التدخل الاسرائيلي السافر في سورياسقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوعسياسةعن أشتباكات صحنايا وجرمانا

عن التدخل الاسرائيلي السافر في سورية الجديدة، ملف تناول “شهية إسرائيلية لتفتيت سوريا” – تحديث 13 ايار 2025

عن أشتباكات صحنايا وجرمانا تحديث 13 أيار 2025

لمتابعة مكونات الملف اتبع الرابط التالي

التدخل الاسرائيلي السافر في سورية الجديدة

لمتابعة تفاصيل هذا الملف اتبع الرابط التالي

عن أشتباكات صحنايا وجرمانا

—————————–

هل علينا أن نحذر من الحرب الأهلية؟/ حسام جزماتي

2025.05.12

رفض معظم السوريين وصف ما جرى في وطنهم، خلال السنوات اللاهبة الماضية، بأنه «حرب أهلية». عبّر جمهور الثورة عن هذا في مناسبات عدة، كما صرّح بذلك النظام ومؤيدوه حين كانوا يزعمون أن الاحتجاج عليه مؤامرة خارجية لا مطالب داخلية من أهل البلد.

ولم تأت هذه الحساسية من فراغ. فهناك فارق كبير بين أن تكون ثائراً ضد الظلم والطغيان والاستئثار، سلماً أو حرباً، وبين أن تكون «أحد أطراف النزاع» في صراع محلي. وكذلك بين أن تكون ذراع «الدولة» التي زعمت احتكار الشرعية والدفاع عن وحدة البلاد وأمان العباد، وبين أن تكون عنصراً في قوات عسكرية مدججة مهمتها حماية عرش الأسد واستثمار بعض الشعب ضد بعضه الآخر.

انقضى كل ذلك حين هرب الرأس تاركاً النظام تحت وطأة تكسّر مفاجئ، وقواعده البشرية قيد الذهول، وخصومَه المنهكين في خضم فرح غامر أدار رؤوسهم على غير توقع. وإثر الانتصار السهل، وكلفته البشرية القليلة نسبياً بالقياس إلى المخاوف؛ ساد بين السوريين تفاؤل جارف بمستقبل واعد لبلاد محررة ومزدهرة. لم يتوقع أحد أن المسار سيكون يسيراً معبّداً لكن الجميع ظنوا، أو أمِلوا، أن صفحة «الحرب» قد طويت، وأن الباقي مصاعب هائلة لكنها اقتصادية وإعمارية وخدمية وإدارية وسياسية. ولكن ذلك بدا «مقدوراً عليه» طالما أننا «بالحب بدنا نعمّرها».

قد لا يكون الحب شرطاً لازماً لبناء البلدان، أو استعادة عافيتها، لكن حداً أدنى منه لازم لضمان السلم الضروري لأي تحرك. فضلاً عن أن الكره ليس شعوراً فحسب، بل أرضاً خصبة لقيام «حرب أهلية» موصوفة. واليوم، بعد خمسة أشهر على التحرير، نلاحظ شكاً في موجة التفاؤل التي رافقته، بل تراجعاً كبيراً عنها في بعض البيئات.

في الحقيقة لم يكن بشار الأسد عنواناً لمعسكره من الرافضين للثورة فقط، بل رمزاً للتغيير الذي ينشده آخرون وضعوا الإطاحة به في أول مطالبهم. وبهذا المعنى كان وجوده علامة على أن النزاع سياسي مهما خالطته عصبيات أهلية لطالما استند إليها نظام الأسدين، وتكاتفٍ مضاد استقر تدريجياً على أوساط أغلبية من السنّة العرب. ولذلك كسرت الإطاحة به الأسوار السياسية، الآيلة للسقوط وشبه المزيفة، للصراع الذي بدأ يسلك السبيل الأسهل لوجوده، وهو الطائفية السافرة.

ليس مستغرباً أن تبدأ معالم التشقق بالظهور على الحدود العلوية. فللطائفة دور مركزي في دعم الأسد، وإن لم يكن وحيداً، وبينها أعداد أكبر من المتهمين بارتكاب انتهاكات حقوق الإنسان. وهم مطلوبون للمحاكم في حال استوى أمر العدالة الانتقالية المنشودة، أو معرّضون، بشكل عشوائي يخلطهم بغيرهم من المدنيين، لأعمال انتقامية لا تتبين فيها حدود العدل عن الثأر الجماعي. لم يحدث هذا في مطلع آذار المنصرم فقط، بمجازر معروفة، بل قبل ذلك وبعده في حوادث بالمفرّق سوى ما تكثف جملة.

ومن الضروري أن نشير هنا إلى أن «الحوادث الفردية» لم تطل العلويين فقط، والمرشديين الذين يمازجونهم في الجغرافيا والأصول، بل حصلت في معظم الأراضي السورية وفي بيئات السنّة أنفسهم. فحين عاد الثوار إلى مدنهم وبلداتهم وقراهم، فاتحين، أطلقت الصدور المنتشية سراح ثارات معتقة حبيسة تجاه من كانوا أعوان النظام، بقواته النظامية أو الرديفة (الدفاع الوطني وسواه) أو المخبرين (العواينية). وفي ذاكرة الأرياف، وحارات المدن، سجلٌ لكل من كان مسؤولاً عن اعتقال ثوار عادوا أو بلعتهم الأجهزة الأمنية والسجون، وحساب طويل على التجبر والإهانات والابتزاز والاستيلاء على المنازل والأراضي. ورغم أن هذا ليس مشتهراً على نطاق واسع فإن أعمال القتل المحلي أو الملاحقة أو الوعيد الصريح حدثت بوفرة في حواضن الثورة.

وإذا كان كل ما سبق قد جرى تفهمه، أو فهمه، في سياق غليان الغضب في عروق «أولياء الدم» كما يسمّون، من الناجين أو من ذوي الضحايا خلال الثورة، فإن انتقال الزمجرة الدامية لتهديد بيئات أخرى صار يطرح سؤالاً عن الكراهية مؤخراً. فمن المعروف أن تسجيلاً صوتياً مجهولاً أساء إلى الرسول، صلى الله عليه وسلم، فجّر أحداثاً أوسع تجاه الدروز في جرمانا وأشرفية صحنايا والسويداء، وحتى في حق طلاب جامعيين. وقد سبق لطائفة الموحدين أن ابتعدت، إلى حد غالب، عن المشاركة في «الصراع السوري» قبل سنوات، والتزمت، قدر ما تستطيع، بعدم التحاق أبنائها بالخدمة الإلزامية ما عدا بعض الحالات والشرائح الموالية منها.

وإذا كان العقلاء في الدين، وعلى رأسهم المفتي أسامة الرفاعي، والسياسة، ومنهم ممثلو السلطة الحالية، قد اتفقوا على الضبط والتهدئة؛ فإن أنياب «الفصائل غير المنضبطة» على الأرض وفي المجال العام، أثبتت أن الضواري تتعطش بقوة لنهش جسد الآخر، بعد تكفيره دينياً وتخوينه وطنياً بتعميم توجهات معينة على الجميع، والبحث عن العدو لا الصديق. وقالت هذه الأحداث إن متاريس العقل هشة وإنها تهتز بعنف على أياد كثيرة مضرجة بالدم.

ولا يخفى أن جمهور الكارهين هذا يهمُر بالاتجاه الشمالي الشرقي، ملوحاً للكرد بأن ما يحول بينهم وبين التعرض لسيوفه وفؤوسه هو الاتفاقات التي جرى توقيعها والتي يُنتظر تنفيذها، وفق تفسيرات لم تتضح معالمها، على يد لجان ربما لا تصل إلى نتائج تشبع شهوات سطوة جمهور يرى نفسه في صف موحد حتى الآن.

وبالانطلاق من النقطة الأخيرة فإن شعور الاتحاد متماسك فقط في مواجهة آخر. أما حين يسترخي أهل الدار فلا ضمانة ألا تستيقظ خلافات البيت الواحد، الفصائلية والعشائرية والمناطقية، فتكون الساطور الذي يقصم ظهر البلد.

ولذلك، لا إمام سوى العقل مهما بدا هذا الكلام هرماً. ومهما قيل إنه تنظير لا يلبي غرائز جيل لم يعرف غير الحرب، التي لم تكن أهلية.

تلفزيون سوريا

————————————–

إسرائيل وسوريا بعد سقوط الأسد: من التصعيد إلى اختبار التفاهمات

11 مايو 2025

يقدّم معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي تحليلًا معمقًا لتحولات المشهد السوري بعد سقوط نظام الأسد، مركّزًا على فرص التقارب والمخاطر من وجهة نظر الجانب الإسرائيلي. ويرى أن السياسات الجديدة للرئيس السوري أحمد الشرع تفتح الباب لتفاهمات إقليمية، لكنها تصطدم بتحديات داخلية، يبرز في مقدمتها هشاشة الوضع الأمني.

يفتتح معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي مقاله التحليلي بالإشارة إلى أن سقوط نظام بشار الأسد في 8 كانون الأول/ديسمبر 2024 لحظة مفصلية في تاريخ سوريا، وأدى إلى تغيّر جذري في موازين القوى. وأضاف أنه من بين احتمالات “الاعتدال والحكم الشامل” أو “انعدام الاستقرار المُغذّى بالتطرف”، تبقى الشكوك قائمة حول “النيات الحقيقية للرئيس السوري الجديد أحمد الشرع”.

وأشار المعهد إلى أنه رغم الجدل، رسّخت الحكومة السورية الجديدة سلطتها بسرعة وشكّلت حكومة انتقالية خلال أربعة أشهر، وبدأت بإرسال “رسائل تهدئة إلى العالم والدول المجاورة، وبصورة خاصة إلى إسرائيل”، معلنة جدول أعمال يركّز على “تقاسُم السلطة، ومنح الحقوق للأقليات، والتنمية الاقتصادية”.

ولفت المعهد إلى أن السلطات السورية تواجه تحديات في فرض سيطرتها الكاملة، معيدًا التذكير بأحداث العنف الدامية التي استهدفت الطائفة العلوية في الساحل السوري في آذار/مارس الماضي، الأمر الذي دفع بالشرع إلى إدانة العنف وتشكيل لجنة تحقيق وطنية. كما ذكّر بأحداث العنف التي شهدها جنوب دمشق، واستهدفت المدنيين الدروز نهاية نيسان/أبريل الماضي، ما كشف عن “سيطرة الشرع الجزئية على الجغرافيا”.

ووفقًا للمعهد، رغم سياسة الشرع التي فتحت بابًا لإعادة تشكيل العلاقات الإقليمية، تبنّت إسرائيل نهجًا تصادميًا مدفوعًا بـ”صدمة السابع من تشرين الأول/أكتوبر”، وصرّحت بأن الحكومة السورية الجديدة يقودها “إرهابي جهادي من مدرسة القاعدة”، الأمر الذي يعتبره المعهد “يثير تساؤلات عن مدى استعداد إسرائيل لإعادة النظر في علاقتها مع سوريا”.

ومن جديد، يُعيد المعهد التذكير بإعلان إسرائيل سياسة “حماية الأقليات”، بتركيزها على دعم “الأكراد والدروز”، فضلًا عن استخدامها “الوسائل العسكرية” لحمايتهم. ويرى المعهد هنا، أن هذه السياسة جعلت من إسرائيل طرفًا فاعلًا في الصراع الداخلي السوري، وأكدت تموضعها في موقع “معارض للحكومة التي تقودها الأغلبية السُّنية”، ما يزيد من تعقيد التوازنات في الجنوب السوري.

ويشير المعهد إلى أن إسرائيل تسعى لمنع الفراغ الأمني، لكن “الحكام الجدد في دمشق ليسوا حماس”. فقد طردت الحكومة السورية “حماس” و”الجبهة الشعبية”، واعتقلت قياديَّين من “الجهاد الإسلامي”، كما “بذلت جهودًا كبيرة لإحباط محاولات حزب الله تهريب الأسلحة”، بما في ذلك استهداف قواته على الحدود السورية – اللبنانية.

وبحسب المعهد، رغم التزام الشرع العلني باتفاق وقف إطلاق النار وتجنّب الصدام، فإن إسرائيل واصلت تنفيذ غارات جوية داخل سوريا، أبرزها “الضربة غير المألوفة بالقرب من القصر الرئاسي”، فضلًا عن مقتل تسعة أشخاص جراء غارة استهدفت جنوب سوريا، ما أثار احتجاجات شعبية ودعوات للتسلّح. ويرى المعهد أن هذه الهجمات قد تُغذي “المقاومة ضدها” وتُفاقم احتمالات المواجهة.

ويشير المعهد الإسرائيلي إلى أنه منذ سقوط الأسد، سعت إيران لتوسيع نفوذها عبر “تسليح جماعات وكيلة”، منها “العلويون، وحزب الله، وميليشيات عراقية، ومسلحين أكراد”. وعلى الرغم من انسحابها من بعض المناطق، استمرّ دورها التخريبي. المفارقة أن “سياسة إسرائيل قد تساهم في دعم السردية الإيرانية”، عندما اتهمت الحكومة السورية بارتكاب المجازر في الساحل، رغم أن ” الواقع على الأرض كان أكثر تعقيدًا وتفصيلًا”.

ونوه المعهد إلى مساعي تركيا لتوسيع نفوذها في سوريا بعد سقوط الأسد، عبر مفاوضات دفاعية مع دمشق ونشر دفاعات جوية في قاعدة T4، ما أثار قلق إسرائيل التي كثّفت غاراتها الجوية. ورغم تردد الشرع في الانحياز الكامل لأنقرة، فإن التصعيد الإسرائيلي قد يدفعه نحو التحالف مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

ووفقًا للمركز، يساهم تركيز إسرائيل على الغارات الجوية وحماية الأقليات في تقويض الحكومة المركزية، ما يعزز الانقسام الذي تستغله إيران لإعادة نفوذها عبر “حلفائها السابقين وشبكات وكلائها”. وفي ظل هذا التنافس، تصبح سوريا المنقسمة بيئة خصبة “لازدهار داعش والقاعدة وحماس”، التي تعمل السلطات الجديدة على “قمعها” حاليًا.

كما تُناقض سياسة إسرائيل في سوريا مبدأها المشترك مع واشنطن، الداعي إلى دعم الحكومات المركزية لمواجهة النفوذ الإيراني. ففي حين تسعى لتقوية الدولة في لبنان والعراق، تعمل في سوريا على “تقويض الحكم المركزي”، ما يمنح إيران فرصة لاستغلال الفوضى عبر وكلائها، كما تفعل في دول أخرى، وفقًا لتحليل المعهد.

قد تمنح الدولة المنقسمة إسرائيل حرية حركة أكبر، كما يرى المعهد، لكنها ستواجه “تعدّد التهديدات”، ما يستنزف مواردها ويزيد خطر التورط في صراع جديد. وفي المقابل، يمكن لإسرائيل أن تستفيد من نجاحاتها الأخيرة ضد إيران و”حماس” بتبنّي “استراتيجية بنّاءة” بدل تعميق الفوضى في سوريا.

وعلى الرغم من الغموض المحيط بمستقبل سوريا، فإن المصلحة الإسرائيلية تقتضي خطوات استباقية، تبدأ بـ”بلورة تفاهمات” أمنية مع الحكومة الجديدة، وتفتح المجال لاحقًا لتعاون أوسع، وفقًا للمقال ذاته.

أما على مستوى تركيا، يعتبر المعهد أنه من المثير التفكير في إمكانية تحوّل دمشق من “محور صراع” إلى ساحة تعاون تركي-إسرائيلي، خاصة مع تقاطع المخاوف الأمنية من النفوذ الإيراني. ويمكن لهذا التعاون أن يشمل “قيودًا على نشر أنظمة الدفاع الجوي التركية” في سوريا، ما يفتح المجال لحوار حول استقرار البلاد ومكافحة التطرّف.

كما يمكن لإطار تفاهُم مشترك، مدعوم من واشنطن ومنسق مع أنقرة، أن يوفّر مزيجًا من الردع والدبلوماسية، ويُمهّد لـ”انسحاب إسرائيلي حذر وآمن”، مقابل صعود سلطة سورية مسؤولة. وفي حال اتخذت دمشق خطوات إيجابية، قد تُقابلها إسرائيل بـ”إشارات متبادلة حذِرة” تمهّد لمسار سياسي جديد.

ويشير المعهد إلى أن مصالح إسرائيل تتقاطع مع مصالح دول المنطقة، بما في ذلك الأردن ومصر والخليج في استقرار سوريا، والحد من التطرف الإسلامي والنفوذين الإيراني والتركي. كما يمكن لإسرائيل، بالتنسيق مع دول الخليج، أن تدفع “بمشاريع بنية تحتية مشتركة”، خاصة في “المياه والزراعة”، ما يعزز تعافي سوريا ويكرّس إسرائيل “لاعبًا إقليميًا بنّاءً” يخدم مصالح المنطقة، وفق تعبيره.

يخلص المعهد في هذا المقال التحليلي إلى أنه على المدى البعيد، قد تخدم “سوريا موحّدة، أقل اعتمادًا على إيران، ومحالفة للدول العربية المعتدلة” المصالح الأمنية الإسرائيلية بشكل أفضل، خاصة إذا اعتمدت نموذجًا لتقاسم السلطة. كما أعاد التذكير بإشارة الرئيس الشرع لعضو الكونغرس كوري ميلز إلى استعداد بلاده للانضمام إلى “اتفاقيات أبراهام، في ظل الشروط المناسبة”.

ويختتم المعهد تحليله بالتأكيد على أنه يُفترض أن يكون الانخراط الإسرائيلي والدولي مشروطًا بـ”التزامات واضحة”، تشمل إضعاف النفوذ الإيراني، تفكيك القدرات الكيميائية، وضمان حقوق الأقليات. ويمكن أن يُمهّد بناء الثقة نحو تطبيع تدريجي يبدأ بـ”اتفاقيات أمنية وتعاون مشترك”، ما يساهم في تقليص خطر التطرف وتعزيز الاستقرار في الإقليم.

الترا سوريا

——————————–

من التوتر الطائفي إلى التدخل الإسرائيلي.. قراءة في أحداث جرمانا وأشرفية صحنايا والسويداء

نشر في 10 أيار/مايو ,2025

أواخر نيسان/ أبريل 2025، هاجمت مجموعات مسلّحة مناطق عدة يقطنها سوريون دروز، في جرمانا وأشرفية صحنايا وقرى السويداء الغربية. وكانت الهجمات مفاجئة ودموية، وجرت بوتيرة متصاعدة من دون أي مبرر واضح، وقد بدت -في ضوء سياقها وتوقيتها وأدواتها- وكأنها مدبّرة سلفًا، بهدف صبّ الزيت على نار التوتر الطائفي، لا سيما أنها استندت إلى تسجيل صوتي مفبرك سرعان ما تبيّنَ زيفه، وبالرغم من صدور بيان رسمي من وزارة الداخلية يؤكد أن ذلك المقطع مزوّر، فقد حدثت تظاهرات في عدة مدن، ثم تصاعد الموقف بعد ذلك. وتطرح هذه الأحداث تساؤلات عن هوية الجهات الفاعلة أو المستفيدة من تفجير هذا الوضع الأمني والاجتماعي، وعن دوافع هذا التصعيد، ولا سيّما مع غياب ما يُفسّر انفجار العنف بهذا الشكل.

وقد أدّت تلك الأحداث إلى مقتل وجرح العشرات، وعلى الرغم من قيام قوات الأمن العام بجهود لمنع الهجمات، فقد استمرت حالة التوتر عدة أيام، تلتها مساع من الحكومة بدمشق لعقد اتفاقٍ يقضي بامتداد سلطة الدولة إلى مناطق جرمانا وأشرفية صحنايا، وهي مناطق يقطنها سوريون من المكوّن الدرزي، ولكن تنفيذ الاتفاق ما زال يواجه صعوبات تحول دون تنفيذه التام، وما يزال الوضع يشهد حالة من التوتر والترقب.

تزامنت تلك الأحداث مع مناخ من التوتر المجتمعي الحاد، وهذا ما يعزز الحاجة إلى إجراء قراءة معمقة في مسار هذه الأحداث ودلالاتها، حيث لا يمكن فهم التصعيد الأخير بمعزل عن المناخ العام المتوتر الذي سبق هذه الأحداث، ولا سيما بعد ما جرى في الساحل السوري، مطلع آذار/ مارس 2025، من أحداث أودت بحياة كثير من السوريين، وتعثّر الاتفاق بين الحكومة و(قسد)، كل ذلك ترك أثرًا نفسيًا ومجتمعيًا عميقًا، أسهم في تعميق الانقسامات بين السوريين، وشكّل بيئة خصبة لتأجيج الفتن لاحقًا. في هذا السياق المشحون، بدا أن أي حادثة، ولو كانت مفبركة مثل التسجيل الصوتي المتداول، يمكن أن تتحول إلى شرارة تؤدي إلى انفجار الوضع، كما حصل في الأحداث الأخيرة.

تقدّم هذه الورقة قراءةً في تلك الأحداث، وتحاول تحديد دور الفاعلين بها، وتعرض المواقف المحلية والإقليمية والدولية، والدور الاسرائيلي، مع استشراف سيناريوهات مستقبلية محتملة.

    الأسباب غير المباشرة للأحداث

إلى جانب المناخ المتوتر، أسهمت مجموعة من العوامل غير المباشرة في تأزيم الوضع، وتشكيل بيئة خصبة للانفجار، وعلى رأسها وجود بعض الاحتقان بين بعض السوريين الدروز -أسوة بقطاعات واسعة من السوريين- من عدم إشراك مكونات من المجتمع السوري، في المؤتمرات السياسية التي نظمتها الإدارة الانتقالية مثل “مؤتمر النصر” و”مؤتمر الحوار الوطني”، ووجود آلاف الموظفين الذين فُصلوا من وظائفهم في مؤسسات الدولة في عموم سورية (وفيهم أشخاص من تلك المناطق) وتشمل تلك الوظائف الجيش والأمن والشرطة والمؤسسات المدنية، وقد فُسّر ذلك بأنه سياسة إقصاء غير معلنة، والقلق من الهيمنة الأمنية لبعض الجهات القادمة من خارج البيئة المحلية، خصوصًا بعض التصريحات التي تتناقض مع أسلوب الحياة في مناطق السوريين الدروز، وتحفّظ المجتمع المحلي على مطالبة الدولة بتسليم سلاح الفصائل الدرزية، في حين يجري استيعاب فصائل أخرى ودمجها بالجيش الوطني من دون مطالبتها بالمثل، وعدم البدء بمسار العدالة الانتقالية، ما دفع البعض إلى السعي لأخذ “حقّهم” بأنفسهم، وهو ما أسهم في تغذية منطق الانتقام الفردي خارج إطار القانون، وانتشار خطاب الكراهية الطائفية على شبكات التواصل الاجتماعي، من خلال حسابات مجهولة الهوية أو مموّلة خارجيًا، سعت إلى شيطنة مكوّنات مجتمعية معينة، وتغذية مشاعر الخوف والانقسام.

    البداية في جرمانا وصحنايا

بدأت الأحداث فجر يوم الثلاثاء، 29 نيسان/ أبريل 2025، حيث هاجمت مجموعة مسلحة مجهولة حاجزًا تابعًا للأمن العام عند مدخل مدينة جرمانا، من جهة المليحة (محور النسيم)، في تمام الساعة الثانية صباحًا، واستخدم المهاجمون رشاشات متوسطة وقذائف هاون، مما تسبب في حالة من الذعر، خاصة أن الاشتباك وقع في منطقة سكنية، وكان الحاجز يضمّ عناصر من الأمن العام، بعضهم من أبناء جرمانا، واستمر الاشتباك لنحو ساعة، قبل أن تصل تعزيزات من داخل المدينة. وفي الساعة الخامسة صباحًا تقريبًا، عاود المهاجمون الهجوم، فوقع اشتباك جديد أسفر عن مقتل ثمانية من سكان جرمانا، وإصابة نحو ثلاثين آخرين بجروح، بعضهم في حالات حرجة، وقد تأخر وصول تعزيزات قوات الأمن العام إلى ما بعد وقوع الاشتباك الثاني، ما أثار انتقادات محلية.

ولم تتحول الأحداث في جرمانا إلى اشتباكات عنيفة، بسبب تدخل الجهات الحكومية وفصائل السويداء والمرجعيات الدينية لحل الخلاف، لكن المواجهات انتقلت في اليوم التالي إلى أشرفية صحنايا، وهي منطقة تضم سكانًا من المكون الدرزي ومكونات أخرى، وشهدت خلال الفترة الماضية توترات عديدة، وراح ضحية تلك الاشتباكات العديد من المواطنين، وغادر قسم كبير من أهالي الأشرفية باتجاه القرى السورية الدرزية في القنيطرة، وكذلك فعل بعض سكان جرمانا الدروز، ثم عادوا بعد هدوء الأوضاع.

قامت الحكومة بإرسال وفود رسمية إلى مناطق الاشتباكات، ضمّت المحافظين وبعض المرجعيات الدينية، بغية تهدئة الأوضاع، قبل أن تتوسع، لكنها امتدت إلى السويداء، حيث تحرّك رتل مسلّح من السويداء باتجاه أشرفية صحنايا، فوقعت اشتباكات عند منطقة الكسوة، مع مجموعات مسلّحة غير تابعة للأمن العام، راح ضحيتها مقاتلون من تلك الفصائل، وفي سياق تلك الأحداث اغتيل رئيس بلدية أشرفية صحنايا، بعد توقيع الاتفاق، وكان قد ظهر في فيديو مع قوات الأمن العام.

وبعد عدة اجتماعات بين وفود حكومية ضمّت المحافظين ومسؤول الأمن العام في ريف دمشق، مع وجهاء جرمانا وأشرفية صحنايا ووجهاء ومرجعيات دينية وسياسية وعسكرية قادمين من السويداء، بهدف احتواء الموقف والتهدئة؛ تم التوصل إلى اتفاق على انتشار الأمن العام في جرمانا وأشرفية صحنايا، وتفعيل اتفاق آذار بين حركة رجال الكرامة والحكومة السورية، الذي كان ينص على أن يكون الأمن العام في السويداء وجرمانا وأشرفية صحنايا من أبناء تلك المناطق، على ألا يكون لهم سوابق جنائية، وتوزيع العناصر على الحواجز في جرمانا وفق “نظام المناوبات” لتكون الحواجز مشتركة بين متطوعي الأمن العام من المدينة ومن خارجها، وبدأ عناصر الأمن العام يتشكلّون من أبناء جرمانا 200، ومن الأمن العام 100، وتسلّموا هم الأمن بعد سحب السلاح المتوسط من أيدي الأهالي، وترك السلاح الخفيف فقط.

    السويداء في قلب الأحداث

بعد الأحداث في جرمانا وأشرفية صحنايا، بلغت تداعيات الاشتباكات السويداء، وكانت قرية الصورة الكبرى قد تعرضت لهجوم مسلح من مجموعات غير منضبطة، وحصلت العديد من الانتهاكات بها. وقد أبرزت تلك الأحداث عمق الانقسامات بين الفاعلين السياسيين والدينيين والعسكريين في السويداء، بين مواقف متشددة تجاه الحكومة الانتقالية، متجاوزة خطاب الاحتجاج إلى مرحلة الصدام السياسي المباشر، وأخرى تحاول التوافق مع الحكومة، فبعد تعرّض الرتل القادم من السويداء لهجوم في الكسوة، وقتل عدد من عناصره، ظهر موقفان رئيسان هناك:

    موقف المجلس العسكري المشكّل حديثًا في السويداء، وهو يضم ضباطًا منشقين مثل طارق الشوفي، حيث أعلن دعمه الكامل لمطالب الحكم الفيدرالي، ورفض تسليم السلاح أو انتشار الأمن العام في المحافظة دون ضمانات دولية، وقد دعم حزب اللواء السوري وتيار سورية الفدرالية هذا الموقف، وأعلنا تضامنهما مع الرافضين لاتفاقات التهدئة.

    فصائل “رجال الكرامة” و”أحرار الجبل”، إذ أعلنا دعمهما الاتفاق الأمني، بشرط أن تكون عناصر الأمن العام من أبناء المحافظة الذين ليس لهم سوابق جنائية.

في بُعد رمزي لافت، التأم لقاء جمع مشايخ العقل: حكمت الهجري، حمود الحناوي، ويوسف الجربوع وغيرهم، في الثالث من أيار/ مايو 2025[1]، وانتهى بإصدار بيان يُعدّ أرضية تفاوض أولية غير معلنة، تمثلت في رفض أي عملية نزع سلاح داخل المحافظة، ما لم تُرفق بخطة تنفيذية واضحة، والتشديد على ضرورة أن يكون عناصر الأمن العام من أبناء السويداء حصرًا، مع مطالبة صريحة بضمانات تحول دون عسكرة الخلاف السياسي، وضرورة إطلاق حوار جاد وموسع مع العاصمة.

وترافق هذا مع انتشار أمني في محيط السويداء، خصوصًا في مناطق اللجاة ومدخل أوتوستراد دمشق-السويداء، في إشارة إلى أن الحكومة لا تزال تعتبر أن أي تصعيد من داخل المحافظة يجب أن يُعالج بتوازن بين الحوار والردع.

ثم حدث اتفاق بين ممثلي الحكومة السورية الانتقالية وممثلي السويداء على 5 بنود، من ضمنها تفعيل قوى الأمن الداخلي من أفراد سلك الأمن الداخلي سابقًا، وتفعيل الضابطة العدلية من كوادر أبناء المحافظة حصرًا، ووقف إطلاق النار فورًا، وغيرها، وبدأ تنفيذ الاتفاق وعاد الهدوء، وبموجبه سيتكون الأمن العام من أبناء السويداء فقط، تحت اسم شرطة، وبلباس يختلف عن لباس الأمن العام.

باختصار، مثّلت السويداء في هذه الأحداث ساحة اختبار حقيقية لقدرة الحكومة الانتقالية على التعامل مع التعددية الداخلية، والاحتواء السياسي، وضبط التسلّح خارج المؤسسة العسكرية، كما كشفت الأحداث أن الانقسام داخل السويداء لم يعد دينيًا أو سياسيًا فقط، بل تحوّل إلى تداخل مع قوى إقليمية، سواء عبر الدعم (كما في حالة إسرائيل)، أو من خلال تأطير مطالب الحكم الذاتي وفق أجندات غير سورية.

    الدور الإسرائيلي

مثّل التدخل الإسرائيلي الأخير نقطة تحوّل بارزة في مشهد التوتر جنوب سورية، إذ لم تكتفِ إسرائيل بالمراقبة أو الضغط السياسي، بل نفّذت ضربات جوية استهدفت محيط أشرفية صحنايا ومواقع أخرى، في خطوة عكست توجهها نحو لعب دور “الحامي الطائفي” في الساحة السورية، هذا السلوك الاستثنائي كرّس سابقة جديدة في نمط التدخل الإسرائيلي، اتسمت بالصراحة والعلنية، تحت ذريعة حماية أبناء الطائفة الدرزية، ما يؤشر إلى سعي واضح لتثبيت حضورها كطرف مؤثر في معادلات الجنوب السوري بعد سقوط النظام السابق.

وأعلنت رسميًا أن الضربات كانت “تحذيرية”، وجاءت لمنع ما وصفته بـ “مجزرة محتملة” ضدّ أبناء الطائفة الدرزية، الذين تعرضوا لهجمات من قبل ما سمتهم “مجموعات متطرفة”، كما شملت الغارات ضربة صاروخية قرب القصر الجمهوري في دمشق، بعد أقل من 24 ساعة على توقيع اتفاق تهدئة بين الحكومة وممثلي الطائفة.

يحمل هذا التحوّل العديدَ من الدلالات، حيث أعلنت إسرائيل تبنّيها سياسة “حماية الأقليات” في سورية، وهي تربط تدخلها الجوي بمبررات طائفية، وظهرت تصريحات للشيخ موفق طريف (زعيم الدروز في إسرائيل)، شكر فيها رئيسَ الوزراء الإسرائيلي على “تدخلّه لإنقاذ دروز سورية”. ويأتي هذا التبني لعناوين الحماية الطائفية في ظلّ سياق داخلي إسرائيلي مشحون بسبب حرب غزة، ومحاولة نتنياهو حشد دعم الدروز داخل إسرائيل، وإظهار التزامهم بحماية إخوتهم في الخارج. وهو رسالة سياسية للحكومة الانتقالية السورية، حيث إن ضرب الموقع القريب من القصر الجمهوري لم يكن مجرّد تحذير عسكري، بل حمل رسالة سياسية رمزية، مفادها أن إسرائيل لا تعترف بالشرعية الكاملة للحكومة الانتقالية، وأن أيّ مسار تسوية لا يمرّ عبر مصالحها، أو لا يأخذ أمن حدودها بعين الاعتبار، سيبقى عرضة للخرق، وهذا ينسجم مع نهج “إدارة الفوضى” التي تبنّتها إسرائيل في الجنوب السوري منذ عام 2018، مع بعض الاختلاف حاليًا.

وتكمن خطورة هذا النموذج في مساسه بسيادة الدولة السورية، وفي قابليته للتكرار على مكونات أخرى، الأمر الذي ينذر بتفكك ما تبقى من العقد الاجتماعي السوري، ويفتح الباب أمام تدخلات خارجية جديدة تحت ذرائع “إنسانية” مشروطة، مما يكرس أشكالًا جديدة من الوصاية والانقسام.

وبالرغم من سعي إسرائيل لتقديم نفسها كجهة راعية للطائفة الدرزية، فإن معظم أبناء الطائفة الدرزية في السويداء وغيرها قابلوا هذا الطرح بالرفض، مشددين على انتمائهم للدولة السورية، ورفضهم القاطع لأي تدخل خارجي، وقد خرجت تظاهرات احتجاجية في مناطق مختلفة، استنكرت تصريحات المسؤولين الإسرائيليين، مؤكدين أن حماية الدروز هي من صميم مسؤوليات الدولة السورية دون غيرها.

    موقف الحكومة السورية الانتقالية

مثّلت أحداث جرمانا وأشرفية صحنايا والسويداء اختبارًا للحكومة السورية الانتقالية، بعد أشهر من سقوط نظام الأسد، فهي لم تكن مجرد أزمة أمنية محدودة، بل فجّرت قضايا تتعلق بـقدرة الحكومة على فرض الأمن، وكفاءة مؤسساتها في استيعاب المكونات المختلفة، ومدى قابليتها لتقديم نموذج بديل للدولة التي ورثت عنها ملفات عديدة.

وأصدرت وزارة الداخلية السورية بيانًا أكّدت فيه أن التسجيل الصوتي المتداول الذي نُسِب إلى أحد أبناء الطائفة الدرزية هو تسجيل ‘”مزوّر، لا أساس له من الصحة”، إلا أن صياغة البيان أثارت بعض اللبس، خصوصًا في الجزء الذي رحّب بما وُصف بـ “فزعة المسلمين للذود عن نبيهم”، ما جعل البعض يراه بمثابة تفهّم ضمني لما جرى، رغم النفي الرسمي لوجود إساءة فعلية، وقد أسهم هذا التناقض في إثارة تساؤلات محلية حول الرسائل المتباينة التي حملها الخطاب الرسمي، ومدى انسجامه مع دعوات التهدئة التي صدرت لاحقًا.

تعاملت الحكومة مع الموقف بمقاربة مزدوجة، جمعت بين الاحتواء السياسي والانتشار الأمني دون الانجرار نحو حلول عسكرية شاملة، وقد تمثل ذلك في التهدئة الفورية وبناء القنوات، حيث أرسلت الحكومة وفودًا رسمية إلى المناطق المتوترة، برفقة مسؤولي الأمن العام، وعقدت لقاءات مع مشايخ العقل ووجهاء محليين، ونتج عن هذه اللقاءات اتفاقات تهدئة، وانتشار قوات الأمن العام في بعض المناطق.

وطرحت الحكومة خيار دمج الراغبين من أبناء تلك المناطق في صفوف الأمن العام، وفتح باب التطويع، كخطوة تهدف إلى إعادة الشرعية المجتمعية لأجهزة الدولة، كما طُرحت آلية لضبط السلاح، تقوم على استبعاد كل من لديه سجل جنائي أو من تورّط في تجارة المخدرات من الانضمام إلى الأجهزة الرسمية. وامتنع الخطاب الرسمي للحكومة الانتقالية عن توصيف الأحداث بوصفها “صدامًا طائفيًا”، وتم التشديد على أن المشكلة أمنية بحتة، تسببت بها “مجموعات متفلّتة”، وهذا الخطاب كان محاولة واضحة لاحتواء الطابع الطائفي للأحداث، ومنع تصديره إلى مناطق أخرى. وعلى الرغم من هذه الخطوات الإيجابية، فقد كشفت الأحداث محدودية السيطرة الأمنية في مناطق ريف دمشق، وغياب مظلة قانونية موحدة يمكنها احتواء مطالب التيارات المحلية بطريقة مؤسسية.

ومثّلت هذه الأحداث فرصة للسلطات الجديدة في دمشق لتعزيز حضورها الأمني والإداري في مناطق سكن السوريين الدروز، وقد تم التوصل إلى اتفاقات تقضي بانتشار قوات الأمن العام في مناطق، مثل جرمانا وأشرفية صحنايا، مع اشتراط أن يكون معظم العناصر من أبناء تلك المناطق، ما سمح للحكومة باستعادة بعض حضورها الرسمي، دون الدخول في صدام مباشر مع الفصائل المحلية.

وعلى الرغم من خطورة الأحداث وما خلفته من قتلى وجرحى في صفوف المدنيين والعسكريين، لم تُعلن الحكومة السورية الانتقالية تشكيل لجنة تحقيق رسمية، لتوضيح ما جرى في كل من جرمانا وأشرفية صحنايا، وتحديد المهاجمين للأمن العام والمدنيين بهما، الأمر الذي أثار استغرابًا لدى العديد من الفاعلين المحليين، ويُعدّ غياب مثل هذه اللجنة فرصةً ضائعة لتعزيز الثقة بين الدولة والمجتمعات المتضررة، ولفرض رواية مؤسساتية واضحة حول ما جرى، بعيدًا عن التأويلات والانفعالات.

وتُظهر بعض المؤشرات أن التصعيد الأخير لم يكن مجرد نتيجة لتوترات محلية أو أخطاء في المعالجة الأمنية، وأنه ربما يحمل أبعادًا سياسية داخلية أيضًا، فقد فسّر البعض ما جرى على أنه محاولة لإحراج القيادة الجديدة في دمشق، وعلى رأسها الرئيس أحمد الشرع، الذي تبنّى منذ تسلمه السلطة نهجًا مرنًا في التعامل مع المكوّنات السورية، وأرسل إشارات انفتاح تجاه المجتمع الدولي. وقد يكون هذا النهج محلّ اعتراض من دوائر أكثر تشددًا داخل أجهزة الدولة أو من بعض الفصائل التي ترى في أي تسوية تهديدًا لمكتسباتها، وفي هذا السياق، جاءت بعض الأحداث لتقوّض خطابه المعتدل، وتدفعه إلى التراجع أو إلى المواجهة، ما يضع الحكومة الانتقالية أمام اختبار مزدوج: أمني وسياسي.

     ردود الفعل الإقليمية والدولية

تباينت المواقف الإقليمية والدولية تجاه هذه الأحداث والتصعيد الإسرائيلي، واتسمت بالتأكيد على ضرورة ضبط النفس وعدم الانخراط في أي مسارات قد تؤدي إلى تأجيج الانقسامات الطائفية، حيث دانت تركيا الضربات الإسرائيلية، واعتبرتها توظيفًا انتهازيًا للتوتر الداخلي في سورية، متهمة تل أبيب بمحاولة تصدير أزمتها في غزة إلى الساحة السورية. ووصفت فرنساطبيعة العنف المسجّل في مناطق التوتر بأنه يهدد بمفاقمة الصدع المجتمعي داخل سورية، وطالبت جميع الأطراف بوقف الأعمال التصعيدية، مشددة على ضرورة التزام الحكومة السورية بمسؤولياتها في الحفاظ على النظام العام ومنع تكرار هذه الأحداث. وعبّرت الأردن عن أهمية الحفاظ على التوازن المجتمعي في المناطق المختلطة، وأكدت ضرورة تعزيز قيم التعايش بين المكونات المختلفة، بما يمنع تحول التوترات الموضعية إلى صراعات مفتوحة، كذلك دانت معظم الدول الإقليمية والعربية هذا التدخل والقصف، وكان هذا الموضوع من القضايا التي طُرحت خلال زيارة الرئيس الشرع لفرنسا ولقائه بالرئيس ماكرون، مما يدل على أهمية هذا الموضوع بالنسبة للدول الغربية.

في السياق ذاته، سارع الزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط إلى زيارة دمشق، للقاء الرئيس السوري أحمد الشرع، حيث أكّد دعمه للدولة السورية، ورفضه المطلق لأي “حماية دولية” للطائفة، في رد واضح على طرح الشيخ حكمت الهجري.

كذلك عبّرت الأمم المتحدة عن قلقها حيال تصاعد العنف الطائفي، وأكدت خطورة استهداف المدنيين والأجهزة الأمنية، مع الدعوة إلى اتخاذ تدابير عاجلة لحماية السكان وإعادة الاستقرار إلى المناطق المتأثرة، وأكدت وجوب احترام سيادة سورية وتفادي أي تدخلات خارجية تحت ذرائع إنسانية.

وتُظهر مجمل ردود الفعل الدولية والإقليمية أنها نظرت إليه من زاوية هشاشة الوضع الانتقالي في سورية، وعدّته إحدى نقاط الاختبار لمدى قدرة الحكومة الجديدة على تجنّب الانجرار إلى صراعات داخلية، ومنع استغلال هذه الأحداث في مشاريع خارجية قد تعرقل مسار التسوية السياسية.

ألقت هذه التطورات بظلالها على صورة الحكومة السورية الانتقالية في الأوساط الدولية، إذ أثار تصاعد العنف الطائفي تساؤلات حول مدى قدرتها على بسط الأمن وضمان حماية المكوّنات المجتمعية، وهو ما يُعدّ عنصرًا أساسيًا في تقييم المجتمع الدولي لأيّ سلطة ناشئة في مرحلة ما بعد النزاع، وقد اعتبرت بعض العواصم الأوروبية أن هذه الأحداث، رغم أنها موضعية من حيث الجغرافيا، تُظهر بعض الهشاشة في البنية الإدارية والأمنية الجديدة، مما قد يُبطئ أو يعقّد أي تحركات مستقبلية باتجاه تخفيف العقوبات أو تقديم دعم تنمويّ مباشر، ما لم تُعالج الجذور السياسية والاجتماعية للتوترات بشكل واضح ومؤسسي.

    السيناريوهات المستقبلية

تكشف تطورات أحداث جرمانا وأشرفية صحنايا والسويداء عن أزمة مركّبة، وتطرح تحديات تتعلق بإعادة تعريف العلاقة بين الحكومة والمكونات الاجتماعية، في ظلّ مرحلة انتقالية لم تتبلور فيها بعد قواعد الحوكمة، ولا آليات إدارة التنوّع المحلي. وفي ضوء التفاعلات المعقدة بين الداخل السوري والعوامل الإقليمية، يمكن رسم ثلاثة سيناريوهات محتملة لمسار الأحداث، تختلف في مستوى التصعيد، وحدود الانخراط المحلي والدولي.

    السيناريو الأول: الاحتواء التدريجي وبناء توافقات محلية

يُعدّ هذا السيناريو الأكثر واقعية وانسجامًا مع متطلبات الاستقرار المحلي، حيث يُفترض أن تعتمد الحكومة الانتقالية نهج التهدئة التدريجية، عبر الانخراط في تفاهمات مرنة مع القيادات الدينية والاجتماعية المعتدلة. ويهدف المسار المقترح إلى تفكيك البنية المسلّحة بصورة تدريجية ومنظمة، من خلال تنفيذ اتفاقات محلية تتعلق بتسليم السلاح، وفق جدول زمني واضح، مع ضمان إعادة هيكلة قوى الأمن العام، بما يسمح بدمج أبناء المناطق المتوترة، ويتطلب هذا السيناريو تفعيل آليات حوار دائمة، مع مشايخ العقل والفصائل المحلية، بغية تعزيز الثقة المتبادلة وفتح الطريق نحو استقرار طويل الأمد دون اللجوء إلى العنف أو الإقصاء.

ويرتبط تحقيق هذا السيناريو بفاعلية الضمانات الحكومية، ووجود دعم إقليمي سياسي (خصوصًا من تركيا والأردن ولبنان وبقية الدول الفاعلة في الشأن السوري)، ومحاصرة الخطاب التحريضي الطائفي، عبر شبكات التواصل الموجّهة والمموّلة خارجيًا، كما يرتبط بنجاح السلطات الجديدة في ضبط الفصائل والعناصر المنفلتة، وتفكيك الفصائل ودمجها في الجيش الوطني الجديد.

2- السيناريو الثاني: التصعيد المتدرج نحو مواجهة داخلية شاملة

يبرز هذا السيناريو بوصفه الاحتمال الأكثر خطورة، في حال تعثّر مسار التهدئة بين الحكومة الانتقالية والفصائل المحلية في السويداء، سواء أكان ذلك بسبب فشل الحوار، أو بسبب تراجع السلطات عن تنفيذ تعهداتها المتعلقة بإدماج أبناء المحافظة في الأطر الأمنية، أو بسبب انعدام الشفافية في إعادة هيكلة المؤسسات المحلية، أو بسبب عدم قدرة الحكومة السورية الانتقالية ضبط الفصائل والعناصر المنفلتة. ومن شأن استمرار هذا الجمود السياسي والأمني أن يُمهّد لانزلاق تدريجي نحو صراع داخلي مفتوح، يبدأ باشتباكات محدودة بين أطراف متعارضة، مثل “المجلس العسكري” الرافض للتسوية، وبين فصائل مثل “رجال الكرامة” و”شيوخ الكرامة”. وقد تلجأ الفصائل المتشددة إلى توظيف وسائل ضغط رمزية وميدانية، كإثارة الفوضى أو استهداف رموز ذات دلالة معنوية، وهو ما يشكّل تهديدًا مباشرًا للاستقرار المجتمعي، ويُقوّض في الوقت ذاته صورة الدولة الانتقالية كمرجعية ضامنة للسلام الأهلي.

في هذا السيناريو، تصبح السويداء ساحة صراع مركّب، تُستثمر فيها الفوضى من قبل شبكات تهريب السلاح والمخدرات التي تزدهر في ظل غياب الدولة، مما يُكرّس اقتصادًا مسلحًا موازيًا يصعب تفكيكه لاحقًا.

وهناك سيناريو آخر، لكنه مستبعدٌ حاليًا، وهو التدويل التدريجي للملف الدرزي، ويُعد سيناريو التدويل خطرًا حقيقيًا، إذا تصاعد التدخل الإسرائيلي، أو طُرحت مطالب دولية بحماية خاصة للطائفة السورية الدرزية، ما قد يُستخدم لترويج سردية اضطهاد ديني تبرّر تدخلًا خارجيًا، هذا المسار يُضعف شرعية الحكومة الانتقالية، ويُهدّد احتكارها للقرار الأمني والسياسي، ويفتح المجال لتدخلات دولية وفرض ترتيبات فدرالية غير سورية تحت غطاء حماية الأقليات.

    التوصيات

بعد الأحداث الأخيرة والتصعيد الإسرائيلي، ارتفعت احتمالية استغلال الأحداث الداخلية في سورية من طرف الدول الإقليمية، مما يقتضي تبنّي مقاربة متوازنة تجمع بين ضبط الأمن وتعزيز الشراكة المجتمعية، وتقوم على المحاور الآتية:

     إصلاح أمني ومؤسسي:

    فتح باب الانتساب أمام جميع مكونات الشعب السوري، ودمج العناصر المنضبطة من أبناء المناطق ضمن الأمن العام، واستبعاد المتورطين في الجرائم أو تجارة المخدرات.

    حصر السلاح بيد الدولة، عبر نزع تدريجي وتدقيق أمني صارم، مع عدم التمييز بين مجموعة وأخرى.

    التنسيق الأمني مع دول الجوار والدول الفاعلة في الشأن السوري.

    وضع استراتيجية واضحة لبرامج DDR/SSR، تبدأ بوضع هيكلية واضحة للجيش الجديد، وخارطة طريق محددة زمنيًا.

        تعزيز الحوار وبناء الثقة:

    إطلاق حوار محلي تشاركي مع المرجعيات الدينية والسياسية والمجتمعية، لتثبيت التهدئة، وتقديم المرجعيات السياسية والاجتماعية أولًا.

    تشكيل لجان محلية للإشراف على تنفيذ الاتفاقات، ومتابعة ملفات التطويع والنزاع.

    تقديم ضمانات قانونية بعدم الملاحقة لمن لم يرتكب انتهاكات.

    مشاركة حقيقية في السلطة.

         تحصين الخطاب الوطني والإعلامي:

    مواجهة حملات التحريض الطائفي، عبر إصدار بيانات وتصريحات توضح ماهية الأحداث الجارية، وخطوات الحكومة تجاهها.

    تأكيد احترام التعددية ضمن إطار الدولة، دون الوقوع في منطق المحاصصة أو الاستثناء الطائفي.

        الربط بين الأمن والتنمية:

    إطلاق مشاريع تنموية صغيرة في المناطق الخارجة من التوتر، كحافز للاستقرار.

    دعم برامج إعادة الدمج المجتمعي، وتشكيل هيئة للعدالة الانتقالية تضمّ شخصيات سياسية وقانونية، يكون لها نظام أساسي وآلية عمل معلنة وقواعد ملزمة.

    خاتمة

وضعت الأحداث الأخيرة الحكومة السورية الانتقالية أمام اختبارٍ لقياس مدى تمكنّها من السيطرة الأمنية وإدارة التنوع الاجتماعي، في ظل غياب إجماع سياسي، وتدخلات إقليمية ودولية، وكشفت عن حجم الانقسامات داخل مجتمع السويداء، وهي انقسامات لم تعد دينية فقط، بل أصبحت سياسية وعسكرية، وعن تنافس على تمثيل المجتمع المحلي وقيادته، بين اتجاه يدعو إلى الانخراط في مشروع الدولة الجديدة، وآخر يسعى إلى مزيد من الاستقلالية، وعلى الرغم من التوصل إلى اتفاقات فإنها ما تزال هشّة ومعرضة للاختراق.

وتُبرز الأحداث الأخيرة عمق التحديات التي تواجه سورية في المرحلة الانتقالية، حيث لم تكن مجرّد اضطرابات أمنية موضعية، بل كشفت هشاشة التوازنات المجتمعية، وتضارب الأجندات المحلية والإقليمية، وأعادت طرح سؤال جوهري حول قدرة الحكومة الانتقالية الجديدة على احتواء التنوع المجتمعي وضبط التفلت الأمني دون السقوط في فخ الطائفية، أو إعادة إنتاج منطق المحاصصة الذي يقوّض مفهوم الدولة الحديثة.

في المقابل، شكّل التدخل الإسرائيلي سابقة خطيرة، لا في طبيعته العسكرية فحسب، بل في تبنيه العلني لخطاب الحماية الطائفية، وهو ما ينذر بتحويل مسألة الأقليات في سورية، إلى أداة تدويل واستثمار سياسي دائم، وتكمن خطورة هذا التدخل في كونه قد يشكّل نموذجًا قابلًا للتكرار تجاه مكونات أخرى في المجتمع السوري، كالمسيحيين أو الأكراد أو العلويين، وهو ما يُقوّض بشكل مباشر مبدأ السيادة الوطنية، ويهدّد وحدة القرار العسكري والأمني للدولة.

ومما زاد المشهد تعقيدًا أن جزءًا من التصعيد الطائفي الذي شهدته المناطق المتوترة كان مدفوعًا بحملات إعلامية، تحركها حسابات وهمية مجهولة التمويل، تعمل على تغذية الانقسام والكراهية، في إطار ما يمكن وصفه بـ “حرب معلومات موجهة”، تستهدف إضعاف مسار الانتقال السياسي وتفجير المجتمع من الداخل.

في نهاية المطاف، لا يتمثل التحدي الأساسي في احتواء الأزمات المتفجرة فحسب، بل في القدرة على تحويل التسويات المؤقتة إلى مسارات مستدامة، تقوم على شراكة محلية حقيقية، وعدالة مؤسساتية، وسيادة دولة موحدة، ويتطلب ذلك تجنّب الوقوع في فخ المحاصصة الطائفية أو أشكال الوصاية المبطّنة التي تعوق بناء عقد وطني جامع.

وعلى الرغم من نجاح الجهود المباشرة في احتواء الأزمة الحالية، فإن خطر تجدد العنف الطائفي لا يزال مرتفعًا بصورة مقلقة، في ظل غياب معالجات عميقة لجذور التوترات الكامنة، ومما يُفاقم من هشاشة الوضع أن السلطات الانتقالية لم تطوّر حتى الآن آليات فعّالة للإنذار المبكر بشأن التهديدات الطائفية، فضلًا عن غياب استجابات سريعة تحول دون تصاعد العنف وتحمي المدنيين من آثاره الكارثية.

تكشف هذه الأحداث هشاشة الوضع، وصعوبة بناء نظام سياسي قادر على استيعاب التنوّع وإداراته، من دون الوقوع في فخ الطائفية أو الفوضى، وإن النجاح في احتواء التوترات يتطلب أكثر من مجرد اتفاقات أمنية، إذ يتطلب مشروع دولة يتأسس على الشراكة والعدالة والوضوح المؤسسي، بعيدًا عن منطق المحاصصة أو الإقصاء.

[1] اتفاق السويداء… خطوة نحو الاستقرار أم ترتيب أمني هش؟، العربي الجديد، 04 أيار/ مايو 2025، شوهد في 5 أيار/ مايو 2025 https://bit.ly/44p4zfg

تحميل الموضوع

مركز حرمون

—————————————

سوريا: احتقان في المدن الجامعية وشهادات خاصة للطلاب الدروز/ منهل باريش

نفى وزير التعليم العالي والبحث العلمي، محتوى المقاطع المصورة التي تظهر حالات توتر وخطابات طائفية في الجامعات السورية ومرافقها، وأكد أن هدفها إثارة الفتنة والانقسامات الطائفية بين الطلبة.

بعد يوم من وصول آخر القوافل التي تقل الطلاب من أبناء طائفة «الموحدين الدروز» إلى محافظة السويداء، انتشرت أشرطة مصورة تظهر عشرات الطلاب من أبناء الدروز في عدة مدن جامعية يجرون حقائبهم وكأنهم في رحلة هجرة جماعية. واتضح أن الفيديوهات المتداولة صُورت نهاية نيسان (ابريل) مع التجييش الطائفي والأحداث والعمليات الأمنية التي حصلت في جرمانا وصحنايا مطلع أيار (مايو) الجاري. ويفسر انتشارها اليوم بحالة الخوف الكبيرة التي انتابت الطلاب وأهاليهم في الحرص على عدم تداولها وانتشارها قبل وصولهم إلى منازلهم الآمنة.

الجدير بالذكر أن الشحن الطائفي ضد الدروز بدأ مع انتشار تسجيل صوتي مفبرك قيل انه لشاب من السويداء، وركب الصوت على صورة أحد المشايخ الدروز وتبين لاحقا عدم صحة مصدره. إلا أن التسجيل الذي يحمل شتائم تطال شخص الرسول الكريم، انتشر كالنار في الهشيم في ظل توتر كبير في العلاقة بين الإدارة السورية الجديدة والمرجعيات الدينية في السويداء.

تركزت حالة الشحن في المدن الجامعية باعتبارها المناطق الأكثر اختلاطا بين المكونات السورية، حيث بدأت في السكن الجامعي بحمص وانتقلت إلى دمشق وحلب بشكل أقل، في حين كان الاحتكاك بين الطلاب في أدنى حالاته في المدينة الجامعية باللاذقية على اعتبار أن نسبة كبيرة من الطلاب الدروز غادروا عقب أحداث الساحل في اذار (مارس) الماضي.

في المدينة الجامعية بحلب، تعرض الطالب في كلية الهندسة الميكانيكية (أ. غ) إلى هجوم من عدة أشخاص بلا سبب أو احتكاك مباشر، حيث هاجمه ستة طلاب اعتدوا عليه بالضرب بالأيدي وطعنه أحدهم بالسكين عدة طعنات في الصدر والبطن والكتف حسب ما تظهر الصورة وتقرير الطبيب المسعف بمستشفى حلب الجامعي.

وتنشر «القدس العربي» التقارير الطبية من ملف المعتدى عليه والذي يشير إلى أن الطالب المذكور تعرض إلى الطعن بالسكين في الصدر والعضد والكتف، ما تسبب في حدوث ريح صدرية رضية، إثر دخول السكين إلى عمق 3 إلى 4 سم في غشاء الجنب وثقب الرئة بين الضلع الثالث والرابع على الجهة اليسرى (جهة القلب).

ويوضح التقرير الطبي أنه تم إجراء تفجير للصدر في الطرف اليساري بسبب الريح المذكورة والنزف الداخلي. كما جرى وضعه على خطة علاج مناسبة. ونوه الطبيب أن المريض أُخرج من المستشفى على مسؤوليته، وشخص حالة المصاب بانها «شبه مستقرة».

وفي تفاصيل الحادثة، قال (ت. غ) شقيق المعتدى عليه وهو طالب جامعي أيضا، إن العائلة والمشيخة الدرزية طلبت الامتناع عن تقديم أي شكوى أو ادعاء، وعلل ذلك، «حتى لا يزيد الأمر من حالة الشحن أو يتسبب باعتداء جديد»، وزاد «كان هم الشيوخ وصول جميع الطلاب إلى السويداء دون تعرض لهم من قبل المهاجمين والمشحونين طائفيا». وأضاف «أبلغنا مسؤول أمن الجامعة عن رغبتنا بعدم الشكوى على الطلاب المهاجمين. بعدها أحضر الطالب إلى المستشفى وأقر بطعن أخي بالسكين واعتذر عن فعلته» نفى أن يكون الطالب المهاجم قد سجن بتهمة الحق العام.

على الجانب الآخر، قال مصدر أمني في جامعة حلب، إن الطالب المعتدى عليه رفض كتابة ضبط الشرطة وبعد يومين من الحادثة طلب من مدير أمن الجامعة تميم ابو عمر ان يرعى صلحا مع المعتدي و«اشترط تقديم الاعتذار فقط»، وبالعفل فإن المسؤول أحضر المعتدي واعتذر من المعتدى عليه وهو على سريره في مستشفى المدينة الجامعية، وتذرع بأنه وقع تحت «ضغط العاطفة» من خلال الشريط الصوتي المفبرك.

وفي ذروة الاحتجاجات ظهر تميم ابو عمر معترضا على مظاهرة طلابية تهتف ضد سلمان الهجري ابن شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز حكمت الهجري، قائلا للمتظاهرين «نحن مؤسسة تعليمية والعبارت الطائفية ممنوعة في الحرم الجامعي، وكما لديك رموزك ولا تريد لأحد أن يسيء لها، فإن للآخرين رموزهم ولا يجوز الإساءة لهم».

وفي سياق منفصل، تداول ناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي، الأربعاء، مقاطع فيديو تظهر طلاب وطالبات من محافظة السويداء في جامعة حلب، وهم يعودون بشكل جماعي إلى مدينتهم بعد إعادة فتح طريق دمشق- السويداء. وذكر الطالب (ت. غ) أن طلاب السويداء قرروا العودة إلى محافظتهم بعد تعرضهم لحملة من التجييش والشحن الطائفي ضدهم بسبب انتمائهم لطائفة «الموحدين الدروز»، وعلى خلفية الأحداث التي اندلعت في كل من جرمانا وأشرفية صحنايا وما تبعها من توترات سياسية وعسكرية بين السلطة الحالية والقوى السياسية والفصائل العسكرية والزعامة الروحية للموحدين الدروز.

وفي سكن الهندسة الميكانيكية والكهربائية الجامعي بدمشق والمعروف باسم «سكن الهمك» اختصارا والواقع على المتحلق الجنوبي، قال الطالب في إحدى كليات الهندسة (م، ش) إن طلابا من الطائفة السنية قاموا بهتافات ضد الطلاب الدروز وأطلقوا شعارات نابية بحقهم، وجرى احتكاك عدة مرات وتدخل الأمن العام واعتقل طلابا من الطرفين واقتادهم إلى مقر الأمن العام  الحالي في «فرع فلسطين» المجاور للسكن، إلا أن «حالات التحرش والهجوم الكلامي لم تتوقف.. ولم توفر حتى الطالبات» حسب قوله.

وفي المدينة الجامعية في المزة، قال طالب في السنة الثانية بمعهد التعويضات السنية- اشترط عدم ذكر اسمه- أنه خائف من العودة إلى الجامعة وذكر انه يفضل عدم إكمال دراسته على تعريض حياته للخطر. ونوه إلى أن «دروس مادة العملي مستمرة ونحن متغيبون عنها وامتحاناتنا النهائية مطلع شهر حزيران (يونيو)» ويزيد متحسرا «لقد خسرت تعبي في المعهد لمدة عامين وحملت أهلي عبئا ماليا كبيرا». وشارك «القدس العربي» شريطا مصورا لطلاب في مظاهرة يحملون أعلام بيضاء مطبوع عليها عبارة «لا إله إلا الله» يتوعدون من خلالها دروز السويداء وجرمانا. بموازاة ذلك، أعاد ناشطون آخرون تداول مقاطع فيديو لعودة طلاب وطالبات من سكن جامعة دمشق في حي المزة، ومع تصاعد الانتقادات، أطلق مسؤولون سوريون تصريحات تخفف من انتقاد السلطات واتهامها بعدم توفير الحماية للطلاب داخل الحرم الجامعي. وفي تعليقات، أشار مدير المدينة الجامعية في دمشق عمار الأيوبي، في تصريح لقناة «الإخبارية السورية» إلى أن مقاطع عودة طلبة السويداء من جامعة ومعاهد دمشق ليست جديدة، وتعود إلى نهاية نيسان (ابريل)، على خلفية انتشار المقطع الصوتي المسيء للرسول. وكانت وزارة الداخلية السورية أكدت أن المقطع الصوتي لا يمت للشيخ بصلة ولا يمكن نسبه له، وأضاف الأيوبي، أن طلبة السويداء حينها غادروا المدينة الجامعية برغبتهم وبدون أي ضغوط عليهم من قبل إدارة الجامعة، مشيرًا إلى أن الجامعة تتعامل مع كافة الطلبة بشكل حيادي ولا تتبنى أي خطاب طائفي أو مذهبي.

ونفى وزير التعليم العالي والبحث العلمي، الدكتور مروان علبي، محتوى المقاطع المصورة التي تظهر حالات توتر وخطابات طائفية في الجامعات السورية ومرافقها، وأكد على أنها قديمة، وهدفها إثارة الفتنة والفوضى، والانقسامات الطائفية بين الطلبة.

وأضاف الوزير في منشور على منصة «فيسبوك»، أن «العلاقة بين الطلبة داخل المدن الجامعية يسودها جو من التفاهم والتوافق الأهلي، مع حرص جميع الأطراف على الحفاظ على الاستقرار والاحترام المتبادل، بعيدًا عن أي محاولات لبث الفتنة أو زرع الشقاق بين مكونات المجتمع الطلابي»، كما طلب من وسائل الإعلام، ورواد مواقع التواصل الاجتماعي أن يتحروا الدقة في نقل الأخبار، والتأكد من المعلومات قبل نشرها، والتوقف عن نشر المقاطع المصورة القديمة التي من شأنها أن تثير «البلبلة غير المبررة في المجتمع الطلابي».

وكانت شبكة «الراصد» المحلية المختصة بتغطية الأخبار في السويداء، قد نشرت الخميس الفائت تعليقًا على مقاطع عودة طلبة السويداء من حلب قائلة «في وقت يتابع فيه آلاف الطلبة السوريين دراستهم الجامعية بشكل طبيعي، يقبع طلبة محافظة السويداء في المنازل، لا بسبب إهمال دراسي أو عقوبة جامعية، بل لأن الخروج إلى الجامعة بات مغامرة قد لا يعودون منها أحياء».

وفي مقطع مصور آخر، أجرت «الراصد» لقاء مع أحد الطلبة العائدين من جامعة حلب، قال فيه «أن الأمن العام كان مرافقا بشكل كامل لطلبة السويداء بعد أن تم جمعم في وحدة سكنية واحدة، وأنه أكد للطلبة أن الوضع حساس بسبب التجييش الطائفي، ما دفعهم للمغادرة بعد فتح طريق دمشق- السويداء».

ولفت الطالب في المقطع المصور، إلى أن حالات التجييش الطائفي قابلتها أيضا حالات من التضامن من طلبة آخرين ومحاولات للوقوف معهم، وتهدئة الأوضاع.

بدوره وجه محافظ السويداء، مصطفى البكور، رسالة إلى أهالي المحافظة عبر «الإخبارية السورية» أكد فيها على أن السلطة تقف أمام مسؤوليتها عن حفظ وسلامة أبناء المحافظة من الطلبة، وفي هذا الصدد أجرى اتصالا مع وزير التعليم العالي الذي أكد بدوره على «حقوق طلاب محافظة السويداء وغيرهم من المحافظات والحفاظ على كرامتهم ومنع أي تعدٍّ عليهم تحت أي ظرف كان» متعهدا بتعويض «الفاقد التعليمي للطلاب المتضررين».

الجدير بالذكر، أن عددا من منظمات ومؤسسات المجتمع المدني السوري حاولت مناصرة قضية الطلبة، والمشاركة في تهدئة الأجواء، ومنها مبادرة «الطائفة السورية» التي تضم عدة منظمات وعددا من النشطاء في مدينة حلب، والتي أصدرت بيانا قالت من خلاله إن المشاركين في المبادرة أجروا عدة زيارات لطلبة السويداء المقيمين في حلب، واطلعوا على مشاكلهم، وأبدوا لهم استعدادا لتقديم كافة أشكال الدعم النفسي والاجتماعي واللوجستي، والعمل على توفير بيئة آمنة وداعمة لهم تضمن كرامتهم وسلامتهم واستمرارية تعليمهم.

وختمت المبادرة بيانها بالقول إن «حلب جزء من سوريا وهي مدينة لكل السوريين»، داعية إلى «تعزيز قيم التضامن الأهلي والوحدة الوطنية، ونبذ خطاب الكراهية والعنف بكافة أشكاله».

ويتعين على الإدارة الجديدة بذل جهد كبير لتطمين الطلاب وأهاليهم واقناعهم بالعودة إلى جامعاتهم، الفشل بذلك يعني عمليا أن الإدارة السورية غير قادرة على تأمين الحماية للطلاب في جامعاتهم وأنها تميز بين الطلاب على أساس انتمائهم الطائفي وهو أمر في غاية الخطورة.

القدس العربي

——————————–

علمانية الطوائف السورية/ ابتسام تريسي

12/5/2025

مصطلحان اثنان نالهما الابتذال أكثر من أيّ شيء مبتذل في الواقع السوري اليوم، الأوّل لوضع العصي بالعجلات، والثاني لتعطيل تحقيقه، وهما العلمانية، والعدالة الانتقالية. فأن تطلب العلمانية من حكومة جاءت من منبت ديني متشدد فهذا يعني أنك لا تريد لهذه الحكومة أن تحقّق أيّ هدف وضعته رغم تخليها (خطابيًا) عن هذا التشدد. أمّا عمليًّا فتحتاج لبعض الوقت؛ كي تحوّل أقوالها لأفعال، هذا الوقت الذي لا يريد المعترضون السوريون أن تحصل عليه.

أمّا العدالة الانتقالية -إن تحققت- فستطول رؤوسًا كثيرة جدًا لا يرغب المعترضون بأن تُحاسب، وكثير منها يُشكّل قوام القوة العسكرية التي حاولت الانقلاب على السلطة الجديدة، بدايةً في الساحل السوري، ثمّ في الجنوب السوري، وهذا يُفسِّر حالة التعنت الشديد الذي يتمسك به “حكمت الهجري” القائد الروحي لجزء من الدروز، والمتبني للمجلس العسكري الذي يريد تحرير دمشق من سلطة الأمر الواقع.

    شعارات المعارضة الحديثة

“نريد سوريا علمانية مدنية يتساوى فيها المواطنون بالحقوق والواجبات، ويكون للمرأة دورٌ بارز في إعادة بناء الدولة”. شعار سمعناه آلاف المرات من نخب ثقافية بارزة حينًا، ومتواضعة أحيانًا، نادى به مثقفون سنّة يساريون، ومثقفون علويون، ودروز، وأكراد، وامتلأت به مساحات السوشيال ميديا المقروءة، والمسموعة، والمرئية.

لن أتطرق بالشرح لمفهوم العلمانية فهو متاح لكلّ باحث، لكنّي سأذكر أحد الآراء التي رجعت للعصر الأندلسي واستخرجت بذرة الفكرة من ذلك العهد، إذ لما رأى المسيحيون في الأندلس المسلمين وعلاقتهم بربهم -حيث لا واسطة بين المسلم وربه- طالبوا بأن يكونوا مثلهم، وأن يجدوا طريقة يتخلصوا بها من الوسيط بين المسيحي وربه، هذا الوسيط الذي يبيعهم صكوك الغفران، ويفرض عليهم الأتاوات، ويتواطأ مع الملوك لإخضاعهم لسلطة الكنيسة، نمت هذه البذرة، وتكاثرت أغصانها لتغدو في زمن الثورة الفرنسية شعارًا يردده الفرنسيون جميعًا (اشنقوا آخر ملك بأمعاء آخر قس).

    مأزق اليساريين السوريين

لقد مرّ زمن طويل جدًا ليقتنع عامة الناس بفكرة العلمانية التي فرضها الشعب عبر ثورة عظيمة بعد أن هضم الفكرة جيدًا. أمّا في سوريا وفي بلادنا العربية عمومًا، فغالبًا لا نجيد إنتاج الأفكار، ونستسهل استيرادها، ونبرّر ذلك بحجة الاستفادة من تجارب الشعوب بغض النظر عن مكونات الخلطة الكيميائية المتباينة بين هذه الشعوب، ونتوقع دائمًا الحصول على النتيجة ذاتها. فاليساري السوري الدرزي ينضوي تحت لواء شيخ العقل، ويمتثل لأوامره، ومن ناحية ثانية يمنع الميراث عن أخته، وإذا تزوجت من غير الطائفة يقتلها، وفي الوقت نفسه يُطالب بدولة علمانية، حتى أنّ الابتذال وصل حدَّ مطالبة شيخ العقل ذاته بدولة علمانية وفي الوقت نفسه يضع على بدلة رجل الأمن الذي عيّنه شعار (يا سلمان) فكيف يطالب الشيخ بفصل الدين عن الدولة، أليس من الأولى أن يعزل نفسه أولاً، ثمّ يتقدم بمثل هذا الطلب؟

    العدالة الانتقالية القشة التي يتعلّق بها المجرمون

أمّا عن العدالة الانتقالية فلا ذكر لها عند الشيخ حكمت ومجلسه العسكري وقد وصل به الأمر حد المطالبة بإعادة عناصر الجيش، ودفع رواتب للمجرمين المختبئين في مجلسه العسكري، رغم أنّ بعضهم من كبار المجرمين في العهد البائد.

في الجانب الآخر، وكي لا يبدو الأمر دفاعًا عن طائفة بعينها نجد بعض اليسار السنّي يقع في الحفرة ذاتها إذ نراه يتلعثم عند ميراث أخوته البنات، وقد يستعيد إيمانه بالله إن اقتضت المصلحة ذلك.

أما الجماعة الكردية التي تأوي عصابة قنديل (pkk ) فالأمر لا يتوقف عند هذه التناقضات، بل يتعداه إلى ما هو أخطر من ذلك فاختطاف القاصرات والأطفال وتجنيدهم عسكريًا في خدمة حزب العمال الكردستاني يُعد جريمة الجرائم التي لا يقبل بها دين أو نظام علماني على وجه الأرض، ومع ذلك يريدون سوريا علمانية.

    الأسد فكرة والفكرة لا تموت!

هذا الواقع الأسود الذي تعيشه سوريا اليوم، هو نتاج طبيعي لما أفرزه الاستبداد الأسدي الذي جعل من السهولة بمكان ارتباط بعض المكونات بأجندات خارجية تلعب في الملف السوري كما تشاء مصالحها، يُساعد في ذلك مجمل الأخطاء التي وقعت فيها السلطة الجديدة والتي تحاول جاهدة تسوية النزاعات بطرق سلمية قد تضطرها لتنازلات هي بغنى عنها، خاصة وأنّها تعلم جيدًا أنها مرحلة انتقالية يجب أن تنتهي بدستور يرضى عنه العالم (المتحضر) قبل الشعب السوري الذي ما زال ينتظر العدالة الانتقالية، ورفع العقوبات الأمريكية عنه؛ كي تبرأ جراحه.

وعلى هذا الأساس ينظر السوريون المعتدلون إلى النشاط الخارجي للرئيس الشرع نظرة أمل لإيجاد حلّ للوضع السوري في أقرب وقت، بينما يحاول الطائفيون العلمانيون التغطية عليه بنشر قصص الخطف والاضطهاد من قبل الدولة الإرهابية.

فقد طلب مشايخ الدروز من العائلات الدرزية إعادة أبنائهم من جميع الجامعات السورية إلى السويداء، وانتشرت الفيديوهات التي علّق عليها الإعلامي الدرزي المعروف بمواقفه المُشرّفة من الثورة السورية منذ انطلاق شرارتها الأولى، قائلًا: “الرحيل الجماعي لطلاب السويداء من جامعاتهم في المحافظات السورية -بسبب الاعتداءات المتكررة عليهم على خلفية انتمائهم الديني-خبرٌ لن تجد له أثرًا في الإعلام المسمّى وطنيًّا! يا لعارنا!”. وللأسف لم يكن ماهر شرف الدين وحده الذي تبنّى التحريض الطائفي علنًا، بل كثر من مثقفي وإعلامي الطائفة.

وعلى الطرف الآخر ارتفعت نسبة شيطنة السنة من قبل العلويين الذين ركبوا ترند “السبي” فراحوا ينشرون صورًا لفتيات مخطوفات على أنّهنّ سبايا “الأمن العام” وأنّ إدلب صارت سوقًا للسبايا. ويتبين بعد أيام أنّ الخبر كاذب، وتظهر الفتيات في فيديوهات مسجلة ينفين تعرضهنّ للخطف، لكنّ المحرضين لا يتوقفون، ويستمرون في تسويق أوهامهم التي يتمنّون لو كانت حقيقة؛ كي يستطيعوا الطعن في الحكومة وتكريس صفة الإرهاب عليها.

المصدر : الجزيرة مباشر

———————————

عن رفات جنود إسرائيليين في سورية/ حسام أبو حامد

13 مايو 2025

لم تكن تفصلني سوى خطوات قليلة عن السور الجنوبي لمقبرة الشهداء (المقبرة القديمة) الواقعة في حي المغاربة، جنوب شرقي مخيّم اليرموك. ما زلت أذكر تلك الليلة (1998)، حين خرجت من منزلي قرابة الساعة التاسعة قاصداً محلّ بقالة قبالة السور. فوجئت بعناصر أمن عسكري يسدّون الطريق ويطلبون مني العودة. في دقائق، تجمهر عدد من الجيران. علمت (وغيري) أن رجال الأمن طوّقوا المقبرة، وغطّوا سماءها بسواتر من قماش. أحد الجيران نقل عن قريبٍ له، بين العناصر التي طوّقت المقبرة حذّره من الاقتراب أكثر، أنهم يستخرجون رفات جندي إسرائيلي. انتشر الخبر كالنار في الهشيم، وأصبح حديث بيوت المخيّم، لكن صحيفة لبنانية نشرت صبيحة اليوم التالي خبراً مقتضباً مفاده: الأمن السوري ينبش رفات الطيار الإسرائيلي رون أراد (!) الذي كان حديث وسائل الإعلام في حينه.

أنعشت تلك الحادثة ذاكرة المخيّم، فعادت بأصحابها إلى 1982، حين اخترقت شوارعَ المخيّم دبابةٌ (مغاح 3) إسرائيلية قدمت من لبنان، فوقها جُثَّتا جنديَّين إسرائيليين سار خلفهما أبناء المخيّم مهلّلين هاتفين، ومعها استعادت الذاكرة ما يقال إنه وعيد آرييل شارون لأبناء المخيّم: “لك يوم يا مخيّم اليرموك”.

زخاريا باومل وتسيفي فلدمان ويهودا كاتس، ثلاثة جنود إسرائيليين أُسروا (قتلى أو أحياء) في معركة السلطان يعقوب في البقاع اللبناني (10/6/1982)، حين نصبت قوّة من الجيش السوري، تساندها قوات فلسطينية ولبنانية، كميناً محكماً لكتيبتَي دبابات إسرائيليّتَين حاولتا التقدّم لاحتلال طريق بيروت دمشق. انتهت المعركة بهزيمة إسرائيلية موجعة. كان الجنود الثلاثة طاقم الدبابة التي أصبحت واحدةً من غنائم المعركة، وسلّمها النظام السوري لاحقاً للاتحاد السوفيتي لفحصها، بما أنها نسخة معدّلة من الدبابة “M48” الأميركية، ليعيدها فلاديمير بوتين إلى نتنياهو في 2016.

لم تكفّ إسرائيل بحثاً عن رفات جنودها، وأخبرني أصدقاء حوصروا في المخيّم، أنه خلال سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) (2015 – 2018)، وحتّى قبلها بعام، شهدت المقبرة نشاطاً مشبوهاً، واستاء الأهالي غير مرّة ممّا اعتبروه تعدّياً على حرمة الموتى، غير مصدّقين ادّعاءات العناصر المسلّحة بأنهم يبحثون عن أسلحة ومتفجّرات دُفنت في المقبرة، بل اقتحم مجهولون منزل مدير الدائرة السياسية في منظّمة التحرير، أنور عبد الهادي، بحثاً عن تصاميم ومخطّطات هندسية للمقبرة، ورُصدت عمليات تهريب (فردية) لعيّنات من تربة المقبرة إلى خارج المخيّم، مقابل مبالغ مالية. وفي أواسط مارس/ آذار 2019، طوّقت القوات الروسية المخيّم، وتكفّلت وسائلها المتطوّرة طوال أسبوع بما عجزت عنه أدوات داعش البدائية، فأرسلت مجموعة من الرفات إلى إسرائيل لتعثر مَخابرُها على رفات زخاريا باومل.

أعلنت إسرائيل (الأحد) أنها استعادت رفات جثّة تسفي فلدمان بعد عملية خاصّة، في مكان ما بسورية (قالت إنه ليس مخيّم اليرموك)، ومن دون تعاون مع السلطات السورية الجديدة، لكن يبدو أن تلك واحدة من العنتريّات الإسرائيلية، على غرار عملية خاصّة مزعومة لاسترجاع ساعة الجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين من سورية في 2018، اتّضح أن إسرائيل اشترتها من مزاد في الإنترنت.

ينفي المسار الراهن في سورية فرضية العملية الخاصّة، ويرجّح فرضية الصفقة، بعد أن خطّ الرئيس السوري أحمد الشرع مساراً تفاوضياً مع الاحتلال غير مباشر، ويحتاج التقدّم فيه حتى “التوصّل إلى التهدئة” (بحسب وصف الشرع)، تعاوناً أمنياً، وغيره من خدمات. ولعلّ التحقيق مع الأمين العام للجبهة الشعبية – القيادة العامة، طلال ناجي (واحد من الرعيل القيادي الفلسطيني القديم، الذي بيده مفاتيح ملفّات فلسطينية كثيرة، ناهيك عن تاريخ من علاقات أمنية وثيقة مع النظام البائد) على صلة بالقضية.

وفي ظلّ تخليه عن المحتجزين الإسرائيليين في غزّة لمصلحة استمرار الحرب، فإن نتنياهو أحوج ما يكون لصفقات مع الشرع، تعيد رفات مَن تبقّى من جنوده في سورية، ولم يكن مفاجئاً أن يصرّح مسؤول أمني إسرائيلي بأن اتصالات جرت مع السوريين لإعادة جثّة الجاسوس إيلي كوهين، والمرجّح أن يستمرّ البحث في سورية عن رفات يهودا كاتس وإيلي كوهين (وربّما أرون أراد؟) بصفقات مضمرة ومعلنة.

———————–

ساعر: إسرائيل مهتمة بعلاقات جيدة مع حكومة دمشق/ عدنان علي

12 مايو 2025

قال وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر، أمس الأحد، خلال لقاء مع نظيره الألماني المعيّن حديثاً يوهان وادفول، إن إسرائيل مهتمة بعلاقات جيدة مع النظام الجديد في سورية، وهو ما اعتبرته صحيفة “هآرتس” تغييراً حاداً في موقف ساعر، الذي ادعى في شهر مارس/آذار الماضي، في أعقاب اشتباكات عنيفة بين أفراد النظام وأفراد من الطائفة العلوية، أن أفراد النظام الجديد في سورية “كانوا جهاديين ويظلون جهاديين، حتى لو أن بعضهم لبس البدلات”. وجاءت تصريحات ساعر بعد إعلان رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، أمس الأحد، استعادة رفات جندي إسرائيلي من الأراضي السورية كان قد قتل خلال حرب لبنان عام 1982.

وقال ساعر بحسب ما نقلت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل”: “نرغب في علاقات جيدة مع الحكومة السورية، كما نرغب في الاستقرار، لكن لدينا بطبيعة الحال مخاوف أمنية، وهذا أمر مفهوم”. وزعم ساعر أن إسرائيل تحمل “نيات طيبة” تجاه سورية، لكنها تريد الأمن والاستقرار”.

وسبق لوزير خارجية الاحتلال نفسه أن وصف الحكومة الجديدة في سورية بأنها “حكومة إرهابية”. وقال ساعر في فبراير/ شباط الماضي: “أسمع حديثًا عن انتقال للسلطة في سورية، وبالنسبة لي هذا سخيف”، مضيفًا أن الحكومة الجديدة في سورية هي “جماعة إرهابية إسلامية جهادية من إدلب، استولت على دمشق بالقوة. نحن جميعًا سعداء برحيل (بشار) الأسد، لكن يجب أن نكون واقعيين بشأنهم”. وكان الرئيس السوري أحمد الشرع وغيره من المسؤولين السوريين قد قالوا في مناسبات عدة إن سورية لن تشكل تهديدًا لمحيطها.

من جهته، تطرق وادفول، الذي يزور إسرائيل حالياً، إلى أنشطة الجيش الإسرائيلي في سورية منذ سقوط نظام بشار الأسد، وانتقدها ضمناً؛ حيث قال إنه “من المهم أن تتمكن البلاد من تشكيل هويتها السياسية من دون تأثير خارجي”. وأضاف أنّ “حماية مختلف المجموعات السكانية يجب أن تكون أولوية للحكومة الجديدة”. وجاءت تصريحاته على خلفية الهجوم الإسرائيلي الذي نفذ الأسبوع الماضي في سورية، بينها الضربة التحذيرية بالقرب من القصر الرئاسي، التي ادعت إسرائيل أنها “رد على هجمات ضد الطائفة الدرزية في ضواحي العاصمة دمشق”.

ورأى المحلل السياسي محمد جزار، في تصريح لـ”العربي الجديد”، أن تصريحات ساعر لا يعول عليها، وقد يكون مبعثها محاولة للرد على الانتقادات الإقليمية والدولية المتزايدة بشأن الاعتداءات الإسرائيلية غير المبررة على الأراضي السورية. وأضاف أن إسرائيل تستبيح الأراضي السورية منذ أشهر مستغلة ظروف الحكومة السورية الحالية، ومشكلاتها الداخلية، وعدم حصولها على اعتراف دولي كامل. وتوقع جزار أن تواصل حكومة الاحتلال هذا النهج إلى حين تبلور موقف قوي من جانب حلفاء دمشق في المنطقة، يمكن معه التأثير على موقف الإدارة الأميركية التي وحدها تستطيع لجم انفلات حكومة نتنياهو في المنطقة، وفق قوله.

ومنذ وصول الإدارة الجديدة إلى الحكم في سورية، ترتكب إسرائيل انتهاكات متواصلة للسيادة السورية بذرائع مختلفة، منها استغلال ورقة الأقليات. وكانت سلطات الاحتلال الإسرائيلي أعلنت أمس استعادة رفات الجندي في سلاح المدرعات تسيفي فلدمان خلال عملية خاصة في سورية، وذلك بعد 43 عاماً من فقدانه إثر سقوطه في معركة السلطان يعقوب مع الجيش السوري إبان اجتياح إسرائيل لبنان عام 1982.

———————-

التحريض الطائفي وخطاب الكراهية.. هل نحن المدانون؟/ جمال الشوفي

2025.05.13

تشهد الساحة الكلامية والخطابية السورية اليوم تزايداً في مؤشرات خطرها على النسيج الوطني. إذ لا يكاد يمضي يوم إلا وعديد الأحداث التي نتابعها ويتفاعل معها رصيد كبير من السوريين بطريقة تنحرف بعيداً عن تضحيات الثورة وعمرها الطويل. فانتشار خطابات التحريض الطائفية المتبادلة واتساع دائرة نفي ولجم المختلف رأياً او قولاً، وازدياد وتكرار معدلات الرفض المطلق والتي تتساوى مع خطاب الكراهية باتت لا تبشر بالخير أبداً، ولربما بكوارث كبرى. فإن كنت أفترض أن انفتاح الفضاء العام أم السوريين بعد قمع متراكم لعقود هو الرائز والمحرك لاستعار حمى الفوضى الثقافية والفكرية والسياسية الذي تعيشها سوريا اليوم كمرحلة أشبه ما تكون بالطبيعية في مراحل ما بعد تغير وسقوط الأنظمة الدكتاتورية كما شهدناها تاريخياً، لكنها بذات الوقت تضعنا جميعاً أمام مسؤوليات واستحقاقات المرحلة الحالية وأخطارها وسبل الإشارة لها وتداركها قبل فوات الأوان.

التحريض الطائفي وخطاب الكراهية هي الوجه الأخطر على النسيج السوري اليوم، وتتجلى أبرز سماته بـ:

– تقسيم الشعب السوري لموال وخائن، خائن وليس معارض! ومن أي الأطراف عامة.

– التعميم الجزافي وتجريم طائفة بأكملها: سنة متطرفون، دروز انفصاليون، علويون فلول….

– تزايد الإشاعات والتضليل الإعلامي خاصة المتداولة على السوشيال ميديا. فإن كانت كثير من الفيديوهات المنشورة صحيحة لكن يقابلها فبركات عديدة غير صحيحة، وهذا مجال للاختلاط والشك بالحقائق.

– تبادل التهم والتكذيب والشتائم واستسهال الإساءة.

– تكفير المختلف سياسياً ودينياً.

– زيادة مؤشرات التقوقع الطائفي.

– انخفاض صوت العقلاء وتهميش أقوالهم، فرغم كل ما يتكلمون به بتهدئة النفوس وتخفيف حدة الغلواء السائدة، لكن مطحنة التحريض والتجريم لا تتح لهذه الأصوات بالسماع…

قد يقول أحدهم وكأنك لا ترى من الكوب إلا نصفه ولا تشير إلا للسلبيات، لأكرر القول إن رؤية الواقع ومعاينته جزء أساسي من الحقيقة أولاً، ومن ثم العلاج ثانياً، فالتشخيص الصحيح جزء من العلاج الصحيح حتى وإن كان صادماً والعكس صحيح أيضاً. فالاكتفاء بالتوصيف السياسي هام لكنه غير كاف اليوم إذ باتت الواقع تتجاوزه للمحتوى والمضمون الثقافي. ما يجعل الوجدان السوري وقيمه الوطنية وتنوعه العام وارتباطه القوي تاريخياً ومصيراً في أهم درجات اختباره اليوم. هو موجود ويحاول جهده نبذ خطاب الكراهية والتحريض الطائفي المقيت، لكن موجة الأخير عالية وجب الوقوف عندها. وقد يقول قائل إنها موجة وإن علت لكنها زائلة ولن تدوم. رغم أني أتمنى ذلك، لكن ما بات يُرقب على مساحة الساحة السورية هو انكشاف لساحة ثقافية دفينة تتجاوز

الفعل السياسي الإجرائي، وهذا الاختبار والتحدي الأكبر. إضافة لذلك، أجد نفسي وأنا أدون هذه الجمل مدان في نفسي وفي ثقافتي، إذ لطالما كنا ولازلنا نحتكم لثقافة المحبة والخير والسلام، وندعو للحوار والانفتاح وتقريب المسافات فكيف وصلنا لهنا؟ ومدان لأنني أكتب عن الكراهية كثقافة وخطاب وهذا خطر كبير أرجو أن أكون مخطئ بتقديره.

أجل، ثمة ثقافة تنتشر كالنار في الحطب، حطب الذات السورية التي لم تستفق بعد من حجم مظلومياتها الثقيلة. فحجم التركة السورية من قتل وعنف وصراع دامي طال البشر والحجر والأطفال وكل صنوف الحياة ليس بالسهولة تجاوزه بنصر سياسي وتغيير سلطة وإسقاط نظام. بل تبدأ النفس البشرية البحث عما يؤمن لها طاقتها من الاستقرار وعنونة الوجود. وما نلاحظه اليوم هو استعار حمى إثبات الوجود بالأحقية المطلقة سواء ممن كانوا مسحوقين من أبناء الثورة وباتوا اليوم منتصرون، ما يجعلهم يستميتون لعدم تقبل أي رأي أو نقد مختلف، أو من الجهات الأخرى التي كانت مسالمة وتعيش في ظل النظام السابق موالية كانت له أو معارضة بصمت، إذ باتت تدافع عن وجودها حين تؤخذ بغرة غيرها بوصفها فلول! في حين المستفيد من هذه المشاهد المتكررة والمتوالية هم الساعون بكل جهودهم التقنية والإعلامية لهدم الاستقرار الممكن في سوريا وهدم تجربة الخلاص من نظام القهر والقمع البائد مولد كل ما نحيا من كوارث. وتقرير الوكالة البريطانية للأخبار (BBC) الذي يكشف أن التحريض الطائفي وبث خطاب الكراهية تقوم به أيادٍ خارجية تسعى لتأزيم الوضع السوري وتفتيته. والمشكلة التي يجب علاجها قبل تفاقهما هو استجابة الشارع الشعبي خلفها سواء بالموافقة الكلية أو الرفض الكلي، ما يجعل غياب العقل والتعقل والتدقيق فيما يقال أو يشاع هو المهيمن على الساحة السورية وسعرات الكراهية وثقافتها بتزايد.

الإشكال البارز في خضم هذه التواترات وما يرافقها من عنف محلي باستخدام السلاج هو تغييب وإدانة صوت العقل وثقافة السلام والبناء. أجل بتنا مدانون من ضفتي خطاب التحريض والكراهية المتبادل، مدانون لكون العاقل منا أراد ويريد مغايرة الواقع والخروج من ثقافة القهر والاعتقال والاضطهاد السياسي ونتائجها الكارثية لثقافة الحوار والعدالة بعيداً عن الانتقام، لثقافة الكلمة بعيداً عن السلاح.

اليوم مواجهة خطاب الكراهية والتحريض الطائفي مسؤولية سورية ثقافية، مسؤولية العقلانية والنخب السورية من جهة، ومسؤولية السلطة واعلامها في الابتعاد عن التحييز والتجيير وكشف الحقائق للعلن بوضوح، ومسؤولية الحكومة بتعدد وظائفها العمل على السلم الأهلي وفتح بوابات الجوار المحلية الأهلية والاجتماعية بين المختلفين في الآراء توصيفاً أو تشكيكاً، وصولاً لحوار الأديان والطوائف على اختلاف عديدها بالجهة المقابلة. وليس فقط بل أيضاً إصدار القوانين لصارمة بمحاسبة كل من يبث خطاب الكراهية والتفرقة الدينية والإساءة للرموز الدينية والتعايش السلمي وفقاً للقانون وبمرجعية القضاء والعدالة، تقليصاً لفكرة الانتقام وتهويناً على الأنفس والحد من الغلو السياسي والديني المتمظهر ثقافياً بسموم الكراهية والتحريض الطائفي.

حملت ثورة السوريين شتى صنوف التغيرات في الواقع المجتمعي والفكري والسياسي، شتى صنوف التناقضات والاختلافات والتباينات! وحتى لا نمارس ذات حكم القيمة السلبية ومحمولها السيء، أدرك أن مسيرة السوريين قد تداخلت في مساراتهم شتى صنوف الجريمة والتي لا يمكن تحميلها لجهة من دون غيرها؛ لكن من حق الجيل الذي عاصر الثورة، جيل القرن الواحد والعشرين وقد بلغ سن الشباب، جيل الانفتاح والتحولات الكبرى من حقه أن نكاشفه بما نحن عليه، بما كنا وكيف صرنا وكيف علينا أن نعمل معاً لتجاوز تحديات الواقع الحالي سياسياً وثقافياً. ولنوصف حينها بجيل الإدانة، لأننا ونحن نعاند مسار الانحدار هذا، علينا تحمل تركات الواقع النفسي والقهري الذي عاشه السوريين ولازال مستمراً لليوم وإن تغيرت المعادلة بين ظالم ومظلوم. ولنكن مدانون حين نقول أن كل السوريون مظلومون ما لم تتحقق العدالة والمساواة وما لم ينصف القضاء جماع المظالم السورية بأهلية القانون واحترام الاختلاف والدفاع عن السلم والسلام والأمان كأساس لبناء دولة الحق والقانون. وهذه مسؤولية جماعية متبادلة بين الحكومة وسلطاتها العامة وبين الشعب وتنويعاتها النفسية والثقافية.

نحن جيل الإدانة وجيل الحرب الذي يخسر به الجميع حتى المنتصر، ووجب علينا المكاشفة، النقد، البحث مرة أخرى في أحقية الوجود واهميته كقيمة جمعية يشارك فيها الجميع في تحقيق قيمة الذات الكلية. والذات الكلية هوية عامة وتعاقد على فعل الوجوب والوجود، أهم ميزاته تحقيق وتقدير الذوات للجميع من دون محاصصة أو خيلاء أو واسطة. ولن نكون ملامون إذا ما تمكنا من تدارك الانحدار الذي نعيشه وعلاج تركة الخيبات والآلام والحسرات وعدم تكرارها مرة أخرى.

لم أرغب بالدخول بتحليل سياسي في هذا الصدد إلا لأنني أتلمس ضعفه أمام الإشارة للواقع الثقافي السائد وأخطاره الجسام، ولأكن مدان بهذا أيضاً، فسوريا التي نريد وإن كانت بوابة ولوجها سياسية لكن افتراش واقعها وحياتها ثقافية واسعة تحتاج العناية والاشارة والدلالة.

تلفزيون سوريا

——————————

 فلول في ثياب الأمن العام.. من يفكك الألغام الاجتماعية من مخلفات الأسد؟/ عبد القادر المنلا

2025.05.13

بعد هروب بشار الأسد، اعتقد السوريون أن تلك الصفحة السوداء في تاريخ سوريا قد طويت إلى الأبد، وأن سوريا الجديدة قد بدأت تلملم جراحها وتكنس تاريخ تلك العائلة التي دمرت سوريا وشوهت نسيجها الوطني، تلك المرحلة الطويلة التي ابتدأت مع تسلط الأب على السلطة، ولم تنته إلا بعد أن أكمل الابن تدمير سوريا وتمزيقها..

وبعد أقل من شهر على التحرير، اكتشف السوريون مخلفات الأسد التي اتضح أن تنظيفها يحتاج  لفترة أطول مما كان متوقعاً، فبالإضافة إلى كميات الدمار والخراب والانتهاكات الجسيمة والمجازر الجماعية والمعوقين والمعتقلات وما كان يحدث فيها وملايين المهجرين وسرقة مقدرات البلد وحجم الفقر والحاجة الذي وضع فيه النظام السابق السوريين قبل وبعد رحيله، فلقد تم اكتشاف كمية كبيرة جداً من الألغام المنتشرة في كل مكان في سوريا، ولكن تلك الألغام لا تتوقف عند الألغام الأرضية المادية المتعارف عليها، فثمة نوع آخر أشد خطراً وفتكاً بالمجتمع السوري وهو الألغام الفكرية والاجتماعية والمتمثلة في الزراعة المتعمدة للطائفية وهي الألغام التي بدأت تنفجر تباعاً وتضع السوريين في مواجهة خطر قد يقضي على حلمهم في بناء دولتهم الجديدة.

بدأت أول تلك الألغام تتفجر بظهور الفلول التي قامت بعمليات لم تستهدف الأمن العام فقط ولا حلم السوريين وحسب، بل استهدفت بالدرجة الأولى الطائفة العلوية التي كان معظم أبنائها متوافقين مع سوريا الجديدة وفرحين بالتخلص من الأسد مثلهم مثل باقي المكونات السورية، راهن الفلول على رد فعل الدولة الطبيعي والذي تمثل في حملة عسكرية مضادة انفلتت في بعض الأحيان لتتحول إلى حالة انتقام من أبناء الطائفة، وهو بالضبط ما كان هدف الفلول للتأسيس لمرحلة من الفوضى وإثبات الاتهامات على الدولة الجديدة على أنها تستهدف طائفة محددة، الأمر الذي أنهى شهر العسل الذي عاشه الساحل السوري، وأدى إلى تهديد السلم الأهلي والذي يكاد اليوم أن يتبدد إن لم يتم التعامل معه بشكل احترافي وموضوعي ونزع تلك الألغام سريعاً..

ورغم أن الجرائم التي ارتكبت ضد الأبرياء والانتهاكات التي حدثت في الساحل تم نسبها إلى فصائل متشددة، وأفراد خارجين على القانون، إلا أن ذلك لا ينفي مشاركة الفلول فيها سواء بالمشاركة الفعلية أو من خلال التسبب فيها، غير أن كثير من الروايات التي تواردت -وهذه لا يمكن إثباتها أو نفيها حتى الآن- تؤكد مساهمة الفلول في قتل أبرياء من الطائفة العلوية ونسبها إلى تلك الفصائل للمساهمة في زيادة صب الزيت على النار، ثم تطورت آليات عمل الفلول حيث راحوا يرتدون ملابس الأمن العام ويرتكبون المجازر، وهو ما يؤكده قتل شخصيات علوية كانت معروفة بمعارضتها لنظام الأسد حيث تضرب الفلول عصفورين بحجر من خلال ارتكاب تلك الجرائم، أولها الانتقام من معارضي الأسد من الطائفة العلوية، وثانيها اتهام الدولة بهم، لأن تلك الطريقة وحدها هي ما يضمن تأليب السوريين ضد القيادة الجديدة ولا سيما أن الطابع الديني والمتطرف أحياناً الذي أبدته بعض الفصائل سيسهم بشكل كبير في إقناع الرأي العام المحلي والدولي بصحة نسبة تلك الانتهاكات إلى الدولة..

هذا لا ينفي بالتأكيد الجرائم التي ارتكبها أفراد وفصائل محسوبون على الحكومة الجديدة وعلى الأمن العام ووزارة الدفاع، ولكن الفلول اتبعت أيضاً  ذات طريقة النظام البائد وأساليبه الشيطانية في معالجة أزماته، ففي بداية الثورة السورية وقبل أن يحمل أحد من السوريين السلاح لم يتردد نظام الأسد بقتل كثير من عناصره وجنوده وحتى بعض ضباطه، ليثبت أن ما كان يحدث ليس ثورة وإنما عمليات إجرامية تقوم بها مجموعات مسلحة إرهابية تقتل الأبرياء، وتبدو الفلول اليوم بحاجة لذات الذرائع التي اعتمدها النظام لتشويه الثورة حينها لكي تتمكن من تشويه صورة الحكومة الجديدة اليوم، فعقلية الفلول لا تختلف عن عقلية نظامهم وقدراتهم الإجرامية لا تقل عن قدراته ومستوى الانحطاط الأخلاقي لديهم لا يقل عن مستوى الانحطاط الأخلاقي لنظامهم البائد، بل ربما تفوقوا عليه في الانحطاط بعد أن فقدوا السلطة وفقدوا أيضاً بوصلتهم الإجرامية التي كانت تستهدف المعارضين للأسد بشكل رئيسي وأضحت اليوم ترتكب الجرائم بشكل عشوائي ولا تتردد في قتل أفراد من الطائفة العلوية، فبهذه الطريقة وحدها تضمن إزعاج الحكومة الحالية وقضّ مضاجعها واستدراجها إلى موقع الدفاع عن النفس..

ومع الإقرار باحتمالات قابلية كل ما سبق ليكون حقيقة، إلا أنه ليس الحقيقة الوحيدة، فثمة اليوم فئات عديدة من الفلول الذين يعملون لصالح الأسد الفارّ من دون قصد، وربما يعتقدون أنهم يعملون لصالح الحكومة السورية ولصالح الدولة، وأول هؤلاء هم العناصر المحسوبة على الدولة الجديدة والتي ترتكب جرائم قتل بحق الأبرياء من الطوائف الأخرى ظناً منها أنها تسهم في بناء الدولة من خلال التخلص من أفراد لا ينتمون لذات العقيدة التي ينتمون هم لها، وهي أكبر خدمة تقدم للفلول وللمتربصين من الحريصين على عرقلة مسار الدولة السورية وإفشالها، أو أولئك الذين يجرّمون طائفة كاملة فقط لكون الأسد ينتسب إليها وهؤلاء يقومون بالقتل وكأنه فعل وطني، وهذا سلوك لا يختلف عن سلوك الفلول في شيء لا من حيث الفعل نفسه ولا من حيث النتائج المترتبة عليه..

في ذات السياق، يلعب كثيرون من مؤيدي الحكومة الجديدة دوراً لا يقل عن دور الفلول في تنزيههم للفصائل التي ترتكب الانتهاكات وإنكارهم لأي خطأ ترتكبه الحكومة بل وتحويله إلى فضائل، سواء كان ذلك بسبب الانتماء الطائفي أو بسبب الحماس الزائد للدولة الجديدة وحكومتها أو بسبب الجهل والتشدد، وهي ذات طريقة أتباع النظام السابق في تقديسهم للأسد وإنكار جرائمه، في حين إن مساعدة الحكومة الجديدة والوقوف إلى جانبها في سعيها لبناء الدولة يتطلب الاعتراف بأخطائها والحرص على نقدها وعدم تبرير أي خطأ يتم ارتكابه لأن ذلك سيؤدي إلى تراكم الغش والخديعة وتوسيع الهوة بين مكونات الشعب السوري والتي تحاول الحكومة أن ترممها، على الأقل في حين يتعلق بالموقف الرسمي والتصريحات العلنية..

النوع الآخر من الفلول يتمثل في أولئك الداعمين للإشاعات والذين تهمهم الشائعة أكثر مما تهمهم الحقائق، وهؤلاء موجودون في كل المكونات، حيث تلتقي الشائعة مع رغباتهم فيسعون بكل طاقتهم إلى نفي الحقائق وإحلال الشائعات مكانها حتى لو تم دحض الشائعة، وهؤلاء يدعمون مشروع الفلول بقوة بل ويتحولون إلى جزء منه في حين هم يعتقدون أنهم يحاربون ذلك المشروع..

منذ أيام أصدر مفتي سوريا فتوى بتحريم الدم السوري، وبالأمس صدر قرار هام للغاية من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي يقضي بتجريم كل الأصوات التي تحرض على الكراهية ومساءلة أصحابها مدنياً وجزائياً وتحويلهم إلى القضاء لاتخاذ العقوبات الرادعة بحقهم، وهي خطوات على طريق لجم الطائفية المستشرية والحد منها، ولكن المعركة لا تزال طويلة ومعقدة لأن الدمار النفسي والاجتماعي الذي خلفه نظام الأسد لا يزال يتحكم بكثيرين من أبناء الشعب السوري من كافة الطوائف والمكونات، وهنا تبدو المراهنة على نشر الوعي هي الطريق الأمثل لحماية الشعب السوري من سرطان الكراهية وأمراض الطائفية الخبيثة..

لقد آن الأوان لتفعيل القوة الناعمة، وهي قوة الثقافة والتي لا تزال حتى الآن شبه معطلة نظراً للمخاض العسير الذي تمر به البلاد، غير أن الالتفات إلى قوة الفعل الثقافي وقدرته على المساهمة في ترميم المرحلة يبدو اليوم من أهم الأسلحة وأكثرها فاعلية، وهنا يمكن استغلال المسارح والمراكز الثقافية لإقامة نشاطات وفعاليات أدبية وفنية وفكرية تنشر مفهوم المواطنة وتضعه فوق كل الاعتبارات الأخرى، وهو طريق أساسي ممهد ويساعد بشكل استثنائي في الخروج من دوامة العنف والعنف المضاد، والخروج من دوامة الإشاعات أيضاً، كما أنه الضامن لمشروع السلم الأهلي وأحد مرتكزاته الأساسية والذي لا يمكن أن يتحقق من خلال لجان تحقيق في الجرائم فقط، ولا في قوانين معينة، بل في نشر الوعي الذي يحتاجه المجتمع السوري ليتمكن من استئصال الأمراض المزمنة، ونزع الألغام الاجتماعية التي تركها الأسد على امتداد الأرض السورية، وبغير ذلك سيبقى من السهل على الفلول من كل الأنواع السابقة التي تم ذكرها ارتداء ملابس الأمن العام، وستبقى قدرات الشائعات أكبر من قدرات الحقائق..

تلفزيون سوريا

———————————–

 “لا نتدخل ولا نؤثر”.. موفق طريف يعلن وقف تدخلاته ويدعو لسوريا موحدة

2025.05.13

أعلن الرئيس الروحي لطائفة الموحّدين الدروز في فلسطين، الشيخ موفق طريف، وقف أيّ تدخل أو تأثير في القرارات الداخلية للطائفة الدرزية في سوريا، مشدداً على أهمية الحفاظ على وحدة البلاد وهويتها الوطنية.

وقال طريف في بيان رسمي، إنه على تواصل مستمر مع مشايخ الطائفة في سوريا لـ”الاطمئنان على أحوالهم وتقديم المساعدة لهم قدر المستطاع، دون التدخل في رؤيتهم أو التأثير على قراراتهم الداخلية”، آملاً أن تتجه الأمور نحو “الحلول المرجوة”.

وجدّد التزامه بمساندة أبناء الطائفة الدرزية في سوريا، مضيفاً أن موقفه هذا ثابت منذ سنوات الأزمة السورية، وينبع من منطلق “التمسك بقيمة حفظ الإخوان”، دون التدخل في “القضايا الاستراتيجية، كونها من شأن الطائفة في سوريا”.

وشدد على ضرورة حفاظ الطائفة الدرزية في سوريا على هويتها ومكانتها داخل الوطن الموحّد، مضيفاً: “نقرّ أنهم أصحاب القضية وأهل الدار، وهم أولى بمصلحتهم وأعلم من الجميع بأولوياتهم وقراراتهم”.

نساند دروز سوريا ونحذر من الفتن والإشاعات

ذكّر طريف بدعوات سابقة وجّهها إلى جميع مكونات المجتمع السوري، داعياً إلى “الحفاظ على الحقوق الدستورية، والتوجّه نحو الحوار كوسيلة للنهوض بسوريا لمصلحة جميع مواطنيها ومناطقها دون إقصاء أو استثناء، وعلى وجه الخصوص الطائفة الدرزية التي كان لها دور بارز في تاريخ البلاد”.

كما دعا طريف جميع السوريين إلى العمل معاً لإعادة إعمار سوريا والنهوض بها، محذراً من “أيادي الإرهاب الطويلة التي تحاول دق الأسافين والعبث في النسيج الاجتماعي السوري”.

وفي سياق آخر، أشار إلى خطورة المعلومات المضللة المنتشرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بما في ذلك التصريحات الوهمية والشائعات، مطالباً بالتعامل معها بحذر ومسؤولية، و”الامتناع عن أخذ المواقف والأقوال الصادرة عن شخصيات ومصادر غير رسمية، أو عن أفراد لا يمثلون الطائفة ومؤسساتها دينياً ومجتمعياً”.

وأوضح أن موقف طائفة الدروز في فلسطين يتمثل في دعم ومساندة الطائفة في سوريا على المستويين الإقليمي والدولي، إلى جانب مواصلة الدعوة للوحدة وتوحيد الصفوف في وجه التحديات.

يُشار إلى أن طريف التقى خلال الفترة الماضية مع مسؤولين في جيش الاحتلال الإسرائيلي، بذريعة طلب الحماية للطائفة الدرزية في سوريا، على خلفية الأحداث التي شهدتها منطقتا جرمانا وصحنايا.

———————–

نعمة الطوائف ونقمة الطائفية: في العقد الاجتماعي وقلق الهوية السورية/ محمد خالد شاكر

13 مايو 2025

لم يشهد التاريخ السوري فرزاً دوغمائياً نكائياً طائفياً أكثر مما يشهده اليوم؛ فلم تعد الطائفية في سورية خطاباً شعبوياً على وسائل التواصل الاجتماعي فحسب، بقدر ما تحولت إلى حالة مرعبة، أصبحت تتسلّل رويداً رويداً إلى الخطاب السوري، إعلامياً، وثقافياً، وسياسياً.

قبل تأصيل ظاهرة تصاعد الخطاب الطائفي بسبب عدم تبلور الهوية السورية، تاريخياً، في إطار عقد اجتماعي يعكس تعدّدية المجتمع؛ لابد من التعريج على أسبابه المباشرة التي ولدت من رحم صراع دموي ومدمّر، فالتحوّلات القسرية التي طرأت على المجتمع السوري خلال سنوات الحرب 2012- 2024، دفعت بالشخصية السورية المذعورة إلى الانكفاء على خصوصيّتها ردّ فعل للواقع المحتدم؛ فتحول المجتمع السوري المسالم والمتآلف إلى خاصرة رخوة من الخوف والانقسام والتشظي طائفياً، وإثنياً، ومذهبياً، وسياسياً، وعسكرياً.

وكما تفرض التعدّدية السياسية نفسها ميزة لتعزيز قيم العدالة والحكم الرشيد في مواجهة الاستبداد، تشكل المجتمعات المتعددة طائفياً وإثنياً إحدى ميزات المجتمعات المتحضرة اليوم، وذلك من خلال حوكمة مؤسّساتها، التي تضطلع بصهر الهويات الفرعية في بوتقة الدولة الوطنية، فكلما أحسنت السلطات الحاكمة إدارة التنوّع والاختلاف، نجحت في إدارة التنوّع ونقلته من تعدّدية الصراع إلى تعددية التوازن والتكامل.

تواجه المؤسّسة الثقافية السورية اليوم المهمّة الأكثر إلحاحاً في طريق بناء الدولة السورية، وذلك في قدرتها على مواجهة الخطاب الطائفي الشعبوي المنفلت، وانتشال العقلية السورية من إرثها الثقيل المحمّل بعقود من القهر والخوف والموت والاستبداد.

لقد أصبحت الطائفية وجبة شهية مادتها الكراهية والتشفي والانتقام، فطفت على السطح مفردات الضد من الوطنية، كتسفيه الاعتقاد والخصوصية الدينية، والحديث عن تاريخية هذه الطائفة، وغموض تلك، ووصف هذه الطائفة بالغلو والكفر؛ يؤازرها سرديات لي عنق التاريخ من خلال الحديث عن علاقة هذه الطائفة بالمحتل الفرنسي، وربط تلك الطائفة بالنظام البائد، والأخرى بإسرائيل، قابله انكفاء على الخصوصية، أدّى إلى تصاعد حمّى الهويات الفرعية؛ وكأن السوريين يتجهزون لمرحلة ملوك الطوائف، في مرحلة أحوج ما يكونون فيها إلى وضع اللبنات الأولى لبناء الدولة السورية، وبلورة هويتها الوطنية الجامعة.

يرى جان جاك روسو ( 1712- 1778) “أن البشر مسالمون بطبيعتهم، لكن القوانين والمؤسّسات هي التي تفسدهم” في إشارة إلى طبيعة العقد الاجتماعي أو الدستور الذي يحكم الأفراد والجماعات، وبالأدق قدرة السلطة والقوانين على إيجاد آلية للالتزامات المتبادلة بين الحاكم والمحكوم، بوصفها علاقة جدلية تؤدّي، في نهاية المطاف، إلى تحقيق الإرادة العامة، وتحقيق المصلحة الوطنية العليا للبلاد، فلا دولة بدون سيادة، ولا سيادة بدون إرادة عامة مشتركة، ولا إرادة عامة بدون عقد اجتماعي يعكس تطلعات الجميع.

أدّت التطورات التاريخية لفكرة الدولة بعد مؤتمر وستفاليا (1648) إلى إنهاء الحروب الدينية في أوروبا، وحل المشكلة الطائفية. كما أدّت التطورات التاريخية لمفهوم الديمقراطية والهزات التي عانتها أوروبا حتى نهاية الحرب العالمية الثانية إلى الانتقال من فكرة الدولة القومية إلى دولة المواطنة حلّاً لإشكاليات الهويات الفرعية وصراعاتها، فأصبح الفرد وبغض النظر عن خصوصيته مواطناً له الحق في أن يكون له وطنٌ، لا يعيش فيه فحسب، وإنما يشارك في بنائه.

أسّست فكرة المواطنة لتدوين الحقوق الطبيعية، أو ما يسميها بالمفهوم الإيكولوجي عالم العقائد توماس بيري ( 1914- 2009) بـ “شريعة الأرض”، أي الحقوق التي تولد مع الإنسان وفي بيئته، ومنها الحقّ في الحياة والوجود، والحقّ في الحرية، والحق في التعبير، والحقّ في الكرامة، والحق في الملكية، بوصفها حقوقاً متأصلة في النفس البشرية وموجودة في مراحل ما قبل الدولة، ومن ثم، لا يحقّ لأية سلطة مصادرتها أو النيْل منها.

عرفت سورية أولى إرهاصات تشكيل الهوية الوطنية خلال فترة الحكم العثماني، عندما أسّس بطرس البستاني ( 1819- 1883) صحيفة “نفير سورية” أول صحيفة وطنية، كما أسّس “المدرسة الوطنية العليا” التي ضمّت طلاباً من جميع الطوائف.

منذ تأسيس الدولة 1920، لم تشهد سورية أي حراك جماهيري يعكس الممارسة الفعلية لديمقراطية قادرة على بلورة هوية سورية نابعة من فكرة سيادة الشعب. ولهذا، لم تعرف سورية حكومة وطنية بشرعية شعبية بالمعنى الدقيق للكلمة؛ فقد كانت غالبية الحكومات السورية نتاج تحالفات كولونيالية. على سبيل المثال، ضمّت الوزارة الأولى بعد إعلان الاستقلال في مارس/ آذار 1920 مجموعتين، هما مجموعتا رضا باشا الركابي الموالي للإنكليز وعلاء الدين الدروبي الموالي للفرنسيين، تزامن ذلك مع تشكيل برلمانات بديمقراطية هشّة، أوصلت المتنفذين، والباشوات، والإقطاعيين، والتجار، وشيوخ العشائر من جميع الطوائف والإثنيات.

طوال فترة الاحتلال الفرنسي، استمر استنساخ الأزمة البنيوية للهوية السورية نتاجاً كولونيالياً، فتشكّلت هوية سياسية نخبوية هي الأخرى من تجّار المدن، وكبار ضباط الجيش العثماني السابقين، والإقطاعيين، وشيوخ القبائل، والأشراف، ورجال الدين، والوجهاء، بصفتها تركيبة غير متجانسة هوياتياً بالمعنى الوطني، تجمعها، أفقياً، المصالح وتقاسم السلطة، بينما تغيب، عمودياً، الجماهير السورية؛ في دولةٍ صُممتْ بالأساس بطريقة استعمارية، بحيث يصعب على أية دولة خارجية الانتصار فيها وحدها، كما يصعب على أي طرف سوري الاستئثار بها داخلياً. وهو ما يفسّر بقاءها محكومة بثنائية الانقلابات والاستبداد، كما هشاشتها في مواجهة التحديات الخارجية، بسبب متواليات القضم الجغرافي من أجزائها منذ الاستقلال.

مع انقلاب 1970 الذي أسس للمرحلة الأسدية 1970- 2024 جرى من جديد، وبطريقة ما، استنساخ التحالف الكولونيالي ذاته للهوية السورية، بوصف ذلك تركيبة جاهزة للاستئثار بالسلطة، حيث عقدت السلطة في مرحلة الأسد الأب وابنه تحالفاتها مع كبار التجار في تزاوج خبيث بين المال والسلطة، كما أعادت صياغة المشيخة من داخلها على أسس ولائية، وأفرغت العقيدة العسكرية للجيش واستبدلتها بالأجهزة الأمنية؛ فتحوّلت سورية إلى دولة عسكرتارية شمولية، تئن فيها جميع الطوائف والإثنيات تحت وطأة الولاء للسلطة، الذي نقل الهوية السورية من مرحلة القلق إلى الإلغاء، فعاشت سورية حكماً بوليسياً يخفي تحت رماده، جمر الصراعات البينية سياسياً، وطبقياً، ومناطقياً، وطائفياً، وعشائرياً، وهي التصدّعات التي أسّست في مراحل لاحقة لانفجار مجتمعات المخاطر في مارس/ آذار 2011.

أدّى تحوّل الثورة السورية إلى صراع طائفي مخيف وبدفع خارجي إلى تصاعد الهويات الفرعية السورية، وبالأخص المذهبية منها، ما دفعها إلى الانكفاء على خصوصيتها حالة طبيعية في النفس البشرية خلال الأزمات. وتصاعدت المسألة الطائفية أكثر مع سقوط النظام، خصوصاً مع رفض آليات إدارة المرحلة الانتقالية، التي رأت فيها باقي الطوائف وبعض الكرد، وكثير من النخب السنية، استئثاراً لسلطة دينية سنّية بعينها، تجافي تطلعات السوريين في التشاركية والمواطنة. وهو الموقف الذي يأخذ بالتزايد بين السوريين يوماً بعد، خصوصاً بين قوى المعارضة من السياسيين والعسكريين والمدنيين المنشقين عن النظام، الذين بدؤوا يشعرون بأنهم فئة غير مرغوب فيها في عقلية الحكم الجديد، ما يضع سورية أمام حالة من اتساع دوائر الانقسام السوري طائفياً، وإثنياً، وسياسياً.

يقف السوريون اليوم أمام استحقاقٍ أخير مهم ومفصلي، متمثلاً في الهيئة التشريعية ولجنة صياغة الدستور في مرحلة قلقة وهشّة يقف فيها الجميع أمام خطر وجودي؛ ولحظة تاريخية يجدُر بهم اقتناصها لإعادة صياغة هويتهم السورية من خلال البحث عن مشتركاتهم التاريخية، بدءاً من الأخذ بنعمة التعدّدية في المجتمعات المتحضرة، والتوجه إلى ما هو جامع. فهم عرب من مسيحيين وعلويين ودروز وسنة، وهم مسلمون من كرد وعرب.

سورية اليوم أحوج من أي وقت مضى إلى دستور عصري يؤطّر الهوية السورية، ويصوغ عقدها الاجتماعي في إطار دولة المواطنة، الكفيلة وحدها بإبعاد غول الطائفية الذي يطلّ برأسه على جميع السوريين، وفي أضعف حالاتهم من الجوع، والخوف، والدمار، والانقسام. وهي المهمّة التي تبدأ من ثورة ثقافية بخطاب سوري جامع، يطفئ نار النكايات الطائفية قبل أن يكتوي بها جميع السوريين.

العربي الجديد،

——————————

توترات طائفيّة في الجامعات السوريّة: الوجه القبيح لزملاء الدراسة!/ عمر الهادي – مدون سوري

13.05.2025

لطالما شكلت الجامعات فضاء يجمع الشبان والشابات السوريين من مختلف الخلفيات، ورغم هشاشة البنية التحتية لهذه المؤسسات، إلا أنها استطاعت خلط السوريين ودفعهم الى التعارف، ومن ساحات هذه الجامعات، خرج عدد من التظاهرات ضد النظام، قمعت بوحشيّة حينها، لتعود الآن الجامعات إلى طلابها،  لكن يخشى اليوم أن يتحول السكن الجامعي إلى مساحة غير آمنة ومشحونة بالخوف.

شهدت جامعات سورية في الأسبوعين الماضيين، تصاعداً في حدة التوترات الطائفيّة بين طلاب المحافظات، توترات وصلت حد التهديد والاعتداء الجسدي وهتافات وصلت الى الاحتفاء بـ”إبادة” الأقليات الدينية. أفضت هذه التوترات الى ترك الكثير من طلاب السويداء المدن الجامعية في حلب، حماة، حمص، ودمشق، وعادوا إلى محافظتهم، خشية اندلاع مواجهات طائفية جديدة،  في ظل تراخٍ أمني لضبط هذه الحاضنات الطلابية.

تمكنا في “درج” من التواصل مع عدد من الطلاب في مختلف الجامعات السورية، فضلوا عدم الكشف عن هوياتهم، لسرد شهاداتهم حول الأحداث التي شهدوها.

هل أضحت الجامعات ساحات للترهيب؟

لم يكن خروج طلاب السويداء من السكن الجامعي قراراً فردياً، بل جاء كرد فعل جماعي في سياق تصعيد مستمر،  خروج جماعي كشف عنه مقطع فيديو انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي، يظهر فيه عشرات الطلاب أثناء مغادرتهم المدينة الجامعية في دمشق.

أثار الفيديو جدلاً واسعاً حين انتشر، إذ وصفه البعض بـ”التغريبة الجامعية”، فقرر عدد من الطلاب المغادرة يوم 29 نيسان/ أبريل، بعدما تعرضوا لمضايقات طائفية تراوحت بين التهديد والاصطدام اللفظي والجسدي، أودى بعضها إلى إصابات.

بدأت الأحداث في المدينة الجامعية بحمص عقب انتشار تسجيل صوتي “مفبرك” حمل إساءة دينية، نُسب إلى أحد شيوخ السويداء، ما أدى إلى حالة من التجييش، تجسدت في تجمعات داخل السكن الجامعي، رددت تهديدات مباشرة بحق الطلاب الدروز، بينها: “كل واحد درزي منشوفوا بالسكن ذابحينوا”، وسط هتافات وتكبير.

تصاعد الأمر إلى اقتحام غرف الطلاب الدروز والاعتداء عليهم بالعصي والجنازير، إذ تعرض الطالب (م.ش)، وهو طالب هندسة بترول في السنة ثالثة، لهجوم عنيف داخل غرفته، أصيب خلاله بجروح خطيرة في الرأس، إلى جانب الاعتداء على زملائه.

في حلب، تكرر السيناريو ذاته، إذ تعرض الطالب (أ.غ)، وهو طالب هندسة ميكانيكية في السنة الثالثة، للطعن بالسكين في صدره وساعده وظهره لأنه درزي.

تقاطعت شهادات طلاب عدة حول تلقيهم تهديدات منذ بداية أحداث الساحل، عبر رسائل إلكترونية وملاسنات لفظية، إضافة إلى تجمعات شهدت أحاديث علنية عن “النصارى” وغير المسلمين. وقد حصل موقع “درج” على محادثة من إحدى الطالبات، خلال نقاشها مع صديقها حول أسباب هذا التغير المفاجئ، ليجيب: “هلق صارت طائفية، أي درزي بدنا نشوفو بالسكن رح نقتلو، يلي مو عاجبو ينقلع ع السويدا”.

وبحسب ما ورد في رواياتهم، تدخل الأمن العام لفض الاشتباكات وحماية الطلاب، لكنه لم يضبط التظاهرات التي واصلت التحريض ضد طلاب السويداء.

أما في حماة، فتروي ماري (اسم مستعار)، طالبة طب أسنان، تجربتها قائلة: “خرجت مظاهرة في ساحة العاصي يوم 28 نيسان/ أبريل، حملت شعارات (سنية سنية، بدنا نبيد الدرزية)، ثم انتقل التجمع إلى المدينة الجامعية، بمشاركة أشخاص من خارج السكن، وسط انتشار واضح للسلاح”.

تكمل ماري: “في اليوم التالي، توجهنا إلى الكلية لإنهاء إجراءات الاستضافة في دمشق وجمع أغراضنا، وخلال ذلك، مرّ شابان بجانبي وقالا (سبحان من أعزنا وأذلكم)، رغم أنني لم أتعامل معهم طوال سنوات دراستي. وبعد يوم كامل من توقيع الأوراق، فوجئنا برفض الطلبات بحجة الحاجة إلى موافقة من دمشق، رغم أن آخر مهلة للتقديم كانت الأربعاء الماضي”.

تأتي هذه الشهادات رداً على إنكار الإعلام حقيقة المضايقات التي تعرض لها طلاب السويداء، ما ساهم في تجاهل السلوك العدائي وتصعيده عند البعض بدلاً من الحد منه.

لطالما شكلت الجامعات فضاء يجمع الشبان والشابات السوريين من مختلف الخلفيات، ورغم هشاشة البنية التحتية لهذه المؤسسات، إلا أنها استطاعت خلط السوريين ودفعهم الى التعارف، ومن ساحات هذه الجامعات، خرج عدد من التظاهرات ضد النظام، قمعت بوحشيّة حينها، لتعود الآن الجامعات إلى طلابها،  لكن يخشى اليوم أن يتحول السكن الجامعي إلى مساحة غير آمنة ومشحونة بالخوف.

تروي سارة (اسم مستعار) طالبة الصيدلة سنة رابعة، تجربتها في السكن الجامعي بالمزة قائلة: “بعد الأحداث التي استهدفت الطلاب الدروز في حمص، بدأ قلقنا يتزايد، لكننا واصلنا الدوام، وبينما كنا نجلس مع الأصدقاء في الحديقة مساء يوم الاثنين، بدأنا بسماع تكبيرات تتردد، وسرعان ما احتشد الطلاب وهم يكررون الهتافات، قبل أن تدخل سيارة للأمن العام، وأثناء صعودنا نحو الغرف، سمعت أحد المتجمعين يقول (رح يشوفوا آخرتن هالخنازير)، في إشارة واضحة إلينا، عندها بدأنا بتوضيب أغراضنا استعداداً للرحيل”.

في سكن الهمك (كلية الهندسة الميكانيكيّة)، قوبل هذا التجمع باحتشاد مماثل، وتعددت الروايات حول أسباب التصعيد. إذ أشارت شهادات إلى أن الحادثة بدأت بعد العثور على كتاب ديني قرب إحدى حاويات القمامة، كادعاء ضد أحد الطلاب الدروز، بينما أكدت شهادات أخرى أن الخبر مجرد إشاعة استُخدمت لتأجيج التوترات.

تضيف طالبة أخرى من كلية الإعلام سنة ثانية: “شاهدت طلاباً يضعون على جباههم رايات تحمل عبارة لا إله إلا الله، في اللحظة التي بدأت فيها التكبيرات تتصاعد”.

في هذا السياق، تُلصق تهمة “العمالة لإسرائيل” في الحوارات كتبرير للإقصاء والعدائية، إذ تُستخدم لصنع “عدو افتراضي”، ما يفتح الباب أمام استهداف الدروز على مستويات متعددة، بدءاً من التشكيك في انتمائهم الوطني، وصولاً إلى محو دورهم في الثورة السورية، وتدنيس رموزهم الدينية والتاريخية من البعض.

ما حدث مع طلاب السويداء كان امتداداً لمضايقات طاولت سابقاً طلاب الساحل، وسمح تأخر الإجراءات الحاسمة بانتشار السلوكيات الطائفية والتهديد علناً، إذ لم يُضبط الخطاب التحريضي بفعالية، وبينما كان يُتوقع إصدار بيان يجرم هذه الاعتداءات، جاء بيان وزارة الداخلية مشيداً بـ”غيرة المواطنين”، رغم طابعها العدائي، ما أثار تساؤلات حول حيادية المؤسسات الرسمية.

تحوّلات الحدث في الإعلام

بعد مغادرة طلاب السويداء السكن الجامعي، سارعت وسائل إعلام رسمية إلى تقديم روايات نفت فيها تعرض الطلاب لأي ضغوط، وزعم ناشطون إعلاميون أن الإجلاء تم بتوجيهات من شيوخ السويداء، وهو ما نفاه الطلاب مؤكدين أنهم غادروا لدرء الاستفزازات التي بدأت تأخذ منحى مشابهاً لما حدث في حمص وحلب، بعد محاولات لامتصاص المناكزات الفردية التي تعرضوا لها.

تصوير الواقع الجامعي كبيئة آمنة لم يكن مجرد انفصال عن الواقع، بل إنكار لما تعرض له طلاب السويداء، يلاحظ اليوم اتباع بعض الإعلاميين نهجا مكرراً في التعامل مع القضايا المثيرة، إذ يتم تجاهل جوهر المشكلة، وبدلاً من فتح باب الحوار حولها لمعالجتها، يتم لوي الخبر وإعادة تشكيله وفق سردية تخدم توجهات معينة.

وفي مواجهة هذا التشكيك، أصدرت مجموعة من طلاب السويداء بياناًً رسمياً في 8 أيار/ مايو، أكدوا فيه رفضهم للفتنة الطائفية، وتمسكهم بالوحدة الوطنية، مشددين على أن انسحابهم من الجامعات كان قراراً ذاتياً، كما طالبوا بتجريم الخطاب الطائفي، وتأمين الحماية اللازمة للطلبة، ومحاسبة المحرضين والمعتدين.

وجاء الرد على هذا البيان عقب اجتماع عقد يوم السبت 10 أيار/ مايو في دمشق، جمع وفداً أهلياً وسياسياً من محافظة السويداء بوزيري الداخلية والتعليم العالي، وأسفر هذا الاجتماع عن قرار صدر عن  وزارة التعليم العالي في سوريا، ينص على: “حظر نشر أو تداول أي محتوى يتضمن تحريضاً على الكراهية أو الطائفية، مع فرض مساءلة جزائية على المخالفين”.

ورغم اعتبار هذا القرار خطوة مهمة وجادة نحو معالجة الخطاب الطائفي، إلا أنه عكس تحولاً في التعامل مع القضية، من الإنكار في البداية إلى التجريم لاحقاً! ما يفتح المجال لمراجعة أعمق حول آليات عمل المؤسسات التعليمية والإعلامية، وضمان بيئة أكثر أماناً وتماسكاً لجميع الطلاب.

ظهر أيضاً بيان باسم “حراك طلابي” هدفه “جامعة خالية من العنف والسلاح، ومنحازة الى عدالة والكرامة والحرية للجميع”، رافعاً شعارات “فكر تضامن مساواة”، البيان ذو لغة واعدة غير معروفة أسماء الموقعين عليه أو من صاغوه سوى بأنهم “طلاب وطالبات من جامعات سوريا”، هكذا حراك وبيانات مهم في هذه المرحلة لكن من دون ترجمة على الأرض وداخل الحرم الجامعي، يبقى مجرد نداء في المجهول، خصوصاً أمام محاولات إعادة تعريف الفضاء الجامعي إما عبر مبادرات الأسلمة، أو الاحتشاد الطائفيّ كما حصل سابقاً.

درج

—————————–

حرائق الطائفية في سوريا تشتعل من جديد وسط صمت العدالة/ دانيالا ويلسن

12.05.2025

القلق منتشر بشكل خاصّ بين الطلاب الدروز في دمشق، وفي حمص، وحتى في اللاذقية، بعد أن سُجّلت هتافات طائفية وتهديدات ضدّهم داخل الجامعات ومساكن الطلّاب، تقول الطبيبة الشابة:”شاركت في مظاهرة في ساحة الأمويين عندما سقط النظام، يبدو ذلك وكأنه زمن بعيد”.

في بلدة الصورة الكبيرة الدرزية الصغيرة الواقعة على مدخل محافظة السويداء من جهة دمشق، يلوح مقام الخضر الديني متفحّماً. الهواء مُشبع برائحة الحجارة المحترقة والقماش المشتعل. نجمة خماسية؛ رمز الديانة الدرزية، اقتُلعت من سقف المقام.

“دخلوا وهم يصرخون الله أكبر، ثم استخدموا شموع المقام ليُشعلوا فيه النار”، يقول ليث؛ عامل بلدية محلّي يرتدي الآن ملابس قتالية: “ثم أهانونا بهتافات طائفية”، يرفض  ليث قول المزيد خجلاً.

يقول رجل يقف بجانب ليث: “أنتم خنازير، خونة، أخواتكم عاهرات. هذا ما كانوا يصرخون به”.

بدأ الهجوم عند الفجر في 30 نيسان/ أبريل، وأمطرت قذائف الهاون على القرية لساعات. قرابة الساعة 6:30 صباحاً، وبعد توقّف وجيز سُمح للعائلات بالفرار، دخل مسلحون القرية، نهبوا البيوت، وأحرقوا المحالّ التجارية، وعبثوا بالمقام. لم ينجُ محلّ واحد، بحسب السكّان.

لم تكن هذه الحادثة معزولة، بل كانت جزءاً من موجة أوسع من العنف الطائفي، الذي استهدف المجتمعات الدرزية في سوريا، اشتعلت بعد تداول مقطع صوتي منسوب إلى شيخ درزي يُقال إنه أساء للنبي محمد.

سارع زعماء في الطائفة إلى نفي الاتّهام، كما أصدرت وزارة الداخلية السورية بياناً يوم الثلاثاء في 29 نيسان/ أبريل، أعلنت فيه فتح تحقيق، لكنّ الضرر كان قد وقع.

بعد واحدة من أشد أحداث العنف الطائفي في تاريخ سوريا الحديث، وثق “المرصد السوري لحقوق الإنسان” قُتل ما لا يقل عن 134شخصاً بعد أسبوع من الاشتباكات في المناطق ذات الأكثرية الدرزية “السويداء، جرمانا، صحنايا، أشرفية صحنايا”.

شمل القتلى 88مقاتلاً درزياً، 14 مدنياً، 32 جندياً من وزارة الدفاع السورية ووزارة الداخلية، وقوات عسكرية تابعة لهم.

شهود عيان يقولون إن عناصر من إدارة الأمن العامّ، أي شرطة الدولة الداخلية،  كانوا حاضرين ومتواطئين، وتؤكّد بعض اللقطات التي انتشرت عبر الأنترنت وجودهم، لكنّ دورهم الكامل لا يزال غير واضح.

في الصورة الكبيرة، قُتل مدنيان، أحدهما كان عمّ ليث الذي: “كان جالساً فقط، أعزل. أطلقوا النار عليه، لم نتمكّن من سحب جثّته حتى اليوم التالي”، رصاصات فارغة على الأرض، وعلى جدار قريب، لطخات الدماء وثقوب أحدثها الرصاص تشهد على ما حدث.

يقول ليث بصوت متهدج: “اقتحموا أيضاً منزل والدي وعمره 82 سنة وضربوه، مزّقوا صورة عمّتي، رفعوها من على الحائط وداسوها، وهي كانت توفّيت قبل شهر”.

امتدّ العنف أيضاً إلى ضواحي العاصمة. في 29 نيسان/ أبريل، اندلعت اشتباكات في جرمانا، المدينة ذات الغالبية الدرزية جنوب دمشق. بعد أسبوع، امتلأت محطّة الحافلات في المدينة بمئات العائلات التي تحاول المغادرة، الطريق إلى السويداء مغلق، ولم يتبقَّ سوى بضع حافلات لنقل الناس.

ساندرا، طبيبة تبلغ من العمر 29 عاماً، تحاول الحصول على مقعد في إحدى الحافلات حيث الجو خانق، والركّاب يحشرون أنفسهم ثلاثة أشخاص في مقاعد مخصّصة لشخصين تقول: “كلّ الدروز يريدون العودة إلى السويداء. من بقي، بقي فقط بسبب عمله”.

العنف، الذي وثّقته مقاطع فيديو منتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي، أثار قلقاً وجودياً في أوساط الطائفة، التي تخشى أن تلقى المصير نفسه الذي لاقاه علويون في مجازر الساحل، التي وقعت قبل أسابيع.

كلّ شخص من الذين التقيناهم يعرف أحداً مات، أو جُرح، أو فُقد، أو شارك في القتال.

القلق منتشر بشكل خاصّ بين الطلاب الدروز في دمشق، وفي حمص، وحتى في اللاذقية، بعد أن سُجّلت هتافات طائفية وتهديدات ضدّهم داخل الجامعات ومساكن الطلّاب، تقول الطبيبة الشابة:”شاركت في مظاهرة في ساحة الأمويين عندما سقط النظام، يبدو ذلك وكأنه زمن بعيد”.

تعمل ساندرا في مستشفى “المجتهد” في دمشق، ولا تعرف إن كانت ستحظى في السويداء بأمان أكثر من دمشق، لكنّها تبرر سفرها”على الأقلّ سأكون مع عائلتي”. “رأيت ذلك بعيني قبل أربعة أيّام”، تواصل بصوت منخفض: “وصل تسعة جرحى من صحنايا إلى قسم الطوارئ، حاولت إحضار طعام لهم، أوقفني الأمن العامّ، وسألوني عن اسمي، قال لي صديق إنهم سخروا من الرجال لأنهم دروز، كما طُلب من الأطباء عدم إجراء تدليك قلبي لرجل مصاب، وتوفّي لاحقاً”.

عند أحد الحواجز تتوقّف الحافلة، تنظر ساندرا بقلق إلى رجال الأمن العامّ الواقفين في الخارج: “لا أثق بهم. لكن ليسوا جميعاً متشابهين، بعضهم طلب من الآخرين أن يتراجعوا عندما سألوا عن اسمي. وليس كلّ السنة متشدّدين، بل العكس، لدي أصدقاء منهم ساعدوني على الحصول على إجازة من المستشفى”.

امرأة أخرى، تقف قريبة تستمع: “أنتِ تعملين في مستشفى المجتهد؟ جدّي أُصيب في صحنايا الخميس الماضي، سمعنا أنه نُقل إلى هناك، لكن عندما جئنا لرؤيته، طردنا الأمن العامّ، ثم قيل لنا إنه نُقل إلى داريا للاستجواب. لا أخبار عنه منذ ذلك الحين، مرّ أربعة أيّام، عمره 75 سنة”.

هذه الموجة من العنف الطائفي ليست مجرّد ردّة فعل، إنها تعكس أحقاداً قديمة، نزاعات على الأراضي، ودوائر انتقام، وتفتّت عميق في سوريا ما بعد الحرب.

سامي وردة، ناشط يبلغ من العمر 27 عاماً من جرمانا، يحاول توثيق العنف مع مجموعة من أصدقائه: “خلال الحرب الأهلية، انضمّ 300 رجل من بلدتنا إلى ميليشيات الشبّيحة، قاتلوا في المليحة في عام 2014″، المهاجمون مؤخّراً جاءوا من هناك: “بعض مقاتلي حزب الله كانوا متمركزين أيضاً في جرمانا، وشاركوا في تلك المجازر آنذاك”.

بعض التحالفات التي تشكّلت خلال الحرب الأهلية والنزاعات المحلّية تشكّل فوضى اليوم.

رعب صامت في الساحل

في حمص وعلى طول المحافظات الساحلية، موطن الأقلّية العلوية في سوريا، الإحساس بالتهديد واضح، وإن كان أقلّ ظهوراً حالياً.  في 6 آذار/ مارس، هاجم موالون سابقون للنظام القوّات الحكومية، مما أشعل مجازر أسفرت عن مقتل 1,334 شخصاً، بحسب “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، منذ ذلك الحين، استمرّ العنف في الظلّ، أحد الاتّجاهات المقلقة: خطف نساء علويات

سجّلت “مجموعة السلم الأهلي “، وهي منظّمة غير حكومية تأسّست بعد سقوط الأسد، 72 حالة خطف نساء، منذ كانون الثاني/ يناير في شرق سوريا وحده.

علي حسن لم يسمع عن شقيقته منذ 13 نيسان/ أبريل شيئاً: “كانت بتول في حافلة متّجهة إلى صافيتا، كانت تراسل زوجها لتطمئن على ابنهما، ثم ساد صمت بعد الساعة الرابعة عصراً”.

آخر صورة لها تُظهرها مبتسمة، بالكحل حول عينيها، مصيرها مجهول يضيف حسن: “ذهبنا إلى الشرطة، واتّصلنا بمعارفنا في الأمن العامّ لا شيء”.

لا يتّهم حسن السلطات بشكل مباشر، لكنّ تقاعسهم يقول الكثير، يقول : “ليسوا مسيطرين، لا يملكون العدد أو القدرة، لو طُبّقت العدالة منذ البداية، لما حدث هذا كلّه”.

تعلو الأصوات المطالبة بتحقيق عدالة انتقالية. ضحايا، ونشطاء، وشخصيّات من المجتمع المدني يقولون إنها السبيل الوحيد لكسر دوائر الانتقام في سوريا، لكنّ السلطات تلتزم الصمت.

بعد مجازر آذار/ مارس، وعدوا بلجنة تحقيق، كان من المُفترض إصدار تقرير خلال شهر، تأخّر بالفعل لشهرين. هذا يغذّي شعوراً بالظلم، في الوقت الذي تخرج فيه سوريا من 14 عاماً من الحرب الأهلية، مُثخنة ولكنّ من دون دم.

درج

————————————–

سوريا وإسرائيل و “خط 7 ديسمبر”/ إبراهيم حميدي

دمشق كانت تطالب تل أبيب سابقا بـ”العودة إلى خط 4 يونيو 1967″ وأن المطلب الأولي حاليا هو عودة إسرائيل إلى “خط 7 ديسمبر 2024”

آخر تحديث 11 مايو 2025

بعد سلسلة تسريبات عن اتصالات سورية–إسرائيلية بوسائل عدة ومن عواصم مختلفة، أكد الرئيس أحمد الشرع بعد لقائه نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون في باريس، وجود “مفاوضات غير مباشرة” بين دمشق وتل أبيب لـ”تهدئة الأوضاع وعدم خروج الأمور عن السيطرة”.

بالفعل، بات بحكم المؤكد أن الأسابيع الماضية شهدت سلسلة وساطات شارك فيها رجال أعمال وباحثون ومسؤولون أميركيون. وتتراوح التوقعات بين بحث إجراءات محددة لمنع الصدام العسكري وانضمام سوريا إلى “الاتفاقات الإبراهيمية”.

لكن على ماذا تفاوضت سوريا وإسرائيل سابقا؟

لا بد من خلفية تاريخية، تفيد بأن مفاوضات ولقاءات كثيرة جرت في العقود الماضية قبل نكبة فلسطين في 1948 وبعدها في مفاوضات الهدنة، إضافة إلى لقاءات لاحقة في عهد أديب الشيشكلي. كما وقّعت سوريا وإسرائيل اتفاق فك الاشتباك في 1974 بعد أشهر من “حرب أكتوبر” في 1973.

المرحلة الأهم في المفاوضات السورية-الإسرائيلية كانت برعاية أميركية بعد انعقاد مؤتمر مدريد في 1991، التي استمرت إلى فبراير/شباط 2011، أي بعد اندلاع الاحتجاجات السورية. وفي عقد التسعينات كانت المفاوضات تتركز على مبدأ “الأرض مقابل السلام”، أي انسحاب إسرائيل من هضبة الجولان المحتلة في يونيو/حزيران 1967 مقابل موافقة سوريا على إقامة علاقات سلمية عادية وتبادل دبلوماسي وتجاري.

لكن في العقد الأول من حكم بشار الأسد وبعد انحيازه الكبير نحو إيران و”حزب الله”، باتت المقايضة، “الأرض مقابل التموضع الإقليمي”، أي استعادة الجولان مقابل تخلي دمشق عن تحالفها مع طهران و”حزب الله”. وقال الوسيط الأميركي فريد هوف إن بشار الأسد وافق على هذه الصفقة مبدئيا، لكن سرعان ما قرر مواجهة الاحتجاجات بالنار، ما زاد من انغماسه في “المحور الإيراني” واعتماده عليه، الأمر الذي واجهته إسرائيل بملاحقة أصول إيران و”حزب الله” في سوريا، بقبول من الجيش الروسي الذي تدخل في 2015 ودعم من الجيش الأميركي الذي تدخل لمحاربة “داعش” في 2014.

نقطة التحول الكبرى في سوريا، كانت في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024. سقط نظام الأسدين وخرجت إيران و”حزب الله” وتسلم الحكم أحمد الشرع. أما إسرائيل، فإنها ردت بعشرات الغارات التي دمرت جميع الأصول الجوية والبرية والبحرية والبحثية للدولة السورية. كما احتلت المنطقة العازلة بموجب اتفاق فك الاشتباك لعام 1974 واحتلت تسع تلال بينها واحدة استراتيجية في جبل الشيخ. وبات بعض المسؤولين فيها يدعمون خيار تقسيم سوريا.

جيوسياسياً، حصل تطور مهم إذ باتت تركيا لاعبا عسكريا مهماً في سوريا مقابل خروج إيران وتراجع نفوذ روسيا. وبالفعل، شن الجيش الإسرائيلي سلسلة غارات على مواقع كانت أنقرة تخطط أن تكون قواعد عسكرية تركية وسط سوريا. وبات الطرفان على وشك المواجهة العسكرية ما دفع الرئيس الأميركي دونالد ترمب لإقناع الرئيس رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لإرسال مبعوثيهما إلى أذربيجان لبحث فك الاشتباك.

وحصل تطور آخر في سوريا، تمثل في إعلان نتنياهو استعداده للدفاع عن الدروز جنوب سوريا وفي جرمانا قرب دمشق، بل إن الجيش الإسرائيلي شن غارة قرب القصر الرئاسي السوري مقر إقامة الشرع، للضغط عليه للابتعاد عن تركيا وتقديم بعض الضمانات لدروز سوريا.

أمام هذا المشهد على ماذا يتفاوض الطرفان؟

لا شك أن التحول الاستراتيجي السوري قد حصل لدى إخراج إيران من سوريا لأول مرة من 45 سنة وهزيمة “حزب الله” في لبنان. لكن من الحكمة، أن يتمسك الجانب السوري بأن تكون المفاوضات عبارة عن “اتصالات غير مباشرة” لمناقشة قضايا تخص منع الصدام العسكري وبناء الثقة، مثل: التأكد من خروج إيران، ومنع تهريب السلاح إلى “حزب الله”، ومنع وجود خلايا جهادية أو قتالية جنوب سوريا خصوصا بعد تجربة إسرائيل في غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وإجراءات توسع الإدارة الدرزية في السويداء والتأكيد على عدم وجود أي نيات عدائية تجاه دول الجوار، واتخاذ إجراءات لتعزيز التموضع الإقليمي بالقطع مع وكلاء إيران، بالتزامن مع اتصالات تركية-إسرائيلية لمنع الصدام العسكري وتنسيق الانتشار التركي شمالي سوريا والضمانات الأمنية لإسرائيل في الجنوب. من هناك يمكن الإفادة من الإرث التركي في الوساطة بين دمشق وتل أبيب في 2008، عندما رتبت لقاء بين بشار الأسد وإيهود أولمرت، تم التراجع عنه في آخر لحظة.

وعلى سوريا أن ترهن الانتقال من “الاتصالات غير المباشرة” إلى “المفاوضات المباشرة” بانسحاب إسرائيل من خط 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، أي خروج إسرائيل من المواقع التي احتلتها بعد سقوط الأسد. ولا شك أن “المفاوضات المباشرة” التي تحتاج تحضيرا معمقا، سترمي إلى البحث في مستقبل الجولان السورية المحتلة.

صحيح أن ترمب اعترف بسيادة إسرائيل على الجولان، لكن لا يمكن توقع قبول سوريا والحكم الجديد بالتخلي عن السيادة السورية على الأرض المحتلة، ويجب أن يبقى هذا مطلبا تفاوضيا خلال مسيرة التباحث حول توقيع اتفاق سلام، ذلك أن سوريا تختلف عن غيرها من الدول التي انضمت إلى “الاتفاقات الإبراهيمية”، أن لها أرضا محتلة.

ومن غير المتوقع أن يكون توقيع اتفاق سلام أولوية للحكم السوري الجديد. فسوريا منهكة ومدمرة ولها أولويات أخرى. ومن غير المتوقع أن يكون هذا أولوية لحكومة إسرائيل المتطرفة. لكن الطرفين معنيان بإجراءات تستجيب للواقع الجديد والتطورات الهائلة في سوريا والإقليم. يكفي القول، إن سوريا كانت تطالب إسرائيل سابقا بـ”العودة إلى خط 4 يونيو 1967″ وأن المطلب الأولي حاليا هو عودة إسرائيل إلى “خط 7 ديسمبر 2024”.

المجلة

————————

=========================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى