أبحاثالأحداث التي جرت في الساحل السوريالإعلان الدستوري لسوريا 2025الاتفاق بين "قسد" وأحمد الشرعالتدخل الاسرائيلي السافر في سورياالعدالة الانتقاليةالعقوبات الأميركية على سورياتشكيل الحكومة السورية الجديدةسقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوع

الإدارة السورية وسؤال الشرعية/ مروان قبلان

30 ابريل 2025

نتيجة التحدّيات الكبرى التي تواجه سورية بعد سقوط نظام الأسد، يطرح مثقفون سوريون، ممن لديهم تحفظات على سياسات الإدارة الجديدة ونهجها، سؤالاً مرتبطاً بمقدار الشرعية الذي تتمتع به تلك الإدارة لاتخاذ قراراتٍ تتصل بقضايا كبرى، مثل السلام مع إسرائيل، أو طبيعة النظام السياسي والاقتصادي للدولة، أو مسألة العدالة الانتقالية، أو كتابة الدستور، وغيرها. ينطلق هؤلاء من رفضهم المقولة التي راجت بعد سقوط الأسد، ونظامه، ومفادها أن “من يحرّر يقرّر”، والتي قُصد بها غرفة العمليات العسكرية، باعتبار أن الشعب السوري هو المحرّر الفعلي لنفسه نتيجة التضحيات التي قدّمها على مدار 14 عاماً، (54 عاماً في الواقع)، وتمثلت في مئات آلاف الشهداء، وملايين اللاجئين والنازحين، ممن دُمّرت بيوتهم، وخُربت حياتهم، وضاع مستقبل أبنائهم، فيما صبر من بقي منهم تحت سلطة النظام على العقوبات الاقتصادية التي حوّلت حياتهم جحيماً، رغم الزعم أنها صممت لإضعاف النظام، وساهم آخرون في تقويض نظام الأسد من داخله. أما التحفظ الثاني الذي يسوقه هؤلاء فينطلق من أن الإدارة الجديدة غير منتخبة، وبالتالي لا يوجد وضوح حول مقدار تمثيلها للمجتمع السوري، ما يجعلها، كما هي في الواقع، حكومة انتقالية، بولاية مؤقتة، لا تملك سلطة اتخاذ قرارات كبرى.

مسألة الشرعية من القضايا المفصلية في النظم السياسية المعاصرة، على اختلافها، وقد كانت كذلك على مر تاريخ الاجتماع الإنساني، ومع تفهمنا لتحفظات بعضهم على أداء الإدارة الجديدة، إلا أننا نسجل بدورنا تحفظا على محاولة الانتقاص من شرعيتها، أقله لمنع الفوضى، وإن كنا نوافق الرأي في أنه ليس من حقّها اتخاذ قرارات ذات طابع استراتيجي قبل أن تحصل على تفويض شعبي.

وتبدو الإدارة السورية الجديدة، كأي سلطة سياسية في العالم، شديدة الحساسية تجاه مسألة الشرعية، والدليل أنه عندما دخلت دمشق فجأة، في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، احتارت في توصيف نفسها، أو في إعداد الشكليات التي تمكنها من الحكم باعتبارها سلطة شرعية، فرتبت لإجراءات انتقال السلطة من حكومة النظام الساقط إلى حكومة الإنقاذ في إدلب، وظلت تعمل بدستور 2012 نحو ثلاثة أشهر، حتى صدور الإعلان الدستوري في 13 مارس/ آذار الماضي. لكن هذه الترتيبات تركت قيادتها من دون صفة واضحة في هرم السلطة إلى أن اهتدت، أو هُديت، إلى أنها تستطيع الاستناد، في ترتيب وضعها، إلى ما تسمّى بالشرعية الثورية، علماً أن الإدارة الجديدة لم تؤكد على علاقتها بالثورة السورية، وترفع علمها إلا متأخّراً، فعقدت “مؤتمر النصر” الذي تم فيه جمع الفصائل العسكرية المشاركة في “غرفة عمليات ردع العدوان”، وتسمية سلطة منبثقة عنه. والواقع أن الأمور لم تكن تحتاج إلى كل هذه التعقيدات لاستلام السلطة، وبطريقة شرعية، ففي النظم السياسية التقليدية هناك ما يسمى بولاية، أو شرعية، المتغلّب، التي تمكّن سلطة جديدة من استلام زمام الحكم بعد إطاحة سلطة قديمة مكروهة شعبياً، لفترة انتقالية ريثما تتمكّن من ترتيب أوضاعها الدستورية والقانونية، وهذا أمر شائع في النظم السياسية، وفي التاريخ السياسي السوري المعاصر.

هذا يجعل المسألة التي ينبغي التوقف عندها الآن ليس ما إذا كانت الإدارة الجديدة تحظى بشرعية، أو بشرعية كافية، للحكم، فهذا أمر يقرٌّ به جزء معتبر من السوريين، بل في فهم الإدارة الجديدة لمسألة الشرعية، فالشرعية ليست بوليصة تأمين على الحياة يشتريها المرء مرّة واحدة وتبقى معه كل العمر. الشرعية، عموماً، وشرعية المتغلّب منها خصوصاً، تزيد وتنقص بمقدار استطاعة السلطة الحاكمة خدمة الوطن وتلبية احتياجات المواطنين، وتطلعاتهم. تواجه سورية اليوم جملة تحدّيات كبرى تحتاج إدارة دمشق الجديدة إلى تحقيق إنجازات بشأنها، وإلا أخذت تخسر من رصيد شرعيتها، مثل توحيد البلاد، نزع السلاح واحتكار العنف، بناء جيش وطني، تحسين الأوضاع الاقتصادية، وإدارة المرحلة الانتقالية بحكمة. وينبغي الانتباه هنا إلى أن ما يعزّز شرعية السلطة هو الإنجاز في القضايا محلّ الإجماع الوطني، أما التي ينقسم حولها الناس فلا يجوز اتخاذ قرارات بشأنها إلى أن تحظى السلطة الحاكمة بتفويض شعبي يمحضها الشرعيتين الدستورية والقانونية. لهذا كله نقول إن أكبر تحدٍّ بعد الوصول إلى السلطة هو البقاء فيها بصورة شرعية، وهذا يحتاج شفافية، ومشاركة، وخطط عمل بعيداً عن التسويق المفرط، وتجنب التقدير الزائد للذات.

العربي الجديد

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى