الأحداث التي جرت في الساحل السوريالناسسقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوععن أشتباكات صحنايا وجرمانا

توترات طائفيّة في الجامعات السوريّة: الوجه القبيح لزملاء الدراسة!/ عمر الهادي – مدون سوري

13.05.2025

لطالما شكلت الجامعات فضاء يجمع الشبان والشابات السوريين من مختلف الخلفيات، ورغم هشاشة البنية التحتية لهذه المؤسسات، إلا أنها استطاعت خلط السوريين ودفعهم الى التعارف، ومن ساحات هذه الجامعات، خرج عدد من التظاهرات ضد النظام، قمعت بوحشيّة حينها، لتعود الآن الجامعات إلى طلابها،  لكن يخشى اليوم أن يتحول السكن الجامعي إلى مساحة غير آمنة ومشحونة بالخوف.

شهدت جامعات سورية في الأسبوعين الماضيين، تصاعداً في حدة التوترات الطائفيّة بين طلاب المحافظات، توترات وصلت حد التهديد والاعتداء الجسدي وهتافات وصلت الى الاحتفاء بـ”إبادة” الأقليات الدينية. أفضت هذه التوترات الى ترك الكثير من طلاب السويداء المدن الجامعية في حلب، حماة، حمص، ودمشق، وعادوا إلى محافظتهم، خشية اندلاع مواجهات طائفية جديدة،  في ظل تراخٍ أمني لضبط هذه الحاضنات الطلابية.

تمكنا في “درج” من التواصل مع عدد من الطلاب في مختلف الجامعات السورية، فضلوا عدم الكشف عن هوياتهم، لسرد شهاداتهم حول الأحداث التي شهدوها.

هل أضحت الجامعات ساحات للترهيب؟

لم يكن خروج طلاب السويداء من السكن الجامعي قراراً فردياً، بل جاء كرد فعل جماعي في سياق تصعيد مستمر،  خروج جماعي كشف عنه مقطع فيديو انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي، يظهر فيه عشرات الطلاب أثناء مغادرتهم المدينة الجامعية في دمشق.

أثار الفيديو جدلاً واسعاً حين انتشر، إذ وصفه البعض بـ”التغريبة الجامعية”، فقرر عدد من الطلاب المغادرة يوم 29 نيسان/ أبريل، بعدما تعرضوا لمضايقات طائفية تراوحت بين التهديد والاصطدام اللفظي والجسدي، أودى بعضها إلى إصابات.

بدأت الأحداث في المدينة الجامعية بحمص عقب انتشار تسجيل صوتي “مفبرك” حمل إساءة دينية، نُسب إلى أحد شيوخ السويداء، ما أدى إلى حالة من التجييش، تجسدت في تجمعات داخل السكن الجامعي، رددت تهديدات مباشرة بحق الطلاب الدروز، بينها: “كل واحد درزي منشوفوا بالسكن ذابحينوا”، وسط هتافات وتكبير.

تصاعد الأمر إلى اقتحام غرف الطلاب الدروز والاعتداء عليهم بالعصي والجنازير، إذ تعرض الطالب (م.ش)، وهو طالب هندسة بترول في السنة ثالثة، لهجوم عنيف داخل غرفته، أصيب خلاله بجروح خطيرة في الرأس، إلى جانب الاعتداء على زملائه.

في حلب، تكرر السيناريو ذاته، إذ تعرض الطالب (أ.غ)، وهو طالب هندسة ميكانيكية في السنة الثالثة، للطعن بالسكين في صدره وساعده وظهره لأنه درزي.

تقاطعت شهادات طلاب عدة حول تلقيهم تهديدات منذ بداية أحداث الساحل، عبر رسائل إلكترونية وملاسنات لفظية، إضافة إلى تجمعات شهدت أحاديث علنية عن “النصارى” وغير المسلمين. وقد حصل موقع “درج” على محادثة من إحدى الطالبات، خلال نقاشها مع صديقها حول أسباب هذا التغير المفاجئ، ليجيب: “هلق صارت طائفية، أي درزي بدنا نشوفو بالسكن رح نقتلو، يلي مو عاجبو ينقلع ع السويدا”.

وبحسب ما ورد في رواياتهم، تدخل الأمن العام لفض الاشتباكات وحماية الطلاب، لكنه لم يضبط التظاهرات التي واصلت التحريض ضد طلاب السويداء.

أما في حماة، فتروي ماري (اسم مستعار)، طالبة طب أسنان، تجربتها قائلة: “خرجت مظاهرة في ساحة العاصي يوم 28 نيسان/ أبريل، حملت شعارات (سنية سنية، بدنا نبيد الدرزية)، ثم انتقل التجمع إلى المدينة الجامعية، بمشاركة أشخاص من خارج السكن، وسط انتشار واضح للسلاح”.

تكمل ماري: “في اليوم التالي، توجهنا إلى الكلية لإنهاء إجراءات الاستضافة في دمشق وجمع أغراضنا، وخلال ذلك، مرّ شابان بجانبي وقالا (سبحان من أعزنا وأذلكم)، رغم أنني لم أتعامل معهم طوال سنوات دراستي. وبعد يوم كامل من توقيع الأوراق، فوجئنا برفض الطلبات بحجة الحاجة إلى موافقة من دمشق، رغم أن آخر مهلة للتقديم كانت الأربعاء الماضي”.

تأتي هذه الشهادات رداً على إنكار الإعلام حقيقة المضايقات التي تعرض لها طلاب السويداء، ما ساهم في تجاهل السلوك العدائي وتصعيده عند البعض بدلاً من الحد منه.

لطالما شكلت الجامعات فضاء يجمع الشبان والشابات السوريين من مختلف الخلفيات، ورغم هشاشة البنية التحتية لهذه المؤسسات، إلا أنها استطاعت خلط السوريين ودفعهم الى التعارف، ومن ساحات هذه الجامعات، خرج عدد من التظاهرات ضد النظام، قمعت بوحشيّة حينها، لتعود الآن الجامعات إلى طلابها،  لكن يخشى اليوم أن يتحول السكن الجامعي إلى مساحة غير آمنة ومشحونة بالخوف.

تروي سارة (اسم مستعار) طالبة الصيدلة سنة رابعة، تجربتها في السكن الجامعي بالمزة قائلة: “بعد الأحداث التي استهدفت الطلاب الدروز في حمص، بدأ قلقنا يتزايد، لكننا واصلنا الدوام، وبينما كنا نجلس مع الأصدقاء في الحديقة مساء يوم الاثنين، بدأنا بسماع تكبيرات تتردد، وسرعان ما احتشد الطلاب وهم يكررون الهتافات، قبل أن تدخل سيارة للأمن العام، وأثناء صعودنا نحو الغرف، سمعت أحد المتجمعين يقول (رح يشوفوا آخرتن هالخنازير)، في إشارة واضحة إلينا، عندها بدأنا بتوضيب أغراضنا استعداداً للرحيل”.

في سكن الهمك (كلية الهندسة الميكانيكيّة)، قوبل هذا التجمع باحتشاد مماثل، وتعددت الروايات حول أسباب التصعيد. إذ أشارت شهادات إلى أن الحادثة بدأت بعد العثور على كتاب ديني قرب إحدى حاويات القمامة، كادعاء ضد أحد الطلاب الدروز، بينما أكدت شهادات أخرى أن الخبر مجرد إشاعة استُخدمت لتأجيج التوترات.

تضيف طالبة أخرى من كلية الإعلام سنة ثانية: “شاهدت طلاباً يضعون على جباههم رايات تحمل عبارة لا إله إلا الله، في اللحظة التي بدأت فيها التكبيرات تتصاعد”.

في هذا السياق، تُلصق تهمة “العمالة لإسرائيل” في الحوارات كتبرير للإقصاء والعدائية، إذ تُستخدم لصنع “عدو افتراضي”، ما يفتح الباب أمام استهداف الدروز على مستويات متعددة، بدءاً من التشكيك في انتمائهم الوطني، وصولاً إلى محو دورهم في الثورة السورية، وتدنيس رموزهم الدينية والتاريخية من البعض.

ما حدث مع طلاب السويداء كان امتداداً لمضايقات طاولت سابقاً طلاب الساحل، وسمح تأخر الإجراءات الحاسمة بانتشار السلوكيات الطائفية والتهديد علناً، إذ لم يُضبط الخطاب التحريضي بفعالية، وبينما كان يُتوقع إصدار بيان يجرم هذه الاعتداءات، جاء بيان وزارة الداخلية مشيداً بـ”غيرة المواطنين”، رغم طابعها العدائي، ما أثار تساؤلات حول حيادية المؤسسات الرسمية.

تحوّلات الحدث في الإعلام

بعد مغادرة طلاب السويداء السكن الجامعي، سارعت وسائل إعلام رسمية إلى تقديم روايات نفت فيها تعرض الطلاب لأي ضغوط، وزعم ناشطون إعلاميون أن الإجلاء تم بتوجيهات من شيوخ السويداء، وهو ما نفاه الطلاب مؤكدين أنهم غادروا لدرء الاستفزازات التي بدأت تأخذ منحى مشابهاً لما حدث في حمص وحلب، بعد محاولات لامتصاص المناكزات الفردية التي تعرضوا لها.

تصوير الواقع الجامعي كبيئة آمنة لم يكن مجرد انفصال عن الواقع، بل إنكار لما تعرض له طلاب السويداء، يلاحظ اليوم اتباع بعض الإعلاميين نهجا مكرراً في التعامل مع القضايا المثيرة، إذ يتم تجاهل جوهر المشكلة، وبدلاً من فتح باب الحوار حولها لمعالجتها، يتم لوي الخبر وإعادة تشكيله وفق سردية تخدم توجهات معينة.

وفي مواجهة هذا التشكيك، أصدرت مجموعة من طلاب السويداء بياناًً رسمياً في 8 أيار/ مايو، أكدوا فيه رفضهم للفتنة الطائفية، وتمسكهم بالوحدة الوطنية، مشددين على أن انسحابهم من الجامعات كان قراراً ذاتياً، كما طالبوا بتجريم الخطاب الطائفي، وتأمين الحماية اللازمة للطلبة، ومحاسبة المحرضين والمعتدين.

وجاء الرد على هذا البيان عقب اجتماع عقد يوم السبت 10 أيار/ مايو في دمشق، جمع وفداً أهلياً وسياسياً من محافظة السويداء بوزيري الداخلية والتعليم العالي، وأسفر هذا الاجتماع عن قرار صدر عن  وزارة التعليم العالي في سوريا، ينص على: “حظر نشر أو تداول أي محتوى يتضمن تحريضاً على الكراهية أو الطائفية، مع فرض مساءلة جزائية على المخالفين”.

ورغم اعتبار هذا القرار خطوة مهمة وجادة نحو معالجة الخطاب الطائفي، إلا أنه عكس تحولاً في التعامل مع القضية، من الإنكار في البداية إلى التجريم لاحقاً! ما يفتح المجال لمراجعة أعمق حول آليات عمل المؤسسات التعليمية والإعلامية، وضمان بيئة أكثر أماناً وتماسكاً لجميع الطلاب.

ظهر أيضاً بيان باسم “حراك طلابي” هدفه “جامعة خالية من العنف والسلاح، ومنحازة الى عدالة والكرامة والحرية للجميع”، رافعاً شعارات “فكر تضامن مساواة”، البيان ذو لغة واعدة غير معروفة أسماء الموقعين عليه أو من صاغوه سوى بأنهم “طلاب وطالبات من جامعات سوريا”، هكذا حراك وبيانات مهم في هذه المرحلة لكن من دون ترجمة على الأرض وداخل الحرم الجامعي، يبقى مجرد نداء في المجهول، خصوصاً أمام محاولات إعادة تعريف الفضاء الجامعي إما عبر مبادرات الأسلمة، أو الاحتشاد الطائفيّ كما حصل سابقاً.

درج

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى