الناسسقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوع

حضور النساء في المساحات العامة/ سلوى زكزك

29 ابريل 2025

تبذل النساء جهودًا مضاعفة للاحتفاظ بحضورهن في المساحات العامة. وإن تساوى مستوى ونسبة وشكل الحضور بين النساء والرجال، لكنّ استمرارية حضور النساء تبقى مهتزّة، تُسلّط عليها رقابة إضافية، حيث يختلط النقد بمحاولات اللجم، فيما تبقى الملاحظات العادية مشروطة لتُذكّر بأنّ الحاضرة هنا امرأة! وبالتالي، فالاشتراطات والاعتراضات، وحتى الثناءات، لا تسير بسياقها العفوي كأيّ فعل أو ردّة فعل طبيعية، بل يجري رهنها امتثالًا للصورة المطلوبة والمرسومة بحدّة واضحة وبتفاصيل لا تقبل الإنصاف.

تشكّل المراحل الانتقالية السياسية والاجتماعية، وحتى الثورية، محطات أساسية في تبدّل أوضاع النساء. فتسويف الأولويات يبدو تسهيلًا للمرحلة الجديدة ولتجاوز المشكلات التي تواجه النساء، خصيصى حين تطالب النساء بتغييرات فعلية. وكما في كلّ الأوقات الصعبة، يطلب الجميع من النساء تغليف أنفسهن بالصمت وتغليب الانزياح من المشهد العام على المحافظة على الحضور السابق! تبدو هذه الخطوات مدروسة بعناية، لكنها تُمرّر ببساطة احتيالية، ويبلغ الترصّد حدّه الأعلى. والترصّد هنا مزدوّج، تمارسه الهيئات الوصائية الجديدة في محاولاتٍ حثيثة غير معلنة وغير مزوّدة بصيغة خطية، مثل تعليق صور وإعلانات للزي المرغوب أو المفضّل في وسائط النقل وعلى الجدران، في محاولة للإيحاء بأنّه الزي المفروض، وبأنه لا خيار لأيّ امرأة في تجاوزه أو عدم الالتزام به.

بحساسية مترقّبة تحاول النساء والفتيات الانسحاب التدريجي من المساحة العامة، وقد تغيّر بعض النساء طوعًا أزياءهن في تصرّف احترازي، لاعتقادهن بأنّ هذا يمهّد لحمايتهن من الآخر المختلف. كما تسعى نساء أخريات إلى الالتزام بأضيق حيّز مكاني مثل العائلة أو الحارة أو القرية، ويتحوّل السفر عبر المحافظات إلى خطر وجودي، تحاول الكثيرات، بقرارهن الفردي أو بتوجيه من الأسرة، الابتعاد عنه.

يصح في هذه الحالة استخدام مصطلح الضبط الاجتماعي الذي تمارسه الغالبية، إمّا كمحاولة للفرض أو كمحاولة للنجاة. والنجاة هنا شرطية، تفوز بها النساء اللاتي يرفضن الامتثال لأشباح المخاطر التي يجري تضخيمها والمبالغة فيها. يكمن جوهر الاشتباك ما بين القديم والجديد وما بين المحافظة على أحقية الوجود وعلى المساحات السابقة، في خفض سقف المطلوب من المرحلة الانتقالية والمُتحكّمين فيها، بحيث يتحوّل تثبيت المساحات القديمة رغم ضيقها وعدم تساوي مساحة حضور النساء فيها، إلى مكاسب عميقة يجب عدم التنازل عنها.

الفارق الكبير والخطير هنا هو منح الصلاحية لناس عاديين، بسطاء، لكنهم مندفعون ومستعدون لممارسة الضبط الاجتماعي وبقسوّة وتسلّط على شركاء وشريكات الأمس، على من كانت تجمعهم بهم القيم والمقدّمات الداعية للانتقال السياسي، ليس من منطلق الجدوى أو المنفعة العامة، بل انطلاقًا من مبدأ الغلبة الذي يغري الغالبية حتى ولو كانت ساكتة لدهر، حتى لو كانت غير مشاركة برأي أو بفعل تغييري، حتى ولو كانت لا تملك موقعًا وازنًا ولم تتعرّف سابقًا إلى معنى المشاركة في صناعة القرار الوطني الجامع.

يمنح مبدأ الغلبة سطوة مستجدة للغالبية المزهوة بتبدّل الحال، لكنه في الوقت نفسه يُضيّق أيّ مساحة مُحتملة للحوار، وتتوزّع النساء ما بين الحماية الفردية والاستقواء بالواقع الجديد، ممّا ينكر عليهن أيّ استعداد لمشاركة الأخريات، حتى لو كنّ شريكات الأمس. تبدو الغلبة هنا تفوّقًا استراتيجيًّا يجب الاستثمار فيه بعد الفوز المبين، ويتحوّل المشهد العام إلى مجرّد استحقاق آن وقت قطافه، والقطاف ليس متاحًا ولا مسموحًا للجميع. وهنا تتنافر الإرادات ويحدث عكس الأولويات، كما أنّ إخلاء المساحات العامة، حتى للنساء العاديات، بات إجراءً طبيعيًّا يستحق بذل كلّ وسائل رفض الآخر والدعوة إلى تغييبه، لأنّ الضبط الاجتماعي يتحوّل، وبإرادة غير معلنة، إلى مواجهة تغطي على التقصير وتعمي عن الضرورات.

العربي الجديد،

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى