الأحداث التي جرت في الساحل السوريالإعلان الدستوري لسوريا 2025الاتفاق بين "قسد" وأحمد الشرعالتدخل الاسرائيلي السافر في سورياالعدالة الانتقاليةالعقوبات الأميركية على سورياتشكيل الحكومة السورية الجديدةسقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوعسياسةعن أشتباكات صحنايا وجرمانالقاء الشرع-ترامب ورفع العقوبات الأمريكية عن سوريا

سوريا حرة إلى الأبد: مقالات وتحليلات 17 أيار 2025

حرية إلى الأبد: كل المقالات والتحليلات والحوارات التي تناولت انتصار الثورة السورية اعتبارا من 08 كانون الأول 2024، ملاحقة يومية دون توقف تجدها في الرابط التالي:

سقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوع

——————————————-

حيادية الدولة وأسئلة المحتوى والمضمون/ جمال الشوفي

نشر في 14 أيار/مايو ,2025

تنويه:

كُتِب هذا المقال بطلب من إدارة برنامج “حوارات السوريين”، وبمناسبة مشاركة الكاتب في جلسة حوارية لمناقشة موضوع “حيادية الدولة تجاه العقائد الدينية للسوريين”. وهو يعبّر عن رأي الكاتب وموقفه من الموضوع.

رئيس التحرير

-توطئة:

منذ بدء الثورة السورية، لم تتوقف حوارات السوريين حول موضوعة الدولة نظريًا، وآليات تموضعها مؤسساتيًا ووضعيًا. واليوم، بعد 8 كانون الأول/ ديسمبر 2024، مع دخول سورية مرحلة انتقالية تحاول الاستقرار بحكومة انتقالية وإعلان دستوري محطّ نقد إيجابي وسلبي، لم يزل موضوع الدولة وسياقات بنائها الراهنة هو الحدث المحوري والمفصلي في حياة السوريين ومستقبلهم، فقد تحرر السوريون من سطوة نظام الاستبداد والتسلّط العسكري البعثي المتغوّل على الدولة بكل مؤسساتها.

مفهوم الدولة ووظيفتها وإعطاؤها صفاتها الجسمية والقانونية والدستورية موضوعُ السوريين، على تعدّد رؤاهم حولها، ويشوبه الاختلاط النظري والواقعي مع السلطة ودورها ووظيفتها، ولا سيما أن بنيان الدولة السورية يكاد يبدأ اليوم من الجذر، يخالطه مخاض الحالة الثورية، وتعدّد فرضيات البنيان النظرية والوظيفية. ففي كل موقعة حوارية، يبرز عدد من الفرضيات التي ترصد صفات هذه الدولة ومضامينها، كلٌ حسب ما يتصورها أو يعتقد أنها حقيقة واجبة التطبيق لخلاص الأمة من كوارثها التي أقامها نظام الاستبداد والإبادة الجماعية السابق.

الدولة وسؤال الأحقية والاستحقاق في تعداد صفاتها المفترضة: علمانية أو مدنية أو دينية إسلامية أو ماركسية أو قومية…. وجميعها صفات مسبقة تختزل مفهوم الدولة أمام أدلوجتها أو تصورها الوظيفي، قضية طافية على سطح المشهد السياسي. فهل للدولة صفات سياسية بعينها؟ أم أنها براء من هذا الاختلاط السياسي؟ وهل ستكفي الإجابات النظرية للإحاطة بالواقع السوري الحالي؟ أم ثمة مخاض فكري وسياسي علينا خوضه من الجذر، والجذر هو سؤال الدولة لكل السوريين.

-الدولة المصطلح والمفهوم:

ثمة مناهج فكرية سياسية متعددة حاولت تحديد مفهوم الدولة، منها تلك التي اتخذت الحالة الوظيفية الاقتصادية والأيديولوجية كأداة هيمنة وتحكم، كما ساد في النظم الشمولية وأجهزتها الأيديولوجية ومشتقاتها التسلطية الشرقية المشوهة، في مقابل منطق آخر، هو هوية العقد الاجتماعي وإرادة الإجماع العام على شكل الإدارة العامة، وتجريد الدولة عن تداول السلطة سلميًا، بحكم الدستور والوضعية القانونية لها، فحسب بيار بورديو “الدولة تحيلنا إلى كم أو كمية، بل إن لدينا هوية دولة، وبطبيعة الحال إن من وظائف الدولة وظيفة إنتاج الهوية الاجتماعية المشروعة”[1].

منهجيًا، مفهوم الدولة يتمايز بين حدّين: أحدهما نظري يتشكل ويتقدم تاريخيًا، والآخر وضعي متحقق بصور متعددة، ويمكن القول إنه موجّه وظيفيًا وقانونيًا؛ فالأول سياق مفهومي متطور فكريًا وفلسفيًا، وقابل للتطور والتحديث ما دام الفكر البشري والتطور الإنساني قائمًا في معالجة النماذج الإنسانية وإمكانياتها المتقدمة، والثاني يتعامل مع القوانين بأطرها الواقعية والمجتمعية. وكلا الحدّين يقودان لعدم الثبات عند أدلوجة ثابتة أو قاعدة مكتملة معينة تنهي التاريخ عندها. الأمر الذي قد يشكّل منزلقًا سهلًا لموقع الوضعية والعلمية المفرطة بالامتثالية والمادية، حين تتحول الأفكار إلى أصنام سلطوية تؤله حكامها، سواء كانت دينية أو قومية أو ماركسية، أو حتى علمانية أيضًا. وهذا ما يشكل فارقًا حاسمًا في الفكر ومرتكزاته النظرية، من حيث الفرق بين الدولة والسلطة بالمبدأ، كما بين مفهوم الدولة الكلاسيكية والدولة الحديثة، ما يستوجب الأخذ بالمعطى الواقعي اليومي والزمني خاصة، ونحن في خضم معترك حاد في التحول المنشود نحو الدولة.

الدولة ليست مفهومًا نظريًا فقط، ولا هي حالة قانونية وظيفية قابلة للتحوّل إلى حالة احتكار سلطوي أو قانوني عام وحسب أيضًا. إنها، ككلّ المفاهيم، تلك الحالة المتغيرة زمنيًا والمتموضعة مكانيًا وفق شروط إنتاجها المجتمعية. تاريخيًا، يمكن أن نجيز أن فكرة الدولة نشأت لتضع حدًا لتفرّد قيادة الزعيم أو القائد الفرد لجماعة ما أو عشيرة ما، وإخراجها من الهيمنة الفردية وعلاقات القوة الناتجة عنها، أو ما اصطلح على تسميته بعلاقات ما قبل دولة، حيث إن “الإنسان ابتكر الدولة، لكيلا يطيع الإنسان. ونشأت فكرتها عن هاجس فصل علاقات السلطة بالخضوع، فالدولة ركيزة سلطة تتعالى عن الإرادة الفردية للشخصيات التي تقودها”[2]. وتاريخ تطور مفهوم الدولة أخذ مسارًا تاريخيًا طويلًا من النزاع حول مفهوم السلطة والحكم وإقامة الحد على الاستفراد وحكم الفرد المطلق، حيث إن “مشروع السيطرة، أيّ سيطرة، الذي يسعى إلى إرساء إدارة مستمرة يحتاج من جهة أولى إلى توجيه السلوك الإنساني نحو طاعة أي سيد يزعم أنه صاحب القوة الشرعية، وبالنتيجة الاستحواذ على الخيرات المادية اللازمة في كل الأحوال لممارسة العنف الطبيعي”[3]. والتفريق بين سلطة وأخرى وأدوات تشكّل كل منها تُحدده آليات العمل السياسي المجتمعي العام، ومنه الفعل الثوري. فالفرق بين سلطة كنتاج سيطرة احتكارية، وسلطة تأتي كنتاج لعقد اجتماعي توافقي، هو المؤسس لاستقلالية الحكم عن الذات الفردية لصالح الهوية العمومية، ما يمكن تعريفه بالذات الوطنية المجردة Naked Nationality، وتجسيدها في دستور يصون ويحفظ القوانين، والمعزز بالحريات حديثًا، ونقطة انطلاقها كانت مع الثورة الفرنسية عام 1789، وهي التي مثلت الانطلاقة الأساسية لمفهوم الدولة الحديثة نظريًا ووضعيًا. فـبينما كان الإنكليز يكافحون بشكل رئيسي من أجل الليبرالية والحقوق البرلمانية التقليدية ضدّ الحكم المطلق للملك، كان اتقاد الثورة الفرنسية التحررية يطرح منظومة حديثة ونسبية للدولة والسلطة وشكل العلاقة بينهما، متضمنًا نظامًا حديثًا للحرية الاجتماعية، تلك التي شكّلت وأسست مفهوم الدولة الحديثة بمرتكزاتها الوضعية والقانونية، والمختلفة عن الدولة الكلاسيكية السابقة ذات الهيمنة والحكم المطلق وآليات التحسين المشروطة في نظام حكمها.

بالمعنى العملي للمصطلح، فإن طريقة الفعل السياسي العام تضمن تحقيق مطالب الصالح العام أو الإرادة العامة، حسب جان جاك روسو، وتحافظ عليها من خلال آلية متقنة لإنتاج وتوزيع السلطة، تُعرّف باسم “السياسة والإدارة العامة”. فيما تحدد الدولة بأنها، حسب أرسطو، أعلى شكل من أشكال الخير الذي سوف تغذيه السياسة في نظام الحكم. فهي “الشراكة الأسمى على الإطلاق، وتشمل كل الآخرين المختلفين، والأكثر خيرًا من أي شيء آخر بين حالات مفردة وشخصية، وتهدف إلى أقصى درجات الخير؛ هذه الشراكة العليا هي الجمعية السياسية العامة المسماة بالدولة”. فالدولة وفقًا لذلك تحدد بالآتي: السيادة وقوانينها الوضعية، والشعب والأمة، والحدود والجغرافية، والحكومة كإحدى أهم مؤسساتها، وطريقة الحكم محكومة بالدستور. من هذه النقاط، قامت الدولة الحديثة على مثلث الحقوق العامة:

– الحرية بوصفها حقًا لا تنازل عنه. وهذه الحرية تشمل حرية الرأي والتعبير وصياغة القوانين التي تكفل حرية الرأي والتعبير والعمل أيضًا، وهي تشمل حرية البحث العلمي، وحرية الفن والأدب والكتابة، وحرية الملكية الخاصة وصونها قانونيًا ودستوريًا.

– احترام العقائد الدينية وعدم المساس بأصحابها، تلك التي شكلت ثقافة عصرية حديثة تُعرف بالعَلمانية كسمة ثقافية مجتمعية، وترجمت وضعيًا بفصل الدين عن الدولة وجعله محصورًا بدور العبادة.

– سيادة الأمة التي تجسدت بفصل السلطات الثلاث: التشريعية والقضائية والتنفيذية، بحيث تكون السلطة السياسية في الدولة الحديثة مؤسسة مدنية من مؤسسات الدولة، تقوم على صيانة القوانين واحترام الدستور وحماية الحقوق والحريات الشخصية والعامة، وذلك ضمن حدود لا مجال للاختلاط فيها بين الهوى السلطوي، فردي النزعة التسلطية والدكتاتورية، وبين الحياة العامة السياسية.

فحيث “بدأت الحدود تتضح في الدولة الحديثة بين السلطة والقوانين، حيث باتت تعتبر مجتمعًا قانونيًا وسياسيًا، تتخلى به عن مطالبتها بالسيطرة على الدين والعمليات التجارية والاقتصادية، وتتركها لشأن الكنائس والأفراد، كما أنها لا تدعي بأنها تمثل أية سلطة علمية أو جامدة، بالقدر الذي تحمي فيه حرية البحث العلمي وحرية الرأي الفردي دون ضغوط”[4]، لتصبح هذه الحقوق رائزها ومحورها الحرية، كأساس للدولة الحديثة المعبّرة عن توق الإنسان عمومًا، وحلم الفرد منا وكلّ فرد في عالم الشرق الغارق بالاستبداد، وهدف الثورات والربيع العربي، ومنها السوري في المبدأ، وخلاصته السياسية العامة في إيجاد آليات التداول السلمي للسلطة، وفق قوانين الأكثرية الانتخابية الديمقراطية دون ضغوط أو ممارسات قهرية. تلك التي جسدها وضعيًا وقانونيًا مفهوم الدولة الحديثة دون قشور أيديولوجية أو حمولات سياسية عامة لمصلحة جهة دون الأخرى، تعمل على تسخير القوانين والنصوص الدستورية لمصلحة استمرارها في الحكم والسلطة.

-الدولة الوطنية وحيادها الإيجابي:

في السياق العام، أيًا كان نموذج الدولة، فإن قيمتها من قيمة الأفراد الذين يؤلفونها. فالدولة التي تجعل توسّعها الحقوقي والعقلي مرتبة ثانية، أمام السلطة وأفرادها، وتحوّله في شؤون وتفاصيل الممارسة اليومية إلى مرتبة أقل بكثير من المهارة الإدارية، أو من هذا المظهر الذي تقدّمه الخبرة والكفاءة؛ فإن هذه الدولة تقلل من قيمة أفرادها، حتى يكونوا أدوات سهلة الانقياد في يديها حتى لو كان لأغراض مفيدة، وهي تبني الاستبداد السياسي وتختزل الدولة في السلطة. وبحسب ستيوارت ميل، فإن “هناك حدًا للتدخل المشروع الذي يقوم به الرأي العام في استقلال الفرد والعثور على هذا الحد وصيانته من الاعتداء، هو مسألة لازمة لإيجاد الظروف المناسبة للعمل الإنساني، فذلك حماية له من الاستبداد السياسي”[5]. من هنا كانت فكرة جان جاك روسو، في حيادية الدولة ونموذج الشخصية العمومية، مصدر قيمة أولًا، ومصدر تطوير ثانيًا، وتحقيق استقرار مع فتح الإمكانية للجميع المشاركة في الحياة السياسية وبناء الدولة، وكانت أساسًا لنموذج التعاقد الجمعي في كيان سياسي أسمه الدولة، وصفتها الحيادية تجاه كل مكونات المجتمع؛ تلك التي تمكن الدولة من ممارسة دورها السيادي، وتشكل السلطة العليا وفقًا للقانون، والشعب في دائرتها هم المواطنون ذوو الأهلية القانونية والصفات السياسية المتعددة. حيث إنه، بحسب روسو، “الشخص العمومي الذي يتكون من اتحاد جميع الأشخاص الآخرين، وكان يحمل قديمًا اسم (المدينة)، ويحمل الآن اسم الجمهورية أو الجسم السياسي: هذا الجسم السياسي هو ما يسميه أعضاؤه دولة إذا كان منفعلًا، وصاحب سيادة إذا كان فاعلًا، وقوة إذا قسناه على أشباهه. وأما الشركاء فيطلق عليهم جماعيًا اسم الشعب، ويطلق عليهم فرديًا اسم المواطنين، من حيث هم مشاركون في السلطة السيادية، ورعايا من حيث هم مذعنون لقوانين الدولة”[6].

أسس الدولة الوطنية الحديثة ومرتكزاتها وحيادها الإيجابي كان نتيجة تداعيات طويلة في الحياة الأوروبية، إذ اتضح المعنى الكامل لتلك التداعيات العالمية في أوروبا، خلال التجمع من أجل السلام في ويستفاليا Peace of Westphalia في مدينتي أوسانابورك ومونستر الألمانية، في عام 1648. وهذا التاريخ يمثل إجماعًا بين علماء الفكر السياسي الحديث والعلاقات الدولية على أنه يمثل ولادة الدولة الوطنية الحديثة، مع الإرادة الجماعية للشعب باعتباره صاحب السيادة. فالدولة، الدولة الوطنية العصرية، تم تحديد مصطلحها ومفهومها الأساسي مشتقًا من الكلمة الألمانية “Staat”، وتعني “الوقوف بحزم”، أو لاتينيًا وباللغة الانكليزية “State”، وبالضرورة مفهوم “الوضع القائم”. وهذا الوضع القائم ليس قدريَّ الصنع كما في الطبيعة وممالك الحيوان، بل يكتنف مفهوم الإرادة العامة للشعب. فالدولة هي السيادة مبدئيًا، سيادة الأمة وقد التقت المصلحة العامة والقيم الوجودية للشعب بعمومه على التوافق وبإرادته العمومية على وضع قانوني وحيادي تجاه التعددية والتنوع العمومي في أي مجتمع عنوانه الدولة الحيادية مصطلحًا. والحيادية هنا تعني أنها تنفي احتكار صفة بعينها سياسية أو دينية على الدولة، وليس فقدًا، بل تكتنف التعدد والتنوع الديني والسياسي والثقافي تحت مظلة الهوية والعقد العمومي الوطني، بحيث يمكن تحديد إطارها العام ودورها الوظيفي في شؤون المجتمع عامة. فالدولة الحيادية تعمل على إدارة شؤون الناس، اقتصاديًا وماديًا وحياتيًا، واحترام قدراتهم وإمكاناتهم على تنوّعها وتعدد غناها للمصلحة العامة. وتدافع عن حقوقهم وفقًا للقانون الوضعي العام الذي يساوي بين الجميع بمرجعية الدستور. وتحمي الحدود الجغرافية دون أن يتدخل العسكر في شؤون الحكم.

وفقًا لهذه الأدوار، فإن الموقف الحازم أو الحالة الوضعية لهذا المصطلح، أساسه الإرادة الشعبية في تقرير مصيرها وتحقيق أمانها واستقرارها وعدالتها. وتقف بمسافة متساوية من جميع المواطنين، فلا تفرق بين الأفراد من حيث الحقوق والواجبات، وتقوم على العدل والإنصاف والحياة الكريمة. والدولة، وضعيًا، هي مجموع المؤسسات التي تتعامل مع الشعب بمختلف أفراده ومكوناته بحيادية وبالتساوي دون محاباة أو تمييز. فالمحكمة تفصل بين المتخاصمين حسب القانون العام، لا حسب الانتماء الديني أو السياسي، والمستوصف الطبي والمشفى بقوم بالرعاية الصحية لكل فرد بالمجتمع، وليس للعلماني دون الديني أو العكس!

ومن هنا، فإن الأسس والدعامات الأولية في تحقيق مفهوم الدولة واقعيًا تتمثل بالآتي:

     السيادة، سيادة الشعب، والدستور كخلاصة نصّية للعقد الاجتماعي والإرادة العامة للأمة وليس لجهة ما بعينها، أي ليس لحزب البعث القائد للدولة والمجتمع في العهد البائد أو لأي جهة أخرى بديلة عنه.

    الحدود الجغرافية التي تمتد عليها قوانين هذا المجموع البشري.

    المؤسسات التي تدير شؤون الناس على أرضية هذه الثلاثية العامة. وبالضرورة منوط بالدولة تحقيق وترسيخ حقوق الناس، من حيث الاستقرار والأمان وصون الحقوق دون تمييز عرقي أو ديني أو ثقافي، ودون تغول سياسي أو جهوي من فرد أو جهة على آخرين.

حيادية الدولة ليس مصطلحًا وحسب، بل هي تجريدها من غلو الاحتكار السياسي، وتجسيد فعلي للسيادة والتعاقد الاجتماعي وتحقيق الأمن والأمان والحماية بآن للكل المجتمعي. والذي أسس للمصطلح النافذ في عالم السياسة العصري دولة الكل المجتمعي، دولة الحق والقانون، دولة المواطنة المتساوية، الدولة الحيادية تجاه الاختلاف والتعدد والتنوّع المجتمعي العام، وبالقدر نفسه المساواة الحقوقية، مدنيًا وسياسيًا ودينيًا.

-في نقاش فرضياتنا الراهنة:

في سياقنا السوري الحالي، أتساءل مع من يتساءلون حواريًا حول سؤال الدولة، وما يجب أن تكون عليه بأي من صفاتها المفترضة وفق فرضيات عدة، والسؤال غرضه التفريق بالملامسة والتجربة والحوار العقلي الهادئ وصولًا إلى نتائج واقعية.

فرضية أن الدولة يجب أن تكون دينية/ إسلامية، حيث الأغلبية السورية، والإسلام دينُ الإخاء والمساواة والتسامح والمحبة، دين العدالة، حيث لا فضل لعربيّ على أعجمي إلا بالتقوى… كانت صالحة في زمانها، وهذا الحديث حقّ في زمنه، أما اليوم فقد طرأت مسائل تحتاج إلى إجابات: ماذا عن الأديان والطوائف الأخرى؟ ماذا عن غير المتدينين؟ ومن ثم تُطرح فرضية مقابلة هي الدولة العَلمانية، وذلك للفصل بين الدين والسلطة السياسية. وهذا الفصل حقّ، لكن ضبابية الموقف في هذا الحق تتجلى في الخلط بين مفهومي السلطة والدولة بداية، والغائب عن المشهد أن العَلمانية هي ثقافة مجتمعية، لا تنكر حقّ الأديان والتديّن بكل تنوعاتها، ولا تقف بمواجهتها. وثقافة العَلمانية لا تفترض أن هناك انقسامًا مجتمعيًا بين الديني أو اللاديني، وتخرج من هذه الثنائية الهدّامة، لمفهوم الحقوق العامة والقانون الوضعي والعمل التشاركي لبناء المجتمع. ومن ثم تصبح العَلمانية ثقافة مجتمعية زمنية قابلة للحوار، لا للإنكار أو فرض إرادة جهة على الآخرين، وهي بالضرورة ليست من صفات الدولة، ولا تُختزل فيها.

بين هاتين الفرضيتين، تبرز فرضية الدولة المدنية، وتعني تحييد حكم العسكر عن رقاب الشعب، وهذه صفة السلطة السياسية كإحدى مؤسسات الدولة المحدودة زمنيًا، وليست صفة الدولة بعامتها. فالسلطة ليست وكالة حصرية دائمة، بل هي مجّرد وكيل قصير العمر، يُوكل إليه صاحب السيادة، وهو الشعب، تنفيذ أوامره وفق الدستور. وماذا لو كانت الدولة ماركسية أو قومية..؟ وجميعها صفات سياسية وأيديولوجية للسلطة وفقط، وما زال موروثنا الثقافي يعاني كوارث إحلال الدولة ومؤسساتها في السلطة ذاتها. وسلطة البعث العسكري شاهدٌ لا تخطئه عين.

إن الخلط بين السلطة والدولة مشهد سياسي ضبابي قائم إلى اليوم، فحيث تبدو كلّ فرضية بذاتها مكتملة الأركان، بمسلّماتها وبديهياتها ونتائجها، وفق منطق صوري مكتمل الأركان، تكون النتيجة متضمنة بالمقدمات سلفًا، وما علينا سوى اتباع ذلك المنطق للوصول إلى الدولة التي تريدها فرضية بعينها متناسية فرضيات الآخرين، وما على المواطن سوى أن يلتحق بإحدى هذه النماذج من الصفات، وسنصل إلى جنة الفردوس! ولا ننسى في هذه الأثناء أن نلقي بالويل والثبور وعظائم الأمور على من ضيّع حلم الدولة “الحق”، دينية أو علمانية أو غيرها، والبقية فِرَق ضالة! والضلال هنا يشمل كلّ خارج عن صفةٍ ما دون الأخرى. ما يجعل التنافس العام على الصفات بعيدًا كل البعد عن الدولة، بقدر ما أنه تنافس على الوصول إلى السلطة بحجة الدولة، والدولة براء من هذا جميعًا.

القول الحق بالحكم المدني، وليس الدولة المدنية، يعني أولًا إبعاد العسكر عن الحكم، ويبقى الجيش إحدى مؤسسات الدولة، ومهمته الأساسية حماية الحدود والأرض. ويعني أيضًا أنه من حق أي جهة سياسية مدنية الوصول إلى السلطة، على أرضية الدولة المحكومة بالدستور والقانون ذي السيادة العامة مبدئيًا. حينها يمكن الحديث عن سلطة البعث السياسي، سلطة مجلس السوفييت الأعلى، سلطة رجال الدين، سلطة الليبرالية وسلطة وسلط… لكنها محكومة بالدستور والتداول السلمي لها، من دون إسباغ الدولة بصفتها. بالمقابل، لنذهب باتجاه الثقافة المجتمعية التي تحتاج إلى زمن من الحوارات، وإلى بروز دور الثقافة والمثقفين والمجتمع المدني في تعزيز مفهوم الحرية، بكل أطيافها الفكرية والسياسية والإيمانية والتعبيرية والأدبية، وقبولها ببعض ضمن أطر ما يسمى بزمنية الثقافة، وهذا هو جذر العلمانية، التي هي ليست سمة الدولة، بل سمة المجتمع بتطور حلقاته الزمنية. ليصبح القول بأي صفة للدولة قولًا نافلًا عن الحقيقة والسياق الموضوعي لبناء المجتمعات.

إن الدولة الحيادية هي خلاصة تجريد مفهوميّ لدولة الكلّ المجتمعي، وما السلطة والحكم سوى إحدى مؤسساتها الرئيسية، وليست كل الدولة. فالدولة ليست دينية ولا عَلمانية، وسؤال السياق والصيرورة محط نزاع بشري طبيعي، يحتاج زمنه إلى الاستقرار والانتظام والأمان والعدالة والحرية، أس الدولة وأساسها قبل صفات نظام حكمها! الحرية شرطٌ عام للوجود الإنساني مبدع القيم وخالقها بآن، حسب سارتر، والحفاظ على الحرية شرطٌ أولي للدولة، حيث تمارس الحرية، لأنها حرية عامة ولأجلها، فالحرية مطلب عمومي تكفله القوانين عقدًا للكليّة العامة على تنوّعها، “وبسعينا خلف الحرية، نكتشف أنها تتوقف كلية على حرية الآخرين، وأن حرية الآخرين تتوقف على حريتنا”[7]، فعصر الحريات أضفى بيئة حديثة للحقوق المادية، من عدالة ومساواة وتكافؤ فرص وعيش كريم يكفله الدستور والقانون، وطيف من حريات التفكير والتعبير وإبداء الرأي، كما الاعتناق والإيمان، أسست لعقد اجتماعي أكثر إنسانية، ما زال إلى اليوم مطمحًا وهدفًا لنا نحن الغارقين في مستنقع الاستبداد الشرقي والفوات والتأخر التاريخي، ونحاول النهوض من جديد. فحسب تعبير ياسين الحافظ، “التأخر المجتمعي كالموقف من المرأة مثلًا، أو التأخر الثقافي كالموقف من التراث ومن الثقافة الليبرالية مثلًا، أو التأخر السياسي كالموقف من سيادة الشعب، وبالتالي الموقف من الديمقراطية”[8]، وهذا جدلٌ ثقافي واسع، يتطلب الحيادية والتجرد لا الاستئثار والاستبعاد، وبوابته الواسعة الدولة وشروط إنتاجها.

ربما أكون قد أفضت بحمولة نظرية حول مفهوم الدولة، وربما تكون معطيات الواقع الحالية غيرَ مؤهلة لنقاشها، بقدر المسؤوليات الجسام القائمة على تحقيق الأمان والاستقرار الأولي كشرط أساسي للبناء، وهذا مسار مفتوح، يجب أن يكون حواريًا، وأن يذهب باتجاه التوافق حول الحقوق بالمبدأ. فإن كانت بوابته الأولى سياسية، فإن سياقه العام هو المجتمع السوري بتنوعه وغناه، وهو يحاول الخروج من عتمة الاستبداد وكوارثه الكبرى تجاه الدولة واستحقاقات تشكّلها وبُناها الآنية والمستقبلية.

[1]– بيار بورديو، عن الدولة، ترجمة نصير مروة، (قطر: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2016)، ص 30.

[2]– محمد الهلالي وعزيز لزرق، الدولة، (المغرب: دار توبقال، 2011)، ص 10.

-[3] ماكس فيبر، العلم والسياسة بوصفهما حرفة، ترجمة جورج كتورة، (بيروت: المنظمة العربية للترجمة، 2011)، ص 267.

[4]– Kaspar J. Bluntschli, The Theory of the State, English translated from the Sixth German Edition, (Kitchener: Batoche Books, 2000), p 58.

[5] – جون ستيوارت ميل، أسس الليبرالية السياسية، ترجمة إمام عبد الفتاح إمام وميشيل متياس، (القاهرة: مكتبة مدبولي، 1996)، ص 121.

[6]– جان جاك روسو، في العقد الاجتماعي أو مبادئ القانون السياسي، ترجمة عبد العزيز لبيب، (بيروت: المنظمة العربية للترجمة، مركز دراسات الوحدة العربية، 2011)، ص 95.

[7]– جان بول سارتر، الوجودية مذهب إنساني، ترجمة عبد المنعم حنفي، (القاهرة: الدار المصرية للطباعة والنشر، 1964)، ص 58.

-[8] ياسين الحافظ، الهزيمة والأيديولوجية المهزومة، ط 2، (دمشق: دار الحصاد، 1997)، ص 101.

تحميل الموضوع

مركز حرمون

———————————–

عن أي دولة في سورية نتحدث؟/ مروان قبلان

14 مايو 2025

تشكّل مسألة إعادة بناء الدولة، ومؤسّساتها، همًا مشتركا لأكثر السوريين هذه الأيام، فقد ترك النظام البائد إرثاً ثقيلاً في هذا المجال، بعد أن فقدت الدولة، بسبب سياساته المدمّرة، أكثر صفاتها ووظائفها، وإن ظلّت تحتفظ بمؤسّساتها المدنية والخدمية في المدن الكبرى، بفضل صلابة المجتمع الأهلي السوري، وصموده الأسطوري. فمن جهة الصفات، ما زالت الدولة فاقدة سيادتها (وتلك أهم صفاتها، إذ لا دولة من دون سيادة)، مع وجود أربعة جيوش أجنبية على أراضيها. وقد ازدادت هذه المعضلة (فقدان السيادة) سوءاً مع تفاقم النزعة العدوانية الإسرائيلية بعد سقوط النظام، حيث أخذت إسرائيل، بعد أن كانت تسرح وتمرح في الأجواء السورية أيام النظام البائد، تتوغّل في أراضينا، وتحتل أجزاء إضافية منها، وتنفذ عمليات خاصة فيها من دون أدنى اعتبار لسيادة سورية (جديدها أخيراً استعادة رفات الجندي الإسرائيلي، تسفي فيلدمان، الذي قتل في أثناء الغزو الإسرائيلي لبنان عام 1982). الأميركيون، الروس، والأتراك كلهم يتصرفون أيضاً، في مناطق وجودهم العسكري، من دون اعتبار للسيادة السورية. فوق ذلك، لا تستطيع الدولة بسط سلطتها على كل ترابها الوطني، حتى عندما لا تكون هناك قوات أجنبية، كما في السويداء، مثلاً. أما لجهة وظائفها، فما زالت الدولة، بتوصيفها التقليدي، غير قادرة على الوفاء بالتزاماتها في حفظ أمن المجتمع، لأنها لا تحتكر ملكية السلاح، ولا شرعية استخدام العنف (أهم وظائف الدولة)، إذ تبقى قوى ومليشيات وجماعات كثيرة تملك السلاح في مناطق مختلفة، وتحكمها وفق رؤيتها وقوانينها، في تحدٍّ واضحٍ لسلطة الدولة. هناك تحدّيات أخرى كثيرة، يضيق المجال بذكرها، تواجه عملية إعادة بناء الدولة في سورية. بيد أن المشكلة الرئيسة التي تواجهنا حاليّاً، أنه وفيما يتفق أكثر السوريين على مسألة إعادة بناء الدولة، لجهة الصفات، والوظائف، والمؤسّسات، إلا أنهم يختلفون بشدة حول ماهية تلك الدولة، وكيفية بنائها: هل تكون، مثلاً، دولة دينية، كما يريد بعضهم، أم مدنية، كما ينشد آخرون، هل تكون مركزية أم فيدرالية؟ ثم ماذا عن النظام السياسي الذي يدير الدولة، هل يكون سلطانياً/ شبه ملكي، كما جاء في نص الإعلان الدستوري الصادر في 13 مارس/ آذار الماضي، حيث تسيطر السلطة التنفيذية على باقي السلطات، وتعين أعضاءها، وتحظر الأحزاب، والانتخاب، وتحكم بالمراسيم، أم نذهب نحو نظام ديمقراطي تعدّدي (برلماني، رئاسي، أو مختلط) يقوم على مبدأ فصل السلطات وسيادة القانون؟ هذا يحيلنا إلى سؤال آخر مهم: من أين تنبثق السلطة وتستمد شرعيتها، من إرادة الشعب وتعبر عنها، أم من إرادة جماعة متغلبة، تشكل قاعدة للحكم ومصدر شرعيته، بمعزل عن الآخرين؟ وماذا عن الهوية الوطنية، والثقافة السياسية، ومناهج التعليم، كيف نبنيها، ومن يضع أسسها، ومضامينها؟ ماذا عن الدستور، كيف نكتبه، ومن يكتبه، وبأي تفويض، ومضمون؟ ماذا عن مؤسّسات الجيش والأمن، هل نسعى إلى بناء جيشٍ يكون الانتساب إليه مفتوحاً أمام كل السوريين، وتشكّل الخدمة الإلزامية جزءاً مركزيّاً من عملية إعادة بنائه على أسسٍ وطنية، أم نذهب باتجاه بناء جيش، احترافي، خاص؟ وماذا عن النظام الاقتصادي للدولة، هل نذهب باتجاه اقتصاد السوق الحر، أم دولة الرفاه الاجتماعي، حيث تقوم الدولة بمسؤولياتٍ تتجاوز الرقابة والإشراف والتوجيه إلى الدخول في صلب عملية الإنتاج. يمتدّ الخلاف أيضا إلى كيفية بناء مؤسّسات الدولة، هل نعيد إنتاج مؤسّسات تتماهى مع السلطة الحاكمة، أم تكون مستقلة عنها؟ هل نعتمد في ملء شواغرها على الولاء، والانتماء، ومبدأ “من غلب غنم”، أم نعتمد الكفاءة والنزاهة وتكافؤ الفرص؟

تحتاج كل هذه الأسئلة وغيرها توافقات وطنية بشأنها، ومن دونها لا يمكن أن تقوم دولة، لا في صفاتها، ولا في وظائفها، ولا في مؤسّساتها. سيكون من الصعب، مثلاً، إقناع مكوّنات أساسية في المجتمع، والفصائل العسكرية التي تمثلها، بحلّ نفسها وتسليم سلاحها والانضواء في كنف الدولة، إذا لم يتم التوافق على شكل هذه الدولة، ودورها فيها. سيكون من الصعب أيضاً تهيئة الظروف لإخراج القوى الأجنبية، ووقف التدخّلات الخارجية، من دون إقناع كل سوري أن الدولة ملجأه، وقادرة على حمايته. وسيكون من الصعب أكثر انتاج شرعية للدولة نفسها من دون أن يشعر كل مواطن أنها تمثله. هذا لن يحصل من دون حوار وطني حقيقي، يتم فيه حسم كل هذه المسائل، والإجابة عن كل تلك الأسئلة المصيرية. ومن يعتقد بخلاف ذلك، لا شك أنه لم يتعلم شيئاً مما جرى على مر العقود الماضية.

العربي الجديد

———————————————

المخاض السوري… أقليّات وأكثريّات/ علي العبدالله

14 مايو 2025

لم يكن إطلاق وصف “فتنة طائفية” على المواجهات الدامية التي وقعت بين فصائل سلفية، وصفت بـ “متفلتة” و”غير منضبطة”، ومسلحين وفصائل من طائفة الموحدين الدروز في بلدات جرمانا وأشرفية صحنايا ومحافظة السويداء، وانخراط قوات الأمن العام فيها، “لفضّ الاشتباك” تارة، و”للدفاع عن نفسها” تارةً أخرى، و”لسحب الأسلحة غير الشرعية” تارّةً ثالثة، موفقاً أو معبّراً عن الواقع الحقيقي، واقع الصراع السياسي القائم بين السلطة السورية الجديدة وقوى سياسية واجتماعية سورية عديدة بمن فيها. فالمواجهات التي انفجرت لم تنفجر لخلاف على قضايا مذهبية، بل لأن ثمّة توتراً واحتقاناً شديدين تشكلا على خلفية عدم رضا لدى قطاعات واسعة من الموحّدين الدروز عن التوجّهات التي اعتمدتها السلطة السورية الجديدة في صياغتها أسس الجمهورية تحت التأسيس، بدءاً بمبدأ “من يُحرّر يُقرّر” في الاختيارات السياسية والاقتصادية، وفي التعيينات التي اصطبغت بلون واحد، مجسّدة ميلها إلى الاعتماد على الولاء، لا الكفاءة، وربط ذلك بخلفية قوى السلطة الجديدة السلفية الجهادية وتاريخها، ومطالبة الشخصيات والفصائل والقوى السياسية من طائفة الموحدين الدروز باعتماد التشاركية والتعددية والمساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات في دولة مدنية/ علمانية قائمة على المواطنة والديمقراطية تحت راية شعارها الأثير: “الدين لله والوطن للجميع”، وهو، التوتر والاحتقان، حاصل مع مكونات سورية أخرى، إن مع الكرد في شمال سورية وشرقها، أو مع العلويين في الساحل السوري. لا يغير وجود سبب مباشر لانفجار هذه المواجهات، التسجيل المفبرك الذي انطوى على المسّ بمكانة نبي الإسلام محمد (عليه الصلاة والسلام)، ووجود جهات داخلية وخارجية تعمل على تفجير الوضع بين مكونات المجتمع السوري ودفعه إلى الاقتتال على خلفيات دينية ومذهبية لجعل عيش السوريين في دولة واحدة مستحيلاً، لا يغير من طبيعة المواجهات وخلفيتها السياسية، التي حاول تصريح وزارة الداخلية الصحافي تمويهها بـ “شكره وتقديره للمواطنين الكرام على مشاعرهم الصادقة وغيرتهم الدينية دفاعاً عن مقام النبي صلى الله عليه وسلم”.

لم تكن المواجهات الدامية “فتنة طائفية”، فالخلاف السياسي الذي ترتب عن قرارات السلطة السورية الجديدة، بدءاً بمؤتمر النصر، الذي لم تشارك فيه سوى فصائل سلفية جهادية، إلى الإعلان الدستوري، الذي منح الرئيس الانتقالي صلاحيات ملك في مملكة غير دستورية، مروراً بهمروجة مؤتمر الحوار الوطني وبيانه غير الملزم، وما أثارته من ردود أفعال لدى الموحدين الدروز، ولدى الكرد والعلويين كذلك، جوهرها التحفظ والرفض والتحصّن، سبقت التسجيل المفبرك وأسّست لانقسامات عمودية بين مكونات المجتمع السوري. وقد زادت المجازر التي ارتُكبت بحق المدنيين من العلويين في الساحل السوري الطين بلّة.

ليست التركيبة الاجتماعية السورية بسيطة أو ذات بعد واحد، إنها متعدّدة ومركبة، معقدة ومتداخلة ومتشابكة قومياً ودينياً ومذهبياً، شكلها تاريخ طويل من الانسجام والوئام بين أجزاء منها، والصراع والمذابح بين أجزاء أخرى عمّقت بينها الحدود والحواجز وحددت حدود الانتشار الجغرافي في بيئة قلقة ومتقلبة، فبات يمكن قراءة هذه التركيبة من منظورات عديدة ومختلفة حيث يمكن قراءتها من منظور قومي وإثني، فيكون العرب هم المكون الغالب على التركيبة، يأتي بعدهم الكرد والتركمان والشركس والشيشان والآشوريين السريان، إلخ. ويمكن قراءتها من منظور ديني، فيكون المسلمون، العرب، بمن فيهم العلويون والموحدون الدروز والإسماعيليون، والكرد والتركمان والشركس والشيشان، هم المكون الغالب، يأتي بعدهم المسيحيون بمذاهبهم العديدة. ويمكن قراءتها من منظور مذهبي، فيكون السُّنة، العرب ومعظم الكرد والتركمان والشركس والشيشان، هم المكون الغالب، يأتي بعدهم العلويون، فالموحدون الدروز، فالشيعة. تركيبة فيها تداخل وتشابك كبيران. فالعرب يشملون السُّنة، والعلويون والموحدون الدروز يشملهم الإسلام في الوقت نفسه، والسُّنة يشملون العرب والكرد، والمسيحيون يشملون الأرثوذكس والكاثوليك والموارنة واليعاقبة والنساطرة… ما يجعل التصورات والحلول البسيطة غير ناجعة في تحديد الخيارات والحلول السياسية. من هنا لجأت دراسات في الفلسفة السياسية إلى التمييز بين مستويين في الدولة: مستوى اجتماعي ومستوى سياسي. اجتماعي يشمل البنى الاجتماعية بتعددها وتمايزها وتكاملها وتفاضلها، حيث يمكن الحديث عن مجتمعات لا مجتمع واحد. وسياسي، المعبَّر عنه بالشعب باعتباره شخصاً اعتبارياً، حيث يمكن الحديث عن شعب واحد في حال تبعيته لسلطة سيادية واحدة في كيان سياسي واحد: دولة. والتفاعل بين المستويين، ونوعية العلاقة بينهما وطبيعتها، هو ما يحدد ويؤكد وحدة الانتماء ووحدة المصير لدى هذه المجتمعات. فالتعدد والتمايز في المستوى الاجتماعي وليدا تاريخ وسياق وتجارب عديدة متقاطعة في بعضها ومتباينة في أخرى، متكاملة في بعضها ومتفاضلة في أخرى، والعمدة في ربط المستويين ببعضهما مرهون بطبيعة تجسيد الشخصية الاعتبارية: الشعب، في الدستور والقوانين حيث يمكن لدستور مبني على قيم المواطنة والعدالة والمساواة والحريات العامة والخاصة أن يكرّس وحدة الشعب وتماسكه، ويجعل المستوى الاجتماعي يشعر بالرضا والانتماء، فيسود الاستقرار وتتوفر عوامل الازدهار الاقتصادي والتفاعل الاجتماعي والاندماج الوطني. ويمكن لدستور مبني على قيم السيطرة والهيمنة والغلبة القومية أو المذهبية أن يثير ردود فعل سلبية وانقسامات عمودية مشحونة بالهواجس والمخاوف ويحوّل المجتمع إلى مجتمعات متنافرة متصارعة يبحث كل منها عن خلاص فئوي، قومي أو ديني أو مذهبي. وهذا بدوره يشكل فرصة مؤاتية للقوى الخارجية الباحثة عن تحقيق مصالحها الخاصة باستثمار التناقضات الداخلية واللعب عليها.

اختلفت قراءات المعلقين والمحللين السياسيين للمأزق السياسي السوري وتقديراتهم بين قائل “بعدم امتلاك السلطة السورية الجديدة رؤية ولا وسائل عمل للمّ شمل مكوّنات المجتمع السوري”، وقائل “بعدم تمكنها من تأسيس بنى انتقالية مقنعة لمختلف السوريين، ومن رسم خريطة طريق واعدة نحو المستقبل، وعدم نجاحها في الاستجابة لمطلب إرساء العدالة الانتقالية، وهو أهم وأقدس مطالب الاجماع الوطني السوري، الذي من دونه لن يتوقف السير نحو حرب أهلية سورية طاحنة، تتخطى الحرب الأهلية اللبنانية”، وقائل “بعدم كفاية الإيماءات الرمزية نحو الشمولية والوحدة، والمشاركة الشكلية للمجتمعات لا يمكن أن تُثمر استقراراً حقيقياً ما لم تُعالج الانقسامات العميقة والمتجذرة التي تعصف بالنسيج الاجتماعي السوري”، وقائل “بعدم وجود اتفاق، ولو في ملامحه العامة، بين مختلف المكونات والقوى السورية الفاعلة والمؤثرة والمعنية، حول طبيعة التغيير المطلوب ونموذجه، وبالتالي طبيعة النظام الذي سيستقر لاحقاً في سورية”.

تكمن مشكلة التوترات القائمة والتباينات السائدة بين مكونات المجتمع السوري في السياسة التي اتبعتها السلطة السورية الجديدة في إدارتها المرحلة الانتقالية وما تعكسه من توجّهات على المدى البعيد، أساسها سيطرة وهيمنة على الدولة والمجتمع من قبل الرئيس الانتقالي أحمد الشرع، والتفرد بالحكم بالارتكاز على السُّنة بعد تحويلهم إلى عصبية عبر دفعهم إلى خوض مواجهات مع بقية المكوّنات السورية، الدينية والمذهبية والقومية، لتحقيق هدفين متكاملين: تخويف السُّنة من مطالب المكوّنات الأخرى وأثرها السلبي على “نصرهم وسلطتهم”، واعتمادهم قوة باطشة في مواجهاتها، وتخويف المكونات السورية الأخرى من قوة السُّنة، من جهة، والعمل على استرضاء الخارج عبر تقديم تنازلات مجانية للكيان الصهيوني والولايات المتحدة لتأمين استمرار تفويضهم في حكم البلاد وإدارة المرحلة الانتقالية، من جهة أخرى، ما يتيح تجاهل مطالب المكونات السورية في التعددية والتشاركية والعدل والمساواة في الحقوق والواجبات والحريات العامة والخاصة.

يشكل غياب الثقة والأمان والعدالة والمساواة السبب الرئيس للتكتل والالتفاف حول عصبية مذهبية أو قومية أو إثنية، ما يجعل البحث عن حماية ما لتوفير الأمان هدف الجماعات المذهبية والقومية الصغيرة والضعيفة، فيما يكمن الرد المنطقي والحصيف على مثل هذه التوجّهات والخيارات في توفير عوامل الثقة والأمان والعدل والمساواة في نظام سياسي تعدّدي وتشاركي يضمن حقوقاً متساوية لمكونات المجتمع، بحيث تشعر بحضورها ودورها في إدارة الشأن العام ولعب دور حقيقي في اتخاذ القرار الوطني على الصعد السياسية والاقتصادية والحصول على حصّة مناسبة من الكعكة الوطنية، ما يعزز الشعور بالرضا ويكرس الانتماء والولاء لوطن واحد وشعب واحد.

العربي الجديد

————————————–

النفق السوري وجدلية تفسير العالم وتغييره/ مالك ونوس

13 مايو 2025

في تأمّلٍ لحالنا، يرى المراقب أن السوريين دخلوا منذ سنوات نفقًا ليس حكرًا عليهم، إذ هنالك كثيرون يدخلونه ويخرجون منه. لكن السوريين يتفوقون على هؤلاء بأنهم أطالوا إقامتهم فيه. ولتغيير هذه الحال، ربما يتطلب الأمر تغيير حالٍ عامةٍ من الظلم والتوحش انعطفت إليها دولٌ كثيرة وبقيت عليها مذ قلَّ الذين يسعون لتغيير العالم.

وإذ تضاءلت فرص التغيير التي كانت منشودة في سوريا بعد سقوط نظام الأسد، ليس بسبب قلة السوريين الذين يسعون لذلك التغيير، وجبت العودة إلى التفسير، تفسير هذا العالم من جديد للوصول إلى توصيف الحال السورية يساعد في ذلك التغيير.

تَوصّل المفكر الألماني كارل ماركس، قبل أكثر من قرن ونصف، إلى نتيجة مفادها أن الفلاسفة قد أشبعوا العالم تفسيرًا، في الوقت الذي كانت الضرورة تقتضي منهم تغييره. وخلال هذه الفترة الطويلة التي تفصلنا عن استنتاجه ذاك، خرجت ثورات تصدى فيها فلاسفة ومنظرون إلى مهمة تغيير العالم الذي بات يتأرجح بين تخفيف الثقل الذي يربض به على صدور الفقراء والمساكين مرة في هذه المنطقة، وزيادته في أخرى.

لكن إعادة إنتاج أنظمة اللاعدالة عبر أشكال متطورة ومبتكرة من أنماط استغلال الإنسان، تَلازَم مع استمرار تفريخِ منظري بلاطٍ يصرّون على إعادة تفسير العالم وفق صيرورة جدلٍ أفلاطوني مزمنٍ، ويتفادون وعورة الطريق إلى تغييره.

يدفعنا إلى هذا الكلام التأملُ في التوحش المنفلت من عقاله، والذي بات يغلف كوكبنا بلا مواربة أو خجلٍ. توحشٌ في إدارة العلاقات الدولية، ينعكس بدوره توحشًا في إدارة شؤون الدول الداخلية أيضًا. وليست عودة الإسرائيليين إلى حرب الإبادة على غزة، على الرغم من توقيع اتفاق لوقف إطلاق النار مع الفلسطينيين، إلا شكلًا من أشكال تلك الإدارة.

كما ليس ترك سوريا، التي خرجت أخيرًا من ربقة دكتاتورية الأسد المتوحشة، تنحدر نحو خطر اندلاع حربٍ طائفية، إلا شكلًا آخر لسيادة هذا التوحش وإدارته العالم. علاوة على المصيبة الأكبر التي سبقت هذا وذاك، وتمثلت بإعادة انتخاب الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، مع ما يشكله من شعبوية وعنصرية نافرتين، وتمثيله للرأسمال الأميركي المتوحش، ومع ما يحمله من مبادئ تمجد الفوضى وتزدري المؤسسات، وتصنيفه المنافسين الاقتصاديين أعداء عليه قهرهم، وعدم رؤيته الدول الأخرى وشعوبها سوى أراض عليه الاستيلاء عليها.

في هذا العالم ربما على الفلاسفة والاقتصاديين والباحثين الاجتماعيين والسياسيين هرش رؤوسهم ومحاولة فهمه وتفسيره من جديد، من أجل إعادة إنتاج الوعي للوصول إلى فهم مختلف له. محاولات ربما تسبق طرحهم السؤال الدائم “ما العمل؟”، إزاء الظاهرات التي لو لم يكن العالم متهيئًا لها، لما أخرجها دونالد ترامب من قبعته ورماها في وجوهنا، كما يُخرج الساحر أرانبه لتركض بين أرجلنا وتتقافز أمامنا.

في سوريا التي عانت من حرب الأسد على الشعب السوري على مدى 14 سنة، ازدادت الآمال فيها مع إسقاط النظام وهروب رموزه، في القطع مع ما كرسه من كراهية وممارسات لضرب النسيج السوري، من أجل بناء دولة المواطنة، لكن أصواتًا خرجت لتنفخ في الاختلافات والخلافات بين مكونات البلاد الطائفية والمذهبية بعد سقوط نظام الأسد.

حاولت تلك الأصوات أن تطل برأسها في الفترة التي تلت السقوط مباشرة لكنها فشلت، غير أنها عادت أكثر قوة وتأثيرًا، حين وقعت الحوادث الطائفية في الساحل السوري، في 6 آذار/مارس الماضي، والتي راح ضحيتها المئات. وإذ لم يتعظ هؤلاء من آلام وفظائع حرب الأسد على شعبه، والحرب الطائفية التي ما زال يعاني منها البلد الجار لبنان، لا يجدون غضاضة في الدعوة للانتقام وحتى للتطهير العرقي في سياق أعمال حربية لا يطول الوقت حتى تتطور لحرب طائفية. يفعلون ذلك وهم واعون لعواقب أعمال من هذا القبيل على جهد إخراج البلاد من عزلتها، ومساعي تحريك عجلة اقتصادها التي لن تدور ما دامت دعوات كهذه مستمرة، وما دام أصحابها طلقاء لا يُحاسبون.

وتكثر الأمثلة والوقائع التي تفرض على فلاسفة العصر وباحثيه إعادة البحث فيها من أجل فهمها وصولًا إلى تفسير العالم من جديد، لأن المهمة الملحة الآن باتت إعادة تشكيل الوعي لدى الشعوب، وربما أكثر لدى النخب الحاكمة، التي ليس من اليسير إفهامها أن إدارتها العالم وفق المنهجية المتبعة لن تؤدي إلا إلى إعادة الجميع إلى نقطة البدء، وكأن لا بنيان ولا معارف ولا نتائج وآلام قد تراكمت.

وبينما توفرت لدى المنظومة الدولية فرصة لإعادة النظر بالنهج الذي اتبعته البشرية كناظم لعلاقاتها ودليل عمل لتسيير نشاطها الإنساني، فشلت في اغتنام تلك الفرصة. كان ذلك حين ظهر فيروس كورونا وأصاب هذه البشرية وهدد بقاءها. فيروس كان هشًا لدرجة كبيرة غير أنه أظهر هشاشة هذه البشرية وتخبطها خلال مواجهته. فهل فهمت الدرس وأدركت نُخبها أن وجود البشرية قد يتقرر في لحظة تهتز فيها قدرة هذه النُّخب على تثبيت دفة قيادة العالم، فلا تعرف هل تستطيع إيصاله إلى بر الأمان، أم توصله إلى هاوية لا قرار لها؟

وتتعاظم مسؤولية النخب في هذه الأزمة من عدم اليقين. هل يغيرون العالم وفق الفهم الذي تراكم عنه وعن التحولات التي طرأت عليه حتى أيام ماركس؟ أم يعودون إلى تفسيره من جديد من أجل إعادة البحث في طرق تغييره وفق شاكلة جديدة؟ فالتوحش الذي بات سمة العالم، ربما يعيدنا إلى المهمة التي كان يجب تنفيذها قبل أكثر من قرن ونصف، إلى الوقت الذي استنتج فيه ماركس ضرورة أن يغير الفلاسفة العالم وفق ما قصده هذا المفكر، أي التغيير الجذري، عبر قلبهِ رأسًا على عقب، للوصول إلى عالم أكثر إنسانية، بعد أن تزايد العجز عن وضع حدٍّ لانتشار هذا التوحش. وربما حتى يتحقق ذلك، قد لا يجد السوريون طريقة للخروج مما هم فيهم، حينها قد يستمرون في ذلك النفق، وقد يستمر العالم بإغلاق المنافذ التي يظهر منها الضوء الذي يشير إلى نهايته.

الترا سوريا

———————————–

السوريون ينعمون بمزيد من الحرية بعد الأسد، لكن هل يمكن أن يخسروها قريباً؟/ لينا سنجاب

14.05.2025

بعد مرور أربعة أشهر من سقوط الأسد، أصبح الوضع أكثر تعقيدًا. فرغم التقدم الكبير في نيل بعض الحريات الاجتماعية، تتزايد المخاوف بشأن شكل الديمقراطية القادمة، وكذلك حول دور الإسلام في النظام الجديد، فإلى متى يمكن أن تدوم هذه الحريات الاجتماعية؟ وهل يمكن، كما يخشى البعض، أن تكون هذه المكتسبات مؤقتة؟

في صباح يوم 8 ديسمبر 2024، كنت أنتظر بقلق عند الحدود اللبنانية، على أمل الدخول إلى سوريا فور فتح المعبر، دون أن أعرف ما الذي ينتظرني.

كان بشار الأسد، الرئيس الذي حكم البلاد لمدة 24 عاماً، قد رحل. تقدّم مقاتلو المعارضة نحو دمشق، وسيطروا على مدن رئيسية من بينها حلب. لم أصدق ما رأيته: سوريا أصبحت حرّة.

مثل كثير من السوريين، لم أعرف البلاد إلا تحت حكم الأسد ووالده حافظ، الذي حكم من عام 1971 حتى عام 2000. كانت الحياة تحت حكم عائلة الأسد تعني أكثر من 50 عاماً من الاختفاءات القسرية والاعتقالات – والحرب الأهلية التي بدأت عام 2011 أودت بحياة مئات الآلاف من السوريين.

كنت قد اعتُقلت في بداية الانتفاضة ذلك العام، وعدة مرات بعدها؛ وشاهدت رجالاً يُصطفّون لتلقّي الضرب، وسمعت صرخات التعذيب. وحتى بعد مغادرتي للبلاد عام 2013، علمت أن قوات الأمن اقتحمت شقتي في دمشق وخرّبتها.

كنت أظن أنني فقدت وطني إلى الأبد، ثم فجأة، سقط النظام الديكتاتوري في غضون أكثر من أسبوع بقليل. وعندما عبرت الحدود إلى البلاد دون خوف من الاعتقال، وشاهدت مقاتلي المعارضة يطلقون النار في الهواء احتفالاً، بينما الناس يحتفلون في الشوارع، شعرت برغبة في الضحك والبكاء في آنٍ واحد.

لأسابيع، أصبحت ساحة الأمويين بدمشق مركزًا للاحتفالات، كان الشباب وكبار السن يتحدثون بحرية عن السياسة، وكان النقاش حول مستقبل سوريا يدور علنًا في كل مكان، بين باعة الشوارع وسائقي التاكسي والأولاد الذين ينظفون الأحذية. كل هذا كان لا يمكن تصوره في عهد الأسد، إذ لم يكن بإمكان السوريين الاحتجاج بحرية خوفًا من الانتقام.

لكن بعد مرور أربعة أشهر فقط، أصبح الوضع أكثر تعقيدًا. فرغم التقدم الكبير في نيل بعض الحريات الاجتماعية، تتزايد المخاوف بشأن شكل الديمقراطية القادمة، وكذلك حول دور الإسلام في النظام الجديد.

فإلى متى يمكن أن تدوم هذه الحريات الاجتماعية؟ وهل يمكن، كما يخشى البعض، أن تكون هذه المكتسبات مؤقتة؟

عودة من المنفى للكثيرين

في مقهى الروضة بوسط دمشق، مقابل مبنى البرلمان، يجتمع مثقفون حول طاولات طويلة ليدخنوا الشيشة ويتحدثوا عن الثقافة. في عهد الأسد، كان يتم اعتقال النشطاء السياسيين من هناك، وكان هناك اعتقاد بأن بعض النادلين يعملون كمخبرين للنظام.

اليوم، المشهد مختلف تمامًا. تُنظم في المقهى جلسات حوارية وتُعزف الموسيقى. كما عاد العديد من الشخصيات البارزة التي كانت قد فرت من البلاد، وكان يُستقبل بعضهم بفرقة موسيقية تعزف أغانٍ تراثية على إيقاع الطبل الكبير.

الصحفي السوري محمد غنام، أحد العائدين، يقول إنه قضى شهورًا في سجون النظام، ثم انتقل إلى فرنسا، وشعوره بالفرح عند العودة لا يوصف.

يقول: “أعتقد أن على كل من يستطيع العودة أن يعود لبناء البلد”،مضيفاً “الفرصة متاحة الآن لفعل ما تشاء مقارنة بما كان قبل 8 ديسمبر 2024”.

ويضيف متأملاً الماضي: “حتى الخطباء في المساجد كانوا يحتاجون لموافقة على ما سيقولونه. أما الآن فالأمر حر تمامًا. في خطبة الجمعة، تحدث الإمام عن أن حريتك الشخصية لا ينبغي أن تتعدى على حرية الآخرين”.

عاد كذلك عدي الزعبي إلى سوريا بعد 14 عامًا. كان عدي قد غادر للدراسة لكنه لم يتمكن من العودة من قبل بسبب آرائه المعارضة للنظام.

قال لي: “كانت كتبي ممنوعة هنا. الآن لا توجد رقابة، يمكنك قراءة ما تشاء. وفوجئت بأن كثيرًا من الناس يريدون القراءة والمعرفة”.

“هذا تغيير كبير” يقول علي الأتاسي، صانع أفلام وثائقية سوري وابن الرئيس السوري السابق نور الدين الأتاسي الذي كان قد أُطيح به في انقلاب قاده حافظ الأسد.

“لقد غيّر قواعد اللعبة، وفتح آفاقًا واسعة للبلاد.”

حماية المشهد الثقافي

كانت سوريا تفخر دومًا بمشهدها الثقافي والفني الحيوي. جهدت عائلة الأسد لتقديم صورة ثقافية غنية للعالم، لكن رغم ذلك قُتل بعض الفنانين والكتّاب بسبب آرائهم السياسية.

في السابق، كان حمل كتب معينة سببًا كافيًا للاعتقال. أما اليوم، فتُعرض كل أنواع الكتب في مكتبات العاصمة – حتى الكتب السياسية. وتُعرض أفلام كانت محظورة سابقًا في نوادي السينما.

ولأسابيع بعد سقوط الأسد، لم تعين الحكومة المؤقتة وزيرًا للثقافة، لكن الموسيقيين والفنانين نظموا أنفسهم لحماية المشهد الفني.

ومع ذلك، ظهرت مخاوف جديدة: فبينما كانت النقاشات السياسية تُقمع في عهد الأسد، يخشى البعض من أن يؤدي تدخل رجال الدين إلى قمع بعض أشكال الفن باعتبارها “معادية للدين”.

لكن لا يوجد دليل واضح على ذلك. فقد شوهد الدكتور ماهر الشرع، شقيق الرئيس المؤقت، في دار الأوبرا برفقة عائلته؛ حيث عزف موسيقيون سوريون مقطوعات لفيفالدي، وبدت العائلة وكأنها أي عائلة عصرية تقضي عطلة نهاية الأسبوع في نشاط ثقافي.

وبعد سقوط الأسد، أُقيمت فعالية ثقافية في “بيت فارحي”، وهو منزل تاريخي في قلب الحي اليهودي بدمشق، تضمّنت حوارات حول السينما والموسيقى والمسرح وعروضًا فنية. وعزفت أوركسترا نسائية بالكامل أغانٍ تمجد الثورات والشهداء، مما أبكى بعض الحضور.

تقول نورا مراد، مصممة رقصات: “من الرائع أن تتاح لنا الفرصة لنتحدث سويًا حول كيفية حماية ودعم المشهد الفني في سوريا”.

ويُبدي علي الأتاسي تفاؤلاً مماثلاً: “أعتقد أن السوريين لن يسمحوا لهذا النظام الجديد بالتدخل في حياتهم الخاصة، أو بفرض قواعد على كيفية تصرفهم في الأماكن العامة”.

تركيز السلطة

حين تم تعيين الرئيس السوري أحمد الشرع، الذي قاد الهجوم الذي أطاح بالأسد، من قبل مجلس عسكري في 29 يناير، ألقى خطابًا أكد فيه أن الأولوية هي “سدّ الفراغ السياسي بطريقة شرعية وقانونية”.

لكن بعد مرور أشهر، بدأت تظهر مخاوف بشأن إمكانية بناء ديمقراطية دائمة، فلا يوجد نظام لمحاسبة المسؤولين، بمن فيهم الرئيس، إلى أن يتم اعتماد دستور دائم وإجراء انتخابات.

يقول الأتاسي: “في الأشهر الماضية، لم يكن النظام مستعدًا لتقاسم السلطة أو السماح لقوى سياسية واجتماعية أخرى بأخذ مكانها في المجتمع”.

ويتابع: “من دون فتح الساحة السياسية لقوى أخرى، لا أعتقد أن الشـرع سيتمكن من إعادة سوريا إلى المجتمع الدولي”.

في فبراير، اجتمع المئات في قصر الشعب بدمشق في حوار وطني استمر يومين حول مستقبل سوريا. لكن بعض النقاد رأوا أن الاجتماع تم على عجل، ولم يكن كافيًا لتغطية كل القضايا الجوهرية.

يقول عبد الحي السيد، وهو خبير قانوني سوري: “أجزاء كبيرة من المجتمع السوري شعرت بالإقصاء أو عدم التمثيل”. ويضيف: “[الاجتماع] بدا وكأنه محاولة لمحاكاة قبول واسع”. ومع ذلك، يعترف: “يعكس هذا نوعًا من الاستعداد لدى السلطات الجديدة لتوسيع نطاق التشاور”.

وقد أكد الشرع، الذي كان قائدًا لهيئة تحرير الشام (HTS)، التزامه بإجراء “انتخابات حرّة ونزيهة”. كما عيّن لجنة لصياغة إعلان دستوري يحدد مستقبل سوريا خلال فترة انتقالية مدتها خمس سنوات، إلا أن هذا الإعلان لم يُكرّس مبدأ فصل السلطات.

يقول الأتاسي: “عليه أن يثبت جديته في إشراك كل الفئات السياسية”.

وقد تم بالفعل تعيين امرأة مسيحية كوزيرة للشؤون الاجتماعية، كما أصبح رئيس الدفاع المدني (الخوذ البيضاء) وزيرًا للطوارئ والكوارث.

لكن أثار تعيين شقيق الشرع رئيسًا للشؤون الرئاسية تساؤلات.

ويضيف عبد الحي السيد: “أعضاء بارزون سابقون في هيئة تحرير الشام يشغلون الآن مناصب سيادية حساسة”.

كما يشير الأتاسي إلى أن “أشخاصًا مؤهلين في القانون الدولي لم يُطلب منهم المشاركة في الحكومة، وتم تجاهلهم”.

وزير العدل يحمل شهادة في الشريعة الإسلامية، وليس خبيرًا في القانون المدني السوري، المستمد من القانونين الفرنسي والعثماني. وقد طرحت تساؤلات حول احتمال تطبيق قوانين مستوحاة من الشريعة بدلًا من القوانين المدنية.

يقول السيد: “لم تحاول السلطات الجديدة حتى الآن استبدال القوانين الحالية بتشريعات مستوحاة من الشريعة”.

لكنه يضيف: “مع ذلك، لا بد من مراقبة هذا الأمر عن كثب. أكثر ما يقلق هو ما إذا كانت استقلالية القضاء ستُستعاد وتحظى بالحماية”.

حرية النساء والدين

في عهد الأسد، كانت للنساء حقوق متساوية نسبيًا، وكنّ ممثلات في البرلمان منذ خمسينيات القرن الماضي، كما كنّ حاضرات في جميع مستويات المجتمع.

لا توجد قوانين جديدة تشير إلى تغيّر في ذلك، لكن هناك بعض الإشارات المثيرة للقلق، فقد تم تعيين امرأة واحدة فقط في الحكومة المؤقتة.

وأعربت ناشطات في حقوق المرأة عن قلقهن، بحسب بحث مشترك بين جامعتَي كوليدج لندن وماكغيل، من احتمال تطبيق تفسيرات صارمة للشريعة الإسلامية، قد تقيد حركة النساء ولباسهن ومشاركتهن في الحياة العامة.

يقول السيد: “من المهم مراقبة ما إذا كانت القاضيات – اللواتي يشكلن حوالي 35 إلى 40% من الجهاز القضائي – سيتعرضن للتهميش أو الإقصاء”.

ويضيف: “حتى الآن، لم نرَ مؤشرات على ذلك، لكن الحذر لا يزال ضروريًا”.

أما الحريات الدينية، فلم تصدر قوانين جديدة تقيد الحياة الاجتماعية، لكن بعض السوريين يقولون إن هناك محاولات لفرض القيم الإسلامية.

فقد بدأ فصل مداخل وزارة العدل بين الرجال والنساء، كما وُزعت منشورات على الحافلات وفي مسجد الأموي تطالب النساء بارتداء النقاب الكامل.

وفي الأحياء المسيحية بدمشق، جابت سيارات الشوارع بمكبرات صوت يدعو من خلالها دعاة إلى الإسلام. كما صدر أمر بإغلاق الحانات والمطاعم في حي باب توما المسيحي، ولم يُلغَ إلا بعد احتجاج شعبي.

يقول بعض المراقبين إنهم قلقون. فدمشق معروفة بتسامحها، لكن هناك مخاوف في بعض الأوساط من أن السلطات الجديدة ذات خلفية سلفية.

يقول السيد: “هناك دعوات متزايدة للعودة إلى القيم الدينية… وهذا يمثل تحديًا كبيرًا لمن لا يزال يؤمن بالديمقراطية، وسيادة القانون، والمواطنة المتساوية.”

لكن حسام جزماتي، وهو أكاديمي سوري متخصص في الحركات الإسلامية، يرى أن الشرع “يعارض الحركات السياسية الإسلامية وغير الإسلامية على حد سواء، ولا يريد إقامة دولة إسلامية ولا يعتقد أن ذلك ممكن.” ويضيف: “هم لا يريدون ذلك، ولا يستطيعون.”

حتى إن أرادت الحكومة فرض ممارسات متشددة، فهل تستطيع؟ يرى علاء الدين السيّق، إمام في دمشق، أن ذلك مستحيل، ويقول: “مجتمعنا لن يقبل بذلك.”

“لقد عشنا في وئام بين الطوائف حتى في أحلك الظروف. والقرآن يقولها بوضوح: لا إكراه في الدين.”

رؤى متضاربة للمستقبل

اليوم، تزداد التوترات: أعمال عنف في المدن الساحلية أدت إلى مقتل أكثر من 1400 شخص، كثير منهم من الطائفة العلوية (طائفة الأسد)، واعتُبرت تلك الهجمات انتقامًا من قوى الأمن السورية.

أما في شمال شرق البلاد، ورغم إعلان قوات سوريا الديمقراطية (قسد) النصر على داعش عام 2019، فإن مخيمات تحتجز نحو 56,000 شخص، كثير منهم من عائلات مشتبه بانتمائهم للتنظيم، لا تزال قائمة بعد أكثر من خمس سنوات على هزيمته.

السؤال الأهم الآن هو كيف يرى السوريون مستقبلهم؟

تظهر بعض التوترات، بحسب الباحث حسام جزماتي، بين قيادة الشرع وهيئة تحرير الشام.

ويقول إن دائرة الشرع تسعى لبناء دولة “محافظة ليبرالية اقتصاديًا”، لكن لا يمكنهم منع بعض المعيّنين من قبله من محاولة أسلمة الحياة العامة.

ويعبّر “مركز الأزمات الدولية” عن مخاوف مماثلة، معتبراً أن سوريا “تعيش في وقت مستقطع”.

ويضيف المركز، “الحكومة المؤقتة على وشك الإفلاس، قوى الأمن منهكة، الفقر يتفاقم، والتمرد يتشكل على الأطراف. هناك تدخل خارجي. العقوبات الغربية تحرم القادة مما يحتاجونه لإعادة الإعمار، مع منع الانقسام أو العودة للحرب الأهلية”.

بالنسبة للأتاسي، فالحل واضح، فهو يعتقد أن الشرع بحاجة إلى فتح الساحة السياسية. “لا توجد انتخابات في سوريا اليوم، بل توجد فقط ترشيحات … وهذا أمر خطير جداً.”

ثم يضيف: “قد تكون هناك ديكتاتورية جديدة قيد التشكل لكنني لا أعتقد أن الشعب السوري مستعد، بعد خمسة عقود، لقبول ديكتاتورية جديدة.”

أما عن إمكانية قيام ديمقراطية دائمة؟ “علينا أن ننتظر لنرى”، يقول. “لكنني لست متفائلاً على الإطلاق.”

ومع ذلك، هناك مسألة أوسع أيضاً. وهي: هل يمكن أن يكون هناك فقدان للإيمان بفكرة الديمقراطية نفسها في ظل التاريخ الحديث للبلاد؟

عبدالفتاح السيد يعتقد ذلك. “رغم أن دساتير عهد الأسد أعلنت رسمياً عن الحريات السياسية… إلا أن تجربتنا مع الحداثة السياسية جاءت على شكل قذائف تسقط على رؤوسنا، بينما كانت أجسادنا عارية في معسكرات الاعتقال”، يقول لي.

“شرائح واسعة من الشعب السوري فقدت الثقة بوعود الحداثة السياسية.”

ومن بين العديد من التحديات التي تواجه القيادة الجديدة، ربما يكون من الحكمة أن تبدأ بمعالجة هذه النقطة أولاً، وهي تشق طريقاً جديداً لمستقبل سوريا.

نشر هذا المقال على موقع بي بي سي بالانجليزية

درج

——————————-

خواطر من وحي حلّ حزب العمال الكردستاني/ أرنست خوري

14 مايو 2025

قرار حزب العمال الكردستاني حلّ نفسه تاريخي بالفعل، على الأقل لأنه يعدنا بإمكانية أن تنتهي قضية من قضايا هذا الشرق الأوسط وتسقط عن رف “القضايا المقدّسة” العصية على الحل. وبقدر ما هو تاريخي، فإنه يحيل إلى تقاليد سياسية مفقودة في العالم الثالث الذي يشمل مناطق إقامة الأكراد في تركيا والعراق وإيران وسورية. وبغض النظر عن مصير القرار وعن مدى التزام فروع الحزب فيه، وعن كيفية ملاقاته من السلطة في أنقرة، فإنّه بمثابة تذكيرٍ لقارئ عربي كم أن أفكاراً سياسية بدائية وبديهية، كإعلان انتهاء مفعول حزبٍ ما، أو اعتراف بفشل أدوات الشغل لتحقيق هدف، أو إعادة النظر في شعارات قضية معيّنة، غائبة عن الحياة السياسية العربية القريبة جداً جغرافياً وديمغرافياً وفكرياً من ميادين حزب العمّال الكردستاني، التركي رسمياً، ولكنه مطعّم بقيادات ومقاتلين وجماهير كردية عريضة من بلدان عربية. فأن يحلّ حزب ماركسي ــ لينيني نفسه، كـ”العمّال الكردستاني”، متمحور منذ تأسيسه قبل 47 عاماً حول قائد واحد هو بمثابة إله ملهم أو نصف إله بالنسبة إلى أنصاره، فإنما ذلك يتطلب جرأة هائلة ومراجعات سياسية من صاحب القرار (عبد الله أوجلان) لمسيرة نصف قرن من كفاحه المسلح والسياسي. جرأة ومراجعات لا تقلّل من أهميتها ثرثرات تعزو القرار بسطحية مذهلة إلى رغبة أوجلان بالخروج من سجنه مقابل حل الحزب، وهي صفقة كان على الأرجح قادراً على إبرامها منذ اعتقاله عام 1999، لا عن عمر 76 عاماً، بعد 26 سنة قضاها في سجن انفرادي وسط جزيرة إمرلي.

في ذاكرة المتابع العربي حالات نادرة من حلّ أحزاب عربية نفسها، على عكس وفرة أمثلة حظرها بقرارات سلطات حاكمة. ويذكر كاتب هذه السطور ما أخبره إياه المفكر الشيوعي المصري سمير أمين عام 2008 عن كيف قررت قيادة الحزب الشيوعي المصري حلّ التنظيم عام 1965 إكراماً لجمال عبد الناصر! وشتّان ما بين تلك الإكرامية وقرار أوجلان الذي لم يكن يقتنع طيلة عقدين من كفاحه المسلح والسياسي بأقل من دولة كردية تمتد على أراضي إقامة الأكراد في سورية والعراق وإيران وتركيا. استوعب الرجل الفشل، فباشر تقديم التنازلات التي لم تجعل من ناسه يكفّرونه، ذلك أن الجمهور الكردي القومي نفسه اقتنع باستحالة إقامة دولة كردية وتعب من كلفة القضية. انتقل أوجلان من شعار الدولة الكردية إلى نظرية الكونفيدرالية الكردية التركية ــ السورية ــ الإيرانية ــ العراقية، ثم يئس فاقترح إرساء أنظمة فيدرالية في بلدان الأكراد الأربعة. فكرة بدت مستحيلة مجدداً في ظل اتفاق أنظمة البلدان المذكورة تلك ضد الأكراد وقومييهم، فنزل أوجلان طابقاً إضافياً في مبنى تصوراته السياسية ليكتفي بمطلب الإقليم الكردي المحكوم ذاتياً داخل تركيا حصراً، وهو إقليم حدد له عيد ميلاد هو 15 يوليو/ تموز 2011، وقد أحبطت السلطات التركية إبصاره النور بحملة أمنية في عاصمة أكراد العالم، دياربكر. حصل كل ذلك بعدما لم يكتفِ أكراد تركيا بما قدمته حكومة رجب طيب أردوغان لهم تحت رئاسة عبد الله غول عام 2009 باسم “خطة الانفتاح الديمقراطي”، من تلفزيون وإذاعة تركيين حكوميين باللغة الكردية (TRT 6)، وخطة لتنمية مناطق الأكراد بقيمة 12 مليار دولار من دون أن تنص لا على حل فيدرالي ولا على قانون عفو شامل ولا على حكم ذاتي للأكراد ولا حتى على توسيع حيّز اللامركزية للمحافظات الكردية في جنوب شرق الأناضول.

أمّا وقد بات القوميون الأكراد الأتراك يكتفون بمطلب مساواتهم مع بقية المواطنين في الحقوق السياسية الكاملة في دولة ديمقراطية غير طورانية، فحينها يصبح كل المعنى في تعاطي الحكومة التركية مع حدث حل الحزب نفسه وتسليم سلاحه. أمام السلطة التركية فرصة نادرة لإنصاف الأكراد سياسياً، لا ثقافياً فحسب، وإلا تكون قد حرمتنا من أن نقول إننا أخيراً رأينا في عمرنا القصير هذا قضية تُحَلّ وتخسر لحسن الحظ صفة “القضية” ويصبح ذكرها متبوعاً بصفة “السابقة”.

العربي الجديد

—————————————-

أحداث السويداء تكشف عن علاقة “قسد” بتشكيلات درزية مسلحة/ فراس فحام

السويداء تدعم وتتضامن مع اتفاقية قسد في دمشق

15/5/2025

كشفت المواجهات التي شهدتها أشرفية صحنايا بريف دمشق وامتدت إلى أطراف محافظة السويداء، أواخر أبريل/نيسان الماضي، عن علاقات قوية بين قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وأطراف درزية مسلحة.

ولا تفوت قوات “قسد” الفرصة لاستثمار أي خلاف بين المكونات السورية، من أجل التأكيد على أنها الخيار الأفضل لسوريا، حيث قدم المحسوبون عليها خطاباً مناصراً للمطالبين بعدم دخول القوات الحكومية إلى السويداء ومناطق سكن الدروز بريف دمشق مثل صحنايا وجرمانا.

كما أتاحت “قسد” المجال لمظاهرات نددت بما وصفته “مجاز بحق سكان الساحل السوري” بعد المواجهات التي اندلعت بين قوات حكومية سورية وموالين لها من جانب مع مجموعات مسلحة يقودها ضباط سابقون في نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد مطلع مارس/آذار الماضي.

وقد سلطت هذه الأحداث الضوء على دور “قسد” وعلاقاتها مع بعض الفاعلين الدينيين والعسكريين في المحافظة.

علاقة “قسد” بفصيل مسلح بالسويداء

منذ منتصف عام 2023، وبعد اندلاع الاحتجاجات الشعبية في السويداء ضد نظام الأسد، كشفت تقارير سورية عن وجود علاقات بين “قسد” وحزب اللواء السوري الذي يطالب بإنشاء إقليم مستقل في الجنوب السوري، وقوة مكافحة الإرهاب التي كانت بمثابة الذراع العسكري للحزب المذكور.

ووفقاً لتلك التقارير، فإن “قسد” ساهمت منذ عام 2022 في تقديم تدريبات ودعم لقوة مكافحة الإرهاب، التي حصلت أيضاً على منح مالية من قوات التحالف الدولي في سوريا التي تشمل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، والتي تقيم قواعد في مناطق شمال شرق سوريا الخاضعة لقوات “قسد”.

وفي منتصف عام 2023 أسس حزب اللواء -الذي أسسه ويرأسه مالك أبو الخير المقيم في فرنسا- مكاتب خدمية في السويداء، وأكد رغبته بتأسيس إدارة ذاتية خاصة بالمجتمع في السويداء، وهو نفس الخيار الذي بقيت تتبناه “قسد” إلى حين سقوط نظام الأسد أواخر عام 2024. لكنها منذ بدء القوات الأميركية تقليص وجودها في سوريا، خفضت “قسد” من سقفها وباتت تتمسك بنظام الحكم اللامركزي.

ويتبنى حزب اللواء إقامة “إقليم الجنوب” الذي يضم محافظات جنوب سوريا ومن بينها السويداء، في شكل يشبه إقليم “الإدارة الذاتية” الذي أسسته “قسد” في محافظات شمال شرق البلاد.

التنسيق بعد سقوط الأسد

خلال الأحداث التي وقعت في أشرفية صحنايا بريف دمشق، ومحافظة السويداء أواخر أبر يل/نيسان الفائت، وأوائل مايو/أيار الجاري، ظهر أحد مشايخ العقل الدروز -في لقاء متلفز- ويدعى مروان كيوان، مطالبا “قسد” بإنقاذ البلاد وقيادة المرحلة الانتقالية من أجل الوصول إلى سوريا موحدة ديمقراطية وعلمانية ولا مركزية، لتحافظ على وحدة سوريا وحقوق كل الشعب السوري بحسب وصفه.

ومطلع مايو/أيار الجاري، أعلنت قوات الأمن السوري عن ضبط شحنة أسلحة في منطقة السخنة بالبادية السورية، كانت متجهة من مناطق سيطرة “قسد” إلى محافظة السويداء، مما أوحى بأن الأمر لا يقتصر على مجرد تصريحات إيجابية من قادة دينيين دروز تجاه “قسد”.

وقد مارس نشطاء ينتمون إلى “قسد” دعاية قوية لصالح الشيخ الدرزي حكمت الهجري والمجلس العسكري في السويداء الرافضين لدخول الحكومة السورية إلى المحافظة الجنوبية، واعتبروا أن مطالبهم تنم عن رغبة بتطبيق اللامركزية في سوريا.

وقبيل إعلان فصائل المعارضة السورية السابقة لمؤتمر “النصر” الذي نصبت من خلاله أحمد الشرع رئيساً مؤقتاً لسوريا مطلع فبراير/شباط 2025، أعلن مجلس سوريا الديمقراطية (الذراع السياسية لقسد) عن قيام وفد من طرفه بزيارة محافظة السويداء، حيث التقى مع الهجري الذي يتصدر الشخصيات المناهضة للحكومة السورية الحالية.

واتفق الجانبان خلال اللقاء على عدم تسليم السلاح للدولة السورية إلا بعد “تشكيل حكومة انتقالية شاملة” في موقف يعكس عدم الرضا عن تنصيب الشرع رئيساً لسوريا.

وتتلاقى “قسد” مع جهات عديدة في السويداء بالاستياء من الحكومة السورية نتيجة عدم إشراكهم في مؤتمر الحوار الوطني، ولمنعهم من المساهمة في الإعلان الدستوري اللذين كانا بمثابة خطوات لإضفاء الطابع الشرعي الشعبي والقانوني على الحكومة الانتقالية الحالية.

مجلس السويداء العسكري

أواخر فبراير/شباط من العام الجاري، أعلن مجموعة من الضباط السابقين في نظام الأسد عن تشكيل “مجلس السويداء العسكري” بقياد طارق الشوفي، حيث أتى الإعلان بعد يوم واحد من إعلان الحكومة الإسرائيلية ضرورة نزع السلاح من الجنوب السوري.

كما أعلن هذا “مجلس السويداء العسكري” في بيان التأسيس عن اعتماده للهجري كمرجعية دينية، بالإضافة إلى التأكيد على أن هدفه حماية “حدود الجنوب” من عصابات التهريب، والجماعات الإرهابية.

وفي إشارة محتملة إلى العلاقة بينه وبين “قسد” قال المجلس في بيان تأسيسه إن “مشروع المجلس وطني يهدف إلى تنظيم التعاون بين القوى المسلحة في المجتمع المحلي، وبمباركة من الشيخ حكمت الهجري، وبالتنسيق مع دول التحالف الدولي” الذي لم يصدر عنه بيان في هذا الشأن ويعتبر “قسد” شريكه المحلي في سوريا.

وقد حمل الشعار الذي تبناه المجلس تصميما يشبه الشعار الذي تعتمده “قسد” كما سارع حزب “الاتحاد الديمقراطي” الذي يقود “قسد” إلى نشر إعلان “المجلس العسكري للسويداء” على موقعه الرسمي ووصف الإعلان بـ”التطور اللافت”.

وقال “الاتحاد الديمقراطي” إن التشكيل الجديد “يأتي في وقت تشهد فيه سوريا تحولات سياسية وأمنية كبيرة مما يجعله خطوة مهمة في مسار تعزيز الأمن المحلي في السويداء”.

ورغم نفي “مجلس السويداء العسكري” تبعيته لأي جهة داخلية أو خارجية، تحدثت تقارير عن تلقيه دعما وتمويلا من قوات “قسد” وأن مسألة تشكيل المجلس أثارها وفد “مسد” لدى زيارته إلى السويداء، دون تأكيد من جهة مستقلة.

ويتقاطع هذا المجلس مع مطالب “قسد” المتمثلة بتبني خيار الدولة العلمانية الديمقراطية اللامركزية، بحسب ما صرح قائد المجلس طارق الشوفي الضابط السابق في جيش النظام السوري.

جهود إنشاء إقليم مستقل

يشير تأكيد “مجلس السويداء العسكري” على هدف حماية “الجنوب” إلى رغبة بتكريس فكرة الإقليم المستقل، ويوحي بمحاولة فرض أمر واقع على الحكومة السورية متمثلا بوجود أقاليم متعددة تتمتع باستقلالية.

وبرز دور المجلس العسكري في السويداء بشكل واضح بعد الصدامات بين قوات عشائرية وفصائل محلية في المحافظة مطلع مايو/أيار الجاري، فقد رفض المجلس بشكل قاطع فكرة دخول قوات أمن تتبع للحكومة السورية إلى السويداء.

وأصر المجلس على إعادة تفعيل دور القوى الأمنية التي كانت تنشط في المحافظة زمن نظام الأسد، كما قام منتسبو المجلس بإزالة العلم السوري من مدخل السويداء، ورفعوا الأعلام الخاصة بالطائفة الدرزية.

ومما ساعد على زيادة فاعليته حالة التوتر والاحتقان في محافظة السويداء، بسبب اعتقاد العديد من الفاعلين بالمحافظة بأن الحكومة قصرت في منع القوات العشائرية من الهجوم على المدينة، الأمر الذي أضعف موقف بعض الأطراف التي تتبنى التنسيق مع الحكومة السورية على غرار قائد فصيل “شيخ الكرامة” ليث البلعوس.

المحاولة الأولى لإنشاء المجلس العسكري

لم تكن محاولات “قسد” لمد نفوذها إلى السويداء جديدة، ففي خضم المظاهرات التي شهدتها المحافظة ضد الأسد على مدى عام ونصف العام قبل سقوطه، أعلنت فصائل محلية في مايو/أيار من العام الماضي تشكيل مجلس عسكري للطائفة الدرزية حمل اسم “مجلس القوى العسكرية في السويداء”.

وقد ادعت الفصائل المنضوية تحت المجلس أن تشكيله مدعوم من الشيخ الهجري، وأنه هو شخصياً وبأمر مباشر من طلب تشكيله. وأكدت تقارير في حينها أن التشكيل تقف خلفه “قسد” وأنه تم تقديم الدعم المالي من قبلها للقائمين عليه وأبرزهم الشيخ رائد المتني وأيسر مرشد اللذين وعدا قادة الفصائل المنخرطة في التشكيل برواتب شهرية لجميع المقاتلين.

ولكن الشيخ الهجري اعتبر، بحسب ما نقلت تقارير عن مصادر مقربة منه، التشكيل “طعنة” هدفها تشويه الحراك السلمي ضد النظام السوري، وانسحبت معظم الفصائل بعد اعتراف المتني أمامها في اجتماع مغلق بتلقيه الدعم بوساطة وتنسيق المسؤول الإعلامي في “قسد” أمجد عثمان، وكذلك بعد أوامر مباشرة من الشيح الهجري الذي أكد لهم عدم علمه به.

ويبدو أن اختلاف الظروف بين مايو/أيار العام الماضي -خلال سيطرة نظام الأسد وبين مايو/أيار الجاري بعد سقوط الأسد- قاد إلى إعادة إنتاج المجلس العسكري ولكن هذه المرة بالاعتماد على ضباط وجنود النظام السابق في السويداء ولأهداف مختلفة.

المصدر : الجزيرة

——————————–

ملاحظات/ ملاذ الزعبي

من الخسائر الجانبية للعلويين السوريين على مدى العقود الماضية نتيجة ارتباطهم وتشابكهم المعقد مع نظام الأسد هو الغياب شبه الكامل للخبرات والقدرات على العمل من خارج أجهزة الدولة السابقة. اليوم وكأنو العلويين مبتدئين بعالم الشأن العام، ما في عندهم أي مؤسسات أو جماعات أو تجارب دينية صلبة سواء مثل المشيخة الدمشقية أو الجماعات الصوفية أو الجماعات السلفية أو مؤسسة الافتاء أو  رجال الدين الدروز ومشايخ العقل (بالسويداء  لحالها في ٣)  أو حتى مؤسسة سياسية دينية خدمية مثل مؤسسة الآغا خان الإسماعيلية أو الكنائس المختلفة ومجموعة الجمعيات المنضوية تحتها، ولا راكموا بالسنوات السابقة التجارب اللي راكموها غيرهم من السوريين بعالم منظمات المجتمع المدني المستقلة البعيدة عن سلطة الدولة ولا طبعا نشاط أهلي إغاثي جدير وشبكات أمان اجتماعي بديلة، ولا حتى كان في نشاط إعلامي نتج عنه عدد كبير من المواطنين والمواطنات الصحافيين أو شبكات إعلامية عالسوشال ميديا عدا عن المواقع ووسائل الإعلام التقليدي اللي تمولت من مؤسسات ومنح غربية وخليجية وغيره (والنشاط الإعلامي المستقل عن النظام وأجهزة أمنه ما اقتصر على المعارضة السورية التقليدية وبيئات الثورة بالمناسبة وهو موجود بريف حلب وإدلب مثل مو موجود بالسويداء مثل مو  موجود بدمشق والقامشلي وغيرها)، إذا بتشوف أبرز الأسماء اللي عم تبرز كإعلاميين “علويين” فعم يظهروا كمهلوسين بحاجة حجر صحي عاجل مثل كنان وقاف أو ماجد دواي وغيرهم. وطبعا ما في أي خبرات للتظاهر والاحتجاج والتنظيم الجماعي، وحتى كتلة واسعة من العلويين المغتربين بأوروبا بقيوا بعيدين عن أشكال التنظيم المستقلة عن السفارات والأجهزة الأمنية وغيرها. الوحيدين بين العلويين اللي راكموا هي الخبرات كانوا طبعا من المعارضين لنظام الأسد واللي انخرطوا بنشاطات سياسية وثقافية وإعلامية معارضة للنظام قبل ثورة ٢٠١١ وبعدها، واللي هم، للمفارقة، كانوا منبوذين من أطياف واسعة من المجتمع العلوي السوري. ويمكن ما في أدل على قلة الخبرة بالعمل العام بين العلويين السوريين إنو أول ما بدؤوا يتحركوا باتجاه الشأن العام (بحكم الضرورة) اتجهوا لعند بعض أكثر الشخصيات السورية المتورمة والمشهورة بفشلها وإفشالها لأي جهد جماعي ومؤسسي مثل هيثم مناع وأشباهه.

—————————-

فورين بوليسي: تاريخ طويل يكتنفه الغموض لملف الأسلحة الكيماوية بسوريا

ربى خدام الجامع

2025.05.16

في تقرير موسّع نشرته فورين بوليسي، سلّط الضوء على إرث الهجمات الكيميائية في سوريا، لا سيما هجوم الغوطة عام 2013 الذي خلّف مئات الضحايا، بينهم أقارب لأم محمد من زملكا، التي لا تزال حتى اليوم تتذكر تفاصيل تلك الليلة المروعة، حيث سقط زوجها وابنها وحفيدها بسبب استنشاق غاز السارين.

الهجوم الكيميائي الذي وثّقته الأمم المتحدة ومنظمة هيومان رايتس ووتش، أودى بحياة أكثر من 730 شخصاً في زملكا وحدها، وأكد تقرير بعثة التحقيق حينها أن المواد المستخدمة تحمل “بصمات الحكومة السورية”، إلا أن الشروط السياسية فرضت عدم تسمية الجهة المنفذة مباشرة. ورغم انضمام النظام السوري إلى معاهدة حظر الأسلحة الكيميائية في 2013 وتدمير جزء من ترسانته على متن السفينة الأميركية Cape Ray، إلا أن تقارير لاحقة أكدت استمرار استخدام هذه الأسلحة، مثل ما جرى في دوما عام 2018.

بعد سقوط نظام الأسد في كانون الأول الماضي، سارعت السلطات السورية الجديدة إلى التعاون مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، معلنة نيتها تدمير ما تبقى من البرنامج الكيماوي وإنصاف الضحايا. لكن جهود نزع السلاح تواجه تحديات كبيرة أبرزها تقليص التمويل الأميركي، خصوصاً بعد إعلان الرئيس ترمب تخفيض الدعم المقدم عبر وكالة التنمية الدولية الأميركية USAID، ما أثّر سلباً على منظمات فاعلة مثل الخوذ البيضاء التي لعبت دوراً أساسياً في توثيق الهجمات الكيميائية.

الولايات المتحدة، التي قادت العمليات اللوجستية والتقنية لتفكيك الأسلحة الكيميائية عام 2014، باتت اليوم أقل التزاماً بالقضية. وتبدي إدارة ترمب ميلاً لاستخدام تركيا كوسيط استخباراتي، وتغض النظر عن الضربات الجوية الإسرائيلية التي تستهدف مواقع يشتبه باحتوائها على أسلحة كيميائية. هذه السياسة تُنتقد محلياً ودولياً، إذ يرى محللون أنها تضعف جهود العدالة والمحاسبة، بينما يعتبرها بعض الأهالي، مثل الطبيب نبيل غرة، استمراراً لنفاق الغرب الذي ترك الأسد في الحكم رغم تجاوز “الخط الأحمر”.

ومع استمرار التحقيقات في البرنامج الكيميائي السوري، يظل مستقبل تفكيك الترسانة غير مؤكد، وسط تخفيضات في الدعم الإنساني وتمويل فرق التحقيق، ما يهدد بإضعاف المسار العدلي الذي طالما انتظره أهالي الضحايا لتحقيق إنصاف ولو جزئي.

ترجمة التقرير:

في فجر 21 آب من عام 2013، غفت أم محمد بسرعة في بيتها بزملكا، تلك البلدة التابعة للغوطة التي تحيط بدمشق، إلا أن صرخات الناس في الشوارع أيقظتها، عندما سمعتهم يقولون: “ضربونا بالكيماوي!”

نهضت أم محمد وركضت خارج البناء، وهي تغطي أنفها بشالها، ومن حولها بدأ أقاربها يتساقطون على الأرض، غير أن الفوضى التي سادت فرقتهم عن بعضهم، وبعد مرور بضع ساعات، عثرت على جثمان زوجها وأحد أبنائها وقد سجي أحدهما بجانب الآخر في بيت أحد الجيران، وكانت المنشفة التي أعطتها لابنها حتى يحتمي بها من الغازات السامة ماتزال على كتفه.

بعد مرور اثني عشر عام تقريباً، ماتزال عينا أم محمد تغرورقان بالدموع عندما تروي أحداث تلك الليلة المريعة التي قضتها في الغوطة، لأنها خسرت في ذلك الهجوم أحد أحفادها أيضاً، وعن ذلك تقول: “لم تكن أسرتي وحدها المتضررة، بل كل عائلة، إذ لا يوجد بيت هناك لم يعش ما عشناه”.

ملف شائك قبل سقوط النظام وبعده

في شهر كانون الأول الفائت، أسقط هجوم خاطف شنته قوات الثوار بقيادة هيئة تحرير الشام الرئيس السوري بشار الأسد، فأنهى بذلك الحرب التي امتدت لأربعة عشر عاماً. وخلال الأشهر التي أعقبت ذلك، اتخذت الحكومة السورية المؤقتة إجراء سريعاً لمجابهة الإرث الذي خلفه نظام الأسد بالنسبة لاستخدام الأسلحة الكيماوية، غير أن مستقبل عملية نزع هذا السلاح ومجالها مايزال غير واضح المعالم.

بعد مرور سنوات على تقييد الوصول والقدرة على العمل في هذا البلد، أفضت منظمة حظر الأسلحة الكيماوية للحكومة السورية المؤقتة عن رغبتها بزيارة نحو 100 موقع يحتمل أن لها علاقة ببرنامج السلاح الكيماوي لدى نظام الأسد البائد، وفي شهر آذار، تعهد وزير الخارجية السوري، أسعد حسن الشيباني، بـ”تدمير ما بقي من برنامج الأسلحة الكيماوي التي طورها نظام الأسد”، مع تقديم الوعود بإنصاف الضحايا والالتزام مع الجهات الدولية المعنية بهذا المضمار.

لكن مهمة الشيباني تعترضها عقبات كبيرة، إذ في شهر شباط الماضي، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب عن تخفيض معظم التمويل الذي تقدمه برامج الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، وبعض تلك البرامج يقدم الدعم للمنظمات التي تسهم في عملية نزع الأسلحة الكيماوية. ولهذا أجبرت هذه الخطوة سوريا على مراعاة السياسة الخارجية الأميركية، تلك الدولة التي تحاول اليوم النهوض والعمل على الوصول إلى واقع طبيعي جديد على المستوى السياسي.

في عام 2013، وصل إلى سوريا وفد أممي يترأسه الباحث السويدي آكي سيستروم، وهو خبير بنزع الأسلحة، والهدف من ذلك الوفد هو فتح تحقيق حول الادعاءات المتصلة بشن هجمات بالأسلحة الكيماوية، وكان ذلك الوفد في سوريا عندما تعرضت الغوطة للهجمات بالغاز السام، كما أكد تحقيقها على ضرب المدنيين السوريين بغاز السارين السام الذي يصيب الأعصاب، وذلك بعد أن ركز على المنطقة، ووصلته شهادات من مناطق أخرى كثيرة.

ثم أعلن تقرير منظمة هيومان رايتس ووتش بأن أكثر من 730 إنساناً قتلوا في هجمات استهدفت بلدة زملكا وحدها، وذلك بحسب الأسماء التي سجلها المجلس البلدي.

كما أعلن سيستروم بأن شروط دخول فريقه، التي حُددت بعد نقاش موسع في الأمم المتحدة، تنص على عدم توجيه أي اتهام لمرتكبي تلك الجريمة، إلا أن فريقه أكد بأن: “المركبات الكيماوية التي استخدمت حملت بصمات الحكومة”، وبأن منفذي الهجوم “كانوا يعرفون بالضبط طريقة استخدام المواد الكيماوية” وذلك بحسب ما ورد على لسان سيستروم في مقابلة أجريت معه في نيسان من ذلك العام.

عمل أبو أحمد، ابن أم محمد، مسعفاً خلال الهجوم الذي نفذ في آب 2013، وذكر بأن الضرورة والخبرة كانا بمنزلة تمرين له على هذا العمل، ومن داخل أحد المباني الذي تحولت إلى مستوصف ميداني تحت الأرض نقل الناس إليه عقب الهجمات، يعلق أبو أحمد على ذلك بقوله: “في تلك المشافي، حتى الممرضون كانوا مثل الأطباء”، قال ذلك وهو يحمل بيده قوارير مغبرة لمادة الأتروبين التي استخدمت لعلاج من تسمموا بغاز الأعصاب.

جعل الرئيس الأميركي الأسبق، باراك أوباما، من استخدام السلاح الكيماوي “خطاً أحمر” خلال الحرب السورية، وذلك في عام 2012، غير أن الولايات المتحدة لم تتدخل عسكرياً بعد هجوم الغوطة، بل بقي التدخل الأميركي حتى ذلك الحين مقتصراً على الدعم الإغاثي الذي خصص لجماعات من المعارضة (مع أن إدارة أوباما أجازت بالفعل الغارات التي استهدفت مواقع لتنظيم الدولة في سوريا والعراق عام 2014).

في تشرين الأول من عام 2013، وبعد أن نشرت نتائج بعثة سيستروم، انضمت سوريا لمعاهدة حظر السلاح الكيماوي، وأصبحت عضواً في منظمة حظر الأسلحة الكيماوية، ووافقت على التصريح عن ترسانتها من الأسلحة الكيماوية وتدميرها. وفي مهمة مشتركة للأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيماوية نفذت في عام 2014، جرى التخلص من المواد الكيماوية في سوريا، ولكن في تقرير منظمة حظر الأسلحة الكيماوية الصادر في عام 2023، تبين بأن النظام واصل حيازة الأسلحة الكيماوية واستخدامها بعد أن تم التخلص منها، إذ لوحظ استخدام تلك الأسلحة مجدداً في ضاحية دوما القريبة من دمشق في عام 2018.

أميركا تتزعم عمليات نزع السلاح الكيماوي السوري

نفذت المهمة المشتركة للأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيماوية والتي تعمل على نزع السلاح الكيماوي في سوريا في عام 2014 وذلك على متن سفينة للبحرية الأميركية تحمل اسم Cape Ray، وذلك عبر الاعتماد على آلتين لتحليل السوائل يمكن تشغيلهما ميدانياً، حيث عملت كل منهما على تخفيف المواد الكيماوية السامة بالماء وذلك لتحييد مفاعيلها.

وعن تلك العملية، يقول تيم بليدز، وهو مدير العمليات لدى قيادة تطوير الإمكانات القتالية للجيش الأميركي التابعة للمركز الحيوي الكيماوي وهو قائد مهمات سفينة Cape Ray في الخارج: “تكفلت الحكومة الأميركية بتركيب المعدات وشراء كل المعدات المساعدة، مع توفير السفن ودفع أجور الطواقم”، وأضاف بأن دولاً أخرى تقاسمت التكاليف مع الولايات المتحدة.

فيما يعلق على ذلك جون جيلبيرت، وهو عضو وعالم رفيع لدى مركز ضبط الأسلحة ومجموعة العمل التي تضم علماء مهمتهم منع انتشار الأسلحة الكيماوية، فيقول: “لقد قدمت الولايات المتحدة أشخاصاً كثر إلى جانب المعدات والأموال التي خصصتها لتدمير السارين وسلائفه المباشرة”.

في عام 2017 و2018، وخلال الولاية الرئاسية الأولى لترمب، نفذت الولايات المتحدة عدة غارات جوية على سوريا، كان من بينها تلك الغارات التي استهدفت مرافق ضمن مركز البحوث والدراسات العلمية ببرزة، وقيل إن تلك الغارات استهدفت برنامج الأسلحة الكيماوية لسوريا، بحسب ما أعلنه رئيس هيئة الأركان المشتركة، إذ يعتقد كثيرون بأن هذا المقر يمثل مركز برنامج السلاح الكيماوي في سوريا.

الخوذ البيضاء في مهب رياح خفض التمويل

وخلال ولاية ترمب الثانية، أصبحت السياسة الأميركية عائقاً اليوم أمام عملية نزع السلاح الكيماوي في سوريا، لأن قرار البيت الأبيض القاضي بتخفيض التمويل الذي تقدمه الوكالة الأميركية للتنمية الدولية أضر بمنظمة الخوذ البيضاء السورية التي تعرف رسمياً باسم منظمة الدفاع المدني السوري، إذ قبل سقوط نظام الأسد، عملت الخوذ البيضاء بشكل كبير ضمن مناطق المعارضة، وتعرضت للاستهداف عبر حملات كثيرة شنها الأسد وحلفاؤه لتشويه سمعة هذه المنظمة.

عملت الخوذ البيضاء إلى جانب منظمة حظر الأسلحة الكيماوية، فأصبحت اليوم جزءاً لا يتجزأ من عمليات التحقيق المعنية بالإمكانات السورية في مجال الأسلحة الكيماوية، وتعتبر الولايات المتحدة من أكبر الجهات المانحة لهذه المنظمة، ولكن اعتباراً من 21 آذار الماضي، فسخ عقد بقيمة 30 مليون دولار سبق أن خصصته الوكالة الأميركية للتنمية الدولية من أجل الخوذ البيضاء، فما كان من هذه المنظمة إلا أن رفضت التعليق على تجميد الوكالة لتحقيقاتها المتصلة بالأسلحة الكيماوية في سوريا، بما أن الأمر “مايزال قيد المناقشة وإعادة التقييم” بحسب ما أعلنه الناطق الرسمي باسمها.

يرى خبراء بأن التمويل الأميركي يلعب دوراً أساسياً في عملية نزع الأسلحة الكيماوية بسوريا، ويعلق على ذلك نيكولاس هيراس، مدير مركز الشرق الأوسط لدى معهد نيو لاينز بواشنطن، فيقول: “إن الدعم الأميركي المخصص للمنظمات الدولية التي تحرص على تفكيك الأسلحة الكيماوية والقضاء عليها ضروري من أجل مواصلتها لعملها، ولذلك يجب أن تعوض دول أخرى هذا الدعم المالي والتقني وإلا ستغدو تلك المنظمات غير فاعلة”.

إسرائيل تنزع السلاح الكيماوي.. طريقتها

ويتوقع هيراس لإدارة ترمب أن تعتمد على تركيا كوسيط في تقديم المعلومات الاستخباراتية للحكومة السورية المؤقتة وذلك فيما يتصل بترسانة الأسلحة الكيماوية، إلى جانب السماح لإسرائيل بقصف مستودعات تلك الأسلحة، إذ منذ سقوط نظام الأسد، نفذت إسرائيل غارات جوية على سوريا، استهدف بعضها محيط مركز البحوث والدراسات العلمية بسوريا، وذلك في نيسان الماضي، وأعلنت إسرائيل بأن الهدف من غاراتها هو توجيه: “تحذير مستقبلي” ضد ظهور أي قوات معادية لإسرائيل، ويعلق هيراس على ذلك بقوله: “لا يبدي فريق ترمب الآن رغبة كبيرة تجاه اتخاذ خطوات جريئة في سوريا، اللهم إلا في حال تهديد الأمن القومي لإسرائيل على يد عناصر فاعلة موجودة في سوريا”.

وأكد جيلبيرت بأن التفاوض مع سوريا مايزال “في أدنى مستوياته وذلك بالنسبة لقائمة الأولويات [التي وضعتها أميركا]” وأضاف بأن: “ما يقلق الإدارة الأميركية في الوقت الراهن هو أمور أخرى غير الأسلحة الكيماوية السورية”.

غير أن الشعب السوري يحس بخيبة أمل كبيرة بسبب احتمال قيام تدخل غربي في هذا الشأن، إذ يقول نبيل غرة وهو طبيب من زملكا خسر خمسة من أطفاله في الهجمات الكيماوية، بأنه يتعين على الولايات المتحدة أن: “أن تدع الحكومة الجديدة التي وصلت إلى السلطة وشأنها”.

ويضيف غرة: “بصراحة، لقد حمى الغرب كله الأسد، وأعلنت الولايات المتحدة عدة مرات بأن الأسد سوف يسقط، ثم أتى أوباما، ومن بعده ترمب في ولايته الأولى، وبقي الأسد، وهذا ما يكشف نفاق الغرب”.

ماتزال التحقيقات عن ترسانة الأسلحة الكيماوية السورية جارية، وهي التي ستقرر تفاصيل عملية نزع السلاح خلال الأشهر القادمة. وفي هذه الأثناء، تتعرض كثير من البرامج الإنسانية التي تمولها الوكالة الأميركية للتنمية الدولية لتخفيض في الموظفين ولعجز مالي هائل، إذ بما أن إدارة ترمب سنت قانون “أميركا أولاً” بالنسبة للسياسة الخارجية، لذا فإن مستقبل ترسانة الأسلحة الكيماوية في سوريا، والأمل الذي عقدته منذ أمد بعيد أسر الضحايا السوريين على تحقيق العدالة مايزال غير واضح المعالم.

المصدر: The Foreign Policy

تلفزيون سوريا

———————————

 من ضحايا القمع إلى ضحايا الحماية.. هل تتبدل الأدوار في السردية السورية؟/ بشار الحاج علي

2025.05.16

في الحكاية السورية، يبدو أن الظلم لا يُمحى، بل يُعاد توزيعه، تتغير الوجوه، وتتبدل الشعارات، وتبقى البُنى العميقة كما هي، تُفرز من جديد ضحاياها، تصنع لنفسها سرديات مبررة، وتعيد إنتاج الثنائيات ذاتها: الأمن مقابل الحرية، الحماية مقابل الشك، الهوية مقابل المواطنة.

طوال عقود، ظلّ النظام السابق، بسطوته الأمنية وإعلامه الثقيل، يُروّج لنفسه حامياً لـ”التنوع السوري”، ضامناً لـ”تماسك” الكيان في وجه رياح الانهيار التي تُشاع كلما تحدّث أحدهم عن التغيير. ولم يكن خفيًّا أن خطاب الحماية هذا، وإن بدا سياسيًا أو وطنيًا في ظاهره، كان موجّهًا، في عمقه، إلى شريحة معينة من السوريين، ممن زُرع في وعيهم أن زوال النظام يعني زوالهم، وأن البديل سيأتي على حسابهم، وهويتهم، ودورهم، ووجودهم نفسه.

وفي الجهة المقابلة، دفعت فئات واسعة من السوريين، في المدن والريف، في السجون والمنافي، في المنازل المهدّمة والقبور المفتوحة، ثمن بقاء هذا النظام. لم يكن الثمن سياسيًا فحسب، بل وجوديًا وإنسانيًا؛ فالفرد السوري صار متّهماً لأنه قال “لا”، وأُقصي لأنه طالب بشيء من الكرامة. هؤلاء لم يطلبوا الحماية من أحد، بل طلبوا شيئًا أبسط: أن يكونوا مواطنين.

ثم جاءت لحظة مفصلية في كانون الأول من عام 2024، لحظة بدت لأول وهلة وكأنها انعتاق، انفكاك من تاريخ طويل من القهر. تبدّلت السلطة، وظهرت على السطح وجوه جديدة، ومفردات مختلفة، ووعود براقة عن المستقبل. لكن من يتأمل بعمق، لا بد أن يلاحظ ظلالًا مألوفة في المشهد الجديد؛ خطاب “الحماية” عاد مجددًا، لكن بلون مختلف، وبوجهة معكوسة.

صار البعض يرى في النظام الجديد امتدادًا لـ”روح الأكثرية”، كأن السياسة تحوّلت إلى مرآة للعدد، لا إلى عقد للحقوق، وأصبح مطلوبًا من “الآخر” أن يثبت ولاءه، أو أن يعتذر ضِمنًا عن انتمائه، أو أن يقف في الظل حتى تنتهي “مرحلة التأسيس”.

هكذا، دون إعلان، انتقلنا من سردية القمع إلى سردية الحماية، من ضحية إلى أخرى، لكنها ليست عدالة تعويضية، بل إعادة توزيع للمظلومية، ضمن مشهد يبدو مألوفًا أكثر مما ينبغي.

في كتابه الشهير الهوية والخوف، كتب الفيلسوف الفرنسي إدغار موران أن “المجتمع الذي يُبنى على الخوف يحتاج دائمًا إلى عدو، فإذا غاب العدو صنعه من داخله”، وهذا بالضبط ما نخشى أن نراه يتكرّر في الحالة السورية: أن نعيد إنتاج مجتمع الخوف باسم الانتماء، وأن نبحث عن “الآخر” الجديد لنقصيه، فقط لأنه يُذكّرنا بماضٍ نريد طمسه.

ولعل ما يزيد الصورة تعقيدًا، أن بعض الأصوات التي كانت تنادي بالحريات، تحوّلت اليوم إلى حرّاس لصورة السلطة الجديدة، تبرّر الأخطاء، وتمنح شهادات البراءة، بل وتُكفّر من يشكك، كأن كل ما طالبنا به في السابق من عدالة وشفافية ومساءلة، صار مؤجلًا، أو مرهونًا بمزاج اللحظة السياسية.

السؤال المؤلم، لكنه الصادق: هل كنا نريد دولة، أم فقط سلطة “قريبة من وجداننا”؟

في إحدى محاضراته عن التجربة الانتقالية في جنوب إفريقيا، قال القس ديزموند توتو: “إذا لم تكن العدالة للجميع، فهي مجرد شكل آخر من أشكال الانتقام”، وربما لهذا فشلت تجارب كثيرة، من العراق إلى لبنان، لأنها ظنّت أن الانتماء العاطفي يكفي لبناء دولة، وأن التاريخ يُمكن تسويته بالتحالفات، لا بالحق.

في سوريا، حيث الجراح ما زالت مفتوحة، لن نجد خلاصًا في تبادل الأدوار؛ لأن الضحية حين تتحوّل إلى وصيّ، والمقموع حين يصبح حارسًا لصمت الآخرين، لا يحرر نفسه، بل يعيد ربطها بسلاسل من نوع جديد.

لا أحد يملك الحق الحصري في تمثيل “الهوية السورية”، لا أحد هو الأكثر وطنية أو الأكثر استحقاقًا لمستقبل البلاد. والسلطة، أيًا كان اسمها أو خطابها، إن لم تُبنَ على عقد وطني جامع، لا يمكن أن تكون إلا نسخة أخرى من الماضي، أكثر تطرفًا أو أقل تجميلًا.

ولعل المطلوب اليوم، بعد كل ما جرى، ليس إعلانًا انتصاريًا، بل لحظة تأمل صادقة، أن نكفّ عن البحث عمّن “حمانا” لنقيم له الأصنام، وأن نبدأ بالبحث عمّا يحمي الجميع، من الجميع.

ربما حان الوقت لأن نعيد تعريف “الضحية” في الوعي السوري، لا بوصفها من سقط في المعركة السياسية فقط، بل بوصفها كل من حُرم من حقه في أن يكون جزءًا من الحاضر والمستقبل، سواء كان من أكثرية أو أقلية، من داخل أو خارج، من ريف أو مدينة.

بهذا وحده، يمكن أن نبدأ كتابة فصل مختلف، لا تبادلي، بل تأسيسي، فصل يخرجنا من مدار الحماية والخوف، إلى أفق المواطنة الحقيقية، وهي، كما قال سعد الله ونوس، ليست شعارًا، بل معركة طويلة تبدأ من الاعتراف، لا من الإقصاء.

تلفزيون سوريا

———————————

من يزور الشرع بعد ماكرون ومن يلتقي بعد ترمب؟/ حسان الأسود

2025.05.16

كانت زيارة الرئيس أحمد الشرع يوم السابع من أيار/ مايو الجاري إلى فرنسا خطوة كبيرة على طريق عودة سوريا إلى المجتمع الدولي.

وكان اجتماعه مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب في العاصمة السعودية الرياض يوم الرابع عشر منه تاريخيًا بكل معنى الكلمة، ونحن لن نتطرّق ضمن هذه المقالة لما حصل في باريس خلال تلك الزيارة ولا للّقاء في الرياض وتأثيراتهما على المشهد السوري، بل سنركّز على استشراف المستقبل لنرى من يمكن أن يزور الرئيس السوري من دول الجوار أو من الدول الفاعلة عالميًا.

يعتقد كاتب هذه السطور أنّ الزيارة القادمة ستكون إلى برلين أو لندن، وسنناقش في السطور التالية طبيعة العلاقة بين سوريا وألمانيا، واحتمال أن تكون محطة الرئيس السوري الأوروبية الثانية هي بلاد الجرمان.

ليست العلاقة بين سوريا وألمانيا عابرة ضمن التاريخ، بل كانت جزءًا من قصة تفاعل بين عالم الشرق وعالم الغرب وما صنع الحدّاد بينهما. ففي أواخر العهد العثماني، زار الإمبراطور الألماني فلهلم الثاني دمشق بعد إسطنبول وحيفا والقدس، فوصلها في السابع من تشرين الثاني 1898، وكان يهدف إلى بناء علاقات مع العثمانيين ينافس بها الإنكليز والفرنسيين والروس، وكان مشروع الخط الحديدي الحجازي جزءًا من وسيلة الوصول إلى الخليج العربي والتمدد في أرجاء العالم الإسلامي. بعد هزيمة الامبراطوريتين العثمانية والألمانية في الحرب العالمية الأولى اختلفت الأولويات، فانشغلت الدولتان بترميم نفسيهما. ثم بعد الحرب العالمية الثانية أصبحت أولوية ألمانيا دعم إسرائيل تكفيرًا عن شعور الألمان بالذنب لما فعلوه بمواطنيهم اليهود في بلادهم، فكان ذلك على حساب فلسطين التي كانت جزءًا من سوريا الكبرى قبل تقسيمها.

من المفيد الإشارة إلى أنّ نظام الحكم في سوريا خلال فترة حكم البعث آنذاك احتضن عددًا من الضباط النازيين الفارين من وجه العدالة، وهو ما أنتج لاحقًا أشدّ أجهزة المخابرات سفكًا للدماء. وكانت العلاقة مع ألمانيا الشرقية قويّة بسبب النفوذ السوفييتي في البلدين وقتها.

قبل عام 2011، كانت الجالية السورية في ألمانيا صغيرة نسبياً، وتتألف بشكل أساسي من الطلاب، والأكاديميين، ورجال الأعمال، وبعض العمال. لم يكن لهم تأثير سياسي كبير على المستوى الوطني الألماني. وبعد الحرب التي شنّها نظام الأسد على الشعب الثائر، حصلت تحولات جذرية في الجالية السورية في ألمانيا، فقد أصبحت من أكبر الجاليات الأجنبية بسبب موجة اللجوء الكبيرة التي شملت شرائح واسعة من المجتمع السوري، وكان قرار المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل باحتواء موجات اللاجئين المتدفقة أمرًا حاسمًا في ذلك، ومعبرًا في الوقت ذاته عن قوّة الدولة الألمانية ومكانتها في أوروبا والعالم. لكنّ هذا القرار التاريخي أدى إلى نوع من الاستقطاب السياسي، فقد سببت أزمة اللجوء انقسامًا في المواقف بين مؤيدي استقبال اللاجئين ومعارضيه، وغيرت خارطة التوازن السياسي وأثّرت على الأحزاب الألمانية. استفادت الأحزاب اليمينية والشعبوية من المخاوف المتعلقة بالهجرة، مما أسهم في صعود اليمين المتطرف. أسهم ذلك بالإضافة إلى عوامل أخرى مثل أزمة كورونا وولاية ترمب الأولى بتغييرات كبيرة في التوجّه السياسي الألماني تجاه العديد من القضايا، ومن بينها الوضع في سوريا.

لا تنظر الدول عادة إلى الأوراق التي في يديها بشكل أحادي الجانب، فقد رأينا قبل أيام وسمعنا الرئيس الفرنسي ماكرون عندما تطرّق لاحتضان بلاده البطل القومي السوري فريد المذهان المعروف بلقب قيصر، كما تحدّث عن أنّ سوريا على أبواب فرنسا بحيث يمكن الوصول إليها مشيًا على الأقدام، بالإشارة إلى موجات اللجوء التي غزت أوروبا في العام 2015، أو بالإشارة إلى حادثة شارلي إيبدو الإرهابية. من هنا لا يمكن لألمانيا أن تُغفل دور الجالية السورية الكبيرة المقيمة على أراضيها، باعتبارها عنصر تثقيل لأوراقها التي يمكن أن تشدّ بها أواصر العلاقة مع سوريا في ظل العهد الجديد. وكذلك يمكن للقيادة السورية أن تستثمر في هذه الجالية أيّما استثمار إذا ما أرادت دعم قوّة انتخابية في المستقبل، يمكنها أن تشكل عناصر تأثير في صناعة القرار واتجاهات الحكم في السياسة الخارجية. لا شكّ بأنّ ألمانيا تعيش حتى اللحظة تحت ضغط الشعور بالذنب تجاه المحرقة، وهذا سيؤثر بالضرورة على انحيازها لجانب إسرائيل في أي صراع بين الأخيرة وبين سوريا. من هنا يمكن للقيادة السورية الجديدة أن تكسب نقطة إلى صفّها إذا ما استثمرت بالجالية السورية في ألمانيا، بحيث توصل العديد من أفرادها إلى البرلمان الاتحادي أو البرلمانات المحلية أو إلى مراكز حساسة في الدولة لتصنع ثقلًا يحافظ على مصالح سوريا ويرعاها.

كانت ألمانيا من الدول المتزعمة تجاه مقاطعة نظام الأسد، واستمرت حتى النهاية في ذلك، مبدية موقفًا صلبًا قائمًا على حسابات لا تستند للمصالح فقط، بل أخذت بعين الاعتبار بعض القيم التي تمسكت بها حتى النهاية. على النقيض منها رأينا عددًا من الدول التي مشت في هذا المسار مثل إيطاليا وبولندا وهنغاريا، ولولا سقوط النظام لكانت ربما افتتحت سفاراتها في العاصمة دمشق.

وفي الوقت الراهن، وحسبما أعلن عنه في اتفاق الشراكة بين حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي الألماني (CDU) بزعامة المستشار فريدريش ميرتس، والحزب الديمقراطي الاجتماعي الألماني ((SPD، فإنّ الحكومة ستركّز على سياسات الهجرة واللجوء من ضمن سياساتها الخارجية والداخلية المتعددة، لذلك سيكون من مصلحتها تعزيز العلاقات مع سوريا بما يضمن لها فرصًا أكبر في ضبط موضوعات الهجرة غير الشرعية وإعادة اللاجئين وخاصة غير المؤهلين للاندماج أو غير المفيدين اقتصاديًا والذين يرتكبون جرائم تهدد استقرار المجتمع. بينما يجب أن تركز الحكومة السورية على قضايا تهمّها أكثر مثل تقديم الدعم المالي والتقني لإعادة الإعمار وبناء مؤسسات الدولة ودعم المجتمع المدني. يمكنها أيضّا أن تطلب المساعدة في مجال العدالة الانتقالية، بحكم تجربة ألمانيا الكبيرة بهذا المجال والممتدّة من الفترة ما بعد الحرب العالمية الثانية وحتى مرحلة توحيد الدولة بعد انهيار ألمانيا الشرقية. ولا يغيب عن البال هنا مسار ملاحقة مجرمي الحرب الذي كانت ألمانيا سبّاقة فيه باعتبار قوانينها الجزائية تأخذ بمبدأ الولاية العالمية الشاملة للقضاء، وقد أنتج مسارها هذا الكثير من المحاكمات وكرّس نهجًا واضحًا لمنع الإفلات من العقاب.

المشكلة أنّ الحكومة الألمانية جديدة ولم تُقلع بكلّ طاقتها بعد، ويوصف مستشارها بأنّه ضعيف الخبرة في العمل السياسي باعتباره لم يتقلّد مناصب في الدولة قبل نجاح حزبه الانتخابات الأخيرة. كذلك باعتبار الحرب في أوكرانيا على أبوابها، فقد كانت في قمة اهتمامات المستشار حيث زارها بمجرّد تسلمه منصبه. قد يعوق هذا الأمر سرعة التحرّك اتجاه سوريا، وقد يتأخر بالتالي في توجيه دعوة للرئيس السوري أحمد الشرع لزيارة برلين. ورغم أنّ أوروبا وألمانيا بالخصوص تجد نفسها في منافسة مع الولايات المتحدة الأميركية في كثير من الساحات، إلا أننا نعتقد أنّ المستشار الألماني الجديد قد يفضّل انتهاء زيارة ترمب إلى الخليج العربي، ليقرر ما سيفعل. ورغم كل هذا، فإنّ الأيام حبلى بالأحداث، وربّما نرى الشرع في ضيافة ميرتس قريبًا جدًا.

تلفزيون سوريا

——————————————

ماذا يجب أن أفعل؟ ما العمل؟/ حسام الدين درويش

14 مايو 2025

انتقد الفيلسوف الألماني كارل ماركس اقتصار الفلاسفة “على تأويل/ تصوُّر العالم بطرقٍ متنوّعةٍ”، وشدّد على أن “المهم هو تغيير هذا العالم”. فردّ عليه مواطنه الفيلسوف، الألماني أيضًا، مارتن هايدغر، بالقول: “إن تغيير العالم يفترض تغيير تأويلنا/ تصوُّرنا لهذا العالم، وامتلاك تأويلٍ/ تصوُّرٍ صحيحٍ له. ويستند ماركس إلى تأويل/ تصوُّر خاص جدًّا للعالم، ليقول إنّ المهم هو تغييره: وبالتالي يبدو أنّ قول ماركس هذا عديم الأساس/ متناقض ذاتيًّا؛ إذ يبدو أنّ القسم الأول منها ينتقد الفلسفة، في حين أنّ القسم الثاني يفترض ضرورة وجودها ويتطلبه”.

ما يكشفه هايدغر هو الترابط بين السؤالين الكانطيين: “ماذا يمكن أن أعرف؟”، و”ماذا يجب أن أفعل؟”. فالفعل يقتضي رؤية معرفية تضبطه وتساعده على تشكيل ذاته، والرؤية المعرفية بحاجةٍ إلى بوصلة معيارية تحفّزها وتشكِّل غاياتها وتوجّه تطبيقاتها.

في الإجابة عن سؤال “ماذا يجب أن أفعل”، رأى كانط أنّ الواجب الأخلاقي غايةٌ في حدِّ ذاته، وينبغي لنا ألا نختار معيارًا آخر، كالسعادة أو المنفعة أو المصلحة، لتوجيه أفعالنا. وفي تحديد ما هو الواجب ينبغي لنا ألا ننطلق من وضعياتٍ خاصةٍ أو منظوراتٍ (ثقافيةٍ) جزئيةٍ، بل ينبغي أن يكون الواجب كونيًّا، أي واجب كل إنسانٍ، بوصفه إنسانًا. ومن هنا التمييز الكانطي بين الأوامر الشرطية والأوامر الأخلاقية القطعية أو المطلقة التي يفرضها الواجب. ففي حين أنّ الأوامر الشرطية تلتزم بالأخلاق لغاياتٍ (نفعيةٍ) أخرى، لا يستهدف الأمر/ الفعل الأخلاقي غير ذاته، بوصفه خيرًا (في ذاته)، فيكون فعل الخير/ الواجب من أجل الخير/ الواجب، وليس من أجل أيّ غرضٍ آخر. ورأى كانط أنّ هناك ثلاث قواعد أساسية تحدّد ماهية الواجبات الأخلاقية أو الأوامر الأخلاقية القطعية أو المطلقة: قاعدة الكلية: “اعمل دائمًا، بحيث يكون في استطاعتك أن تجعل من قاعدة فعلك قانونًا كليًّا وعامًّا”؛ قاعدة الغائية: “اعمل دائمًا، بحيث تعامل الإنسانية، في شخصك، وفي أشخاص الآخرين، بوصفها غاية، لا مجرّد وسيلة”؛ قاعة الإرادة: اعمل دائمًا، بحيث تكون/ تجعل إرادتك إرادةً كليةً مشرعةً للقانون الأخلاقي”. ومن الواضح اتصاف هذه الأوامر أو الواجبات المطلقة بالطابع العقلي المحض والكونية، وارتباطها بالإرادة المستقلة وبقيم الحرية والكرامة والاحترام.

أخلاق كانط إنسانية بالمعنيين الوصفي التحليلي والمعياري؛ لأنّ الإنسان تحديدًا، وليس غيره، وبوصفه صاحب إرادةٍ حرّةٍ، هو مصدر هذه الأخلاق، وهو من يخضع لها، ولأنّ هذه الأخلاق تجعل الإنسان غايةً، وليس (مجرد) وسيلة، ومشرعًا للأخلاق، وليس مجرّد مطبّقٍ أو خاضعٍ لها.

ما أحوجنا إلى مثل هذه المعايير الأخلاقية الإنسانية عند محاولة الحديث عمّا ينبغي للسوريات والسوريين فعله في المجال العام السوري، في الوقت الراهن. وعلى الرغم من أنّ هذه المعايير تخصّ كل إنسانٍ بوصفه إنسانًا، فإنها تخصّ النخبة تحديدًا أو خصوصًا. ولا أستخدم مصطلح النخبة هنا بالمعنى النخبوي، بل أعني به الشخصيات والأطراف الفاعلة والمؤثّرة، بغضّ النظر عن مدى تمتّعها بما يجعلها مستحقة لفاعليتها وتأثيرها، أو جديرة بأن تكون كذلك. فعلى الرغم من انخراط عدد كبير من السوريات والسوريين في الشأن (السياسي) العام، إلى درجة يمكن أن يجرؤ المرء على الاعتقاد بأن “الشعب السوري” هو (أحد) أكثر الشعوب تسيسًا في الوقت الراهن، فإنّ معظم أفراد الشعب مشغولون بالبحث عن لقمة العيش الغائبة والمغيّبة في أوضاعٍ يصعب فيها أن يكون الإنسان حرًّا أو صاحب إرادة حرّةٍ ومستقلةٍ، بالمعنى الكانطي للمفهوم.

فانطلاقًا من قانون الكلية، نحتاج إلى أن تتصرّف النخبة الفاعلة، بطريقةٍ تدمج بين القاعدة الذهبية في الأخلاق “عامل الناس كما تحب أن يعاملوك”، وما أرى أنه يشكِّل القاعدة الماسية في الأخلاق “عامل الناس كما يحبون أن يُعاملوا”. وعلى الرغم من أنّ السمعة السيئة للجهل وارتباطه بسوء الأخلاق، إلى درجةٍ جعلت سقراط/ أفلاطون يطابق بينه وبين المعرفة أو ما يمكن تسميته هنا بالوعي، فإنّ الجهل قد يكون مفيدًا إذا كان مرتبطًا بالحجاب الذي تحدّث عنه الفيلسوف الأميركي جون رولز وفلاسفة آخرون، قبله وبعده. ووفقًا لهؤلاء الفلاسفة، ينبغي لمن يحاول صوغ عقدٍ اجتماعيٍّ ألا يعلم شيئًا عن وضعه داخل المجتمع، لا من حيث القدرات والإمكانية والوضع الطبقي والإثني والديني والمناطقي، ولا من حيث الامتيازات والأعباء التي ترتبط بوضعه. وانطلاقًا من هذا الجهل، يكون لديه الحافز المناسب لصوغ عقدٍ ينصف كلّ شخصٍ، أو يحقّق أكبر قدرٍ ممكن من العدالة والإنصاف لأكبر عددٍ ممكنٍ من أفراد المجتمع. ويتقاطع حجاب الجهل الرولزي مع الأوامر الأخلاقية القطعية الكانطية في المضمون، لكنه يختلف عنها بجعله المصلحة محفّزًا وغايةً للسلوك. فمحاولة فعل الخير، هنا، مع الحرص على إنصاف الناس، تتقاطع مع الحرص على المصلحة الشخصية بأن يُعامل الشخص ذاته بإنصاف.

ما الذي ينبغي للسوريات والسوريين فعله في المجال السوري (السياسي) العام؟ هل ينبغي لهم مواصلة عادة التأييد المطلق أو العداء الجذري للنظام القائم، كما كان الحال مع نظام الأسد الساقط؟ هل يمكن العمل على إنشاء نظامٍ ديمقراطيٍّ، في دولةٍ غير موجودةٍ أصلًا، لا من حيث المؤسسات (الأمنية والخدمية والتربوية … إلخ) القادرة على أداء الحدّ الأدنى من المهام المطلوبة منها، ولا من حيث الأرض الواحدة الموحدة، ولا من حيث السيادة على تلك الأرض وحدودها في مواجهة تدخلاتٍ خارجيةٍ مستبيحة ومتواقحة أكثر فأكثر؟ من الواضح تشابك الجانبين المعرفي والمعياري، في هذين السؤالين، وفي أي إجابةٍ محتملةٍ عنهما.

قالت العرب: “اليأس إحدى الراحتين”، لكن، لحسن الحظ أو لسوئه، يبدو اليأس ترفًا غير متاحٍ لمعظم السوريات والسوريين، وهم يواجهون الموت أو الموات، يوميًّا، وبأشكال متعددةٍ. وفي مثل هذه المواجهة قد يكون البحث عن الخلاص الفردي هو أفضل الخيارات أو أقلّها سوءًا، لكن ذلك الخيار غير متاحٍ لكثيرات وكثيرين، وذلك البحث غير مجدٍ لمعظم من لديه مثل ذلك الخيار. لذا لن يكون الخلاص إلا خلاص الجميع، أو لا خلاص للأغلبية، على الأقل، إلا بخلاصها كلّها. وسنكون كلنا “ثيرانًا بيضًا”، و”سنؤكل” ونُظلَم إن لم نفعل أو نقل شيئًا عندما يؤكل ويُظلم أي “ثورٍ أسود”.

يقول الشاعر الألماني هولدرلن: “ما أسعد الإنسان الذي يستقي فرحه وقوته من ازدهار الحياة في وطنه، لكن تلك السعادة تكون منقوصة أو قد يستحيل وجودها إذا لم يستق ذلك الوطن فرحته وقوته من ازدهار حياة الإنسان فيه”. وبدلًا من أن “نموت جميعًا ليحيا الوطن”، يموت الوطن بموتنا، ويحيا بحياتنا. وينبغي أن يكون الإنسان غايةً، وصاحب إرادةٍ حرّة ومستقلةٍ، ويحظى بالكرامة والاحترام، لكي يكون للوطن، أو حتى للدولة، معنىً، أو حتى وجودٍ.

العربي الجديد

————————————–

عن بلد كان اسمه سوريا… الخيبة مرة أخرى/ خليل النعيمي

خمسون عاماً مرتْ وأنا أعرف ذلك. أعرف ما لا أعرف كيف أصفه. وأي قيمة لوصف ستمحوه الرؤية فوراً، وكأنه ضباب الوجود العابر. لماذا يغادر الكائن مكانه الأول إنْ كان سيظل مسكوناً بالرجوع إليه؟ لكأننا نحب الرحيل، لكي نظل نحلم بالعودة، حتى لو كانت «عودة ملعونة»، أي قَدَر أحمق يربطنا بأمكنتنا كالخراف المطيعة؟ لماذا كنتَ مفتوناً بالعودة، إذن؟ ولكن مَنْ أنت؟ وأين أنتَ الآن؟ كان يجب أن نفترق. أن يَتَرَحل أحدنا عن الآخر. أن نتباعد بما فيه الكفاية لكي ننسى. لكيْ نتَجدد. لكيْ نُخلَق مرة أخرى. الموت ليس افتراقاً، إنه العدم. الافتراق هو الرحيل الواعي. الرحيل الذي يؤدي إلى طريق آخر غير الذي كنا نسلكه كل يوم. الطريق هو المعرفة. والمعرفة هي النأي. هي اللاطمأنينة التي يستوجبها الرحيل الإرادي إلى ما لا نهاية. إنها الحركة التي لا تعرف اليقين.

بعد قليل ستقلع الطائرة إلى «بيروت». بيروت، آخر أرض عربية ودعْتها قبل الرحيل، ستكون أول أرض أهبط فيها بعد العودة. ليس ذلك صدفة، حتى إن بدا كذلك. تتذكر؟ أنا البعيد أتذكر، ولا أحكي. الذكرى ليست كلاماً، إنها الوجود. وجود الكائن المختبئ في أعماقه. تعيش معه كل يوم، وكل يوم ينساها لكي يستمتع باستعادتها. والعودة التي تقلقني، الآن، ليست شيئاً آخر، وأمُد يدي إليها: هاتي يدكِ لأسرق منها أفكارك. الأفكار ليست في الرأس، وإنما في راحة اليدين. أنتِ تعرفين ذلك. الرجل الذي سماكِ اسماً سعيداً، رحل. عاد إلى أرضه وتركني وحيداً. في الطريق إليكِ أُحاذر أن أدوس الأعشاب البازغة في أوائل الربيع. أبحث عن الحصى والحُجَيْرات لتسندني. رحل الرجل وبقيتُ أنا. تلك هي طبيعة الوجود؟ ولكن، لماذا يلتصق الكائن بمكان يدفعه، باستمرار، إلى الرحيل عنه؟

ـ خليل؟

ـ نعم.

ـ الأب حمد؟

ـ نعم.

ـ الأم زهرة؟

ـ نعم.

يعيد النظر في جواز السفر. يدقق فيه بشكل سافر. وفي الوقت، نفسه، يقرأ المكتوب على شاشة جهاز المراقبة أمامه. ويعيد النظر إلي متفحصاً. ومن جديد، يدقق في إخراج قيد النفوس الذي أعطيته له، قبل أن يقول:

ـ لكن إخراج القيد قديم

وقبل أن أجيب، يتابع:

ـ منذ أكثر من خمسين سنة!

ـ نعم

ـ مؤرخ سنة 1972؟

ـ نعم

ـ لم تعد إلى البلد أبداً؟

ـ لا

ويصير يهز رأسه، وهو يتملى، مرة أخرى، ما هو مكتوب أمامه على الشاشة التي أحسها ولا أراها. ومن ثم يعود إلى إخراج القيد القديم، ومن بعد إلى وجهي. قبل أن يسأل:

ـ ماذا تعمل؟

ـ طبيب جراح.

ـ درستَ على حساب الدولة؟

ـ لا.

ـ حافظتَ على هذا القيد منذ أكثر من خمسين سنة؟

ـ كما ترى.

وفجأة، يخرج هاتفه المحمول، ويصور إخراج القيد وجهاً وقفا، قبل أن ينادي زملاءه: تعالوا. ويريهم إخراج القيد بحفاوة وعجب، قبل أن أسأله بحذر:

ـ لماذا تصور إخراج قيدي؟

ـ لماذا؟ حافظتَ عليه بمثل هذا الحرص خمسين عاماً لكي تعود، والآن عدتَ. وبتأثر واضح يكتب على جواز السفر الفرنسي: سوري. ويوقع. وهو يرحب بي: أهلاً بك في بلدك.

أمشي بتردد في شوارع دمشق، وأنا أردد، متعجباً: بأي حال ترك الطغاة سوريا؟ وما سيحصل فيها بعد انهيار سد الطغيان اللعين.

لا.. أنا لست في المكان الذي كنت أتمنى أن أكون فيه. أنا في مكان آخر، لا أعرف، بعد، ما هو. فجأة، أتوقف عن المشي، وأنا أجيل النظر حولي، مدققاً: الاهتراء! اهتراء كاسح يطول كل ما، ومَنْ، أصادفه، وأراه. لم أكن أتصور، بعد خمسين عاماً من الغياب، أنني سأرى كل هذا التلاشي والتفتت والتردي والانكسار في دمشق التي أحب. شيء مخيف يحيط بي، أينما مشيت. صرت أخاف من نفْسي، من نظراتي. من تصوري لدمشق التي أراها أمامي معطوبة، تجثو على الرُكَب من وطأة التاريخ: تاريخ الطغيان الذي لا يرحم. كدتُ أبكي. وبكيتُ، فعلاً، في وضح النهار الدمشقي، الذي لم يعد يشبه النهار. خمسون عاماً من الغياب لم تنقذني من… حاولت كثيراً أن أضع كلمة مناسبة بدل النقاط، لكنني لم أجد ما يلائم الحال. سأترك الفراغ يعبّر عما لا يمكن التعبير عنه بالكلمات.

أتابع المشي حذراً. أمشي في الأمكنة التي كنت أعرفها، وأحبها، وأشتاق إليها، وأتمنى أن أموت فيها، من قبل. والآن، لا أفكر، إلا بكيفية الانفلات منها. إنها الخيبة، مرة أخرى. الخيبة التي لا يمكن إخفاؤها، ولا تجاهلها، ولا التلاعب بها، أو التخلص منها. كل شيء يبدو في المكان الذي لا يناسبه. لا أنا، ولا الأشياء التي تحيط بي، ولا الكائنات التي تمر أمامي، في وضع يسمح لنا بالتلاقي. سوء التفاهم العميق بيننا لم يعد فرضية، ولا احتمالاً. إنه قائم بالفعل كجدار أسود لا يمكن اختراقه، ولا النفاذ منه، إنه التاريخ الحي بكل أبعاده المأساوية. تاريخ الكائنات التي تمر أمامي، الآن، في شوارع دمشق التي فقدت ألَقها الفاتن الذي سحرني، سابقاً. هذا، كله، ليس بسبب ما هو كائن، اليوم، وإنما بسبب الوضع الذي كان سائداً قبل انهيار سد الطغيان اللعين. الطغيان الذي دمر كل شيء، بما فيه بُنْيته الفاسدة، بحقد لا يمكن تفسيره.

* كاتب سوري

القدس العربي

——————————

عن النقاش المعقّد في وضعية سوريا راهنا…/ ماجد كيالي

التمهيد لتمكين الشرط الداخلي

آخر تحديث 16 مايو 2025

في النقاش الراهن والسائد، بشأن وضعية سوريا وشعبها، غالبا ما يجري الحديث عن معايير نظرية جاهزة، أو عن رغبات وأمنيات مشروعة كاشتراطات مسبقة، وهو أمر جائز نظريا، بيد أنه لا يقدم أو لا يضيف شيئا جديدا أو عمليا، بل ويبعث على الخلط والارتباك والضياع والإحباط.

المشكلة في خوض غمار هذا النقاش أيضا، تتمثل بالقفز مرة واحدة عن مراكمات نصف قرن من منع السياسة والافتقاد للدولة، ولحقوق المواطنة، وشيوع التسلط والاستبداد والفساد، والتقوقع في حيز الهويات الأولية، الطائفية والإثنية، في ظل “نظام الأبد” البائد، علما أن تلك ليست مجرد توصيفات أو حيثيات شكلية، إذ إنها حفرت كثيرا وعميقا في سيكولوجيا السوريين، وروحهم وعقلهم وسلوكياتهم، وأثرت بشكل سلبي على رؤيتهم لذاتهم، وعلاقاتهم إزاء بعضهم وأيضا إزاء السلطة.

فوق كل ما تقدم، يلزم إضافة 14 عاما من العنف المفرط والأعمى، الذي ذهب إليه النظام الفارط في محاولته الحفاظ على سلطته، وبخاصة أنه أخذ السوريين إليه، مع كل ما صاحب ذلك من قتل وتدمير وتشريد ملايين السوريين، الأمر الذي أدى إلى إفقارهم، وتخريب عيشهم في الداخل والخارج، مع تبديد مواردهم وتدمير بناهم التحتية، ووضع الحواجز بينهم.

بالطبع يمكن التسليم بأن نظام الأسد بات من الماضي، وبأنه لا يمكن قياس الحاضر على الماضي، لأن الثورة تعني التجاوز وخلق عالم بديل أفضل، لكن هذا الكلام على أهميته، يفترض أن لا يتناسى الواقع على حقيقته، أو القفز فوق المقدمات السابقة، وضمنها التركة الثقيلة والعميقة والمشوهة التي قد تبقى ربما لعقد أو لعدة سنين.

وكي لا يكون الحديث منفصما عن الواقع، ومحكوما بالرغبات على جري السائد، يفترض البناء على الإدراكات الآتية، أولا حال الفراغ السياسي الذي تعاني منه سوريا منذ عقود، والتي تفتقد لقوى حزبية/سياسية وازنة، تعبر عن مصالح هذا القطاع أو ذاك من الشعب (كمصالح اقتصادية وسياسية واجتماعية وثقافية وليس هوياتية).

ثانيا، افتقاد سوريا للوحدة الإقليمية، ولسيادة الدولة على أراضيها، مع وجود عدة جيوش أجنبية، ومع وجود حالات ميليشياوية هوياتية (طائفية وإثنية)، وحل هاتين المعضلتين تستوجبان أعلى قدر من الحكمة والمرونة، بما في ذلك تأمين الشرعية الداخلية والخارجية، إذ الداخلية هي الأساس طبعا.

ثالثا، عدم الوقوع في فخ الاستدراج لأي خيار عسكري داخليا وخارجيا، لأن الحل الأمني مضر جدا بالسوريين وبإجماعاتهم الوطنية، ولا تتوفر إمكانياته، مع ملاحظة أن الشعب السوري تعب من هذا الوضع، مع معرفتنا أيضا بأنه في غاية الاستنزاف.

رابعا، إدراك أن تمزّق الجغرافيا والدولة، يتطلبان توفير الشرعية الداخلية، بتأكيد وحدة المجتمع السوري، وبترسيخ المسارات الدستورية اللازمة، التي تجعل من السوريين شعبا حقا، في دولة مؤسسات وقانون ومواطنين، أحرارا ومتساوين؛ فهذا هو السلاح الأمضى والأنسب الذي يمكن أن يجنب سوريا عديدا من الأفخاخ، ويصد التحديات أو التدخلات الخارجية.

خامسا، ضمن كل تلك الرزمة يفترض الأخذ في الاعتبار أن سوريا تمر بمرحلة انتقالية صعبة ومعقدة، بخاصة مع وجود قوى خارجية يهمها إضعاف سوريا، وتقييد قدرتها على التعافي والنهوض، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، بالطريقة الناعمة أو الخشنة.

في طرحنا لكل تلك الحيثيات، يفترض أن نتذكر أيضا أن تجربة “المعارضة السورية”، بقطاعاتها السياسية والعسكرية والخدمية، لم تقم بما عليها، على النحو المناسب ولو نسبيا خلال 14 عاما، رغم تحررها من النظام السابق، ووجودها في دول مثل تركيا وبريطانيا والنرويج والسويد وفرنسا وألمانيا، على سبيل المثال.

ومعلوم أن تلك المعارضة لم تستطع أن تبني “البيت السوري”، أي الكيان السياسي السوري الجامع، ولا توحيد قوى المعارضة أو شخصياتها الأساسية، كما لم تستطع تنظيم منصة سياسية أو إعلامية، رغم كل ما أتيح لها، ورغم أنها احتكرت تمثيل الشعب السوري، ولعل مآل “المجلس الوطني” و”الائتلاف الوطني”، وكل الهيئات التابعة لهما، أكبر دليل على ذلك، إذ لم يعد لهما أي أثر على أي صعيد، عدا أنهما لعبا دورا سلبيا في الحؤول دون توليد حركة سياسية سورية، وحتى دون القدرة على تنظيم الجاليات السورية في البلدان الأجنبية.

تلك الحيثيات لا تفيد بالاعتراض ولا بالتحفظ، على أي نقد سياسي للإدارة الانتقالية الحالية، إذ إن النقد حالة إيجابية وضرورية إزاء أي سلطة مهما كانت، للترشيد والتطوير وفتح الخيارات، وتعزيز فكرة الحرية والديمقراطية.

وبشكل خاص فإن القيادة السورية الحالية تستحق النقد، بقدر مسؤوليتها عن الإنجازات التي تحققت للشعب السوري بإسقاط النظام، وبتعزيز شرعية الدولة الوليدة إزاء الخارج، وبخاصة أن الحديث يتعلق بمرحلة انتقالية، يفترض أن تتحدد فيها ماهية الدولة، وشكل علاقتها بالمجتمع، إذ إن اكتساب الشرعية الداخلية، يسهم بتعزيز شرعيتها الخارجية كدولة، ويقويها وليس العكس، وهذا يتعلق باستعادة الأمن والأمان والاستقرار لكل المواطنين بلا استثناء، عبر إنهاء ظاهرة الفصائل غير المنضبطة، وغير المسؤولية وغير الخاضعة للدولة، وتعزيز السلم الأهلي، بإعادة الثقة لعلاقة المواطنين بعضهم ببعض، وأيضا لعلاقتهم بمؤسسات دولتهم.

الآن، ومع حسم الرئيس ترمب لخيار رفع العقوبات الأميركية المفروضة على سوريا، يفترض أن تكون هذه هي اللحظة التاريخية الثانية، بعد إسقاط نظام الأسد إلى الأبد، للتأسيس لسوريا الجديدة، عبر التمهيد لتمكين الشرط الداخلي كي يصير السوريون شعبا حقا، في دولة مؤسسات وقانون محايدة إزاء مواطنيها الأحرار والمتساوين والشركاء في الوطن، بمعزل عن حيثية الغلبة، و”من يحرّر يقرّر”، ومظلوميات الماضي والحاضر، وحيثية المكونات والأقليات والهويات الأولية، التي من الممكن والأجدى أن تبقى موضع احترام، وككناية عن حيوية شعب سوريا بتنوعه وتعدديته عبر التاريخ.

المجلة

—————————–

دونالد ترامب والدبلوماسية العالمية/ وسام سعادة

إذا ما استعنا بزيارة الأيام الأخيرة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى كل من الرياض والدوحة وأبو ظبي هل تبرز أمامنا وقائع ومناخات تصب فيها هذه الجولة في خانة ما اجترحه عالم السياسة الفرنسي – الإيراني الأصل – برتران بديع من تصور يجازف بالحديث عن أفول الجيوبوليتيكا والانتقال من زمن العلاقات بين الدول، إلى زمن العلاقات بين المجتمعات؟ أم أنه بالعكس تماماً ثمة سهولة وإغراء أكبر بما لا يقاس، لأجل تجنيد عدد من الملامح والعناصر، لاستخلاص ما يخالف ذلك تماماً؟ أليست اللحظة للتفاوض بين «الدول»، في شكله الأكثر كلاسيكية، حيث من يقرّر يفاوض، ومن يفاوض يقرّر؟

ألا تشكل الصفقات العسكرية ركناً محورياً في هذه الزيارة؟ هذا فيما المروحة واسعة، وتشمل اتفاقات تغطي مجالات الدفاع الجوي، والقواعد العسكرية، والأمن البحري، وتكنولوجيا الاتصالات، والذكاء الاصطناعي ومركز بياناتها وتوريد أشباه الموصلات، والطاقة والطيران، والتعاون مع الناسا لاستكشاف الفضاء. هل يمكن – بالمحصلة – التقليل من القيمة «الجيوبوليتيكية» لهذه الزيارة عند احتساب كل هذا، أم أن الجيوبوليتيكي في هذا المجال بات ينصهر صهراً بالجيو-اقتصادي، والجيو-تكنولوجي، في حين بدت «سياسات الهوية» وكأنها تذمّ وتضمحل أمام الرقم المالي الإجمالي لمجموع الاتفاقات والعقود الموقعة في ساعات قليلة، وأمام مشهد يبدو فيه أن العلاقات في عالم اليوم هي من فوق إلى فوق أكثر من أي وقت مضى، وليست علاقات أفقية تحت – تحت، بين مجتمع وآخر، على ما يمكن أن يستوحى من حديث برتران بديع عن «العلاقات بين المجتمعات» أو «الاجتماعيات البينية»؟

كذلك بالنسبة لاستشراف المسار الذي ستسلكه الأمور في سوريا، بعد حركة ترامب في اتجاه الوضع الانتقالي فيها، وحيال إيران، على محك التفاوض معها، وحتى بالنسبة إلى كل القيل والقال حول العلاقات الأمريكية – الإسرائيلية، والاتفاقات الإبراهيمية والصورة «النهائية» التي يجري العمل على أن يفضي اليها مخاض العقود الطويلة من التجارب العسيرة التي كابدتها – بشكل متفاوت وغير متزامن- شعوب الإقليم. ألم تحضر سوريا فقط من ناحية علاقتها بسواها من الدول، وغابت كجماعات ومناطق؟

وأي دور للمجتمعات المدنية، للمنظمات غير الحكومية، للحراكات الاجتماعية، في كل هذا كي يقال إن طفرة في العلاقات الدولية تؤسس لتقدّم الاجتماعي على السياسي بعد أن ساد العكس لقرون طويلة، كان فيها الديبلوماسي والجندي، كلّ في مضماره، فارسين متفانيين في خدمة الأمير الحديث، صاحب السيادة، الدولة الترابية «الفيستفالية» المناددة لسواها؟

من هذه الناحية، تبدو وقائع وأصداء جولة ترامب في الشرق الأوسط والتي تأتي من بعد تدخله السريع لوقف التدهور في اتجاه «الحرب الخامسة» بين الهند وباكستان، هذا بعد يومين من الدخول عملياً في وضعية الاحتراب بينهما، كما لو أنها تظهر قدرة فائقة النظير لا تزال تملكها الدولة، بدءاً من الدولة العظمى الأمريكية، لكن أيضا كل الدول المعنية بكل الملفات في جنوب آسيا والشرق الأوسط، والتي تتصرف في الوقت الحالي كما لو أنه ما من تحرك مليوني واسع النطاق للجماهير في الأفق، ولسنوات إلى الأمام، بحيث أن نيودلهي وإسلام آباد يمكنهما الشروع في حرب من دون أن تسأل الناس في البلدين رأيها، وأن تعود فتوقف الحرب فجأة، تحت ضغط أمريكي، من دون أن يكون عليها أن تقلق لمكاشفة الناس، بل تكتفي بأنها رفعت سقف المواجهة، لأجل أمن وكرامة ناسها، وأوقفتها أيضاً كرمى لناسها.

وفي الشرق الأوسط أيضاً، أليس هذا عصر التفاوض بين قادة الدول بامتياز، إن لجهة التراجع شبه المطلق لظهور «الجماهير» على مسرح الأحداث – لا سيما في البلدان العربية، وإن لجهة كل ما يطبخ حول طي صفحة «هيمنة الميليشيات» من تاريخ المنطقة؟ مثل هذه الطبخات لا تزال مبهمة من حيث المقادير والمكونات وطريقة التحضير وأمده، فهنا تريد من دولة أن تذوب ميليشيا في جهازها، وهناك تريد انبعاث الدولة في مجتمع تمليش حتى الترع، وعلى القارعة أيضاً حقل تجارب يراد فيه لميليشيات أن تتجاوز نفسها لتغدو دولة. المنطقة حقول تجارب حافلة وغير مسبوقة بهذا الشكل. لكن، على مستوى العلاقات، مشهد العلاقات، الاتفاقات، العقود، الصفقات، القمم، ألا تبدو أكثر «دولتية»، أو بالأحرى «ريغالية»، سيادوية، من مرجعية على رأس دولة إلى مرجعية على رأس دولة أخرى؟ ألن يعزز المسار التفاوضي المنتظر أن يرعاه ترامب بين فلاديمير بوتين وفولوديمير زيلينسكي هذا الوجه، العلاقة بين قادة يحددون المصائر، وليس بين «اجتماعيات بينية» روسية وأوكرانية؟

يبدو المشهد إذن، إن في جولة ترامب في منطقة الخليج، أو في تدخله لوقف الحرب الخامسة في جنوب آسيا، أو في مساعيه الهادفة إلى وقف الحرب بين الروس والأوكران، كما لو أنها، على العكس تماماً مما ذهب إليه برتران بديع، ترسخ «أصالة الجيوبوليتيكا» من ناحية، والطبيعة «الدولتية» بل «الملكية» تماماً للعلاقات بين الأمم.

بيد أن العلاقات الدولية في لجة كل هذه المشاهد الصاخبة الأخيرة، والتي تكاد تحيل المشاهدين المهتمين، إلى المعادلة الرومانية القديمة التي تفيد بأن إرضاءهم هو من خلال «الخبز والسيرك» ، أو بترجمة أدق «الخبز والألعاب» لا شيء غير، ذاهبة إلى دفن السمة التي راهن عليها تحليل برتران بديع تحت سابع أرض. فعن أي «علاقات بين المجتمعات» نتحدث عندما نرى الأحوال وكأنها تنقلب في لحظات من اتصال الرؤوس بعضها ببعض؟ مع هذا، درجة ابتعاد المشهد الحالي عن استشراف بديع مضللة في مكان ما، بل في مكان أساسي. التصور الكلاسيكي، حول الجندي والديبلوماسي، كفارسين متفانيين في خدمة الأمير بالمطلق، الدولة، كان ينبني أصلا على دور حيوي، حركي، لهما. ما يحصل منذ سنوات، في منطقتنا، ولكن على مستوى العالم أيضا، أن العصر الذهبي لوزراء الخارجية باتت تفصلنا عنه عقود. الديبلوماسية البديلة اليوم هي دبلوماسية قادة الأجهزة الاستخبارية، وإما ممثلو الشركات الكبرى التي تسيطر على قطاعات التكنولوجيا والاقتصاد الرقمي والصناعات العسكرية والطاقة.

في أمريكا، يبدو أن دور البنتاغون كما الخارجية قد تضاءل لصالح الرئيس نفسه. هذه «الشخصنة» الزائدة هي أيضاً شكل، ولو كان فظاً، من أشكال «الاجتماعية البينية»، من أشكال التحول من العلاقات بين الدول، إلى العلاقات بين المجتمعات، ولو تأتى ذلك من خلال اختزال هذه المجتمعات في التفويض الذي تعطيه لقادتها، بسند أو من غير سند. اللفيف الذي اصطحبه ترامب في زيارته جدير بالتشريح هنا. خليط من المستشارين ورؤساء الشركات. خليط يجسد على طريقته روح الرأسمالية المعاصرة، من حيث أنها تذهب بالعلاقات الدولية من ناحية، نحو تحويل دور الشعوب فيها إلى ثنائية «الخبز والسيرك» ليس غير، فيما تذهب بدور ثنائية «الدفاع والديبلوماسية» إلى طفرة غير مسبوقة، يتقدم فيها الخليط من قادة الأجهزة الأمنية الاستخبارية وأمراء الشركات الكبرى على حساب النسق البيروقراطي التراتبي كما عهدناه في عصر الدول – الأمم.

كاتب من لبنان

القدس العربي

——————————–

من الهيمنة إلى الاستنزاف.. سوريا الجديدة تربك موسكو/ مالك الحافظ

2025.05.17

منذ اللحظة التي انهار فيها نظام بشار الأسد في كانون الأول الماضي، بدا المشهد السوري أمام مفترق طرق جديد، حيث لم تقتصر تداعياته على الداخل السوري وحده، إنما امتدت لتطال خارطة النفوذ الإقليمي برمتها.

من بين القوى التي ظنّ كثيرون أن مصيرها في سوريا بات على المحك، برزت روسيا كحالة جدلية معقدة، فهل خسرت موسكو رهانها التاريخي بعد سقوط الحليف الأوثق؟ أم أنها على العكس، كانت تتحسّب لمثل هذا اليوم، فزرعت ألغام مصالحها بدهاء في عمق البنية السورية، ما يجعل خروجها من المشهد أكثر تعقيداً بكثير مما يُعتقد؟

في ظاهر الصورة الحالية، لم تسقط القواعد العسكرية الروسية، ولم تُلغَ العقود الاقتصادية الضخمة التي أبرمتها موسكو مع نظام الأسد، ما قد يوحي بأن روسيا ما زالت تمسك بزمام أوراق استراتيجية حيوية تمنحها نفوذاً لا يُستهان به. لكنها في العمق تواجه واقعاً جديداً أكثر تعقيداً، فالآن توجد سلطة انتقالية تتطلع لترسيخ شرعية مستقلة، ومناخ إقليمي متحرك يعيد ترتيب قواعد اللعبة بطريقة تُربك الحسابات الروسية، ناهيك عن ضغوط دولية متزايدة تجعل استمرار النفوذ الروسي رهاناً محفوفاً بالمخاطر.

وبين هذا وذاك، تبرز أسئلة ملحّة، فهل تملك روسيا حقاً القدرة على إعادة تشكيل نفوذها في سوريا من دون الأسد، أم أن أوراقها الحالية مجرد امتداد هشّ لحضور آيل للانكماش؟ وكيف ستوازن موسكو بين الحفاظ على مصالحها الاقتصادية والعسكرية وبين التكيف مع سلطة لا تشاركها ذات الرهانات، وما حدود قدرتها على المناورة بين القوى الإقليمية والدولية التي تتقاطع مصالحها في سوريا الجديدة؟

من النفوذ العسكري إلى النفوذ الاقتصادي

مع انكشاف خريطة النفوذ في سوريا بعد سقوط نظام الأسد، لم يكن من المستغرب أن تعيد روسيا تموضعها من لاعب عسكري مباشر إلى قوة تركز على تثبيت مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية طويلة الأمد. فعلى الرغم من تراجع الدور العسكري، حافظت موسكو على وجودها العسكري عبر قاعدتي حميميم الجوية وطرطوس البحرية، واللتين تمثلان ركيزة نفوذها في شرق المتوسط، وَفق الاتفاقيات التي وقّعتها مع نظام الأسد وتستمر صلاحيتها حتى منتصف القرن الحالي (تمتد حتى عام 2065). غير أن التحوّل الأكثر وضوحاً تمثل في تفعيل منظومة المصالح الاقتصادية، التي أصبحت بمثابة رافعة النفوذ الجديدة، حيث تعزز روسيا حضورها من خلال إدارة عقود طويلة الأمد في مجالات الطاقة، واستخراج الفوسفات، وتشغيل الموانئ، وحتى المشاركة في مشروعات إعادة الإعمار المستقبلية.

رغم أن هذه العقود لم تُنفَّذ فعلياً بسبب غياب شروط الاستقرار والتمويل الدولي، إلا أنها قد تُشكّل اليوم أداة ضغط روسية قابلة لإعادة التفعيل. يمكن لموسكو استخدامها سواء عبر المطالبة بالتعويض، أو عبر إدراجها في أي آليات مستقبلية لإعادة الإعمار.

هذا الشكل من النفوذ لا يُمارس داخل المؤسسات السورية الجديدة مباشرة، إنما يجري عبر قنوات غير سيادية، تشمل التأثير غير المباشر في بعض الهيئات الدولية أو المفاوضات المتعددة الأطراف التي ستُعنى لاحقاً بملف إعادة الإعمار.

الباحث السياسي الروسي، أندريه أونتيكوف، يشير خلال حديثه لموقع “تلفزيون سوريا” إلى أهمية عدم وجود أي خلاف بين موسكو ودمشق خلال الفترة الحالية وفق تقديره، مضيفاً بأن “روسيا مصمّمة على الحفاظ على قواعدها العسكرية في سوريا وتطالب بضمانات أمنية تحمي وجودها من أي استفزازات أو هجمات. كما تواصل موسكو تعزيز تعاونها الاقتصادي والتجاري مع السلطات الجديدة، وتؤكد استمرار الاتصالات لاستكشاف فرص دعم هذا التعاون”.

أشارت تقارير عدة إلى استمرار روسيا في السيطرة على عقود اقتصادية مهمة في سوريا، خاصة في قطاعات الطاقة والفوسفات. فعلى سبيل المثال، أكدت تحقيقات استقصائية، منها ما نشرته صحيفة “عنب بلدي”، أن شركة “Stroytransgaz” الروسية تدير قطاع الفوسفات في وسط سوريا بموجب عقد طويل الأمد وبدعم سياسي – عسكري يتيح لها نفوذاً أوسع من مجرد استثمار اقتصادي.

من جهة أخرى، أكد تحليل منشور في موقع “تشاتام هاوس” أن العقود الروسية صُمّمت بمرونة قانونية تتيح استمرارها حتى في حال تغيّر السلطة الحاكمة، ما يعكس سعي موسكو لربط مصالحها الاقتصادية ببنية سورية يصعب فك ارتباطها من دون كلفة سياسية وأمنية كبيرة.

كل ذلك يثير سؤالاً أساسياً يتمحور حول المدى الذي تستطيع فيه روسيا فعلاً الحفاظ على هذا النفوذ المتشابك في ظل مشهد سوري جديد يتسم بعدم الاستقرار الإقليمي ومحاولات إعادة توزيع النفوذ من قِبل قوى إقليمية مختلفة؟

المحلل السياسي المتخصص في الشؤون الروسية، سامر إلياس، أشار خلال حديثه لموقع “تلفزيون سوريا” إلى أهمية سوريا بالنسبة لروسيا، على اعتبارها نقطة استراتيجية محورية في الشرق الأوسط، فضلاً عن كونها منصة لوجستية لتوسيع نفوذ موسكو في القارة الإفريقية.

وأضاف: “لهذا السبب، سعت روسيا إلى الحفاظ على علاقات متوازنة مع السلطة الانتقالية، معلنة استمرار عمل سفارتها واستعدادها للمشاركة في جهود إعادة الإعمار، في محاولة لحماية مصالحها الحيوية وسط المشهد السياسي الجديد”.

وتابع إلياس موضحاً أن روسيا ترى في عقودها الاقتصادية داخل سوريا أداة أساسية لضمان استمرار نفوذها. واستدرك قائلاً: “لكن في ظل العقوبات الغربية، تجد موسكو نفسها عاجزة عن تنفيذ مشروعات اقتصادية فعلية في سوريا، كما تفتقر إلى الإمكانات المالية لدعم السلطة الانتقالية في هذه المرحلة. يُضاف إلى ذلك أن الأوروبيين وضعوا شرطاً صريحاً يقضي بإبعاد روسيا عن الساحة السورية كجزء من شروط إعادة الإعمار، ما يضع الطرفين أمام تحدٍّ بالغ الحساسية”.

طوال عقود، مثّلت سوريا نموذجاً كلاسيكياً لما يُعرف في الأدبيات السياسية بـ “الدولة الزبائنية”، أي الدولة التي تقوم علاقاتها الخارجية على مبدأ التبعية شبه الكاملة لقوة إقليمية أو دولية راعية. في هذا السياق، لعبت روسيا (وسابقاً الاتحاد السوفييتي) دور “الراعي” الذي يوفّر الدعم العسكري والاقتصادي والدبلوماسي مقابل ضمان ولاء النظام السوري. سقوط الأسد قَطَع هذا النسق التقليدي من العلاقة، لكنه لم يُلغِ آثارها البنيوية. إذ ما تزال البنية المؤسسية والاقتصادية السورية تحمل إرث هذه الزبائنية، ما يتيح لموسكو الاستمرار في الضغط والاستفادة من مكامن النفوذ السابقة، غير أن تحوّل سوريا إلى كيان سياسي جديد بقيادة انتقالية تحاول فرض استقلاليتها يهدّد بإعادة تعريف هذه العلاقة، ما يفتح الباب أمام سؤال أساسي فيما إذا كان يمكن لروسيا أن تحافظ على موقعها السابق كراعٍ، أم أنها ستجد نفسها مضطرة لإعادة التفاوض على مكانتها ضمن شروط جديدة أقل مركزية وأقل ارتباطاً بالنموذج الزبائني الكلاسيكي.

النفوذ الروسي بين الثبات والتآكل

في آذار الماضي، أرسل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رسالة إلى الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع، أكد فيها دعم روسيا لجهود استقرار سوريا، مشدداً على أهمية “سيادة ووحدة وسلامة الأراضي السورية”. كما أعرب عن استعداد موسكو لتقديم “تعاون عملي” في مختلف المجالات، بما في ذلك المساعدة الإنسانية.

في حين صرح المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، بأن روسيا ترغب في رؤية سوريا “موحدة ومزدهرة وودية”، محذراً من أن عدم الاستقرار في سوريا قد يكون له تداعيات خطيرة على منطقة الشرق الأوسط بأكملها.

لا يمكن تحليل السلوك الروسي في سوريا بعد سقوط الأسد من دون استدعاء نماذج التدخل الروسي في مناطق أخرى من العالم، لا سيما أوكرانيا وليبيا. ففي الحالة الأوكرانية، مثّلت شبه جزيرة القرم وشرق أوكرانيا نموذجاً كلاسيكياً للنفوذ الروسي العميق الذي يجمع بين السيطرة العسكرية المباشرة والهيمنة على البنى الاقتصادية والسياسية. هذا النموذج تكرّر بصيغة مختلفة في ليبيا عبر أدوات غير تقليدية مثل قوات فاغنر وعقود الاستثمار في قطاع الطاقة.

في سوريا، نلاحظ مزيجاً من هاتين التجربتين؛ حضور عسكري صلب يدعمه تمكين شبكة اقتصادية متجذّرة عبر عقود طويلة الأمد في الفوسفات والطاقة والموانئ. هذا نمط روسي ثابت يقوم على زراعة أدوات نفوذ هيكلية تجعل أيَّ انسحاب مستقبلي معادلاً لخسارة جيوسياسية فادحة، وهو ما يفسّر إصرار موسكو على إعادة تموضعها حتى بعد انهيار حليفها الأوثق في دمشق.

وفقاً لتقرير صادر عن صحيفة “وول ستريت جورنال” في آذار الماضي، تسعى روسيا للحفاظ على وجودها العسكري والاقتصادي في سوريا من خلال التفاوض مع الحكومة السورية الجديدة على صفقات طويلة الأمد تشمل القواعد العسكرية والاستثمارات في مجالات الغاز والبنية التحتية.

في حين كشفت دراسة صادرة عن معهد “واشنطن لسياسات الشرق الأدنى” أن “التدخل الروسي في سوريا كان نجاحاً استراتيجياً بتكلفة منخفضة نسبياً، مكّن موسكو من ترسيخ وجود عسكري دائم في منطقة استراتيجية حساسة، بما يمثل امتداداً لرؤيتها الجيوسياسية كقوة متوسطية ناشئة”.

هذا التحول من القوة الصلبة إلى ما يمكن تسميته بـ”النفوذ الهيكلي” يثير تساؤلات مركزية بشأن مدى قدرة روسيا على الاستمرار في لعب دور مؤثر في سوريا نت دون الاعتماد على مظلة سياسية موالية كما كان الحال مع نظام الأسد، وبشأن ما إذا كانت أدوات النفوذ الاقتصادي والعسكري وحدها كافية لضمان بقاء موسكو لاعباً رئيسياً في معادلة سوريا المستقبلية.

لايخلو هذا التحول أيضا من التحديات، فموسكو تدرك أن السلطة الانتقالية، رغم ضعفها المؤسسي، تسعى لبناء شرعية مستقلة، وتحظى بدعم بعض القوى الإقليمية التي قد ترى في النفوذ الروسي عبئاً يجب تقليصه. وفي هذا السياق، تواجه روسيا معضلة ما يُعرف بـ”النفوذ المتآكل”، أي أن الحفاظ على الأصول المادية وحدها لا يكفي إذا لم تُرفَد بأدوات سياسية واقتصادية تضمن استمرار الشرعية والفعالية.

يُضاف إلى ذلك أن السياق الدولي في ظل الحرب الروسية – الأوكرانية جعل روسيا أكثر انكفاءً على جبهتها الداخلية، ما يدفعها إلى إعادة توزيع أولوياتها الخارجية بحيث تبقى سوريا مهمة، ولكن بميزانية نفوذ أكثر انكماشاً. وهذا يتقاطع مع تحليلات الباحث الروسي ألكسندر شوميلين، الذي أشار في أكثر من مناسبة إلى أن سوريا تحوّلت من ساحة اختبار للقوة الصلبة الروسية إلى مختبر أكثر تعقيداً لاختبار أدوات “القوة الذكية”. حيث تسعى موسكو لتحقيق مكاسبها بأدنى كلفة ممكنة.

في هذا السياق، لم يكن الاعتماد على القوة العسكرية وحدها كافياً لضمان البقاء، فقد استفادت موسكو من تجربتها الممتدة في سوريا لتطوير قدراتها في مجالات القيادة والسيطرة، حيث ظهر بوضوح مفهوم “تفوق الإدارة”، أي القدرة على اتخاذ قرارات أسرع وأكثر دقة من الخصوم، ما يمنح روسيا أداة ضغط طويلة الأمد حتى في بيئات سياسية وأمنية متغيرة. وفقاً لتحليل صادر عن معهد “دراسة الحرب”  فإن أحد أهم الدروس المستخلصة من التدخل الروسي في سوريا كان “ضرورة بناء منظومات قيادة مرنة تتيح استدامة النفوذ بأقل كلفة عسكرية ممكنة”. وقد أفاد تقرير صادر عن منظمة “Airwars”، بأن ما بين 15,631 و25,071 مدنياً قُتلوا نتيجة للعمليات العسكرية الروسية في سوريا

رغم التحولات العميقة في المشهد السوري، لم تتخلَّ روسيا عن طموحاتها في تثبيت موطئ قدم مستدام، فهي تسعى للجوء إلى تفعيل أدواتها الدبلوماسية والاقتصادية لإعادة إنتاج نفوذها في حقبة جديدة.

وأشار تقرير صادر عن معهد “واشنطن لسياسات الشرق الأدنى” إلى أن الحكومة الروسية “عملت بشكل حثيث للحفاظ على خطوط تواصل مفتوحة مع القيادة الجديدة في دمشق، مستندة إلى حقيقة أن جزءاً كبيراً من البنية التحتية السورية بما في ذلك شبكات الكهرباء ومرافق الطاقة؛ تم بناؤه بالشراكة مع موسكو، مما يجعل أي تفكيك للعلاقة مكلفاً ومعقداً”. ويتقاطع هذا مع تصريحات صدرت عن وزارة الخارجية الروسية في بداية العام الحالي، تؤكد أن “روسيا تَعتبر سوريا حليفاً استراتيجياً طويل الأمد، وتسعى لضمان استقرار علاقاتها الاقتصادية والأمنية معها، بغضّ النظر عن التغيرات السياسية الداخلية”.

بهذا النهج، تراهن موسكو على قوة الحقائق الجيوسياسية والاقتصادية كضمان لعدم إقصائها من المشهد، ولو بصورة مغايرة لما كان عليه الحال قبل سقوط الأسد.

العلاقات الدبلوماسية.. من التنافس إلى التكيّف

على صعيد العلاقات الدبلوماسية، برزت روسيا بعد سقوط الأسد كلاعب حذر يحاول موازنة مصالحه من دون الصدام المباشر مع السلطة الانتقالية.

بدت روسيا كأنها تمسك العصا من المنتصف؛ لم ترفض السلطة الانتقالية الجديدة علناً، لكنها أيضاً تجنّبت الاعتراف الصريح بها، في تكتيك دبلوماسي أقرب إلى ما يُسمى في العلاقات الدولية بـ “الاعتراف المحدود” أو “الاعتراف بحكم الواقع”، وهي استراتيجيات تعتمدها الدول حين تضطر للتعامل مع سلطات قائمة بحكم الأمر الواقع من دون منحها الشرعية القانونية الكاملة. غالباً ما تُستخدم هذه السياسات كأداة مناورة دبلوماسية، تتيح للقوى الكبرى الحفاظ على قنوات اتصال مفتوحة مع أطراف غير معترف بها رسمياً من قبلها، بانتظار تبلور مشهد سياسي أكثر استقراراً. ورغم زيارات واتصالات رمزية مثل إرسال بوغدانوف إلى دمشق واتصال بوتين بالشرع، ظل موقف موسكو محكوماً بـ “نهج المراوحة الدبلوماسية”، متردداً بين الحفاظ على حضور شكلي وبين خشية فقدان نفوذها التاريخي. هذه الاستراتيجية، وإن جنّبتها صداماً مباشراً، إلا أنها أضعفت أوراقها التفاوضية وأبقتها في موقع المراقب العالق بين خطاب قديم وواقع سياسي جديد يتشكّل من دونها.

في نيسان الماضي، أجرى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف اتصالاً هاتفياً مع نظيره الأمريكي ماركو روبيو، بناءً على طلب لافروف، تناول الاتصال الأوضاع في سوريا. هذا الاتصال يعكس استمرار التواصل بين البلدين بشأن الملف السوري رغم التوترات القائمة بينهما.

بالإضافة إلى ذلك، في آذار الماضي، تقدمت روسيا والولايات المتحدة بطلب مشترك لعقد اجتماع مغلق لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لمناقشة تصاعد العنف في سوريا، هذا التعاون غير المعتاد بين الطرفين في مجلس الأمن يشير إلى اهتمام مشترك بالاستقرار في سوريا.

الباحث السياسي الروسي، أندريه أونتيكوف، يقول لموقع “تلفزيون سوريا”، بشأن ذلك “بعد سقوط نظام بشار الأسد، تراجعت احتمالات التصعيد بين روسيا والولايات المتحدة بشكل ملحوظ، ولم تعد هناك نشاطات جوية مكثفة أو مؤشرات على مواجهة عسكرية مباشرة، إذ يركّز الطرفان حالياً على حماية مصالحهما من دون الانزلاق إلى صدامات”.

أظهرت موسكو وواشنطن براغماتية لافتة في إدارة الملف السوري بعد سقوط نظام الأسد، فقد أشار تقرير معهد “كوينسي” إلى أن الجانبين توصلا بحلول آذار 2025 إلى تفاهمات مبدئية تركز على الحفاظ على استقرار سوريا من دون المساس بالمصالح الاستراتيجية الأساسية لأي طرف، ولفت التقرير إلى أن هذه التفاهمات تعكس إدراكاً مشتركاً بأن أي فراغ أمني جديد سيعني تهديداً لمصالح روسيا والولايات المتحدة على حد سواء، ما يفسر القنوات المفتوحة بين وزارتي الخارجية والدفاع في كلا البلدين. وأكد المعهد أن روسيا، رغم عدم اعترافها الكامل بالسلطة الانتقالية، باتت تتبنى سياسة “إدارة الضرورة”.

روسيا بين تركيا وإسرائيل في سوريا

أما العلاقة الروسية – التركية في سوريا تبدو اليوم وكأنها تسير على حافة التوازن الهش، حيث يتقاطع التكتيك البراغماتي مع توترات بنيوية عميقة. رغم أن الاتصال الأخير بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أواخر آذار الماضي، أعاد إحياء قنوات الحوار بين الجانبين بعد فترة من الجمود، إلا أن هذه القنوات لم تنتج بعد تفاهمات جوهرية ملموسة، خصوصاً في ظل المشهد السوري المتغير. ما يحدث بين موسكو وأنقرة يوحي بأن العلاقات تدخل مرحلة اختبار معقدة، حيث تراهن كل من الدولتين على كسب الوقت وإعادة ترتيب أوراقها وفق المتغيرات الإقليمية الجديدة.

يبدو أن روسيا تجد نفسها مضطرة اليوم لإعادة تقييم موقعها في سوريا في ضوء صعود النفوذ التركي. فعلى الرغم من استمرارها في الاحتفاظ بوجود عسكري في الساحل السوري، إلا أن وزنها السياسي بات مرهوناً بقدرتها على التأقلم مع الواقع الجديد.

في الأفق المنظور، يُتوقع أن تواصل موسكو نهجها الحذر مع تركيا، متمسكة بخيوط الاتصال السياسي والعسكري من دون أن تغامر في كسر التحالف التكتيكي الذي بنته على مدى سنوات.

محلل الشؤون الروسية، سامر إلياس، اعتبر خلال حديثه لموقع “تلفزيون سوريا” أن لدى الروس أولوية واضحة بعد الانتهاء من أزمة الملف الأوكراني، تتمثل في إعادة ترميم دورهم في جنوبي القوقاز وآسيا الوسطى، باعتبار أن هذه المنطقة باتت مسرحاً لصراع واسع بين عدة قوى دولية.

أما على صعيد العلاقات الروسية – الإسرائيلية في الملف السوري فإنها تشهد مرحلة جديدة من الحذر البراغماتي، إذ تسعى موسكو وتل أبيب للحفاظ على الحد الأدنى من التنسيق الأمني رغم الانقلاب الكبير الذي أحدثه سقوط نظام الأسد.

مع وصول السلطة الانتقالية الجديدة، لم تظهر إشارات علنية إلى تغيّر جوهري في هذا النمط من العلاقة، وهو ما يعكس إدراك الطرفين لحساسية المرحلة. بالنسبة إلى روسيا، فإن الإبقاء على خطوط التفاهم مع إسرائيل يبدو ضرورة واقعية، خاصة في ظل محدودية قدرة موسكو على فتح جبهات إضافية أو الدخول في صراعات معقدة بعد استنزافها في أوكرانيا وتقلّص نفوذها الميداني عقب انهيار نظام الأسد.

يمكن توصيف العلاقة الراهنة بأنها أقرب إلى “شراكة الحذر المتبادل”، حيث يسعى كل طرف لتثبيت مصالحه من دون الانزلاق إلى صدامات غير محسوبة. ومع غياب أي إطار تفاوضي جديد أو تصريحات رسمية تعيد ضبط قواعد التنسيق بين الجانبين خلال المرحلة الحالية، يبقى المشهد مفتوحاً على احتمالات متعددة، أبرزها أن استمرار الغموض قد يقود إلى إعادة تقييم من الجانبين للحدود الآمنة لهذه العلاقة، خاصة إذا ما طرأت متغيرات جديدة تمسّ جوهر المصالح الحيوية لأي منهما.

أندريه أونتيكوف يوضح لموقع “تلفزيون سوريا” بأن العلاقة الروسية الإسرائيلية حالياً في سوريا غير تصادمية، “روسيا تنطلق من علاقاتها المشتركة في سوريا من خلال اهتمامها بالوجود في القواعد العسكرية في سوريا باعتبارها نقطة وصل بين روسيا المركز وبين النفوذ الروسي في إفريقيا”.

الرهانات المستقبلية وأفق النفوذ الروسي

يبدو المشهد السوري بعد سقوط الأسد كاختبار قاسٍ لمدى قدرة روسيا على الصمود كلاعب مركزي في شرق المتوسط، ففي حين قد يقرأ البعض هذا التحول كضربة موجعة لهيبة موسكو ومصالحها طويلة الأمد، إلا أن التجربة الروسية تؤكد ميلاً متجذراً لسياسات إعادة التموضع بدل الانسحاب. روسيا، التي اختبرت مراراً ديناميكيات التراجع والتقدم في مناطق النفوذ السوفييتي السابق، تدرك أن النفوذ يقاس بقدرة الدولة على إنتاج أدوات تأثير متجددة تتيح لها البقاء في قلب المشهد ولو بطرق مختلفة.

ومع أن التوازنات الجديدة فرضت على روسيا إعادة حسابات دقيقة، خصوصاً في ظل الضغط الغربي المتزايد عليها بفعل الحرب في أوكرانيا، فإن موسكو ما تزال تراهن على ربط الملفات الإقليمية ببعضها، معتبرة أن أي انتكاسة في سوريا يمكن تعويضها عبر أوراق ضغط في ملفات أخرى كأوكرانيا أو حتى منطقة القوقاز. من هنا، يتضح أن الهدف الروسي ليس فقط البقاء في سوريا بمعناه الجغرافي الضيق، بقدر استخدام الورقة السورية كورقة مساومة ضمن معادلة دولية أوسع تعيد إنتاج معادلات القوة والنفوذ على مستوى العالم.

مع تصاعد التحديات الإقليمية والدولية التي تواجهها موسكو، يبرز سؤال استراتيجي بالغ الأهمية؛ هل تجد روسيا نفسها عالقة في ما يُسمّى بـ “مصيدة النفوذ”؟ هذا المفهوم يُحيل إلى حالة تصبح فيها أعباء الحفاظ على النفوذ أثقل من مكاسبه، ما يؤدي إلى استنزاف القوة الراعية بدل تعزيز موقعها. في سوريا اليوم، تتزايد مؤشرات هذا الفخّ؛ من جهة، تحتفظ روسيا بوجود عسكري واقتصادي يبدو قوياً على الورق؛ ومن جهة أخرى، تواجه بيئة سياسية وأمنية غير مستقرة تعيق جني ثمار هذا النفوذ فعلياً.

فضلاً عن ذلك، فإن الغرق الروسي في أوكرانيا واستنزاف الموارد يجعل من سوريا عبئاً استراتيجياً يصعب الانسحاب منه من دون دفع أثمان سياسية باهظة، ويصعب الاستمرار فيه من دون كلفة متزايدة. بهذا المعنى، قد تمثل الساحة السورية نموذجاً كلاسيكياً لتحوّل النفوذ من أداة قوة إلى عبء استراتيجي خانق، ما يستدعي إعادة تقييم عميقة للخيارات الروسية في المدى المنظور.

تلفزيون سوريا

—————————————

أهمية اللامركزية الإدارية الموسّعة لسوريا الجديدة/ عبدالله تركماني

2025.05.17

لأسباب تاريخية وسياسية وجغرافية عديدة، أصبحت سوريا موطناً لعدد كبير من المكوّنات القومية والطائفية والمذهبية. وقد كشفت السنوات الأربع عشرة للثورة حالة من التفكك والانغلاق على الهويات الفرعية ما قبل الوطنية، فبقي الشعور الوطني السوري الجامع ضعيفاً. وبعد التغيير في 8 كانون الأول/ديسمبر يجري الحديث، لدى بعض هذه المكوّنات، عن رغبتها في نظام فدرالي، متجاوزة العوامل الموضوعية للعوائق التي أبرزها التداخلات السكانية، من حيث توزع الانتماءات القومية والدينية والطائفية على غالبية المحافظات السورية، وكذلك الروابط والمشتركات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المتداخلة للسوريين.

ولكن، في ظلّ صراع الهُويات القائم اليوم، وكذلك المقتلة التي عصفت بسوريا خلال سنوات الثورة، أصبح السوريون في حاجة ملحّة إلى عقد اجتماعي جديد، ينقلهم إلى الحالة الوطنية الجامعة. وبطبيعة الحال ليس المدخل إلى ذلك مشروع الفدرالية، التي يمكن أن يؤدي إلى تقسيم سياسي يؤسس لكيانات جديدة. ولكن قد يكون خيار اللامركزية الإدارية الموسّعة على أساس جغرافي وليس قومياً متاحاً، في حال حصل التوافق بين السوريين، خلافاً لخيار التقسيم الذي تقف دونه كثير من العوامل السياسية والميدانية

والجغرافية والاقتصادية.

إنّ الأمر يتطلب بلورة عقد وطني جديد، من خلال انخراط جميع المكوّنات في عملية صياغة هذا العقد، مع توفير الضمانات لإنجاحه وتثبيت نتائجه وحماية هذه النتائج. مما يستوجب الانخراط في إنتاج نظرة سورية راهنة إلى سائر القضايا السورية، وما يعنيه هذا من ضرورة الانتقال إلى الحوار الوطني الشامل، الهادف إلى بناء دولة الحق والقانون، دولة كل مواطنيها المتساوون في الحقوق والواجبات. وهكذا، يخطئ من يعتقد بأنّ الرفض والإدانة للفدرالية والعودة للتهديد بأساليب القهر والقسر يمكنها حماية وحدة البلاد، فالطريق المجربة للحفاظ على اللحمة الوطنية هي حين تنظم حياة السوريين قوانين لا تميّز بينهم ويتلمسون بأنهم بشر متساوون في الحقوق والواجبات، طريق لا يمكن أن تنهض إلا بنقد الماضي المكتظ بكل أنواع الظلم والاضطهاد، والاعتراف بأنّ النظام المركزي بنسخته الشمولية ذهب إلى غير رجعة. ما يعني ضرورة إعادة النظر بأفكارنا القديمة، وبشعاراتنا عن التعايش والتعددية، استناداً إلى أنّ وحدة الوطن ومعالجة تنوعه القومي والديني، لا يمكنهما أن تتحققا بصيغة عادلة إلا على قاعدة دولة المواطنة المتساوية. 

إنّ الخيار ليس بين المركزية الطاغية، أو التقسيم، أو الفدراليات الطائفية والقومية، بل هو بين هذا كله وبين نظام ديمقراطي حقيقي، تُضمَن فيه صلاحيات الحكومة المركزية، في المجالات الكبرى كالخارجية والدفاع والعملة وإدارة الموارد الاقتصادية الرئيسية، حكومة قادرة على حل القضايا المعلقة والشائكة. إنه أيضاً النظام الذي يضمن، في الوقت نفسه، أوسع الصلاحيات للمحافظات والمناطق والنواحي والبلدات.

وفي الواقع، تتطلب العقلانية التعامل مع الجدل السوري الجاري بشأن حدود النظام اللامركزي من زاويتين مهمتين: أولاهما، على أنه يقدم الحل لمشكلة مزمنة هي مشكلة المكوّنات القومية والدينية ضمن الدولة السورية الواحدة. وثانيتهما، أنه يقدم الحل لإشكالية الحكم في دولة يصعب قيادتها مركزياً. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، هو: إذا كان نظام اللامركزية الإدارية الموسّعة الجغرافية يقدم الحل لهاتين المشكلتين المزمنتين سورياً فألا يستحق من الجميع التوقف عنده وإعطاء الفرصة له بعيداً عن الشعارات الجاهزة والتي تساويه بالتقسيم والخيانة؟

مع العلم أنّ هناك اتفاقاً عاماً، بين علماء السياسة، على أنه لا يمكن الاعتراف بأنّ نظاماً سياسياً عادلاً إذا لم يتوفر فيه شكل من أشكال الحكم المحلي، باعتباره مدرسة لتعلّم الديمقراطية، بما يؤهل الفرد لممارسة السياسة على المستوى الوطني. ذلك أنّ العمل المحلي يحتاج إلى قدر كبير من المشاركة، سواء في انتخاب أعضاء المجالس المحلية أو المساهمة في المشاريع التنموية، التي يتم إنشاؤها داخل الوحدة المحلية، أو الرقابة على الأعضاء ومحاسبتهم على أدائهم ومطالبتهم بتقديم كشف حساب إلى هيئة يكوّنها الناخبون، تناقشهم في الأعمال المزمع القيام بها وتراجعهم في أوجه القصور، وتساعدهم على تلافيها، وقيمة المشاركة تتطلب وجود قدر مرتفع من قيمة الحرية. والحرية والمشاركة يضمنان قدرًا من العدالة في توزيع الموارد والأعباء المحلية، ويحفظان للمواطنين حقهم في المساواة أمام المجالس والنظم المحلية.

وإذا كان النظام المحلي له هذا الدور الهام في تحقيق الوحدة الوطنية الطوعية، فإنّ القيم السياسية الحديثة هي بيت القصيد في هذه العملية، فالمشاركة السياسية تقوّي الوحدة الوطنية السورية، والمشاركة عن طريق اللامركزية تسمح للولاءات الفرعية بأن تعبّر عن نفسها من دون كبت، ما يؤدي إلى التخفيف من وطأتها فلا تصبح معضلة في سبيل تحقيق الوحدة الوطنية. وهنا لا بدّ من التنويه إلى أن اللامركزية الإدارية، من حيث المبدأ، هي أحد الأشكال المضافة إلى مفهوم الدولة، وقد جاءت تلبية للحاجات التي يقتضيها تطور المجتمعات البشرية، في تاريخها الحديث والمعاصر، وبهذا المعنى، هي معطى حداثي بامتياز.

وهكذا، بإعادة رسم الخريطة الإدارية السورية نستطيع أن نتحاشى اشتراط بعضهم لنصوص دستورية أو قانونية تشكل ألغاماً يمكنها أن تنفجر بأي لحظة، وأن نتجنب تحكّم ظلال الماضي بمستقبل سوريا. فعندما تضمن المكوّنات المتنوعة تمثيلها في مناطقها، فإنها ستقوم من خلال الممارسة الديمقراطية بانتخاب ممثلين لها وفقاً لأسس المصلحة العامة والكفاءة والفاعلية والمردودية، وهذا هو مفهوم النظام الديمقراطي الذي تقوم عليه الدول.

وهكذا، يتحدد فهمنا للامركزية الإدارية الموسّعة على الأسس التالية:

– قيامها على وحدة سوريا وطناً لكل السوريين، من خلال تنظيم الإدارة المحلية، وتنظيم تقاسم الموارد، لمنع تسلّط المركز، واستحواذه على معظم موارد البلد، وضمان توسيع المشاركة في الحكم وصياغة القرارات المصيرية.

– لا تعني قيام كل محافظة بإقامة علاقات خارجية أو تشكيل جيش أو عملة أو علم خاصين بها، وإنما تعني إدارة شؤونها في قضايا التعليم والصحة والخدمات والأمن الداخلي، أما الشؤون السيادية، وضمنها الخارجية والدفاع وإدارة الاقتصاد، فتبقى في يد السلطة المركزية.

– تقوم على أساس جغرافي، وليس على أساس قومي أو طائفي، لأنّ ذلك يتناقض مع دولة المواطنين الأحرار المتساوين في الحقوق والواجبات.

– لا يتم تعريف المواطن بقوميته أو دينه أو مذهبه، فالمكانة الحقوقية متساوية لكل المواطنين.

وبذلك يتوفر التنوّع في الممارسة الإدارية بين الوحدات المحلية، وهو ما قد يقدم نماذج أكثر فاعلية لخدمة المواطنين، ويترك لهذه الوحدات الفرصة لتحديد الأنسب لبيئتها المحلية في مجال الخدمات والضرائب والإطار العام للحياة، مع مراعاة خصوصيات السكان في كل منطقة.

فإذا كان للامركزية الإدارية أن تكون صيغة مناسبة لاتحاد سوري، يطوي صفحة التصورات القومية والمركزية لسوريا، يقتضي الأمر أن تكون النخب السياسية جادة في شأنها، وأن تقوم على تفاهم سياسي عريض، وتُراعى مقتضيات قيامها من استشارة السكان وتوفير تمثيل فعّال لهم، ومن توفير بيئة أكثر ملاءمة للاتحاد في البلد ككل، وفي المحافظات والمناطق والنواحي والبلدات.

تلفزيون سوريا

—————————-

 نحو ثقافة التكامل/ محمد خالد الرهاوي

2025.05.17

سقط النظام الأسدي بعد عقود من الإجرام والقمع والاستبداد، وبعد أربعة عشر عاما من الثورة المباركة التي لم يترك خلالها سلاحا إلا استعمله ضد شعبه، ولم يتوانَ عن الاستعانة بالروس والإيرانيين والميليشيات الطائفية والذين جلبهم من كل مكان لقمع الشعب واجتثاث ثورته، أجل سقط وترك وراءه دمارا ماديا هائلا على جميع مناحي الحياة ومستوياتها وصعدها، كما ترك أيضا تركة ثقيلة ومعقدة على المستوى الاجتماعي والوطني.

ولعل من أخطر جوانب هذه التركة هو إذكاء الصراعات والانقسامات وتعميقها بين مكونات الشعب السوري المتنوعة، ومن المعلوم للجميع أن هذه الصراعات لم تكن وليدة المصادفة أو العفوية، بل كانت جزءاً أساسياً من سياسة ممنهجة انتهجها النظام بهدف وحيد هو: إضعاف النسيج الاجتماعي السوري وحرمان الشعب من وحدته وتماسكه، وذلك لغاية رئيسة هي ضمان بقاء النظام وسيطرته المطلقة وإدامة حكمه واستمرار توارثه من خلال تطبيق مبدأ “فرق تسد”، فقد سعى جاهداً لدق الأسافين وغرس بذور الفتنة والخوف والريبة بين السوريين وتغذيتها بكل ما يستطيع في وسائل الإعلام والتعليم وإدارات الدولة والفروع الأمنية وغيرها، مستخدماً الاختلافات الطبيعية في الهويات الثقافية والدينية والإثنية أدوات للقمع والتحكم، لا مصادر غنى وتنوع وإن تظاهر بالتغني بالتنوع والتعدد، فأدت هذه السياسات المتعمدة إلى تآكل الثقة وتعميق الجراح بين أبناء الوطن الواحد، وجعلهم أكثر قابلية للاستقطاب والتوجس والريبة والخوف وفقدان الثقة وأبعدَ عن فكرة الشراكة الوطنية الكاملة، ومما لا شك فيه أن مواجهة هذه التركة الثقيلة والعبور نحو مستقبل مختلف يتطلب إدراكاً عميقاً للمخططات التي كانت تُحاك لإضعافنا، وعملاً دؤوباً على إعادة بناء ما هدمه النظام البائد من خلال ترسيخ ثقافة تقوم على التكامل والترابط والاعتراف المتبادل، لا على الإقصاء والإلغاء.

إنَّ الدعوة إلى ترسيخ ثقافة التكامل والترابط بين مكونات المجتمع السوري وثقافاته المتعددة تعدُّ أمراً جوهرياً وحيوياً لبناء الدولة السورية وصنع مستقبل مستقر ومزدهر لها.

وفي المقابل، فإن تجنب سياسات الإلغاء والإقصاء ليس مجرد خيار، وإنما ضرورة وجودية ووطنية قصوى تفرضها طبيعة المجتمع السوري وتاريخه، وإن النظرة المتعمقة للمجتمع السوري تكشف عن ترابط عضوي وتكامل طبيعي بين جميع أجزائه ومكوناته، ولا يمكن فصل أحد أطرافه أو إلغاؤها من دون إلحاق ضرر جسيم بالمجتمع كله، ومثلهم في ذلك “كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا على سَفِينَةٍ، فأصابَ بَعْضُهُمْ أعْلاها وبَعْضُهُمْ أسْفَلَها، فَكانَ الَّذِينَ في أسْفَلِها إذا اسْتَقَوْا مِنَ الماءِ مَرُّوا على مَن فَوْقَهُمْ، فقالوا: لو أنّا خَرَقْنا في نَصِيبِنا خَرْقًا ولَمْ نُؤْذِ مَن فَوْقَنا، فإنْ يَتْرُكُوهُمْ وما أرادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وإنْ أخَذُوا على أيْدِيهِمْ نَجَوْا، ونَجَوْا جَمِيعًا” ويتجلى هذا التكامل في جوانب كثيرة، منها:

· التكامل بين المدينة والريف والبادية:

فالتفاعل بين هذه المناطق ليس تبادلا بين جغرافيتين أو منطقتين مختلفتين، بل هو دورات حياة متكاملة؛ فالمدينة تحتاج للمنتجات الزراعية والحيوانية والموارد الطبيعية التي يوفرها الريف والبادية، والريف والبادية يحتاجان المنتجات الصناعية والأسواق التجارية والخدمات التي توفرها المدن، والمدن الكبرى مثل دمشق وحلب لم تنشأ وتزدهر إلا بفضل محيطها الريفي والمحافظات الأخرى التي تغذيها وتسوّق منتجاتها؛ فهي بحاجة مزدوجة ومستمرة لجلب المواد الأولية وتصريف البضائع، ولا شك أن محاولة إلغاء أي من هذه المكونات هي محاولة لقطع شرايين الحياة عن البقية، وجدير بكل من الريف والمدينة تجنب ما يوتر العلاقات ويؤدي إلى أحكام متحيزة بناء على الموقع الجغرافي.

· التكامل بين الفئات الاجتماعية:

ينطبق مبدأ التكامل هذا على جميع مستويات المجتمع، فلا يمكن للغني أن يستغني عن الفقير، ولا للفقير أن يستغني عن الغني؛ فلكل منهما دور يؤديه في منظومة الحياة والاقتصاد والإنتاج. والطبقات العليا تحتاج للعمالة والخدمات التي توفرها الطبقات الدنيا والمتوسطة، والطبقات الدنيا والمتوسطة تحتاج للفرص التي يمكن أن يخلقها الأثرياء ورأس المال، والمجتمع السوري -مثله مثل أي مجتمع بشري- نسيج متكامل من الفئات المختلفة، ومحاولة إلغاء أي منها تعني تمزيق هذا النسيج وإضعاف بنيانه.

· التكامل بين المكونات الإثنية والدينية والثقافية:

هذا التنوع هو أحد أغنى سمات سوريا وأعرقها؛ فالعربي والكردي والسرياني والأرمني والتركماني والشركسي وغيرهم هم جميعاً أبناء هذه الأرض وشركاء في تاريخها ومستقبلها. وكذلك المسلم والمسيحي والدرزي والعلوي والإسماعيلي ومختلف الفرق والمذاهب الأخرى التي تشكل فسيفساء سوريا الدينية، ومحاولة أي مكون -مهما بلغت قوته أو كثر عدده- لإلغاء أو تهميش مكون آخر- مهما صغر حجمه أو قل عدده- هي عملية عبثية ومدمرة؛ فالهويات لا تُلغى بالقوة أو الإقصاء، بل تترسخ وتتفاعل في بيئة من الاحترام والاعتراف المتبادل.

    نشر ثقافة التعايش السلمي، والاعتراف بالتنوع على أنه قيمة إيجابية ومصدر غنى، وليس تهديداً.

لقد أثبتت التجارب القاسية -ولا سيما في السنوات الماضية- فشل السياسات القائمة على الإقصاء والتهميش ومحاولة التغيير الديمغرافي التي سعى إليها النظام البائد، والتي خلفت دماراً هائلاً وخسائر بشرية ومادية فادحة، وتهجيراً لملايين السوريين من مختلف المكونات عامة ومن المكون السني خاصة، لكنها في النهاية لم تستطع إلغاء الهويات أو المكونات الاجتماعية أو الدينية أو الإثنية، وسقطت خطط الإلغاء مع سقوط منطق الاستبداد الذي أنتجها، وإن بقيت آثارها المؤلمة تتطلب معالجة جذرية وشاملة.

إن الواقع اليوم، وبعد كل ما مرت به سوريا، يؤكد حقيقة لا يمكن تجاهلها: كل مكون، وكل فرد، وكل مجموعة، متمسكون بهويتهم وثقافتهم ودينهم وعاداتهم وتقاليدهم، وهذا التمسك ليس بالضرورة مصدر صراع، بل يمكن أن يكون مصدر قوة وتنوع إذا ما أُدير بحكمة واحترام. لذلك، فإن الحل الوحيد والمسار الآمن والمستدام لمستقبل سوريا يكمن في:

· نشر ثقافة التعايش السلمي، والاعتراف بالتنوع على أنه قيمة إيجابية ومصدر غنى، وليس تهديداً.

· واحترام ثقافة الآخر، وفهم الاختلافات الثقافية والدينية والاجتماعية وتقديرها واعتبارها جزءاً أصيلاً من النسيج الوطني.

· وتسييد دولة القانون والمؤسسات من خلال بناء نظام قانوني عادل ومستقل يطبق على الجميع على قدم المساواة، من دون تمييز على أساس الانتماء أو العدد أو القوة، فالقانون هو الضامن الوحيد لحقوق الجميع وحامي التنوع من محاولات الإلغاء أو الهيمنة.

إن مستقبل سوريا لا يمكن أن يبنى إلا على جسور من التكامل والتعاون بين جميع أبنائها، لا على أنقاض الإقصاء والإلغاء التي لن تجلب إلا مزيداً من الدمار والانقسام.

تلفزيون سوريا

———————————-

ضاحكون على الجنازات وشامتون من تحت الركام/ فاطمة عمراني

17 مايو 2025

في بلادٍ يشيّع فيها الموتى بالهتاف، ويُسبغ على النعوش طابع الولاء، للموت سياسة، وللقبر جغرافيا، وللحزن تصنيف مذهبي وطائفي. لم نعد نحزن لأن إنسانًا رحل، بل نتفقد بطاقته الحزبية أولًا. هل كان معنا أم ضدّنا؟ في هذا الوطن المكسور، لا يموت الناس فقط، بل “ينالون جزاءهم”.

نشمت بالموت، رغم أنه الحقّ الوحيد الذي لم يزوّر بعد، فالسياسة جعلت منه أداة تصفية حساب. زلزالٌ يقتل الآلاف؟ “ربك ما بينسى”، قصفٌ يدمّر حيًّا؟ “هي عدالة السماء”. لم نعد نرى النهايات قدرًا بل كأنها استفتاء شعبيّ على أحقّية الضحايا بالحياة.

لا أحد يُولد شامتًا. لكن حين تحكمك سلطة تصادر تعريفك للخير والشر، ثم تقسّم الموتى إلى شهداء وخونة، فإنك تتعلّم، ولو قسرًا، أن ترى الضحية من زاوية سياسية لا إنسانية. وهنا تبدأ الحكاية.

الأسد في المقام الأول

لم يكن نظام الأسد مجرد سلطة قمعية، بل مؤسسة لإنتاج الكراهية الجماعية المنظمة. حافظ الأسد لم يحكم سوريا فقط، بل صاغ ذهنيّة مواطنيها. حوّل الولاء من خيار إلى نجاة، والاختلاف إلى خيانة، والحياد إلى نقيصة تستوجب التوبيخ أو الإقصاء. ثم جاء بشار ليُتم العمل بنجاح مذهل: شعبٌ بلا ثقة، بلا ذاكرة مشتركة، بلا حزن واحد.

تُظهر أبحاث “المعهد العربي للديمقراطية” أن المجتمعات التي تُربّى في ظل أنظمة الحكم المطلقة التي تتحكم بكل مفاصل الحياة تميل إلى بناء “هويات عدائية” كجزء من بقائها. فنظام الأسد لم يربّ مواطنين، بل درّب “فِرقًا نفسية”، كلٌ منها يرى في الآخر تهديدًا يجب إضعافه. ومن هنا، صار موت أحدهم مكسبًا شعوريًا، لا خسارة بشرية.

لماذا نشمت؟

علم النفس لا يُبرّئنا، لكنه يشرحنا. تقول د. كارلا نيفن من جامعة أكسفورد في دراسة منشورة عام 2022 إن “الشماتة ظاهرة تعويضية تظهر حين يشعر الإنسان بالعجز المطلق، ويواجه عدالة مفقودة”. بمعنى آخر، حين لا يمكنك استرداد حقك ممن ظلمك، تتلذذ برؤيته يتألّم، حتى لو لم يكن هو الجاني المباشر.

في الحالة السورية، الشماتة ليست من فراغ، بل نتيجة تراكمات: من فرح المؤيدين إلى شماتة المعارضين وليس انتهاءً بتبرير كل كارثة كأنها “نتيجة مستحقّة”. صرنا نُمارس الشماتة، لا عن قسوة، بل لأننا بلا أدوات أخرى، بلا محاسبة، بلا عدالة. الكارثة تصبح نوعًا من “ردّ الكرامة” الوحيد المتاح.

“أنا جوعي أحسن من قصفك”، و”أنا لاجئ أحسن من عبوديّتك”. مفارقات يتبادلها السوريون يوميًا على مواقع التواصل. الشماتة هنا لا تأتي من امتياز، بل من هامش تفاخرٍ داخل الجحيم ذاته. أكثر من 14 مليون سوري غادروا مناطقهم منذ 2011 (UNHCR)، والداخل يعيش على أقل من دولار في اليوم. ومع ذلك، لا نتعاطف، بل نتسابق على تصنيف من فينا أشدّ بؤسًا.

هذا السلوك تشرحه دراسات علم الاجتماع التي تشير إلى أن الإنسان الفاقد للتحكم بمصيره يبحث عن تعويض رمزي بأي تفوق ممكن، حتى لو كان تفوّقًا في عدد الجثث أو سعة الطوابير.

كيف نُعيد تكرار الإبادة أخلاقيًا؟

حين نُسلب القدرة على تمييز الظالم من المظلوم، نصبح شركاء في إنتاج نسخة مقلوبة من العدالة. الشخص الذي يبرر مجازر الأرمن أو يقف لا مباليًا إزاء قصف غزة أو يسخر من ضحايا زلزال تركيا، يفعل ذلك لأنه أُقنع أن كل ألمٍ ليس ألمَه هو استحقاقٌ سياسي. لا يهم أن الموت حق، بل المهم من يموت ولماذا.

وتُظهر دراسة من “Stanford Psychology Review” عام 2020 أن المجتمعات الخارجة من نزاعات طويلة الأمد تميل إلى “إعادة تدوير النكبات”، فتُفرغ الألم المتراكم في اتجاه أي خصم رمزي، حتى وإن كان بريئًا تمامًا. وبما أن النظام السوري صادر القيم، وشوّه الحقائق، فلم يبقَ سوى لغة الشماتة كوسيلة تفريغ.

مرآة الحقد المُزمن

“خلّيهن يدوقوا”، “بيستاهلوا”، “الله كبير”. جُمل تُكتب آلاف المرات يوميًا على تويتر وفيسبوك، مصحوبة بصور أطفال تحت الأنقاض أو صواريخ تمزق البيوت. المنصات الرقمية تحوّلت إلى أسواق شماتة، لا لأن الناس فجأة صاروا قساة، بل لأن المنصة تكافئ من يُبهر الجمهور بأكثر تعبيرٍ حادّ.

دراسة حديثة لـ”MIT Media Lab” أظهرت أن المنشورات التي تعبّر عن الشماتة أو الانتقام تحصد تفاعلًا يزيد بنسبة 70% عن منشورات التعاطف. لأن الشماتة تُشعل الخلاف، والخلاف هو الوقود المفضل للخوارزميات. وبالنتيجة، تترسّخ هذه السلوكيات كـ”عُرف رقمي” وواقع ثقافي جديد.

في الحالة السورية، لا نشمت لأننا وحوش، بل لأننا كُسرنا أكثر مما يمكن إصلاحه. في ظل غياب المحاسبة، وانهيار الثقة، واحتكار الخطاب من قبل أنظمة تصنّف الموتى كما تصنّف الحقائب في المطارات، يصبح من الطبيعي أن نضحك حين يُقصف الآخر، ونحتفل حين ينهار بيته. هذا ليس سلوكًا فرديًا بل ثقافة تشكّلت على مدى عقود من القمع والانقسام والخذلان.

قد لا نستطيع إيقاف هذا الانهيار الأخلاقي دفعةً واحدة. لكن على الأقل، يمكننا الاعتراف به. يمكننا أن نعيد تعريف “الضحية”، ليس وفق بطاقته السياسية، بل وفق إنسانيته. حينها فقط، قد نعود نحزن، معًا، كما ينبغي.

الترا سوريا

——————————-

الضباط المنشقّون عن جيش الأسد… بين هواجس التهميش وتوقعات الدور الكبير مستقبلاً/ عمار جلّو

الجمعة 25 أبريل 2025

“بناء جيش كفء لدولة بحجم سوريا هو تحدٍّ كبير”، قال الرئيس السوري أحمد الشرع، في مقابلة مع صحيفة “نيويورك تايمز”، مؤخراً، منبّهاً إلى أنّ أشهراً عدة غير كافية لتحقيق ذلك، وأن الأمر سيستغرق وقتاً أطول.

على ذلك، يبدو أنّ الإدارة الجديدة جادّة في التعويل على دور واسع ومؤثر للضباط المنشقّين خلال السنوات الأولى للثورة السورية، والمقدّر عددهم بستة آلاف ضابط، بينهم رتب عسكرية رفيعة في مختلف الاختصاصات، بهدف دمجهم في وزارة الدفاع الجديدة، حسب ما ذكر موقع “العربي الجديد”، سابقاً.

ففي وقت سابق، التقى وزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة، بلجنة عن الضباط المنشقّين بهدف بحث دمجهم في الجيش السوري الجديد، وذلك بعد مباشرة الإدارة السورية الجديدة، ومنذ تسلمها مقاليد الحكم في دمشق في 8 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، في وضع إطار عام لتأسيس الجيش السوري بعد حلّ الجيش السابق.

على الضفة الأخرى، تنتاب الضباط المنشقّين هواجس من استمرار التهميش بحقهم في المرحلة المقبلة، خصوصاً بعد مسارعة الحكومة الجديدة إلى منح رتب عسكرية لقادة فصائل، غالبيتهم من المدنيين، أو لأشخاص ليسوا سوريين، دون إيلاء هؤلاء العسكريين المنشقين الاهتمام المتوقع.

على ذلك، وبعد أيام قليلة من إسقاط نظام بشار الأسد، أصدر عدد من الضباط المنشقين، بياناً أعلنوا فيه عن استعدادهم لوضع أنفسهم وخبراتهم العسكرية لإعادة تشكيل جيش سوريا الحرّة على أسس وطنية موحدة تعبّر عن تطلعات السوريين نحو الحرية والعدالة.

و”سوريا الجديدة، وبعد انحلال عقد جيش نظام الأسد المجرم، بأمسّ الحاجة إلى جيش مؤسساتي محترف، يضمّ الاختصاصات العسكرية كافة، البرّية والبحرية والجوية، وصنوف القوات الاختصاصية والإدارات التابعة لوزارة الدفاع، خصوصاً بعد أن تم إلغاء التجنيد الإجباري في سوريا”، حسب العميد فايز الأسمر، وهو أحد الضباط المنشقين عن جيش النظام السوري، لصالح الانتماء والدفاع عن الشارع السوري الثائر. 

قلق في الشمال

يروي الأسمر، أنه “منذ الأيام الأولى لسقوط نظام الأسد وانتهاء حقبة الاستبداد والإجرام التي مارسها بحق الشعب السوري الثائر وحاضنته الشعبية، بدأت الحكومة الجديدة بالتصدي لمهامها الأمنية الصعبة، بهدف ترسيخ الأمن والاستقرار في المحافظات السورية كافة. وذلك عبر تعيين وزير دفاع ورئيس أركان. كذلك قامت الحكومة بتعيين قادة لبعض الفرق والألوية العسكرية، وبعضهم من الضباط المنشقين، لكن بأعداد قليلة”.

“في الواقع لا توجد أسباب مقنعة أو موضوعية تعيق وزارة الدفاع عن إعادة الضباط كافة، بل حتى صفّ الضباط، إلى المؤسسة العسكرية الوليدة، للاستفادة منهم، ولجعلهم النواة الصلبة للجيش”، يقول الأسمر، لرصيف22.

في هذا السياق، أشار ضابط منشقّ شارك في عملية “ردع العدوان”، لصحيفة “الشرق الأوسط”، إلى أنه “بعد أيام من سقوط النظام، عيّنت وزارة الدفاع عدداً ضئيلاً من الضباط، حسب الحاجة إلى الاختصاص”، لافتاً إلى وجود المئات من الضباط وصف الضباط المنشقّين ممن عملوا في الشمال السوري بتوصيفهم العسكري الثوري، وآلاف الضباط غيرهم ممن غادروا سوريا، ينتظرون التعيين. وهذا التأخير سبّب قلقاً لدى الضباط العاملين في الشمال، وخلق لديهم شعوراً بعدم الارتياح.

بحسب الأسمر، “الضباط المنشقون قاسوا وتحمّلوا مع عوائلهم عبء الانشقاق، وحُكموا بالإعدام وضحّوا بالكثير نتيجة ذلك. كما أن الوزارة والجيش الجديدين بأمسّ الحاجة إليهم، خاصةً أنهم من خيرة الضباط الأكاديميين، ومن الاختصاصات العسكرية كافة. وعليه، يجب الاعتماد الكبير عليهم، وتوظيف خبراتهم العلمية والعملية والميدانية في بناء وتطوير المؤسسة العسكرية الوليدة. لكن للأسف هذا الأمر يسير ببطء حتى الآن. وآلاف الضباط لم يتم تعيينهم أو حتى التواصل معهم للمشاركة في بناء الجيش الجديد”.

إلى ذلك، أشار موقع “الشرق نيوز”، إلى الغياب الواضح للضباط المنشقين عن مؤتمر النصر الذي تم عقده في دمشق بتاريخ 29 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، وتم خلاله تعيين قائد إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع، رئيساً للمرحلة الانتقالية في سوريا، من قبل قادة الفصائل الذين حضروا المؤتمر بزيّ عسكري موحد.

على إثر ذلك، منح الشرع، رتباً عسكريةً وترقيات لعشرات القادة، بمن فيهم وزير الدفاع أبو قصرة، الذي حصل على رتبة لواء، برغم أنه مهندس زراعي، إلا أنه كان يشغل منصب قائد الجناح العسكري في “هيئة تحرير الشام”، بالإضافة إلى تولّيه قيادة العمليات العسكرية في معركة “ردع العدوان” التي أطاحت بنظام الأسد في الثامن من كانون الأول/ ديسمبر 2024.

بجانب ذلك، أصدر الشرع، قراراً منح خلاله 49 شخصاً، ستة منهم أجانب، رتباً عسكريةً رفيعةً، تنوعت بين “لواء، وعميد، وعقيد”، ومعظمهم من المنتمين إلى “هيئة تحرير الشام”.

“منذ اللحظة الأولى لوصول الإدارة الجديدة إلى الحكم في دمشق، كان هناك واقع عسكري تنظيمي يفرض نفسه، وهو انهيار منظومة الجيش بشكل كامل، وتالياً كانت الفكرة الأساسية هي البناء من الصفر”، حسب مدير البحوث في مركز عمران للدراسات الإستراتيجية، معن طلاع.

يضيف طلاع: “لاحقاً، ونتيجة تطور الأحداث، بدأت تُطرح فكرة الشرعية الثورية كمدخل لتأطير الحياة السياسية والدستورية في سوريا. وعليه، تم الاعتماد على القوى العسكرية كافة التي شاركت في عملية النصر، والاستناد إليها، ما ولّد مظلّةً عسكريةً تضمّ مجموع الفصائل التي شاركت في العملية، وتالياً ظهرت أولى ملامح المشهد السوري، لناحية طبيعة القوى العسكرية التنظيمية، وبدأت خلالها مراحل توزيع الفصائل المناطقية وضمّها في فرق وألوية أو في بعض الكليات العسكرية”.

ويعتقد طلاع، وفق حديثه إلى رصيف22، أنّ “ما يجري حالياً لا يندرج فعلياً في إطار بناء الجيش، بقدر ما هو مندرج ضمن برنامج ‘DDR’ (Disarmament, Demobilization and Reintegration). وهو برنامج يعنى بضبط السلاح والدمج والاستيعاب. ويقوم جزء منه على استيعاب السلاح في وعاء عسكري واحد، ينظّمه ويؤطره، ويخلق قناةً واضحةً للمعلومات، وهي التي يبنى عليها تدفق القرارات وغيرها من المسائل، ويخضع لتفاهمات أمنية، وضرورات عسكرية أيضاً”.

البناء عملية طويلة ومعقدة

خلال بيان سابق، قالت وزارة الدفاع السورية، إنّ الوزير مرهف أبو قصرة، عقد 47 جلسةً مع قادة وضباط من مختلف الفصائل، بجانب اجتماعات موسعة مع أكثر من 60 تشكيلاً عسكرياً، وقد أسفرت هذه الاجتماعات عن الاتفاق على انخراطها في الإدارة الجديدة.

كذلك أعلنت الوزارة عن تشكيل اللجنة العليا لتنظيم بيانات القوات المسلحة، بهدف إنشاء قاعدة بيانات متكاملة تشمل الموارد البشرية من ضباط وصفّ ضباط وأفراد، بالإضافة إلى الكوادر الأكاديمية، بجانب شمولها الأصول العسكرية من آليات وسلاح وثكنات، وتنظيمها ورفعها مباشرةً إلى وزير الدفاع. كما أوضحت الوزارة عن خطط مستقبلية تشمل عقد جلسات جديدة مع التشكيلات العسكرية لتثبيت الهيكلية وتعيين القيادات المناسبة، بعد انتهاء عمل اللجنة العليا من تنظيم البيانات.

حسب الطلاع، و”في ما يخص الموارد البشرية، هناك ثلاثة ملفات مهمة؛ ملف المنشقين، والمسرّحين بحكم مواقفهم الثورية بعد سجنهم، والذين خضعوا للمصالحة. وقد بدأت آليات عدة تطلب لقاءات ومقابلات مع هذه الموارد البشرية. لكن المعيار الرئيس في قبول هذه الشخصيات، الحاجة إلى تخصصهم، والتي ترتبط بطبيعة الجيش القادم المتوقع، بحكم شكله التنظيمي الهجين، فهو ما فوق الجيش التقليدي، وما دون الجيش الذي يعتمد على الأسلحة الذكية والمتطورة والحرب السيبرانية”.

ويضيف: “ما نشاهده من ترفيعات، ودمج فصائل أو توزيعها على ألوية، يأتي ضمن آليات دمج واستيعاب القوى العسكرية، وتشكيل نواة قوة عسكرية مركزية. لكنها ليست مرحلة بناء الجيش، إذ إن بناء الجيش عملية طويلة ومعقدة وتستوجب بيئةً تشريعيةً جديدة، ويتطلب تمتعه بثلاث سمات رئيسية؛ أولاً، حيادية الجيش، بمعنى ألا يتدخل في الحياة السياسية، وثانياً أن يكون جيشاً لكل السوريين، بمعنى أن تكون معايير الانتماء إليه معايير تقنية وطنية، وليست معايير مرتبطةً بأيديولوجيا أو بمجموعة معينة، وأخيراً، العقيدة العسكرية والانتشار العسكري والهندسة الاجتماعية للجيش”.

ويشير الطلاع، إلى أن “الوظيفة المطلوبة من الجيش كانت سابقاً، محاصرة الحياة المدنية في الوحدات الإدارية السورية. لذا كان انتشاره على أطراف المدن والبلدات والقرى. بينما يفترض اليوم أن تكون وظيفة الجيش هي الانتشار على الحدود والمراكز الجيو-سياسية المهمة، التي تهيّئ له القدرة على التعبئة والسرعة في الحشد والانتشار، وهو ما يحتاج إلى نقاش طويل. بجانب ذلك، تحتاج العقيدة العسكرية إلى بناء سردية تجمع الجيش، ولا سيما أننا نمتلك سردية انتهاء حقبة الاستبداد، التي تم خلالها انهيار الجيش، نتيجة إدخاله في آتون صراعات النظام الحاكم”.

المنشقون… خبرات ميدانية ثمينة

سيكون للضباط المنشقين دور كبير في المرحلة المقبلة، وفقاً لمصادر في هيئة الأركان السورية، وذلك عبر تسلّم وإدارة الاختصاصات العسكرية (البرية والجوية والبحرية وتفرعاتها)، وبعضهم منخرط فعلاً، كما قال مصدر لصحيفة المدن، كونهم أصلاً موجودين في صفوف الفصائل.

وفي هذا الإطار، استحدثت وزارة الدفاع مكتباً في دمشق، لتسجيل أسماء واختصاصات الضباط المنشقين الراغبين في الانخراط في المؤسسة العسكرية الجديدة. فالباب مفتوح لجميع الضباط المنشقين الموجودين خارج سوريا للانضمام إلى المؤسسة الوليدة، لكن دون الضغط على أحد منهم للعودة. كذلك، ستمنح الوزارة رواتب تقاعديةً مدى الحياة لمن أصيب منهم بإعاقات خلال المعارك ضد قوات النظام المخلوع.

عن ذلك، يقول العقيد أحمد الحماده، وهو ضابط منشقّ، يزور سوريا حالياً: “بالأمس (الثلاثاء الماضي)، قمت بزيارة إلى إدارة شؤون الضباط، وشاهدت/ لمست عودة عدد من الزملاء الضباط، حيث تقوم الإدارة المذكور بتهيئة القطع العسكرية، وما يتم تهيئته وتنظيمه منها، يتم رفده ببعض الزملاء الضباط. الباب ليس مغلقاً”.

ويضيف في حديثه إلى رصيف22: “شاهدت عدداً من الضباط المنشقين في نادي الضباط وهيئة التدريب أيضاً”، وخلال مراجعته إدارة شؤون الضباط في وزارة الداخلية، شاهد عدداً كبيراً من الضباط، ومن رتب رفيعة (عمداء). قاموا بمساعدته في الحصول على جواز السفر (جوازات السفر للعسكريين كانت مسألةً صعبةً وتخضع لدراسات أمنية كثيرة، بجانب صعوبتها للمدنيين ممن هُجّروا من سوريا خلال العقد الماضي).

ويروي حماده: “بالإضافة إلى ذلك، تستقبل إدارة شؤون الضباط جميع الضباط، لملء استمارات، وتخيّرهم في العودة إلى العمل العسكري، أو في المكان القادرين على العمل فيه. كذلك تم العمل على هيئة الإمداد والتموين، بهدف ملء الشواغر، حيث تم تعيين بعض الضباط، وهكذا. وقد تعرضت للسؤال في بعض الأماكن حول ما إذا كانت لدي رغبة في العمل في الإدارة المذكورة. لذا فإنّ الحديث عن الإقصاء ليس صحيحاً، برغم بطء الإجراءات، العائدة إلى الإمكانيات الضيقة وعدم تجهيز وفتح المراكز والنقاط العسكرية، حيث تفتقد الحكومة إمكانية دفع الرواتب حتى”.

“ليس هناك استدعاء فوري لكل الضباط، وكل منهم سيتمّ تعيينه في المكان المناسب. الأمور تحتاج إلى الوقت، وهي تسير في هذا الاتجاه، ضمن خطة موضوعة من قبل الحكومة، يتم خلالها تعيين الضباط المنشقّين. مع ذلك، هناك إعادة تقييم للضباط المنشقين، ولغير المنشقين أيضاً. من لديه جرائم مالية أو جرائم أخرى. وهو ما يجري التدقيق فيه ويتم العمل عليها بشكل كبير. “هذا ما رأيته وسمعته. إذ ليس من المعقول أن كل من قال أنا ضابط تتم إعادة تعيينه، فقد يكون لديه سجل إشكالي”، يقول العقيد حماده.

في هذا السياق، أشار رئيس شؤون الضباط في وزارة الدفاع، العميد محمد منصور، إلى وضع الوزارة آليات تضمن استفادة الجيش من خبرات الضباط المنشقين بالشكل الأمثل، وتعدّهم جزءاً أصيلاً من المؤسسة العسكرية، ومن الواجب تكريمهم وإعطاؤهم المكانة التي يستحقونها.

فنظراً إلى استناد إعادة بناء الجيش إلى مزيج من الخبرة والتحديث، وإلى امتلاك هؤلاء خبرات ميدانية ثمينة، سيتم توظيفهم حسب تخصصاتهم، وحسب حاجة القوات المسلحة، لضمان نقل خبراتهم إلى الأجيال الجديدة، وبما يعزز الجاهزية القتالية ويرسخ العقيدة العسكرية السورية القائمة على الدفاع عن الوطن وسيادته. وعليه، سيكون للضباط المنشقين دور أساسي ومحوري، أضاف منصور، لوكالة الأنباء السورية “سانا”.

رصيف 22

——————————————–

من ينقذ الأشجار في سوريا؟/ زينة شهلا

السبت 17 مايو 2025

في أول أيام شهر رمضان الفائت، دعاني صديقاي سلمى وهاني لزيارة مزرعتهما في بلدة جسرين في غوطة دمشق الشرقية. مضى على آخر مرة وطأت فيها أقدامهما هذه الأرض الشاسعة نحو عشر سنوات، إذ اضطرا إلى مغادرة البلاد مع اشتداد وتيرة المعارك عام 2013. ونحن نتجول في المكان المهمل وكنت أستمع إلى شرح هاني عما حصل في أرض العائلة والمنطقة عموماً، أخبرني بحسرة ودهشة: “قبل رحيلنا، ما كان بإمكاننا رؤية الطريق العام من هنا بسبب كثافة الأشجار، الآن، معظم الأشجار في أرضنا والأراضي المجاورة قُطعت، وها هو الطريق ماثل أمامنا بعد أن أصبحت الأرض شبه جرداء”.

ما حصل في هذه الأرض ليس استثناءً. في الأشهر والسنوات الماضية، تجولتُ في كثير من قرى وبلدات ريف دمشق، وكان المشهد “محزناً” للغاية. رأيت كيف تحولت كثير من الأراضي الزراعية الشاسعة إلى شبه صحراء، يصعب أن تجد فيها شجرة يمكن أن تحتمي بظلها، وكيف تلتهم الكتل الأسمنتية القبيحة تلك الأراضي وما فيها من غطاء نباتي وقد حلت محله أبنية ومزارع ومعامل ومستودعات تتناثر في كل مكان بشكل عشوائي. لمحتً أشخاصاً يقطعون أشجاراً كبيرة ويحولونها بكل مهارة إلى قطع حطب صغيرة، ويخبئون وجوههم ويرفضون الحديث بشكل قاطع عن الأمر، وآخرون يقولون بكل بساطة: “بدنا نتدفى… عندك حل تاني؟”.

بعد عام 2011، حين اندلعت الثورة السورية التي تحولت بعدها إلى حرب طاحنة، شهدت كثير من المناطق ارتفاعاً غير مسبوق في معدلات قطع الأشجار والاحتطاب الجائر، وللأمر أسباب عدة منها عدم توفر المحروقات وغلاء أسعارها وتالياً لجوء آلاف العائلات إلى الحطب كوسيلة للتدفئة وتحول الأمر إلى تجارة رابحة خاصة وأن تسعة من كل عشرة سوريين يعيشون تحت خط الفقر، والرغبة في الاستثمار العقاري والحصول على المكاسب السريعة بعد أن غدت الزراعة مهنة صعبة ومكلفة، إلى جانب غياب الرقابة والتطبيق الصارم للقوانين البيئية التي لها أن تكفل حماية الأراضي والغطاء النباتي.

“من كان يفكر قبل عام 2010 أن يقطع شجرة في سوريا؟”، سؤال قد يفسر لنا جوانب كثيرة من هذه الكارثة البيئية، التي تتولد اليوم آمال ولو ضئيلة ببدء مجابهتها ووضع حلول جذرية لها، بعد سقوط النظام السوري وتولي إدارة جديدة للبلاد.

خسارة أكثر من ربع الغطاء الشجري

قد لا تتوافر أرقام وإحصائيات وافية ودقيقة عن حجم ما حدث في سوريا للغطاء الشجري، إذ إن سنوات الحرب وما رافقها من دمار وخسارات في الموارد البشرية والمادية والتقنية وصعوبة الوصول إلى كثير من المناطق، تصعّب تأكيد الواقع الحالي، لكن لا يصعب وصفه بأنه “كارثي” ويحتاج تحركاً عاجلاً.

يشير موقع “الرصد العالمي للغابات Global Forest Watch” إلى أن “سوريا خسرت بين عامي 2011 و2023 ما نسبته 28% من الغطاء الشجري، وهو يعادل 29.5 ألف هكتار”، ويعود ذلك إلى الحرائق والاحتطاب الجائر والقصف العشوائي بشكل أساسي. ورغم أن الأعوام ما قبل 2010 شهدت نسبة من هذه الخسارات، تبين المخططات البيانية ارتفاعاً هائلاً في هذه الخسارة بعد عام 2011.

ويكشف بحث نشره “مركز الأبحاث البيئية والتطبيقات الحرجية في برشلونة” عام 2024 عن “فقدان مستمر للغطاء الحرجي في سوريا، يتركز معظمه في سلسلة الجبال الساحلية في الشمال الشرقي وحول دمشق العاصمة في جنوب البلاد، وقد سُجِّل أعلى معدل إزالة غابات بين عامي 2010 و2015، إذ انخفض إجمالي الغطاء الحرجي بنسبة 11.5% (أو 37.9 ألف هكتار)”.

كما أشارت دراسة نشرتها مجلة “ساينس دايركت” العلمية نهاية عام 2024 ونفذت على مجتمعين محليين في الساحل السوري، إلى أن “أنشطة قطع الأشجار زادت بمجرد بدء الحرب، حيث شارك المزيد من الأشخاص في التحطيب، وارتفع متوسط ​​الأيام التي يقضونها في قطع الأشجار أسبوعياً من 1.5 إلى 4”.

للأمر بالطبع عواقب وخيمة على عدة أصعدة، كما تشرح الدكتورة والخبيرة البيئية غادة بلال، وهي عميدة المعهد العالي للتخطيط الإقليمي في جامعة دمشق: “تعتبر الأشجار عنصراً حيوياً وأساسياً من عناصر البيئة، وتشكل دوراً مهماً كغطاء نباتي وعنصر أساسي للتربة والمناخ والهواء بإغنائه بالأوكسجين، إضافة إلى إغناء التربة بالمغذيات مثل النتروجين والفسفور وضمان ثباتها وتماسكها، كما تساهم الأشجار في جانب الأمن الغذائي للإنسان، وعملية قطعها لها آثار طويلة وبعيدة المدى على الهواء والماء والتربة والمناخ والإنسان وحتى استمرارية الحياة، وهو أمر نشهده اليوم نتيجة الظروف الاقتصادية المتردية في سوريا وصعوبة الحصول على مواد التدفئة، إلى جانب محاولة الاستيلاء على بعض الأراضي التي تتبع ملكيتها للدولة”.

هل القوانين كافية؟

داخل مكتبه في دمشق، التقينا مع مدير الحراج في وزارة الزراعة، السيد مجد سليمان، وأشار إلى “وجود ضغط كبير على المواقع الحراجية في سوريا خلال السنوات الأخيرة وعلى المجتمعات المحلية التي تعيش بالقرب منها، نتيجة تدهور الوضع الاقتصادي وعدم وجود المحروقات والكهرباء وصعوبة الوصول إلى الطاقة البديلة، والحرائق الكبيرة التي طالت مساحات واسعة من الحراج والغابات نتيجة التغيرات المناخية وعدم انتظام الهطول المطري، إلى جانب الممارسات البشرية غير المستدامة”.

وينوّه إلى أن التعديات على الغابات تعتبر أخطر من الحرائق، ففي حال الأخيرة، تتجدد المواقع الحراجية من تلقاء نفسها في كثير من الأحيان خاصة في حال حدوث الحريق خلال فترة الحمل البذري للأشجار وبحدوث هطولات مطرية جيدة، أما الأفعال البشرية بما فيها التحطيب الجائر فهي تخرج الأرض الحراجية عن وظيفتها وتحوّلها نحو أغراض أخرى مثل زراعة الخضروات. وهذا لا ينفي بالطبع المسؤولية البشرية عن كثير من الحرائق نتيجة ممارسات خاطئة مثل حرق بقايا المحاصيل بطرق عشوائية ودون التقيد بالتعليمات والإرشادات، إلى جانب انتشار مكبات القمامة وعدم تنظيف جوانب الطرقات من الأعشاب والأشواك التي تشتعل بسرعة.

وتعمل مديرية الحراج من خلال نحو 100 مخفر حراجي ونحو 800 عنصر مختص منتشرين في أنحاء البلاد على ملاحقة التعديات على الأشجار وحراسة المواقع الحراجية، وينتظم عملها وفق القانون رقم 39 الصادر عام 2023 تحت عنوان “الحفاظ على الثروة الحراجية وتأمين الإدارة المستدامة لها”، وقد شدد هذا القانون العقوبات والغرامات على كل من يضر بالغابات والحراج والأشجار، وهي تتضمن السجن واحتجاز الآليات ودفع مبالغ مالية كبيرة، ما ساهم إلى حد ما في التقليل من المخالفات الحراجية وفق ما يقول سليمان، لكن الجهود المطلوبة بهذا الصدد ما تزال كبيرة.

“التعديات مرتبطة بشكل أساسي بالوضع الاقتصادي، واليوم مع وجود الإدارة الجديدة في سوريا تواصلنا مع الأمن العام ووزارة الدفاع والداخلية لتقديم مساعدة للضابطة الحراجية وتوقيف المخالفين، ووضعنا خطة متكاملة لتثبيت نقاط للأمن العام على مداخل ومخارج المحميات في كل سوريا لضبط أي تعدٍ على هذه المواقع، وتسيير دوريات مشتركة. الظروف الحالية ليست سهلة على الإطلاق، وقد شهدنا فوضى كبيرة عقب سقوط النظام لكن الأمور الآن تتجه نحو إعادة الضبط بقوة، ونتفاءل بأن إرساء الأمن أكثر سيخفف من التعديات على الحراج”، يقول سليمان.

ويشير إلى جملة من التحديات التي يواجهها عمل المديرية في مراقبة وضبط المخالفات والتعديات على الغطاء الشجري وإعادة توزيع وتنظيم العمل على كامل البلاد وفق رؤية متطورة، ومنها نقص الكوادر البشرية والمعدات والآليات، والحاجة إلى ميزانيات أكبر بما يسمح أيضاً بتحديث التقنيات بمجال الإطفاء والضابطة الحراجية مثل الحصول على طائرات مسيرة للمراقبة وتركيب خزانات في مناطق مرتفعة.

بدورها ترى الخبيرة غادة بلال وجود “سوء إدارة في حماية الموارد الطبيعية في سوريا وخاصة الغطاء النباتي. ولا بد من اعتماد دراسات علمية كتلك التي يقدمها معهد التخطيط الإقليمي على المستوى الوطني والمكاني، لرفع كفاءة إدارة الموارد الطبيعية وحمايتها من الكوارث مثل الحرائق والتجاوزات وقطع الأشجار”.

وتشير بلال إلى أن القوانين الموجودة حالياً في سوريا “جيدة، وفي حال تم تطبيقها واعتمادها ومتابعتها فهي تعتبر كافية لتحول دون حصول أزمات في فقدان الغطاء النباتي، لكن التجاوزات الكثيرة وعدم المتابعة يتطلب التزاماً أكثر، خاصة وأن الحقبة الطويلة من التجاوزات بدأت بالفعل تغيّر في طبيعة الأحراج، ولا ضير من تعديل القوانين بغرض تحقيق إدارة متكاملة لحماية المورد الطبيعي”.

مشاركة المجتمع المحلي

إلى جانب التحريج الصناعي وإنتاج الغراس الحراجية ووضع خطط تعويضية لتأهيل الغابات المتضررة وإعادة ترميمها ورفع مساحة الرقعة الحراجية، تعمل مديرية الحراج على تشجيع المجتمع المحلي على المشاركة في التشجير، ورفع الوعي بأهمية الغابات وضرورة الحفاظ عليها، وإطلاق مبادرات توعوية تشجيرية للاهتمام بالشجرة. يقول مدير الحراج مجد سليمان: “تتمثل رؤيتنا الجديدة في تعزيز المشاركة المجتمعية في أعمال التحريج، فنقدم تسهيلات لحملات التشجير ونشجعها وأيضاً ننظمها ونشرف عليها فلا تكون عشوائية، ونعدل القوانين ذات الصلة كي لا تكون بيروقراطية، كما نعمل على تعزيز الرؤية الاستثمارية للحراج بزراعة أنواع متعددة الأغراض مفيدة للمجتمع المحلي، مثلاً عندما أزرع الخرنوب إلى جانب الأشجار فإنني أشجع المجتمع المحلي على حب الشجرة وحمايتها لأنه يستفيد منها”.

يرى سليمان بأن “القوة في أن نعيد الأمر لأهله، بتشكيل لجان محلية تنسق مع الجهات الحكومية لمراقبة التعديات واتخاذ الإجراءات القانونية. يجب أن نحرّك الغيرة عند الناس لأجل الغابة، فبناء المجتمع والوعي هو الأساس”.

في هذا الصدد تشير الخبيرة غادة بلال إلى أن المشاركة المجتمعية في حماية الغطاء النباتي ضرورة لا بد منها في كل العمليات والدراسات والمشاريع التي تحقق العملية الإنمائية. لكن هل تتم بالشكل الصحيح؟ نسألها فتجيب: “الحقيقة أنها لا تحدث بشكل ممنهج ومستدام وضمن خطة متكاملة ومعتمدة، فلا بد أن تدخل ضمن سياسات واستراتيجيات تعتمدها الدولة وتتابعها من بداية الفكرة إلى وضع الخطة وآلية العمل والتنفيذ، وأن تراعي الشروط البيئية الصحيحة التي تحقق الاستدامة”.

وتختم بالقول: “المطلوب اليوم أن تتعامل الجهات الحكومية وحتى القطاع الخاص مع الغطاء النباتي والأشجار وفق خطط ودراسات إستراتيجية تدعم حفظ وصيانة هذا الغطاء وضمن خطط تنموية إنمائية مستدامة، وهذه الخطط تتطلب قوانيناً وتشريعات تحقق تنفيذ صون الموارد الطبيعية بما فيها الأشجار والغطاء النباتي، وأن تكون شاملة لكل المشاريع التي تتعامل مع استعمالات الأراضي المختلفة”.

ويمكن أن نضيف بعض التوصيات التي أدرجتها مجلة “ساينس دايركت” في البحث المذكور آنفاً لحماية الغطاء الشجري في سوريا، ومنها “دعم الحكومات والسلطات المحلية لمجتمعات الغابات في إيجاد مصادر طاقة بديلة ونظيفة للطهي والتدفئة، وتثقيف المجتمعات حول ممارسات الإدارة المستدامة للغابات، وتحسين الخدمات في المناطق الريفية لمكافحة الفقر وتقليل الضغط على موارد الغابات. كما ينبغي على الهيئات الدولية النظر في دمج استراتيجيات تعالج فقر الطاقة في خططها الإنسانية وخطط إعادة الإعمار، وقد يشمل ذلك ضمان الوصول إلى مصادر طاقة بأسعار معقولة، وإعادة بناء البنية التحتية للطاقة”.

*أُنتج هذا المقال بالتعاون مع منظمة “تاز بانتر” الألمانية ضمن مشروع كرين بانتر، وقد نُشر لأول مرة عبر “صحافيات من أجل المناخ” .

رصيف 22

———————————-

==============================

عن التدخل الاسرائيلي السافر في سورية الجديدة، ملف تناول “شهية إسرائيلية لتفتيت سوريا” – تحديث 17 ايار 2025

عن أشتباكات صحنايا وجرمانا تحديث 17 أيار 2025

لمتابعة مكونات الملف اتبع الرابط التالي

التدخل الاسرائيلي السافر في سورية الجديدة

لمتابعة تفاصيل هذا الملف اتبع الرابط التالي

عن أشتباكات صحنايا وجرمانا

————————————-

 تطييف ديني أم سياسي.. من يحرك المشهد في سوريا الجديدة؟/ باسل المحمد

2025.05.16

بعد نحو ستة أشهر على سقوط النظام المخلوع، تشهد سوريا حالة انكشاف اجتماعي وسياسي غير مسبوقة، حيث تصاعدت الأصوات الطائفية والمذهبية والمناطقية في مشهد يوحي بعودة البلاد إلى ما قبل الدولة، حيث الطائفة هي الوطن، والمذهب هو الهوية، لكن خلف هذا الضجيج الطائفي ثمة حقيقة أكثر تعقيداً؛ معظم تلك الأصوات لا تعبر عن قلق ديني بقدر ما تسعى إلى الحفاظ على مواقع النفوذ أو حجز مقاعد في السلطة المقبلة.

في علم الاجتماع السياسي مقولة “حين تسقط الأنظمة تنكشف المجتمعات”، هذا ما حدث فعلاً في سوريا ما بعد الثامن من ديسمبر 2024، فمع انهيار القبضة الأمنية الصلبة التي حكمت البلاد لعقود، خرجت إلى السطح خطابات محمّلة بلغة الخوف من الآخر، والدعوات إلى الحماية، والمطالب الطائفية العلنية، غير أن نظرة فاحصة تكشف أن كثيراً من هذه المطالب ليست دينية في جوهرها، بل سياسية في مضمونها، وإن غُلّفت برداء طائفي لاستدرار التعاطف المحلي والدولي. من الجنوب إلى الشمال، ومن الجزيرة إلى الساحل، تتكرر مشاهد الطوائف التي تطالب بـ”حقوقها” أو “ضمانات وجودها”، بينما يتراءى أن الهدف الحقيقي وراء هذه المطالبات هو المحافظة على نسبة معقولة من المكتسبات السياسية التي كانت تتمتع بها بسبب ولائها للنظام المخلوع، أو السعي للتمركز في مراكز القرار الجديدة، والحصول امتيازات خاصة لإدارة مناطقهم تحت صيغة “لامركزية”، فهل المشهد السوري الراهن نتاج وعي طائفي حقيقي؟ أم أن الطائفة باتت أداة لتكريس مصالح سياسية وصراعات على النفوذ؟

العلويون: خطاب الحماية كغطاء لموقع سياسي بعد سقوط النظام

وجدت الطائفة العلوية نفسها أمام لحظة تاريخية فارقة، فالسقوط لم يكن مجرد خسارة سياسية للنظام، بل اهتزاز عميق في موقع الطائفة ضمن البنية الحاكمة التي تشكلت منذ سبعينيات القرن الماضي. في هذا السياق، بدأ يظهر خطاب علوي يتحدث عن “الخشية من التصفية” و”الحاجة إلى الحماية الدولية”، مستخدمًا لغة طائفية تُشير إلى خطر ديني محدق، لكنه في جوهره يعكس قلقًا من خسارة الامتيازات السياسية، لا الخوف من الإبادة الطائفية. لقد غُلف هذا الخطاب بمفردات دينية واستعارات تاريخية، لكنه لم يُخف جوهره التفاوضي. فالدعوة إلى “الضمانات الدولية”، و”حماية الأقليات”، والحديث عن “صعود التطرف” كلها إشارات توحي بأن المطلب الحقيقي هو تثبيت موقع سياسي للطائفة في أي ترتيبات قادمة.

الخوف لدى الطائفة تمثل في تشكيل كيانات سياسية تحت مسميات دينية مثل “المجلس الإسلامي العلوي الأعلى” الذي تم الإعلان عن تشكيله في سوريا بتاريخ 4 من شباط/فبراير الماضي، وهو كيان ديني يهدف إلى تنظيم وتمثيل شؤون الطائفة العلوية داخل سوريا وخارجها، إضافة إلى ما يسمى “اللقاء التشاوري للسوريين العلويين في المغترب”. وفي هذا السياق كشفت مصادر خاصة لموقع “تلفزيون سوريا” عن نشاطات سياسية وإعلامية تقودها مجموعة تدّعي تمثيل العلويين السوريين في الولايات المتحدة، تحت اسم “رابطة العلويين في الولايات المتحدة”، وتعمل بتنسيق وثيق مع تيار مدني يضم شخصيات كانت على ارتباط مباشر بالأجهزة الأمنية التابعة لنظام المخلوع بشار الأسد. ووفقاً لوثائق وصور حصل عليها موقع “تلفزيون سوريا”، فقد أرسلت الرابطة خلال الأشهر الماضية (قبل الأحداث التي شهدها الساحل في 6 آذار) رسائل إلى الكونغرس الأميركي تزعم فيها أن العلويين يتعرضون لـ “تطهير عرقي”، و”إبادة جماعية” في سوريا، مطالبةً بدعم مؤتمر تنظمه الرابطة في 12 و13 من أيار الجاري في مبنى الكونغرس بواشنطن.

واللافت أن هذه اللغة جاءت من جماعة لم يكن التدين يشكل مركز هويتها العامة خلال العقود الماضية، فالنظام الذي صعد باسم حزب البعث القومي، حرص على إبقاء الهوية الدينية للطائفة في الظل، بل ووضعها في خدمة المشروع السياسي للدولة المركزية، وهذا ما يجعل عودة الطابع الديني في الخطاب العلوي اليوم أقرب إلى “الاستدعاء الوظيفي”، الذي يهدف إلى حماية النفوذ والمكتسبات، وليس دفاعاً عن العقيدة.

السويداء: هوية محاصَرة تبحث عن أمان سياسي

في محافظة السويداء، التي لطالما اعتُبرت واحة للاستقرار الاجتماعي في خضم الفوضى السورية، بات التوتر السياسي فيها يرتدي عباءة الخصوصية الدينية. فعلى وقع الانهيار التدريجي لمؤسسات الدولة المركزية، برزت داخل الجبل دعوات لتشكيل إدارة محلية “درزية الهوية”، لا تُقدَّم كخطوة انفصالية صريحة، بل كمشروع حماية ذاتية لمجتمع يشعر أنه تُرك لمصيره. الخطاب الجديد الذي بدأ يتبلور في خطب الزعامات الدينية، ومداولات النخب المحلية، يطرح فكرة “الخصوصية الدرزية” ليس فقط كتراث ديني واجتماعي، بل كأساس لتصور سياسي جديد قد يُفضي إلى نوع من الحكم الذاتي، أو على الأقل شكل من أشكال اللامركزية المشروطة. هذه التصورات وإن رُوّج لها تحت مظلة الخوف من الفوضى أو من “صعود التطرف السني”، إلا أنها في جوهرها تعبّر عن أزمة تمثيل سياسي أكثر من كونها مسألة خوف ديني. في هذا السياق، يكرر الشيخ حكمت الهجري الزعيم الروحي لطائفة الموحدين الدروز في سوريا، دعوته إلى “حماية دولية لسكان جبل العرب”، مؤكدًا أن “طلب الحماية الدولية حق مشروع لشعب قضت عليه المجازر”. ورغم أن التصريح قُدّم في سياق ديني وأخلاقي، إلا أنه جاء بعد أيام فقط من مشاورات بين ممثلين عن الطائفة وبين وفود أوروبية زارت السويداء، في محاولة لفهم مطالب الأقليات في ظل الانهيار السياسي للنظام السابق. هذه المقترحات، رغم زخمها، لا تحظى بإجماع داخل مجتمع السويداء نفسه، فبينما يرى فيها البعض وسيلة واقعية لحماية ما تبقى من الاستقرار، يُحذر آخرون من أنها قد تؤدي إلى عزل السويداء سياسياً واجتماعياً، وتفتح الباب أمام تدخلات إقليمية ودولية قد تستخدم الطائفة كورقة تفاوض أو ضغط. تمثل حالة السويداء اليوم تجلّياً واضحاً لتطييف السياسة، فالمخاوف المعلنة لا تتعلق بمنع إقامة الشعائر أو تهديد العقيدة، بل بالقلق من خسارة دور سياسي كان مهمشاً لعقود، واليوم حين تفتح نافذة التغيير، يريد البعض في الجبل أن يضمنوا ألا يُعاد إغلاقها دون أن يكون لهم موطئ قدم واضح في مستقبل البلاد.

السنّة أغلبية تبحث عن استعادة القرار

رغم أن الخطاب الطائفي السني ظل أقل حدّة مقارنة بخطابات بعض المكونات السورية، إلا أن التحولات السياسية بعد سقوط النظام أظهرت تحولاً تدريجياً في لهجة بعض الفاعلين السنّة، خصوصاً في الداخل السوري، فقد بدأت مفردات من نوع “الأغلبية السنية” و”حقنا في قيادة البلاد” و”استعادة دورنا الطبيعي” تتكرر في المنتديات السياسية، والخطب الدينية، وحتى في النقاشات المجتمعية اليومية. هذه اللغة رغم أنها تستند إلى واقع ديموغرافي واضح، لا تخلو من دلالات سياسية تتجاوز الشعار الديني. إذ أن الإشارة المستمرة إلى “أغلبية محرومة” و”أكثرية تم إقصاؤها لعقود” ليست فقط وصفاً لحالة دينية أو مذهبية، بل مطالبة ضمنية بتغيير معادلة الحكم في سوريا. فبعد خمسين عاماً من حكم أجهزة الدولة بقبضة أمنية طائفية واضحة، بات جزء من الشارع السني يرى أن الوقت قد حان لإعادة تصحيح الميزان، ليس انتقاماً، بل استرداداً لمكانة سُلبت باسم الاستقرار القومي تارة، وبذريعة حماية الأقليات تارة أخرى. لكن المفارقة أن هذا الخطاب يُجابه فوراً باتهامات بالسعي إلى “حكم سني” أو “إعادة إنتاج الدولة الطائفية”، في الوقت الذي تُقدَّم فيه مطالب الطوائف الأخرى، ولو كانت أكثر فئوية، على أنها “مشروعة” و”منطقية”. من ناحية أخرى، تدرك معظم النخب السنية أن تحويل هذه المظلومية إلى خطاب صدامي سيعيد البلاد إلى مربع الطائفية الدموية، لذلك تسعى أطراف سنية مدنية إلى موازنة المعادلة التالية: المطالبة بحق سياسي صريح، دون إقحام للهوية الدينية كوسيلة احتكار أو نفي للآخر. باختصار، فإن استدعاء السنّة لهويتهم الدينية في لحظة سياسية مفصلية لا يعني بالضرورة تبنّي مشروع ديني طائفي، بل هو أداة تعبير سياسي تستخدم الغلاف الديني لتبرير استحقاق سياسي طال انتظاره.

رواية مغايرة لما يجري في سوريا

على خلاف ما تروجه وسائل الإعلام والسوشيال ميديا لحالة الاحتراب الطائفي في سوريا التقت رئيسة الأمانة الدولية للحرية الدينية، نادين ماينزا، بطاركة وأساقفة وقساوسة مسيحيين أثناء زيارتها لدمشق برفقة وفد رسمي يمثل منظمات دولية في فبراير/شباط الماضي وقدمت صورة مغايرة للسردية الرائجة حول حقيقة الأوضاع في سوريا.

ونقلت ماينزا عن رجال الدين المسيحيين في سوريا قولهم “على الغرب أن يكف عن مناصرة وحماية الأقليات في سوريا، لأن من شأن ذلك أن يعزز الرواية الخطيرة التي استخدمها الأسد، وقسمت سوريا إلى أغلبية وأقلية. مضيفة أن أنها استمعت لأغلب الحضور، وكان من جملة ما أكدوا عليه أن معظم جيرانهم المسلمين السنة يرفضون الطائفية والعنف، وأنه في فترة ما قبل حكم الأسد، عاشت الطوائف الدينية والعرقية المتنوعة في سوريا معًا في سلام نسبي، ويأملون في استعادة هذا التاريخ.

بالنهاية لا بد من التأكيد أن ما يجري في سوريا اليوم ليس صراعاً دينياً بقدر ما هو خلاف سياسي لبس عباءة الطوائف، وصار يُدار تحت يافطات الحماية المجتمعية والخصوصيات الدينية. لكن الحقيقة الأعمق، والتي يجب أن تُقال بوضوح، أن الشعب السوري لم يكن يوماً في حالة احتراب طائفي داخلي؛ بل ما حدث ويحدث هو صراع على السلطة، تُستخدم فيه الهويات الدينية كأدوات للنفوذ أو كخط دفاع أمام المجهول.

ولذلك، فإن الحل لا يمكن أن يأتي من مزيد من التقوقع، ولا من إنشاء كيانات طائفية، بل من العودة إلى الفضاء الوطني العام، عبر حوار وطني صريح، يشارك فيه الجميع دون إقصاء، ويضع على الطاولة كل الهواجس والتطلعات.

وإلى جانب الحوار، لا بد من إطلاق مشروع للسلم الأهلي، يعيد بناء الثقة بين مكونات المجتمع السوري، ويؤسس لمرحلة لا يُسأل فيها المواطن عن مذهبه، بل عن كفاءته ومساهمته في إعادة الإعمار السياسي والاجتماعي.

 تلفزيون سوريا

 ———————————

المسألة الدرزية… هل هي مسألة حقّاً؟/ توفيق شومان

17 مايو 2025

تناقل روّاد مواقع التواصل الاجتماعي، في 8 مايو/ أيار الحالي، مشاهدَ عشرات الطلاب الدروز السوريين يغادرون مبنى السكن الجامعي في دمشق عائدين إلى محافظة السويداء، ويناقض هذا المشهد، بألمه ووجعه، مشهداً ملؤه البهجة، يعود تاريخه إلى 29 سبتمبر/ أيلول 1918، ويُظهر سلطان باشا الأطرش رافعاً العلم العربي في دمشق، ممهّداً لحكومة عربية جامعة لأطياف بلاد الشام كافّة، وفسيفسائها المتعدّدة والمتنوّعة. لم يكن ذلك الأمل المكسور بعد سنتين (معركة ميسلون) سوى تعبير عن أفق سياسي وفكري حالم وواسع، نشده القوميون العرب الأوائل، متجاوزين وعورة (وتضاريس) الواقع الاجتماعي لأهالي الشام، فصاغوا دستوراً عام 1919، لا يمكن وصفه إلا بأنه خريطة رجاء نحو الانتقال إلى مواطنية عربية بدت مقبولةً ومستساغةً عند أهل الحلّ والربط، وعند الجمهور العام أيضاً.

بعد أكثر من مائة عام على خيبة الأمل وانكسار الرجاء، تبدو التعدّديات الاجتماعية الشامية أقرب إلى أن تحمل كلّ واحدة منها في بطونها “قومية مخفيّة”، إذا جاز اقتباس الفكرة التي يتحدّث عنها محمد علي مكّي في واحدٍ من أهم الكتب التي عالجت التاريخ اللبناني الحديث (والشامي ضمناً وحُكماً) وصدر عن دار النهار البيروتية عام 1977، بعنوان “لبنان من الفتح العربي إلى الفتح العثماني”. لكن تلك “القوميات المخفيّة” كاد التذويب يخفيها، أو يخفض وتيرتها، في إطار القومية العربية النهضوية، أو في أطر الجامعة الوطنية التي عرفتها الدول القُطرية في مراحل نشوئها الأولى، وما أعقبها من دورات سياسية في أطوارها التالية، التي لم يُكتب لها العمر المديد، فانقلبت مرحلةُ ما بعد الاستقلالات انتكاساتٍ أطلّت معها “القوميات المخفيّة” برؤوسها من جديد تعبيراً نابذاً لـ”العروبة المُستبدَّة” أو الحزبية التي أنعشت أرواح الطائفيّات والعشائريات، كما يقول المفكّر السوري ياسين الحافظ في “الهزيمة والأيديولوجيا المهزومة” (1978). وفي ذاك الكتاب، ما ينطوي على استشرافٍ مبكّر لمسالك وأساليب الممارسة السياسية التي اعتمدتها “العروبيات الحزبية”، فأعادت إنتاج الهُويَّات الاجتماعية الضيّقة، ومن حيث تدري أو لا تدري، فقد قصمت تلك العروبيات ظهر العروبة الجامعة.

ربّما تفوت الذاكرة السياسية أدوار فائقة التأثير، أدّاها الموحّدون الدروز في نشوء أو تنمية أو صياغة أقطار عربية عدّة، ومن منطلقات لا تتّصل إلا بالرابطة العربية أو الوطنية، وفي واقع الحال، امتدّ ذلك التأثير، وذاك الدور، من سورية إلى الأردن إلى السعودية، هذ إذا جرى استثناء لبنان الحديث من أنه امتداد كياني، بشكل أو بآخر، لـ”إمارة الدروز”، التي توطّدت مع الأمير فخر الدين الثاني في الثلث الأول من القرن السابع عشر للميلاد.

بما يخصّ سورية، يتقدّم سلطان باشا الأطرش بمشاركته الطليعية في ثورة العرب الكُبرى عام 1916، ومن ثمّ إطلاقه الثورة الوطنية السورية عام 1925 من جبل الدروز في سورية. ومن الجبل أصدر بيانه الشهير قائداً عامّاً للثورة السورية، ودعا فيه إلى “وحدة البلاد السورية، ساحلها وداخلها، والاعتراف بدولة سورية عربية واحدة مستقلّة استقلالاً تامّاً، وقيام حكومة شعبية”.

وفي سلسلة الأدوار الدرزية في سورية، يبرز اسم عادل أرسلان، ومن مناصبه رئاسة أمانة السرّ في مرحلة المملكة السورية الهاشمية، ثمّ تولّى وزارات الخارجية والدفاع والتربية في السنوات الأولى بعد استقلال سورية، فيما جهد فريد زين الدين، ناصري الهوى والميل، في إقناع الرئيس السوري شكري القوّتلي بإعلان الوحدة مع مصر عام 1958، وإذ أشرف على المديرية العامة لوزارة الخارجية السورية، فقد عُهدت إليه نيابة وزير الخارجية في الجمهورية العربية المتحدة، وساهم في صياغة ميثاق الأمم المتحدة. ويندرج في هذه السلسلة الفريق عبد الكريم زهر الدين، الذي شارك في حرب فلسطين 1948، وعُيّن قائداً للجيش السوري سنة 1961، ووزيراً للدفاع بعد سنة من ذلك، ولم يُعرَف عنه تأييده العمليات الانقلابية التي طبعت عقوداً من التاريخ السوري المعاصر، وترأّس عارف النكدي (1887 ـ 1974) مجلس الشورى السوري، ثمّ تولّى قيادة الشرطة في عهد الرئيس القوتلي، في حين كان شبلي العيسمي واحداً من كبار قادة العمل السياسي والفكري في سورية، وحمل عدّة حقائب وزارية في عقد الستينيّات الماضي.

في الأردن، يحضر مرة ثانية عادل أرسلان رئيساً للديوان الأميري بين 1921 و1923، ومعه رشيد طليع رئيس أولى الحكومات الأردنية عام 1921، وفؤاد سليم، أوّل قائد للجيش الأردني، وقد استشهد في مواجهة مع القوات الفرنسية عام 1925 خلال الثورة الوطنية السورية. وعموماً، يحفظ الأردنيون أدوار الموحّدين الدروز في بناء مؤسّسات دولتهم، وما فتئت الصحف الأردنية تستعيد تلك الأدوار بين آونة وأخرى، وفي نصوص المؤرّخين الأردنيين ما يفيض بالحديث عن الأدوار المذكورة، ومن ضمنهم علي محافظة في كتابه “تاريخ الأردن المعاصر… عهد الإمارة” (1973).

ولا يُخفي السعوديون أيضاً دور فؤاد حمزة، كبير مستشاري الملك عبد العزيز آل سعود ومدير عام وزارة الخارجية، إذ “شارك في رسم سياسة المملكة نحو ربع القرن”، على ما كتبت صحيفة الرياض (22/9/2017)، وتصدّر رأس قائمة الباحثين في التاريخ السعودي، ومن مؤلّفاته “قلب جزيرة العرب” و”البلاد العربية السعودية” و”في بلاد عسير”. وفي جانب آخر، يروي قائد جيش الإنقاذ فوزي قاوقجي، في مذكّراته، أن المفكّر القومي العربي الدرزي شكيب أرسلان، ومن طريق فؤاد حمزة، مهّد له الوصول إلى الملك عبد العزيز، ليُصار بعد حين تكليفه بتنظيم الجيش السعودي.

وحيال فلسطين، يأتي في طليعة العاملين في سبيلها المفكّر علي ناصر الدين (1888 ـ 1974)، الذي انخرط شابّاً في الثورة العربية الكبرى، ثمّ سعى مع رفاق له إلى تأسيس عصبة العمل القومي عام 1933، لتكون الممهّد العقائدي للمنظومة الفكرية لحزب البعث، واستطراداً لحركة القوميين العرب، اعتماداً على كتابه “قضية العرب”. وناصر الدين المولود في لبنان كان مشاركاً في صوغ السياسات العامّة لصحيفتَي الكرمل والجمعية الإسلامية الفلسطينيّتين، وطرَده الإنكليز من فلسطين، واعتقله الفرنسيون مرّة تلو أخرى من جراء فكره القومي، وكانوا يغلقون الصحف التي يصدرها، كما هي الحال مع صحيفتَيّه المنبر واللواء.

أمّا عجاج نويهض، فكان من روّاد الصحافة والسياسة في أثناء الحكم الهاشمي في دمشق، وبعد سقوط الحُكم المذكور عام 1920، غدا مقرّباً من المفتي العام للقدس الحاج أمين الحسيني، وبات مديراً لمكتب المجلس الإسلامي الأعلى، ومساعداً للمفتّش العام للمحاكم الشرعية الفلسطينية، وهو من الشخصيات المؤسّسة حزبَ الإستقلال العربي في فلسطين المناهض للإحتلال والاستيطان عام 1932. وفي القدس، أصدر مجّلة العرب، وأدار الإذاعة العربية، وبعد ذلك، أشرف على دائرة النشر والمطبوعات في الأردن.

ومن الأسماء الدرزية المرموقة، هاني أبو مصلح (1893 ـ 1971)، الذي كان يُلقي الخُطب في مساجد حيفا محرّضاً على مواجهة مشاريع الاستيطان والسياسات الإنكليزية، وكان بدأ مسيرته السياسية صحافياً مُفلحاً ومُجلياً إبّان فترة الحكم الفيصلي في دمشق، ثمّ انتقل إلى العمل في صحيفة الصباح المقدسية التي كان يصدرها الرائد في الصحافة الفلسطينية كامل البديري الذي اغتيل عام 1923، وبعد امتهانه التدريس في شفا عمرو، عانى وطأة الاعتقال الإنكليزي وعتمة السجن مراراً.

يبقى ختام القول سؤال: هل تُقرأ مسيرةُ الموحّدين الدروز خلال قرن بعين وطنية؟ وطنية تجمع ولا تقطع وتجذب ولا تنبذ؟

العربي الجديد

————————-

هل تنزاح القيادات المجتمعية بعد نجاح الثورة؟/ أحمد الشمام

2025.05.17

بعد دراسات مقارنة مابين القبيلة والطائفة، يمكن القول بوجود نقاط تشابه واختلاف بين كل من البنيتين مثلما هناك اختلاف في الدور الذي تلعبه كل منهما. يمكن تتبع نقاط محورية على صعيد البنية والفاعلية والدور؛ تعتبر مؤشرات تفيد في فهم أكثر قربا لواقع كل منهما. حيث يتوزع الثقل الرمزي والسلطة لكل بنية منهما بين مركزين منفصلين أحدهما الشيخ وثانيهما المقدم أو الأمير أو القائد، غالبا ما كان منصب الشيخ متوارثا، سواء كانت المشيخة قبلية أم دينية كما لدى الطائفة، أما المقدم فهو شخصية اجتماعية أو عسكرية أو سياسية، قد يبرز دورها أكثر من الشيخ والمرجعية الدينية، تبعا لعلاقته مع السلطة منذ العهد العثماني.

يحسب للطائفة أنها احتملت وجود المقدم مع تبادل الأدوار مع المشيخة حتى زالت الحدود بينهما وبقيت المرجعية الدينية مستقلة أو محايدة بعيدة عن الدور السياسي. في حين أن القبيلة عجزت فيما بعد عن تظهير قائد أو مقدم لها وفقا لحسابات المشيخة القبلية وأنساقها، بالمقابل غالبا ما تحولت المشيخة الدينية لدى الطائفة إلى تابع للمقدم أو القائد، وعند ظهور قائد/مقدم جديد ينقلب على القديم، أو يستفيد من جملة عوامل داخلية وخارجية فيخضِع مشيخة الطائفة له لتكون أكثر استجابة لتطلعاته، وقد يستبدلها بأخرى، وقد حفلت الطائفة الدرزية بإمكان التغيير والتنافس والثورة على المشيخة تبعا لصراع المصالح، والصراع الطبقي بين الفلاح والإقطاع منذ القرن الثامن عشر،  وكلنا يعلم موقف الدروز قبل قرن ونيف من الحناوي المقدم والشيخ القبلي ورؤية القواعد له، كالإقطاعيين من آل حمدان والحناوي أنموذجا، والثورة الداخلية التي أعلنها سلطان الأطرش وبعد انتصاره قبلت به مشيخة العقل وسعى لاستبدالها وفقا لروايات أبناء الطائفة، ولا يغيب عن أحد قيمة التأطير والتكريس الذي تبديه وتسوقه أي قوة اجتماعية ناجزة ضد قوة صاعدة قد تنافسها، فتمكن الأطرش من إزاحة آل حمدان وتَبوُّءِ الرياسة وقد عبر الأطرش في لحظة ذروة تاريخية عن أحلام كثير من الفلاحين، وبعد استلامه زمام الأمور في الجبل أعاد إنتاج العائلة الإقطاعية من جديد؛ هنا لا يمثل الإقطاع جزءا من سياق عام بل النفوذ والسلطة وإمكان الاضطلاع بدور يقاس نسبة لسياقات العمل الدولتي حينها، وقد حاول القنصل الفرنسي في سوريا اللقاء بالمشيخة الدينية ومنع من اللقاء بمشيخة العقل من قبل آل الأطرش حينها، ما يدل على قدرة التحكم والضبط من قبل المقدم أو الوجيه أو الشيخ القبلي ذي المكانة الاجتماعية؛ خارج إطار المشيخة الدينية على ضبط كثير من الفعل في محيطه، من هنا نجد إمكان انفتاح الوسط الدرزي على فاعلين حقيقيين  ونخب جديدة تلعب دور المقدم وهي النخبة السياسية والمثقفة، من دون أن تحارب المشيخة الدينية بل تستبدلها بتظهير قيادة عقل جديدة، ضمن مشيخات معتدلة موجودة في الساحة، وهي بذلك تضمن بقاء قوة التحشيد الديني منضبطة ضمن إطار وطني يتفق وأهداف النخبة الجديدة التي تلعب دور المقدم، يتحول شكل المقدمين هنا والقادة من أفراد إلى موجة أو حالة ثقافية ووطنية يحملها كثير من ناشطيهم ومثقفيهم شرط قدرتهم على تجاوز التحشيد المضاد والوصول للقواعد الشعبية.

تُحدِثُ معظم الهزات التاريخية التي تلم بمنطقة أو دولة تغيرا في موازين القوى دوليا ومحليا، ويعقبه أو يسبقه أحيانا تغير في موازين توزع القوى المشيخية والجهوية في البيئات المحلية، يرتبط هذا التغير بسرعة استجابة المرجعيات الاجتماعية والدينية هذه ومرونتها في تحسس التغيير وبالتالي يمكن لقبيلة أو طائفة وهما تسيران بنفس الوتيرة تقريبا والناظم الذي يجمعهما هو الموقف من التغيير وسرعة الاستجابة لهذا التغيير أو ذاك فيتحرك كل منهما تحت عنوان الحفاظ على مصلحة الجماعة إلى تغيير بالموقف يضمن بقاء المرجعية والمشيخة، هذا مالم تكن المشيخة أصلا منقسمة بمبدأ توزيع الأدوار بين مع وضد ليكون الموجود في الطرف المنتصر ضامنا للخاسر، نجد ذلك قبليا في موقف حاكم بن مهيد ومقاومته  لفرنسا وأخيه مجحم بن مهيد الذي أقر باحتلال فرنسا لسوريا وعمل كقائد محلي معترف به، وتوسط لصلح أخيه معها بعد خسارة الأخير للدعم التركي حينها. لا يمكن الجزم بوجود اتفاق بين الأخوين ولا يمكن التقليل من قيمة المقاومة التي اتخذها المقاوم منهما؛ لكن عرف القبيلة يقضي بعدم ضرب الطرف الخاسر في أقل تقدير مثلما يلعب الموجود في الطرف المنتصر دوراً في أن يهيئ هدنة أو صلحا يجنب السلطة المنتصرة مغبة مقاومتها فيما بعد.

بعد عقود من صناعة المشيخة والمرجعية الدينية في البيئة العلوية، وتفتيت جبهة رجال الدين العلوي الأقدمين عمل الأسد على تعويم متقاعدي مخابرات ومؤيدين له؛ ليصبحوا مشايخ دين تحتكر تمثيل الطائفة بما يتفق وسياسته، ولعل ذلك يذكرنا بعرف درجت عليه بيئات اجتماعية كثيرة في استتباع المقدم/ للمشيخة إن لم يستطع استقطابها.

وفي خلاصة مبسطة حول القبيلة والطوائف في سوريا يمكن القول أنه لدى الطائفتين العلوية والدرزية يظهر جليا وجود هوة بين توجه المثقفين من ذوي نهج الدولة الوطنية ويتبعه عامة قواعد كل من البنيتين من البسطاء من خارج ضحايا التحشيد؛ وبين موقف المرجعية الدينية باعتبار كل من المرجعيتين متأخر كثيرا عن موقف الشارع الثائر ضمن البنيتين؛ ولعبت على عقدة الخوف؛ وكل مظهر تشهده الساحة السورية ماهو إلا نتاج تمكن كل طرف من التعبير عمن يمثله مابين الشارع والتكية والزاوية، سواء اتسع هذا الشارع أو كان هامشيا، أما في الطائفة الإسماعيلية فقد أبدت موقفا مدنيا بعيدا عن أطر التحشيد السابقة، ومثلت دورا وطنيا وازنا كتبت عنه صحف غربية، ويحتاج تسليط الإضاءة عليه ودراسته عن قرب.

إن القبيلة تخلت أو عجزت عن طرح نفسها كشريك سياسي، في حين تقدمت الطائفة كقبيلة – وفقا للتصور النمطي عن القبيلة- لتطرح نفسها كشريك سياسي، وظهر أنها تحاول أن تكون كيانا سياسيا ماقبل دولتيّ لا بنية اجتماعية؛ مستغلة امتلاكها إطار تحشيد ينبع من رصيدها الاجتماعي، والديني الخاص بها كذهنية تفارق عن الآخر وهوية مفارِقة سياسيا، هنا يبدو افتراق المثقفين من ذوي التوجه الوطني من أبناء الطائفة عن تلك الأطر وازنا؛ لكنه قوبل بنفس الوقت بمثقفين اتفقوا مع أطر التحشيد تلك؛ وصاروا جزءا منها لصالح المشيخة الدينية. هنا يتم تغييب المشترك الديني العام مع الآخر، وتظهير موقف التفارق بآلية وعصبية قبلية، ويمكننا القول أن العصبية هنا دينية لدى جزء من الطائفة، وهوياتية لدى جزء آخر لم يدرك معنى انغمار الجزء في الكل الدولتيّ وضرورة عدم التناقض معه، وقبلية لدى قسم من المثقفين العلمانيين الذين انخرطوا في أطر التحشيد التابعة للمشيخة رغم كونهم غير مؤمنين.

إن العمل الوطني عبر منظمات مجتمع مدني سورية حديثة، إضافة لنشاط أحزاب جديدة، لابد وأن يؤدي لانزياح تدريجي عن الرؤى السابقة عبر تأطرها في مشتركات عامة تيارية ملتصقة بالواقع السوري؛ المتفق مع مرحلة البناء وغير المتعالي على المرحلة، والكفيل بضخ دماء جديدة في الأفق السياسي، كما ستلعب البرجوازية الصاعدة دورا مهما ووازنا يخترق سائر البنى التقليدية لتنحسر إلى مستواها الرمزي وتترك السياسة لأبنائها لتحقيق دولة المواطنة والتعدد والحريات.

تلفزيون سوريا

——————————–

خلاف ترامب ونتنياهو: فرصة محدودة لقلب التوازنات في المشهد السوري/ أحمد العكلة

16 مايو 2025

تشير تقارير متعددة إلى أن رفض الرئيس الأميركي دونالد ترامب لقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، خلال زيارته الأخيرة للشرق الأوسط، جاء على خلفية توتر العلاقات والخلافات المتصاعدة بين الرجلين.

وكان ترامب قد أعلن أنه لا يخطط لزيارة إسرائيل ضمن جولته في الشرق الأوسط، مما أثار استياء الجانب الإسرائيلي. ورغم محاولات إسرائيلية لإدراج زيارة قصيرة لترامب، إلا أن الرئيس الأميركي أكد عدم وجود خطط لذلك، مشيرًا إلى إمكانية زيارة مستقبلية.

وفي الملف السوري، تشير تقديرات إلى خلافات واضحة، لا سيما بعد قرار ترامب سحب القوات الأميركية من سوريا، الأمر الذي أثار قلق إسرائيل بشأن تعزيز النفوذ التركي في المنطقة، فسارعت إلى اتخاذ خطوات أحادية، مثل إنشاء منطقة عازلة داخل الأراضي السورية وتنفيذ ضربات جوية ضد أهداف تعتبرها تهديدًا لأمنها.

ونقل موقع أكسيوس عن مصدر إسرائيلي قوله إن “إدارة ترامب لم تخطر إسرائيل مسبقًا بلقائه مع الشرع ورفع العقوبات عن سوريا”، وأكد المصدر أن نتنياهو كان “طلب من ترامب عدم رفع العقوبات وأعرب عن قلقه من دور تركيا”.

بالمقابل، بدا أن الرئيس السوري أحمد الشرع قد حقق خطوات ملموسة على طريق بناء علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة، وحتى قبل اللقاء كان قد أبدى استعداده للتعاون مع واشنطن في قضايا مثل مكافحة الإرهاب والتخلص من الأسلحة الكيميائية. ويرى مراقبون أن الحكومة السورية سوف تستثمر في التناقض الأميركي الإسرائيلي، فيما يقول البعض أن فرصتها في ذلك لا تزال محدودة.

يقول الكاتب والصحفي السوري أحمد مظهر سعدو في حديث لـ”الترا سوريا” إن التنسيق بين الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل لا يمكن أن يغيب بأي حال من الأحوال، مؤكدًا أن “السياسات الإسرائيلية ترتبط ارتباطًا مباشرًا بالاستراتيجيات الأميركية الخاصة بالمنطقة برمتها”.

وأضاف أن “الخلافات التي قد تطرأ بين واشنطن وتل أبيب ليست سوى خلافات تكتيكية ومرحلية، سرعان ما تعود العلاقات بين الطرفين إلى سابق عهدها، نتيجة تداخل المصالح وتشابكها”.

وفي سياق حديثه عن الفرصة التي منحت للرئيس السوري أحمد الشرع، اعتبر أن “الفرصة لم تأت من الخلافات التكتيكية بين أميركا وإسرائيل، بل من قدرة الشرع على الاستثمار في المصالح التجارية الأميركية، لا سيما أن ترامب معروف بكونه رجل أعمال”.

وأوضح أن “مشاريع إعادة إعمار سوريا، التي قد تتجاوز قيمتها 500 مليار دولار، تمثل مصلحة كبرى لترامب، وهو ما دفعه لرفع العقوبات وللقاء الرئيس الشرع”.

وحول استقلالية القرار السوري، أكد أنها باتت “نسبية فقط، بعد أن أصبحت الولايات المتحدة القطب الأوحد المهيمن على القرار الدولي”، مضيفًا أن قدرة سوريا على الاستثمار في أي خلاف إقليمي أو دولي “تعتمد على مدى قدرتها على الانخراط في اللعبة الإقليمية، وصياغة سياسات تحقق مصالحها الوطنية”.

أما بخصوص “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، فرأى أنها “لا تزال تعتمد كليًا على الدعم الأميركي في وجودها”، مشيرًا إلى أن “أي انسحاب أميركي، سواء كان جزئيًا أو كليًا، سيؤدي إلى انهيارات كبيرة في مشروع الدويلة الانفصالية التي تسعى إليها قسد، رغم نفيها لذلك”.

وختم بالقول: “التصعيد العسكري في المنطقة يبقى احتمالًا قائمًا، ما لم تُنجز تفاهمات جديدة قد تشكل تحديثًا لاتفاقيات فك الاشتباك التي عُقدت بين حافظ الأسد وإسرائيل”، معتبرًا أن “سياسة الفوضى الخلاقة قد تبقى مستمرة في ظل الإدارة الأميركية الجديدة”.

في ظل هذه التغيرات، يواجه الملف السوري تحديات كبيرة. الحكومة السورية تسعى للحصول على دعم دولي لإعادة إعمار سوريا، بينما تحاول إسرائيل ضمان أمنها من خلال إجراءات أحادية. الخلاف بين ترامب ونتنياهو يعقّد جهود التنسيق بين الحلفاء التقليديين، مما يفتح المجال أمام قوى إقليمية ودولية أخرى للتأثير في مستقبل سوريا.

يقول الخبير السياسي السوري، د. وليد حلبي، لـ”الترا سوريا”، إن “الرئيس السوري أحمد الشرع تمكن من استغلال قرارات ترامب المفاجئة والحصول على اختراق سياسي من خلال التواصل مع الدول الخليجية التي تدعم حكومته وتمكنت من إقناع   ترامب باللقاء ورفع كل العقوبات”.

وأضاف: “إسرائيل كان لها دور كبير في منع الولايات المتحدة أو على الأقل زيادة التردد في البيت الأبيض في التعاون مع حكومة الشرع، ولكن الخلاف الأخير مع إسرائيل وقناعة ترامب بأن نتنياهو يريد إطالة أمد الحروب غير هذه المعادلة وحصل اللقاء التاريخي في الرياض بين ترامب والشرع”.

ولفت إلى أن “الشرع كان لديه مقترحات مغرية لترامب تشمل بناء برج “ترامب” في العاصمة دمشق، والانخراط في مسار سلام مع إسرائيل، ومنح الولايات المتحدة وصولًا مباشرًا إلى موارد الطاقة السورية، كجزء من استراتيجية أعدّها لمحاولة لقاء ترامب خلال زيارته الحالية إلى الخليج”.

وعقد الرئيس الأميركي دونالد ترامب اجتماعًا مع الرئيس السوري أحمد الشرع، 14 أيار/مايو، في الرياض، في لقاء هو الأول من نوعه بين رئيسي البلدين منذ 25 عامًا.

ويؤكد الباحث السوري في العلاقات الدولية، عبد الله الخير، أن “ترامب يطمح لأن يكون رجل السلام في العالم وينال جائزة نوبل، ولذلك يريد إطفاء الحرائق، وخصوصًا بعد إعلانه عن وقف إطلاق النار بين الهند وباكستان دون علم الحكومة الهندية، ما أثار غضباً لدى حليفه التقليدي”.

وأضاف: “ترامب رجل المفاجآت، لذلك فإن نتنياهو لا يستطيع الضغط عليه، وربما سنشهد خلال الفترة المقبلة تحجيمًا لدوره وإجباره على وقف إطلاق النار في غزة وتوقيع اتفاق مع إيران، كما سيتم وقف الحرب في أوكرانيا، وبالتالي سيكون الملف السوري حاضرًا مع تواصل الدعم الخليجي لاستقرار الحكومة السورية والضغط على إدارة ترامب للانخراط في هذه العملية وخصوصًا أن ترامب رفع العقوبات عن سوريا رغم معارضة نتنياهو”.

المشهد الإقليمي يدخل مرحلة إعادة تشكيل دقيقة، حيث تقاطع المصالح وتراجع التحالفات التقليدية يصنعان فرصًا جديدة للّاعبين الجدد. الحكومة السورية تحاول توظيف هشاشة العلاقة بين ترامب ونتنياهو لبناء مسار تفاوضي غير مسبوق مع واشنطن. ومع وجود رئيس أميركي مستعد لكسر قواعد اللعبة، فإن احتمال حدوث اختراق سياسي يظل قائمًا، رغم الشكوك الكبيرة حول مدى استدامة هذا الاختراق أو قدرته على تجاوز التوازنات القديمة في المنطقة.

الترا سوريا

——————————

تعليم أبناء وبنات الطائفة الدرزية المُهدَّد/ خيرات عطالله

«هل يعقل أن يصبح الذهاب إلى الجامعة قراراً قد يُنهي حياتك؟»

14-05-2025

        هل نعود الآن؟ هل نثق بالضمانات؟ وهل علينا أن نعود جميعاً أم أن نترك الخيار للأفراد؟ وما هو التصرف الأمثل في حال حدث شيء ما؟ هل يعقل أن يصبح الذهاب إلى الجامعة قراراً قد يُنهي حياتك؟

        جاء السؤال الأخير في مناشدة تم تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي، ونوقش مع الأسئلة الأخرى في جلسة في منتدى جذور الثقافي في السويداء بعد الاستماع لشهادات الطلاب الدروز في جامعات دمشق وحمص وحلب حول ما جرى. وبهدف رسم خط زمني لتطور الأحداث منذ 28 نيسان (أبريل) وحتى اليوم، تواصلت الجمهورية.نت مع مجموعة من الطلاب والطالبات، للاستماع إلى شهاداتهم-ن ونقلها إلى الرأي العام.

        البداية من حمص

        فجر يوم الإثنين 28 نيسان (أبريل،) تجمَّعَ بعض طلاب السكن الجامعي في حمص في مظاهرة غاضية نتيجة انتشار تسجيل صوتي لما أُشيع أنه لأحد مشايخ الطائفة الدرزية، يسيء فيه للنبي محمد. ورغم إعلان وزارة الداخلية السورية في تصريح صحفي فجر يوم الثلاثاء عن عدم صحة التسجيل، وأن الصوت لا يتطابق مع صوت الشيخ المذكور، لم يُلقِ الانفجار الطائفي الذي تتالى بسرعة بالاً لهذه التصريحات، إذ تزامن مع اشتباكات في مدينة جرمانا في ريف دمشق، التي تضم أكبر التجمعات السكنية الدرزية في سوريا خارج محافظة السويداء.

        في الساعات الأولى لصباح يوم الإثنين، تحولت المظاهرة الطلابية الهاتفة بشعارات طائفية إبادية إلى تجمع غاضب داخل وحدات السكن الطلابي التي تتضمن طلاباً من أبناء الطائفة الدرزية، والذي تطوَّرَ إلى هجوم بالسلاح الأبيض على الوحدة الثانية، ومنها غرفة الطالب مجد الشيباني الذي تعرض لضربة على الرأس أدت لإسعافه إلى المشفى، ما استدعى تدخل الأمن العام الذي انتشر في المكان وأطلق رصاصاً في الهواء لتفريق المُجتمعين.

        استمرت المناوشات أقل من ساعة بحسب أحد الطلاب، الذي طلب عدم ذكر اسمه خوفاً من تهديدات قد تطال سلامة وأمن الطلاب الدروز بشكل عام، وكان لها أثرٌ سريعٌ في ارتفاع حدة الخوف بين جميع الطلاب، خاصة بعد انتشار فيديوهات المظاهرة في ساحة السكن وما رافق ذلك من توتر متصاعد أيضاً على صفحات السوشال ميديا.

        ورغم تداول خبر إعلان إدارة السكن الجامعي عن توقيف خمسة طلاب على خلفية الحادثة، تجمّعَ الطلاب الدروز سريعاً وقرروا الخروج من السكن الجامعي والعودة إلى السويداء ريثما تهدأ الأوضاع؛ «في صباح يوم الإثنين تم التواصل مع باص لنقل الطلاب وتم إجلاء السواد الأعظم منهم، خصوصاً طلاب السكن، في حين بقي عدد قليل من الطلاب في السكن الجامعي وعدد من الطلاب الذين يعيشون خارج السكن»، يقول طالب ميكاترونك في السنة الخامسة.

        ومع حلول المساء، وتصاعد الغضب العام بسبب التسجيل المزعوم، بدأت مظاهرات النصرة للرسول بالتوسع، وتخللها دعوة صريحة للعنف ضد الدروز، حيث شعر الطلاب المتبقون في حمص بالخوف، وتواصلوا مع المشرفين في مجموعة الطلاب على واتس آب، وأحصوا 33 طالباً وطالبة من السويداء تم تأمين عودتهم يوم الثلاثاء صباحاً بالتنسيق مع الشيخ أبو ربيع الفاعوري إلى جرمانا، التي كانت قد بدأت فيها اشتباكات منذ ليل الإثنين- الثلاثاء، وأوضح مجد الشيباني في مقابلة مصورة أن بعضاً من المهاجمين أنفسهم أسعفوه بعد رؤية النزيف الناتج عن الضربة، وبعد إجراء الإسعافات حرصَ مهند التركاوي، وهو مواطن من مدينة حمص ومن سكان مدينة جرمانا، على نقل مجد وأصدقاءه بسيارته الخاصة إلى مدينة جرمانا.

        في حلب

        بالتزامن مع التوترات في حمص، خرجت مظاهرة واسعة في المدينة الجامعية في حلب نصرة للنبي محمد، وخشي الطلاب على إثرها من اقتحام سكنهم بشكل مماثل لما حدث في حمص، فسافر بعضهم سريعاً إلى السويداء لتجنب أي صدام صباح يوم الإثنين، إلا أن الغالبية حاولوا التريث في المغادرة، خاصة مع التطمينات التي خرجت من المسؤول الأمني الجامعي في حلب تميم أبو عمر، والذي حاول احتواء الغضب الطلابي ضد التسجيل الصوتي لضمان عدم تطوره إلى تهجُّم واضح على أبناء الطائفة. لكن تَوسُّعَ رقعة الاشتباكات نحو أشرفية صحنايا صاعد التوتر والاحتقان والخوف، خاصة أن الأمن العام، مثل ما حدث في حمص، لم يقدم حلاً سوى تأمين باصات لنقل طلاب السويداء، ومرافقتها من حلب نحو كراج حرستا، ثم التواصل مع فصائل رجال الكرامة لتأمين بقية الطريق من حرستا إلى السويداء.

        تقول والدة أحد الطلاب في السنة الأولى في كلية التمريض في حلب، التقت بها الجمهورية.نت للسؤال عن تأخُّر وصول طلاب جامعة حلب إلى السويداء: «خرجَتْ صباحَ يوم الأربعاء 30 نيسان (أبريل) حوالي 6 باصات تضم بحدود 300 طالب وطالب، الباصات كانت بحماية الأمن العام، وبعد أن قطعت استراحة حمص بقليل وصلت الأنباء عن حدوث كمين براق، وبالتالي تمت إعادة الطلاب إلى حلب». في منطقة براق، على طريق دمشق السويداء، اشتبكَ مسلحون مع رتل من فصائل السويداء المسلحة التي كانت متّجهة «فزعة» إلى أشرفية صحنايا، وذلك ما أدى إلى قطع الطريق بشكل كامل، وتعثَّر استكمال الترتيبات الخاصة بتوصيل طلاب الجامعة إلى دمشق بحماية الأمن العام، فتمت إعادة الطلاب إلى السكن الجامعي في حلب. مع عودة الطلاب، تعرض الطالب أدهم غنام إلى محاولة قتل بسكين، واتضح أن المهاجم فقد أحد أخوته في الاشتباكات الدائرة على طريق السويداء، وقرَّرَ الانتقام من الطالب أدهم أمام الوحدة 13 في السكن الجامعي في حلب بسبب طائفته، وطعنه مرتين مع كيل الشتائم الطائفية له.

        حاول عناصر الأمن العام الذين أسعفوا الطالب أدهم احتواء الموقف، وتأمين طلاب السويداء الذكور بنقلهم جميعاً من وحداتهم إلى الوحدة الأولى «وحدة العرب والأجانب» تحت حماية مستمرة، في حين تم إبقاء الطالبات في وحداتهنّ مع تشديد الحراسة.

        استمرت محاولة تطمين الطلاب بشكل حثيث، وزار رئيس الجامعة ووفدٌ من مكتب محافظة حلب الطلابَ، وزاروا الطالب أدهم في المشفى، إلا أن التوترات والمشادات الكلامية والغضب المشتعل أبقوا الأمور في وضع قلق، حيث أن الطلاب والطالبات الدروز كانوا محاصرين في غرفهم-ن دون قدرة على متابعة الدروس والمحاضرات رغم أن دوام الجامعة لم يُعلَّق. مع أول فرصة لعودة آمنة يوم الخميس 8 أيار (مايو)، تحركت باصات تقلّ الطلاب إلى السويداء.

        في دمشق

        خرجت مظاهرات نصرة رسول الله في دمشق أيضاً، وتم التهديد العلني باجتياح السويداء من ساحة الأمويين ما وضعَ الطلاب من أبناء الطائفة الدرزية، في سياق مشابه يدعو للقلق والخوف على سلامتهم-ن، في حين قدَّم الأمن العام حله الوحيد بمرافقة باصات الطلاب للخروج نحو جرمانا. ومع صباح يوم الإثنين وصل إلى جرمانا 28 باصاً من دمشق، يحملون حوالي 3000 طالب وطالبة حسب ما تم تداوله بين الطالبات اللواتي تواصلنا معهنّ، وانتشرت فيديوهات لخروج الطلاب من وحدات السكن الجامعي توضح العدد الكبير.

        استضاف أهالي مدينة جرمانا الطلاب في بيوتهم، رغم أن المدينة نفسها كانت قد خرجت للتو من ليلة اشتباكات عصيبة ومخيفة، وكانت ما تزال تتعرض لتهديدات مستمرة، ولكن قطع طريق السويداء وارتفاع وتيرة الاشتباكات حال دون وصول الباصات إلى السويداء، ما جعل من جرمانا وجهة الباصات المحملة بالطلاب من دمشق وحمص واللاذقية، قبل أن يتم لاحقاً تأمينهم-ن بمرافقة فصائل السويداء المسلحة إلى السويداء.

        مع وصول الطلاب إلى السويداء واستقرارهم-ن النسبي، بدأت تنتشر فيديوهات خروج الطلاب من وحدات السكن الجامعي في دمشق على وسائل التواصل الاجتماعي، ومناشدة وزير التعليم العالي الدكتور مروان الحلبي لإيجاد حل لاستمرار دوام الجامعات دون أي اهتمام بوضع الطلاب وعدم قدرتهم-ن على العودة لمقاعد الدراسة، وهو ما أثار حنق الطلاب الدروز وأهاليهم الذين باتوا قلقين على مستقبلهم-ن التعليمي وضياع السنة الدراسية عليهم.

        الآن

        مع هدوء الوضع الأمني في جرمانا وأشرفية صحنايا والسويداء، بقي مصير الطلاب معلّقاً أمام الخوف من العودة، وقد وجه جميع الطلاب الذين واللواتي تواصلنا معهم-ن النداءات لفهم تعقيدات الفصل الدراسي اليوم، خاصة في الكليات التي تتطلب امتحانات عملية، إذ يخشون خسارة السنة الدراسية، أو الرسوب في مواد كثيرة، في حين لا يبدو أن العودة للجامعات الآن أمر مطروح على الأرض.

        التأثير الأسوأ سيُصيب طلاب السنوات الأخيرة في كلية الطب، الذين يمارسون مهنة الطب بصفة طبيب مقيم في مشافي دمشق، أو يخضعون لفترة تدريبية (استاج). يقول طالب طب سنة سادسة في مشفى دمشق للجمهورية.نت: «نحنا كطلاب استاجات ضمن المشفى، أو كطلاب مقيمين بعد التخرج، نعيش حالة من الخوف يسبق الحوادث الأخيرة، حيث حدثت سابقاً للأسف عدة اعتداءات على أطباء ضمن المشافي في دمشق، وكنا قد خرجنا ضمن وقفة احتجاجية ضد تواجد أي مظهر مسلح ضمن المشفى، ولكنني الآن ومع التجييش الطائفي أصبحت أشعر بالخوف المضاعف لأنني درزي».

        في حين تقول طالبة في سنة التخرُّج من كلية السياحة في دمشق: «أنا طالبة سنة تخرج، حُرمت من العودة إلى الجامعة رغم أن هذا الفصل هو الأخير لي، ولم تنتظرنا الجامعة ولم تضع حلولاً حتى تقف معنا، والآن نحن لدينا امتحانات عملية لم نقدمها، ما يعني أننا راسبون، وأن كل أحلامنا مؤجلة للفصل القادم». بينما يحاول طالب طب سنة ثالثة في جامعة حمص أن ينقل دوامه إلى جامعة دمشق لكن جامعته في حمص ترفض التعاون؛ «لقد قدمت طلب استضافة في جامعة دمشق حتى أستطيع أن أستمر في دوامي، ولكن كان لا بد أن أوقّع الطلب من جامعة حمص وأعود به لدمشق، لكنني لم أستطع بسبب ما حدث، لذا حاول زملائي مساعدتي. وفي حين كانت الدكتورة عبير قدسي بدمشق متفهمة لوضعي، طلبت مني أن أقوم بتقديم ورقة لا مانع من جامعة حمص، حتى وإن كانت عبر الوتساب، إلا أن جامعة حمص رفضت بتاتاً أن تساعدني في هذا الأمر».

        وفي الوقت الذي تتسارع فيه تصريحات محافظ السويداء ووزير الداخلية ووزير التعليم العالي حول وضع طلاب السويداء، لا يزال الطلاب والطالبات في بيوتهم-ن في السويداء محرومين ومحرومات من تعليمهم، ولا تزال العملية التعليمية سارية في كافة المحافظات السورية وفي الجامعات العامة والخاصة على حد سواء.

        التصريحات الرسمية وشبه الرسمية

        لم يصدر أي تصريح رسمي حول وضع الطلاب الدروز، لا حين تأججت الأوضاع الأمنية، ولا عندما استمر التعليم من دونهم، وبقيت القصة خارج اهتمامات الدولة حتى ظهور وانتشار فيديوهات الخروج من جامعة دمشق، التي أثارت جدلاً واسعاً وكانت مُناسَبة لتبادل الاتهامات العلنية على السوشال ميديا والإعلام الرسمي وشبه الرسمي. في تلك اللحظة، بدأت أعين الوزارات المعنية والمسؤولين المهتمين بالتفتح على الوضع العام، وانطلقت منذ يوم 8 أيار (مايو) سيولٌ من التصريحات والتحركات والنقاشات لاحتواء الموقف وضمان عودة الطلاب والطالبات إلى جامعاتهم-ن.

        قدَّمَ الإعلام السوري الرسمي المتمثل بقناة الإخبارية السورية سردية محبوكة لما حدث لطلاب السويداء، تضمنت أولاً غياب أي صوت للطلاب، حيث لم يتم لقاء أي طالب أو طالبة من السويداء، في حين تم تقديم ريبورتاج من المدينة الجامعية في دمشق مفاده أن الطلاب خرجوا من تلقاء أنفسهم رغم عدم وجود أي مبرر لذلك، ضمن لقاءات مختلفة مع طالبات وطلاب من وحدات السكن الجامعي، ثم تعزيز هذه الخطوة بتصريحات من مدير المدينة الجامعية في دمشق عمار الأيوبي بأن «الادعاءات حول قيام إدارة السكن الجامعي بإجلاء قسري أو طرد طلاب من السكن الجامعي، هي ادعاءات غير صحيحة، وذلك عقب تداول مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي تسجيلاً مصوراً يزعم ‘إجلاءً قسرياً’ لطلاب محافظة السويداء في جامعة دمشق من المدينة الجامعية في منطقة المزة، مرفقة بعبارات تحريضية وادعاءات مضللة».

        كما تجنبت الإخبارية السورية الحديث عن التصعيد الطائفي العنيف في حمص وحلب، وركزت على جهود الأمن العام في حفظ الأمن، ومنها الحديث بشكل إيجابي عن دور الأمن العام في تأمين وصول الطلاب إلى السويداء كبادرة إيجابية من الدولة وليس كحل وحيد، ولم تتحدث الإخبارية السورية في أي من تقاريرها المتعلقة بوضع طلاب السويداء عن محاسبات محتملة، أو حتى ضغوط نحو محاسبات وتحقيق عدالة، بينما تركَّزَ جُلُّ اهتمامها على توضيح خطوات الحكومة ومباركتها.

        أما بالنسبة لحضور الفاعلين الأساسين في الإعلام الرسمي وشبه الرسمي، فقد ترافقت هذه التغطية الإعلامية الرسمية بالتركيز على أربعة فاعلين أساسيين وهم: وزير التعليم العالي مروان الحلبي الذي صرَّحَ للإخبارية السورية بأن أمن الطلاب أولوية لن يقبل التهاون فيها، بالإضافة لنص قرار يُجرِّمُ فيه التجييش الطائفي من قبل الأساتذة والطلاب في الجامعات السورية، دون أن يكون واضحاً بآليات تطبيقه وعواقب عدم الالتزام بها؛ ووزير الإعلام حمزة المصطفى الذي كثَّفَ تصريحاته منذ نشر فيديوهات الطلاب حتى لحظة كتابة المقالة حول لعب دور إيجابي في موضوع الطلاب والتجييش الطائفي؛ محافظ السويداء مصطفى البكور الذي يستمر في تقديم وجه السلطة المرن والمتفهم في كل الأحداث التي تمسّ محافظة السويداء، وقد أعلن عبر وكالة الأنباء الرسمية سانا عن اهتمامه بشكل خاص بحماية الطلاب والحفاظ على كرامتهم-ن، وذلك في محاولة للملمة قصة الطلاب وعودتهم-ن لجامعاتهم-ن؛ أما وزير الداخلية، الذي اجتمع مع وفد من وجهاء السويداء ووزير التعليم العالي لمناقشة الخطوات العملية لموضوع الطلاب، وأعلن عن العمل مع وزارة التعليم العالي لضمان أمن الطلاب الدروز في جامعاتهم-ن دون أن ندري كيف ينوي القيام بذلك.

        تسعى السلطات الرسمية لإنهاء هذا الملف كمشكلة دون الاعتراف بأسبابها بشكل واضح، أي دون الإشارة إليها على أنها نتيجة اقتتال واحتقان طائفي، إلا أن كل المؤشرات تدل على أن الطلاب سيتم تعويضهم-ن عن الفاقد من المحاضرات والدروس التي تغيبوا عنها، وهو ما نأمله لمصلحة الطلاب، وما نقرأه على أنه اعتراف من السلطة بأن الحدث لم يكن حدثاً عابراً، بل ظرف محدد بأثر عميق في وضع السلم الأهلي السوري.

        ينتظر الطلاب في السويداء اليوم نتائج عملية لما صرَّحَ به وزير التعليم العالي حول جعل الجامعات مكاناً آمناً للطلاب ومساحة خالية من العنف والكراهية والطائفية، بينما ينتظر السوريون جميعاً تفعيل دور مؤسسات الدولة بشكل رسمي، إذ لا يمكن التهاون في خطورة استخدام حق التعليم كورقة ضغط سياسي تنحاز لأي طرف، وبالتالي يجب أن يكون تحييد الطلاب والمقرات الدراسية كمساحات آمنة مطلباً أساسياً لضمان مرحلة انتقالية وسلم أهلي.

        *****

         معدة هذا التقرير هي صحفية سورية من مدينة جرمانا، اختارت الكتابة باسم مستعار حرصاً على سلامة أهلها هناك.

موقع الجمهورية

————————————

اختبئوا هنا ولا تقولوا إنّكم من السويداء”… متى يعود الطلاب الدروز إلى جامعاتهم؟/ رواد بلان

السبت 17 مايو 2025

للأسبوع الثاني على التوالي، تخلو الجامعات السورية من أبناء طائفة المسلمين الموحدين الدروز، المهجّرين من الجامعات السورية، بعد أن خرجت أصوات تكفيرية متشددة مطلقةً شعارات طائفيةً، وداعيةً إلى الجهاد وقتل الدروز، في مشهد ترهيب طائفي غير مسبوق في تاريخ سوريا الحديث.

ما سبق يشكّل صدمةً كبيرةً لآلاف الطلاب وعائلاتهم، إذ لا يزال صدى الهتافات الطائفية والتهديدات بالذبح في آذانهم، بينما ترنو عيونهم إلى المستقبل، وسط جدل متصاعد حول سبل تأمين عودتهم إلى جامعاتهم، بدءاً من توفير الحماية، ووقف التجييش الطائفي بحقّهم، الذي يلقي بظلالٍ قاتمة على النسيج الاجتماعي المتهتّك أصلاً.

بيئة جامعية طاردة وخوف وجودي

لم يمضِ وقت طويل على توديع كريم، الطالب في كلية الهندسة (سنة ثالثة)، والمقيم في المدينة الجامعية في حمص، زملاءه من أبناء الطائفة السنّية، حيث كانوا يتبادلون الأحاديث وتتردد ضحكاتهم في الأرجاء، حتى تجمهر عدد من الطلاب السنّة وهم يرددون التكبيرات التي أصبحت للأسف تُقرَن بصور القتل والذبح الطائفيين، من قِبل مجموعات متشددة بدأت تظهر في الجامعة. لا يكاد يمر يوم دون أن تتجول مجموعة ليلاً مطلقةً شعارات طائفيةً، ثم تنفضّ بعد وقت قصير. لكنها هذه المرة كانت مختلفة.

يقول لرصيف22: “هذه المرة كانت الشعارات الطائفية موجهةً ضد الدروز بشكل مباشر، وتدعو إلى الجهاد ضدهم وذبحهم أينما وُجدوا. فجأةً، سقطت كل القيم المشتركة، وغابت الأخلاق. ما زلت أشعر بالصدمة. هل هؤلاء طلاب جامعات يُفترض أنّ لديهم القدرة على التفكير؟ يبدو أنهم لا يحملون سوى أفكار سيئة تدعو إلى للنيل منّا. ونحن الدروز، نشارك الجميع مناسباتهم، من عيد الفطر والأضحى، إلى عيد الميلاد ورأس السنة”.

لم يكن كريم، خلال حديثه إلى رصيف22، قادراً على التعبير عن مشاعره بوضوح، إذ يختلط لديه الخوف مع الحزن. يقول: “خلال الأشهر الأخيرة، أُجبرنا على مغادرة مقاعدنا الدراسية ثلاث مرات بسبب الأوضاع في البلد. لكن هذه أول مرة نُجبر فيها على المغادرة لأننا دروز. شعرت وكأنني اقتُلِعت من منزلي وسُلبت حقوقي لأسباب طائفية بحتة”.

ويضيف: “بعد مغادرتي، تواصل معي أناس من مختلف الطوائف حتى وصلت إلى منزلي. هناك من لا يزال يصون الكلمة الطيبة والعيش والملح”.

بعد أيام من أحداث جامعة حمص، شعر كريم، بأنّ مستقبله انهار. وفي كل مرة كان يظنّ فيها أنه قادر على الاستمرار، كان يعود إلى نقطة الصفر. يقول: “أنا حزين على أصدقائي. لم أعد أعلم كيف أتعامل معهم أو كيف ينظرون إليّ”، مستبعداً عودته إلى جامعته هذا الفصل، آملاً أن تحمل الأشهر القادمة نوعاً من الاستقرار. “نريد أن نشعر بالأمان، وأن نكرّس مبدأ ‘الدين لله والوطن للجميع’، وألّا يُسأل أحد عن طائفته. نحتاج إلى إعلام وطني يقف معنا، لا ضدنا، وأعتقد أن هذا مطلب غالبية الناس”، يضيف.

يرى كريم، أنّ “هناك فئةً تحتاج اليوم إلى رفع الوعي، وإعلام مهني وصادق، لأن الإعلام ووسائل التواصل ساهما في التجييش الطائفي، وزوّرا الحقائق”.

فقدان الثقة والخوف من الانتقام

يشاطر مضر، ابن محافظة السويداء والطالب في جامعة حمص، زميله كريم الشعور بالصدمة. يقول لرصيف22: “لم أصدّق ما سمعته في تلك الليلة: شخص يصرخ وسط مجموعة طلاب يحملون عصيّاً وأسلحةً بيضاء قائلاً: ‘يجب أن نذبح كل درزي نراه، وكل من يدافع عن سلطان الأطرش’، ويدعو الطلاب الدروز إلى النزول لمواجهتهم”.

لم يخرج أحد لمواجهتهم بالطبع، لكن سرعان ما بدأوا بالتكبير مجدداً وهجموا على الوحدات السكنية، مستهدفين غرف الطلاب الدروز، خاصةً في الوحدات الأولى والثالثة والتاسعة، حيث خلعوا الأبواب واعتدوا عليهم بالضرب، وفق ما يقول مضر، الذي كان مع مجموعة من أبناء السويداء في الطابق الأخير، حيث أغلقوا الباب بإحكام، بينما التكبيرات والشعارات الطائفية تملأ المكان.

طرق بابهم زميل من القلمون لم يكن يعرفهم من قبل، وسألهم إن كانوا من السويداء، ثم دعاهم للاختباء في غرفته، قائلاً: “إن وصلوا إليكم، لا تخبروهم بأنّكم من السويداء، فهؤلاء مجموعة من المتشددين المجانين”. وبقوا هناك حتى جاءت “قوات الهيئة-الأمن العام”، التي حاولت تفريق المهاجمين، واعتقلت شخصاً يُدعى عباس، وهو إمام جامع المدينة والمحرّض الرئيسي.

مضر، الذي رفض ذكر اسمه الصريح خوفاً من الانتقام، لا يعتقد أنه سيعود إلى جامعته هذا العام، بسبب غياب الأمن. يقول: “لا أستطيع التفكير في الأمر، فقد أُستهدَف أو أفقد حياتي في أي لحظة، وسيُقال إنه خطأ فردي”.

سرعان ما انتقلت نيران التحريض الطائفي إلى المدينة الجامعية في حلب، حيث تجمعت نهاية الشهر الماضي، مجموعة من الطلاب المتشددين الذين رفعوا شعارات طائفيةً ضد الدروز، إلى جانب سيل من الشتائم والتهديدات، بحسب ريان، وهو طالب سنة أولى في جامعة حلب. يقول ريان، لرصيف22: “التزمنا بعدم الردّ لتجنب أي صدام، فقد شعرنا بأنّ عددهم يمكن أن يتضاعف فجأةً. وبرغم أن بعض الزملاء من غير طائفتنا ساندونا قدر استطاعتهم، إلا أنهم لم يتمكنوا من مواجهة المتشددين”.

الحديث اليوم بين طلاب السويداء المهجّرين من جامعاتهم، يتمحور حول العودة أو عدمها، في ظلّ مشاعر مختلطة من الحزن على ضياع عام دراسي، والقلق من مستقبل مجهول، والخوف من التشدد الطائفي.

يأمل مضر، في العودة يوماً ما، خاصةً أن بينهم طلاباً على أبواب التخرج، ما يتطلب تدخلاً من إدارة الجامعة والأمن العام لضبط المتشددين الذين يعتقدون أن قتل الدروز وسيلة لدخول الجنّة.

أحلام تتبخر

روعة، طالبة في السنة الرابعة في جامعة حلب، كانت تنتظر حفل تخرجها بعد الامتحانات النهائية، مثل المئات من طلاب السويداء، لكن تلك الأحلام تلاشت مع اضطرارهم إلى المغادرة بسبب التجييش الطائفي. تقول: “حاولنا دائماً نشر المحبّة بين زملائنا، لنثبت للجميع أننا لسنا طائفيين، ولا نتدخل في عبادة أحد ولا نعتدي على أحد. نريد الاحترام المتبادل فحسب”.

وتضيف لرصيف22: “في 28 نيسان/ أبريل الماضي، علمنا من زملائنا بأنّ مظاهرةً ستخرج في المدينة الجامعية في حلب، احتجاجاً على تسجيل صوتي منسوب إلى شيخ درزي يسيء إلى الرسول الكريم، وقد ثبت لاحقاً أنه مفبرك، لكن مع ذلك، أُطلقت هتافات طائفية وشتائم ضد الدروز”.

تستذكر: “في تلك الليلة، بين التاسعة والعاشرة مساءً، خرجت مظاهرة أمام السكن الجامعي بحضور الأمن، وأُطلقت هتافات من قبيل: ‘قائدنا للأبد سيدنا محمد’، و’طائفية طائفية وصلوها للدرزية’، وشعارات مسيئة إلى الشيخ حكمت الهجري، وهذا كله دون تدخّل أمني. لم يردّ أحد من الطلاب الدروز، لكن الجميع شعر بالخوف. وفي الصباح، انطلقت حافلة نحو السويداء، لكنها توقفت يوماً كاملاً في جرمانا بسبب الأحداث، ووصلنا في اليوم التالي”.

محاولات احتواء وضعف في التنفيذ

في 10 أيار/ مايو الجاري، اجتمع وفد من ناشطي السويداء مع وزيرَي الداخلية والتعليم العالي في دمشق، من بينهم سليمان الكفيري، الذي يقول لرصيف22: “تلقينا وعوداً بتأمين بيئة جامعية آمنة، ومعاقبة كل من يسيء أو يحرّض طائفياً، وتعويض الفاقد التعليمي للطلاب. وتم التأكيد على اتخاذ إجراءات رادعة، وطرح تشكيل لجان طلابية، وتسيير دوريات لحماية الطلاب”.

وبحسب الكفيري: “السلطات باشرت ملاحقة المسؤولين عن الهجمات، حيث تم توقيف بعض المتورطين وطرد آخرين من الجامعة”، مضيفاً: “تم التأكيد على إصدار قوانين تقمع التجييش الطائفي، وعلى العمل على برامج لرفع الوعي والانتماء الوطني، دون أن تنعكس العقوبات على عائلات أو مكونات الطلاب المتورطين”.

من جهتها، أصدرت وزارة التعليم العالي، بداية الشهر الجاري، قراراً يحظر على أعضاء الهيئة التعليمية والطلاب والعاملين في الوزارة والجامعات والمعاهد التابعة للوزارة كافة، نشر أو تداول أو ترويج، بأي وسيلة كانت، أي محتوى يتضمن التحريض على الكراهية أو الطائفية أو العنصرية أو يسيء إلى الوحدة الوطنية أو السلم الأهلي، وتعرّض مرتكبي تلك الأعمال للمساءلة الجزائية والمدنية والمسلكية.

ما حدث من تهجير للطلاب الدروز من الجامعات السورية، ليس حادثاً عابراً، بل مؤشر مهم على هشاشة السلم الأهلي وعمق الشرخ الطائفي، اللذين يهددان مستقبل أجيال من الطلبة، في ظلّ غياب إجراءات حاسمة تضمن بيئةً تعليميةً آمنةً وعادلةً للجميع، الأمر الذي يحتاج إلى إجراءات سريعة وعلى الأرض للمحاسبة وضمان عدم التكرار، وهذا يتطلب إرادةً سياسيةً جدّيةً، يدعمها موقف وطني جامع يحمي أبناء سوريا من أي طغيان طائفي يهدد ما تبقّى من روابط وطنية.

رصيف 22

————————————-

إعلام عبري يكشف موقع المحادثات السرية بين سوريا وإسرائيل

كشفت وسائل إعلام إسرائيلية عن محادثات سرية تجري حالياً بين إسرائيل والإدارة السورية الجديدة، في إطار عملية إقليمية سلمية بوساطة إماراتية.

وأفادت القناة 12 العبرية بأن أحد اللقاءات المهمة عقد مؤخرًا في أذربيجان، وجمع بين اللواء عوديد سيوك، رئيس مديرية العمليات في الجيش الإسرائيلي، وممثلين مقربين من الرئيس السوري أحمد الشرع، إلى جانب مسؤولين أتراك.

واعتبرت القناة أن المحادثات مفاجئة، بشكل خاص في ظل موقف إسرائيل السابق من الإدارة السورية الجديدة، حيث امتنعت عن أي تواصل مباشر مع الشرع، بل وسبق أن وصفته بأنه “إرهابي يرتدي بدلة”.

وأشارت القناة إلى أن تل أبيب تدرس الآن اتجاهاً جديداً قد يؤثر بشكل كبير على الوضع الأمني على الحدود الشمالية، ويسهم في إبعاد سوريا عن محور إيران و”حزب الله”.

وقالت القناة: “الآن، وبأقل تقدير، تدرس إسرائيل اتجاهاً جديداً من شأنه أن يؤثر بشكل كبير على الوضع على الحدود الشمالية ويبعد سوريا عن محور إيران وحزب الله”.

وأوضحت مصادر في مؤسسة الدفاع الإسرائيلية أنه، بالإضافة إلى إمكانية دمج سوريا في المبادرات الإقليمية، مثل اتفاقيات أبراهام، هناك كذلك احتمال لتحوّل إيجابي في العلاقة المعقدة مع تركيا، التي تُعد شريكاً فاعلاً في هذه المحادثات.

وأكدت القناة أن هذه الجهود لا تزال في مرحلة أولية، لكنها تحمل إمكانيات لتأثير ملموس على إعادة تشكيل النظام الإقليمي في الشرق الأوسط.

وفي السياق نفسه، ذكرت صحيفة “هآرتس” العبرية أن “مسؤولين أمنيين إسرائيليين رفيعي المستوى” أجروا، خلال الأشهر الأخيرة، لقاءات مع نظرائهم في إدارة الرئيس أحمد الشرع.

ونقلت الصحيفة عن مصدر إقليمي مطلع، لم تكشف عن هويته، قوله: “اللقاءات ركزت على التعارف الأولي، بهدف إنشاء محور لنقل الرسائل، ومنع التصعيد في المنطقة”.

وتأتي هذه التطورات في ظل متغيرات إقليمية متسارعة، حيث التقى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يوم الأربعاء، بالرئيس السوري أحمد الشرع في الرياض، بعد إعلانه نيّته رفع العقوبات الأمريكية عن دمشق.

كما كان الشرع قد أشار، في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، خلال زيارته إلى باريس مطلع الشهر الجاري، إلى أن دمشق تجري مفاوضات غير مباشرة مع إسرائيل عبر وسطاء.

(وكالات)

———————————-

أحداث السويداء تكشف عن علاقة “قسد” بتشكيلات درزية مسلحة/ فراس فحام

السويداء تدعم وتتضامن مع اتفاقية قسد في دمشق

15/5/2025

كشفت المواجهات التي شهدتها أشرفية صحنايا بريف دمشق وامتدت إلى أطراف محافظة السويداء، أواخر أبريل/نيسان الماضي، عن علاقات قوية بين قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وأطراف درزية مسلحة.

ولا تفوت قوات “قسد” الفرصة لاستثمار أي خلاف بين المكونات السورية، من أجل التأكيد على أنها الخيار الأفضل لسوريا، حيث قدم المحسوبون عليها خطاباً مناصراً للمطالبين بعدم دخول القوات الحكومية إلى السويداء ومناطق سكن الدروز بريف دمشق مثل صحنايا وجرمانا.

كما أتاحت “قسد” المجال لمظاهرات نددت بما وصفته “مجاز بحق سكان الساحل السوري” بعد المواجهات التي اندلعت بين قوات حكومية سورية وموالين لها من جانب مع مجموعات مسلحة يقودها ضباط سابقون في نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد مطلع مارس/آذار الماضي.

وقد سلطت هذه الأحداث الضوء على دور “قسد” وعلاقاتها مع بعض الفاعلين الدينيين والعسكريين في المحافظة.

علاقة “قسد” بفصيل مسلح بالسويداء

منذ منتصف عام 2023، وبعد اندلاع الاحتجاجات الشعبية في السويداء ضد نظام الأسد، كشفت تقارير سورية عن وجود علاقات بين “قسد” وحزب اللواء السوري الذي يطالب بإنشاء إقليم مستقل في الجنوب السوري، وقوة مكافحة الإرهاب التي كانت بمثابة الذراع العسكري للحزب المذكور.

ووفقاً لتلك التقارير، فإن “قسد” ساهمت منذ عام 2022 في تقديم تدريبات ودعم لقوة مكافحة الإرهاب، التي حصلت أيضاً على منح مالية من قوات التحالف الدولي في سوريا التي تشمل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، والتي تقيم قواعد في مناطق شمال شرق سوريا الخاضعة لقوات “قسد”.

وفي منتصف عام 2023 أسس حزب اللواء -الذي أسسه ويرأسه مالك أبو الخير المقيم في فرنسا- مكاتب خدمية في السويداء، وأكد رغبته بتأسيس إدارة ذاتية خاصة بالمجتمع في السويداء، وهو نفس الخيار الذي بقيت تتبناه “قسد” إلى حين سقوط نظام الأسد أواخر عام 2024. لكنها منذ بدء القوات الأميركية تقليص وجودها في سوريا، خفضت “قسد” من سقفها وباتت تتمسك بنظام الحكم اللامركزي.

ويتبنى حزب اللواء إقامة “إقليم الجنوب” الذي يضم محافظات جنوب سوريا ومن بينها السويداء، في شكل يشبه إقليم “الإدارة الذاتية” الذي أسسته “قسد” في محافظات شمال شرق البلاد.

التنسيق بعد سقوط الأسد

خلال الأحداث التي وقعت في أشرفية صحنايا بريف دمشق، ومحافظة السويداء أواخر أبر يل/نيسان الفائت، وأوائل مايو/أيار الجاري، ظهر أحد مشايخ العقل الدروز -في لقاء متلفز- ويدعى مروان كيوان، مطالبا “قسد” بإنقاذ البلاد وقيادة المرحلة الانتقالية من أجل الوصول إلى سوريا موحدة ديمقراطية وعلمانية ولا مركزية، لتحافظ على وحدة سوريا وحقوق كل الشعب السوري بحسب وصفه.

ومطلع مايو/أيار الجاري، أعلنت قوات الأمن السوري عن ضبط شحنة أسلحة في منطقة السخنة بالبادية السورية، كانت متجهة من مناطق سيطرة “قسد” إلى محافظة السويداء، مما أوحى بأن الأمر لا يقتصر على مجرد تصريحات إيجابية من قادة دينيين دروز تجاه “قسد”.

وقد مارس نشطاء ينتمون إلى “قسد” دعاية قوية لصالح الشيخ الدرزي حكمت الهجري والمجلس العسكري في السويداء الرافضين لدخول الحكومة السورية إلى المحافظة الجنوبية، واعتبروا أن مطالبهم تنم عن رغبة بتطبيق اللامركزية في سوريا.

وقبيل إعلان فصائل المعارضة السورية السابقة لمؤتمر “النصر” الذي نصبت من خلاله أحمد الشرع رئيساً مؤقتاً لسوريا مطلع فبراير/شباط 2025، أعلن مجلس سوريا الديمقراطية (الذراع السياسية لقسد) عن قيام وفد من طرفه بزيارة محافظة السويداء، حيث التقى مع الهجري الذي يتصدر الشخصيات المناهضة للحكومة السورية الحالية.

واتفق الجانبان خلال اللقاء على عدم تسليم السلاح للدولة السورية إلا بعد “تشكيل حكومة انتقالية شاملة” في موقف يعكس عدم الرضا عن تنصيب الشرع رئيساً لسوريا.

وتتلاقى “قسد” مع جهات عديدة في السويداء بالاستياء من الحكومة السورية نتيجة عدم إشراكهم في مؤتمر الحوار الوطني، ولمنعهم من المساهمة في الإعلان الدستوري اللذين كانا بمثابة خطوات لإضفاء الطابع الشرعي الشعبي والقانوني على الحكومة الانتقالية الحالية.

مجلس السويداء العسكري

أواخر فبراير/شباط من العام الجاري، أعلن مجموعة من الضباط السابقين في نظام الأسد عن تشكيل “مجلس السويداء العسكري” بقياد طارق الشوفي، حيث أتى الإعلان بعد يوم واحد من إعلان الحكومة الإسرائيلية ضرورة نزع السلاح من الجنوب السوري.

كما أعلن هذا “مجلس السويداء العسكري” في بيان التأسيس عن اعتماده للهجري كمرجعية دينية، بالإضافة إلى التأكيد على أن هدفه حماية “حدود الجنوب” من عصابات التهريب، والجماعات الإرهابية.

وفي إشارة محتملة إلى العلاقة بينه وبين “قسد” قال المجلس في بيان تأسيسه إن “مشروع المجلس وطني يهدف إلى تنظيم التعاون بين القوى المسلحة في المجتمع المحلي، وبمباركة من الشيخ حكمت الهجري، وبالتنسيق مع دول التحالف الدولي” الذي لم يصدر عنه بيان في هذا الشأن ويعتبر “قسد” شريكه المحلي في سوريا.

وقد حمل الشعار الذي تبناه المجلس تصميما يشبه الشعار الذي تعتمده “قسد” كما سارع حزب “الاتحاد الديمقراطي” الذي يقود “قسد” إلى نشر إعلان “المجلس العسكري للسويداء” على موقعه الرسمي ووصف الإعلان بـ”التطور اللافت”.

وقال “الاتحاد الديمقراطي” إن التشكيل الجديد “يأتي في وقت تشهد فيه سوريا تحولات سياسية وأمنية كبيرة مما يجعله خطوة مهمة في مسار تعزيز الأمن المحلي في السويداء”.

ورغم نفي “مجلس السويداء العسكري” تبعيته لأي جهة داخلية أو خارجية، تحدثت تقارير عن تلقيه دعما وتمويلا من قوات “قسد” وأن مسألة تشكيل المجلس أثارها وفد “مسد” لدى زيارته إلى السويداء، دون تأكيد من جهة مستقلة.

ويتقاطع هذا المجلس مع مطالب “قسد” المتمثلة بتبني خيار الدولة العلمانية الديمقراطية اللامركزية، بحسب ما صرح قائد المجلس طارق الشوفي الضابط السابق في جيش النظام السوري.

جهود إنشاء إقليم مستقل

يشير تأكيد “مجلس السويداء العسكري” على هدف حماية “الجنوب” إلى رغبة بتكريس فكرة الإقليم المستقل، ويوحي بمحاولة فرض أمر واقع على الحكومة السورية متمثلا بوجود أقاليم متعددة تتمتع باستقلالية.

وبرز دور المجلس العسكري في السويداء بشكل واضح بعد الصدامات بين قوات عشائرية وفصائل محلية في المحافظة مطلع مايو/أيار الجاري، فقد رفض المجلس بشكل قاطع فكرة دخول قوات أمن تتبع للحكومة السورية إلى السويداء.

وأصر المجلس على إعادة تفعيل دور القوى الأمنية التي كانت تنشط في المحافظة زمن نظام الأسد، كما قام منتسبو المجلس بإزالة العلم السوري من مدخل السويداء، ورفعوا الأعلام الخاصة بالطائفة الدرزية.

ومما ساعد على زيادة فاعليته حالة التوتر والاحتقان في محافظة السويداء، بسبب اعتقاد العديد من الفاعلين بالمحافظة بأن الحكومة قصرت في منع القوات العشائرية من الهجوم على المدينة، الأمر الذي أضعف موقف بعض الأطراف التي تتبنى التنسيق مع الحكومة السورية على غرار قائد فصيل “شيخ الكرامة” ليث البلعوس.

المحاولة الأولى لإنشاء المجلس العسكري

لم تكن محاولات “قسد” لمد نفوذها إلى السويداء جديدة، ففي خضم المظاهرات التي شهدتها المحافظة ضد الأسد على مدى عام ونصف العام قبل سقوطه، أعلنت فصائل محلية في مايو/أيار من العام الماضي تشكيل مجلس عسكري للطائفة الدرزية حمل اسم “مجلس القوى العسكرية في السويداء”.

وقد ادعت الفصائل المنضوية تحت المجلس أن تشكيله مدعوم من الشيخ الهجري، وأنه هو شخصياً وبأمر مباشر من طلب تشكيله. وأكدت تقارير في حينها أن التشكيل تقف خلفه “قسد” وأنه تم تقديم الدعم المالي من قبلها للقائمين عليه وأبرزهم الشيخ رائد المتني وأيسر مرشد اللذين وعدا قادة الفصائل المنخرطة في التشكيل برواتب شهرية لجميع المقاتلين.

ولكن الشيخ الهجري اعتبر، بحسب ما نقلت تقارير عن مصادر مقربة منه، التشكيل “طعنة” هدفها تشويه الحراك السلمي ضد النظام السوري، وانسحبت معظم الفصائل بعد اعتراف المتني أمامها في اجتماع مغلق بتلقيه الدعم بوساطة وتنسيق المسؤول الإعلامي في “قسد” أمجد عثمان، وكذلك بعد أوامر مباشرة من الشيح الهجري الذي أكد لهم عدم علمه به.

ويبدو أن اختلاف الظروف بين مايو/أيار العام الماضي -خلال سيطرة نظام الأسد وبين مايو/أيار الجاري بعد سقوط الأسد- قاد إلى إعادة إنتاج المجلس العسكري ولكن هذه المرة بالاعتماد على ضباط وجنود النظام السابق في السويداء ولأهداف مختلفة.

المصدر : الجزيرة

————————————–

=========================

عن الأحداث التي جرت في الساحل السوري أسبابها، تداعياتها ومقالات وتحليلات تناولت الحدث تحديث 17 أيار 2025

لمتابعة مكونات الملف اتبع الرابط التالي

الأحداث التي جرت في الساحل السوري

————————————–

ملاحظات/ ملاذ الزعبي

من الخسائر الجانبية للعلويين السوريين على مدى العقود الماضية نتيجة ارتباطهم وتشابكهم المعقد مع نظام الأسد هو الغياب شبه الكامل للخبرات والقدرات على العمل من خارج أجهزة الدولة السابقة. اليوم وكأنو العلويين مبتدئين بعالم الشأن العام، ما في عندهم أي مؤسسات أو جماعات أو تجارب دينية صلبة سواء مثل المشيخة الدمشقية أو الجماعات الصوفية أو الجماعات السلفية أو مؤسسة الافتاء أو  رجال الدين الدروز ومشايخ العقل (بالسويداء  لحالها في ٣)  أو حتى مؤسسة سياسية دينية خدمية مثل مؤسسة الآغا خان الإسماعيلية أو الكنائس المختلفة ومجموعة الجمعيات المنضوية تحتها، ولا راكموا بالسنوات السابقة التجارب اللي راكموها غيرهم من السوريين بعالم منظمات المجتمع المدني المستقلة البعيدة عن سلطة الدولة ولا طبعا نشاط أهلي إغاثي جدير وشبكات أمان اجتماعي بديلة، ولا حتى كان في نشاط إعلامي نتج عنه عدد كبير من المواطنين والمواطنات الصحافيين أو شبكات إعلامية عالسوشال ميديا عدا عن المواقع ووسائل الإعلام التقليدي اللي تمولت من مؤسسات ومنح غربية وخليجية وغيره (والنشاط الإعلامي المستقل عن النظام وأجهزة أمنه ما اقتصر على المعارضة السورية التقليدية وبيئات الثورة بالمناسبة وهو موجود بريف حلب وإدلب مثل مو موجود بالسويداء مثل مو  موجود بدمشق والقامشلي وغيرها)، إذا بتشوف أبرز الأسماء اللي عم تبرز كإعلاميين “علويين” فعم يظهروا كمهلوسين بحاجة حجر صحي عاجل مثل كنان وقاف أو ماجد دواي وغيرهم. وطبعا ما في أي خبرات للتظاهر والاحتجاج والتنظيم الجماعي، وحتى كتلة واسعة من العلويين المغتربين بأوروبا بقيوا بعيدين عن أشكال التنظيم المستقلة عن السفارات والأجهزة الأمنية وغيرها. الوحيدين بين العلويين اللي راكموا هي الخبرات كانوا طبعا من المعارضين لنظام الأسد واللي انخرطوا بنشاطات سياسية وثقافية وإعلامية معارضة للنظام قبل ثورة ٢٠١١ وبعدها، واللي هم، للمفارقة، كانوا منبوذين من أطياف واسعة من المجتمع العلوي السوري. ويمكن ما في أدل على قلة الخبرة بالعمل العام بين العلويين السوريين إنو أول ما بدؤوا يتحركوا باتجاه الشأن العام (بحكم الضرورة) اتجهوا لعند بعض أكثر الشخصيات السورية المتورمة والمشهورة بفشلها وإفشالها لأي جهد جماعي ومؤسسي مثل هيثم مناع وأشباهه

—————————————–

 تطييف ديني أم سياسي.. من يحرك المشهد في سوريا الجديدة؟/ باسل المحمد

2025.05.16

بعد نحو ستة أشهر على سقوط النظام المخلوع، تشهد سوريا حالة انكشاف اجتماعي وسياسي غير مسبوقة، حيث تصاعدت الأصوات الطائفية والمذهبية والمناطقية في مشهد يوحي بعودة البلاد إلى ما قبل الدولة، حيث الطائفة هي الوطن، والمذهب هو الهوية، لكن خلف هذا الضجيج الطائفي ثمة حقيقة أكثر تعقيداً؛ معظم تلك الأصوات لا تعبر عن قلق ديني بقدر ما تسعى إلى الحفاظ على مواقع النفوذ أو حجز مقاعد في السلطة المقبلة.

في علم الاجتماع السياسي مقولة “حين تسقط الأنظمة تنكشف المجتمعات”، هذا ما حدث فعلاً في سوريا ما بعد الثامن من ديسمبر 2024، فمع انهيار القبضة الأمنية الصلبة التي حكمت البلاد لعقود، خرجت إلى السطح خطابات محمّلة بلغة الخوف من الآخر، والدعوات إلى الحماية، والمطالب الطائفية العلنية، غير أن نظرة فاحصة تكشف أن كثيراً من هذه المطالب ليست دينية في جوهرها، بل سياسية في مضمونها، وإن غُلّفت برداء طائفي لاستدرار التعاطف المحلي والدولي. من الجنوب إلى الشمال، ومن الجزيرة إلى الساحل، تتكرر مشاهد الطوائف التي تطالب بـ”حقوقها” أو “ضمانات وجودها”، بينما يتراءى أن الهدف الحقيقي وراء هذه المطالبات هو المحافظة على نسبة معقولة من المكتسبات السياسية التي كانت تتمتع بها بسبب ولائها للنظام المخلوع، أو السعي للتمركز في مراكز القرار الجديدة، والحصول امتيازات خاصة لإدارة مناطقهم تحت صيغة “لامركزية”، فهل المشهد السوري الراهن نتاج وعي طائفي حقيقي؟ أم أن الطائفة باتت أداة لتكريس مصالح سياسية وصراعات على النفوذ؟

العلويون: خطاب الحماية كغطاء لموقع سياسي بعد سقوط النظام

وجدت الطائفة العلوية نفسها أمام لحظة تاريخية فارقة، فالسقوط لم يكن مجرد خسارة سياسية للنظام، بل اهتزاز عميق في موقع الطائفة ضمن البنية الحاكمة التي تشكلت منذ سبعينيات القرن الماضي. في هذا السياق، بدأ يظهر خطاب علوي يتحدث عن “الخشية من التصفية” و”الحاجة إلى الحماية الدولية”، مستخدمًا لغة طائفية تُشير إلى خطر ديني محدق، لكنه في جوهره يعكس قلقًا من خسارة الامتيازات السياسية، لا الخوف من الإبادة الطائفية. لقد غُلف هذا الخطاب بمفردات دينية واستعارات تاريخية، لكنه لم يُخف جوهره التفاوضي. فالدعوة إلى “الضمانات الدولية”، و”حماية الأقليات”، والحديث عن “صعود التطرف” كلها إشارات توحي بأن المطلب الحقيقي هو تثبيت موقع سياسي للطائفة في أي ترتيبات قادمة.

الخوف لدى الطائفة تمثل في تشكيل كيانات سياسية تحت مسميات دينية مثل “المجلس الإسلامي العلوي الأعلى” الذي تم الإعلان عن تشكيله في سوريا بتاريخ 4 من شباط/فبراير الماضي، وهو كيان ديني يهدف إلى تنظيم وتمثيل شؤون الطائفة العلوية داخل سوريا وخارجها، إضافة إلى ما يسمى “اللقاء التشاوري للسوريين العلويين في المغترب”. وفي هذا السياق كشفت مصادر خاصة لموقع “تلفزيون سوريا” عن نشاطات سياسية وإعلامية تقودها مجموعة تدّعي تمثيل العلويين السوريين في الولايات المتحدة، تحت اسم “رابطة العلويين في الولايات المتحدة”، وتعمل بتنسيق وثيق مع تيار مدني يضم شخصيات كانت على ارتباط مباشر بالأجهزة الأمنية التابعة لنظام المخلوع بشار الأسد. ووفقاً لوثائق وصور حصل عليها موقع “تلفزيون سوريا”، فقد أرسلت الرابطة خلال الأشهر الماضية (قبل الأحداث التي شهدها الساحل في 6 آذار) رسائل إلى الكونغرس الأميركي تزعم فيها أن العلويين يتعرضون لـ “تطهير عرقي”، و”إبادة جماعية” في سوريا، مطالبةً بدعم مؤتمر تنظمه الرابطة في 12 و13 من أيار الجاري في مبنى الكونغرس بواشنطن.

واللافت أن هذه اللغة جاءت من جماعة لم يكن التدين يشكل مركز هويتها العامة خلال العقود الماضية، فالنظام الذي صعد باسم حزب البعث القومي، حرص على إبقاء الهوية الدينية للطائفة في الظل، بل ووضعها في خدمة المشروع السياسي للدولة المركزية، وهذا ما يجعل عودة الطابع الديني في الخطاب العلوي اليوم أقرب إلى “الاستدعاء الوظيفي”، الذي يهدف إلى حماية النفوذ والمكتسبات، وليس دفاعاً عن العقيدة.

السويداء: هوية محاصَرة تبحث عن أمان سياسي

في محافظة السويداء، التي لطالما اعتُبرت واحة للاستقرار الاجتماعي في خضم الفوضى السورية، بات التوتر السياسي فيها يرتدي عباءة الخصوصية الدينية. فعلى وقع الانهيار التدريجي لمؤسسات الدولة المركزية، برزت داخل الجبل دعوات لتشكيل إدارة محلية “درزية الهوية”، لا تُقدَّم كخطوة انفصالية صريحة، بل كمشروع حماية ذاتية لمجتمع يشعر أنه تُرك لمصيره. الخطاب الجديد الذي بدأ يتبلور في خطب الزعامات الدينية، ومداولات النخب المحلية، يطرح فكرة “الخصوصية الدرزية” ليس فقط كتراث ديني واجتماعي، بل كأساس لتصور سياسي جديد قد يُفضي إلى نوع من الحكم الذاتي، أو على الأقل شكل من أشكال اللامركزية المشروطة. هذه التصورات وإن رُوّج لها تحت مظلة الخوف من الفوضى أو من “صعود التطرف السني”، إلا أنها في جوهرها تعبّر عن أزمة تمثيل سياسي أكثر من كونها مسألة خوف ديني. في هذا السياق، يكرر الشيخ حكمت الهجري الزعيم الروحي لطائفة الموحدين الدروز في سوريا، دعوته إلى “حماية دولية لسكان جبل العرب”، مؤكدًا أن “طلب الحماية الدولية حق مشروع لشعب قضت عليه المجازر”. ورغم أن التصريح قُدّم في سياق ديني وأخلاقي، إلا أنه جاء بعد أيام فقط من مشاورات بين ممثلين عن الطائفة وبين وفود أوروبية زارت السويداء، في محاولة لفهم مطالب الأقليات في ظل الانهيار السياسي للنظام السابق. هذه المقترحات، رغم زخمها، لا تحظى بإجماع داخل مجتمع السويداء نفسه، فبينما يرى فيها البعض وسيلة واقعية لحماية ما تبقى من الاستقرار، يُحذر آخرون من أنها قد تؤدي إلى عزل السويداء سياسياً واجتماعياً، وتفتح الباب أمام تدخلات إقليمية ودولية قد تستخدم الطائفة كورقة تفاوض أو ضغط. تمثل حالة السويداء اليوم تجلّياً واضحاً لتطييف السياسة، فالمخاوف المعلنة لا تتعلق بمنع إقامة الشعائر أو تهديد العقيدة، بل بالقلق من خسارة دور سياسي كان مهمشاً لعقود، واليوم حين تفتح نافذة التغيير، يريد البعض في الجبل أن يضمنوا ألا يُعاد إغلاقها دون أن يكون لهم موطئ قدم واضح في مستقبل البلاد.

السنّة أغلبية تبحث عن استعادة القرار

رغم أن الخطاب الطائفي السني ظل أقل حدّة مقارنة بخطابات بعض المكونات السورية، إلا أن التحولات السياسية بعد سقوط النظام أظهرت تحولاً تدريجياً في لهجة بعض الفاعلين السنّة، خصوصاً في الداخل السوري، فقد بدأت مفردات من نوع “الأغلبية السنية” و”حقنا في قيادة البلاد” و”استعادة دورنا الطبيعي” تتكرر في المنتديات السياسية، والخطب الدينية، وحتى في النقاشات المجتمعية اليومية. هذه اللغة رغم أنها تستند إلى واقع ديموغرافي واضح، لا تخلو من دلالات سياسية تتجاوز الشعار الديني. إذ أن الإشارة المستمرة إلى “أغلبية محرومة” و”أكثرية تم إقصاؤها لعقود” ليست فقط وصفاً لحالة دينية أو مذهبية، بل مطالبة ضمنية بتغيير معادلة الحكم في سوريا. فبعد خمسين عاماً من حكم أجهزة الدولة بقبضة أمنية طائفية واضحة، بات جزء من الشارع السني يرى أن الوقت قد حان لإعادة تصحيح الميزان، ليس انتقاماً، بل استرداداً لمكانة سُلبت باسم الاستقرار القومي تارة، وبذريعة حماية الأقليات تارة أخرى. لكن المفارقة أن هذا الخطاب يُجابه فوراً باتهامات بالسعي إلى “حكم سني” أو “إعادة إنتاج الدولة الطائفية”، في الوقت الذي تُقدَّم فيه مطالب الطوائف الأخرى، ولو كانت أكثر فئوية، على أنها “مشروعة” و”منطقية”. من ناحية أخرى، تدرك معظم النخب السنية أن تحويل هذه المظلومية إلى خطاب صدامي سيعيد البلاد إلى مربع الطائفية الدموية، لذلك تسعى أطراف سنية مدنية إلى موازنة المعادلة التالية: المطالبة بحق سياسي صريح، دون إقحام للهوية الدينية كوسيلة احتكار أو نفي للآخر. باختصار، فإن استدعاء السنّة لهويتهم الدينية في لحظة سياسية مفصلية لا يعني بالضرورة تبنّي مشروع ديني طائفي، بل هو أداة تعبير سياسي تستخدم الغلاف الديني لتبرير استحقاق سياسي طال انتظاره.

رواية مغايرة لما يجري في سوريا

على خلاف ما تروجه وسائل الإعلام والسوشيال ميديا لحالة الاحتراب الطائفي في سوريا التقت رئيسة الأمانة الدولية للحرية الدينية، نادين ماينزا، بطاركة وأساقفة وقساوسة مسيحيين أثناء زيارتها لدمشق برفقة وفد رسمي يمثل منظمات دولية في فبراير/شباط الماضي وقدمت صورة مغايرة للسردية الرائجة حول حقيقة الأوضاع في سوريا.

ونقلت ماينزا عن رجال الدين المسيحيين في سوريا قولهم “على الغرب أن يكف عن مناصرة وحماية الأقليات في سوريا، لأن من شأن ذلك أن يعزز الرواية الخطيرة التي استخدمها الأسد، وقسمت سوريا إلى أغلبية وأقلية. مضيفة أن أنها استمعت لأغلب الحضور، وكان من جملة ما أكدوا عليه أن معظم جيرانهم المسلمين السنة يرفضون الطائفية والعنف، وأنه في فترة ما قبل حكم الأسد، عاشت الطوائف الدينية والعرقية المتنوعة في سوريا معًا في سلام نسبي، ويأملون في استعادة هذا التاريخ.

بالنهاية لا بد من التأكيد أن ما يجري في سوريا اليوم ليس صراعاً دينياً بقدر ما هو خلاف سياسي لبس عباءة الطوائف، وصار يُدار تحت يافطات الحماية المجتمعية والخصوصيات الدينية. لكن الحقيقة الأعمق، والتي يجب أن تُقال بوضوح، أن الشعب السوري لم يكن يوماً في حالة احتراب طائفي داخلي؛ بل ما حدث ويحدث هو صراع على السلطة، تُستخدم فيه الهويات الدينية كأدوات للنفوذ أو كخط دفاع أمام المجهول.

ولذلك، فإن الحل لا يمكن أن يأتي من مزيد من التقوقع، ولا من إنشاء كيانات طائفية، بل من العودة إلى الفضاء الوطني العام، عبر حوار وطني صريح، يشارك فيه الجميع دون إقصاء، ويضع على الطاولة كل الهواجس والتطلعات.

وإلى جانب الحوار، لا بد من إطلاق مشروع للسلم الأهلي، يعيد بناء الثقة بين مكونات المجتمع السوري، ويؤسس لمرحلة لا يُسأل فيها المواطن عن مذهبه، بل عن كفاءته ومساهمته في إعادة الإعمار السياسي والاجتماعي.

 تلفزيون سوريا

 ——————————–

مخلوف يعلن عن “إقليم الساحل”: نعدكم بأحداث مهمة ومثيرة

الخميس 2025/05/15

اتّهم رامي مخلوف، رجل الأعمال السوري وابن خال رئيس النظام المخلوع بشار الأسد،  شبكات وهمية بالعمل على تجنيد شبّان الساحل في صفوف “القوات الخاصة” التي أعلن عن تشكيلها في وقت سابق مع سهيل الحسن “المعروف بالنمر”، مؤكداً أن قواته المزعومة، هدفها حماية “إقليم الساحل” الذي “بدأ يُبصر النور”، متوعداً بأحداث “هامة مثيرة” خلال الفترة المقبلة

وفي وقت سابق، زعم مخلوف أنه قام مع “النمر” بتجهيز 150 ألف مقاتل من “القوات الخاصة” ومثلهم بالعدد قوة احتياط، إلى جانب مليون مقاتل من “اللجان الشعبية”، وذلك بهدف حماية “إقليم الساحل السوري”.

عبث أجهزة الاستخبارات

وقال مخلوف في منشور على صفحته الشخصية في “فايسبوك”، إن تلك الشبكات تتبع لأجهزة استخبارات، وتستهدف الايقاع بشبّان الساحل لقاء الأموال، متوعداً بـ”حساب عسير” لتلك الشبكات التي “شاركت بالقتل والسبي” في الساحل السوري.

وقال إن قواته المزعومة، أصبحت مكتملة الأعداد، وأن مشروعه لخدمة أهل الساحل، كما وعد بأنه سيوفر فرص عمل خلال الفترة المقبلة، لأبناء الساحل السوري، وقال: “نحن قادمون بقوة”.

هدفنا ليس التحرير

وقال إن هدف قواته التي جمعها، “ليس تحرير” إقليم الساحل، لأن “التحرير قادم”، زاعماً أن تلك القوات لها “قيادة موحّدة لمنع تكرار ما حصل من مجازر في الماضي”، وأن تحركاتها لن تكون عشوائية كما في السابق، في إشارة لهجمات فلول النظام المخلوع في الساحل السوري في آذار/مارس الماضب.

وتوعّد بمنع من وصفهم بـ”تجّار الدم وصائدي الجوائز”، من استغلال شبّان الساحل المندفعين للقتال، كما حذّر من “مجموعات صغيرة تريد افتعال الفتن في الساحل السوري”، زاعماً أنهم مكشفون بالنسبة له، وسيحاسبهم.

وعن دور تلك القوات المزعومة، قال مخلوف: “أما عن دور هذه القوات فهو لحماية الإقليم بعد خروجِ كل المجموعاتِ المسلحة منه من أي اعتداءاتٍ فردية أو منظمة عليه. فالاتفاقات التي ستوقَّع بالحِبر لإقليم الساحل، هناك من يريد تخريبها بالدم. فنحن، بعوِن الله، لن نسمح بذلك، وسنكون الأقدر على حماية إقليمنا”.

منظومة جاهزة

وقال إن لديه منظومة شبه جاهزة لإدارة إقليم الساحل، تشمل الجوانب العسكرية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية، مؤكداً وجود استعدادات لبناء منظومة صناعية- زراعية- سياحية تستوعب غالبية شباب الساحل.

ووعد مخلوف بإعادة “جمعية البستان” للعمل تحت اسمها نفسه خلال فترة قريبة، و”بكل قوة”، مشيراً إلى أن دعمها سيكون من المغتربين، و”جهات كثيرة خاصة ودولية”.

يُشار إلى جمعية البستان، التي كانت مملوكة وتُدار من قبل مخلوف، وكانت تدعم ميلشيات عسكرية رديفة لقوات النظام المخلوع خلال الحرب السورية، أبرزها ميلشيا “الدفاع الوطني” المتّهمة بارتكاب انتهاكات جسيمة ضد السوريين.

وفي ختام منشوره، توعّد مخلوف بأحداث “مهمة ومثيرة” خلال القترة المقبلة، كما أكد أن رفع العقوبات مفيد للسوريين، و”إنشاء الأقاليم بات حاجةً للجميع”، “وبدأ يبصر النور”.

—————————————–

=========================

واقع وكواليس الاتفاق بين “قسد” وحكومة الجمهورية العربية السورية مقالات وتحليلات تتحدث يوميا  تحديث 17 أيار 2025

لمتابعة تفاصيل هذا الملف اتبع الرابط التالي

دوافع وكواليس الاتفاق بين “قسد” وأحمد الشرع

——————————–

حزب العمال الكردستاني: نهاية حقبة تاريخية طويلة/ بكر صدقي

من المحتمل أننا نشهد نهاية صراع مسلح امتد عقوداً، لا يخص تركيا وحدها بل له امتدادات إقليمية في الدول المجاورة، العراق وسوريا وإيران، من غير أن ننسى تدخلات دولية أخرى استثمرت فيه لصالح أجندات تخصها. فقد أعلن حزب العمال الكردستاني، في بيان مطوّل، أنه عقد مؤتمره العام الثاني عشر وقرر فيه التخلي عن السلاح وحل نفسه تنظيمياً، مبرراً هذه الخطوة بأن الكفاح المسلح قد استنفد أسباب وجوده بعدما حقق إنهاء سياسة إنكار الهوية القومية الكردية التي اتبعتها الدولة التركية الحديثة منذ قيامها، ونالت القضية الكردية اعترافاً في الرأي العام كمسألة يجب السعي من أجل حلها. كذلك لأن عصر الكفاح المسلح للشعوب قد انتهى، وبات النضال السلمي لتحقيق تطلعاتها هو الأكثر نجاعة.

وجاءت هذه الخطوة في نهاية مسار أطلقه زعيم حزب الحركة القومية التركي دولت بهجلي، في تشرين الأول الماضي، دعا فيه عبد الله أوجلان للحضور إلى البرلمان وإطلاق نداء لحزبه يطالبه فيه بالتخلي عن السلاح وحل نفسه. وتلقف حزب المساواة والديمقراطية، ممثل الكرد في البرلمان، هذه المبادرة فشكل وفداً قام بعدة زيارات إلى جزيرة إيمرالي حيث قابل الزعيم التاريخي لحزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان للتباحث حول مبادرة بهجلي، لتنتهي تلك المباحثات إلى توجيه أوجلان نداءه الشهير إلى حزبه، في 27 شباط الماضي، مطالباً الحزب فيه بعقد مؤتمر يتخذ القرار بإلقاء السلاح وحل نفسه. وافقت قيادة الحزب المتمركزة في جبل قنديل في شمال العراق على مطالب أوجلان وطالبت الدولة التركية بتوفير الشروط اللازمة لأوجلان ليتمكن من قيادة المؤتمر. لا نعرف على وجه الدقة هل تم توفير تلك الشروط وكيف، فثمة تكهنات حول مشاركته في المؤتمر بواسطة الهاتف أو تكنولوجيات الاتصال الحديثة، لكن السلطة تتكتم على هذا الموضوع، تكتمها على هذه العملية السياسية ككل، لأنها تريد الظهور أمام الرأي العام بمظهر أنها «لا تفاوض الإرهاب» وأن «المنظمة الإرهابية قد استسلمت استسلاماً بلا شروط»! وفي الأساس هي تعتبر أن الهدف من العملية السياسية الجارية هو «تركيا خالية من الإرهاب» وليس حل المسألة الكردية.

بالمقابل لا يتضمن البيان الذي أعلن فيه الحزب حل نفسه أي إشارة إلى مقايضة مع الدولة التركية، لكنه يربط بين مطالبه السياسية وتحول استراتيجيته من الكفاح المسلح إلى النضال السياسي والحقوقي، كنقلة في المسار التحرري الكردي.

على كلا جانبي هذه العملية السياسية، التركي والكردي، ثمة مؤيدون متحمسون ومعترضون متشائمون. ولكن يمكن الحديث عن مناخ عام من التفاؤل مدفوع بالرغبة في إنهاء إراقة الدماء وطي صفحة صراع مديد قتل فيه عشرات آلاف الأشخاص من الجانبين، ومثلهم ممن أفنيت أعمارهم في السجون، وتكلفة اقتصادية تقدر بمليارات الدولارات، وتسميماً متصلاً للحياة السياسية استثمره أصحاب المصالح السياسية والمافيوية، وتآكلاً مطرداً للديمقراطية بنموذجها التركي الهش أصلاً. أضف إلى كل ذلك علاقات تركيا بدول الجوار التي كان هذا الصراع سبباً أساسياً لتوترها الدائم.

على مستوى الأحزاب السياسية اعترض كل من الحزب الجيد وحزب النصر على العملية السياسية بصورة علنية، وهما حزبان قوميان هامشيان، في حين أعلن زعيم حزب المعارضة الرئيسي، حزب الشعب الجمهوري، أوزغور أوزال تأييده للعملية على رغم أنه يخوض صراعاً سياسياً حامياً مع السلطة على خلفية اعتقال رئيس بلدية إسطنبول ومرشح الحزب للانتخابات الرئاسية القادمة أكرم إمام أوغلو. ولكن ثمة «تيارا وطنيا» داخل الحزب يعارض العملية من خلال أقلام تعبر عنه، يقوم اعتراضه على توجس من تقديم الدولة المحتمل لتنازلات كبيرة مقابل حل حزب العمال الكردستاني. تمتلئ أعمدة كتاب الصحف بتسريبات وتكهنات وتحليلات تدور حول احتمال إطلاق سراح عبد الله أوجلان (ويقال إنه شخصياً لا يريد ذلك، ربما خشيةً على حياته من أعمال ثأرية من متشددين قوميين) أو الموافقة على قيام كيان فيدرالي كردي في سوريا (فهذا «مشروع أمريكي ـ إسرائيلي سيتم فرضه على تركيا» وفقاً لبعض المعترضين على العملية السياسية) أو حتى إقامة نظام لامركزي في تركيا نفسها يشمل المناطق ذات الكثافة السكانية الكردية. أما التكهنات الأقل هوائية، ويروج لها عموماً المتفائلون، فتدور حول تغييرات سياسية ـ حقوقية متدرجة محتملة بشأن تحديد مصائر أعضاء حزب العمال الكردستاني ومقاتليه بعد حله، وإطلاق سراح المرضى والمسنين من بين المسجونين من أعضائه أو أنصاره، وترتيب منافي محتملة لكادره القيادي، وإطلاق سراح كوادر حزب المساواة والديمقراطية والتوقف عن عزل رؤساء بلدياته المنتخبين وتعيين أوصياء بدلاً منهم… أما فيما خص أوجلان بالذات فقد تحدثت تقارير إعلامية عن نقل سجناء آخرين إلى سجن إيمرالي ليشكلوا فريق عمل «سكرتاريا» له لإدارة الجانب التنفيذي من تسليم سلاح الحزب وحل منظماته، وثمة تكهنات باحتمال نقله، في مرحلة لاحقة، إلى منزل في إقامة جبرية بدلاً من السجن.

وتشكو أوساط المعارضة من أن العملية الهادفة إلى حل حزب العمال الكردستاني جاءت على حساب القيم الديمقراطية، لأن حزب المساواة والديمقراطية انتقل بموجبها من صفوف المعارضة إلى التقارب مع السلطة، الأمر الذي يعزز تفرد أردوغان بالحكم وقد يفتح أمامه باب الترشح إلى الانتخابات الرئاسية القادمة.

الواقع أن أردوغان قد لا يكون بعيداً عن هذه الحسابات السياسية، بدلالة تأييده الفاتر للعملية السياسية مقابل الحماسة الكبيرة لشريكه دولت بهجلي. وعموماً نرى في اللوحة السياسية انشطاراً بين «عمليتين» إذا جاز التعبير، واحدة تتعلق بالمعركة المبكرة على رئاسة الجمهورية، والثانية بحل سياسي لصراع دموي مديد. أردوغان يسعى إلى تأمين الإطار القانوني لترشيحه مرة أخرى، وإخلاء الساحة من منافس قوي على السلطة؛ في حين يعتبر بهجلي نفسه، ويعتبره الرأي العام، ناطقاً باسم الدولة التركية، فيسعى إلى حماية تركيا من المخاطر الاستراتيجية من خلال حل مشكلة حزب العمال الكردستاني على قاعدة «الأخوّة التركية ـ الكردية التي عمرها ألف عام» وفقاً لتعبيره.

كاتب سوري

القدس العربي

————————–

خواطر من وحي حلّ حزب العمال الكردستاني/ أرنست خوري

14 مايو 2025

قرار حزب العمال الكردستاني حلّ نفسه تاريخي بالفعل، على الأقل لأنه يعدنا بإمكانية أن تنتهي قضية من قضايا هذا الشرق الأوسط وتسقط عن رف “القضايا المقدّسة” العصية على الحل. وبقدر ما هو تاريخي، فإنه يحيل إلى تقاليد سياسية مفقودة في العالم الثالث الذي يشمل مناطق إقامة الأكراد في تركيا والعراق وإيران وسورية. وبغض النظر عن مصير القرار وعن مدى التزام فروع الحزب فيه، وعن كيفية ملاقاته من السلطة في أنقرة، فإنّه بمثابة تذكيرٍ لقارئ عربي كم أن أفكاراً سياسية بدائية وبديهية، كإعلان انتهاء مفعول حزبٍ ما، أو اعتراف بفشل أدوات الشغل لتحقيق هدف، أو إعادة النظر في شعارات قضية معيّنة، غائبة عن الحياة السياسية العربية القريبة جداً جغرافياً وديمغرافياً وفكرياً من ميادين حزب العمّال الكردستاني، التركي رسمياً، ولكنه مطعّم بقيادات ومقاتلين وجماهير كردية عريضة من بلدان عربية. فأن يحلّ حزب ماركسي ــ لينيني نفسه، كـ”العمّال الكردستاني”، متمحور منذ تأسيسه قبل 47 عاماً حول قائد واحد هو بمثابة إله ملهم أو نصف إله بالنسبة إلى أنصاره، فإنما ذلك يتطلب جرأة هائلة ومراجعات سياسية من صاحب القرار (عبد الله أوجلان) لمسيرة نصف قرن من كفاحه المسلح والسياسي. جرأة ومراجعات لا تقلّل من أهميتها ثرثرات تعزو القرار بسطحية مذهلة إلى رغبة أوجلان بالخروج من سجنه مقابل حل الحزب، وهي صفقة كان على الأرجح قادراً على إبرامها منذ اعتقاله عام 1999، لا عن عمر 76 عاماً، بعد 26 سنة قضاها في سجن انفرادي وسط جزيرة إمرلي.

في ذاكرة المتابع العربي حالات نادرة من حلّ أحزاب عربية نفسها، على عكس وفرة أمثلة حظرها بقرارات سلطات حاكمة. ويذكر كاتب هذه السطور ما أخبره إياه المفكر الشيوعي المصري سمير أمين عام 2008 عن كيف قررت قيادة الحزب الشيوعي المصري حلّ التنظيم عام 1965 إكراماً لجمال عبد الناصر! وشتّان ما بين تلك الإكرامية وقرار أوجلان الذي لم يكن يقتنع طيلة عقدين من كفاحه المسلح والسياسي بأقل من دولة كردية تمتد على أراضي إقامة الأكراد في سورية والعراق وإيران وتركيا. استوعب الرجل الفشل، فباشر تقديم التنازلات التي لم تجعل من ناسه يكفّرونه، ذلك أن الجمهور الكردي القومي نفسه اقتنع باستحالة إقامة دولة كردية وتعب من كلفة القضية. انتقل أوجلان من شعار الدولة الكردية إلى نظرية الكونفيدرالية الكردية التركية ــ السورية ــ الإيرانية ــ العراقية، ثم يئس فاقترح إرساء أنظمة فيدرالية في بلدان الأكراد الأربعة. فكرة بدت مستحيلة مجدداً في ظل اتفاق أنظمة البلدان المذكورة تلك ضد الأكراد وقومييهم، فنزل أوجلان طابقاً إضافياً في مبنى تصوراته السياسية ليكتفي بمطلب الإقليم الكردي المحكوم ذاتياً داخل تركيا حصراً، وهو إقليم حدد له عيد ميلاد هو 15 يوليو/ تموز 2011، وقد أحبطت السلطات التركية إبصاره النور بحملة أمنية في عاصمة أكراد العالم، دياربكر. حصل كل ذلك بعدما لم يكتفِ أكراد تركيا بما قدمته حكومة رجب طيب أردوغان لهم تحت رئاسة عبد الله غول عام 2009 باسم “خطة الانفتاح الديمقراطي”، من تلفزيون وإذاعة تركيين حكوميين باللغة الكردية (TRT 6)، وخطة لتنمية مناطق الأكراد بقيمة 12 مليار دولار من دون أن تنص لا على حل فيدرالي ولا على قانون عفو شامل ولا على حكم ذاتي للأكراد ولا حتى على توسيع حيّز اللامركزية للمحافظات الكردية في جنوب شرق الأناضول.

أمّا وقد بات القوميون الأكراد الأتراك يكتفون بمطلب مساواتهم مع بقية المواطنين في الحقوق السياسية الكاملة في دولة ديمقراطية غير طورانية، فحينها يصبح كل المعنى في تعاطي الحكومة التركية مع حدث حل الحزب نفسه وتسليم سلاحه. أمام السلطة التركية فرصة نادرة لإنصاف الأكراد سياسياً، لا ثقافياً فحسب، وإلا تكون قد حرمتنا من أن نقول إننا أخيراً رأينا في عمرنا القصير هذا قضية تُحَلّ وتخسر لحسن الحظ صفة “القضية” ويصبح ذكرها متبوعاً بصفة “السابقة”.

العربي الجديد

—————————————-

بعد حلّ حزب العمال الكردستاني… هل من “إمارة كردية” في سوريا؟/ بشير أمين

14.05.2025

إنهاء الكفاح المسلح لحزب العمال الكردستاني وبداية مسار السلام يتطلبان تنازلات وتوافقات كثيرة من جميع الأطراف. الأنظار الآن تتجه إلى الدولة التركية: كيف ستردّ على هذه الخطوة؟ هل ستفتح أبواب العمل السياسي أمام الكرد؟ هل ستعيد النظر في علاقتها مع قنديل ومع شمال شرقي سوريا؟

أعلن حزب العمال الكردستاني حلّ نفسه، منهياً مرحلة الكفاح المسلّح، بعدما “أوصل القضية الكردية إلى طريق الحل وأكمل مهمته التاريخية”. يأتي هذا الإعلان بعد مسار من التغييرات السياسية في المنطقة، تُوّج ببدء مفاوضات السلام مع الدولة التركية نهاية العام المنصرم، وصولاً إلى رسالة عبدالله أوجلان، قائد الحزب، من سجنه، التي دعا فيها إلى عقد المؤتمر وإلقاء السلاح.

وصلت ارتدادات هذا الحدث إلى سوريا، عبر توقف المعارك بين تركيا والإدارة الذاتية وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، بفضل توافقات إقليمية ودولية، من بينها الاتفاق بين أحمد الشرع ومظلوم عبدي في آذار/ مارس الماضي. ويُعد هذا الاتفاق أول وثيقة في تاريخ سوريا تشير إلى حقوق دستورية لجماعة كردية.

سمّت الوثيقة الكرد بوصفهم “مجتمعاً أصيلاً”، بينما كانت أطراف سياسية كردية تدعو إلى الاعتراف بالكرد كـ”شعب يعيش على أرضه التاريخية” وأحد الشعوب السورية الأصيلة. لكن الجدل حول هذا البند لم يُلغِ أهمية الوثيقة وسابقيّتها في تاريخ الجمهورية السورية. فما شكل الحكم في سوريا الجديدة إذا استمرت سياسة تجنب الاشتباك بين الشرع وعبدي؟ والأهم، ما شكل العلاقة الكردية – التركية في المرحلة المقبلة؟

تاريخ الإمارة الكرديّة

في رسالته الأخيرة، أشار أوجلان إلى تعايش الشعبين الكردي والتركي لأكثر من ألف عام، واصفاً إياه بعلاقة أخوّة إيجابية، شابها التوتر بفعل التمدد الغربي، والرأسمالية، والثورة الصناعية. يتضمّن هذا الخطاب إشارة إلى حقبة الإمارات الكردية تحت الحكم العثماني، حين كان الكرد يحكمون أنفسهم في إمارات “ذات حكم ذاتي”، ملتزمين بدفع الضرائب للسلطان العثماني، وإعلان الولاء له، مع الاحتفاظ بصلاحيات واسعة في الحكم المحلي.

وربما أبرز ما يتصل به الكرد السوريون من هذا التاريخ هو إمارة إبراهيم باشا الملّي، الذي عُرف بندّيته ضد العثمانيين والفرس، وبقيادته القوية، فحكم مناطق واسعة مما يُعرف اليوم بشمال سوريا وشرقها، وقاد “الجيش الملّي” المؤلّف من ائتلاف عشائري.

وفّر حكم الإمارات الكردية حماية للإرث والتراث الكردي، من لغة وعادات ونسيج اجتماعي. وبقي متمركزاً في منطقة الكثافة الكردية، مع قدرة عالية على الحوكمة المحلية من خلال الباشوات آنذاك. كما وفّر للدولة العثمانية تحالفاً يضمن لها الضرائب، وولاءً سياسياً من دون الحاجة الى التدخل المباشر في شؤونها الداخلية، فضلاً عن تشكيله سداً منيعاً أمام الدولة الصفوية في ذلك الوقت.

“الحدود الكردية” أو The Kurdish Frontier، شكّلت خط الدفاع الأول أمام التهديدات الخارجية للإمبراطورية. ويمكن قراءة هذا التحالف على أنه خيار براغماتي، فرضته وعورة المناطق الجبلية، واعتماد السلطنة على الكرد كجنود عند الحاجة.

لم تكن الإمارات الكردية استثناءً، إذ كانت السلطنة العثمانية ذات طابع لا مركزي، خصوصاً خلال القرنين الأولين من حكمها، وهو ما منحها قوة وسلطة كبيرة في إدارة المناطق. لكن مع التوسع في أوروبا والبلقان، بدأت تشتبك مع مجتمعات مختلفة في الدين والعادات، ما جعل الحكم أكثر تعقيداً، ودفعها نحو المركزية، وهو ما أدى لاحقاً إلى تقويض الولاءات المحلية وفقدان السيطرة.

حكم محلي كردي؟

قد يشكّل هذا النوع من العلاقة اليوم، نموذجاً مقبولاً كحلّ سياسي يوفّق بين مختلف الأطراف في سوريا، ولا سيما الأكراد وتركيا. لكن ليس بالطبع على شكل الإمارات التي وُجدت قبل قرون. هذا النموذج قد يُقلق قوى إقليمية أخرى كإسرائيل وبعض الأنظمة العربية، التي لا تطمئن لما تعتبره “التمدد التركي” تحت شعار “العثمانية الجديدة”. ليبقى السؤال: هل يمكن لهيمنة اقتصادية تركية على سوريا، مقابل صلاحيات واسعة في الحكم المحلي في مناطق متعددة، على غرار نموذج “إقليم كردستان العراق”، أن ترضي جميع الأطراف؟

في سوريا، يبدو أن كلاً من الشرع وعبدي يجدان مصلحة في هذا النموذج، فهو يقدّم لهما الاستقرار السياسي ويوقف النزاع، ويتيح لكلٍّ منهما التفرّغ للملفات الاجتماعية والاقتصادية. كما أن هذا الاتفاق غير المعلن يحفظ لكل طرف مناطقه، ويبقيه وكيلاً لقوى أكبر تضمن عدم التصادم بينهما.

أما بالنسبة الى تركيا، فهي تجد في توحيد التيارات السورية، بما فيها الكردية، فرصة استراتيجية لمواجهة التمدد الإيراني أو الإسرائيلي في المنطقة. هذا المشروع، على رغم كونه طموحاً وربما مفرطاً في التفاؤل بنظر البعض، إلا أنه يوفّر مساحة آمنة لجميع الأطراف في منطقة أنهكتها الحروب.

ماذا يعني حل حزب العمال الكردستاني؟

حلّ الحزب نفسه وإعلان انتهاء الكفاح المسلح، كما جاء في بياناته، يعكسان إدراكاً لتحوّلات الواقع السياسي، ومحاولة لمواكبة “حركة التاريخ”. لكن بعض المراقبين اعتبروا ذلك استسلاماً أمام صعود تركيا وقوتها بعد انكفاء النظام السوري. وقد يكون لكلَي الرأيين نصيب من الصحة. لكن الثابت أن هذه الخطوة تمثل تضحية من الحزب الأم، لولادة مشروع جديد في سوريا، ممثلاً بالإدارة الذاتية وحزب المساواة، وكذلك بديل سياسي في تركيا عبر حزب الشعوب الديمقراطي.

هذه الخطوة لا تعني نهاية الحزب، بل قد تمثل انتصاراً سياسياً شبيهاً بما حققه الجيش الجمهوري الإيرلندي IRA في اتفاق “الجمعة العظيمة” عام 1998، حين تخلّى عن السلاح من دون أن يحقق استقلال إيرلندا الشمالية، لكنه كسب تمثيلاً سياسياً واتفاقات تحفظ مصالحه.

حلّ الحزب يُسقِط الذريعة عن التدخلات العسكرية التركية في سوريا والعراق، ويقوّي الموقف الكردي في العمل السياسي السلمي. لكن يبقى التحدي داخلياً، في إقناع مقاتلي الحزب الذين أفنوا حياتهم من أجل مشروع الدولة الكردية، بجدوى هذا التحول التاريخي. لذلك طُرحت فكرة إشراف أوجلان شخصياً على عملية إلقاء السلاح وضمان حقوق المقاتلين، مقابل عودته إلى الحياة السياسية.

بداية جديدة أم اختبار صعب؟

إنهاء الكفاح المسلح وبداية مسار السلام يتطلبان تنازلات وتوافقات كثيرة من جميع الأطراف. الأنظار الآن تتجه إلى الدولة التركية: كيف ستردّ على هذه الخطوة؟ هل ستفتح أبواب العمل السياسي أمام الكرد؟ هل ستعيد النظر في علاقتها مع قنديل ومع شمال شرقي سوريا؟

على رغم هشاشته، فإن هذا الاتفاق يمكن أن يشكّل قاعدة لعلاقة أفضل بين الأكراد والأتراك، وقد ينعكس على العلاقة مع المحيط العربي أيضاً. لكنّه سيبقى رهناً بشكل الحكم في المناطق الكردية، ومدى ذاتية الإدارة التي سيُسمح لها بممارستها في إطار الدولة السورية المستقبلية.

درج

———————————

 فيدان: قسد لم تنفذ البروتوكول الموقّع مع دمشق ويجب أن تسلّم سلاحها

2025.05.15

أكد وزير الخارجية التركي هاكان فيدان أن أمن واستقرار سوريا ضرورة لا يمكن تجاهلها، محذراً من أن الهجمات الإسرائيلية تشكل تهديداً كبيراً لاستقرار البلاد.

وأضاف في مؤتمر صحفي عقده عقب مشاركته في اجتماع وزراء خارجية الناتو غير الرسمي في أنطاليا: “يجب تحقيق الاستقرار والأمن في سوريا. هجمات إسرائيل تشكل تهديداً جدياً لاستقرار سوريا. عدم استقرار سوريا لا يخدم مصلحة أي طرف. حكومة دمشق مسؤولة عن أمن جميع من يعيشون في سوريا، بمن فيهم الدروز”.

“يجب تفكيك بنية قسد العسكرية”

وفي ما يخص مستقبل “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، قال فيدان إن تركيا دعمت البروتوكول المكوّن من 8 بنود الذي تم توقيعه بين قسد والحكومة السورية.

وأضاف: “قلنا إن من حق إخوتنا الأكراد في سوريا أن يتمتعوا بجميع الحقوق في إطار مبدأ المواطنة الدستورية المتساوية. يجب تفكيك الهياكل العسكرية لـ YPG. ويجب عليهم تسليم كل شيء للجيش السوري”.

وأكد أن “YPG لم تقم بالخطوات المطلوبة”، مضيفاً: “حتى الآن، لم تُتخذ أي خطوة من طرف YPG، وننتظر تنفيذ هذه الخطوات”.

تركيا تطالب برفع العقوبات الأميركية عن سوريا

وعن الموقف الأميركي من العقوبات المفروضة على سوريا، أشار فيدان إلى أن هذه القضية طُرحت في محادثات بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الأميركي السابق دونالد ترامب.

وقال: “أنتم على علم بجهودنا بخصوص الملف السوري. موضوع رفع العقوبات عن سوريا طُرح أيضاً على أعلى المستويات. وقد أوضح السيد روبيو ذلك اليوم. الرئيس أردوغان نقل إلى الرئيس ترامب خلال لقاءاتهما طلب رفع العقوبات عن سوريا، وقال ترامب إن هذا الطلب من الرئيس أردوغان كان له تأثير في قراره”.

وختم فيدان بالإشارة إلى أن “هناك العديد من المسائل التي يجب متابعتها في سوريا، وسنتناول في اجتماعاتنا المقبلة كيفية تنفيذ القرارات التي اتخذها القادة أمس من حيث المبدأ”.

————————————

حل “حزب العمال الكردستاني” لنفسه وآثاره على سوريا/ فراس فحام

2025.05.15

في 12 أيار/ مايو الجاري خرج إلى العلن القرار الذي تمت حياكته في الكواليس الكردي على مدار الشهور الماضية، والمتمثل بإعلان حزب العمال الكردستاني التاريخي بحل نفسه، الأمر الذي يطرح التساؤلات حول هذا القرار على الملف السوري نظراً للتداخل بين كوادر الحزب وتنظيم قسد الذي يمتلك مناطق نفوذ شمال شرقي سوريا.

سياقات الإعلان

لم يكن الإعلان مفاجئاً، فهو أتى بعد أشهر من الكلمة التي ألقاها زعيم الحزب المؤسس عبد الله أوجلان، ودعا فيها الحزب إلى إلقاء السلاح بسبب تغير المعطيات والظروف التي دعت إلى العمل المسلح.

الموقف الذي اتخذه أوجلان هو استجابة لجهود التحالف الحاكم في تركيا، الذي أطلق مطلع عام 2025 مبادرة العفو عن أوجلان مقابل إعلانه التخلي عن العمل المسلح، كما رشحت تسريبات تشير إلى وجود مباحثات بين حزب المساواة وديمقراطية الشعوب الكردي التركي، وتوافقات أولوية على تعديل الدستور التركي بما يضمن الاعتراف بالتنوع الثقافي والعرقي في البلاد، حيث يرغب التحالف الحاكم بالمزيد من إدماج المكون الكردي في الدولة التركية، مستفيداً من المتغيرات الإقليمية.

من أبرز المتغيرات الإقليمية التي ساعدت في إعلان العمال الكردستاني لحل نفسه تراجع النفوذ الإيراني الكبير، حيث وفرت طهران لسنوات الدعم المالي والعسكري المباشر وغير المباشر للحزب في العراق، سواء عبر تمويل بعض فصائله من خلال منظمة الحشد الشعبي مثل وحدات حماية سنجار، أو تقديم الدعم العسكري مثل الطائرات المسيرة البسيطة للحزب المتمركز في جبال قنديل وكارة، واستفادت طهران من الهوامش التي كانت تمتلكها في المنطقة زمن الإدارات الأميركية الديمقراطية، لكن نفوذ إيران تراجع كثيراً بعد تقويض سيطرة حزب الله في لبنان، وسقوط بشار الأسد في سوريا، وفي ظل الضغوطات التي يمارسها الرئيس الأميركي ترامب لفصل العراق عن نفوذ إيران.

ومنذ أواخر عام 2024 وسعت تركيا من عملياتها العسكرية شمالي العراق لتتجاوز عمق 35 كيلومتراً، كما نفذت عمليات أمنية ضد قيادات عسكرية والبنية التحتية للحزب، الأمر الذي أدى لإضعافه لحد كبير، وسط تغاضٍ أميركي عن هذه العمليات، في ظل رغبة ترامب بتوقيع اتفاق نووي بشروط جديدة مع طهران، لكن مع ضمان تفكيك أذرعها في المنطقة، التي لم يتبق منها بعد ضعف حزب الله اللبناني سوى الحشد الشعبي الذي يطالبه بحله، وحزب العمال الكردستاني الذي يقدم خدمات بالوكالة لطهران.

الانعكاسات المنتظرة على الملف السوري

يتصف تنظيم قسد بوجود تيارات متباينة فيه، منها مرتبط بحزب العمال الكردستاني وإيران مثل تنظيم شبيبة الثورة، بالإضافة إلى شخصيات سياسية تنشط ضمن مجلس سوريا الديمقراطية، وتيار يقوده مظلوم عبدي استفاد من الوجود الأميركي في سوريا وتقارب مع واشنطن.

وفقاً للمعلومات فإن ترتيبات إعلان العمال الكردستاني لحل نفسه ستشمل مغادرة كوادره لسوريا، وهذا يعني فتح المجال أمام المزيد من إدماج قسد ضمن أجهزة الدولة السورية، مقابل تثبيت حقوق المكون الكردي في دستور سوريا المقبل.

واستطاع التيار المحسوب على حزب العمال الكردستاني طيلة الأشهر الماضية تعطيل تنفيذ التفاهمات التي تم التوافق عليها بين الحكومة السورية وقائد قسد، ومن ضمنها تفعيل مؤسسات الدولة شمال شرقي سوريا، واستلام الحكومة لحقول وآبار النفط.

من المتوقع أيضاً أن تتراجع قسد عن المطالب المتعلق بالفيدرالية، وتتمسك بنظام الحكم اللامركزية، نظراً لقناعتها بعدم إمكانية تحقيق مطلب الفيدرالية نتيجة تغير الظروف الدولية والإقليمية مع تفكيك الاتصال بين سوريا والعراق عبر حل العمال الكردستاني، واستمرار الانسحاب الأميركي من سوريا، ولذا ستركز قسد على النضال ضمن إطار سوريا للحصول على مكتسبات للمكون الكردي.

بحسب المعلومات التي رشحت من أوساط قسد، يتم التجهيز حالياً لإدماج قوات الأسايش التابعة لها ضمن الأمن العام السوري، بالإضافة إلى نقاش كيفية إدماج القوات العسكرية ضمن القوات الحكومية.

إذاً، سيساهم قرار حل حزب العمال الكردستاني في دفع قسد إلى المزيد من الانخراط ضمن الحل السوري، وبالتالي تقليص حجم التوتر الداخلي في سوريا، بالإضافة إلى تراجع فرص الحل العسكري التركي طالما أن الأمور تسير باتجاه نجاح الحوار بين دمشق وقسد وفقاً للمعطيات الجديدة.

تلفزيون سوريا

—————————————

حزب العمال الكردستاني”: قصة موت مُعلن”!/ ريزان حدو

15/5/2025

أُعلن حل “حزب العمال الكردستاني” رسميًّا، في خطوة كانت متوقعة لا سيما بعد رسالة أوجلان التاريخية. فهل نحن أمام مجرد مشهد أريد له أن يكون نهاية الفصل الثاني من حكاية الحزب؟

في نيسان/أبريل 2004 وإثر انتفاضة الكرد ردًّا على العنف الذي مارسته السلطة السورية بحقهم، التقيت في مدينة عفرين بصحفيين من اليابان، ودار بيننا حوار طويل، لا تزال كثير من تفاصيله عالقة في ذهني، وعلى وجه الخصوص الحديث عن “الشرق الأوسط الجديد” وهدفه غير المعلن: استقرار يوفر بيئة آمنة مستدامة لطرق التجارة، وأنابيب نقل البترول والغاز، والمياه ومصادرها .وأهم عوامل “تحقيق الاستقرار المنشود” هندسة المنطقة ديموغرافيًّا، وأيديولوجيًّا، ولا سيّما، إضعاف والسعي إلى القضاء على المنظمات الأيديولوجية العابرة للحدود.

للمصادفة استعرضنا وقتها مثالين أساسيين: “حزب العمال الكردستاني”، بأيديولوجيته التي هي مزيج من ماركسية متطرفة وهي الجوهر، وشعارات قومية كردية وهي المظهر. أما المثال الثاني فـ”حزب الله” اللبناني، بأيديولوجيته الدينيّة – الشيعية، وولاية الفقيه.

أركز في هذه المقالة على حالة “حزب العمال الكردستاني” بطريقة رياضية (الفرضية ثم العمل على برهان صحتها)، انطلاقًا من فرضية أن “الشرق الأوسط الجديد” يقتضي خلو المنطقة من المنظمات الـ”فوق دولتية”.

مسارٌ قديم

خلافًا لما قد يتبادر إلى الذهن، لا يبدو قرار قادة “حزب العمال الكردستاني” المُعلن عنه أخيرًا بحل الحزب أمرًا مستغربًا. هي خطوة ربما تأخر الإعلان عنها. فـ”العمّال الكردستاني” كما عرفه المتابعون، وكما عرّف هو عن نفسه عند تأسيسه عام 1978، لم يعد موجودًا منذ سنوات طويلة، ومسار “الحل” أو “التفكيك” ربما بدأ منذ عقود، وعلى وجه التحديد بُعيد الغزو العراقي للكويت، وما تبعه من ارتدادات أهمها “مؤتمر مدريد للسلام”، ولاحقًا “اتفاق أوسلو” الذي كان أشبه بإعلان انتهاء حقبة الكفاح الفلسطيني المسلح بشكله “الكلاسيكي” الذي اشتهر به في سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين، وبرموزه التاريخية (“فتح”، “الجبهة الشعبية”، إلخ …).

بالتزامن مع كل ذلك، بدأت عملية التمهيد لإنهاء ملف “حزب العمال الكردستاني”. فبينما كان الكرد ينتظرون تحقيق الشعارات والوعود التي أطلقها قادة حزب “العمال”، ومنها: “مطلع التسعينيات سيكون موعد تحرير كردستان الشمالية وولادة دولة كردستان”، فوجئ الكرد بأن محادثات سلام تجري بين الزعيم التاريخي لحزب “العمال” عبد الله أوجلان، والرئيس التركي وقتئذ تورغوت أوزال، بوساطة من زعيم حزب “الاتحاد الوطني الكردستاني” جلال الطالباني، ومما تسرب عن المفاوضات حينها أن أقصى ما قد يحصل عليه الكرد في تركيا نوع من الحكم الذاتي.

وصلت تلك المفاوضات إلى مراحل متقدمة، قبل أن تفرملها الوفاة المفاجئة والغامضة للرئيس التركي، والتي فسّرها البعض ومنهم نجل أوزال نفسه بأنها “ليست وفاة طبيعية إنما عملية اغتيال جاءت ترجمة لقرار الدولة العميقة في تركيا المعترضة على توجهات أوزال”.

في المقابل، فإن جناحًا في حزب العمال كان قد لاقى موقف الدولة العميقة التركية، بموقف مشابه معاكس في الاتجاه، وترجم موقفه بعمليات عسكرية عديدة في خطوة تصعيدية. لم تحقق تلك المفاوضات أي مكسب لحزب العمال، بل على العكس وضعت قادة الحزب بمواجهة أول استحقاق صعب أمام مناصريهم الباحثين عن تفسير يشرح لهم أين شعار “دولة كردستان قادمة”، وجلّ ما فاوضوا عليه نوع من الحكم الذاتي؟!

“سبعة أيام مع آبو”

بالتزامن مع المفاوضات بين أوجلان وأوزال، أطلق “حزب العمال” ورشة مهمتها التحضير لعقد مؤتمر كردستاني يشمل كل أجزاء كردستان (في إيران، والعراق، وتركيا، وسوريا)، لكن سُربت معلومات عن نية الحزب تغييب كرد سوريا، ما أثار وقتذاك امتعاض قيادات كردية سورية.

وبرغم محاولة قادة “العمال” تفسير ذلك بأنه “مجرد تكتيك لمسايرة دمشق المحتضنة لقادة الحزب وعلى رأسهم أوجلان”، فإن عقد المؤتمر وتغييب كرد سوريا ترك جرحًا في وجدان الكرد السوريين الذين يُعتبرون الداعم الأكبر للحزب. زاد تقيّح الجرح مع حديث أوجلان في كتاب “سبعة أيام مع آبو” للكاتب السوري نبيل الملحم. إذ  نفى أوجلان (المعروف بلقب “آبو”) وجود قضية كردية في سوريا، لا من حيث الجغرافيا ولا من حيث الشعب. وقال إن الكرد السوريين “مجرد مهاجرين من شمال كردستان ـــ أي تركيا ـــ باتجاه الجنوب، أي سوريا”، وأنه سيعمل على تصحيح ما جرى عبر إطلاق حملة معاكسة من الجنوب باتجاه الشمال .

أيضًا حاول قادة “العمال” التقليل من أهمية ذلك الحديث، تارة عبر نفيه جملة وتفصيلًا، وتارة بزعم أنه مجرد ترجمة خاطئة، وحينًا على أنه “تكتيك سياسي يراعي به حزب العمال دمشق”. لكن النتيجة أن نسبة غير قليلة من حاضنة “العمّال” في سوريا صارت تنظر إلى حزبها من منظار جديد، وبدا الأمر أشبه بتهيئة الظروف للمرحلة الثانية: مرحلة ما بعد اعتقال أوجلان. فمع توتر الأوضاع بين دمشق وأنقرة، إلى حد احتمال المواجهة العسكرية المباشرة، رضخت دمشق لطلبات أنقرة، ووقعتا اتفاقية أضنة 1998، ثم طلبت من أوجلان مغادرة الأراضي السورية، ولاحقًا اعتُقل في العاصمة الكينية نيروبي في شباط/فبراير 1999 وسُلّم إلى أنقرة.

ما بعد اعتقال أوجلان

بدت لغة أوجلان أثناء محاكمته غير مألوفة ولا مفهومة بالنسبة لقسم من مناصريه، وقسم من قادة “حزب العمال”، وتوقف كثر عند تفاصيل مثل اعتذاره من أمهات الضحايا الأتراك الذي سقطوا إثر حرب حزبه ضد أنقرة، وتأكيد حرصه على وحدة تركية وسيادتها وازدهارها ورفض أي مشاريع تمس بأمنها، ثم التأكيد على أنه الوحيد القادر على إيقاف هذه الحرب واستعداده لوضع كل إمكاناته في سبيل إحلال السلام وازدهار وقوة الوطن، وطلبه من “حزب العمال” إعلان هدنة يتبعها إلقاء للسلاح، ومن ثم الانخراط في عملية تفاوضية مع أنقرة.

أدت تلك التصريحات إلى تضارب في الآراء بين قادة “العمال”، فقسم أكد ضرورة التزام تعليمات القائد، وذهب البعض أبعد من ذلك فاقترح القيام بمبادرة تهدف لتحرير أوجلان مقابل تسليم عشرات من قادة الصف الأول والثاني أنفسهم لأنقرة افتداء لزعيمهم، فضلًا عن إلقاء السلاح ووقف العمليات العسكرية. فيما رأى آخرون ضرورة اختيار زعيم جديد، والالتزام بالنظام الداخلي للحزب والاكتفاء باعتبار أوجلان مجرد رمز تاريخي للحزب، وعدم الالتزام بكل ما يصدر عنه طالما أنه معتقل، ومنهم من وجد في اعتقال أوجلان فرصة لإزاحة كامل الحرس القديم من قادة “العمال”.

كل هذا، علاوة على تدخلات مخابراتية إقليمية، وحملة عسكرية عنيفة شنها “حزب الاتحاد الوطني الكردستاني” من معقله في مدينة السليمانية ــــ إقليم كردستان العراق، ضد مواقع “حزب العمال” على الحدود العراقية الإيرانية، أدى إلى سلسلة انشقاقات بدأت فردية بهروب عناصر من “العمال” وتخليهم عن الحزب، ثم تطورت إلى انشقاقات جماعية كانشقاق جماعة القيادي كمال شاهين (من كرد سوريا واغتيل بعد فترة وجيزة من انشقاقه) وتأسيسه “حزب الوفاق” المعادي لـ”حزب العمال”، وأيضًا انشقاق الشقيق الأصغر لأوجلان القيادي عثمان أوجلان.

شبّاك على واشنطن

بينما كانت أوضاع “حزب العمال” تسوء رويدًا رويدًا، أسهم الموقف التركي الرافض للتعاون مع واشنطن في غزو العراق في فتح قنوات تواصل غير مباشرة بين واشنطن وقيادة “العمال”، ما انعكس انفراجة كبيرة في أوضاع الحزب، ناهيك عن قنوات الاتصال التي تعززت في الوقت ذاته بين قيادة “العمال” وطهران.

كان فتح القنوات بين واشنطن و”حزب العمال” أشبه ببدء الأخير تخليه عن أيديولوجيته التي قام عليها: الماركسية المعادية للرأسمالية والإمبريالية. في تلك المرحلة أعلن “العمال” عن “تأسيس أحزاب خاصة بكل جزء من كردستان”، أي أحزاب تلتزم بالحدود الوطنية، وكان من نتائج ذلك تأسيس “حزب الاتحاد الديمقراطي” في سوريا (PYD).

بوّابة “داعش”

بعد اندلاع الحراك الشعبي في سوريا، ثم تحوله إلى نزاع مسلّح وصعود نجم تنظيم “داعش”، تغيرت معطيات كثيرة على الأرض. في أيلول / سبتمبر 2014، انطلق تحرك تعجز نظريات الاستراتيجية العسكرية والسياسية عن تفسيره، فقرر “داعش” الذهاب شمالًا باتجاه كوباني (عين العرب)، بدل التوجه جنوبًا باتجاه دمشق.

عزّزت غرابة التحرك أن التنظيم لم يكن بحاجة إلى منفذ على الحدود السورية ـــ التركية، إذ كان وقتئذ مسيطرًا على مناطق حدودية عديدة مثل تل أبيض، ومنبج، وجرابلس. جاء ذلك عقب تحرك لا يقل غرابة في العراق، فبعد سيطرته على الموصل وعلى مناطق عديدة وسط وغرب العراق، باتت الطريق إلى بغداد سالكة أمام التنظيم المتطرف، لكنه فضّل التوجّه شمالًا نحو إقليم كردستان (معركة شمال العراق ـــ آب/أغسطس 2014).

كاد “داعش” يسيطر على مدينة كوباني في سوريا، وباتت أربيل عاصمة إقليم كردستان على مرمى حجر من عناصره، وهنا تدخلت واشنطن وأعلنت تشكيل تحالف لـ”محاربة إرهاب تنظيم الدولة”، وصار الكرد جزءًا أساسيًّا من هذا التحالف، وشارك “حزب العمال الكردستاني” بشكل مباشر في العراق، أما في سوريا فقدِم المئات من عناصر “حزب العمال” للقتال في كوباني تحت راية “وحدات حماية الشعب”.

“وداعًا للسلاح”

كان التحالف بين جبال قنديل وواشنطن بمثابة إعلان “حزب العمال” عن تخليه بشكل علني ورسمي عن أيديولوجيته الماركسية. وفي تشرين الأول/أكتوبر، أُعلن تأسيس “قوات سوريا الديمقراطية” في سوريا، ويمكن الانتباه بسهولة إلى أن التسمية مهّدت لانتقال مناصري وأعضاء “حزب العمال الكردستاني” (من الكرد السوريين) من تنظيم أيديولوجي ــــ يساري ــــ قومي ــــ فوق دولتي ــــ عابر للحدود الوطنية، إلى تنظيم وطني سوري حليف للغرب الرأسمالي.

أخيرًا، وقبل يومين، أُعلن حل “حزب العمال الكردستاني” رسميًّا، في خطوة كانت متوقعة لا سيما بعد رسالة أوجلان التاريخية في شباط/فبراير الماضي. فهل “نهاية الحكاية”؟ أم مجرد مشهد أريد له أن يكون نهاية الفصل الثاني، على أن تكون نهايةً مفتوحة فاسحة المجال أمام قدرتنا على الاستقراء وشغفنا في توقع أحداث الفصل الثالث؟ الواضح أن ثمة حالة قلق وتوجس في الشارع الكردي، فالكرد يحفظون جيدًا مقولة “ما يكسبه الكردي في المعارك، يخسره على طاولة المفاوضات”.

موقع أوان

————————————

ماذا يعني حل “حزب العمال الكردستاني” في تركيا؟/ علي أسمر

2025.05.16

كل شيء بدأ من هنا 1 أكتوبر 2024، في هذا التاريخ، خلال افتتاح الدورة التشريعية الجديدة للبرلمان التركي، صافح زعيم حزب الحركة القومية دولت بهتشلي نواب حزب “ديم” (DEM) الكردي لأول مرة في تاريخه السياسي، لم تكن هذه المصافحة مجرد لقطة بروتوكولية، بل كانت لحظة مفصلية في تاريخ الجمهورية التركية الحديث، إيذانًا ببداية مسار جديد، عنوانه: “تركيا بلا إرهاب”.

من يظن أن ما جرى كان خطوة داخلية بحتة يُغفل العمق الجيوسياسي لهذه التحولات، المصافحة الرمزية لم تكن فقط تصالحًا داخليًا، بل جزءًا من تحولات إقليمية فرضت على أنقرة إعادة رسم أولوياتها الأمنية والسياسية، فبعد أحداث 7 أكتوبر، دخل الإقليم في مرحلة صراعات غير مسبوقة، سقط النظام السوري، وظهرت خارطة تحالفات جديدة تتحدث عن شرق أوسط يعاد تشكيله عبر المكونات العرقية والطائفية.

في هذا السياق، أدركت أنقرة أن استمرار الجمود مع النظام السوري السابق، وتفاقم دور التنظيمات الكردية المسلحة في شمالي سوريا والعراق، بات يمثل تهديدًا لا يُحتمل، المشروع الكردي الانفصالي لم يعد مجرّد ورقة أمنية، بل تحوّل إلى أداة جيوسياسية يستخدمها خصوم تركيا لإرباك أمنها الداخلي واستنزاف مقدراتها.

وهكذا، جاء الرد التركي من أعلى المستويات، مصافحة بهتشلي لممثلي حزب “ديم” لم تكن نهاية لمرحلة الصراع، بل بداية لمشروع متكامل يعيد تعريف العلاقة بين الدولة والمجتمع الكردي، وهو مشروع لم يُصنع في أروقة الأحزاب، بل في مطابخ القرار الاستراتيجي للدولة التركية التي قررت أن تُنهي هذا الصراع بشروطها، قبل أن يُفرَض عليها من الخارج.

في تقديري، فإن تركيا من دون إرهاب تعني أولًا استعادة السيطرة الكاملة على مستقبلها السياسي والاقتصادي، لأربعة عقود، استنزف الصراع مع الإرهاب الانفصالي مئات المليارات من الدولارات، لا يتعلق الأمر فقط بالإنفاق العسكري، بل بخسائر مضاعفة في الاستثمار، والسياحة، والبنية التحتية، والتنمية في جنوب شرقي البلاد، الآلاف من القرى هجرت، آلاف المدارس أُغلقت أو تعطلت، ومئات الآلاف من الشباب ضاعت فرصهم في مناطقهم بسبب غياب الأمن.

إن توقف هذا النزيف، في رأيي، يعني تحرير إمكانات الدولة والمجتمع نحو البناء، والأموال التي كانت تُصرف على حملات التمشيط، والطائرات المسيرة، والتعويضات، يمكن أن تتحول إلى مدارس ومستشفيات وشبكات مواصلات وفرص عمل، كما أن توقف العمليات الإرهابية يفتح الباب أمام عودة الثقة إلى المناطق التي عانت طويلًا من العنف، فتنتعش الحياة، وتُبعث التجارة، ويُعاد وصل شرق البلاد بغربها اقتصاديًا واجتماعيًا.

أعتقد كذلك أن تركيا من دون إرهاب تعني نزع السلاح من السياسة، لعقود، كانت بعض القوى المحلية والخارجية تلوّح بالورقة الكردية كلما أرادت الضغط على أنقرة، أما اليوم، فحين يتم تفكيك البنية المسلحة لحزب العمال الكردستاني، وتُدمج القوى المحلية في مشروع وطني جامع، تنكسر واحدة من أقوى أدوات الابتزاز السياسي التي استُخدمت ضد الدولة التركية.

لكن قبل الحديث عن الخطوات المقبلة، لا بد من التأكيد أن القسم النظري قد تم، والآن نحن بانتظار القسم العملي من هذه المرحلة، فترك السلاح خطوة ضرورية لكنها غير كافية، إذ يجب أن يتبعها تفكيك حقيقي للخلايا الاستخبارية والتجارية والمالية المرتبطة بالتنظيم، حتى لا يُعاد تدوير شبكاته بأشكال أخرى، بل إن الخطوة المقبلة قد تكون أكبر، إطلاق مشاريع تنموية عابرة للحدود، مثل “طريق التنمية” الذي يربط تركيا بالعراق والخليج، مشاريع كهذه تحتاج إلى بيئة آمنة، وشراكات موثوقة، وسياسات خالية من الألغام الأمنية، وتركيا، حين تتحرر من كابوس الإرهاب، تكون مؤهلة لقيادة هذا التحول الإقليمي.

على الصعيد الإقليمي، أرى أن إنهاء الإرهاب يفتح الباب أمام ترتيبات جديدة في سوريا والعراق، من الممكن أن تُعاد هيكلة قوات “قسد” لتكون جزءًا من الجيش الوطني السوري، ضمن توافقات برعاية إقليمية، تقطع الطريق على مشاريع التقسيم، وتُنهي زمن الميليشيات، وبهذا، تتحول تركيا من دولة تدفع ثمن الفوضى على حدودها، إلى دولة ترسم مستقبل الاستقرار في المنطقة.

بالاضافة إلى أن تركيا من دون إرهاب ستنعكس بشكل مباشر على مستقبل سوريا الجديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع، فمع تراجع التهديدات الأمنية على حدودها، يمكن لتركيا أن تنخرط في دعم إعادة الإعمار واستقرار الدولة السورية الوليدة بعيدًا عن منطق المحاور والصراعات، كما أن تفكيك الشبكات المسلحة العابرة للحدود يفتح الطريق أمام تعاون أمني جديد بين أنقرة ودمشق الجديدة، قائم على المصالح المشتركة، ومحاربة التهريب والإرهاب، ودعم المؤسسات الوطنية، وفي تقديري، فإن “تركيا بلا إرهاب” ليست مجرد أمنية

رومانسية أو شعار انتخابي، إنها مشروع دولة ناضجة، قررت أن تخرج من نفق الصراعات الطويلة، وأن تكتب مستقبلها بيدها، وتمامًا كما دخلت مرحلة الصراع بإرادة سياسية، تخرج منه اليوم بإرادة أعظم، وبحكمة تقودها نحو مستقبل أكثر وحدة، أكثر رخاءً، وأكثر تأثيرًا في محيطها.

ولا يمكن إغفال الأثر الإيجابي لهذا التحول على النسيج الوطني التركي، فالإرهاب كان دائمًا عامل استقطاب وتفكك في المجتمع، يغذي الانقسام ويضعف الثقة بين المكونات، لكن في مناخ خالٍ من التهديدات المسلحة، يمكن أن تزدهر القيم المدنية، وتتعمق مفاهيم المواطنة، وتُبنى جسور الثقة بين الدولة والمواطن، خصوصًا في المناطق التي ظلت لعقود مهمشة أو خائفة.

وباعتقادي، فإن إنهاء الإرهاب لا يعني فقط إسكات صوت البندقية، بل يعني إطلاق العنان لعهد جديد من الاستقرار السياسي، والازدهار الاقتصادي، والتكامل الاجتماعي، وهذا هو جوهر التحول الحقيقي، أن تشعر كل أسرة تركية أن أبناءها سيكون لهم مستقبل في وطن موحد، آمن، ومزدهر.

تركيا اليوم تودع زمن الحرب وتدخل زمن البناء، وما كان يُعتبر حلمًا مستحيلًا بات مسارًا واقعيًا، تصنعه الإرادة وتدعمه الجغرافيا، ويعززه الوعي بأن عصر العنف قد انتهى، وأن تركيا الجديدة تبدأ الآن، وباعتقادي، فإن نجاح هذا التحول لن يكون لصالح تركيا فقط، بل سيكون بداية لتغيير أوسع في الشرق الأوسط، حيث تنتصر المشاريع الوطنية على الفوضى، وتتفوق التنمية على الميليشيات، وتعود الدولة لتكون المظلة الجامعة لكل شعوبها ومكوناتها.

تلفزيون سوريا

—————————–

 “فرصة لحوار بناء”.. عبدي يرحب بلقاء الشرع مع ترمب ورفع العقوبات عن سوريا

2025.05.15

رحّب زعيم “قوات سوريا الديمقراطية – قسد”، مظلوم عبدي، باللقاء الذي جمع الرئيس الأميركي دونالد ترمب، بالرئيس السوري، أحمد الشرع، في العاصمة السعودية الرياض، بحضور ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، والذي أعلن فيه ترمب عزمه رفع العقوبات المفروضة على سوريا.

ووصف عبدي، في تصريح لموقع “نورث برس” المحلي، اليوم الخميس، اللقاءات الأخيرة، بما فيها تلك المقررة اليوم في تركيا، بأنها “فرصة مهمة تمهد الطريق أمام مرحلة جديدة من الحوار البنّاء، بما يخدم إعادة الاستقرار والسلام إلى سوريا”.

اقرأ أيضاً

القوات الأميركية في شمال شرقي سوريا وهي تستعد للخروج في دورية في المنطقة – المصدر: فوربس

“قسد” تعزز مواقعها في حقلي العمر وكونيكو عقب انسحابات لقوات التحالف الدولي

وأكد عبدي على أهمية الشراكات الدولية والإقليمية، وقال: “نؤمن بأن الشراكات الإقليمية والدولية تمثل ركيزة أساسية لضمان مستقبل مستقر وآمن لجميع السوريين، ونعرب عن استعدادنا للتعاون مع جميع الأطراف على هذا الأساس”.

كما رحّب عبدي بقرار ترمب إنهاء العقوبات المفروضة على سوريا، مشيراً إلى أن “ذلك يخفف من معاناة الشعب السوري التي استمرت لأكثر من أربعة عشر عاماً”، ومشدداً على ضرورة فتح الطريق أمام مرحلة جديدة من التعافي الاقتصادي وإعادة الإعمار تشمل جميع أنحاء البلاد، وخاصة شمال شرقي سوريا.

وأشاد عبدي بالجهود الدولية والإقليمية التي أسهمت في التوصل إلى إنهاء العقوبات، معتبرًا إياها خطوة إيجابية نحو الاستقرار.

وفي ختام تصريحه، جدد مظلوم عبدي التزام “قسد” بالاتفاق الموقع مع الحكومة السورية في 10 آذار.

ترمب يعلن رفع العقوبات عن سوريا

ومساء الثلاثاء، أعلن الرئيس الأميركي عزمه رفع العقوبات المفروضة على سوريا، مؤكداً أن الهدف من هذه الخطوة هو منح سوريا فرصة لتحقيق مزيد من التقدم والازدهار.

وخلال كلمة ألقاها في منتدى الاستثمار السعودي الأميركي، قال ترمب إن سوريا “عانت من بؤس شديد وموت كبير وحروب طويلة وعمليات قتل امتدت لسنوات”، معرباً عن أمله في أن تنجح الإدارة الحالية في إحلال الاستقرار والحفاظ على السلام في البلاد.

وأشار الرئيس الأميركي إلى أن إدارته اتخذت الخطوة الأولى نحو تطبيع العلاقات بين الولايات المتحدة وسوريا، مضيفاً أن وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، سيلتقي نظيره السوري، أسعد الشيباني، في تركيا خلال وقت لاحق من هذا الأسبوع، في إطار الخطوات الدبلوماسية الجارية بين الجانبين.

اجتماع رباعي في الرياض بشأن سوريا

وأمس الأربعاء، عقد الرئيس السوري، أحمد الشرع، اجتماعاً مع نظيره الأميركي في العاصمة السعودية الرياض، بحضور ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، بينما شارك الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان عبر تقنية الاتصال المرئي.

وقالت وزارة الخارجية والمغتربين السورية إن القادة شددوا على ضرورة رفع العقوبات المفروضة على سوريا، ودعم مسار التعافي وإعادة الإعمار.

وأوضح البيان أن الأمير محمد بن سلمان أكد على ضرورة هذه الخطوة لتحقيق الاستقرار في المنطقة، بينما شدد الرئيس ترمب على التزام بلاده بالوقوف إلى جانب سوريا في هذه المرحلة المفصلية، في حين عبر الرئيس الشرع عن امتنانه للدعم الإقليمي والدولي، مشدداً على مضي سوريا بثقة نحو المستقبل.

وتناول اللقاء أيضاً سبل الشراكة السورية – الأميركية في مجال مكافحة الإرهاب، والتعاون في القضاء على تأثير الفاعلين من غير الدول، والمجموعات المسلحة غير السورية التي تعيق الاستقرار، بما في ذلك تنظيم “داعش” والتهديدات الأخرى، وفقاً للبيان.

—————————

العرب والكرد في شمال شرقي سوريا: من ماضي التهميش إلى مستقبل الشراكة/ هيلين علي

16 مايو 2025

أحمد وآزاد فلاحان من قريتين متجاورتين، أحدهما عربي والآخر كردي، يجلسان في سوق ترابي صغير على أطراف مدينة القامشلي، يتبادلان أكواب الشاي وأخبار الموسم الزراعي. يمازح أحدهما الآخر حول أسعار السماد، ويقترح عليه طريقة أرخص لري الأرض. هذا المشهد الذي يبدو اعتياديًا، يروي في تفاصيله اليومية قصة منطقة أنهكها التهميش لعقود، ثم مزقتها الحرب، لكنها لا تزال تُمسك بخيوط من التفاهم الإنساني، رغم الاستقطاب السياسي وتعدد الرايات.

في شمال شرقي سوريا، حيث تتقاطع الجغرافيا مع الهويات، يتقاسم العرب والكرد ــ إلى جانب السريان والأرمن ــ أرضًا مثقلة بالإقصاء والتنمية المتأخرة. ملامح التعايش والتعاون بقيت حاضرة في تفاصيل الحياة اليومية، ولو بخفوت.

لكن هذا التعايش لا يُمكن النظر إليه كحالة مثالية. فهو محكوم بصراعات النفوذ، وموروثات سياسية، وأسئلة معقدة حول الهوية والسيادة.

التعايش اليومي في ظل التجاذب السياسي

رغم تعدد الآراء بشأن الوضع الإداري القائم، يُجمع معظم سكان المدن المختلطة مثل الحسكة والقامشلي والدرباسية على أن العلاقات اليومية بين الناس تتسم بالاستقرار النسبي والتعاون، بعيدًا عن التجاذبات الإعلامية والسياسية.

في ريف الحسكة، يتحدث أحمد، فلاح عربي، عن تجربة طارئة واجهها عندما مرض والده، فيقول: “أول من ساعدني كان جاري الكردي، عائلاتنا تتشارك كل شيء منذ عقود ولم نسأل بعضنا يومًا عن السياسة والقومية”.

أما آزاد، المزارع الكردي من قرية قريبة، فيستعيد أيام جائحة كورونا حين كانت المؤن شحيحة، ويقول: “في تلك الفترة، كانت المؤن نادرة. كنا نخبز من الطحين الذي جاؤوا به إلينا، وهم يأخذون من الخضروات التي زرعناها بأيدينا. في وقت الحاجة والخوف من المرض، لم يكن هناك فرق بين كردي وعربي؛ كان هناك مصير واحد، وهمّ مشترك، وكنا نحاول أن نكمل الحياة معًا”.

التعليم واللغة… جسور تبنيها الأجيال الجديدة

في مناطق شمال شرقي سوريا، تعتمد المدارس التابعة للإدارة الذاتية نظامًا تعليميًا متعدد اللغات، حيث يدرس الطلاب العرب والكرد والسريان بلغاتهم الأم، كلٌّ في صفوف مخصصة ضمن المدرسة ذاتها. ورغم ما أثاره هذا التوجه من نقاشات على المستويين السياسي والاجتماعي، إلا أنه ساهم في إيجاد بيئة تعليمية يتقاسم فيها الأطفال اليوميّات ذاتها، ويتشاركون المساحات العامة كالساحات والمرافق.

تقول سارة، طالبة عربية في المرحلة الإعدادية: “صرت أفهم قليل من الكلمات الكردية من زميلاتي، وأحيانًا نغني معًا في الباحة ونتبادل المعلومات.. ما عدنا نحس أنه يوجد فرق كبير بيننا”.

أما جوانا، طالبة كردية في الصف نفسه، فتوضح أن اللغة لم تكن عائقًا في علاقتها بزميلاتها: “إذا لم أفهم شيء بالعربي، تساعدني سارة، وإذا هي ما فهمت بالكردي، أشرح لها. المدرسة جعلتنا نعرف بعضنا ونتقارب أكتر”.

 تهميش مشترك.. ذاكرة ظلت حية

رغم اختلاف الهويات، يتفق معظم سكان شمال شرقي سوريا على أن المنطقة لطالما كانت خارج دائرة التنمية. النفط كان يُستخرج من تحت أقدامهم، لكنه يُنقل إلى مدن أخرى، فيما ظلت القرى دون ماء ولا مدارس كافية.

أبو سليمان، مزارع عربي من جنوب القامشلي، يقول: “لدينا أرض مليانة خير، بس ما حدا سأل عنّا. لا مي، لا كهربا، لا حتى دعم زراعي. الدولة كانت تتعامل معنا كأننا بلا صوت”.

خولة، سيدة كردية تعيش في حي قديم من القامشلي، تروي رحلتها الأسبوعية إلى مستوصف متهالك لعلاج ابنها المصاب بالربو. تقول: “أيام كنا نمشي ساعة لأجل دوا. الكردي والعربي كنا بنفس الطابور، وبنفس الهم”.

هذا التهميش المشترك خلق شعورًا عامًا بأن الظلم لم يكن عرقيًا بقدر ما كان جغرافيًا، وهو ما يمكن أن يشكل – بحسب البعض – أساسًا لوحدة مطلبية مستقبلية.

التعاون المجتمعي في الزراعة والعمل الأهلي

رغم التحديات الاقتصادية والاختلافات المجتمعية، برزت مبادرات محلية تعكس أشكالًا عملية من التعاون بين السكان. في إحدى قرى المالكية، يدير مجموعة من الشباب العرب والكرد تعاونية زراعية صغيرة تُنتج الخضروات وتوزّعها على العائلات ذات الدخل المحدود.

تقول سوزان، إحدى المشاركات في المشروع: “نحن لا نتحدث كثيرًا في السياسة، بل ننشغل بتنظيم العمل، من التسميد إلى الري والتوزيع. الأرض أصبحت مساحة مشتركة تجمعنا، لأن الجميع هنا يعتمد على هذا المحصول، والجميع حريص على استمراره”.

 تحديات ما زالت تعرقل المسار

رغم مؤشرات الانفتاح، لا تزال بعض الخلافات حول شكل الحكم والإدارة الذاتية تغذي الحذر بين المكونات. كذلك، فإن التوتر الثقافي المرتبط باللغة، الرموز، والمناهج لا يزال حاضرًا، وإن بشكل غير معلن دائمًا.

لكن أغلب من تحدثنا إليهم من الأهالي أشاروا إلى أن الخطر الأكبر ليس في الاختلاف بين المكونات، بل في غياب العدالة وعدم الإنصاف في توزيع الموارد واتخاذ القرارات. وأكدوا أن الشعب، بعيدًا عن ما يُنشر في وسائل الإعلام وخطاب الكراهية، يولي أهمية كبيرة للعدالة الاجتماعية والمساواة بين جميع أفراد المجتمع.

في منطقة مثقلة بالحروب والمصالح الدولية، تظل التفاصيل الصغيرة، من خبز مُقسم بين الجيران إلى كلمة تُشرح في المدرسة بلغتين، مؤشرات على إمكانية إعادة بناء الثقة من القاعدة. لا أحد يُنكر حجم التعقيد، لكن من يعرف شمال شرقي سوريا عن قرب، يعرف أيضًا أن الناس هناك، العرب والكرد، تعبوا من الخطابات، ويبحثون عن صيغة للعيش، لا للغلبة.

ربما تبدأ المصالحة الكبرى من سوق ترابي صغير، حيث لا يُرفع سوى صوت الباعة، والشتاء المقبل، الذي سيحتاج فيه الجميع بعضهم البعض.

الترا سوريا

——————————

حزب العمّال الكردستاني ونهاية الكفاح المسلّح: تشريح مرحلة/ إسلام أوزكان

السبت 17 أيار 2025

يُعدّ حزب العمال الكردستاني (PKK) أحد أبرز الفاعلين السياسيين والميدانيين الذين طبعوا الحياة السياسية التركية خلال الخمسين عامًا الأخيرة. لقد أصبح هذا الحزب، الذي يُعرف ببنيته القتالية المتشدّدة، ليس فقط رقماً صعباً في السياسة الداخلية التركية، بل أسهم في توجيه خيارات النخب السياسية التركية، خصوصاً في ملفات السياسة الخارجية. فمنذ تأسيسه عام 1978، لم يقتصر تأثيره على الداخل التركي، بل امتد ليشمل مناطق حساسة من الشرق الأوسط، لا سيّما لبنان والعراق وسوريا، حيث لعب أدواراً مؤثرة كفاعل سياسي وعسكري.

وعند مراجعة المسار التاريخي للحزب منذ ظهوره حتى اليوم، يظهر بوضوح أنّ الأسس الفكرية والأيديولوجية التي قام عليها قد خضعت لتحوّلات جذرية. فالأفكار التي كانت تطبع مساره في بداياته لم تعد هي نفسها التي توجهه اليوم.

التأسيس والجذور الأيديولوجية الأولى (1978–1984)

تأسس حزب العمال الكردستاني يوم 27 تشرين الثاني 1978 بقيادة عبد الله أوجلان، متبنياً أيديولوجيا ماركسية لينينية، واضعاً نصب عينيه هدف إقامة دولة كردية مستقلة. خلال هذه المرحلة، كانت النواة الأساسية للحزب المعروفة باسم «الأبوجية» تنشط عبر خطاب تعبوي وعمليات عنف ضد البنى الإقطاعية والعشائر المتحالفة مع الدولة. وقد تأثر الحزب كثيراً بحركات اليسار التركي في السبعينيات، واضعاً القضية الكردية ضمن إطار نضال اشتراكي.

في عام 1980، دفعت الظروف القمعية، التي أعقبت انقلاب الجيش، الحزبَ إلى الانكفاء نحو الأرياف والتهيؤ للكفاح المسلح، مستفيداً من معسكرات التدريب في سوريا والعراق. أمّا في لبنان، فقد تركت مواجهة الحزب مع الجيش الإسرائيلي في قلعة أرنون عام 1982 أثراً عميقاً على بنيته الفكرية والتنظيمية. ففي تلك المواجهة، مات 11 مقاتلاً من الحزب أثناء القتال إلى جانب المقاومة الفلسطينية، واعتُبروا رموزاً من قِبل الفلسطينيين. وقد كان لهذه المعركة، التي أدّت إلى اعتقال عدد من مقاتلي الحزب واستجوابهم لاحقاً من قِبل استخبارات إسرائيلية وتركية، أثر طويل الأمد في مسار الحزب، إذ عاد بعض أولئك المقاتلين لاحقاً إلى العراق، وأصبحوا من القيادات المحورية في الكفاح المسلح. وقد وصف القيادي البارز في الحزب دوران قلقان تلك المعركة لاحقاً بأنها مفصلية في بناء الروح القتالية والمؤسسية للحزب، مستلهماً من تجربة المقاومة الفلسطينية واللبنانية.

مرحلة الكفاح المسلّح والتمدّد الريفي-المدني (1984–1999)

مع هجومي شمدينلي وإروه في جنوب شرق تركيا عام 1984، دخل الحزب مرحلة الكفاح المسلح العلني، مستنداً إلى تكتيكات حرب العصابات ضد القوات التركية. كما وسّع نشاطه ليشمل المدن عبر الاحتجاجات والدعاية السياسية. في التسعينيات، استفاد من فراغ السلطة في شمال العراق لتوسيع قواعده ومعسكراته.

ورغم ذلك، بدأت الانتقادات الدولية تتزايد، خاصة بعد استهداف المدنيين، ما أدّى إلى تصنيفه كتنظيم إرهابي من قِبل عدد من الدول. وبخلاف عدد من الحركات الاشتراكية المسلحة، امتاز الحزب بمرونة تنظيمية. ففي عام 1993، أعلن عبدالله أوجلان خلال مؤتمر صحافي مع جلال طالباني في السليمانية رغبته في وقف إطلاق النار والدخول في مفاوضات مع الدولة التركية، إلا أن دعوته لم تلقَ صدىً فعلياً لدى صانعي القرار التركي. ورغم أن الرئيس التركي آنذاك، تورغوت أوزال، أبدى انفتاحاً على فكرة التفاوض، فإن وفاته المفاجئة أنهت تلك المبادرة. وقد أعلن الحزب في 20 آذار 1993 وقفاً لإطلاق النار، إلا أن غياب إرادة سياسية لدى الطرفين جعل من تلك الهدنة خطوة غير مستدامة.

اعتقال أوجلان والتحوّل الفكري (1999–2010)

خلقت عملية اعتقال أوجلان في كينيا عام 1999 زلزالاً داخل الحزب. إذ دفع هذا التطور القيادة إلى مراجعة المشروع الفكري والتنظيمي، وتبنّي مقاربة جديدة تُعرف بـ«الكونفدرالية الديموقراطية». وقد مثّلت هذه المقاربة خروجاً عن حلم الدولة الكردية، مقابل التركيز على الحكم الذاتي المحلي والتعددية الثقافية والديموقراطية المباشرة.

عزّز الحزب من حضوره في الشتات الكردي بأوروبا، وأصبح أكثر حضوراً في ساحة العمل المدني، كما تعزّز جناحه السياسي ممثلاً في حزب الشعوب الديموقراطي (HDP). وسعى عبر هذه الإستراتيجية إلى تلميع صورته الدولية بعد سنوات من العنف ضد المدنيين.

تحوّلات إقليمية كبرى: الحرب الأهلية السورية (2010–2015)

مثّل اندلاع الثورة السورية نقطة تحوّل إستراتيجية للحزب، إذ استفاد جناحه السوري، المتمثل في حزب الاتحاد الديموقراطي (PYD) وذراعه العسكرية «وحدات حماية الشعب» (YPG)، من الفوضى في سوريا ليبني واقعاً سياسياً جديداً في شمال البلاد. وقد وجدت هذه القوات دعماً مباشراً من الولايات المتحدة في محاربتها لتنظيم «الدولة» (داعش)، ما رفع من أسهم الحزب دولياً، على الأقل في نظر الرأي العام الغربي.

وفي المقابل، حاول الحزب داخل تركيا استنساخ تجربة «روج آفا» عبر إعلان «الإدارة الذاتية» وحفر الخنادق داخل المدن في ما عُرف بـ«حرب الخنادق» عام 2015. إلا أن هذه المحاولة قُوبلت بردّ عسكري حازم من الدولة التركية، وانتهت بخسائر فادحة للحزب وتراجع ملموس في مستوى الدعم الشعبي له في المناطق الكردية.

لماذا قرّر الحزب التخلّي عن السلاح؟

بعد عام 1999، بدأ الحزب يعيد النظر في مشروعه المسلّح، مدفوعاً بتغيّرات عالمية وإقليمية. فقد تزامن انهيار الاتحاد السوفياتي وتراجع الحركات اليسارية عالمياً مع فقدان الحزب للغطاء الأيديولوجي والدعم السياسي والمالي. لكن الحزب، بخلاف كثير من التنظيمات اليسارية، لم يتفكك؛ إذ استفاد من دعمه الشعبي العرقي الكردي ومن شبكة واسعة في المهجر.

في المقابل، صعّدت الدولة التركية من حملاتها الأمنية والعسكرية، خاصة عبر إستراتيجية «الدولة العميقة» والتحالف مع قوى غير نظامية مثل «حزب الله تركيا»، ما ألحق بالحزب خسائر فادحة وأجبره على التراجع إلى خارج الحدود.

ومع مطلع الألفية، بدأ الحزب يوازن بين العمل المسلّح والتحرّك المدني والديبلوماسي، فأنشأ هياكل شبه تشريعية، ونظّم صفوفه وسط المدنيين الأكراد. وقد شكّلت الجاليات الكردية في أوروبا مصدراً مالياً حيوياً للحزب.

مع فشل تجربة حرب الخنادق، وخسارة قواعده الشعبية، بدا واضحاً داخل الحزب أنّ المسار المسلّح قد بلغ مداه. وقد تزايدت داخل الحزب الأصوات الداعية إلى إعلاء الخيار السياسي والديبلوماسي. ومع النجاحات الانتخابية لحزب HDP، ومكاسب YPG في سوريا، تعزّزت فكرة أنه يمكن تحقيق أهداف قومية بوسائل غير عسكرية.

وفي ظل مناخ سياسي جديد، استجاب الحزب سريعاً لمواقف غير متوقعة مثل التصريحات الراديكالية لزعيم حزب الحركة القومية دولت بهتشلي الداعية إلى إنهاء الصراع، ما شكّل ما يشبه التفاهم الضمني بين أوجلان والدولة.

وهكذا، ومع حلول عام 2025، أعلن الحزب رسمياً وقف الكفاح المسلّح وحلّ هيكله التنظيمي، منهياً بذلك واحدة من أطول مراحل التمرّد المسلّح في المنطقة.

رغم أن قرار الحزب بإنهاء الكفاح المسلّح يُعدّ تحوّلاً تاريخياً، فإنّ كثيرين يرون أن الطريق نحو السلام الدائم لا يزال محفوفاً بالغموض. فما تزال خفايا التفاهمات بين الحزب والدولة غير واضحة، والشكوك بشأن إمكانية التراجع قائمة. ومع ذلك، إنّ عدداً من الناس المقرّبين من الحزب يعتبرون أن ما اتُخذ هو قرار نهائي لا رجعة فيه، وقد يكون بمنزلة بداية صفحة جديدة في تاريخ تركيا السياسي ومسار القضية الكردية.

* كاتب تركي

الأخبار

——————————-

============================

لقاء الشرع-ترامب ورفع العقوبات الأمريكية عن سوريا تحديث 17 أيار 2025

تحديث 17 أيار 2025

لمتابعة هذا الملف اتبع الرابط التالي

ملف رفع العقوبات عن سوريا

———————————

رفع العقوبات الأميركية عن سورية: من العزلة الدولية إلى إعادة التموضع الإقليمي

نشر في 16 أيار/مايو ,2025

في سياق متغيرات إقليمية ودولية متسارعة، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، خلال زيارته إلى المنطقة التي بدأت في 13 أيار/ مايو 2025، أنه سوف يرفع العقوبات المفروضة على سورية. وقد جاء هذا الإعلان بعد مطالبات ودعوات مباشرة من وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، ومن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إلى إعادة النظر في سياسة العقوبات المفروضة على سورية، وكانت قطر والإمارات والأردن قد ساهمت بدور داعم في هذا السياق، من خلال اتصالات إقليمية مكثفة.

أُعلن القرار رسميًا خلال منتدى الاستثمار السعودي–الأميركي المنعقد في الرياض، حيث وصف الرئيس الأميركي العقوبات بأنها “وحشية ومعيقة”، معتبرًا أن استمرارها لم يعد مبررًا، وأنه “قد حان الوقت لتنهض سورية”، في إشارة إلى رغبة أميركا في إتاحة المجال أمام إعادة بناء الاقتصاد السوري، وتسهيل انخراطها في شبكات التعاون الإقليمي والدولي، ومنح الشعب السوري فرصة للنمو والتطور.

لكن هذا الإعلان لم يكن مفاجئًا بالكامل، إذ سبقه بضع خطوات تمهيدية اتخذتها الإدارة الأميركية في مطلع عام 2025، حيث ألغت مكافأة كانت مرصودة للإدلاء بمعلومات عن الرئيس الشرع (أبو محمد الجولاني)، وأصدرت ترخيصًا مؤقتًا يسمح ببعض التعاملات في المجالات الإنسانية وقطاع الطاقة، وهو ما شكّل مؤشّرًا مبكرًا على توجه أميركي نحو تليين نظام العقوبات، وكذلك قامت بريطانيا والاتحاد الأوروبي بتعليق بعض العقوبات أو رفعها جزئيًا.

    العقوبات الأميركية على سورية

تخضع سورية منذ عقود لعقوبات متعددة الأطراف، فرضتها جهات دولية وأممية وأحادية، ضمن سياقات مختلفة تراوحت بين التصنيف السياسي والتهم بدعم الإرهاب وجرائم الحرب، وقد بدأت أولى هذه العقوبات عام 1979، حين أُدرجت سورية على القائمة الأميركية للدول الراعية للإرهاب، وهو ما ترتب عليه فرض قيود مشددة على بيع الأسلحة والمعونات والتعاملات المالية. وفي عام 2004، وُسّعت العقوبات لتشمل مجالات اقتصادية وتقنية وغيرها، وجرى تقليص التبادل التجاري، ومنع تصدير عدد من التقنيات الحيوية إلى سورية، ومع اندلاع الثورة السورية عام 2011، تصاعدت حدة العقوبات الأميركية والغربية، لتشمل تجميد أصول الحكومة السورية، وحظر الاستثمارات، ووقف استيراد النفط السوري، إلى جانب فرض قيود على المصارف وقطاعات الطيران والطاقة والدفاع وغيرها.

والعقوبات الأميركية تُعدّ الأكثر شمولًا وتعقيدًا، وتنقسم إلى فئتين رئيسيتين:

    العقوبات الرئاسية:

وتستند إلى صلاحيات الرئيس الأميركي، بموجب قوانين “حالة الطوارئ الوطنية”، إذ صدرت ثمانية أوامر تنفيذية بين عامي 2004 و2019، من أبرزها الأمران التنفيذيان 13582 و13894، واستهدفت تلك الأوامر قطاعات حيوية وشخصيات بارزة، وللرئيس صلاحية إلغاء هذه العقوبات أو تعليقها من دون الرجوع إلى الكونغرس، لكونها تقع ضمن صلاحياته التنفيذية. ويُتوقع أن يلجأ ترامب إلى هذه الصلاحيات لتعليق عدد من تلك الأوامر، ضمن سياسة إعادة التقييم الشاملة للوضع السوري.

    العقوبات التشريعية (الكونغرس):

مثل “قانون قيصر” لعام 2019، وهو يفرض عقوبات على قطاعات حيوية في سورية مثل الطاقة، الدفاع، الطيران، المصرف المركزي، وإعادة الإعمار، ولا يمكن للرئيس إلغاء هذه العقوبات منفردًا، بل يتطلب الأمر موافقة الكونغرس، ومع ذلك يُتيح القانون إمكانية “التعليق المؤقت” لمدة ستة أشهر، قابلة للتمديد 120 يومًا، بموجب المادة 401، شريطة تقديم الإدارة الأميركية مبررات مكتوبة توضح تغيّر المعطيات السياسية، حيث تضمّنت التشريعات الأميركية المتعلقة بالعقوبات، ومنها “قيصر”، بنودًا تمنح الرئيس سلطة إصدار استثناءات استنادًا إلى “متطلبات الأمن القومي”، وهو ما يُتوقع أن يستند إليه ترامب لتبرير تعليق العقوبات على عدد من القطاعات مثل الإنشاءات والطاقة، بحجة أن دعم جهود إعادة الإعمار يصب في مصلحة الاستقرار الإقليمي، ويعزز الأهداف الإستراتيجية لواشنطن في سورية.

وبعض العقوبات المستندة إلى قوانين الطوارئ تُجدّد سنويًا، وإذا امتنع الرئيس عن تجديدها، تُعلّق تلقائيًا بعد مرور ستة أشهر، وعلى الرغم من أن القانون يبقى ساريًا من الناحية الشكلية، فإن عدم تفعيل آلياته التنفيذية يُخفّف من أثره عمليًا.

ويُعدّ تصنيف سورية ضمن “الدول الراعية للإرهاب” منذ عام 1979 أحد أبرز العوائق أمام تطبيع العلاقات الدولية معها، ويترتب على هذا التصنيف قيود تلقائية على المساعدات، والتعاون المالي، والتسليح، وبموجب القانون الأميركي، فإن إزالة اسم دولة من هذه القائمة يتطلب إخطارًا رسميًا من البيت الأبيض إلى الكونغرس قبل 45 يومًا، مرفقًا بتقرير يُثبت أن الدولة المعنية لم تعد تدعم الإرهاب، وتشير المعطيات إلى أن الإدارة الأميركية تعمل على تفعيل هذه الآلية، خصوصًا بعد سقوط النظام السابق، حيث من المرجّح أن يتم التمييز بين “سورية الجديدة” و”النظام القديم” في السردية الرسمية.

وتُشكّل مسألة إدراج “هيئة تحرير الشام” كجسم عسكري وبعض قادة فصائل الجيش الوطني على قوائم المعاقبين تحديًا آخر أمام سورية الجديدة، فعلى الرغم من تفكك الهيئة رسميًا في كانون الثاني/ يناير 2025، وتولي عدد من قادتها مناصب حكومية، فإن تصنيفها لا يزال قائمًا قانونيًا، ما يضع الإدارة الأميركية أمام تناقضات حادة بين القانون والسياسة، ولمواجهة ذلك، اعتمدت وزارة الخزانة الأميركية على إصدار “تراخيص خاصة وعامة”، تسمح بالتعامل مع المؤسسات الحكومية السورية الجديدة، مع تبرير بأن الهيئة لم تعد قائمة ككيان مستقل، ومن المتوقع أن تُقدِم وزارة الخارجية الأميركية لاحقًا على شطب الهيئة من قائمة الإرهاب رسميًا، ولا سيما إذا قدمت الحكومة السورية ضمانات أمنية وتعاونًا ضد الجماعات المتطرفة.

ثمة اتجاهان في الإدارية الأميركية، مؤيد لرفع العقوبات ومعارض له، وإنما جاء رفعها نتيجة جهود السعودية وتركيا وقطر بضمان تحقق سلوكيات إيجابية من قبل الحكومة السورية الانتقالية، هذا قد يُمهّد الطريق لتعديل بعض البنود القانونية، أو تمرير استثناءات دائمة مستقبلًا. ولذلك من المتوقع أن تتم الأمور عبر إلغاء الأوامر التنفيذية التي فُرضت بموجبها العقوبات الاقتصادية الرئاسية، وإصدار تراخيص خاصة لتسهيل التحويلات المالية، مع الحفاظ على بعض الفقرات التي تمنع رفع العقوبات عن الأفراد والكيانات المتهمة بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وتعليق تطبيق العقوبات المرتبطة بحالة الطوارئ في حال عدم تجديدها. وفي مرحلة لاحقة يأتي التفاوض مع الكونغرس لرفع العقوبات المنصوص عليها في “قانون قيصر”، بناءً على تحسّن الوضع السياسي في سورية.

ويمكن فهم القرار بوصفه جزءًا من صفقة إقليمية–دولية أوسع، تتضمن إعادة هيكلة العلاقة بين أميركا وشركائها الإقليميين، تقوم على مبدأ “رفع العقوبات، مقابل تعميق الشراكات الاقتصادية والأمنية”. ويعكس القرار محاولة أميركية لإعادة تموضعها في المشهد السوري، وفقًا لمقاربات جديدة تأخذ بعين الاعتبار التغيرات على الأرض، وتستهدف إعادة تشكيل النظام السوري لما بعد مرحلة بشار الأسد، عبر إقصاء النفوذ الإيراني والحد من الروسي، وتوفير بيئة سياسية تضمن المصالح الغربية والإقليمية، ومن ثم، لا يمكن فصل هذا القرار عن مجمل التحولات الجيوسياسية الجارية في المنطقة، بل يجب قراءته كجزء من مسعى أميركي لإعادة هندسة التوازنات السورية–الإقليمية، استنادًا إلى تحالفات وشروط جديدة تُعيد توزيع الأدوار والنفوذ، وترسم ملامح المرحلة الجديدة في سورية، وتصريح ترامب المفاجئ هو وعد، والقرار بعد عودته إلى واشنطن، ولا نعلم مدى اتساع العقوبات التي قد يشملها قراره، وإن كان الإلغاء سيتم على مراحل خطوة بخطوة، أي مقابل خطوات من السلطة الجديدة في دمشق.

     التحديات المحتملة أمام تنفيذ قرار رفع العقوبات عن سورية

بالرغم من أن قرار رفع العقوبات عن سورية يُعَدّ تحولًا استراتيجيًا في السياسة الأميركية، فإن تنفيذه يواجه جملة من التحديات التي قد تُقوّض آثاره أو تُحدّ من استدامته، ومنها:

– تُعبّر بعض التيارات داخل المؤسسات الأميركية، إضافة إلى دوائر صنع القرار في إسرائيل، عن شكوك حقيقية بشأن خلفية بعض الشخصيات في الحكومة السورية الانتقالية، على أنها تمثل واجهة سياسية لتيارات أيديولوجية غير منضبطة، أو قد تكون امتدادًا لقوى متطرفة أعادت هيكلتها في إطار السلطة الجديدة، هذه المخاوف تُشكّل تهديدًا مباشرًا لإجماع سياسي محتمل داخل واشنطن بشأن استمرارية العقوبات.

– التحديات المرتبطة بسلوك الحكومة الانتقالية، حيث إنّ أي مؤشرات سلبية تصدر عن الحكومة، على مستوى إدارة الملف الأمني أو السياسي، قد تُعيد تفعيل العقوبات في وقت سريع. فمن ذلك، عدم اتخاذ خطوات عملية نحو الإصلاح السياسي، مثل البدء بعملية دستورية شاملة، وتنظيم انتخابات ذات مصداقية، أو تكرار أحداث كالتي جرت في الساحل أو في جرمانا وأشرفية صحنايا قرب دمشق.

– غياب إشراك حقيقي للمكوّنات المجتمعية الأساسية في سورية، لا سيّما الكرد، والعلويين، والمسيحيين، والدروز، قد يُفسّر كمؤشر على ضعف المشاركة السياسية، في حال برزت ممارسات إقصائية أو ميول سلطوية، فإن ذلك قد يقوّض أسس الشرعية السياسية التي بُني عليها قرار رفع العقوبات، ويفتح المجال أمام أطراف دولية للمطالبة بإعادة فرضها.

– رفع العقوبات، وإن كان خطوة ضرورية، ليس كافيًا بذاته لتجاوز التحديات الاقتصادية والسياسية، ذلك أن حالة الانهيار الاقتصادي التي شهدتها البلاد خلال أكثر من عقد تتطلب موارد هائلة، وإصلاحات بنيوية، وتوافقًا وطنيًا غير مسبوق، وأنّ القرار يضع عبئًا ثقيلًا على الدولة والمجتمع، ويُحمّلهما مسؤولية تاريخية في تحويل الفرصة السياسية إلى مسار تعافٍ فعلي، فإزالة العوائق القانونية أمام انخراط سورية في الاقتصاد الدولي أشبه ما تكون بإزالة الحواجز من الطريق؛ لكن الطريق ذاته يحتاج إلى تعبيد سياسي ومؤسساتي يضمن استدامة السير فيه، والاستفادة القصوى من هذا التحول تتطلب بناء عقد سياسي واجتماعي جديد، يعيد إنتاج الدولة على أسس تمثيلية وعدلية، ويرسّخ سورية بوصفها فاعلًا شريكًا في محيطها الإقليمي والدولي، لا مجرد ساحة نزاع.

4- الآثار المتوقعة لقرار رفع العقوبات:

يُمثّل قرار رفع العقوبات تحوّلًا بنيويًا في موقع سورية في النظامين الإقليمي والدولي، ويحمل أبعادًا اقتصادية وسياسية ذات تأثير متداخل، وهناك عقوبات تحمل أهمية حيوية بالنسبة للتعافي في سورية، حتى لو بقيت بعض العقوبات على بعض المؤسسات والأفراد:

    رفع العقوبات عن القطاع المالي والمصرفي يربط سورية مرة أخرى بالعالم، بما يعني إمكانية إجراء العمليات النقدية والمالية والتحويلات والكفالات والقروض وغيرها.

    رفع العقوبات عن الاستثمارات يعني ظهور أثر إيجابي على الاستثمارات السورية أولًا، والعربية والتركية ثانيًا، وعلى بقية دول العالم ثالثًا، ولا سيما في القطاعات الحيوية مثل الطاقة، الكهرباء، البناء، الاتصالات، وتكنولوجيا المعلومات، ويُتوقع عودة الشركات الأجنبية –التي غادرت سورية في مرحلة الحصار– إلى ممارسة أنشطتها، مما يُنعش سوق العمل ويزيد من الإنتاج المحلي.

    رفع العقوبات عن المساعدات من المنظمات الأممية والحكومية سيكون له أثر إيجابي على إعادة الإعمار والتعافي الاقتصادي وخلق فرص العمل وتحسين الخدمات ومستوى المعيشة، وبدء تكوين تراكم داخلي.

    إعادة تنشيط الاقتصاد الوطني تعيد فتح المجال أمام الحكومة السورية للاستفادة من أموالها المجمدة في الخارج، مما يُعزّز قدرتها على تمويل مشاريع البنية التحتية، والخدمات الأساسية، وبرامج إعادة الإعمار.

    تعزيز الثقة بالعملة الوطنية، فرفع العقوبات سيؤدي على الأرجح إلى تحسن تدريجي في قيمة الليرة السورية، نتيجة تدفق العملات الأجنبية وزيادة المعروض النقدي، هذا التحسّن في سعر الصرف سينعكس إيجابًا على القوة الشرائية للمواطنين، ويُخفف من معدلات التضخم.

     تنشيط موقع سورية الجغرافي، فمن المتوقع أن تستعيد سورية دورها في حركة الترانزيت الإقليمي، عبر إعادة تشغيل معابرها الحدودية وموانئها البحرية، لا سيما في ظل تزايد التبادل التجاري بين دول الخليج وتركيا وأوروبا، وفتح خطوط طيران جديدة.

    تطبيع العلاقات مع المجتمع الدولي، إذ يمثل رفع العقوبات اعترافًا أميركيًا غير مباشر بشرعية الحكومة الانتقالية الجديدة، ما يمنحها القدرة القانونية للتفاوض على اتفاقيات اقتصادية وتجارية ومالية، دون أن تكون هذه الاتفاقات معرضة للتجميد أو النقض بفعل العقوبات السابقة، كما يُمهّد الطريق أمام انخراطها في المؤسسات المالية الدولية، مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وهو ما يفتح الباب أمام دعم تنموي طويل الأمد.

    إعادة توجيه التموضع الجيوسياسي لسورية، فقرار رفع العقوبات يتقاطع مع رؤية أميركية–عربية لإعادة توجيه سورية نحو المحور العربي–الأميركي، وقد لعبت دول مثل السعودية وقطر وتركيا والإمارات دورًا محوريًا في هذا التحول، من خلال تعهدها بدعم مسار الإصلاح وضمان بيئة سياسية مستقرة.

    التكامل في النظام الإقليمي، فرفع العقوبات يعكس مسعًى أوسع لإعادة بناء منظومة إقليمية مستقرة، تكون فيها سورية الجديدة شريكًا فعّالًا لا مصدرًا للفوضى، ومن هنا، فإن هذا القرار يُعيد رسم المشهد الإقليمي بطريقةٍ تُعزز من دور الفاعلين الإقليميين في بلورة مستقبل سورية.

يُعتبر قرار رفع العقوبات عن سورية لحظة تأسيسية في التحوّل الجيوسياسي الذي تشهده المنطقة، ويُشكّل أحد تجليات إعادة هندسة النظام الإقليمي بعد سقوط النظام السابق. ومع أن نجاح هذا المسار يظل مرهونًا بسلوك الحكومة الجديدة، وقدرتها على استيعاب التنوع المجتمعي وتطبيق إصلاحات فعلية، فإن البيئة السياسية الإقليمية تبدو مواتية لإعادة دمج سورية في محيطها، ضمن معادلة جديدة من التوازنات والمصالح المتبادلة.

    السيناريوهات المتوقعة:

يفتح رفع العقوبات الأميركية عن سورية البابَ أمام مجموعة من السيناريوهات المحتملة تراوح بين التقدّم التدريجي في مسار التعافي، أو الارتداد نحو الفشل، في حال تعثر شروط التحول السياسي والمؤسساتي. وبناءً على ذلك، يمكن تحليل السيناريوهات المتوقعة ضمن ثلاثة مستويات متداخلة: الإصلاح السياسي، الانفتاح الاقتصادي، واستدامة القرار الدولي.

السيناريو الأول: الانتقال المنضبط نحو التعافي الشامل

يستند هذا السيناريو إلى فرضية أن الحكومة السورية الانتقالية ستلتزم بتعهّداتها السياسية والإصلاحية، وتتبنى خطوات تدريجية ملموسة على صعيدَي الحكم الرشيد والانفتاح السياسي، والبدء بعملية دستورية تُراعي التنوع السوري، وتنظيم انتخابات، وتفعيل آليات الشفافية والمساءلة، وإشراك المكونات السورية كافة ضمن أطر الحكم والإدارة.

ضمن هذا السيناريو، يُتوقع أن تُكافأ الحكومة السورية بمزيدٍ من الانفتاح الدولي، وتحويل التعليق المؤقت للعقوبات إلى رفع دائم لها، وسيكون التمويل الدولي متاحًا عبر المؤسسات المالية الكبرى، مع دخول تدريجي لرؤوس الأموال الإقليمية، ولا سيما الخليجية، في مشاريع إعادة الإعمار والبنية التحتية، وهذا السيناريو، وإن كان الأكثر تفاؤلًا، يتطلّب قدرًا عاليًا من الالتزام السياسي، وكفاءة مؤسساتية للحكومة.

السيناريو الثاني: الانفتاح الاقتصادي المشروط بإصلاح سياسي محدود

يرجّح هذا السيناريو أن تتخذ الحكومة السورية خطوات اقتصادية سريعة، لتسهيل جذب الاستثمارات وتحقيق إنعاش جزئي، من دون التقدّم الموازي في ملفات الإصلاح السياسي والمؤسساتي. وقد يتجسّد ذلك في تحرير القطاع المالي والمصرفي، ومنح تسهيلات للشركات والمستثمرين، واستئناف العلاقات التجارية مع دول الجوار.

غير أن ضعف الإرادة السياسية في إشراك كلّ مكونات الشعب السوري، أو استمرار بعض ممارسات الإقصاء والتهميش، قد يُبقي على قدر من التردّد الدولي، ويُبقي العقوبات قائمة جزئيًا. وفي هذا السيناريو، قد تتحول سورية إلى ساحة انفتاح اقتصادي غير مستقر، مع غياب إصلاح سياسي حقيقي.

السيناريو الثالث: تعثّر الإصلاح وعودة الضغوط الدولية

يرتكز هذا السيناريو على احتمال فشل الحكومة السورية الانتقالية في تلبية الشروط الغربية، بسبب انقسامات داخلية، أو هيمنة أطراف لا تؤمن بالتحوّل الديمقراطي، أو عودة نفوذ شخصيات تعارض هذا المسار. وإذا حدث ذلك، فقد يؤدّي إلى إعادة تفعيل العقوبات المعلقة، وإعادة طرح سورية على أجندة العزلة الدولية، وتقويض ما تحقّق من مكاسب آنية، ومن ثم، قد تتصاعد التوترات الأمنية، وتُستأنف الضغوط السياسية والاقتصادية. وإذا ترافق هذا السيناريو مع غياب مشروع إقليمي داعم، فإن فرص إعادة الإعمار ستتقلص، وتستعيد الأزمة طابعها المزمن والمعقد.

وتُخطّط الإدارة الأميركية والكونغرس لرصد أداء الحكومة السورية، خلال الفترة القادمة، وتُعدّ هذه المرحلة بمثابة “فترة اختبار”، لتحديد مدى التزام الحكومة السورية بتعهّداتها، وعليه، فإن أيّ إخفاق في هذه الفترة سيؤدي إلى إعادة تفعيل بعض العقوبات، وقد تُعتمد تعديلات قانونية تسمح برفعها نهائيًا، في حال تحقق تقدم ملموس. وفي المقابل، ستبقى العقوبات الأممية بحاجة إلى مسار دبلوماسي مستقل داخل مجلس الأمن، وهو ما يُعقّد عملية رفعها على المدى القصير.

    خاتمة

يشكّل قرار رفع العقوبات الأميركية عن سورية منعطفًا حاسمًا في مسار التعاطي الدولي مع الملف السوري، ويعكس تحوّلًا في الرؤية الجيوسياسية للولايات المتحدة وشركائها تجاه سورية، بعد سنوات من العزلة والتهميش، وبهذا المعنى، لا يمكن عدّ القرار مجرد إجراء قانوني أو اقتصادي، بل هو خطوة ذات أبعاد استراتيجية تعكس توجهًا نحو إعادة دمج سورية ضمن المنظومة الإقليمية والدولية، ضمن شروط ومسارات جديدة.

ومع ذلك، فإن قيمة هذا التحول لا تتحقق تلقائيًا، وإنما تبقى مرهونة بقدرة الحكومة السورية الانتقالية على إثبات الجدية في تنفيذ التزاماتها الداخلية، وعلى رأسها إطلاق عملية سياسية شاملة، وصياغة دستور جديد قائم على التعددية والحقوق، وإجراء انتخابات ذات مصداقية، وإشراك كافة المكونات الوطنية دون إقصاء. وإن بناء الثقة بين الدولة والمجتمع يتطلّب إصلاحًا مؤسساتيًا، يضمن الشفافية والمساءلة، ويقطع مع ممارسات الحكم الأمني والانغلاق السياسي التي ساهمت في تفجير الصراع أصلًا، وهذا ما سيعزز ثقة الغرب بها.

اقتصاديًا، يمثل رفع العقوبات شرطًا أساسيًا لتحفيز التعافي، لكنه لا يشكّل حلًا شاملًا بحد ذاته. فالتحديات التي تواجه سورية تتجاوز آثار الحصار إلى مشكلات بنيوية تراكمت على مدى أكثر من عقد، تشمل انهيار البنية التحتية، وارتفاع مستويات البطالة والفقر، وتآكل الخدمات العامة. وبالتالي، فإن الانتقال إلى مرحلة الإعمار والتنمية يتطلب تعبئة موارد ضخمة، ووضع استراتيجيات طويلة الأمد، وخلق بيئة سياسية ومؤسساتية جاذبة للاستثمار.

في هذا السياق، تُعدّ مسؤولية الحكومة السورية مضاعفة؛ فهي مطالبة باستثمار هذه اللحظة السياسية، لإعادة تأسيس الدولة الوطنية على أسس جديدة، وليس فقط استيعاب آثار رفع العقوبات، ويتطلب ذلك شراكة حقيقية مع المجتمع، وتعاونًا منفتحًا مع الأطراف الإقليمية والدولية، وتقديم ضمانات سياسية وأمنية تدعم الاستقرار وتُحفّز الانخراط الدولي.

ومن ثمّ، فإن نجاح المرحلة المقبلة يتوقف على مدى قدرة القيادة الجديدة على توظيف هذا التحوّل السياسي لإطلاق عملية بناء داخلي جادة، تُفضي إلى إعادة الاعتبار للدولة ومؤسساتها، واستعادة موقع سورية كفاعل مسؤول في النظامَين الإقليمي والدولي، لا كملف أمني مؤجل في توازنات ما بعد الحرب.

تحميل الموضوع

مركز حرمون

—————————

العقوبات والمسألة السورية: هل نضجت «طبخة» أمريكية؟/ صبحي حديدي

16 ايار 2025

أغلب الظنّ، ولكن أيضاً بدلالة لغة الجسد ومجاراة الحشد المغتبط، أنّ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فوجئ بموجة تصفيق حارّ وتهليل وقوفاً سُجّلت في أعقاب إعلانه رفع العقوبات الأمريكية عن سوريا، والتي كانت وصلة التصفيق الأطول على امتداد فقرات خطاب ماراثوني ألقاه خلال منتدى الاستثمار في الرياض، واحتوى على فقرات عديدة سياسية واقتصادية وأمنية تخصّ المنطقة والولايات المتحدة والعالم. بعض مصدر المفاجأة قد يكون أتى من ملمح الامتنان الصريح الذي عبّر عنه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان على مرأى من عدسات العالم، غير أن تفصيل المشهد يقود أيضاً إلى مفاجأة تصاعدت تدريجياً، ودرامياً في الواقع، فبلغت درجة دفع ترامب إلى التصفيق بدوره، وهي إنما أتت من ردّ فعل الجمهور السعودي في القاعة الغاصة؛ وكأنّ الرئيس الأمريكي أعلن تقديم الهدية الأثمن إلى المملكة وليس إلى سوريا.

وليس الأمر أن ترامب لم يكن، في المقابل، على علم مسبق بإلحاح على رفع العقوبات من جانب بن سلمان، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان وزعماء آخرين في المنطقة، وربما بعض الساسة الأوروبيين ممّن بادروا بالفعل إلى تخفيف جزئي أو ملموس للعقوبات. كذلك من المنطقي الافتراض بأنّ الودّ العالي، الفعلي أو البروتوكولي، بين الرئيس الأمريكي وولي العهد السعودي، والذي اقترن بصفقات استثمار يتردد أنها الأضخم على مسار التاريخ؛ كان، وحده، المحرّك المباشر لمسارعة ترامب إلى ثلاث خطوات، دراماتيكية أو تكاد: رفع العقوبات عن سوريا، وإعلان لقاء بين وزيري خارجية الولايات المتحدة وسوريا، واستقبال الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع صبيحة اليوم التالي.

غير مستبعد، استطراداً، أن تكون «طبخة» إدارة ترامب، بصدد اتخاذ استراتيجية ملموسة ومتكاملة تجاه سلطة الأمر الواقع في سوريا الجديدة، قد نضجت بما يكفي لتوّها؛ أو أنها لم تعد تحتمل المزيد من الإنضاج على نار هادئة، خاصة أمام سلسلة استحقاقات شرق ـ أوسطية كانت تنتظر ترامب، ليس في أوّل جولة خارجية كبرى له في رئاسته الثانية فقط، بل إلى السعودية وقطر والإمارات على وجه التحديد. فإذا صحّ التقدير هذا، فلعلّ ثقاة نصح الرئيس الأمريكي قد بلغوا معه سقف قرار نوعي ناظم للسياسة، أو السياسات، بأسرها تجاه ما بمكن توصيفه بـ«المسألة السورية»؛ مما استوجب كسر حيرة أقرب إلى العطالة طبعت التردد الأمريكي منذ انهيار نظام آل الأسد، وما الضير في ضرب أكثر من عصفور واحد: إرضاء بن سلمان وأردوغان وآخرين، واللحاق بمبادرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (ومن ورائه الاتحاد الأوروبي!) في استقبال الشرع، وترسيم أكثر من «نهج» جيو ـ سياسي لإدارة ترامب في المنطقة…

من الصعب في المقابل، أو هو غير واضح أو متوفر مرحلياً على الأقل، الجزم حول ما إذا كان الثقاة أنفسهم، أو ترامب ذاته، قد عمدوا إلى قراءة مظاهر الابتهاج العارمة التي عمّت قرى وبلدات ومدن سوريا بعد دقائق أعقبت إعلان رفع العقوبات، وأحسنوا تأويلها على أي وجه منطقي يأخذ بعين الاعتبار إرادات الشعوب ومشاعر الحشود ويتحسب لها، سلباً أم إيجاباً.

في عبارة أخرى، لعلّ صانع العقوبات، رؤساء أمريكا منذ أواخر السبعينيات وحتى انهيار نظام «الحركة التصحيحية»، ثمّ خصوصاً بعد الانتفاضة السورية سنة 2011؛ قد أدرك أنّ معادلة العقوبات استنفدت أغراضها المعلنة، الخاطئة أصلاً والزائفة في كثير من مستوياتها، وانقلبت اليوم إلى ضدها؛ بمعنى تأجيج السخط الشعبي السوري العارم ضدّ العقوبات، واليقين بأنها سوف تواصل تكبيل سوريا وشعبها، وتُقعد جهود التطوير والإصلاح وإعادة البناء.

وهذه سطور اتخذت موقفاً صريحاً مناهضاً للعقوبات من هذا الطراز، أينما فُرضت وبصرف النظر عن النظام الذي تستهدفه، وأياً كانت التسميات المضللة التي تعتمدها قوى متجبرة ومهيمنة وصاحبة سجلات سوداء ودامية ضدّ الشعوب؛ وذاك موقف شمل «قانون قيصر» ذاته، مع التثمين العالي للجهد الفريد والنبيل الذي بذله فريد المذهان في تهريب الوثائق إلى أكثر من منظمة حقوقية دولية ورأي عام عالمي متعاطف، قبل الكونغرس أو أية جهة حكومية أو بيروقراطية غربية. وفي جميع أنماطها ووسائل تطبيقها، هذه عقوبات يُعلن عنها تحت باب الضغط على الأنظمة وإضعاف بنيانها وتفكيك شبكات الولاء داخلها، وبالتالي خدمة تحرير الشعوب من الاستبداد؛ فتؤذي الشعوب ذاتها، أولاً وثانياً وعاشراً، أو حتى حصرياً، قبل إيذاء رؤوس الأنظمة ومجرمي الحرب ومؤسساتهم. التاريخ شاهد، ولم يسجل سقوط نظام استبداد واحد جراء العقوبات، وسجّل في المقابل أن حزمة العقوبات الأوروبية والأمريكية ظلت تتفادى عدداً من كبار عتاة الفساد والإفساد وتغذية النظام.

وابتهاج السوريين بقرار ترامب رفع العقوبات تنغّصه حقيقة موازية صعبة، إذا لم تكن عويصة ومعقدة، هي أنّ طراز العقوبات التي في وسع ترامب رفعها، وقد فعل لتوّه أو سوف يفعل؛ ليست، للأسف، مماثلة للعقوبات التي فرضها الكونغرس، وهو وحده المخوّل برفعها. على رأسها، بالطبع، «قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين»، الذي ينطوي على عناصر عديدة تختلف عن عقوبات فرضتها الحكومة الأمريكية على أنظمة مختلفة في المنطقة، أو حتى على روسيا بعد اجتياح أوكرانيا مثلاً. صحيح أن ترامب يملك نفوذاً واسعاً في صفوف أعضاء الكونغرس من الجمهوريين، إلا أنّ «قانون قيصر» مصمم في الواقع لعقاب إيران أسوة بالنظام السوري، أو حتى قبله؛ وبالتالي، وفي ضوء النفوذ الصهيوني والإسرائيلي الهائل لدى الجمهوريين أنفسهم، يمكن للقانون أن يبقى فترة أطول، حتى إذا كانت إيران قد خرجت من سوريا على نحو لا رجعة عنه في المدى المنظور.

بذلك فإنّ انتهاء إدارة ترامب من إنضاج «طبخة» سورية ما، لا يعني بالضرورة فصل ما تمّ طبخه سورياً عن طبخات إيرانية على نار هادئة أيضاً، لا تبدأ من الملفّ النووي ولا تنتهي عند لبنان واليمن والعراق. كذلك فإنّ قانون قيصر يتوخى الضغط على النظام عبر بوّابة الاقتصاد، بل هو اللافتة المشرعة في تبرير فرض العقوبات، وما دام اقتصاد النظام لم يكن في حاجة إلى تركيع كي يسقط أرضاً، فإنّ اقتصاد سوريا ما بعد الأسد هو الموروث الذي يكبّل البلد ويعيق سلطة الأمر الواقع، وبالتالي فهو سوط في يد غلاة الجمهوريين من أعضاء الكونغرس، وقد يماطلون طويلاً قبل التنازل عنه.

وقد يقع على عاتق السوريين المبتهجين برفع العقوبات، ولهم في هذا كل الحق، أن يستذكروا أيضاً أدوار بعض وكالات الأمم المتحدة التي قدّمت للنظام السوري نحو 30 مليار دولار، بعلم الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، تحت عنوان «المساعدات الإنسانية». وهنا أيضاً لم يكن السوري، الجائع أو المريض أو الشريد، هو المستفيد بسنت واحد من تلك المليارات، التي تمّت قرصنتها بأساليب تخجل منها المافيات، فقوّت شوكة أجهزة النظام الأمنية والعسكرية، وضًخّت في حسابات رؤوس النظام وفاسديه وصيارفته.

رفع العقوبات الأمريكية خطوة حاسمة، في البدء كما في المحصلة، لا تطمس في شيء سلسلة العراقيل والصعاب والتعقيدات التي تنتظر المضيّ بها أبعد؛ كما أنها لا تعفي سلطة الأمر الواقع من ملاقاة هذه النقلة النوعية بشراكة مواطنة فعلية ملموسة مع المجتمع والمؤسسات؛ تحت طائلة المسؤولية عن كل عطب في استشراف مستقبل واضح جلي؛ يطمح إليه السوريون، ولن يقبلوا عنه بديلاً.

كاتب وباحث سوري يقيم في باريس

القدس العربي

——————————

وعد ترامب… الحذر واجب/ حسام كنفاني

16 مايو 2025

يحقّ للسوريين أن يحتفلوا بإعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب رفع العقوبات عن بلادهم “لمنحهم فرصة جديدة”، بعد طول معاناةٍ من تأثيرات العقوبات المتراكمة على سورية منذ نهاية سبعينيات القرن الماضي. ويحقّ للسوريين أيضاً النظر ببعض التفاؤل إلى ما سيحمله المستقبل من تغييرات ستطاول مختلف نواحي حياتهم، وستصل تأثيراتها إلى دول الجوار أيضاً، في حال مضى قرار رفع العقوبات إلى نهاياته المرتجاة. لكن الطريق إلى ذلك لن تكون يسيرة وقصيرة، خصوصاً أن إعلان رفع العقوبات ترافق مع مطالب كثيرة وضعتها الولايات المتحدة، من دون أن تربط تنفيذها بشكل مباشر بتطبيق إعلان ترامب، إلا أن التصريحات الأميركية لاحقاً أظهرت أن الأمريْن لا ينفصل بعضهما عن بعض.

المتحدث باسم الخارجية الأميركية، وبعد اللقاء الذي جمع ترامب مع الرئيس السوري أحمد الشرع، أوضح أن رفع العقوبات سيكون تدريجياً وسيخضع لإجراءات قانونية وإدارية كثيرة قبل أن يتحقق على أرض الواقع، مشيراً إلى أن “قسماً من العقوبات في حاجة الى موافقة الكونغرس لرفعها”.

على السوريين اليوم انتظار عودة ترامب من جولته العربية لتبيان الآلية التي سيتّبعها لرفع العقوبات أو أجزاء منها، وما إذا كان سيلجأ مباشرة إلى إلغاء القرارات التنفيذية التي اتخذها الرؤساء الأميركيون السابقون، وهو منهم، لفرض عقوباتٍ على النظام السوري السابق، والتوجّه لاحقاً إلى الكونغرس، أم أن الأمر سيكون مرتبطاً بخطواتٍ تتخذها الحكومة السورية أولاً قبل المضي في مسار الرفع التدريجي للعقوبات.

لا تزال الأمور غامضة في هذا السياق، خصوصاً أن لائحة المطالب الأميركية لا تلبث أن تطول وتدخل في تفاصيل الحياة السياسية السورية. ولا يتوقّف الأمر عند ما تسرّب من طلبات قدمها ترامب للشرع، ومنها المساعدة في مكافحة الإرهاب ومنع عودة “داعش” وطرد “الإرهابيين الفلسطينيين”، بل تطرّقت إلى شكل الحكم في سورية، بحسب ما أوضح المتحدث باسم الخارجية، والذي قال إن “المطلوب من الشرع تشكيل حكومة سورية جديدة تمثل كل السوريين بغضّ النظر عن الدين والعرق، حكومة تتصرّف بطريقة مسؤولة لا تشكل أي خطر على جيرانها”.

هل هذا شرطٌ مسبقٌ للمضي في تنفيذ إعلان ترامب؟ لا تزال الأمور غير واضحة عند المسؤولين السوريين أنفسهم. ربما تتضح الصورة مع لقاء وزيري الخارجية الأميركي ماركو روبيو والسوري أسعد الشيباني في تركيا، والمفترض أنه تركّز على آليات تنفيذ رفع العقوبات المطلوب من دمشق لتحقيق ذلك. وهناك سؤال آخر في هذا السياق، يتعلق بكيفية التواصل مع الولايات المتحدة لمتابعة مسار رفع العقوبات، وما إذا سيكون مباشراً مع المؤسّسات الرسمية الأميركية، ما يعني اعترافاً بالحكومة السورية الذي لم يحصل سابقاً رغم لقاء الشرع ترامب، أم أن التواصل سيكون عبر الوسطاء الذين ساهموا إلى حد كبير في قرار ترامب؟

أسئلة كثيرة لا تزال من دون إجابات، ما يدفع إلى الحذر، خصوصاً أن صاحب الوعد هو دونالد ترامب، والذي لا يتوانى عن التراجع عن قراراته أو التزاماته، وهو ما شهدناه خلال المائة والعشرين يوماً الأولى من حكمه، فكثير من الوعود التي أطلقها تراجع عنها، لعدم واقعيتها أو بفعل ضغوط سياسية واقتصادية. كذلك لا ينبغي نسيان أن ترامب لا يرى في المصلحة السورية أولوية، وهو الذي سبق أن اعترف بضم إسرائيل إلى الجولان المحتل، وسلّم ما يحدث في سورية إلى تركيا. وعلى هذا الأساس، كان إشراك الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الاجتماع مع الشرع وولي العهد السعودي محمد بن سلمان.

لا يعني ما سبق عدم التفاؤل بوعد ترامب، لكن من الضروري الترقّب وعدم الانجرار في تبجيل الرئيس الأميركي، والذي لا يقدّم شيئاً مجاناً

العربي الجديد

—————————–

رفع العقوبات عن سورية ومسؤولية الإنجاز/ بشير البكر

17 مايو 2025

يشكّل رفع العقوبات الأميركية عن سورية تحوّلاً يأتي في المقام الثاني من حيث الأهمية بعد إسقاط نظام بشّار الأسد، في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024. وقبل كلّ شيء، يضاعف من حجم المسؤولية الملقاة على الإدارة الجديدة، في نقل البلد من تركة الأبد الأسدي إلى زمن الحرية. إنها خطوة البداية في خروج سورية من دائرة العزلة الدولية، واستعادة موقعها ولعب دورها الأساس وفق القانون الدولي، بعد أن حصلت على ثقةٍ عربيةٍ دولية، تسهّل أمامها الصعاب وتساعدها في مواجهة التحديات الكبيرة.

نجحت الإدارة السورية الجديدة في نيل ثقة أغلبية السوريين، وهو ما أهّلها لتقديم نفسها عربياً ودولياً، وأن تحظى بفرصة رفع العقوبات، التي ساهم فيها الجهد الكبير الذي بذلته على نحو خاصّ السعودية وولي عهدها محمّد بن سلمان، ودولة قطر وأميرها الشيخ تميم بن حمد، الحاكم العربي الأول الذي زار دمشق، ما ترك أثراً طيّباً في نفوس السوريين، في لحظة كانوا فيها بأمسّ الحاجة إلى من يقف في جانبهم، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي تحمّلت بلاده عبء قرابة أربعة ملايين مهجّر سوري أكثر من عقد، وكانت عوناً رئيساً للسوريين في محنتهم، ومساعداً لهم في استمرار الثورة. ولا يفوتنا التنويه إلى دور دول أخرى، عربية وأوروبية، وخاصّة الأردن وفرنسا وبريطانيا.

كلّ من ساند الشعب السوري خلال أعوام المأساة والتهجير، وساهم في رفع العقوبات، شريكٌ أساس في الفرصة الجديدة التي حظيت بها سورية على هامش زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الرياض، حيث استُقبل الرئيس السوري أحمد الشرع، ما يوفّر للإدارة السورية شرعيةً دوليةً، ويُعزّز من موقفها في وجه الاعتداءات الإسرائيلية، واحتلال أراضٍ سورية، وتدمير المقدرات العسكرية، وخرق اتفاقات فصل القوات لعام 1974، ووضع حدّ لمحاولات التدخّل في الشؤون الداخلية السورية، وتشجيع نزعات التقسيم، وممارسة الضغوط لجرّ دمشق إلى توقيع اتفاقات إذعان.

صار في وسع الإدارة الجديدة أن تتصرّف بارتياح، بعد أن تحرّرت من ضغط العقوبات، وأن تباشر خطواتٍ فعليةً من أجل قيادة عملية تحوّل تعتمد على إشراك الكفاءات السورية السياسية والثقافية والعسكرية والاقتصادية في الحكم، وتحصين الجبهة الداخلية بإطلاق هيئة العدالة الانتقالية، التي تتولّى محاسبة مجرمي العهد الأسدي، وإنصاف الضحايا، وإغلاق الملفّات، التي لا تزال تشكّل ألغاماً مؤقّتةً يمكن أن تفجّر الوضع الداخلي.

يلقي رفع العقوبات على الإدارة السورية مسؤوليات كبيرة، بقدر ما يوفّر لها فرصةً ذهبيةً لا تتكرّر، يتوجّب عليها التقاطها وعدم التفريط بها، وأن تحسن التصرّف حيال الإجماع الذي أنتج قرارَ رفع العقوبات، وتُعيد ضبط خطواتها في ضوء ذلك، وهذا يتطلّب قبل كلّ شيء إجراء مراجعة سريعة لتجاوز بعض الأخطاء التي نجمت في الأشهر الماضية من الضغط الكبير، وبسبب التركة الكارثية الكبيرة التي خلّفها نظام الأسدَين، لجهة تدمير الاقتصاد الوطني، ونهب مقدرات البلد، ونقل أمواله إلى الخارج، وتقسيم المجتمع طائفياً، وإهمال أجزاءٍ واسعةٍ منه، وتركها تواجه مصيراً مجهولاً تحت سيطرة قوى الأمر الواقع، كما هو الحال في الجزيرة السورية، التي تشكّل ثلث مساحة سورية، والقسم الأكبر من ثرواتها من النفط والغاز والقمح والقطن.

سيعتمد معيار النجاح في المرحلة المقبلة على مقدرة الإدارة في استيعاب أهمية الانفتاح العربي والدولي عليها، وما لم تبادر إلى وضع استراتيجية نهوض فعلية بالبلد، سيبقى إنجاز رفع العقوبات يُراوح مكانه، لن تقدّم الدول مساعدتها من دون أن تلحظ تقدّماً فعلياً في أرض الواقع، والأمر نفسه ينسحب على الاستثمارات السورية وغير السورية، التي تحتاج إلى بيئة سياسية وأمنية مستقرّة.

العربي الجديد

——————————–

في أهمية رفع العقوبات والنهوض بالدولة السورية/ عمار ديوب

16 مايو 2025

قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب رفع العقوبات عن سورية تاريخي بامتياز. إنّه إعادة تموضع لسورية داخل العالم. وسيتطلب هذا بشأن تلك العقوبات التي بدأت في 1979 بعض الوقت، فهناك ما سيُتخلّص منها بقرار تنفيذي من ترامب، وهناك ما تحتاج قراراً من الكونغرس، وثمّة ما ستتم عبر مجلس الأمن، وتتطلّب إجماعاً دولياً. وسيعني هذا الرفع أن سورية لم تعد بلداً معزولاً بقوّة القرارات الأميركية والدولية. وبالتالي، سيقع على الإدارة في دمشق، وحكومتها، والفاعلين فيها كافّة، التقدّم بسياساتٍ جديدة، تُؤمّن بيئةً آمنة للاستثمار الخارجي، ولأفضل أشكال التواصل مع الرأسمال العالمي، وكذلك تثبيت حالة من الاستقرار الأمني وتوحيد البلاد وإشراك الفاعلين السوريين جميعهم في النهوض بالدولة، وإيقاف سياسات الاستئثار التي رافقت خطوات المرحلة الانتقالية: الحوار الوطني، وتعيين الرئيس من الفصائل في مؤتمر النصر، والإعلان الدستوري، والحكومتان، المؤقّتة والانتقالية.

الشرط العام لإقامة علاقات سليمة مع العالم (هناك شروط دولية أميركية وسواها) يبدأ من البوابة الداخلية، من تحقيق مطالب الشعب في الانتقال الديمقراطي، والتشدّد ضدّ الفصائل السلفية أو الجهادية أو أيّ فصائل تَرفض الإقرار بوحدة سورية، وتوحيد السلاح. وهذا يتطلّب سياسةً وطنيةً جامعةً، تنطلق من فتح حوار وطني حقيقي مع السوريين، للوصول إلى الشكل الأفضل، ونقصد الواقعي، للنهوض بالدولة. وبالتالي، المدخل نحو الاستقرار الحقيقي والثقة الخارجية بالإدارة الجديدة يكون عبر إعلان (مجدّداً) عقد مؤتمر وطني عام، والتجهيز له، تشارك فيه شخصيات وطنية معروفة بنزاهتها وفهمها العميق لتمايزات الشعب السوري، من وجوهها كافّة، وليس الدينية والقومية فقط.

هل هذا ممكن؟… يبدو أن الإدارة لا تفكّر به، ولا يبدو أن الشعب بقواه السياسية وسواها قادر عليه. إذاً ما الممكن؟… لدينا حالياً هدف أمام الشرع وإدارته هو تشكيل مجلس تشريعي. آليات تشكيله ستكون مراقبةً من الدول التي ضمنت تموضع الرئيس السوري أحمد الشرع وإدارته في إطار البدء بسياسات جديدة، تُراعي مطالب الخارج والداخل، ونقصد السعودية وتركيا وقطر بصورة خاصّة. الابتعاد عن الاستئثار في تشكيل المجلس، بأن يتخلّى الشرع عن حصّة الثلث وأن تختار لجان يُشكّلها الشرع الثلثين الباقيين (وفقاً للإعلان الدستوري)، ليُنتخب المجلس فعلياً من الشعب، ستكون المدخل للمجلس التشريعي، وبإعطائه صلاحيات كاملة لنقاش القضايا السورية، وأن يكون له كامل الصلاحيات الرقابية على مؤسّسات الدولة، وأن تُقرّ القوانين عبره. وهنا، من الضرورة بمكان إعادة النظر في الإعلان الدستوري، وفصل السلطات بالفعل، والاتجاه نحو تبنّي نظام متعدّد، رئاسي وبرلماني.

لا يعني البدء برفع العقوبات (سيأخذ وقتاً) أبداً طيِّ الشروط الأميركية، وكانت 12 شرطاً، ثمّ تحدّدت بشكل جازم مع ترامب في السعودية، وأكّدتها من جديد تصريحات البيت الأبيض في واشنطن، وتتحدّد بطرد المقاتلين الأجانب من أيّ مناصب سيادية في الجيش والأمن خاصّة، وأن تتجه الإدارة نحو التطبيع مع الدولة الصهيونية، وأن يتاح المجال للتحالف الدولي، وأن تتعاون إدارة دمشق بذلك في ملاحقة المجموعات الإرهابية في سورية، ومن دون قيود. وهناك شروط تتعلّق بإعادة تشكيل حكومة وطنية جامعة، وبغضّ النظر عن الدين والقومية.

كانت إدارة دمشق الجديدة واعية لحساسية الموقف من الدولة الصهيونية، ورغم تدمير الأخيرة البنية التحتية العسكرية السورية بشكل شبه كامل، والتقدّم بعد خطّ فكّ الاشتباك (1974)، وفرضها ما يشبه منطقةً آمنةً في كامل غرب دمشق وجنوبها، ظلت مواقف الإدارة ليّنةً وهادئةً، وبما لا يتناسب مع هذه الاعتداءات كلّها. موقفها هذا بدأ من 8 ديسمبر/ كانون الأول، ولم يتغيّر مع إعلان أحمد الشرع في الرياض بأنه ليس ضدّ اتفاقات إبراهام، وأكّد تمسّكه باتفاق فكّ الاشتباك، ولكن لم يطرح استعادة الجولان، وهذا يفتح على ضرورة نقاش هذه المسألة في البرلمان المقبل، والنقاش حقّ للسوريين، ليقرّروا مصير مناطق محتلّة من أراضيهم.

لن تأتي الاستثمارات بمجرّد البدء برفع العقوبات. وبالتأكيد، ستكون هناك مبالغ مالية من قطر والسعودية، وربّما من الإمارات، لتثبيت السلطة، ولمنع تأزّم المشكلات اليومية لأغلبية المواطنين، ولتمكين الإدارة وحكومتها من وضع الخطط وإعادة تشكيل المؤسّسات وتطويرها، وإيجاد بيئة قانونية وأمنية لتهيئة الوضع السوري لاستقبال الاستثمارات. ما لا يجوز توهمه أن البدء برفع العقوبات هو إعطاء شرعية كاملة للسلطة، أو اعتقاد الأخيرة أنها أصبحت مطلقة اليدين بأن تفعل ما تشاء في سورية. هذا وهم. إن رفع العقوبات جاء بدعمٍ إقليميٍّ واسع، وبقصد تثبيت الاستقرار في المنطقة، وبرضىً صهيوني بقدر ما، وأعلن ذلك وزير خارجية دولة الاحتلال: “نريد علاقات جيّدة مع الحكومة السورية”، وكذلك مقابل تنفيذ مطالب أميركا كاملة، ومنها تشكيل حكومة جامعة جديدة.

سورية في أمسّ الحاجة لمتابعة رفع العقوبات، ومن سيطابق الأقوال مع الأفعال هو إدارة الشرع. إذاً هذه الإدارة تحت المراقبة الدولية والإقليمية بصفة خاصّة. وقدرة الإدارة على تلبية الشروط الخارجية تتطلّب إحداث تغيير أساس في السلطة. وقد أشير أعلاه إلى المجلس التشريعي، وإلى ضرورة إحداث تغييرات في الإعلان الدستوري وتشكيل حكومة جديدة. ولكن هناك قضايا حسّاسة أخرى، وتتعلّق حصراً بالجيش وجهاز الأمن العام، وهناك تصنيف هيئة تحرير الشام، ومنها قادة في الدولة، إرهابيين. تسليم إعادة تشكيل الجيش لضبّاطٍ منشقّين عن النظام السابق، وإبعاد الأجانب منه، وإلغاء الدورة الشرعية للمنتسبين إليه، وفتح المجال للسوريين كافّة للانضمام، شروط أساسية، تنطبق أيضاً على أجهزة الأمن العام والاستخبارات والشرطة كذلك، وهذا سيردم الأساس الذي تستند إليه كلّ من قوات سوريا الديمقراطية “قسد” وفصائل السويداء، وكذلك الفصائل الجهادية والسلفية، وجدير بالملاحظة أن المنحة القطرية السابقة للبدء برفع العقوبات كانت تستثني الجيش والأمن.

إيجاد بيئة آمنة للاستثمار، وأمنية مستقرة، يتطلّب استقلال القضاء، وإتاحة أوسع أشكال الحرّيات العامّة، وإطلاق بيانات شفّافة في كلّ ما يتعلّق بالمؤسّسات التي تتشكل حديثاً. هذا أولاً، وثانياً، هناك ضرورة للاستعانة بخبراء ذوي كفاءة ووطنيين بشكل خاص، يُكلَّفون وضع خطّة وطنية لكيفية النهوض بالدولة، في المجالات كافّة، في شكل النظام السياسي وشكل الاقتصاد وقوانين الاستثمار والتعليم والثقافة والقوميات والأديان والعدالة الانتقالية. ربّما يكون وضع هذه الخطّة أكثر عمل أهميةً يقع على إدارة الشرع، وإكمالاً للفكرة أعلاه، تُعدّ مسألة المشاركة السياسية واحدةً من أكثر القضايا أهميةً، وهي ستسمح بتأمين شرعية حقيقية للإدارة ولخطواتها السياسية، فهل تعي جيّداً هذه الإدارة حساسية الوضع السوري بأكمله؟

العربي الجديد

—————————————–

 الشرع تحت ضغط اللاعقوبات على سوريا/ عمر قدور

السبت 2025/05/17

ما أن أعلن الرئيس ترامب عن نيته الإيعاز برفع العقوبات عن سوريا حتى عمّت الاحتفالات بين السوريين. ولا مجازفة في القول إن الخبر يحمل في طياته أكبر فرحة مشتركة، فيما لو جُرِّد من حسابات سياسية مستعجلة، سواء لدى قلائل جداً استاؤوا منه، أو لدى الذين اعتبروا أنهم حققوا به انتصاراً على سوريين آخرين. ما يعزز الفرح أن العهد البائد استخدم العقوبات (بأثر رجعي) كشمّاعة يعلّق عليه مجمل إخفاقاته، وورثتها السلطة الجديدة التي ربطت التقدّم في العديد من الملفات برفع العقوبات، ومنها ملفا العدالة الانتقالية والسلم الأهلي.

هناك ملايين من الفرحين الذين لا يضعون الاعتبار السياسي في الواجهة، فالأوضاع المعيشية متدهورة إلى حدود قصوى، والنسبة الغالبة من السوريين في الداخل هي تحت خط الجوع. يمكن مثلاً الحديث عن ملايين من الذين لا يستطيعون الذهاب إلى الأطباء وشراء الأدوية، أو إلى المستشفيات العامة التي تقادمت تجهيزاتها، ولم تعد تستطيع تقديم خدماتها المجانية. وما هو من بديهيات العيش في معظم الدول ليس بديهياً في سوريا، فثمة مثلاً ملايين من الذين تخلوا عن استخدام معجون الأسنان أو من الذين لم يستخدموه إطلاقاً. المُجاز الجامعي الذي يقبض راتباً يعادل 50 دولاراً قد يدفع نصفه للمواصلات بين سكنه وعمله، والسفر بين حلب ودمشق ذهاباً وإياباً مع تناول وجبة طعام قد يكلف أكثر من هذا الراتب.

العشم من رفع العقوبات هو على قدر هذا البؤس المعمم، وسقف التوقعات مرتفع بقدر ما وضِع قبل الثلاثاء الفائت على شماعة العقوبات، وأيضاً بقدر ما قيل عن نوايا طيبة من الأشقاء للمساعدة، تحُول العقوبات دونها والتنفيذ الفوري. بعض الآمال المتواضعة قد يكون تنفيذه قريب المنال، كتلك المتعلقة بسداد الرواتب وتحسينها قليلاً، أو المتعلقة بمساعدة المستشفيات المهترئة، أو زيادة ساعات الوصل الكهربائي.

لكن الانتقال من حالة البلد المنعزل، ثم المعزول خلال نصف قرن، إلى بلد منفتح لن يكون بسهولة التعاطي مع بعض المساعدات الإسعافية. الحديث هنا عن بلد واقعي، لا عن تلك الأهازيج الانتصارية المستمرة على السوشيال ميديا، حتى إذا كان من يقودونها موجودين في الداخل، فقد صار من المعتاد أن تُرى سوريا على نحو شخصي، وكلّ يرى فيها ما يناسب قدرته على الإنفاق، وهذا ليس بالجديد، ولا يُحسب فقط على العهد الحالي.

فيما يخص السلطة تحديداً، من المنطقي أن يكون رئيس المرحلة الانتقالية أحمد الشرع مدركاً لأعباء النقلة المطلوبة، سواء على الصعيد العام، أو على صعيد الإجراءات المطلوبة منه خارج الهمّ الاقتصادي، وربما هذا ما أثقل على خطاب الشكر الذي وجهه في اليوم التالي لإعلان ترامب. الانتقال إلى عالم متحرك، ومجاراة تحولاته السريعة والمنتظَرة، لن يكونا سهلين على بلد عاش العزلة، ولا على هيئة التحرير الحاكمة التي عاش قياديوها سنوات طويلة من التخفّي. ما هو مطلوب لقاء دمج سوريا في المنظومة الإقليمية (التي هي قيد التشكيل) لن يكون تمريره سهلاً في أوساط الهيئة نفسها، فالأمر يمسّ العديد مما يُعتبر بمثابة ثوابت أيديولوجية، في وقت لا تبدو فيه تلك الأوساط مرتاحة إلى التغيرات التي فرضها تسلّم مقاليد السلطة في دمشق.

تصريحات وزير الخارجية الأميركي، بعد لقائه نظيره السوري في تركيا، تكشف عن الأعباء المترتبة على إلغاء العقوبات. فهو تحدث عن تعهّد السلطة ببناء دولة تعددية، وعن رغبتها في السلام مع إسرائيل، وفي طرد المقاتلين الأجانب والإرهابيين ممن يزعزعون استقرار البلد. وأشار الوزير إلى أن الاستثناءات من قانون قيصر ستكون لمدة 180 يوماً قابلة للتجديد، ما يعني أن الاستثمارات الموعودة لن تأتي قبل إلغاء القانون الذي يحتاج قراراً من الكونغرس، منوّهاً بأن الذهاب إلى الكونغرس لإلغاء القانون سيكون بعد اختبار أفعال السلطة، وبأن الطريق طويل.

وإذا كانت الأنظار قد اتجهت أولاً إلى التعهّدات الخارجية، لحساسية ما يتعلق بإسرائيل خصوصاً، فالشق الداخلي لن يكون سهلاً بدءاً من الآن، لأن هناك مساعدات ستتدفق فعلاً من دول خليجية متحمّسة لتقديمها، مع رغبة حقيقية في انتشال سوريا من البؤس الذي قد يعود ليتسبب للمنطقة بمتاعب على صعيد الإرهاب، أو على صعيد الجرائم المنظّمة وفي رأسها تصنيع المخدرات وتصديرها. جدير بالذكر أن الأسد كان قد استخدم تلك المتاعب كورقة ابتزاز في الإقليم، فضلاً عن لعبه على الورقتين الإيرانية والروسية، وهذا كله لم يعد وارداً اليوم، فضلاً عن أن التهديد التقليدي بالفوضى لا يتناسب مع الانفتاح على المنطقة والعالم.

في ملاقاة المساعدات الواردة ستكون السلطة أمام استحقاق التشارك، إذا أرادت النجاح لمساعيها على المدى المتوسط والبعيد. والمقصود هنا ليس فقط مشاركة أوسع للجماعات الأهلية السورية؛ المطلب الذي ذكره وزير الخارجية الأميركية، وطالب به الأوروبيون من قبل. التشارك المطلوب يتعلق بالكفّ عن منطق الهيمنة على الوظائف العليا في الدولة السورية، وعدم النظر باستعلاء أو تخوين إلى شريحة التكنوقراط الموروثة، والتي لم تشارك في جرائم العهد البائد، والكفّ عن إقصاء المزيد منها في المستويات العليا والمتوسطة.

قبل يومين، على سبيل المثال ليس إلا، أثار السخرية خبرُ استقبال وزير العدل وفداً من البنك الدولي، بحث معه آليات تمويل مشروع الطاقة الكهربائية في سوريا! وقد صارت الأخبار متداولة بكثرة عن تدخل ما يُسمّى “الهيئة السياسية” التابعة لوزارة الخارجية في كافة مفاصل الدولة، وبما يذكّر بدور حزب البعث والمخابرات في العهد البائد. والمشكلة ليست فقط فيما يثيره ذلك من ذكريات مُرّة؛ هي في تسلط أشخاص لا خبرة لهم على أصحاب الشأن والخبرة بحيث تُقصى معايير الكفاءة لصالح الولاء كما حدث طيلة عقود.

سيكون من الخطأ الظن بإمكانية التوفيق بين نزوع احتكاري في الداخل وانفتاح على الخارج، فهذه الخلطة ممكنة فقط ونسبياً في بلدان لديها موارد وثروات ضخمة، لا في بلد يحتاج إلى المساعدات من مختلف الدول، وللدول المانحة توجهاتها واشتراطاتها، إذ لا أحد (وفق التعبير الشهير) يقدّم العشاء مجاناً سوى الوالدين. الفرصة المتاحة حالياً لسوريا استثنائية حقاً، لجهة أن الثمن المطلوب لقاء المساعدات بمعظمه ليس باهظاً، إلا بقدر صعوبته على بنية السلطة الحالية. حتى على هذا الصعيد، لا يبدو هناك في الخارج والداخل من يستعجلها للانقلاب على نفسها، فالإنجازات الكبيرة غير متوقَّعة في زمن قريب، والمطلوب منها إثبات جدية في السير على طريق التشارك في الداخل والانفتاح على الخارج.

يبقى أسوأ ما يمكن فعله هو النظر إلى رفع العقوبات، وبدء التعاطي الإيجابي من قبل إدارة ترامب، على أنهما صك لاكتساب الشرعية. المحتفلون بلهجة انتصارية فعلوا هذا، ربما من دون انتباه إلى أنهم يستقوون بالخارج على سوريين مختلفين معهم في الرأي؛ من دون انتباه إلى أن توسّل الشرعية من الخارج هو صنو ستة عقود منصرمة من العزلة.

المدن

———————-

رفع العقوبات فرصة أخرى أمام السوريين/ مالك ونوس

17 مايو 2025

قُيَّض لأبناء الشعب السوري أن ينالوا من جديد فرصةً أخرى للعمل الجادّ، تؤهّلهم لوضع بلادهم على السكّة التي توصلها إلى مرحلة التعافي. وتمثَّلت الفرصة السابقة في المرحلة التي تلت إسقاط النظام وهروب رئيسه بشّار الأسد خارج البلاد، وما تلاها من احتضان دولي لقضيتهم، وظهور استعداد لدى المجتمع الدولي، ونيّة صادقة لدى الدول الشقيقة، للأخذ بيد السوريين لحلّ مشكلاتهم وأزماتهم من أجل القطع مع المرحلة السابقة، استعداداً لمرحلة إعادة البناء وتضميد الجراح وجبر الخواطر، وسيادة القانون والبدء بمسار العدالة الانتقالية، لتأسيس دولة المواطنة التي حُرم منها السوريون على مدى أكثر من نصف قرن. وإذ لا تتكرّر فرصٌ من هذا النوع دائماً، وحين تتكرّر قد لا يجد المحظوظون بتكرارها من يقف في جانبهم لمساعدتهم في الاستفادة القصوى ممّا توفّره، إذا لم يكونوا أهلاً لها، فإن قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الإيعاز برفع العقوبات يُعدّ تغييراً لافتاً في الموقف الأميركي، ويُعدّ في الوقت عينه تحدّياً لحكومة الرئيس أحمد الشرع، وفرصةً لحلّ أزمات البلاد التي ورثتها من النظام السابق، التي لم تُعالج، فتوالدت أزماتٍ جديدةً.

قبل خطاب ترامب في الرياض في 13 مايو/ أيّار الجاري، وكلامه عن رفع العقوبات عن سورية حين قال: “سأصدر الأوامر برفع العقوبات عن سورية لمنحهم فرصةً للنجاح”، سلَّم كثيرون بصعوبة (وربّما باستحالة) رفع العقوبات الأميركية والغربية عن سورية، وفقدوا الأمل في حصول ذلك بسبب الشروط الأميركية المفروضة من أجل رفعها، وعجزت الحكومة السورية عن تحقيق عددٍ منها، وإن كانت ستحقّق بعضها، فإن الأمر سيستغرق وقتاً طويلاً. غير أن إعلان الرئيس الأميركي كان بمثابة الريح التي حرّكت هذا الملفّ، وأزالت الركود الذي اعتراه. وكانت الجُمَل والعبارات التي ساقها ترامب حينها كفيلةً بإعادة ضخّ الأمل في عروق السوريين، وإعادة الألق الذي فارق عيونهم بعد أسابيع من سقوط النظام، نتيجة الإحباط الذي لحقهم، وبعدما تأكّدوا أن ما عوّلوا عليه في مرحلة ما بعد الأسد قد تبدّد.

وأكمل ترامب كلامه حول سورية فقال: “حان وقت تألّقها، سنرفع العقوبات جميعاً، حظّاً موفّقاً سورية، دعونا نرى منكم شيئاً مميّزاً للغاية”. وكانت هذه الخاتمة بمثابة شرطٍ آخر، بعدما اعترف أن قراره ذاك لم يكن ليصدر منه لولا الجهد الذي بذله كلّ من ولي العهد السعودي الأمير محمّد بن سلمان والرئيس التركي رجب طيب أردوغان في هذا السياق. فهو أراد إعادة تأكيد الشروط التي وضعتها الإدارة الأميركية بعد سقوط نظام الأسد وطُلب من حكومة الشرع تنفيذها قبل رفع العقوبات. غير أن حالة الستاتيكو التي بات السوريون عليها جعلتهم بحاجة إلى دفعةً كهذه من ترامب، وأضيف إلى هذه الدفعة كلامه الذي قاله على هامش اللقاء الذي جمعه مع الشرع وولي العهد السعودي، وكذلك الرئيس التركي عبر تقنية الاتصال المرئي، وأعلن فيه خطواتٍ لإعادة العلاقات بين بلاده ودمشق، ونيّته دعم السوريين، والوقوف إلى جانبهم في مرحلة إعادة الإعمار.

إذاً، من جديد وضع ترامب الكرة في ملعب السوريين، فهو يعلم وهم يعرفون أن رفع العقوبات لن يكون من دون ثمن أو عمل من جانبهم. لذلك أكّد المتحدّث باسم الخارجية الأميركية توماس بيغوت، تعليقاً على الموضوع، أن هدف ترامب من رفع العقوبات هو تحقيق السلام طويل الأمد في المنطقة. لذلك، سيُربَط الأمر بتحقيق الاستقرار، ووقف الفلتان الأمني، علاوة على محاربة الإرهاب، عملاً بقانون العدالة ضدّ رعاة الإرهاب المعروف بـ”غاستا”، وقانون مكافحة الكبتاغون لعام 2022، الذي فُرض على النظام السوري، والذي يتقاطع مع جهود قطع مصادر تمويل الإرهاب. كما أن رغبة ترامب “برؤية الازدهار يعمّ المنطقة” منوطة بقضايا حقوق الإنسان. وفي حالة سورية، يرتبط هذا الأمر بقانون قيصر والأوامر التنفيذية الرئاسية الأميركية التي سبقته وصدرت سنتَي 2011 و2012، والمتعلّقة جميعها بانتهاكات حقوق الإنسان في سورية. لذلك فإنّ انتهاكات مثل تلك التي حصلت بداية مارس/ آذار الماضي في الساحل، وتلك التي تبعتها في جرمانا وريف دمشق والجنوب السوري، إذا ما تكرّرت، فستكون معيقةً للازدهار المأمول، وحينها قد يصرف الأميركيون نظرهم عن التعامل مع السوريين، لعلمهم أن ليست ثمّة جدّيةً لديهم في التعاطي مع هذه القضايا لحلّها.

ماذا لدى حكومة الشرع من أدوات للاستفادة من الفرصة التي ظهرت فجأة وسط جوٍّ من فقدان الأمل في سورية، وأعادت الأمل إلى السوريين؟… ذلك متوقّفٌ على تحقيق ما طالب به السوريون أنفسهم بعد سقوط النظام، من مطالب وحقوق، وخطوات لإعادة توحيد البلاد، وقانون عصري ودستور يكفل الحقوق، ونظام مصرفي متطوّر، وبيئة تحتية متينة، وقوانين استثمار تؤسّس بيئة استثمار مستقرّة. كذلك، البتّ في القضايا المعلّقة، التي لم يسهم تشكيل حكومة جديدة في البلاد في البتّ فيها، فأدّى ذلك إلى انتهاكات على أساس طائفي، وإلى حالة غليان طائفي سادت البلاد، وجعلتها حتى قبل أيّام من إعلان ترامب على حافة حرب أهلية فعلية، وهي الحرب التي كانت محتدمةً في وسائل التواصل الاجتماعي، ولم تفعل الحكومة شيئاً من أجل وقفها وتجريم من يحرّض طائفياً ومناطقياً فيعمل لإشعالها.

على الحكومة السورية القطع مع عقلية النظام السابق الإقصائية، وقد كان فصل مئات الآلاف من وظائفهم تكراراً لتلك العقلية، عندما اتبعت الحكومة أسلوب العقاب الجماعي، فخسرت الكوادر المُؤهَّلة، إذ لم يكن كلّ موظّفي الدولة منتهكين أو تابعين للنظام أو فاسدين، ومن كان منهم فاسداً، فإن الراتب الضحل الذي يتقاضاه لا يعدو أن يكون أقلّ من راتب البطالة، لا يؤمّن له سوى ثمن ربطة الخبز ومصاريف التنقّل. كما أن محاربة الفساد تكون بإقرار قوانين عصرية وتنفيذها وإجبار الجميع، بغضّ النظر عن مواقعهم، على الانصياع لها. ومن المهامّ، محاربة الفلتان الأمني والانتهاكات على أساس طائفي وإغلاق ملفّ المعتقلين والمغيّبين وتطبيق مبدأ العدالة الانتقالية وإنصاف الضحايا. كما أن هنالك ضرورة الدمج الفعلي للفصائل، وتأسيس جيش عصري يكفل الانضباط التام لعناصره، وتأسيس جهاز شرطة على درجة من المعرفة بقوانين حقوق الإنسان والقانون السوري، ومزوّد بكاميرات لمنع التجاوزات وتوثيق عمليات الضبط، لأن بيئة من الاستقرار الأمني شرطٌ رئيسٌ للشركات التي ستنقل استثماراتها إلى سورية للمساهمة في عملية إعادة البناء والتنمية.

مهامّ كثيرة تقع على عاتق الحكومة السورية لكي تستطيع امتلاك الأدوات للاستفادة من الفرصة التي باتت بيدها حتى لا تضيع، ومن التغيير الأميركي الذي قد لا يتكرّر، وإن تحقّق الآن، فإنه قد لا يستمرّ بعد أشهر. أمّا الملفّات العالقة فشديدة الوضوح، لا تحتاج الحكومة مستشارين وأحزاب ونقابات وإعلام لكي تدلّها عليها. أمّا المعالجة، فالشفافية والتشاركية واستغلال الكفاءات وتوظيف طاقات الجميع وجهدهم، والحرّية في الإشارة إلى الأخطاء لتجاوزها، هي الكفيلة بنجاح مسارها. قال ترامب للسوريين: “دعونا نرى منكم شيئاً مميّزاً للغاية”، أمّا ما ينتظره السوريون، وأجيالهم المقبلة، من حكومتهم الحالية، فهو ثمار هذا الشيء المميّز، إن قُدّرت للشعب السوري أيضاً رؤيته.

العربي الجديد

———————————–

إلغاء العقوبات الأميركية على سورية: إعلان ترامب مجرد بداية مسار/ محمد البديوي

16 مايو 2025

مثّل قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الثلاثاء الماضي، رفع العقوبات الأميركية على سورية واجتماعه بالرئيس السوري أحمد الشرع الأربعاء في الرياض، تحوّلاً لافتاً وسريعاً في السياسة الخارجية لواشنطن تجاه القيادة في دمشق، التي تعول على استثمار مفاعيل القرار سريعاً لتحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية. لكن قرار ترامب، الذي فاجأ حتى الدائرة القريبة منه خصوصاً أنه انتقل من التلميح إلى إمكانية إلغاء العقوبات للإعلان عن رفعها خلال ساعات فقط، يعد بداية لمسار طويل، لا سيما أن العقوبات الأميركية على سورية تتنوع بين أوامر تنفيذية وقوانين وقرارات من وزارتي الخزانة والخارجية. كما أن أصواتاً في الكونغرس الأميركي لا تبدي حماسة لرفع كامل للعقوبات بشكل سريع.

وحضر قرار ترامب رفع العقوبات عن سورية، في لقاء جمع وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، أمس الخميس، بنظيريه الأميركي ماركو روبيو والسوري أسعد الشيباني، في أنطاليا التركية. وقال روبيو عقب المباحثات إن واشنطن ستصدر إعفاءات أولية من العقوبات القانونية المفروضة على سورية. وفي حديثه للصحافيين في أنطاليا بتركيا، قال روبيو إن الولايات المتحدة “تريد أن تفعل كل ما في وسعها للمساعدة في تحقيق السلام والاستقرار في سورية” مع خروجها من حرب دامت 13 عاماً.

كما قالت وزارة الخزانة الأميركية، في بيان لها أمس الخميس، إنها تعمل بالتنسيق مع الخارجية ومجلس الأمن القومي لتنفيذ توجيهات ترامب بشأن رفع العقوبات وأضافت الوزارة في بيان لها أنها تتطلع إلى إصدار “التراخيص التي ستكون حاسمة لاستقطاب استثمارات جديدة إلى سورية”، مضيفة أن “إجراءاتها من شأنها المساعدة في إعادة بناء الاقتصاد والقطاع المالي والبنية التحتية في سورية”. كذلك نقلت رويترز عن مسؤول في إدارة ترامب قوله إن وزارة الخزانة ستصدر على الأرجح في الأسابيع المقبلة، رخصاً تغطي نطاقاً واسعاً من قطاعات الاقتصاد الضرورية لإعادة الإعمار في سورية.

وشرح مصدر عمل سابقاً في الخارجية الأميركية في ملفات متعلقة بالشرق الأوسط، لـ”العربي الجديد” بعضاً من تفاصيل ما هو متوقع في ملف العقوبات خلال المرحلة المقبلة. وأوضح أن تعهد ترامب برفع العقوبات الأميركية عن سورية، يعني بمجرد تنفيذه إزالة القيود عنها في ملف العلاقات السياسية الدولية، خصوصاً لدى الولايات المتحدة، غير أنه أشار إلى أن عملية التنفيذ “قد تكون معقّدة وقد تستغرق وقتاً”. وأوضح المصدر أنه بمجرد توقيع الرئيس على أمر تنفيذي بإلغاء الأوامر التنفيذية السابقة الخاصة بها، فإنه يمكن لسورية استعادة مبنى سفارتها والقنصليات داخل الولايات المتحدة، بما يفتح الباب في المستقبل أمام عودة العلاقات الدبلوماسية الأميركية السورية، لكن كل هذا مرتبط بـ”رؤية ترامب” والموعد الذي يراه مناسباً ومراقبة سلوك السلطة السورية الحالية.

وشرح المصدر الأميركي أن إلغاء الأمر التنفيذي 13582 الذي أصدره الرئيس الأسبق باراك أوباما في أغسطس/آب 2011، يلغي بالفعل الكثير من العقوبات الموقّعة، إذ يجمّد هذا الأمر التنفيذي ممتلكات الحكومة السورية ويحظر الاستثمارات الجديدة في سورية من قبل الأميركيين، بمن فيهم الأميركيون من أصل سوري، ويحظر تصدير أو بيع الخدمات إلى سورية من قبل الأميركيين، واستيراد النفط أو المنتجات النفطية من أصل سوري، كما يحظر على الأميركيين المشاركة في المعاملات المتعلقة بالنفط أو المنتجات النفطية السورية، ويجمد جميع الممتلكات والمصالح الموجودة في الولايات المتحدة ولا يجوز نقلها أو تصديرها أو سحبها أو التعامل بها بأي شكل.

وأوضح المصدر أنه على سبيل المثال، السفارة السورية في واشنطن تمتلكها الجمهورية السورية، وبإلغاء الأوامر التنفيذية السابقة تعود ملكيتها الحالية المجمّدة إليها. كما تمنع الأوامر التنفيذية الشركات الأميركية من تصدير مواد إلى سورية، والاستثمار من قِبل السوريين الأميركيين. وأشار إلى أن إلغاء الأوامر التنفيذية يلغي القيود المفروضة على السفر للمسؤولين السوريين وأعضاء الحكومة بما يعيد اندماجها في النظام الدولي. ولفت إلى أنه من المتوقع أن تستمر العقوبات الأميركية على أفراد نظام بشار الأسد ولن يتم إلغاؤها.

وبينما لا تزال سورية، طبقاً لواشنطن، دولة راعية للإرهاب، وفق الإجراء المتخذ عام 1979 والذي وضعها في هذه القائمة، التقى ترامب الرئيس السوري أحمد الشرع أمس الأول الأربعاء في الرياض، علماً أن آخر مرة التقى فيها رئيسا الولايات المتحدة وسورية كانت منذ نحو 25 عاماً، عندما التقى بيل كلينتون، عام 2000، حافظ الأسد في سويسرا، وناقشا آنذاك الجهود المبذولة للتوصل إلى اتفاق سلام مع إسرائيل.

العقوبات الأميركية على سورية

تنقسم العقوبات الأميركية على سورية إلى أوامر تنفيذية وقوانين وقرارات من وزارتي الخزانة والخارجية. بالنسبة للأوامر التنفيذية، يمكن لترامب إلغاؤها بقرار رئاسي فوري بدون موافقة الكونغرس طبقاً للمرسوم رقم 14148 والذي يعطي للرئيس الحق في إلغاء أوامر تنفيذية سابقة. وفي حين صنفت الولايات المتحدة، في وقت سابق، سورية دولة راعية للإرهاب، فإن رفعها من القائمة يتطلب إشعاراً من الكونغرس الأميركي، وإذا لم يعارض الأخير في مهلة مدتها 45 يوماً، يجري شطبها. أما بالنسبة للجماعات المدرجة على لوائح الإرهاب أو الأفراد المدرجين سابقاً في “هيئة تحرير الشام”، فسلطة إصدار القرار بيد وزير الخارجية الأميركي. أما القوانين الصادرة من الكونغرس مثل “قانون قيصر” فله إجراءات معقّدة لفك الارتباط به، خصوصاً أنه مُرر باعتباره جزءاً من ميزانية وزارة الدفاع الأميركية ويمتد حتى 2029.

ويمثل إعلان ترامب تعهده برفع العقوبات نهجاً جديداً تجاه سورية التي تحاول إعادة الانخراط في النظام العالمي مالياً وسياسياً، في ظل تعهدات دولية بمساعدة الإدارة الحالية في محاولة إعادة البناء. وعبّر ترامب في خطاب له خلال جولته الخليجية عن رغبته في “منح سورية فرصة لإعادة الإعمار”، والتي تتطلب إلغاء هذه العقوبات الأميركية التي عزلت سورية دولياً واقتصادياً، ومنعتها من استخدام نظام سويفت المالي.

وذكرت وكالة رويترز أن قرار ترامب فاجأ البعض في إدارته. ونقلت عن أربعة مسؤولين أميركيين مطلعين لم تسمهم أن كبار المسؤولين في وزارتي الخارجية والخزانة هرعوا في محاولة لاستيعاب كيفية إلغاء العقوبات، وبعضها مفروض منذ عقود. وأوضح مسؤول أميركي كبير أن البيت الأبيض لم يصدر أي مذكرة أو توجيهاً لمسؤولي العقوبات في وزارة الخارجية أو وزارة الخزانة للتحضير لإلغائها، ولم ينبههم إلى أن هناك إعلاناً وشيكاً من الرئيس بهذا الشأن. وبعد الإعلان، كان المسؤولون في حيرة من أمرهم حول الكيفية التي ستلغي بها الإدارة الأميركية حزماً ومستويات من العقوبات، وأي منها سيتم تخفيفها ومتى يريد البيت الأبيض بدء العملية. وذكر المسؤول الكبير، وفق “رويترز”، أنه وحتى الوقت الذي التقى فيه ترامب بالشرع في السعودية الأربعاء، كان المسؤولون في الخارجية والخزانة لا يزالون غير متأكدين من كيفية المضي قدماً. وقال أحد المسؤولين الأميركيين “يحاول الجميع استكشاف كيفية تنفيذ ذلك”، في إشارة لإعلان ترامب.

مؤشرات على مسار طويل

بعض العقوبات التي تتطلب موافقة الكونغرس قد لا يمضي رفعها قدماً بالسرعة التي تتمناها سورية، وهو ما عبّر عنه السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام، الذي دعا في بيان له إلى اتّباع منهج حذر ومدروس تجاه رفع العقوبات، مؤكداً أن للكونغرس دوراً رقابياً مهماً. وقال إنه يميل إلى دعم “تخفيف العقوبات في الظروف المناسبة”، مضيفاً في الوقت ذاته أن الحكومة السورية الحالية “استولت على السلطة بالقوة”. وشدد غراهام على أن رفع العقوبات الأميركية على سورية التي أقرها الكونغرس “عملية معقّدة”، داعياً إلى التنسيق مع إسرائيل أولاً لـ”معالجة المخاوف الأمنية”. وقال: “قد تكون الحكومة الجديدة في سورية استثماراً جيداً، في طريق توحيد البلاد والتحوّل إلى الاستقرار بما سيحدث تغيراً جذرياً في المنطقة، ولكن بالنظر إلى ماضيها يجب تقييم تقدمها بترقب واهتمام”. وشدد على دور الكونغرس المهم في تخفيف أي عقوبات، وعلى ضرورة أن تقدّم إدارة ترامب تقريراً إلى الكونغرس يحدد التغييرات الجوهرية في الوضع الميداني في سورية قبل رفع تصنيفها دولة راعية للإرهاب. وتابع: “لم يصل إلينا هذا التقرير بعد، ولدى الكونغرس فرصة لمراجعة هذا الإجراء”، داعياً إلى ضرورة إطلاع الكونغرس على التغييرات وعلى استيفاء سورية للشروط المفروضة عليها قبل اتخاذ قرار بشأن الموافقة على تغيير تصنيفها من عدمه.

واتفق السيناتور الديمقراطي ريتشارد بلومنتال مع غراهام في وجهة نظره، مؤكداً ضرورة تقديم إدارة الرئيس تقريراً إلى الكونغرس، وأن يكون تخفيف العقوبات مشروطاً بالحصول على تنازلات من الحكومة السورية. أما رئيس لجنة العلاقات الخارجية السيناتور الجمهوري جيم ريش، فكشف في بيان له أنه ناقش الأمر مع ترامب ووزير الخارجية ماركو روبيو سابقاً، وأنه يحترم “رأي الرئيس”. من جهتها، قالت السيناتور الديمقراطية جين شاهين إنها ترحب بإلغاء العقوبات على سورية بعد إسقاط نظام الأسد لإعطائها فرصة للتطور إلى دولة حرة ومستقلة عن النفوذ الإيراني والروسي والصيني، داعية إلى التحرك بسرعة لرفع هذه العقوبات.

ويمثّل “قانون قيصر” أكثر العقوبات تعقيداً بخلاف الأوامر التنفيذية، إذ لا يكتفي فقط بفرض عقوبات على النظام السوري، وإنما على الشركات والدول التي تتعاون معها، ويمنع بشكل نهائي إمكانية التبادل التجاري والاستثمار في النفط والمعادن والتي تمتلك سورية احتياطات مهمة منها، كما يمنع أي تعامل مالي مع سورية. ويتطلب إلغاء هذا القانون تصويتاً من الكونغرس، غير أن نص القانون يتضمن بنداً يتيح للرئيس تعليق العقوبات لأسباب تتعلق بالأمن القومي، وذلك طبقاً لتصريحات رئيس المجلس السوري الأميركي فاروق بلال لـ”العربي الجديد”، وهو أحد الذين ساهموا في تمرير القانون ضمن حزمة وزارة الدفاع، والذي أشار أيضاً إلى أنه يمكن إصدار رخصة عامة من قبل الرئيس لتعليق تنفيذ بعض أو كل العقوبات وهو ما حدث بالفعل من قبل أثناء كارثة الزلزال الذي ضرب أجزاء من سورية في فبراير/شباط 2023.

العربي الجديد

—————————————–

انطلاق العلاقات السورية ـ الأميركية: ما حدودها وبأي شروط؟/ عدنان علي

17 مايو 2025

شكّل إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال زيارته إلى السعودية رفع العقوبات المفروضة على سورية، ومن ثم اجتماعه مع الرئيس السوري أحمد الشرع يوم الأربعاء الماضي، نقلة نوعية ليس في مسار العلاقات السورية ـ الأميركية بل في التفكير الأميركي، وترامب بالذات، حيال الملف السوري بعدما كانت خطته الوحيدة حيال سورية تتجلى في الإسراع في سحب القوات الأميركية من هذا البلد، وتركه وشأنه. وبرز قول ترامب، أمس الجمعة للصحافيين على متن الطائرة الرئاسية بعد مغادرته أبوظبي، إنه لم يستشر إسرائيل في قرار الاعتراف بالحكومة السورية الجديدة. واستطرد قائلاً: “لم استشرهم في ذلك، اعتقدت أنه كان القرار الصحيح، وحظيت بالكثير من الإشادة عليه، نريد النجاح لسورية”.

لقاء روبيو والشيباني

وبعد تصريحات ترامب في السعودية يومي الثلاثاء والأربعاء الماضيين، تسارعت خطوات المسؤولين الأميركيين، الذين فوجئوا كما يبدو بقرار رفع العقوبات، للعمل على ترجمته على أرض الواقع، فيما التقى وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، الخميس الماضي، في أنطاليا التركية، نظيره السوري أسعد الشيباني بحضور وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، الذي غادر الاجتماع الثلاثي تاركاً الوزيرين الأميركي والسوري بمفردهما، بحسب ما ذكرت وكالة الاناضول التركية. وفي تصريح للصحافيين، قال الوزير الأميركي إن بلاده ستصدر إعفاءات أولية من العقوبات القانونية المفروضة على سورية، مضيفاً أن الولايات المتحدة تسعى إلى دعم جهود السلام والاستقرار في سورية، ومساعدة السوريين على إعادة بناء بلادهم. ولفت روبيو إلى أن “الإدارة السورية الجديدة تريد السلام مع جميع جيرانها وطلبت منا المساعدة في بعض القضايا وسنقدمها لها”. وأضاف: “في حال أحرزت سورية تقدماً، سنطلب من الكونغرس إلغاء العقوبات بصورة دائمة”.

ملفات مطلوب إحراز تقدم فيها

وفي إشارة إلى الملفات المطلوب من الإدارة السورية إحراز تقدم فيها للمضي في رفع العقوبات بوتيرة أوسع، رحب روبيو بـ”دعوات الحكومة السورية للسلام مع إسرائيل”، و”الجهود المبذولة لإنهاء النفوذ الإيراني في سورية” و”الالتزام بالكشف عن مصير المواطنين الأميركيين المفقودين أو القتلى في سورية” و”القضاء على جميع الأسلحة الكيميائية”. وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية تامي بروس، في بيان عقب اللقاء، إن روبيو شدد على الأهمية الحاسمة لحماية حقوق الإنسان لجميع السوريين بغض النظر عن عرقهم أو دينهم.

رص

بدوره، علق الشيباني على اللقاء معتبراً، في تغريدة له على “إكس”، أنه كان اجتماعاً “مثمراً وبنّاء”. وأضاف: “وضعنا لبنة مهمة في بناء علاقات استراتيجية متقدمة مع الولايات المتحدة بما يخدم مصالح شعبنا ويعزز حضورنا الإقليمي والدولي”. وفي تصريحات أخرى لـ”الإخبارية السورية”، قال الشيباني إن روبيو أبلغه أن ترامب “رجل عملي، وهو مهتم بالوضع في سورية”، مشيراً إلى الاتفاق مع الجانب الأميركي على تشكيل فرق تقنية ستجتمع بعد أسبوع لتُزال العقوبات بشكل سريع. وقال الشيباني إن الجانب الأميركي أبلغهم أنه يريد سورية “دولة موحدة وقوية”، وأنهم يريدون قبل نهاية ولاية ترامب أن يروا سورية قد انتهت من إعادة الإعمار، وعاد إليها السوريون المهجرون. وحول تفسيره التحوّل الأميركي حيال سورية، قال الشيباني إن سورية ليست دولة هامشية، ولديها مصالح مشتركة مع الجميع بمن فيهم الولايات المتحدة.

ورأى الناشط السياسي السوري المقيم في الولايات المتحدة أيمن عبد النور، في حديث مع “العربي الجديد”، أن الملفات العالقة بين الطرفين الآن هي النقاط الثماني التي قدمتها الولايات المتحدة للجانب السوري الشهر الماضي، وتتعلق عموماً بما تحدث عنه روبيو، إضافة إلى موضوع المقاتلين الأجانب والفصائل الفلسطينية في سورية، فضلاً عن الطلب الذي تحدث عنه ترامب خلال لقائه مع الشرع، وهو تولي دمشق الإشراف على السجون في شرق سورية التي تضم مقاتلي وعائلات تنظيم داعش والتي تتولاها الآن قوات سوريا الديمقراطية (قسد). وأضاف عبد النور أن الولايات المتحدة تريد جواباً بالإيجاب على هذه النقاط، وأن تُنفَّذ جميعاً قبل نهاية يونيو/حزيران المقبل، أي قبل اجتماع اللجنة المقرر أن تجتمع مطلع يوليو/تموز للنظر في مدى استجابة الحكومة السورية لهذه المطالب، كما كان مقرراً سابقاً، أي قبل قرار ترامب رفع العقوبات.

وأعلن وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت، عبر حسابه على منصة “إكس” في 14 الشهر الحالي، أن وزارته تتخذ خطوات لتخفيف العقوبات بهدف استقرار الوضع، و”مساعدة سورية على التحرك نحو السلام”.

وضع العلاقات السورية ـ الأميركية في مسار ثنائي

من جهته، قال الباحث السوري رضوان زيادة إن قرار رفع العقوبات يضع العلاقات السورية ـ الأميركية في مسار ثنائي، لكن رفع العقوبات مسار مختلف عن تطبيع العلاقات. وأضاف زيادة لـ”العربي الجديد”: “رفع العقوبات يحتاج إلى قرارات تنفيذية، وبدأت وزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي ووزير الخزانة أخذ إجراءات من أجل تنفيذ هذا القرار”. وتابع: “أما تطبيع العلاقات السورية ـ الأميركية فإنه يحتاج إلى إجراءات أخرى مثل الاعتراف وفتح السفارات، وهذه قضايا قد تسير بشكل متوازٍ أو متتابع، بناء على ما يتحقق في المسار الأول”.

ورأى مراقبون أن قرار الإدارة الأميركية الانفتاح على الحكم في سورية ينسجم مع رغبة ترامب في تحقيق “إنجازات” سريعة في السياسة الخارجية، بعد التعثر الحاصل في جهوده لوقف الحرب في أوكرانيا، وفي غزة، فضلاً عن إخفاقات أخرى في سياسته الخارجية. وقال المحلل السياسي غازي دحمان، لـ”العربي الجديد”، إن الملف السوري الذي كان مهملاً في تفكير ترامب لوقت قصير، وجد فيه اليوم “فرصة استثمارية” على صعيد السياسة الخارجية، بلا مخاطر، باستثناء اعتراضات إسرائيل المعهودة. ولفت دحمان إلى أن توتر العلاقة بين ترامب ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ربما أسهم في اتخاذ قرار رفع العقوبات وتجاهل التحذيرات الإسرائيلية في هذا الصدد. واعتبر أن السياستين الأميركية والإسرائيلية غير متطابقتين في سورية، ولدى واشنطن اعتبارات ومصالح أوسع من التقييدات التي تحاول إسرائيل حصرها فيها. وتوقع أن يُحرَز تقدم خلال الفترة المقبلة في العلاقات السورية ـ الأميركية، لكن الوصول إلى علاقات متميزة واستراتيجية سوف يحتاج إلى سنوات إذا سارت الأمور على وتيرة حسنة بين الطرفين.

العربي الجديد

————————

معجزات الرئيس الشرع التي لم تكتمل/ علي العائد

16 مايو 2025

حتى بعد قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب رفع العقوبات المفروضة على سورية، لم تتضح الصورة بعد: أي عقوبات سيتم رفعها، وبأي ثمن؟

بداية، لم تكن العقوبات لترفع بهذه السرعة المفاجئة لولا الجهود الإقليمية، ولولا روح التاجر الأميركي الممثلة في العقل العقاري للرئيس الأميركي. فما لعبه ولي العهد السعودي، والرئيس التركي، بشكل مباشر، ودولتا قطر، والإمارات العربية المتحدة، بشكل غير مباشر، من أدوار، جعل الأمر أكثر سهولة من جهة، وأكثر مفاجأة من جهة أخرى، بالرغم من توقع حدوث ذلك. والمفاجأة أنه لم تحدث مفاجأة تعكس التوقعات.

تم رفع العقوبات، عبر تجميدها أولًا، في انتظار موافقة الكونغرس على طلب الرئيس ترامب، في تموز/ يوليو المقبل، ليتم رفع العقوبات بشكل رسمي وقانوني.

ما هي العقوبات التي سيتم رفعها، وهل ستقتصر على العقوبات المرتبطة بقانون قيصر، أم ستشمل كل العقوبات المفروضة على الجمهورية العربية السورية منذ نهاية سبعينيات القرن العشرين، وهل ستشمل العقوبات تلك المفروضة على الأفراد، من أعوان النظامين الأسديين خلال ما يقرب من خمسة عقود، وهل ستشمل العقوبات المفروضة على أفراد من الفريق الحاكم مع الرئيس الشرع، وعلى الكيانات العسكرية التي حررت دمشق من حكم بشار الأسد؟

لا يتضح أي من ذلك الآن.

عدد العقوبات التي تخضع لها سورية منذ عام 1979 يبلغ 2879 عقوبة، بين أميركية وأوروبية، تشمل الحظر التجاري، والنفطي، وتجميد الأصول المالية، وفرض قيود على السفر، وعزل المصارف السورية عن النظام المالي العالمي.

في المدى القريب المقدر بأيام وأسابيع، ما يهم السوريين بشكل ملح وعاجل هو رفع العقوبات على التحويلات المصرفية، لتتدفق الأموال بشكل قانوني، من مساعدات ومنح وقروض واستثمارات، الأمر الذي يتيح للحكومة زيادة الرواتب بشكل عاجل ومدروس كي لا يبدد التضخم المتوقع جزءًا كبيرًا من أي زيادة في الرواتب.

هذا متاح، ولا بد من أن المصارف العاملة في سورية، من عامة وخاصة، استعدت قبل وقت للاستجابة لهذه المهمة. وبمجرد أن ينشط نظام سويفت ويعود للعمل في سورية، ستتدفق الأموال، لتستدرك المصارف ما فاتها، بل ستنتعش بنسب معتبرة من الأرباح، على الأقل في الفترات الأولى لعودة الروح للعمل المصرفي في سورية. وبالتوقع نفسه، سيشهد الاقتصاد السوري قفزات نمو قد تتجاوز 50 في المئة هذا العام، وربما أكثر، من بندي تدفق الاستثمارات، وحركة التجارة، والتوزيع، وهذا قبل حسابات الأرباح والخسائر التي تحتاج إلى شهور لحساب أرقامها.

بأي ثمن سيتم تحقيق هذه الآمال للمواطن السوري، الفقير أولًا؟ هذا ما أثار تخرصات من كانوا يراهنون على فشل “أبو محمد الجولاني”، عند من توقفت عقولهم عند عام 2013، ولم تحرك ذاكرتهم إلا مشاهد مختلطة ربطت الرئيس الشرع بـ”القاعدة” إلى الأبد. هؤلاء يحتاجون إلى الدليل، لكن تساؤلاتهم اليسارية الرطبة، بل المتعفنة، لا تزال تتقاطع مع إدارة النظامين البائدين لملف الجولان بعد بيعه، وعلى متاجرته بالقضية الفلسطينية، وكأنهم كانوا يفضلون أن يستمروا في سماع حجة النظامين البائدين بـ”الرد في الزمان والمكان المناسبين”. وعبر ذلك، ربطوا رفع العقوبات بشكل مباشر بتنازل الرئيس السوري أحمد الشرع عن الجولان، والانضمام إلى اتفاقيات “السلام الإبراهيمي”، متناسين أن هذه تمنيات البيت الأبيض الأميركي، التي جاءت بعد كلمة “نحثُّ”، ما يعني أن الحكم على ذلك مبكر، خاصة أن ولاية الرئيس الشرع موقتة، كونه رئيسًا غير منتخب، وسورية غير محكومة بدستور دائم اليوم، وبالتالي فإن أي قرار مصيري مثل “تناسي الجولان” والتطبيع مع دولة الاحتلال، يحتاج على الأقل إلى استفتاء شعبي ستكون نتيجته بكل تأكيد رفض الشعب السوري لذلك بأغلبية مطلقة.

ومما يُنتظر أن يعكسه رفع العقوبات، عاجلًا، إسكات الأصوات المشككة بالأمل، وكف الأيادي العاطلة عن العمل عن العبث بالعقول في وسائل التواصل الاجتماعي، من باب “الإيد البطالة نجسة” وفق تعبير المثل الشعبي المصري. ببساطة، عندما تتاح فرص العمل، ويجري المال في أيدي الشباب السوري، لن يكون لديهم من الوقت ما يهدرونه على وسائل التواصل الاجتماعي، ولن يتلقوا أي رسائل سلبية، ما يجعل جهود الذباب الإلكتروني النشطة تذهب هدرًا، وحتى أوقات فراغ الشباب السوري ستذهب للاستمتاع بنتيجة عملهم، وإلى تربية أمل أكبر، وثقة في تجاوز محنة أكلت من أعمارهم 15 سنة من اليأس.

رفع العقوبات، اليوم، أصبح خبرًا من الماضي حتى ولو لم تمض عليه ساعات. أما توديع الخوف فهو أهم منجزات الثورة السورية، أقصد الخوف من السلطة. وتوديع الخوف لن يكون خبرًا سيتجاوزه السوريون، بل واقعًا يربون حريتهم المتعاظمة عليه، لتزداد مناعتهم ضد الخوف، الخوف من السلطة، والخوف من رغيف الخبز، ونبذ اليأس، والتدرب على الحياة الجديدة.

وإذ إنه من المبكر الآن الحديث عن إعادة الإعمار، أو تلمس نتائج فورية من ذلك، ينتظر فقراء سورية الآن تباشير ذلك، عودة الكهرباء، تحسين الاتصالات والمواصلات، وتوفير المياه، والدواء، وقفزات كبيرة في القطاع الصحي، وهذه أشياء يمكن إنجازها في شهور، خاصة أن عودة المصارف للارتباط بالعالم تعني تدفق الأموال، ومع الأمل بأن تتسلمها أيد نظيفة، فإن ذلك يعني في ما يعنيه أن ما تقدره الأمم المتحدة بسنوات كزمن لانتعاش هذه القطاعات سيكون في شهور فقط. وتعبير انتعاش هنا لا يعني النهوض من حضيض، بل العودة على الأقل إلى المستويات شبه الآدمية التي كانت متوافرة في عام 2011. وبالمناسبة، كان القطاع الصحي في حالة سيئة قبل الثورة. إذ لا يعني أن الطبابة مجانية في المشافي التي كانت تمولها وتديرها الدولة أن الخدمات الصحية في سورية كانت جيدة. هي في أحسن الأحوال كانت مقبولة. ويكفي التذكير بالأسعار الفاحشة للمشافي الخاصة وقتها للقياس على مدى تدني مستوى الخدمة في المشافي العامة. ومن دون وساطة، ورشاوى، وإكراميات، لم يكن المواطن ليحصل بسهولة على تلك الخدمة المتدنية الجودة، خاصة مع اكتظاظ تلك المشافي بالمرضى والمراجعين.

بدأت معجزات الرئيس الشرع مع الدخول إلى دمشق وفرار رأس النظام المخلوع، تلتها معجزة غياب أي مظهر من مظاهر الانتقام في أول شهرين، مع تجاوزات محدودة لا ينكرها عاقل، لكن لها تفسيرات، وتتحمل السلطة كل المسؤولية عنها. وأتت المعجزة الثالثة برفع العقوبات.

أي من هذه الثلاثة لم تكتمل بعد، فدمشق ليست دمشق مع كل هذا الفقر، وكل الخدمات المتدنية، أو الغائبة تمامًا. والانفلات الأمني في الساحل، وتمنع السويداء، وتكرار جرائم القتل، وعدم محاسبة المتسببين فيها يحتاج حلًا سريعًا. كما أن رفع العقوبات يحتاج وقتًا لتظهر آثاره على حياة الناس.

وإذا أضفنا لذلك مشكلة الخبز المتوقعة مع جدب الموسم الزراعي هذا العام، سيكون على الحكومة توفير القمح المستورد في انتظار الموسم المقبل.

تبقى مشكلة المياه في العاصمة، مع شح الأمطار هذه السنة، وتراجع مخزون مياه نبع عين الفيجة المغذي لدمشق، ما يعني وجوب العمل سريعًا على تغذية شبكة مياه العاصمة بحفر آبار جوفية تخفف الضغط على نبع عين الفيجة، مع بناء محطات لتنقية المياه وترقيدها، لألا تتسبب هذه المياه بأي آثار صحية على سكان دمشق وزوارها.

والمؤكد أن إسعاف سورية لن تستطيع الحكومة وحدها القيام به، فعلى عاتق المجتمع المدني السوري، المقيم والمغترب، جزء من ذلك، وتستطيع أموال هؤلاء، وتبرعات الأفراد مهما بلغت من التواضع، إعادة بناء ترميم وبناء المدارس، ليعوض كثير من التلاميذ والطلاب ما فاتهم في سنوات الحرب. وهذه إحدى أهم مهمات السوريين، حكومة وشعبًا، كي يواسي الجيل الآتي خيبات الآباء والأجداد.

ضفة ثالثة

———————————-

عن النقاش المعقّد في وضعية سوريا راهنا…/ ماجد كيالي

التمهيد لتمكين الشرط الداخلي

آخر تحديث 16 مايو 2025

في النقاش الراهن والسائد، بشأن وضعية سوريا وشعبها، غالبا ما يجري الحديث عن معايير نظرية جاهزة، أو عن رغبات وأمنيات مشروعة كاشتراطات مسبقة، وهو أمر جائز نظريا، بيد أنه لا يقدم أو لا يضيف شيئا جديدا أو عمليا، بل ويبعث على الخلط والارتباك والضياع والإحباط.

المشكلة في خوض غمار هذا النقاش أيضا، تتمثل بالقفز مرة واحدة عن مراكمات نصف قرن من منع السياسة والافتقاد للدولة، ولحقوق المواطنة، وشيوع التسلط والاستبداد والفساد، والتقوقع في حيز الهويات الأولية، الطائفية والإثنية، في ظل “نظام الأبد” البائد، علما أن تلك ليست مجرد توصيفات أو حيثيات شكلية، إذ إنها حفرت كثيرا وعميقا في سيكولوجيا السوريين، وروحهم وعقلهم وسلوكياتهم، وأثرت بشكل سلبي على رؤيتهم لذاتهم، وعلاقاتهم إزاء بعضهم وأيضا إزاء السلطة.

فوق كل ما تقدم، يلزم إضافة 14 عاما من العنف المفرط والأعمى، الذي ذهب إليه النظام الفارط في محاولته الحفاظ على سلطته، وبخاصة أنه أخذ السوريين إليه، مع كل ما صاحب ذلك من قتل وتدمير وتشريد ملايين السوريين، الأمر الذي أدى إلى إفقارهم، وتخريب عيشهم في الداخل والخارج، مع تبديد مواردهم وتدمير بناهم التحتية، ووضع الحواجز بينهم.

بالطبع يمكن التسليم بأن نظام الأسد بات من الماضي، وبأنه لا يمكن قياس الحاضر على الماضي، لأن الثورة تعني التجاوز وخلق عالم بديل أفضل، لكن هذا الكلام على أهميته، يفترض أن لا يتناسى الواقع على حقيقته، أو القفز فوق المقدمات السابقة، وضمنها التركة الثقيلة والعميقة والمشوهة التي قد تبقى ربما لعقد أو لعدة سنين.

وكي لا يكون الحديث منفصما عن الواقع، ومحكوما بالرغبات على جري السائد، يفترض البناء على الإدراكات الآتية، أولا حال الفراغ السياسي الذي تعاني منه سوريا منذ عقود، والتي تفتقد لقوى حزبية/سياسية وازنة، تعبر عن مصالح هذا القطاع أو ذاك من الشعب (كمصالح اقتصادية وسياسية واجتماعية وثقافية وليس هوياتية).

ثانيا، افتقاد سوريا للوحدة الإقليمية، ولسيادة الدولة على أراضيها، مع وجود عدة جيوش أجنبية، ومع وجود حالات ميليشياوية هوياتية (طائفية وإثنية)، وحل هاتين المعضلتين تستوجبان أعلى قدر من الحكمة والمرونة، بما في ذلك تأمين الشرعية الداخلية والخارجية، إذ الداخلية هي الأساس طبعا.

ثالثا، عدم الوقوع في فخ الاستدراج لأي خيار عسكري داخليا وخارجيا، لأن الحل الأمني مضر جدا بالسوريين وبإجماعاتهم الوطنية، ولا تتوفر إمكانياته، مع ملاحظة أن الشعب السوري تعب من هذا الوضع، مع معرفتنا أيضا بأنه في غاية الاستنزاف.

رابعا، إدراك أن تمزّق الجغرافيا والدولة، يتطلبان توفير الشرعية الداخلية، بتأكيد وحدة المجتمع السوري، وبترسيخ المسارات الدستورية اللازمة، التي تجعل من السوريين شعبا حقا، في دولة مؤسسات وقانون ومواطنين، أحرارا ومتساوين؛ فهذا هو السلاح الأمضى والأنسب الذي يمكن أن يجنب سوريا عديدا من الأفخاخ، ويصد التحديات أو التدخلات الخارجية.

خامسا، ضمن كل تلك الرزمة يفترض الأخذ في الاعتبار أن سوريا تمر بمرحلة انتقالية صعبة ومعقدة، بخاصة مع وجود قوى خارجية يهمها إضعاف سوريا، وتقييد قدرتها على التعافي والنهوض، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، بالطريقة الناعمة أو الخشنة.

في طرحنا لكل تلك الحيثيات، يفترض أن نتذكر أيضا أن تجربة “المعارضة السورية”، بقطاعاتها السياسية والعسكرية والخدمية، لم تقم بما عليها، على النحو المناسب ولو نسبيا خلال 14 عاما، رغم تحررها من النظام السابق، ووجودها في دول مثل تركيا وبريطانيا والنرويج والسويد وفرنسا وألمانيا، على سبيل المثال.

ومعلوم أن تلك المعارضة لم تستطع أن تبني “البيت السوري”، أي الكيان السياسي السوري الجامع، ولا توحيد قوى المعارضة أو شخصياتها الأساسية، كما لم تستطع تنظيم منصة سياسية أو إعلامية، رغم كل ما أتيح لها، ورغم أنها احتكرت تمثيل الشعب السوري، ولعل مآل “المجلس الوطني” و”الائتلاف الوطني”، وكل الهيئات التابعة لهما، أكبر دليل على ذلك، إذ لم يعد لهما أي أثر على أي صعيد، عدا أنهما لعبا دورا سلبيا في الحؤول دون توليد حركة سياسية سورية، وحتى دون القدرة على تنظيم الجاليات السورية في البلدان الأجنبية.

تلك الحيثيات لا تفيد بالاعتراض ولا بالتحفظ، على أي نقد سياسي للإدارة الانتقالية الحالية، إذ إن النقد حالة إيجابية وضرورية إزاء أي سلطة مهما كانت، للترشيد والتطوير وفتح الخيارات، وتعزيز فكرة الحرية والديمقراطية.

وبشكل خاص فإن القيادة السورية الحالية تستحق النقد، بقدر مسؤوليتها عن الإنجازات التي تحققت للشعب السوري بإسقاط النظام، وبتعزيز شرعية الدولة الوليدة إزاء الخارج، وبخاصة أن الحديث يتعلق بمرحلة انتقالية، يفترض أن تتحدد فيها ماهية الدولة، وشكل علاقتها بالمجتمع، إذ إن اكتساب الشرعية الداخلية، يسهم بتعزيز شرعيتها الخارجية كدولة، ويقويها وليس العكس، وهذا يتعلق باستعادة الأمن والأمان والاستقرار لكل المواطنين بلا استثناء، عبر إنهاء ظاهرة الفصائل غير المنضبطة، وغير المسؤولية وغير الخاضعة للدولة، وتعزيز السلم الأهلي، بإعادة الثقة لعلاقة المواطنين بعضهم ببعض، وأيضا لعلاقتهم بمؤسسات دولتهم.

الآن، ومع حسم الرئيس ترمب لخيار رفع العقوبات الأميركية المفروضة على سوريا، يفترض أن تكون هذه هي اللحظة التاريخية الثانية، بعد إسقاط نظام الأسد إلى الأبد، للتأسيس لسوريا الجديدة، عبر التمهيد لتمكين الشرط الداخلي كي يصير السوريون شعبا حقا، في دولة مؤسسات وقانون محايدة إزاء مواطنيها الأحرار والمتساوين والشركاء في الوطن، بمعزل عن حيثية الغلبة، و”من يحرّر يقرّر”، ومظلوميات الماضي والحاضر، وحيثية المكونات والأقليات والهويات الأولية، التي من الممكن والأجدى أن تبقى موضع احترام، وككناية عن حيوية شعب سوريا بتنوعه وتعدديته عبر التاريخ.

المجلة

——————————

سورية: تساؤلات بعد رفع العقوبات الأميركية/ عدنان عبد الرزاق

16 مايو 2025

عمّت سورية الفرحة، ولم تزل، بعد إعلان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، من العاصمة السعودية الرياض، رفع العقوبات حتى من دون التأكد حتى الآن، هل هو رفع أو إلغاء، مؤقت ومشروط أم دائم، لأن ما ذاقه السوريون، جراء العقوبات والحصار، خاصة خلال سني الثورة، أبعد أي استفسارات وشكوك عن سرقة فرحتهم وبدء التعويل والآمال على ما بعد العقوبات.

البلد يعاني، منذ عام 1979 العقوبات الأميركية، وقت أدرجت سورية ضمن أول قائمة استحدثتها واشنطن ضمن ما أسمتها “الدول الراعية للإرهاب” وما تلاها من عقوبات، منذ قانون محاسبة سورية حتى قانون قيصر والكبتاغون خلال الأعوام الأخيرة، ما أنهك سورية وأتعب أهليها، بعد دخولهم قوائم الأقل دخلاً والأكثر بطالة، وتحولت بناهم الاقتصادية، ما بين متهالك ومنتج بالحد الأدنى، إلى ما يمكن وصفه بأنه خارج التطور الذي لم تبدله محاولات الأسدين، الوارث والوريث، التوجه شرقاً أو إخراج أوروبا وأميركا عن الخريطة، كما قال وزير خارجية الأسد، وليد المعلم.

عادت الآمال من جديد بالتوجه غرباً وبناء تحالفات مع “خصوم الأمس”، رغم المخاوف من تقلبات “التاجر ترامب” والمبالغة بالثمن الذي قد يصل رهن ثرواتهم ومقدراتهم، أو حتى تجرعهم كأس سم التطبيع مع العدو الإسرائيلي، من دون ضمانات تحفظ حدودهم وتعيد حقوقهم، بواقع ما يقال عن شروط الاستقواء التي تتسرب تباعاً بالتوازي مع أشكال رفع العقوبات وزمنه.

قصارى القول: ربما اليوم، وبعد برودة خبر رفع العقوبات الأميركية الاقتصادية وما رافقه من انفعالات عاطفية، لا بد من طرح الأسئلة والتفكّر في كيفية الاستفادة من الطور الجديد الذي ستدخله سورية، لعلّ بالتساؤل تحوّطاً أكثر منه مد اليد لسرقة أفراح السوريين المستحقة.

وأول الأسئلة، هل إلغاء للعقوبات أو تعليقها لأجل، ريثما تنفذ سورية الشروط الخمسة التي تكررت وعلى لسان غير مسؤول، أميركي وأوروبي، وهل سيكونان على كامل العقوبات المفروضة من الولايات المتحدة، أم على مراحل وسلال، بواقع ما يقال عن ضرورة موافقة الكونغرس على إلغاء بعض العقوبات والتي لا يشملها قرار الرئيس ترامب؟

هل ستقتدي الدول الأوروبية بقرار ترامب، فتلغي العقوبات، بعد رفعها المؤقت، في فبراير/شباط الماضي عن قطاعات الطاقة والنقل والخدمات المصرفية، لتنعتق سورية من قيود العقوبات وتبدأ مسيرة تحولها وربما تغيير بنى وهياكل اقتصادها وحتى تسليحها، بما يتوافق مع العلاقات الجديدة مع الغرب؟

كيف سينعكس إلغاء العقوبات واستبعاد المنظومة المصرفية السورية، عن نظام التحويل المالي العالمي “سويفت” على تحويل أموال المغتربين إلى ذويهم بالداخل، من دون ابتزاز ونسب شركات الحوالات؟ وهل سيكون الباب مشرعاً لتهافت الاستثمارات والأموال، وتزول ذرائع الدول التي منّت السوريين بالمساعدات العاجلة، لولا “سويفت” والعقوبات؟

هل يمكن لسورية والسوريين أن يتمادوا بأحلامهم، بعد رفع العقوبات، ويعولوا على استرداد الأموال المنهوبة، بعد ضمان رفع العقوبات عودة الأموال الحكومية المجمدة، لنرى عودة الاحتياطي الأجنبي في مصرف سورية المركزي، على الأقل لما كان عليه قبل الثورة عام 2011 بنحو 18 مليار دولار، ليتمكن من التدخل بالسوق ويحمي الليرة السورية من التذبذب والتراجع؟

وهل يتابع السوريون بتمادي أحلامهم، فيعولوا على منتدى، عربي أو دولي، يلي رفع العقوبات، لتتوجه الأنظار والأموال إلى سورية، فيعاد الدم إلى القطاعات المهدمة والدوران لعجلة الاقتصاد المنهك بعد تراجع كامل الناتج المحلي الإجمالي لنحو 16 مليار دولار؟

ولعل الأهم، كيف سينعكس رفع العقوبات على المواطن السوري، بعد أن دفع ثمن العقوبات وعانى الأمرين، بمعنى الكلمة وليس تشبيهاً، خاصة خلال حلمه الثوري بالحرية والعيش الآدمي خلال العقد الماضي، لينصرف إلى متع الحياة وامتلاك مستجدات التكنولوجيا ومفرزات الحضارة وتطوير ذاته وإمكاناته، ولا يبقى أسير نفقات العيش وتأمين شروطها ولو بالحد الأدنى؟

والانعكاس لا يكون هشاً ووهمياً كالذي شهدته الأسواق، أمس واليوم، جراء التحسن الوهمي لسعر الصرف الذي جاء لأسباب نفسية سياسية من دون أي مقومات وعوامل اقتصادية تضمن ثبات السعر الجديد، بل بالاستناد إلى اقتصاد حقيقي، منتج ومصدر، يضمن أعمالاً منافسة ودخولاً مناسبة، ويمنح سعر الصرف استقراراً والليرة عزاً، حتى لو لم يتم حذف أصفار منها.

نهاية القول: شكر وعرفان لكل من ساهم برفع العقوبات الأميركية عن سورية، من السعودية وقطر مروراً بتركيا، مع ارتسام ملامح الأمل التي تبدت على جميع السوريين، جراء توقع التحول الجذري في الاقتصاد وفتح الأسواق أمام البضائع والسلع الأساسية، منذ تصريح ترامب خلال منتدى الاستثمار السعودي الأميركي، برفع جميع العقوبات المفروضة على سورية، لأن شعبها “تحمل ما يكفي من الكوارث والحروب والقتل”.

بعد ذاك، ربما لا بد من متابعة الأسئلة حول كيفية استثمار حكومة الرئيس أحمد الشرع رفع العقوبات، والتي يعقد عليها السوريون، آمالاً وانتعاشاً ليبلغوا، بعد التهديم والفقر والتراجع على كل المستويات والقطاعات، مصاف دول الجوار على الأقل.

هل سنجد مواكبة، قانونية وتنظيمية وأمنية، لما يوازي الآمال الداخلية وشروط رؤوس الأموال، البشرية والمادية الخارجية، لتعلن سورية مبدأ “هيا للعمل” وترفع، بالتوازي مع رفع العقوبات، جميع السقوف والمعوقات التي أوجدتها حكومة الأسدين خلال بنائها بنية الاقتصاد المغلق وشكل النظام الاستبدادي؟

وهل ستنجح الحكومة السورية الجديدة في خلق المغريات، على الأقل للمهاجرين السوريين، ليعودوا ويساهموا بنهضة بلدهم، بعد أن أدمنوا الحرية والأجور المرتفعة ومنتجات الحضارة بأوطانهم الجديدة، إن لم نتماد ونقُل، خلق فرص حتى للرساميل الدولية لتأتي وتساهم ببناء سورية؟

إذاً، كيف ستستثمر الحكومة السورية نتائج رفع العقوبات الأميركية؟ هو السؤال اليوم، بعد رمي الكرة في ملعبها وسحب ذريعة العقوبات وقيود الحصار، سواء ببناء اقتصاد متطور من دون أن ترتهن للخارج أو تتبع لنموذج وهيكل محدد، أو، وهو الأهم ربما، كيف ستسخر البحبوحة بعد العقوبات في رأب التصدعات الداخلية وتقوية سورية من الداخل، لتبتعد عن التشظي والتوتر، والتي إن ضعفت أو تفتّتت، فلن تفيدها الأموال أو رفع العقوبات التي قد يعاد فرضها من جديد؟

العربي الجديد

—————————–

الاعتراف الأميركي بالنظام الجديد في سوريا: السياق والدلالات/ شفيق شقير

15 مايو 2025

مقدمة

عُقد اجتماع بين الرئيس السوري، أحمد الشرع، والرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في العاصمة السعودية الرياض، في لقاء هو الأول من نوعه بين رئيسي الدولتين منذ 25 عامًا. واستمر الاجتماع، الذي انعقد على هامش القمة الخليجية-الأميركية، في 14 مايو/أيار 2025، لأكثر من نصف ساعة. وقد شهد اللقاء حضور ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، ومشاركة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، عبر “الفيديو” عن بعد، كما حضره أيضًا وزير الخارجية الأميركي، مارك روبيو، ونظيره السوري، أسعد الشيباني.

وكان الرئيس ترامب قد أكد في كلمته خلال انعقاد القمة الخليجية-الأميركية أن “الولايات المتحدة ستبحث تطبيع العلاقات مع سوريا بعد اللقاء بالشرع”، مشددًا على أن قراره رفع العقوبات عن سوريا جاء لمنح البلاد فرصة جديدة. ومن المتوقع أن ينعكس هذا التطور تحسنًا اقتصاديًّا نسبيًّا وسريعًا في سوريا، لاسيما أن بعض هذه العقوبات بيد الرئيس الأميركي ويستطيع إلغاءها فورًا، وسيشجع هذا القرار بقية الدول على التطبيع السياسي والاقتصادي مع دمشق، وعلى الاستثمار فيها.

يتناول هذا التعليق الموقف الأميركي المستجد من سوريا، والعزم على رفع العقوبات عنها والاعتراف بالنظام الجديد، ودلالة ذلك وأهم تداعياته على سوريا وعلى مستقبل المنطقة ونظامها الإقليمي والعربي.

السياق والدلالات

أعلن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في 13 مايو/أيار 2025، نيته رفع العقوبات عن سوريا، ويأتي ذلك تتويجًا لسعي سوري قادته الحكومة الجديدة، التي وضعت الاستقرار والإعمار أولوية مطلقة لها. كما يأتي في سياق جهد عربي، وخليجي تحديدًا، وتركي لاستعادة الاستقرار في سوريا والمنطقة عمومًا، ولتفتح الباب أمام دور سوري جديد في الإقليم بمعايير مختلفة عن السابق. ومن الواضح أن واشنطن قد حسمت أمرها واختارت نهج التعاون مع الحكم الجديد في سوريا لتعطيه “فرصة للنمو”، وفق تعبير ترامب. وهذا التطور يحمل دلالات عدة، من أبرزها:

أولًا: سيعزز هذا التطور شرعية النظام الجديد في دمشق، وسيجعل التوجهات الحالية للقيادة السورية تستمر إلى ما بعد المرحلة الانتقالية. وسيسهم هذا الدعم الإقليمي والدولي في تثبيت الاستقرار، لاسيما في مواجهة الصعوبات الداخلية، التي يتعلق بعضها بالعلاقة مع الأقليات وبعضها بإرث النظام السابق وما خلَّفه من انقسام وهشاشة في بنية المجتمع والدولة. وبعضها الآخر بالوضع الاقتصادي وما تشهده سوريا من انهيار في كل مرافقها، خاصة بعد أن تخلى عنها عمقها العربي وأغلب محيطها الإقليمي والدولي.

ثانيًا: جاء الاعتراف الأميركي بالحكم الجديد في دمشق وإعلان رفع العقوبات، دون فرض شروط صعبة، خاصة فيما يتعلق بالتطبيع مع إسرائيل. واكتفى الرئيس الأميركي بدعوة الشرع للانضمام إلى “اتفاقيات أبراهام”، دون أن يكون ذلك شرطًا للاعتراف بنظامه أو تحسين العلاقات معه. ومما ساعد على ذلك، أن المملكة العربية السعودية استطاعت أن تجدد علاقتها “الذهبية” مع واشنطن، بعيدًا عن المسار الذي كانت تدفع إليه إسرائيل. ولا يبدو أن لدى الرئيس الشرع مانعًا من العودة إلى اتفاقية فض الاشتباك بين سوريا وإسرائيل لعام 1974، بل إنه دعا إلى ضرورة العودة إلى هذه الاتفاقية وأن تشمل أيضًا انسحاب إسرائيل من الأراضي الجديدة التي احتلتها.

ثالثًا: سيعزز هذا التطور من الالتفاف العربي والتركي حول سوريا، وسيخلق فضاء سياسيًّا واقتصاديًّا مشتركًا لن يكون بعيدًا عن واشنطن، وتقع دمشق في قلبه. كما سيخلق دينامية إقليمية جديدة ستؤثر على عموم المنطقة، وبوجه خاص، المشرق العربي، حيث تركزت المطالب العربية على الحد من دور إيران وحلفائها سواء من الدول أو من التنظيمات المسلحة في المنطقة. وسيكون بإمكان سوريا الموحدة والمستقرة أن تلعب في المستقبل دورًا موازنًا لإيران في الإقليم، الذي اختل توازنه منذ سقوط بغداد وانهيار حكم الرئيس صدام حسين، عام 2003، وذلك بقطع النظر عن طبيعة العلاقة التي ستنشأ بين دمشق وطهران.

رابعًا: لن يرضي هذا التطور إسرائيل، التي لم تتأخر عن إعلان انزعاجها من إمكانية تحول الوضع الجديد في سوريا لغير مصلحتها. فقد عبَّرت عن خشيتها مما يمكن أن يؤول إليه هذا الوضع بسبب الخلفية الإسلامية للقيادة الجديدة، وأن تغيير النظام الذي أسهم في إنهاء تمدد إيران في المنطقة، قد يتحول في المستقبل إلى تهديد لإسرائيل. ولا شك أن استقرار سوريا وازدهارها وتنامي دورها العربي والإقليمي، سيحد من قدرة إسرائيل على التوسع في محيطها أو التحكم في توجهات النظام الجديد وفرض شروطها عليه. وكانت إسرائيل قد بادرت، مباشرة بعد سقوط نظام بشار الأسد، إلى التوغل في الأراضي السورية بمئات الكيلومترات بذريعة حماية حدودها، وحرضت الأقليات على “التمرد” ضد الإدارة الجديدة، وادعت أن توسعها العسكري كان من أجل “حماية الدروز”.

خامسًا: إن الإجماع العربي، وخاصة الخليجي، واحتضانه لدمشق، قد يشكل نقطة البداية لإعادة بناء نظام إقليمي عربي جديد، بعد أن شهدت المنطقة خلافات عربية وانقسامات حادة، خاصة منذ عام 2011 الذي شهد بداية ثورات “الربيع العربي”. وكان الموقف من النظام السوري السابق محورًا أساسيًّا لتلك الخلافات التي لم تُحسم إلا بعد سقوطه. وهذه السبيل لن تكون سهلة، لأن إسرائيل كانت -ولا تزال- تطمح إلى بناء نظام إقليمي جديد على أنقاض غزة، يكون التطبيع محوره الأساس وليس أحد مفرداته فقط، وتكون إسرائيل وقيادتها للمنطقة في المركز منه.

خاتمة

لن يتردد الحكم الجديد في دمشق في القول إنه سجل “انتصارًا ثانيًا” بحصوله على اعتراف من واشنطن وبرفع العقوبات عن سوريا، لأن من شأن ذلك أن يضفي شرعية كاملة على العهد الجديد ويفتح بالتالي مرحلة جديدة في سوريا تستعيد فيها دورها المحوري في المنطقة. لكن ذلك سيلقي على كاهلها، إضافة إلى مسؤولياتها المباشرة في حفظ الأمن والاستقرار وتقديم الخدمات الأساسية لمواطنيها، متطلبات أخرى تحظى بالأولوية لدى واشنطن وباقي الأصدقاء والحلفاء الجدد، منها محاربة “تنظيم الدولة” والحرص على عدم عودته، وترحيل من وصفهم ترامب بـ”الإرهابيين الفلسطينيين”، والطلب من “المقاتلين الأجانب مغادرة سوريا”، وأن لا تشكل سوريا تهديدًا لدول الجوار، وخاصة إسرائيل. ستتحمل القيادة الحالية كل ذلك في وقت لا يزال الحكم الجديد في طور التأسيس، وتنتظره تحديات داخلية في مجتمع منقسم وهَشٍّ سياسيًّا واقتصاديًّا. ولا تزال لبعض الدول المجاورة تحفظات عليه، مثل إيران والعراق نسبيًّا، فضلًا عن استمرار الاعتداءات الإسرائيلية وتهديداتها المتكررة.

نبذة عن الكاتب

شفيق شقير

باحث في مركز الجزيرة للدراسات، متخصص في شؤون المشرق العربي، والحركات الإسلامية. حاصل على درجة الدكتوراه في الدراسات الإسلامية (فرع القانون والفقه وأصوله). تغطي اهتماماته البحثية الأزمات الداخلية في المشرق العربي والنزاع العربي-الإسرائيلي، وكذلك التيارات الإسلامية السُّنِّية والشيعية، والجماعات الجهادية، ومقولاتها الفكرية والفقهية وتوجهاتها السياسية. له مشاركات وبحوث عدة، منها: حزب الله: روايته للحرب السورية والمسألة المذهبية، “علماء” التيار الجهادي: الخطاب والدور والمستقبل، الجذور الأيديولوجية لتنظيم الدولة الإسلامية، الحراك اللبناني: السياق العربي وتحديات نسخة الطائف الثالثة.

————————————–

إعلان ترامب رفع العقوبات عن سورية.. بداية لحل ملفات داخلية؟/ محمد أمين

15 مايو 2025

مهّد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب نيّته رفع العقوبات الأميركية عن سورية، أول من أمس الثلاثاء، الطريق أمام انفراجات محتملة في العديد من الملفات الداخلية التي تواجه مستقبل البلاد، لا سيما القضايا التي لا تزال عالقة من دون حسم ما بين الحكومة في دمشق وبعض مكونات المجتمع السوري المذهبية والعرقية. ومع هذه الخطوة، تخففت الإدارة السورية من ضغوط خارجية وداخلية كانت تعيق التعاطي مع العديد من التحديات التي لا يمكن عزلها عمّا شهدته البلاد بعد إسقاط نظام الأسد من اضطرابات هددت السلم الأهلي والاستقرار الأمني أكثر من مرة. ومن المتوقع أن تنخرط هذه الإدارة أكثر في مقاربات مختلفة عن سابقاتها حيال ملفات كثيرة في مدى منظور؛ لعل أبرزها الشروع في العمل على بناء دستور دائم، توافقي بين مختلف المكونات السورية السياسية والمذهبية والعرقية، واختيار برلمان مؤقت يملأ الفراغ التشريعي الموجود في السلطة القائمة، كما نص الإعلان الدستوري المؤقت.

وحملت كلمة الرئيس السوري أحمد الشرع، مساء الأربعاء، الكثير من الرسائل للداخل السوري، فـ”سورية لن تكون بعد اليوم ساحة لتصفية الحسابات، ولا منصة للأطماع”، مؤكدا: “لن نسمح بتقسيمها أو بإعادة إنتاج سرديات النظام السابق”، مضيفا: “سورية لكل السوريين”. وسرى تفاؤل كبير في الشارع السوري بعد إعلان الرئيس الأميركي نيته رفع العقوبات عن سورية بالتوصل إلى حلول لكل المشاكل والمعضلات السياسية في البلاد. ويأمل الشارع أن تكون هذه الخطوة بداية جديدة لمقاربات أكثر جدية مع الملفات الاقتصادية والسياسية، تحمل تطمينات عملية للأقليات في البلاد كيلا لا تتحول إلى أوراق ابتزاز سياسي لدى أطراف إقليمية ودولية تبحث عن مزيد من النفوذ في سورية.

ورأى الباحث السياسي زيدون الزعبي أن على الإدارة الجديدة في دمشق القيام بعدة خطوات وإجراءات بعد إعلان ترامب، مبيناً، في حديث مع “العربي الجديد”، أن على الحكومة السورية “رفع مستوى التمثيل، وتحريك سرير الاقتصاد”. وتابع: “علينا إنشاء جيش وطني والوصول إلى حلول مع مكونات المجتمع السوري كافة، وإطلاق عملية البناء الدستوري الدائم، وتشكيل سلطة تشريعية، وإبعاد المقاتلين الأجانب، وطرح قانون جديد للجنسية. هذه الإجراءات كلها يجب على الإدارة تنفيذها بسرعة شديدة”.

ورحّبت كل الأطراف السورية بالإعلان عن توجّه أميركي لرفع العقوبات، ومنها شيخ عقل الطائفة الدرزية في سورية حكمت الهجري، الذي أمِل “أن ينعكس هذا الانفراج الاقتصادي خيرا على الشعب السوري ليرمم نفسه ويستعيد عافيته بعيدا عن الإقصاء والتهميش، لنعيش جميعا شركاء انتصارات تحت سقف سورية الواحدة المدنية، بكل إثنياتها وطوائفها وأعراقها وتلاوينها”، وفق بيان.

وكان للهجري موقف يُعتبر متشددا من الإدارة السورية الجديدة وصل إلى حد المطالبة بـ”حماية دولية” للدروز في سورية، متهما هذه الإدارة بـ”ارتكاب مجازر”، مغلقا الباب أمام أي تفاهم معها. بيد أن البيان الذي أصدره الخميس بعد رفع العقوبات حمل إشارات ربما تدلل على تغيّر في الموقف من دمشق، التي منحها التوجه الأميركي لرفع العقوبات واللقاء الذي جرى في الرياض بين الرئيس السوري أحمد الشرع والرئيس الأميركي دونالد ترامب دفعة معنوية عالية قوّت موقفها في الداخل والخارج. وحتى اللحظة، لم تتبلور علاقة واضحة ما بين دمشق والسويداء التي ترفض تسليم السلاح، مبررة ذلك بالخوف من تجاوزات على أساس طائفي كتلك التي حدثت في الساحل السوري مطلع مارس/ آذار الفائت. وربما تفتح الأوضاع المستجدة باباً لحوار جديد ما بين المرجعيات الدينية والسياسية في السويداء والإدارة في دمشق من أجل التوصل إلى تفاهمات تفتح الباب أمام عودة كل مؤسسات الدولة إلى هذه المحافظة التي تتأرجح ما بين عدة تيارات سياسية في الوقت الراهن.

لتشبيك سياسي واجتماعي

وبرأي الباحث نورس عزيز في حديث مع “العربي الجديد”، فإنه “لن تكون السويداء خاصرة رخوة للعاصمة دمشق”، مشيرا إلى أن خطاب الشيخ الهجري الحاد حيال الإدارة التي تسلمت مقاليد الأمور في البلاد قبل أكثر من خمسة أشهر “مرده القلق على الطائفة الدرزية، لا سيما بعد المجازر التي حدثت في الساحل”. وتابع عزيز: “يجب على جميع الأطراف التوقف عن اختلاق المشاكل الداخلية في سورية والبدء في إعمار البلاد. يجب أن تكون السلطة في سورية تشاركية تضم كل مكونات الشعب السوري الطائفية والدينية والعرقية سواء في السويداء أو في الساحل أو الشمال الشرقي”. وأشار الباحث السوري إلى أن المرحلة القادمة “تتطلب تشبيكا اجتماعيا وسياسيا عميقا في سورية”، مضيفا: “يجب التوصل إلى صيغة إدارية للحكم في سورية تضمن عدم ظهور إشكاليات في المستقبل”.

كما رحّب قائد قوات “سوريا الديمقراطية” (قسد) بإعلان الرئيس الأميركي بشأن العقوبات، مؤكدا التزامه بتنفيذ الاتفاق الذي وقعه مع الشرع في العاشر من مارس الماضي لدمج هذه القوات ذات الصبغة الكردية في المنظومة العسكرية للبلاد. وكان الجانب الكردي رفع سقف مطالبه من دمشق مؤخرا بعد مؤتمر عقد في مدينة القامشلي طالب بإقرار مبدأ “اللامركزية” في البلاد، ومطالب أخرى دفعت الرئاسة السورية إلى إصدار بيان حمل نبرة انتقاد واضحة لهذه المطالب التي تُعد “غير واقعية” لدى قطاع واسع في الشارع السوري، وغير قابلة للتفاوض.

وتشي تطورات المشهد السوري بأن كل الأطراف معنية اليوم بالتوصل إلى حلول جدية قابلة للصمود، خاصة في ما يتعلق بمخاوف أقليات طائفية، مثل الدروز في جنوب سورية، والعلويين في الساحل، وأخرى عرقية في الشمال الشرقي من البلاد، حيث ينتشر أغلب السوريين الأكراد.

“كثير من التغييرات”

وفي هذا الصدد، رأى الباحث السياسي المقرب من الإدارة الذاتية الكردية إبراهيم مسلم، في حديث مع “العربي الجديد”، أن إعلان واشنطن توجهها لرفع العقوبات عن سورية “سيدفع باتجاه حل الكثير من الإشكالات ما بين الإدارة السورية وقوات قسد والكرد عموما”. وتابع: “كل الأطراف الدولية، بما فيها واشنطن، طالبت الإدارة بضم قوات قسد لتكون جزءا منها”. ورجّح مسلم أن تشهد الساحة السياسية السورية في الفترة المقبلة الكثير من التغييرات على ضوء الموقف الأميركي الجديد. وتوقع تغيير “الإعلان الدستوري” الذي صدر في الثالث عشر من مارس/ آذار الفائت، ولم يكن على مستوى تطلعات الأكراد الذين يطالبون بإعادة النظر فيه ليضم مواد تضمن حقوقهم السياسية والثقافية. وقال: “الأكراد مكون أصيل من مكونات الشعب السوري، ولا تستطيع أي جهة إلغاءهم وإقصاءهم. أعتقد أن تغييرات ستحدث بناء على الاتفاق الذي وُقع بين الرئيس الشرع ومظلوم عبدي”.

وإضافة الى هذه المعطيات الداخلية، يتخوف البعض من إقدام جهات خارجية، وإسرائيل خاصة، على محاولة التشويش على التطورات في سورية من خلال افتعال مشكلات أو تحريض أطراف معينة على التعاطي السلبي مع حكومة دمشق، بغية دفع أصحاب القرار في واشنطن إلى التريث في تطبيق قرار رفع العقوبات أو تطبيقه جزئيا فقط، بغية إبقاء حكومة دمشق في موقف ضعيف، وذات قابلية للابتزاز الإسرائيلي، خاصة مع ظهور معطيات تفيد بأن حكومة نتنياهو حاولت ثني إدارة ترامب عن هذه الخطوة، لكن الأخيرة أعطت إذنها لحلفاء واشنطن الآخرين في المنطقة، وليس لإسرائيل.

العربي الجديد

————————————–

هل بدأت مرحلة الاستقرار في سورية؟/ رشا عمران

16 مايو 2025

لا يُغضب قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب (من الرياض) عزمه رفع العقوبات عن سورية، سوى الذين لا يريدون للسوريين استئناف حياتهم المتوقّفة منذ أكثر من عقد، ولا يريدون للسوريين العيش بكرامة وأمان، ولا استعادة سلامهم النفسي الفردي والجمعي. وهؤلاء ليسوا سوريين فقط، بل هناك من غير السوريّين من يسوءُهم أن تستعيد سورية استقرارها وأمن مجتمعها وشعبها، ذلك أن ما شهدته الساحة السورية في سنوات الثورة والحرب جعل من تداخل مصالح دول وجماعات في شؤونها بالغ التركيب، ويحتاج إلى سنوات من التفكيك، ويجعل من قرارٍ كهذا بدايةَ عودة الوضع السوري إلى شكله الطبيعي. فتفكيك ما حدث خلال الحرب لا يمكن البدء به من دون استقرار اقتصادي. وبطبيعة الحال، لا يمكن لأيّ حالة استقرار اقتصادي أن تحدُث من دون البدء برفع العقوبات المُجحفة التي لم تؤثّر في الأسد وبطانته الأمنية والسياسية والاقتصادية، وإنما كان تأثيرها السيئ ينعكس مباشرة على الشعب السوري في الداخل، إذ بذريعة العقوبات، نُهبت البلد وأُذلّ الشعب من نظام الفساد والإجرام، وحرم الشعب أبسط وسائل العيش الآدمي والإنساني الطبيعي، وانعدمت حقوقه الطبيعة انعداماً شبه كلّي، وهي حقوق كفلتها له الشرائع الأرضية والسماوية.

عانى سوريو الداخل (أهلنا وعائلاتنا وأصدقاؤنا) ممّن رفضوا الخروج من سورية ما لا يخطر في البال، وتحمّلوا القهر والفقر والحرمان والذلّ والفاقة والعتمة وشُحّ المياه، وامتهان الكرامات والغضب المكبوت، وشحذ الصبر اليومي لاحتمال ذلك كلّه، بما في هذا الشحذ من صلابة قاسية، انفجرت كلّها يوم إعلان فرار بشّار الأسد ونظامه. ومهما ادّعينا (نحن الذين خرجنا من سورية) من معاناة الفقد والغربة ومكابدات الشوق والوحدة والوحشة، فلنعترف بجرأة أنها كانت معاناةً ترفيةً قياساً إلى ما عاناه سوريو الداخل وسكّان المخيّمات في دول الجوار، فنحن عشنا في ظروف إنسانية كاملة أو شبه كاملة؛ لم نجع ولم نعطش، لم نمت من البرد ولا من الحرّ، لم يمت أطفالنا من نقص الدواء أو الغذاء، لم يحرم أطفالنا من الطفولة والتعليم، أتيحت لشبابنا وشابّاتنا فرصٌ عديدة لاكتساب خبرات علمية وثقافية وفنّية وعملية، من لم يستفد منها فلأنّه كان مقصّراً في ذلك، أو نتيجة ظروف طارئة تخصّه وحده، بينما ذلك كلّه كان بمثابة أحلام من الصعب تحقّقها لمن بقي في سورية من الشباب الذين كانوا يبتكرون طرقهم اليومية البسيطة، وبمبادرات فردية وأدوات بدائية، ليشعروا أنهم ما زالوا في قيد الحياة، وما زالوا قادرين على مقاومة الظلم والواقع المتردّي الذي عاشوه.

لم يكن القمع والإجرام هو فقط ما ميّز مرحلة الأسدية بعد الثورة، بل كان أيضاً التردّي الاقتصادي المهول، الذي كان السبب المباشر في التردّي الثقافي والفكري والأخلاقي والقيمي الذي عاناه سوريو الداخل، وخلط كثيراً من الأوراق الاجتماعية بعضها ببعض، بما فيها ورقة الطائفية التي نشهد اليوم ذروتها، سواء في الخطاب المجتمعي الافتراضي، أو في السلوك الأمني الذي تمارسه الفصائل (وإعلاميوها) التي تكاثرت فترة الحرب، وتسيّدت حالياً مع وصول هيئة تحرير الشام إلى السلطة، واعتمادها على تلك الفصائل في تشكيل جيش (للأسف!) يشكّك سوريون في أنه يحقّق صفة الوطنية، بوجود مجموعة فصائل مسلّحة ومحمّلة بعقائد تكفيرية، هي واحدة من نتاج التردّي الاقتصادي والقيمي المجتمعي فترة الثورة والحرب، الذي جعلها خلال السنوات الماضية (وحالياً) تتشبّه بجيش الأسد في الإذلال وامتهان كرامات الناس والانتقام العشوائي والسرقة والنهب، وهذه الممارسات كلّها التي تحدث بسبب الفوضى الناتجة عن الانهيارات الاقتصادية الكبرى، كما يحدث في سورية حالياً. من هنا، قد يكون في قرار رفع العقوبات، إن طبّق كاملاً، بداية الحلّ لحالة الاستعصاء الفصائلي الذي يرسّخ الانقسام الطائفي القاتل في المجتمع السوري. لكن هذا أيضاً يبقى مرهوناً بإرادة السلطة السياسية الحاكمة ورؤيتها لسورية بلداً لجميع أبنائه، لا لطائفة واحدة تستضيف جماعات (أقلّيات) كما يحاول مطبّلو السلطة ترويجه.

مبروك لنا جميعاً رفع العقوبات، على أمل أن يترافق هذا مع رفع الظلم والإقصاء والسلوك الطائفي.

العربي الجديد

——————————–

سياسة أمريكا في المنطقة: تكتيك جديد أم تغير في الرؤية؟/ بلال التليدي

الكثير من المحللين انخرطوا في تحليل خلفيات زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للمنطقة ودلالاتها، وتوقفوا عند أهم مخرجاتها، لاسيما ما يتعلق برفع العقوبات عن سوريا، والحديث المبشر عن قرب التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران، هذا فضلا عن تعميق العلاقات الأمريكية الاستراتيجية مع دول الخليج، وتحول هذه الدول إلى فاعل محوري للتعاطي لحل النزاعات الإقليمية، لكن، تبقى نقطة تكثيف التفاوض لوقف الحرب على غزة نقطة محيرة، ليس فقط من جهة استشراف مستقبلها، ولكن أيضا من جهة فهم طبيعة التحولات في الموقف الأمريكي، وهل ترمز في الجوهر لتغير المعادلة الاستراتيجية بشكل كامل، وتبعا لذلك، يسير الموقف الأمريكي في اتجاه التكيف، أم أن الأمر يخضع لاعتبارات أمريكية تكتيكية صرفة؟

في البدء اتجه للتحذير من الانخراط في تحليل الحدث، وضرورة أخذ مسافة كافية للفهم، كما ولو أن الأمر يتعلق بتحول غير عادي في العلاقات الدولية، وأدوار الفاعلين الدوليين بخصوص الحرب على غزة وضرورة التوصل إلى اتفاق وقف الحرب ومستقبل العلاقات الأمريكية الإسرائيلية. وقد تواترت مؤشرات تدعم هذا التوجه، منها تعزز مسار التفاوض الأمريكي مع الفاعل غير الدولي (الحوثيين، حماس) وإجراء هذا التفاوض بمعزل عن تل أبيب، والمبادرة لزيارة المنطقة دون تخصيص زيارة لإسرائيل مع أنها تحتفل بشكل متواز مع ذكرى النكبة (التأسيس الفعلي لدولة إسرائيل) ووصف الحرب بكونها «وحشية» بما يرمز بنحو من الأنحاء لإدانة إسرائيل على جرائم الإبادة حتى والرئيس الأمريكي لم يحدد المسؤول من الطرفين عن هذه الوحشية، ثم الإفراج عن الأسير الأمريكي الإسرائيلي عيدان ألكسندر من خلال تفاوض أمريكي مباشر مع حماس بما يؤكد مقولة حماس بأنه «لا عودة للأسرى الإسرائيليين إلا من خلال التفاوض»، والضغط على إسرائيل من أجل إرسال وفدها المفاوض إلى الدوحة، ثم الضغط على نتنياهو من أجل توسيع صلاحية هذا الوفد من أجل التوصل إلى اتفاق لوقف الحرب، وحديث الرئيس الأمريكي عن الخطوات المتتالية والمدروسة لإنهاء الحرب في غزة، بما في ذلك إرسال رسائل متعددة عبر مبعوثيه إلى إسرائيل بأن مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية في وقف الحرب، وأن إصرار تل أبيب على عكس ذلك يعني السير في الاتجاه المعاكس لمصالح واشنطن.

في الواقع، تبدو هذه المؤشرات، إلى جانب مؤشر رفع العقوبات عن سوريا والإعلان عن قرب التواصل إلى اتفاق نووي مع إيران صادمة لإسرائيل، وتسير على الأقل ضد مصالح حكومة بنيامين نتنياهو، التي لا تثق في سوريا أحمد الشرع، وتتطلع إلى عمل عسكري يجهز على البرنامج النووي الإيراني. لكن زخم هذه المؤشرات، لا يعني ضرورة تغير الرؤية الأمريكية تجاه إسرائيل، ولا حتى رسم رؤية مختلفة يراد عن طريق الضغط إلزام تل أبيب بمفرداتها، فقد وردت في الزيارة مفردات أخرى تدل على العودة لرؤية ترامب السابقة، أي توسيع دائرة التطبيع ضمن الاتفاقات الإبراهيمية، وتوفير مناخ من الهدوء والاستقرار الطويل في المنطقة، الذي يخدم هدف «اندماج» إسرائيل في محيطها الإقليمي.

البعض لم ير في زيارة ترامب غير البعد التجاري والاستثماري، فالرجل جاء في ثلاثة أيام ليحصد قرابة ثلاثة تريليونات دولار كاستثمارات خليجية لصالح بلده، وأنه في سبيل ذلك، أخذ بعض المسافة التكتيكية عن تل أبيب، وغير لغته المتواطئة معها في موضوع نزع سلاح حماس وطرد قادتها إلى الخارج، وبدأ يتحدث عن جهة مهنية مستقلة لإدارة غزة، مع إلحاح شديد على موضوع إدخال المساعدات الإنسانية وإنهاء سياسة تجويع قطاع غزة.

الواقع، أن ثمة عناصر مهمة ساهمت في تعديل الرؤية الأمريكية، منها أولا صمود المقاومة واستمرارها في المواجهة العسكرية وتكبيد العدو كلفة عسكرية كبيرة، واقتناع واشنطن باستحالة القضاء على حماس عسكريا، وحالة الاستنزاف التي تعيش عليها إسرائيل عسكريا واقتصاديا واجتماعيا فضلا عن عزلتها الدولية، ثم حالة الإحراج الدولي الذي يترتب عن الاستمرار في تجويع الشعب الفلسطيني، وقناعتها بأن تل أبيب لا تحمل أي رؤية لما بعد الحرب، وأن استمرار الحرب بهذه الطريقة يعرض المنطقة إلى التوتر واللاستقرار، لاسيما وأن حكومة نتنياهو تضرب كل مرة جنوب لبنان، وتشن هجمات على التراب السوري، بما أنذر بحصول توتر إسرائيلي تركي شديد، اضطر واشنطن للتدخل لاحتوائه.

المؤشر الإضافي الذي لا ينبغي تجاهله هو الموقف العربي، الذي أظهر حالة من التراخي في التجاوب مع إدارة الرئيس الأمريكي في سياسته المستقبلية في دول الخليج بسبب دعمه وانحيازه للرؤية الإسرائيلية لاسيما قضية التهجير وإسناد إبادة قطاع غزة، وتجريف الضفة وتوسيع الاستيطان بها، فضلا عن سياسة تهويد القدس الشريف.

واشنطن قرأت بشكل براغماتي كلفة استمرارها في سياسة الضغط على العرب وإسناد الموقف الإسرائيلي، واتجهت لإعادة تعريف مصالحها، وتحيين سياستها في المنطقة، مستثمرة في ذلك تراجع النفوذ الإيراني في المنطقة (لبنان وسوريا وحتى العراق نسبيا) وتراجع النفوذ الروسي فيها (في سوريا) وتنامي الدور التركي في المنطقة لاسيما في سوريا والشراكة التركية الواسعة مع دول الخليج.

عنوان السياسة الأمريكية الجديدة تعزيز الشراكة مع دول الخليج، واعتبارها محورا مركزيا لإدارة وحل المشاكل الإقليمية، وتعزيز الشراكة الأمريكية الخليجية التركية في اتجاه خلق شروط استقرار بعيدة المدى في المنطقة، تتأسس على توسيع المصالح الأمريكية فيها، وضمان حسن الجوار الإقليمي (عدم السماج بوجود دولة معادية لإسرائيل في المنطقة) والعمل على تحقيق هدنة طويلة بين غزة وتل أبيب، لا تتولى فيها حماس الشأن الحكومي والإداري بالقطاع، وأن تتوقف العمليات العسكرية بين الطرفين.

هذه الرؤية الأمريكية الجديدة التي حظيت بدعم عربي تركي، بقيت فيها نقطة عالقة، هي الموقف الإسرائيلي، وما إذا كان سيدعم سياسة واشنطن ويجاريها لمصالح استراتيجية بعيدة، أم أنه سيغلب الرؤية الآنية على ما سواها، ويفسد بذلك الخطة الأمريكية.

رؤية تل أبيب الأمنية تتأسس على معطيين: الأول وهو أن إيران ومحاورها في الإقليم تمثل تهديدا استراتيجيا لها، وأنه في وجود الحرس الثوري الوصي الفعلي على البرنامج النووي، لا يمكن الاطمئنان على أي اتفاق نووي، وأنه لا بديل عن ضرب هذا البرنامج، وأنه بدلا من خوض حرب استنزاف مع محاور إيران، يجدر قطع «رأس «الحية» لا أطرافها». والثاني، أنه في ظل وجود حماس والفصائل الفلسطينية المسلحة، فإنه لا أمن لإسرائيل، وأن السابع من أكتوبر سيتكرر، ولذلك لا بديل عن إنهاء الوجود العسكري لحماس والفصائل الفلسطينية المسلحة.

واشنطن لا تجادل في هذين المعطيين، لكنها ترى أن شروط المرحلة لا تساعد على تحقيق الهدفين، وأنه ينبغي الاكتفاء بما تحقق من مكتسبات، وقلب التكتيك لجهة تحقيق هدف الاندماج الإقليمي، لخلق شروط إقليمية، تقضي على محاور إيران في المنطقة، وتنهي أجواء التوتر الإقليمي الذي كانت تستثمرها حماس في تقوية وجودها العسكري وتأمين تسلحها.

التركيب بين الرؤيتين ممكن، بوجود نتنياهو وبغير وجوده. لحد الآن تجرب واشنطن خيار التفاوض مع حكومة نتنياهو لدفعها للتكيف مع الرؤية الجديدة إذ تعتقد أن وجود حكومة تقبل بوقف الحرب أفضل بكثير من انتظار انتخابات إسرائيلية سابقة لأوانها تفرز حكومة يمكن أن تقوم بالمهمة، لكن، في حال لم يتم التوصل لشيء، فإن المستقبل سيكون مفتوحا على سيناريوين اثنين: إما أن تفسد تل أبيب سياسة واشنطن وتربكها، وفي هذه الحالة سنرى امتدادا لسياسة الحرب وتعمق المشكل الإنساني واحتمال تصاعد التفكك الداخلي في إسرائيل، وإما أن يتم اللجوء لآخر الكي، أي العمل على إسقاط حكومة نتنياهو.

كاتب وباحث مغربي

القدس العربي

———————————-

أسئلة صعبة أمام السوريين… ماذا بعد رفع العقوبات؟/ سامح المحاريق

النشوة الوطنية التي ترافقت مع إعلان رفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا، مسألة لا يمكن تمثلها شعوريا بين من يتابعون الشأن السوري بذهنية المشجعين المتحمسين لكرة القدم (الألتراس). والسوريون وهم يستقبلون إعلان الرئيس الأمريكي في الرياض، لم يكونوا معنيين بما يفترضه الآخرون خارج سوريا، ولا النقطة التي خسرها محور لمصلحة محور آخر، ببساطة، لا يعرف الشوق إلا من يكابده، وأشواق السوريين كانت أبسط مما نتصور، وأكثر وجعا مما تحيطه مخيلتنا، لأن ما اعتبروه أحلاما كان جزءا من الحياة اليومية والطبيعية لشعوب كثيرة، وجدت نفسها في بعض المراحل تملي على السوريين مقادير الممانعة المطلوبة، وحدود المناورة المسموحة، وعلى السوري العادي، رب الأسرة البسيط، العامل الكادح، وغيرهم، أن يتنازل عن أمور كثيرة من أجل رسالة لم يكتب حرفا واحدا فيها، ولم يفهمها يوما، بل إن بحثا عن تلك الرسالة الخالدة بين مدونات كثيرة وظفت في قهر السوريين سيفضي إلى مجرد تخيلات وافتراضات لا تدعمها أي حقيقة على الأرض.

بعد الإعلان تداور المتابعون على مواقع التواصل الاجتماعي تدوينة سورية تعدد ما الذي يعنيه رفع العقوبات، ومنها أن يتمكن السوري من تحويل الأموال من غير وسطاء يتحصلون على نصفها، وأن يستخدموا بطاقات الائتمان ويحصلوا على سيارات مناسبة للمواصلات، أن يأكل أطفالهم حلوى لم يتذوقوها في حياتهم من قبل، بل أن يجدوا حليب الأطفال دون واسطة، وأن يأكلوا طعاما صالحا ومتنوعا لا أن يختاروا الأرخص فقط، هذه أمور يمكن أن يضاف لها الحصول على كهرباء على مدار اليوم، ويبدو أن السوريين أخذوا يعتبرون ذلك من الأمور الكبيرة، مع أنها أمر طبيعي في معظم بلدان العالم، حتى التي تعاني من تكلفة إنتاج الكهرباء.

يعرف العراقيون الأثر الذي يمكن أن تتركه العقوبات الاقتصادية في العالم الحديث المتشابك والمتداخل، فالعالم لم يعد مجرد معازل زراعية يمكن أن تعيش على الاكتفاء، وحتى هذه مع المنظومة الدولية الحديثة واتفاقيات المياه والأنهار، لم يعد ممكنا عمليا، والحقيقة أن السقوط المريع لنظام صدام حسين في 2003 والتفاعلات التي أتبعته من انهيارات سياسية واجتماعية كانت مرتبطة بسنوات الحصار الطويلة، ويرتبط ذلك بطبيعة الحال بأنماط الإنتاج في الدول تحت الحصار وحجم وتنوع البنية الاقتصادية، فما يمكن أن تتحمله إيران لا يتحمله العراق بالضرورة، ولا سوريا بالتأكيد، لأن نظامها الاقتصادي بقي لسنوات أسيرا في معادلات احتكارية وتخادمية تصب في الحلقة الضيقة حول رأس النظام.

يأتي رفع العقوبات ليكون الخطوة الحقيقية التي يمكن أن تؤسس لوجود النظام الجديد في دمشق، فالسوريون يعيشون إلى اليوم في ظلال رؤيتهم للعالم من خلال النظام القديم، وما هو حقيقي أن النظام السابق سقط عمليا من الداخل، مختنقا بسيطرة النزعة الطائفية والممارسة الأمنية والتحالفات الطبقية، في وقت كان يتطلب الجرأة في تفكيك المشكلات المرحلة لعقود من حكم الرئيس حافظ الأسد ووريثه بشار، أو إعادة إنتاج بالطريقة التي حدثت في مصر وتونس، إلا أن طبيعة الخوف الطائفي كانت تحول دون أي مقاربة واقعية تخرج بالأسد غير المقبول شعبيا والذي تمتد أصابع قمعه للسوريين وتنكيله بهم في كثير من البيوت في سوريا، بل في لبنان وفي المخيمات الفلسطينية كذلك. فشل النظام في إعادة الإنتاج والتسوية التاريخية لأن قراره كان موزعا بين طهران وموسكو، ولأن القيادات الطائفية في الأمن والجيش تصلبت من الخوف والتوجس، من نتائج تحريك الهندسة الاجتماعية القائمة، ولأن أصحاب المصالح التجارية كانوا يعرفون أن التغيير سيعني المحاسبة، أو على الأقل فتح الباب للمنافسة، وفي المقابل، لم يكن النظام الجديد سوى الوجه الآخر لهذه الحالة المرعبة التي عاشتها سوريا، ويحمل حصته من المشاكل التكوينية التي تواصلت وتعمقت تاريخيا.

لم تكن مواكب سيارات الدفع الرباعي المندفعة من إدلب، سوى لحظة في عملية سقوطه الطويلة، التي تغذت على انفصاله عن الواقع، بل كان يمكن لغيرهم أن يخوضوا الطريق إلى دمشق من غرب سوريا أو جنوبها، الواقع أن سوريا انفجرت من الداخل، وما زالت الشظايا جارحة ومدببة الحواف وكامنة في كل مكان. العقوبات الاقتصادية التي فرضت بعد اندلاع أحداث 2011 هي الفصل الأول في الوهن الذي تمدد في الدولة السورية، ففي الحقيقة عايشت سوريا حالة من العقاب التي فرضها النظام على السوريين من خلال عمليات احتكار طويلة أدت إلى التوجس من التعامل مع الفرص القائمة والكثيرة في الاقتصاد السوري بصورة ايجابية، فرجل الأعمال المصري نجيب ساويرس الذي وجد منفذا للتعامل مع كوريا الشمالية، وجد نفسه يتعرض للبلطجة بتوظيف السياسة والقانونية لمصلحة شريكه رامي مخلوف (ابن خال الرئيس الأسد)، وبقيت سوريا بلدا طاردا للكفاءات التي توجهت لدول الخليج العربي وأوروبا والولايات المتحدة، لأن الاندماج في النخبة السورية كان يتطلب تنازلات فكرية وسياسية واجتماعية كثيرة. بقيت دمشق مدينة تفشل في اللحاق بعالم القرن الواحد والعشرين، وكان ذلك قبل أحداث 2011، فالبنية التحتية ومظاهر الحداثة، لم تكن ترقى حتى لدول مجاورة صغيرة نسبيا مثل الأردن ولبنان، ولكن النظام وكما تبدى كان يوفر لنفسه ما يريده بعيدا عن الجميع، وكم من المؤسف أن تظهر فجأة شواطئ ممتدة تنافس في جماليتها أرقى شواطئ المتوسط كانت حكرا على أسرة الأسد وحلفائها، هذه الشواطئ وحدها كانت لتقفز بالسياحة في سوريا خطوات هائلة للأمام، وكثيرا ما تشدق المتحمسون للنظام السوري بانخفاض المديونية، بوصفه دليلا على استقلالية الاقتصاد السوري، ولم يكن الأمر كذلك يوما، فسوريا تحصلت على دعم خليجي كبير في حقبة التسعينيات، وبقيت قطر تستثمر بكثافة في سوريا لمرحلة طويلة تالية، ولكن كثيرا ما كانت هذه الاستثمارات تجد نفسها في صدام مع النخبة السورية المغلقة، أو مع عدم استقلالية القرار السوري لمصلحة موسكو، التي وقفت ضد خط أنابيب الغاز القطري – السوري – الأوروبي، لتمكين الروس من الإبقاء على هيمنتهم على إمدادات الغاز لأوروبا، الأمر الذي أشعر الدوحة بانزعاج عميق، خاصة بعد وقوفها المفتوح مع الجانب السوري بعد حرب يوليو 2006 على الصعيدين الاقتصادي والسياسي.

تتحقق للرئيس الشرع فرصة كبيرة، ربما تعمق من أزمته الشخصية بين صورة أبو محمد الجولاني المقاتل الميداني العنيد والمتهور بعض الشيء، وأحمد الشرع، ابن حسين الشرع القومي العربي، الذي كان يحمل نسخة مغايرة ومناهضة لقومية الأسد، ذات الأولويات الطائفية والأسرية الخاصة، فالرئيس ما زال أمامه الكثير ليثبت للسوريين أنه يستطيع أن يتخلص من صورته السابقة وأن يكون رئيسا للجميع، ولديه بطبيعة الحال تحدياته الخاصة وفي مقدمتها المقاتلون الأجانب الذين يحملون نموذجهم الخاص من اليوتوبيا الإسلامية السلفية والماضوية التي تصطدم مع خصوصية المجتمع السوري وتنوعه وتعدده، وستصطدم مستقبلا بما يجعل الرئيس بحاجة لحلفاء موثوقين، ومعبرين عن كامل المجتمع السوري وأطيافه، وفرصة الانتشاء الجمعي التي تمتد ربما لأسابيع أو أشهر قليلة مقبلة هي أمام الرئيس، الذي عليه أن يحسم ملفات كثيرة بخصوص الدولة والمجتمع، أو يكون أكثر ذكاء من النظام السابق ليفتح الباب لإعادة إنتاج النظام الذي يمكن أن يستوعب بلدا بتعقيد سوريا وعمقها التاريخي ومشكلاتها الطويلة ومتعددة الفصول.

كاتب أردني

القدس العربي

——————————

العراق وتركيا والأردن.. كيف تستفيد اقتصادات دول الجوار السوري من رفع العقوبات الأميركية؟/ فارس الخيام، زيد اسليم، حبيب أبو محفوظ

17/5/2025

بغداد/أنقرة/عمّان – شهدت المنطقة تطورا إستراتيجيا بعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب من العاصمة السعودية الرياض الثلاثاء رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا، إذ تعتبر نقطة تحوّل في مسار العلاقات الدولية مع دمشق، بل في طبيعة التفاعلات الاقتصادية في الشرق الأوسط.

فتح هذا التحول الباب واسعا أمام دول الجوار السوري كالعراق وتركيا والأردن، لإعادة تقييم علاقاتها السياسية والاقتصادية مع دمشق، والسعي للاستفادة من هذا التغيير بما يعزز الاستقرار الإقليمي والمصالح المشتركة.

تسلط الجزيرة نت الضوء في هذا التقرير على الآثار الاقتصادية، والدلالات السياسية، والانعكاسات المباشرة على دول الجوار السوري بعد قرار الإدارة الأميركية رفع العقوبات عن سوريا لإعطاء دمشق “فرصة” بعد سقوط نظام بشار الأسد.

العراق.. انفتاح حذر

في العراق أشار المتحدث الرسمي باسم غرفة تجارة بغداد رشيد السعدي إلى أن حجم التبادل التجاري بين العراق وسوريا كان يقارب المليار دولار أميركي سنويا قبل الأحداث الأخيرة التي شهدتها سوريا وما تلاها من فتور في العلاقات وإغلاق للحدود، مما أدى إلى انخفاضه بنسبة كبيرة وصلت حوالي 5% من الرقم المذكور.

وأضاف السعدي في حديث للجزيرة نت أن السلع والخدمات المتبادلة بين البلدين تتركز غالبا في المواد الغذائية والصابون والمنسوجات.

وحول الاستثمارات المتبادلة بين بغداد ودمشق قال المتحدث الرسمي باسم غرفة تجارة بغداد إنه لم يكن ثمة ملامح واضحة لاستثمارات كبيرة بين البلدين في ظل الظروف السابقة والأحداث التي شهدها العراق لاحقا.

وأضاف أنه مع ذلك توجد استثمارات بسيطة قام بها بعض رجال الأعمال العراقيين في مجالات مثل بناء المصانع والشركات والمحال التجارية.

وحدد السعدي القطاعات المرجح أن تحقق استفادة كبيرة بعد تحرير الاقتصاد السوري ورفع العقوبات الأميركية، وفي مقدمتها القطاع المصرفي، يليه قطاعات الزراعة والصناعة والتجارة والاستثمارات السياحية، بالإضافة إلى إمكانية استئناف تصدير النفط ومشتقاته.

وأشار إلى أن تنشيط هذه القطاعات بشكل كامل، وخاصة قطاع النفط، يتطلب سيطرة الحكومة المركزية في دمشق على جميع الأراضي السورية.

وفي سياق التحديات المحتملة، لفت السعدي إلى أن أبرز ما يعيق سرعة التفاعل الاستثماري العراقي مع سوريا يتمثل في التحديات الإسرائيلية، لافتا إلى أن استمرار نشاط الطيران الإسرائيلي فوق الأراضي السورية، وتمركز قواتهم على مسافة قريبة من دمشق قد يخلق حالة من التردد لدى المستثمرين ورجال الأعمال العراقيين في ضخ أموالهم واستثماراتهم داخل الأراضي السورية.

السلع والخدمات المتبادلة بين البلدين تتركز غالبا في المواد الغذائية والصابون والمنسوجات(شترستوك)

بغداد ودمشق.. قفزة محتملة في التجارة بين العراق وسوريا

من جانبه، توقع الخبير الاقتصادي مصطفى حنتوش، حدوث قفزة إيجابية في حجم التبادل التجاري والصناعي بين العراق وسوريا في أعقاب رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا، لافتا إلى أن هذه الزيادة لن تكون كبيرة في المدى القصير.

وقال حنتوش للجزيرة نت إن حجم التبادل التجاري الحالي بين البلدين يتجاوز مليار دولار أمريكي سنويا، مضيفا أنه إذا حصل انفتاح اقتصادي وتسهيل للتحويلات التجارية إلى سوريا، فإن ذلك سيسهم في فتح سوق واسعة بين الدولتين الجارتين.

وحذر من احتمال حدوث نقص في بعض المواد الأولية، لا سيما الفواكه والخضراوات نظرا للوضع الراهن الذي يمر به القطاعان الصناعي والزراعي في سوريا، والذي يتطلب سنوات من التعافي، مرجحا في الوقت نفسه ارتفاعا في أسعار البضائع السورية مقارنة بما كانت عليه في السابق، وذلك نتيجة لدخول السوق السورية مرحلة جديدة من النشاط والمنافسة.

وتوقع حنتوش أن يصل حجم التبادل التجاري بين البلدين -في أفضل الأحوال- إلى 4 مليارات دولار سنويا، لافتا إلى وجود فرص استثمارية واعدة بين العراق وسوريا.

وقال إن انفتاح سوريا على العالم وامتلاكها منفذا على البحر الأبيض المتوسط يجعل منها طريقا إستراتيجيا لنقل النفط والبضائع العراقية.

بَيد أن حنتوش شدد على أن تحقيق هذه الخطوات على النحو الأمثل مرهون بتحقيق الاستتباب الأمني الكامل في سوريا، الأمر الذي يمثل ضمانة أساسية لدخول الاستثمارات العراقية إلى السوق السورية بثقة واطمئنان.

تركيا

.. شريك الإعمار

في تركيا، تعيش العلاقات الاقتصادية بين أنقرة ودمشق مرحلة تحول، مع عودة تدريجية للتبادل التجاري بعد إعلان وزارة التجارة التركية في فبراير/شباط 2025 رفع جميع القيود على الصادرات والنقل إلى سوريا اعتبارا من ديسمبر/كانون الأول 2024، وإخضاع الواردات السورية للقواعد الجمركية المطبقة على باقي الدول.

انعكس هذا الانفتاح سريعا في شكل أرقام لافتة؛ إذ بلغت الصادرات التركية إلى سوريا نحو 2.2 مليار دولار عام 2024، مرتفعة من 2.05 مليار دولار في 2023، وفق بيانات وزارة التجارة.

وفي مؤشر على تنامي الزخم، سجلت الصادرات التركية إلى شمال سوريا خلال الفترة بين 1 و25 يناير/كانون الثاني 2025 ما قيمته 219 مليون دولار، بزيادة سنوية بلغت 35.5% مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق (161 مليون دولار)، ويطمح الطرفان إلى رفع سقف التبادل التجاري إلى 10 مليارات دولار خلال السنوات المقبلة.

وتبرز غازي عنتاب كأكثر الولايات التركية استفادة من هذا النشاط، إذ بلغت قيمة صادراتها إلى سوريا في 2024 نحو 481 مليون دولار، لتحتل بذلك المرتبة الثالثة بعد العراق والولايات المتحدة في قائمة أسواقها الخارجية، وفق بيانات اتحاد المصدّرين الأتراك.

وتسير الخطوات التركية نحو التطبيع الاقتصادي مع سوريا بوتيرة متصاعدة، فعلى الرغم من تعليق العمل باتفاقية التجارة الحرة الموقعة بين أنقرة ودمشق عام 2007 منذ اندلاع الحرب في سورية، أكد وزير التجارة التركي عمر بولات أنها لا تزال سارية من الناحية القانونية، مشيرا إلى استعداد بلاده لاستئناف تنفيذها وتوسيع أطر التعاون التجاري والاستثماري مع الحكومة السورية الجديدة.

يطمح البلدان إلى رفع سقف التبادل التجاري إلى 10 مليارات دولار خلال السنوات المقبلة (شترستوك)

ويأتي قطاع البناء والمقاولات، الذي يُنتظر أن يلعب دورا محوريا في مشاريع إعادة الإعمار في مقدمة المستفيدين؛ فمنتجات مواد البناء التركية، من الأسمنت والحديد إلى الطوب والقرميد، تصدرت صادرات الولايات الحدودية إلى سوريا خلال السنوات الأخيرة، وفق بيانات غرفة تجارة وصناعة شانلي أورفا، ومن المتوقع أن يرتفع الطلب عليها بشكل كبير مع بدء المشاريع الكبرى داخل سوريا.

وعلى الصعيد المالي، نقلت رويترز عن الرئيس التنفيذي لبنك “بيلباو فيزكايا أرجنتاريا” “بي بي في إيه” (BBVA)، أونور غينتش قوله إن قرار الولايات المتحدة برفع العقوبات عن سوريا يشكل فرصة إيجابية للشركات والبنوك التركية، مشيرا إلى أن تركيا تمتلك الإمكانات للمشاركة بفعالية في مشاريع إعادة الإعمار داخل سوريا.

وأوضح غينتش أن بنك غرانتي التركي، كان يواجه تحديات كبيرة في تمويل المشاريع المرتبطة بسوريا خلال السنوات الماضية بسبب القيود الدولية، مضيفا أن إزالة هذه العقوبات ستسمح للبنوك التركية بلعب دور أكبر في دعم أنشطة الشركات التركية داخل سوريا، وتمويل مشاريع البنية التحتية والقطاعات الإنتاجية بشكل أكثر مرونة وكفاءة.

وفيما يتعلق بقطاع الصناعات الهندسية والإلكترونية فيُنتظر أن يشهد نموا مضاعفا، في ظل ارتفاع الحاجة داخل سوريا إلى الأجهزة الكهربائية والمعدات الإلكترونية الاستهلاكية، والتي لطالما شكلت بندا ثابتا في التبادل التجاري بين البلدين.

ويرى الباحث الاقتصادي التركي حقي إيرول جون أن قرار رفع العقوبات عن سوريا يمثل فرصة إستراتيجية نادرة أمام الاقتصاد التركي، مشيرا إلى أن انفتاح السوق السورية بهذا الشكل سيسمح لتركيا بتعزيز نفوذها الاقتصادي في المنطقة، واستعادة دورها الحيوي في التجارة الإقليمية.

ورأى الباحث إيرول جون في حديث للجزيرة نت أن عودة سوريا إلى الدورة الاقتصادية العالمية ستُسرّع اندماجها في سلاسل التوريد الإقليمية، وستمهد الطريق أمام الشركات التركية للدخول المبكر في مشاريع إعادة الإعمار، بما تمتلكه من خبرة وقرب جغرافي وبنية صناعية جاهزة.

واعتبر الباحث التركي أن رفع العقوبات بمثابة إشارة سياسية واقتصادية إلى عودة سوريا كوجهة للتعاون الإقليمي، موضحا أن تركيا مؤهلة أكثر من غيرها لتكون الشريك الأول في هذه العودة، إذا استثمرت هذه اللحظة بذكاء وتخطيط إستراتيجي.

الأردن.. تنشيط التجارة البينية

في الأردن، وبالنظر إلى الأوضاع الاقتصادية الصعبة، فإن المملكة المجاورة لسوريا قد تأثرت بشكل مباشر بالأزمة هناك منذ عام 2011، سواء من حيث الأعباء الاقتصادية أو الأمنية أو الإنسانية، ومع التوجه الأميركي نحو رفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا، تبرز أمام عمّان فرص محتملة لتعزيز اقتصادها وتخفيف الأعباء الناجمة عن الأزمة.

وحسب مراقبين، فإن رفع العقوبات عن سوريا من شأنه أن يعيد إحياء الحركة التجارية بين عمّان ودمشق، التي كانت قبل عام 2011 نشطة جدا، حيث كانت سوريا ممرا بريا رئيسًا للمنتجات الأردنية نحو أوروبا ولبنان وتركيا، إضافة إلى كونها سوقا مهمة للمنتجات الزراعية والصناعية الأردنية.

ومع مرور الوقت، قد تزداد فرص شركات المقاولات والخدمات الأردنية للدخول في مشاريع إعادة الإعمار في سوريا، لا سيما في المناطق الجنوبية القريبة من الحدود، وهو ما يوفر فرص عمل للأردنيين وينعش قطاعات مثل البناء، والطاقة، كمشاريع الربط الكهربائي، والغاز والمياه، وهي قطاعات حيوية للأردن.

ويدعم استقرار سوريا واندماجها في المشاريع الإقليمية المصالح الأردنية في المدى المتوسط والبعيد، وفق مراقبين.

وصل حجم الصادرات الأردنية إلى سوريا في أول 10 أشهر من العام الماضي إلى 768 مليون دولار (شترستوك)

وفد اقتصادي لدمشق

من جانبه، قال رئيس غرفتي تجارة الأردن وعمان، خليل الحاج توفيق، إن إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب رفع جميع العقوبات المفروضة على سوريا، سيسهم بتعزيز العلاقات الاقتصادية بين عمّان ودمشق، معربا عن اعتقاده بأن يساعد القرار الأميركي في خلق فرص أمام قطاع الإنشاءات للإسهام بإعادة إعمار سوريا.

ولفت الحاج توفيق إلى أن القطاع المصرفي سيشهد حركة نشطة وملحوظة مع دمشق بعد إعلان رفع العقوبات، مشيرا إلى أن القطاع المصرفي شريان رئيسي لكل القطاعات مثل الاستيراد والتصدير وغيرها.

وعلمت الجزيرة نت أن وفدا اقتصاديا أردنيا كبيرا يمثل القطاع التجاري والصناعي، سيقوم بزيارة عمل رسمية إلى سوريا خلال الأيام القادمة، لبحث مستقبل علاقات البلدين الاقتصادية والتجارية وبما يخدم مصالحهما المشتركة.

فرصة إستراتيجية

أكد الباحث الاقتصادي عامر الشوبكي أن رفع العقوبات الأميركية عن سوريا يمثل فرصة إستراتيجية للأردن وقطاع الطاقة الأردني.

وأضاف في حديث للجزيرة نت أن الخطوة تتيح للأردن استئناف دوره الحيوي في تزويد سوريا بالكهرباء والغاز، من خلال البنية التحتية الإقليمية القائمة، التي طالما كانت معطلة بسبب العقوبات الدولية على الجانب السوري.

وقال إن الأردن يمتلك فائضا كبيرا في الكهرباء المنتجة، في حين تعاني سوريا من انقطاعات مزمنة ناجمة عن دمار البنية التحتية لمحطات التوليد.

ولفت الشوبكي إلى أن رفع العقوبات عن سوريا سيسهم في تحفيز عودة اللاجئين السوريين من الأردن، ممن كانوا مترددين في العودة متوجسين قبل رفع العقوبات من مدى الاستقرار وتوفر الخدمات في سوريا، مشيرا إلى أن الواقع السوري الجديد يفتح الباب أمام استثمارات أردنية جديدة داخل سوريا، وفرص نمو لوجستي من خلال تنشيط قطاع النقل البري العابر الذي عانى من الشلل طيلة سنوات الأزمة.

ودعا الخبير الاقتصادي إلى ضرورة أن يتحرك الأردن رسميا بسرعة لترجمة هذا التحول الإستراتيجي إلى مشاريع ملموسة، لا سيما في قطاعي الطاقة والنقل، بما يعزز مكانته الإقليمية، ويُحسن من أوضاعه المالية والاقتصادية.

ووصل حجم الصادرات الأردنية إلى سوريا في أول 10 أشهر من العام الماضي إلى 768 مليون دولار، ووفقا لأرقام دائرة الإحصاءات العامة بلغ حجم المستوردات الأردنية من سوريا خلال 10 أشهر من العام الماضي إلى قرابة 711 مليون دولار مقارنة مع 535 مليون دولار خلال الفترة نفسها من العام 2023.

المصدر : الجزيرة

—————————

من تاتشر إلى أحمد الشرع: كيف يغيّر السياسيون صورتهم؟ ولماذا؟/ سناء الخوري

آخر تحديث 15 مايو/ أيار 2025

وصف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا، أحمد الشرع، بأنه “شاب جذّاب” و”رجل قوي” يتمتع بـ”ماضٍ قوي جداً”، وذلك عقب لقائهما في الرياض يوم أمس.

وأثار التصريح جدلاً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي وفي وسائل الإعلام، نظراً لأن الشرع كان يُعرف سابقاً باسم “أبو محمد الجولاني”، زعيم “هيئة تحرير الشام”، إحدى أقوى الجماعات الجهادية التي برزت خلال النزاع السوري، قبل أن ينهار حكم الرئيس بشار الأسد ويتولى الشرع السلطة أواخر عام 2024.

وخلال الأشهر الماضية، تحوّل الشرع إلى وجه بارز للمرحلة الانتقالية في سوريا، بعد أن وضع خطابه الجهادي خلفه، وبدأ بالظهور بمظهر مدني.

ومنذ الأيام الأولى لتولّيه المنصب، أجرى الشرع مقابلات مع وسائل إعلام دولية، واستقبل وفوداً رسمية في القصر الجمهوري بدمشق، كما ظهر في عدد من الأماكن العامة، وزار المسجد الأموي وسط تغطية إعلامية واسعة.

في الواقع، لم يكن تحوُّل الجولاني من “زعيم جهاديّ إلى سياسيّ معارض” أمراً حديثاً، “بل تطوّر بعناية على مرّ السنين، وكان واضحاً لا في تصريحاته العامة ومقابلاته الدولية فحسب، بل أيضاً في مظهره المتغيّر”، تكتب زميلتنا المُختصّة بشؤون الجماعات الجهادية في “وحدة المتابعة الإعلامية في بي بي سي” مينا اللامي، في مقال نشرته بي بي سي.

قد تُشكّل التحوّلات التدريجية في صورة الجولاني، حالة نموذجيّة للدراسة من قبل المختصّين في التسويق السياسي، والباحثين في أسس صناعة الصورة العامة أو “العلامة التجارية الفارقة” للسياسيين.

المرشحة لرئاسة الوزراء البريطانية مارغريت تاتشر (1925-2013) تلقي خطاباً من منصة في إحدى الساحات خلال انتخابات البرلمان لعام 1979. تاتشر، التي مثلت حزب المحافظين، أصبحت أول امرأة تتولى منصب رئيسة وزراء في أوروبا، وشغلت المنصب لثلاث ولايات متتالية.

على مواقع التواصل، يتسابق المعلّقون على قياس التغييرات في طول لحية الشرع وهندامه وطريقة كلامه؛ لكنّ هذا التحوّل ليس ظاهرة جديدة أو فريدة من نوعها، كما يخبرنا أستاذ التسويق في جامعة نوتنغهام كريستوفر بيش.

يأخذُنا بيش إلى تجربة مماثلة خاضتها مارغريت تاتشر، رئيسة وزراء بريطانيا في الفترة بين 1979 و1990. “ففي السبعينيات، مع بداية صعود تاتشر سُلّم القيادة في حزب المحافظين، كانت تحتاج إلى تغيير صورتها كي تبدو مقنعة كرأس للدولة، ورئيسة وزراء محتملة”، يقول.

استعانت تاتشر حينها بخبراء في العلاقات العامة والتسويق، لحياكة صورة محبوكة بعناية، تُمثّلها كشخصية تُلبّي متطلّبات القيادة؛ توحي بالثقة، وبالقدرة على الإمساك بزمام الحكم. باتت تختار ملابس تشي بالصلابة والودّ في آن واحد، وعدّلت نبرة صوتها الرفيعة، لتصير هادئة وثابتة، حتى أنّها غيّرت تسريحة شعرها. وهكذا تشكّلت علامة “المرأة الحديدية”، وباتت صاحبة التأثير الأعمق على الحكم والسياسة في بريطانيا، لنحو عقدين من الزمن.

على مثال زيلينسكي

الممثل الكوميدي الأوكراني والمرشح الرئاسي فولوديمير زيلينسكي يدخل قاعة في كييف في 6 مارس 2019، للمشاركة في تصوير مسلسل “خادم الشعب” حيث يجسد دور رئيس أوكرانيا. – الغضب من النخبة السياسية كان من أسباب صعود زيلينسكي، الممثل التلفزيوني الذي لا يمتلك خبرة سياسية، والذي تصدر استطلاعات الرأي في الانتخابات الرئاسية المقبلة بنسبة 25%، متقدمًا على بوروشينكو بنسبة 17% ورئيسة الوزراء السابقة يوليا تيموشينكو بنسبة 16% حتى 4 مارس 2019.

كي لا نعود بالزمن كثيراً إلى الوراء، يمكننا أن نجد مثالاً راهناً في التسويق السياسي، حقّق نجاحاً، في علامة الرئيس الأوكراني فلودومير زيلينسكي.

عُرف زيلينسكي في البداية، ككاتب وممثّل كوميدي، وحظي بشهرة في مسلسل بعنوان “خادم الشعب”، يحكي قصة مواطن عادي يصبح رئيساً. ومع صعود نجمه في عالم السياسة، استخدم زيلنسكي خلفيته تلك، لتقديم نفسه كنموذج مغاير عن النخب السياسية التقليدية في أوكرانيا.

بعد الغزو الروسي لبلاده، وبفضل خطاباته، وقمصانه الزيتية الرياضيّة الصيفية والشتوية، أصبح رمزاً للصمود في وجه العدوان، ومُمثّلاً للروح المعنوية للشعب الأوكراني.

يقول أستاذ التسويق في جامعة لسيسيتر البريطانية البروفيسور بول باينز إن معرفة زيلينسكي العميقة بوسائل الإعلام، وكيفية عملها، وعلاقاته القوية بأقطابها، نظراً لخلفيته كممثل وامتلاكه شركة إنتاج، كلها عوامل ساعدته في إضفاء مصداقية على صورته العامة، وجعلت منه علامة فارقة.

يقول باينز: “قد يبدو الأمر غريباً، أن نرى ممثّلاً يُجسّد دور رئيس في مسلسل تلفزيوني، يصبح رئيساً حقيقيّاً لبلاده، لكن هذا الأمر من سمات عصر ما بعد الحداثة. امتلك زيلينسكي القدرات المطلوبة، وأظهر صفات بطولية واضحة، وعمل بجدّ كبير لكسب تأييد الجماهير حول العالم، فتحدّث في برلمانات دول عدّة، خصوصاً تلك التي تُعَدّ من أكبر المانحين، مثل ألمانيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة. وعلى الصعيد الداخلي، اتخذ خطوات لتعزيز معنويات شعبه وتحفيزه على القتال والدفاع عن وطنه”.

ما هو علم التسويق السياسي؟

يختلف السياق التاريخي لصعود تاتشر عن السياق الأوكراني أو السوري، فلكلّ بلد سياقه السياسي وأزماته الخاصة… ولكنّ الترويج لشخصيات القادة علمٌ قائم بذاته، ويمكن أن يحدث فرقاً حقيقياً في صعود تلك الشخصيات أو أفولها، بحسب المختصّين.

ببساطة، يستعير التسويق السياسي قواعد ومبادئ التسويق التجاري ذاتها، ويطبّقها في عالم السياسة، عوضاً عن تطبيقها على ترويج السلع، أو العلامات الفاخرة، أو الرحلات السياحية، أو المنتجات الرياضية. ويُعنى التسويق السياسي ببناء صورة عامّة أو “علامة تجارية فارقة”، تصير أشبه ببصمة للأحزاب والشخصيات والحركات السياسية، ويلعب بالتالي دوراً في مدى شعبيتها، ونظرة الجماهير لها، وإرثها.

يقول الأكاديمي كريستوفر بيش إن جذور الترويج السياسي، قديمة جداً، تعود بحسب تعبيره إلى “اليونانيين القدماء الذين كانوا يسوّقون برامجهم وتعهداتهم السياسية على ألواح منحوتة، ويجولون فيها بين المدن والقرى”.

على مرّ القرون، “تطوّر التسويق السياسي، خصوصاً بوجود الإعلام الحديث، واستخدام الملصقات، والراديو، والتلفزيون، للتواصل مع الناخبين، وصولاً إلى الإعلام الرقمي الذي غيّر بالكامل طريقة تواصل السياسيين مع الجمهور”.

ويتابع: “التسويق السياسي اليوم صناعة بملايين الدولارات، يستهدف الجماهير بدقّة، وله تأثير واسع. صناعة صورة عامة أو علامة فارقة في عالم السياسية، تعني صقل سردية متماسكة، تعكس قيم الشخصية أو الحزب، وتقدر على خلق رابط عاطفي مع المناصرين”.

ويرتبط نجاح خطط التسويق السياسي، بالعمل بناءً على دراسات واستطلاعات رأي دقيقة، لفهم مزاج الجمهور. ويشير بيش إلى مجموعة مبادئ أساسية يحرص المسوّقون السياسيون المحترفون على تطبيقها لجعل العلامة السياسية فعّالة وناجحة. يقول: “من الركائز الأساسية: التميّز عن المنافسين، والقدرة على تقديم رؤية وقيم واضحة. هناك أيضاً الأصالة والثقة، وضرورة أن يكون الجمهور قادراً على التماهي مع القائد، وأن يكون الأخير متصلاً بهموم الناس”.

بحسب الأستاذ بيش، فإن حملتي باراك أوباما لانتخابات الرئاسة الأمريكية عامي 2008 و2012 تُعدّان حالتين نموذجيتين في تطبيق تلك المبادئ التسويقية بنجاح. اعتمد أوباما إطلالات مختلفة – ربطة عنق وملابس رسمية أمام شرائح من الجمهور، وأكمام مرفوعة بدون ربطة عنق أمام شرائح أخرى – لإظهار مرونة أكبر. يقول بيش: “أراد أوباما الظهور أحياناً بشكل رسمي كرجل دولة، وأحياناً أخرى ببساطة وودّية ليكون أكثر قرباً من الناخبين”.

كذلك يشير بيش إلى مثال دونالد ترامب “الذي نجح خلال الانتخابات الأخيرة بتقديم نفسه على أنه المستضعف، رغم أنه شغل منصب الرئيس لأربع سنوات سابقاً. كان من اللافت كيف استمرّ بتصوير نفسه كمرشّح ضدّ المؤسسة الحاكمة، مستخدماً الدعاوى القضائية المرفوعة ضدّه، والجدل المحيط بحملته، كوسيلة لتعزيز صورته كشخصية تعارض وتناضل ضدّ المنظومة السياسية الأمريكية القائمة”.

هناك أمثلة معاصرة مشابهة، مثل رئيسة الوزراء النيوزلندية السابقة جاسيندا أردرن التي عزّزت صورتها كقائدة متعاطفة ولطيفة وقريبة، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التي لقبت بـ “ماما ميركل” في إشارة إلى أنها توحي بالطمأنينة. هناك أيضاً رجب طيب أردوغان الذي يربط صورته العامة بعظمة التاريخ الإمبراطوري العثماني، مع مخاطبة الحسّ القومي التركي، والدفاع الدائم عن القيم التركية التقليدية.

كما نجد شخصيات أخرى أثرت صورتها العامة بشكل سلبيّ على مكانتها السياسية، ومن بينها، كما يقول بيش، رئيس الوزراء البريطاني السابق ريشي سوناك الذي بدت صورته العامّة “كشخصيّة بعيدة المنال، ونخبوية، ومنفصلة عن عامة الشعب”.

هالة القائد “الذي لا يقهر”

في الانتخابات الديمقراطية، ترتبط صناعة التسويق السياسي وخلق علامة brand للقادة والزعماء، بأهمية جذب الناخبين، وتحقيق نتائج أفضل في استطلاعات الرأي، وزيادة الشعبية، للفوز بالأصوات.

ولكن، حتى في السياقات الشمولية أو القائمة على شخصية قائد واحد، هناك أيضاً حاجة لتسويق صورة عامّة دقيقة، “لخلق هالة حول شخصية مُسيطرة، لا تُقهر، وتحظى بالولاء”، بحب البروفيسور بول باينز.

في هذا السياق، يتحدّث بيش عن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين: “ظهوره بزيّ الجودو أو على صهوة حصان بلا قميص، يرسل رسالة قوة وصلابة. إنها صور مدروسة لتدعيم علامة القائد القوي، حتى وإن لم يكن الهدف إقناع الناخبين بقدر ما هو ترسيخ الهيمنة”.

الأمر ذاته ينطبق على زعماء آخرين يركّزون على الرمزية والمشهدية، مثل العروض العسكرية والاحتفالات الضخمة، لتعزيز الهوية القومية وإشعار المواطنين بأن القائد قوي ولا يهزم. على هذا المنوال، يصدّر الإعلام الكوري الشمالي صورة كيم جونغ أون كـ “منقذ الأمة وحاميها”.

ويقول باينز إن كلا الزعيمين يستخدمان “صوراً مختارة بعناية لتعزيز هيمنتهما وترسيخ ما يشبه الرابط الأبوي بينهما وبين الشعب”.

بوتين عام 2009، وكيم جونغ أون عام 2017

ماذا عن الجماعات المتطرّفة؟

في الثمانينيات، غالباً ما صورت وسائل الإعلام والحكومات الغربية المجاهدين الأفغان — المقاتلين الإسلاميين ضد الغزو السوفيتي — على أنهم مناضلون من أجل الحرية. لكن هذا التصور تغيّر جذرياً منذ التسعينيات.

يدرس البروفيسور بول باينز، “تغيير العلامة التجارية” لدى جماعات مثل “القاعدة”، وتنظيم “الدولة الإسلامية”، و”الشباب”، و”بوكو حرام”، وغيرها من الجماعات التي تتبنّى أيديولوجيات متشدّدة.

ويقول باينز لبي بي سي إن “القاعدة كانت أول علامة تجارية brand إرهابية عالمية”، إذ تجاوزت نطاقها الإقليمي، وسعت لصنع هوية عابرة للحدود، وعلامة قائمة على العنف والترهيب، والعداء للغرب والولايات المتحدّة والحداثة، وقد أسهمت في جذب بعض العناصر، لكنها في المقابل أثارت نفور فئات واسعة”.

ويلفت باينز إلى أن ذلك “لا يقتصر على الجماعات الإسلامية المتشدّدة، فاستخدام التطرّف في الدعاية السياسية يجد مكانته في أوساط اليمين المتشدّد في أوروبا والولايات المتحدة”.

يقول باينز إن قادة القاعدة بن لادن والظواهري غيّرا أسلوبهما من البدايات حين كانت الفيديوهات أقرب إلى الخُطب الوعظية. “إذا نظرت إلى تسجيل فيديو للقاعدة من عام 1998، سترين أنه أشبه بخطبة. يقف بن لادن وكأنه شيخ أو إمام يخاطب تلاميذه. وهذا النهج تغيّر، فخلال 10 سنوات بدأت تسجيلات القاعدة تستخدم رسومات حاسوبية، وصارت أقل رداءة من حيث جودة الصورة، وتحسّنت قيمة الإنتاج كثيراً.”

لاحقاً وبحلول عام 2012، اعتمد “تنظيم الدولة” أو “داعش” ما يسمّى “إدارة التوحش” وهو مصطلح إلى بثّ الرعب بواسطة تسيجلات الإعدامات العلنية والحرق وقطع الرؤوس.

يؤكد باينز أنّ الجماعات الإرهابية تواجه معضلة فريدة بين الدفع بأجنداتها من خلال العنف وبين الحفاظ على دعم شعبي ضروري لاستمرارها، وهو ما يدفع شخصيات مثل الجولاني إلى إعادة النظر في تلك الأساليب، وتشكيل صورة أكثر قابلية.

يقول بيش: “في بعض الحالات، يمكن توظيف مبادئ التسويق السياسي لإعادة صياغة الصورة، عبر الاعتراف بالأخطاء السابقة، ووضع رؤية جديدة للمستقبل، والعمل على كسب ثقة الداخل والخارج”.

في التاريخ أمثلة عدّة، منها كيف أعاد نابليون بناء صورته بعد نفيه الأول وعودته إلى فرنسا واستعادته الحكم لفترة قصيرة عرفت “بالمئة يوم”. وفي التاريخ الحديث، نجد كيف بيل كلينتون بتجاوز فضيحته مع مونيكا لوينسكي بالتركيز على إنجازاته الاقتصادية والاجتماعية.

التغيير والأمل

في الواقع، يمكن لكلمة “تغيير” بحدّ ذاتها، أن تصبح علامة سياسية قوية، تجتذب الساعين إلى بديل. ويقول بيش: “كان ‘التغيير’ الشعار الأساسي لكير ستارمر (زعيم حزب العمال ورئيس الوزراء) في الانتخابات البريطانية الأخيرة. لقد خاض حملته كلّها على فكرة التغيير… فبعد 13 أو 14 عاماً (من حكم المحافظين)، كان الناس حقّاً يتطلعون إلى تغيير ما.”

من جانبه يوضح باينز أنّ التسويق السياسي يعتمد كثيراً على الرسائل العاطفية. يقول: “غالباً ما نتناول في التسويق السياسي مفهوم ‘الأمل’ مقابل ‘الخوف’. هناك الكثير من الحملات التي ترتكز على الخوف، وأخرى على الأمل. وفي نهاية المطاف، إذا كنت تسعى إلى قبول ثوري بقائد ما أو إلى تحوّل جذري، فالأمل هو الرسالة الأنجع. أما الأنظمة السلطوية فعادةً ما تلجأ إلى توظيف الخوف”.

بهذا المعنى، يحاول أحمد الشرع أن يقطع مع ماضيه الإشكالي، والظهور بصورة “قائد وطني متمرّد” يسعى لتحرير البلاد. ويعلّق باينز: “إنه يقدّم نفسه الآن كما لو كان ‘المخلّص’، ويحاول استبدال البذلة الجهادية بثوب القيادة الوطنية المقبولة دولياً”.

من منظور التسويق السياسي، يرى باينز أن عملية إعادة التشكيل هذه ليست عشوائية، بل تستند إلى فهم ما يريده الجمهور. يقول: “يلجأ السياسيون إلى استطلاعات الرأي ومجموعات التركيز لتحديد الرسائل الأكثر قبولاً لدى الناس، ثم يكرّرون تلك الرسائل على أمل أن تُصدّق.”

غير أن باينز يشدّد على أن نجاح مثل هذه الاستراتيجيات يعتمد في النهاية على أفعال حقيقية. “فالسوريون مرّوا بسنوات من الحرب، ومن الصعب خداعهم بتعديلات شكلية؛ إذا لم يقدّم الجولاني (الشرع) ما يثبت صدق تحوّلاته، فقد يخسر فرصة ترسيخ علامته الجديدة. الناس ليسوا أغبياء”.

بي بي سي

—————————–

رفع ترامب العقوبات عن سوريا.. إجراء سريع أم مسار طويل؟/ محمد المنشاوي

16/5/2025

واشنطن- قوبل إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب اعتزامه رفع العقوبات عن سوريا بتصفيق مطول في منتدى الاستثمار السعودي. وفي اليوم التالي، التقى ترامب -بحضور ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان– الرئيس السوري أحمد الشرع، في ما يُعد أهم حدث تشهده علاقات الدولتين منذ عقود.

وأشادت دمشق بتصريحات ترامب واعتبرتها محورية لإعادة بناء سوريا بعد أكثر من 10 سنوات من الحرب والعزلة الدولية. وفي لقائه مع قادة دول مجلس التعاون الخليجي، أقر ترامب بأن “العقوبات معوقة حقا وقوية للغاية”، وأن رفعها سيعطي سوريا “فرصة للعظمة”، واعترف بأن “الأمر ليس سهلا على أي حال”.

لكن في واشنطن، جاءت ردود الفعل مرتبكة ومتناقضة، إذ قال للجزيرة نت مسؤول أميركي سابق -تحفظ على ذكر اسمه- إن “الأقوال أسهل من الأفعال؛ ما قاله ترامب عفوي وغير مخطط له، ومن الصعب تصور رفع كل العقوبات التي فرضتها الإدارات الأميركية المتتالية الديمقراطية والجمهورية على مدار نحو 4 عقود، والتي شملت مختلف القطاعات داخل سوريا، بسهولة أو بسرعة”.

ورجح أن يستغرق رفع العقوبات شهورا، وربما سنوات، إذا لم يبادر الكونغرس باتخاذ خطوات سريعة لتنفيذ ما قرره ترامب.

مطالب أميركية

يُذكر أن فرض العقوبات الأميركية بدأ منذ عام 1979 على نظام الرئيس السوري السابق حافظ الأسد، بعدما أدرجت واشنطن دمشق لأول مرة على قائمة الدول “الراعية للإرهاب”، واستمرت وتضاعفت في عهد الرئيس المخلوع بشار الأسد، خاصة بعد بدء الثورة عام 2011، وظلت سارية بعد فرار الأسد وسقوط نظامه في الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024.

في حديث للجزيرة نت، أشار السفير فريدريك هوف، المبعوث السابق لسوريا والأستاذ بجامعة بارد بولاية نيويورك والخبير بالمجلس الأطلسي بواشنطن، إلى أن “اللقاء بين ترامب والشرع جاء نتيجة جهود مكثفة من قبل السعودية وتركيا والإمارات وقطر”.

وحسب هوف، يتطلب قرار ترامب بالسعي إلى إلغاء العقوبات على سوريا تحركا من الكونغرس، “فقد اتخذ ترامب بنفسه قرار لقاء الرئيس السوري دون نقاش كثير مسبق بين الوكالات المختلفة في الحكومة الأميركية، وبالتالي كان مفاجئا إلى حد ما”.

وعقب اللقاء، نشرت المتحدثة الرسمية باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت -عبر منصة إكس- ما يشبه بيانا تفصيليا عن توقعات واشنطن من الحكومة السورية الجديدة. وذكرت 5 نقاط على النحو التالي:

    الانضمام لاتفاقيات أبراهام لتأسيس علاقات مع إسرائيل.

    طرد جميع الإرهابيين الأجانب من سوريا.

    ترحيل “الإرهابيين الفلسطينيين” إلى خارج سوريا.

    العمل مع واشنطن على منع عودة ظهور تنظيم الدولة الإسلامية.

    تحمل المسؤولية عن مراكز الاحتجاز في شمال شرق سوريا.

واعتبر السفير هوف أنه من “مصلحة الشرع تخليص سوريا بالكامل من الإرهابيين. وسيستغرق الأمر وقتا وتخطيطا دقيقا للقيام بذلك، لأنه وزملاءه المقربين لا يحتكرون القوة المسلحة في البلاد”.

طريق طويل

وعقب لقاء وزراء خارجية سوريا وتركيا والولايات المتحدة أمس الخميس بمدينة أنطاليا، قال الوزير الأميركي ماركو روبيو إن “هذه فرصة تاريخية لسوريا، لكن الطريق سيكون طويلا”.

وعن مصير العقوبات المفروضة على سوريا منذ سبعينيات القرن الماضي، رجح هوف أن يعقد الكونغرس جلسات استماع ويتحرك لتفكيك نظامها، “لم يتضح بعد إذا ما كان التفكيك سيتحرك بسرعة أم بصورة تدريجية. أظن أن ترامب سيوجه تعليماته بتعليق إنفاذها بينما يمضي الكونغرس في مساره”.

وأشار تقرير لوكالة رويترز إلى أن مسؤولي العقوبات في وزارتي الخزانة والخارجية فوجؤوا بقرار ترامب، خاصة مع عدم إجراء أي مناقشات داخلية حول هذه القضية مؤخرا. وقال مسؤول كبير للوكالة إن البيت الأبيض لم يصدر أي مذكرة أو توجيهات لمسؤولي العقوبات في الوزارتين للاستعداد للفك، ولم ينبههم إلى أن إعلان الرئيس وشيك.

ومما يزيد المهمة تعقيدا العقوبات المفروضة بموجب “قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين”، الذي اُقر عام 2019 ومُدِّد أواخر العام الماضي بعد سقوط نظام الأسد، والذي فرض عقوبات صارمة ليس فقط على حكومة الأسد، ولكن فرض أيضا أخرى ثانوية على الشركات الخارجية أو الحكومات التي عملت معها.

وعلى هامش هذه التطورات، التي تضمنت مطالبة الشرع ترامب بالاستثمار في قطاع النفط والغاز السوري، والمساعدة على جعل دمشق مركزا تجاريا مستقبليا، هاجم أنصار إسرائيل في واشنطن خطوة ترامب، وطالبوه بالتأني في منح هذه الثقة للنظام السوري الجديد.

وانتقدت قرارَ ترامب منظمة الدفاع عن الديمقراطيات “إف دي دي”، وهي مركز بحثي شديد القرب من الحكومة الإسرائيلية.

في حين طالب آرون زيلين، خبير الشؤون السورية بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، ومؤلف كتاب “عصر الجهادية السياسية: دراسة لهيئة تحرير الشام”، بأن يخدم تواصل واشنطن مع دمشق المصالح الأميركية، وعلى رأسها إخراج المقاتلين الأجانب، ووضع مسار للتطبيع مع إسرائيل وتقديم ضمانات أمنية لها، بما يمهد لانسحاب جيش الاحتلال من الأراضي التي انتشر فيها بعد سقوط نظام الأسد.

بيد أن الكونغرس لم يُظهر موقفا موحدا من دعوة ترامب، وانقسم الأعضاء بين مؤيدين ومتحفظين، ومن يطالب بوضع شروط لمراحل تدريجية لرفع العقوبات عن سوريا.

ودعا السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام -في بيان له- إلى اتباع نهج حذر ومدروس لرفع العقوبات عن سوريا، وأكد أن الكونغرس لديه دور رقابي كبير يلعبه. وقال إنه “يميل بشدة إلى دعم تخفيف العقوبات في ظل الظروف المناسبة”، لكنه حذر من أن الحكومة السورية “استولت على السلطة بالقوة”، واعتبر أن التنازل عن العقوبات عملية معقدة”، كما أشار إلى “ضرورة أن يتم ذلك بطريقة منسقة مع حلفائنا، وخاصة أصدقاءنا في إسرائيل”.

وأضاف غراهام أن المسؤولين الإسرائيليين “قلقون للغاية بشأن الوضع في سوريا”، وأنه يخطط لمناقشة هذه المخاوف والبقاء على اتصال وثيق معهم بشأن مصير هذه العقوبات.

في المقابل، مدح السيناتور الجمهوري جيم ريش، رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، قرار ترامب وطالب “بتخفيف تدريجي ومشروط للعقوبات المفروضة على سوريا”.

كما أشادت السيناتورة الديمقراطية جين شاهين بالقرار وطالبت -بالمثل- بتخفيف مشروط لها، وقالت “أُثني على قرار ترامب، نجحت هذه العقوبات في هدفها الأصلي المتمثل في المساعدة في إسقاط نظام الأسد الوحشي. أرحب بإزاحتهم الآن لمنح سوريا الجديدة فرصة للتطور إلى دولة حرة ومزدهرة مستقلة عن النفوذ الخبيث لروسيا وإيران والصين”.

المصدر : الجزيرة

—————————————-

مسؤول بالخارجية الأميركية لـ”الحرة”: الجانب الإيراني “جاد” ورفع العقوبات عن سوريا “غير مشروط”/ رشا إبراهيم

16 مايو 2025

قالت وزارة الخارجية الأميركية إن الجانب الإيراني يتعامل مع المفاوضات الجارية مع الولايات المتحدة بشأن برنامج إيران النووي بـ”جدية”. وقال المتحدث الإقليمي باسم الوزارة، مايكل ميتشل، لـ”الحرة” إن هناك زخما دبلوماسيا للمضي قدما في ملف النووي الإيراني.

ونفى ميتشل، من ناحية أخرى، وجود مطالب يتوجب على سوريا تنفيذها لرفع العقوبات، وقال إن قرار الرئيس دونالد ترامب “غير مشروط”. 

في ما يلي نص الحوار الذي أجرته “الحرة” مع المتحدث الإقليمي باسم الخارجية الأميركية:

ـ  ما هي أهم نتائج زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للدول الخليجية على مستوى الشرق الأوسط؟

ـ  هذا السؤال جوهري. حسب وجهة نظري، وبحسب أي حليف نتحدث عنه، في ما يتعلق بالمصالح المشتركة، أكيد، بيان الرئيس ترامب حول رفع العقوبات عن سوريا مهم للغاية لكافة الأطراف لأنه لا أحد يريد أن يرى دولة فاشلة

في منطقة الشرق الأوسط. الحكومه الأميركية تنظر إلى رفع هذه العقوبات الاقتصادية كخطوة ضرورية من أجل أن نوفر فرصة للشعب السوري للازدهار وأيضا من أجل تحسين الأوضاع الاقتصادية والأمنية هناك.

ـ هل تحمل الاستثمارات الخليجية ملامح تحالف أميركي – خليجي جديد في مواجهة الصين؟

ـ بلا شك، التنافس مع الصين دائما يلعب دورا في العلاقات الأميركية الثنائية مع كافة الأطراف بغض النظر عن المنطقة التي نتحدث عنها. وهذا هو الحال في كل أنحاء العالم، أما في منطقة الشرق الأوسط فلدينا علاقات استثمارية متنامية مع كل من المملكة العربية السعودية، والإمارات ودولة قطر. وأكيد هذا سيلعب دورا مهما ونتمنى أن يكون جزءا من الاستراتيجية الأميركية من أجل مكافحة النفوذ الصيني لا سيما في سياق الموارد الخام والمعادن النادرة التي نحن بحاجة إليها من أجل صناعة الرقائق الدقيقة.

ـ كيف تعزز الاتفاقيات الاقتصادية والدفاعية المبرمة من النفوذ الأميركي في منطقة الخليج؟

ـ نحن نتطلع إلى مزيد من الاستثمارات، إنها شيء مفيد للجانبين. سياسه ترامب “أميركا أولا” لا تقتصر على المصالح الأميركية فحسب. المنطق وراء هذا التركيز هو أن العلاقات المتنامية ما بين الولايات المتحدة وشركائنا الخليجيين يساعد كافة الأطراف، وفي أمور عديدة ليس فقط الأمور الأمنية. العلاقات الأميركية – الخليجية تجاوزت مرحلة التركيز على التعاون الأمني فحسب، ولدينا تعاون في مجال الصحة والعلوم والسياحة ومجالات أخرى أيضا.

ـ هل تتوقعون أي تحديات أمام تنفيذ هذه الاتفاقيات على أرض الواقع؟

ـ بصراحة، لا. في ما يتعلق بالاتفاقيات بالذات، هناك رغبة سياسية ودبلوماسية من كلا الطرفينـ ولكن التحديات تأتي من إيران ومن الحوثيين ليس على الاتفاقيات فحسب، ولكن الحروب والنزاعات دائما تؤثر سلبا على المناخ الاستثماري والمناخ الاقتصادي. لهذا أيض من أولويات الرئيس ترامب القصوى أن نضع حدا للحروب والنزاعات في الشرق الأوسط من أجل نمو اقتصادي أكثر استدامة.

ـ هل هناك أي مؤشرات تدل على أن إيران راغبة فعلا في الانخراط في اتفاق بشأن برنامجها النووي؟

ـ حسب ما سمعنا من الرئيس مباشرة، هناك تقدم ملموس في هذا الملف. ولكي أحدد السياق إلى حد ما، أقول إننا حققنا إنجازات كبيرة لأنه قبل أشهر لم نكن على اتصال مباشر مع الطرف الإيراني في هذا الشأن، والآن لدينا تواصل مباشر. وحسب كل التقديرات الرسمية من البيت الأبيض، الطرف الإيراني يقوم بهذه المفاوضات بجدية، وهناك زخم دبلوماسي للمضي قدما في هذا الملف، وهذا شيء إيجابي جدا، لأن البديل… لا (نريد ذلك).

ـ تطرق الرئيس ترامب في كلمته خلال القمة الخليجية إلى اتفاقيات أبراهام، وهو الآن يزور البيت الإبراهيمي في أبوظبي. هل هناك أي مؤشرات على انضمام دول جديدة إلى اتفاقيات السلام مع إسرائيل؟

ـ حتى الآن ليس هناك أي إشارة رسمية أو غير رسمية إلى ذلك، مع الآسف، ولكن هذا سيبقى من أهم أولويات الولايات المتحدة، والمملكة العربية السعودية ولكن بشروط. سمعنا مرارا وتكرارا بأن المملكة لن تقوم بأي خطوة نحو التسوية السياسية الكاملة مع إسرائيل في ظل استمرار الحرب المأساوية بين حركة حماس وإسرائيل، أو بدون الإعلان، على الأقل، عن خطوة نحو دولة فلسطينية .

ـ في القمة الخليجية – الأميركية التي أقيمت في الرياض، ذكر ولي العهد السعودي محمد بن سلمان مواصلة الجهود لإنهاء الأزمات والحروب في المنطقة، من حرب اليمن إلى حرب غزة وحرب السودان. هل هناك آليات محددة تتبناها الولايات المتحدة لإنهاء الحرب في السودان؟

ـ هذا السؤال جوهري ومهم جدا لأن ما يجري في السودان من أكبر الأزمات الإنسانية في كل أنحاء العالم، مع الأسف الشديد، كما رأينا. نهاية هذه الحرب سوف تتطلب رغبة سياسية من الطرفين المتحاربين وحتى الآن ليس هناك أي إشارة جدية من أي طرف من الأطراف لإنهاء هذه الحرب. وهذا دليل على أن هؤلاء الناس لا يقدمون مصالح وحماية شعب السودان كأولوية لهم، وهذا أمر مأساوي للغاية، لأن الشعب السوداني لا يزال بحاجة ماسة إلى المساعدات الإنسانية المنقذة للحياة، ولكن حتى إدخال هذه المساعدات مستحيل تقريبا في ظل الأعمال العدائية المستمرة.

ـ سؤالنا الأخير، هل حصلتم على أي ضمانات من حكومة الشرع في سوريا لتحقيق متطلبات الإدارة الأميركية؟

ـ لا. وما طلبنا ذلك في حقيقة الأمر. قرار الرئيس ترامب أتى بشكل غير مشروط. من الواضح جدا أن الولايات المتحدة تتوقع تحسنا في كثير من الملفات المهمة، على سبيل المثال حقوق الإنسان بالنسبة للأقليات في سوريا، وعدم (حصول) انفلات سياسي، وحكومة سورية قادرة على محاسبة الذين يؤججون العنف أو الطائفية، على سبيل المثال. وربما الأكثر أهمية، تأمين عدم ظهور داعش بقوة، هذه هي الأولويات القصوى لدى إدارة ترامب ولكن رفع العقوبات ليس مرتبطا بتحسن على الرغم من أننا نريد أن نرى تحسنا على الفور بمساعدات إنسانية.

رشا إبراهيم – واشنطن

الحرة

—————————————

50 دقيقة في الرياض أنصف من خلالها ترمب الشعوب العربية/ عيسى النهاري

قال الرئيس الأميركي إن المنطقة تحقق الأفضل عندما تدير شؤونها بنفسها، مستنكراً محاولات أسلافه في إلقاء المواعظ وفرض القيم

الجمعة 16 مايو 2025

جاء خطاب دونالد ترمب الموجه للشرق الأوسط من الرياض مليئاً بتصريحات اعتبرها أميركيون وعرب “شُجاعة”، كونها تعترف بعواقب ما وصفها بـ “التدخلات الغربية”

دونالد ترمب شخصية مثيرة للاستقطاب في العالم العربي، كما هو الحال في الولايات المتحدة، لكنه عندما اعتلى المنصة في الرياض وتحدث لنحو 50 دقيقة، حمل خطابه رسائل سياسية من أهمها التنديد بإرث قاسٍ من المحاولات الأميركية للتأثير في أسلوب حياة شعوب منطقة الشرق الأوسط، أو التدخل العسكري أو الناعم لتغيير أنظمتها، ملقياً اللوم على سياسات أسلافه.

تأييد أميركي وعربي؟

العالم كله منقسم حول الرئيس ترمب ويشمل ذلك شرائح عربية، فهناك من يرى أن بعض تصريحاته كتلك عن شراء كندا وغرينلاند أو تملّك غزة لا تنم عن حساسية تجاه أهلها. ومع ذلك جاء خطابه للشرق الأوسط من الرياض مليئاً بتصريحات اعتبرها أميركيون وعرب “شُجاعة”، كونها تعترف بعواقب ما وصفها بـ “التدخلات الغربية”.

أوضح الرئيس الأميركي بأنه لم يأت ليلقي المواعظ، فالمنطقة تحقق الأفضل عندما تترك لتدير شؤونها، مستشهداً بالنموذج الخليجي. وقال صراحة إن “هذا التحول الهائل لم يكن ثمرة ضوضاء التدخلات الغربية أو الأشخاص الذين يأتون بطائرات فاخرة لإلقاء المحاضرات عن كيفية إدارة شؤونكم”، مضيفاً أن “من يسمون أنفسهم صناع الأمم دمروا أكثر مما بنوا، وكان التدخل في مجتمعات معقدة لم يفهموها أصلاً عملاً كارثياً”.

يقول المسؤول السابق في الـ “بنتاغون” بلال صعب إنه “يمكنك أن تبغض ترمب أو سياساته، لكن لا بد من أن تعترف بأن كلمته في الرياض أعمق وأكثر الخطب تأثيراً وإثارة للتفكير من أي رئيس أميركي عن الشرق الأوسط”، وكتب أن “الأمر يتطلب شجاعة سياسية ورؤية إستراتيجية واضحة، كي يقول رئيس أميركي إن السياسات الغربية في بناء الدول وإلقاء المحاضرات على شعوب المنطقة لم تجلب لهم سوى الدمار”.

وحظيت كلمة ترمب بتأييد شخصيات أميركية بارزة مثل السيناتور الجمهوري راند بول الذي قال “ما كنت لأعبر عن ذلك بصورة أفضل، فالمحافظون الجدد لم يعرفوا حرباً إلا وأحبوها، والشعب الأميركي لا يزال يدفع الثمن”. أما المحلل السابق في الاستخبارات الوطنية، بيري فيلووك، فقال إن “الرئيس ترمب وجه من الرياض ضربة قاصمة لدعاة التدخلات والمحافظين الجدد”.

تعزيز المصالح لا فرض القيم

لم يأتِ استنكار الرئيس الأميركي محاولات أسلافه ونظرائه الغربيين في إلقاء المواعظ على دول المنطقة في سياق الصفقات الضخمة المعلنة أخيراً، فقد عبر عن ذلك بوضوح قبل ثمانية أعوام خلال خطابه الأول في الرياض عندما قال لقادة 50 دولة عربية وإسلامية إن إدارته لن تفرض قيمها على شعوبهم أو تتدخل في شؤون دينهم.

وبينما قد يقول البعض إن ترمب يسعى وراء الصفقات، وإنه مستعد لقول أو فعل أي شيء لتحقيق هدفه، إلا أن ذلك لا يبدو أنه يأتي على حساب مصالح حلفائه الخليجيين، فالدعوة إلى إطلاق العنان لتعاون أوسع صدرت من دول الخليج نفسها، ولا سيما في المجالات التقنية والاستراتيجية، غير أن هذه المساعي اصطدمت خلال الأعوام الماضية بسياسات إدارة الرئيس السابق جو بايدن التي كثيراً ما وُصفت من قبل خبراء ومسؤولين أميركيين سابقين بأنها “تميل لتقريب الخصوم وإبعاد الحلفاء”.

ومن أبرز الأمثلة على هذا التباين أن السعودية والإمارات تسعيان بقوة إلى تطوير مشاريع طموحة في مجال الذكاء الاصطناعي، تعتمد في جوهرها على الحصول على أشباه الموصلات التي تدخل في صناعات كثيرة ترغب دول الخليج في تعزيزها محلياً، لكن إدارة بايدن فرضت قيوداً صارمة على بيع الرقائق لهذه الدول مما دفعها نحو البحث عن بدائل، قبل أن يلغي ترمب هذه القيود فاتحاً الباب أمام استثمارات ضخمة.

الطريقة العربية جميلة أيضاً

ولم تكن كلمة ترمب متمحورة حول دول الخليج وحسب، بل تطرقت إلى سوريا التي قال إنها “عانت ويلات الحروب وتستحق فرصة للنهوض”، معلناً رفع العقوبات عنها، وهو قرار لاقى ترحيباً عربياً واسعاً، وفُوجئ ترمب نفسه بموجة من التصفيق الحار.

واستشهد الرئيس الأميركي بكابول وبغداد لتسليط الضوء على ما اعتبره فشلاً ذريعاً للتدخلات الغربية، ففي أفغانستان أنهت الولايات المتحدة أطول حروبها تاركة السلطة بيد الحركة التي حاربتها. وفي العراق الذي يخطو اليوم نحو التعافي، تدخلت إدارة الرئيس جورج دبليو بوش لبناء حكم ديمقراطي فتركته ممزقاً بين التجاذبات الطائفية والنفوذ الإيراني.

وقال ترمب إن “الروائع المتلألئة في الرياض وأبوظبي لم يصنعها من يسمون بنائيّ الأمم ولا المحافظون الجدد ولا المنظمات غير الربحية الليبرالية التي أنفقت تريليونات الدولارات وفشلت في بناء كابول وبغداد ومدن أخرى كثيرة، بل إن ولادة شرق أوسط حديث ثمرة جهود شعوب هذه المنطقة نفسها.، فالشعوب التي عاشت هنا طوال حياتها وبنت دولها ذات السيادة، سعت إلى تحقيق رؤاها الفريدة ورسمت مصيرها بطريقتها الخاصة”.

وشدد الرئيس الأميركي على أن كل دولة تخطو نحو المستقبل بالأسلوب الذي يناسبها، مشيراً إلى “الطريقة العربية”، وقال مخاطباً الحاضرين في منتدى الاستثمار السعودي – الأميركي إن “السلام والازدهار والتقدم لم يأت من رفضكم الجذري لإرثكم، بل من احتضان تقاليدكم الوطنية والتشبث بذلك الإرث الذي تحبونه بعمق، لقد حققتم معجزة حديثة بطريقتكم العربية”.

إيران وعبارة ترمب “المدوية”

وحتى عندما تحدث ترمب عن إيران فقد ترك الأبواب مفتوحة نحو المصالحة، بل إن الكاتب في “واشنطن بوست” ديفيد إغانتيوس قال إن ترمب لمّح إلى إمكان “إنهاء الصراع غير المعلن بين الولايات المتحدة وإيران منذ 46 عاماً”، إذ حضرت إيران في كلمة ترمب 19 مرة في سياقات مختلفة، مثل دورها في عدم الاستقرار في اليمن وسوريا ولبنان وغزة والعراق، لكن في إحدى المواضع قال إن “أميركا لا تملك أعداء دائمين”.

واستوقفت هذه العبارة إغانتيوس فقال إنها تحمل وقعاً مدوياً في أرجاء المنطقة، فمن خلالها اتخذ الرئيس خطوة لتحقيق هدفه في وقف الحروب التي لا تنتهي في الشرق الأوسط، مع التحذير من أن طهران إن لم توافق على اتفاق نووي وتسلك طريق السلام فستواجه أقصى درجات الضغط.

وإغانتيوس، الذي عُرف بانتقاده لترمب في ملفات عدة، بدا مادحاً لنهجه المزعزع لـ “الأطر الجامدة” التي علقت فيها السياسة الخارجية الأميركية في الشرق الأوسط، وكتب مذكراً بما قاله ترمب خلال حملته الانتخابية في سبتمبر (أيلول) الماضي بما معناه “أنا أقوم بنسج الحبكة، تتحدث عن تسعة مواضيع مختلفة لكنها في النهاية تترابط بطريقة مذهلة”.

وكتب ترمب عن طريقة عمله في كتابه “فن الصفقة” عام 1987 “أعمل بعفوية ولا أحمل حقيبة أوراق، وأحاول ألا أجدول اجتماعات كثيرة، وأترك بابي مفتوحاً، إذ لا يمكن للمرء أن يكون مبدعاً أو ريادياً في ظل بنية تنظيمية جامدة، وأفضل أن آتي إلى العمل كل يوم وأرى ما سيحدث”.

وهذا هو نمط ترمب في إعادة ضبط السياسات الأميركية تجاه المنطقة، بحسب الكاتب الأميركي الذي يقول إن “حديث ترمب عن أسلوبه يبدو ضرباً من الهراء في حينه، ولا يجدر المراهنة على أمن إسرائيل أو مصير الشرق الأوسط بناء عليه، لكن السياسة الخارجية الأميركية عالقة منذ عقود في أطر جامدة، وربما آن الأوان لإعادة النظر فيها بعين جديدة”.

إسرائيل والمراقبة على الهامش

تمثّلت الخطوة الترمبية الأخرى المزعزعة للنهج التقليدي في تجاهل إسرائيل خلال جولته الإقليمية، فعلى رغم أن هذه الخطوة لا تمثل خروجاً رسمياً عن الالتزام الأميركي الثابت بدعم إسرائيل، لكنها أثارت قلق حكومة بنيامين نتنياهو وهزت افتراضاتها حول مكانتها والدعم غير المشروط، وتجلى إحباط إدارة ترمب من حكومة نتنياهو في لجوئها إلى التفاوض المباشر مع “حماس” لإعادة عيدان ألكسندر، آخر الرهائن الأميركيين الناجين في غزة.

وكانت إسرائيل تشاهد من بعيد خطوة ترمب في تطبيع العلاقات مع الحكومة الجديدة في سوريا، متجاهلاً التحذيرات والمخاوف الإسرائيلية التي تجلت في الضربات الإسرائيلية المتكررة على الأراضي السورية. وكتب المعلق في صحيفة “إسرائيل اليوم” اليمينية يوآف ليمور إن”تشكيل مشهد الشرق الأوسط يُعاد أمام أعيننا من خلال سلسلة من الاتفاقات والاجتماعات، بينما بقيت إسرائيل في أفضل الأحوال مراقباً على الهامش”.

ويصر الجناح المتشدد في الحكومة الإسرائيلية على مواصلة الحرب في غزة وسط سخط في الرأي العام الإسرائيلي تجاه استمرارها لأكثر من 18 شهراً، وتشير أحداث الأسبوعين الماضيين، بحسب المسؤول في الاستخبارات الوطنية الأميركية سابقاً، جوناثان بانيكوف، إلى وجود تباين واضح في الأولويات، وأن المعاملة الخاصة التي لطالما حظيت بها إسرائيل من الإدارات الأميركية قد لا تحصل عليها هذه المرة.

وأعرب مسؤولون في إدارة ترمب سراً عن استيائهم من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي يُنظر إليه بأنه عقبة أمام التعهد الانتخابي الذي أطلقه الرئيس بإنهاء الحرب في غزة، مطالبين ببذل جهد أكبر للتوصل إلى وقف إطلاق نار واتفاق لتبادل الرهائن مع حركة “حماس”.

وكان ترمب ساعد إدارة بايدن في التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في غزة قبل توليه الرئاسة، لكن إدارته حتى الآن لم تتمكن من تنفيذ وعدها بإنهاء الحرب، وقال خلال كلمته الأخيرة في الرياض إن “شعب غزة يستحق مستقبلاً أفضل بكثير، لكن ذلك لن يحدث، أو لا يمكن أن يحدث، طالما أن قادتهم يختارون الخطف والتعذيب واستهداف الرجال والنساء والأطفال الأبرياء لتحقيق أهداف سياسية، والطريقة التي يُعامل بها هؤلاء الناس في غزة لا مثيل لها في العالم، فلا يوجد مكان يعامل فيه الناس بهذه القسوة”.

———————————-

كيف كان تأثير الحرب والعقوبات على اقتصاد سوريا؟ 7 نقاط تشرح ذلك

16/5/2025

قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب إنه سيرفع العقوبات المفروضة منذ سنوات على سوريا والتي عزلت البلاد عن النظام المالي العالمي في عهد الرئيس المخلوع بشار الأسد.

ورفع الاتحاد الأوروبي وبريطانيا بالفعل بعض عقوباتهما، لكن إذا مضت واشنطن الآن في رفع كل عقوباتها سيمهد ذلك الطريق أمام الآخرين لأخذ المنحى نفسه.

وفيما يلي ملخص للوضع الحالي للاقتصاد السوري، وكيف أعادت الحرب على مدى 14 عاما، التي انتهت بسقوط الأسد في ديسمبر/كانون الأول الماضي، تشكيل التجارة والمالية الحكومية.

1- ما وضع الاقتصاد السوري؟

    تشير تقديرات البنك الدولي إلى أن قيمة الاقتصاد السوري تبلغ حوالي 21 مليار دولار، أي ما يعادل تقريبا ما لدى ألبانيا وأرمينيا، اللتين يقل عدد سكانهما عن سوريا بأكثر من 20 مليون نسمة.

    تُظهر البيانات السورية الرسمية أن حجم الاقتصاد انخفض إلى أكثر من النصف بين عامي 2010 و2022، ويرجح البنك الدولي أنه حتى ذلك المعدل أقل من الأرقام الحقيقية وسط تقديرات تشير إلى انكماش أكثر حدة بنسبة 83% بين عامي 2010 و2024.

    أُعيد تصنيف سوريا دولة منخفضة الدخل في عام 2018، إذ يعيش أكثر من 90% من سكانها البالغ عددهم نحو 25 مليون نسمة تحت خط الفقر، وفقا لوكالات الأمم المتحدة.

2- ماذا حدث للعملة السورية؟

    تفاقمت الاضطرابات الاقتصادية في سوريا في عام 2019 عندما انزلق لبنان المجاور إلى أزمة، نظرا للعلاقات الاقتصادية والمالية الواسعة التي تربط البلدين.

    طرحت دمشق أسعار صرف متعددة للمعاملات المختلفة لحماية العملة الصعبة الشحيحة.

    بعد تولي الحكومة الجديدة السلطة في ديسمبر/كانون الأول الماضي، تعهد المصرف المركزي باعتماد سعر صرف رسمي موحد لليرة السورية.

    اختيرت ميساء صابرين حاكما للمصرف المركزي لتكون بذلك أول امرأة تتولى هذا المنصب في تاريخه الممتد لأكثر من 70 عاما.

    بلغ سعر الصرف أمس الأربعاء 11 الفا و65 ليرة للدولار الواحد، مقارنة مع أسعار السوق السوداء التي بلغ فيها سعر الدولار نحو 22 ألف ليرة وقت سقوط الأسد العام الماضي، و47 ليرة في مارس/آذار 2011 عندما اندلعت الحرب.

3- كم تبلغ الديون المستحقة على سوريا؟

    قالت الحكومة إن ديونها تتراوح ما بين 20 و23 مليار دولار، معظمها في شكل قروض ثنائية، لكن هذه الديون قد تكون أعلى بكثير نظرا لأنها قد تواجه مطالبات من إيران وروسيا بمبلغ يتراوح بين 30 و50 مليار دولار.

    يقول محامون بارزون في مجال الديون السيادية إن تلك الالتزامات التي تعود إلى عهد الأسد يمكن شطبها لاعتبارها ديون حرب “بغيضة”، وهي ديون تحملتها البلاد من دون موافقة الشعب السوري أو إنفاقها لصالحه بسبب توجيه الكثير منها لتزويد حكومة الأسد بالأسلحة.

    يظهر تقرير صدر عن معهد بيترسون في الآونة الأخيرة أنه يجب أيضا تحديد الجهات السورية الملزمة مثل الحكومة أو البنك المركزي أو الشركات المملوكة للدولة أو المؤسسات التجارية، إذ تحتاج الأنواع المختلفة من الديون إلى معاملة مختلفة عند إعادة الهيكلة.

    تصميم خاص – أرقام عن النفط والغار في سوريا

4- ما احتياطات المصرف المركزي؟

    نقلت رويترز عن مصادر في وقت سابق قولها إن المصرف المركزي يملك احتياطات نقدية من النقد الأجنبي لا تتعدى نحو 200 مليون دولار، وهو انخفاض كبير عن مبلغ 18.5 مليار دولار قدر صندوق النقد الدولي أن سوريا كانت تملكه قبل اندلاع الحرب الأهلية.

    لدى المركزي أيضا ما يقرب من 26 طنا من الذهب بقيمة تزيد عن 2.6 مليار دولار بأسعار السوق الحالية.

    قالت الحكومة الجديدة إنها تتوقع استرداد ما يبلغ 400 مليون دولار من أصولها المجمدة للمساعدة في تمويل إصلاحات تشمل زيادات حادة في رواتب بعض موظفي القطاع العام أقرتها الدولة في الآونة الأخيرة.

    جمدت الحكومات الغربية هذه الأصول خلال فترة حكم الأسد، لكن لم تتضح بعد قيمتها الدقيقة وموقعها الآن ومدى سرعة استعادتها.

    قالت سويسرا إن ما قيمته نحو 99 مليون فرنك سويسري (118 مليون دولار) موجود حاليا في بنوك هناك، ويقدر موقع “تقرير سوريا” أيضا أن ما قيمته 163 مليون جنيه إسترليني (217 مليون دولار) موجود في بريطانيا.

5- كيف أثرت الحرب والعقوبات على التجارة والاقتصاد؟

    حسب البنك الدولي، أدى تضاؤل إيرادات النفط والسياحة إلى انخفاض صادرات سوريا من 18.4 مليار دولار في عام 2010 إلى 1.8 مليار دولار في عام 2021.

    يقول خبراء إن الضغوط المالية التي تعرضت لها الحكومة دفعتها إلى سداد ثمن بعض الواردات الرئيسية بأموال غير مشروعة من مبيعات المنشطات الشبيهة بالأمفيتامين المسببة للإدمان والمعروفة باسم الكبتاغون، أو من تهريب الوقود.

    أصبح إنتاج الكبتاغون القطاع الاقتصادي الأكثر قيمة، وقدر البنك الدولي العام الماضي القيمة السوقية الإجمالية للمخدر المنتج في سوريا بما يبلغ 5.6 مليارات دولار.

 6- ما تحديات الطاقة؟

    في عام 2010، صدّرت سوريا 380 ألف برميل يوميا من النفط، وانحسر مصدر الإيرادات هذا بعد اندلاع الحرب في عام 2011، واستولت جماعات مختلفة منها تنظيم الدولة الإسلامية والمقاتلون الأكراد على حقول نفطية، ورغم توقيع جماعات الأكراد صفقات مع شركات أميركية، فإن العقوبات جعلت من الصعب تصدير النفط بشكل مشروع.

    أجبرت تلك الخسائر سوريا على الاعتماد على واردات الطاقة، ومعظمها من الحليفين روسيا وإيران، وقالت راشيل زيمبا كبيرة المستشارين في مجال العقوبات لدى شركة هورايزون إنجيج للاستشارات المعنية بالمخاطر إن وقودا يتراوح بين مليون و3 ملايين برميل كانت سوريا تحصل عليه من إيران شهريا توقف في أواخر ديسمبر/كانون الأول الماضي مع انسحاب طهران.

7- كيف عانت الزراعة؟

أدى الصراع والجفاف إلى انخفاض عدد المزارعين وتضرر الري، وتضاءلت إمكانية الحصول على البذور والأسمدة، إذ:

    تراجع الإنتاج الزراعي إلى مستويات غير مسبوقة في عامي 2021 و2022 حين هبط إنتاج القمح وحده إلى ربع الكمية التي كانت تبلغ حوالي 4 ملايين طن سنويا قبل الحرب.

    استوردت سوريا نحو مليون طن من الحبوب سنويا من روسيا، وتوقفت التدفقات مؤقتا عندما تغير النظام الحاكم، لكنها استؤنفت الشهر الماضي.

    أبدت أوكرانيا أيضا استعدادها لتوريد القمح من دون وضوح الآلية التي ستسدد بها سوريا المدفوعات.

المصدر : رويترز

——————————————-

الاقتصاد السوري يواجه أزمة طاحنة.. تعرف إلى أبعادها

انخفاض كبير في سعر صرف الليرة السورية خلال حكم الأسد

15/5/2025

لم تسلم قطاعات الاقتصاد السوري الرئيسة، وعلى رأسها قطاعا النفط والزراعة، من تبعات الحرب الأهلية الواسعة التي شهدتها سوريا منذ أن سعى بشار الأسد إلى قمع الثورة التي اندلعت ضد حكمه عام 2011، وما أعقبها من عقوبات دولية على نظامه.

وأدت الحرب الأهلية والعقوبات إلى تراجع الناتج المحلي الإجمالي لسوريا بشكل كبير ليصل حاليا إلى نحو 15% فقط مما كان عليه في عام 2011، ما يعني انكماشا في الاقتصاد السوري بنسبة 85% وفق بيانات برنامج الأمم المتحدة للتنمية.

وبلغ الناتج المحلي الإجمالي لسوريا في عام 2011 نحو 67.5 مليار دولار، فيما تراجع حاليا إلى نحو 9 مليارات دولار فقط، وتُظهر البيانات السورية الرسمية أن حجم الاقتصاد انخفض إلى أكثر من النصف بين عامي 2010 و2022. غير أن البنك الدولي يرجح أن هذه المعدلات أقل من الأرقام الحقيقية.

ماذا حدث لقطاع النفط السوري؟

كان قطاع النفط السوري قادرا على تصدير أكثر من 380 ألف برميل يوميا عام 2010، وكانت إيرادات النفط أحد أهم مصادر الدخل للحكومة السورية. غير أن الوضع اختلف تماما مع سيطرة جماعات مختلفة، بينها تنظيم الدولة وجماعات كردية، على الجزء الأكبر من حقول النفط في سوريا.

وكانت النتيجة هي تراجع القدرة على الإنتاج بشكل حاد لتصل إلى نحو 90 ألف برميل يوميا في عام 2023، وفق بيانات البنك الدولي، كما أن العقوبات جعلت من الصعب تصدير النفط بشكل شرعي، وبقي المتاح هو تهريب النفط وبيعه في السوق السوداء.

ومع تراجع إنتاج النفط لجأ نظام الأسد إلى إيران للحصول على نحو مليون إلى 3 ملايين برميل من النفط شهريا، وفق ما ذكر خبراء لوكالة “رويترز”، لكن هذه الإمدادات توقفت منذ شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي مع سقوط نظام الأسد.

ما حجم التراجع في قطاع الزراعة؟

أدت الحرب الأهلية في سوريا، والهجرة الواسعة للأيدي العاملة خاصة من الشباب، إلى انخفاض عدد المزارعين وتضرر الري وتضاؤل إمكانية الحصول على البذور والأسمدة.

وتراجع الإنتاج الزراعي إلى مستويات غير مسبوقة في عامي 2021 و2022 حين هبط إنتاج القمح وحده إلى ربع الكمية التي كانت تبلغ حوالي 4 ملايين طن سنويا قبل عام 2011.

واستوردت سوريا نحو مليون طن من الحبوب سنويا من روسيا، وتوقفت التدفقات مؤقتا عند سقوط نظام الأسد لكنها استؤنفت الشهر الماضي.

وأبدت أوكرانيا أيضا استعدادها لتوريد القمح دون وضوح الآلية التي ستسدد بها سوريا المدفوعات.

بحسب البنك الدولي، أدى تضاؤل إيرادات النفط والسياحة إلى انخفاض صادرات سوريا من 18.4 مليار دولار في عام 2010 إلى 1.8 مليار دولار في عام 2021.

وأصبح إنتاج عقار “الكبتاجون” المخدر القطاع الاقتصادي الأكثر قيمة، وقدر البنك الدولي العام الماضي القيمة السوقية الإجمالية للمخدر المنتج في سوريا بما يصل إلى 5.6 مليارات دولار.

كيف تراجع سعر صرف العملة السورية؟

يبلغ سعر صرف الليرة السورية حاليا في البنوك نحو 11065 ليرة للدولار الواحد، فيما بلغ سعر الصرف حوالي 22 ألف ليرة للدولار الواحد وقت سقوط نظام الأسد في ديسمبر/كانون الأول الماضي.

وكان سعر الصرف هو 47 ليرة للدولار في مارس/آذار 2011 عندما اندلعت الثورة وبدأ النظام في قمعها، ما يوضح الانهيار الكبير في قيمة الليرة السورية خلال 13 عاما من حكم بشار الأسد، ما أسهم في زيادة معدلات الفقر حيث يعيش 90% من السوريين تحت خط الفقر، وفق بيانات الأمم المتحدة.

وبعد تولي الحكومة الجديدة السلطة، تعهد المصرف المركزي باعتماد سعر صرف رسمي موحد لليرة السورية.

واختيرت ميساء صابرين حاكما للمصرف المركزي لتكون بذلك أول امرأة تتولى هذا المنصب في تاريخه الممتد لأكثر من 70 عاما.

كم تبلغ الديون الحكومية السورية؟

وفق ما أعلنت الحكومة السورية فإن ديونها تتراوح ما بين 20 و23 مليار دولار معظمها في شكل قروض ثنائية.

وذكرت وكالة “رويترز” أن الديون الحكومية ربما قد تكون أعلى بكثير نظرا لأن دمشق قد تواجه مطالبات من إيران وروسيا بمبلغ يتراوح بين 30 و50 مليار دولار.

وقال محامون بارزون في مجال الديون السيادية لـ”رويترز” إن تلك الالتزامات التي تعود إلى عهد الأسد يمكن شطبها لاعتبارها ديون تحملتها البلاد دون موافقة الشعب السوري أو إنفاقها لصالحه بسبب توجيه الكثير منها لتزويد حكومة الأسد بالأسلحة.

ما احتياطيات المصرف المركزي السوري؟

قالت مصادر لـ”رويترز” في وقت سابق إن المصرف المركزي يملك احتياطيات نقدية من النقد الأجنبي لا تتعدى نحو 200 مليون دولار، وهو انخفاض كبير عن مبلغ 18.5 مليار دولار قدر صندوق النقد الدولي أن سوريا كانت تملكه قبل اندلاع الحرب الأهلية.

ولدى المصرف المركزي أيضا ما يقرب من 26 طنا من الذهب بقيمة تزيد عن 2.6 مليار دولار بأسعار السوق الحالية.

وقالت الحكومة السورية إنها تتوقع استرداد ما يصل إلى 400 مليون دولار من أصولها المجمدة للمساعدة في تمويل إصلاحات تشمل زيادات في رواتب بعض موظفي القطاع العام أقرتها الدولة في الآونة الأخيرة.

وكانت الحكومات الغربية جمدت هذه الأصول خلال فترة حكم الأسد، لكن لم تتضح بعد قيمتها الدقيقة وموقعها الآن ومدى سرعة استعادتها.

وقالت سويسرا إن ما قيمته حوالي 99 مليون فرنك سويسري (118 مليون دولار) موجود حاليا في بنوكها.

المصدر : الجزيرة مباشر + رويترز

——————————–

كيف استقبلت وزارة الخزانة الأمريكية قرار رفع العقوبات عن سوريا؟

15/5/2025

كان قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رفع العقوبات جميعها عن سوريا، الذي أعلنه الثلاثاء خلال زيارته للسعودية، بالغ الأهمية بالنسبة لدمشق التي عانت من العقوبات الأمريكية عبر أكثر من 4 عقود.

ونظرا لتعدد مستويات العقوبات الأمريكية، واستمرارها عبر سنوات طويلة، فقد كان قرار ترامب رفع العقوبات كلها، لأنه يريد إعطاء سوريا فرصة لمستقبل أفضل حسب وصفه، مفاجئا لكثير من المسؤولين في إدارته.

وأوضح مسؤول أمريكي كبير لـ”رويترز” أن البيت الأبيض لم يصدر أي مذكرة أو توجيه لمسؤولي العقوبات في وزارة الخارجية أو وزارة الخزانة للتحضير لإلغاء العقوبات، ولم ينبههم إلى أن هناك إعلانا وشيكا من الرئيس بهذا الشأن.

كيفية إلغاء العقوبات

وبعد الإعلان، كان المسؤولون في حيرة من أمرهم حول الكيفية التي ستلغي بها الإدارة الأمريكية حزما ومستويات مختلفة من العقوبات، وأي منها سيتم تخفيفها، ومتى يريد البيت الأبيض بدء العملية.

وذكر المسؤول الأمريكي لـ”رويترز” أنه، وحتى الوقت الذي التقى فيه ترامب بالرئيس السوري أحمد الشرع في السعودية، يوم الأربعاء، كان المسؤولون في الخارجية والخزانة لا يزالون غير متأكدين من كيفية المضي قدما.

وقال أحد المسؤولين الأمريكيين “يحاول الجميع استكشاف كيفية تنفيذ ذلك”، في إشارة لإعلان ترامب.

وفي أعقاب الإطاحة بنظام بشار الأسد في أواخر العام الماضي، صاغ مسؤولون من وزارتي الخارجية والخزانة مذكرات وأوراقا بمختلف الخيارات للمساعدة في إرشاد الحكومة بشأن رفع العقوبات عن سوريا إذا اختارت الإدارة الأمريكية القيام بذلك.

لكن كبار المسؤولين في البيت الأبيض والأمن القومي، وكذلك بعض المشرعين، ناقشوا لأشهر ما إذا كان ينبغي من الأساس تخفيف العقوبات.

وقال المسؤول الأمريكي إنه قبل رحلة ترامب إلى السعودية، لم يكن هناك أي مؤشر واضح، على الأقل بالنسبة للمسؤولين الذين يعملون على العقوبات داخل وزارتي الخارجية والخزانة، على أن الرئيس قد اتخذ قرارا بهذا الشأن.

جهود سورية لرفع العقوبات

وقال جوناثان شانزر المسؤول السابق في وزارة الخزانة الأمريكية والمدير التنفيذي الحالي لمنظمة الدفاع عن الديمقراطيات، الذي التقى مسؤولين سوريين خلال زيارتهم، لـ”رويترز” إن مسؤولين سوريين كبارا كانوا في واشنطن الشهر الماضي ومارسوا ضغوطا قوية لرفع العقوبات جميعها.

وذكر بيان صادر عن البيت الأبيض حول لقاء ترامب مع الرئيس السوري أن الأول طلب من سوريا الالتزام بشروط عدة مقابل تخفيف العقوبات، بما في ذلك مساعدة الولايات المتحدة على منع عودة تنظيم الدولة الإسلامية.

ويمثل رفع العقوبات جميعها تحديا خاصا في حالة سوريا، نظرا لتعدد الإجراءات التي تعزلها عن النظام المصرفي الدولي وتمنع العديد من الواردات الدولية.

وبدأت العقوبات الأمريكية على سوريا عام 1979، حين أدرجتها واشنطن على قائمة الدول الراعية، وبعدها أضافت مجموعات أخرى من العقوبات، بما فيها عقوبات على نظام بشار الأسد لقمعه الثورة التي اندلعت ضد نظامه عام 2011.

ما تأثير العقوبات في الاقتصاد السوري؟

تُظهر البيانات السورية الرسمية أن حجم الاقتصاد انخفض إلى أكثر من النصف بين عامي 2010 و2022.

ويرجح البنك الدولي أن المعدل أقل من الأرقام الحقيقية وسط تقديرات تشير إلى انكماش أكثر حدة للاقتصاد السوري بنسبة 83% بين عامي 2010 و2024.

وأدت العقوبات إلى تراجع حاد في سعر صرف الليرة السورية، حيث بلغ نحو 11 ألف ليرة للدولار الواحد رسميا، فيما كان سعر الصرف حوالي 22 ألف ليرة للدولار الواحد حين سقط نظام الأسد، مقارنة بنحو 47 ليرة للدولار الواحد في مارس/آذار 2011.

ويعيش أكثر من 90% من سكان سوريا تحت خط الفقر، وفقا لوكالات الأمم المتحدة.

المصدر : رويترز

————————————

الشيباني: وضعنا لبنة مهمة لبناء علاقات إستراتيجية مع واشنطن

16/5/2025

أعلن وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني الخميس -عقب اجتماع ثلاثي مع نظيريه التركي والأميركي في أنطاليا- أن الجانب الأميركي دعم الكثير من نقاط المسار الذي تنتهجه دمشق منذ سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، مؤكدا أن اللقاء كان “إيجابيا بشكل كبير”.

كما أشار إلى أنه جرى الاتفاق خلال الاجتماع مع الطرف الأميركي على تشكيل فرق تقنية وأن لقاء ثانيا سيعقد بينهما “بعد أسبوع”، منوها إلى أن الاجتماع وضع “لبنة مهمة في بناء علاقات إستراتيجية مع الولايات المتحدة”، بما يعزز حضور دمشق الإقليمي والدولي.

وانطلق في ولاية أنطاليا جنوبي تركيا اجتماع ثلاثي ضم وزراء الخارجية التركي هاكان فيدان والسوري أسعد الشيباني والأميركي ماركو روبيو.

وأوضحت مصادر دبلوماسية تركية الخميس أن اللقاء جرى على هامش الاجتماع غير الرسمي لوزراء خارجية دول حلف شمال الأطلسي (ناتو).

وأفادت المصادر الدبلوماسية بأن الوزير فيدان غادر بعد نصف ساعة من انطلاق الاجتماع، فيما تابعه الوزيران السوري والأميركي.

علاقات إستراتيجية

وفي وقت لاحق، قال الشيباني على حسابه بمنصة إكس “الشكر الجزيل لأخي معالي وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، وللسيد ماركو روبيو، وزير خارجية الولايات المتحدة، على الاجتماع المثمر والبنّاء الذي عقدناه اليوم”.

وأضاف “وضعنا اليوم لبنة مهمة في بناء علاقات إستراتيجية متقدمة مع الولايات المتحدة، بما يخدم مصالح شعبنا ويعزز من حضورنا الإقليمي والدولي”.

وتابع “ينتظر السوريون مستقبلا مشرقا، ونعمل بكل طاقتنا لفتح آفاق جديدة تضمن الأمن والاستقرار والازدهار.. ونريد رؤية سوريا وقد تمت فيها إعادة الإعمار قبل نهاية ولاية ترامب وعاد إليها جميع السوريين”.

وشدد على أن الجانب الأميركي أكد أن سوريا “دولة فاعلة لا هامشية وأمنها مهم لأمن واستقرار العالم”، مشيرا إلى أن الحكومة السورية بدأت منذ 8 ديسمبر/كانون الأول الماضي تطبيع العلاقات مع جميع الدول العربية والأجنبية ومع الولايات المتحدة.

وأضاف”هناك مصالح تحكم العالم ونحن ننطلق في هذا الشأن من مصالح شعبنا” متوقعا أنه “سيكون لسوريا مستقبل مشرق وستنافس في المنطقة بعد إزالة العقوبات الأميركية”.

رفع العقوبات

ويأتي لقاء أنطاليا في إطار خطوات تطبيع العلاقات بين الولايات المتحدة وسوريا، بعد إعلان الرئيس دونالد ترامب رفع العقوبات المفروضة على دمشق.

وأكد ترامب الثلاثاء -خلال منتدى الاستثمار السعودي الأميركي في الرياض- أن الهدف من هذه الخطوة هو “منح الشعب السوري فرصة للنمو والتطور”.

وأوضح أن القرار جاء بعد مشاورات مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

وعلى خلفية انتهاكات نظام بشار الأسد ومجازره في قمع الثورة بسوريا منذ عام 2011، فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول أخرى بينها بريطانيا عقوبات على سوريا، شملت تجميد أصول ووقف التحويلات المالية والحرمان من التكنولوجيا وحظر التعامل مع نظامه.

كما طالبت الإدارة السورية الجديدة بقيادة أحمد الشرع، منذ الإطاحة بنظام الأسد، برفع تلك العقوبات لأنها تعرقل جهود إعادة الإعمار.

المصدر : الجزيرة + الأناضول

—————————–

 بينهم تركيا.. واشنطن تؤكد أهمية وجود شركاء إقليميين لدعم استقرار سوريا

تصريح لوزير الخارجية الأمريكي عقب الاجتماع غير الرسمي لوزراء خارجية دول الناتو

Sercan İrkin

أكد وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، استعداد بلاده لدعم السلام والاستقرار في سوريا، مشدداً على أهمية وجود شركاء إقليميين لتحقيق ذلك بمن فيهم تركيا.

جاء ذلك في تصريح أدلى به للصحفيين عقب مشاركته في الاجتماع غير الرسمي لوزراء خارجية دول الناتو الذي عقد، الخميس، في ولاية أنطاليا جنوبي تركيا.

وأضاف روبيو أن سوريا السلمية والمستقرة ستكون أحد أهم التطورات الإيجابية التي شهدتها المنطقة في السنوات الأخيرة.

وأوضح أن الإدارة الحالية في سوريا تقود حركة وطنية تهدف إلى بناء مجتمع يمكن للعناصر الاجتماعية المتعددة الثقافات والمختلفة أن تعيش فيه معاً.

وأشار إلى أن هذا المسار سيكون طويلاً وصعباً، مضيفًا: “إذا نجح هذا المسار، فسيكون له تأثير تحويلي على المنطقة”.

وقال روبيو إن إدارة دمشق تريد العيش بسلام مع الدول المجاورة، بما في ذلك إسرائيل، وتهدف إلى إزالة العناصر الإرهابية من البلاد.

وأشار إلى أن الإدارة الجديدة في سوريا لا تريد تخزين الأسلحة الكيميائية في أراضيها، وأن دمشق طلبت دعم الولايات المتحدة للكشف عن هذه الأسلحة وتدميرها بشكل آمن، وأن إدارة واشنطن مستعدة لذلك.

– شركاء إقليميون مثل تركيا

وأوضح روبيو أن سوريا دولة يعيش فيها مواطنون من ديانات وخلفيات عدة منذ مدة طويلة، وأنه يقع على عاتق القادة على الأرض تحقيق التحول الكبير بدلا من الحرب التي تؤدي إلى زعزعة استقرار المنطقة.

وأشار إلى وجود شركاء إقليميين مثل تركيا والسعودية والإمارات وقطر وهم على استعداد للمساهمة في ذلك التحول.

وأكد أن آثار رفع العقوبات عن سوريا ستكون ملموسة وأن ذلك سيساهم في جهود إعادة إعمار البلاد من خلال إدارة قادرة على توفير الخدمات الأساسية.

– قانون قيصر

وأوضح روبيو أن أعضاء الكونغرس دعوا إلى استخدام سلطة الإعفاء المنصوص عليها في قانون قيصر، مشيراً إلى أن الرئيس دونالد ترامب يخطط لاستخدام الإعفاء كخطوة أولى، وأنه يجب تجديد هذا الإعفاء كل 180 يوماً.

وأضاف أنه إذا تم تحقيق تقدم كاف، فإنهم سيطلبون من الكونغرس رفع العقوبات بالكامل.

وتابع: “لم نصل إلى هذه المرحلة بعد، وستكون هذه الخطوة سابقة لأوانها في هذه المرحلة. نريد أن نبدأ بالإعفاء الذي سيسمح للشركاء بإرسال المساعدات إلى سوريا دون المخاطرة بالتعرض للعقوبات”.

وعن مفاوضات السلام التي تعقد بين روسيا وأوكرانيا في إسطنبول، أشار روبيو إلى أن الوفد الأمريكي سيلتقي وفدا رفيع المستوى من أوكرانيا غدا الجمعة ويشارك في المحادثات الروسية الأوكرانية، مؤكدا في هذا السياق أهمية وقف إطلاق النار بين الطرفين.

وأضاف أن الرئيس ترامب “يتوق لإنهاء هذه الحرب”، معرباً عن اعتقاده بأنه لن يتحقق تقدما كبيراً ما لم يتفاعل ترامب وبوتين بشكل مباشر مع هذه المفاوضات.

وفيما يتعلق بإمكانية انسحاب واشنطن من الوساطة في حال عدم حدوث تقدم ملموس، قال روبيو: “بصراحة، لا أعتقد أننا سنحقق اختراقًا ما لم يجلس ترامب و(الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين وجهًا لوجه لتحديد نواياهما المستقبلية”.

وأكد أن “السبيل الوحيد لتحقيق تقدم كبير هو أن يجلس ترامب مع بوتين وجهاً لوجه ليحددا مرة واحدة وللجميع، ما إذا كان هناك طريق نحو السلام، وإن وجد، ما هو هذا الطريق؟”.

وتابع: “مستوى الوفد الذي أرسله الجانب الروسي لا يعد مؤشراً على أن المفاوضات ستؤدي حتما إلى تقدم كبير. أتمنى أن أكون مخطئا. أتمنى أن تقول الأخبار غداً إنهم اتفقوا على وقف إطلاق النار”.

– واشنطن تشعر بقلق إزاء الوضع الإنساني في غزة

وأشار روبيو إلى أنه التقى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وأن إدارة واشنطن تشعر بالقلق إزاء مسار الوضع الإنساني في قطاع غزة.

وذكر أنهم ليسوا غير مبالين بمعاناة الشعب الفلسطيني في غزة، وأنهم يريدون نهاية دائمة للصراع، مضيفا “إذا استسلمت حماس فإن القتال سينتهي على الفور”.

وأضاف: “شعوب المنطقة تستحق مستقبلا أفضل من الوضع الذي تعيشه تحت حكم حماس”.

ووصف روبيو حركة حماس بأنها “إرهابية”، مضيفا “إنهم جماعة تختطف وتغتصب وتقتل الأبرياء الذين لا علاقة لهم بالحرب، وما دام أنهم موجودون فلن يكون هناك سلام”، وفق قوله.

—————————————–

 أسوشيتد برس: ماذا يعني رفع العقوبات الأميركية عن بلد مزقته الحرب؟

2025.05.16

أثار إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن خطط لتخفيف العقوبات الأميركية المفروضة على سوريا موجة من التفاؤل في الأوساط السورية والعربية، وسط آمال بأن يسهم هذا القرار في تسهيل عملية تعافي البلاد من سنوات الحرب الدامية، وتحسين حياة ملايين السوريين الذين عانوا ويلات النزاع والحصار الاقتصادي.

ووفقاً لما أفادت به وكالة “أسوشيتد برس” فإنّه ورغم الترحيب الشعبي والسياسي بهذه الخطوة، يحذر خبراء اقتصاديون من أن الطريق نحو التعافي سيكون طويلاً ومعقداً، نظراً لطبيعة العقوبات المتعددة والمتجذرة التي فرضتها واشنطن منذ أكثر من أربعة عقود.

قال كرم شعّار، الاقتصادي السوري ومدير شركة “كرم شعّار للاستشارات المحدودة”، لوكالة “أسوشيتد برس: “أعتقد أن الكثيرين يتصورون أن العقوبات يمكن رفعها ببساطة كباب يُفتح ويُغلق، لكن الحقيقة أكثر تعقيداً، فالأمر يشبه نظاماً من الطبقات، وكل طبقة تحتاج إلى عملية قانونية وإجرائية منفصلة”.

عقوبات متجذرة منذ 1979

تعود العقوبات الأميركية المفروضة على سوريا إلى عام 1979، حين صنفت واشنطن البلاد كـ”دولة راعية للإرهاب”، وتفاقمت الإجراءات في 2003 مع توقيع الرئيس الأميركي الأسبق جورج دبليو بوش على قانون محاسبة سوريا، واستمرت بالتصاعد حتى قانون قيصر الذي أقره ترامب في 2019.

وأشارت وكالة “أسوشيتد برس” إلى أن هذه العقوبات أدت إلى عزل سوريا اقتصادياً بشكل شبه كامل، مع شلل في القطاعات المصرفية والتجارية والصناعية.

التأثير الملموس على الحياة اليومية

وأفاد تقرير “أسوشيتد برس” أن العقوبات امتدت إلى جميع مفاصل الاقتصاد السوري، من نقص الوقود والدواء، إلى عرقلة وصول المساعدات الإنسانية، وتفاقم أزمة الغذاء والسكن، وصولاً إلى ازدهار السوق السوداء.

وتفاقمت الأوضاع بعد الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وشمال سوريا في شباط/ فبراير 2023، حيث ساهمت العقوبات والامتثال الزائد من قبل البنوك والشركات في إعاقة جهود الإغاثة، بحسب ما وثقته تقارير للوكالة.

انعكاسات أولية بعد إعلان ترامب

ورغم أن واشنطن لم ترفع العقوبات بشكل كامل حتى الآن، إلا أن إعلان ترامب عن تخفيف القيود خلال زيارته الأخيرة للسعودية كان له وقع فوري على الأرض، حيث احتفل السوريون في المدن الكبرى ولوح البعض بأعلام الدول العربية التي دعمت القرار”.

قفزت قيمة الليرة السورية بنسبة 60% ليلة الإعلان، في حين عبر قادة دول عربية عن دعمهم للخطوة، مع آمال بعودة الاستقرار وانطلاق جهود إعادة الإعمار.

تحديات إعادة الإعمار وعودة اللاجئين

تقدر الأمم المتحدة، وفق بيانات نقلتها “أسوشيتد برس”، أن سوريا تحتاج إلى عشرات المليارات من الدولارات لإعادة بناء بنيتها التحتية وانتشال نحو 90% من سكانها من تحت خط الفقر.

الخبير اللبناني منيس يونس قال للوكالة: “إذا توفرت الاستقرار والإصلاحات السياسية، من الممكن أن نشهد عودة تدريجية للاجئين السوريين إلى بلادهم، خاصة إذا تم توفير فرص اقتصادية حقيقية.”

أما كرم شعّار فأكد لـ”أسوشيتد برس” أن تخفيف العقوبات يحمل بعداً رمزياً مهماً، لكنه شدد على أن التعافي لن يكون ممكناً ما لم تتم إزالة الطبقات الرئيسية من أنظمة العقوبات الثلاث.

من جانبه، قال ماتيو روكيت، مدير مكتب منظمة “ميرسي كوربس” في سوريا، في تصريحات لـ”أسوشيتد برس” إن هذه الخطوة قد تكون “لحظة تحول” لملايين السوريين.

العقبات ما تزال قائمة

مع ذلك، يؤكد شعّار أن التعافي لن يكون ممكناً ما لم يتم تفكيك البنية الكاملة للعقوبات التي تكبل الاقتصاد السوري: “حتى لو تم رفع بعض القيود الرمزية أو الطبقات العليا، سيظل التأثير الاقتصادي محدوداً للغاية ما لم يتم تفكيك البنية الكاملة للعقوبات.”

وفي ظل تعقيدات المشهد السوري، يبدو أن رفع العقوبات رغم أهميته السياسية والاقتصادية سيكون بداية لمسار طويل ومعقد من التعافي وإعادة الإعمار، يرتبط بالدرجة الأولى بمدى التزام الأطراف المعنية بإحداث تغييرات جوهرية على الأرض، وفقاً لتحليل الوكالة.

إعفاءات من العقوبات تتجدد كل 180 يوماً

ورداً على أسئلة الصحفيين بشأن رفع العقوبات والجدول الزمني لها، أوضح وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو أن معظم العقوبات المفروضة على سوريا ترتكز إلى “قانون قيصر”، وأن الكونغرس، من كلا الحزبين، طلب من الإدارة استخدام صلاحيات الاستثناءات التي يتيحها القانون.

وأضاف أن هذه الاستثناءات يجب تجديدها كل 180 يوماً، وأن الهدف على المدى الطويل هو تحقيق تقدم كافٍ يسمح بطلب إلغاء القانون نهائياً، لأن استمرار العقوبات المؤقتة يثني المستثمرين عن العمل في سوريا.

وفي الوقت نفسه، شدد روبيو على أن الوقت لا يزال مبكراً للحديث عن ذلك، مؤكداً أن البداية ستكون عبر استثناء أولي يسمح للشركاء الأجانب بتقديم المساعدات دون الخوف من التعرض للعقوبات.

وأكد وزير الخارجية الأميركي أن الولايات المتحدة ستواصل التقدم خطوة بخطوة، وتأمل أن تكون قادرة في المستقبل على مطالبة الكونغرس برفع العقوبات بشكل دائم.

———————————–

 سيناتور أميركي يكشف عن عداء عميق تجاه الشرع في بعض دوائر إدارة ترمب

2025.05.16

كشفت سيناتورة أميركية ديمقراطية عن تحذير وجهه العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني إلى الإدارة الأميركية بشأن خطط محتملة لاغتيال الرئيس السوري أحمد الشرع قبل لقائه مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب.

ووفقاً لما أورده موقع “ميدل ايست اي”، أعربت السيناتورة الأميركية الديمقراطية جين شاهين، خلال جلسة استماع في مجلس الشيوخ، أمس الخميس، عن قلقها إزاء شائعات متداولة داخل بعض الدوائر المعنية بالسياسة الخارجية في إدارة ترمب، تفيد بأن أحد الخيارات التي جرى طرحها كان اغتيال الرئيس السوري أحمد الشرع.

وكشفت شاهين أن ملك الأردن عبد الله الثاني، حذّر خلال اجتماعات جمعته بمسؤولين أميركيين، من خطورة مثل هذا التحرك، محذراً من أن “تغيير القيادة في سوريا بهذا الشكل قد يؤدي إلى اندلاع حرب أهلية شاملة، مما سيُفشل أي فرصة لدفع البلاد نحو الاستقرار والتقدم”.

وتعكس هذه التصريحات حجم الانقسام داخل إدارة ترمب بشأن التعامل مع القيادة الجديدة في دمشق، إذ سبق للرئيس الأميركي أن صرّح بتعرضه لضغوط مباشرة من قادة أجانب لإعطاء الشرع فرصة، رغم تشكيك بعض مستشاريه.

مشرعون أميركيون يرحبون برفع العقوبات

أصدرت لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي بياناً، وقّعه السيناتور الجمهوري جيم ريتش، والسيناتورة الديمقراطية جين شاهين، رحّبا فيه بقرار ترمب، رفع العقوبات عن سوريا، ودعوا إلى تعزيز التعاون مع الحكومة السورية.

وقال البيان إنه “نشيد بقرار الرئيس ترمب رفع جميع العقوبات عن سوريا”، مضيفاً أن القرار “يُعدّ استجابةً مُرحّبًا بها لدعوتنا لإزالة العوائق أمام توسيع نطاق التعاون مع الحكومة السورية المؤقتة”.

وأضاف البيان أنه “كما أكدنا باستمرار، بما في ذلك في رسالتنا بتاريخ 21 نيسان الماضي إلى الوزير روبيو، فإن سقوط نظام الأسد يُمثّل فرصةً عابرةً للولايات المتحدة لحماية مصالحها”.

وأكد البيان أنه “لاغتنام هذه الفرصة، من الضروري تنفيذ قرار الرئيس بسرعة، وأن تتحرك الحكومة السورية بسرعة لمعالجة مخاوف الأمن القومي الأميركي”.

وشددت لجنة الشؤون الخارجية في الشيوخ الأميركي أن ذلك “سيساعد سوريا على البقاء على مسار التحرر من النفوذ الإيراني والروسي الخبيث، ومن محاولات الصين كسب موطئ قدم اقتصادي في الشرق الأوسط، ومن عودة ظهور داعش”.

وسبق بيان لجنة الشؤون الخارجية أن أصدرت السيناتور جين شاهين بياناً أشادت فيه بقرار الرئيس ترمب رفع العقوبات عن سوريا، مشيرة إلى أن هذه العقوبات “نجحت في تحقيق هدفها الأصلي، وهو المساعدة في إسقاط نظام الأسد الوحشي”.

—————————————

مشرعون أميركيون يرحبون بقرار رفع العقوبات عن سوريا ويدعون لتعزيز التعاون معها

2025.05.16

أصدرت لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي بياناً، وقّعه السيناتور الجمهوري جيم ريتش، والسيناتورة الديمقراطية جين شاهين، رحّبا فيه بقرار الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، رفع العقوبات عن سوريا، ودعوا إلى تعزيز التعاون مع الحكومة السورية.

وقال البيان “نشيد بقرار الرئيس ترامب رفع جميع العقوبات عن سوريا”، مضيفاً أن القرار “يُعدّ استجابةً مُرحّباً بها لدعوتنا لإزالة العوائق أمام توسيع نطاق التعاون مع الحكومة السورية المؤقتة”.

وأضاف البيان أنه “كما أكدنا باستمرار، بما في ذلك في رسالتنا بتاريخ 21 نيسان الماضي إلى الوزير روبيو، فإن سقوط نظام الأسد يُمثّل فرصةً عابرةً للولايات المتحدة لحماية مصالحها”.

وأكد البيان أنه “لاغتنام هذه الفرصة، من الضروري تنفيذ قرار الرئيس بسرعة، وأن تتحرك الحكومة السورية بسرعة لمعالجة مخاوف الأمن القومي الأميركي”.

وشددت لجنة الشؤون الخارجية في الشيوخ الأميركي أن ذلك “سيساعد سوريا على البقاء في مسار التحرر من النفوذ الإيراني والروسي الخبيث، ومن محاولات الصين كسب موطئ قدم اقتصادي في الشرق الأوسط، ومن عودة ظهور داعش”.

العقوبات نجحت في تحقيق هدفها الأصلي

وسبق بيان لجنة الشؤون الخارجية أن أصدرت السيناتور جين شاهين بياناً أشادت فيه بقرار الرئيس ترامب رفع العقوبات عن سوريا، مشيرة إلى أن هذه العقوبات “نجحت في تحقيق هدفها الأصلي، وهو المساعدة في إسقاط نظام الأسد الوحشي”.

ورحّبت السيناتور شاهين برفع العقوبات “لمنح سوريا الجديدة فرصةً للتطور إلى دولة حرة ومزدهرة، مستقلة عن النفوذ الخبيث لروسيا وإيران والصين”، مضيفة أن إعلان الرئيس “يُشجعني على التحرك بسرعة، وأنا على تواصل مع وزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي لضمان عدم ضياع هذه الفرصة التي طال انتظارها بالنسبة لسوريا”.

وأشارت إلى أنه “كخطوة تالية، من الضروري تعزيز تعاوننا مع السلطات السورية، بالتزامن مع حلفائنا وشركائنا الأوروبيين والإقليميين”، مؤكدة أن “الاستقرار والأمن في قلب الشرق الأوسط سيعودان بالنفع على مصالح الولايات المتحدة وعلى طول الحدود السورية، بما في ذلك أصدقاؤنا في إسرائيل ولبنان وتركيا والعراق والأردن”.

وشددت السيناتورة شاهين على ضرورة “بذل قصارى جهدنا لضمان استمرار سوريا في السير على طريق الديمقراطية والاستقرار والأمن”.

تلفزيون سوريا

——————————

 الخارجية الأميركية: نرحب بالتزامات حكومة سوريا وسنعتمد الإعفاءات لتخفيف العقوبات

2025.05.16

أصدرت وزارة الخارجية الأميركية بياناً عقب لقاء وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، مع نظيره الأميركي، ماركو روبيو، في مدينة أنطاليا التركية، أعربت فيه عن ترحيبها بالتزامات الحكومة السورية، مؤكدة دعم الولايات المتحدة لتخفيف العقوبات لتحقيق الاستقرار في سوريا.

وقال البيان إن الوزير روبيو “رحب بدعوات الحكومة السورية للسلام مع إسرائيل، والجهود المبذولة لإنهاء النفوذ الإيراني في سوريا، والالتزام بالكشف عن مصير المواطنين الأميركيين المفقودين أو القتلى في سوريا، والقضاء على جميع الأسلحة الكيميائية”.

وأشار البيان إلى أن وزير الخارجية الأميركي شدد على “الأهمية الحاسمة لحماية حقوق الإنسان لجميع السوريين بغض النظر عن عرقهم أو دينهم”.

علاقة جديدة وفرصة تاريخية

وفي تصريحات عقب اجتماع وزراء خارجية دول حلف شمال الأطلسي “الناتو” في مدينة أنطاليا التركية والاجتماع مع وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، مساء أمس الخميس، أكد روبيو أن العلاقة مع سوريا لا تزال في بداياتها، مشيراً إلى أنهم “تعرفوا إلى بعضهم منذ 24 ساعة فقط”.

وأوضح أن الولايات المتحدة “ترى أن تحقيق السلام والاستقرار في سوريا سيكون من أبرز التحولات الإيجابية في المنطقة منذ عقود”، مؤكداً أنها “ستبذل ما في وسعها لتحقيق ذلك”.

وذكر أن السلطات الحالية في سوريا “عبّرت عن نفسها كحركة وطنية تهدف إلى بناء دولة تعددية تشمل جميع مكونات المجتمع السوري، وأبدت رغبتها في السلام مع جميع الجيران، بمن فيهم إسرائيل، وطرد المقاتلين الأجانب والإرهابيين الذين يهددون الاستقرار ويعَادون السلطة الانتقالية”.

وأشار الوزير الأميركي إلى أن السلطات السورية طلبت الدعم من الولايات المتحدة، وأن بلاده ستسعى إلى تقديم المساعدة، مؤكداً أن “الطريق طويل ومعقد، ولكنه يحمل فرصة تاريخية قد تُحدث تحولاً جذرياً في الإقليم”.

الرئيس ترامب مستعد لدعم العملية الانتقالية في سوريا

وأكد روبيو أن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، مستعد لدعم العملية الانتقالية في حال اتخذت السلطات الجديدة خطوات ملموسة نحو الاستقرار، مضيفاً أن “الخيارات أمام سوريا اثنان: النجاح وتحقيق التحول الإقليمي، أو الانزلاق إلى حرب داخلية مدمرة”، مؤكداً أن واشنطن “تفضل الخيار الأول وستسعى لتحقيقه”.

ولفت الوزير الأميركي إلى أن “المسؤولية تقع على عاتق القيادات المحلية”، مرحباً في الوقت نفسه بوجود شركاء إقليميين، مثل تركيا والسعودية وقطر والإمارات، الذين أبدوا استعدادهم لتقديم الدعم.

وقال روبيو إن قرار رفع العقوبات لن يؤدي فوراً إلى تدفق الأموال الأميركية، بل سيفتح الباب أمام استثمارات ومساعدات من الشركاء الإقليميين، مما يسمح ببناء حكومة قادرة على توفير الخدمات الأساسية وإعادة الإعمار.

وكشف الوزير الأميركي أن السلطات السورية طلبت المساعدة في تحديد مواقع أسلحة الدمار الشامل، بما فيها الأسلحة الكيميائية، وإزالتها من البلاد، وقال “إنهم يعتبرون أنفسهم ضحايا لهذه الأسلحة، ولا يرغبون في وجودها على أراضيهم”، مؤكداً أن إزالة هذه الأسلحة تتطلب خبرات تقنية، وواشنطن مستعدة لتقديم الدعم الفني اللازم.

إعفاءات من العقوبات تتجدد كل 180 يوماً

ورداً على أسئلة الصحفيين بشأن رفع العقوبات والجدول الزمني لها، أوضح الوزير روبيو أن الحكومة الأميركية كانت تعمل على التحضير لذلك منذ فترة، مشيراً إلى أن وزير المالية السوري حصل على تأشيرة دخول إلى واشنطن قبل أسبوعين، كما حصل وزير الخارجية السوري على تأشيرة لزيارة نيويورك للقاء المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة.

وقال روبيو إنه رافق الرئيس الأميركي عند اتخاذ القرار بإعلان هذا التوجه في خطابه، مشيراً إلى أن معظم العقوبات المفروضة على سوريا ترتكز إلى “قانون قيصر”، وأن الكونغرس، من كلا الحزبين، طلب من الإدارة استخدام صلاحيات الاستثناءات التي يتيحها القانون.

وأضاف أن هذه الاستثناءات يجب تجديدها كل 180 يوماً، وأن الهدف على المدى الطويل هو تحقيق تقدم كافٍ يسمح بطلب إلغاء القانون نهائياً، لأن استمرار العقوبات المؤقتة يثني المستثمرين عن العمل في سوريا.

وفي الوقت نفسه، شدد روبيو على أن الوقت لا يزال مبكراً للحديث عن ذلك، مؤكداً أن البداية ستكون عبر استثناء أولي يسمح للشركاء الأجانب بتقديم المساعدات من دون الخوف من التعرض للعقوبات.

وأكد وزير الخارجية الأميركي أن الولايات المتحدة ستواصل التقدم خطوة بخطوة، وتأمل أن تكون قادرة في المستقبل على مطالبة الكونغرس برفع العقوبات بشكل دائم.

—————————————-

من يزور الشرع بعد ماكرون ومن يلتقي بعد ترمب؟/ حسان الأسود

2025.05.16

كانت زيارة الرئيس أحمد الشرع يوم السابع من أيار/ مايو الجاري إلى فرنسا خطوة كبيرة على طريق عودة سوريا إلى المجتمع الدولي.

وكان اجتماعه مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب في العاصمة السعودية الرياض يوم الرابع عشر منه تاريخيًا بكل معنى الكلمة، ونحن لن نتطرّق ضمن هذه المقالة لما حصل في باريس خلال تلك الزيارة ولا للّقاء في الرياض وتأثيراتهما على المشهد السوري، بل سنركّز على استشراف المستقبل لنرى من يمكن أن يزور الرئيس السوري من دول الجوار أو من الدول الفاعلة عالميًا.

يعتقد كاتب هذه السطور أنّ الزيارة القادمة ستكون إلى برلين أو لندن، وسنناقش في السطور التالية طبيعة العلاقة بين سوريا وألمانيا، واحتمال أن تكون محطة الرئيس السوري الأوروبية الثانية هي بلاد الجرمان.

ليست العلاقة بين سوريا وألمانيا عابرة ضمن التاريخ، بل كانت جزءًا من قصة تفاعل بين عالم الشرق وعالم الغرب وما صنع الحدّاد بينهما. ففي أواخر العهد العثماني، زار الإمبراطور الألماني فلهلم الثاني دمشق بعد إسطنبول وحيفا والقدس، فوصلها في السابع من تشرين الثاني 1898، وكان يهدف إلى بناء علاقات مع العثمانيين ينافس بها الإنكليز والفرنسيين والروس، وكان مشروع الخط الحديدي الحجازي جزءًا من وسيلة الوصول إلى الخليج العربي والتمدد في أرجاء العالم الإسلامي. بعد هزيمة الامبراطوريتين العثمانية والألمانية في الحرب العالمية الأولى اختلفت الأولويات، فانشغلت الدولتان بترميم نفسيهما. ثم بعد الحرب العالمية الثانية أصبحت أولوية ألمانيا دعم إسرائيل تكفيرًا عن شعور الألمان بالذنب لما فعلوه بمواطنيهم اليهود في بلادهم، فكان ذلك على حساب فلسطين التي كانت جزءًا من سوريا الكبرى قبل تقسيمها.

من المفيد الإشارة إلى أنّ نظام الحكم في سوريا خلال فترة حكم البعث آنذاك احتضن عددًا من الضباط النازيين الفارين من وجه العدالة، وهو ما أنتج لاحقًا أشدّ أجهزة المخابرات سفكًا للدماء. وكانت العلاقة مع ألمانيا الشرقية قويّة بسبب النفوذ السوفييتي في البلدين وقتها.

قبل عام 2011، كانت الجالية السورية في ألمانيا صغيرة نسبياً، وتتألف بشكل أساسي من الطلاب، والأكاديميين، ورجال الأعمال، وبعض العمال. لم يكن لهم تأثير سياسي كبير على المستوى الوطني الألماني. وبعد الحرب التي شنّها نظام الأسد على الشعب الثائر، حصلت تحولات جذرية في الجالية السورية في ألمانيا، فقد أصبحت من أكبر الجاليات الأجنبية بسبب موجة اللجوء الكبيرة التي شملت شرائح واسعة من المجتمع السوري، وكان قرار المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل باحتواء موجات اللاجئين المتدفقة أمرًا حاسمًا في ذلك، ومعبرًا في الوقت ذاته عن قوّة الدولة الألمانية ومكانتها في أوروبا والعالم. لكنّ هذا القرار التاريخي أدى إلى نوع من الاستقطاب السياسي، فقد سببت أزمة اللجوء انقسامًا في المواقف بين مؤيدي استقبال اللاجئين ومعارضيه، وغيرت خارطة التوازن السياسي وأثّرت على الأحزاب الألمانية. استفادت الأحزاب اليمينية والشعبوية من المخاوف المتعلقة بالهجرة، مما أسهم في صعود اليمين المتطرف. أسهم ذلك بالإضافة إلى عوامل أخرى مثل أزمة كورونا وولاية ترمب الأولى بتغييرات كبيرة في التوجّه السياسي الألماني تجاه العديد من القضايا، ومن بينها الوضع في سوريا.

لا تنظر الدول عادة إلى الأوراق التي في يديها بشكل أحادي الجانب، فقد رأينا قبل أيام وسمعنا الرئيس الفرنسي ماكرون عندما تطرّق لاحتضان بلاده البطل القومي السوري فريد المذهان المعروف بلقب قيصر، كما تحدّث عن أنّ سوريا على أبواب فرنسا بحيث يمكن الوصول إليها مشيًا على الأقدام، بالإشارة إلى موجات اللجوء التي غزت أوروبا في العام 2015، أو بالإشارة إلى حادثة شارلي إيبدو الإرهابية. من هنا لا يمكن لألمانيا أن تُغفل دور الجالية السورية الكبيرة المقيمة على أراضيها، باعتبارها عنصر تثقيل لأوراقها التي يمكن أن تشدّ بها أواصر العلاقة مع سوريا في ظل العهد الجديد. وكذلك يمكن للقيادة السورية أن تستثمر في هذه الجالية أيّما استثمار إذا ما أرادت دعم قوّة انتخابية في المستقبل، يمكنها أن تشكل عناصر تأثير في صناعة القرار واتجاهات الحكم في السياسة الخارجية. لا شكّ بأنّ ألمانيا تعيش حتى اللحظة تحت ضغط الشعور بالذنب تجاه المحرقة، وهذا سيؤثر بالضرورة على انحيازها لجانب إسرائيل في أي صراع بين الأخيرة وبين سوريا. من هنا يمكن للقيادة السورية الجديدة أن تكسب نقطة إلى صفّها إذا ما استثمرت بالجالية السورية في ألمانيا، بحيث توصل العديد من أفرادها إلى البرلمان الاتحادي أو البرلمانات المحلية أو إلى مراكز حساسة في الدولة لتصنع ثقلًا يحافظ على مصالح سوريا ويرعاها.

كانت ألمانيا من الدول المتزعمة تجاه مقاطعة نظام الأسد، واستمرت حتى النهاية في ذلك، مبدية موقفًا صلبًا قائمًا على حسابات لا تستند للمصالح فقط، بل أخذت بعين الاعتبار بعض القيم التي تمسكت بها حتى النهاية. على النقيض منها رأينا عددًا من الدول التي مشت في هذا المسار مثل إيطاليا وبولندا وهنغاريا، ولولا سقوط النظام لكانت ربما افتتحت سفاراتها في العاصمة دمشق.

وفي الوقت الراهن، وحسبما أعلن عنه في اتفاق الشراكة بين حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي الألماني (CDU) بزعامة المستشار فريدريش ميرتس، والحزب الديمقراطي الاجتماعي الألماني ((SPD، فإنّ الحكومة ستركّز على سياسات الهجرة واللجوء من ضمن سياساتها الخارجية والداخلية المتعددة، لذلك سيكون من مصلحتها تعزيز العلاقات مع سوريا بما يضمن لها فرصًا أكبر في ضبط موضوعات الهجرة غير الشرعية وإعادة اللاجئين وخاصة غير المؤهلين للاندماج أو غير المفيدين اقتصاديًا والذين يرتكبون جرائم تهدد استقرار المجتمع. بينما يجب أن تركز الحكومة السورية على قضايا تهمّها أكثر مثل تقديم الدعم المالي والتقني لإعادة الإعمار وبناء مؤسسات الدولة ودعم المجتمع المدني. يمكنها أيضّا أن تطلب المساعدة في مجال العدالة الانتقالية، بحكم تجربة ألمانيا الكبيرة بهذا المجال والممتدّة من الفترة ما بعد الحرب العالمية الثانية وحتى مرحلة توحيد الدولة بعد انهيار ألمانيا الشرقية. ولا يغيب عن البال هنا مسار ملاحقة مجرمي الحرب الذي كانت ألمانيا سبّاقة فيه باعتبار قوانينها الجزائية تأخذ بمبدأ الولاية العالمية الشاملة للقضاء، وقد أنتج مسارها هذا الكثير من المحاكمات وكرّس نهجًا واضحًا لمنع الإفلات من العقاب.

المشكلة أنّ الحكومة الألمانية جديدة ولم تُقلع بكلّ طاقتها بعد، ويوصف مستشارها بأنّه ضعيف الخبرة في العمل السياسي باعتباره لم يتقلّد مناصب في الدولة قبل نجاح حزبه الانتخابات الأخيرة. كذلك باعتبار الحرب في أوكرانيا على أبوابها، فقد كانت في قمة اهتمامات المستشار حيث زارها بمجرّد تسلمه منصبه. قد يعوق هذا الأمر سرعة التحرّك اتجاه سوريا، وقد يتأخر بالتالي في توجيه دعوة للرئيس السوري أحمد الشرع لزيارة برلين. ورغم أنّ أوروبا وألمانيا بالخصوص تجد نفسها في منافسة مع الولايات المتحدة الأميركية في كثير من الساحات، إلا أننا نعتقد أنّ المستشار الألماني الجديد قد يفضّل انتهاء زيارة ترمب إلى الخليج العربي، ليقرر ما سيفعل. ورغم كل هذا، فإنّ الأيام حبلى بالأحداث، وربّما نرى الشرع في ضيافة ميرتس قريبًا جدًا.

تلفزيون سوريا

————————————-

 الشيباني: إزالة العقوبات دخلت حيز التنفيذ والجانب الأميركي أكد على وحدة سوريا

2025.05.16

أكد وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، أن عملية إزالة العقوبات دخلت حيز التنفيذ، مشيراً إلى أن اللقاء الذي جمعه مع نظيره الأمريكي ماركو روبيو في مدينة أنطاليا التركية كان “إيجابياً”.

وقال الشيباني خلال لقاء مع “الإخبارية السورية”، إن “سوريا بدأت منذ الثامن من ديسمبر/كانون الأول، في تطبيع العلاقات مع جميع الدول وبما فيها الولايات المتحدة الأمريكية، وقد تم تتويج هذه الجهود في تطبيع العلاقات السورية ـ الأمريكية، وذللك من خلال الدبلوماسية السورية المنفتحة والمتعاونة”.

“فرق تقتنية لتسريع إزالة العقوبات”

وكشف الشيباني عن اتفاق مع الجانب الأمريكي على تشكيل فرق تقنية سريعة لإزالة العقوبات، كما أعلن عن لقاء بعد أسبوع من الآن لذات الشأن، ويردف: “أستطيع أن أقول إن العملية دخلت حيز التنفيذ”. 

وقال الوزير إن الجانب الأمريكي أكد أن سوريا دولة فاعلة، ولديها موقع استراتيجي هام وتهم الإدارة الأمريكية، وهي ليست هامشية، وأن الأمن والاستقرار بالمنطقة هو أمن واستقرار العالم.

وأشار إلى تأكيد الجانب الأمريكي أيضاً، على أنه يريد سوريا دولة واحدة وموحدة وقوية، وقد تمت عملية إعادة الإعمار فيها وعاد السوريون إليها، قبل نهاية ولاية الرئيس ترمب.

“سوريا ليست هامشية”

وحول التحوّل في مواقف الدول اتجاه سوريا، علّق الشيباني: “سوريا ليست هامشية وهي دولة التاريخ والجغرافية، وموقعها الجغرافي يتحدث، ولدى سوريا مصالح أمنية واقتصادية واستثمارية وأخلاقية مع الجميع، والعالم يريد لسوريا أن تكون قوية ومزدهرة وينعم بها الاستقرار والسلام، والشعب السوري يستحق هذه النتيجة”.

وأضاف: “عملنا منذ اليوم الأول على خدمة شعبنا وتطبيع العلاقات مع جميع الدول، وتفسير هذا الإنجاز أن الشعب السوري يستحق هذه المكانة التي غيب عنها، واليوم وجدت هذه الحكومة السورية التي تعمل ليلاً نهاراً في جميع وزاراتها على تمثيل سوريا تمثيلاً لائقاً، وكان هناك إرداة إقليمية ودولية للاستجابة لهذا المطلب السوري الذي بدأناه منذ الثامن من ديسمبر”.

“سوريا على مسافة واحدة من الجميع”

وأكد الشيباني خلال اللقاء، أن سوريا لن تكون في دائرة الاستقطاب على ذات نهج نظام الأسد، وإنما تنطلق العلاقات مع الدول من مصالحها الوطنية ومصالح الشعب السوري.

وقال: “لدينا مصالح مع الجميع ولا يمكن أن نستبدل علاقة بأخرى، إلا وفقاً لمصالحنا، وكذلك نريد علاقة جيدة مع سوريا والصين، ضمن علاقة هادئة وإيجابية مع الجميع.. سوريا لديها أفق والحكومة التي تجيد استخدام هذه الميزات تستطيع أن تضع سوريا على مسافة واحدة من الجميع بما يحقق مصالح شعبنا”. 

وأضاف: “نرى مستقبل سوريا، مستقبلاً مشرقاً وبشكل واثق جداً، وما حققنا خلال 6 أشهر بداية مشرقة ولم نشهد مثلها في التاريخ المعاصر في أي دولة من الدولة، والشعب السوري يتفاعل معنا في كل لحظة، وفي سوريا ثروات بشرية في جميع الاختصاصات وهناك سوريون في الخارج رفعوا رأس بلادهم ونجحوا في ميادين كثيرة، إلا أنهم لم يعطوا الفرصة بالكامل، واليوم سنعطيهم الفرصة ليبدعوا وينتجوا، ويساعدونا في بناء البلد، وسوريا العظيمة قد بدأ العمل عليها بعد إزالة العقوبات”. 

——————————–

 مطالبة بخطوات ملموسة.. رايتس ووتش ترحّب بإعلان ترمب رفع العقوبات عن سوريا

2025.05.15

أعلنت منظمة “هيومن رايتس ووتش”، اليوم، أن إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترمب رفع العقوبات المفروضة منذ زمن طويل على سوريا يُمثّل تطوراً محورياً لتحسين حصول السوريين على حقوقهم الاقتصادية الأساسية، ويسهم في تشجيع جهود إعادة بناء البلاد بعد سنوات من النزاع العنيف.

وأكدت المنظمة أن هذا الإعلان “ينبغي أن يتبعه إجراءات تنفيذية أو تشريعية ملموسة ترفع العقوبات المالية، وغيرها من العقوبات التي تعيق الحصول على الحقوق، بما يشمل الحق في الكهرباء ومستوى معيشي لائق”.

وأشارت “هيومن رايتس ووتش

” إلى أن “الاتحاد الأوروبي” وبريطانيا بدأوا بالفعل في تخفيف بعض العقوبات المفروضة على سوريا، لكنها دعت إلى مزيد من التقدم، ولا سيما رفع العقوبات المالية المفروضة على “البنك المركزي السوري”.

دعوة إلى ترجمة الأقوال إلى أفعال

قالت سارة ياغر، مديرة مكتب واشنطن في المنظمة: “دفع الانهيار الاقتصادي في سوريا، الذي يُعزى في جزء منه إلى العقوبات الأميركية، الملايين إلى براثن الفقر. الآن هناك بصيص أمل. تصريحات الرئيس ترمب الأخيرة تمنح السوريين شعوراً بإمكانية إعادة الإعمار والتعافي – لكن فقط إذا دعم هذه التصريحات بإجراءات سريعة وملموسة”.

وذكّرت المنظمة بأن ثلاثة عشر عاماً من النزاع والنزوح أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية التحتية، إذ أصبحت مدن بأكملها غير صالحة للسكن، وتضررت المدارس والمستشفيات ومرافق المياه والكهرباء، في ظل توقف شبه كامل للخدمات العامة.

ويعيش أكثر من 90 في المئة من السوريين تحت خط الفقر، ولا يستطيع تسعة ملايين منهم الحصول على غذاء كافٍ، في حين يحتاج نحو 16.5 مليون شخص إلى شكل من أشكال المساعدة الإنسانية لتلبية احتياجاتهم الأساسية.

دعوات إلى تخفيف شامل للعقوبات

أوضحت المنظمة أن العقوبات الواسعة التي فرضتها الولايات المتحدة ودول أخرى، رغم الإعفاءات الإنسانية، كانت سبباً في عرقلة إيصال المساعدات داخل سوريا. وفرضت واشنطن أشد الإجراءات، فقد حظرت تقريباً جميع المعاملات التجارية والمالية مع البلاد.

لضمان تأثير فعلي لخطوة تخفيف العقوبات، دعت “هيومن رايتس ووتش” إلى:

    رفع العقوبات المفروضة على البنك المركزي السوري واستعادة وصول سوريا إلى الأنظمة المالية العالمية.

    إنهاء القيود التجارية على السلع الأساسية.

    إزالة العقوبات عن قطاع الطاقة لضمان توفير الوقود والكهرباء.

تحذير من استخدام العقوبات كأداة ضغط سياسي

وأكدت المنظمة أن “جهود الإغاثة ستفشل إذا كانت مشروطة بمطالب غامضة أو متغيرة أو ذات دوافع سياسية”، محذرة من أن استمرار استخدام العقوبات للضغط من أجل تحقيق أهداف سياسية خارجية مثل التعاون الأمني أو التنازلات الدبلوماسية سيحوّلها إلى أدوات “إكراه غير مشروع”.

واختتمت المنظمة بيانها بالتأكيد على ضرورة أن تكون أي شروط متبقية لرفع العقوبات “مُصممة بدقة، ومُفصّلة بوضوح، ومتجذرة في الالتزامات القانونية الدولية، لا سيما المتعلقة بحقوق الإنسان ووصول المساعدات الإنسانية”.

———————————–

 “فرصة لحوار بناء”.. عبدي يرحب بلقاء الشرع مع ترمب ورفع العقوبات عن سوريا

2025.05.15

رحّب زعيم “قوات سوريا الديمقراطية – قسد”، مظلوم عبدي، باللقاء الذي جمع الرئيس الأميركي دونالد ترمب، بالرئيس السوري، أحمد الشرع، في العاصمة السعودية الرياض، بحضور ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، والذي أعلن فيه ترمب عزمه رفع العقوبات المفروضة على سوريا.

ووصف عبدي، في تصريح لموقع “نورث برس” المحلي، اليوم الخميس، اللقاءات الأخيرة، بما فيها تلك المقررة اليوم في تركيا، بأنها “فرصة مهمة تمهد الطريق أمام مرحلة جديدة من الحوار البنّاء، بما يخدم إعادة الاستقرار والسلام إلى سوريا”.

اقرأ أيضاً

القوات الأميركية في شمال شرقي سوريا وهي تستعد للخروج في دورية في المنطقة – المصدر: فوربس

“قسد” تعزز مواقعها في حقلي العمر وكونيكو عقب انسحابات لقوات التحالف الدولي

وأكد عبدي على أهمية الشراكات الدولية والإقليمية، وقال: “نؤمن بأن الشراكات الإقليمية والدولية تمثل ركيزة أساسية لضمان مستقبل مستقر وآمن لجميع السوريين، ونعرب عن استعدادنا للتعاون مع جميع الأطراف على هذا الأساس”.

كما رحّب عبدي بقرار ترمب إنهاء العقوبات المفروضة على سوريا، مشيراً إلى أن “ذلك يخفف من معاناة الشعب السوري التي استمرت لأكثر من أربعة عشر عاماً”، ومشدداً على ضرورة فتح الطريق أمام مرحلة جديدة من التعافي الاقتصادي وإعادة الإعمار تشمل جميع أنحاء البلاد، وخاصة شمال شرقي سوريا.

وأشاد عبدي بالجهود الدولية والإقليمية التي أسهمت في التوصل إلى إنهاء العقوبات، معتبرًا إياها خطوة إيجابية نحو الاستقرار.

وفي ختام تصريحه، جدد مظلوم عبدي التزام “قسد” بالاتفاق الموقع مع الحكومة السورية في 10 آذار.

ترمب يعلن رفع العقوبات عن سوريا

ومساء الثلاثاء، أعلن الرئيس الأميركي عزمه رفع العقوبات المفروضة على سوريا، مؤكداً أن الهدف من هذه الخطوة هو منح سوريا فرصة لتحقيق مزيد من التقدم والازدهار.

وخلال كلمة ألقاها في منتدى الاستثمار السعودي الأميركي، قال ترمب إن سوريا “عانت من بؤس شديد وموت كبير وحروب طويلة وعمليات قتل امتدت لسنوات”، معرباً عن أمله في أن تنجح الإدارة الحالية في إحلال الاستقرار والحفاظ على السلام في البلاد.

وأشار الرئيس الأميركي إلى أن إدارته اتخذت الخطوة الأولى نحو تطبيع العلاقات بين الولايات المتحدة وسوريا، مضيفاً أن وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، سيلتقي نظيره السوري، أسعد الشيباني، في تركيا خلال وقت لاحق من هذا الأسبوع، في إطار الخطوات الدبلوماسية الجارية بين الجانبين.

اجتماع رباعي في الرياض بشأن سوريا

وأمس الأربعاء، عقد الرئيس السوري، أحمد الشرع، اجتماعاً مع نظيره الأميركي في العاصمة السعودية الرياض، بحضور ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، بينما شارك الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان عبر تقنية الاتصال المرئي.

وقالت وزارة الخارجية والمغتربين السورية إن القادة شددوا على ضرورة رفع العقوبات المفروضة على سوريا، ودعم مسار التعافي وإعادة الإعمار.

وأوضح البيان أن الأمير محمد بن سلمان أكد على ضرورة هذه الخطوة لتحقيق الاستقرار في المنطقة، بينما شدد الرئيس ترمب على التزام بلاده بالوقوف إلى جانب سوريا في هذه المرحلة المفصلية، في حين عبر الرئيس الشرع عن امتنانه للدعم الإقليمي والدولي، مشدداً على مضي سوريا بثقة نحو المستقبل.

وتناول اللقاء أيضاً سبل الشراكة السورية – الأميركية في مجال مكافحة الإرهاب، والتعاون في القضاء على تأثير الفاعلين من غير الدول، والمجموعات المسلحة غير السورية التي تعيق الاستقرار، بما في ذلك تنظيم “داعش” والتهديدات الأخرى، وفقاً للبيان.

—————————

لبنان المأزوم يعوّل على جني فوائد رفع العقوبات عن سورية/ نغم ربيع

16 مايو 2025

تلقى لبنان، البلد الغارق في أزماته السياسية والاقتصادية والمالية، قرار رفع العقوبات الأميركية عن سورية كفرصة نادرة وسط محاولات للخروج من الانهيار. فالرفع المفاجئ للعقوبات عن دمشق يمهد لطرح قضايا سياسية واجتماعية مؤجلة، لكنه في الوقت نفسه فتح شهية السوق اللبناني على احتمالات لم تكن مطروحة قبل أسابيع قليلة.

وسارعت السلطات اللبنانية للترحيب بهذا القرار، بدءا من رئيس الجمهورية جوزاف عون الذي أشاد في تصريح صحافي يوم الثلاثاء، بالوساطة السعودية، ومعتبراً أن “رفع العقوبات يفتح الباب أمام الاستقرار في سورية، ما ينعكس خيراً على لبنان وكل منطقتنا وشعوبها”. بدوره، أصدر رئيس الحكومة نواف سلام بيانا وصف القرار بأنه “فرصة للنهوض”، وهنأ “سورية دولةً وشعباً”، مثمّناً الجهد السعودي الذي “ساهم في تليين المواقف الغربية تجاه دمشق”.

وبحسب مصدر حكومي لبناني، فإن “رفع العقوبات عن سورية يشكّل فرصة استراتيجية متعددة الأبعاد”. إضافة إلى الجانب الاقتصادي، تلوح إمكانية فتح صفحة جديدة في ملف اللاجئين. ومع عودة الاستثمارات إلى الداخل السوري، تُطرح مجدداً فكرة العودة الطوعية، على قاعدة التنسيق والتفاهم بين العاصمتين، إضافة إلى ملف الغاز والكهرباء اللذين يعتمدان على الأنابيب السورية.

فرصة رفع العقوبات

وفي السياق، قال الخبير الاقتصادي وعضو المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، أنيس أبو دياب، في حديث إلى “العربي الجديد”، إن “لبنان تأثر كثيراً بالعقوبات المفروضة على سورية، واليوم، مع رفع هذه العقوبات، سيبدأ لبنان بجني فوائد مباشرة، خصوصاً حين تدخل الخطوة حيّز التنفيذ”.

بحسب أبو دياب، فإن القرار سيفتح الباب أمام عودة الاستثمارات إلى سورية، وهو ما يعني “انتعاش سوق العمل هناك، وبالتالي تخفيف الضغط على سوق العمل اللبناني، وعلى البنية التحتية”. ولفت إلى أن “لبنان كان السبّاق لفتح السوق المصرفي في سورية في عام 2004، وامتلك عددًا من المصارف التي كانت ناشطة هناك. ومع إعادة إنعاش القطاع المصرفي السوري، من المتوقع أن يستعيد لبنان جزءًا من نشاطه المالي في هذا الاتجاه”.

إلى جانب فرص القطاع المصرفي، أدّت العقوبات، وشحّ الدولارات في سورية، إلى زيادة الطلب على الدولارات من جانب التجّار السوريين في لبنان، ما أدّى إلى زيادة الضغوط النقديّة. أمّا اليوم، أي تطوّر معاكس، بعد رفع العقوبات سيؤدّي إلى تأثير إيجابي بالاتجاه المعاكس أيضًا”.

لكن الأهم، وفق أبو دياب، هو دور القطاع الخاص اللبناني الذي راكم خبرات كبيرة في مشاريع الإعمار، بعد الحرب الأهلية إلى ما بعد حرب يوليو/ تموز 2006، ما يجعله مؤهلاً للمشاركة بفعالية في ورشة إعادة إعمار سورية. إضافة إلى ميزة جغرافية بارزة بحسب أبو دياب أن “مرفأ بيروت أقرب إلى دمشق من مرفأي طرطوس واللاذقية، وهذا يمنح لبنان أولوية لوجستية، خصوصًا في ظل اتفاقيات التبادل التجاري الموقّعة منذ عام 1993”.

كذلك، يعوّل لبنان على استئناف مشاريع الربط الكهربائي والإقليمي التي تمر عبر الأراضي السورية، كمشروع استجرار الغاز من مصر والكهرباء من الأردن الذي وافق عليه البنك الدولي، إضافة إلى العروض القطرية المطروحة لتأمين الغاز خلال الصيف المقبل. ومع ذلك، يبقى الحذر قائماً، فلبنان بلد الفرص الضائعة. في هذا السياق، يوضح أبو دياب أن “هذا العهد حريص جداً، خصوصاً أن الإرادة السياسية متوفرة، ونحن في عصر مختلف تماماً”.

——————————–

سورية بعد العقوبات الأميركية: تحرير الأموال والطيران واستقدام التكنولوجيا/ نور ملحم

16 مايو 2025

يفتح إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على سورية، الباب أمام مرحلة جديدة من التعافي الاقتصادي بعد سنوات من العزلة المالية والتجارية. القرار الذي جاء عقب مشاورات دولية مكثفة، يحمل تداعيات مباشرة على التجارة وسعر الصرف وإعادة الإعمار والاستثمارات الأجنبية، حيث لا يقتصر تأثيره على الأسواق المالية والقطاعات الإنتاجية فحسب، بل يشمل أيضًا حركة النقل الجوي، التي كانت معطلة نتيجة القيود المفروضة على الطيران السوري.

ووفق تتبع “العربي الجديد” لانعكاسات قرار رفع العقوبات، تبين أن ذلك لا يعني فقط إنهاء القيود المفروضة على القطاعات الاقتصادية الحيوية، بل يتيح أيضًا تحرير الأموال السورية المجمدة في البنوك الدولية، مما يمنح الحكومة السورية القدرة على توجيه هذه السيولة نحو مشاريع إعادة الإعمار والبنية التحتية.

كما يسهم القرار في إعادة دمج سورية في النظام المالي العالمي SWIFT، مما يعزز الاستثمارات الأجنبية في السوق المحلية. ومن أولى الخطوات التي يُتوقع تنفيذها فور رفع العقوبات إعادة تشغيل قطاع الطيران السوري، الذي عانى لسنوات القيود المفروضة عليه، حيث مُنع من الوصول إلى الأسواق الدولية وحُرم من شراء الطائرات وقطع الغيار اللازمة لصيانة الأسطول الجوي.

مع استئناف الرحلات الجوية المنتظمة بين سورية والدول العربية والأوروبية، يُتوقع أن يسهم ذلك في تسهيل حركة السفر، وتشجيع رجال الأعمال والمستثمرين على دخول السوق السوري، مما يعزز النشاط الاقتصادي ويعيد الحيوية إلى قطاع السياحة، الذي كان أحد أكثر القطاعات تضررًا خلال السنوات الماضية.

تأثير رفع العقوبات على النقل

رفع العقوبات عن سورية سيكون له تأثير مباشر على قطاع النقل البحري، حيث ستتمكن الموانئ السورية من استئناف عمليات الشحن والتجارة الدولية من دون قيود، مما يعزز حركة الاستيراد والتصدير ويخفض تكاليف النقل البحري. وفقًا للتقارير، فإن رفع العقوبات سيدعم تجارة الترانزيت عبر سورية، مما يسهل انسياب البضائع ويقلل كلف الشحن، خاصة عبر الموانئ السورية التي كانت تعاني قيوداً صارمة على التعاملات التجارية.

كما أن استقرار الأوضاع التجارية واللوجستية مع الدول المجاورة، مثل الأردن ولبنان وتركيا، سيسهم في تحسين حركة التجارة الإقليمية، مما يعزز دور سورية بوصفه ممرًّا تجاريًّا مهمًّا في المنطقة. إضافةً إلى ذلك، أن إزالة القيود المفروضة على شركات النقل البحري السورية سيسمح لها بتحديث أساطيلها، وإبرام عقود جديدة مع شركات الشحن العالمية، مما يعيد الحيوية إلى قطاع الخدمات اللوجستية ويزيد من تنافسية الموانئ السورية في المنطقة.

وبإمكان الرئيس الأميركي اتخاذ قرارات تنفيذية برفع بعض العقوبات المفروضة على سورية من دون الرجوع إلى الكونغرس، حيث تشمل هذه الخطوات السماح للبنك المركزي السوري والمصارف العامة باستئناف التعاملات المالية الدولية، مما يساعد في تحرير الأموال المجمدة وإعادة دمج النظام المصرفي السوري عالميًّا.

كما يمكن للرئيس رفع القيود التجارية المفروضة على استيراد السلع غير العسكرية وتصديرها، مما يسهم في استعادة انسيابية حركة التجارة ويخفف القيود المفروضة على المواد الأساسية وقطع الغيار اللازمة للقطاعات الصناعية والخدمية. كذلك، سيمكن رفع العقوبات سورية من استيراد المعدات والتكنولوجيا اللازمة لتشغيل معامل النفط والطاقة، وهو ما سينعكس إيجابيًّا على إمدادات الكهرباء ويقلل ساعات التقنين تدريجيًّا وصولًا إلى إنهائها بالكامل. كما أن إعادة فتح القنصليات والسفارات سيسهل حركة رجال الأعمال والمستثمرين، ويضمن وصول الإمدادات الطبية والغذائية، مما يساهم في تحسين الظروف المعيشية للسوريين.

وتسمح الخطوة للحكومة بالتفاوض على العقود الاستثمارية وتوقيعها، حيث إن رفع العقوبات يمكن أن يرفع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تراوح بين 5% الى 7% خلال العام الأول، بسبب عودة التحويلات الخارجية التي تمثل نحو 18% من الاقتصاد السوري سابقاً، وعودة الاستيراد بشكل أكثر انسيابية، كما يتوقع أن ترتفع قيمة الليرة السورية بنسبة 30% أمام الدولار خلال الأشهر الستة الأولى، بعد أن كانت قد تجاوزت عتبة 20 ألف ليرة للدولار في السوق الموازية، كما أن معدل التضخم قد ينخفض من 120% إلى نحو 60% خلال العام الأول لرفع العقوبات، شرط فتح المعابر وعودة تدفق السلع الأساسية.

وسبق أن أدّت العقوبات، خاصة قانون قيصر، إلى انسحاب الشركات الأجنبية وتجميد المشاريع الاستثمارية، مما حدّ من قدرة البلاد على جذب رؤوس الأموال الخارجية، ومع رفع العقوبات، يتوقع الخبراء أن يشهد الاقتصاد السوري انتعاشًا مصرفيًّا واستثماريًّا، حيث يمكن أن تعود الاستثمارات الأجنبية تدريجيًّا، خاصة في قطاعات الطاقة، والمصارف، والبنية التحتية ومن المتوقع أن يؤدي القرار إلى تحسين بيئة الاستثمار.

كما أن رفع العقوبات عن قطاع الطاقة قد يسمح للشركات الأجنبية بإبرام عقود جديدة في مجالات النفط والغاز، وهو ما قد يسهم في إعادة تأهيل البنية التحتية للطاقة وتحسين إمدادات الكهرباء.

من المتوقع أن يسهم رفع العقوبات في إحداث تحول إيجابي على المستوى الاقتصادي، حيث يُتوقع أن يؤدي إلى خلق آلاف فرص العمل للسوريين في مشاريع إعادة الإعمار، ويتيح تحرير التجارة الخارجية وعودة التدفقات المالية إمكانية تقليل تكلفة الاستيراد، مما ينعكس إيجابيًّا على أسعار السلع الأساسية.

——————————

سورية تخرج من عزلتها: الاقتصاد يودّع العقوبات الأميركية/ محمد أمين

15 مايو 2025

عكست الاحتفالات التي عمّت المدن السورية، مساء أول من أمس الثلاثاء، بعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب رفع العقوبات عن دمشق، حالة تفاؤل كبير لدى عموم السوريين بقدرة بلادهم على تجاوز تحديات جمّة، وخاصة اقتصادية ومعيشية، كانت هذه العقوبات سبباً رئيسياً لها، إضافة إلى إحياء الآمال ببدء عملية إعادة الإعمار وتطوير البنى التحتية.

والعقوبات الأميركية الاقتصادية والسياسية ليست وليدة سنوات الثورة السورية (2011–2024)، إذ إن بعضها يعود إلى ما قبل 46 عاماً، إلا أن تأثيرها لم يكن بفداحة تلك التي فُرضت رداً على وحشية النظام المخلوع في محاولاته، التي لم تجد نفعاً، في القضاء على الثورة.

أما العقوبات التي أرهقت السوريين فهي الاقتصادية، التي فرضت قيوداً على تصدير السلع والتكنولوجيا إلى سورية، وقانون حظر المساعدات الاقتصادية الأميركية لسورية (تم رفع جزء منه أخيراً)، وتلك التي طاولت مؤسسات الدولة، والتي جُمدت أصولها في الولايات المتحدة، وحُظر الاستيراد والتصدير بين البلدين. وتسببت هذه العقوبات في تعطيل الوصول إلى المساعدات الإنسانية الدولية، ونقص الموارد وتدهور قطاعي الصحة والتعليم، وتعميق الأزمتين الاقتصادية والاجتماعية.

فقد انخفض الناتج المحلي الإجمالي السوري من 67.5 مليار دولار في عام 2011 إلى تسعة مليارات دولار في عام 2023، أي بانكماش قدره 85%. كما تراجعت قيمة الليرة السورية بنسبة 141% مقابل الدولار، وسط زيادة التضخم المحلي بنسبة تصل إلى 93%.

ونتيجة لذلك، انخفضت القوة الشرائية لليرة السورية بشكل كبير، وارتفع معدل الفقر إلى 69%، ما ترك ملايين السوريين غير قادرين على تأمين احتياجاتهم الغذائية الأساسية. وبلغت احتياطيات النقد الأجنبي 18.5 مليار دولار في عام 2010، لكن لم يتبقَّ منها سوى 200 مليون دولار، وهو مبلغ لا يكفي لتغطية الواردات لمدة شهر.

تتخذ العقوبات أشكالاً متعددة. بعضها يستهدف قطاعات حيوية، كالطاقة والبنوك والاتصالات، بالإضافة إلى مؤسسات حيوية، بما فيها البنك المركزي. والعقوبات الأميركية أحادية الجانب هي الأشد صرامة، فهي تمنع جميع التعاملات بين الكيانات الأميركية والسورية، بالإضافة إلى منع استخدام الدولار في المعاملات المتعلقة بسورية. ولا يقتصر هذا الحظر على الأميركيين فحسب، بل يواجه الأفراد والشركات الأجنبية عقوبات شديدة في أميركا إذا تعاملوا تجارياً مع سورية.

مسار العقوبات الطويل

وبدأت العقوبات الأميركية على سورية منذ عام 1979، حيث أُدرجت سورية على قائمة الدول الراعية للإرهاب، بسبب الوصاية السورية على لبنان ودعمها حزب الله وجماعات أخرى. وفي الفترة ما بين مارس/ آذار وأغسطس/ آب 2004، فرضت الولايات المتحدة عقوبات جديدة على الحكومة السورية.

وجاءت هذه العقوبات في إطار متابعة سياسة “مكافحة محور الشر” التي انتهجتها إدارة جورج بوش الابن، والتي “تدين حيازة النظام السوري المزعومة لأسلحة الدمار الشامل، وتدين سيطرته على لبنان واستعداده لزعزعة استقرار العراق، فضلاً عن دعمه لمنظمات قوى التحرير مثل حزب الله وحماس”.

ثم توالت العقوبات في الكثير من المنعطفات التي مرت بها العلاقة بين نظام الأسد الأب (حافظ) والولايات المتحدة، والتي شهدت تراجعاً كبيراً في الثمانينيات من القرن الفائت.

وخلال العقد الأول من الألفية الجديدة، فرضت الولايات المتحدة عقوبات أخرى على نظام بشار الأسد، لعل أبرزها الأمر التنفيذي 13399، الذي جاء رداً على اغتيال رئيس وزراء لبنان السابق رفيق الحريري وفرض عقوبات إضافية ضمن حالة الطوارئ المعلنة. ومع بدء الثورة السورية في ربيع عام 2011، ورفض النظام التعاطي مع كل مبادرات الحل، ولجوئه إلى استخدام القوة المفرطة لقمع معارضيه، صدرت أوامر تنفيذية جديدة قضت بفرض عقوبات تُضاف إلى ما سبقها، وهو ما أدى إلى فرض حظر اقتصادي شبه شامل، منع أي صفقات أو تعاملات مالية مع النظام المخلوع، وحظر استيراد النفط السوري، ومنع أي استثمار أميركي في سورية.

في 29 إبريل/ نيسان 2011، فُرضت أولى العقوبات على سورية بعد اندلاع الثورة بإصدار الرئيس الأميركي باراك أوباما أمراً تنفيذياً بتجميد ممتلكات المتورطين في الانتهاكات.

وفي أغسطس 2011، فرضت الولايات المتحدة حظراً على قطاع النفط، وتجميد الأصول المالية لعدد من الشخصيات، فضلاً عن الأصول المالية للدولة السورية نفسها. وبالإضافة إلى ذلك، تحظر الولايات المتحدة تصدير السلع والخدمات الآتية من أراضي الولايات المتحدة أو من شركات أو أشخاص من الولايات المتحدة إلى سورية. ويتعلق هذا الحظر بأي منتج تأتي على الأقل 10% من قيمته من الولايات المتحدة أو من مواطنيها. ولهذا التدبير تأثير واسع النطاق على السكان السوريين وعلى أسعار السلع الأساسية والمنتجات الطبية.

أصدرت الولايات المتحدة الأميركية أمرين رئاسيين، رقم 13606 و13608، في إبريل ومايو/ أيار 2012 على التوالي، فرضت بموجبهما عقوبات إضافية على الأفراد والشركات الأجنبية التي تحاول التهرب من العقوبات الأميركية. في إبريل 2017، فرضت الولايات المتحدة تجميداً مالياً وحظراً للسفر والخدمات المالية ضد 270 موظفاً حكومياً تابعاً للحكومة السورية، في أعقاب هجوم خان شيخون.

وأخذت هذه العقوبات أبعاداً أوسع مع صدور قانون “قيصر” الذي دخل حيّز التنفيذ في عام 2020 بعدما استغرق إنجازه نحو ست سنوات، ونص على فرض عقوبات على الأسد وأركان حكمه، وعلى أي جهة تقدم الدعم أو تتعامل مع النظام المخلوع.

ومع تصاعد عمليات تهريب الكبتاغون من سورية من قبل النظام المخلوع، صدر عن الإدارة الأميركية قانونان عُرفا بـ”الكبتاغون 1″ و”الكبتاغون 2″، وسّعا دائرة العقوبات على المتورطين بتجارة الكبتاغون، وخاصة الأسد وشقيقه (ماهر) وآخرين.

قدرات ترامب

وبيّن الباحث الاقتصادي خالد تركاوي، في حديث مع “العربي الجديد”، أن للرئيس الأميركي سلطة إلغاء أغلب العقوبات المفروضة على سورية من دون الرجوع إلى المؤسسة التشريعية، باستثناء قانون “قيصر”، مضيفاً: يمكن للرئيس الأميركي منح مساعدات للشركات الأميركية لتنفيذ برامج مع الحكومة السورية، التي يصبح بإمكانها الشراء والبيع بعد رفع العقوبات.

وفي السياق، قال الدبلوماسي السوري السابق والمقيم في العاصمة الأميركية بسام بربندي لـ”العربي الجديد”، إن العقوبات الرئاسية وعددها ثمانية أوامر إدارية، أصدرها رؤساء بدءاً من عام 2004 وحتى عام 2019 وتشمل معظم العقوبات على الاقتصاد السوري، يمكن للرئيس ترامب إلغاؤها أو تجميدها دون الحاجة للرجوع إلى الكونغرس للحصول على موافقته.

وتابع: “أما العقوبات التشريعية مثل قانون قيصر، فهي أكثر تعقيداً، فالإدارة الأميركية عليها أن تثبت أن سورية حققت الشروط الموجودة في القانون”، موضحاً أنه يمكن للرئيس إلغاء بعض المواد فيه من دون موافقة، كما بيّن أن هناك عقوبات “تستند إلى حالة طوارئ وطنية تُجدد سنوياً”، مضيفاً: “إذا لم يجددها الرئيس، تُعلّق بعضها بعد ستة أشهر”.

————————————

إعادة إعمار سورية بـ400 مليار دولار: أميركا تستعد لاقتناص الفرص/ آدم يوسف

15 مايو 2025

يثير قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب رفع العقوبات عن سورية، نقاشات واسعة بين الاقتصاديين والمسؤولين في سورية وخارجها، خاصة وأن البلاد تواجه انهياراً اقتصادياً حاداً يتسم بانخفاض قيمة العملة وركود النشاط الصناعي والتجاري. وفيما التقى ترامب الأربعاء بالرئيس السوري الجديد أحمد الشرع، تساءل خبراء وصحف أميركية وأوروبية عن ارتدادات رفع العقوبات الأميركية على الاقتصاد السوري.

وأعلن ترامب مطلع العام الحالي رفعاً جزئياً للعقوبات التي كانت أداة رئيسية في عزل النظام السوري السابق. ووفقًا لبيان صادر عن وزارة الخزانة الأميركية حينها، يشمل الإعفاء الجزئي تسهيل التحويلات المالية والمساعدات الدولية للمنظمات الإنسانية العاملة في سورية، والسماح بأنشطة محدودة في الزراعة والأدوية ومشاريع البنية التحتية المدنية. بالإضافة إلى ذلك، تخفيف القيود على التحويلات المالية، مما يسمح للسوريين في الخارج بإرسال الأموال بحرية أكبر إلى أفراد عائلاتهم داخل سورية.

مع ذلك، بقيت العقوبات الأخرى سارية، وخاصة تلك المفروضة بموجب قانون قيصر، وهو أشدّ عناصر نظام العقوبات الأميركية على سورية، وتستهدف هذه العقوبات المسؤولين الحكوميين والبنك المركزي والكيانات التي تتعامل مع النظام وعدد من الجماعات المسلحة داخل سورية، وتطاول خاصة قطاعي النفط والغاز والقطاع العسكري والأمني.

ورأى تحليل لموقع “ذا ميديا لاين” الأميركي، أنه رغم ترحيب السوريين برفع العقوبات الأميركية، إلا أن ذلك “لن يؤدي على الأرجح إلى انتعاش اقتصادي فوري”.

أوضح أنه “رغم أنه قد يُخفف العبء مؤقتًا على قطاعات معينة ويُحسّن قدرة السوريين على تلقي التحويلات المالية، إلا أنه من غير المرجح أن يُحدث انتعاشًا اقتصاديًا واسع النطاق، وإن كان سيُحفّز المشاريع الزراعية والخدمية الصغيرة”.

خطة مارشال سورية ما بعد رفع العقوبات

ويشير تحليل لموقع “نيو لاينز ماغازين”، إلى أن سورية في حاجة ماسة إلى إعادة الإعمار بعد الحرب “على نطاق خطة مارشال”. أوضح أن سورية مفتوحة للأعمال، وشعبها متشوق للاستثمار وإعادة الإعمار والاستهلاك، لكن العقوبات الاقتصادية الأميركية المفروضة أصلاً على نظام الأسد المخلوع لا تزال تحول دون المضي قدماً في أي عملية إعادة إعمار جادة بعد الحرب، كما لا تزال سورية تعاني من الغارات الجوية الإسرائيلية، التي دمّرت البنية التحتية الدفاعية للبلاد، وتُعرّض حياة الناس وسبل عيشهم للخطر.

ونقل عن نائبين أميركيين زارا دمشق بشكل غير رسمي في إبريل/نيسان الماضي أن سورية الجديدة تستحق بداية جديدة مع رفع العقوبات الأميركية، وخطة مارشال. وعن هذا الموضوع قالت النائبة الجمهورية مارلين ستوتزمان من فلوريدا إن الحكومة السورية الجديدة تبدو ملتزمة باقتصاد مفتوح وسياحة مفتوحة وصحافة منفتحة، وسورية “لا تطلب من واشنطن مالاً أو مساعدات عسكرية”، بل فقط رفع العقوبات.

ونقلت عن “مسؤول حكومي سوري” قوله: “وصل الأمر إلى حد أن هناك عقوبات على قطاع الإعلام، ولا يمكننا الاشتراك في خدمات وكالات الأنباء، مثل أسوشييتد برس ورويترز، ولا يمكننا البث، ولا يمكننا استخدام الأقمار الاصطناعية أو إطلاق أقمارنا الخاصة لمحطاتنا التلفزيونية”.

قتيبة إدلبي، وهو باحث بارز في مركز “أتلانتيك كاونسل” أو المجلس الأطلسي، أكد في تقرير للمركز أن قرار ترامب “فرصة ستفتح آفاقاً اقتصادية للشركات الأميركية في سورية” لمواجهة منافسين مثل روسيا والصين. وقال إن ترامب لطالما صوّر نفسه على أنه صانع صفقات، وهو الذي وقّع على قانون قيصر لحماية المدنيين في سورية، الذي شلّ نظام الأسد ماليًا.

وأوضح أنه “في حال استمرت هذه العقوبات فإن الاقتصاد السوري سيظل في حالة انهيار حر، مما يجعله يعتمد بشكل متزايد على روسيا والصين وإيران”، لكن رفع العقوبات ودعم الولايات المتحدة والخليج لدمشق سيسمحان للشركات الأميركية بمنافسة الشركات الصينية على عقود إعادة الإعمار المتوقعة في سورية والتي تبلغ قيمتها وفق تقديرات الأمم المتحدة وعدد من مراكز الأبحاث الدولية 400 مليار دولار.

كما أن ازدهار سورية من شأنه أن يقلل من تدفق اللاجئين على أميركا. وفي هذا الصدد، يقول عمر أوزكيزيلجيك، الباحث والمحلل التركي في شؤون سورية، إن رفع العقوبات سوف يُمكن حلفاء واشنطن من الاستثمار في سورية، مما يمنع دمشق من الاعتماد على الصين وروسيا، اللتين قد تتمكنان من التحايل على العقوبات لكسب النفوذ.

دعم مالي ضروري

وتُحذر ليز دي كرويف، وهي مساعدة مشروع في مبادرة الحكم الاقتصادي بمركز “أتلانتيك كونسل”، من أنه “بدون دعم مالي ذي معنى، تخاطر الولايات المتحدة بالتخلي عن نفوذها في سورية”.

وقد بدأت أوروبا والأمم  المتحدة بتطوير نهج اقتصادي إيجابي، إذ تعهدتا بتقديم مليارات الدولارات على شكل منح وقروض ميسرة لدعم تعافي سورية، ومع ذلك، لم تُقدم الولايات المتحدة بعدُ دعمًا ماليًا هذا العام،  مُشيرةً إلى توقعات بأن يتحمل الآخرون العبء، أي الخليج وتركيا.

أوضحت أن تركيا والسعودية وقطر وروسيا  والصين، وسعت نفوذها بسرعة من خلال استثمارات في النفط والغاز والبنية التحتية ومشاريع إعادة الإعمار، وتسديد ديون سورية للبنك الدولي. وقال معهد كارنيغي إن تكلفة إعادة الإعمار تراوح بين 250 و400 مليار دولار.

ولا يزال أكثر من نصف السكان نازحين، ويعيش 90% منهم تحت خط الفقر، وفي عام 2024، سيحتاج 16.7 مليون شخص في سورية (أو 75% من السكان) إلى مساعدات إنسانية، وفقًا للأمم المتحدة.

ويلفت إلى أن إعادة الإعمار تحتاح إلى انتقال سياسي شامل يُهيئ الظروف لمشاركة مختلف قطاعات المجتمع وإيجاد ثقل موازن لمن هم في السلطة يُعمِّق ديمقراطية الفضاء السياسي السوري. وأخيرًا، تحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية لزيادة المشاركة الشعبية، لا سيما بين أضعف فئات المجتمع التي تواجه ظروفًا معيشية صعبة.

————————————-

الشراكات التجارية مع سورية تغري الأردن بعد رفع العقوبات/ زيد الدبيسية

16 مايو 2025

يأمل الأردن أن يسهم رفع العقوبات عن سورية في فتح آفاق جديدة للتعاون الاقتصادي بين البلدين في مختلف المجالات وتعظيم الاستفادة من الفرص المتاحة، وأن يكون بوابة للإعمار خلال الفترة المقبلة وبناء شراكات تجارية واستثمارية تخدم المصالح المشتركة.

ويرى الأردن أن العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة ودول أخرى على سورية، أدّت إلى تراجع كبير في مستوى التعاون الاقتصادي بين البلدين، حيث تراجع حجم التجارة البينية إلى مستويات متواضعة جداً لم تتجاوز عدة ملايين، فيما كانت تتجاوز سابقاً 700 مليون دولار.

وكان الأردن قد اتخذ إجراءات لتسريع إدخال السلع إلى سورية في أعقاب سقوط النظام السابق، وكذلك تلبية احتياجات السوق السوري من مختلف السلع، وإتاحة المجال لتصدير السلع السورية من خلال الأراضي الأردنية. وأعيد فتح المنطقة الحرة المشتركة بهدف زيادة حجم التجارة البينية وتحفيز الاستثمارات والمساعدة في عمليات إعادة الإعمار وتلبية احتياجاتها.

ومن المرجح أن يقوم وفد اقتصادي أردني يضم عدداً من المسؤولين وفعاليات من القطاع الخاص بزيارة إلى سورية قريباً، بهدف التباحث في آليات تعزيز التعاون الاقتصادي، خاصة بعد رفع العقوبات، ومجالات إعادة الإعمار التي تحتاج إليها سورية.

فوائد رفع العقوبات

وقال الخبير الاقتصادي حسام عايش لـ”العربي الجديد” إن رفع العقوبات الأميركية عن سورية يعني وقف تجميد أصول الحكومة السورية، ووقف حظر التعامل المالي والمصرفي مع بنوك وشركات سورية، ما يحفز عودة الاستثمارات إلى سورية، وتصدير التكنولوجيا وتجارة السلع والخدمات التي كانت محظورة بموجب قانون قيصر، وكذلك الدفع برفع العقوبات الأوروبية، وإزالة المحددات التي كانت تحول دون التعامل مع سورية.

وقال عايش: “سيصبح بالإمكان التعامل اقتصادياً ومالياً مع سورية دون الشعور بالخوف من عقوبات رئيسية، وفتح التصدير والاستيراد، وتدفق المساعدات، وإعادة الإعمار في البنى التحتية السورية مثل المياه والطاقة والنفط والغاز والصناعة والزراعة والتكنولوجيا، والشركات الأردنية والعالمية ستعود سريعاً إلى سورية، وبالتالي نتحدث عن مشهد اقتصادي واستثماري جديد”.

وبين أن الأردن أمام فرصة مهمة لزيادة حجم التجارة إلى سورية، ومنها ترانزيت إلى كل من تركيا ولبنان وأوروبا، إضافة إلى تنشيط قطاع الشحن البري بالاتجاهين، والعمل على تحفيز القطاع الخاص إلى إقامة مشاريع استثمارية في ضوء الفرص المتاحة في كل من الأردن وسورية.

وبين أن الحكومة تعاملت بإيجابية من خلال الوقوف إلى جانب سورية بعد سقوط النظام السابق، من حيث تلبية احتياجات السوريين من مختلف السلع، والمبادرة إلى المساهمة في إعادة تشغيل قطاعات أساسية، خاصة مطار دمشق الدولي، وإعادة بناء قدرات المؤسسات السورية، وتقديم الخبرات اللازمة لها.

وقال الخبير الاقتصادي هاشم عقل لـ”العربي الجديد” إن رفع العقوبات سيسرع إنجاز مشروعات استراتيجية كبرى بين الأردن وسورية، خاصة الربط الكهربائي. وأضاف أن الأردن لديه خبرات واسعة في مجال الطاقة المتجددة أيضاً، يمكن أن تساهم في تعزيز الطاقة في سورية، وكذلك التعاون في مجالات اقتصادية أخرى. وأكد أهمية وجود رؤية شمولية لدى الأردن على مستويي القطاع الخاص والعام لأجل التعامل بكفاءة عالية مع مرحلة ما بعد رفع العقوبات عن سورية.

—————————–

رفع العقوبات الأميركية عن سورية يفتح الباب لاستثمارات واسعة

15 مايو 2025

يُتوقّع أن يشكّل رفع العقوبات الأميركية عن سورية بعد تنفيذه نقطة تحوّل في مسار الاقتصاد السوري، الذي دمّرته الحرب المستمرة منذ 13 عامًا، ويفتح المجال أمام تدفقات استثمارية من السوريين في الخارج، إضافة إلى استثمارات من تركيا ودول الخليج الداعمة للحكومة السورية الجديدة. وقال رجال أعمال سوريون ووزير المالية ومحللون لوكالة “رويترز” إنهم يتوقّعون تدفق رؤوس أموال إلى الاقتصاد السوري المتعطش لها فور رفع العقوبات، الذي أعلن عنه الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشكل مفاجئ، رغم التحديات الكبيرة التي لا تزال تواجه البلاد المنقسمة بشدة.

وأكد رجل الأعمال السوري غسان عبود، المقيم في الإمارات، لـ”رويترز”، أنه يضع خططًا للاستثمار، متوقعًا أن يسير آخرون من أصحاب العلاقات التجارية الدولية على النهج نفسه، وقال: “كانوا خائفين من القدوم والعمل في سورية بسبب مخاطر العقوبات… هذا سيختفي تمامًا الآن”. وأضاف: “أُخطط بالطبع لدخول السوق لسببين: أولًا، أريد مساعدة البلاد على التعافي بأي طريقة ممكنة، وثانيًا هناك أرض خصبة؛ فأي بذرة توضع اليوم قد تدر هامش ربح جيدًا”. وقد عرض عبود خطة بمليارات الدولارات لدعم قطاعات الفن والثقافة والتعليم في سورية.

ويُتوقع أن يعيد رفع العقوبات تشكيل الاقتصاد السوري بشكل جذري، مع توجه الحكومة الجديدة نحو تبني سياسات السوق الحرة، بعيدًا عن نموذج التخطيط المركزي الذي اتبعته عائلة الأسد طوال عقود حكمها.

وفي هذا السياق، رحبت الأمم المتحدة، اليوم، بالإعلان الصادر مؤخرًا عن الرئيس الأميركي بشأن رفع العقوبات عن سورية، معتبرةً أنه يحمل إمكانية حقيقية لتخفيف المعاناة الطويلة التي يعيشها ملايين السوريين. وأكدت أن العقوبات الأميركية لطالما أعاقت الاستجابة الإنسانية، وعرقلت انطلاق جهود التعافي المبكر، مشددةً على ضرورة أن يترجم هذا التطور إلى تحسينات ملموسة في حياة جميع السوريين.

وأعادت الأمم المتحدة التأكيد على التزامها الراسخ بدعم الشعب السوري، من خلال العمل الإنساني المبدئي وجهود التعافي الشاملة، معتبرةً أن رفع العقوبات يشكل فرصة متجددة لمساعدة السوريين على إعادة بناء حياتهم بأمان وكرامة والتقدم نحو السلام.

من جهتها، قالت نائبة المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سورية، نجاة رشدي، في منشور لها عبر منصة “إكس”، إن “تنوع سورية الغني من أعظم نقاط قوتها، وبناء مستقبلها يتطلب الجهود المشتركة لجميع السوريين”، مضيفة أن “مع رفع العقوبات، هناك فرصة تاريخية أمام سورية لإعادة البناء”. وشددت رشدي على أن “هذه العملية يجب أن تكون بقيادة سورية وشاملة للجميع”، مؤكدة، أن “دعم المجتمع الدولي بات أكثر أهمية من أي وقت مضى”.

وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد أعلن في 13 مايو/ أيار الجاري 2025 أنه سيرفع جميع العقوبات المفروضة على سورية، وذلك قبل يوم واحد من لقائه بالرئيس السوري أحمد الشرع في العاصمة السعودية الرياض.

وكانت قد الولايات المتحدة وقوى غربية أخرى عقوبات صارمة على سورية عقب اندلاع الحرب في عام 2011، إثر الاحتجاجات ضد حكم الرئيس السابق بشار الأسد. واستمرت واشنطن في فرض العقوبات حتى بعد الإطاحة بالأسد في ديسمبر/ كانون الأول عام 2024، بينما كانت تدرس سياستها تجاه سورية وتراقب تحركات الإدارة الجديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع، وهو قيادي سابق في تنظيم القاعدة.

وطالبت دول داعمة لحكومة الشرع واشنطن برفع العقوبات. وقال وزير الخارجية السعودي، يوم الأربعاء، إن فرص الاستثمار ستتزايد بشكل كبير فور تنفيذ ذلك. وفي خطاب بثه التلفزيون الرسمي مساء الأربعاء، وصف الشرع إعلان ترامب بأنه “قرار تاريخي شجاع”، مؤكدًا التزام حكومته بتعزيز المناخ الاستثماري. وأضاف: “نرحب بجميع المستثمرين من أبناء الوطن في الداخل والخارج، ومن الأشقاء العرب والأتراك والأصدقاء حول العالم، وندعوهم للاستفادة من الفرص المتاحة في مختلف القطاعات”.

وكانت الحرب قد خلفت دمارًا واسعًا في المناطق الحضرية، وأودت بحياة مئات الآلاف من الأشخاص، فيما تؤكد وكالات الأمم المتحدة أن أكثر من 90% من السوريين، البالغ عددهم 23 مليون نسمة، يعيشون تحت خط الفقر. وقال المحلل الاستراتيجي للأصول السيادية في الأسواق الناشئة لدى شركة “آر.بي.سي بلوباي” لإدارة الأصول تيموثي آش إن هناك فرصة حقيقية لإحداث تغيير جذري في سورية والمنطقة الأوسع.

من جهته، قال الرئيس التنفيذي لمجموعة “بي.بي.في.إيه” المالية العالمية أونور جنش، التي تضم مصرف “جرانتي”، وهو ثاني أكبر بنك خاص في تركيا، إن الشركات والبنوك التركية من المتوقع أن تستفيد من رفع العقوبات. وأضاف متحدثا لرويترز: “بالنسبة لتركيا، سيكون الأمر إيجابيًا لأن هناك حاجة إلى عمليات إعادة إعمار كثيرة في سورية. من يفعل هذا؟ الشركات التركية”. وتابع: “سيسمح رفع العقوبات للشركات التركية بالذهاب إلى هناك الآن بشكل أفضل بكثير، وستتمكن البنوك التركية من تمويلها، وهذا سيدعم العملية”. وكانت تركيا قد دعمت قوات المعارضة السورية خلال الحرب التي دمرت اقتصادًا كان يومًا ما متنوعًا ومنتجًا.

وفي السياق، أظهرت بيانات رسمية سورية، أوردها البنك الدولي عام 2024، أن الاقتصاد السوري انكمش بأكثر من النصف بين عامي 2010 و2021، إلا أن البنك أشار إلى أن الرقم الفعلي ربما يكون أسوأ من ذلك.

فرص في كل القطاعات

وشهدت الليرة السورية ارتفاعًا في قيمتها منذ إعلان ترامب، وقال متداولون إن العملة تراوحت بين 9000 و9500 ليرة للدولار الواحد يوم الأربعاء، مقارنة بـ12600 ليرة في مطلع الأسبوع ذاته. وكان الدولار يعادل 47 ليرة سورية قبل الحرب في عام 2011. وقال وزير المالية السوري محمد يسر برنية لـ”رويترز” إن مستثمرين من الإمارات والكويت والسعودية ودول أخرى قدّموا استفسارات عن فرص الاستثمار. وأضاف: “سورية اليوم هي أرض الفرص، وهناك إمكانات كامنة هائلة في جميع القطاعات، من الزراعة إلى النفط والسياحة والبنية التحتية والنقل”. وتابع: “ندعو جميع المستثمرين إلى اغتنام هذه الفرصة”.

ووصف المدير العام لبنك “شهبا بنك” كرم بشارة الحماسة السائدة في مجتمع الأعمال السوري، بينما كان يتابع من مكتبه في دمشق لقطات من اجتماع ترامب مع الشرع في الرياض، قائلاً: “إنه رائع بشكل يفوق التصور.. نحن على المسار الصحيح الآن على الصعيد الدولي ما لم يحدث شيء في سورية يعرقل العملية”.

وقال الصحافي ومؤسس ورئيس تحرير موقع التقرير السوري الاقتصادي جهاد يازجي إن إعلان الولايات المتحدة يشكل تحولًا جذريًا لأنه يبعث رسالة سياسية قوية جدًا، ويمهد الطريق لعودة سورية إلى التكامل مع دول الخليج والمنظمات المالية الدولية، فضلًا عن ملايين السوريين في الشتات.

من جهته، قال المستثمر اللبناني عماد الخطيب إنه يعجل بخططه الاستثمارية في سورية بعد إعلان ترامب، وأوضح أنه يعمل بالتعاون مع شركاء لبنانيين وسوريين على دراسة جدوى لإنشاء مصنع فرز نفايات في دمشق بقيمة 200 مليون دولار منذ شهرين، وقال إنه أرسل، صباح أمس الأربعاء، فريقًا من المتخصصين إلى سورية  لبدء التحضيرات. وأضاف: “هذه هي الخطوة الأولى… وستتبعها خطوات أكبر. وسنعمل بالتأكيد على جذب مستثمرين جدد، لأن سورية أكبر بكثير من لبنان”.

(رويترز، العربي الجديد)

————————

إعلان ترامب رفع العقوبات عن سورية يمهّد لتحولات اقتصادية كبرى

15 مايو 2025

قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب إنه سيرفع العقوبات المفروضة منذ سنوات على سورية، والتي عزلت البلاد عن النظام المالي العالمي في عهد الرئيس السابق بشار الأسد. بدوره، رفع الاتحاد الأوروبي وبريطانيا بالفعل بعض عقوباتهما، لكن في حال مضت واشنطن في رفع جميع عقوباتها، فإن ذلك سيمهد الطريق أمام دول أخرى لتحذو حذوها.

وفي ما يلي ملخص للوضع الراهن للاقتصاد السوري، وكيف أعادت حرب أهلية امتدت لـ14 عامًا تشكيل التجارة والمالية الحكومية في البلاد، بعد سقوط الأسد في ديسمبر/ كانون الأول.

ما هو وضع الاقتصاد السوري؟

تشير تقديرات البنك الدولي إلى أن قيمة الاقتصاد السوري تبلغ نحو 21 مليار دولار، وهو ما يعادل تقريبًا اقتصاد كل من ألبانيا وأرمينيا، رغم أن عدد سكانهما أقل من سورية بأكثر من 20 مليون نسمة. وتُظهر البيانات السورية الرسمية أن حجم الاقتصاد انخفض إلى أكثر من النصف بين عامي 2010 و2022. ويرجح البنك الدولي أن هذا الانخفاض أقل من الحقيقة، إذ تُقدَّر نسبة الانكماش الفعلية بـ83% بين عامي 2010 و2024. وقد أُعيد تصنيف سورية دولة منخفضة الدخل في عام 2018، بينما يعيش أكثر من 90% من سكانها، البالغ عددهم حوالي 25 مليون نسمة، تحت خط الفقر، وفقًا لوكالات الأمم المتحدة.

ما الذي حدث للعملة السورية؟

تفاقمت الاضطرابات الاقتصادية في سورية عام 2019، حين انزلق لبنان المجاور إلى أزمة اقتصادية، نظرًا للعلاقات الاقتصادية والمالية الوثيقة بين البلدين، وطرحت دمشق أسعار صرف متعددة للمعاملات المختلفة لحماية العملة الصعبة الشحيحة. وبعد تولي الحكومة الجديدة السلطة في ديسمبر/كانون الأول، تعهد المصرف المركزي باعتماد سعر صرف رسمي موحد لليرة السورية.

في هذا السياق، بلغ سعر الصرف الرسمي يوم الأربعاء 11,065 ليرة للدولار الواحد، مقارنة بسعر السوق السوداء الذي بلغ نحو 22,000 ليرة في وقت سقوط الأسد العام الماضي، و47 ليرة في مارس/آذار 2011 عند اندلاع الحرب.

كم تبلغ ديون سورية؟

صرّحت الحكومة الجديدة بأن ديونها تتراوح بين 20 و23 مليار دولار، معظمها على شكل قروض ثنائية، لكن التقديرات تشير إلى أنها قد تكون أعلى بكثير، إذ قد تواجه دمشق مطالبات من إيران وروسيا تتراوح بين 30 و50 مليار دولار. وفي هذا السياق، يقول محامون بارزون في مجال الديون السيادية إن تلك الالتزامات التي تعود إلى عهد الأسد يمكن شطبها باعتبارها ديون حرب “بغيضة”، أي تلك التي تحملتها البلاد دون موافقة الشعب السوري ولم تُنفق لمصلحته، بل لتسليح نظام الأسد.

ويُظهر تقرير صادر عن معهد بيترسون أخيرًا أنه يجب أيضًا تحديد الكيانات السورية الملزمة بتلك الديون، سواء كانت الحكومة أو المصرف المركزي أو الشركات المملوكة للدولة أو المؤسسات التجارية، لأن لكل نوع منها معاملة مختلفة عند إعادة الهيكلة.

ما هي احتياطيات المصرف المركزي؟

كشفت مصادر لـ”رويترز” في وقت سابق أن احتياطيات المصرف المركزي السوري من النقد الأجنبي لا تتجاوز 200 مليون دولار، وهو انخفاض حاد مقارنةً بـ18.5 مليار دولار قدّرها صندوق النقد الدولي قبل اندلاع الحرب. ويمتلك المصرف أيضًا نحو 26 طنًا من الذهب، تُقدّر قيمتها الحالية بأكثر من 2.6 مليار دولار بأسعار السوق.

وفي المقابل، تتوقع الحكومة الجديدة استرداد ما يصل إلى 400 مليون دولار من أصولها المجمدة للمساعدة في تمويل إصلاحات، من بينها زيادات حادة في رواتب بعض موظفي القطاع العام، وقد جمدت الحكومات الغربية تلك الأصول خلال فترة حكم الأسد، لكن لم تتضح بعد قيمتها الدقيقة أو مواقعها أو مدى سرعة استعادتها.

بدورها، قالت سويسرا إن نحو 99 مليون فرنك سويسري (118 مليون دولار) موجودة حاليًا في بنوكها. ويُقدّر موقع “تقرير سورية” أن ما يعادل 163 مليون جنيه إسترليني (217 مليون دولار) موجود في بريطانيا.

آثار الحرب والعقوبات على التجارة والاقتصاد

وفقًا للبنك الدولي، أدى تراجع إيرادات النفط والسياحة إلى انخفاض صادرات سورية من 18.4 مليار دولار في عام 2010 إلى 1.8 مليار دولار في عام 2021. ويشير خبراء إلى أن الضغوط المالية دفعت الحكومة إلى تمويل بعض الواردات الرئيسية من خلال عائدات غير مشروعة، منها مبيعات المنشطات الشبيهة بالأمفيتامين المعروفة باسم “الكبتاغون”، أو من خلال تهريب الوقود. وبات إنتاج “الكبتاغون” القطاع الاقتصادي الأكثر قيمة في البلاد، بينما البنك الدولي قدر العام الماضي القيمة السوقية للمخدر المنتج في سورية بما يصل إلى 5.6 مليارات دولار.

ما هي تحديات الطاقة والزراعة؟

في عام 2010، كانت سورية تصدّر نحو 380 ألف برميل يوميًا من النفط، لكن بعد اندلاع الحرب في 2011، استولت جماعات مختلفة، منها تنظيم داعش والمقاتلون الأكراد، على الحقول النفطية. ورغم توقيع الأكراد صفقات مع شركات أميركية، فإن العقوبات جعلت من تصدير النفط بشكل مشروع أمرًا صعبًا، وأُجبرت سورية على الاعتماد على واردات الطاقة، معظمها من الحليفين روسيا وإيران.

وقالت كبيرة مستشاري العقوبات لدى شركة “هورايزون إنغيج” للاستشارات راشيل زيمبا إن كميات الوقود التي كانت سورية تحصل عليها من إيران، والتي تراوحت بين مليون وثلاثة ملايين برميل شهريًا، توقفت في أواخر ديسمبر/كانون الأول مع انسحاب طهران، بحسب وكالة “رويترز”. أما في القطاع الزراعي، فقد أدى الصراع والجفاف إلى انخفاض عدد المزارعين، وتضرر أنظمة الري، وتضاؤل إمكانية الوصول إلى البذور والأسمدة. وتراجع الإنتاج الزراعي إلى مستويات غير مسبوقة في عامي 2021 و2022، إذ هبط إنتاج القمح إلى ربع الكمية التي كانت تُنتج قبل الحرب، والبالغة نحو أربعة ملايين طن سنويًا.

واستوردت سورية قرابة مليون طن من الحبوب سنويًا من روسيا، وقد توقفت هذه التدفقات مؤقتًا بعد تغيير النظام الحاكم، لكنها استؤنفت الشهر الماضي، وأبدت أوكرانيا استعدادها لتوريد القمح، دون وضوح الآلية التي ستُسدد بها سورية المدفوعات.

(رويترز، العربي الجديد)

——————————

مباحثات سورية مع البنك الدولي لتمويل الكهرباء

عبد الله البشير

15 مايو 2025

بحث وزير العدل السوري، مظهر الويس، مع وفد من البنك الدولي، اليوم الخميس، خلال لقاء جرى بينهما في مبنى الوزارة بدمشق، إمكانية العمل على تمويل مشروع الكهرباء في سورية. وأعلنت وزارة العدل السورية، عبر فيسبوك، أن الويس التقى الوفد الذي يترأسه المدير القطري للبنك الدولي لإدارة الشرق الأوسط جان كريستوف كارّيه، ونائبة المستشار القانوني العام شيلا براكا موسيمي، وخلال اللقاء تناول الطرفان الحديث عن إمكانية العمل على تمويل مشروع الكهرباء في البلد، إضافة إلى الإجراءات القانونية اللازمة لتفعيل المشروع في أقرب وقت ممكن.

وجاء اللقاء بين الطرفين، عقب إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب رفع العقوبات عن سورية، قبل لقائه الرئيس السوري أحمد الشرع في السعودية. وأعلنت وزارة الخزانة الأميركية، في وقت سابق، مساء اليوم، عبر موقع “إكس”، أنها تعمل بالتنسيق مع وزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي على تنفيذ توجيهات الرئيس ترامب بشأن العقوبات المفروضة على سورية. وأضافت في بيان لها: “نتطلع إلى تطبيق التراخيص اللازمة التي من شأنها أن تكون أساسية في جذب استثمارات جديدة إلى سورية”. وقالت إنه يمكن لإجراءات وزارة الخزانة أن تساهم في إعادة بناء الاقتصاد السوري والقطاع المالي والبنية التحتية، بما يضع البلاد على مسار نحو مستقبل مشرق ومزدهر ومستقر.

وعلّق الرئيس الشرع في كلمة متلفزة له، أمس الأربعاء، على إعلان الرئيس الأميركي ترامب رفع العقوبات بالقول إن “سورية مرت بمرحلة مأساوية تحت حكم النظام الساقط، وتحولت إلى بيئة طاردة لأهلها وجيرانها والعالم، وتأخرت عن مصاف الدول”. واعتبر أن “العمل الجاد لبناء سورية الحديثة بدأ اليوم”، مؤكداً الالتزام بتطوير المناخ الاستثماري في سورية، والترحيب بجميع المستثمرين في الداخل والخارج والعرب والأتراك. وشدد على أن سورية لن تكون “ساحة لصراع النفوذ، ولن نسمح بتقسيمها”، لافتاً إلى أن “قوة سورية تكمن في وحدتها”.

—————————–

ترامب: لم أستشر إسرائيل قبل الاعتراف بالحكومة السورية الجديدة

الرئيس الأميركي قال للصحافيين على متن الطائرة الرئاسية بعد مغادرة أبوظبي “اعتقدت أنه كان القرار الصحيح، وحظيت بالكثير من الإشادة عليه، نريد النجاح لسوريا”

العربية.نت، والوكالات

16 مايو ,2025

قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب إنه لم يستشر حليفته إسرائيل في قرار الولايات المتحدة الاعتراف بالحكومة السورية الجديدة، رغم شكوك إسرائيل الشديدة تجاه إدارة الرئيس أحمد الشرع.

واستطرد يقول للصحافيين على متن الطائرة الرئاسية بعد مغادرة أبوظبي بقليل مختتما جولة في منطقة الخليج استمرت أربعة أيام “لم أستشرهم في ذلك، اعتقدت أنه كان القرار الصحيح، وحظيت بالكثير من الإشادة عليه، نريد النجاح لسوريا”.

وأعلن الرئيس الأميركي ترامب في الرياض خلال جولته الخليجية، رفع العقوبات عن سوريا بعد مناقشة هذا الأمر مع ولي العهد السعودي.

وقال قبل لقاء جمعه مع الشرع، إن قرار رفع العقوبات عن سوريا جاء لمنح السوريين فرصة جديدة.

وذكر موقع “أكسيوس” الأميركي أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو طلب من ترامب عدم رفع العقوبات عن سوريا، وأوضح أن ترامب لم يبلغ إسرائيل مسبقا بقرار عقد اجتماع مع الرئيس السوري أحمد الشرع.

ونقل الموقع عن مسؤولين إسرائيليين أن نتنياهو استغل لقاءه بترامب في البيت الأبيض خلال الشهر الماضي وطلب منه عدم رفع العقوبات عن سوريا، وعبر عن قلقه بشأن دور تركيا في سوريا.

ترامب يدعو إيران للتحرك بسرعة في المفاوضات.. ويعد بحل وشيك في غزة

أميركا أميركا وترامب ترامب يدعو إيران للتحرك بسرعة في المفاوضات.. ويعد بحل وشيك في غزة

ومنذ اندلاع الحرب في سوريا عام 2011، فرضت الولايات المتحدة عشرات العقوبات على نظام الرئيس السابق بشار الأسد، للانتهاكات التي ارتكبها في حق الآلاف من السوريين.

إلا أنه عقب سقوط الأسد في ديسمبر الماضي، بدأت السلطات الجديدة تطالب برفع تلك العقوبات التي باتت تنهك الاقتصاد المتدهور، وتعرقل عملية النهوض وإعادة الإعمار.

—————————

هل نحن على أبواب شرق أوسط جديد؟/ عبد الحميد صيام

كأننا نعيش عالما من الخيال، فما كان غير متخيل قبل بضعة أشهر نراه اليوم حقائق أمام عيوننا. فمن كان يعتقد أن «أبومحمد الجولاني»، الذي وضعت الولايات المتحدة عشرة ملايين على رأسه حيا أو ميتا، يلتقي برئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب، الذي أعلن أمام قاعة مكتظة رفع العقوبات عن سوريا، فقابله الحضور بالتصفيق والوقوف لدقائق، معجبين بهذه الخطوة الجريئة حيث انتقلت مشاعر البهجة إلى المدن السورية التي عانت من الحصار الطويل والقاسي والشامل.

من كان يعتقد أن الرئيس الأمريكي يعقد صفقة مع الحوثيين لوقف القتال، تُستثنى منه إسرائيل وتستمر صواريخ أنصار الله الفرط صوتية تنهمر على مطار اللد وتغلقه أمام الملاحة الجوية، دون أن يثير ذلك ردود فعل قاسية من حليفة الكيان الأساسية التي موّلت حرب الإبادة، وقدمت له كل أنواع الأسلحة والذخائر والمعلومات الاستخباراتية.

من كان يعتقد أن في المئة يوم الأولى تفتح إدارة ترامب مفاوضات مع إيران عن طريق عُمان حول برنامجها النووي. والأكثر من هذا وذاك، من كان يتخيل أن الرئيس الأمريكي، الذي حدد مهلة لحركة حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية لإطلاق جميع الرهائن دون قيد أو شرط وإلا فلينتظروا فتح أبواب جهنم، عاد وفتح قنوات اتصال مباشرة مع حركة حماس، وتوصل معهم إلى صفقة (لا نعرف تفاصيلها) تضمنت إطلاق سراح الجندي مزدوج الجنسية عيدان الكسندر، دون قيد أو شرط، ثم تستمر الاتصالات التي قد تسفر عن وقف إطلاق نار في غزة، وإدخال المساعدات الإنسانية.

هذه التطورات والمفاجآت لم تشمل فقط منطقة الشرق الأوسط، بل شملت العالم من شرقه إلى غربه. وأهم تلك التطورات السعي الجاد لإيقاف الحرب الروسية الأوكرانية، والضغط على الحليف زيلينسكي، لتقديم تنازلات خاصة التوقف عن الحديث عن شبه جزيرة القرم، التي أصلا تعود ملكيتها إلى روسيا. ومن التطورات الكبرى، التخلي عن الورقة الكردية وتمكين تركيا من إقفال ملف الصراع الطويل مع الأكراد، خاصة مع حزب العمال الكردستاني. وقد توافقت الآراء بين العراق وتركيا على هذا الملف، ووقع الطرفان اتفاقية شاملة يوم 13 مارس 2025.

ومن التطورات الغريبة أن يستنجد نارانردا مودي بترامب ليتوسط له مع رئيس وزراء باكستان لوقف إطلاق النار، بعد الإذلال الذي تعرض له ليلة السبت الماضي في المعركة الجوية الحاسمة، التي خسرت الهند فيها خمس طائرات، وتم تدمير مواقع الصواريخ ومعسكرات إطلاق الطائرات المسيرة. وبالفعل توقفت الحرب فورا. والأهم من هذا وذاك هو التهدئة مع الصين، ولو مؤقتا، فبعد رفع التعريفات الجمركية لمستويات خيالية ضد الصين تراجع وجلس وفدان من البلدين في جنيف ليدرسا إمكانية السيطرة على المواجهات التجارية، ولتخفيض التعريفات الجمركية من 126 في المئة و200 في المئة على السيارات و60 في المئة على العديد من المستوردات إلى 10 في المئة. تراجع ترامب كثيرا عن مواقفه الرعناء المتعلقة بالمسكيك وكندا وغرينلاند وبنما وغيرها. لكن يجب أن نبقى حذرين فالرجل «ما بين غمضة عين والتفاتها» يبدل مواقفه، دون أي تردد أو خجل أو خوف. كل هذه الإجراءات التي اتخذها ترامب قبل أن يكمل شهوره الأربعة الأولى. فما بالك ببقية الـ 44 شهرا المقبلة؟

زيارة دول الخليج

كانت أولى زياراته في دورته الأولى دول الخليج، واختار المنطقة نفسها لأولى زياراته خارج الولايات المتحدة. في المرة الأولى كانت أساسا زيارة تجريف أموال انتقل من الرياض إلى إسرائيل ووضع القلنسوة على رأسه، وذهب لأداء الزيارة المطلوبة والمفروضة على كل الزعماء. كانت السعودية آنذاك في وضع صعب، والصراع على ولاية العهد كانت ما زالت قائمة، واعتقال أغنياء العائلة كانت مستمرة، ووضع المرأة في السعودية كان مثار نقد عالمي. الخلافات بين دول الخليج وقطر كانت على وشك الانفجار، ولم ينضم الشيح تميم لدول الخليج الأخرى في تقديم المليارات لترامب، آثر أن يتعامل معه مباشرة، دون المرور بالمحطة السعودية. التوتر بين السعودية وإيران كان في أوجه وعلاقات السعودية مع الصين وروسيا كانت غير مستقرة. أما الحرب في اليمن، التي دخلتها السعودية منذ عام 2015 استقرت نوعا ما بعد قبول الطرفين وقف إطلاق النار لأكثر منذ سنتين وأصبحت المفاوضات بين الطرفين في عُمان تتقدم ولو ببطء. إذن الأوضاع الآن تغيرت ولصالح السعودية. علاقتها مع إيران جيدة ومع الصين وروسيا. وانضمت إلى مجموعة بريكس، وطويت صفحة مقتل خاشقجي، وانتهى دور الشرطة الدينية وأعطيت المرأة الكثير من الحقوق. ما تريده السعودية دعما أمريكيا في مجال الطاقة الجديدة والذكاء الصناعي والقوة العسكرية، والأهم من هذا وذاك ما تريده السعودية بدعم قطري، اختراق على الجبهتين الفلسطينية، خاصة في حرب الإبادة وعلى الجبهة السورية في رفع العقوبات لإعطاء البلاد فرصة للنهوض. وهذا ما يرى محمد بن سلمان أنه قادر على تحقيقه من زيارة ترامب، وإذا كان الثمن صرة كبيرة من المال فلا بأس في ذلك. بالنسبة لسوريا فهي بلد في عين العاصفة. اضطرابات داخلية واختراقات إسرائيلية متواصلة واقتصاد على وشك الانهيار وعقوبات قاسية عطلت كل أنواع التعافي وعلى مستويات شعبية كذلك. هناك دولة خليجية مدعومة من الكيان الصهيوني، تشد سوريا نحو التطبيع العلني مع الكيان الصهيوني. تركيا، الدولة الأكثر تأثيرا في سوريا والأكثر تداخلا في الشأن السوري منذ 2011، تريد لسوريا أن تقلد النموذج التركي، وأن تدخل في اتفاقيات شاملة مع تركيا تشمل الاقتصاد والأمن والطاقة. قطر تدعم هذا التوجه دون الإصرار على قضية التطبيع، بيضة القبان بين المحورين هي السعودية. لا عجب إن كانت أول زيارة للشرع خارج سوريا للسعودية، وقد أخذت السعودية، كما يبدو، على عاتقها دعم سوريا وإبعادها أكثر عن المحور الإيراني. وبهذه الصفقة التي حققتها مع ترامب لصالح سوريا تكون القيادة السورية قد ربطت موقفها بموقف السعودية من قضية التطبيع، ونعتقد أن نظام الشرع لن يطبع مع إسرائيل، إلا إذا كانت السعودية تقود صف المطبعين الجدد.

التطبيع السعودي مع الكيان الصهيوني قد لا يأتي في أول الطريق، بل في آخرها، فمقابل الصفقات الخيالية والهدايا غير المسبوقة من دول الخليج لترامب قد يكون ثمنا لوقف الحرب على غزة، والانتقال إلى خطوة الاعتراف بالدولة الفلسطينية والتوجه نحو تجسيدها. وهذا ما يفسر الحنق الذي أظهره نتنياهو خاصة بعد أن أعلن رسميا أن هناك مفاوضات بين الولايات المتحدة وحركة حماس. هل هذا السيناريو مؤكد؟ بالطبع لا. لكنه المدخل إلى جائزة نوبل للسلام، التي تحتل جزءا من تفكير ترامب. والأكيد أن البوابة المزدوجة لتلك الجائزة تقع في كييف وغزة. فإذا أوقف النزيف الإنساني غير المسبوق في غزة وأوقف الحرب الروسية الأوكرانية وربما بمساعدة من أردوغان، فلا شك أن ترامب سيتوج مسيرته الدبلوماسية بالجائزة.

نحن لا نثق في ترامب لكننا نعتبره صاحب القرارات الشجاعة والآنية وغير المتوقعة والتي تمجده شخصيا، غضب من غضب ورضي من رضي. لكننا نخشى أن «تعود حليمة إلى عادتها القديمة» بعد الخروج من منطقة الخليج، فيعود إلى عشقه الأبدي للكيان الصهيوني بعد أن جرّف أموال العرب. وسنرى في أي اتجاه يسير: شريك في الإبادة كسلفه الأهوج بايدن؟ أم هندسة شرق أوسط جديد قائم على السلم والازدهار والتعاون، وإغلاق ملف القتل الجماعي والتدمير والأبرثهايد. ستبدي لنا الأيام المقبلة ما نجهله الآن.

* كاتب فلسطيني

القدس العربي

—————————————-

 روبيو: السلطات الجديدة في سوريا تريد “السلام” مع إسرائيل

الجمعة 2025/05/16

قال وزير الخارجية الأميركية ماركو روبيو الخميس، إن قادة دمشق الجدد يريدون السلام مع إسرائيل وذلك خلال لقائه نظيره السوري أسعد الشيباني، غداة قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب تخفيف العقوبات المفروضة على دمشق.

سوريا مسالمة ومستقرة

والتقى روبيو الشيباني في تركيا لمناقشة سبل المضي قدماً في تطبيع العلاقات بين الإدارة الأميركية والرئيس الانتقالي السوري أحمد الشرع.

وقال روبيو لصحافيين بعد المحادثات: “نعتقد أن سوريا مسالمة ومستقرة ستكون واحدة من أبرز أوجه التحسينات في المنطقة منذ زمن، ونريد أن نفعل كل ما بوسعنا للمساعدة في تحقيق ذلك”.

وأعربت إسرائيل عن تشاؤم حيال الشرع وقد واصلت توجيه الضربات إلى سوريا، على غرار ما فعلت إبان حكم الرئيس السابق بشار الأسد الذي أطيح في الثامن من كانون الأول/ديسمبر.

لكن روبيو، وعلى غرار ترامب، قال إن القيادة السورية الجديدة منفتحة على التطبيع مع إسرائيل، وهو ملف يعد أولوية كبرى للولايات المتحدة.

وقال روبيو الذي أجرى الخميس محادثة هاتفية مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو: “لقد أعربوا عن اهتمامهم بالسلام مع جميع جيرانهم، بمن فيهم إسرائيل”.

إلا أن أي مؤشرات علنية بهذا الصدد لم تصدر عن السلطات السورية الجديدة.

وجاء في بيان لوزارة الخارجية السورية أن الشيباني “ناقش مع نظيره الأميركي بحضور وزير الخارجية التركي في أنطاليا تفاصيل رفع العقوبات الأميركية” و”تحسين العلاقات بين دمشق وواشنطن وسبل بناء علاقة استراتيجية بين البلدين”.

محادثات سرية

في سياق متصل، ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن تل أبيب تجري حالياً محادثات سرية مع النظام السوري الجديد، في إطار عملية إقليمية سلمية تتم بوساطة الإمارات العربية المتحدة.

وبحسب “القناة 12” العبرية، أحد أهم اللقاءات عقد مؤخراً في أذربيجان، حيث التقى رئيس مديرية العمليات في الجيش الإسرائيلي اللواء عوديد سيوك، مع ممثلين مقربين من الرئيس السوري أحمد الشرع إلى جانب مسؤولين أتراك.

ولفتت القناة إلى أن هذه الخطوة تأتي مفاجئة بشكل خاص في ضوء مواقف إسرائيل السابقة، التي امتنعت عن أي اتصال مع الشرع ورجاله، بل ووصفت الرئيس السوري الجديد بأنه “إرهابي يرتدي بدلة”.

وأضافت القناة 12: “الآن وبأقل تقدير تدرس إسرائيل اتجاهاً جديداً من شأنه أن يؤثر بشكل كبير على الوضع على الحدود الشمالية ويبعد سوريا عن محور إيران وحزب الله”.

—————————-

رفع العقوبات يعيد أموال سوريا المجمدة.. و”المركزي” يستعد لخفض الأسعار وإنعاش البورصة

حاكم مصرف سوريا المركزي قال إن دمشق تستعد لتفعيل “سويفت” وتدفق الاستثمارات الأجنبية

16 مايو ,2025

أكد حاكم مصرف سوريا المركزي، عبد القادر حصرية، أن قرار رفع العقوبات عن سوريا يمثل لحظة مفصلية في تاريخ البلاد، وحدثاً بالغ الأهمية سيترك أثراً إيجابياً على مختلف جوانب الاقتصاد السوري، مشيداً بالدور الكبير الذي لعبته السعودية والدول العربية في تحقيق هذا الإنجاز.

وأوضح في تصريحات خاصة لقناة “العربية” أن العقوبات المفروضة سابقاً من دول عربية وأوروبية وكندا والولايات المتحدة، وضعت سوريا خارج المنظومة المالية العالمية، وأثرت سلباً على حياة السوريين داخل البلاد وخارجها، حيث كبّلت حركة الاقتصاد وأعاقت تطور العديد من القطاعات الحيوية.

وأضاف أن رفع العقوبات سيمكن سوريا من فك الحظر عن أموال البنك المركزي والأصول المجمدة في الخارج، ما سيسمح بإجراء إصلاح شامل في القطاع المصرفي، وإعادة تفعيل نظام التحويل العالمي “سويفت”، الأمر الذي سيُسهّل عمليات التصدير ويؤدي إلى انخفاض أسعار السلع المستوردة.

الليرة السورية تسجل مكاسب قوية بعد إعلان ترامب من الرياض رفع العقوبات

اقتصاد اقتصاد سوريا الليرة السورية تسجل مكاسب قوية بعد إعلان ترامب من الرياض رفع العقوبات

وأشار حصرية إلى أن نتائج رفع العقوبات ستبدأ بالظهور خلال فترة تتراوح بين 6 أشهر وسنة، لافتاً إلى أن الحكومة السورية تتبنى رؤية واضحة تهدف إلى العمل وفق المعايير العالمية والاندماج مجدداً في النظام المالي الدولي، مع الالتزام الكامل بالمسؤوليات القانونية والمالية للدولة.

وفي إطار جذب الاستثمارات، كشف حاكم المصرف أن هناك تواصلاً مع أكثر من 50 جهة أبدت اهتمامها بالاستثمار في سوريا قبل قرار رفع العقوبات، كما أبدت عدة مصارف عربية وأجنبية استعدادها للدخول في السوق السورية. وبيّن أن المصرف المركزي يعمل بالتنسيق مع وزارة الخارجية للتواصل مع المصارف المركزية في مختلف الدول، بهدف استقطاب الاستثمارات.

كما أكد حصرية أن رفع العقوبات يفتح فرصة كبيرة لسوق دمشق للأوراق المالية، حيث سيتم تنظيم خاص للأموال المخصصة للاستثمار في السوق، إلى جانب العمل على جعل الليرة السورية قابلة للتحويل.

وختم بالقول إن طموح سوريا هو الانتقال من اقتصاد إنساني إلى اقتصاد مالي، وصولاً إلى اقتصاد ناشئ، مشدداً على أن البلاد اليوم أمة تسعى لبناء وطنها من جديد، مرحباً في الوقت ذاته بعودة الشركات الأميركية للاستثمار في سوريا، وزيارة أي مسؤول أميركي لمصرف سوريا المركزي، كخطوة نحو تعزيز التعاون الاقتصادي الدولي.

——————————-

ترامب: الشرع رائع وبدأت بالفعل العمل على حلّ مسألة الجوع في غزة

17 مايو 2025

قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب في مقابلة مع شبكة فوكس نيوز الأميركية، الجمعة، إن الفلسطينيين في غزة يتضورون جوعاً، لافتاً إلى أن أحد القادة “العظماء” الثلاثة الذي قابلهم خلال جولته في المنطقة هذا الأسبوع، طلب منه مساعدة الفلسطينيين. والتقى ترامب، خلال جولته في الخليج، ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، ورئيس الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان.

وأضاف ترامب: “قلت له بخلاف الواضح، ماذا تعني بذلك”، ليردّ الزعيم بالإشارة إلى الجوع. وأعلن ترامب أنه بدأ بالفعل العمل على ذلك، معتبراً أن هذه مشكلة كبيرة “لكن سنقوم بحلّها”، مؤكداً أنه سيقوم بحلّها بشكل ما، “فإمّا أن يتم الموضوع بشكل لطيف وإما بعنف. وأريد بنسبة 99.9% أن نقوم بالأمر بشكل لطيف إذا تمكنا من ذلك”.

ورداً على سؤال حول ما إذا كان محبطاً من رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، قال: “لا، لديه وضع صعب”، مشدداً على ضرورة تذكر 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، معتبراً أنها من أكثر الأيام عنفاً في تاريخ العالم وليس الشرق الأوسط فحسب، وأنّ نتنياهو يتعامل مع هذه المشكلة. وجدد الرئيس الأميركي التأكيد أنه لو كان رئيساً وقتها لما وقع “طوفان الأقصى”، لأنه بحسب قوله، كانت إيران مفلسة قبل عام، ولم تكن تقدّم الأموال لحركة حماس، لكن الرئيس السابق جو بايدن جاء إلى الرئاسة ورفع العقوبات عنها.

ملف إيران النووي

وتطرّق ترامب إلى ملف إيران، والمفاوضات الجارية للتوصل إلى اتفاق، زاعماً أن طهران تريد التجارة مع الولايات المتحدة، لافتاً إلى أنه يستخدم التجارة لتصفية الحسابات وإحلال السلام، ومشيراً إلى أنه أبلغ طهران بأنها ستكون سعيدة إذا تمّ التوصل إلى اتفاق. ورداً على سؤال بشأن استعجاله التوصل إلى اتفاق، أوضح ترامب أن المحادثات ستصبح صعبة إذا طوّرت إيران أسلحة نووية، معرباً عن ثقته في أنه سيتمّ التوصل إلى حلّ مع إيران، قائلاً إنه إمّا أن يكون عنيفاً وإما غير عنيف، مضيفاً: “أفضّل اللاعنف أكثر”. وأعرب عن اعتقاده أنّ الإيرانيين يريدون التوصل إلى اتفاق. وقال: “عندما تكون لديك كمية غير محدودة من النفط والغاز، لماذا تحتاج إلى الطاقة النووية المدنية؟”، معتبراً أن الطاقة النووية المدنية جيدة إذا كنت في بلد لا نفط فيه.

ورداً على سؤال بشأن موقف نتنياهو من الملف النووي، قال ترامب إنّ نتنياهو رجل غاضب، و”عليه أن يكون كذلك بسبب 7 أكتوبر، وقد جُرح كثيراً بسبب ذلك”، لافتاً إلى أنه تمت مساعدته بسبب ذلك، وأنه “قاتل بقوة وشجاعة”. وقال ترامب إن غزة مكان سيئ، وهي كذلك منذ سنوات، معتبراً أنه يجب أن تتحوّل إلى “منطقة حرة، منطقة حرية”، مؤكداً أن الدول الخليجية الثلاث التي زارها ستكون جزءاً من الحل، مضيفاً “هذه الدول غنية جداً، وهم أشخاص جيدون، وسيساعدون”، مشدداً على أن الأموال ليست المشكلة.

ترامب: الشرع لديه ماضٍ صعب لكنه رائع

وعن إعلان نيته رفع العقوبات عن سورية، لفت إلى أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان اتصل به وتحدث معه، وطلب منه أن يقدّم “خدمة للعالم” برفع العقوبات عن سورية، لأن هذه هي الطريقة الوحيدة التي سيحصل فيها السوريون على فرصة، قائلاً: “لم أفكّر في الأمر كثيراً”، مشيراً إلى أن بن سلمان طلب الأمر بقلب كبير، قائلاً إنه “لا يمكنهم تحقيق ذلك مع هذه العقوبات”. وعن لقائه مع الرئيس السوري أحمد الشرع في الرياض، قال ترامب: “اعتقدت أنه كان رائعاً. لقد كان ممتناً جداً بشأن العقوبات”، معتبراً أن لديه فرصة حقيقية، “فهو رجل قوي وقد قام ببعض الأمور الصعبة”. وأشار ترامب إلى أنه قال للشرع خلال اللقاء إن لديه ماضياً صعباً.

الزيارة إلى الخليج

وبشأن زيارته إلى منطقة الخليج، قال ترامب إنه لطالما اعتبرها منطقة مهمة جداً، مشيراً إلى أنه يعرف قادة السعودية وقطر والإمارات من كثب، حتى قبل أن يدخل عالم السياسة، لافتاً إلى أنه لم يتم التعامل معها بشكل جيد، خصوصاً في عهد الرئيس السابق جو بايدن “الذي لم يكن يدرك أنه على قيد الحياة”، وفق قوله، مشيراً إلى أن اتجاه هذه الدول كان نحو الصين، لكن هذا لن يحصل بعد الآن. ووصف المنطقة بأنها عاصمة الطاقة العالمية، قائلاً إن دول الخليج تملك الكثير من المال، وإنه يريد منها أن تقوم بإنفاق أموال في الولايات المتحدة.

ولفت ترامب إلى أن الخطر الأكبر على دول الخليج هي إيران وهذا يجعلهم عرضة للخطر، لكن لدينا أعظم قوة عسكرية في العالم، ونعززها الآن إلى مستويات لم يرها أحد من قبل. وعن الطائرة التي قدّمتها قطر خلال زيارته إلى المنطقة، لفت ترامب إلى أنها تقدمة لسلاح الجو الأميركي، ووزارة الدفاع الأميركية، وليست له، معتبراً أنه قام بصفقة رائعة في هذا الشأن، لافتاً إلى أن أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أبدى رغبته في المساعدة على قضية الطائرة الرئاسية التي قال ترامب إن عمرها 42 عاماً، وقد طلب تقديم الطائرة هديةً، مشدداً على أنها للولايات المتحدة الأميركية وليست له شخصياً، ومتهماً اليسار الراديكالي بتضخيم الأمر.

“الصين كانت لتنهار”

وتناول ترامب في المقابلة الاتفاق التجاري الذي توصلت إليه الولايات المتحدة الأميركية مع الصين، والذي يقضي برفع جزء من الرسوم الجمركية الإضافية المفروضة بين البلدين، معتبراً أنه لو لم يبرم هذا الاتفاق مع الصين، لكانت الأخيرة لتنهار وليس الولايات المتحدة، لأن الأخيرة لديها “الكثير من الروح”، وذلك سبب 5 نوفمبر/ تشرين الثاني، ويقصد بذلك انتخابه رئيساً لأميركا.

ترامب: كومي شرطي فاسد

في سياق آخر، وصف ترامب مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) السابق جيمس كومي بأنه “شرطي فاسد” بعدما نشر الأخير صورة على وسائل التواصل الاجتماعي اعتبرها الرئيس الأميركي دعوة مبطنة إلى اغتياله، ما دفع جهاز الخدمة السرية إلى فتح تحقيق. ونشر كومي الخميس منشوراً على “إنستغرام” حُذف لاحقاً، يظهر صورة لرقمي “86 47” كُتبا بأصداف بحرية، علماً أن “86” هو مصطلح عامي يعني التخلص من شيء ما، فيما ترامب هو الرئيس السابع والأربعون للولايات المتحدة. وإثر ذلك، قالت وزيرة الأمن الداخلي كريستي نويم إن وكالات إنفاذ القانون تحقق في “تهديد” باغتيال الرئيس دونالد ترامب من قبل كومي.

وقالت على إكس “دعا المدير السابق لـ”إف بي آي” جيمس كومي للتو إلى اغتيال الرئيس الأميركي ترامب”. لكن كومي قال في وقت لاحق على “إنستغرام” إنه نشر “صورة لبعض الأصداف التي رأيتها اليوم أثناء نزهة على الشاطئ، والتي افترضت أنها كانت رسالة سياسية”، مضيفاً “لم أدرك أن بعض الأشخاص يربطون هذه الأرقام بالعنف. لم يخطر في بالي ذلك مطلقاً، لكنني أعارض العنف بكل أشكاله، لذلك حذفت المنشور”. إلا أن ترامب قال في مقابلته مع “فوكس نيوز”: “كان يعلم تماماً ما يعنيه ذلك. كان يعني الاغتيال، وهذا واضح وجلي. صحيح أنه لم يكن يتمتع بكفاءة عالية، لكنه كان كفؤاً بما يكفي ليفهم ما يعنيه ذلك”. وأضاف “إنه يدعو إلى اغتيال الرئيس”، واصفاً كومي بأنه “شرطي فاسد”.

ولطالما كانت العلاقة بين ترامب وكومي سيئة، ففي العام 2017، طرد الرئيس الأميركي كومي من مكتب التحقيقات الفيدرالي، عندما كان الأخير يحقق في شكوك حول تدخل أجنبي في الانتخابات الرئاسية التي أدت إلى فوز الملياردير الجمهوري. من جهته، قال مدير “إف بي آي” كاش باتيل، إن مكتب التحقيقات الفيدرالي “على تواصل مع جهاز الخدمة السرية” و”سيقدم كل الدعم الضروري”. بدورها، قالت مديرة الاستخبارات الوطنية تولسي غابارد، إنّ كومي “أصدر دعوة (…) لقتل رئيس الولايات المتحدة”، مضيفة “نحن ندعم بشكل كامل التحقيق الذي تجريه الخدمة السرية في تهديد كومي لحياة الرئيس ترا

العربي الجديد

——————————————-

حافظ الأسد وأحمد الشرع بين هنري كيسنجر وأندريه غروميكو/ جان الفغالي

16 مايو ,2025

زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع للمملكة العربية السعودية ولقاؤه الرئيس الأميركي دونالد ترامب على مدى خمس وثلاثين دقيقة، برعاية ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، أنعشا الذاكرة حول الدور المحوري لسوريا بين النظام الراحل والنظام القائم.

الرئيس حافظ الأسد كان يمارس “دبلوماسية الإرهاق” سواء مع خصومه أو مع حلفائه. وزير الخارجية الأميركي اللامع، هنري كيسنجر، الذي لُقِّب بأنه “عقل الدبلوماسية الأميركية”، لم يتوانَ عن القول، بعد اجتماعات ماراتونية مع حافظ الأسد، والتي لم توصِل إلى نتيجة: “سامحني يا الله، إنني أحترم هذا الرجل”. كان حافظ الأسد، حين يريد إفشال أي محادثات، يخاطب محاوره بالقول: “وأين القضية الفلسطينية في كل ما ناقشناه”؟ كان هذا السؤال بمثابة الخاتمة السلبية لأي محادثات.

والغموض الذي كان يمارسه مع خصومه، مارسه أيضاً مع الحلفاء، يروي أندريه غروميكو، وزير الخارجية في الاتحاد السوفياتي، في ستينات وسبعينات القرن الماضي، في مذكراته التي تحمل عنوان “من الذاكرة”، أن بلاده عرفت بالدخول السوري إلى لبنان، في خريف العام 1976، من الأميركيين علماً أنه كان يجدر بالرئيس الأسد، حليف الاتحاد السوفياتي، أن يُبلغهم بالأمر.

وعلى عكس حافظ الأسد، يمارس الرئيس السوري الجديد، أحمد الشرع، “دبلوماسية التسهيل”، وقد نجحت هذا الدبلوماسية، في بدء نقل سوريا من معسكر الحرب إلى جبهة السلم التي ستقود إلى السلام والتطبيع. ويبدو أن المجتمع السوري بات يشكِّل “بيئة حاضنة” لهذا الخيار، بدليل البهجة التي عمَّت الشارع السوري بعد إعلان الرئيس الأميركي قرار رفع العقوبات عن سوريا. لم يتوقف المجتمع السوري كثيراً عند المطالب الأميركية التي وافق عليها الرئيس الشرع، لأنه يعتبر ان استراتيجية “سوريا أولاً” تحتم القبول بهذه المطالب، ولم يقل الرئيس الشرع ما كان يردده الرئيس حافظ الأسد عند انتهاء أي محادثات:”وأين القضية الفلسطينية”؟

انطلاقاً من هذه الواقعية، لا يضع الشرع “رِجلاً” عند الأميركيين، و”رِجلاً” عند الروس، بل ينتهج سياسة المرور في الرياض للوصول إلى تحقيق أهدافه. وهذه الدبلوماسية الواضحة، البعيدة عن المناورات، التي كان ينتهجها حافظ الأسد، وبعده نجله بشار الأسد، يبدو أنها خط مستقيم يوصِل بسرعة إلى الهدف، بعكس الخط المتعرج.

* نقلا عن “نداء الوطن

——————————-

داعش” يهاجم الشرع ويتهمه بـ”التفريط بالشريعة” بعد لقائه ترامب

16 مايو 2025

هاجم تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” الرئيس السوري، أحمد الشرع، بسبب لقائه بنظيره الأميركي دونالد ترامب، في العاصمة السعودية الرياض.

واتهم داعش في افتتاحية صحيفة “النبأ” الأسبوعية التابعة له، الرئيس الشرع بـ”التفريط بالشريعة” مقابل الدعم الأميركي، واصفًا لقاءه بالرئيس الأميركي بـ”الانحدار”.

وقال في عدده الأسبوعي الصادر، اليوم الجمعة، إن الصورة باتت أوضح، بعد هذا اللقاء، معتبرًا أن “الخلاف مع الشرع لا يتوقف عند التكتيك السياسي، بل هو صراع بين التوحيد والشرك، والإسلام والديمقراطية، ومن سيدهم محمد ومن سيدهم ترامب”، بحسب تعبيره.

واتهم التنظيم الرئيس الشرع باستبدال “ملة إبراهيم” باتفاقيات “أبراهام”، مستنكرًا الاحتفاء بلقاء ترامب، واعتباره إنجازًا تاريخيًا يحتفل به الثوريون، في ساحة الأمويين”.

وذكر أن المليارات السعودية والقطرية والتعهدات التركية هي التي أقنعت ترامب بأن يقتطع وقتًا من جدوله لقضائه مع الشرع ومنحه “فرصة عظيمة”، في حين لا يملك الأخير سوى “هوسه بالسلطة”، بحسب وصفه.

وندد التنظيم بما أسماها “إملاءات” ترامب، التي طالبت بمحاربة “داعش” وشدّ وثاق مقاتليه في سجون شمال شرقي سوريا، موجهًا في الوقت نفسه، دعوة للمقاتلين الأجانب المنضوين في وزارة الدفاع السورية إلى الانضمام إلى خلاياه في الأرياف، معتبرًا أن الشرع استغلهم لخدمة مشروعه.

واعتبر التنظيم الاتفاقيات الدولية التي عقدها الرئيس الشرع، صفقات خاسرة، بدأها قبل وصوله إلى الحكم بسنوات الرئاسة، مضيفًا أنها “منحته الرئاسة، لكنها سلبته دينه وشرفه”.

وكان الرئيس السوري أحمد الشرع  التقى نظيره الأميركي ترامب، الأربعاء الماضي، في العاصمة السعودية الرياض، على هامش القمة الخليجية – الأميركية الخامسة، وذلك بحضور ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. وقال البيت الأبيض إن ترامب دعا الشرع إلى الانضمام لـ”اتفاقات أبراهام” لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، إضافةً إلى دعوته للتعاون مع الولايات المتحدة لمنع عودة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”.

وأضاف البيت الأبيض أن ترامب قال للشرع إنه يملك الآن فرصة عظيمة لصنع تاريخ جديد في سوريا، لافتًا إلى أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان انضم إلى اجتماع ترامب مع الشرع عبر تقنية الفيديو.

وسبق أن أعلن ترامب الثلاثاء الماضي من العاصمة الرياض رفع العقوبات التي فُرضت على سوريا خلال عهد نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد.

——————————

خلاف ترامب ونتنياهو: فرصة محدودة لقلب التوازنات في المشهد السوري/ أحمد العكلة

16 مايو 2025

تشير تقارير متعددة إلى أن رفض الرئيس الأميركي دونالد ترامب لقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، خلال زيارته الأخيرة للشرق الأوسط، جاء على خلفية توتر العلاقات والخلافات المتصاعدة بين الرجلين.

وكان ترامب قد أعلن أنه لا يخطط لزيارة إسرائيل ضمن جولته في الشرق الأوسط، مما أثار استياء الجانب الإسرائيلي. ورغم محاولات إسرائيلية لإدراج زيارة قصيرة لترامب، إلا أن الرئيس الأميركي أكد عدم وجود خطط لذلك، مشيرًا إلى إمكانية زيارة مستقبلية.

وفي الملف السوري، تشير تقديرات إلى خلافات واضحة، لا سيما بعد قرار ترامب سحب القوات الأميركية من سوريا، الأمر الذي أثار قلق إسرائيل بشأن تعزيز النفوذ التركي في المنطقة، فسارعت إلى اتخاذ خطوات أحادية، مثل إنشاء منطقة عازلة داخل الأراضي السورية وتنفيذ ضربات جوية ضد أهداف تعتبرها تهديدًا لأمنها.

ونقل موقع أكسيوس عن مصدر إسرائيلي قوله إن “إدارة ترامب لم تخطر إسرائيل مسبقًا بلقائه مع الشرع ورفع العقوبات عن سوريا”، وأكد المصدر أن نتنياهو كان “طلب من ترامب عدم رفع العقوبات وأعرب عن قلقه من دور تركيا”.

بالمقابل، بدا أن الرئيس السوري أحمد الشرع قد حقق خطوات ملموسة على طريق بناء علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة، وحتى قبل اللقاء كان قد أبدى استعداده للتعاون مع واشنطن في قضايا مثل مكافحة الإرهاب والتخلص من الأسلحة الكيميائية. ويرى مراقبون أن الحكومة السورية سوف تستثمر في التناقض الأميركي الإسرائيلي، فيما يقول البعض أن فرصتها في ذلك لا تزال محدودة.

يقول الكاتب والصحفي السوري أحمد مظهر سعدو في حديث لـ”الترا سوريا” إن التنسيق بين الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل لا يمكن أن يغيب بأي حال من الأحوال، مؤكدًا أن “السياسات الإسرائيلية ترتبط ارتباطًا مباشرًا بالاستراتيجيات الأميركية الخاصة بالمنطقة برمتها”.

وأضاف أن “الخلافات التي قد تطرأ بين واشنطن وتل أبيب ليست سوى خلافات تكتيكية ومرحلية، سرعان ما تعود العلاقات بين الطرفين إلى سابق عهدها، نتيجة تداخل المصالح وتشابكها”.

وفي سياق حديثه عن الفرصة التي منحت للرئيس السوري أحمد الشرع، اعتبر أن “الفرصة لم تأت من الخلافات التكتيكية بين أميركا وإسرائيل، بل من قدرة الشرع على الاستثمار في المصالح التجارية الأميركية، لا سيما أن ترامب معروف بكونه رجل أعمال”.

وأوضح أن “مشاريع إعادة إعمار سوريا، التي قد تتجاوز قيمتها 500 مليار دولار، تمثل مصلحة كبرى لترامب، وهو ما دفعه لرفع العقوبات وللقاء الرئيس الشرع”.

وحول استقلالية القرار السوري، أكد أنها باتت “نسبية فقط، بعد أن أصبحت الولايات المتحدة القطب الأوحد المهيمن على القرار الدولي”، مضيفًا أن قدرة سوريا على الاستثمار في أي خلاف إقليمي أو دولي “تعتمد على مدى قدرتها على الانخراط في اللعبة الإقليمية، وصياغة سياسات تحقق مصالحها الوطنية”.

أما بخصوص “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، فرأى أنها “لا تزال تعتمد كليًا على الدعم الأميركي في وجودها”، مشيرًا إلى أن “أي انسحاب أميركي، سواء كان جزئيًا أو كليًا، سيؤدي إلى انهيارات كبيرة في مشروع الدويلة الانفصالية التي تسعى إليها قسد، رغم نفيها لذلك”.

وختم بالقول: “التصعيد العسكري في المنطقة يبقى احتمالًا قائمًا، ما لم تُنجز تفاهمات جديدة قد تشكل تحديثًا لاتفاقيات فك الاشتباك التي عُقدت بين حافظ الأسد وإسرائيل”، معتبرًا أن “سياسة الفوضى الخلاقة قد تبقى مستمرة في ظل الإدارة الأميركية الجديدة”.

في ظل هذه التغيرات، يواجه الملف السوري تحديات كبيرة. الحكومة السورية تسعى للحصول على دعم دولي لإعادة إعمار سوريا، بينما تحاول إسرائيل ضمان أمنها من خلال إجراءات أحادية. الخلاف بين ترامب ونتنياهو يعقّد جهود التنسيق بين الحلفاء التقليديين، مما يفتح المجال أمام قوى إقليمية ودولية أخرى للتأثير في مستقبل سوريا.

يقول الخبير السياسي السوري، د. وليد حلبي، لـ”الترا سوريا”، إن “الرئيس السوري أحمد الشرع تمكن من استغلال قرارات ترامب المفاجئة والحصول على اختراق سياسي من خلال التواصل مع الدول الخليجية التي تدعم حكومته وتمكنت من إقناع   ترامب باللقاء ورفع كل العقوبات”.

وأضاف: “إسرائيل كان لها دور كبير في منع الولايات المتحدة أو على الأقل زيادة التردد في البيت الأبيض في التعاون مع حكومة الشرع، ولكن الخلاف الأخير مع إسرائيل وقناعة ترامب بأن نتنياهو يريد إطالة أمد الحروب غير هذه المعادلة وحصل اللقاء التاريخي في الرياض بين ترامب والشرع”.

ولفت إلى أن “الشرع كان لديه مقترحات مغرية لترامب تشمل بناء برج “ترامب” في العاصمة دمشق، والانخراط في مسار سلام مع إسرائيل، ومنح الولايات المتحدة وصولًا مباشرًا إلى موارد الطاقة السورية، كجزء من استراتيجية أعدّها لمحاولة لقاء ترامب خلال زيارته الحالية إلى الخليج”.

وعقد الرئيس الأميركي دونالد ترامب اجتماعًا مع الرئيس السوري أحمد الشرع، 14 أيار/مايو، في الرياض، في لقاء هو الأول من نوعه بين رئيسي البلدين منذ 25 عامًا.

ويؤكد الباحث السوري في العلاقات الدولية، عبد الله الخير، أن “ترامب يطمح لأن يكون رجل السلام في العالم وينال جائزة نوبل، ولذلك يريد إطفاء الحرائق، وخصوصًا بعد إعلانه عن وقف إطلاق النار بين الهند وباكستان دون علم الحكومة الهندية، ما أثار غضباً لدى حليفه التقليدي”.

وأضاف: “ترامب رجل المفاجآت، لذلك فإن نتنياهو لا يستطيع الضغط عليه، وربما سنشهد خلال الفترة المقبلة تحجيمًا لدوره وإجباره على وقف إطلاق النار في غزة وتوقيع اتفاق مع إيران، كما سيتم وقف الحرب في أوكرانيا، وبالتالي سيكون الملف السوري حاضرًا مع تواصل الدعم الخليجي لاستقرار الحكومة السورية والضغط على إدارة ترامب للانخراط في هذه العملية وخصوصًا أن ترامب رفع العقوبات عن سوريا رغم معارضة نتنياهو”.

المشهد الإقليمي يدخل مرحلة إعادة تشكيل دقيقة، حيث تقاطع المصالح وتراجع التحالفات التقليدية يصنعان فرصًا جديدة للّاعبين الجدد. الحكومة السورية تحاول توظيف هشاشة العلاقة بين ترامب ونتنياهو لبناء مسار تفاوضي غير مسبوق مع واشنطن. ومع وجود رئيس أميركي مستعد لكسر قواعد اللعبة، فإن احتمال حدوث اختراق سياسي يظل قائمًا، رغم الشكوك الكبيرة حول مدى استدامة هذا الاختراق أو قدرته على تجاوز التوازنات القديمة في المنطقة.

الترا سوريا

——————————

==========================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى