التدخل الاسرائيلي السافر في سورياسقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوعسياسةعن أشتباكات صحنايا وجرمانا

عن التدخل الاسرائيلي السافر في سورية الجديدة، ملف تناول “شهية إسرائيلية لتفتيت سوريا” – تحديث 17 ايار 2025

عن أشتباكات صحنايا وجرمانا تحديث 17 أيار 2025

لمتابعة مكونات الملف اتبع الرابط التالي

التدخل الاسرائيلي السافر في سورية الجديدة

لمتابعة تفاصيل هذا الملف اتبع الرابط التالي

عن أشتباكات صحنايا وجرمانا

————————————-

 تطييف ديني أم سياسي.. من يحرك المشهد في سوريا الجديدة؟/ باسل المحمد

2025.05.16

بعد نحو ستة أشهر على سقوط النظام المخلوع، تشهد سوريا حالة انكشاف اجتماعي وسياسي غير مسبوقة، حيث تصاعدت الأصوات الطائفية والمذهبية والمناطقية في مشهد يوحي بعودة البلاد إلى ما قبل الدولة، حيث الطائفة هي الوطن، والمذهب هو الهوية، لكن خلف هذا الضجيج الطائفي ثمة حقيقة أكثر تعقيداً؛ معظم تلك الأصوات لا تعبر عن قلق ديني بقدر ما تسعى إلى الحفاظ على مواقع النفوذ أو حجز مقاعد في السلطة المقبلة.

في علم الاجتماع السياسي مقولة “حين تسقط الأنظمة تنكشف المجتمعات”، هذا ما حدث فعلاً في سوريا ما بعد الثامن من ديسمبر 2024، فمع انهيار القبضة الأمنية الصلبة التي حكمت البلاد لعقود، خرجت إلى السطح خطابات محمّلة بلغة الخوف من الآخر، والدعوات إلى الحماية، والمطالب الطائفية العلنية، غير أن نظرة فاحصة تكشف أن كثيراً من هذه المطالب ليست دينية في جوهرها، بل سياسية في مضمونها، وإن غُلّفت برداء طائفي لاستدرار التعاطف المحلي والدولي. من الجنوب إلى الشمال، ومن الجزيرة إلى الساحل، تتكرر مشاهد الطوائف التي تطالب بـ”حقوقها” أو “ضمانات وجودها”، بينما يتراءى أن الهدف الحقيقي وراء هذه المطالبات هو المحافظة على نسبة معقولة من المكتسبات السياسية التي كانت تتمتع بها بسبب ولائها للنظام المخلوع، أو السعي للتمركز في مراكز القرار الجديدة، والحصول امتيازات خاصة لإدارة مناطقهم تحت صيغة “لامركزية”، فهل المشهد السوري الراهن نتاج وعي طائفي حقيقي؟ أم أن الطائفة باتت أداة لتكريس مصالح سياسية وصراعات على النفوذ؟

العلويون: خطاب الحماية كغطاء لموقع سياسي بعد سقوط النظام

وجدت الطائفة العلوية نفسها أمام لحظة تاريخية فارقة، فالسقوط لم يكن مجرد خسارة سياسية للنظام، بل اهتزاز عميق في موقع الطائفة ضمن البنية الحاكمة التي تشكلت منذ سبعينيات القرن الماضي. في هذا السياق، بدأ يظهر خطاب علوي يتحدث عن “الخشية من التصفية” و”الحاجة إلى الحماية الدولية”، مستخدمًا لغة طائفية تُشير إلى خطر ديني محدق، لكنه في جوهره يعكس قلقًا من خسارة الامتيازات السياسية، لا الخوف من الإبادة الطائفية. لقد غُلف هذا الخطاب بمفردات دينية واستعارات تاريخية، لكنه لم يُخف جوهره التفاوضي. فالدعوة إلى “الضمانات الدولية”، و”حماية الأقليات”، والحديث عن “صعود التطرف” كلها إشارات توحي بأن المطلب الحقيقي هو تثبيت موقع سياسي للطائفة في أي ترتيبات قادمة.

الخوف لدى الطائفة تمثل في تشكيل كيانات سياسية تحت مسميات دينية مثل “المجلس الإسلامي العلوي الأعلى” الذي تم الإعلان عن تشكيله في سوريا بتاريخ 4 من شباط/فبراير الماضي، وهو كيان ديني يهدف إلى تنظيم وتمثيل شؤون الطائفة العلوية داخل سوريا وخارجها، إضافة إلى ما يسمى “اللقاء التشاوري للسوريين العلويين في المغترب”. وفي هذا السياق كشفت مصادر خاصة لموقع “تلفزيون سوريا” عن نشاطات سياسية وإعلامية تقودها مجموعة تدّعي تمثيل العلويين السوريين في الولايات المتحدة، تحت اسم “رابطة العلويين في الولايات المتحدة”، وتعمل بتنسيق وثيق مع تيار مدني يضم شخصيات كانت على ارتباط مباشر بالأجهزة الأمنية التابعة لنظام المخلوع بشار الأسد. ووفقاً لوثائق وصور حصل عليها موقع “تلفزيون سوريا”، فقد أرسلت الرابطة خلال الأشهر الماضية (قبل الأحداث التي شهدها الساحل في 6 آذار) رسائل إلى الكونغرس الأميركي تزعم فيها أن العلويين يتعرضون لـ “تطهير عرقي”، و”إبادة جماعية” في سوريا، مطالبةً بدعم مؤتمر تنظمه الرابطة في 12 و13 من أيار الجاري في مبنى الكونغرس بواشنطن.

واللافت أن هذه اللغة جاءت من جماعة لم يكن التدين يشكل مركز هويتها العامة خلال العقود الماضية، فالنظام الذي صعد باسم حزب البعث القومي، حرص على إبقاء الهوية الدينية للطائفة في الظل، بل ووضعها في خدمة المشروع السياسي للدولة المركزية، وهذا ما يجعل عودة الطابع الديني في الخطاب العلوي اليوم أقرب إلى “الاستدعاء الوظيفي”، الذي يهدف إلى حماية النفوذ والمكتسبات، وليس دفاعاً عن العقيدة.

السويداء: هوية محاصَرة تبحث عن أمان سياسي

في محافظة السويداء، التي لطالما اعتُبرت واحة للاستقرار الاجتماعي في خضم الفوضى السورية، بات التوتر السياسي فيها يرتدي عباءة الخصوصية الدينية. فعلى وقع الانهيار التدريجي لمؤسسات الدولة المركزية، برزت داخل الجبل دعوات لتشكيل إدارة محلية “درزية الهوية”، لا تُقدَّم كخطوة انفصالية صريحة، بل كمشروع حماية ذاتية لمجتمع يشعر أنه تُرك لمصيره. الخطاب الجديد الذي بدأ يتبلور في خطب الزعامات الدينية، ومداولات النخب المحلية، يطرح فكرة “الخصوصية الدرزية” ليس فقط كتراث ديني واجتماعي، بل كأساس لتصور سياسي جديد قد يُفضي إلى نوع من الحكم الذاتي، أو على الأقل شكل من أشكال اللامركزية المشروطة. هذه التصورات وإن رُوّج لها تحت مظلة الخوف من الفوضى أو من “صعود التطرف السني”، إلا أنها في جوهرها تعبّر عن أزمة تمثيل سياسي أكثر من كونها مسألة خوف ديني. في هذا السياق، يكرر الشيخ حكمت الهجري الزعيم الروحي لطائفة الموحدين الدروز في سوريا، دعوته إلى “حماية دولية لسكان جبل العرب”، مؤكدًا أن “طلب الحماية الدولية حق مشروع لشعب قضت عليه المجازر”. ورغم أن التصريح قُدّم في سياق ديني وأخلاقي، إلا أنه جاء بعد أيام فقط من مشاورات بين ممثلين عن الطائفة وبين وفود أوروبية زارت السويداء، في محاولة لفهم مطالب الأقليات في ظل الانهيار السياسي للنظام السابق. هذه المقترحات، رغم زخمها، لا تحظى بإجماع داخل مجتمع السويداء نفسه، فبينما يرى فيها البعض وسيلة واقعية لحماية ما تبقى من الاستقرار، يُحذر آخرون من أنها قد تؤدي إلى عزل السويداء سياسياً واجتماعياً، وتفتح الباب أمام تدخلات إقليمية ودولية قد تستخدم الطائفة كورقة تفاوض أو ضغط. تمثل حالة السويداء اليوم تجلّياً واضحاً لتطييف السياسة، فالمخاوف المعلنة لا تتعلق بمنع إقامة الشعائر أو تهديد العقيدة، بل بالقلق من خسارة دور سياسي كان مهمشاً لعقود، واليوم حين تفتح نافذة التغيير، يريد البعض في الجبل أن يضمنوا ألا يُعاد إغلاقها دون أن يكون لهم موطئ قدم واضح في مستقبل البلاد.

السنّة أغلبية تبحث عن استعادة القرار

رغم أن الخطاب الطائفي السني ظل أقل حدّة مقارنة بخطابات بعض المكونات السورية، إلا أن التحولات السياسية بعد سقوط النظام أظهرت تحولاً تدريجياً في لهجة بعض الفاعلين السنّة، خصوصاً في الداخل السوري، فقد بدأت مفردات من نوع “الأغلبية السنية” و”حقنا في قيادة البلاد” و”استعادة دورنا الطبيعي” تتكرر في المنتديات السياسية، والخطب الدينية، وحتى في النقاشات المجتمعية اليومية. هذه اللغة رغم أنها تستند إلى واقع ديموغرافي واضح، لا تخلو من دلالات سياسية تتجاوز الشعار الديني. إذ أن الإشارة المستمرة إلى “أغلبية محرومة” و”أكثرية تم إقصاؤها لعقود” ليست فقط وصفاً لحالة دينية أو مذهبية، بل مطالبة ضمنية بتغيير معادلة الحكم في سوريا. فبعد خمسين عاماً من حكم أجهزة الدولة بقبضة أمنية طائفية واضحة، بات جزء من الشارع السني يرى أن الوقت قد حان لإعادة تصحيح الميزان، ليس انتقاماً، بل استرداداً لمكانة سُلبت باسم الاستقرار القومي تارة، وبذريعة حماية الأقليات تارة أخرى. لكن المفارقة أن هذا الخطاب يُجابه فوراً باتهامات بالسعي إلى “حكم سني” أو “إعادة إنتاج الدولة الطائفية”، في الوقت الذي تُقدَّم فيه مطالب الطوائف الأخرى، ولو كانت أكثر فئوية، على أنها “مشروعة” و”منطقية”. من ناحية أخرى، تدرك معظم النخب السنية أن تحويل هذه المظلومية إلى خطاب صدامي سيعيد البلاد إلى مربع الطائفية الدموية، لذلك تسعى أطراف سنية مدنية إلى موازنة المعادلة التالية: المطالبة بحق سياسي صريح، دون إقحام للهوية الدينية كوسيلة احتكار أو نفي للآخر. باختصار، فإن استدعاء السنّة لهويتهم الدينية في لحظة سياسية مفصلية لا يعني بالضرورة تبنّي مشروع ديني طائفي، بل هو أداة تعبير سياسي تستخدم الغلاف الديني لتبرير استحقاق سياسي طال انتظاره.

رواية مغايرة لما يجري في سوريا

على خلاف ما تروجه وسائل الإعلام والسوشيال ميديا لحالة الاحتراب الطائفي في سوريا التقت رئيسة الأمانة الدولية للحرية الدينية، نادين ماينزا، بطاركة وأساقفة وقساوسة مسيحيين أثناء زيارتها لدمشق برفقة وفد رسمي يمثل منظمات دولية في فبراير/شباط الماضي وقدمت صورة مغايرة للسردية الرائجة حول حقيقة الأوضاع في سوريا.

ونقلت ماينزا عن رجال الدين المسيحيين في سوريا قولهم “على الغرب أن يكف عن مناصرة وحماية الأقليات في سوريا، لأن من شأن ذلك أن يعزز الرواية الخطيرة التي استخدمها الأسد، وقسمت سوريا إلى أغلبية وأقلية. مضيفة أن أنها استمعت لأغلب الحضور، وكان من جملة ما أكدوا عليه أن معظم جيرانهم المسلمين السنة يرفضون الطائفية والعنف، وأنه في فترة ما قبل حكم الأسد، عاشت الطوائف الدينية والعرقية المتنوعة في سوريا معًا في سلام نسبي، ويأملون في استعادة هذا التاريخ.

بالنهاية لا بد من التأكيد أن ما يجري في سوريا اليوم ليس صراعاً دينياً بقدر ما هو خلاف سياسي لبس عباءة الطوائف، وصار يُدار تحت يافطات الحماية المجتمعية والخصوصيات الدينية. لكن الحقيقة الأعمق، والتي يجب أن تُقال بوضوح، أن الشعب السوري لم يكن يوماً في حالة احتراب طائفي داخلي؛ بل ما حدث ويحدث هو صراع على السلطة، تُستخدم فيه الهويات الدينية كأدوات للنفوذ أو كخط دفاع أمام المجهول.

ولذلك، فإن الحل لا يمكن أن يأتي من مزيد من التقوقع، ولا من إنشاء كيانات طائفية، بل من العودة إلى الفضاء الوطني العام، عبر حوار وطني صريح، يشارك فيه الجميع دون إقصاء، ويضع على الطاولة كل الهواجس والتطلعات.

وإلى جانب الحوار، لا بد من إطلاق مشروع للسلم الأهلي، يعيد بناء الثقة بين مكونات المجتمع السوري، ويؤسس لمرحلة لا يُسأل فيها المواطن عن مذهبه، بل عن كفاءته ومساهمته في إعادة الإعمار السياسي والاجتماعي.

 تلفزيون سوريا

 ———————————

المسألة الدرزية… هل هي مسألة حقّاً؟/ توفيق شومان

17 مايو 2025

تناقل روّاد مواقع التواصل الاجتماعي، في 8 مايو/ أيار الحالي، مشاهدَ عشرات الطلاب الدروز السوريين يغادرون مبنى السكن الجامعي في دمشق عائدين إلى محافظة السويداء، ويناقض هذا المشهد، بألمه ووجعه، مشهداً ملؤه البهجة، يعود تاريخه إلى 29 سبتمبر/ أيلول 1918، ويُظهر سلطان باشا الأطرش رافعاً العلم العربي في دمشق، ممهّداً لحكومة عربية جامعة لأطياف بلاد الشام كافّة، وفسيفسائها المتعدّدة والمتنوّعة. لم يكن ذلك الأمل المكسور بعد سنتين (معركة ميسلون) سوى تعبير عن أفق سياسي وفكري حالم وواسع، نشده القوميون العرب الأوائل، متجاوزين وعورة (وتضاريس) الواقع الاجتماعي لأهالي الشام، فصاغوا دستوراً عام 1919، لا يمكن وصفه إلا بأنه خريطة رجاء نحو الانتقال إلى مواطنية عربية بدت مقبولةً ومستساغةً عند أهل الحلّ والربط، وعند الجمهور العام أيضاً.

بعد أكثر من مائة عام على خيبة الأمل وانكسار الرجاء، تبدو التعدّديات الاجتماعية الشامية أقرب إلى أن تحمل كلّ واحدة منها في بطونها “قومية مخفيّة”، إذا جاز اقتباس الفكرة التي يتحدّث عنها محمد علي مكّي في واحدٍ من أهم الكتب التي عالجت التاريخ اللبناني الحديث (والشامي ضمناً وحُكماً) وصدر عن دار النهار البيروتية عام 1977، بعنوان “لبنان من الفتح العربي إلى الفتح العثماني”. لكن تلك “القوميات المخفيّة” كاد التذويب يخفيها، أو يخفض وتيرتها، في إطار القومية العربية النهضوية، أو في أطر الجامعة الوطنية التي عرفتها الدول القُطرية في مراحل نشوئها الأولى، وما أعقبها من دورات سياسية في أطوارها التالية، التي لم يُكتب لها العمر المديد، فانقلبت مرحلةُ ما بعد الاستقلالات انتكاساتٍ أطلّت معها “القوميات المخفيّة” برؤوسها من جديد تعبيراً نابذاً لـ”العروبة المُستبدَّة” أو الحزبية التي أنعشت أرواح الطائفيّات والعشائريات، كما يقول المفكّر السوري ياسين الحافظ في “الهزيمة والأيديولوجيا المهزومة” (1978). وفي ذاك الكتاب، ما ينطوي على استشرافٍ مبكّر لمسالك وأساليب الممارسة السياسية التي اعتمدتها “العروبيات الحزبية”، فأعادت إنتاج الهُويَّات الاجتماعية الضيّقة، ومن حيث تدري أو لا تدري، فقد قصمت تلك العروبيات ظهر العروبة الجامعة.

ربّما تفوت الذاكرة السياسية أدوار فائقة التأثير، أدّاها الموحّدون الدروز في نشوء أو تنمية أو صياغة أقطار عربية عدّة، ومن منطلقات لا تتّصل إلا بالرابطة العربية أو الوطنية، وفي واقع الحال، امتدّ ذلك التأثير، وذاك الدور، من سورية إلى الأردن إلى السعودية، هذ إذا جرى استثناء لبنان الحديث من أنه امتداد كياني، بشكل أو بآخر، لـ”إمارة الدروز”، التي توطّدت مع الأمير فخر الدين الثاني في الثلث الأول من القرن السابع عشر للميلاد.

بما يخصّ سورية، يتقدّم سلطان باشا الأطرش بمشاركته الطليعية في ثورة العرب الكُبرى عام 1916، ومن ثمّ إطلاقه الثورة الوطنية السورية عام 1925 من جبل الدروز في سورية. ومن الجبل أصدر بيانه الشهير قائداً عامّاً للثورة السورية، ودعا فيه إلى “وحدة البلاد السورية، ساحلها وداخلها، والاعتراف بدولة سورية عربية واحدة مستقلّة استقلالاً تامّاً، وقيام حكومة شعبية”.

وفي سلسلة الأدوار الدرزية في سورية، يبرز اسم عادل أرسلان، ومن مناصبه رئاسة أمانة السرّ في مرحلة المملكة السورية الهاشمية، ثمّ تولّى وزارات الخارجية والدفاع والتربية في السنوات الأولى بعد استقلال سورية، فيما جهد فريد زين الدين، ناصري الهوى والميل، في إقناع الرئيس السوري شكري القوّتلي بإعلان الوحدة مع مصر عام 1958، وإذ أشرف على المديرية العامة لوزارة الخارجية السورية، فقد عُهدت إليه نيابة وزير الخارجية في الجمهورية العربية المتحدة، وساهم في صياغة ميثاق الأمم المتحدة. ويندرج في هذه السلسلة الفريق عبد الكريم زهر الدين، الذي شارك في حرب فلسطين 1948، وعُيّن قائداً للجيش السوري سنة 1961، ووزيراً للدفاع بعد سنة من ذلك، ولم يُعرَف عنه تأييده العمليات الانقلابية التي طبعت عقوداً من التاريخ السوري المعاصر، وترأّس عارف النكدي (1887 ـ 1974) مجلس الشورى السوري، ثمّ تولّى قيادة الشرطة في عهد الرئيس القوتلي، في حين كان شبلي العيسمي واحداً من كبار قادة العمل السياسي والفكري في سورية، وحمل عدّة حقائب وزارية في عقد الستينيّات الماضي.

في الأردن، يحضر مرة ثانية عادل أرسلان رئيساً للديوان الأميري بين 1921 و1923، ومعه رشيد طليع رئيس أولى الحكومات الأردنية عام 1921، وفؤاد سليم، أوّل قائد للجيش الأردني، وقد استشهد في مواجهة مع القوات الفرنسية عام 1925 خلال الثورة الوطنية السورية. وعموماً، يحفظ الأردنيون أدوار الموحّدين الدروز في بناء مؤسّسات دولتهم، وما فتئت الصحف الأردنية تستعيد تلك الأدوار بين آونة وأخرى، وفي نصوص المؤرّخين الأردنيين ما يفيض بالحديث عن الأدوار المذكورة، ومن ضمنهم علي محافظة في كتابه “تاريخ الأردن المعاصر… عهد الإمارة” (1973).

ولا يُخفي السعوديون أيضاً دور فؤاد حمزة، كبير مستشاري الملك عبد العزيز آل سعود ومدير عام وزارة الخارجية، إذ “شارك في رسم سياسة المملكة نحو ربع القرن”، على ما كتبت صحيفة الرياض (22/9/2017)، وتصدّر رأس قائمة الباحثين في التاريخ السعودي، ومن مؤلّفاته “قلب جزيرة العرب” و”البلاد العربية السعودية” و”في بلاد عسير”. وفي جانب آخر، يروي قائد جيش الإنقاذ فوزي قاوقجي، في مذكّراته، أن المفكّر القومي العربي الدرزي شكيب أرسلان، ومن طريق فؤاد حمزة، مهّد له الوصول إلى الملك عبد العزيز، ليُصار بعد حين تكليفه بتنظيم الجيش السعودي.

وحيال فلسطين، يأتي في طليعة العاملين في سبيلها المفكّر علي ناصر الدين (1888 ـ 1974)، الذي انخرط شابّاً في الثورة العربية الكبرى، ثمّ سعى مع رفاق له إلى تأسيس عصبة العمل القومي عام 1933، لتكون الممهّد العقائدي للمنظومة الفكرية لحزب البعث، واستطراداً لحركة القوميين العرب، اعتماداً على كتابه “قضية العرب”. وناصر الدين المولود في لبنان كان مشاركاً في صوغ السياسات العامّة لصحيفتَي الكرمل والجمعية الإسلامية الفلسطينيّتين، وطرَده الإنكليز من فلسطين، واعتقله الفرنسيون مرّة تلو أخرى من جراء فكره القومي، وكانوا يغلقون الصحف التي يصدرها، كما هي الحال مع صحيفتَيّه المنبر واللواء.

أمّا عجاج نويهض، فكان من روّاد الصحافة والسياسة في أثناء الحكم الهاشمي في دمشق، وبعد سقوط الحُكم المذكور عام 1920، غدا مقرّباً من المفتي العام للقدس الحاج أمين الحسيني، وبات مديراً لمكتب المجلس الإسلامي الأعلى، ومساعداً للمفتّش العام للمحاكم الشرعية الفلسطينية، وهو من الشخصيات المؤسّسة حزبَ الإستقلال العربي في فلسطين المناهض للإحتلال والاستيطان عام 1932. وفي القدس، أصدر مجّلة العرب، وأدار الإذاعة العربية، وبعد ذلك، أشرف على دائرة النشر والمطبوعات في الأردن.

ومن الأسماء الدرزية المرموقة، هاني أبو مصلح (1893 ـ 1971)، الذي كان يُلقي الخُطب في مساجد حيفا محرّضاً على مواجهة مشاريع الاستيطان والسياسات الإنكليزية، وكان بدأ مسيرته السياسية صحافياً مُفلحاً ومُجلياً إبّان فترة الحكم الفيصلي في دمشق، ثمّ انتقل إلى العمل في صحيفة الصباح المقدسية التي كان يصدرها الرائد في الصحافة الفلسطينية كامل البديري الذي اغتيل عام 1923، وبعد امتهانه التدريس في شفا عمرو، عانى وطأة الاعتقال الإنكليزي وعتمة السجن مراراً.

يبقى ختام القول سؤال: هل تُقرأ مسيرةُ الموحّدين الدروز خلال قرن بعين وطنية؟ وطنية تجمع ولا تقطع وتجذب ولا تنبذ؟

العربي الجديد

————————-

هل تنزاح القيادات المجتمعية بعد نجاح الثورة؟/ أحمد الشمام

2025.05.17

بعد دراسات مقارنة مابين القبيلة والطائفة، يمكن القول بوجود نقاط تشابه واختلاف بين كل من البنيتين مثلما هناك اختلاف في الدور الذي تلعبه كل منهما. يمكن تتبع نقاط محورية على صعيد البنية والفاعلية والدور؛ تعتبر مؤشرات تفيد في فهم أكثر قربا لواقع كل منهما. حيث يتوزع الثقل الرمزي والسلطة لكل بنية منهما بين مركزين منفصلين أحدهما الشيخ وثانيهما المقدم أو الأمير أو القائد، غالبا ما كان منصب الشيخ متوارثا، سواء كانت المشيخة قبلية أم دينية كما لدى الطائفة، أما المقدم فهو شخصية اجتماعية أو عسكرية أو سياسية، قد يبرز دورها أكثر من الشيخ والمرجعية الدينية، تبعا لعلاقته مع السلطة منذ العهد العثماني.

يحسب للطائفة أنها احتملت وجود المقدم مع تبادل الأدوار مع المشيخة حتى زالت الحدود بينهما وبقيت المرجعية الدينية مستقلة أو محايدة بعيدة عن الدور السياسي. في حين أن القبيلة عجزت فيما بعد عن تظهير قائد أو مقدم لها وفقا لحسابات المشيخة القبلية وأنساقها، بالمقابل غالبا ما تحولت المشيخة الدينية لدى الطائفة إلى تابع للمقدم أو القائد، وعند ظهور قائد/مقدم جديد ينقلب على القديم، أو يستفيد من جملة عوامل داخلية وخارجية فيخضِع مشيخة الطائفة له لتكون أكثر استجابة لتطلعاته، وقد يستبدلها بأخرى، وقد حفلت الطائفة الدرزية بإمكان التغيير والتنافس والثورة على المشيخة تبعا لصراع المصالح، والصراع الطبقي بين الفلاح والإقطاع منذ القرن الثامن عشر،  وكلنا يعلم موقف الدروز قبل قرن ونيف من الحناوي المقدم والشيخ القبلي ورؤية القواعد له، كالإقطاعيين من آل حمدان والحناوي أنموذجا، والثورة الداخلية التي أعلنها سلطان الأطرش وبعد انتصاره قبلت به مشيخة العقل وسعى لاستبدالها وفقا لروايات أبناء الطائفة، ولا يغيب عن أحد قيمة التأطير والتكريس الذي تبديه وتسوقه أي قوة اجتماعية ناجزة ضد قوة صاعدة قد تنافسها، فتمكن الأطرش من إزاحة آل حمدان وتَبوُّءِ الرياسة وقد عبر الأطرش في لحظة ذروة تاريخية عن أحلام كثير من الفلاحين، وبعد استلامه زمام الأمور في الجبل أعاد إنتاج العائلة الإقطاعية من جديد؛ هنا لا يمثل الإقطاع جزءا من سياق عام بل النفوذ والسلطة وإمكان الاضطلاع بدور يقاس نسبة لسياقات العمل الدولتي حينها، وقد حاول القنصل الفرنسي في سوريا اللقاء بالمشيخة الدينية ومنع من اللقاء بمشيخة العقل من قبل آل الأطرش حينها، ما يدل على قدرة التحكم والضبط من قبل المقدم أو الوجيه أو الشيخ القبلي ذي المكانة الاجتماعية؛ خارج إطار المشيخة الدينية على ضبط كثير من الفعل في محيطه، من هنا نجد إمكان انفتاح الوسط الدرزي على فاعلين حقيقيين  ونخب جديدة تلعب دور المقدم وهي النخبة السياسية والمثقفة، من دون أن تحارب المشيخة الدينية بل تستبدلها بتظهير قيادة عقل جديدة، ضمن مشيخات معتدلة موجودة في الساحة، وهي بذلك تضمن بقاء قوة التحشيد الديني منضبطة ضمن إطار وطني يتفق وأهداف النخبة الجديدة التي تلعب دور المقدم، يتحول شكل المقدمين هنا والقادة من أفراد إلى موجة أو حالة ثقافية ووطنية يحملها كثير من ناشطيهم ومثقفيهم شرط قدرتهم على تجاوز التحشيد المضاد والوصول للقواعد الشعبية.

تُحدِثُ معظم الهزات التاريخية التي تلم بمنطقة أو دولة تغيرا في موازين القوى دوليا ومحليا، ويعقبه أو يسبقه أحيانا تغير في موازين توزع القوى المشيخية والجهوية في البيئات المحلية، يرتبط هذا التغير بسرعة استجابة المرجعيات الاجتماعية والدينية هذه ومرونتها في تحسس التغيير وبالتالي يمكن لقبيلة أو طائفة وهما تسيران بنفس الوتيرة تقريبا والناظم الذي يجمعهما هو الموقف من التغيير وسرعة الاستجابة لهذا التغيير أو ذاك فيتحرك كل منهما تحت عنوان الحفاظ على مصلحة الجماعة إلى تغيير بالموقف يضمن بقاء المرجعية والمشيخة، هذا مالم تكن المشيخة أصلا منقسمة بمبدأ توزيع الأدوار بين مع وضد ليكون الموجود في الطرف المنتصر ضامنا للخاسر، نجد ذلك قبليا في موقف حاكم بن مهيد ومقاومته  لفرنسا وأخيه مجحم بن مهيد الذي أقر باحتلال فرنسا لسوريا وعمل كقائد محلي معترف به، وتوسط لصلح أخيه معها بعد خسارة الأخير للدعم التركي حينها. لا يمكن الجزم بوجود اتفاق بين الأخوين ولا يمكن التقليل من قيمة المقاومة التي اتخذها المقاوم منهما؛ لكن عرف القبيلة يقضي بعدم ضرب الطرف الخاسر في أقل تقدير مثلما يلعب الموجود في الطرف المنتصر دوراً في أن يهيئ هدنة أو صلحا يجنب السلطة المنتصرة مغبة مقاومتها فيما بعد.

بعد عقود من صناعة المشيخة والمرجعية الدينية في البيئة العلوية، وتفتيت جبهة رجال الدين العلوي الأقدمين عمل الأسد على تعويم متقاعدي مخابرات ومؤيدين له؛ ليصبحوا مشايخ دين تحتكر تمثيل الطائفة بما يتفق وسياسته، ولعل ذلك يذكرنا بعرف درجت عليه بيئات اجتماعية كثيرة في استتباع المقدم/ للمشيخة إن لم يستطع استقطابها.

وفي خلاصة مبسطة حول القبيلة والطوائف في سوريا يمكن القول أنه لدى الطائفتين العلوية والدرزية يظهر جليا وجود هوة بين توجه المثقفين من ذوي نهج الدولة الوطنية ويتبعه عامة قواعد كل من البنيتين من البسطاء من خارج ضحايا التحشيد؛ وبين موقف المرجعية الدينية باعتبار كل من المرجعيتين متأخر كثيرا عن موقف الشارع الثائر ضمن البنيتين؛ ولعبت على عقدة الخوف؛ وكل مظهر تشهده الساحة السورية ماهو إلا نتاج تمكن كل طرف من التعبير عمن يمثله مابين الشارع والتكية والزاوية، سواء اتسع هذا الشارع أو كان هامشيا، أما في الطائفة الإسماعيلية فقد أبدت موقفا مدنيا بعيدا عن أطر التحشيد السابقة، ومثلت دورا وطنيا وازنا كتبت عنه صحف غربية، ويحتاج تسليط الإضاءة عليه ودراسته عن قرب.

إن القبيلة تخلت أو عجزت عن طرح نفسها كشريك سياسي، في حين تقدمت الطائفة كقبيلة – وفقا للتصور النمطي عن القبيلة- لتطرح نفسها كشريك سياسي، وظهر أنها تحاول أن تكون كيانا سياسيا ماقبل دولتيّ لا بنية اجتماعية؛ مستغلة امتلاكها إطار تحشيد ينبع من رصيدها الاجتماعي، والديني الخاص بها كذهنية تفارق عن الآخر وهوية مفارِقة سياسيا، هنا يبدو افتراق المثقفين من ذوي التوجه الوطني من أبناء الطائفة عن تلك الأطر وازنا؛ لكنه قوبل بنفس الوقت بمثقفين اتفقوا مع أطر التحشيد تلك؛ وصاروا جزءا منها لصالح المشيخة الدينية. هنا يتم تغييب المشترك الديني العام مع الآخر، وتظهير موقف التفارق بآلية وعصبية قبلية، ويمكننا القول أن العصبية هنا دينية لدى جزء من الطائفة، وهوياتية لدى جزء آخر لم يدرك معنى انغمار الجزء في الكل الدولتيّ وضرورة عدم التناقض معه، وقبلية لدى قسم من المثقفين العلمانيين الذين انخرطوا في أطر التحشيد التابعة للمشيخة رغم كونهم غير مؤمنين.

إن العمل الوطني عبر منظمات مجتمع مدني سورية حديثة، إضافة لنشاط أحزاب جديدة، لابد وأن يؤدي لانزياح تدريجي عن الرؤى السابقة عبر تأطرها في مشتركات عامة تيارية ملتصقة بالواقع السوري؛ المتفق مع مرحلة البناء وغير المتعالي على المرحلة، والكفيل بضخ دماء جديدة في الأفق السياسي، كما ستلعب البرجوازية الصاعدة دورا مهما ووازنا يخترق سائر البنى التقليدية لتنحسر إلى مستواها الرمزي وتترك السياسة لأبنائها لتحقيق دولة المواطنة والتعدد والحريات.

تلفزيون سوريا

——————————–

خلاف ترامب ونتنياهو: فرصة محدودة لقلب التوازنات في المشهد السوري/ أحمد العكلة

16 مايو 2025

تشير تقارير متعددة إلى أن رفض الرئيس الأميركي دونالد ترامب لقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، خلال زيارته الأخيرة للشرق الأوسط، جاء على خلفية توتر العلاقات والخلافات المتصاعدة بين الرجلين.

وكان ترامب قد أعلن أنه لا يخطط لزيارة إسرائيل ضمن جولته في الشرق الأوسط، مما أثار استياء الجانب الإسرائيلي. ورغم محاولات إسرائيلية لإدراج زيارة قصيرة لترامب، إلا أن الرئيس الأميركي أكد عدم وجود خطط لذلك، مشيرًا إلى إمكانية زيارة مستقبلية.

وفي الملف السوري، تشير تقديرات إلى خلافات واضحة، لا سيما بعد قرار ترامب سحب القوات الأميركية من سوريا، الأمر الذي أثار قلق إسرائيل بشأن تعزيز النفوذ التركي في المنطقة، فسارعت إلى اتخاذ خطوات أحادية، مثل إنشاء منطقة عازلة داخل الأراضي السورية وتنفيذ ضربات جوية ضد أهداف تعتبرها تهديدًا لأمنها.

ونقل موقع أكسيوس عن مصدر إسرائيلي قوله إن “إدارة ترامب لم تخطر إسرائيل مسبقًا بلقائه مع الشرع ورفع العقوبات عن سوريا”، وأكد المصدر أن نتنياهو كان “طلب من ترامب عدم رفع العقوبات وأعرب عن قلقه من دور تركيا”.

بالمقابل، بدا أن الرئيس السوري أحمد الشرع قد حقق خطوات ملموسة على طريق بناء علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة، وحتى قبل اللقاء كان قد أبدى استعداده للتعاون مع واشنطن في قضايا مثل مكافحة الإرهاب والتخلص من الأسلحة الكيميائية. ويرى مراقبون أن الحكومة السورية سوف تستثمر في التناقض الأميركي الإسرائيلي، فيما يقول البعض أن فرصتها في ذلك لا تزال محدودة.

يقول الكاتب والصحفي السوري أحمد مظهر سعدو في حديث لـ”الترا سوريا” إن التنسيق بين الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل لا يمكن أن يغيب بأي حال من الأحوال، مؤكدًا أن “السياسات الإسرائيلية ترتبط ارتباطًا مباشرًا بالاستراتيجيات الأميركية الخاصة بالمنطقة برمتها”.

وأضاف أن “الخلافات التي قد تطرأ بين واشنطن وتل أبيب ليست سوى خلافات تكتيكية ومرحلية، سرعان ما تعود العلاقات بين الطرفين إلى سابق عهدها، نتيجة تداخل المصالح وتشابكها”.

وفي سياق حديثه عن الفرصة التي منحت للرئيس السوري أحمد الشرع، اعتبر أن “الفرصة لم تأت من الخلافات التكتيكية بين أميركا وإسرائيل، بل من قدرة الشرع على الاستثمار في المصالح التجارية الأميركية، لا سيما أن ترامب معروف بكونه رجل أعمال”.

وأوضح أن “مشاريع إعادة إعمار سوريا، التي قد تتجاوز قيمتها 500 مليار دولار، تمثل مصلحة كبرى لترامب، وهو ما دفعه لرفع العقوبات وللقاء الرئيس الشرع”.

وحول استقلالية القرار السوري، أكد أنها باتت “نسبية فقط، بعد أن أصبحت الولايات المتحدة القطب الأوحد المهيمن على القرار الدولي”، مضيفًا أن قدرة سوريا على الاستثمار في أي خلاف إقليمي أو دولي “تعتمد على مدى قدرتها على الانخراط في اللعبة الإقليمية، وصياغة سياسات تحقق مصالحها الوطنية”.

أما بخصوص “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، فرأى أنها “لا تزال تعتمد كليًا على الدعم الأميركي في وجودها”، مشيرًا إلى أن “أي انسحاب أميركي، سواء كان جزئيًا أو كليًا، سيؤدي إلى انهيارات كبيرة في مشروع الدويلة الانفصالية التي تسعى إليها قسد، رغم نفيها لذلك”.

وختم بالقول: “التصعيد العسكري في المنطقة يبقى احتمالًا قائمًا، ما لم تُنجز تفاهمات جديدة قد تشكل تحديثًا لاتفاقيات فك الاشتباك التي عُقدت بين حافظ الأسد وإسرائيل”، معتبرًا أن “سياسة الفوضى الخلاقة قد تبقى مستمرة في ظل الإدارة الأميركية الجديدة”.

في ظل هذه التغيرات، يواجه الملف السوري تحديات كبيرة. الحكومة السورية تسعى للحصول على دعم دولي لإعادة إعمار سوريا، بينما تحاول إسرائيل ضمان أمنها من خلال إجراءات أحادية. الخلاف بين ترامب ونتنياهو يعقّد جهود التنسيق بين الحلفاء التقليديين، مما يفتح المجال أمام قوى إقليمية ودولية أخرى للتأثير في مستقبل سوريا.

يقول الخبير السياسي السوري، د. وليد حلبي، لـ”الترا سوريا”، إن “الرئيس السوري أحمد الشرع تمكن من استغلال قرارات ترامب المفاجئة والحصول على اختراق سياسي من خلال التواصل مع الدول الخليجية التي تدعم حكومته وتمكنت من إقناع   ترامب باللقاء ورفع كل العقوبات”.

وأضاف: “إسرائيل كان لها دور كبير في منع الولايات المتحدة أو على الأقل زيادة التردد في البيت الأبيض في التعاون مع حكومة الشرع، ولكن الخلاف الأخير مع إسرائيل وقناعة ترامب بأن نتنياهو يريد إطالة أمد الحروب غير هذه المعادلة وحصل اللقاء التاريخي في الرياض بين ترامب والشرع”.

ولفت إلى أن “الشرع كان لديه مقترحات مغرية لترامب تشمل بناء برج “ترامب” في العاصمة دمشق، والانخراط في مسار سلام مع إسرائيل، ومنح الولايات المتحدة وصولًا مباشرًا إلى موارد الطاقة السورية، كجزء من استراتيجية أعدّها لمحاولة لقاء ترامب خلال زيارته الحالية إلى الخليج”.

وعقد الرئيس الأميركي دونالد ترامب اجتماعًا مع الرئيس السوري أحمد الشرع، 14 أيار/مايو، في الرياض، في لقاء هو الأول من نوعه بين رئيسي البلدين منذ 25 عامًا.

ويؤكد الباحث السوري في العلاقات الدولية، عبد الله الخير، أن “ترامب يطمح لأن يكون رجل السلام في العالم وينال جائزة نوبل، ولذلك يريد إطفاء الحرائق، وخصوصًا بعد إعلانه عن وقف إطلاق النار بين الهند وباكستان دون علم الحكومة الهندية، ما أثار غضباً لدى حليفه التقليدي”.

وأضاف: “ترامب رجل المفاجآت، لذلك فإن نتنياهو لا يستطيع الضغط عليه، وربما سنشهد خلال الفترة المقبلة تحجيمًا لدوره وإجباره على وقف إطلاق النار في غزة وتوقيع اتفاق مع إيران، كما سيتم وقف الحرب في أوكرانيا، وبالتالي سيكون الملف السوري حاضرًا مع تواصل الدعم الخليجي لاستقرار الحكومة السورية والضغط على إدارة ترامب للانخراط في هذه العملية وخصوصًا أن ترامب رفع العقوبات عن سوريا رغم معارضة نتنياهو”.

المشهد الإقليمي يدخل مرحلة إعادة تشكيل دقيقة، حيث تقاطع المصالح وتراجع التحالفات التقليدية يصنعان فرصًا جديدة للّاعبين الجدد. الحكومة السورية تحاول توظيف هشاشة العلاقة بين ترامب ونتنياهو لبناء مسار تفاوضي غير مسبوق مع واشنطن. ومع وجود رئيس أميركي مستعد لكسر قواعد اللعبة، فإن احتمال حدوث اختراق سياسي يظل قائمًا، رغم الشكوك الكبيرة حول مدى استدامة هذا الاختراق أو قدرته على تجاوز التوازنات القديمة في المنطقة.

الترا سوريا

——————————

تعليم أبناء وبنات الطائفة الدرزية المُهدَّد/ خيرات عطالله

«هل يعقل أن يصبح الذهاب إلى الجامعة قراراً قد يُنهي حياتك؟»

14-05-2025

        هل نعود الآن؟ هل نثق بالضمانات؟ وهل علينا أن نعود جميعاً أم أن نترك الخيار للأفراد؟ وما هو التصرف الأمثل في حال حدث شيء ما؟ هل يعقل أن يصبح الذهاب إلى الجامعة قراراً قد يُنهي حياتك؟

        جاء السؤال الأخير في مناشدة تم تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي، ونوقش مع الأسئلة الأخرى في جلسة في منتدى جذور الثقافي في السويداء بعد الاستماع لشهادات الطلاب الدروز في جامعات دمشق وحمص وحلب حول ما جرى. وبهدف رسم خط زمني لتطور الأحداث منذ 28 نيسان (أبريل) وحتى اليوم، تواصلت الجمهورية.نت مع مجموعة من الطلاب والطالبات، للاستماع إلى شهاداتهم-ن ونقلها إلى الرأي العام.

        البداية من حمص

        فجر يوم الإثنين 28 نيسان (أبريل،) تجمَّعَ بعض طلاب السكن الجامعي في حمص في مظاهرة غاضية نتيجة انتشار تسجيل صوتي لما أُشيع أنه لأحد مشايخ الطائفة الدرزية، يسيء فيه للنبي محمد. ورغم إعلان وزارة الداخلية السورية في تصريح صحفي فجر يوم الثلاثاء عن عدم صحة التسجيل، وأن الصوت لا يتطابق مع صوت الشيخ المذكور، لم يُلقِ الانفجار الطائفي الذي تتالى بسرعة بالاً لهذه التصريحات، إذ تزامن مع اشتباكات في مدينة جرمانا في ريف دمشق، التي تضم أكبر التجمعات السكنية الدرزية في سوريا خارج محافظة السويداء.

        في الساعات الأولى لصباح يوم الإثنين، تحولت المظاهرة الطلابية الهاتفة بشعارات طائفية إبادية إلى تجمع غاضب داخل وحدات السكن الطلابي التي تتضمن طلاباً من أبناء الطائفة الدرزية، والذي تطوَّرَ إلى هجوم بالسلاح الأبيض على الوحدة الثانية، ومنها غرفة الطالب مجد الشيباني الذي تعرض لضربة على الرأس أدت لإسعافه إلى المشفى، ما استدعى تدخل الأمن العام الذي انتشر في المكان وأطلق رصاصاً في الهواء لتفريق المُجتمعين.

        استمرت المناوشات أقل من ساعة بحسب أحد الطلاب، الذي طلب عدم ذكر اسمه خوفاً من تهديدات قد تطال سلامة وأمن الطلاب الدروز بشكل عام، وكان لها أثرٌ سريعٌ في ارتفاع حدة الخوف بين جميع الطلاب، خاصة بعد انتشار فيديوهات المظاهرة في ساحة السكن وما رافق ذلك من توتر متصاعد أيضاً على صفحات السوشال ميديا.

        ورغم تداول خبر إعلان إدارة السكن الجامعي عن توقيف خمسة طلاب على خلفية الحادثة، تجمّعَ الطلاب الدروز سريعاً وقرروا الخروج من السكن الجامعي والعودة إلى السويداء ريثما تهدأ الأوضاع؛ «في صباح يوم الإثنين تم التواصل مع باص لنقل الطلاب وتم إجلاء السواد الأعظم منهم، خصوصاً طلاب السكن، في حين بقي عدد قليل من الطلاب في السكن الجامعي وعدد من الطلاب الذين يعيشون خارج السكن»، يقول طالب ميكاترونك في السنة الخامسة.

        ومع حلول المساء، وتصاعد الغضب العام بسبب التسجيل المزعوم، بدأت مظاهرات النصرة للرسول بالتوسع، وتخللها دعوة صريحة للعنف ضد الدروز، حيث شعر الطلاب المتبقون في حمص بالخوف، وتواصلوا مع المشرفين في مجموعة الطلاب على واتس آب، وأحصوا 33 طالباً وطالبة من السويداء تم تأمين عودتهم يوم الثلاثاء صباحاً بالتنسيق مع الشيخ أبو ربيع الفاعوري إلى جرمانا، التي كانت قد بدأت فيها اشتباكات منذ ليل الإثنين- الثلاثاء، وأوضح مجد الشيباني في مقابلة مصورة أن بعضاً من المهاجمين أنفسهم أسعفوه بعد رؤية النزيف الناتج عن الضربة، وبعد إجراء الإسعافات حرصَ مهند التركاوي، وهو مواطن من مدينة حمص ومن سكان مدينة جرمانا، على نقل مجد وأصدقاءه بسيارته الخاصة إلى مدينة جرمانا.

        في حلب

        بالتزامن مع التوترات في حمص، خرجت مظاهرة واسعة في المدينة الجامعية في حلب نصرة للنبي محمد، وخشي الطلاب على إثرها من اقتحام سكنهم بشكل مماثل لما حدث في حمص، فسافر بعضهم سريعاً إلى السويداء لتجنب أي صدام صباح يوم الإثنين، إلا أن الغالبية حاولوا التريث في المغادرة، خاصة مع التطمينات التي خرجت من المسؤول الأمني الجامعي في حلب تميم أبو عمر، والذي حاول احتواء الغضب الطلابي ضد التسجيل الصوتي لضمان عدم تطوره إلى تهجُّم واضح على أبناء الطائفة. لكن تَوسُّعَ رقعة الاشتباكات نحو أشرفية صحنايا صاعد التوتر والاحتقان والخوف، خاصة أن الأمن العام، مثل ما حدث في حمص، لم يقدم حلاً سوى تأمين باصات لنقل طلاب السويداء، ومرافقتها من حلب نحو كراج حرستا، ثم التواصل مع فصائل رجال الكرامة لتأمين بقية الطريق من حرستا إلى السويداء.

        تقول والدة أحد الطلاب في السنة الأولى في كلية التمريض في حلب، التقت بها الجمهورية.نت للسؤال عن تأخُّر وصول طلاب جامعة حلب إلى السويداء: «خرجَتْ صباحَ يوم الأربعاء 30 نيسان (أبريل) حوالي 6 باصات تضم بحدود 300 طالب وطالب، الباصات كانت بحماية الأمن العام، وبعد أن قطعت استراحة حمص بقليل وصلت الأنباء عن حدوث كمين براق، وبالتالي تمت إعادة الطلاب إلى حلب». في منطقة براق، على طريق دمشق السويداء، اشتبكَ مسلحون مع رتل من فصائل السويداء المسلحة التي كانت متّجهة «فزعة» إلى أشرفية صحنايا، وذلك ما أدى إلى قطع الطريق بشكل كامل، وتعثَّر استكمال الترتيبات الخاصة بتوصيل طلاب الجامعة إلى دمشق بحماية الأمن العام، فتمت إعادة الطلاب إلى السكن الجامعي في حلب. مع عودة الطلاب، تعرض الطالب أدهم غنام إلى محاولة قتل بسكين، واتضح أن المهاجم فقد أحد أخوته في الاشتباكات الدائرة على طريق السويداء، وقرَّرَ الانتقام من الطالب أدهم أمام الوحدة 13 في السكن الجامعي في حلب بسبب طائفته، وطعنه مرتين مع كيل الشتائم الطائفية له.

        حاول عناصر الأمن العام الذين أسعفوا الطالب أدهم احتواء الموقف، وتأمين طلاب السويداء الذكور بنقلهم جميعاً من وحداتهم إلى الوحدة الأولى «وحدة العرب والأجانب» تحت حماية مستمرة، في حين تم إبقاء الطالبات في وحداتهنّ مع تشديد الحراسة.

        استمرت محاولة تطمين الطلاب بشكل حثيث، وزار رئيس الجامعة ووفدٌ من مكتب محافظة حلب الطلابَ، وزاروا الطالب أدهم في المشفى، إلا أن التوترات والمشادات الكلامية والغضب المشتعل أبقوا الأمور في وضع قلق، حيث أن الطلاب والطالبات الدروز كانوا محاصرين في غرفهم-ن دون قدرة على متابعة الدروس والمحاضرات رغم أن دوام الجامعة لم يُعلَّق. مع أول فرصة لعودة آمنة يوم الخميس 8 أيار (مايو)، تحركت باصات تقلّ الطلاب إلى السويداء.

        في دمشق

        خرجت مظاهرات نصرة رسول الله في دمشق أيضاً، وتم التهديد العلني باجتياح السويداء من ساحة الأمويين ما وضعَ الطلاب من أبناء الطائفة الدرزية، في سياق مشابه يدعو للقلق والخوف على سلامتهم-ن، في حين قدَّم الأمن العام حله الوحيد بمرافقة باصات الطلاب للخروج نحو جرمانا. ومع صباح يوم الإثنين وصل إلى جرمانا 28 باصاً من دمشق، يحملون حوالي 3000 طالب وطالبة حسب ما تم تداوله بين الطالبات اللواتي تواصلنا معهنّ، وانتشرت فيديوهات لخروج الطلاب من وحدات السكن الجامعي توضح العدد الكبير.

        استضاف أهالي مدينة جرمانا الطلاب في بيوتهم، رغم أن المدينة نفسها كانت قد خرجت للتو من ليلة اشتباكات عصيبة ومخيفة، وكانت ما تزال تتعرض لتهديدات مستمرة، ولكن قطع طريق السويداء وارتفاع وتيرة الاشتباكات حال دون وصول الباصات إلى السويداء، ما جعل من جرمانا وجهة الباصات المحملة بالطلاب من دمشق وحمص واللاذقية، قبل أن يتم لاحقاً تأمينهم-ن بمرافقة فصائل السويداء المسلحة إلى السويداء.

        مع وصول الطلاب إلى السويداء واستقرارهم-ن النسبي، بدأت تنتشر فيديوهات خروج الطلاب من وحدات السكن الجامعي في دمشق على وسائل التواصل الاجتماعي، ومناشدة وزير التعليم العالي الدكتور مروان الحلبي لإيجاد حل لاستمرار دوام الجامعات دون أي اهتمام بوضع الطلاب وعدم قدرتهم-ن على العودة لمقاعد الدراسة، وهو ما أثار حنق الطلاب الدروز وأهاليهم الذين باتوا قلقين على مستقبلهم-ن التعليمي وضياع السنة الدراسية عليهم.

        الآن

        مع هدوء الوضع الأمني في جرمانا وأشرفية صحنايا والسويداء، بقي مصير الطلاب معلّقاً أمام الخوف من العودة، وقد وجه جميع الطلاب الذين واللواتي تواصلنا معهم-ن النداءات لفهم تعقيدات الفصل الدراسي اليوم، خاصة في الكليات التي تتطلب امتحانات عملية، إذ يخشون خسارة السنة الدراسية، أو الرسوب في مواد كثيرة، في حين لا يبدو أن العودة للجامعات الآن أمر مطروح على الأرض.

        التأثير الأسوأ سيُصيب طلاب السنوات الأخيرة في كلية الطب، الذين يمارسون مهنة الطب بصفة طبيب مقيم في مشافي دمشق، أو يخضعون لفترة تدريبية (استاج). يقول طالب طب سنة سادسة في مشفى دمشق للجمهورية.نت: «نحنا كطلاب استاجات ضمن المشفى، أو كطلاب مقيمين بعد التخرج، نعيش حالة من الخوف يسبق الحوادث الأخيرة، حيث حدثت سابقاً للأسف عدة اعتداءات على أطباء ضمن المشافي في دمشق، وكنا قد خرجنا ضمن وقفة احتجاجية ضد تواجد أي مظهر مسلح ضمن المشفى، ولكنني الآن ومع التجييش الطائفي أصبحت أشعر بالخوف المضاعف لأنني درزي».

        في حين تقول طالبة في سنة التخرُّج من كلية السياحة في دمشق: «أنا طالبة سنة تخرج، حُرمت من العودة إلى الجامعة رغم أن هذا الفصل هو الأخير لي، ولم تنتظرنا الجامعة ولم تضع حلولاً حتى تقف معنا، والآن نحن لدينا امتحانات عملية لم نقدمها، ما يعني أننا راسبون، وأن كل أحلامنا مؤجلة للفصل القادم». بينما يحاول طالب طب سنة ثالثة في جامعة حمص أن ينقل دوامه إلى جامعة دمشق لكن جامعته في حمص ترفض التعاون؛ «لقد قدمت طلب استضافة في جامعة دمشق حتى أستطيع أن أستمر في دوامي، ولكن كان لا بد أن أوقّع الطلب من جامعة حمص وأعود به لدمشق، لكنني لم أستطع بسبب ما حدث، لذا حاول زملائي مساعدتي. وفي حين كانت الدكتورة عبير قدسي بدمشق متفهمة لوضعي، طلبت مني أن أقوم بتقديم ورقة لا مانع من جامعة حمص، حتى وإن كانت عبر الوتساب، إلا أن جامعة حمص رفضت بتاتاً أن تساعدني في هذا الأمر».

        وفي الوقت الذي تتسارع فيه تصريحات محافظ السويداء ووزير الداخلية ووزير التعليم العالي حول وضع طلاب السويداء، لا يزال الطلاب والطالبات في بيوتهم-ن في السويداء محرومين ومحرومات من تعليمهم، ولا تزال العملية التعليمية سارية في كافة المحافظات السورية وفي الجامعات العامة والخاصة على حد سواء.

        التصريحات الرسمية وشبه الرسمية

        لم يصدر أي تصريح رسمي حول وضع الطلاب الدروز، لا حين تأججت الأوضاع الأمنية، ولا عندما استمر التعليم من دونهم، وبقيت القصة خارج اهتمامات الدولة حتى ظهور وانتشار فيديوهات الخروج من جامعة دمشق، التي أثارت جدلاً واسعاً وكانت مُناسَبة لتبادل الاتهامات العلنية على السوشال ميديا والإعلام الرسمي وشبه الرسمي. في تلك اللحظة، بدأت أعين الوزارات المعنية والمسؤولين المهتمين بالتفتح على الوضع العام، وانطلقت منذ يوم 8 أيار (مايو) سيولٌ من التصريحات والتحركات والنقاشات لاحتواء الموقف وضمان عودة الطلاب والطالبات إلى جامعاتهم-ن.

        قدَّمَ الإعلام السوري الرسمي المتمثل بقناة الإخبارية السورية سردية محبوكة لما حدث لطلاب السويداء، تضمنت أولاً غياب أي صوت للطلاب، حيث لم يتم لقاء أي طالب أو طالبة من السويداء، في حين تم تقديم ريبورتاج من المدينة الجامعية في دمشق مفاده أن الطلاب خرجوا من تلقاء أنفسهم رغم عدم وجود أي مبرر لذلك، ضمن لقاءات مختلفة مع طالبات وطلاب من وحدات السكن الجامعي، ثم تعزيز هذه الخطوة بتصريحات من مدير المدينة الجامعية في دمشق عمار الأيوبي بأن «الادعاءات حول قيام إدارة السكن الجامعي بإجلاء قسري أو طرد طلاب من السكن الجامعي، هي ادعاءات غير صحيحة، وذلك عقب تداول مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي تسجيلاً مصوراً يزعم ‘إجلاءً قسرياً’ لطلاب محافظة السويداء في جامعة دمشق من المدينة الجامعية في منطقة المزة، مرفقة بعبارات تحريضية وادعاءات مضللة».

        كما تجنبت الإخبارية السورية الحديث عن التصعيد الطائفي العنيف في حمص وحلب، وركزت على جهود الأمن العام في حفظ الأمن، ومنها الحديث بشكل إيجابي عن دور الأمن العام في تأمين وصول الطلاب إلى السويداء كبادرة إيجابية من الدولة وليس كحل وحيد، ولم تتحدث الإخبارية السورية في أي من تقاريرها المتعلقة بوضع طلاب السويداء عن محاسبات محتملة، أو حتى ضغوط نحو محاسبات وتحقيق عدالة، بينما تركَّزَ جُلُّ اهتمامها على توضيح خطوات الحكومة ومباركتها.

        أما بالنسبة لحضور الفاعلين الأساسين في الإعلام الرسمي وشبه الرسمي، فقد ترافقت هذه التغطية الإعلامية الرسمية بالتركيز على أربعة فاعلين أساسيين وهم: وزير التعليم العالي مروان الحلبي الذي صرَّحَ للإخبارية السورية بأن أمن الطلاب أولوية لن يقبل التهاون فيها، بالإضافة لنص قرار يُجرِّمُ فيه التجييش الطائفي من قبل الأساتذة والطلاب في الجامعات السورية، دون أن يكون واضحاً بآليات تطبيقه وعواقب عدم الالتزام بها؛ ووزير الإعلام حمزة المصطفى الذي كثَّفَ تصريحاته منذ نشر فيديوهات الطلاب حتى لحظة كتابة المقالة حول لعب دور إيجابي في موضوع الطلاب والتجييش الطائفي؛ محافظ السويداء مصطفى البكور الذي يستمر في تقديم وجه السلطة المرن والمتفهم في كل الأحداث التي تمسّ محافظة السويداء، وقد أعلن عبر وكالة الأنباء الرسمية سانا عن اهتمامه بشكل خاص بحماية الطلاب والحفاظ على كرامتهم-ن، وذلك في محاولة للملمة قصة الطلاب وعودتهم-ن لجامعاتهم-ن؛ أما وزير الداخلية، الذي اجتمع مع وفد من وجهاء السويداء ووزير التعليم العالي لمناقشة الخطوات العملية لموضوع الطلاب، وأعلن عن العمل مع وزارة التعليم العالي لضمان أمن الطلاب الدروز في جامعاتهم-ن دون أن ندري كيف ينوي القيام بذلك.

        تسعى السلطات الرسمية لإنهاء هذا الملف كمشكلة دون الاعتراف بأسبابها بشكل واضح، أي دون الإشارة إليها على أنها نتيجة اقتتال واحتقان طائفي، إلا أن كل المؤشرات تدل على أن الطلاب سيتم تعويضهم-ن عن الفاقد من المحاضرات والدروس التي تغيبوا عنها، وهو ما نأمله لمصلحة الطلاب، وما نقرأه على أنه اعتراف من السلطة بأن الحدث لم يكن حدثاً عابراً، بل ظرف محدد بأثر عميق في وضع السلم الأهلي السوري.

        ينتظر الطلاب في السويداء اليوم نتائج عملية لما صرَّحَ به وزير التعليم العالي حول جعل الجامعات مكاناً آمناً للطلاب ومساحة خالية من العنف والكراهية والطائفية، بينما ينتظر السوريون جميعاً تفعيل دور مؤسسات الدولة بشكل رسمي، إذ لا يمكن التهاون في خطورة استخدام حق التعليم كورقة ضغط سياسي تنحاز لأي طرف، وبالتالي يجب أن يكون تحييد الطلاب والمقرات الدراسية كمساحات آمنة مطلباً أساسياً لضمان مرحلة انتقالية وسلم أهلي.

        *****

         معدة هذا التقرير هي صحفية سورية من مدينة جرمانا، اختارت الكتابة باسم مستعار حرصاً على سلامة أهلها هناك.

موقع الجمهورية

————————————

اختبئوا هنا ولا تقولوا إنّكم من السويداء”… متى يعود الطلاب الدروز إلى جامعاتهم؟/ رواد بلان

السبت 17 مايو 2025

للأسبوع الثاني على التوالي، تخلو الجامعات السورية من أبناء طائفة المسلمين الموحدين الدروز، المهجّرين من الجامعات السورية، بعد أن خرجت أصوات تكفيرية متشددة مطلقةً شعارات طائفيةً، وداعيةً إلى الجهاد وقتل الدروز، في مشهد ترهيب طائفي غير مسبوق في تاريخ سوريا الحديث.

ما سبق يشكّل صدمةً كبيرةً لآلاف الطلاب وعائلاتهم، إذ لا يزال صدى الهتافات الطائفية والتهديدات بالذبح في آذانهم، بينما ترنو عيونهم إلى المستقبل، وسط جدل متصاعد حول سبل تأمين عودتهم إلى جامعاتهم، بدءاً من توفير الحماية، ووقف التجييش الطائفي بحقّهم، الذي يلقي بظلالٍ قاتمة على النسيج الاجتماعي المتهتّك أصلاً.

بيئة جامعية طاردة وخوف وجودي

لم يمضِ وقت طويل على توديع كريم، الطالب في كلية الهندسة (سنة ثالثة)، والمقيم في المدينة الجامعية في حمص، زملاءه من أبناء الطائفة السنّية، حيث كانوا يتبادلون الأحاديث وتتردد ضحكاتهم في الأرجاء، حتى تجمهر عدد من الطلاب السنّة وهم يرددون التكبيرات التي أصبحت للأسف تُقرَن بصور القتل والذبح الطائفيين، من قِبل مجموعات متشددة بدأت تظهر في الجامعة. لا يكاد يمر يوم دون أن تتجول مجموعة ليلاً مطلقةً شعارات طائفيةً، ثم تنفضّ بعد وقت قصير. لكنها هذه المرة كانت مختلفة.

يقول لرصيف22: “هذه المرة كانت الشعارات الطائفية موجهةً ضد الدروز بشكل مباشر، وتدعو إلى الجهاد ضدهم وذبحهم أينما وُجدوا. فجأةً، سقطت كل القيم المشتركة، وغابت الأخلاق. ما زلت أشعر بالصدمة. هل هؤلاء طلاب جامعات يُفترض أنّ لديهم القدرة على التفكير؟ يبدو أنهم لا يحملون سوى أفكار سيئة تدعو إلى للنيل منّا. ونحن الدروز، نشارك الجميع مناسباتهم، من عيد الفطر والأضحى، إلى عيد الميلاد ورأس السنة”.

لم يكن كريم، خلال حديثه إلى رصيف22، قادراً على التعبير عن مشاعره بوضوح، إذ يختلط لديه الخوف مع الحزن. يقول: “خلال الأشهر الأخيرة، أُجبرنا على مغادرة مقاعدنا الدراسية ثلاث مرات بسبب الأوضاع في البلد. لكن هذه أول مرة نُجبر فيها على المغادرة لأننا دروز. شعرت وكأنني اقتُلِعت من منزلي وسُلبت حقوقي لأسباب طائفية بحتة”.

ويضيف: “بعد مغادرتي، تواصل معي أناس من مختلف الطوائف حتى وصلت إلى منزلي. هناك من لا يزال يصون الكلمة الطيبة والعيش والملح”.

بعد أيام من أحداث جامعة حمص، شعر كريم، بأنّ مستقبله انهار. وفي كل مرة كان يظنّ فيها أنه قادر على الاستمرار، كان يعود إلى نقطة الصفر. يقول: “أنا حزين على أصدقائي. لم أعد أعلم كيف أتعامل معهم أو كيف ينظرون إليّ”، مستبعداً عودته إلى جامعته هذا الفصل، آملاً أن تحمل الأشهر القادمة نوعاً من الاستقرار. “نريد أن نشعر بالأمان، وأن نكرّس مبدأ ‘الدين لله والوطن للجميع’، وألّا يُسأل أحد عن طائفته. نحتاج إلى إعلام وطني يقف معنا، لا ضدنا، وأعتقد أن هذا مطلب غالبية الناس”، يضيف.

يرى كريم، أنّ “هناك فئةً تحتاج اليوم إلى رفع الوعي، وإعلام مهني وصادق، لأن الإعلام ووسائل التواصل ساهما في التجييش الطائفي، وزوّرا الحقائق”.

فقدان الثقة والخوف من الانتقام

يشاطر مضر، ابن محافظة السويداء والطالب في جامعة حمص، زميله كريم الشعور بالصدمة. يقول لرصيف22: “لم أصدّق ما سمعته في تلك الليلة: شخص يصرخ وسط مجموعة طلاب يحملون عصيّاً وأسلحةً بيضاء قائلاً: ‘يجب أن نذبح كل درزي نراه، وكل من يدافع عن سلطان الأطرش’، ويدعو الطلاب الدروز إلى النزول لمواجهتهم”.

لم يخرج أحد لمواجهتهم بالطبع، لكن سرعان ما بدأوا بالتكبير مجدداً وهجموا على الوحدات السكنية، مستهدفين غرف الطلاب الدروز، خاصةً في الوحدات الأولى والثالثة والتاسعة، حيث خلعوا الأبواب واعتدوا عليهم بالضرب، وفق ما يقول مضر، الذي كان مع مجموعة من أبناء السويداء في الطابق الأخير، حيث أغلقوا الباب بإحكام، بينما التكبيرات والشعارات الطائفية تملأ المكان.

طرق بابهم زميل من القلمون لم يكن يعرفهم من قبل، وسألهم إن كانوا من السويداء، ثم دعاهم للاختباء في غرفته، قائلاً: “إن وصلوا إليكم، لا تخبروهم بأنّكم من السويداء، فهؤلاء مجموعة من المتشددين المجانين”. وبقوا هناك حتى جاءت “قوات الهيئة-الأمن العام”، التي حاولت تفريق المهاجمين، واعتقلت شخصاً يُدعى عباس، وهو إمام جامع المدينة والمحرّض الرئيسي.

مضر، الذي رفض ذكر اسمه الصريح خوفاً من الانتقام، لا يعتقد أنه سيعود إلى جامعته هذا العام، بسبب غياب الأمن. يقول: “لا أستطيع التفكير في الأمر، فقد أُستهدَف أو أفقد حياتي في أي لحظة، وسيُقال إنه خطأ فردي”.

سرعان ما انتقلت نيران التحريض الطائفي إلى المدينة الجامعية في حلب، حيث تجمعت نهاية الشهر الماضي، مجموعة من الطلاب المتشددين الذين رفعوا شعارات طائفيةً ضد الدروز، إلى جانب سيل من الشتائم والتهديدات، بحسب ريان، وهو طالب سنة أولى في جامعة حلب. يقول ريان، لرصيف22: “التزمنا بعدم الردّ لتجنب أي صدام، فقد شعرنا بأنّ عددهم يمكن أن يتضاعف فجأةً. وبرغم أن بعض الزملاء من غير طائفتنا ساندونا قدر استطاعتهم، إلا أنهم لم يتمكنوا من مواجهة المتشددين”.

الحديث اليوم بين طلاب السويداء المهجّرين من جامعاتهم، يتمحور حول العودة أو عدمها، في ظلّ مشاعر مختلطة من الحزن على ضياع عام دراسي، والقلق من مستقبل مجهول، والخوف من التشدد الطائفي.

يأمل مضر، في العودة يوماً ما، خاصةً أن بينهم طلاباً على أبواب التخرج، ما يتطلب تدخلاً من إدارة الجامعة والأمن العام لضبط المتشددين الذين يعتقدون أن قتل الدروز وسيلة لدخول الجنّة.

أحلام تتبخر

روعة، طالبة في السنة الرابعة في جامعة حلب، كانت تنتظر حفل تخرجها بعد الامتحانات النهائية، مثل المئات من طلاب السويداء، لكن تلك الأحلام تلاشت مع اضطرارهم إلى المغادرة بسبب التجييش الطائفي. تقول: “حاولنا دائماً نشر المحبّة بين زملائنا، لنثبت للجميع أننا لسنا طائفيين، ولا نتدخل في عبادة أحد ولا نعتدي على أحد. نريد الاحترام المتبادل فحسب”.

وتضيف لرصيف22: “في 28 نيسان/ أبريل الماضي، علمنا من زملائنا بأنّ مظاهرةً ستخرج في المدينة الجامعية في حلب، احتجاجاً على تسجيل صوتي منسوب إلى شيخ درزي يسيء إلى الرسول الكريم، وقد ثبت لاحقاً أنه مفبرك، لكن مع ذلك، أُطلقت هتافات طائفية وشتائم ضد الدروز”.

تستذكر: “في تلك الليلة، بين التاسعة والعاشرة مساءً، خرجت مظاهرة أمام السكن الجامعي بحضور الأمن، وأُطلقت هتافات من قبيل: ‘قائدنا للأبد سيدنا محمد’، و’طائفية طائفية وصلوها للدرزية’، وشعارات مسيئة إلى الشيخ حكمت الهجري، وهذا كله دون تدخّل أمني. لم يردّ أحد من الطلاب الدروز، لكن الجميع شعر بالخوف. وفي الصباح، انطلقت حافلة نحو السويداء، لكنها توقفت يوماً كاملاً في جرمانا بسبب الأحداث، ووصلنا في اليوم التالي”.

محاولات احتواء وضعف في التنفيذ

في 10 أيار/ مايو الجاري، اجتمع وفد من ناشطي السويداء مع وزيرَي الداخلية والتعليم العالي في دمشق، من بينهم سليمان الكفيري، الذي يقول لرصيف22: “تلقينا وعوداً بتأمين بيئة جامعية آمنة، ومعاقبة كل من يسيء أو يحرّض طائفياً، وتعويض الفاقد التعليمي للطلاب. وتم التأكيد على اتخاذ إجراءات رادعة، وطرح تشكيل لجان طلابية، وتسيير دوريات لحماية الطلاب”.

وبحسب الكفيري: “السلطات باشرت ملاحقة المسؤولين عن الهجمات، حيث تم توقيف بعض المتورطين وطرد آخرين من الجامعة”، مضيفاً: “تم التأكيد على إصدار قوانين تقمع التجييش الطائفي، وعلى العمل على برامج لرفع الوعي والانتماء الوطني، دون أن تنعكس العقوبات على عائلات أو مكونات الطلاب المتورطين”.

من جهتها، أصدرت وزارة التعليم العالي، بداية الشهر الجاري، قراراً يحظر على أعضاء الهيئة التعليمية والطلاب والعاملين في الوزارة والجامعات والمعاهد التابعة للوزارة كافة، نشر أو تداول أو ترويج، بأي وسيلة كانت، أي محتوى يتضمن التحريض على الكراهية أو الطائفية أو العنصرية أو يسيء إلى الوحدة الوطنية أو السلم الأهلي، وتعرّض مرتكبي تلك الأعمال للمساءلة الجزائية والمدنية والمسلكية.

ما حدث من تهجير للطلاب الدروز من الجامعات السورية، ليس حادثاً عابراً، بل مؤشر مهم على هشاشة السلم الأهلي وعمق الشرخ الطائفي، اللذين يهددان مستقبل أجيال من الطلبة، في ظلّ غياب إجراءات حاسمة تضمن بيئةً تعليميةً آمنةً وعادلةً للجميع، الأمر الذي يحتاج إلى إجراءات سريعة وعلى الأرض للمحاسبة وضمان عدم التكرار، وهذا يتطلب إرادةً سياسيةً جدّيةً، يدعمها موقف وطني جامع يحمي أبناء سوريا من أي طغيان طائفي يهدد ما تبقّى من روابط وطنية.

رصيف 22

————————————-

إعلام عبري يكشف موقع المحادثات السرية بين سوريا وإسرائيل

كشفت وسائل إعلام إسرائيلية عن محادثات سرية تجري حالياً بين إسرائيل والإدارة السورية الجديدة، في إطار عملية إقليمية سلمية بوساطة إماراتية.

وأفادت القناة 12 العبرية بأن أحد اللقاءات المهمة عقد مؤخرًا في أذربيجان، وجمع بين اللواء عوديد سيوك، رئيس مديرية العمليات في الجيش الإسرائيلي، وممثلين مقربين من الرئيس السوري أحمد الشرع، إلى جانب مسؤولين أتراك.

واعتبرت القناة أن المحادثات مفاجئة، بشكل خاص في ظل موقف إسرائيل السابق من الإدارة السورية الجديدة، حيث امتنعت عن أي تواصل مباشر مع الشرع، بل وسبق أن وصفته بأنه “إرهابي يرتدي بدلة”.

وأشارت القناة إلى أن تل أبيب تدرس الآن اتجاهاً جديداً قد يؤثر بشكل كبير على الوضع الأمني على الحدود الشمالية، ويسهم في إبعاد سوريا عن محور إيران و”حزب الله”.

وقالت القناة: “الآن، وبأقل تقدير، تدرس إسرائيل اتجاهاً جديداً من شأنه أن يؤثر بشكل كبير على الوضع على الحدود الشمالية ويبعد سوريا عن محور إيران وحزب الله”.

وأوضحت مصادر في مؤسسة الدفاع الإسرائيلية أنه، بالإضافة إلى إمكانية دمج سوريا في المبادرات الإقليمية، مثل اتفاقيات أبراهام، هناك كذلك احتمال لتحوّل إيجابي في العلاقة المعقدة مع تركيا، التي تُعد شريكاً فاعلاً في هذه المحادثات.

وأكدت القناة أن هذه الجهود لا تزال في مرحلة أولية، لكنها تحمل إمكانيات لتأثير ملموس على إعادة تشكيل النظام الإقليمي في الشرق الأوسط.

وفي السياق نفسه، ذكرت صحيفة “هآرتس” العبرية أن “مسؤولين أمنيين إسرائيليين رفيعي المستوى” أجروا، خلال الأشهر الأخيرة، لقاءات مع نظرائهم في إدارة الرئيس أحمد الشرع.

ونقلت الصحيفة عن مصدر إقليمي مطلع، لم تكشف عن هويته، قوله: “اللقاءات ركزت على التعارف الأولي، بهدف إنشاء محور لنقل الرسائل، ومنع التصعيد في المنطقة”.

وتأتي هذه التطورات في ظل متغيرات إقليمية متسارعة، حيث التقى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يوم الأربعاء، بالرئيس السوري أحمد الشرع في الرياض، بعد إعلانه نيّته رفع العقوبات الأمريكية عن دمشق.

كما كان الشرع قد أشار، في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، خلال زيارته إلى باريس مطلع الشهر الجاري، إلى أن دمشق تجري مفاوضات غير مباشرة مع إسرائيل عبر وسطاء.

(وكالات)

———————————-

أحداث السويداء تكشف عن علاقة “قسد” بتشكيلات درزية مسلحة/ فراس فحام

السويداء تدعم وتتضامن مع اتفاقية قسد في دمشق

15/5/2025

كشفت المواجهات التي شهدتها أشرفية صحنايا بريف دمشق وامتدت إلى أطراف محافظة السويداء، أواخر أبريل/نيسان الماضي، عن علاقات قوية بين قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وأطراف درزية مسلحة.

ولا تفوت قوات “قسد” الفرصة لاستثمار أي خلاف بين المكونات السورية، من أجل التأكيد على أنها الخيار الأفضل لسوريا، حيث قدم المحسوبون عليها خطاباً مناصراً للمطالبين بعدم دخول القوات الحكومية إلى السويداء ومناطق سكن الدروز بريف دمشق مثل صحنايا وجرمانا.

كما أتاحت “قسد” المجال لمظاهرات نددت بما وصفته “مجاز بحق سكان الساحل السوري” بعد المواجهات التي اندلعت بين قوات حكومية سورية وموالين لها من جانب مع مجموعات مسلحة يقودها ضباط سابقون في نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد مطلع مارس/آذار الماضي.

وقد سلطت هذه الأحداث الضوء على دور “قسد” وعلاقاتها مع بعض الفاعلين الدينيين والعسكريين في المحافظة.

علاقة “قسد” بفصيل مسلح بالسويداء

منذ منتصف عام 2023، وبعد اندلاع الاحتجاجات الشعبية في السويداء ضد نظام الأسد، كشفت تقارير سورية عن وجود علاقات بين “قسد” وحزب اللواء السوري الذي يطالب بإنشاء إقليم مستقل في الجنوب السوري، وقوة مكافحة الإرهاب التي كانت بمثابة الذراع العسكري للحزب المذكور.

ووفقاً لتلك التقارير، فإن “قسد” ساهمت منذ عام 2022 في تقديم تدريبات ودعم لقوة مكافحة الإرهاب، التي حصلت أيضاً على منح مالية من قوات التحالف الدولي في سوريا التي تشمل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، والتي تقيم قواعد في مناطق شمال شرق سوريا الخاضعة لقوات “قسد”.

وفي منتصف عام 2023 أسس حزب اللواء -الذي أسسه ويرأسه مالك أبو الخير المقيم في فرنسا- مكاتب خدمية في السويداء، وأكد رغبته بتأسيس إدارة ذاتية خاصة بالمجتمع في السويداء، وهو نفس الخيار الذي بقيت تتبناه “قسد” إلى حين سقوط نظام الأسد أواخر عام 2024. لكنها منذ بدء القوات الأميركية تقليص وجودها في سوريا، خفضت “قسد” من سقفها وباتت تتمسك بنظام الحكم اللامركزي.

ويتبنى حزب اللواء إقامة “إقليم الجنوب” الذي يضم محافظات جنوب سوريا ومن بينها السويداء، في شكل يشبه إقليم “الإدارة الذاتية” الذي أسسته “قسد” في محافظات شمال شرق البلاد.

التنسيق بعد سقوط الأسد

خلال الأحداث التي وقعت في أشرفية صحنايا بريف دمشق، ومحافظة السويداء أواخر أبر يل/نيسان الفائت، وأوائل مايو/أيار الجاري، ظهر أحد مشايخ العقل الدروز -في لقاء متلفز- ويدعى مروان كيوان، مطالبا “قسد” بإنقاذ البلاد وقيادة المرحلة الانتقالية من أجل الوصول إلى سوريا موحدة ديمقراطية وعلمانية ولا مركزية، لتحافظ على وحدة سوريا وحقوق كل الشعب السوري بحسب وصفه.

ومطلع مايو/أيار الجاري، أعلنت قوات الأمن السوري عن ضبط شحنة أسلحة في منطقة السخنة بالبادية السورية، كانت متجهة من مناطق سيطرة “قسد” إلى محافظة السويداء، مما أوحى بأن الأمر لا يقتصر على مجرد تصريحات إيجابية من قادة دينيين دروز تجاه “قسد”.

وقد مارس نشطاء ينتمون إلى “قسد” دعاية قوية لصالح الشيخ الدرزي حكمت الهجري والمجلس العسكري في السويداء الرافضين لدخول الحكومة السورية إلى المحافظة الجنوبية، واعتبروا أن مطالبهم تنم عن رغبة بتطبيق اللامركزية في سوريا.

وقبيل إعلان فصائل المعارضة السورية السابقة لمؤتمر “النصر” الذي نصبت من خلاله أحمد الشرع رئيساً مؤقتاً لسوريا مطلع فبراير/شباط 2025، أعلن مجلس سوريا الديمقراطية (الذراع السياسية لقسد) عن قيام وفد من طرفه بزيارة محافظة السويداء، حيث التقى مع الهجري الذي يتصدر الشخصيات المناهضة للحكومة السورية الحالية.

واتفق الجانبان خلال اللقاء على عدم تسليم السلاح للدولة السورية إلا بعد “تشكيل حكومة انتقالية شاملة” في موقف يعكس عدم الرضا عن تنصيب الشرع رئيساً لسوريا.

وتتلاقى “قسد” مع جهات عديدة في السويداء بالاستياء من الحكومة السورية نتيجة عدم إشراكهم في مؤتمر الحوار الوطني، ولمنعهم من المساهمة في الإعلان الدستوري اللذين كانا بمثابة خطوات لإضفاء الطابع الشرعي الشعبي والقانوني على الحكومة الانتقالية الحالية.

مجلس السويداء العسكري

أواخر فبراير/شباط من العام الجاري، أعلن مجموعة من الضباط السابقين في نظام الأسد عن تشكيل “مجلس السويداء العسكري” بقياد طارق الشوفي، حيث أتى الإعلان بعد يوم واحد من إعلان الحكومة الإسرائيلية ضرورة نزع السلاح من الجنوب السوري.

كما أعلن هذا “مجلس السويداء العسكري” في بيان التأسيس عن اعتماده للهجري كمرجعية دينية، بالإضافة إلى التأكيد على أن هدفه حماية “حدود الجنوب” من عصابات التهريب، والجماعات الإرهابية.

وفي إشارة محتملة إلى العلاقة بينه وبين “قسد” قال المجلس في بيان تأسيسه إن “مشروع المجلس وطني يهدف إلى تنظيم التعاون بين القوى المسلحة في المجتمع المحلي، وبمباركة من الشيخ حكمت الهجري، وبالتنسيق مع دول التحالف الدولي” الذي لم يصدر عنه بيان في هذا الشأن ويعتبر “قسد” شريكه المحلي في سوريا.

وقد حمل الشعار الذي تبناه المجلس تصميما يشبه الشعار الذي تعتمده “قسد” كما سارع حزب “الاتحاد الديمقراطي” الذي يقود “قسد” إلى نشر إعلان “المجلس العسكري للسويداء” على موقعه الرسمي ووصف الإعلان بـ”التطور اللافت”.

وقال “الاتحاد الديمقراطي” إن التشكيل الجديد “يأتي في وقت تشهد فيه سوريا تحولات سياسية وأمنية كبيرة مما يجعله خطوة مهمة في مسار تعزيز الأمن المحلي في السويداء”.

ورغم نفي “مجلس السويداء العسكري” تبعيته لأي جهة داخلية أو خارجية، تحدثت تقارير عن تلقيه دعما وتمويلا من قوات “قسد” وأن مسألة تشكيل المجلس أثارها وفد “مسد” لدى زيارته إلى السويداء، دون تأكيد من جهة مستقلة.

ويتقاطع هذا المجلس مع مطالب “قسد” المتمثلة بتبني خيار الدولة العلمانية الديمقراطية اللامركزية، بحسب ما صرح قائد المجلس طارق الشوفي الضابط السابق في جيش النظام السوري.

جهود إنشاء إقليم مستقل

يشير تأكيد “مجلس السويداء العسكري” على هدف حماية “الجنوب” إلى رغبة بتكريس فكرة الإقليم المستقل، ويوحي بمحاولة فرض أمر واقع على الحكومة السورية متمثلا بوجود أقاليم متعددة تتمتع باستقلالية.

وبرز دور المجلس العسكري في السويداء بشكل واضح بعد الصدامات بين قوات عشائرية وفصائل محلية في المحافظة مطلع مايو/أيار الجاري، فقد رفض المجلس بشكل قاطع فكرة دخول قوات أمن تتبع للحكومة السورية إلى السويداء.

وأصر المجلس على إعادة تفعيل دور القوى الأمنية التي كانت تنشط في المحافظة زمن نظام الأسد، كما قام منتسبو المجلس بإزالة العلم السوري من مدخل السويداء، ورفعوا الأعلام الخاصة بالطائفة الدرزية.

ومما ساعد على زيادة فاعليته حالة التوتر والاحتقان في محافظة السويداء، بسبب اعتقاد العديد من الفاعلين بالمحافظة بأن الحكومة قصرت في منع القوات العشائرية من الهجوم على المدينة، الأمر الذي أضعف موقف بعض الأطراف التي تتبنى التنسيق مع الحكومة السورية على غرار قائد فصيل “شيخ الكرامة” ليث البلعوس.

المحاولة الأولى لإنشاء المجلس العسكري

لم تكن محاولات “قسد” لمد نفوذها إلى السويداء جديدة، ففي خضم المظاهرات التي شهدتها المحافظة ضد الأسد على مدى عام ونصف العام قبل سقوطه، أعلنت فصائل محلية في مايو/أيار من العام الماضي تشكيل مجلس عسكري للطائفة الدرزية حمل اسم “مجلس القوى العسكرية في السويداء”.

وقد ادعت الفصائل المنضوية تحت المجلس أن تشكيله مدعوم من الشيخ الهجري، وأنه هو شخصياً وبأمر مباشر من طلب تشكيله. وأكدت تقارير في حينها أن التشكيل تقف خلفه “قسد” وأنه تم تقديم الدعم المالي من قبلها للقائمين عليه وأبرزهم الشيخ رائد المتني وأيسر مرشد اللذين وعدا قادة الفصائل المنخرطة في التشكيل برواتب شهرية لجميع المقاتلين.

ولكن الشيخ الهجري اعتبر، بحسب ما نقلت تقارير عن مصادر مقربة منه، التشكيل “طعنة” هدفها تشويه الحراك السلمي ضد النظام السوري، وانسحبت معظم الفصائل بعد اعتراف المتني أمامها في اجتماع مغلق بتلقيه الدعم بوساطة وتنسيق المسؤول الإعلامي في “قسد” أمجد عثمان، وكذلك بعد أوامر مباشرة من الشيح الهجري الذي أكد لهم عدم علمه به.

ويبدو أن اختلاف الظروف بين مايو/أيار العام الماضي -خلال سيطرة نظام الأسد وبين مايو/أيار الجاري بعد سقوط الأسد- قاد إلى إعادة إنتاج المجلس العسكري ولكن هذه المرة بالاعتماد على ضباط وجنود النظام السابق في السويداء ولأهداف مختلفة.

المصدر : الجزيرة

————————————–

=========================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى