودين ضمن الفصائل هم أمام خيارين، إما ترك العمل العسكري كلياً والعودة إلى أعمالهم المدنية، أو أن يكونوا ضمن وزارة الدفاع ضمن تشكيلات الدولة”.

خيار وحيد

من جانب آخر، يرى الباحث السوري نور الدين البابا أن “التحالف الذي حصل بين الفصائل وصفوف الانتفاضة السورية كان عن قناعة تامة، بمعنى أن عموم المعارضين في سوريا أصبحت لديهم قناعة بضرورة التحالف، وهذا ما حصل في الواقع، ونجحت غرفة عمليات ردع العدوان في إسقاط النظام، وكانت هذه الغرفة عبارة عن تحالف بين كثير من المقاتلين والفصائل، وعمادها الأساس ’هيئة تحرير الشام‘، وأيضاً هناك فصائل مشاركة مع الهيئة مثل ’حركة أحرار الشام‘ وغيرها”.

للإجابة عن سؤال التحالف بين الهيئة والفصائل، رأى مراقبون أن التحالف الذي جرى خلال الفترة الذي سبقت سقوط النظام كان اختيارياً ولم يُفرض من قبل أي فصيل، وكان إلزامياً من ناحية أن المرحلة اقتضت ذلك، أما بعد سقوط النظام فلم يعد هناك ما يسمى تحالف، فالفصائل باتت مجبرة على حل نفسها، ومخيرة بالانضمام إلى وزارة الدفاع السورية لتكون ضمن تشكيلات الدولة الرسمية.

(اندبندنت عربية)

—————————-

هل يمنح الشرع 7500 مقاتل أجنبي الجنسية السورية؟/ عبد الحليم سليمان

حاربوا معه في إدلب تحت راية “هيئة تحرير الشام” لكن الولايات المتحدة تطالب باستبعاد جميع المسلحين

الخميس 3 أبريل 2025

في مارس 2023 كشفت مصادر خاصة من مكتب المقاتلين الأجانب لوكالة “نورث برس” السورية، أن عدد المقاتلين من جنسيات غير سورية يزيد على الـ7500 مقاتل في إدلب، منهم نحو 6200 تقريباً من الإيغور والقوقاز والطاجيك والشيشان، وهم رأس الحربة القتالية الأبرز على جبهات مناطق سيطرة “هيئة تحرير الشام”، بينما الأجانب العرب وأكثرهم من شمال أفريقيا يشغلون مناصب إدارية وأمنية وعسكرية بحسب المصادر.

وسط صحن جامع أمية الكبير في العاصمة دمشق، وقف رئيس حزب “العدالة والتنمية” السوري عمر شحرور وإلى جانبه الجهادي الأجنبي أبو دجانة التركستاني، محتفياً به وسط جموع من الزوار ويحرسهم عناصر الأمن العام بملابسهم السوداء.

شحرور توجه بالشكر لكل المجاهدين الأجانب الذين جاؤوا إلى سوريا “لينصروا الشعب السوري” ووعد بحصولهم على الجنسية السورية. المقطع أثار ردود فعل متباينة بين السوريين الذي شجبه البعض وأيده البعض الآخر، في حين ذكر آخرون بمحاولات النظام السابق تجنيس المسلحين التابعين للميليشيات الإيرانية وإعطائهم نفوذاً في البلاد على حساب السوريين.

ولا يعتبر كلام شحرور هو الأول من نوعه، بل يستند إلى تصريح سابق للرئيس السوري أحمد الشرع في ديسمبر (كانون الأول) الماضي وبعد أيام من سقوط نظام الأسد حيث أعلن فيه أن المقاتلين الأجانب، الذين ساعدوهم في الإطاحة بالنظام، قد يسمح لهم بالحصول على الجنسية السورية، موضحاً أن المقاتلين الأجانب الذين دخلوا سوريا للقتال ضد الحكومة السورية كانوا جزءاً من الحركة التي أدت إلى سقوط بشار الأسد ويجب الاحتفال بهم، وفق تعبيره.

لا حصر لأعدادهم

لا يعرف بالضبط عدد المقاتلين الأجانب بشكل رسمي حتى الآن، لكن التقديرات تتحدث عن عدة آلاف منهم وينحدرون من جنسيات مختلفة بما فيها جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق. وفي مارس (آذار) 2023 كشفت مصادر خاصة من مكتب (المقاتلين الأجانب) لوكالة “نورث برس” السورية، أن عدد المقاتلين من جنسيات غير سورية يزيد على الـ7500 مقاتل في إدلب، تحت راية أو موالين لـ”هيئة تحرير الشام”، نحو 6200 تقريباً من الإيغور والقوقاز والطاجيك والشيشان، وهم رأس الحربة القتالية الأبرز على جبهات مناطق سيطرة “هيئة تحرير الشام”، بينما الأجانب العرب وأكثرهم من شمال أفريقيا يشغلون مناصب إدارية وأمنية وعسكرية بحسب المصادر.

وبحسب الوكالة وفي ما يتعلق بالمقاتلين الأجانب ممن تركوا الهيئة ورفضوا موالاتها في القتال أو حتى بالفكر، فأعدادهم خارج الإحصاءات الرسمية، ويقيمون مع عائلاتهم ضمن بلدتي الفوعة وكفريا وسرمين بريف إدلب الشمالي الشرقي، وأيضاً في منطقة أريحا وجسر الشغور وقرى متفرقة، وتحتوي سجون الهيئة على 340 منهم، بحسب المصدر ذاته، بتهم الانتماء لـ”داعش” أو عمالة خارجية.

وفي الـ27 من فبراير (شباط) الماضي أوردت وكالة أنباء كازاخستان الدولية “كازينفورم” أن رئيس مجلس الأمن القومي في قيرغيزستان مارات أيمنكولوف أفاد في حديثه أمام مؤتمر الأمن الجماعي ومنظمة شنغهاي للتعاون الأمني في آسيا الوسطى بأن حسب بعض التقديرات، ما يصل إلى 20 ألف مقاتل أجنبي انضموا إلى قوات الأمن السورية، بما في ذلك أعضاء من “حركة تركستان الشرقية الإسلامية”، وبحسب الوكالة ووفقاً للخبراء، فإن في صفوف هؤلاء المقاتلين يوجد أشخاص ينحدرون من آسيا الوسطى وشمال القوقاز.

وأضاف رئيس مجلس الأمن القومي القيرغيزي أن نحو 5 آلاف مسلح، باستثناء أفراد عائلاتهم، من أصول آسيوية وسطى، مشدداً على أن دول المنطقة تشعر بالقلق إزاء احتمال “انتشار الإرهابيين متعددي الجنسيات الذين وصلوا إلى السلطة في هذا البلد إلى ما وراء حدود سوريا”.

ترقيتهم إلى ضباط

قامت القيادة العامة بتسمية مقاتلين سابقين في صفوف الفصائل المعارِضة في رتب لواء وعميد وعقيد في الجيش الجديد المزمع تشكيله، وأفاد “المرصد السوري لحقوق الإنسان” بأن بين هؤلاء العناصر البالغ عددهم 49 نحو ستة “جهاديين أجانب”، ألباني وأردني وطاجيكي وآخر من الإيغور وتركي ومصري.

وتكرر الولايات المتحدة الأميركية منذ سقوط نظام بشار الأسد ووصول “هيئة تحرير الشام” إلى السلطة، مواقفها بشأن المقاتلين الأجانب المنضوين إما إلى الجبهة مباشرة أو فصائل جهادية قاتلت إلى جانب المعارضين السوريين خلال السنوات السابقة.

فمنذ الأيام الأولى لتسلم الرئيس السوري أحمد الشرع منصبه تكرر واشنطن طلبها من دمشق باستبعاد المقاتلين الأجانب من أية مناصب رسمية في الدولة، بل تعتبره شرطاً جازماً ضمن قائمة معقدة من طلبات أميركية للتفكير وإعادة النظر في رفع العقوبات، وتقدم بشكل دبلوماسي وعلني عبر المسؤولين في إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب وحتى قبل مجيئه.

وجرت الطلبات في لقاء مساعدة وزير الخارجية باربارا ليف وكذلك دانييل روبنستاين، وكل تلك الطلبات تتمحور حول مكافحة الإرهاب واستبعاد المقاتلين الأجانب وعدم تشكيل أي تهديد على دول الجوار، وضمان حقوق الأقليات الدينية والعرقية، إضافة إلى الكشف عن المواطنين الأجانب المخفيين وليس انتهاءً بعملية سياسية شاملة مثلما ذكرت تامي بروس المتحدثة الجديدة باسم الخارجية في إدارة ترمب.

لا شك أن ملف استبعاد المقاتلين الأجانب نهائياً وفي عجالة سيشكل تحدياً كبيراً أمام الرئيس الشرع، فهؤلاء قاتلوا إلى جانب تنظيمه في محاربة قوات نظام الأسد ولديهم خلفيات وقدرات عسكرية وأمنية كبيرة كانت تشكل في غالب الأحيان رأس حربة في مواجهة القوات النظامية والميليشيات الإيرانية، كذلك أنهم قدموا ضحايا بأعداد كبيرة في جبهات مختلفة وخاضوا مع الشرع معارك السلاح والفكر لا سيما في مواجهة النظام والفصائل السورية في بعض الأحيان، وكذلك تنظيم “داعش” الأمر الذي يضع الرئيس السوري في مأزق في حال قبل الطلبات الأميركية أو أبقى على المقاتلين الأجانب في مراكز قيادية.

هذا في الوقت الذي تزداد فيه التقارير عن تغلغلهم في المجتمع السوري بعد ما كانوا في بقعة جغرافية محاصرة مثل منطقة إدلب، حيث باتوا يستقرون الآن في معظم المحافظات السورية التي تسيطر عليها حكومة دمشق بما فيها العاصمة التي تشكل لهم رمزاً جهادياً ودينياً يدعو للاحتفاء مثلما فعل والد المجاهد التركستاني أبو دجانة الذي حضن ولده وقبله وهو يبكي فرحاً بـ”نصر المسلمين” أمام باب الصالة الرئيسية لجامع أمية ذو الدلالة الرمزية لدى المسلمين

(اندبندنت عربية)

—————————-

==========================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى