أبحاثسقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوع

الشرع في الإليزيه: شروط صارمة من فرنسا والمجتمع الدولي

ما الذي تريد فرنسا قوله لأحمد الشرع؟

07-05-2025

        يستقبل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، اليوم الأربعاء في قصر الإليزيه، الرئيس السوري أحمد الشرع، في أول زيارة رسمية له إلى دولة غربية منذ سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر الماضي. وتأتي هذه الزيارة في سياق إعادة ضبط العلاقات بين باريس ودمشق، في ظل انتقال سياسي هشّ، تُرافقه مخاوف إقليمية وتحديات داخلية كبرى، أبرزها ملف «المجازر الطائفية وتفكيك إرث الانتهاكات».

        وبحسب ما أفاد مصدر في الرئاسة الفرنسية خلال إحاطةٍ للصحفيين مساء أمس الثلاثاء، فإن اللقاء يندرج ضمن «التزام تاريخي لفرنسا منذ 2011 بدعم تطلعات الشعب السوري نحو دولة حرة، ذات سيادة، تعددية ومستقرة». وأضاف المصدر أن الرئيس ماكرون سيُعيد تأكيد هذه الثوابت أمام أحمد الشرع، مُشدِّداً على أن «مطالبنا لم تتغير. ما طالبنا به بالأمس من أجل سوريا، لا يزال هو نفسه ما ندافع عنه اليوم».

        المطالب الفرنسية: العدالة أولاً

        من بين المحاور الرئيسية التي سيطرحها الرئيس الفرنسي خلال اللقاء، بحسب المصدر ذاته، ملف «المحاسبة على الجرائم الطائفية، لا سيما المجازر التي طالت مدنيين على الساحل السوري وأعمال العنف التي استهدفت الطائفة الدرزية جنوب دمشق». «ثمة قلق بالغ لدى فرنسا والمجتمع الدولي من عودة المواجهات الطائفية العنيفة»، يقول المصدر في الإليزيه، مُشيراً إلى أن «المجازر على الساحل، والتوترات الأخيرة جنوب دمشق، لا يمكن أن تمرّ دون محاسبة».

        وأضاف أن «الطلب واضح: مكافحة الإفلات من العقاب. يجب أن تتحول هذه المبادئ إلى أفعال ملموسة. ما ننتظره ليس فقط نتائج لجنة التحقيق المستقلة التي أعلنتها السلطات الانتقالية، بل أيضاً أن تقوم العدالة السورية بمحاكمة الجناة».

        وبحسب المصدر، فإن هذه اللجنة – التي تم تمديد عملها الشهر الماضي – أجرت أكثر من مائة جلسة استماع، شملت عائلات الضحايا ومحتجزين على صلة بالانتهاكات. «الكرة الآن في ملعب السلطات السورية: يجب إعلان الاستنتاجات وتحويلها إلى أحكام»، يضيف المسؤول في الرئاسة الفرنسية.

        مخاوف من التقسيم ورسائل واضحة لإسرائيل

        الزيارة تجري في سياق إقليمي معقّد. فإسرائيل صعّدت، مؤخراً، ضرباتها في الداخل السوري، وسط نقاشات داخلها حول مستقبل وحدة سوريا. في هذا الصدد، شدَّدَ المصدر الفرنسي على رفض بلاده لأي تدخل خارجي من شأنه زعزعة الاستقرار، قائلاً: «نرفض أي خطوات من قبل أطراف خارجية يمكن أن تؤدي إلى تقسيم سوريا أو تأجيج الصراعات الطائفية».

        ورغم أن تصريحات المسؤولين الإسرائيليين لم تُذكَر صراحة، فإن الإليزيه أرسل رسائل ضمنية في هذا الاتجاه: «كل عمل يُضعف مسار الحوار الوطني ويُقصي مكوّنات المجتمع، مثل الطائفة الدرزية، سيكون له أثر سلبي مباشر على استقرار سوريا والمنطقة».

        حماية الأقليات: التزام غير قابل للمساومة

        من ضمن الشروط التي تعتبرها باريس جوهرية لمواصلة دعم المرحلة الانتقالية السورية، احترام كامل لحقوق الأقليات. ويقول المصدر: «نطالب بحماية جميع المدنيين، بغضّ النظر عن انتمائهم أو دينهم. وعلى السلطات الانتقالية أن تضمن سلامة الدروز كما العلويين والسنة والمسيحيين».

        وأشار إلى أن «الرئيس الشرع أعلن عن تشكيل لجنة تحقيق بعد مجازر الساحل، لكن فرنسا ستنتظر المحاسبة، لا الخطاب وحده».

        كما أكد أن فرنسا تراقب عن كثب التطورات في جنوب دمشق، حيث سجلت منظمات حقوقية عمليات استهداف منظم لأبناء الطائفة الدرزية. وعلّق المصدر: «هذه المجازر والتوترات لا تهدد فقط السوريين، بل تمسّ بنية الدولة وتُقوِّض أي مسار نحو الاستقرار».

        الكُرد والحوار الوطني

        اللقاء بين ماكرون والشرع سيتناول أيضاً المسار السياسي الانتقالي، لا سيما مشاركة الكُرد، الذين تعتبرهم باريس «حلفاء أوفياء في مكافحة الإرهاب»، بحسب المصدر. «ندعم بقوة اتفاق 10 مارس بين الرئيس الشرع والجنرال مظلوم. هذه الخطوة كانت ضرورية لتثبيت الحوار بين الشمال الشرقي ودمشق».

        كما دعا المصدر إلى تعزيز الحوار الكردي–الكردي، وإلى دمج كل المكونات السياسية والاجتماعية في الهيكل الجديد للسلطة، معتبراً أن «تفعيل مجلس الشعب المنصوص عليه في الإعلان الدستوري يجب أن يتم دون إقصاء».

        يضيف المصدر: «حلفاؤنا الأكراد لهم أهمية بالغة، هم حلفاؤنا الأوفياء على الدوام. نقدم كافة التسهيلات اللازمة لحلفائنا الأكراد الذين كانوا ولا يزالون حتى اليوم حلفاء أوفياء لنا في عملية مكافحة الإرهاب. ولذلك، تُعد هذه العملية بالنسبة إلينا واحدة من الأولويات. ينبغي أن يجد الأكراد مكاناً كاملاً لهم في الدولة الجديدة».

        مكافحة الإرهاب: التزامات مشروطة

         فرنسا، التي ما تزال طرفاً رئيسياً في التحالف الدولي ضد داعش، تضع بند مكافحة الإرهاب على رأس أجندتها. لكن موقفها بات مشروطاً بنتائج سياسية.

        «نحن لا نمنح شيكات على بياض»، يقول المصدر في الإليزيه، مضيفاً: «الرئيس الشرع تعهد بعدم التساهل مع بقايا التنظيمات الإرهابية. ننتظر أفعالاً واضحة. لقد لاحظنا بعض التقدّم، خصوصاً في محاربة تنظيم القاعدة، واستقبال بعثة منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، لكن الطريق لا يزال طويلاً».

        اللاجئون والحدود مع لبنان: بعد إنساني وسيادي

        تأملُ فرنسا أن تساهم الزيارة في تفعيل آلية التنسيق الحدودي بين سوريا ولبنان، التي أُطلقت بدعم سعودي وفرنسي. وفي هذا الإطار، تضع باريس ملف اللاجئين على الطاولة، وتطالب بضمانات «لعودة طوعية وآمنة».

        «استقرار سوريا لا يخصّها وحدها، بل يطال المنطقة، ولبنان أولاً»، يؤكد المصدر، مشيراً إلى أن الرئيس ماكرون سيبحث مع الشرع أيضاً في إمكان تعزيز التنسيق الثلاثي بين بيروت ودمشق وباريس.

         كما لمّحَ المصدر إلى أن فرنسا لن تقبل بعودة الهيمنة السورية على القرار اللبناني، قائلاً: «نسعى لترسيم حدود واضحة تحترم سيادة البلدين. هذه خطوة ضرورية لبناء الثقة».

        العقوبات وإعادة الإعمار: لا دعم دون إصلاح

        أشار المصدر إلى أن فرنسا، رغم ترحيبها بسقوط النظام السابق، لا تنوي رفع العقوبات بشكل شامل: «الرئيس الشرع لا يزال خاضعاً لعقوبات مجلس الأمن، وزيارته تمت بموجب إعفاء مؤقت».

        أما بشأن إعادة الإعمار، فشدد المسؤول الفرنسي على أن «أي تمويل دولي مشروط بالشفافية والحوكمة». وأردف: «البنك الدولي يُقدّر احتياجات الإعمار بـ250 مليار دولار. لا يمكن أن نطلب من المانحين التحرك دون رؤية إصلاحات حقيقية. فرنسا عرضت خبرتها التقنية، خاصة في إصلاح القطاع المالي، لكن الكرة في ملعب السوريين».

        لا اعتراف مجاني بشرعية السلطات الجديدة

        الرسالة الفرنسية واضحة: لا تطبيع بلا شروط. «ما زلنا نحكم على الأفعال لا على النوايا»، يقول المصدر في الإليزيه؛ «نحن نراقب. من حماية الأقليات إلى العدالة الانتقالية، ومن الحوار الوطني إلى تفكيك الشبكات الإرهابية، المطلوب هو التزام صادق ومسؤولية سياسية».

موقع الجمهورية

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى