“شام كاش”… تطبيق سوري لتوزيع الرواتب يثير مخاوف أمنية/ حايد حايد

29 أبريل 2025
رقمنة بلا بنية تحتية
في سوريا، أثار اعتماد الحكومة تطبيق “شام كاش” كوسيلة رسمية لتوزيع رواتب موظفي القطاع العام جدلا واسعا بين مختلف الأوساط.
يأتي هذا القرار في محاولة لتخفيف معاناة الموظفين أمام الطوابير الطويلة في المصارف الحكومية التي تشهد ازدحاما كبيرا مع نهاية كل شهر، حيث يصبح الحصول على الراتب مهمة شاقة تتطلب ساعات من الانتظار. لكن هذا الحل المعلن لم يلقَ ترحيبا كاملا، إذ سرعان ما برزت تحذيرات أمنية واقتصادية تثير القلق حول جدوى التطبيق وأخطاره المحتملة على المواطنين والنظام المالي.
منذ اللحظة الأولى، واجه التطبيق شكوكا كبيرة حول مدى أمانه وشفافيته، حيث ظهر تحذير أمني عند محاولة الدخول إلى موقعه عبر متصفح “فايرفوكس”، ينبه إلى أن الموقع قد يكون عرضة لهجمات إلكترونية تهدف إلى سرقة البيانات الحساسة مثل كلمات المرور ومعلومات الدفع.
لم يكن هذا التحذير سوى البداية، إذ تبين لاحقا أن التطبيق غير متاح على المتاجر الرسمية مثل “غوغل بلاي” أو “آب ستور”، مما يعني أنه لم يخضع لمراجعات الأمان المعتمدة عالميا. بدلا من ذلك، يتم تحميله فقط عبر رابط مباشر من الموقع الرسمي، وهو ما اعتبره خبراء الأمن الرقمي إشارة خطيرة على احتمال احتوائه على ثغرات أمنية أو حتى أدوات مراقبة.
على الرغم من أن تحويل الرواتب إلى نظام رقمي قد يبدو إصلاحا ضروريا في بلد يعاني من تداعيات الحرب والعزلة الدولية، لكن الخبراء يحذرون من أن الإطلاق المتسرع وغير الشفاف لمنصة “شام كاش” ــ بغض النظر عن هدفها المعلن ــ يهدد بجلب الضرر أكبر من النفع.
ما هو تطبيق “شام كاش”؟
حسب الحكومة السورية؛ يهدف تطبيق “شام كاش” إلى تسهيل التعاملات المالية، وتقليل أعباء تداول العملة الورقية، وتوفير خدمات إلكترونية أساسية. من بين أهدافه أيضاً تحويل الرواتب إلكترونيا بدلا من تسليمها نقدا.
يمكن المستخدمين سحب أموالهم من حساب “شام كاش” من طريق مكاتب الصرافة الموثقة داخل التطبيق أو من خلال البنوك المعتمدة. أما تعبئة الرصيد، فتتم بالطريقة نفسها من خلال المراكز المعتمدة أو البنوك المشار إليها داخل التطبيق. تجدر الإشارة إلى أن عمليات التحويل لا تُفرض عليها أي رسوم إضافية.
يعتمد استلام الدفعات الشهرية على الطريقة التي يتم بها تحويل الأموال. فإذا كانت الدفعة محوّلة إلى الحساب البنكي، يمكن استخدامها عبر البطاقة المصرفية. أما إذا تم التحويل إلى حساب “شام كاش”، فيُستخدم التطبيق مباشرة.
يستطيع المستخدم سحب الأموال من خلال أحد فروع البنوك أو عبر أقرب صرّاف معتمد، حيث تتوفر قائمة كاملة بالمراكز داخل التطبيق. أما في حال الرغبة بتحويل الأموال إلى حساب آخر على “شام كاش”، فهناك خياران، استخدام رمز QR الخاص بالمستلم أو إدخال عنوان الحساب مباشرة.
لا يمكن حاليا تحويل الأموال بشكل مباشر من الحسابات البنكية إلى “شام كاش”. لكن يمكن سحب المال من البنك ثم تعبئة الرصيد في التطبيق. وبالنسبة الى محفظة Binance، فإن التحويل منها إلى “شام كاش” غير متاح حتى الآن.
وبحسب الموقع الرسمي للتطبيق، يمكن شحن أو سحب الرصيد في حساب “شام كاش فقط من خلال المراكز المعتمدة، والتي يمكن الوصول إلى قائمتها داخل التطبيق. ولا يُسمح بأي طرق بديلة حاليا، مما يجعل التزام هذه النقاط أساسيا.
أما بالنسبة الى التبرع لمناطق خارج السيطرة، فيُستخدم نظام مكاتب الحوالات ضمن صناديق التبرعات. أما في حال تعطل رمز QR أثناء تحويل المال، فيُنصح بالتأكد من منح التطبيق إذن الوصول إلى الكاميرا لتفعيل ميزة المسح.
حتى الآن، لم يتم الإعلان عن وكلاء معتمدين في المحافظات. ويمكن الراغبين بأن يصبحوا وكلاء – مثل الراغبين في العمل بمنطقة السفيرة في ريف حلب – تقديم معلوماتهم ليتم التواصل معهم عند فتح باب التسجيل.
حساب “شام كاش” هو حساب بنكي إلكتروني مخصص للتعاملات ضمن التطبيق، ولا يمكن ربطه بتطبيقات دفع أخرى حاليا. رقم الحساب يتكوّن من 16 رقما ويوجد تحت اسم المستخدم. ويفضل اختيار الاسم الثلاثي لتجنب التكرار. لا يُسمح باستخدام بريد إلكتروني جديد بعد ربط الحساب به، كما يفضّل اختيار اسم غير مستخدم سابقا.
الكود الذي يُحفظ عند إنشاء الحساب ضروري لاستعادة الحساب أو كلمة المرور في حال فقدانها. أما إذا ضغط المستخدم على خيار “التحقق لاحقا” دون إدخال كود التأكيد، فلا مشكلة في ذلك، إذ سيتم طلب الكود مجددا عند التحديث.
تحذيرات وثغرات
ويعمل التطبيق، الذي ظهر للمرة الأولى في إدلب تحت سيطرة “هيئة تحرير الشام”، خارج نطاق البنك المركزي السوري والنظام المالي العالمي. إذ تتولى إدارته شركة “بنك شام” المسجلة في تركيا، التي تفتقر إلى الاعتراف الدولي أو الإشراف التنظيمي.
وحذرت منظمة “سمكس” للحقوق الرقمية من أخطار كبيرة تتعلق بضعف تشفير البيانات، وغياب سياسات الخصوصية، بالإضافة إلى عدم وضوح هوية المطورين أو ملكية المنصة. وهذا أمر مقلق في بلد تُستخدم فيه البيانات غالبا كأداة للمراقبة والتحكم.
الأمر الأكثر إثارة للقلق هو البنية المالية للتطبيق، التي تخدم مصالح النخب المرتبطة بنظام الأسد. فالسحب النقدي للرواتب مقصور على شركتي تحويل أموال هما “الهرم” و”الفؤاد”، اللتان تربطهما علاقات قديمة بالنظام البائد.
وتجني هاتان الشركتان عمولات تقدر بنحو ثلاثة ملايين دولار سنويا، وهو الأمر الذي يثير انتقادات واسعة باعتباره إحياء للممارسات الاحتكارية، واستنزاف الإيرادات من البنوك الرسمية وتركيز السلطة المالية في شبكات غامضة وغير منظمة.
بغض النظر عن فعالية تطبيق “شام كاش” على المدى القصير، فإن الاعتماد عليه وعلى عدد محدود من شركات تحويل الأموال – بدلا من إشراك القنوات المصرفية الرسمية – يُنذر بتعزيز الشبكات المالية غير الرسمية على حساب القطاع المصرفي النظامي في سوريا. هذا الأمر لا يهدد بضعف المؤسسات المالية فحسب، بل إن المعايير غير الواضحة لاختيار الشركات المرخصة قد تزيد تأكل ثقة المستثمرين في البيئة الاقتصادية الهشة أصلا في البلاد.
أما الادعاء الرسمي بأن التطبيق سيحل مشكلة الطوابير الطويلة، فيبدو هشا أمام الواقع. فكيف لشركتي صرافة فقط أن تحلا أزمة كانت تعاني منها عشرات الفروع المصرفية المنتشرة في جميع أنحاء البلاد؟ كما أن عدم وجود ضمانات كافية حول قدرة التطبيق على استيعاب أكثر من مليون موظف جديد، يزيد أخطار تعطيل الخدمة أو تأخير الرواتب، وهو ما سيفاقم معاناة الموظفين بدلا من أن يحلها. والأمر لا يقتصر على الجانب اللوجستي فحسب، بل يتعداه إلى غياب الشفافية حول الجهة المطورة للتطبيق وآلية عملها، مما يفتح الباب أمام تساؤلات حول إمكان استخدامه كأداة لمراقبة المعاملات المالية للمواطنين أو حتى التحكم في تدفق الأموال لأغراض سياسية.
استحواذ وسيطرة
من بين التطورات اللافتة في مسار تطبيق “شام كاش”، الطريقة التي استحوذ بها على البنية التحتية التشغيلية التي يستخدمها حاليا. فقد أشار باحثون إلى أن التطبيق سيطر فعليا على منصة “سوا”، التي كانت تعمل سابقا في مجال التحويلات المالية من الخارج، مستحوذا على أصولها وأنظمتها. هذا الانتقال المثير للجدل أثار قلق شركات مالية أخرى، مما دفع بعضها إلى الدخول في شراكات سريعة مع “شام كاش”، خشية أن تواجه المصير نفسه. وإذا ثبتت هذه الادعاءات، فلن يكون ما حدث مجرد تطوير تقني، بل عملية “استيلاء رقمي” تسعى لاحتكار النفوذ المالي.
لا شك أن رقمنة أنظمة الرواتب في القطاع العام خطوة إيجابية في الظروف الطبيعية، إذ يمكن أن تعزز الشمول المالي، وتقلل التكاليف البيروقراطية، وتيسّر وصول الموظفين إلى أجورهم، بل وتدعم مرونة الاقتصادات المتعثرة. لكن تنفيذ هذه الخطوة في السياق السوري يطرح تحديات كبيرة. فالبنية الرقمية في البلاد ضعيفة، وأمن البيانات هش، والرقابة التنظيمية شبه غائبة. ويخشى كثيرون أن يتحول النظام الجديد إلى مجرد أداة لإعادة إنتاج نمط الحوكمة غير الشفافة الذي ساهم أصلا في تفاقم الأزمة الاقتصادية في سوريا.
مع ذلك، لا يزال هناك مسار عملي قابل للتطبيق. فالأولوية اليوم يجب أن تكون لوقف فرض استخدام “شام كاش” بشكل إلزامي، والانتقال إلى نموذج تدريجي يبدأ بمشاريع تجريبية، تُنفذ عبر منصات موثوق بها وآمنة. كما ينبغي إشراك البنوك العامة والخاصة في هذه العملية، ووضع سقف واضح للرسوم والعمولات، مع توسيع نطاق مراكز صرف الرواتب لتشمل المناطق الريفية والمهمشة.
الأهم من كل ذلك، هو إصدار إطار قانوني واضح يضمن تنظيم أمن البيانات، وحوكمة التطبيق، وشفافية العمليات المالية. من حق المواطن السوري أن يعرف من يتحكم ببياناته المالية، وأين تُخزّن، وكيف تُستخدم، وما الضمانات المتاحة لحمايتها.
من دون هذه الإصلاحات الجوهرية، فإن تجربة “شام كاش” قد تتحول إلى سابقة خطيرة، ليس في سوريا وحدها، بل في أي دولة تُستخدم فيها التكنولوجيا الرقمية كوسيلة للسيطرة السياسية والاقتصادية. إن ما يجري ليس مجرد تطبيق لتحويل الرواتب، بل معركة حقيقية حول مستقبل الحوكمة المالية في الدول الهشة، وكيف يمكن التكنولوجيا – التي يُفترض أن تكون أداة للتمكين – أن تنقلب لتصبح أداة قمع وتحكم، في يد من يملكون السلطة.