لقاء الشرع-ترامب ورفع العقوبات الأمريكية عن سوريا تحديث 17 أيار 2025

تحديث 17 أيار 2025
لمتابعة هذا الملف اتبع الرابط التالي
———————————
رفع العقوبات الأميركية عن سورية: من العزلة الدولية إلى إعادة التموضع الإقليمي
نشر في 16 أيار/مايو ,2025
في سياق متغيرات إقليمية ودولية متسارعة، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، خلال زيارته إلى المنطقة التي بدأت في 13 أيار/ مايو 2025، أنه سوف يرفع العقوبات المفروضة على سورية. وقد جاء هذا الإعلان بعد مطالبات ودعوات مباشرة من وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، ومن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إلى إعادة النظر في سياسة العقوبات المفروضة على سورية، وكانت قطر والإمارات والأردن قد ساهمت بدور داعم في هذا السياق، من خلال اتصالات إقليمية مكثفة.
أُعلن القرار رسميًا خلال منتدى الاستثمار السعودي–الأميركي المنعقد في الرياض، حيث وصف الرئيس الأميركي العقوبات بأنها “وحشية ومعيقة”، معتبرًا أن استمرارها لم يعد مبررًا، وأنه “قد حان الوقت لتنهض سورية”، في إشارة إلى رغبة أميركا في إتاحة المجال أمام إعادة بناء الاقتصاد السوري، وتسهيل انخراطها في شبكات التعاون الإقليمي والدولي، ومنح الشعب السوري فرصة للنمو والتطور.
لكن هذا الإعلان لم يكن مفاجئًا بالكامل، إذ سبقه بضع خطوات تمهيدية اتخذتها الإدارة الأميركية في مطلع عام 2025، حيث ألغت مكافأة كانت مرصودة للإدلاء بمعلومات عن الرئيس الشرع (أبو محمد الجولاني)، وأصدرت ترخيصًا مؤقتًا يسمح ببعض التعاملات في المجالات الإنسانية وقطاع الطاقة، وهو ما شكّل مؤشّرًا مبكرًا على توجه أميركي نحو تليين نظام العقوبات، وكذلك قامت بريطانيا والاتحاد الأوروبي بتعليق بعض العقوبات أو رفعها جزئيًا.
العقوبات الأميركية على سورية
تخضع سورية منذ عقود لعقوبات متعددة الأطراف، فرضتها جهات دولية وأممية وأحادية، ضمن سياقات مختلفة تراوحت بين التصنيف السياسي والتهم بدعم الإرهاب وجرائم الحرب، وقد بدأت أولى هذه العقوبات عام 1979، حين أُدرجت سورية على القائمة الأميركية للدول الراعية للإرهاب، وهو ما ترتب عليه فرض قيود مشددة على بيع الأسلحة والمعونات والتعاملات المالية. وفي عام 2004، وُسّعت العقوبات لتشمل مجالات اقتصادية وتقنية وغيرها، وجرى تقليص التبادل التجاري، ومنع تصدير عدد من التقنيات الحيوية إلى سورية، ومع اندلاع الثورة السورية عام 2011، تصاعدت حدة العقوبات الأميركية والغربية، لتشمل تجميد أصول الحكومة السورية، وحظر الاستثمارات، ووقف استيراد النفط السوري، إلى جانب فرض قيود على المصارف وقطاعات الطيران والطاقة والدفاع وغيرها.
والعقوبات الأميركية تُعدّ الأكثر شمولًا وتعقيدًا، وتنقسم إلى فئتين رئيسيتين:
العقوبات الرئاسية:
وتستند إلى صلاحيات الرئيس الأميركي، بموجب قوانين “حالة الطوارئ الوطنية”، إذ صدرت ثمانية أوامر تنفيذية بين عامي 2004 و2019، من أبرزها الأمران التنفيذيان 13582 و13894، واستهدفت تلك الأوامر قطاعات حيوية وشخصيات بارزة، وللرئيس صلاحية إلغاء هذه العقوبات أو تعليقها من دون الرجوع إلى الكونغرس، لكونها تقع ضمن صلاحياته التنفيذية. ويُتوقع أن يلجأ ترامب إلى هذه الصلاحيات لتعليق عدد من تلك الأوامر، ضمن سياسة إعادة التقييم الشاملة للوضع السوري.
العقوبات التشريعية (الكونغرس):
مثل “قانون قيصر” لعام 2019، وهو يفرض عقوبات على قطاعات حيوية في سورية مثل الطاقة، الدفاع، الطيران، المصرف المركزي، وإعادة الإعمار، ولا يمكن للرئيس إلغاء هذه العقوبات منفردًا، بل يتطلب الأمر موافقة الكونغرس، ومع ذلك يُتيح القانون إمكانية “التعليق المؤقت” لمدة ستة أشهر، قابلة للتمديد 120 يومًا، بموجب المادة 401، شريطة تقديم الإدارة الأميركية مبررات مكتوبة توضح تغيّر المعطيات السياسية، حيث تضمّنت التشريعات الأميركية المتعلقة بالعقوبات، ومنها “قيصر”، بنودًا تمنح الرئيس سلطة إصدار استثناءات استنادًا إلى “متطلبات الأمن القومي”، وهو ما يُتوقع أن يستند إليه ترامب لتبرير تعليق العقوبات على عدد من القطاعات مثل الإنشاءات والطاقة، بحجة أن دعم جهود إعادة الإعمار يصب في مصلحة الاستقرار الإقليمي، ويعزز الأهداف الإستراتيجية لواشنطن في سورية.
وبعض العقوبات المستندة إلى قوانين الطوارئ تُجدّد سنويًا، وإذا امتنع الرئيس عن تجديدها، تُعلّق تلقائيًا بعد مرور ستة أشهر، وعلى الرغم من أن القانون يبقى ساريًا من الناحية الشكلية، فإن عدم تفعيل آلياته التنفيذية يُخفّف من أثره عمليًا.
ويُعدّ تصنيف سورية ضمن “الدول الراعية للإرهاب” منذ عام 1979 أحد أبرز العوائق أمام تطبيع العلاقات الدولية معها، ويترتب على هذا التصنيف قيود تلقائية على المساعدات، والتعاون المالي، والتسليح، وبموجب القانون الأميركي، فإن إزالة اسم دولة من هذه القائمة يتطلب إخطارًا رسميًا من البيت الأبيض إلى الكونغرس قبل 45 يومًا، مرفقًا بتقرير يُثبت أن الدولة المعنية لم تعد تدعم الإرهاب، وتشير المعطيات إلى أن الإدارة الأميركية تعمل على تفعيل هذه الآلية، خصوصًا بعد سقوط النظام السابق، حيث من المرجّح أن يتم التمييز بين “سورية الجديدة” و”النظام القديم” في السردية الرسمية.
وتُشكّل مسألة إدراج “هيئة تحرير الشام” كجسم عسكري وبعض قادة فصائل الجيش الوطني على قوائم المعاقبين تحديًا آخر أمام سورية الجديدة، فعلى الرغم من تفكك الهيئة رسميًا في كانون الثاني/ يناير 2025، وتولي عدد من قادتها مناصب حكومية، فإن تصنيفها لا يزال قائمًا قانونيًا، ما يضع الإدارة الأميركية أمام تناقضات حادة بين القانون والسياسة، ولمواجهة ذلك، اعتمدت وزارة الخزانة الأميركية على إصدار “تراخيص خاصة وعامة”، تسمح بالتعامل مع المؤسسات الحكومية السورية الجديدة، مع تبرير بأن الهيئة لم تعد قائمة ككيان مستقل، ومن المتوقع أن تُقدِم وزارة الخارجية الأميركية لاحقًا على شطب الهيئة من قائمة الإرهاب رسميًا، ولا سيما إذا قدمت الحكومة السورية ضمانات أمنية وتعاونًا ضد الجماعات المتطرفة.
ثمة اتجاهان في الإدارية الأميركية، مؤيد لرفع العقوبات ومعارض له، وإنما جاء رفعها نتيجة جهود السعودية وتركيا وقطر بضمان تحقق سلوكيات إيجابية من قبل الحكومة السورية الانتقالية، هذا قد يُمهّد الطريق لتعديل بعض البنود القانونية، أو تمرير استثناءات دائمة مستقبلًا. ولذلك من المتوقع أن تتم الأمور عبر إلغاء الأوامر التنفيذية التي فُرضت بموجبها العقوبات الاقتصادية الرئاسية، وإصدار تراخيص خاصة لتسهيل التحويلات المالية، مع الحفاظ على بعض الفقرات التي تمنع رفع العقوبات عن الأفراد والكيانات المتهمة بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وتعليق تطبيق العقوبات المرتبطة بحالة الطوارئ في حال عدم تجديدها. وفي مرحلة لاحقة يأتي التفاوض مع الكونغرس لرفع العقوبات المنصوص عليها في “قانون قيصر”، بناءً على تحسّن الوضع السياسي في سورية.
ويمكن فهم القرار بوصفه جزءًا من صفقة إقليمية–دولية أوسع، تتضمن إعادة هيكلة العلاقة بين أميركا وشركائها الإقليميين، تقوم على مبدأ “رفع العقوبات، مقابل تعميق الشراكات الاقتصادية والأمنية”. ويعكس القرار محاولة أميركية لإعادة تموضعها في المشهد السوري، وفقًا لمقاربات جديدة تأخذ بعين الاعتبار التغيرات على الأرض، وتستهدف إعادة تشكيل النظام السوري لما بعد مرحلة بشار الأسد، عبر إقصاء النفوذ الإيراني والحد من الروسي، وتوفير بيئة سياسية تضمن المصالح الغربية والإقليمية، ومن ثم، لا يمكن فصل هذا القرار عن مجمل التحولات الجيوسياسية الجارية في المنطقة، بل يجب قراءته كجزء من مسعى أميركي لإعادة هندسة التوازنات السورية–الإقليمية، استنادًا إلى تحالفات وشروط جديدة تُعيد توزيع الأدوار والنفوذ، وترسم ملامح المرحلة الجديدة في سورية، وتصريح ترامب المفاجئ هو وعد، والقرار بعد عودته إلى واشنطن، ولا نعلم مدى اتساع العقوبات التي قد يشملها قراره، وإن كان الإلغاء سيتم على مراحل خطوة بخطوة، أي مقابل خطوات من السلطة الجديدة في دمشق.
التحديات المحتملة أمام تنفيذ قرار رفع العقوبات عن سورية
بالرغم من أن قرار رفع العقوبات عن سورية يُعَدّ تحولًا استراتيجيًا في السياسة الأميركية، فإن تنفيذه يواجه جملة من التحديات التي قد تُقوّض آثاره أو تُحدّ من استدامته، ومنها:
– تُعبّر بعض التيارات داخل المؤسسات الأميركية، إضافة إلى دوائر صنع القرار في إسرائيل، عن شكوك حقيقية بشأن خلفية بعض الشخصيات في الحكومة السورية الانتقالية، على أنها تمثل واجهة سياسية لتيارات أيديولوجية غير منضبطة، أو قد تكون امتدادًا لقوى متطرفة أعادت هيكلتها في إطار السلطة الجديدة، هذه المخاوف تُشكّل تهديدًا مباشرًا لإجماع سياسي محتمل داخل واشنطن بشأن استمرارية العقوبات.
– التحديات المرتبطة بسلوك الحكومة الانتقالية، حيث إنّ أي مؤشرات سلبية تصدر عن الحكومة، على مستوى إدارة الملف الأمني أو السياسي، قد تُعيد تفعيل العقوبات في وقت سريع. فمن ذلك، عدم اتخاذ خطوات عملية نحو الإصلاح السياسي، مثل البدء بعملية دستورية شاملة، وتنظيم انتخابات ذات مصداقية، أو تكرار أحداث كالتي جرت في الساحل أو في جرمانا وأشرفية صحنايا قرب دمشق.
– غياب إشراك حقيقي للمكوّنات المجتمعية الأساسية في سورية، لا سيّما الكرد، والعلويين، والمسيحيين، والدروز، قد يُفسّر كمؤشر على ضعف المشاركة السياسية، في حال برزت ممارسات إقصائية أو ميول سلطوية، فإن ذلك قد يقوّض أسس الشرعية السياسية التي بُني عليها قرار رفع العقوبات، ويفتح المجال أمام أطراف دولية للمطالبة بإعادة فرضها.
– رفع العقوبات، وإن كان خطوة ضرورية، ليس كافيًا بذاته لتجاوز التحديات الاقتصادية والسياسية، ذلك أن حالة الانهيار الاقتصادي التي شهدتها البلاد خلال أكثر من عقد تتطلب موارد هائلة، وإصلاحات بنيوية، وتوافقًا وطنيًا غير مسبوق، وأنّ القرار يضع عبئًا ثقيلًا على الدولة والمجتمع، ويُحمّلهما مسؤولية تاريخية في تحويل الفرصة السياسية إلى مسار تعافٍ فعلي، فإزالة العوائق القانونية أمام انخراط سورية في الاقتصاد الدولي أشبه ما تكون بإزالة الحواجز من الطريق؛ لكن الطريق ذاته يحتاج إلى تعبيد سياسي ومؤسساتي يضمن استدامة السير فيه، والاستفادة القصوى من هذا التحول تتطلب بناء عقد سياسي واجتماعي جديد، يعيد إنتاج الدولة على أسس تمثيلية وعدلية، ويرسّخ سورية بوصفها فاعلًا شريكًا في محيطها الإقليمي والدولي، لا مجرد ساحة نزاع.
4- الآثار المتوقعة لقرار رفع العقوبات:
يُمثّل قرار رفع العقوبات تحوّلًا بنيويًا في موقع سورية في النظامين الإقليمي والدولي، ويحمل أبعادًا اقتصادية وسياسية ذات تأثير متداخل، وهناك عقوبات تحمل أهمية حيوية بالنسبة للتعافي في سورية، حتى لو بقيت بعض العقوبات على بعض المؤسسات والأفراد:
رفع العقوبات عن القطاع المالي والمصرفي يربط سورية مرة أخرى بالعالم، بما يعني إمكانية إجراء العمليات النقدية والمالية والتحويلات والكفالات والقروض وغيرها.
رفع العقوبات عن الاستثمارات يعني ظهور أثر إيجابي على الاستثمارات السورية أولًا، والعربية والتركية ثانيًا، وعلى بقية دول العالم ثالثًا، ولا سيما في القطاعات الحيوية مثل الطاقة، الكهرباء، البناء، الاتصالات، وتكنولوجيا المعلومات، ويُتوقع عودة الشركات الأجنبية –التي غادرت سورية في مرحلة الحصار– إلى ممارسة أنشطتها، مما يُنعش سوق العمل ويزيد من الإنتاج المحلي.
رفع العقوبات عن المساعدات من المنظمات الأممية والحكومية سيكون له أثر إيجابي على إعادة الإعمار والتعافي الاقتصادي وخلق فرص العمل وتحسين الخدمات ومستوى المعيشة، وبدء تكوين تراكم داخلي.
إعادة تنشيط الاقتصاد الوطني تعيد فتح المجال أمام الحكومة السورية للاستفادة من أموالها المجمدة في الخارج، مما يُعزّز قدرتها على تمويل مشاريع البنية التحتية، والخدمات الأساسية، وبرامج إعادة الإعمار.
تعزيز الثقة بالعملة الوطنية، فرفع العقوبات سيؤدي على الأرجح إلى تحسن تدريجي في قيمة الليرة السورية، نتيجة تدفق العملات الأجنبية وزيادة المعروض النقدي، هذا التحسّن في سعر الصرف سينعكس إيجابًا على القوة الشرائية للمواطنين، ويُخفف من معدلات التضخم.
تنشيط موقع سورية الجغرافي، فمن المتوقع أن تستعيد سورية دورها في حركة الترانزيت الإقليمي، عبر إعادة تشغيل معابرها الحدودية وموانئها البحرية، لا سيما في ظل تزايد التبادل التجاري بين دول الخليج وتركيا وأوروبا، وفتح خطوط طيران جديدة.
تطبيع العلاقات مع المجتمع الدولي، إذ يمثل رفع العقوبات اعترافًا أميركيًا غير مباشر بشرعية الحكومة الانتقالية الجديدة، ما يمنحها القدرة القانونية للتفاوض على اتفاقيات اقتصادية وتجارية ومالية، دون أن تكون هذه الاتفاقات معرضة للتجميد أو النقض بفعل العقوبات السابقة، كما يُمهّد الطريق أمام انخراطها في المؤسسات المالية الدولية، مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وهو ما يفتح الباب أمام دعم تنموي طويل الأمد.
إعادة توجيه التموضع الجيوسياسي لسورية، فقرار رفع العقوبات يتقاطع مع رؤية أميركية–عربية لإعادة توجيه سورية نحو المحور العربي–الأميركي، وقد لعبت دول مثل السعودية وقطر وتركيا والإمارات دورًا محوريًا في هذا التحول، من خلال تعهدها بدعم مسار الإصلاح وضمان بيئة سياسية مستقرة.
التكامل في النظام الإقليمي، فرفع العقوبات يعكس مسعًى أوسع لإعادة بناء منظومة إقليمية مستقرة، تكون فيها سورية الجديدة شريكًا فعّالًا لا مصدرًا للفوضى، ومن هنا، فإن هذا القرار يُعيد رسم المشهد الإقليمي بطريقةٍ تُعزز من دور الفاعلين الإقليميين في بلورة مستقبل سورية.
يُعتبر قرار رفع العقوبات عن سورية لحظة تأسيسية في التحوّل الجيوسياسي الذي تشهده المنطقة، ويُشكّل أحد تجليات إعادة هندسة النظام الإقليمي بعد سقوط النظام السابق. ومع أن نجاح هذا المسار يظل مرهونًا بسلوك الحكومة الجديدة، وقدرتها على استيعاب التنوع المجتمعي وتطبيق إصلاحات فعلية، فإن البيئة السياسية الإقليمية تبدو مواتية لإعادة دمج سورية في محيطها، ضمن معادلة جديدة من التوازنات والمصالح المتبادلة.
السيناريوهات المتوقعة:
يفتح رفع العقوبات الأميركية عن سورية البابَ أمام مجموعة من السيناريوهات المحتملة تراوح بين التقدّم التدريجي في مسار التعافي، أو الارتداد نحو الفشل، في حال تعثر شروط التحول السياسي والمؤسساتي. وبناءً على ذلك، يمكن تحليل السيناريوهات المتوقعة ضمن ثلاثة مستويات متداخلة: الإصلاح السياسي، الانفتاح الاقتصادي، واستدامة القرار الدولي.
السيناريو الأول: الانتقال المنضبط نحو التعافي الشامل
يستند هذا السيناريو إلى فرضية أن الحكومة السورية الانتقالية ستلتزم بتعهّداتها السياسية والإصلاحية، وتتبنى خطوات تدريجية ملموسة على صعيدَي الحكم الرشيد والانفتاح السياسي، والبدء بعملية دستورية تُراعي التنوع السوري، وتنظيم انتخابات، وتفعيل آليات الشفافية والمساءلة، وإشراك المكونات السورية كافة ضمن أطر الحكم والإدارة.
ضمن هذا السيناريو، يُتوقع أن تُكافأ الحكومة السورية بمزيدٍ من الانفتاح الدولي، وتحويل التعليق المؤقت للعقوبات إلى رفع دائم لها، وسيكون التمويل الدولي متاحًا عبر المؤسسات المالية الكبرى، مع دخول تدريجي لرؤوس الأموال الإقليمية، ولا سيما الخليجية، في مشاريع إعادة الإعمار والبنية التحتية، وهذا السيناريو، وإن كان الأكثر تفاؤلًا، يتطلّب قدرًا عاليًا من الالتزام السياسي، وكفاءة مؤسساتية للحكومة.
السيناريو الثاني: الانفتاح الاقتصادي المشروط بإصلاح سياسي محدود
يرجّح هذا السيناريو أن تتخذ الحكومة السورية خطوات اقتصادية سريعة، لتسهيل جذب الاستثمارات وتحقيق إنعاش جزئي، من دون التقدّم الموازي في ملفات الإصلاح السياسي والمؤسساتي. وقد يتجسّد ذلك في تحرير القطاع المالي والمصرفي، ومنح تسهيلات للشركات والمستثمرين، واستئناف العلاقات التجارية مع دول الجوار.
غير أن ضعف الإرادة السياسية في إشراك كلّ مكونات الشعب السوري، أو استمرار بعض ممارسات الإقصاء والتهميش، قد يُبقي على قدر من التردّد الدولي، ويُبقي العقوبات قائمة جزئيًا. وفي هذا السيناريو، قد تتحول سورية إلى ساحة انفتاح اقتصادي غير مستقر، مع غياب إصلاح سياسي حقيقي.
السيناريو الثالث: تعثّر الإصلاح وعودة الضغوط الدولية
يرتكز هذا السيناريو على احتمال فشل الحكومة السورية الانتقالية في تلبية الشروط الغربية، بسبب انقسامات داخلية، أو هيمنة أطراف لا تؤمن بالتحوّل الديمقراطي، أو عودة نفوذ شخصيات تعارض هذا المسار. وإذا حدث ذلك، فقد يؤدّي إلى إعادة تفعيل العقوبات المعلقة، وإعادة طرح سورية على أجندة العزلة الدولية، وتقويض ما تحقّق من مكاسب آنية، ومن ثم، قد تتصاعد التوترات الأمنية، وتُستأنف الضغوط السياسية والاقتصادية. وإذا ترافق هذا السيناريو مع غياب مشروع إقليمي داعم، فإن فرص إعادة الإعمار ستتقلص، وتستعيد الأزمة طابعها المزمن والمعقد.
وتُخطّط الإدارة الأميركية والكونغرس لرصد أداء الحكومة السورية، خلال الفترة القادمة، وتُعدّ هذه المرحلة بمثابة “فترة اختبار”، لتحديد مدى التزام الحكومة السورية بتعهّداتها، وعليه، فإن أيّ إخفاق في هذه الفترة سيؤدي إلى إعادة تفعيل بعض العقوبات، وقد تُعتمد تعديلات قانونية تسمح برفعها نهائيًا، في حال تحقق تقدم ملموس. وفي المقابل، ستبقى العقوبات الأممية بحاجة إلى مسار دبلوماسي مستقل داخل مجلس الأمن، وهو ما يُعقّد عملية رفعها على المدى القصير.
خاتمة
يشكّل قرار رفع العقوبات الأميركية عن سورية منعطفًا حاسمًا في مسار التعاطي الدولي مع الملف السوري، ويعكس تحوّلًا في الرؤية الجيوسياسية للولايات المتحدة وشركائها تجاه سورية، بعد سنوات من العزلة والتهميش، وبهذا المعنى، لا يمكن عدّ القرار مجرد إجراء قانوني أو اقتصادي، بل هو خطوة ذات أبعاد استراتيجية تعكس توجهًا نحو إعادة دمج سورية ضمن المنظومة الإقليمية والدولية، ضمن شروط ومسارات جديدة.
ومع ذلك، فإن قيمة هذا التحول لا تتحقق تلقائيًا، وإنما تبقى مرهونة بقدرة الحكومة السورية الانتقالية على إثبات الجدية في تنفيذ التزاماتها الداخلية، وعلى رأسها إطلاق عملية سياسية شاملة، وصياغة دستور جديد قائم على التعددية والحقوق، وإجراء انتخابات ذات مصداقية، وإشراك كافة المكونات الوطنية دون إقصاء. وإن بناء الثقة بين الدولة والمجتمع يتطلّب إصلاحًا مؤسساتيًا، يضمن الشفافية والمساءلة، ويقطع مع ممارسات الحكم الأمني والانغلاق السياسي التي ساهمت في تفجير الصراع أصلًا، وهذا ما سيعزز ثقة الغرب بها.
اقتصاديًا، يمثل رفع العقوبات شرطًا أساسيًا لتحفيز التعافي، لكنه لا يشكّل حلًا شاملًا بحد ذاته. فالتحديات التي تواجه سورية تتجاوز آثار الحصار إلى مشكلات بنيوية تراكمت على مدى أكثر من عقد، تشمل انهيار البنية التحتية، وارتفاع مستويات البطالة والفقر، وتآكل الخدمات العامة. وبالتالي، فإن الانتقال إلى مرحلة الإعمار والتنمية يتطلب تعبئة موارد ضخمة، ووضع استراتيجيات طويلة الأمد، وخلق بيئة سياسية ومؤسساتية جاذبة للاستثمار.
في هذا السياق، تُعدّ مسؤولية الحكومة السورية مضاعفة؛ فهي مطالبة باستثمار هذه اللحظة السياسية، لإعادة تأسيس الدولة الوطنية على أسس جديدة، وليس فقط استيعاب آثار رفع العقوبات، ويتطلب ذلك شراكة حقيقية مع المجتمع، وتعاونًا منفتحًا مع الأطراف الإقليمية والدولية، وتقديم ضمانات سياسية وأمنية تدعم الاستقرار وتُحفّز الانخراط الدولي.
ومن ثمّ، فإن نجاح المرحلة المقبلة يتوقف على مدى قدرة القيادة الجديدة على توظيف هذا التحوّل السياسي لإطلاق عملية بناء داخلي جادة، تُفضي إلى إعادة الاعتبار للدولة ومؤسساتها، واستعادة موقع سورية كفاعل مسؤول في النظامَين الإقليمي والدولي، لا كملف أمني مؤجل في توازنات ما بعد الحرب.
تحميل الموضوع
مركز حرمون
—————————
العقوبات والمسألة السورية: هل نضجت «طبخة» أمريكية؟/ صبحي حديدي
16 ايار 2025
أغلب الظنّ، ولكن أيضاً بدلالة لغة الجسد ومجاراة الحشد المغتبط، أنّ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فوجئ بموجة تصفيق حارّ وتهليل وقوفاً سُجّلت في أعقاب إعلانه رفع العقوبات الأمريكية عن سوريا، والتي كانت وصلة التصفيق الأطول على امتداد فقرات خطاب ماراثوني ألقاه خلال منتدى الاستثمار في الرياض، واحتوى على فقرات عديدة سياسية واقتصادية وأمنية تخصّ المنطقة والولايات المتحدة والعالم. بعض مصدر المفاجأة قد يكون أتى من ملمح الامتنان الصريح الذي عبّر عنه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان على مرأى من عدسات العالم، غير أن تفصيل المشهد يقود أيضاً إلى مفاجأة تصاعدت تدريجياً، ودرامياً في الواقع، فبلغت درجة دفع ترامب إلى التصفيق بدوره، وهي إنما أتت من ردّ فعل الجمهور السعودي في القاعة الغاصة؛ وكأنّ الرئيس الأمريكي أعلن تقديم الهدية الأثمن إلى المملكة وليس إلى سوريا.
وليس الأمر أن ترامب لم يكن، في المقابل، على علم مسبق بإلحاح على رفع العقوبات من جانب بن سلمان، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان وزعماء آخرين في المنطقة، وربما بعض الساسة الأوروبيين ممّن بادروا بالفعل إلى تخفيف جزئي أو ملموس للعقوبات. كذلك من المنطقي الافتراض بأنّ الودّ العالي، الفعلي أو البروتوكولي، بين الرئيس الأمريكي وولي العهد السعودي، والذي اقترن بصفقات استثمار يتردد أنها الأضخم على مسار التاريخ؛ كان، وحده، المحرّك المباشر لمسارعة ترامب إلى ثلاث خطوات، دراماتيكية أو تكاد: رفع العقوبات عن سوريا، وإعلان لقاء بين وزيري خارجية الولايات المتحدة وسوريا، واستقبال الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع صبيحة اليوم التالي.
غير مستبعد، استطراداً، أن تكون «طبخة» إدارة ترامب، بصدد اتخاذ استراتيجية ملموسة ومتكاملة تجاه سلطة الأمر الواقع في سوريا الجديدة، قد نضجت بما يكفي لتوّها؛ أو أنها لم تعد تحتمل المزيد من الإنضاج على نار هادئة، خاصة أمام سلسلة استحقاقات شرق ـ أوسطية كانت تنتظر ترامب، ليس في أوّل جولة خارجية كبرى له في رئاسته الثانية فقط، بل إلى السعودية وقطر والإمارات على وجه التحديد. فإذا صحّ التقدير هذا، فلعلّ ثقاة نصح الرئيس الأمريكي قد بلغوا معه سقف قرار نوعي ناظم للسياسة، أو السياسات، بأسرها تجاه ما بمكن توصيفه بـ«المسألة السورية»؛ مما استوجب كسر حيرة أقرب إلى العطالة طبعت التردد الأمريكي منذ انهيار نظام آل الأسد، وما الضير في ضرب أكثر من عصفور واحد: إرضاء بن سلمان وأردوغان وآخرين، واللحاق بمبادرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (ومن ورائه الاتحاد الأوروبي!) في استقبال الشرع، وترسيم أكثر من «نهج» جيو ـ سياسي لإدارة ترامب في المنطقة…
من الصعب في المقابل، أو هو غير واضح أو متوفر مرحلياً على الأقل، الجزم حول ما إذا كان الثقاة أنفسهم، أو ترامب ذاته، قد عمدوا إلى قراءة مظاهر الابتهاج العارمة التي عمّت قرى وبلدات ومدن سوريا بعد دقائق أعقبت إعلان رفع العقوبات، وأحسنوا تأويلها على أي وجه منطقي يأخذ بعين الاعتبار إرادات الشعوب ومشاعر الحشود ويتحسب لها، سلباً أم إيجاباً.
في عبارة أخرى، لعلّ صانع العقوبات، رؤساء أمريكا منذ أواخر السبعينيات وحتى انهيار نظام «الحركة التصحيحية»، ثمّ خصوصاً بعد الانتفاضة السورية سنة 2011؛ قد أدرك أنّ معادلة العقوبات استنفدت أغراضها المعلنة، الخاطئة أصلاً والزائفة في كثير من مستوياتها، وانقلبت اليوم إلى ضدها؛ بمعنى تأجيج السخط الشعبي السوري العارم ضدّ العقوبات، واليقين بأنها سوف تواصل تكبيل سوريا وشعبها، وتُقعد جهود التطوير والإصلاح وإعادة البناء.
وهذه سطور اتخذت موقفاً صريحاً مناهضاً للعقوبات من هذا الطراز، أينما فُرضت وبصرف النظر عن النظام الذي تستهدفه، وأياً كانت التسميات المضللة التي تعتمدها قوى متجبرة ومهيمنة وصاحبة سجلات سوداء ودامية ضدّ الشعوب؛ وذاك موقف شمل «قانون قيصر» ذاته، مع التثمين العالي للجهد الفريد والنبيل الذي بذله فريد المذهان في تهريب الوثائق إلى أكثر من منظمة حقوقية دولية ورأي عام عالمي متعاطف، قبل الكونغرس أو أية جهة حكومية أو بيروقراطية غربية. وفي جميع أنماطها ووسائل تطبيقها، هذه عقوبات يُعلن عنها تحت باب الضغط على الأنظمة وإضعاف بنيانها وتفكيك شبكات الولاء داخلها، وبالتالي خدمة تحرير الشعوب من الاستبداد؛ فتؤذي الشعوب ذاتها، أولاً وثانياً وعاشراً، أو حتى حصرياً، قبل إيذاء رؤوس الأنظمة ومجرمي الحرب ومؤسساتهم. التاريخ شاهد، ولم يسجل سقوط نظام استبداد واحد جراء العقوبات، وسجّل في المقابل أن حزمة العقوبات الأوروبية والأمريكية ظلت تتفادى عدداً من كبار عتاة الفساد والإفساد وتغذية النظام.
وابتهاج السوريين بقرار ترامب رفع العقوبات تنغّصه حقيقة موازية صعبة، إذا لم تكن عويصة ومعقدة، هي أنّ طراز العقوبات التي في وسع ترامب رفعها، وقد فعل لتوّه أو سوف يفعل؛ ليست، للأسف، مماثلة للعقوبات التي فرضها الكونغرس، وهو وحده المخوّل برفعها. على رأسها، بالطبع، «قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين»، الذي ينطوي على عناصر عديدة تختلف عن عقوبات فرضتها الحكومة الأمريكية على أنظمة مختلفة في المنطقة، أو حتى على روسيا بعد اجتياح أوكرانيا مثلاً. صحيح أن ترامب يملك نفوذاً واسعاً في صفوف أعضاء الكونغرس من الجمهوريين، إلا أنّ «قانون قيصر» مصمم في الواقع لعقاب إيران أسوة بالنظام السوري، أو حتى قبله؛ وبالتالي، وفي ضوء النفوذ الصهيوني والإسرائيلي الهائل لدى الجمهوريين أنفسهم، يمكن للقانون أن يبقى فترة أطول، حتى إذا كانت إيران قد خرجت من سوريا على نحو لا رجعة عنه في المدى المنظور.
بذلك فإنّ انتهاء إدارة ترامب من إنضاج «طبخة» سورية ما، لا يعني بالضرورة فصل ما تمّ طبخه سورياً عن طبخات إيرانية على نار هادئة أيضاً، لا تبدأ من الملفّ النووي ولا تنتهي عند لبنان واليمن والعراق. كذلك فإنّ قانون قيصر يتوخى الضغط على النظام عبر بوّابة الاقتصاد، بل هو اللافتة المشرعة في تبرير فرض العقوبات، وما دام اقتصاد النظام لم يكن في حاجة إلى تركيع كي يسقط أرضاً، فإنّ اقتصاد سوريا ما بعد الأسد هو الموروث الذي يكبّل البلد ويعيق سلطة الأمر الواقع، وبالتالي فهو سوط في يد غلاة الجمهوريين من أعضاء الكونغرس، وقد يماطلون طويلاً قبل التنازل عنه.
وقد يقع على عاتق السوريين المبتهجين برفع العقوبات، ولهم في هذا كل الحق، أن يستذكروا أيضاً أدوار بعض وكالات الأمم المتحدة التي قدّمت للنظام السوري نحو 30 مليار دولار، بعلم الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، تحت عنوان «المساعدات الإنسانية». وهنا أيضاً لم يكن السوري، الجائع أو المريض أو الشريد، هو المستفيد بسنت واحد من تلك المليارات، التي تمّت قرصنتها بأساليب تخجل منها المافيات، فقوّت شوكة أجهزة النظام الأمنية والعسكرية، وضًخّت في حسابات رؤوس النظام وفاسديه وصيارفته.
رفع العقوبات الأمريكية خطوة حاسمة، في البدء كما في المحصلة، لا تطمس في شيء سلسلة العراقيل والصعاب والتعقيدات التي تنتظر المضيّ بها أبعد؛ كما أنها لا تعفي سلطة الأمر الواقع من ملاقاة هذه النقلة النوعية بشراكة مواطنة فعلية ملموسة مع المجتمع والمؤسسات؛ تحت طائلة المسؤولية عن كل عطب في استشراف مستقبل واضح جلي؛ يطمح إليه السوريون، ولن يقبلوا عنه بديلاً.
كاتب وباحث سوري يقيم في باريس
القدس العربي
——————————
وعد ترامب… الحذر واجب/ حسام كنفاني
16 مايو 2025
يحقّ للسوريين أن يحتفلوا بإعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب رفع العقوبات عن بلادهم “لمنحهم فرصة جديدة”، بعد طول معاناةٍ من تأثيرات العقوبات المتراكمة على سورية منذ نهاية سبعينيات القرن الماضي. ويحقّ للسوريين أيضاً النظر ببعض التفاؤل إلى ما سيحمله المستقبل من تغييرات ستطاول مختلف نواحي حياتهم، وستصل تأثيراتها إلى دول الجوار أيضاً، في حال مضى قرار رفع العقوبات إلى نهاياته المرتجاة. لكن الطريق إلى ذلك لن تكون يسيرة وقصيرة، خصوصاً أن إعلان رفع العقوبات ترافق مع مطالب كثيرة وضعتها الولايات المتحدة، من دون أن تربط تنفيذها بشكل مباشر بتطبيق إعلان ترامب، إلا أن التصريحات الأميركية لاحقاً أظهرت أن الأمريْن لا ينفصل بعضهما عن بعض.
المتحدث باسم الخارجية الأميركية، وبعد اللقاء الذي جمع ترامب مع الرئيس السوري أحمد الشرع، أوضح أن رفع العقوبات سيكون تدريجياً وسيخضع لإجراءات قانونية وإدارية كثيرة قبل أن يتحقق على أرض الواقع، مشيراً إلى أن “قسماً من العقوبات في حاجة الى موافقة الكونغرس لرفعها”.
على السوريين اليوم انتظار عودة ترامب من جولته العربية لتبيان الآلية التي سيتّبعها لرفع العقوبات أو أجزاء منها، وما إذا كان سيلجأ مباشرة إلى إلغاء القرارات التنفيذية التي اتخذها الرؤساء الأميركيون السابقون، وهو منهم، لفرض عقوباتٍ على النظام السوري السابق، والتوجّه لاحقاً إلى الكونغرس، أم أن الأمر سيكون مرتبطاً بخطواتٍ تتخذها الحكومة السورية أولاً قبل المضي في مسار الرفع التدريجي للعقوبات.
لا تزال الأمور غامضة في هذا السياق، خصوصاً أن لائحة المطالب الأميركية لا تلبث أن تطول وتدخل في تفاصيل الحياة السياسية السورية. ولا يتوقّف الأمر عند ما تسرّب من طلبات قدمها ترامب للشرع، ومنها المساعدة في مكافحة الإرهاب ومنع عودة “داعش” وطرد “الإرهابيين الفلسطينيين”، بل تطرّقت إلى شكل الحكم في سورية، بحسب ما أوضح المتحدث باسم الخارجية، والذي قال إن “المطلوب من الشرع تشكيل حكومة سورية جديدة تمثل كل السوريين بغضّ النظر عن الدين والعرق، حكومة تتصرّف بطريقة مسؤولة لا تشكل أي خطر على جيرانها”.
هل هذا شرطٌ مسبقٌ للمضي في تنفيذ إعلان ترامب؟ لا تزال الأمور غير واضحة عند المسؤولين السوريين أنفسهم. ربما تتضح الصورة مع لقاء وزيري الخارجية الأميركي ماركو روبيو والسوري أسعد الشيباني في تركيا، والمفترض أنه تركّز على آليات تنفيذ رفع العقوبات المطلوب من دمشق لتحقيق ذلك. وهناك سؤال آخر في هذا السياق، يتعلق بكيفية التواصل مع الولايات المتحدة لمتابعة مسار رفع العقوبات، وما إذا سيكون مباشراً مع المؤسّسات الرسمية الأميركية، ما يعني اعترافاً بالحكومة السورية الذي لم يحصل سابقاً رغم لقاء الشرع ترامب، أم أن التواصل سيكون عبر الوسطاء الذين ساهموا إلى حد كبير في قرار ترامب؟
أسئلة كثيرة لا تزال من دون إجابات، ما يدفع إلى الحذر، خصوصاً أن صاحب الوعد هو دونالد ترامب، والذي لا يتوانى عن التراجع عن قراراته أو التزاماته، وهو ما شهدناه خلال المائة والعشرين يوماً الأولى من حكمه، فكثير من الوعود التي أطلقها تراجع عنها، لعدم واقعيتها أو بفعل ضغوط سياسية واقتصادية. كذلك لا ينبغي نسيان أن ترامب لا يرى في المصلحة السورية أولوية، وهو الذي سبق أن اعترف بضم إسرائيل إلى الجولان المحتل، وسلّم ما يحدث في سورية إلى تركيا. وعلى هذا الأساس، كان إشراك الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الاجتماع مع الشرع وولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
لا يعني ما سبق عدم التفاؤل بوعد ترامب، لكن من الضروري الترقّب وعدم الانجرار في تبجيل الرئيس الأميركي، والذي لا يقدّم شيئاً مجاناً
العربي الجديد
—————————–
رفع العقوبات عن سورية ومسؤولية الإنجاز/ بشير البكر
17 مايو 2025
يشكّل رفع العقوبات الأميركية عن سورية تحوّلاً يأتي في المقام الثاني من حيث الأهمية بعد إسقاط نظام بشّار الأسد، في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024. وقبل كلّ شيء، يضاعف من حجم المسؤولية الملقاة على الإدارة الجديدة، في نقل البلد من تركة الأبد الأسدي إلى زمن الحرية. إنها خطوة البداية في خروج سورية من دائرة العزلة الدولية، واستعادة موقعها ولعب دورها الأساس وفق القانون الدولي، بعد أن حصلت على ثقةٍ عربيةٍ دولية، تسهّل أمامها الصعاب وتساعدها في مواجهة التحديات الكبيرة.
نجحت الإدارة السورية الجديدة في نيل ثقة أغلبية السوريين، وهو ما أهّلها لتقديم نفسها عربياً ودولياً، وأن تحظى بفرصة رفع العقوبات، التي ساهم فيها الجهد الكبير الذي بذلته على نحو خاصّ السعودية وولي عهدها محمّد بن سلمان، ودولة قطر وأميرها الشيخ تميم بن حمد، الحاكم العربي الأول الذي زار دمشق، ما ترك أثراً طيّباً في نفوس السوريين، في لحظة كانوا فيها بأمسّ الحاجة إلى من يقف في جانبهم، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي تحمّلت بلاده عبء قرابة أربعة ملايين مهجّر سوري أكثر من عقد، وكانت عوناً رئيساً للسوريين في محنتهم، ومساعداً لهم في استمرار الثورة. ولا يفوتنا التنويه إلى دور دول أخرى، عربية وأوروبية، وخاصّة الأردن وفرنسا وبريطانيا.
كلّ من ساند الشعب السوري خلال أعوام المأساة والتهجير، وساهم في رفع العقوبات، شريكٌ أساس في الفرصة الجديدة التي حظيت بها سورية على هامش زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الرياض، حيث استُقبل الرئيس السوري أحمد الشرع، ما يوفّر للإدارة السورية شرعيةً دوليةً، ويُعزّز من موقفها في وجه الاعتداءات الإسرائيلية، واحتلال أراضٍ سورية، وتدمير المقدرات العسكرية، وخرق اتفاقات فصل القوات لعام 1974، ووضع حدّ لمحاولات التدخّل في الشؤون الداخلية السورية، وتشجيع نزعات التقسيم، وممارسة الضغوط لجرّ دمشق إلى توقيع اتفاقات إذعان.
صار في وسع الإدارة الجديدة أن تتصرّف بارتياح، بعد أن تحرّرت من ضغط العقوبات، وأن تباشر خطواتٍ فعليةً من أجل قيادة عملية تحوّل تعتمد على إشراك الكفاءات السورية السياسية والثقافية والعسكرية والاقتصادية في الحكم، وتحصين الجبهة الداخلية بإطلاق هيئة العدالة الانتقالية، التي تتولّى محاسبة مجرمي العهد الأسدي، وإنصاف الضحايا، وإغلاق الملفّات، التي لا تزال تشكّل ألغاماً مؤقّتةً يمكن أن تفجّر الوضع الداخلي.
يلقي رفع العقوبات على الإدارة السورية مسؤوليات كبيرة، بقدر ما يوفّر لها فرصةً ذهبيةً لا تتكرّر، يتوجّب عليها التقاطها وعدم التفريط بها، وأن تحسن التصرّف حيال الإجماع الذي أنتج قرارَ رفع العقوبات، وتُعيد ضبط خطواتها في ضوء ذلك، وهذا يتطلّب قبل كلّ شيء إجراء مراجعة سريعة لتجاوز بعض الأخطاء التي نجمت في الأشهر الماضية من الضغط الكبير، وبسبب التركة الكارثية الكبيرة التي خلّفها نظام الأسدَين، لجهة تدمير الاقتصاد الوطني، ونهب مقدرات البلد، ونقل أمواله إلى الخارج، وتقسيم المجتمع طائفياً، وإهمال أجزاءٍ واسعةٍ منه، وتركها تواجه مصيراً مجهولاً تحت سيطرة قوى الأمر الواقع، كما هو الحال في الجزيرة السورية، التي تشكّل ثلث مساحة سورية، والقسم الأكبر من ثرواتها من النفط والغاز والقمح والقطن.
سيعتمد معيار النجاح في المرحلة المقبلة على مقدرة الإدارة في استيعاب أهمية الانفتاح العربي والدولي عليها، وما لم تبادر إلى وضع استراتيجية نهوض فعلية بالبلد، سيبقى إنجاز رفع العقوبات يُراوح مكانه، لن تقدّم الدول مساعدتها من دون أن تلحظ تقدّماً فعلياً في أرض الواقع، والأمر نفسه ينسحب على الاستثمارات السورية وغير السورية، التي تحتاج إلى بيئة سياسية وأمنية مستقرّة.
العربي الجديد
——————————–
في أهمية رفع العقوبات والنهوض بالدولة السورية/ عمار ديوب
16 مايو 2025
قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب رفع العقوبات عن سورية تاريخي بامتياز. إنّه إعادة تموضع لسورية داخل العالم. وسيتطلب هذا بشأن تلك العقوبات التي بدأت في 1979 بعض الوقت، فهناك ما سيُتخلّص منها بقرار تنفيذي من ترامب، وهناك ما تحتاج قراراً من الكونغرس، وثمّة ما ستتم عبر مجلس الأمن، وتتطلّب إجماعاً دولياً. وسيعني هذا الرفع أن سورية لم تعد بلداً معزولاً بقوّة القرارات الأميركية والدولية. وبالتالي، سيقع على الإدارة في دمشق، وحكومتها، والفاعلين فيها كافّة، التقدّم بسياساتٍ جديدة، تُؤمّن بيئةً آمنة للاستثمار الخارجي، ولأفضل أشكال التواصل مع الرأسمال العالمي، وكذلك تثبيت حالة من الاستقرار الأمني وتوحيد البلاد وإشراك الفاعلين السوريين جميعهم في النهوض بالدولة، وإيقاف سياسات الاستئثار التي رافقت خطوات المرحلة الانتقالية: الحوار الوطني، وتعيين الرئيس من الفصائل في مؤتمر النصر، والإعلان الدستوري، والحكومتان، المؤقّتة والانتقالية.
الشرط العام لإقامة علاقات سليمة مع العالم (هناك شروط دولية أميركية وسواها) يبدأ من البوابة الداخلية، من تحقيق مطالب الشعب في الانتقال الديمقراطي، والتشدّد ضدّ الفصائل السلفية أو الجهادية أو أيّ فصائل تَرفض الإقرار بوحدة سورية، وتوحيد السلاح. وهذا يتطلّب سياسةً وطنيةً جامعةً، تنطلق من فتح حوار وطني حقيقي مع السوريين، للوصول إلى الشكل الأفضل، ونقصد الواقعي، للنهوض بالدولة. وبالتالي، المدخل نحو الاستقرار الحقيقي والثقة الخارجية بالإدارة الجديدة يكون عبر إعلان (مجدّداً) عقد مؤتمر وطني عام، والتجهيز له، تشارك فيه شخصيات وطنية معروفة بنزاهتها وفهمها العميق لتمايزات الشعب السوري، من وجوهها كافّة، وليس الدينية والقومية فقط.
هل هذا ممكن؟… يبدو أن الإدارة لا تفكّر به، ولا يبدو أن الشعب بقواه السياسية وسواها قادر عليه. إذاً ما الممكن؟… لدينا حالياً هدف أمام الشرع وإدارته هو تشكيل مجلس تشريعي. آليات تشكيله ستكون مراقبةً من الدول التي ضمنت تموضع الرئيس السوري أحمد الشرع وإدارته في إطار البدء بسياسات جديدة، تُراعي مطالب الخارج والداخل، ونقصد السعودية وتركيا وقطر بصورة خاصّة. الابتعاد عن الاستئثار في تشكيل المجلس، بأن يتخلّى الشرع عن حصّة الثلث وأن تختار لجان يُشكّلها الشرع الثلثين الباقيين (وفقاً للإعلان الدستوري)، ليُنتخب المجلس فعلياً من الشعب، ستكون المدخل للمجلس التشريعي، وبإعطائه صلاحيات كاملة لنقاش القضايا السورية، وأن يكون له كامل الصلاحيات الرقابية على مؤسّسات الدولة، وأن تُقرّ القوانين عبره. وهنا، من الضرورة بمكان إعادة النظر في الإعلان الدستوري، وفصل السلطات بالفعل، والاتجاه نحو تبنّي نظام متعدّد، رئاسي وبرلماني.
لا يعني البدء برفع العقوبات (سيأخذ وقتاً) أبداً طيِّ الشروط الأميركية، وكانت 12 شرطاً، ثمّ تحدّدت بشكل جازم مع ترامب في السعودية، وأكّدتها من جديد تصريحات البيت الأبيض في واشنطن، وتتحدّد بطرد المقاتلين الأجانب من أيّ مناصب سيادية في الجيش والأمن خاصّة، وأن تتجه الإدارة نحو التطبيع مع الدولة الصهيونية، وأن يتاح المجال للتحالف الدولي، وأن تتعاون إدارة دمشق بذلك في ملاحقة المجموعات الإرهابية في سورية، ومن دون قيود. وهناك شروط تتعلّق بإعادة تشكيل حكومة وطنية جامعة، وبغضّ النظر عن الدين والقومية.
كانت إدارة دمشق الجديدة واعية لحساسية الموقف من الدولة الصهيونية، ورغم تدمير الأخيرة البنية التحتية العسكرية السورية بشكل شبه كامل، والتقدّم بعد خطّ فكّ الاشتباك (1974)، وفرضها ما يشبه منطقةً آمنةً في كامل غرب دمشق وجنوبها، ظلت مواقف الإدارة ليّنةً وهادئةً، وبما لا يتناسب مع هذه الاعتداءات كلّها. موقفها هذا بدأ من 8 ديسمبر/ كانون الأول، ولم يتغيّر مع إعلان أحمد الشرع في الرياض بأنه ليس ضدّ اتفاقات إبراهام، وأكّد تمسّكه باتفاق فكّ الاشتباك، ولكن لم يطرح استعادة الجولان، وهذا يفتح على ضرورة نقاش هذه المسألة في البرلمان المقبل، والنقاش حقّ للسوريين، ليقرّروا مصير مناطق محتلّة من أراضيهم.
لن تأتي الاستثمارات بمجرّد البدء برفع العقوبات. وبالتأكيد، ستكون هناك مبالغ مالية من قطر والسعودية، وربّما من الإمارات، لتثبيت السلطة، ولمنع تأزّم المشكلات اليومية لأغلبية المواطنين، ولتمكين الإدارة وحكومتها من وضع الخطط وإعادة تشكيل المؤسّسات وتطويرها، وإيجاد بيئة قانونية وأمنية لتهيئة الوضع السوري لاستقبال الاستثمارات. ما لا يجوز توهمه أن البدء برفع العقوبات هو إعطاء شرعية كاملة للسلطة، أو اعتقاد الأخيرة أنها أصبحت مطلقة اليدين بأن تفعل ما تشاء في سورية. هذا وهم. إن رفع العقوبات جاء بدعمٍ إقليميٍّ واسع، وبقصد تثبيت الاستقرار في المنطقة، وبرضىً صهيوني بقدر ما، وأعلن ذلك وزير خارجية دولة الاحتلال: “نريد علاقات جيّدة مع الحكومة السورية”، وكذلك مقابل تنفيذ مطالب أميركا كاملة، ومنها تشكيل حكومة جامعة جديدة.
سورية في أمسّ الحاجة لمتابعة رفع العقوبات، ومن سيطابق الأقوال مع الأفعال هو إدارة الشرع. إذاً هذه الإدارة تحت المراقبة الدولية والإقليمية بصفة خاصّة. وقدرة الإدارة على تلبية الشروط الخارجية تتطلّب إحداث تغيير أساس في السلطة. وقد أشير أعلاه إلى المجلس التشريعي، وإلى ضرورة إحداث تغييرات في الإعلان الدستوري وتشكيل حكومة جديدة. ولكن هناك قضايا حسّاسة أخرى، وتتعلّق حصراً بالجيش وجهاز الأمن العام، وهناك تصنيف هيئة تحرير الشام، ومنها قادة في الدولة، إرهابيين. تسليم إعادة تشكيل الجيش لضبّاطٍ منشقّين عن النظام السابق، وإبعاد الأجانب منه، وإلغاء الدورة الشرعية للمنتسبين إليه، وفتح المجال للسوريين كافّة للانضمام، شروط أساسية، تنطبق أيضاً على أجهزة الأمن العام والاستخبارات والشرطة كذلك، وهذا سيردم الأساس الذي تستند إليه كلّ من قوات سوريا الديمقراطية “قسد” وفصائل السويداء، وكذلك الفصائل الجهادية والسلفية، وجدير بالملاحظة أن المنحة القطرية السابقة للبدء برفع العقوبات كانت تستثني الجيش والأمن.
إيجاد بيئة آمنة للاستثمار، وأمنية مستقرة، يتطلّب استقلال القضاء، وإتاحة أوسع أشكال الحرّيات العامّة، وإطلاق بيانات شفّافة في كلّ ما يتعلّق بالمؤسّسات التي تتشكل حديثاً. هذا أولاً، وثانياً، هناك ضرورة للاستعانة بخبراء ذوي كفاءة ووطنيين بشكل خاص، يُكلَّفون وضع خطّة وطنية لكيفية النهوض بالدولة، في المجالات كافّة، في شكل النظام السياسي وشكل الاقتصاد وقوانين الاستثمار والتعليم والثقافة والقوميات والأديان والعدالة الانتقالية. ربّما يكون وضع هذه الخطّة أكثر عمل أهميةً يقع على إدارة الشرع، وإكمالاً للفكرة أعلاه، تُعدّ مسألة المشاركة السياسية واحدةً من أكثر القضايا أهميةً، وهي ستسمح بتأمين شرعية حقيقية للإدارة ولخطواتها السياسية، فهل تعي جيّداً هذه الإدارة حساسية الوضع السوري بأكمله؟
العربي الجديد
—————————————–
الشرع تحت ضغط اللاعقوبات على سوريا/ عمر قدور
السبت 2025/05/17
ما أن أعلن الرئيس ترامب عن نيته الإيعاز برفع العقوبات عن سوريا حتى عمّت الاحتفالات بين السوريين. ولا مجازفة في القول إن الخبر يحمل في طياته أكبر فرحة مشتركة، فيما لو جُرِّد من حسابات سياسية مستعجلة، سواء لدى قلائل جداً استاؤوا منه، أو لدى الذين اعتبروا أنهم حققوا به انتصاراً على سوريين آخرين. ما يعزز الفرح أن العهد البائد استخدم العقوبات (بأثر رجعي) كشمّاعة يعلّق عليه مجمل إخفاقاته، وورثتها السلطة الجديدة التي ربطت التقدّم في العديد من الملفات برفع العقوبات، ومنها ملفا العدالة الانتقالية والسلم الأهلي.
هناك ملايين من الفرحين الذين لا يضعون الاعتبار السياسي في الواجهة، فالأوضاع المعيشية متدهورة إلى حدود قصوى، والنسبة الغالبة من السوريين في الداخل هي تحت خط الجوع. يمكن مثلاً الحديث عن ملايين من الذين لا يستطيعون الذهاب إلى الأطباء وشراء الأدوية، أو إلى المستشفيات العامة التي تقادمت تجهيزاتها، ولم تعد تستطيع تقديم خدماتها المجانية. وما هو من بديهيات العيش في معظم الدول ليس بديهياً في سوريا، فثمة مثلاً ملايين من الذين تخلوا عن استخدام معجون الأسنان أو من الذين لم يستخدموه إطلاقاً. المُجاز الجامعي الذي يقبض راتباً يعادل 50 دولاراً قد يدفع نصفه للمواصلات بين سكنه وعمله، والسفر بين حلب ودمشق ذهاباً وإياباً مع تناول وجبة طعام قد يكلف أكثر من هذا الراتب.
العشم من رفع العقوبات هو على قدر هذا البؤس المعمم، وسقف التوقعات مرتفع بقدر ما وضِع قبل الثلاثاء الفائت على شماعة العقوبات، وأيضاً بقدر ما قيل عن نوايا طيبة من الأشقاء للمساعدة، تحُول العقوبات دونها والتنفيذ الفوري. بعض الآمال المتواضعة قد يكون تنفيذه قريب المنال، كتلك المتعلقة بسداد الرواتب وتحسينها قليلاً، أو المتعلقة بمساعدة المستشفيات المهترئة، أو زيادة ساعات الوصل الكهربائي.
لكن الانتقال من حالة البلد المنعزل، ثم المعزول خلال نصف قرن، إلى بلد منفتح لن يكون بسهولة التعاطي مع بعض المساعدات الإسعافية. الحديث هنا عن بلد واقعي، لا عن تلك الأهازيج الانتصارية المستمرة على السوشيال ميديا، حتى إذا كان من يقودونها موجودين في الداخل، فقد صار من المعتاد أن تُرى سوريا على نحو شخصي، وكلّ يرى فيها ما يناسب قدرته على الإنفاق، وهذا ليس بالجديد، ولا يُحسب فقط على العهد الحالي.
فيما يخص السلطة تحديداً، من المنطقي أن يكون رئيس المرحلة الانتقالية أحمد الشرع مدركاً لأعباء النقلة المطلوبة، سواء على الصعيد العام، أو على صعيد الإجراءات المطلوبة منه خارج الهمّ الاقتصادي، وربما هذا ما أثقل على خطاب الشكر الذي وجهه في اليوم التالي لإعلان ترامب. الانتقال إلى عالم متحرك، ومجاراة تحولاته السريعة والمنتظَرة، لن يكونا سهلين على بلد عاش العزلة، ولا على هيئة التحرير الحاكمة التي عاش قياديوها سنوات طويلة من التخفّي. ما هو مطلوب لقاء دمج سوريا في المنظومة الإقليمية (التي هي قيد التشكيل) لن يكون تمريره سهلاً في أوساط الهيئة نفسها، فالأمر يمسّ العديد مما يُعتبر بمثابة ثوابت أيديولوجية، في وقت لا تبدو فيه تلك الأوساط مرتاحة إلى التغيرات التي فرضها تسلّم مقاليد السلطة في دمشق.
تصريحات وزير الخارجية الأميركي، بعد لقائه نظيره السوري في تركيا، تكشف عن الأعباء المترتبة على إلغاء العقوبات. فهو تحدث عن تعهّد السلطة ببناء دولة تعددية، وعن رغبتها في السلام مع إسرائيل، وفي طرد المقاتلين الأجانب والإرهابيين ممن يزعزعون استقرار البلد. وأشار الوزير إلى أن الاستثناءات من قانون قيصر ستكون لمدة 180 يوماً قابلة للتجديد، ما يعني أن الاستثمارات الموعودة لن تأتي قبل إلغاء القانون الذي يحتاج قراراً من الكونغرس، منوّهاً بأن الذهاب إلى الكونغرس لإلغاء القانون سيكون بعد اختبار أفعال السلطة، وبأن الطريق طويل.
وإذا كانت الأنظار قد اتجهت أولاً إلى التعهّدات الخارجية، لحساسية ما يتعلق بإسرائيل خصوصاً، فالشق الداخلي لن يكون سهلاً بدءاً من الآن، لأن هناك مساعدات ستتدفق فعلاً من دول خليجية متحمّسة لتقديمها، مع رغبة حقيقية في انتشال سوريا من البؤس الذي قد يعود ليتسبب للمنطقة بمتاعب على صعيد الإرهاب، أو على صعيد الجرائم المنظّمة وفي رأسها تصنيع المخدرات وتصديرها. جدير بالذكر أن الأسد كان قد استخدم تلك المتاعب كورقة ابتزاز في الإقليم، فضلاً عن لعبه على الورقتين الإيرانية والروسية، وهذا كله لم يعد وارداً اليوم، فضلاً عن أن التهديد التقليدي بالفوضى لا يتناسب مع الانفتاح على المنطقة والعالم.
في ملاقاة المساعدات الواردة ستكون السلطة أمام استحقاق التشارك، إذا أرادت النجاح لمساعيها على المدى المتوسط والبعيد. والمقصود هنا ليس فقط مشاركة أوسع للجماعات الأهلية السورية؛ المطلب الذي ذكره وزير الخارجية الأميركية، وطالب به الأوروبيون من قبل. التشارك المطلوب يتعلق بالكفّ عن منطق الهيمنة على الوظائف العليا في الدولة السورية، وعدم النظر باستعلاء أو تخوين إلى شريحة التكنوقراط الموروثة، والتي لم تشارك في جرائم العهد البائد، والكفّ عن إقصاء المزيد منها في المستويات العليا والمتوسطة.
قبل يومين، على سبيل المثال ليس إلا، أثار السخرية خبرُ استقبال وزير العدل وفداً من البنك الدولي، بحث معه آليات تمويل مشروع الطاقة الكهربائية في سوريا! وقد صارت الأخبار متداولة بكثرة عن تدخل ما يُسمّى “الهيئة السياسية” التابعة لوزارة الخارجية في كافة مفاصل الدولة، وبما يذكّر بدور حزب البعث والمخابرات في العهد البائد. والمشكلة ليست فقط فيما يثيره ذلك من ذكريات مُرّة؛ هي في تسلط أشخاص لا خبرة لهم على أصحاب الشأن والخبرة بحيث تُقصى معايير الكفاءة لصالح الولاء كما حدث طيلة عقود.
سيكون من الخطأ الظن بإمكانية التوفيق بين نزوع احتكاري في الداخل وانفتاح على الخارج، فهذه الخلطة ممكنة فقط ونسبياً في بلدان لديها موارد وثروات ضخمة، لا في بلد يحتاج إلى المساعدات من مختلف الدول، وللدول المانحة توجهاتها واشتراطاتها، إذ لا أحد (وفق التعبير الشهير) يقدّم العشاء مجاناً سوى الوالدين. الفرصة المتاحة حالياً لسوريا استثنائية حقاً، لجهة أن الثمن المطلوب لقاء المساعدات بمعظمه ليس باهظاً، إلا بقدر صعوبته على بنية السلطة الحالية. حتى على هذا الصعيد، لا يبدو هناك في الخارج والداخل من يستعجلها للانقلاب على نفسها، فالإنجازات الكبيرة غير متوقَّعة في زمن قريب، والمطلوب منها إثبات جدية في السير على طريق التشارك في الداخل والانفتاح على الخارج.
يبقى أسوأ ما يمكن فعله هو النظر إلى رفع العقوبات، وبدء التعاطي الإيجابي من قبل إدارة ترامب، على أنهما صك لاكتساب الشرعية. المحتفلون بلهجة انتصارية فعلوا هذا، ربما من دون انتباه إلى أنهم يستقوون بالخارج على سوريين مختلفين معهم في الرأي؛ من دون انتباه إلى أن توسّل الشرعية من الخارج هو صنو ستة عقود منصرمة من العزلة.
المدن
———————-
رفع العقوبات فرصة أخرى أمام السوريين/ مالك ونوس
17 مايو 2025
قُيَّض لأبناء الشعب السوري أن ينالوا من جديد فرصةً أخرى للعمل الجادّ، تؤهّلهم لوضع بلادهم على السكّة التي توصلها إلى مرحلة التعافي. وتمثَّلت الفرصة السابقة في المرحلة التي تلت إسقاط النظام وهروب رئيسه بشّار الأسد خارج البلاد، وما تلاها من احتضان دولي لقضيتهم، وظهور استعداد لدى المجتمع الدولي، ونيّة صادقة لدى الدول الشقيقة، للأخذ بيد السوريين لحلّ مشكلاتهم وأزماتهم من أجل القطع مع المرحلة السابقة، استعداداً لمرحلة إعادة البناء وتضميد الجراح وجبر الخواطر، وسيادة القانون والبدء بمسار العدالة الانتقالية، لتأسيس دولة المواطنة التي حُرم منها السوريون على مدى أكثر من نصف قرن. وإذ لا تتكرّر فرصٌ من هذا النوع دائماً، وحين تتكرّر قد لا يجد المحظوظون بتكرارها من يقف في جانبهم لمساعدتهم في الاستفادة القصوى ممّا توفّره، إذا لم يكونوا أهلاً لها، فإن قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الإيعاز برفع العقوبات يُعدّ تغييراً لافتاً في الموقف الأميركي، ويُعدّ في الوقت عينه تحدّياً لحكومة الرئيس أحمد الشرع، وفرصةً لحلّ أزمات البلاد التي ورثتها من النظام السابق، التي لم تُعالج، فتوالدت أزماتٍ جديدةً.
قبل خطاب ترامب في الرياض في 13 مايو/ أيّار الجاري، وكلامه عن رفع العقوبات عن سورية حين قال: “سأصدر الأوامر برفع العقوبات عن سورية لمنحهم فرصةً للنجاح”، سلَّم كثيرون بصعوبة (وربّما باستحالة) رفع العقوبات الأميركية والغربية عن سورية، وفقدوا الأمل في حصول ذلك بسبب الشروط الأميركية المفروضة من أجل رفعها، وعجزت الحكومة السورية عن تحقيق عددٍ منها، وإن كانت ستحقّق بعضها، فإن الأمر سيستغرق وقتاً طويلاً. غير أن إعلان الرئيس الأميركي كان بمثابة الريح التي حرّكت هذا الملفّ، وأزالت الركود الذي اعتراه. وكانت الجُمَل والعبارات التي ساقها ترامب حينها كفيلةً بإعادة ضخّ الأمل في عروق السوريين، وإعادة الألق الذي فارق عيونهم بعد أسابيع من سقوط النظام، نتيجة الإحباط الذي لحقهم، وبعدما تأكّدوا أن ما عوّلوا عليه في مرحلة ما بعد الأسد قد تبدّد.
وأكمل ترامب كلامه حول سورية فقال: “حان وقت تألّقها، سنرفع العقوبات جميعاً، حظّاً موفّقاً سورية، دعونا نرى منكم شيئاً مميّزاً للغاية”. وكانت هذه الخاتمة بمثابة شرطٍ آخر، بعدما اعترف أن قراره ذاك لم يكن ليصدر منه لولا الجهد الذي بذله كلّ من ولي العهد السعودي الأمير محمّد بن سلمان والرئيس التركي رجب طيب أردوغان في هذا السياق. فهو أراد إعادة تأكيد الشروط التي وضعتها الإدارة الأميركية بعد سقوط نظام الأسد وطُلب من حكومة الشرع تنفيذها قبل رفع العقوبات. غير أن حالة الستاتيكو التي بات السوريون عليها جعلتهم بحاجة إلى دفعةً كهذه من ترامب، وأضيف إلى هذه الدفعة كلامه الذي قاله على هامش اللقاء الذي جمعه مع الشرع وولي العهد السعودي، وكذلك الرئيس التركي عبر تقنية الاتصال المرئي، وأعلن فيه خطواتٍ لإعادة العلاقات بين بلاده ودمشق، ونيّته دعم السوريين، والوقوف إلى جانبهم في مرحلة إعادة الإعمار.
إذاً، من جديد وضع ترامب الكرة في ملعب السوريين، فهو يعلم وهم يعرفون أن رفع العقوبات لن يكون من دون ثمن أو عمل من جانبهم. لذلك أكّد المتحدّث باسم الخارجية الأميركية توماس بيغوت، تعليقاً على الموضوع، أن هدف ترامب من رفع العقوبات هو تحقيق السلام طويل الأمد في المنطقة. لذلك، سيُربَط الأمر بتحقيق الاستقرار، ووقف الفلتان الأمني، علاوة على محاربة الإرهاب، عملاً بقانون العدالة ضدّ رعاة الإرهاب المعروف بـ”غاستا”، وقانون مكافحة الكبتاغون لعام 2022، الذي فُرض على النظام السوري، والذي يتقاطع مع جهود قطع مصادر تمويل الإرهاب. كما أن رغبة ترامب “برؤية الازدهار يعمّ المنطقة” منوطة بقضايا حقوق الإنسان. وفي حالة سورية، يرتبط هذا الأمر بقانون قيصر والأوامر التنفيذية الرئاسية الأميركية التي سبقته وصدرت سنتَي 2011 و2012، والمتعلّقة جميعها بانتهاكات حقوق الإنسان في سورية. لذلك فإنّ انتهاكات مثل تلك التي حصلت بداية مارس/ آذار الماضي في الساحل، وتلك التي تبعتها في جرمانا وريف دمشق والجنوب السوري، إذا ما تكرّرت، فستكون معيقةً للازدهار المأمول، وحينها قد يصرف الأميركيون نظرهم عن التعامل مع السوريين، لعلمهم أن ليست ثمّة جدّيةً لديهم في التعاطي مع هذه القضايا لحلّها.
ماذا لدى حكومة الشرع من أدوات للاستفادة من الفرصة التي ظهرت فجأة وسط جوٍّ من فقدان الأمل في سورية، وأعادت الأمل إلى السوريين؟… ذلك متوقّفٌ على تحقيق ما طالب به السوريون أنفسهم بعد سقوط النظام، من مطالب وحقوق، وخطوات لإعادة توحيد البلاد، وقانون عصري ودستور يكفل الحقوق، ونظام مصرفي متطوّر، وبيئة تحتية متينة، وقوانين استثمار تؤسّس بيئة استثمار مستقرّة. كذلك، البتّ في القضايا المعلّقة، التي لم يسهم تشكيل حكومة جديدة في البلاد في البتّ فيها، فأدّى ذلك إلى انتهاكات على أساس طائفي، وإلى حالة غليان طائفي سادت البلاد، وجعلتها حتى قبل أيّام من إعلان ترامب على حافة حرب أهلية فعلية، وهي الحرب التي كانت محتدمةً في وسائل التواصل الاجتماعي، ولم تفعل الحكومة شيئاً من أجل وقفها وتجريم من يحرّض طائفياً ومناطقياً فيعمل لإشعالها.
على الحكومة السورية القطع مع عقلية النظام السابق الإقصائية، وقد كان فصل مئات الآلاف من وظائفهم تكراراً لتلك العقلية، عندما اتبعت الحكومة أسلوب العقاب الجماعي، فخسرت الكوادر المُؤهَّلة، إذ لم يكن كلّ موظّفي الدولة منتهكين أو تابعين للنظام أو فاسدين، ومن كان منهم فاسداً، فإن الراتب الضحل الذي يتقاضاه لا يعدو أن يكون أقلّ من راتب البطالة، لا يؤمّن له سوى ثمن ربطة الخبز ومصاريف التنقّل. كما أن محاربة الفساد تكون بإقرار قوانين عصرية وتنفيذها وإجبار الجميع، بغضّ النظر عن مواقعهم، على الانصياع لها. ومن المهامّ، محاربة الفلتان الأمني والانتهاكات على أساس طائفي وإغلاق ملفّ المعتقلين والمغيّبين وتطبيق مبدأ العدالة الانتقالية وإنصاف الضحايا. كما أن هنالك ضرورة الدمج الفعلي للفصائل، وتأسيس جيش عصري يكفل الانضباط التام لعناصره، وتأسيس جهاز شرطة على درجة من المعرفة بقوانين حقوق الإنسان والقانون السوري، ومزوّد بكاميرات لمنع التجاوزات وتوثيق عمليات الضبط، لأن بيئة من الاستقرار الأمني شرطٌ رئيسٌ للشركات التي ستنقل استثماراتها إلى سورية للمساهمة في عملية إعادة البناء والتنمية.
مهامّ كثيرة تقع على عاتق الحكومة السورية لكي تستطيع امتلاك الأدوات للاستفادة من الفرصة التي باتت بيدها حتى لا تضيع، ومن التغيير الأميركي الذي قد لا يتكرّر، وإن تحقّق الآن، فإنه قد لا يستمرّ بعد أشهر. أمّا الملفّات العالقة فشديدة الوضوح، لا تحتاج الحكومة مستشارين وأحزاب ونقابات وإعلام لكي تدلّها عليها. أمّا المعالجة، فالشفافية والتشاركية واستغلال الكفاءات وتوظيف طاقات الجميع وجهدهم، والحرّية في الإشارة إلى الأخطاء لتجاوزها، هي الكفيلة بنجاح مسارها. قال ترامب للسوريين: “دعونا نرى منكم شيئاً مميّزاً للغاية”، أمّا ما ينتظره السوريون، وأجيالهم المقبلة، من حكومتهم الحالية، فهو ثمار هذا الشيء المميّز، إن قُدّرت للشعب السوري أيضاً رؤيته.
العربي الجديد
———————————–
إلغاء العقوبات الأميركية على سورية: إعلان ترامب مجرد بداية مسار/ محمد البديوي
16 مايو 2025
مثّل قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الثلاثاء الماضي، رفع العقوبات الأميركية على سورية واجتماعه بالرئيس السوري أحمد الشرع الأربعاء في الرياض، تحوّلاً لافتاً وسريعاً في السياسة الخارجية لواشنطن تجاه القيادة في دمشق، التي تعول على استثمار مفاعيل القرار سريعاً لتحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية. لكن قرار ترامب، الذي فاجأ حتى الدائرة القريبة منه خصوصاً أنه انتقل من التلميح إلى إمكانية إلغاء العقوبات للإعلان عن رفعها خلال ساعات فقط، يعد بداية لمسار طويل، لا سيما أن العقوبات الأميركية على سورية تتنوع بين أوامر تنفيذية وقوانين وقرارات من وزارتي الخزانة والخارجية. كما أن أصواتاً في الكونغرس الأميركي لا تبدي حماسة لرفع كامل للعقوبات بشكل سريع.
وحضر قرار ترامب رفع العقوبات عن سورية، في لقاء جمع وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، أمس الخميس، بنظيريه الأميركي ماركو روبيو والسوري أسعد الشيباني، في أنطاليا التركية. وقال روبيو عقب المباحثات إن واشنطن ستصدر إعفاءات أولية من العقوبات القانونية المفروضة على سورية. وفي حديثه للصحافيين في أنطاليا بتركيا، قال روبيو إن الولايات المتحدة “تريد أن تفعل كل ما في وسعها للمساعدة في تحقيق السلام والاستقرار في سورية” مع خروجها من حرب دامت 13 عاماً.
كما قالت وزارة الخزانة الأميركية، في بيان لها أمس الخميس، إنها تعمل بالتنسيق مع الخارجية ومجلس الأمن القومي لتنفيذ توجيهات ترامب بشأن رفع العقوبات وأضافت الوزارة في بيان لها أنها تتطلع إلى إصدار “التراخيص التي ستكون حاسمة لاستقطاب استثمارات جديدة إلى سورية”، مضيفة أن “إجراءاتها من شأنها المساعدة في إعادة بناء الاقتصاد والقطاع المالي والبنية التحتية في سورية”. كذلك نقلت رويترز عن مسؤول في إدارة ترامب قوله إن وزارة الخزانة ستصدر على الأرجح في الأسابيع المقبلة، رخصاً تغطي نطاقاً واسعاً من قطاعات الاقتصاد الضرورية لإعادة الإعمار في سورية.
وشرح مصدر عمل سابقاً في الخارجية الأميركية في ملفات متعلقة بالشرق الأوسط، لـ”العربي الجديد” بعضاً من تفاصيل ما هو متوقع في ملف العقوبات خلال المرحلة المقبلة. وأوضح أن تعهد ترامب برفع العقوبات الأميركية عن سورية، يعني بمجرد تنفيذه إزالة القيود عنها في ملف العلاقات السياسية الدولية، خصوصاً لدى الولايات المتحدة، غير أنه أشار إلى أن عملية التنفيذ “قد تكون معقّدة وقد تستغرق وقتاً”. وأوضح المصدر أنه بمجرد توقيع الرئيس على أمر تنفيذي بإلغاء الأوامر التنفيذية السابقة الخاصة بها، فإنه يمكن لسورية استعادة مبنى سفارتها والقنصليات داخل الولايات المتحدة، بما يفتح الباب في المستقبل أمام عودة العلاقات الدبلوماسية الأميركية السورية، لكن كل هذا مرتبط بـ”رؤية ترامب” والموعد الذي يراه مناسباً ومراقبة سلوك السلطة السورية الحالية.
وشرح المصدر الأميركي أن إلغاء الأمر التنفيذي 13582 الذي أصدره الرئيس الأسبق باراك أوباما في أغسطس/آب 2011، يلغي بالفعل الكثير من العقوبات الموقّعة، إذ يجمّد هذا الأمر التنفيذي ممتلكات الحكومة السورية ويحظر الاستثمارات الجديدة في سورية من قبل الأميركيين، بمن فيهم الأميركيون من أصل سوري، ويحظر تصدير أو بيع الخدمات إلى سورية من قبل الأميركيين، واستيراد النفط أو المنتجات النفطية من أصل سوري، كما يحظر على الأميركيين المشاركة في المعاملات المتعلقة بالنفط أو المنتجات النفطية السورية، ويجمد جميع الممتلكات والمصالح الموجودة في الولايات المتحدة ولا يجوز نقلها أو تصديرها أو سحبها أو التعامل بها بأي شكل.
وأوضح المصدر أنه على سبيل المثال، السفارة السورية في واشنطن تمتلكها الجمهورية السورية، وبإلغاء الأوامر التنفيذية السابقة تعود ملكيتها الحالية المجمّدة إليها. كما تمنع الأوامر التنفيذية الشركات الأميركية من تصدير مواد إلى سورية، والاستثمار من قِبل السوريين الأميركيين. وأشار إلى أن إلغاء الأوامر التنفيذية يلغي القيود المفروضة على السفر للمسؤولين السوريين وأعضاء الحكومة بما يعيد اندماجها في النظام الدولي. ولفت إلى أنه من المتوقع أن تستمر العقوبات الأميركية على أفراد نظام بشار الأسد ولن يتم إلغاؤها.
وبينما لا تزال سورية، طبقاً لواشنطن، دولة راعية للإرهاب، وفق الإجراء المتخذ عام 1979 والذي وضعها في هذه القائمة، التقى ترامب الرئيس السوري أحمد الشرع أمس الأول الأربعاء في الرياض، علماً أن آخر مرة التقى فيها رئيسا الولايات المتحدة وسورية كانت منذ نحو 25 عاماً، عندما التقى بيل كلينتون، عام 2000، حافظ الأسد في سويسرا، وناقشا آنذاك الجهود المبذولة للتوصل إلى اتفاق سلام مع إسرائيل.
العقوبات الأميركية على سورية
تنقسم العقوبات الأميركية على سورية إلى أوامر تنفيذية وقوانين وقرارات من وزارتي الخزانة والخارجية. بالنسبة للأوامر التنفيذية، يمكن لترامب إلغاؤها بقرار رئاسي فوري بدون موافقة الكونغرس طبقاً للمرسوم رقم 14148 والذي يعطي للرئيس الحق في إلغاء أوامر تنفيذية سابقة. وفي حين صنفت الولايات المتحدة، في وقت سابق، سورية دولة راعية للإرهاب، فإن رفعها من القائمة يتطلب إشعاراً من الكونغرس الأميركي، وإذا لم يعارض الأخير في مهلة مدتها 45 يوماً، يجري شطبها. أما بالنسبة للجماعات المدرجة على لوائح الإرهاب أو الأفراد المدرجين سابقاً في “هيئة تحرير الشام”، فسلطة إصدار القرار بيد وزير الخارجية الأميركي. أما القوانين الصادرة من الكونغرس مثل “قانون قيصر” فله إجراءات معقّدة لفك الارتباط به، خصوصاً أنه مُرر باعتباره جزءاً من ميزانية وزارة الدفاع الأميركية ويمتد حتى 2029.
ويمثل إعلان ترامب تعهده برفع العقوبات نهجاً جديداً تجاه سورية التي تحاول إعادة الانخراط في النظام العالمي مالياً وسياسياً، في ظل تعهدات دولية بمساعدة الإدارة الحالية في محاولة إعادة البناء. وعبّر ترامب في خطاب له خلال جولته الخليجية عن رغبته في “منح سورية فرصة لإعادة الإعمار”، والتي تتطلب إلغاء هذه العقوبات الأميركية التي عزلت سورية دولياً واقتصادياً، ومنعتها من استخدام نظام سويفت المالي.
وذكرت وكالة رويترز أن قرار ترامب فاجأ البعض في إدارته. ونقلت عن أربعة مسؤولين أميركيين مطلعين لم تسمهم أن كبار المسؤولين في وزارتي الخارجية والخزانة هرعوا في محاولة لاستيعاب كيفية إلغاء العقوبات، وبعضها مفروض منذ عقود. وأوضح مسؤول أميركي كبير أن البيت الأبيض لم يصدر أي مذكرة أو توجيهاً لمسؤولي العقوبات في وزارة الخارجية أو وزارة الخزانة للتحضير لإلغائها، ولم ينبههم إلى أن هناك إعلاناً وشيكاً من الرئيس بهذا الشأن. وبعد الإعلان، كان المسؤولون في حيرة من أمرهم حول الكيفية التي ستلغي بها الإدارة الأميركية حزماً ومستويات من العقوبات، وأي منها سيتم تخفيفها ومتى يريد البيت الأبيض بدء العملية. وذكر المسؤول الكبير، وفق “رويترز”، أنه وحتى الوقت الذي التقى فيه ترامب بالشرع في السعودية الأربعاء، كان المسؤولون في الخارجية والخزانة لا يزالون غير متأكدين من كيفية المضي قدماً. وقال أحد المسؤولين الأميركيين “يحاول الجميع استكشاف كيفية تنفيذ ذلك”، في إشارة لإعلان ترامب.
مؤشرات على مسار طويل
بعض العقوبات التي تتطلب موافقة الكونغرس قد لا يمضي رفعها قدماً بالسرعة التي تتمناها سورية، وهو ما عبّر عنه السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام، الذي دعا في بيان له إلى اتّباع منهج حذر ومدروس تجاه رفع العقوبات، مؤكداً أن للكونغرس دوراً رقابياً مهماً. وقال إنه يميل إلى دعم “تخفيف العقوبات في الظروف المناسبة”، مضيفاً في الوقت ذاته أن الحكومة السورية الحالية “استولت على السلطة بالقوة”. وشدد غراهام على أن رفع العقوبات الأميركية على سورية التي أقرها الكونغرس “عملية معقّدة”، داعياً إلى التنسيق مع إسرائيل أولاً لـ”معالجة المخاوف الأمنية”. وقال: “قد تكون الحكومة الجديدة في سورية استثماراً جيداً، في طريق توحيد البلاد والتحوّل إلى الاستقرار بما سيحدث تغيراً جذرياً في المنطقة، ولكن بالنظر إلى ماضيها يجب تقييم تقدمها بترقب واهتمام”. وشدد على دور الكونغرس المهم في تخفيف أي عقوبات، وعلى ضرورة أن تقدّم إدارة ترامب تقريراً إلى الكونغرس يحدد التغييرات الجوهرية في الوضع الميداني في سورية قبل رفع تصنيفها دولة راعية للإرهاب. وتابع: “لم يصل إلينا هذا التقرير بعد، ولدى الكونغرس فرصة لمراجعة هذا الإجراء”، داعياً إلى ضرورة إطلاع الكونغرس على التغييرات وعلى استيفاء سورية للشروط المفروضة عليها قبل اتخاذ قرار بشأن الموافقة على تغيير تصنيفها من عدمه.
واتفق السيناتور الديمقراطي ريتشارد بلومنتال مع غراهام في وجهة نظره، مؤكداً ضرورة تقديم إدارة الرئيس تقريراً إلى الكونغرس، وأن يكون تخفيف العقوبات مشروطاً بالحصول على تنازلات من الحكومة السورية. أما رئيس لجنة العلاقات الخارجية السيناتور الجمهوري جيم ريش، فكشف في بيان له أنه ناقش الأمر مع ترامب ووزير الخارجية ماركو روبيو سابقاً، وأنه يحترم “رأي الرئيس”. من جهتها، قالت السيناتور الديمقراطية جين شاهين إنها ترحب بإلغاء العقوبات على سورية بعد إسقاط نظام الأسد لإعطائها فرصة للتطور إلى دولة حرة ومستقلة عن النفوذ الإيراني والروسي والصيني، داعية إلى التحرك بسرعة لرفع هذه العقوبات.
ويمثّل “قانون قيصر” أكثر العقوبات تعقيداً بخلاف الأوامر التنفيذية، إذ لا يكتفي فقط بفرض عقوبات على النظام السوري، وإنما على الشركات والدول التي تتعاون معها، ويمنع بشكل نهائي إمكانية التبادل التجاري والاستثمار في النفط والمعادن والتي تمتلك سورية احتياطات مهمة منها، كما يمنع أي تعامل مالي مع سورية. ويتطلب إلغاء هذا القانون تصويتاً من الكونغرس، غير أن نص القانون يتضمن بنداً يتيح للرئيس تعليق العقوبات لأسباب تتعلق بالأمن القومي، وذلك طبقاً لتصريحات رئيس المجلس السوري الأميركي فاروق بلال لـ”العربي الجديد”، وهو أحد الذين ساهموا في تمرير القانون ضمن حزمة وزارة الدفاع، والذي أشار أيضاً إلى أنه يمكن إصدار رخصة عامة من قبل الرئيس لتعليق تنفيذ بعض أو كل العقوبات وهو ما حدث بالفعل من قبل أثناء كارثة الزلزال الذي ضرب أجزاء من سورية في فبراير/شباط 2023.
العربي الجديد
—————————————–
انطلاق العلاقات السورية ـ الأميركية: ما حدودها وبأي شروط؟/ عدنان علي
17 مايو 2025
شكّل إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال زيارته إلى السعودية رفع العقوبات المفروضة على سورية، ومن ثم اجتماعه مع الرئيس السوري أحمد الشرع يوم الأربعاء الماضي، نقلة نوعية ليس في مسار العلاقات السورية ـ الأميركية بل في التفكير الأميركي، وترامب بالذات، حيال الملف السوري بعدما كانت خطته الوحيدة حيال سورية تتجلى في الإسراع في سحب القوات الأميركية من هذا البلد، وتركه وشأنه. وبرز قول ترامب، أمس الجمعة للصحافيين على متن الطائرة الرئاسية بعد مغادرته أبوظبي، إنه لم يستشر إسرائيل في قرار الاعتراف بالحكومة السورية الجديدة. واستطرد قائلاً: “لم استشرهم في ذلك، اعتقدت أنه كان القرار الصحيح، وحظيت بالكثير من الإشادة عليه، نريد النجاح لسورية”.
لقاء روبيو والشيباني
وبعد تصريحات ترامب في السعودية يومي الثلاثاء والأربعاء الماضيين، تسارعت خطوات المسؤولين الأميركيين، الذين فوجئوا كما يبدو بقرار رفع العقوبات، للعمل على ترجمته على أرض الواقع، فيما التقى وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، الخميس الماضي، في أنطاليا التركية، نظيره السوري أسعد الشيباني بحضور وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، الذي غادر الاجتماع الثلاثي تاركاً الوزيرين الأميركي والسوري بمفردهما، بحسب ما ذكرت وكالة الاناضول التركية. وفي تصريح للصحافيين، قال الوزير الأميركي إن بلاده ستصدر إعفاءات أولية من العقوبات القانونية المفروضة على سورية، مضيفاً أن الولايات المتحدة تسعى إلى دعم جهود السلام والاستقرار في سورية، ومساعدة السوريين على إعادة بناء بلادهم. ولفت روبيو إلى أن “الإدارة السورية الجديدة تريد السلام مع جميع جيرانها وطلبت منا المساعدة في بعض القضايا وسنقدمها لها”. وأضاف: “في حال أحرزت سورية تقدماً، سنطلب من الكونغرس إلغاء العقوبات بصورة دائمة”.
ملفات مطلوب إحراز تقدم فيها
وفي إشارة إلى الملفات المطلوب من الإدارة السورية إحراز تقدم فيها للمضي في رفع العقوبات بوتيرة أوسع، رحب روبيو بـ”دعوات الحكومة السورية للسلام مع إسرائيل”، و”الجهود المبذولة لإنهاء النفوذ الإيراني في سورية” و”الالتزام بالكشف عن مصير المواطنين الأميركيين المفقودين أو القتلى في سورية” و”القضاء على جميع الأسلحة الكيميائية”. وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية تامي بروس، في بيان عقب اللقاء، إن روبيو شدد على الأهمية الحاسمة لحماية حقوق الإنسان لجميع السوريين بغض النظر عن عرقهم أو دينهم.
رص
بدوره، علق الشيباني على اللقاء معتبراً، في تغريدة له على “إكس”، أنه كان اجتماعاً “مثمراً وبنّاء”. وأضاف: “وضعنا لبنة مهمة في بناء علاقات استراتيجية متقدمة مع الولايات المتحدة بما يخدم مصالح شعبنا ويعزز حضورنا الإقليمي والدولي”. وفي تصريحات أخرى لـ”الإخبارية السورية”، قال الشيباني إن روبيو أبلغه أن ترامب “رجل عملي، وهو مهتم بالوضع في سورية”، مشيراً إلى الاتفاق مع الجانب الأميركي على تشكيل فرق تقنية ستجتمع بعد أسبوع لتُزال العقوبات بشكل سريع. وقال الشيباني إن الجانب الأميركي أبلغهم أنه يريد سورية “دولة موحدة وقوية”، وأنهم يريدون قبل نهاية ولاية ترامب أن يروا سورية قد انتهت من إعادة الإعمار، وعاد إليها السوريون المهجرون. وحول تفسيره التحوّل الأميركي حيال سورية، قال الشيباني إن سورية ليست دولة هامشية، ولديها مصالح مشتركة مع الجميع بمن فيهم الولايات المتحدة.
ورأى الناشط السياسي السوري المقيم في الولايات المتحدة أيمن عبد النور، في حديث مع “العربي الجديد”، أن الملفات العالقة بين الطرفين الآن هي النقاط الثماني التي قدمتها الولايات المتحدة للجانب السوري الشهر الماضي، وتتعلق عموماً بما تحدث عنه روبيو، إضافة إلى موضوع المقاتلين الأجانب والفصائل الفلسطينية في سورية، فضلاً عن الطلب الذي تحدث عنه ترامب خلال لقائه مع الشرع، وهو تولي دمشق الإشراف على السجون في شرق سورية التي تضم مقاتلي وعائلات تنظيم داعش والتي تتولاها الآن قوات سوريا الديمقراطية (قسد). وأضاف عبد النور أن الولايات المتحدة تريد جواباً بالإيجاب على هذه النقاط، وأن تُنفَّذ جميعاً قبل نهاية يونيو/حزيران المقبل، أي قبل اجتماع اللجنة المقرر أن تجتمع مطلع يوليو/تموز للنظر في مدى استجابة الحكومة السورية لهذه المطالب، كما كان مقرراً سابقاً، أي قبل قرار ترامب رفع العقوبات.
وأعلن وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت، عبر حسابه على منصة “إكس” في 14 الشهر الحالي، أن وزارته تتخذ خطوات لتخفيف العقوبات بهدف استقرار الوضع، و”مساعدة سورية على التحرك نحو السلام”.
وضع العلاقات السورية ـ الأميركية في مسار ثنائي
من جهته، قال الباحث السوري رضوان زيادة إن قرار رفع العقوبات يضع العلاقات السورية ـ الأميركية في مسار ثنائي، لكن رفع العقوبات مسار مختلف عن تطبيع العلاقات. وأضاف زيادة لـ”العربي الجديد”: “رفع العقوبات يحتاج إلى قرارات تنفيذية، وبدأت وزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي ووزير الخزانة أخذ إجراءات من أجل تنفيذ هذا القرار”. وتابع: “أما تطبيع العلاقات السورية ـ الأميركية فإنه يحتاج إلى إجراءات أخرى مثل الاعتراف وفتح السفارات، وهذه قضايا قد تسير بشكل متوازٍ أو متتابع، بناء على ما يتحقق في المسار الأول”.
ورأى مراقبون أن قرار الإدارة الأميركية الانفتاح على الحكم في سورية ينسجم مع رغبة ترامب في تحقيق “إنجازات” سريعة في السياسة الخارجية، بعد التعثر الحاصل في جهوده لوقف الحرب في أوكرانيا، وفي غزة، فضلاً عن إخفاقات أخرى في سياسته الخارجية. وقال المحلل السياسي غازي دحمان، لـ”العربي الجديد”، إن الملف السوري الذي كان مهملاً في تفكير ترامب لوقت قصير، وجد فيه اليوم “فرصة استثمارية” على صعيد السياسة الخارجية، بلا مخاطر، باستثناء اعتراضات إسرائيل المعهودة. ولفت دحمان إلى أن توتر العلاقة بين ترامب ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ربما أسهم في اتخاذ قرار رفع العقوبات وتجاهل التحذيرات الإسرائيلية في هذا الصدد. واعتبر أن السياستين الأميركية والإسرائيلية غير متطابقتين في سورية، ولدى واشنطن اعتبارات ومصالح أوسع من التقييدات التي تحاول إسرائيل حصرها فيها. وتوقع أن يُحرَز تقدم خلال الفترة المقبلة في العلاقات السورية ـ الأميركية، لكن الوصول إلى علاقات متميزة واستراتيجية سوف يحتاج إلى سنوات إذا سارت الأمور على وتيرة حسنة بين الطرفين.
العربي الجديد
————————
معجزات الرئيس الشرع التي لم تكتمل/ علي العائد
16 مايو 2025
حتى بعد قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب رفع العقوبات المفروضة على سورية، لم تتضح الصورة بعد: أي عقوبات سيتم رفعها، وبأي ثمن؟
بداية، لم تكن العقوبات لترفع بهذه السرعة المفاجئة لولا الجهود الإقليمية، ولولا روح التاجر الأميركي الممثلة في العقل العقاري للرئيس الأميركي. فما لعبه ولي العهد السعودي، والرئيس التركي، بشكل مباشر، ودولتا قطر، والإمارات العربية المتحدة، بشكل غير مباشر، من أدوار، جعل الأمر أكثر سهولة من جهة، وأكثر مفاجأة من جهة أخرى، بالرغم من توقع حدوث ذلك. والمفاجأة أنه لم تحدث مفاجأة تعكس التوقعات.
تم رفع العقوبات، عبر تجميدها أولًا، في انتظار موافقة الكونغرس على طلب الرئيس ترامب، في تموز/ يوليو المقبل، ليتم رفع العقوبات بشكل رسمي وقانوني.
ما هي العقوبات التي سيتم رفعها، وهل ستقتصر على العقوبات المرتبطة بقانون قيصر، أم ستشمل كل العقوبات المفروضة على الجمهورية العربية السورية منذ نهاية سبعينيات القرن العشرين، وهل ستشمل العقوبات تلك المفروضة على الأفراد، من أعوان النظامين الأسديين خلال ما يقرب من خمسة عقود، وهل ستشمل العقوبات المفروضة على أفراد من الفريق الحاكم مع الرئيس الشرع، وعلى الكيانات العسكرية التي حررت دمشق من حكم بشار الأسد؟
لا يتضح أي من ذلك الآن.
عدد العقوبات التي تخضع لها سورية منذ عام 1979 يبلغ 2879 عقوبة، بين أميركية وأوروبية، تشمل الحظر التجاري، والنفطي، وتجميد الأصول المالية، وفرض قيود على السفر، وعزل المصارف السورية عن النظام المالي العالمي.
في المدى القريب المقدر بأيام وأسابيع، ما يهم السوريين بشكل ملح وعاجل هو رفع العقوبات على التحويلات المصرفية، لتتدفق الأموال بشكل قانوني، من مساعدات ومنح وقروض واستثمارات، الأمر الذي يتيح للحكومة زيادة الرواتب بشكل عاجل ومدروس كي لا يبدد التضخم المتوقع جزءًا كبيرًا من أي زيادة في الرواتب.
هذا متاح، ولا بد من أن المصارف العاملة في سورية، من عامة وخاصة، استعدت قبل وقت للاستجابة لهذه المهمة. وبمجرد أن ينشط نظام سويفت ويعود للعمل في سورية، ستتدفق الأموال، لتستدرك المصارف ما فاتها، بل ستنتعش بنسب معتبرة من الأرباح، على الأقل في الفترات الأولى لعودة الروح للعمل المصرفي في سورية. وبالتوقع نفسه، سيشهد الاقتصاد السوري قفزات نمو قد تتجاوز 50 في المئة هذا العام، وربما أكثر، من بندي تدفق الاستثمارات، وحركة التجارة، والتوزيع، وهذا قبل حسابات الأرباح والخسائر التي تحتاج إلى شهور لحساب أرقامها.
بأي ثمن سيتم تحقيق هذه الآمال للمواطن السوري، الفقير أولًا؟ هذا ما أثار تخرصات من كانوا يراهنون على فشل “أبو محمد الجولاني”، عند من توقفت عقولهم عند عام 2013، ولم تحرك ذاكرتهم إلا مشاهد مختلطة ربطت الرئيس الشرع بـ”القاعدة” إلى الأبد. هؤلاء يحتاجون إلى الدليل، لكن تساؤلاتهم اليسارية الرطبة، بل المتعفنة، لا تزال تتقاطع مع إدارة النظامين البائدين لملف الجولان بعد بيعه، وعلى متاجرته بالقضية الفلسطينية، وكأنهم كانوا يفضلون أن يستمروا في سماع حجة النظامين البائدين بـ”الرد في الزمان والمكان المناسبين”. وعبر ذلك، ربطوا رفع العقوبات بشكل مباشر بتنازل الرئيس السوري أحمد الشرع عن الجولان، والانضمام إلى اتفاقيات “السلام الإبراهيمي”، متناسين أن هذه تمنيات البيت الأبيض الأميركي، التي جاءت بعد كلمة “نحثُّ”، ما يعني أن الحكم على ذلك مبكر، خاصة أن ولاية الرئيس الشرع موقتة، كونه رئيسًا غير منتخب، وسورية غير محكومة بدستور دائم اليوم، وبالتالي فإن أي قرار مصيري مثل “تناسي الجولان” والتطبيع مع دولة الاحتلال، يحتاج على الأقل إلى استفتاء شعبي ستكون نتيجته بكل تأكيد رفض الشعب السوري لذلك بأغلبية مطلقة.
ومما يُنتظر أن يعكسه رفع العقوبات، عاجلًا، إسكات الأصوات المشككة بالأمل، وكف الأيادي العاطلة عن العمل عن العبث بالعقول في وسائل التواصل الاجتماعي، من باب “الإيد البطالة نجسة” وفق تعبير المثل الشعبي المصري. ببساطة، عندما تتاح فرص العمل، ويجري المال في أيدي الشباب السوري، لن يكون لديهم من الوقت ما يهدرونه على وسائل التواصل الاجتماعي، ولن يتلقوا أي رسائل سلبية، ما يجعل جهود الذباب الإلكتروني النشطة تذهب هدرًا، وحتى أوقات فراغ الشباب السوري ستذهب للاستمتاع بنتيجة عملهم، وإلى تربية أمل أكبر، وثقة في تجاوز محنة أكلت من أعمارهم 15 سنة من اليأس.
رفع العقوبات، اليوم، أصبح خبرًا من الماضي حتى ولو لم تمض عليه ساعات. أما توديع الخوف فهو أهم منجزات الثورة السورية، أقصد الخوف من السلطة. وتوديع الخوف لن يكون خبرًا سيتجاوزه السوريون، بل واقعًا يربون حريتهم المتعاظمة عليه، لتزداد مناعتهم ضد الخوف، الخوف من السلطة، والخوف من رغيف الخبز، ونبذ اليأس، والتدرب على الحياة الجديدة.
وإذ إنه من المبكر الآن الحديث عن إعادة الإعمار، أو تلمس نتائج فورية من ذلك، ينتظر فقراء سورية الآن تباشير ذلك، عودة الكهرباء، تحسين الاتصالات والمواصلات، وتوفير المياه، والدواء، وقفزات كبيرة في القطاع الصحي، وهذه أشياء يمكن إنجازها في شهور، خاصة أن عودة المصارف للارتباط بالعالم تعني تدفق الأموال، ومع الأمل بأن تتسلمها أيد نظيفة، فإن ذلك يعني في ما يعنيه أن ما تقدره الأمم المتحدة بسنوات كزمن لانتعاش هذه القطاعات سيكون في شهور فقط. وتعبير انتعاش هنا لا يعني النهوض من حضيض، بل العودة على الأقل إلى المستويات شبه الآدمية التي كانت متوافرة في عام 2011. وبالمناسبة، كان القطاع الصحي في حالة سيئة قبل الثورة. إذ لا يعني أن الطبابة مجانية في المشافي التي كانت تمولها وتديرها الدولة أن الخدمات الصحية في سورية كانت جيدة. هي في أحسن الأحوال كانت مقبولة. ويكفي التذكير بالأسعار الفاحشة للمشافي الخاصة وقتها للقياس على مدى تدني مستوى الخدمة في المشافي العامة. ومن دون وساطة، ورشاوى، وإكراميات، لم يكن المواطن ليحصل بسهولة على تلك الخدمة المتدنية الجودة، خاصة مع اكتظاظ تلك المشافي بالمرضى والمراجعين.
بدأت معجزات الرئيس الشرع مع الدخول إلى دمشق وفرار رأس النظام المخلوع، تلتها معجزة غياب أي مظهر من مظاهر الانتقام في أول شهرين، مع تجاوزات محدودة لا ينكرها عاقل، لكن لها تفسيرات، وتتحمل السلطة كل المسؤولية عنها. وأتت المعجزة الثالثة برفع العقوبات.
أي من هذه الثلاثة لم تكتمل بعد، فدمشق ليست دمشق مع كل هذا الفقر، وكل الخدمات المتدنية، أو الغائبة تمامًا. والانفلات الأمني في الساحل، وتمنع السويداء، وتكرار جرائم القتل، وعدم محاسبة المتسببين فيها يحتاج حلًا سريعًا. كما أن رفع العقوبات يحتاج وقتًا لتظهر آثاره على حياة الناس.
وإذا أضفنا لذلك مشكلة الخبز المتوقعة مع جدب الموسم الزراعي هذا العام، سيكون على الحكومة توفير القمح المستورد في انتظار الموسم المقبل.
تبقى مشكلة المياه في العاصمة، مع شح الأمطار هذه السنة، وتراجع مخزون مياه نبع عين الفيجة المغذي لدمشق، ما يعني وجوب العمل سريعًا على تغذية شبكة مياه العاصمة بحفر آبار جوفية تخفف الضغط على نبع عين الفيجة، مع بناء محطات لتنقية المياه وترقيدها، لألا تتسبب هذه المياه بأي آثار صحية على سكان دمشق وزوارها.
والمؤكد أن إسعاف سورية لن تستطيع الحكومة وحدها القيام به، فعلى عاتق المجتمع المدني السوري، المقيم والمغترب، جزء من ذلك، وتستطيع أموال هؤلاء، وتبرعات الأفراد مهما بلغت من التواضع، إعادة بناء ترميم وبناء المدارس، ليعوض كثير من التلاميذ والطلاب ما فاتهم في سنوات الحرب. وهذه إحدى أهم مهمات السوريين، حكومة وشعبًا، كي يواسي الجيل الآتي خيبات الآباء والأجداد.
ضفة ثالثة
———————————-
عن النقاش المعقّد في وضعية سوريا راهنا…/ ماجد كيالي
التمهيد لتمكين الشرط الداخلي
آخر تحديث 16 مايو 2025
في النقاش الراهن والسائد، بشأن وضعية سوريا وشعبها، غالبا ما يجري الحديث عن معايير نظرية جاهزة، أو عن رغبات وأمنيات مشروعة كاشتراطات مسبقة، وهو أمر جائز نظريا، بيد أنه لا يقدم أو لا يضيف شيئا جديدا أو عمليا، بل ويبعث على الخلط والارتباك والضياع والإحباط.
المشكلة في خوض غمار هذا النقاش أيضا، تتمثل بالقفز مرة واحدة عن مراكمات نصف قرن من منع السياسة والافتقاد للدولة، ولحقوق المواطنة، وشيوع التسلط والاستبداد والفساد، والتقوقع في حيز الهويات الأولية، الطائفية والإثنية، في ظل “نظام الأبد” البائد، علما أن تلك ليست مجرد توصيفات أو حيثيات شكلية، إذ إنها حفرت كثيرا وعميقا في سيكولوجيا السوريين، وروحهم وعقلهم وسلوكياتهم، وأثرت بشكل سلبي على رؤيتهم لذاتهم، وعلاقاتهم إزاء بعضهم وأيضا إزاء السلطة.
فوق كل ما تقدم، يلزم إضافة 14 عاما من العنف المفرط والأعمى، الذي ذهب إليه النظام الفارط في محاولته الحفاظ على سلطته، وبخاصة أنه أخذ السوريين إليه، مع كل ما صاحب ذلك من قتل وتدمير وتشريد ملايين السوريين، الأمر الذي أدى إلى إفقارهم، وتخريب عيشهم في الداخل والخارج، مع تبديد مواردهم وتدمير بناهم التحتية، ووضع الحواجز بينهم.
بالطبع يمكن التسليم بأن نظام الأسد بات من الماضي، وبأنه لا يمكن قياس الحاضر على الماضي، لأن الثورة تعني التجاوز وخلق عالم بديل أفضل، لكن هذا الكلام على أهميته، يفترض أن لا يتناسى الواقع على حقيقته، أو القفز فوق المقدمات السابقة، وضمنها التركة الثقيلة والعميقة والمشوهة التي قد تبقى ربما لعقد أو لعدة سنين.
وكي لا يكون الحديث منفصما عن الواقع، ومحكوما بالرغبات على جري السائد، يفترض البناء على الإدراكات الآتية، أولا حال الفراغ السياسي الذي تعاني منه سوريا منذ عقود، والتي تفتقد لقوى حزبية/سياسية وازنة، تعبر عن مصالح هذا القطاع أو ذاك من الشعب (كمصالح اقتصادية وسياسية واجتماعية وثقافية وليس هوياتية).
ثانيا، افتقاد سوريا للوحدة الإقليمية، ولسيادة الدولة على أراضيها، مع وجود عدة جيوش أجنبية، ومع وجود حالات ميليشياوية هوياتية (طائفية وإثنية)، وحل هاتين المعضلتين تستوجبان أعلى قدر من الحكمة والمرونة، بما في ذلك تأمين الشرعية الداخلية والخارجية، إذ الداخلية هي الأساس طبعا.
ثالثا، عدم الوقوع في فخ الاستدراج لأي خيار عسكري داخليا وخارجيا، لأن الحل الأمني مضر جدا بالسوريين وبإجماعاتهم الوطنية، ولا تتوفر إمكانياته، مع ملاحظة أن الشعب السوري تعب من هذا الوضع، مع معرفتنا أيضا بأنه في غاية الاستنزاف.
رابعا، إدراك أن تمزّق الجغرافيا والدولة، يتطلبان توفير الشرعية الداخلية، بتأكيد وحدة المجتمع السوري، وبترسيخ المسارات الدستورية اللازمة، التي تجعل من السوريين شعبا حقا، في دولة مؤسسات وقانون ومواطنين، أحرارا ومتساوين؛ فهذا هو السلاح الأمضى والأنسب الذي يمكن أن يجنب سوريا عديدا من الأفخاخ، ويصد التحديات أو التدخلات الخارجية.
خامسا، ضمن كل تلك الرزمة يفترض الأخذ في الاعتبار أن سوريا تمر بمرحلة انتقالية صعبة ومعقدة، بخاصة مع وجود قوى خارجية يهمها إضعاف سوريا، وتقييد قدرتها على التعافي والنهوض، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، بالطريقة الناعمة أو الخشنة.
في طرحنا لكل تلك الحيثيات، يفترض أن نتذكر أيضا أن تجربة “المعارضة السورية”، بقطاعاتها السياسية والعسكرية والخدمية، لم تقم بما عليها، على النحو المناسب ولو نسبيا خلال 14 عاما، رغم تحررها من النظام السابق، ووجودها في دول مثل تركيا وبريطانيا والنرويج والسويد وفرنسا وألمانيا، على سبيل المثال.
ومعلوم أن تلك المعارضة لم تستطع أن تبني “البيت السوري”، أي الكيان السياسي السوري الجامع، ولا توحيد قوى المعارضة أو شخصياتها الأساسية، كما لم تستطع تنظيم منصة سياسية أو إعلامية، رغم كل ما أتيح لها، ورغم أنها احتكرت تمثيل الشعب السوري، ولعل مآل “المجلس الوطني” و”الائتلاف الوطني”، وكل الهيئات التابعة لهما، أكبر دليل على ذلك، إذ لم يعد لهما أي أثر على أي صعيد، عدا أنهما لعبا دورا سلبيا في الحؤول دون توليد حركة سياسية سورية، وحتى دون القدرة على تنظيم الجاليات السورية في البلدان الأجنبية.
تلك الحيثيات لا تفيد بالاعتراض ولا بالتحفظ، على أي نقد سياسي للإدارة الانتقالية الحالية، إذ إن النقد حالة إيجابية وضرورية إزاء أي سلطة مهما كانت، للترشيد والتطوير وفتح الخيارات، وتعزيز فكرة الحرية والديمقراطية.
وبشكل خاص فإن القيادة السورية الحالية تستحق النقد، بقدر مسؤوليتها عن الإنجازات التي تحققت للشعب السوري بإسقاط النظام، وبتعزيز شرعية الدولة الوليدة إزاء الخارج، وبخاصة أن الحديث يتعلق بمرحلة انتقالية، يفترض أن تتحدد فيها ماهية الدولة، وشكل علاقتها بالمجتمع، إذ إن اكتساب الشرعية الداخلية، يسهم بتعزيز شرعيتها الخارجية كدولة، ويقويها وليس العكس، وهذا يتعلق باستعادة الأمن والأمان والاستقرار لكل المواطنين بلا استثناء، عبر إنهاء ظاهرة الفصائل غير المنضبطة، وغير المسؤولية وغير الخاضعة للدولة، وتعزيز السلم الأهلي، بإعادة الثقة لعلاقة المواطنين بعضهم ببعض، وأيضا لعلاقتهم بمؤسسات دولتهم.
الآن، ومع حسم الرئيس ترمب لخيار رفع العقوبات الأميركية المفروضة على سوريا، يفترض أن تكون هذه هي اللحظة التاريخية الثانية، بعد إسقاط نظام الأسد إلى الأبد، للتأسيس لسوريا الجديدة، عبر التمهيد لتمكين الشرط الداخلي كي يصير السوريون شعبا حقا، في دولة مؤسسات وقانون محايدة إزاء مواطنيها الأحرار والمتساوين والشركاء في الوطن، بمعزل عن حيثية الغلبة، و”من يحرّر يقرّر”، ومظلوميات الماضي والحاضر، وحيثية المكونات والأقليات والهويات الأولية، التي من الممكن والأجدى أن تبقى موضع احترام، وككناية عن حيوية شعب سوريا بتنوعه وتعدديته عبر التاريخ.
المجلة
——————————
سورية: تساؤلات بعد رفع العقوبات الأميركية/ عدنان عبد الرزاق
16 مايو 2025
عمّت سورية الفرحة، ولم تزل، بعد إعلان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، من العاصمة السعودية الرياض، رفع العقوبات حتى من دون التأكد حتى الآن، هل هو رفع أو إلغاء، مؤقت ومشروط أم دائم، لأن ما ذاقه السوريون، جراء العقوبات والحصار، خاصة خلال سني الثورة، أبعد أي استفسارات وشكوك عن سرقة فرحتهم وبدء التعويل والآمال على ما بعد العقوبات.
البلد يعاني، منذ عام 1979 العقوبات الأميركية، وقت أدرجت سورية ضمن أول قائمة استحدثتها واشنطن ضمن ما أسمتها “الدول الراعية للإرهاب” وما تلاها من عقوبات، منذ قانون محاسبة سورية حتى قانون قيصر والكبتاغون خلال الأعوام الأخيرة، ما أنهك سورية وأتعب أهليها، بعد دخولهم قوائم الأقل دخلاً والأكثر بطالة، وتحولت بناهم الاقتصادية، ما بين متهالك ومنتج بالحد الأدنى، إلى ما يمكن وصفه بأنه خارج التطور الذي لم تبدله محاولات الأسدين، الوارث والوريث، التوجه شرقاً أو إخراج أوروبا وأميركا عن الخريطة، كما قال وزير خارجية الأسد، وليد المعلم.
عادت الآمال من جديد بالتوجه غرباً وبناء تحالفات مع “خصوم الأمس”، رغم المخاوف من تقلبات “التاجر ترامب” والمبالغة بالثمن الذي قد يصل رهن ثرواتهم ومقدراتهم، أو حتى تجرعهم كأس سم التطبيع مع العدو الإسرائيلي، من دون ضمانات تحفظ حدودهم وتعيد حقوقهم، بواقع ما يقال عن شروط الاستقواء التي تتسرب تباعاً بالتوازي مع أشكال رفع العقوبات وزمنه.
قصارى القول: ربما اليوم، وبعد برودة خبر رفع العقوبات الأميركية الاقتصادية وما رافقه من انفعالات عاطفية، لا بد من طرح الأسئلة والتفكّر في كيفية الاستفادة من الطور الجديد الذي ستدخله سورية، لعلّ بالتساؤل تحوّطاً أكثر منه مد اليد لسرقة أفراح السوريين المستحقة.
وأول الأسئلة، هل إلغاء للعقوبات أو تعليقها لأجل، ريثما تنفذ سورية الشروط الخمسة التي تكررت وعلى لسان غير مسؤول، أميركي وأوروبي، وهل سيكونان على كامل العقوبات المفروضة من الولايات المتحدة، أم على مراحل وسلال، بواقع ما يقال عن ضرورة موافقة الكونغرس على إلغاء بعض العقوبات والتي لا يشملها قرار الرئيس ترامب؟
هل ستقتدي الدول الأوروبية بقرار ترامب، فتلغي العقوبات، بعد رفعها المؤقت، في فبراير/شباط الماضي عن قطاعات الطاقة والنقل والخدمات المصرفية، لتنعتق سورية من قيود العقوبات وتبدأ مسيرة تحولها وربما تغيير بنى وهياكل اقتصادها وحتى تسليحها، بما يتوافق مع العلاقات الجديدة مع الغرب؟
كيف سينعكس إلغاء العقوبات واستبعاد المنظومة المصرفية السورية، عن نظام التحويل المالي العالمي “سويفت” على تحويل أموال المغتربين إلى ذويهم بالداخل، من دون ابتزاز ونسب شركات الحوالات؟ وهل سيكون الباب مشرعاً لتهافت الاستثمارات والأموال، وتزول ذرائع الدول التي منّت السوريين بالمساعدات العاجلة، لولا “سويفت” والعقوبات؟
هل يمكن لسورية والسوريين أن يتمادوا بأحلامهم، بعد رفع العقوبات، ويعولوا على استرداد الأموال المنهوبة، بعد ضمان رفع العقوبات عودة الأموال الحكومية المجمدة، لنرى عودة الاحتياطي الأجنبي في مصرف سورية المركزي، على الأقل لما كان عليه قبل الثورة عام 2011 بنحو 18 مليار دولار، ليتمكن من التدخل بالسوق ويحمي الليرة السورية من التذبذب والتراجع؟
وهل يتابع السوريون بتمادي أحلامهم، فيعولوا على منتدى، عربي أو دولي، يلي رفع العقوبات، لتتوجه الأنظار والأموال إلى سورية، فيعاد الدم إلى القطاعات المهدمة والدوران لعجلة الاقتصاد المنهك بعد تراجع كامل الناتج المحلي الإجمالي لنحو 16 مليار دولار؟
ولعل الأهم، كيف سينعكس رفع العقوبات على المواطن السوري، بعد أن دفع ثمن العقوبات وعانى الأمرين، بمعنى الكلمة وليس تشبيهاً، خاصة خلال حلمه الثوري بالحرية والعيش الآدمي خلال العقد الماضي، لينصرف إلى متع الحياة وامتلاك مستجدات التكنولوجيا ومفرزات الحضارة وتطوير ذاته وإمكاناته، ولا يبقى أسير نفقات العيش وتأمين شروطها ولو بالحد الأدنى؟
والانعكاس لا يكون هشاً ووهمياً كالذي شهدته الأسواق، أمس واليوم، جراء التحسن الوهمي لسعر الصرف الذي جاء لأسباب نفسية سياسية من دون أي مقومات وعوامل اقتصادية تضمن ثبات السعر الجديد، بل بالاستناد إلى اقتصاد حقيقي، منتج ومصدر، يضمن أعمالاً منافسة ودخولاً مناسبة، ويمنح سعر الصرف استقراراً والليرة عزاً، حتى لو لم يتم حذف أصفار منها.
نهاية القول: شكر وعرفان لكل من ساهم برفع العقوبات الأميركية عن سورية، من السعودية وقطر مروراً بتركيا، مع ارتسام ملامح الأمل التي تبدت على جميع السوريين، جراء توقع التحول الجذري في الاقتصاد وفتح الأسواق أمام البضائع والسلع الأساسية، منذ تصريح ترامب خلال منتدى الاستثمار السعودي الأميركي، برفع جميع العقوبات المفروضة على سورية، لأن شعبها “تحمل ما يكفي من الكوارث والحروب والقتل”.
بعد ذاك، ربما لا بد من متابعة الأسئلة حول كيفية استثمار حكومة الرئيس أحمد الشرع رفع العقوبات، والتي يعقد عليها السوريون، آمالاً وانتعاشاً ليبلغوا، بعد التهديم والفقر والتراجع على كل المستويات والقطاعات، مصاف دول الجوار على الأقل.
هل سنجد مواكبة، قانونية وتنظيمية وأمنية، لما يوازي الآمال الداخلية وشروط رؤوس الأموال، البشرية والمادية الخارجية، لتعلن سورية مبدأ “هيا للعمل” وترفع، بالتوازي مع رفع العقوبات، جميع السقوف والمعوقات التي أوجدتها حكومة الأسدين خلال بنائها بنية الاقتصاد المغلق وشكل النظام الاستبدادي؟
وهل ستنجح الحكومة السورية الجديدة في خلق المغريات، على الأقل للمهاجرين السوريين، ليعودوا ويساهموا بنهضة بلدهم، بعد أن أدمنوا الحرية والأجور المرتفعة ومنتجات الحضارة بأوطانهم الجديدة، إن لم نتماد ونقُل، خلق فرص حتى للرساميل الدولية لتأتي وتساهم ببناء سورية؟
إذاً، كيف ستستثمر الحكومة السورية نتائج رفع العقوبات الأميركية؟ هو السؤال اليوم، بعد رمي الكرة في ملعبها وسحب ذريعة العقوبات وقيود الحصار، سواء ببناء اقتصاد متطور من دون أن ترتهن للخارج أو تتبع لنموذج وهيكل محدد، أو، وهو الأهم ربما، كيف ستسخر البحبوحة بعد العقوبات في رأب التصدعات الداخلية وتقوية سورية من الداخل، لتبتعد عن التشظي والتوتر، والتي إن ضعفت أو تفتّتت، فلن تفيدها الأموال أو رفع العقوبات التي قد يعاد فرضها من جديد؟
العربي الجديد
—————————–
الاعتراف الأميركي بالنظام الجديد في سوريا: السياق والدلالات/ شفيق شقير
15 مايو 2025
مقدمة
عُقد اجتماع بين الرئيس السوري، أحمد الشرع، والرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في العاصمة السعودية الرياض، في لقاء هو الأول من نوعه بين رئيسي الدولتين منذ 25 عامًا. واستمر الاجتماع، الذي انعقد على هامش القمة الخليجية-الأميركية، في 14 مايو/أيار 2025، لأكثر من نصف ساعة. وقد شهد اللقاء حضور ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، ومشاركة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، عبر “الفيديو” عن بعد، كما حضره أيضًا وزير الخارجية الأميركي، مارك روبيو، ونظيره السوري، أسعد الشيباني.
وكان الرئيس ترامب قد أكد في كلمته خلال انعقاد القمة الخليجية-الأميركية أن “الولايات المتحدة ستبحث تطبيع العلاقات مع سوريا بعد اللقاء بالشرع”، مشددًا على أن قراره رفع العقوبات عن سوريا جاء لمنح البلاد فرصة جديدة. ومن المتوقع أن ينعكس هذا التطور تحسنًا اقتصاديًّا نسبيًّا وسريعًا في سوريا، لاسيما أن بعض هذه العقوبات بيد الرئيس الأميركي ويستطيع إلغاءها فورًا، وسيشجع هذا القرار بقية الدول على التطبيع السياسي والاقتصادي مع دمشق، وعلى الاستثمار فيها.
يتناول هذا التعليق الموقف الأميركي المستجد من سوريا، والعزم على رفع العقوبات عنها والاعتراف بالنظام الجديد، ودلالة ذلك وأهم تداعياته على سوريا وعلى مستقبل المنطقة ونظامها الإقليمي والعربي.
السياق والدلالات
أعلن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في 13 مايو/أيار 2025، نيته رفع العقوبات عن سوريا، ويأتي ذلك تتويجًا لسعي سوري قادته الحكومة الجديدة، التي وضعت الاستقرار والإعمار أولوية مطلقة لها. كما يأتي في سياق جهد عربي، وخليجي تحديدًا، وتركي لاستعادة الاستقرار في سوريا والمنطقة عمومًا، ولتفتح الباب أمام دور سوري جديد في الإقليم بمعايير مختلفة عن السابق. ومن الواضح أن واشنطن قد حسمت أمرها واختارت نهج التعاون مع الحكم الجديد في سوريا لتعطيه “فرصة للنمو”، وفق تعبير ترامب. وهذا التطور يحمل دلالات عدة، من أبرزها:
أولًا: سيعزز هذا التطور شرعية النظام الجديد في دمشق، وسيجعل التوجهات الحالية للقيادة السورية تستمر إلى ما بعد المرحلة الانتقالية. وسيسهم هذا الدعم الإقليمي والدولي في تثبيت الاستقرار، لاسيما في مواجهة الصعوبات الداخلية، التي يتعلق بعضها بالعلاقة مع الأقليات وبعضها بإرث النظام السابق وما خلَّفه من انقسام وهشاشة في بنية المجتمع والدولة. وبعضها الآخر بالوضع الاقتصادي وما تشهده سوريا من انهيار في كل مرافقها، خاصة بعد أن تخلى عنها عمقها العربي وأغلب محيطها الإقليمي والدولي.
ثانيًا: جاء الاعتراف الأميركي بالحكم الجديد في دمشق وإعلان رفع العقوبات، دون فرض شروط صعبة، خاصة فيما يتعلق بالتطبيع مع إسرائيل. واكتفى الرئيس الأميركي بدعوة الشرع للانضمام إلى “اتفاقيات أبراهام”، دون أن يكون ذلك شرطًا للاعتراف بنظامه أو تحسين العلاقات معه. ومما ساعد على ذلك، أن المملكة العربية السعودية استطاعت أن تجدد علاقتها “الذهبية” مع واشنطن، بعيدًا عن المسار الذي كانت تدفع إليه إسرائيل. ولا يبدو أن لدى الرئيس الشرع مانعًا من العودة إلى اتفاقية فض الاشتباك بين سوريا وإسرائيل لعام 1974، بل إنه دعا إلى ضرورة العودة إلى هذه الاتفاقية وأن تشمل أيضًا انسحاب إسرائيل من الأراضي الجديدة التي احتلتها.
ثالثًا: سيعزز هذا التطور من الالتفاف العربي والتركي حول سوريا، وسيخلق فضاء سياسيًّا واقتصاديًّا مشتركًا لن يكون بعيدًا عن واشنطن، وتقع دمشق في قلبه. كما سيخلق دينامية إقليمية جديدة ستؤثر على عموم المنطقة، وبوجه خاص، المشرق العربي، حيث تركزت المطالب العربية على الحد من دور إيران وحلفائها سواء من الدول أو من التنظيمات المسلحة في المنطقة. وسيكون بإمكان سوريا الموحدة والمستقرة أن تلعب في المستقبل دورًا موازنًا لإيران في الإقليم، الذي اختل توازنه منذ سقوط بغداد وانهيار حكم الرئيس صدام حسين، عام 2003، وذلك بقطع النظر عن طبيعة العلاقة التي ستنشأ بين دمشق وطهران.
رابعًا: لن يرضي هذا التطور إسرائيل، التي لم تتأخر عن إعلان انزعاجها من إمكانية تحول الوضع الجديد في سوريا لغير مصلحتها. فقد عبَّرت عن خشيتها مما يمكن أن يؤول إليه هذا الوضع بسبب الخلفية الإسلامية للقيادة الجديدة، وأن تغيير النظام الذي أسهم في إنهاء تمدد إيران في المنطقة، قد يتحول في المستقبل إلى تهديد لإسرائيل. ولا شك أن استقرار سوريا وازدهارها وتنامي دورها العربي والإقليمي، سيحد من قدرة إسرائيل على التوسع في محيطها أو التحكم في توجهات النظام الجديد وفرض شروطها عليه. وكانت إسرائيل قد بادرت، مباشرة بعد سقوط نظام بشار الأسد، إلى التوغل في الأراضي السورية بمئات الكيلومترات بذريعة حماية حدودها، وحرضت الأقليات على “التمرد” ضد الإدارة الجديدة، وادعت أن توسعها العسكري كان من أجل “حماية الدروز”.
خامسًا: إن الإجماع العربي، وخاصة الخليجي، واحتضانه لدمشق، قد يشكل نقطة البداية لإعادة بناء نظام إقليمي عربي جديد، بعد أن شهدت المنطقة خلافات عربية وانقسامات حادة، خاصة منذ عام 2011 الذي شهد بداية ثورات “الربيع العربي”. وكان الموقف من النظام السوري السابق محورًا أساسيًّا لتلك الخلافات التي لم تُحسم إلا بعد سقوطه. وهذه السبيل لن تكون سهلة، لأن إسرائيل كانت -ولا تزال- تطمح إلى بناء نظام إقليمي جديد على أنقاض غزة، يكون التطبيع محوره الأساس وليس أحد مفرداته فقط، وتكون إسرائيل وقيادتها للمنطقة في المركز منه.
خاتمة
لن يتردد الحكم الجديد في دمشق في القول إنه سجل “انتصارًا ثانيًا” بحصوله على اعتراف من واشنطن وبرفع العقوبات عن سوريا، لأن من شأن ذلك أن يضفي شرعية كاملة على العهد الجديد ويفتح بالتالي مرحلة جديدة في سوريا تستعيد فيها دورها المحوري في المنطقة. لكن ذلك سيلقي على كاهلها، إضافة إلى مسؤولياتها المباشرة في حفظ الأمن والاستقرار وتقديم الخدمات الأساسية لمواطنيها، متطلبات أخرى تحظى بالأولوية لدى واشنطن وباقي الأصدقاء والحلفاء الجدد، منها محاربة “تنظيم الدولة” والحرص على عدم عودته، وترحيل من وصفهم ترامب بـ”الإرهابيين الفلسطينيين”، والطلب من “المقاتلين الأجانب مغادرة سوريا”، وأن لا تشكل سوريا تهديدًا لدول الجوار، وخاصة إسرائيل. ستتحمل القيادة الحالية كل ذلك في وقت لا يزال الحكم الجديد في طور التأسيس، وتنتظره تحديات داخلية في مجتمع منقسم وهَشٍّ سياسيًّا واقتصاديًّا. ولا تزال لبعض الدول المجاورة تحفظات عليه، مثل إيران والعراق نسبيًّا، فضلًا عن استمرار الاعتداءات الإسرائيلية وتهديداتها المتكررة.
نبذة عن الكاتب
شفيق شقير
باحث في مركز الجزيرة للدراسات، متخصص في شؤون المشرق العربي، والحركات الإسلامية. حاصل على درجة الدكتوراه في الدراسات الإسلامية (فرع القانون والفقه وأصوله). تغطي اهتماماته البحثية الأزمات الداخلية في المشرق العربي والنزاع العربي-الإسرائيلي، وكذلك التيارات الإسلامية السُّنِّية والشيعية، والجماعات الجهادية، ومقولاتها الفكرية والفقهية وتوجهاتها السياسية. له مشاركات وبحوث عدة، منها: حزب الله: روايته للحرب السورية والمسألة المذهبية، “علماء” التيار الجهادي: الخطاب والدور والمستقبل، الجذور الأيديولوجية لتنظيم الدولة الإسلامية، الحراك اللبناني: السياق العربي وتحديات نسخة الطائف الثالثة.
————————————–
إعلان ترامب رفع العقوبات عن سورية.. بداية لحل ملفات داخلية؟/ محمد أمين
15 مايو 2025
مهّد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب نيّته رفع العقوبات الأميركية عن سورية، أول من أمس الثلاثاء، الطريق أمام انفراجات محتملة في العديد من الملفات الداخلية التي تواجه مستقبل البلاد، لا سيما القضايا التي لا تزال عالقة من دون حسم ما بين الحكومة في دمشق وبعض مكونات المجتمع السوري المذهبية والعرقية. ومع هذه الخطوة، تخففت الإدارة السورية من ضغوط خارجية وداخلية كانت تعيق التعاطي مع العديد من التحديات التي لا يمكن عزلها عمّا شهدته البلاد بعد إسقاط نظام الأسد من اضطرابات هددت السلم الأهلي والاستقرار الأمني أكثر من مرة. ومن المتوقع أن تنخرط هذه الإدارة أكثر في مقاربات مختلفة عن سابقاتها حيال ملفات كثيرة في مدى منظور؛ لعل أبرزها الشروع في العمل على بناء دستور دائم، توافقي بين مختلف المكونات السورية السياسية والمذهبية والعرقية، واختيار برلمان مؤقت يملأ الفراغ التشريعي الموجود في السلطة القائمة، كما نص الإعلان الدستوري المؤقت.
وحملت كلمة الرئيس السوري أحمد الشرع، مساء الأربعاء، الكثير من الرسائل للداخل السوري، فـ”سورية لن تكون بعد اليوم ساحة لتصفية الحسابات، ولا منصة للأطماع”، مؤكدا: “لن نسمح بتقسيمها أو بإعادة إنتاج سرديات النظام السابق”، مضيفا: “سورية لكل السوريين”. وسرى تفاؤل كبير في الشارع السوري بعد إعلان الرئيس الأميركي نيته رفع العقوبات عن سورية بالتوصل إلى حلول لكل المشاكل والمعضلات السياسية في البلاد. ويأمل الشارع أن تكون هذه الخطوة بداية جديدة لمقاربات أكثر جدية مع الملفات الاقتصادية والسياسية، تحمل تطمينات عملية للأقليات في البلاد كيلا لا تتحول إلى أوراق ابتزاز سياسي لدى أطراف إقليمية ودولية تبحث عن مزيد من النفوذ في سورية.
ورأى الباحث السياسي زيدون الزعبي أن على الإدارة الجديدة في دمشق القيام بعدة خطوات وإجراءات بعد إعلان ترامب، مبيناً، في حديث مع “العربي الجديد”، أن على الحكومة السورية “رفع مستوى التمثيل، وتحريك سرير الاقتصاد”. وتابع: “علينا إنشاء جيش وطني والوصول إلى حلول مع مكونات المجتمع السوري كافة، وإطلاق عملية البناء الدستوري الدائم، وتشكيل سلطة تشريعية، وإبعاد المقاتلين الأجانب، وطرح قانون جديد للجنسية. هذه الإجراءات كلها يجب على الإدارة تنفيذها بسرعة شديدة”.
ورحّبت كل الأطراف السورية بالإعلان عن توجّه أميركي لرفع العقوبات، ومنها شيخ عقل الطائفة الدرزية في سورية حكمت الهجري، الذي أمِل “أن ينعكس هذا الانفراج الاقتصادي خيرا على الشعب السوري ليرمم نفسه ويستعيد عافيته بعيدا عن الإقصاء والتهميش، لنعيش جميعا شركاء انتصارات تحت سقف سورية الواحدة المدنية، بكل إثنياتها وطوائفها وأعراقها وتلاوينها”، وفق بيان.
وكان للهجري موقف يُعتبر متشددا من الإدارة السورية الجديدة وصل إلى حد المطالبة بـ”حماية دولية” للدروز في سورية، متهما هذه الإدارة بـ”ارتكاب مجازر”، مغلقا الباب أمام أي تفاهم معها. بيد أن البيان الذي أصدره الخميس بعد رفع العقوبات حمل إشارات ربما تدلل على تغيّر في الموقف من دمشق، التي منحها التوجه الأميركي لرفع العقوبات واللقاء الذي جرى في الرياض بين الرئيس السوري أحمد الشرع والرئيس الأميركي دونالد ترامب دفعة معنوية عالية قوّت موقفها في الداخل والخارج. وحتى اللحظة، لم تتبلور علاقة واضحة ما بين دمشق والسويداء التي ترفض تسليم السلاح، مبررة ذلك بالخوف من تجاوزات على أساس طائفي كتلك التي حدثت في الساحل السوري مطلع مارس/ آذار الفائت. وربما تفتح الأوضاع المستجدة باباً لحوار جديد ما بين المرجعيات الدينية والسياسية في السويداء والإدارة في دمشق من أجل التوصل إلى تفاهمات تفتح الباب أمام عودة كل مؤسسات الدولة إلى هذه المحافظة التي تتأرجح ما بين عدة تيارات سياسية في الوقت الراهن.
لتشبيك سياسي واجتماعي
وبرأي الباحث نورس عزيز في حديث مع “العربي الجديد”، فإنه “لن تكون السويداء خاصرة رخوة للعاصمة دمشق”، مشيرا إلى أن خطاب الشيخ الهجري الحاد حيال الإدارة التي تسلمت مقاليد الأمور في البلاد قبل أكثر من خمسة أشهر “مرده القلق على الطائفة الدرزية، لا سيما بعد المجازر التي حدثت في الساحل”. وتابع عزيز: “يجب على جميع الأطراف التوقف عن اختلاق المشاكل الداخلية في سورية والبدء في إعمار البلاد. يجب أن تكون السلطة في سورية تشاركية تضم كل مكونات الشعب السوري الطائفية والدينية والعرقية سواء في السويداء أو في الساحل أو الشمال الشرقي”. وأشار الباحث السوري إلى أن المرحلة القادمة “تتطلب تشبيكا اجتماعيا وسياسيا عميقا في سورية”، مضيفا: “يجب التوصل إلى صيغة إدارية للحكم في سورية تضمن عدم ظهور إشكاليات في المستقبل”.
كما رحّب قائد قوات “سوريا الديمقراطية” (قسد) بإعلان الرئيس الأميركي بشأن العقوبات، مؤكدا التزامه بتنفيذ الاتفاق الذي وقعه مع الشرع في العاشر من مارس الماضي لدمج هذه القوات ذات الصبغة الكردية في المنظومة العسكرية للبلاد. وكان الجانب الكردي رفع سقف مطالبه من دمشق مؤخرا بعد مؤتمر عقد في مدينة القامشلي طالب بإقرار مبدأ “اللامركزية” في البلاد، ومطالب أخرى دفعت الرئاسة السورية إلى إصدار بيان حمل نبرة انتقاد واضحة لهذه المطالب التي تُعد “غير واقعية” لدى قطاع واسع في الشارع السوري، وغير قابلة للتفاوض.
وتشي تطورات المشهد السوري بأن كل الأطراف معنية اليوم بالتوصل إلى حلول جدية قابلة للصمود، خاصة في ما يتعلق بمخاوف أقليات طائفية، مثل الدروز في جنوب سورية، والعلويين في الساحل، وأخرى عرقية في الشمال الشرقي من البلاد، حيث ينتشر أغلب السوريين الأكراد.
“كثير من التغييرات”
وفي هذا الصدد، رأى الباحث السياسي المقرب من الإدارة الذاتية الكردية إبراهيم مسلم، في حديث مع “العربي الجديد”، أن إعلان واشنطن توجهها لرفع العقوبات عن سورية “سيدفع باتجاه حل الكثير من الإشكالات ما بين الإدارة السورية وقوات قسد والكرد عموما”. وتابع: “كل الأطراف الدولية، بما فيها واشنطن، طالبت الإدارة بضم قوات قسد لتكون جزءا منها”. ورجّح مسلم أن تشهد الساحة السياسية السورية في الفترة المقبلة الكثير من التغييرات على ضوء الموقف الأميركي الجديد. وتوقع تغيير “الإعلان الدستوري” الذي صدر في الثالث عشر من مارس/ آذار الفائت، ولم يكن على مستوى تطلعات الأكراد الذين يطالبون بإعادة النظر فيه ليضم مواد تضمن حقوقهم السياسية والثقافية. وقال: “الأكراد مكون أصيل من مكونات الشعب السوري، ولا تستطيع أي جهة إلغاءهم وإقصاءهم. أعتقد أن تغييرات ستحدث بناء على الاتفاق الذي وُقع بين الرئيس الشرع ومظلوم عبدي”.
وإضافة الى هذه المعطيات الداخلية، يتخوف البعض من إقدام جهات خارجية، وإسرائيل خاصة، على محاولة التشويش على التطورات في سورية من خلال افتعال مشكلات أو تحريض أطراف معينة على التعاطي السلبي مع حكومة دمشق، بغية دفع أصحاب القرار في واشنطن إلى التريث في تطبيق قرار رفع العقوبات أو تطبيقه جزئيا فقط، بغية إبقاء حكومة دمشق في موقف ضعيف، وذات قابلية للابتزاز الإسرائيلي، خاصة مع ظهور معطيات تفيد بأن حكومة نتنياهو حاولت ثني إدارة ترامب عن هذه الخطوة، لكن الأخيرة أعطت إذنها لحلفاء واشنطن الآخرين في المنطقة، وليس لإسرائيل.
العربي الجديد
————————————–
هل بدأت مرحلة الاستقرار في سورية؟/ رشا عمران
16 مايو 2025
لا يُغضب قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب (من الرياض) عزمه رفع العقوبات عن سورية، سوى الذين لا يريدون للسوريين استئناف حياتهم المتوقّفة منذ أكثر من عقد، ولا يريدون للسوريين العيش بكرامة وأمان، ولا استعادة سلامهم النفسي الفردي والجمعي. وهؤلاء ليسوا سوريين فقط، بل هناك من غير السوريّين من يسوءُهم أن تستعيد سورية استقرارها وأمن مجتمعها وشعبها، ذلك أن ما شهدته الساحة السورية في سنوات الثورة والحرب جعل من تداخل مصالح دول وجماعات في شؤونها بالغ التركيب، ويحتاج إلى سنوات من التفكيك، ويجعل من قرارٍ كهذا بدايةَ عودة الوضع السوري إلى شكله الطبيعي. فتفكيك ما حدث خلال الحرب لا يمكن البدء به من دون استقرار اقتصادي. وبطبيعة الحال، لا يمكن لأيّ حالة استقرار اقتصادي أن تحدُث من دون البدء برفع العقوبات المُجحفة التي لم تؤثّر في الأسد وبطانته الأمنية والسياسية والاقتصادية، وإنما كان تأثيرها السيئ ينعكس مباشرة على الشعب السوري في الداخل، إذ بذريعة العقوبات، نُهبت البلد وأُذلّ الشعب من نظام الفساد والإجرام، وحرم الشعب أبسط وسائل العيش الآدمي والإنساني الطبيعي، وانعدمت حقوقه الطبيعة انعداماً شبه كلّي، وهي حقوق كفلتها له الشرائع الأرضية والسماوية.
عانى سوريو الداخل (أهلنا وعائلاتنا وأصدقاؤنا) ممّن رفضوا الخروج من سورية ما لا يخطر في البال، وتحمّلوا القهر والفقر والحرمان والذلّ والفاقة والعتمة وشُحّ المياه، وامتهان الكرامات والغضب المكبوت، وشحذ الصبر اليومي لاحتمال ذلك كلّه، بما في هذا الشحذ من صلابة قاسية، انفجرت كلّها يوم إعلان فرار بشّار الأسد ونظامه. ومهما ادّعينا (نحن الذين خرجنا من سورية) من معاناة الفقد والغربة ومكابدات الشوق والوحدة والوحشة، فلنعترف بجرأة أنها كانت معاناةً ترفيةً قياساً إلى ما عاناه سوريو الداخل وسكّان المخيّمات في دول الجوار، فنحن عشنا في ظروف إنسانية كاملة أو شبه كاملة؛ لم نجع ولم نعطش، لم نمت من البرد ولا من الحرّ، لم يمت أطفالنا من نقص الدواء أو الغذاء، لم يحرم أطفالنا من الطفولة والتعليم، أتيحت لشبابنا وشابّاتنا فرصٌ عديدة لاكتساب خبرات علمية وثقافية وفنّية وعملية، من لم يستفد منها فلأنّه كان مقصّراً في ذلك، أو نتيجة ظروف طارئة تخصّه وحده، بينما ذلك كلّه كان بمثابة أحلام من الصعب تحقّقها لمن بقي في سورية من الشباب الذين كانوا يبتكرون طرقهم اليومية البسيطة، وبمبادرات فردية وأدوات بدائية، ليشعروا أنهم ما زالوا في قيد الحياة، وما زالوا قادرين على مقاومة الظلم والواقع المتردّي الذي عاشوه.
لم يكن القمع والإجرام هو فقط ما ميّز مرحلة الأسدية بعد الثورة، بل كان أيضاً التردّي الاقتصادي المهول، الذي كان السبب المباشر في التردّي الثقافي والفكري والأخلاقي والقيمي الذي عاناه سوريو الداخل، وخلط كثيراً من الأوراق الاجتماعية بعضها ببعض، بما فيها ورقة الطائفية التي نشهد اليوم ذروتها، سواء في الخطاب المجتمعي الافتراضي، أو في السلوك الأمني الذي تمارسه الفصائل (وإعلاميوها) التي تكاثرت فترة الحرب، وتسيّدت حالياً مع وصول هيئة تحرير الشام إلى السلطة، واعتمادها على تلك الفصائل في تشكيل جيش (للأسف!) يشكّك سوريون في أنه يحقّق صفة الوطنية، بوجود مجموعة فصائل مسلّحة ومحمّلة بعقائد تكفيرية، هي واحدة من نتاج التردّي الاقتصادي والقيمي المجتمعي فترة الثورة والحرب، الذي جعلها خلال السنوات الماضية (وحالياً) تتشبّه بجيش الأسد في الإذلال وامتهان كرامات الناس والانتقام العشوائي والسرقة والنهب، وهذه الممارسات كلّها التي تحدث بسبب الفوضى الناتجة عن الانهيارات الاقتصادية الكبرى، كما يحدث في سورية حالياً. من هنا، قد يكون في قرار رفع العقوبات، إن طبّق كاملاً، بداية الحلّ لحالة الاستعصاء الفصائلي الذي يرسّخ الانقسام الطائفي القاتل في المجتمع السوري. لكن هذا أيضاً يبقى مرهوناً بإرادة السلطة السياسية الحاكمة ورؤيتها لسورية بلداً لجميع أبنائه، لا لطائفة واحدة تستضيف جماعات (أقلّيات) كما يحاول مطبّلو السلطة ترويجه.
مبروك لنا جميعاً رفع العقوبات، على أمل أن يترافق هذا مع رفع الظلم والإقصاء والسلوك الطائفي.
العربي الجديد
——————————–
سياسة أمريكا في المنطقة: تكتيك جديد أم تغير في الرؤية؟/ بلال التليدي
الكثير من المحللين انخرطوا في تحليل خلفيات زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للمنطقة ودلالاتها، وتوقفوا عند أهم مخرجاتها، لاسيما ما يتعلق برفع العقوبات عن سوريا، والحديث المبشر عن قرب التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران، هذا فضلا عن تعميق العلاقات الأمريكية الاستراتيجية مع دول الخليج، وتحول هذه الدول إلى فاعل محوري للتعاطي لحل النزاعات الإقليمية، لكن، تبقى نقطة تكثيف التفاوض لوقف الحرب على غزة نقطة محيرة، ليس فقط من جهة استشراف مستقبلها، ولكن أيضا من جهة فهم طبيعة التحولات في الموقف الأمريكي، وهل ترمز في الجوهر لتغير المعادلة الاستراتيجية بشكل كامل، وتبعا لذلك، يسير الموقف الأمريكي في اتجاه التكيف، أم أن الأمر يخضع لاعتبارات أمريكية تكتيكية صرفة؟
في البدء اتجه للتحذير من الانخراط في تحليل الحدث، وضرورة أخذ مسافة كافية للفهم، كما ولو أن الأمر يتعلق بتحول غير عادي في العلاقات الدولية، وأدوار الفاعلين الدوليين بخصوص الحرب على غزة وضرورة التوصل إلى اتفاق وقف الحرب ومستقبل العلاقات الأمريكية الإسرائيلية. وقد تواترت مؤشرات تدعم هذا التوجه، منها تعزز مسار التفاوض الأمريكي مع الفاعل غير الدولي (الحوثيين، حماس) وإجراء هذا التفاوض بمعزل عن تل أبيب، والمبادرة لزيارة المنطقة دون تخصيص زيارة لإسرائيل مع أنها تحتفل بشكل متواز مع ذكرى النكبة (التأسيس الفعلي لدولة إسرائيل) ووصف الحرب بكونها «وحشية» بما يرمز بنحو من الأنحاء لإدانة إسرائيل على جرائم الإبادة حتى والرئيس الأمريكي لم يحدد المسؤول من الطرفين عن هذه الوحشية، ثم الإفراج عن الأسير الأمريكي الإسرائيلي عيدان ألكسندر من خلال تفاوض أمريكي مباشر مع حماس بما يؤكد مقولة حماس بأنه «لا عودة للأسرى الإسرائيليين إلا من خلال التفاوض»، والضغط على إسرائيل من أجل إرسال وفدها المفاوض إلى الدوحة، ثم الضغط على نتنياهو من أجل توسيع صلاحية هذا الوفد من أجل التوصل إلى اتفاق لوقف الحرب، وحديث الرئيس الأمريكي عن الخطوات المتتالية والمدروسة لإنهاء الحرب في غزة، بما في ذلك إرسال رسائل متعددة عبر مبعوثيه إلى إسرائيل بأن مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية في وقف الحرب، وأن إصرار تل أبيب على عكس ذلك يعني السير في الاتجاه المعاكس لمصالح واشنطن.
في الواقع، تبدو هذه المؤشرات، إلى جانب مؤشر رفع العقوبات عن سوريا والإعلان عن قرب التواصل إلى اتفاق نووي مع إيران صادمة لإسرائيل، وتسير على الأقل ضد مصالح حكومة بنيامين نتنياهو، التي لا تثق في سوريا أحمد الشرع، وتتطلع إلى عمل عسكري يجهز على البرنامج النووي الإيراني. لكن زخم هذه المؤشرات، لا يعني ضرورة تغير الرؤية الأمريكية تجاه إسرائيل، ولا حتى رسم رؤية مختلفة يراد عن طريق الضغط إلزام تل أبيب بمفرداتها، فقد وردت في الزيارة مفردات أخرى تدل على العودة لرؤية ترامب السابقة، أي توسيع دائرة التطبيع ضمن الاتفاقات الإبراهيمية، وتوفير مناخ من الهدوء والاستقرار الطويل في المنطقة، الذي يخدم هدف «اندماج» إسرائيل في محيطها الإقليمي.
البعض لم ير في زيارة ترامب غير البعد التجاري والاستثماري، فالرجل جاء في ثلاثة أيام ليحصد قرابة ثلاثة تريليونات دولار كاستثمارات خليجية لصالح بلده، وأنه في سبيل ذلك، أخذ بعض المسافة التكتيكية عن تل أبيب، وغير لغته المتواطئة معها في موضوع نزع سلاح حماس وطرد قادتها إلى الخارج، وبدأ يتحدث عن جهة مهنية مستقلة لإدارة غزة، مع إلحاح شديد على موضوع إدخال المساعدات الإنسانية وإنهاء سياسة تجويع قطاع غزة.
الواقع، أن ثمة عناصر مهمة ساهمت في تعديل الرؤية الأمريكية، منها أولا صمود المقاومة واستمرارها في المواجهة العسكرية وتكبيد العدو كلفة عسكرية كبيرة، واقتناع واشنطن باستحالة القضاء على حماس عسكريا، وحالة الاستنزاف التي تعيش عليها إسرائيل عسكريا واقتصاديا واجتماعيا فضلا عن عزلتها الدولية، ثم حالة الإحراج الدولي الذي يترتب عن الاستمرار في تجويع الشعب الفلسطيني، وقناعتها بأن تل أبيب لا تحمل أي رؤية لما بعد الحرب، وأن استمرار الحرب بهذه الطريقة يعرض المنطقة إلى التوتر واللاستقرار، لاسيما وأن حكومة نتنياهو تضرب كل مرة جنوب لبنان، وتشن هجمات على التراب السوري، بما أنذر بحصول توتر إسرائيلي تركي شديد، اضطر واشنطن للتدخل لاحتوائه.
المؤشر الإضافي الذي لا ينبغي تجاهله هو الموقف العربي، الذي أظهر حالة من التراخي في التجاوب مع إدارة الرئيس الأمريكي في سياسته المستقبلية في دول الخليج بسبب دعمه وانحيازه للرؤية الإسرائيلية لاسيما قضية التهجير وإسناد إبادة قطاع غزة، وتجريف الضفة وتوسيع الاستيطان بها، فضلا عن سياسة تهويد القدس الشريف.
واشنطن قرأت بشكل براغماتي كلفة استمرارها في سياسة الضغط على العرب وإسناد الموقف الإسرائيلي، واتجهت لإعادة تعريف مصالحها، وتحيين سياستها في المنطقة، مستثمرة في ذلك تراجع النفوذ الإيراني في المنطقة (لبنان وسوريا وحتى العراق نسبيا) وتراجع النفوذ الروسي فيها (في سوريا) وتنامي الدور التركي في المنطقة لاسيما في سوريا والشراكة التركية الواسعة مع دول الخليج.
عنوان السياسة الأمريكية الجديدة تعزيز الشراكة مع دول الخليج، واعتبارها محورا مركزيا لإدارة وحل المشاكل الإقليمية، وتعزيز الشراكة الأمريكية الخليجية التركية في اتجاه خلق شروط استقرار بعيدة المدى في المنطقة، تتأسس على توسيع المصالح الأمريكية فيها، وضمان حسن الجوار الإقليمي (عدم السماج بوجود دولة معادية لإسرائيل في المنطقة) والعمل على تحقيق هدنة طويلة بين غزة وتل أبيب، لا تتولى فيها حماس الشأن الحكومي والإداري بالقطاع، وأن تتوقف العمليات العسكرية بين الطرفين.
هذه الرؤية الأمريكية الجديدة التي حظيت بدعم عربي تركي، بقيت فيها نقطة عالقة، هي الموقف الإسرائيلي، وما إذا كان سيدعم سياسة واشنطن ويجاريها لمصالح استراتيجية بعيدة، أم أنه سيغلب الرؤية الآنية على ما سواها، ويفسد بذلك الخطة الأمريكية.
رؤية تل أبيب الأمنية تتأسس على معطيين: الأول وهو أن إيران ومحاورها في الإقليم تمثل تهديدا استراتيجيا لها، وأنه في وجود الحرس الثوري الوصي الفعلي على البرنامج النووي، لا يمكن الاطمئنان على أي اتفاق نووي، وأنه لا بديل عن ضرب هذا البرنامج، وأنه بدلا من خوض حرب استنزاف مع محاور إيران، يجدر قطع «رأس «الحية» لا أطرافها». والثاني، أنه في ظل وجود حماس والفصائل الفلسطينية المسلحة، فإنه لا أمن لإسرائيل، وأن السابع من أكتوبر سيتكرر، ولذلك لا بديل عن إنهاء الوجود العسكري لحماس والفصائل الفلسطينية المسلحة.
واشنطن لا تجادل في هذين المعطيين، لكنها ترى أن شروط المرحلة لا تساعد على تحقيق الهدفين، وأنه ينبغي الاكتفاء بما تحقق من مكتسبات، وقلب التكتيك لجهة تحقيق هدف الاندماج الإقليمي، لخلق شروط إقليمية، تقضي على محاور إيران في المنطقة، وتنهي أجواء التوتر الإقليمي الذي كانت تستثمرها حماس في تقوية وجودها العسكري وتأمين تسلحها.
التركيب بين الرؤيتين ممكن، بوجود نتنياهو وبغير وجوده. لحد الآن تجرب واشنطن خيار التفاوض مع حكومة نتنياهو لدفعها للتكيف مع الرؤية الجديدة إذ تعتقد أن وجود حكومة تقبل بوقف الحرب أفضل بكثير من انتظار انتخابات إسرائيلية سابقة لأوانها تفرز حكومة يمكن أن تقوم بالمهمة، لكن، في حال لم يتم التوصل لشيء، فإن المستقبل سيكون مفتوحا على سيناريوين اثنين: إما أن تفسد تل أبيب سياسة واشنطن وتربكها، وفي هذه الحالة سنرى امتدادا لسياسة الحرب وتعمق المشكل الإنساني واحتمال تصاعد التفكك الداخلي في إسرائيل، وإما أن يتم اللجوء لآخر الكي، أي العمل على إسقاط حكومة نتنياهو.
كاتب وباحث مغربي
القدس العربي
———————————-
أسئلة صعبة أمام السوريين… ماذا بعد رفع العقوبات؟/ سامح المحاريق
النشوة الوطنية التي ترافقت مع إعلان رفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا، مسألة لا يمكن تمثلها شعوريا بين من يتابعون الشأن السوري بذهنية المشجعين المتحمسين لكرة القدم (الألتراس). والسوريون وهم يستقبلون إعلان الرئيس الأمريكي في الرياض، لم يكونوا معنيين بما يفترضه الآخرون خارج سوريا، ولا النقطة التي خسرها محور لمصلحة محور آخر، ببساطة، لا يعرف الشوق إلا من يكابده، وأشواق السوريين كانت أبسط مما نتصور، وأكثر وجعا مما تحيطه مخيلتنا، لأن ما اعتبروه أحلاما كان جزءا من الحياة اليومية والطبيعية لشعوب كثيرة، وجدت نفسها في بعض المراحل تملي على السوريين مقادير الممانعة المطلوبة، وحدود المناورة المسموحة، وعلى السوري العادي، رب الأسرة البسيط، العامل الكادح، وغيرهم، أن يتنازل عن أمور كثيرة من أجل رسالة لم يكتب حرفا واحدا فيها، ولم يفهمها يوما، بل إن بحثا عن تلك الرسالة الخالدة بين مدونات كثيرة وظفت في قهر السوريين سيفضي إلى مجرد تخيلات وافتراضات لا تدعمها أي حقيقة على الأرض.
بعد الإعلان تداور المتابعون على مواقع التواصل الاجتماعي تدوينة سورية تعدد ما الذي يعنيه رفع العقوبات، ومنها أن يتمكن السوري من تحويل الأموال من غير وسطاء يتحصلون على نصفها، وأن يستخدموا بطاقات الائتمان ويحصلوا على سيارات مناسبة للمواصلات، أن يأكل أطفالهم حلوى لم يتذوقوها في حياتهم من قبل، بل أن يجدوا حليب الأطفال دون واسطة، وأن يأكلوا طعاما صالحا ومتنوعا لا أن يختاروا الأرخص فقط، هذه أمور يمكن أن يضاف لها الحصول على كهرباء على مدار اليوم، ويبدو أن السوريين أخذوا يعتبرون ذلك من الأمور الكبيرة، مع أنها أمر طبيعي في معظم بلدان العالم، حتى التي تعاني من تكلفة إنتاج الكهرباء.
يعرف العراقيون الأثر الذي يمكن أن تتركه العقوبات الاقتصادية في العالم الحديث المتشابك والمتداخل، فالعالم لم يعد مجرد معازل زراعية يمكن أن تعيش على الاكتفاء، وحتى هذه مع المنظومة الدولية الحديثة واتفاقيات المياه والأنهار، لم يعد ممكنا عمليا، والحقيقة أن السقوط المريع لنظام صدام حسين في 2003 والتفاعلات التي أتبعته من انهيارات سياسية واجتماعية كانت مرتبطة بسنوات الحصار الطويلة، ويرتبط ذلك بطبيعة الحال بأنماط الإنتاج في الدول تحت الحصار وحجم وتنوع البنية الاقتصادية، فما يمكن أن تتحمله إيران لا يتحمله العراق بالضرورة، ولا سوريا بالتأكيد، لأن نظامها الاقتصادي بقي لسنوات أسيرا في معادلات احتكارية وتخادمية تصب في الحلقة الضيقة حول رأس النظام.
يأتي رفع العقوبات ليكون الخطوة الحقيقية التي يمكن أن تؤسس لوجود النظام الجديد في دمشق، فالسوريون يعيشون إلى اليوم في ظلال رؤيتهم للعالم من خلال النظام القديم، وما هو حقيقي أن النظام السابق سقط عمليا من الداخل، مختنقا بسيطرة النزعة الطائفية والممارسة الأمنية والتحالفات الطبقية، في وقت كان يتطلب الجرأة في تفكيك المشكلات المرحلة لعقود من حكم الرئيس حافظ الأسد ووريثه بشار، أو إعادة إنتاج بالطريقة التي حدثت في مصر وتونس، إلا أن طبيعة الخوف الطائفي كانت تحول دون أي مقاربة واقعية تخرج بالأسد غير المقبول شعبيا والذي تمتد أصابع قمعه للسوريين وتنكيله بهم في كثير من البيوت في سوريا، بل في لبنان وفي المخيمات الفلسطينية كذلك. فشل النظام في إعادة الإنتاج والتسوية التاريخية لأن قراره كان موزعا بين طهران وموسكو، ولأن القيادات الطائفية في الأمن والجيش تصلبت من الخوف والتوجس، من نتائج تحريك الهندسة الاجتماعية القائمة، ولأن أصحاب المصالح التجارية كانوا يعرفون أن التغيير سيعني المحاسبة، أو على الأقل فتح الباب للمنافسة، وفي المقابل، لم يكن النظام الجديد سوى الوجه الآخر لهذه الحالة المرعبة التي عاشتها سوريا، ويحمل حصته من المشاكل التكوينية التي تواصلت وتعمقت تاريخيا.
لم تكن مواكب سيارات الدفع الرباعي المندفعة من إدلب، سوى لحظة في عملية سقوطه الطويلة، التي تغذت على انفصاله عن الواقع، بل كان يمكن لغيرهم أن يخوضوا الطريق إلى دمشق من غرب سوريا أو جنوبها، الواقع أن سوريا انفجرت من الداخل، وما زالت الشظايا جارحة ومدببة الحواف وكامنة في كل مكان. العقوبات الاقتصادية التي فرضت بعد اندلاع أحداث 2011 هي الفصل الأول في الوهن الذي تمدد في الدولة السورية، ففي الحقيقة عايشت سوريا حالة من العقاب التي فرضها النظام على السوريين من خلال عمليات احتكار طويلة أدت إلى التوجس من التعامل مع الفرص القائمة والكثيرة في الاقتصاد السوري بصورة ايجابية، فرجل الأعمال المصري نجيب ساويرس الذي وجد منفذا للتعامل مع كوريا الشمالية، وجد نفسه يتعرض للبلطجة بتوظيف السياسة والقانونية لمصلحة شريكه رامي مخلوف (ابن خال الرئيس الأسد)، وبقيت سوريا بلدا طاردا للكفاءات التي توجهت لدول الخليج العربي وأوروبا والولايات المتحدة، لأن الاندماج في النخبة السورية كان يتطلب تنازلات فكرية وسياسية واجتماعية كثيرة. بقيت دمشق مدينة تفشل في اللحاق بعالم القرن الواحد والعشرين، وكان ذلك قبل أحداث 2011، فالبنية التحتية ومظاهر الحداثة، لم تكن ترقى حتى لدول مجاورة صغيرة نسبيا مثل الأردن ولبنان، ولكن النظام وكما تبدى كان يوفر لنفسه ما يريده بعيدا عن الجميع، وكم من المؤسف أن تظهر فجأة شواطئ ممتدة تنافس في جماليتها أرقى شواطئ المتوسط كانت حكرا على أسرة الأسد وحلفائها، هذه الشواطئ وحدها كانت لتقفز بالسياحة في سوريا خطوات هائلة للأمام، وكثيرا ما تشدق المتحمسون للنظام السوري بانخفاض المديونية، بوصفه دليلا على استقلالية الاقتصاد السوري، ولم يكن الأمر كذلك يوما، فسوريا تحصلت على دعم خليجي كبير في حقبة التسعينيات، وبقيت قطر تستثمر بكثافة في سوريا لمرحلة طويلة تالية، ولكن كثيرا ما كانت هذه الاستثمارات تجد نفسها في صدام مع النخبة السورية المغلقة، أو مع عدم استقلالية القرار السوري لمصلحة موسكو، التي وقفت ضد خط أنابيب الغاز القطري – السوري – الأوروبي، لتمكين الروس من الإبقاء على هيمنتهم على إمدادات الغاز لأوروبا، الأمر الذي أشعر الدوحة بانزعاج عميق، خاصة بعد وقوفها المفتوح مع الجانب السوري بعد حرب يوليو 2006 على الصعيدين الاقتصادي والسياسي.
تتحقق للرئيس الشرع فرصة كبيرة، ربما تعمق من أزمته الشخصية بين صورة أبو محمد الجولاني المقاتل الميداني العنيد والمتهور بعض الشيء، وأحمد الشرع، ابن حسين الشرع القومي العربي، الذي كان يحمل نسخة مغايرة ومناهضة لقومية الأسد، ذات الأولويات الطائفية والأسرية الخاصة، فالرئيس ما زال أمامه الكثير ليثبت للسوريين أنه يستطيع أن يتخلص من صورته السابقة وأن يكون رئيسا للجميع، ولديه بطبيعة الحال تحدياته الخاصة وفي مقدمتها المقاتلون الأجانب الذين يحملون نموذجهم الخاص من اليوتوبيا الإسلامية السلفية والماضوية التي تصطدم مع خصوصية المجتمع السوري وتنوعه وتعدده، وستصطدم مستقبلا بما يجعل الرئيس بحاجة لحلفاء موثوقين، ومعبرين عن كامل المجتمع السوري وأطيافه، وفرصة الانتشاء الجمعي التي تمتد ربما لأسابيع أو أشهر قليلة مقبلة هي أمام الرئيس، الذي عليه أن يحسم ملفات كثيرة بخصوص الدولة والمجتمع، أو يكون أكثر ذكاء من النظام السابق ليفتح الباب لإعادة إنتاج النظام الذي يمكن أن يستوعب بلدا بتعقيد سوريا وعمقها التاريخي ومشكلاتها الطويلة ومتعددة الفصول.
كاتب أردني
القدس العربي
——————————
العراق وتركيا والأردن.. كيف تستفيد اقتصادات دول الجوار السوري من رفع العقوبات الأميركية؟/ فارس الخيام، زيد اسليم، حبيب أبو محفوظ
17/5/2025
بغداد/أنقرة/عمّان – شهدت المنطقة تطورا إستراتيجيا بعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب من العاصمة السعودية الرياض الثلاثاء رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا، إذ تعتبر نقطة تحوّل في مسار العلاقات الدولية مع دمشق، بل في طبيعة التفاعلات الاقتصادية في الشرق الأوسط.
فتح هذا التحول الباب واسعا أمام دول الجوار السوري كالعراق وتركيا والأردن، لإعادة تقييم علاقاتها السياسية والاقتصادية مع دمشق، والسعي للاستفادة من هذا التغيير بما يعزز الاستقرار الإقليمي والمصالح المشتركة.
تسلط الجزيرة نت الضوء في هذا التقرير على الآثار الاقتصادية، والدلالات السياسية، والانعكاسات المباشرة على دول الجوار السوري بعد قرار الإدارة الأميركية رفع العقوبات عن سوريا لإعطاء دمشق “فرصة” بعد سقوط نظام بشار الأسد.
العراق.. انفتاح حذر
في العراق أشار المتحدث الرسمي باسم غرفة تجارة بغداد رشيد السعدي إلى أن حجم التبادل التجاري بين العراق وسوريا كان يقارب المليار دولار أميركي سنويا قبل الأحداث الأخيرة التي شهدتها سوريا وما تلاها من فتور في العلاقات وإغلاق للحدود، مما أدى إلى انخفاضه بنسبة كبيرة وصلت حوالي 5% من الرقم المذكور.
وأضاف السعدي في حديث للجزيرة نت أن السلع والخدمات المتبادلة بين البلدين تتركز غالبا في المواد الغذائية والصابون والمنسوجات.
وحول الاستثمارات المتبادلة بين بغداد ودمشق قال المتحدث الرسمي باسم غرفة تجارة بغداد إنه لم يكن ثمة ملامح واضحة لاستثمارات كبيرة بين البلدين في ظل الظروف السابقة والأحداث التي شهدها العراق لاحقا.
وأضاف أنه مع ذلك توجد استثمارات بسيطة قام بها بعض رجال الأعمال العراقيين في مجالات مثل بناء المصانع والشركات والمحال التجارية.
وحدد السعدي القطاعات المرجح أن تحقق استفادة كبيرة بعد تحرير الاقتصاد السوري ورفع العقوبات الأميركية، وفي مقدمتها القطاع المصرفي، يليه قطاعات الزراعة والصناعة والتجارة والاستثمارات السياحية، بالإضافة إلى إمكانية استئناف تصدير النفط ومشتقاته.
وأشار إلى أن تنشيط هذه القطاعات بشكل كامل، وخاصة قطاع النفط، يتطلب سيطرة الحكومة المركزية في دمشق على جميع الأراضي السورية.
وفي سياق التحديات المحتملة، لفت السعدي إلى أن أبرز ما يعيق سرعة التفاعل الاستثماري العراقي مع سوريا يتمثل في التحديات الإسرائيلية، لافتا إلى أن استمرار نشاط الطيران الإسرائيلي فوق الأراضي السورية، وتمركز قواتهم على مسافة قريبة من دمشق قد يخلق حالة من التردد لدى المستثمرين ورجال الأعمال العراقيين في ضخ أموالهم واستثماراتهم داخل الأراضي السورية.
السلع والخدمات المتبادلة بين البلدين تتركز غالبا في المواد الغذائية والصابون والمنسوجات(شترستوك)
بغداد ودمشق.. قفزة محتملة في التجارة بين العراق وسوريا
من جانبه، توقع الخبير الاقتصادي مصطفى حنتوش، حدوث قفزة إيجابية في حجم التبادل التجاري والصناعي بين العراق وسوريا في أعقاب رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا، لافتا إلى أن هذه الزيادة لن تكون كبيرة في المدى القصير.
وقال حنتوش للجزيرة نت إن حجم التبادل التجاري الحالي بين البلدين يتجاوز مليار دولار أمريكي سنويا، مضيفا أنه إذا حصل انفتاح اقتصادي وتسهيل للتحويلات التجارية إلى سوريا، فإن ذلك سيسهم في فتح سوق واسعة بين الدولتين الجارتين.
وحذر من احتمال حدوث نقص في بعض المواد الأولية، لا سيما الفواكه والخضراوات نظرا للوضع الراهن الذي يمر به القطاعان الصناعي والزراعي في سوريا، والذي يتطلب سنوات من التعافي، مرجحا في الوقت نفسه ارتفاعا في أسعار البضائع السورية مقارنة بما كانت عليه في السابق، وذلك نتيجة لدخول السوق السورية مرحلة جديدة من النشاط والمنافسة.
وتوقع حنتوش أن يصل حجم التبادل التجاري بين البلدين -في أفضل الأحوال- إلى 4 مليارات دولار سنويا، لافتا إلى وجود فرص استثمارية واعدة بين العراق وسوريا.
وقال إن انفتاح سوريا على العالم وامتلاكها منفذا على البحر الأبيض المتوسط يجعل منها طريقا إستراتيجيا لنقل النفط والبضائع العراقية.
بَيد أن حنتوش شدد على أن تحقيق هذه الخطوات على النحو الأمثل مرهون بتحقيق الاستتباب الأمني الكامل في سوريا، الأمر الذي يمثل ضمانة أساسية لدخول الاستثمارات العراقية إلى السوق السورية بثقة واطمئنان.
تركيا
.. شريك الإعمار
في تركيا، تعيش العلاقات الاقتصادية بين أنقرة ودمشق مرحلة تحول، مع عودة تدريجية للتبادل التجاري بعد إعلان وزارة التجارة التركية في فبراير/شباط 2025 رفع جميع القيود على الصادرات والنقل إلى سوريا اعتبارا من ديسمبر/كانون الأول 2024، وإخضاع الواردات السورية للقواعد الجمركية المطبقة على باقي الدول.
انعكس هذا الانفتاح سريعا في شكل أرقام لافتة؛ إذ بلغت الصادرات التركية إلى سوريا نحو 2.2 مليار دولار عام 2024، مرتفعة من 2.05 مليار دولار في 2023، وفق بيانات وزارة التجارة.
وفي مؤشر على تنامي الزخم، سجلت الصادرات التركية إلى شمال سوريا خلال الفترة بين 1 و25 يناير/كانون الثاني 2025 ما قيمته 219 مليون دولار، بزيادة سنوية بلغت 35.5% مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق (161 مليون دولار)، ويطمح الطرفان إلى رفع سقف التبادل التجاري إلى 10 مليارات دولار خلال السنوات المقبلة.
وتبرز غازي عنتاب كأكثر الولايات التركية استفادة من هذا النشاط، إذ بلغت قيمة صادراتها إلى سوريا في 2024 نحو 481 مليون دولار، لتحتل بذلك المرتبة الثالثة بعد العراق والولايات المتحدة في قائمة أسواقها الخارجية، وفق بيانات اتحاد المصدّرين الأتراك.
وتسير الخطوات التركية نحو التطبيع الاقتصادي مع سوريا بوتيرة متصاعدة، فعلى الرغم من تعليق العمل باتفاقية التجارة الحرة الموقعة بين أنقرة ودمشق عام 2007 منذ اندلاع الحرب في سورية، أكد وزير التجارة التركي عمر بولات أنها لا تزال سارية من الناحية القانونية، مشيرا إلى استعداد بلاده لاستئناف تنفيذها وتوسيع أطر التعاون التجاري والاستثماري مع الحكومة السورية الجديدة.
يطمح البلدان إلى رفع سقف التبادل التجاري إلى 10 مليارات دولار خلال السنوات المقبلة (شترستوك)
ويأتي قطاع البناء والمقاولات، الذي يُنتظر أن يلعب دورا محوريا في مشاريع إعادة الإعمار في مقدمة المستفيدين؛ فمنتجات مواد البناء التركية، من الأسمنت والحديد إلى الطوب والقرميد، تصدرت صادرات الولايات الحدودية إلى سوريا خلال السنوات الأخيرة، وفق بيانات غرفة تجارة وصناعة شانلي أورفا، ومن المتوقع أن يرتفع الطلب عليها بشكل كبير مع بدء المشاريع الكبرى داخل سوريا.
وعلى الصعيد المالي، نقلت رويترز عن الرئيس التنفيذي لبنك “بيلباو فيزكايا أرجنتاريا” “بي بي في إيه” (BBVA)، أونور غينتش قوله إن قرار الولايات المتحدة برفع العقوبات عن سوريا يشكل فرصة إيجابية للشركات والبنوك التركية، مشيرا إلى أن تركيا تمتلك الإمكانات للمشاركة بفعالية في مشاريع إعادة الإعمار داخل سوريا.
وأوضح غينتش أن بنك غرانتي التركي، كان يواجه تحديات كبيرة في تمويل المشاريع المرتبطة بسوريا خلال السنوات الماضية بسبب القيود الدولية، مضيفا أن إزالة هذه العقوبات ستسمح للبنوك التركية بلعب دور أكبر في دعم أنشطة الشركات التركية داخل سوريا، وتمويل مشاريع البنية التحتية والقطاعات الإنتاجية بشكل أكثر مرونة وكفاءة.
وفيما يتعلق بقطاع الصناعات الهندسية والإلكترونية فيُنتظر أن يشهد نموا مضاعفا، في ظل ارتفاع الحاجة داخل سوريا إلى الأجهزة الكهربائية والمعدات الإلكترونية الاستهلاكية، والتي لطالما شكلت بندا ثابتا في التبادل التجاري بين البلدين.
ويرى الباحث الاقتصادي التركي حقي إيرول جون أن قرار رفع العقوبات عن سوريا يمثل فرصة إستراتيجية نادرة أمام الاقتصاد التركي، مشيرا إلى أن انفتاح السوق السورية بهذا الشكل سيسمح لتركيا بتعزيز نفوذها الاقتصادي في المنطقة، واستعادة دورها الحيوي في التجارة الإقليمية.
ورأى الباحث إيرول جون في حديث للجزيرة نت أن عودة سوريا إلى الدورة الاقتصادية العالمية ستُسرّع اندماجها في سلاسل التوريد الإقليمية، وستمهد الطريق أمام الشركات التركية للدخول المبكر في مشاريع إعادة الإعمار، بما تمتلكه من خبرة وقرب جغرافي وبنية صناعية جاهزة.
واعتبر الباحث التركي أن رفع العقوبات بمثابة إشارة سياسية واقتصادية إلى عودة سوريا كوجهة للتعاون الإقليمي، موضحا أن تركيا مؤهلة أكثر من غيرها لتكون الشريك الأول في هذه العودة، إذا استثمرت هذه اللحظة بذكاء وتخطيط إستراتيجي.
الأردن.. تنشيط التجارة البينية
في الأردن، وبالنظر إلى الأوضاع الاقتصادية الصعبة، فإن المملكة المجاورة لسوريا قد تأثرت بشكل مباشر بالأزمة هناك منذ عام 2011، سواء من حيث الأعباء الاقتصادية أو الأمنية أو الإنسانية، ومع التوجه الأميركي نحو رفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا، تبرز أمام عمّان فرص محتملة لتعزيز اقتصادها وتخفيف الأعباء الناجمة عن الأزمة.
وحسب مراقبين، فإن رفع العقوبات عن سوريا من شأنه أن يعيد إحياء الحركة التجارية بين عمّان ودمشق، التي كانت قبل عام 2011 نشطة جدا، حيث كانت سوريا ممرا بريا رئيسًا للمنتجات الأردنية نحو أوروبا ولبنان وتركيا، إضافة إلى كونها سوقا مهمة للمنتجات الزراعية والصناعية الأردنية.
ومع مرور الوقت، قد تزداد فرص شركات المقاولات والخدمات الأردنية للدخول في مشاريع إعادة الإعمار في سوريا، لا سيما في المناطق الجنوبية القريبة من الحدود، وهو ما يوفر فرص عمل للأردنيين وينعش قطاعات مثل البناء، والطاقة، كمشاريع الربط الكهربائي، والغاز والمياه، وهي قطاعات حيوية للأردن.
ويدعم استقرار سوريا واندماجها في المشاريع الإقليمية المصالح الأردنية في المدى المتوسط والبعيد، وفق مراقبين.
وصل حجم الصادرات الأردنية إلى سوريا في أول 10 أشهر من العام الماضي إلى 768 مليون دولار (شترستوك)
وفد اقتصادي لدمشق
من جانبه، قال رئيس غرفتي تجارة الأردن وعمان، خليل الحاج توفيق، إن إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب رفع جميع العقوبات المفروضة على سوريا، سيسهم بتعزيز العلاقات الاقتصادية بين عمّان ودمشق، معربا عن اعتقاده بأن يساعد القرار الأميركي في خلق فرص أمام قطاع الإنشاءات للإسهام بإعادة إعمار سوريا.
ولفت الحاج توفيق إلى أن القطاع المصرفي سيشهد حركة نشطة وملحوظة مع دمشق بعد إعلان رفع العقوبات، مشيرا إلى أن القطاع المصرفي شريان رئيسي لكل القطاعات مثل الاستيراد والتصدير وغيرها.
وعلمت الجزيرة نت أن وفدا اقتصاديا أردنيا كبيرا يمثل القطاع التجاري والصناعي، سيقوم بزيارة عمل رسمية إلى سوريا خلال الأيام القادمة، لبحث مستقبل علاقات البلدين الاقتصادية والتجارية وبما يخدم مصالحهما المشتركة.
فرصة إستراتيجية
أكد الباحث الاقتصادي عامر الشوبكي أن رفع العقوبات الأميركية عن سوريا يمثل فرصة إستراتيجية للأردن وقطاع الطاقة الأردني.
وأضاف في حديث للجزيرة نت أن الخطوة تتيح للأردن استئناف دوره الحيوي في تزويد سوريا بالكهرباء والغاز، من خلال البنية التحتية الإقليمية القائمة، التي طالما كانت معطلة بسبب العقوبات الدولية على الجانب السوري.
وقال إن الأردن يمتلك فائضا كبيرا في الكهرباء المنتجة، في حين تعاني سوريا من انقطاعات مزمنة ناجمة عن دمار البنية التحتية لمحطات التوليد.
ولفت الشوبكي إلى أن رفع العقوبات عن سوريا سيسهم في تحفيز عودة اللاجئين السوريين من الأردن، ممن كانوا مترددين في العودة متوجسين قبل رفع العقوبات من مدى الاستقرار وتوفر الخدمات في سوريا، مشيرا إلى أن الواقع السوري الجديد يفتح الباب أمام استثمارات أردنية جديدة داخل سوريا، وفرص نمو لوجستي من خلال تنشيط قطاع النقل البري العابر الذي عانى من الشلل طيلة سنوات الأزمة.
ودعا الخبير الاقتصادي إلى ضرورة أن يتحرك الأردن رسميا بسرعة لترجمة هذا التحول الإستراتيجي إلى مشاريع ملموسة، لا سيما في قطاعي الطاقة والنقل، بما يعزز مكانته الإقليمية، ويُحسن من أوضاعه المالية والاقتصادية.
ووصل حجم الصادرات الأردنية إلى سوريا في أول 10 أشهر من العام الماضي إلى 768 مليون دولار، ووفقا لأرقام دائرة الإحصاءات العامة بلغ حجم المستوردات الأردنية من سوريا خلال 10 أشهر من العام الماضي إلى قرابة 711 مليون دولار مقارنة مع 535 مليون دولار خلال الفترة نفسها من العام 2023.
المصدر : الجزيرة
—————————
من تاتشر إلى أحمد الشرع: كيف يغيّر السياسيون صورتهم؟ ولماذا؟/ سناء الخوري
آخر تحديث 15 مايو/ أيار 2025
وصف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا، أحمد الشرع، بأنه “شاب جذّاب” و”رجل قوي” يتمتع بـ”ماضٍ قوي جداً”، وذلك عقب لقائهما في الرياض يوم أمس.
وأثار التصريح جدلاً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي وفي وسائل الإعلام، نظراً لأن الشرع كان يُعرف سابقاً باسم “أبو محمد الجولاني”، زعيم “هيئة تحرير الشام”، إحدى أقوى الجماعات الجهادية التي برزت خلال النزاع السوري، قبل أن ينهار حكم الرئيس بشار الأسد ويتولى الشرع السلطة أواخر عام 2024.
وخلال الأشهر الماضية، تحوّل الشرع إلى وجه بارز للمرحلة الانتقالية في سوريا، بعد أن وضع خطابه الجهادي خلفه، وبدأ بالظهور بمظهر مدني.
ومنذ الأيام الأولى لتولّيه المنصب، أجرى الشرع مقابلات مع وسائل إعلام دولية، واستقبل وفوداً رسمية في القصر الجمهوري بدمشق، كما ظهر في عدد من الأماكن العامة، وزار المسجد الأموي وسط تغطية إعلامية واسعة.
في الواقع، لم يكن تحوُّل الجولاني من “زعيم جهاديّ إلى سياسيّ معارض” أمراً حديثاً، “بل تطوّر بعناية على مرّ السنين، وكان واضحاً لا في تصريحاته العامة ومقابلاته الدولية فحسب، بل أيضاً في مظهره المتغيّر”، تكتب زميلتنا المُختصّة بشؤون الجماعات الجهادية في “وحدة المتابعة الإعلامية في بي بي سي” مينا اللامي، في مقال نشرته بي بي سي.
قد تُشكّل التحوّلات التدريجية في صورة الجولاني، حالة نموذجيّة للدراسة من قبل المختصّين في التسويق السياسي، والباحثين في أسس صناعة الصورة العامة أو “العلامة التجارية الفارقة” للسياسيين.
المرشحة لرئاسة الوزراء البريطانية مارغريت تاتشر (1925-2013) تلقي خطاباً من منصة في إحدى الساحات خلال انتخابات البرلمان لعام 1979. تاتشر، التي مثلت حزب المحافظين، أصبحت أول امرأة تتولى منصب رئيسة وزراء في أوروبا، وشغلت المنصب لثلاث ولايات متتالية.
على مواقع التواصل، يتسابق المعلّقون على قياس التغييرات في طول لحية الشرع وهندامه وطريقة كلامه؛ لكنّ هذا التحوّل ليس ظاهرة جديدة أو فريدة من نوعها، كما يخبرنا أستاذ التسويق في جامعة نوتنغهام كريستوفر بيش.
يأخذُنا بيش إلى تجربة مماثلة خاضتها مارغريت تاتشر، رئيسة وزراء بريطانيا في الفترة بين 1979 و1990. “ففي السبعينيات، مع بداية صعود تاتشر سُلّم القيادة في حزب المحافظين، كانت تحتاج إلى تغيير صورتها كي تبدو مقنعة كرأس للدولة، ورئيسة وزراء محتملة”، يقول.
استعانت تاتشر حينها بخبراء في العلاقات العامة والتسويق، لحياكة صورة محبوكة بعناية، تُمثّلها كشخصية تُلبّي متطلّبات القيادة؛ توحي بالثقة، وبالقدرة على الإمساك بزمام الحكم. باتت تختار ملابس تشي بالصلابة والودّ في آن واحد، وعدّلت نبرة صوتها الرفيعة، لتصير هادئة وثابتة، حتى أنّها غيّرت تسريحة شعرها. وهكذا تشكّلت علامة “المرأة الحديدية”، وباتت صاحبة التأثير الأعمق على الحكم والسياسة في بريطانيا، لنحو عقدين من الزمن.
على مثال زيلينسكي
الممثل الكوميدي الأوكراني والمرشح الرئاسي فولوديمير زيلينسكي يدخل قاعة في كييف في 6 مارس 2019، للمشاركة في تصوير مسلسل “خادم الشعب” حيث يجسد دور رئيس أوكرانيا. – الغضب من النخبة السياسية كان من أسباب صعود زيلينسكي، الممثل التلفزيوني الذي لا يمتلك خبرة سياسية، والذي تصدر استطلاعات الرأي في الانتخابات الرئاسية المقبلة بنسبة 25%، متقدمًا على بوروشينكو بنسبة 17% ورئيسة الوزراء السابقة يوليا تيموشينكو بنسبة 16% حتى 4 مارس 2019.
كي لا نعود بالزمن كثيراً إلى الوراء، يمكننا أن نجد مثالاً راهناً في التسويق السياسي، حقّق نجاحاً، في علامة الرئيس الأوكراني فلودومير زيلينسكي.
عُرف زيلينسكي في البداية، ككاتب وممثّل كوميدي، وحظي بشهرة في مسلسل بعنوان “خادم الشعب”، يحكي قصة مواطن عادي يصبح رئيساً. ومع صعود نجمه في عالم السياسة، استخدم زيلنسكي خلفيته تلك، لتقديم نفسه كنموذج مغاير عن النخب السياسية التقليدية في أوكرانيا.
بعد الغزو الروسي لبلاده، وبفضل خطاباته، وقمصانه الزيتية الرياضيّة الصيفية والشتوية، أصبح رمزاً للصمود في وجه العدوان، ومُمثّلاً للروح المعنوية للشعب الأوكراني.
يقول أستاذ التسويق في جامعة لسيسيتر البريطانية البروفيسور بول باينز إن معرفة زيلينسكي العميقة بوسائل الإعلام، وكيفية عملها، وعلاقاته القوية بأقطابها، نظراً لخلفيته كممثل وامتلاكه شركة إنتاج، كلها عوامل ساعدته في إضفاء مصداقية على صورته العامة، وجعلت منه علامة فارقة.
يقول باينز: “قد يبدو الأمر غريباً، أن نرى ممثّلاً يُجسّد دور رئيس في مسلسل تلفزيوني، يصبح رئيساً حقيقيّاً لبلاده، لكن هذا الأمر من سمات عصر ما بعد الحداثة. امتلك زيلينسكي القدرات المطلوبة، وأظهر صفات بطولية واضحة، وعمل بجدّ كبير لكسب تأييد الجماهير حول العالم، فتحدّث في برلمانات دول عدّة، خصوصاً تلك التي تُعَدّ من أكبر المانحين، مثل ألمانيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة. وعلى الصعيد الداخلي، اتخذ خطوات لتعزيز معنويات شعبه وتحفيزه على القتال والدفاع عن وطنه”.
ما هو علم التسويق السياسي؟
يختلف السياق التاريخي لصعود تاتشر عن السياق الأوكراني أو السوري، فلكلّ بلد سياقه السياسي وأزماته الخاصة… ولكنّ الترويج لشخصيات القادة علمٌ قائم بذاته، ويمكن أن يحدث فرقاً حقيقياً في صعود تلك الشخصيات أو أفولها، بحسب المختصّين.
ببساطة، يستعير التسويق السياسي قواعد ومبادئ التسويق التجاري ذاتها، ويطبّقها في عالم السياسة، عوضاً عن تطبيقها على ترويج السلع، أو العلامات الفاخرة، أو الرحلات السياحية، أو المنتجات الرياضية. ويُعنى التسويق السياسي ببناء صورة عامّة أو “علامة تجارية فارقة”، تصير أشبه ببصمة للأحزاب والشخصيات والحركات السياسية، ويلعب بالتالي دوراً في مدى شعبيتها، ونظرة الجماهير لها، وإرثها.
يقول الأكاديمي كريستوفر بيش إن جذور الترويج السياسي، قديمة جداً، تعود بحسب تعبيره إلى “اليونانيين القدماء الذين كانوا يسوّقون برامجهم وتعهداتهم السياسية على ألواح منحوتة، ويجولون فيها بين المدن والقرى”.
على مرّ القرون، “تطوّر التسويق السياسي، خصوصاً بوجود الإعلام الحديث، واستخدام الملصقات، والراديو، والتلفزيون، للتواصل مع الناخبين، وصولاً إلى الإعلام الرقمي الذي غيّر بالكامل طريقة تواصل السياسيين مع الجمهور”.
ويتابع: “التسويق السياسي اليوم صناعة بملايين الدولارات، يستهدف الجماهير بدقّة، وله تأثير واسع. صناعة صورة عامة أو علامة فارقة في عالم السياسية، تعني صقل سردية متماسكة، تعكس قيم الشخصية أو الحزب، وتقدر على خلق رابط عاطفي مع المناصرين”.
ويرتبط نجاح خطط التسويق السياسي، بالعمل بناءً على دراسات واستطلاعات رأي دقيقة، لفهم مزاج الجمهور. ويشير بيش إلى مجموعة مبادئ أساسية يحرص المسوّقون السياسيون المحترفون على تطبيقها لجعل العلامة السياسية فعّالة وناجحة. يقول: “من الركائز الأساسية: التميّز عن المنافسين، والقدرة على تقديم رؤية وقيم واضحة. هناك أيضاً الأصالة والثقة، وضرورة أن يكون الجمهور قادراً على التماهي مع القائد، وأن يكون الأخير متصلاً بهموم الناس”.
بحسب الأستاذ بيش، فإن حملتي باراك أوباما لانتخابات الرئاسة الأمريكية عامي 2008 و2012 تُعدّان حالتين نموذجيتين في تطبيق تلك المبادئ التسويقية بنجاح. اعتمد أوباما إطلالات مختلفة – ربطة عنق وملابس رسمية أمام شرائح من الجمهور، وأكمام مرفوعة بدون ربطة عنق أمام شرائح أخرى – لإظهار مرونة أكبر. يقول بيش: “أراد أوباما الظهور أحياناً بشكل رسمي كرجل دولة، وأحياناً أخرى ببساطة وودّية ليكون أكثر قرباً من الناخبين”.
كذلك يشير بيش إلى مثال دونالد ترامب “الذي نجح خلال الانتخابات الأخيرة بتقديم نفسه على أنه المستضعف، رغم أنه شغل منصب الرئيس لأربع سنوات سابقاً. كان من اللافت كيف استمرّ بتصوير نفسه كمرشّح ضدّ المؤسسة الحاكمة، مستخدماً الدعاوى القضائية المرفوعة ضدّه، والجدل المحيط بحملته، كوسيلة لتعزيز صورته كشخصية تعارض وتناضل ضدّ المنظومة السياسية الأمريكية القائمة”.
هناك أمثلة معاصرة مشابهة، مثل رئيسة الوزراء النيوزلندية السابقة جاسيندا أردرن التي عزّزت صورتها كقائدة متعاطفة ولطيفة وقريبة، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التي لقبت بـ “ماما ميركل” في إشارة إلى أنها توحي بالطمأنينة. هناك أيضاً رجب طيب أردوغان الذي يربط صورته العامة بعظمة التاريخ الإمبراطوري العثماني، مع مخاطبة الحسّ القومي التركي، والدفاع الدائم عن القيم التركية التقليدية.
كما نجد شخصيات أخرى أثرت صورتها العامة بشكل سلبيّ على مكانتها السياسية، ومن بينها، كما يقول بيش، رئيس الوزراء البريطاني السابق ريشي سوناك الذي بدت صورته العامّة “كشخصيّة بعيدة المنال، ونخبوية، ومنفصلة عن عامة الشعب”.
هالة القائد “الذي لا يقهر”
في الانتخابات الديمقراطية، ترتبط صناعة التسويق السياسي وخلق علامة brand للقادة والزعماء، بأهمية جذب الناخبين، وتحقيق نتائج أفضل في استطلاعات الرأي، وزيادة الشعبية، للفوز بالأصوات.
ولكن، حتى في السياقات الشمولية أو القائمة على شخصية قائد واحد، هناك أيضاً حاجة لتسويق صورة عامّة دقيقة، “لخلق هالة حول شخصية مُسيطرة، لا تُقهر، وتحظى بالولاء”، بحب البروفيسور بول باينز.
في هذا السياق، يتحدّث بيش عن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين: “ظهوره بزيّ الجودو أو على صهوة حصان بلا قميص، يرسل رسالة قوة وصلابة. إنها صور مدروسة لتدعيم علامة القائد القوي، حتى وإن لم يكن الهدف إقناع الناخبين بقدر ما هو ترسيخ الهيمنة”.
الأمر ذاته ينطبق على زعماء آخرين يركّزون على الرمزية والمشهدية، مثل العروض العسكرية والاحتفالات الضخمة، لتعزيز الهوية القومية وإشعار المواطنين بأن القائد قوي ولا يهزم. على هذا المنوال، يصدّر الإعلام الكوري الشمالي صورة كيم جونغ أون كـ “منقذ الأمة وحاميها”.
ويقول باينز إن كلا الزعيمين يستخدمان “صوراً مختارة بعناية لتعزيز هيمنتهما وترسيخ ما يشبه الرابط الأبوي بينهما وبين الشعب”.
بوتين عام 2009، وكيم جونغ أون عام 2017
ماذا عن الجماعات المتطرّفة؟
في الثمانينيات، غالباً ما صورت وسائل الإعلام والحكومات الغربية المجاهدين الأفغان — المقاتلين الإسلاميين ضد الغزو السوفيتي — على أنهم مناضلون من أجل الحرية. لكن هذا التصور تغيّر جذرياً منذ التسعينيات.
يدرس البروفيسور بول باينز، “تغيير العلامة التجارية” لدى جماعات مثل “القاعدة”، وتنظيم “الدولة الإسلامية”، و”الشباب”، و”بوكو حرام”، وغيرها من الجماعات التي تتبنّى أيديولوجيات متشدّدة.
ويقول باينز لبي بي سي إن “القاعدة كانت أول علامة تجارية brand إرهابية عالمية”، إذ تجاوزت نطاقها الإقليمي، وسعت لصنع هوية عابرة للحدود، وعلامة قائمة على العنف والترهيب، والعداء للغرب والولايات المتحدّة والحداثة، وقد أسهمت في جذب بعض العناصر، لكنها في المقابل أثارت نفور فئات واسعة”.
ويلفت باينز إلى أن ذلك “لا يقتصر على الجماعات الإسلامية المتشدّدة، فاستخدام التطرّف في الدعاية السياسية يجد مكانته في أوساط اليمين المتشدّد في أوروبا والولايات المتحدة”.
يقول باينز إن قادة القاعدة بن لادن والظواهري غيّرا أسلوبهما من البدايات حين كانت الفيديوهات أقرب إلى الخُطب الوعظية. “إذا نظرت إلى تسجيل فيديو للقاعدة من عام 1998، سترين أنه أشبه بخطبة. يقف بن لادن وكأنه شيخ أو إمام يخاطب تلاميذه. وهذا النهج تغيّر، فخلال 10 سنوات بدأت تسجيلات القاعدة تستخدم رسومات حاسوبية، وصارت أقل رداءة من حيث جودة الصورة، وتحسّنت قيمة الإنتاج كثيراً.”
لاحقاً وبحلول عام 2012، اعتمد “تنظيم الدولة” أو “داعش” ما يسمّى “إدارة التوحش” وهو مصطلح إلى بثّ الرعب بواسطة تسيجلات الإعدامات العلنية والحرق وقطع الرؤوس.
يؤكد باينز أنّ الجماعات الإرهابية تواجه معضلة فريدة بين الدفع بأجنداتها من خلال العنف وبين الحفاظ على دعم شعبي ضروري لاستمرارها، وهو ما يدفع شخصيات مثل الجولاني إلى إعادة النظر في تلك الأساليب، وتشكيل صورة أكثر قابلية.
يقول بيش: “في بعض الحالات، يمكن توظيف مبادئ التسويق السياسي لإعادة صياغة الصورة، عبر الاعتراف بالأخطاء السابقة، ووضع رؤية جديدة للمستقبل، والعمل على كسب ثقة الداخل والخارج”.
في التاريخ أمثلة عدّة، منها كيف أعاد نابليون بناء صورته بعد نفيه الأول وعودته إلى فرنسا واستعادته الحكم لفترة قصيرة عرفت “بالمئة يوم”. وفي التاريخ الحديث، نجد كيف بيل كلينتون بتجاوز فضيحته مع مونيكا لوينسكي بالتركيز على إنجازاته الاقتصادية والاجتماعية.
التغيير والأمل
في الواقع، يمكن لكلمة “تغيير” بحدّ ذاتها، أن تصبح علامة سياسية قوية، تجتذب الساعين إلى بديل. ويقول بيش: “كان ‘التغيير’ الشعار الأساسي لكير ستارمر (زعيم حزب العمال ورئيس الوزراء) في الانتخابات البريطانية الأخيرة. لقد خاض حملته كلّها على فكرة التغيير… فبعد 13 أو 14 عاماً (من حكم المحافظين)، كان الناس حقّاً يتطلعون إلى تغيير ما.”
من جانبه يوضح باينز أنّ التسويق السياسي يعتمد كثيراً على الرسائل العاطفية. يقول: “غالباً ما نتناول في التسويق السياسي مفهوم ‘الأمل’ مقابل ‘الخوف’. هناك الكثير من الحملات التي ترتكز على الخوف، وأخرى على الأمل. وفي نهاية المطاف، إذا كنت تسعى إلى قبول ثوري بقائد ما أو إلى تحوّل جذري، فالأمل هو الرسالة الأنجع. أما الأنظمة السلطوية فعادةً ما تلجأ إلى توظيف الخوف”.
بهذا المعنى، يحاول أحمد الشرع أن يقطع مع ماضيه الإشكالي، والظهور بصورة “قائد وطني متمرّد” يسعى لتحرير البلاد. ويعلّق باينز: “إنه يقدّم نفسه الآن كما لو كان ‘المخلّص’، ويحاول استبدال البذلة الجهادية بثوب القيادة الوطنية المقبولة دولياً”.
من منظور التسويق السياسي، يرى باينز أن عملية إعادة التشكيل هذه ليست عشوائية، بل تستند إلى فهم ما يريده الجمهور. يقول: “يلجأ السياسيون إلى استطلاعات الرأي ومجموعات التركيز لتحديد الرسائل الأكثر قبولاً لدى الناس، ثم يكرّرون تلك الرسائل على أمل أن تُصدّق.”
غير أن باينز يشدّد على أن نجاح مثل هذه الاستراتيجيات يعتمد في النهاية على أفعال حقيقية. “فالسوريون مرّوا بسنوات من الحرب، ومن الصعب خداعهم بتعديلات شكلية؛ إذا لم يقدّم الجولاني (الشرع) ما يثبت صدق تحوّلاته، فقد يخسر فرصة ترسيخ علامته الجديدة. الناس ليسوا أغبياء”.
بي بي سي
—————————–
رفع ترامب العقوبات عن سوريا.. إجراء سريع أم مسار طويل؟/ محمد المنشاوي
16/5/2025
واشنطن- قوبل إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب اعتزامه رفع العقوبات عن سوريا بتصفيق مطول في منتدى الاستثمار السعودي. وفي اليوم التالي، التقى ترامب -بحضور ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان– الرئيس السوري أحمد الشرع، في ما يُعد أهم حدث تشهده علاقات الدولتين منذ عقود.
وأشادت دمشق بتصريحات ترامب واعتبرتها محورية لإعادة بناء سوريا بعد أكثر من 10 سنوات من الحرب والعزلة الدولية. وفي لقائه مع قادة دول مجلس التعاون الخليجي، أقر ترامب بأن “العقوبات معوقة حقا وقوية للغاية”، وأن رفعها سيعطي سوريا “فرصة للعظمة”، واعترف بأن “الأمر ليس سهلا على أي حال”.
لكن في واشنطن، جاءت ردود الفعل مرتبكة ومتناقضة، إذ قال للجزيرة نت مسؤول أميركي سابق -تحفظ على ذكر اسمه- إن “الأقوال أسهل من الأفعال؛ ما قاله ترامب عفوي وغير مخطط له، ومن الصعب تصور رفع كل العقوبات التي فرضتها الإدارات الأميركية المتتالية الديمقراطية والجمهورية على مدار نحو 4 عقود، والتي شملت مختلف القطاعات داخل سوريا، بسهولة أو بسرعة”.
ورجح أن يستغرق رفع العقوبات شهورا، وربما سنوات، إذا لم يبادر الكونغرس باتخاذ خطوات سريعة لتنفيذ ما قرره ترامب.
مطالب أميركية
يُذكر أن فرض العقوبات الأميركية بدأ منذ عام 1979 على نظام الرئيس السوري السابق حافظ الأسد، بعدما أدرجت واشنطن دمشق لأول مرة على قائمة الدول “الراعية للإرهاب”، واستمرت وتضاعفت في عهد الرئيس المخلوع بشار الأسد، خاصة بعد بدء الثورة عام 2011، وظلت سارية بعد فرار الأسد وسقوط نظامه في الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024.
في حديث للجزيرة نت، أشار السفير فريدريك هوف، المبعوث السابق لسوريا والأستاذ بجامعة بارد بولاية نيويورك والخبير بالمجلس الأطلسي بواشنطن، إلى أن “اللقاء بين ترامب والشرع جاء نتيجة جهود مكثفة من قبل السعودية وتركيا والإمارات وقطر”.
وحسب هوف، يتطلب قرار ترامب بالسعي إلى إلغاء العقوبات على سوريا تحركا من الكونغرس، “فقد اتخذ ترامب بنفسه قرار لقاء الرئيس السوري دون نقاش كثير مسبق بين الوكالات المختلفة في الحكومة الأميركية، وبالتالي كان مفاجئا إلى حد ما”.
وعقب اللقاء، نشرت المتحدثة الرسمية باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت -عبر منصة إكس- ما يشبه بيانا تفصيليا عن توقعات واشنطن من الحكومة السورية الجديدة. وذكرت 5 نقاط على النحو التالي:
الانضمام لاتفاقيات أبراهام لتأسيس علاقات مع إسرائيل.
طرد جميع الإرهابيين الأجانب من سوريا.
ترحيل “الإرهابيين الفلسطينيين” إلى خارج سوريا.
العمل مع واشنطن على منع عودة ظهور تنظيم الدولة الإسلامية.
تحمل المسؤولية عن مراكز الاحتجاز في شمال شرق سوريا.
واعتبر السفير هوف أنه من “مصلحة الشرع تخليص سوريا بالكامل من الإرهابيين. وسيستغرق الأمر وقتا وتخطيطا دقيقا للقيام بذلك، لأنه وزملاءه المقربين لا يحتكرون القوة المسلحة في البلاد”.
طريق طويل
وعقب لقاء وزراء خارجية سوريا وتركيا والولايات المتحدة أمس الخميس بمدينة أنطاليا، قال الوزير الأميركي ماركو روبيو إن “هذه فرصة تاريخية لسوريا، لكن الطريق سيكون طويلا”.
وعن مصير العقوبات المفروضة على سوريا منذ سبعينيات القرن الماضي، رجح هوف أن يعقد الكونغرس جلسات استماع ويتحرك لتفكيك نظامها، “لم يتضح بعد إذا ما كان التفكيك سيتحرك بسرعة أم بصورة تدريجية. أظن أن ترامب سيوجه تعليماته بتعليق إنفاذها بينما يمضي الكونغرس في مساره”.
وأشار تقرير لوكالة رويترز إلى أن مسؤولي العقوبات في وزارتي الخزانة والخارجية فوجؤوا بقرار ترامب، خاصة مع عدم إجراء أي مناقشات داخلية حول هذه القضية مؤخرا. وقال مسؤول كبير للوكالة إن البيت الأبيض لم يصدر أي مذكرة أو توجيهات لمسؤولي العقوبات في الوزارتين للاستعداد للفك، ولم ينبههم إلى أن إعلان الرئيس وشيك.
ومما يزيد المهمة تعقيدا العقوبات المفروضة بموجب “قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين”، الذي اُقر عام 2019 ومُدِّد أواخر العام الماضي بعد سقوط نظام الأسد، والذي فرض عقوبات صارمة ليس فقط على حكومة الأسد، ولكن فرض أيضا أخرى ثانوية على الشركات الخارجية أو الحكومات التي عملت معها.
وعلى هامش هذه التطورات، التي تضمنت مطالبة الشرع ترامب بالاستثمار في قطاع النفط والغاز السوري، والمساعدة على جعل دمشق مركزا تجاريا مستقبليا، هاجم أنصار إسرائيل في واشنطن خطوة ترامب، وطالبوه بالتأني في منح هذه الثقة للنظام السوري الجديد.
وانتقدت قرارَ ترامب منظمة الدفاع عن الديمقراطيات “إف دي دي”، وهي مركز بحثي شديد القرب من الحكومة الإسرائيلية.
في حين طالب آرون زيلين، خبير الشؤون السورية بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، ومؤلف كتاب “عصر الجهادية السياسية: دراسة لهيئة تحرير الشام”، بأن يخدم تواصل واشنطن مع دمشق المصالح الأميركية، وعلى رأسها إخراج المقاتلين الأجانب، ووضع مسار للتطبيع مع إسرائيل وتقديم ضمانات أمنية لها، بما يمهد لانسحاب جيش الاحتلال من الأراضي التي انتشر فيها بعد سقوط نظام الأسد.
بيد أن الكونغرس لم يُظهر موقفا موحدا من دعوة ترامب، وانقسم الأعضاء بين مؤيدين ومتحفظين، ومن يطالب بوضع شروط لمراحل تدريجية لرفع العقوبات عن سوريا.
ودعا السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام -في بيان له- إلى اتباع نهج حذر ومدروس لرفع العقوبات عن سوريا، وأكد أن الكونغرس لديه دور رقابي كبير يلعبه. وقال إنه “يميل بشدة إلى دعم تخفيف العقوبات في ظل الظروف المناسبة”، لكنه حذر من أن الحكومة السورية “استولت على السلطة بالقوة”، واعتبر أن التنازل عن العقوبات عملية معقدة”، كما أشار إلى “ضرورة أن يتم ذلك بطريقة منسقة مع حلفائنا، وخاصة أصدقاءنا في إسرائيل”.
وأضاف غراهام أن المسؤولين الإسرائيليين “قلقون للغاية بشأن الوضع في سوريا”، وأنه يخطط لمناقشة هذه المخاوف والبقاء على اتصال وثيق معهم بشأن مصير هذه العقوبات.
في المقابل، مدح السيناتور الجمهوري جيم ريش، رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، قرار ترامب وطالب “بتخفيف تدريجي ومشروط للعقوبات المفروضة على سوريا”.
كما أشادت السيناتورة الديمقراطية جين شاهين بالقرار وطالبت -بالمثل- بتخفيف مشروط لها، وقالت “أُثني على قرار ترامب، نجحت هذه العقوبات في هدفها الأصلي المتمثل في المساعدة في إسقاط نظام الأسد الوحشي. أرحب بإزاحتهم الآن لمنح سوريا الجديدة فرصة للتطور إلى دولة حرة ومزدهرة مستقلة عن النفوذ الخبيث لروسيا وإيران والصين”.
المصدر : الجزيرة
—————————————-
مسؤول بالخارجية الأميركية لـ”الحرة”: الجانب الإيراني “جاد” ورفع العقوبات عن سوريا “غير مشروط”/ رشا إبراهيم
16 مايو 2025
قالت وزارة الخارجية الأميركية إن الجانب الإيراني يتعامل مع المفاوضات الجارية مع الولايات المتحدة بشأن برنامج إيران النووي بـ”جدية”. وقال المتحدث الإقليمي باسم الوزارة، مايكل ميتشل، لـ”الحرة” إن هناك زخما دبلوماسيا للمضي قدما في ملف النووي الإيراني.
ونفى ميتشل، من ناحية أخرى، وجود مطالب يتوجب على سوريا تنفيذها لرفع العقوبات، وقال إن قرار الرئيس دونالد ترامب “غير مشروط”.
في ما يلي نص الحوار الذي أجرته “الحرة” مع المتحدث الإقليمي باسم الخارجية الأميركية:
ـ ما هي أهم نتائج زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للدول الخليجية على مستوى الشرق الأوسط؟
ـ هذا السؤال جوهري. حسب وجهة نظري، وبحسب أي حليف نتحدث عنه، في ما يتعلق بالمصالح المشتركة، أكيد، بيان الرئيس ترامب حول رفع العقوبات عن سوريا مهم للغاية لكافة الأطراف لأنه لا أحد يريد أن يرى دولة فاشلة
في منطقة الشرق الأوسط. الحكومه الأميركية تنظر إلى رفع هذه العقوبات الاقتصادية كخطوة ضرورية من أجل أن نوفر فرصة للشعب السوري للازدهار وأيضا من أجل تحسين الأوضاع الاقتصادية والأمنية هناك.
ـ هل تحمل الاستثمارات الخليجية ملامح تحالف أميركي – خليجي جديد في مواجهة الصين؟
ـ بلا شك، التنافس مع الصين دائما يلعب دورا في العلاقات الأميركية الثنائية مع كافة الأطراف بغض النظر عن المنطقة التي نتحدث عنها. وهذا هو الحال في كل أنحاء العالم، أما في منطقة الشرق الأوسط فلدينا علاقات استثمارية متنامية مع كل من المملكة العربية السعودية، والإمارات ودولة قطر. وأكيد هذا سيلعب دورا مهما ونتمنى أن يكون جزءا من الاستراتيجية الأميركية من أجل مكافحة النفوذ الصيني لا سيما في سياق الموارد الخام والمعادن النادرة التي نحن بحاجة إليها من أجل صناعة الرقائق الدقيقة.
ـ كيف تعزز الاتفاقيات الاقتصادية والدفاعية المبرمة من النفوذ الأميركي في منطقة الخليج؟
ـ نحن نتطلع إلى مزيد من الاستثمارات، إنها شيء مفيد للجانبين. سياسه ترامب “أميركا أولا” لا تقتصر على المصالح الأميركية فحسب. المنطق وراء هذا التركيز هو أن العلاقات المتنامية ما بين الولايات المتحدة وشركائنا الخليجيين يساعد كافة الأطراف، وفي أمور عديدة ليس فقط الأمور الأمنية. العلاقات الأميركية – الخليجية تجاوزت مرحلة التركيز على التعاون الأمني فحسب، ولدينا تعاون في مجال الصحة والعلوم والسياحة ومجالات أخرى أيضا.
ـ هل تتوقعون أي تحديات أمام تنفيذ هذه الاتفاقيات على أرض الواقع؟
ـ بصراحة، لا. في ما يتعلق بالاتفاقيات بالذات، هناك رغبة سياسية ودبلوماسية من كلا الطرفينـ ولكن التحديات تأتي من إيران ومن الحوثيين ليس على الاتفاقيات فحسب، ولكن الحروب والنزاعات دائما تؤثر سلبا على المناخ الاستثماري والمناخ الاقتصادي. لهذا أيض من أولويات الرئيس ترامب القصوى أن نضع حدا للحروب والنزاعات في الشرق الأوسط من أجل نمو اقتصادي أكثر استدامة.
ـ هل هناك أي مؤشرات تدل على أن إيران راغبة فعلا في الانخراط في اتفاق بشأن برنامجها النووي؟
ـ حسب ما سمعنا من الرئيس مباشرة، هناك تقدم ملموس في هذا الملف. ولكي أحدد السياق إلى حد ما، أقول إننا حققنا إنجازات كبيرة لأنه قبل أشهر لم نكن على اتصال مباشر مع الطرف الإيراني في هذا الشأن، والآن لدينا تواصل مباشر. وحسب كل التقديرات الرسمية من البيت الأبيض، الطرف الإيراني يقوم بهذه المفاوضات بجدية، وهناك زخم دبلوماسي للمضي قدما في هذا الملف، وهذا شيء إيجابي جدا، لأن البديل… لا (نريد ذلك).
ـ تطرق الرئيس ترامب في كلمته خلال القمة الخليجية إلى اتفاقيات أبراهام، وهو الآن يزور البيت الإبراهيمي في أبوظبي. هل هناك أي مؤشرات على انضمام دول جديدة إلى اتفاقيات السلام مع إسرائيل؟
ـ حتى الآن ليس هناك أي إشارة رسمية أو غير رسمية إلى ذلك، مع الآسف، ولكن هذا سيبقى من أهم أولويات الولايات المتحدة، والمملكة العربية السعودية ولكن بشروط. سمعنا مرارا وتكرارا بأن المملكة لن تقوم بأي خطوة نحو التسوية السياسية الكاملة مع إسرائيل في ظل استمرار الحرب المأساوية بين حركة حماس وإسرائيل، أو بدون الإعلان، على الأقل، عن خطوة نحو دولة فلسطينية .
ـ في القمة الخليجية – الأميركية التي أقيمت في الرياض، ذكر ولي العهد السعودي محمد بن سلمان مواصلة الجهود لإنهاء الأزمات والحروب في المنطقة، من حرب اليمن إلى حرب غزة وحرب السودان. هل هناك آليات محددة تتبناها الولايات المتحدة لإنهاء الحرب في السودان؟
ـ هذا السؤال جوهري ومهم جدا لأن ما يجري في السودان من أكبر الأزمات الإنسانية في كل أنحاء العالم، مع الأسف الشديد، كما رأينا. نهاية هذه الحرب سوف تتطلب رغبة سياسية من الطرفين المتحاربين وحتى الآن ليس هناك أي إشارة جدية من أي طرف من الأطراف لإنهاء هذه الحرب. وهذا دليل على أن هؤلاء الناس لا يقدمون مصالح وحماية شعب السودان كأولوية لهم، وهذا أمر مأساوي للغاية، لأن الشعب السوداني لا يزال بحاجة ماسة إلى المساعدات الإنسانية المنقذة للحياة، ولكن حتى إدخال هذه المساعدات مستحيل تقريبا في ظل الأعمال العدائية المستمرة.
ـ سؤالنا الأخير، هل حصلتم على أي ضمانات من حكومة الشرع في سوريا لتحقيق متطلبات الإدارة الأميركية؟
ـ لا. وما طلبنا ذلك في حقيقة الأمر. قرار الرئيس ترامب أتى بشكل غير مشروط. من الواضح جدا أن الولايات المتحدة تتوقع تحسنا في كثير من الملفات المهمة، على سبيل المثال حقوق الإنسان بالنسبة للأقليات في سوريا، وعدم (حصول) انفلات سياسي، وحكومة سورية قادرة على محاسبة الذين يؤججون العنف أو الطائفية، على سبيل المثال. وربما الأكثر أهمية، تأمين عدم ظهور داعش بقوة، هذه هي الأولويات القصوى لدى إدارة ترامب ولكن رفع العقوبات ليس مرتبطا بتحسن على الرغم من أننا نريد أن نرى تحسنا على الفور بمساعدات إنسانية.
رشا إبراهيم – واشنطن
الحرة
—————————————
50 دقيقة في الرياض أنصف من خلالها ترمب الشعوب العربية/ عيسى النهاري
قال الرئيس الأميركي إن المنطقة تحقق الأفضل عندما تدير شؤونها بنفسها، مستنكراً محاولات أسلافه في إلقاء المواعظ وفرض القيم
الجمعة 16 مايو 2025
جاء خطاب دونالد ترمب الموجه للشرق الأوسط من الرياض مليئاً بتصريحات اعتبرها أميركيون وعرب “شُجاعة”، كونها تعترف بعواقب ما وصفها بـ “التدخلات الغربية”
دونالد ترمب شخصية مثيرة للاستقطاب في العالم العربي، كما هو الحال في الولايات المتحدة، لكنه عندما اعتلى المنصة في الرياض وتحدث لنحو 50 دقيقة، حمل خطابه رسائل سياسية من أهمها التنديد بإرث قاسٍ من المحاولات الأميركية للتأثير في أسلوب حياة شعوب منطقة الشرق الأوسط، أو التدخل العسكري أو الناعم لتغيير أنظمتها، ملقياً اللوم على سياسات أسلافه.
تأييد أميركي وعربي؟
العالم كله منقسم حول الرئيس ترمب ويشمل ذلك شرائح عربية، فهناك من يرى أن بعض تصريحاته كتلك عن شراء كندا وغرينلاند أو تملّك غزة لا تنم عن حساسية تجاه أهلها. ومع ذلك جاء خطابه للشرق الأوسط من الرياض مليئاً بتصريحات اعتبرها أميركيون وعرب “شُجاعة”، كونها تعترف بعواقب ما وصفها بـ “التدخلات الغربية”.
أوضح الرئيس الأميركي بأنه لم يأت ليلقي المواعظ، فالمنطقة تحقق الأفضل عندما تترك لتدير شؤونها، مستشهداً بالنموذج الخليجي. وقال صراحة إن “هذا التحول الهائل لم يكن ثمرة ضوضاء التدخلات الغربية أو الأشخاص الذين يأتون بطائرات فاخرة لإلقاء المحاضرات عن كيفية إدارة شؤونكم”، مضيفاً أن “من يسمون أنفسهم صناع الأمم دمروا أكثر مما بنوا، وكان التدخل في مجتمعات معقدة لم يفهموها أصلاً عملاً كارثياً”.
يقول المسؤول السابق في الـ “بنتاغون” بلال صعب إنه “يمكنك أن تبغض ترمب أو سياساته، لكن لا بد من أن تعترف بأن كلمته في الرياض أعمق وأكثر الخطب تأثيراً وإثارة للتفكير من أي رئيس أميركي عن الشرق الأوسط”، وكتب أن “الأمر يتطلب شجاعة سياسية ورؤية إستراتيجية واضحة، كي يقول رئيس أميركي إن السياسات الغربية في بناء الدول وإلقاء المحاضرات على شعوب المنطقة لم تجلب لهم سوى الدمار”.
وحظيت كلمة ترمب بتأييد شخصيات أميركية بارزة مثل السيناتور الجمهوري راند بول الذي قال “ما كنت لأعبر عن ذلك بصورة أفضل، فالمحافظون الجدد لم يعرفوا حرباً إلا وأحبوها، والشعب الأميركي لا يزال يدفع الثمن”. أما المحلل السابق في الاستخبارات الوطنية، بيري فيلووك، فقال إن “الرئيس ترمب وجه من الرياض ضربة قاصمة لدعاة التدخلات والمحافظين الجدد”.
تعزيز المصالح لا فرض القيم
لم يأتِ استنكار الرئيس الأميركي محاولات أسلافه ونظرائه الغربيين في إلقاء المواعظ على دول المنطقة في سياق الصفقات الضخمة المعلنة أخيراً، فقد عبر عن ذلك بوضوح قبل ثمانية أعوام خلال خطابه الأول في الرياض عندما قال لقادة 50 دولة عربية وإسلامية إن إدارته لن تفرض قيمها على شعوبهم أو تتدخل في شؤون دينهم.
وبينما قد يقول البعض إن ترمب يسعى وراء الصفقات، وإنه مستعد لقول أو فعل أي شيء لتحقيق هدفه، إلا أن ذلك لا يبدو أنه يأتي على حساب مصالح حلفائه الخليجيين، فالدعوة إلى إطلاق العنان لتعاون أوسع صدرت من دول الخليج نفسها، ولا سيما في المجالات التقنية والاستراتيجية، غير أن هذه المساعي اصطدمت خلال الأعوام الماضية بسياسات إدارة الرئيس السابق جو بايدن التي كثيراً ما وُصفت من قبل خبراء ومسؤولين أميركيين سابقين بأنها “تميل لتقريب الخصوم وإبعاد الحلفاء”.
ومن أبرز الأمثلة على هذا التباين أن السعودية والإمارات تسعيان بقوة إلى تطوير مشاريع طموحة في مجال الذكاء الاصطناعي، تعتمد في جوهرها على الحصول على أشباه الموصلات التي تدخل في صناعات كثيرة ترغب دول الخليج في تعزيزها محلياً، لكن إدارة بايدن فرضت قيوداً صارمة على بيع الرقائق لهذه الدول مما دفعها نحو البحث عن بدائل، قبل أن يلغي ترمب هذه القيود فاتحاً الباب أمام استثمارات ضخمة.
الطريقة العربية جميلة أيضاً
ولم تكن كلمة ترمب متمحورة حول دول الخليج وحسب، بل تطرقت إلى سوريا التي قال إنها “عانت ويلات الحروب وتستحق فرصة للنهوض”، معلناً رفع العقوبات عنها، وهو قرار لاقى ترحيباً عربياً واسعاً، وفُوجئ ترمب نفسه بموجة من التصفيق الحار.
واستشهد الرئيس الأميركي بكابول وبغداد لتسليط الضوء على ما اعتبره فشلاً ذريعاً للتدخلات الغربية، ففي أفغانستان أنهت الولايات المتحدة أطول حروبها تاركة السلطة بيد الحركة التي حاربتها. وفي العراق الذي يخطو اليوم نحو التعافي، تدخلت إدارة الرئيس جورج دبليو بوش لبناء حكم ديمقراطي فتركته ممزقاً بين التجاذبات الطائفية والنفوذ الإيراني.
وقال ترمب إن “الروائع المتلألئة في الرياض وأبوظبي لم يصنعها من يسمون بنائيّ الأمم ولا المحافظون الجدد ولا المنظمات غير الربحية الليبرالية التي أنفقت تريليونات الدولارات وفشلت في بناء كابول وبغداد ومدن أخرى كثيرة، بل إن ولادة شرق أوسط حديث ثمرة جهود شعوب هذه المنطقة نفسها.، فالشعوب التي عاشت هنا طوال حياتها وبنت دولها ذات السيادة، سعت إلى تحقيق رؤاها الفريدة ورسمت مصيرها بطريقتها الخاصة”.
وشدد الرئيس الأميركي على أن كل دولة تخطو نحو المستقبل بالأسلوب الذي يناسبها، مشيراً إلى “الطريقة العربية”، وقال مخاطباً الحاضرين في منتدى الاستثمار السعودي – الأميركي إن “السلام والازدهار والتقدم لم يأت من رفضكم الجذري لإرثكم، بل من احتضان تقاليدكم الوطنية والتشبث بذلك الإرث الذي تحبونه بعمق، لقد حققتم معجزة حديثة بطريقتكم العربية”.
إيران وعبارة ترمب “المدوية”
وحتى عندما تحدث ترمب عن إيران فقد ترك الأبواب مفتوحة نحو المصالحة، بل إن الكاتب في “واشنطن بوست” ديفيد إغانتيوس قال إن ترمب لمّح إلى إمكان “إنهاء الصراع غير المعلن بين الولايات المتحدة وإيران منذ 46 عاماً”، إذ حضرت إيران في كلمة ترمب 19 مرة في سياقات مختلفة، مثل دورها في عدم الاستقرار في اليمن وسوريا ولبنان وغزة والعراق، لكن في إحدى المواضع قال إن “أميركا لا تملك أعداء دائمين”.
واستوقفت هذه العبارة إغانتيوس فقال إنها تحمل وقعاً مدوياً في أرجاء المنطقة، فمن خلالها اتخذ الرئيس خطوة لتحقيق هدفه في وقف الحروب التي لا تنتهي في الشرق الأوسط، مع التحذير من أن طهران إن لم توافق على اتفاق نووي وتسلك طريق السلام فستواجه أقصى درجات الضغط.
وإغانتيوس، الذي عُرف بانتقاده لترمب في ملفات عدة، بدا مادحاً لنهجه المزعزع لـ “الأطر الجامدة” التي علقت فيها السياسة الخارجية الأميركية في الشرق الأوسط، وكتب مذكراً بما قاله ترمب خلال حملته الانتخابية في سبتمبر (أيلول) الماضي بما معناه “أنا أقوم بنسج الحبكة، تتحدث عن تسعة مواضيع مختلفة لكنها في النهاية تترابط بطريقة مذهلة”.
وكتب ترمب عن طريقة عمله في كتابه “فن الصفقة” عام 1987 “أعمل بعفوية ولا أحمل حقيبة أوراق، وأحاول ألا أجدول اجتماعات كثيرة، وأترك بابي مفتوحاً، إذ لا يمكن للمرء أن يكون مبدعاً أو ريادياً في ظل بنية تنظيمية جامدة، وأفضل أن آتي إلى العمل كل يوم وأرى ما سيحدث”.
وهذا هو نمط ترمب في إعادة ضبط السياسات الأميركية تجاه المنطقة، بحسب الكاتب الأميركي الذي يقول إن “حديث ترمب عن أسلوبه يبدو ضرباً من الهراء في حينه، ولا يجدر المراهنة على أمن إسرائيل أو مصير الشرق الأوسط بناء عليه، لكن السياسة الخارجية الأميركية عالقة منذ عقود في أطر جامدة، وربما آن الأوان لإعادة النظر فيها بعين جديدة”.
إسرائيل والمراقبة على الهامش
تمثّلت الخطوة الترمبية الأخرى المزعزعة للنهج التقليدي في تجاهل إسرائيل خلال جولته الإقليمية، فعلى رغم أن هذه الخطوة لا تمثل خروجاً رسمياً عن الالتزام الأميركي الثابت بدعم إسرائيل، لكنها أثارت قلق حكومة بنيامين نتنياهو وهزت افتراضاتها حول مكانتها والدعم غير المشروط، وتجلى إحباط إدارة ترمب من حكومة نتنياهو في لجوئها إلى التفاوض المباشر مع “حماس” لإعادة عيدان ألكسندر، آخر الرهائن الأميركيين الناجين في غزة.
وكانت إسرائيل تشاهد من بعيد خطوة ترمب في تطبيع العلاقات مع الحكومة الجديدة في سوريا، متجاهلاً التحذيرات والمخاوف الإسرائيلية التي تجلت في الضربات الإسرائيلية المتكررة على الأراضي السورية. وكتب المعلق في صحيفة “إسرائيل اليوم” اليمينية يوآف ليمور إن”تشكيل مشهد الشرق الأوسط يُعاد أمام أعيننا من خلال سلسلة من الاتفاقات والاجتماعات، بينما بقيت إسرائيل في أفضل الأحوال مراقباً على الهامش”.
ويصر الجناح المتشدد في الحكومة الإسرائيلية على مواصلة الحرب في غزة وسط سخط في الرأي العام الإسرائيلي تجاه استمرارها لأكثر من 18 شهراً، وتشير أحداث الأسبوعين الماضيين، بحسب المسؤول في الاستخبارات الوطنية الأميركية سابقاً، جوناثان بانيكوف، إلى وجود تباين واضح في الأولويات، وأن المعاملة الخاصة التي لطالما حظيت بها إسرائيل من الإدارات الأميركية قد لا تحصل عليها هذه المرة.
وأعرب مسؤولون في إدارة ترمب سراً عن استيائهم من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي يُنظر إليه بأنه عقبة أمام التعهد الانتخابي الذي أطلقه الرئيس بإنهاء الحرب في غزة، مطالبين ببذل جهد أكبر للتوصل إلى وقف إطلاق نار واتفاق لتبادل الرهائن مع حركة “حماس”.
وكان ترمب ساعد إدارة بايدن في التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في غزة قبل توليه الرئاسة، لكن إدارته حتى الآن لم تتمكن من تنفيذ وعدها بإنهاء الحرب، وقال خلال كلمته الأخيرة في الرياض إن “شعب غزة يستحق مستقبلاً أفضل بكثير، لكن ذلك لن يحدث، أو لا يمكن أن يحدث، طالما أن قادتهم يختارون الخطف والتعذيب واستهداف الرجال والنساء والأطفال الأبرياء لتحقيق أهداف سياسية، والطريقة التي يُعامل بها هؤلاء الناس في غزة لا مثيل لها في العالم، فلا يوجد مكان يعامل فيه الناس بهذه القسوة”.
———————————-
كيف كان تأثير الحرب والعقوبات على اقتصاد سوريا؟ 7 نقاط تشرح ذلك
16/5/2025
قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب إنه سيرفع العقوبات المفروضة منذ سنوات على سوريا والتي عزلت البلاد عن النظام المالي العالمي في عهد الرئيس المخلوع بشار الأسد.
ورفع الاتحاد الأوروبي وبريطانيا بالفعل بعض عقوباتهما، لكن إذا مضت واشنطن الآن في رفع كل عقوباتها سيمهد ذلك الطريق أمام الآخرين لأخذ المنحى نفسه.
وفيما يلي ملخص للوضع الحالي للاقتصاد السوري، وكيف أعادت الحرب على مدى 14 عاما، التي انتهت بسقوط الأسد في ديسمبر/كانون الأول الماضي، تشكيل التجارة والمالية الحكومية.
1- ما وضع الاقتصاد السوري؟
تشير تقديرات البنك الدولي إلى أن قيمة الاقتصاد السوري تبلغ حوالي 21 مليار دولار، أي ما يعادل تقريبا ما لدى ألبانيا وأرمينيا، اللتين يقل عدد سكانهما عن سوريا بأكثر من 20 مليون نسمة.
تُظهر البيانات السورية الرسمية أن حجم الاقتصاد انخفض إلى أكثر من النصف بين عامي 2010 و2022، ويرجح البنك الدولي أنه حتى ذلك المعدل أقل من الأرقام الحقيقية وسط تقديرات تشير إلى انكماش أكثر حدة بنسبة 83% بين عامي 2010 و2024.
أُعيد تصنيف سوريا دولة منخفضة الدخل في عام 2018، إذ يعيش أكثر من 90% من سكانها البالغ عددهم نحو 25 مليون نسمة تحت خط الفقر، وفقا لوكالات الأمم المتحدة.
2- ماذا حدث للعملة السورية؟
تفاقمت الاضطرابات الاقتصادية في سوريا في عام 2019 عندما انزلق لبنان المجاور إلى أزمة، نظرا للعلاقات الاقتصادية والمالية الواسعة التي تربط البلدين.
طرحت دمشق أسعار صرف متعددة للمعاملات المختلفة لحماية العملة الصعبة الشحيحة.
بعد تولي الحكومة الجديدة السلطة في ديسمبر/كانون الأول الماضي، تعهد المصرف المركزي باعتماد سعر صرف رسمي موحد لليرة السورية.
اختيرت ميساء صابرين حاكما للمصرف المركزي لتكون بذلك أول امرأة تتولى هذا المنصب في تاريخه الممتد لأكثر من 70 عاما.
بلغ سعر الصرف أمس الأربعاء 11 الفا و65 ليرة للدولار الواحد، مقارنة مع أسعار السوق السوداء التي بلغ فيها سعر الدولار نحو 22 ألف ليرة وقت سقوط الأسد العام الماضي، و47 ليرة في مارس/آذار 2011 عندما اندلعت الحرب.
3- كم تبلغ الديون المستحقة على سوريا؟
قالت الحكومة إن ديونها تتراوح ما بين 20 و23 مليار دولار، معظمها في شكل قروض ثنائية، لكن هذه الديون قد تكون أعلى بكثير نظرا لأنها قد تواجه مطالبات من إيران وروسيا بمبلغ يتراوح بين 30 و50 مليار دولار.
يقول محامون بارزون في مجال الديون السيادية إن تلك الالتزامات التي تعود إلى عهد الأسد يمكن شطبها لاعتبارها ديون حرب “بغيضة”، وهي ديون تحملتها البلاد من دون موافقة الشعب السوري أو إنفاقها لصالحه بسبب توجيه الكثير منها لتزويد حكومة الأسد بالأسلحة.
يظهر تقرير صدر عن معهد بيترسون في الآونة الأخيرة أنه يجب أيضا تحديد الجهات السورية الملزمة مثل الحكومة أو البنك المركزي أو الشركات المملوكة للدولة أو المؤسسات التجارية، إذ تحتاج الأنواع المختلفة من الديون إلى معاملة مختلفة عند إعادة الهيكلة.
تصميم خاص – أرقام عن النفط والغار في سوريا
4- ما احتياطات المصرف المركزي؟
نقلت رويترز عن مصادر في وقت سابق قولها إن المصرف المركزي يملك احتياطات نقدية من النقد الأجنبي لا تتعدى نحو 200 مليون دولار، وهو انخفاض كبير عن مبلغ 18.5 مليار دولار قدر صندوق النقد الدولي أن سوريا كانت تملكه قبل اندلاع الحرب الأهلية.
لدى المركزي أيضا ما يقرب من 26 طنا من الذهب بقيمة تزيد عن 2.6 مليار دولار بأسعار السوق الحالية.
قالت الحكومة الجديدة إنها تتوقع استرداد ما يبلغ 400 مليون دولار من أصولها المجمدة للمساعدة في تمويل إصلاحات تشمل زيادات حادة في رواتب بعض موظفي القطاع العام أقرتها الدولة في الآونة الأخيرة.
جمدت الحكومات الغربية هذه الأصول خلال فترة حكم الأسد، لكن لم تتضح بعد قيمتها الدقيقة وموقعها الآن ومدى سرعة استعادتها.
قالت سويسرا إن ما قيمته نحو 99 مليون فرنك سويسري (118 مليون دولار) موجود حاليا في بنوك هناك، ويقدر موقع “تقرير سوريا” أيضا أن ما قيمته 163 مليون جنيه إسترليني (217 مليون دولار) موجود في بريطانيا.
5- كيف أثرت الحرب والعقوبات على التجارة والاقتصاد؟
حسب البنك الدولي، أدى تضاؤل إيرادات النفط والسياحة إلى انخفاض صادرات سوريا من 18.4 مليار دولار في عام 2010 إلى 1.8 مليار دولار في عام 2021.
يقول خبراء إن الضغوط المالية التي تعرضت لها الحكومة دفعتها إلى سداد ثمن بعض الواردات الرئيسية بأموال غير مشروعة من مبيعات المنشطات الشبيهة بالأمفيتامين المسببة للإدمان والمعروفة باسم الكبتاغون، أو من تهريب الوقود.
أصبح إنتاج الكبتاغون القطاع الاقتصادي الأكثر قيمة، وقدر البنك الدولي العام الماضي القيمة السوقية الإجمالية للمخدر المنتج في سوريا بما يبلغ 5.6 مليارات دولار.
6- ما تحديات الطاقة؟
في عام 2010، صدّرت سوريا 380 ألف برميل يوميا من النفط، وانحسر مصدر الإيرادات هذا بعد اندلاع الحرب في عام 2011، واستولت جماعات مختلفة منها تنظيم الدولة الإسلامية والمقاتلون الأكراد على حقول نفطية، ورغم توقيع جماعات الأكراد صفقات مع شركات أميركية، فإن العقوبات جعلت من الصعب تصدير النفط بشكل مشروع.
أجبرت تلك الخسائر سوريا على الاعتماد على واردات الطاقة، ومعظمها من الحليفين روسيا وإيران، وقالت راشيل زيمبا كبيرة المستشارين في مجال العقوبات لدى شركة هورايزون إنجيج للاستشارات المعنية بالمخاطر إن وقودا يتراوح بين مليون و3 ملايين برميل كانت سوريا تحصل عليه من إيران شهريا توقف في أواخر ديسمبر/كانون الأول الماضي مع انسحاب طهران.
7- كيف عانت الزراعة؟
أدى الصراع والجفاف إلى انخفاض عدد المزارعين وتضرر الري، وتضاءلت إمكانية الحصول على البذور والأسمدة، إذ:
تراجع الإنتاج الزراعي إلى مستويات غير مسبوقة في عامي 2021 و2022 حين هبط إنتاج القمح وحده إلى ربع الكمية التي كانت تبلغ حوالي 4 ملايين طن سنويا قبل الحرب.
استوردت سوريا نحو مليون طن من الحبوب سنويا من روسيا، وتوقفت التدفقات مؤقتا عندما تغير النظام الحاكم، لكنها استؤنفت الشهر الماضي.
أبدت أوكرانيا أيضا استعدادها لتوريد القمح من دون وضوح الآلية التي ستسدد بها سوريا المدفوعات.
المصدر : رويترز
——————————————-
الاقتصاد السوري يواجه أزمة طاحنة.. تعرف إلى أبعادها
انخفاض كبير في سعر صرف الليرة السورية خلال حكم الأسد
15/5/2025
لم تسلم قطاعات الاقتصاد السوري الرئيسة، وعلى رأسها قطاعا النفط والزراعة، من تبعات الحرب الأهلية الواسعة التي شهدتها سوريا منذ أن سعى بشار الأسد إلى قمع الثورة التي اندلعت ضد حكمه عام 2011، وما أعقبها من عقوبات دولية على نظامه.
وأدت الحرب الأهلية والعقوبات إلى تراجع الناتج المحلي الإجمالي لسوريا بشكل كبير ليصل حاليا إلى نحو 15% فقط مما كان عليه في عام 2011، ما يعني انكماشا في الاقتصاد السوري بنسبة 85% وفق بيانات برنامج الأمم المتحدة للتنمية.
وبلغ الناتج المحلي الإجمالي لسوريا في عام 2011 نحو 67.5 مليار دولار، فيما تراجع حاليا إلى نحو 9 مليارات دولار فقط، وتُظهر البيانات السورية الرسمية أن حجم الاقتصاد انخفض إلى أكثر من النصف بين عامي 2010 و2022. غير أن البنك الدولي يرجح أن هذه المعدلات أقل من الأرقام الحقيقية.
ماذا حدث لقطاع النفط السوري؟
كان قطاع النفط السوري قادرا على تصدير أكثر من 380 ألف برميل يوميا عام 2010، وكانت إيرادات النفط أحد أهم مصادر الدخل للحكومة السورية. غير أن الوضع اختلف تماما مع سيطرة جماعات مختلفة، بينها تنظيم الدولة وجماعات كردية، على الجزء الأكبر من حقول النفط في سوريا.
وكانت النتيجة هي تراجع القدرة على الإنتاج بشكل حاد لتصل إلى نحو 90 ألف برميل يوميا في عام 2023، وفق بيانات البنك الدولي، كما أن العقوبات جعلت من الصعب تصدير النفط بشكل شرعي، وبقي المتاح هو تهريب النفط وبيعه في السوق السوداء.
ومع تراجع إنتاج النفط لجأ نظام الأسد إلى إيران للحصول على نحو مليون إلى 3 ملايين برميل من النفط شهريا، وفق ما ذكر خبراء لوكالة “رويترز”، لكن هذه الإمدادات توقفت منذ شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي مع سقوط نظام الأسد.
ما حجم التراجع في قطاع الزراعة؟
أدت الحرب الأهلية في سوريا، والهجرة الواسعة للأيدي العاملة خاصة من الشباب، إلى انخفاض عدد المزارعين وتضرر الري وتضاؤل إمكانية الحصول على البذور والأسمدة.
وتراجع الإنتاج الزراعي إلى مستويات غير مسبوقة في عامي 2021 و2022 حين هبط إنتاج القمح وحده إلى ربع الكمية التي كانت تبلغ حوالي 4 ملايين طن سنويا قبل عام 2011.
واستوردت سوريا نحو مليون طن من الحبوب سنويا من روسيا، وتوقفت التدفقات مؤقتا عند سقوط نظام الأسد لكنها استؤنفت الشهر الماضي.
وأبدت أوكرانيا أيضا استعدادها لتوريد القمح دون وضوح الآلية التي ستسدد بها سوريا المدفوعات.
بحسب البنك الدولي، أدى تضاؤل إيرادات النفط والسياحة إلى انخفاض صادرات سوريا من 18.4 مليار دولار في عام 2010 إلى 1.8 مليار دولار في عام 2021.
وأصبح إنتاج عقار “الكبتاجون” المخدر القطاع الاقتصادي الأكثر قيمة، وقدر البنك الدولي العام الماضي القيمة السوقية الإجمالية للمخدر المنتج في سوريا بما يصل إلى 5.6 مليارات دولار.
كيف تراجع سعر صرف العملة السورية؟
يبلغ سعر صرف الليرة السورية حاليا في البنوك نحو 11065 ليرة للدولار الواحد، فيما بلغ سعر الصرف حوالي 22 ألف ليرة للدولار الواحد وقت سقوط نظام الأسد في ديسمبر/كانون الأول الماضي.
وكان سعر الصرف هو 47 ليرة للدولار في مارس/آذار 2011 عندما اندلعت الثورة وبدأ النظام في قمعها، ما يوضح الانهيار الكبير في قيمة الليرة السورية خلال 13 عاما من حكم بشار الأسد، ما أسهم في زيادة معدلات الفقر حيث يعيش 90% من السوريين تحت خط الفقر، وفق بيانات الأمم المتحدة.
وبعد تولي الحكومة الجديدة السلطة، تعهد المصرف المركزي باعتماد سعر صرف رسمي موحد لليرة السورية.
واختيرت ميساء صابرين حاكما للمصرف المركزي لتكون بذلك أول امرأة تتولى هذا المنصب في تاريخه الممتد لأكثر من 70 عاما.
كم تبلغ الديون الحكومية السورية؟
وفق ما أعلنت الحكومة السورية فإن ديونها تتراوح ما بين 20 و23 مليار دولار معظمها في شكل قروض ثنائية.
وذكرت وكالة “رويترز” أن الديون الحكومية ربما قد تكون أعلى بكثير نظرا لأن دمشق قد تواجه مطالبات من إيران وروسيا بمبلغ يتراوح بين 30 و50 مليار دولار.
وقال محامون بارزون في مجال الديون السيادية لـ”رويترز” إن تلك الالتزامات التي تعود إلى عهد الأسد يمكن شطبها لاعتبارها ديون تحملتها البلاد دون موافقة الشعب السوري أو إنفاقها لصالحه بسبب توجيه الكثير منها لتزويد حكومة الأسد بالأسلحة.
ما احتياطيات المصرف المركزي السوري؟
قالت مصادر لـ”رويترز” في وقت سابق إن المصرف المركزي يملك احتياطيات نقدية من النقد الأجنبي لا تتعدى نحو 200 مليون دولار، وهو انخفاض كبير عن مبلغ 18.5 مليار دولار قدر صندوق النقد الدولي أن سوريا كانت تملكه قبل اندلاع الحرب الأهلية.
ولدى المصرف المركزي أيضا ما يقرب من 26 طنا من الذهب بقيمة تزيد عن 2.6 مليار دولار بأسعار السوق الحالية.
وقالت الحكومة السورية إنها تتوقع استرداد ما يصل إلى 400 مليون دولار من أصولها المجمدة للمساعدة في تمويل إصلاحات تشمل زيادات في رواتب بعض موظفي القطاع العام أقرتها الدولة في الآونة الأخيرة.
وكانت الحكومات الغربية جمدت هذه الأصول خلال فترة حكم الأسد، لكن لم تتضح بعد قيمتها الدقيقة وموقعها الآن ومدى سرعة استعادتها.
وقالت سويسرا إن ما قيمته حوالي 99 مليون فرنك سويسري (118 مليون دولار) موجود حاليا في بنوكها.
المصدر : الجزيرة مباشر + رويترز
——————————–
كيف استقبلت وزارة الخزانة الأمريكية قرار رفع العقوبات عن سوريا؟
15/5/2025
كان قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رفع العقوبات جميعها عن سوريا، الذي أعلنه الثلاثاء خلال زيارته للسعودية، بالغ الأهمية بالنسبة لدمشق التي عانت من العقوبات الأمريكية عبر أكثر من 4 عقود.
ونظرا لتعدد مستويات العقوبات الأمريكية، واستمرارها عبر سنوات طويلة، فقد كان قرار ترامب رفع العقوبات كلها، لأنه يريد إعطاء سوريا فرصة لمستقبل أفضل حسب وصفه، مفاجئا لكثير من المسؤولين في إدارته.
وأوضح مسؤول أمريكي كبير لـ”رويترز” أن البيت الأبيض لم يصدر أي مذكرة أو توجيه لمسؤولي العقوبات في وزارة الخارجية أو وزارة الخزانة للتحضير لإلغاء العقوبات، ولم ينبههم إلى أن هناك إعلانا وشيكا من الرئيس بهذا الشأن.
كيفية إلغاء العقوبات
وبعد الإعلان، كان المسؤولون في حيرة من أمرهم حول الكيفية التي ستلغي بها الإدارة الأمريكية حزما ومستويات مختلفة من العقوبات، وأي منها سيتم تخفيفها، ومتى يريد البيت الأبيض بدء العملية.
وذكر المسؤول الأمريكي لـ”رويترز” أنه، وحتى الوقت الذي التقى فيه ترامب بالرئيس السوري أحمد الشرع في السعودية، يوم الأربعاء، كان المسؤولون في الخارجية والخزانة لا يزالون غير متأكدين من كيفية المضي قدما.
وقال أحد المسؤولين الأمريكيين “يحاول الجميع استكشاف كيفية تنفيذ ذلك”، في إشارة لإعلان ترامب.
وفي أعقاب الإطاحة بنظام بشار الأسد في أواخر العام الماضي، صاغ مسؤولون من وزارتي الخارجية والخزانة مذكرات وأوراقا بمختلف الخيارات للمساعدة في إرشاد الحكومة بشأن رفع العقوبات عن سوريا إذا اختارت الإدارة الأمريكية القيام بذلك.
لكن كبار المسؤولين في البيت الأبيض والأمن القومي، وكذلك بعض المشرعين، ناقشوا لأشهر ما إذا كان ينبغي من الأساس تخفيف العقوبات.
وقال المسؤول الأمريكي إنه قبل رحلة ترامب إلى السعودية، لم يكن هناك أي مؤشر واضح، على الأقل بالنسبة للمسؤولين الذين يعملون على العقوبات داخل وزارتي الخارجية والخزانة، على أن الرئيس قد اتخذ قرارا بهذا الشأن.
جهود سورية لرفع العقوبات
وقال جوناثان شانزر المسؤول السابق في وزارة الخزانة الأمريكية والمدير التنفيذي الحالي لمنظمة الدفاع عن الديمقراطيات، الذي التقى مسؤولين سوريين خلال زيارتهم، لـ”رويترز” إن مسؤولين سوريين كبارا كانوا في واشنطن الشهر الماضي ومارسوا ضغوطا قوية لرفع العقوبات جميعها.
وذكر بيان صادر عن البيت الأبيض حول لقاء ترامب مع الرئيس السوري أن الأول طلب من سوريا الالتزام بشروط عدة مقابل تخفيف العقوبات، بما في ذلك مساعدة الولايات المتحدة على منع عودة تنظيم الدولة الإسلامية.
ويمثل رفع العقوبات جميعها تحديا خاصا في حالة سوريا، نظرا لتعدد الإجراءات التي تعزلها عن النظام المصرفي الدولي وتمنع العديد من الواردات الدولية.
وبدأت العقوبات الأمريكية على سوريا عام 1979، حين أدرجتها واشنطن على قائمة الدول الراعية، وبعدها أضافت مجموعات أخرى من العقوبات، بما فيها عقوبات على نظام بشار الأسد لقمعه الثورة التي اندلعت ضد نظامه عام 2011.
ما تأثير العقوبات في الاقتصاد السوري؟
تُظهر البيانات السورية الرسمية أن حجم الاقتصاد انخفض إلى أكثر من النصف بين عامي 2010 و2022.
ويرجح البنك الدولي أن المعدل أقل من الأرقام الحقيقية وسط تقديرات تشير إلى انكماش أكثر حدة للاقتصاد السوري بنسبة 83% بين عامي 2010 و2024.
وأدت العقوبات إلى تراجع حاد في سعر صرف الليرة السورية، حيث بلغ نحو 11 ألف ليرة للدولار الواحد رسميا، فيما كان سعر الصرف حوالي 22 ألف ليرة للدولار الواحد حين سقط نظام الأسد، مقارنة بنحو 47 ليرة للدولار الواحد في مارس/آذار 2011.
ويعيش أكثر من 90% من سكان سوريا تحت خط الفقر، وفقا لوكالات الأمم المتحدة.
المصدر : رويترز
————————————
الشيباني: وضعنا لبنة مهمة لبناء علاقات إستراتيجية مع واشنطن
16/5/2025
أعلن وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني الخميس -عقب اجتماع ثلاثي مع نظيريه التركي والأميركي في أنطاليا- أن الجانب الأميركي دعم الكثير من نقاط المسار الذي تنتهجه دمشق منذ سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، مؤكدا أن اللقاء كان “إيجابيا بشكل كبير”.
كما أشار إلى أنه جرى الاتفاق خلال الاجتماع مع الطرف الأميركي على تشكيل فرق تقنية وأن لقاء ثانيا سيعقد بينهما “بعد أسبوع”، منوها إلى أن الاجتماع وضع “لبنة مهمة في بناء علاقات إستراتيجية مع الولايات المتحدة”، بما يعزز حضور دمشق الإقليمي والدولي.
وانطلق في ولاية أنطاليا جنوبي تركيا اجتماع ثلاثي ضم وزراء الخارجية التركي هاكان فيدان والسوري أسعد الشيباني والأميركي ماركو روبيو.
وأوضحت مصادر دبلوماسية تركية الخميس أن اللقاء جرى على هامش الاجتماع غير الرسمي لوزراء خارجية دول حلف شمال الأطلسي (ناتو).
وأفادت المصادر الدبلوماسية بأن الوزير فيدان غادر بعد نصف ساعة من انطلاق الاجتماع، فيما تابعه الوزيران السوري والأميركي.
علاقات إستراتيجية
وفي وقت لاحق، قال الشيباني على حسابه بمنصة إكس “الشكر الجزيل لأخي معالي وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، وللسيد ماركو روبيو، وزير خارجية الولايات المتحدة، على الاجتماع المثمر والبنّاء الذي عقدناه اليوم”.
وأضاف “وضعنا اليوم لبنة مهمة في بناء علاقات إستراتيجية متقدمة مع الولايات المتحدة، بما يخدم مصالح شعبنا ويعزز من حضورنا الإقليمي والدولي”.
وتابع “ينتظر السوريون مستقبلا مشرقا، ونعمل بكل طاقتنا لفتح آفاق جديدة تضمن الأمن والاستقرار والازدهار.. ونريد رؤية سوريا وقد تمت فيها إعادة الإعمار قبل نهاية ولاية ترامب وعاد إليها جميع السوريين”.
وشدد على أن الجانب الأميركي أكد أن سوريا “دولة فاعلة لا هامشية وأمنها مهم لأمن واستقرار العالم”، مشيرا إلى أن الحكومة السورية بدأت منذ 8 ديسمبر/كانون الأول الماضي تطبيع العلاقات مع جميع الدول العربية والأجنبية ومع الولايات المتحدة.
وأضاف”هناك مصالح تحكم العالم ونحن ننطلق في هذا الشأن من مصالح شعبنا” متوقعا أنه “سيكون لسوريا مستقبل مشرق وستنافس في المنطقة بعد إزالة العقوبات الأميركية”.
رفع العقوبات
ويأتي لقاء أنطاليا في إطار خطوات تطبيع العلاقات بين الولايات المتحدة وسوريا، بعد إعلان الرئيس دونالد ترامب رفع العقوبات المفروضة على دمشق.
وأكد ترامب الثلاثاء -خلال منتدى الاستثمار السعودي الأميركي في الرياض- أن الهدف من هذه الخطوة هو “منح الشعب السوري فرصة للنمو والتطور”.
وأوضح أن القرار جاء بعد مشاورات مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
وعلى خلفية انتهاكات نظام بشار الأسد ومجازره في قمع الثورة بسوريا منذ عام 2011، فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول أخرى بينها بريطانيا عقوبات على سوريا، شملت تجميد أصول ووقف التحويلات المالية والحرمان من التكنولوجيا وحظر التعامل مع نظامه.
كما طالبت الإدارة السورية الجديدة بقيادة أحمد الشرع، منذ الإطاحة بنظام الأسد، برفع تلك العقوبات لأنها تعرقل جهود إعادة الإعمار.
المصدر : الجزيرة + الأناضول
—————————–
بينهم تركيا.. واشنطن تؤكد أهمية وجود شركاء إقليميين لدعم استقرار سوريا
تصريح لوزير الخارجية الأمريكي عقب الاجتماع غير الرسمي لوزراء خارجية دول الناتو
Sercan İrkin
أكد وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، استعداد بلاده لدعم السلام والاستقرار في سوريا، مشدداً على أهمية وجود شركاء إقليميين لتحقيق ذلك بمن فيهم تركيا.
جاء ذلك في تصريح أدلى به للصحفيين عقب مشاركته في الاجتماع غير الرسمي لوزراء خارجية دول الناتو الذي عقد، الخميس، في ولاية أنطاليا جنوبي تركيا.
وأضاف روبيو أن سوريا السلمية والمستقرة ستكون أحد أهم التطورات الإيجابية التي شهدتها المنطقة في السنوات الأخيرة.
وأوضح أن الإدارة الحالية في سوريا تقود حركة وطنية تهدف إلى بناء مجتمع يمكن للعناصر الاجتماعية المتعددة الثقافات والمختلفة أن تعيش فيه معاً.
وأشار إلى أن هذا المسار سيكون طويلاً وصعباً، مضيفًا: “إذا نجح هذا المسار، فسيكون له تأثير تحويلي على المنطقة”.
وقال روبيو إن إدارة دمشق تريد العيش بسلام مع الدول المجاورة، بما في ذلك إسرائيل، وتهدف إلى إزالة العناصر الإرهابية من البلاد.
وأشار إلى أن الإدارة الجديدة في سوريا لا تريد تخزين الأسلحة الكيميائية في أراضيها، وأن دمشق طلبت دعم الولايات المتحدة للكشف عن هذه الأسلحة وتدميرها بشكل آمن، وأن إدارة واشنطن مستعدة لذلك.
– شركاء إقليميون مثل تركيا
وأوضح روبيو أن سوريا دولة يعيش فيها مواطنون من ديانات وخلفيات عدة منذ مدة طويلة، وأنه يقع على عاتق القادة على الأرض تحقيق التحول الكبير بدلا من الحرب التي تؤدي إلى زعزعة استقرار المنطقة.
وأشار إلى وجود شركاء إقليميين مثل تركيا والسعودية والإمارات وقطر وهم على استعداد للمساهمة في ذلك التحول.
وأكد أن آثار رفع العقوبات عن سوريا ستكون ملموسة وأن ذلك سيساهم في جهود إعادة إعمار البلاد من خلال إدارة قادرة على توفير الخدمات الأساسية.
– قانون قيصر
وأوضح روبيو أن أعضاء الكونغرس دعوا إلى استخدام سلطة الإعفاء المنصوص عليها في قانون قيصر، مشيراً إلى أن الرئيس دونالد ترامب يخطط لاستخدام الإعفاء كخطوة أولى، وأنه يجب تجديد هذا الإعفاء كل 180 يوماً.
وأضاف أنه إذا تم تحقيق تقدم كاف، فإنهم سيطلبون من الكونغرس رفع العقوبات بالكامل.
وتابع: “لم نصل إلى هذه المرحلة بعد، وستكون هذه الخطوة سابقة لأوانها في هذه المرحلة. نريد أن نبدأ بالإعفاء الذي سيسمح للشركاء بإرسال المساعدات إلى سوريا دون المخاطرة بالتعرض للعقوبات”.
وعن مفاوضات السلام التي تعقد بين روسيا وأوكرانيا في إسطنبول، أشار روبيو إلى أن الوفد الأمريكي سيلتقي وفدا رفيع المستوى من أوكرانيا غدا الجمعة ويشارك في المحادثات الروسية الأوكرانية، مؤكدا في هذا السياق أهمية وقف إطلاق النار بين الطرفين.
وأضاف أن الرئيس ترامب “يتوق لإنهاء هذه الحرب”، معرباً عن اعتقاده بأنه لن يتحقق تقدما كبيراً ما لم يتفاعل ترامب وبوتين بشكل مباشر مع هذه المفاوضات.
وفيما يتعلق بإمكانية انسحاب واشنطن من الوساطة في حال عدم حدوث تقدم ملموس، قال روبيو: “بصراحة، لا أعتقد أننا سنحقق اختراقًا ما لم يجلس ترامب و(الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين وجهًا لوجه لتحديد نواياهما المستقبلية”.
وأكد أن “السبيل الوحيد لتحقيق تقدم كبير هو أن يجلس ترامب مع بوتين وجهاً لوجه ليحددا مرة واحدة وللجميع، ما إذا كان هناك طريق نحو السلام، وإن وجد، ما هو هذا الطريق؟”.
وتابع: “مستوى الوفد الذي أرسله الجانب الروسي لا يعد مؤشراً على أن المفاوضات ستؤدي حتما إلى تقدم كبير. أتمنى أن أكون مخطئا. أتمنى أن تقول الأخبار غداً إنهم اتفقوا على وقف إطلاق النار”.
– واشنطن تشعر بقلق إزاء الوضع الإنساني في غزة
وأشار روبيو إلى أنه التقى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وأن إدارة واشنطن تشعر بالقلق إزاء مسار الوضع الإنساني في قطاع غزة.
وذكر أنهم ليسوا غير مبالين بمعاناة الشعب الفلسطيني في غزة، وأنهم يريدون نهاية دائمة للصراع، مضيفا “إذا استسلمت حماس فإن القتال سينتهي على الفور”.
وأضاف: “شعوب المنطقة تستحق مستقبلا أفضل من الوضع الذي تعيشه تحت حكم حماس”.
ووصف روبيو حركة حماس بأنها “إرهابية”، مضيفا “إنهم جماعة تختطف وتغتصب وتقتل الأبرياء الذين لا علاقة لهم بالحرب، وما دام أنهم موجودون فلن يكون هناك سلام”، وفق قوله.
—————————————–
أسوشيتد برس: ماذا يعني رفع العقوبات الأميركية عن بلد مزقته الحرب؟
2025.05.16
أثار إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن خطط لتخفيف العقوبات الأميركية المفروضة على سوريا موجة من التفاؤل في الأوساط السورية والعربية، وسط آمال بأن يسهم هذا القرار في تسهيل عملية تعافي البلاد من سنوات الحرب الدامية، وتحسين حياة ملايين السوريين الذين عانوا ويلات النزاع والحصار الاقتصادي.
ووفقاً لما أفادت به وكالة “أسوشيتد برس” فإنّه ورغم الترحيب الشعبي والسياسي بهذه الخطوة، يحذر خبراء اقتصاديون من أن الطريق نحو التعافي سيكون طويلاً ومعقداً، نظراً لطبيعة العقوبات المتعددة والمتجذرة التي فرضتها واشنطن منذ أكثر من أربعة عقود.
قال كرم شعّار، الاقتصادي السوري ومدير شركة “كرم شعّار للاستشارات المحدودة”، لوكالة “أسوشيتد برس: “أعتقد أن الكثيرين يتصورون أن العقوبات يمكن رفعها ببساطة كباب يُفتح ويُغلق، لكن الحقيقة أكثر تعقيداً، فالأمر يشبه نظاماً من الطبقات، وكل طبقة تحتاج إلى عملية قانونية وإجرائية منفصلة”.
عقوبات متجذرة منذ 1979
تعود العقوبات الأميركية المفروضة على سوريا إلى عام 1979، حين صنفت واشنطن البلاد كـ”دولة راعية للإرهاب”، وتفاقمت الإجراءات في 2003 مع توقيع الرئيس الأميركي الأسبق جورج دبليو بوش على قانون محاسبة سوريا، واستمرت بالتصاعد حتى قانون قيصر الذي أقره ترامب في 2019.
وأشارت وكالة “أسوشيتد برس” إلى أن هذه العقوبات أدت إلى عزل سوريا اقتصادياً بشكل شبه كامل، مع شلل في القطاعات المصرفية والتجارية والصناعية.
التأثير الملموس على الحياة اليومية
وأفاد تقرير “أسوشيتد برس” أن العقوبات امتدت إلى جميع مفاصل الاقتصاد السوري، من نقص الوقود والدواء، إلى عرقلة وصول المساعدات الإنسانية، وتفاقم أزمة الغذاء والسكن، وصولاً إلى ازدهار السوق السوداء.
وتفاقمت الأوضاع بعد الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وشمال سوريا في شباط/ فبراير 2023، حيث ساهمت العقوبات والامتثال الزائد من قبل البنوك والشركات في إعاقة جهود الإغاثة، بحسب ما وثقته تقارير للوكالة.
انعكاسات أولية بعد إعلان ترامب
ورغم أن واشنطن لم ترفع العقوبات بشكل كامل حتى الآن، إلا أن إعلان ترامب عن تخفيف القيود خلال زيارته الأخيرة للسعودية كان له وقع فوري على الأرض، حيث احتفل السوريون في المدن الكبرى ولوح البعض بأعلام الدول العربية التي دعمت القرار”.
قفزت قيمة الليرة السورية بنسبة 60% ليلة الإعلان، في حين عبر قادة دول عربية عن دعمهم للخطوة، مع آمال بعودة الاستقرار وانطلاق جهود إعادة الإعمار.
تحديات إعادة الإعمار وعودة اللاجئين
تقدر الأمم المتحدة، وفق بيانات نقلتها “أسوشيتد برس”، أن سوريا تحتاج إلى عشرات المليارات من الدولارات لإعادة بناء بنيتها التحتية وانتشال نحو 90% من سكانها من تحت خط الفقر.
الخبير اللبناني منيس يونس قال للوكالة: “إذا توفرت الاستقرار والإصلاحات السياسية، من الممكن أن نشهد عودة تدريجية للاجئين السوريين إلى بلادهم، خاصة إذا تم توفير فرص اقتصادية حقيقية.”
أما كرم شعّار فأكد لـ”أسوشيتد برس” أن تخفيف العقوبات يحمل بعداً رمزياً مهماً، لكنه شدد على أن التعافي لن يكون ممكناً ما لم تتم إزالة الطبقات الرئيسية من أنظمة العقوبات الثلاث.
من جانبه، قال ماتيو روكيت، مدير مكتب منظمة “ميرسي كوربس” في سوريا، في تصريحات لـ”أسوشيتد برس” إن هذه الخطوة قد تكون “لحظة تحول” لملايين السوريين.
العقبات ما تزال قائمة
مع ذلك، يؤكد شعّار أن التعافي لن يكون ممكناً ما لم يتم تفكيك البنية الكاملة للعقوبات التي تكبل الاقتصاد السوري: “حتى لو تم رفع بعض القيود الرمزية أو الطبقات العليا، سيظل التأثير الاقتصادي محدوداً للغاية ما لم يتم تفكيك البنية الكاملة للعقوبات.”
وفي ظل تعقيدات المشهد السوري، يبدو أن رفع العقوبات رغم أهميته السياسية والاقتصادية سيكون بداية لمسار طويل ومعقد من التعافي وإعادة الإعمار، يرتبط بالدرجة الأولى بمدى التزام الأطراف المعنية بإحداث تغييرات جوهرية على الأرض، وفقاً لتحليل الوكالة.
إعفاءات من العقوبات تتجدد كل 180 يوماً
ورداً على أسئلة الصحفيين بشأن رفع العقوبات والجدول الزمني لها، أوضح وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو أن معظم العقوبات المفروضة على سوريا ترتكز إلى “قانون قيصر”، وأن الكونغرس، من كلا الحزبين، طلب من الإدارة استخدام صلاحيات الاستثناءات التي يتيحها القانون.
وأضاف أن هذه الاستثناءات يجب تجديدها كل 180 يوماً، وأن الهدف على المدى الطويل هو تحقيق تقدم كافٍ يسمح بطلب إلغاء القانون نهائياً، لأن استمرار العقوبات المؤقتة يثني المستثمرين عن العمل في سوريا.
وفي الوقت نفسه، شدد روبيو على أن الوقت لا يزال مبكراً للحديث عن ذلك، مؤكداً أن البداية ستكون عبر استثناء أولي يسمح للشركاء الأجانب بتقديم المساعدات دون الخوف من التعرض للعقوبات.
وأكد وزير الخارجية الأميركي أن الولايات المتحدة ستواصل التقدم خطوة بخطوة، وتأمل أن تكون قادرة في المستقبل على مطالبة الكونغرس برفع العقوبات بشكل دائم.
———————————–
سيناتور أميركي يكشف عن عداء عميق تجاه الشرع في بعض دوائر إدارة ترمب
2025.05.16
كشفت سيناتورة أميركية ديمقراطية عن تحذير وجهه العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني إلى الإدارة الأميركية بشأن خطط محتملة لاغتيال الرئيس السوري أحمد الشرع قبل لقائه مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب.
ووفقاً لما أورده موقع “ميدل ايست اي”، أعربت السيناتورة الأميركية الديمقراطية جين شاهين، خلال جلسة استماع في مجلس الشيوخ، أمس الخميس، عن قلقها إزاء شائعات متداولة داخل بعض الدوائر المعنية بالسياسة الخارجية في إدارة ترمب، تفيد بأن أحد الخيارات التي جرى طرحها كان اغتيال الرئيس السوري أحمد الشرع.
وكشفت شاهين أن ملك الأردن عبد الله الثاني، حذّر خلال اجتماعات جمعته بمسؤولين أميركيين، من خطورة مثل هذا التحرك، محذراً من أن “تغيير القيادة في سوريا بهذا الشكل قد يؤدي إلى اندلاع حرب أهلية شاملة، مما سيُفشل أي فرصة لدفع البلاد نحو الاستقرار والتقدم”.
وتعكس هذه التصريحات حجم الانقسام داخل إدارة ترمب بشأن التعامل مع القيادة الجديدة في دمشق، إذ سبق للرئيس الأميركي أن صرّح بتعرضه لضغوط مباشرة من قادة أجانب لإعطاء الشرع فرصة، رغم تشكيك بعض مستشاريه.
مشرعون أميركيون يرحبون برفع العقوبات
أصدرت لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي بياناً، وقّعه السيناتور الجمهوري جيم ريتش، والسيناتورة الديمقراطية جين شاهين، رحّبا فيه بقرار ترمب، رفع العقوبات عن سوريا، ودعوا إلى تعزيز التعاون مع الحكومة السورية.
وقال البيان إنه “نشيد بقرار الرئيس ترمب رفع جميع العقوبات عن سوريا”، مضيفاً أن القرار “يُعدّ استجابةً مُرحّبًا بها لدعوتنا لإزالة العوائق أمام توسيع نطاق التعاون مع الحكومة السورية المؤقتة”.
وأضاف البيان أنه “كما أكدنا باستمرار، بما في ذلك في رسالتنا بتاريخ 21 نيسان الماضي إلى الوزير روبيو، فإن سقوط نظام الأسد يُمثّل فرصةً عابرةً للولايات المتحدة لحماية مصالحها”.
وأكد البيان أنه “لاغتنام هذه الفرصة، من الضروري تنفيذ قرار الرئيس بسرعة، وأن تتحرك الحكومة السورية بسرعة لمعالجة مخاوف الأمن القومي الأميركي”.
وشددت لجنة الشؤون الخارجية في الشيوخ الأميركي أن ذلك “سيساعد سوريا على البقاء على مسار التحرر من النفوذ الإيراني والروسي الخبيث، ومن محاولات الصين كسب موطئ قدم اقتصادي في الشرق الأوسط، ومن عودة ظهور داعش”.
وسبق بيان لجنة الشؤون الخارجية أن أصدرت السيناتور جين شاهين بياناً أشادت فيه بقرار الرئيس ترمب رفع العقوبات عن سوريا، مشيرة إلى أن هذه العقوبات “نجحت في تحقيق هدفها الأصلي، وهو المساعدة في إسقاط نظام الأسد الوحشي”.
—————————————
مشرعون أميركيون يرحبون بقرار رفع العقوبات عن سوريا ويدعون لتعزيز التعاون معها
2025.05.16
أصدرت لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي بياناً، وقّعه السيناتور الجمهوري جيم ريتش، والسيناتورة الديمقراطية جين شاهين، رحّبا فيه بقرار الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، رفع العقوبات عن سوريا، ودعوا إلى تعزيز التعاون مع الحكومة السورية.
وقال البيان “نشيد بقرار الرئيس ترامب رفع جميع العقوبات عن سوريا”، مضيفاً أن القرار “يُعدّ استجابةً مُرحّباً بها لدعوتنا لإزالة العوائق أمام توسيع نطاق التعاون مع الحكومة السورية المؤقتة”.
وأضاف البيان أنه “كما أكدنا باستمرار، بما في ذلك في رسالتنا بتاريخ 21 نيسان الماضي إلى الوزير روبيو، فإن سقوط نظام الأسد يُمثّل فرصةً عابرةً للولايات المتحدة لحماية مصالحها”.
وأكد البيان أنه “لاغتنام هذه الفرصة، من الضروري تنفيذ قرار الرئيس بسرعة، وأن تتحرك الحكومة السورية بسرعة لمعالجة مخاوف الأمن القومي الأميركي”.
وشددت لجنة الشؤون الخارجية في الشيوخ الأميركي أن ذلك “سيساعد سوريا على البقاء في مسار التحرر من النفوذ الإيراني والروسي الخبيث، ومن محاولات الصين كسب موطئ قدم اقتصادي في الشرق الأوسط، ومن عودة ظهور داعش”.
العقوبات نجحت في تحقيق هدفها الأصلي
وسبق بيان لجنة الشؤون الخارجية أن أصدرت السيناتور جين شاهين بياناً أشادت فيه بقرار الرئيس ترامب رفع العقوبات عن سوريا، مشيرة إلى أن هذه العقوبات “نجحت في تحقيق هدفها الأصلي، وهو المساعدة في إسقاط نظام الأسد الوحشي”.
ورحّبت السيناتور شاهين برفع العقوبات “لمنح سوريا الجديدة فرصةً للتطور إلى دولة حرة ومزدهرة، مستقلة عن النفوذ الخبيث لروسيا وإيران والصين”، مضيفة أن إعلان الرئيس “يُشجعني على التحرك بسرعة، وأنا على تواصل مع وزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي لضمان عدم ضياع هذه الفرصة التي طال انتظارها بالنسبة لسوريا”.
وأشارت إلى أنه “كخطوة تالية، من الضروري تعزيز تعاوننا مع السلطات السورية، بالتزامن مع حلفائنا وشركائنا الأوروبيين والإقليميين”، مؤكدة أن “الاستقرار والأمن في قلب الشرق الأوسط سيعودان بالنفع على مصالح الولايات المتحدة وعلى طول الحدود السورية، بما في ذلك أصدقاؤنا في إسرائيل ولبنان وتركيا والعراق والأردن”.
وشددت السيناتورة شاهين على ضرورة “بذل قصارى جهدنا لضمان استمرار سوريا في السير على طريق الديمقراطية والاستقرار والأمن”.
تلفزيون سوريا
——————————
الخارجية الأميركية: نرحب بالتزامات حكومة سوريا وسنعتمد الإعفاءات لتخفيف العقوبات
2025.05.16
أصدرت وزارة الخارجية الأميركية بياناً عقب لقاء وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، مع نظيره الأميركي، ماركو روبيو، في مدينة أنطاليا التركية، أعربت فيه عن ترحيبها بالتزامات الحكومة السورية، مؤكدة دعم الولايات المتحدة لتخفيف العقوبات لتحقيق الاستقرار في سوريا.
وقال البيان إن الوزير روبيو “رحب بدعوات الحكومة السورية للسلام مع إسرائيل، والجهود المبذولة لإنهاء النفوذ الإيراني في سوريا، والالتزام بالكشف عن مصير المواطنين الأميركيين المفقودين أو القتلى في سوريا، والقضاء على جميع الأسلحة الكيميائية”.
وأشار البيان إلى أن وزير الخارجية الأميركي شدد على “الأهمية الحاسمة لحماية حقوق الإنسان لجميع السوريين بغض النظر عن عرقهم أو دينهم”.
علاقة جديدة وفرصة تاريخية
وفي تصريحات عقب اجتماع وزراء خارجية دول حلف شمال الأطلسي “الناتو” في مدينة أنطاليا التركية والاجتماع مع وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، مساء أمس الخميس، أكد روبيو أن العلاقة مع سوريا لا تزال في بداياتها، مشيراً إلى أنهم “تعرفوا إلى بعضهم منذ 24 ساعة فقط”.
وأوضح أن الولايات المتحدة “ترى أن تحقيق السلام والاستقرار في سوريا سيكون من أبرز التحولات الإيجابية في المنطقة منذ عقود”، مؤكداً أنها “ستبذل ما في وسعها لتحقيق ذلك”.
وذكر أن السلطات الحالية في سوريا “عبّرت عن نفسها كحركة وطنية تهدف إلى بناء دولة تعددية تشمل جميع مكونات المجتمع السوري، وأبدت رغبتها في السلام مع جميع الجيران، بمن فيهم إسرائيل، وطرد المقاتلين الأجانب والإرهابيين الذين يهددون الاستقرار ويعَادون السلطة الانتقالية”.
وأشار الوزير الأميركي إلى أن السلطات السورية طلبت الدعم من الولايات المتحدة، وأن بلاده ستسعى إلى تقديم المساعدة، مؤكداً أن “الطريق طويل ومعقد، ولكنه يحمل فرصة تاريخية قد تُحدث تحولاً جذرياً في الإقليم”.
الرئيس ترامب مستعد لدعم العملية الانتقالية في سوريا
وأكد روبيو أن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، مستعد لدعم العملية الانتقالية في حال اتخذت السلطات الجديدة خطوات ملموسة نحو الاستقرار، مضيفاً أن “الخيارات أمام سوريا اثنان: النجاح وتحقيق التحول الإقليمي، أو الانزلاق إلى حرب داخلية مدمرة”، مؤكداً أن واشنطن “تفضل الخيار الأول وستسعى لتحقيقه”.
ولفت الوزير الأميركي إلى أن “المسؤولية تقع على عاتق القيادات المحلية”، مرحباً في الوقت نفسه بوجود شركاء إقليميين، مثل تركيا والسعودية وقطر والإمارات، الذين أبدوا استعدادهم لتقديم الدعم.
وقال روبيو إن قرار رفع العقوبات لن يؤدي فوراً إلى تدفق الأموال الأميركية، بل سيفتح الباب أمام استثمارات ومساعدات من الشركاء الإقليميين، مما يسمح ببناء حكومة قادرة على توفير الخدمات الأساسية وإعادة الإعمار.
وكشف الوزير الأميركي أن السلطات السورية طلبت المساعدة في تحديد مواقع أسلحة الدمار الشامل، بما فيها الأسلحة الكيميائية، وإزالتها من البلاد، وقال “إنهم يعتبرون أنفسهم ضحايا لهذه الأسلحة، ولا يرغبون في وجودها على أراضيهم”، مؤكداً أن إزالة هذه الأسلحة تتطلب خبرات تقنية، وواشنطن مستعدة لتقديم الدعم الفني اللازم.
إعفاءات من العقوبات تتجدد كل 180 يوماً
ورداً على أسئلة الصحفيين بشأن رفع العقوبات والجدول الزمني لها، أوضح الوزير روبيو أن الحكومة الأميركية كانت تعمل على التحضير لذلك منذ فترة، مشيراً إلى أن وزير المالية السوري حصل على تأشيرة دخول إلى واشنطن قبل أسبوعين، كما حصل وزير الخارجية السوري على تأشيرة لزيارة نيويورك للقاء المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة.
وقال روبيو إنه رافق الرئيس الأميركي عند اتخاذ القرار بإعلان هذا التوجه في خطابه، مشيراً إلى أن معظم العقوبات المفروضة على سوريا ترتكز إلى “قانون قيصر”، وأن الكونغرس، من كلا الحزبين، طلب من الإدارة استخدام صلاحيات الاستثناءات التي يتيحها القانون.
وأضاف أن هذه الاستثناءات يجب تجديدها كل 180 يوماً، وأن الهدف على المدى الطويل هو تحقيق تقدم كافٍ يسمح بطلب إلغاء القانون نهائياً، لأن استمرار العقوبات المؤقتة يثني المستثمرين عن العمل في سوريا.
وفي الوقت نفسه، شدد روبيو على أن الوقت لا يزال مبكراً للحديث عن ذلك، مؤكداً أن البداية ستكون عبر استثناء أولي يسمح للشركاء الأجانب بتقديم المساعدات من دون الخوف من التعرض للعقوبات.
وأكد وزير الخارجية الأميركي أن الولايات المتحدة ستواصل التقدم خطوة بخطوة، وتأمل أن تكون قادرة في المستقبل على مطالبة الكونغرس برفع العقوبات بشكل دائم.
—————————————-
من يزور الشرع بعد ماكرون ومن يلتقي بعد ترمب؟/ حسان الأسود
2025.05.16
كانت زيارة الرئيس أحمد الشرع يوم السابع من أيار/ مايو الجاري إلى فرنسا خطوة كبيرة على طريق عودة سوريا إلى المجتمع الدولي.
وكان اجتماعه مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب في العاصمة السعودية الرياض يوم الرابع عشر منه تاريخيًا بكل معنى الكلمة، ونحن لن نتطرّق ضمن هذه المقالة لما حصل في باريس خلال تلك الزيارة ولا للّقاء في الرياض وتأثيراتهما على المشهد السوري، بل سنركّز على استشراف المستقبل لنرى من يمكن أن يزور الرئيس السوري من دول الجوار أو من الدول الفاعلة عالميًا.
يعتقد كاتب هذه السطور أنّ الزيارة القادمة ستكون إلى برلين أو لندن، وسنناقش في السطور التالية طبيعة العلاقة بين سوريا وألمانيا، واحتمال أن تكون محطة الرئيس السوري الأوروبية الثانية هي بلاد الجرمان.
ليست العلاقة بين سوريا وألمانيا عابرة ضمن التاريخ، بل كانت جزءًا من قصة تفاعل بين عالم الشرق وعالم الغرب وما صنع الحدّاد بينهما. ففي أواخر العهد العثماني، زار الإمبراطور الألماني فلهلم الثاني دمشق بعد إسطنبول وحيفا والقدس، فوصلها في السابع من تشرين الثاني 1898، وكان يهدف إلى بناء علاقات مع العثمانيين ينافس بها الإنكليز والفرنسيين والروس، وكان مشروع الخط الحديدي الحجازي جزءًا من وسيلة الوصول إلى الخليج العربي والتمدد في أرجاء العالم الإسلامي. بعد هزيمة الامبراطوريتين العثمانية والألمانية في الحرب العالمية الأولى اختلفت الأولويات، فانشغلت الدولتان بترميم نفسيهما. ثم بعد الحرب العالمية الثانية أصبحت أولوية ألمانيا دعم إسرائيل تكفيرًا عن شعور الألمان بالذنب لما فعلوه بمواطنيهم اليهود في بلادهم، فكان ذلك على حساب فلسطين التي كانت جزءًا من سوريا الكبرى قبل تقسيمها.
من المفيد الإشارة إلى أنّ نظام الحكم في سوريا خلال فترة حكم البعث آنذاك احتضن عددًا من الضباط النازيين الفارين من وجه العدالة، وهو ما أنتج لاحقًا أشدّ أجهزة المخابرات سفكًا للدماء. وكانت العلاقة مع ألمانيا الشرقية قويّة بسبب النفوذ السوفييتي في البلدين وقتها.
قبل عام 2011، كانت الجالية السورية في ألمانيا صغيرة نسبياً، وتتألف بشكل أساسي من الطلاب، والأكاديميين، ورجال الأعمال، وبعض العمال. لم يكن لهم تأثير سياسي كبير على المستوى الوطني الألماني. وبعد الحرب التي شنّها نظام الأسد على الشعب الثائر، حصلت تحولات جذرية في الجالية السورية في ألمانيا، فقد أصبحت من أكبر الجاليات الأجنبية بسبب موجة اللجوء الكبيرة التي شملت شرائح واسعة من المجتمع السوري، وكان قرار المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل باحتواء موجات اللاجئين المتدفقة أمرًا حاسمًا في ذلك، ومعبرًا في الوقت ذاته عن قوّة الدولة الألمانية ومكانتها في أوروبا والعالم. لكنّ هذا القرار التاريخي أدى إلى نوع من الاستقطاب السياسي، فقد سببت أزمة اللجوء انقسامًا في المواقف بين مؤيدي استقبال اللاجئين ومعارضيه، وغيرت خارطة التوازن السياسي وأثّرت على الأحزاب الألمانية. استفادت الأحزاب اليمينية والشعبوية من المخاوف المتعلقة بالهجرة، مما أسهم في صعود اليمين المتطرف. أسهم ذلك بالإضافة إلى عوامل أخرى مثل أزمة كورونا وولاية ترمب الأولى بتغييرات كبيرة في التوجّه السياسي الألماني تجاه العديد من القضايا، ومن بينها الوضع في سوريا.
لا تنظر الدول عادة إلى الأوراق التي في يديها بشكل أحادي الجانب، فقد رأينا قبل أيام وسمعنا الرئيس الفرنسي ماكرون عندما تطرّق لاحتضان بلاده البطل القومي السوري فريد المذهان المعروف بلقب قيصر، كما تحدّث عن أنّ سوريا على أبواب فرنسا بحيث يمكن الوصول إليها مشيًا على الأقدام، بالإشارة إلى موجات اللجوء التي غزت أوروبا في العام 2015، أو بالإشارة إلى حادثة شارلي إيبدو الإرهابية. من هنا لا يمكن لألمانيا أن تُغفل دور الجالية السورية الكبيرة المقيمة على أراضيها، باعتبارها عنصر تثقيل لأوراقها التي يمكن أن تشدّ بها أواصر العلاقة مع سوريا في ظل العهد الجديد. وكذلك يمكن للقيادة السورية أن تستثمر في هذه الجالية أيّما استثمار إذا ما أرادت دعم قوّة انتخابية في المستقبل، يمكنها أن تشكل عناصر تأثير في صناعة القرار واتجاهات الحكم في السياسة الخارجية. لا شكّ بأنّ ألمانيا تعيش حتى اللحظة تحت ضغط الشعور بالذنب تجاه المحرقة، وهذا سيؤثر بالضرورة على انحيازها لجانب إسرائيل في أي صراع بين الأخيرة وبين سوريا. من هنا يمكن للقيادة السورية الجديدة أن تكسب نقطة إلى صفّها إذا ما استثمرت بالجالية السورية في ألمانيا، بحيث توصل العديد من أفرادها إلى البرلمان الاتحادي أو البرلمانات المحلية أو إلى مراكز حساسة في الدولة لتصنع ثقلًا يحافظ على مصالح سوريا ويرعاها.
كانت ألمانيا من الدول المتزعمة تجاه مقاطعة نظام الأسد، واستمرت حتى النهاية في ذلك، مبدية موقفًا صلبًا قائمًا على حسابات لا تستند للمصالح فقط، بل أخذت بعين الاعتبار بعض القيم التي تمسكت بها حتى النهاية. على النقيض منها رأينا عددًا من الدول التي مشت في هذا المسار مثل إيطاليا وبولندا وهنغاريا، ولولا سقوط النظام لكانت ربما افتتحت سفاراتها في العاصمة دمشق.
وفي الوقت الراهن، وحسبما أعلن عنه في اتفاق الشراكة بين حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي الألماني (CDU) بزعامة المستشار فريدريش ميرتس، والحزب الديمقراطي الاجتماعي الألماني ((SPD، فإنّ الحكومة ستركّز على سياسات الهجرة واللجوء من ضمن سياساتها الخارجية والداخلية المتعددة، لذلك سيكون من مصلحتها تعزيز العلاقات مع سوريا بما يضمن لها فرصًا أكبر في ضبط موضوعات الهجرة غير الشرعية وإعادة اللاجئين وخاصة غير المؤهلين للاندماج أو غير المفيدين اقتصاديًا والذين يرتكبون جرائم تهدد استقرار المجتمع. بينما يجب أن تركز الحكومة السورية على قضايا تهمّها أكثر مثل تقديم الدعم المالي والتقني لإعادة الإعمار وبناء مؤسسات الدولة ودعم المجتمع المدني. يمكنها أيضّا أن تطلب المساعدة في مجال العدالة الانتقالية، بحكم تجربة ألمانيا الكبيرة بهذا المجال والممتدّة من الفترة ما بعد الحرب العالمية الثانية وحتى مرحلة توحيد الدولة بعد انهيار ألمانيا الشرقية. ولا يغيب عن البال هنا مسار ملاحقة مجرمي الحرب الذي كانت ألمانيا سبّاقة فيه باعتبار قوانينها الجزائية تأخذ بمبدأ الولاية العالمية الشاملة للقضاء، وقد أنتج مسارها هذا الكثير من المحاكمات وكرّس نهجًا واضحًا لمنع الإفلات من العقاب.
المشكلة أنّ الحكومة الألمانية جديدة ولم تُقلع بكلّ طاقتها بعد، ويوصف مستشارها بأنّه ضعيف الخبرة في العمل السياسي باعتباره لم يتقلّد مناصب في الدولة قبل نجاح حزبه الانتخابات الأخيرة. كذلك باعتبار الحرب في أوكرانيا على أبوابها، فقد كانت في قمة اهتمامات المستشار حيث زارها بمجرّد تسلمه منصبه. قد يعوق هذا الأمر سرعة التحرّك اتجاه سوريا، وقد يتأخر بالتالي في توجيه دعوة للرئيس السوري أحمد الشرع لزيارة برلين. ورغم أنّ أوروبا وألمانيا بالخصوص تجد نفسها في منافسة مع الولايات المتحدة الأميركية في كثير من الساحات، إلا أننا نعتقد أنّ المستشار الألماني الجديد قد يفضّل انتهاء زيارة ترمب إلى الخليج العربي، ليقرر ما سيفعل. ورغم كل هذا، فإنّ الأيام حبلى بالأحداث، وربّما نرى الشرع في ضيافة ميرتس قريبًا جدًا.
تلفزيون سوريا
————————————-
الشيباني: إزالة العقوبات دخلت حيز التنفيذ والجانب الأميركي أكد على وحدة سوريا
2025.05.16
أكد وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، أن عملية إزالة العقوبات دخلت حيز التنفيذ، مشيراً إلى أن اللقاء الذي جمعه مع نظيره الأمريكي ماركو روبيو في مدينة أنطاليا التركية كان “إيجابياً”.
وقال الشيباني خلال لقاء مع “الإخبارية السورية”، إن “سوريا بدأت منذ الثامن من ديسمبر/كانون الأول، في تطبيع العلاقات مع جميع الدول وبما فيها الولايات المتحدة الأمريكية، وقد تم تتويج هذه الجهود في تطبيع العلاقات السورية ـ الأمريكية، وذللك من خلال الدبلوماسية السورية المنفتحة والمتعاونة”.
“فرق تقتنية لتسريع إزالة العقوبات”
وكشف الشيباني عن اتفاق مع الجانب الأمريكي على تشكيل فرق تقنية سريعة لإزالة العقوبات، كما أعلن عن لقاء بعد أسبوع من الآن لذات الشأن، ويردف: “أستطيع أن أقول إن العملية دخلت حيز التنفيذ”.
وقال الوزير إن الجانب الأمريكي أكد أن سوريا دولة فاعلة، ولديها موقع استراتيجي هام وتهم الإدارة الأمريكية، وهي ليست هامشية، وأن الأمن والاستقرار بالمنطقة هو أمن واستقرار العالم.
وأشار إلى تأكيد الجانب الأمريكي أيضاً، على أنه يريد سوريا دولة واحدة وموحدة وقوية، وقد تمت عملية إعادة الإعمار فيها وعاد السوريون إليها، قبل نهاية ولاية الرئيس ترمب.
“سوريا ليست هامشية”
وحول التحوّل في مواقف الدول اتجاه سوريا، علّق الشيباني: “سوريا ليست هامشية وهي دولة التاريخ والجغرافية، وموقعها الجغرافي يتحدث، ولدى سوريا مصالح أمنية واقتصادية واستثمارية وأخلاقية مع الجميع، والعالم يريد لسوريا أن تكون قوية ومزدهرة وينعم بها الاستقرار والسلام، والشعب السوري يستحق هذه النتيجة”.
وأضاف: “عملنا منذ اليوم الأول على خدمة شعبنا وتطبيع العلاقات مع جميع الدول، وتفسير هذا الإنجاز أن الشعب السوري يستحق هذه المكانة التي غيب عنها، واليوم وجدت هذه الحكومة السورية التي تعمل ليلاً نهاراً في جميع وزاراتها على تمثيل سوريا تمثيلاً لائقاً، وكان هناك إرداة إقليمية ودولية للاستجابة لهذا المطلب السوري الذي بدأناه منذ الثامن من ديسمبر”.
“سوريا على مسافة واحدة من الجميع”
وأكد الشيباني خلال اللقاء، أن سوريا لن تكون في دائرة الاستقطاب على ذات نهج نظام الأسد، وإنما تنطلق العلاقات مع الدول من مصالحها الوطنية ومصالح الشعب السوري.
وقال: “لدينا مصالح مع الجميع ولا يمكن أن نستبدل علاقة بأخرى، إلا وفقاً لمصالحنا، وكذلك نريد علاقة جيدة مع سوريا والصين، ضمن علاقة هادئة وإيجابية مع الجميع.. سوريا لديها أفق والحكومة التي تجيد استخدام هذه الميزات تستطيع أن تضع سوريا على مسافة واحدة من الجميع بما يحقق مصالح شعبنا”.
وأضاف: “نرى مستقبل سوريا، مستقبلاً مشرقاً وبشكل واثق جداً، وما حققنا خلال 6 أشهر بداية مشرقة ولم نشهد مثلها في التاريخ المعاصر في أي دولة من الدولة، والشعب السوري يتفاعل معنا في كل لحظة، وفي سوريا ثروات بشرية في جميع الاختصاصات وهناك سوريون في الخارج رفعوا رأس بلادهم ونجحوا في ميادين كثيرة، إلا أنهم لم يعطوا الفرصة بالكامل، واليوم سنعطيهم الفرصة ليبدعوا وينتجوا، ويساعدونا في بناء البلد، وسوريا العظيمة قد بدأ العمل عليها بعد إزالة العقوبات”.
——————————–
مطالبة بخطوات ملموسة.. رايتس ووتش ترحّب بإعلان ترمب رفع العقوبات عن سوريا
2025.05.15
أعلنت منظمة “هيومن رايتس ووتش”، اليوم، أن إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترمب رفع العقوبات المفروضة منذ زمن طويل على سوريا يُمثّل تطوراً محورياً لتحسين حصول السوريين على حقوقهم الاقتصادية الأساسية، ويسهم في تشجيع جهود إعادة بناء البلاد بعد سنوات من النزاع العنيف.
وأكدت المنظمة أن هذا الإعلان “ينبغي أن يتبعه إجراءات تنفيذية أو تشريعية ملموسة ترفع العقوبات المالية، وغيرها من العقوبات التي تعيق الحصول على الحقوق، بما يشمل الحق في الكهرباء ومستوى معيشي لائق”.
وأشارت “هيومن رايتس ووتش
” إلى أن “الاتحاد الأوروبي” وبريطانيا بدأوا بالفعل في تخفيف بعض العقوبات المفروضة على سوريا، لكنها دعت إلى مزيد من التقدم، ولا سيما رفع العقوبات المالية المفروضة على “البنك المركزي السوري”.
دعوة إلى ترجمة الأقوال إلى أفعال
قالت سارة ياغر، مديرة مكتب واشنطن في المنظمة: “دفع الانهيار الاقتصادي في سوريا، الذي يُعزى في جزء منه إلى العقوبات الأميركية، الملايين إلى براثن الفقر. الآن هناك بصيص أمل. تصريحات الرئيس ترمب الأخيرة تمنح السوريين شعوراً بإمكانية إعادة الإعمار والتعافي – لكن فقط إذا دعم هذه التصريحات بإجراءات سريعة وملموسة”.
وذكّرت المنظمة بأن ثلاثة عشر عاماً من النزاع والنزوح أدت إلى تدمير جزء كبير من البنية التحتية، إذ أصبحت مدن بأكملها غير صالحة للسكن، وتضررت المدارس والمستشفيات ومرافق المياه والكهرباء، في ظل توقف شبه كامل للخدمات العامة.
ويعيش أكثر من 90 في المئة من السوريين تحت خط الفقر، ولا يستطيع تسعة ملايين منهم الحصول على غذاء كافٍ، في حين يحتاج نحو 16.5 مليون شخص إلى شكل من أشكال المساعدة الإنسانية لتلبية احتياجاتهم الأساسية.
دعوات إلى تخفيف شامل للعقوبات
أوضحت المنظمة أن العقوبات الواسعة التي فرضتها الولايات المتحدة ودول أخرى، رغم الإعفاءات الإنسانية، كانت سبباً في عرقلة إيصال المساعدات داخل سوريا. وفرضت واشنطن أشد الإجراءات، فقد حظرت تقريباً جميع المعاملات التجارية والمالية مع البلاد.
لضمان تأثير فعلي لخطوة تخفيف العقوبات، دعت “هيومن رايتس ووتش” إلى:
رفع العقوبات المفروضة على البنك المركزي السوري واستعادة وصول سوريا إلى الأنظمة المالية العالمية.
إنهاء القيود التجارية على السلع الأساسية.
إزالة العقوبات عن قطاع الطاقة لضمان توفير الوقود والكهرباء.
تحذير من استخدام العقوبات كأداة ضغط سياسي
وأكدت المنظمة أن “جهود الإغاثة ستفشل إذا كانت مشروطة بمطالب غامضة أو متغيرة أو ذات دوافع سياسية”، محذرة من أن استمرار استخدام العقوبات للضغط من أجل تحقيق أهداف سياسية خارجية مثل التعاون الأمني أو التنازلات الدبلوماسية سيحوّلها إلى أدوات “إكراه غير مشروع”.
واختتمت المنظمة بيانها بالتأكيد على ضرورة أن تكون أي شروط متبقية لرفع العقوبات “مُصممة بدقة، ومُفصّلة بوضوح، ومتجذرة في الالتزامات القانونية الدولية، لا سيما المتعلقة بحقوق الإنسان ووصول المساعدات الإنسانية”.
———————————–
“فرصة لحوار بناء”.. عبدي يرحب بلقاء الشرع مع ترمب ورفع العقوبات عن سوريا
2025.05.15
رحّب زعيم “قوات سوريا الديمقراطية – قسد”، مظلوم عبدي، باللقاء الذي جمع الرئيس الأميركي دونالد ترمب، بالرئيس السوري، أحمد الشرع، في العاصمة السعودية الرياض، بحضور ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، والذي أعلن فيه ترمب عزمه رفع العقوبات المفروضة على سوريا.
ووصف عبدي، في تصريح لموقع “نورث برس” المحلي، اليوم الخميس، اللقاءات الأخيرة، بما فيها تلك المقررة اليوم في تركيا، بأنها “فرصة مهمة تمهد الطريق أمام مرحلة جديدة من الحوار البنّاء، بما يخدم إعادة الاستقرار والسلام إلى سوريا”.
اقرأ أيضاً
القوات الأميركية في شمال شرقي سوريا وهي تستعد للخروج في دورية في المنطقة – المصدر: فوربس
“قسد” تعزز مواقعها في حقلي العمر وكونيكو عقب انسحابات لقوات التحالف الدولي
وأكد عبدي على أهمية الشراكات الدولية والإقليمية، وقال: “نؤمن بأن الشراكات الإقليمية والدولية تمثل ركيزة أساسية لضمان مستقبل مستقر وآمن لجميع السوريين، ونعرب عن استعدادنا للتعاون مع جميع الأطراف على هذا الأساس”.
كما رحّب عبدي بقرار ترمب إنهاء العقوبات المفروضة على سوريا، مشيراً إلى أن “ذلك يخفف من معاناة الشعب السوري التي استمرت لأكثر من أربعة عشر عاماً”، ومشدداً على ضرورة فتح الطريق أمام مرحلة جديدة من التعافي الاقتصادي وإعادة الإعمار تشمل جميع أنحاء البلاد، وخاصة شمال شرقي سوريا.
وأشاد عبدي بالجهود الدولية والإقليمية التي أسهمت في التوصل إلى إنهاء العقوبات، معتبرًا إياها خطوة إيجابية نحو الاستقرار.
وفي ختام تصريحه، جدد مظلوم عبدي التزام “قسد” بالاتفاق الموقع مع الحكومة السورية في 10 آذار.
ترمب يعلن رفع العقوبات عن سوريا
ومساء الثلاثاء، أعلن الرئيس الأميركي عزمه رفع العقوبات المفروضة على سوريا، مؤكداً أن الهدف من هذه الخطوة هو منح سوريا فرصة لتحقيق مزيد من التقدم والازدهار.
وخلال كلمة ألقاها في منتدى الاستثمار السعودي الأميركي، قال ترمب إن سوريا “عانت من بؤس شديد وموت كبير وحروب طويلة وعمليات قتل امتدت لسنوات”، معرباً عن أمله في أن تنجح الإدارة الحالية في إحلال الاستقرار والحفاظ على السلام في البلاد.
وأشار الرئيس الأميركي إلى أن إدارته اتخذت الخطوة الأولى نحو تطبيع العلاقات بين الولايات المتحدة وسوريا، مضيفاً أن وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، سيلتقي نظيره السوري، أسعد الشيباني، في تركيا خلال وقت لاحق من هذا الأسبوع، في إطار الخطوات الدبلوماسية الجارية بين الجانبين.
اجتماع رباعي في الرياض بشأن سوريا
وأمس الأربعاء، عقد الرئيس السوري، أحمد الشرع، اجتماعاً مع نظيره الأميركي في العاصمة السعودية الرياض، بحضور ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، بينما شارك الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان عبر تقنية الاتصال المرئي.
وقالت وزارة الخارجية والمغتربين السورية إن القادة شددوا على ضرورة رفع العقوبات المفروضة على سوريا، ودعم مسار التعافي وإعادة الإعمار.
وأوضح البيان أن الأمير محمد بن سلمان أكد على ضرورة هذه الخطوة لتحقيق الاستقرار في المنطقة، بينما شدد الرئيس ترمب على التزام بلاده بالوقوف إلى جانب سوريا في هذه المرحلة المفصلية، في حين عبر الرئيس الشرع عن امتنانه للدعم الإقليمي والدولي، مشدداً على مضي سوريا بثقة نحو المستقبل.
وتناول اللقاء أيضاً سبل الشراكة السورية – الأميركية في مجال مكافحة الإرهاب، والتعاون في القضاء على تأثير الفاعلين من غير الدول، والمجموعات المسلحة غير السورية التي تعيق الاستقرار، بما في ذلك تنظيم “داعش” والتهديدات الأخرى، وفقاً للبيان.
—————————
لبنان المأزوم يعوّل على جني فوائد رفع العقوبات عن سورية/ نغم ربيع
16 مايو 2025
تلقى لبنان، البلد الغارق في أزماته السياسية والاقتصادية والمالية، قرار رفع العقوبات الأميركية عن سورية كفرصة نادرة وسط محاولات للخروج من الانهيار. فالرفع المفاجئ للعقوبات عن دمشق يمهد لطرح قضايا سياسية واجتماعية مؤجلة، لكنه في الوقت نفسه فتح شهية السوق اللبناني على احتمالات لم تكن مطروحة قبل أسابيع قليلة.
وسارعت السلطات اللبنانية للترحيب بهذا القرار، بدءا من رئيس الجمهورية جوزاف عون الذي أشاد في تصريح صحافي يوم الثلاثاء، بالوساطة السعودية، ومعتبراً أن “رفع العقوبات يفتح الباب أمام الاستقرار في سورية، ما ينعكس خيراً على لبنان وكل منطقتنا وشعوبها”. بدوره، أصدر رئيس الحكومة نواف سلام بيانا وصف القرار بأنه “فرصة للنهوض”، وهنأ “سورية دولةً وشعباً”، مثمّناً الجهد السعودي الذي “ساهم في تليين المواقف الغربية تجاه دمشق”.
وبحسب مصدر حكومي لبناني، فإن “رفع العقوبات عن سورية يشكّل فرصة استراتيجية متعددة الأبعاد”. إضافة إلى الجانب الاقتصادي، تلوح إمكانية فتح صفحة جديدة في ملف اللاجئين. ومع عودة الاستثمارات إلى الداخل السوري، تُطرح مجدداً فكرة العودة الطوعية، على قاعدة التنسيق والتفاهم بين العاصمتين، إضافة إلى ملف الغاز والكهرباء اللذين يعتمدان على الأنابيب السورية.
فرصة رفع العقوبات
وفي السياق، قال الخبير الاقتصادي وعضو المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، أنيس أبو دياب، في حديث إلى “العربي الجديد”، إن “لبنان تأثر كثيراً بالعقوبات المفروضة على سورية، واليوم، مع رفع هذه العقوبات، سيبدأ لبنان بجني فوائد مباشرة، خصوصاً حين تدخل الخطوة حيّز التنفيذ”.
بحسب أبو دياب، فإن القرار سيفتح الباب أمام عودة الاستثمارات إلى سورية، وهو ما يعني “انتعاش سوق العمل هناك، وبالتالي تخفيف الضغط على سوق العمل اللبناني، وعلى البنية التحتية”. ولفت إلى أن “لبنان كان السبّاق لفتح السوق المصرفي في سورية في عام 2004، وامتلك عددًا من المصارف التي كانت ناشطة هناك. ومع إعادة إنعاش القطاع المصرفي السوري، من المتوقع أن يستعيد لبنان جزءًا من نشاطه المالي في هذا الاتجاه”.
إلى جانب فرص القطاع المصرفي، أدّت العقوبات، وشحّ الدولارات في سورية، إلى زيادة الطلب على الدولارات من جانب التجّار السوريين في لبنان، ما أدّى إلى زيادة الضغوط النقديّة. أمّا اليوم، أي تطوّر معاكس، بعد رفع العقوبات سيؤدّي إلى تأثير إيجابي بالاتجاه المعاكس أيضًا”.
لكن الأهم، وفق أبو دياب، هو دور القطاع الخاص اللبناني الذي راكم خبرات كبيرة في مشاريع الإعمار، بعد الحرب الأهلية إلى ما بعد حرب يوليو/ تموز 2006، ما يجعله مؤهلاً للمشاركة بفعالية في ورشة إعادة إعمار سورية. إضافة إلى ميزة جغرافية بارزة بحسب أبو دياب أن “مرفأ بيروت أقرب إلى دمشق من مرفأي طرطوس واللاذقية، وهذا يمنح لبنان أولوية لوجستية، خصوصًا في ظل اتفاقيات التبادل التجاري الموقّعة منذ عام 1993”.
كذلك، يعوّل لبنان على استئناف مشاريع الربط الكهربائي والإقليمي التي تمر عبر الأراضي السورية، كمشروع استجرار الغاز من مصر والكهرباء من الأردن الذي وافق عليه البنك الدولي، إضافة إلى العروض القطرية المطروحة لتأمين الغاز خلال الصيف المقبل. ومع ذلك، يبقى الحذر قائماً، فلبنان بلد الفرص الضائعة. في هذا السياق، يوضح أبو دياب أن “هذا العهد حريص جداً، خصوصاً أن الإرادة السياسية متوفرة، ونحن في عصر مختلف تماماً”.
——————————–
سورية بعد العقوبات الأميركية: تحرير الأموال والطيران واستقدام التكنولوجيا/ نور ملحم
16 مايو 2025
يفتح إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على سورية، الباب أمام مرحلة جديدة من التعافي الاقتصادي بعد سنوات من العزلة المالية والتجارية. القرار الذي جاء عقب مشاورات دولية مكثفة، يحمل تداعيات مباشرة على التجارة وسعر الصرف وإعادة الإعمار والاستثمارات الأجنبية، حيث لا يقتصر تأثيره على الأسواق المالية والقطاعات الإنتاجية فحسب، بل يشمل أيضًا حركة النقل الجوي، التي كانت معطلة نتيجة القيود المفروضة على الطيران السوري.
ووفق تتبع “العربي الجديد” لانعكاسات قرار رفع العقوبات، تبين أن ذلك لا يعني فقط إنهاء القيود المفروضة على القطاعات الاقتصادية الحيوية، بل يتيح أيضًا تحرير الأموال السورية المجمدة في البنوك الدولية، مما يمنح الحكومة السورية القدرة على توجيه هذه السيولة نحو مشاريع إعادة الإعمار والبنية التحتية.
كما يسهم القرار في إعادة دمج سورية في النظام المالي العالمي SWIFT، مما يعزز الاستثمارات الأجنبية في السوق المحلية. ومن أولى الخطوات التي يُتوقع تنفيذها فور رفع العقوبات إعادة تشغيل قطاع الطيران السوري، الذي عانى لسنوات القيود المفروضة عليه، حيث مُنع من الوصول إلى الأسواق الدولية وحُرم من شراء الطائرات وقطع الغيار اللازمة لصيانة الأسطول الجوي.
مع استئناف الرحلات الجوية المنتظمة بين سورية والدول العربية والأوروبية، يُتوقع أن يسهم ذلك في تسهيل حركة السفر، وتشجيع رجال الأعمال والمستثمرين على دخول السوق السوري، مما يعزز النشاط الاقتصادي ويعيد الحيوية إلى قطاع السياحة، الذي كان أحد أكثر القطاعات تضررًا خلال السنوات الماضية.
تأثير رفع العقوبات على النقل
رفع العقوبات عن سورية سيكون له تأثير مباشر على قطاع النقل البحري، حيث ستتمكن الموانئ السورية من استئناف عمليات الشحن والتجارة الدولية من دون قيود، مما يعزز حركة الاستيراد والتصدير ويخفض تكاليف النقل البحري. وفقًا للتقارير، فإن رفع العقوبات سيدعم تجارة الترانزيت عبر سورية، مما يسهل انسياب البضائع ويقلل كلف الشحن، خاصة عبر الموانئ السورية التي كانت تعاني قيوداً صارمة على التعاملات التجارية.
كما أن استقرار الأوضاع التجارية واللوجستية مع الدول المجاورة، مثل الأردن ولبنان وتركيا، سيسهم في تحسين حركة التجارة الإقليمية، مما يعزز دور سورية بوصفه ممرًّا تجاريًّا مهمًّا في المنطقة. إضافةً إلى ذلك، أن إزالة القيود المفروضة على شركات النقل البحري السورية سيسمح لها بتحديث أساطيلها، وإبرام عقود جديدة مع شركات الشحن العالمية، مما يعيد الحيوية إلى قطاع الخدمات اللوجستية ويزيد من تنافسية الموانئ السورية في المنطقة.
وبإمكان الرئيس الأميركي اتخاذ قرارات تنفيذية برفع بعض العقوبات المفروضة على سورية من دون الرجوع إلى الكونغرس، حيث تشمل هذه الخطوات السماح للبنك المركزي السوري والمصارف العامة باستئناف التعاملات المالية الدولية، مما يساعد في تحرير الأموال المجمدة وإعادة دمج النظام المصرفي السوري عالميًّا.
كما يمكن للرئيس رفع القيود التجارية المفروضة على استيراد السلع غير العسكرية وتصديرها، مما يسهم في استعادة انسيابية حركة التجارة ويخفف القيود المفروضة على المواد الأساسية وقطع الغيار اللازمة للقطاعات الصناعية والخدمية. كذلك، سيمكن رفع العقوبات سورية من استيراد المعدات والتكنولوجيا اللازمة لتشغيل معامل النفط والطاقة، وهو ما سينعكس إيجابيًّا على إمدادات الكهرباء ويقلل ساعات التقنين تدريجيًّا وصولًا إلى إنهائها بالكامل. كما أن إعادة فتح القنصليات والسفارات سيسهل حركة رجال الأعمال والمستثمرين، ويضمن وصول الإمدادات الطبية والغذائية، مما يساهم في تحسين الظروف المعيشية للسوريين.
وتسمح الخطوة للحكومة بالتفاوض على العقود الاستثمارية وتوقيعها، حيث إن رفع العقوبات يمكن أن يرفع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تراوح بين 5% الى 7% خلال العام الأول، بسبب عودة التحويلات الخارجية التي تمثل نحو 18% من الاقتصاد السوري سابقاً، وعودة الاستيراد بشكل أكثر انسيابية، كما يتوقع أن ترتفع قيمة الليرة السورية بنسبة 30% أمام الدولار خلال الأشهر الستة الأولى، بعد أن كانت قد تجاوزت عتبة 20 ألف ليرة للدولار في السوق الموازية، كما أن معدل التضخم قد ينخفض من 120% إلى نحو 60% خلال العام الأول لرفع العقوبات، شرط فتح المعابر وعودة تدفق السلع الأساسية.
وسبق أن أدّت العقوبات، خاصة قانون قيصر، إلى انسحاب الشركات الأجنبية وتجميد المشاريع الاستثمارية، مما حدّ من قدرة البلاد على جذب رؤوس الأموال الخارجية، ومع رفع العقوبات، يتوقع الخبراء أن يشهد الاقتصاد السوري انتعاشًا مصرفيًّا واستثماريًّا، حيث يمكن أن تعود الاستثمارات الأجنبية تدريجيًّا، خاصة في قطاعات الطاقة، والمصارف، والبنية التحتية ومن المتوقع أن يؤدي القرار إلى تحسين بيئة الاستثمار.
كما أن رفع العقوبات عن قطاع الطاقة قد يسمح للشركات الأجنبية بإبرام عقود جديدة في مجالات النفط والغاز، وهو ما قد يسهم في إعادة تأهيل البنية التحتية للطاقة وتحسين إمدادات الكهرباء.
من المتوقع أن يسهم رفع العقوبات في إحداث تحول إيجابي على المستوى الاقتصادي، حيث يُتوقع أن يؤدي إلى خلق آلاف فرص العمل للسوريين في مشاريع إعادة الإعمار، ويتيح تحرير التجارة الخارجية وعودة التدفقات المالية إمكانية تقليل تكلفة الاستيراد، مما ينعكس إيجابيًّا على أسعار السلع الأساسية.
——————————
سورية تخرج من عزلتها: الاقتصاد يودّع العقوبات الأميركية/ محمد أمين
15 مايو 2025
عكست الاحتفالات التي عمّت المدن السورية، مساء أول من أمس الثلاثاء، بعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب رفع العقوبات عن دمشق، حالة تفاؤل كبير لدى عموم السوريين بقدرة بلادهم على تجاوز تحديات جمّة، وخاصة اقتصادية ومعيشية، كانت هذه العقوبات سبباً رئيسياً لها، إضافة إلى إحياء الآمال ببدء عملية إعادة الإعمار وتطوير البنى التحتية.
والعقوبات الأميركية الاقتصادية والسياسية ليست وليدة سنوات الثورة السورية (2011–2024)، إذ إن بعضها يعود إلى ما قبل 46 عاماً، إلا أن تأثيرها لم يكن بفداحة تلك التي فُرضت رداً على وحشية النظام المخلوع في محاولاته، التي لم تجد نفعاً، في القضاء على الثورة.
أما العقوبات التي أرهقت السوريين فهي الاقتصادية، التي فرضت قيوداً على تصدير السلع والتكنولوجيا إلى سورية، وقانون حظر المساعدات الاقتصادية الأميركية لسورية (تم رفع جزء منه أخيراً)، وتلك التي طاولت مؤسسات الدولة، والتي جُمدت أصولها في الولايات المتحدة، وحُظر الاستيراد والتصدير بين البلدين. وتسببت هذه العقوبات في تعطيل الوصول إلى المساعدات الإنسانية الدولية، ونقص الموارد وتدهور قطاعي الصحة والتعليم، وتعميق الأزمتين الاقتصادية والاجتماعية.
فقد انخفض الناتج المحلي الإجمالي السوري من 67.5 مليار دولار في عام 2011 إلى تسعة مليارات دولار في عام 2023، أي بانكماش قدره 85%. كما تراجعت قيمة الليرة السورية بنسبة 141% مقابل الدولار، وسط زيادة التضخم المحلي بنسبة تصل إلى 93%.
ونتيجة لذلك، انخفضت القوة الشرائية لليرة السورية بشكل كبير، وارتفع معدل الفقر إلى 69%، ما ترك ملايين السوريين غير قادرين على تأمين احتياجاتهم الغذائية الأساسية. وبلغت احتياطيات النقد الأجنبي 18.5 مليار دولار في عام 2010، لكن لم يتبقَّ منها سوى 200 مليون دولار، وهو مبلغ لا يكفي لتغطية الواردات لمدة شهر.
تتخذ العقوبات أشكالاً متعددة. بعضها يستهدف قطاعات حيوية، كالطاقة والبنوك والاتصالات، بالإضافة إلى مؤسسات حيوية، بما فيها البنك المركزي. والعقوبات الأميركية أحادية الجانب هي الأشد صرامة، فهي تمنع جميع التعاملات بين الكيانات الأميركية والسورية، بالإضافة إلى منع استخدام الدولار في المعاملات المتعلقة بسورية. ولا يقتصر هذا الحظر على الأميركيين فحسب، بل يواجه الأفراد والشركات الأجنبية عقوبات شديدة في أميركا إذا تعاملوا تجارياً مع سورية.
مسار العقوبات الطويل
وبدأت العقوبات الأميركية على سورية منذ عام 1979، حيث أُدرجت سورية على قائمة الدول الراعية للإرهاب، بسبب الوصاية السورية على لبنان ودعمها حزب الله وجماعات أخرى. وفي الفترة ما بين مارس/ آذار وأغسطس/ آب 2004، فرضت الولايات المتحدة عقوبات جديدة على الحكومة السورية.
وجاءت هذه العقوبات في إطار متابعة سياسة “مكافحة محور الشر” التي انتهجتها إدارة جورج بوش الابن، والتي “تدين حيازة النظام السوري المزعومة لأسلحة الدمار الشامل، وتدين سيطرته على لبنان واستعداده لزعزعة استقرار العراق، فضلاً عن دعمه لمنظمات قوى التحرير مثل حزب الله وحماس”.
ثم توالت العقوبات في الكثير من المنعطفات التي مرت بها العلاقة بين نظام الأسد الأب (حافظ) والولايات المتحدة، والتي شهدت تراجعاً كبيراً في الثمانينيات من القرن الفائت.
وخلال العقد الأول من الألفية الجديدة، فرضت الولايات المتحدة عقوبات أخرى على نظام بشار الأسد، لعل أبرزها الأمر التنفيذي 13399، الذي جاء رداً على اغتيال رئيس وزراء لبنان السابق رفيق الحريري وفرض عقوبات إضافية ضمن حالة الطوارئ المعلنة. ومع بدء الثورة السورية في ربيع عام 2011، ورفض النظام التعاطي مع كل مبادرات الحل، ولجوئه إلى استخدام القوة المفرطة لقمع معارضيه، صدرت أوامر تنفيذية جديدة قضت بفرض عقوبات تُضاف إلى ما سبقها، وهو ما أدى إلى فرض حظر اقتصادي شبه شامل، منع أي صفقات أو تعاملات مالية مع النظام المخلوع، وحظر استيراد النفط السوري، ومنع أي استثمار أميركي في سورية.
في 29 إبريل/ نيسان 2011، فُرضت أولى العقوبات على سورية بعد اندلاع الثورة بإصدار الرئيس الأميركي باراك أوباما أمراً تنفيذياً بتجميد ممتلكات المتورطين في الانتهاكات.
وفي أغسطس 2011، فرضت الولايات المتحدة حظراً على قطاع النفط، وتجميد الأصول المالية لعدد من الشخصيات، فضلاً عن الأصول المالية للدولة السورية نفسها. وبالإضافة إلى ذلك، تحظر الولايات المتحدة تصدير السلع والخدمات الآتية من أراضي الولايات المتحدة أو من شركات أو أشخاص من الولايات المتحدة إلى سورية. ويتعلق هذا الحظر بأي منتج تأتي على الأقل 10% من قيمته من الولايات المتحدة أو من مواطنيها. ولهذا التدبير تأثير واسع النطاق على السكان السوريين وعلى أسعار السلع الأساسية والمنتجات الطبية.
أصدرت الولايات المتحدة الأميركية أمرين رئاسيين، رقم 13606 و13608، في إبريل ومايو/ أيار 2012 على التوالي، فرضت بموجبهما عقوبات إضافية على الأفراد والشركات الأجنبية التي تحاول التهرب من العقوبات الأميركية. في إبريل 2017، فرضت الولايات المتحدة تجميداً مالياً وحظراً للسفر والخدمات المالية ضد 270 موظفاً حكومياً تابعاً للحكومة السورية، في أعقاب هجوم خان شيخون.
وأخذت هذه العقوبات أبعاداً أوسع مع صدور قانون “قيصر” الذي دخل حيّز التنفيذ في عام 2020 بعدما استغرق إنجازه نحو ست سنوات، ونص على فرض عقوبات على الأسد وأركان حكمه، وعلى أي جهة تقدم الدعم أو تتعامل مع النظام المخلوع.
ومع تصاعد عمليات تهريب الكبتاغون من سورية من قبل النظام المخلوع، صدر عن الإدارة الأميركية قانونان عُرفا بـ”الكبتاغون 1″ و”الكبتاغون 2″، وسّعا دائرة العقوبات على المتورطين بتجارة الكبتاغون، وخاصة الأسد وشقيقه (ماهر) وآخرين.
قدرات ترامب
وبيّن الباحث الاقتصادي خالد تركاوي، في حديث مع “العربي الجديد”، أن للرئيس الأميركي سلطة إلغاء أغلب العقوبات المفروضة على سورية من دون الرجوع إلى المؤسسة التشريعية، باستثناء قانون “قيصر”، مضيفاً: يمكن للرئيس الأميركي منح مساعدات للشركات الأميركية لتنفيذ برامج مع الحكومة السورية، التي يصبح بإمكانها الشراء والبيع بعد رفع العقوبات.
وفي السياق، قال الدبلوماسي السوري السابق والمقيم في العاصمة الأميركية بسام بربندي لـ”العربي الجديد”، إن العقوبات الرئاسية وعددها ثمانية أوامر إدارية، أصدرها رؤساء بدءاً من عام 2004 وحتى عام 2019 وتشمل معظم العقوبات على الاقتصاد السوري، يمكن للرئيس ترامب إلغاؤها أو تجميدها دون الحاجة للرجوع إلى الكونغرس للحصول على موافقته.
وتابع: “أما العقوبات التشريعية مثل قانون قيصر، فهي أكثر تعقيداً، فالإدارة الأميركية عليها أن تثبت أن سورية حققت الشروط الموجودة في القانون”، موضحاً أنه يمكن للرئيس إلغاء بعض المواد فيه من دون موافقة، كما بيّن أن هناك عقوبات “تستند إلى حالة طوارئ وطنية تُجدد سنوياً”، مضيفاً: “إذا لم يجددها الرئيس، تُعلّق بعضها بعد ستة أشهر”.
————————————
إعادة إعمار سورية بـ400 مليار دولار: أميركا تستعد لاقتناص الفرص/ آدم يوسف
15 مايو 2025
يثير قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب رفع العقوبات عن سورية، نقاشات واسعة بين الاقتصاديين والمسؤولين في سورية وخارجها، خاصة وأن البلاد تواجه انهياراً اقتصادياً حاداً يتسم بانخفاض قيمة العملة وركود النشاط الصناعي والتجاري. وفيما التقى ترامب الأربعاء بالرئيس السوري الجديد أحمد الشرع، تساءل خبراء وصحف أميركية وأوروبية عن ارتدادات رفع العقوبات الأميركية على الاقتصاد السوري.
وأعلن ترامب مطلع العام الحالي رفعاً جزئياً للعقوبات التي كانت أداة رئيسية في عزل النظام السوري السابق. ووفقًا لبيان صادر عن وزارة الخزانة الأميركية حينها، يشمل الإعفاء الجزئي تسهيل التحويلات المالية والمساعدات الدولية للمنظمات الإنسانية العاملة في سورية، والسماح بأنشطة محدودة في الزراعة والأدوية ومشاريع البنية التحتية المدنية. بالإضافة إلى ذلك، تخفيف القيود على التحويلات المالية، مما يسمح للسوريين في الخارج بإرسال الأموال بحرية أكبر إلى أفراد عائلاتهم داخل سورية.
مع ذلك، بقيت العقوبات الأخرى سارية، وخاصة تلك المفروضة بموجب قانون قيصر، وهو أشدّ عناصر نظام العقوبات الأميركية على سورية، وتستهدف هذه العقوبات المسؤولين الحكوميين والبنك المركزي والكيانات التي تتعامل مع النظام وعدد من الجماعات المسلحة داخل سورية، وتطاول خاصة قطاعي النفط والغاز والقطاع العسكري والأمني.
ورأى تحليل لموقع “ذا ميديا لاين” الأميركي، أنه رغم ترحيب السوريين برفع العقوبات الأميركية، إلا أن ذلك “لن يؤدي على الأرجح إلى انتعاش اقتصادي فوري”.
أوضح أنه “رغم أنه قد يُخفف العبء مؤقتًا على قطاعات معينة ويُحسّن قدرة السوريين على تلقي التحويلات المالية، إلا أنه من غير المرجح أن يُحدث انتعاشًا اقتصاديًا واسع النطاق، وإن كان سيُحفّز المشاريع الزراعية والخدمية الصغيرة”.
خطة مارشال سورية ما بعد رفع العقوبات
ويشير تحليل لموقع “نيو لاينز ماغازين”، إلى أن سورية في حاجة ماسة إلى إعادة الإعمار بعد الحرب “على نطاق خطة مارشال”. أوضح أن سورية مفتوحة للأعمال، وشعبها متشوق للاستثمار وإعادة الإعمار والاستهلاك، لكن العقوبات الاقتصادية الأميركية المفروضة أصلاً على نظام الأسد المخلوع لا تزال تحول دون المضي قدماً في أي عملية إعادة إعمار جادة بعد الحرب، كما لا تزال سورية تعاني من الغارات الجوية الإسرائيلية، التي دمّرت البنية التحتية الدفاعية للبلاد، وتُعرّض حياة الناس وسبل عيشهم للخطر.
ونقل عن نائبين أميركيين زارا دمشق بشكل غير رسمي في إبريل/نيسان الماضي أن سورية الجديدة تستحق بداية جديدة مع رفع العقوبات الأميركية، وخطة مارشال. وعن هذا الموضوع قالت النائبة الجمهورية مارلين ستوتزمان من فلوريدا إن الحكومة السورية الجديدة تبدو ملتزمة باقتصاد مفتوح وسياحة مفتوحة وصحافة منفتحة، وسورية “لا تطلب من واشنطن مالاً أو مساعدات عسكرية”، بل فقط رفع العقوبات.
ونقلت عن “مسؤول حكومي سوري” قوله: “وصل الأمر إلى حد أن هناك عقوبات على قطاع الإعلام، ولا يمكننا الاشتراك في خدمات وكالات الأنباء، مثل أسوشييتد برس ورويترز، ولا يمكننا البث، ولا يمكننا استخدام الأقمار الاصطناعية أو إطلاق أقمارنا الخاصة لمحطاتنا التلفزيونية”.
قتيبة إدلبي، وهو باحث بارز في مركز “أتلانتيك كاونسل” أو المجلس الأطلسي، أكد في تقرير للمركز أن قرار ترامب “فرصة ستفتح آفاقاً اقتصادية للشركات الأميركية في سورية” لمواجهة منافسين مثل روسيا والصين. وقال إن ترامب لطالما صوّر نفسه على أنه صانع صفقات، وهو الذي وقّع على قانون قيصر لحماية المدنيين في سورية، الذي شلّ نظام الأسد ماليًا.
وأوضح أنه “في حال استمرت هذه العقوبات فإن الاقتصاد السوري سيظل في حالة انهيار حر، مما يجعله يعتمد بشكل متزايد على روسيا والصين وإيران”، لكن رفع العقوبات ودعم الولايات المتحدة والخليج لدمشق سيسمحان للشركات الأميركية بمنافسة الشركات الصينية على عقود إعادة الإعمار المتوقعة في سورية والتي تبلغ قيمتها وفق تقديرات الأمم المتحدة وعدد من مراكز الأبحاث الدولية 400 مليار دولار.
كما أن ازدهار سورية من شأنه أن يقلل من تدفق اللاجئين على أميركا. وفي هذا الصدد، يقول عمر أوزكيزيلجيك، الباحث والمحلل التركي في شؤون سورية، إن رفع العقوبات سوف يُمكن حلفاء واشنطن من الاستثمار في سورية، مما يمنع دمشق من الاعتماد على الصين وروسيا، اللتين قد تتمكنان من التحايل على العقوبات لكسب النفوذ.
دعم مالي ضروري
وتُحذر ليز دي كرويف، وهي مساعدة مشروع في مبادرة الحكم الاقتصادي بمركز “أتلانتيك كونسل”، من أنه “بدون دعم مالي ذي معنى، تخاطر الولايات المتحدة بالتخلي عن نفوذها في سورية”.
وقد بدأت أوروبا والأمم المتحدة بتطوير نهج اقتصادي إيجابي، إذ تعهدتا بتقديم مليارات الدولارات على شكل منح وقروض ميسرة لدعم تعافي سورية، ومع ذلك، لم تُقدم الولايات المتحدة بعدُ دعمًا ماليًا هذا العام، مُشيرةً إلى توقعات بأن يتحمل الآخرون العبء، أي الخليج وتركيا.
أوضحت أن تركيا والسعودية وقطر وروسيا والصين، وسعت نفوذها بسرعة من خلال استثمارات في النفط والغاز والبنية التحتية ومشاريع إعادة الإعمار، وتسديد ديون سورية للبنك الدولي. وقال معهد كارنيغي إن تكلفة إعادة الإعمار تراوح بين 250 و400 مليار دولار.
ولا يزال أكثر من نصف السكان نازحين، ويعيش 90% منهم تحت خط الفقر، وفي عام 2024، سيحتاج 16.7 مليون شخص في سورية (أو 75% من السكان) إلى مساعدات إنسانية، وفقًا للأمم المتحدة.
ويلفت إلى أن إعادة الإعمار تحتاح إلى انتقال سياسي شامل يُهيئ الظروف لمشاركة مختلف قطاعات المجتمع وإيجاد ثقل موازن لمن هم في السلطة يُعمِّق ديمقراطية الفضاء السياسي السوري. وأخيرًا، تحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية لزيادة المشاركة الشعبية، لا سيما بين أضعف فئات المجتمع التي تواجه ظروفًا معيشية صعبة.
————————————-
الشراكات التجارية مع سورية تغري الأردن بعد رفع العقوبات/ زيد الدبيسية
16 مايو 2025
يأمل الأردن أن يسهم رفع العقوبات عن سورية في فتح آفاق جديدة للتعاون الاقتصادي بين البلدين في مختلف المجالات وتعظيم الاستفادة من الفرص المتاحة، وأن يكون بوابة للإعمار خلال الفترة المقبلة وبناء شراكات تجارية واستثمارية تخدم المصالح المشتركة.
ويرى الأردن أن العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة ودول أخرى على سورية، أدّت إلى تراجع كبير في مستوى التعاون الاقتصادي بين البلدين، حيث تراجع حجم التجارة البينية إلى مستويات متواضعة جداً لم تتجاوز عدة ملايين، فيما كانت تتجاوز سابقاً 700 مليون دولار.
وكان الأردن قد اتخذ إجراءات لتسريع إدخال السلع إلى سورية في أعقاب سقوط النظام السابق، وكذلك تلبية احتياجات السوق السوري من مختلف السلع، وإتاحة المجال لتصدير السلع السورية من خلال الأراضي الأردنية. وأعيد فتح المنطقة الحرة المشتركة بهدف زيادة حجم التجارة البينية وتحفيز الاستثمارات والمساعدة في عمليات إعادة الإعمار وتلبية احتياجاتها.
ومن المرجح أن يقوم وفد اقتصادي أردني يضم عدداً من المسؤولين وفعاليات من القطاع الخاص بزيارة إلى سورية قريباً، بهدف التباحث في آليات تعزيز التعاون الاقتصادي، خاصة بعد رفع العقوبات، ومجالات إعادة الإعمار التي تحتاج إليها سورية.
فوائد رفع العقوبات
وقال الخبير الاقتصادي حسام عايش لـ”العربي الجديد” إن رفع العقوبات الأميركية عن سورية يعني وقف تجميد أصول الحكومة السورية، ووقف حظر التعامل المالي والمصرفي مع بنوك وشركات سورية، ما يحفز عودة الاستثمارات إلى سورية، وتصدير التكنولوجيا وتجارة السلع والخدمات التي كانت محظورة بموجب قانون قيصر، وكذلك الدفع برفع العقوبات الأوروبية، وإزالة المحددات التي كانت تحول دون التعامل مع سورية.
وقال عايش: “سيصبح بالإمكان التعامل اقتصادياً ومالياً مع سورية دون الشعور بالخوف من عقوبات رئيسية، وفتح التصدير والاستيراد، وتدفق المساعدات، وإعادة الإعمار في البنى التحتية السورية مثل المياه والطاقة والنفط والغاز والصناعة والزراعة والتكنولوجيا، والشركات الأردنية والعالمية ستعود سريعاً إلى سورية، وبالتالي نتحدث عن مشهد اقتصادي واستثماري جديد”.
وبين أن الأردن أمام فرصة مهمة لزيادة حجم التجارة إلى سورية، ومنها ترانزيت إلى كل من تركيا ولبنان وأوروبا، إضافة إلى تنشيط قطاع الشحن البري بالاتجاهين، والعمل على تحفيز القطاع الخاص إلى إقامة مشاريع استثمارية في ضوء الفرص المتاحة في كل من الأردن وسورية.
وبين أن الحكومة تعاملت بإيجابية من خلال الوقوف إلى جانب سورية بعد سقوط النظام السابق، من حيث تلبية احتياجات السوريين من مختلف السلع، والمبادرة إلى المساهمة في إعادة تشغيل قطاعات أساسية، خاصة مطار دمشق الدولي، وإعادة بناء قدرات المؤسسات السورية، وتقديم الخبرات اللازمة لها.
وقال الخبير الاقتصادي هاشم عقل لـ”العربي الجديد” إن رفع العقوبات سيسرع إنجاز مشروعات استراتيجية كبرى بين الأردن وسورية، خاصة الربط الكهربائي. وأضاف أن الأردن لديه خبرات واسعة في مجال الطاقة المتجددة أيضاً، يمكن أن تساهم في تعزيز الطاقة في سورية، وكذلك التعاون في مجالات اقتصادية أخرى. وأكد أهمية وجود رؤية شمولية لدى الأردن على مستويي القطاع الخاص والعام لأجل التعامل بكفاءة عالية مع مرحلة ما بعد رفع العقوبات عن سورية.
—————————–
رفع العقوبات الأميركية عن سورية يفتح الباب لاستثمارات واسعة
15 مايو 2025
يُتوقّع أن يشكّل رفع العقوبات الأميركية عن سورية بعد تنفيذه نقطة تحوّل في مسار الاقتصاد السوري، الذي دمّرته الحرب المستمرة منذ 13 عامًا، ويفتح المجال أمام تدفقات استثمارية من السوريين في الخارج، إضافة إلى استثمارات من تركيا ودول الخليج الداعمة للحكومة السورية الجديدة. وقال رجال أعمال سوريون ووزير المالية ومحللون لوكالة “رويترز” إنهم يتوقّعون تدفق رؤوس أموال إلى الاقتصاد السوري المتعطش لها فور رفع العقوبات، الذي أعلن عنه الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشكل مفاجئ، رغم التحديات الكبيرة التي لا تزال تواجه البلاد المنقسمة بشدة.
وأكد رجل الأعمال السوري غسان عبود، المقيم في الإمارات، لـ”رويترز”، أنه يضع خططًا للاستثمار، متوقعًا أن يسير آخرون من أصحاب العلاقات التجارية الدولية على النهج نفسه، وقال: “كانوا خائفين من القدوم والعمل في سورية بسبب مخاطر العقوبات… هذا سيختفي تمامًا الآن”. وأضاف: “أُخطط بالطبع لدخول السوق لسببين: أولًا، أريد مساعدة البلاد على التعافي بأي طريقة ممكنة، وثانيًا هناك أرض خصبة؛ فأي بذرة توضع اليوم قد تدر هامش ربح جيدًا”. وقد عرض عبود خطة بمليارات الدولارات لدعم قطاعات الفن والثقافة والتعليم في سورية.
ويُتوقع أن يعيد رفع العقوبات تشكيل الاقتصاد السوري بشكل جذري، مع توجه الحكومة الجديدة نحو تبني سياسات السوق الحرة، بعيدًا عن نموذج التخطيط المركزي الذي اتبعته عائلة الأسد طوال عقود حكمها.
وفي هذا السياق، رحبت الأمم المتحدة، اليوم، بالإعلان الصادر مؤخرًا عن الرئيس الأميركي بشأن رفع العقوبات عن سورية، معتبرةً أنه يحمل إمكانية حقيقية لتخفيف المعاناة الطويلة التي يعيشها ملايين السوريين. وأكدت أن العقوبات الأميركية لطالما أعاقت الاستجابة الإنسانية، وعرقلت انطلاق جهود التعافي المبكر، مشددةً على ضرورة أن يترجم هذا التطور إلى تحسينات ملموسة في حياة جميع السوريين.
وأعادت الأمم المتحدة التأكيد على التزامها الراسخ بدعم الشعب السوري، من خلال العمل الإنساني المبدئي وجهود التعافي الشاملة، معتبرةً أن رفع العقوبات يشكل فرصة متجددة لمساعدة السوريين على إعادة بناء حياتهم بأمان وكرامة والتقدم نحو السلام.
من جهتها، قالت نائبة المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سورية، نجاة رشدي، في منشور لها عبر منصة “إكس”، إن “تنوع سورية الغني من أعظم نقاط قوتها، وبناء مستقبلها يتطلب الجهود المشتركة لجميع السوريين”، مضيفة أن “مع رفع العقوبات، هناك فرصة تاريخية أمام سورية لإعادة البناء”. وشددت رشدي على أن “هذه العملية يجب أن تكون بقيادة سورية وشاملة للجميع”، مؤكدة، أن “دعم المجتمع الدولي بات أكثر أهمية من أي وقت مضى”.
وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد أعلن في 13 مايو/ أيار الجاري 2025 أنه سيرفع جميع العقوبات المفروضة على سورية، وذلك قبل يوم واحد من لقائه بالرئيس السوري أحمد الشرع في العاصمة السعودية الرياض.
وكانت قد الولايات المتحدة وقوى غربية أخرى عقوبات صارمة على سورية عقب اندلاع الحرب في عام 2011، إثر الاحتجاجات ضد حكم الرئيس السابق بشار الأسد. واستمرت واشنطن في فرض العقوبات حتى بعد الإطاحة بالأسد في ديسمبر/ كانون الأول عام 2024، بينما كانت تدرس سياستها تجاه سورية وتراقب تحركات الإدارة الجديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع، وهو قيادي سابق في تنظيم القاعدة.
وطالبت دول داعمة لحكومة الشرع واشنطن برفع العقوبات. وقال وزير الخارجية السعودي، يوم الأربعاء، إن فرص الاستثمار ستتزايد بشكل كبير فور تنفيذ ذلك. وفي خطاب بثه التلفزيون الرسمي مساء الأربعاء، وصف الشرع إعلان ترامب بأنه “قرار تاريخي شجاع”، مؤكدًا التزام حكومته بتعزيز المناخ الاستثماري. وأضاف: “نرحب بجميع المستثمرين من أبناء الوطن في الداخل والخارج، ومن الأشقاء العرب والأتراك والأصدقاء حول العالم، وندعوهم للاستفادة من الفرص المتاحة في مختلف القطاعات”.
وكانت الحرب قد خلفت دمارًا واسعًا في المناطق الحضرية، وأودت بحياة مئات الآلاف من الأشخاص، فيما تؤكد وكالات الأمم المتحدة أن أكثر من 90% من السوريين، البالغ عددهم 23 مليون نسمة، يعيشون تحت خط الفقر. وقال المحلل الاستراتيجي للأصول السيادية في الأسواق الناشئة لدى شركة “آر.بي.سي بلوباي” لإدارة الأصول تيموثي آش إن هناك فرصة حقيقية لإحداث تغيير جذري في سورية والمنطقة الأوسع.
من جهته، قال الرئيس التنفيذي لمجموعة “بي.بي.في.إيه” المالية العالمية أونور جنش، التي تضم مصرف “جرانتي”، وهو ثاني أكبر بنك خاص في تركيا، إن الشركات والبنوك التركية من المتوقع أن تستفيد من رفع العقوبات. وأضاف متحدثا لرويترز: “بالنسبة لتركيا، سيكون الأمر إيجابيًا لأن هناك حاجة إلى عمليات إعادة إعمار كثيرة في سورية. من يفعل هذا؟ الشركات التركية”. وتابع: “سيسمح رفع العقوبات للشركات التركية بالذهاب إلى هناك الآن بشكل أفضل بكثير، وستتمكن البنوك التركية من تمويلها، وهذا سيدعم العملية”. وكانت تركيا قد دعمت قوات المعارضة السورية خلال الحرب التي دمرت اقتصادًا كان يومًا ما متنوعًا ومنتجًا.
وفي السياق، أظهرت بيانات رسمية سورية، أوردها البنك الدولي عام 2024، أن الاقتصاد السوري انكمش بأكثر من النصف بين عامي 2010 و2021، إلا أن البنك أشار إلى أن الرقم الفعلي ربما يكون أسوأ من ذلك.
فرص في كل القطاعات
وشهدت الليرة السورية ارتفاعًا في قيمتها منذ إعلان ترامب، وقال متداولون إن العملة تراوحت بين 9000 و9500 ليرة للدولار الواحد يوم الأربعاء، مقارنة بـ12600 ليرة في مطلع الأسبوع ذاته. وكان الدولار يعادل 47 ليرة سورية قبل الحرب في عام 2011. وقال وزير المالية السوري محمد يسر برنية لـ”رويترز” إن مستثمرين من الإمارات والكويت والسعودية ودول أخرى قدّموا استفسارات عن فرص الاستثمار. وأضاف: “سورية اليوم هي أرض الفرص، وهناك إمكانات كامنة هائلة في جميع القطاعات، من الزراعة إلى النفط والسياحة والبنية التحتية والنقل”. وتابع: “ندعو جميع المستثمرين إلى اغتنام هذه الفرصة”.
ووصف المدير العام لبنك “شهبا بنك” كرم بشارة الحماسة السائدة في مجتمع الأعمال السوري، بينما كان يتابع من مكتبه في دمشق لقطات من اجتماع ترامب مع الشرع في الرياض، قائلاً: “إنه رائع بشكل يفوق التصور.. نحن على المسار الصحيح الآن على الصعيد الدولي ما لم يحدث شيء في سورية يعرقل العملية”.
وقال الصحافي ومؤسس ورئيس تحرير موقع التقرير السوري الاقتصادي جهاد يازجي إن إعلان الولايات المتحدة يشكل تحولًا جذريًا لأنه يبعث رسالة سياسية قوية جدًا، ويمهد الطريق لعودة سورية إلى التكامل مع دول الخليج والمنظمات المالية الدولية، فضلًا عن ملايين السوريين في الشتات.
من جهته، قال المستثمر اللبناني عماد الخطيب إنه يعجل بخططه الاستثمارية في سورية بعد إعلان ترامب، وأوضح أنه يعمل بالتعاون مع شركاء لبنانيين وسوريين على دراسة جدوى لإنشاء مصنع فرز نفايات في دمشق بقيمة 200 مليون دولار منذ شهرين، وقال إنه أرسل، صباح أمس الأربعاء، فريقًا من المتخصصين إلى سورية لبدء التحضيرات. وأضاف: “هذه هي الخطوة الأولى… وستتبعها خطوات أكبر. وسنعمل بالتأكيد على جذب مستثمرين جدد، لأن سورية أكبر بكثير من لبنان”.
(رويترز، العربي الجديد)
————————
إعلان ترامب رفع العقوبات عن سورية يمهّد لتحولات اقتصادية كبرى
15 مايو 2025
قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب إنه سيرفع العقوبات المفروضة منذ سنوات على سورية، والتي عزلت البلاد عن النظام المالي العالمي في عهد الرئيس السابق بشار الأسد. بدوره، رفع الاتحاد الأوروبي وبريطانيا بالفعل بعض عقوباتهما، لكن في حال مضت واشنطن في رفع جميع عقوباتها، فإن ذلك سيمهد الطريق أمام دول أخرى لتحذو حذوها.
وفي ما يلي ملخص للوضع الراهن للاقتصاد السوري، وكيف أعادت حرب أهلية امتدت لـ14 عامًا تشكيل التجارة والمالية الحكومية في البلاد، بعد سقوط الأسد في ديسمبر/ كانون الأول.
ما هو وضع الاقتصاد السوري؟
تشير تقديرات البنك الدولي إلى أن قيمة الاقتصاد السوري تبلغ نحو 21 مليار دولار، وهو ما يعادل تقريبًا اقتصاد كل من ألبانيا وأرمينيا، رغم أن عدد سكانهما أقل من سورية بأكثر من 20 مليون نسمة. وتُظهر البيانات السورية الرسمية أن حجم الاقتصاد انخفض إلى أكثر من النصف بين عامي 2010 و2022. ويرجح البنك الدولي أن هذا الانخفاض أقل من الحقيقة، إذ تُقدَّر نسبة الانكماش الفعلية بـ83% بين عامي 2010 و2024. وقد أُعيد تصنيف سورية دولة منخفضة الدخل في عام 2018، بينما يعيش أكثر من 90% من سكانها، البالغ عددهم حوالي 25 مليون نسمة، تحت خط الفقر، وفقًا لوكالات الأمم المتحدة.
ما الذي حدث للعملة السورية؟
تفاقمت الاضطرابات الاقتصادية في سورية عام 2019، حين انزلق لبنان المجاور إلى أزمة اقتصادية، نظرًا للعلاقات الاقتصادية والمالية الوثيقة بين البلدين، وطرحت دمشق أسعار صرف متعددة للمعاملات المختلفة لحماية العملة الصعبة الشحيحة. وبعد تولي الحكومة الجديدة السلطة في ديسمبر/كانون الأول، تعهد المصرف المركزي باعتماد سعر صرف رسمي موحد لليرة السورية.
في هذا السياق، بلغ سعر الصرف الرسمي يوم الأربعاء 11,065 ليرة للدولار الواحد، مقارنة بسعر السوق السوداء الذي بلغ نحو 22,000 ليرة في وقت سقوط الأسد العام الماضي، و47 ليرة في مارس/آذار 2011 عند اندلاع الحرب.
كم تبلغ ديون سورية؟
صرّحت الحكومة الجديدة بأن ديونها تتراوح بين 20 و23 مليار دولار، معظمها على شكل قروض ثنائية، لكن التقديرات تشير إلى أنها قد تكون أعلى بكثير، إذ قد تواجه دمشق مطالبات من إيران وروسيا تتراوح بين 30 و50 مليار دولار. وفي هذا السياق، يقول محامون بارزون في مجال الديون السيادية إن تلك الالتزامات التي تعود إلى عهد الأسد يمكن شطبها باعتبارها ديون حرب “بغيضة”، أي تلك التي تحملتها البلاد دون موافقة الشعب السوري ولم تُنفق لمصلحته، بل لتسليح نظام الأسد.
ويُظهر تقرير صادر عن معهد بيترسون أخيرًا أنه يجب أيضًا تحديد الكيانات السورية الملزمة بتلك الديون، سواء كانت الحكومة أو المصرف المركزي أو الشركات المملوكة للدولة أو المؤسسات التجارية، لأن لكل نوع منها معاملة مختلفة عند إعادة الهيكلة.
ما هي احتياطيات المصرف المركزي؟
كشفت مصادر لـ”رويترز” في وقت سابق أن احتياطيات المصرف المركزي السوري من النقد الأجنبي لا تتجاوز 200 مليون دولار، وهو انخفاض حاد مقارنةً بـ18.5 مليار دولار قدّرها صندوق النقد الدولي قبل اندلاع الحرب. ويمتلك المصرف أيضًا نحو 26 طنًا من الذهب، تُقدّر قيمتها الحالية بأكثر من 2.6 مليار دولار بأسعار السوق.
وفي المقابل، تتوقع الحكومة الجديدة استرداد ما يصل إلى 400 مليون دولار من أصولها المجمدة للمساعدة في تمويل إصلاحات، من بينها زيادات حادة في رواتب بعض موظفي القطاع العام، وقد جمدت الحكومات الغربية تلك الأصول خلال فترة حكم الأسد، لكن لم تتضح بعد قيمتها الدقيقة أو مواقعها أو مدى سرعة استعادتها.
بدورها، قالت سويسرا إن نحو 99 مليون فرنك سويسري (118 مليون دولار) موجودة حاليًا في بنوكها. ويُقدّر موقع “تقرير سورية” أن ما يعادل 163 مليون جنيه إسترليني (217 مليون دولار) موجود في بريطانيا.
آثار الحرب والعقوبات على التجارة والاقتصاد
وفقًا للبنك الدولي، أدى تراجع إيرادات النفط والسياحة إلى انخفاض صادرات سورية من 18.4 مليار دولار في عام 2010 إلى 1.8 مليار دولار في عام 2021. ويشير خبراء إلى أن الضغوط المالية دفعت الحكومة إلى تمويل بعض الواردات الرئيسية من خلال عائدات غير مشروعة، منها مبيعات المنشطات الشبيهة بالأمفيتامين المعروفة باسم “الكبتاغون”، أو من خلال تهريب الوقود. وبات إنتاج “الكبتاغون” القطاع الاقتصادي الأكثر قيمة في البلاد، بينما البنك الدولي قدر العام الماضي القيمة السوقية للمخدر المنتج في سورية بما يصل إلى 5.6 مليارات دولار.
ما هي تحديات الطاقة والزراعة؟
في عام 2010، كانت سورية تصدّر نحو 380 ألف برميل يوميًا من النفط، لكن بعد اندلاع الحرب في 2011، استولت جماعات مختلفة، منها تنظيم داعش والمقاتلون الأكراد، على الحقول النفطية. ورغم توقيع الأكراد صفقات مع شركات أميركية، فإن العقوبات جعلت من تصدير النفط بشكل مشروع أمرًا صعبًا، وأُجبرت سورية على الاعتماد على واردات الطاقة، معظمها من الحليفين روسيا وإيران.
وقالت كبيرة مستشاري العقوبات لدى شركة “هورايزون إنغيج” للاستشارات راشيل زيمبا إن كميات الوقود التي كانت سورية تحصل عليها من إيران، والتي تراوحت بين مليون وثلاثة ملايين برميل شهريًا، توقفت في أواخر ديسمبر/كانون الأول مع انسحاب طهران، بحسب وكالة “رويترز”. أما في القطاع الزراعي، فقد أدى الصراع والجفاف إلى انخفاض عدد المزارعين، وتضرر أنظمة الري، وتضاؤل إمكانية الوصول إلى البذور والأسمدة. وتراجع الإنتاج الزراعي إلى مستويات غير مسبوقة في عامي 2021 و2022، إذ هبط إنتاج القمح إلى ربع الكمية التي كانت تُنتج قبل الحرب، والبالغة نحو أربعة ملايين طن سنويًا.
واستوردت سورية قرابة مليون طن من الحبوب سنويًا من روسيا، وقد توقفت هذه التدفقات مؤقتًا بعد تغيير النظام الحاكم، لكنها استؤنفت الشهر الماضي، وأبدت أوكرانيا استعدادها لتوريد القمح، دون وضوح الآلية التي ستُسدد بها سورية المدفوعات.
(رويترز، العربي الجديد)
——————————
مباحثات سورية مع البنك الدولي لتمويل الكهرباء
عبد الله البشير
15 مايو 2025
بحث وزير العدل السوري، مظهر الويس، مع وفد من البنك الدولي، اليوم الخميس، خلال لقاء جرى بينهما في مبنى الوزارة بدمشق، إمكانية العمل على تمويل مشروع الكهرباء في سورية. وأعلنت وزارة العدل السورية، عبر فيسبوك، أن الويس التقى الوفد الذي يترأسه المدير القطري للبنك الدولي لإدارة الشرق الأوسط جان كريستوف كارّيه، ونائبة المستشار القانوني العام شيلا براكا موسيمي، وخلال اللقاء تناول الطرفان الحديث عن إمكانية العمل على تمويل مشروع الكهرباء في البلد، إضافة إلى الإجراءات القانونية اللازمة لتفعيل المشروع في أقرب وقت ممكن.
وجاء اللقاء بين الطرفين، عقب إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب رفع العقوبات عن سورية، قبل لقائه الرئيس السوري أحمد الشرع في السعودية. وأعلنت وزارة الخزانة الأميركية، في وقت سابق، مساء اليوم، عبر موقع “إكس”، أنها تعمل بالتنسيق مع وزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي على تنفيذ توجيهات الرئيس ترامب بشأن العقوبات المفروضة على سورية. وأضافت في بيان لها: “نتطلع إلى تطبيق التراخيص اللازمة التي من شأنها أن تكون أساسية في جذب استثمارات جديدة إلى سورية”. وقالت إنه يمكن لإجراءات وزارة الخزانة أن تساهم في إعادة بناء الاقتصاد السوري والقطاع المالي والبنية التحتية، بما يضع البلاد على مسار نحو مستقبل مشرق ومزدهر ومستقر.
وعلّق الرئيس الشرع في كلمة متلفزة له، أمس الأربعاء، على إعلان الرئيس الأميركي ترامب رفع العقوبات بالقول إن “سورية مرت بمرحلة مأساوية تحت حكم النظام الساقط، وتحولت إلى بيئة طاردة لأهلها وجيرانها والعالم، وتأخرت عن مصاف الدول”. واعتبر أن “العمل الجاد لبناء سورية الحديثة بدأ اليوم”، مؤكداً الالتزام بتطوير المناخ الاستثماري في سورية، والترحيب بجميع المستثمرين في الداخل والخارج والعرب والأتراك. وشدد على أن سورية لن تكون “ساحة لصراع النفوذ، ولن نسمح بتقسيمها”، لافتاً إلى أن “قوة سورية تكمن في وحدتها”.
—————————–
ترامب: لم أستشر إسرائيل قبل الاعتراف بالحكومة السورية الجديدة
الرئيس الأميركي قال للصحافيين على متن الطائرة الرئاسية بعد مغادرة أبوظبي “اعتقدت أنه كان القرار الصحيح، وحظيت بالكثير من الإشادة عليه، نريد النجاح لسوريا”
العربية.نت، والوكالات
16 مايو ,2025
قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب إنه لم يستشر حليفته إسرائيل في قرار الولايات المتحدة الاعتراف بالحكومة السورية الجديدة، رغم شكوك إسرائيل الشديدة تجاه إدارة الرئيس أحمد الشرع.
واستطرد يقول للصحافيين على متن الطائرة الرئاسية بعد مغادرة أبوظبي بقليل مختتما جولة في منطقة الخليج استمرت أربعة أيام “لم أستشرهم في ذلك، اعتقدت أنه كان القرار الصحيح، وحظيت بالكثير من الإشادة عليه، نريد النجاح لسوريا”.
وأعلن الرئيس الأميركي ترامب في الرياض خلال جولته الخليجية، رفع العقوبات عن سوريا بعد مناقشة هذا الأمر مع ولي العهد السعودي.
وقال قبل لقاء جمعه مع الشرع، إن قرار رفع العقوبات عن سوريا جاء لمنح السوريين فرصة جديدة.
وذكر موقع “أكسيوس” الأميركي أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو طلب من ترامب عدم رفع العقوبات عن سوريا، وأوضح أن ترامب لم يبلغ إسرائيل مسبقا بقرار عقد اجتماع مع الرئيس السوري أحمد الشرع.
ونقل الموقع عن مسؤولين إسرائيليين أن نتنياهو استغل لقاءه بترامب في البيت الأبيض خلال الشهر الماضي وطلب منه عدم رفع العقوبات عن سوريا، وعبر عن قلقه بشأن دور تركيا في سوريا.
ترامب يدعو إيران للتحرك بسرعة في المفاوضات.. ويعد بحل وشيك في غزة
أميركا أميركا وترامب ترامب يدعو إيران للتحرك بسرعة في المفاوضات.. ويعد بحل وشيك في غزة
ومنذ اندلاع الحرب في سوريا عام 2011، فرضت الولايات المتحدة عشرات العقوبات على نظام الرئيس السابق بشار الأسد، للانتهاكات التي ارتكبها في حق الآلاف من السوريين.
إلا أنه عقب سقوط الأسد في ديسمبر الماضي، بدأت السلطات الجديدة تطالب برفع تلك العقوبات التي باتت تنهك الاقتصاد المتدهور، وتعرقل عملية النهوض وإعادة الإعمار.
—————————
هل نحن على أبواب شرق أوسط جديد؟/ عبد الحميد صيام
كأننا نعيش عالما من الخيال، فما كان غير متخيل قبل بضعة أشهر نراه اليوم حقائق أمام عيوننا. فمن كان يعتقد أن «أبومحمد الجولاني»، الذي وضعت الولايات المتحدة عشرة ملايين على رأسه حيا أو ميتا، يلتقي برئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب، الذي أعلن أمام قاعة مكتظة رفع العقوبات عن سوريا، فقابله الحضور بالتصفيق والوقوف لدقائق، معجبين بهذه الخطوة الجريئة حيث انتقلت مشاعر البهجة إلى المدن السورية التي عانت من الحصار الطويل والقاسي والشامل.
من كان يعتقد أن الرئيس الأمريكي يعقد صفقة مع الحوثيين لوقف القتال، تُستثنى منه إسرائيل وتستمر صواريخ أنصار الله الفرط صوتية تنهمر على مطار اللد وتغلقه أمام الملاحة الجوية، دون أن يثير ذلك ردود فعل قاسية من حليفة الكيان الأساسية التي موّلت حرب الإبادة، وقدمت له كل أنواع الأسلحة والذخائر والمعلومات الاستخباراتية.
من كان يعتقد أن في المئة يوم الأولى تفتح إدارة ترامب مفاوضات مع إيران عن طريق عُمان حول برنامجها النووي. والأكثر من هذا وذاك، من كان يتخيل أن الرئيس الأمريكي، الذي حدد مهلة لحركة حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية لإطلاق جميع الرهائن دون قيد أو شرط وإلا فلينتظروا فتح أبواب جهنم، عاد وفتح قنوات اتصال مباشرة مع حركة حماس، وتوصل معهم إلى صفقة (لا نعرف تفاصيلها) تضمنت إطلاق سراح الجندي مزدوج الجنسية عيدان الكسندر، دون قيد أو شرط، ثم تستمر الاتصالات التي قد تسفر عن وقف إطلاق نار في غزة، وإدخال المساعدات الإنسانية.
هذه التطورات والمفاجآت لم تشمل فقط منطقة الشرق الأوسط، بل شملت العالم من شرقه إلى غربه. وأهم تلك التطورات السعي الجاد لإيقاف الحرب الروسية الأوكرانية، والضغط على الحليف زيلينسكي، لتقديم تنازلات خاصة التوقف عن الحديث عن شبه جزيرة القرم، التي أصلا تعود ملكيتها إلى روسيا. ومن التطورات الكبرى، التخلي عن الورقة الكردية وتمكين تركيا من إقفال ملف الصراع الطويل مع الأكراد، خاصة مع حزب العمال الكردستاني. وقد توافقت الآراء بين العراق وتركيا على هذا الملف، ووقع الطرفان اتفاقية شاملة يوم 13 مارس 2025.
ومن التطورات الغريبة أن يستنجد نارانردا مودي بترامب ليتوسط له مع رئيس وزراء باكستان لوقف إطلاق النار، بعد الإذلال الذي تعرض له ليلة السبت الماضي في المعركة الجوية الحاسمة، التي خسرت الهند فيها خمس طائرات، وتم تدمير مواقع الصواريخ ومعسكرات إطلاق الطائرات المسيرة. وبالفعل توقفت الحرب فورا. والأهم من هذا وذاك هو التهدئة مع الصين، ولو مؤقتا، فبعد رفع التعريفات الجمركية لمستويات خيالية ضد الصين تراجع وجلس وفدان من البلدين في جنيف ليدرسا إمكانية السيطرة على المواجهات التجارية، ولتخفيض التعريفات الجمركية من 126 في المئة و200 في المئة على السيارات و60 في المئة على العديد من المستوردات إلى 10 في المئة. تراجع ترامب كثيرا عن مواقفه الرعناء المتعلقة بالمسكيك وكندا وغرينلاند وبنما وغيرها. لكن يجب أن نبقى حذرين فالرجل «ما بين غمضة عين والتفاتها» يبدل مواقفه، دون أي تردد أو خجل أو خوف. كل هذه الإجراءات التي اتخذها ترامب قبل أن يكمل شهوره الأربعة الأولى. فما بالك ببقية الـ 44 شهرا المقبلة؟
زيارة دول الخليج
كانت أولى زياراته في دورته الأولى دول الخليج، واختار المنطقة نفسها لأولى زياراته خارج الولايات المتحدة. في المرة الأولى كانت أساسا زيارة تجريف أموال انتقل من الرياض إلى إسرائيل ووضع القلنسوة على رأسه، وذهب لأداء الزيارة المطلوبة والمفروضة على كل الزعماء. كانت السعودية آنذاك في وضع صعب، والصراع على ولاية العهد كانت ما زالت قائمة، واعتقال أغنياء العائلة كانت مستمرة، ووضع المرأة في السعودية كان مثار نقد عالمي. الخلافات بين دول الخليج وقطر كانت على وشك الانفجار، ولم ينضم الشيح تميم لدول الخليج الأخرى في تقديم المليارات لترامب، آثر أن يتعامل معه مباشرة، دون المرور بالمحطة السعودية. التوتر بين السعودية وإيران كان في أوجه وعلاقات السعودية مع الصين وروسيا كانت غير مستقرة. أما الحرب في اليمن، التي دخلتها السعودية منذ عام 2015 استقرت نوعا ما بعد قبول الطرفين وقف إطلاق النار لأكثر منذ سنتين وأصبحت المفاوضات بين الطرفين في عُمان تتقدم ولو ببطء. إذن الأوضاع الآن تغيرت ولصالح السعودية. علاقتها مع إيران جيدة ومع الصين وروسيا. وانضمت إلى مجموعة بريكس، وطويت صفحة مقتل خاشقجي، وانتهى دور الشرطة الدينية وأعطيت المرأة الكثير من الحقوق. ما تريده السعودية دعما أمريكيا في مجال الطاقة الجديدة والذكاء الصناعي والقوة العسكرية، والأهم من هذا وذاك ما تريده السعودية بدعم قطري، اختراق على الجبهتين الفلسطينية، خاصة في حرب الإبادة وعلى الجبهة السورية في رفع العقوبات لإعطاء البلاد فرصة للنهوض. وهذا ما يرى محمد بن سلمان أنه قادر على تحقيقه من زيارة ترامب، وإذا كان الثمن صرة كبيرة من المال فلا بأس في ذلك. بالنسبة لسوريا فهي بلد في عين العاصفة. اضطرابات داخلية واختراقات إسرائيلية متواصلة واقتصاد على وشك الانهيار وعقوبات قاسية عطلت كل أنواع التعافي وعلى مستويات شعبية كذلك. هناك دولة خليجية مدعومة من الكيان الصهيوني، تشد سوريا نحو التطبيع العلني مع الكيان الصهيوني. تركيا، الدولة الأكثر تأثيرا في سوريا والأكثر تداخلا في الشأن السوري منذ 2011، تريد لسوريا أن تقلد النموذج التركي، وأن تدخل في اتفاقيات شاملة مع تركيا تشمل الاقتصاد والأمن والطاقة. قطر تدعم هذا التوجه دون الإصرار على قضية التطبيع، بيضة القبان بين المحورين هي السعودية. لا عجب إن كانت أول زيارة للشرع خارج سوريا للسعودية، وقد أخذت السعودية، كما يبدو، على عاتقها دعم سوريا وإبعادها أكثر عن المحور الإيراني. وبهذه الصفقة التي حققتها مع ترامب لصالح سوريا تكون القيادة السورية قد ربطت موقفها بموقف السعودية من قضية التطبيع، ونعتقد أن نظام الشرع لن يطبع مع إسرائيل، إلا إذا كانت السعودية تقود صف المطبعين الجدد.
التطبيع السعودي مع الكيان الصهيوني قد لا يأتي في أول الطريق، بل في آخرها، فمقابل الصفقات الخيالية والهدايا غير المسبوقة من دول الخليج لترامب قد يكون ثمنا لوقف الحرب على غزة، والانتقال إلى خطوة الاعتراف بالدولة الفلسطينية والتوجه نحو تجسيدها. وهذا ما يفسر الحنق الذي أظهره نتنياهو خاصة بعد أن أعلن رسميا أن هناك مفاوضات بين الولايات المتحدة وحركة حماس. هل هذا السيناريو مؤكد؟ بالطبع لا. لكنه المدخل إلى جائزة نوبل للسلام، التي تحتل جزءا من تفكير ترامب. والأكيد أن البوابة المزدوجة لتلك الجائزة تقع في كييف وغزة. فإذا أوقف النزيف الإنساني غير المسبوق في غزة وأوقف الحرب الروسية الأوكرانية وربما بمساعدة من أردوغان، فلا شك أن ترامب سيتوج مسيرته الدبلوماسية بالجائزة.
نحن لا نثق في ترامب لكننا نعتبره صاحب القرارات الشجاعة والآنية وغير المتوقعة والتي تمجده شخصيا، غضب من غضب ورضي من رضي. لكننا نخشى أن «تعود حليمة إلى عادتها القديمة» بعد الخروج من منطقة الخليج، فيعود إلى عشقه الأبدي للكيان الصهيوني بعد أن جرّف أموال العرب. وسنرى في أي اتجاه يسير: شريك في الإبادة كسلفه الأهوج بايدن؟ أم هندسة شرق أوسط جديد قائم على السلم والازدهار والتعاون، وإغلاق ملف القتل الجماعي والتدمير والأبرثهايد. ستبدي لنا الأيام المقبلة ما نجهله الآن.
* كاتب فلسطيني
القدس العربي
—————————————-
روبيو: السلطات الجديدة في سوريا تريد “السلام” مع إسرائيل
الجمعة 2025/05/16
قال وزير الخارجية الأميركية ماركو روبيو الخميس، إن قادة دمشق الجدد يريدون السلام مع إسرائيل وذلك خلال لقائه نظيره السوري أسعد الشيباني، غداة قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب تخفيف العقوبات المفروضة على دمشق.
سوريا مسالمة ومستقرة
والتقى روبيو الشيباني في تركيا لمناقشة سبل المضي قدماً في تطبيع العلاقات بين الإدارة الأميركية والرئيس الانتقالي السوري أحمد الشرع.
وقال روبيو لصحافيين بعد المحادثات: “نعتقد أن سوريا مسالمة ومستقرة ستكون واحدة من أبرز أوجه التحسينات في المنطقة منذ زمن، ونريد أن نفعل كل ما بوسعنا للمساعدة في تحقيق ذلك”.
وأعربت إسرائيل عن تشاؤم حيال الشرع وقد واصلت توجيه الضربات إلى سوريا، على غرار ما فعلت إبان حكم الرئيس السابق بشار الأسد الذي أطيح في الثامن من كانون الأول/ديسمبر.
لكن روبيو، وعلى غرار ترامب، قال إن القيادة السورية الجديدة منفتحة على التطبيع مع إسرائيل، وهو ملف يعد أولوية كبرى للولايات المتحدة.
وقال روبيو الذي أجرى الخميس محادثة هاتفية مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو: “لقد أعربوا عن اهتمامهم بالسلام مع جميع جيرانهم، بمن فيهم إسرائيل”.
إلا أن أي مؤشرات علنية بهذا الصدد لم تصدر عن السلطات السورية الجديدة.
وجاء في بيان لوزارة الخارجية السورية أن الشيباني “ناقش مع نظيره الأميركي بحضور وزير الخارجية التركي في أنطاليا تفاصيل رفع العقوبات الأميركية” و”تحسين العلاقات بين دمشق وواشنطن وسبل بناء علاقة استراتيجية بين البلدين”.
محادثات سرية
في سياق متصل، ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن تل أبيب تجري حالياً محادثات سرية مع النظام السوري الجديد، في إطار عملية إقليمية سلمية تتم بوساطة الإمارات العربية المتحدة.
وبحسب “القناة 12” العبرية، أحد أهم اللقاءات عقد مؤخراً في أذربيجان، حيث التقى رئيس مديرية العمليات في الجيش الإسرائيلي اللواء عوديد سيوك، مع ممثلين مقربين من الرئيس السوري أحمد الشرع إلى جانب مسؤولين أتراك.
ولفتت القناة إلى أن هذه الخطوة تأتي مفاجئة بشكل خاص في ضوء مواقف إسرائيل السابقة، التي امتنعت عن أي اتصال مع الشرع ورجاله، بل ووصفت الرئيس السوري الجديد بأنه “إرهابي يرتدي بدلة”.
وأضافت القناة 12: “الآن وبأقل تقدير تدرس إسرائيل اتجاهاً جديداً من شأنه أن يؤثر بشكل كبير على الوضع على الحدود الشمالية ويبعد سوريا عن محور إيران وحزب الله”.
—————————-
رفع العقوبات يعيد أموال سوريا المجمدة.. و”المركزي” يستعد لخفض الأسعار وإنعاش البورصة
حاكم مصرف سوريا المركزي قال إن دمشق تستعد لتفعيل “سويفت” وتدفق الاستثمارات الأجنبية
16 مايو ,2025
أكد حاكم مصرف سوريا المركزي، عبد القادر حصرية، أن قرار رفع العقوبات عن سوريا يمثل لحظة مفصلية في تاريخ البلاد، وحدثاً بالغ الأهمية سيترك أثراً إيجابياً على مختلف جوانب الاقتصاد السوري، مشيداً بالدور الكبير الذي لعبته السعودية والدول العربية في تحقيق هذا الإنجاز.
وأوضح في تصريحات خاصة لقناة “العربية” أن العقوبات المفروضة سابقاً من دول عربية وأوروبية وكندا والولايات المتحدة، وضعت سوريا خارج المنظومة المالية العالمية، وأثرت سلباً على حياة السوريين داخل البلاد وخارجها، حيث كبّلت حركة الاقتصاد وأعاقت تطور العديد من القطاعات الحيوية.
وأضاف أن رفع العقوبات سيمكن سوريا من فك الحظر عن أموال البنك المركزي والأصول المجمدة في الخارج، ما سيسمح بإجراء إصلاح شامل في القطاع المصرفي، وإعادة تفعيل نظام التحويل العالمي “سويفت”، الأمر الذي سيُسهّل عمليات التصدير ويؤدي إلى انخفاض أسعار السلع المستوردة.
الليرة السورية تسجل مكاسب قوية بعد إعلان ترامب من الرياض رفع العقوبات
اقتصاد اقتصاد سوريا الليرة السورية تسجل مكاسب قوية بعد إعلان ترامب من الرياض رفع العقوبات
وأشار حصرية إلى أن نتائج رفع العقوبات ستبدأ بالظهور خلال فترة تتراوح بين 6 أشهر وسنة، لافتاً إلى أن الحكومة السورية تتبنى رؤية واضحة تهدف إلى العمل وفق المعايير العالمية والاندماج مجدداً في النظام المالي الدولي، مع الالتزام الكامل بالمسؤوليات القانونية والمالية للدولة.
وفي إطار جذب الاستثمارات، كشف حاكم المصرف أن هناك تواصلاً مع أكثر من 50 جهة أبدت اهتمامها بالاستثمار في سوريا قبل قرار رفع العقوبات، كما أبدت عدة مصارف عربية وأجنبية استعدادها للدخول في السوق السورية. وبيّن أن المصرف المركزي يعمل بالتنسيق مع وزارة الخارجية للتواصل مع المصارف المركزية في مختلف الدول، بهدف استقطاب الاستثمارات.
كما أكد حصرية أن رفع العقوبات يفتح فرصة كبيرة لسوق دمشق للأوراق المالية، حيث سيتم تنظيم خاص للأموال المخصصة للاستثمار في السوق، إلى جانب العمل على جعل الليرة السورية قابلة للتحويل.
وختم بالقول إن طموح سوريا هو الانتقال من اقتصاد إنساني إلى اقتصاد مالي، وصولاً إلى اقتصاد ناشئ، مشدداً على أن البلاد اليوم أمة تسعى لبناء وطنها من جديد، مرحباً في الوقت ذاته بعودة الشركات الأميركية للاستثمار في سوريا، وزيارة أي مسؤول أميركي لمصرف سوريا المركزي، كخطوة نحو تعزيز التعاون الاقتصادي الدولي.
——————————-
ترامب: الشرع رائع وبدأت بالفعل العمل على حلّ مسألة الجوع في غزة
17 مايو 2025
قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب في مقابلة مع شبكة فوكس نيوز الأميركية، الجمعة، إن الفلسطينيين في غزة يتضورون جوعاً، لافتاً إلى أن أحد القادة “العظماء” الثلاثة الذي قابلهم خلال جولته في المنطقة هذا الأسبوع، طلب منه مساعدة الفلسطينيين. والتقى ترامب، خلال جولته في الخليج، ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، ورئيس الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان.
وأضاف ترامب: “قلت له بخلاف الواضح، ماذا تعني بذلك”، ليردّ الزعيم بالإشارة إلى الجوع. وأعلن ترامب أنه بدأ بالفعل العمل على ذلك، معتبراً أن هذه مشكلة كبيرة “لكن سنقوم بحلّها”، مؤكداً أنه سيقوم بحلّها بشكل ما، “فإمّا أن يتم الموضوع بشكل لطيف وإما بعنف. وأريد بنسبة 99.9% أن نقوم بالأمر بشكل لطيف إذا تمكنا من ذلك”.
ورداً على سؤال حول ما إذا كان محبطاً من رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، قال: “لا، لديه وضع صعب”، مشدداً على ضرورة تذكر 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، معتبراً أنها من أكثر الأيام عنفاً في تاريخ العالم وليس الشرق الأوسط فحسب، وأنّ نتنياهو يتعامل مع هذه المشكلة. وجدد الرئيس الأميركي التأكيد أنه لو كان رئيساً وقتها لما وقع “طوفان الأقصى”، لأنه بحسب قوله، كانت إيران مفلسة قبل عام، ولم تكن تقدّم الأموال لحركة حماس، لكن الرئيس السابق جو بايدن جاء إلى الرئاسة ورفع العقوبات عنها.
ملف إيران النووي
وتطرّق ترامب إلى ملف إيران، والمفاوضات الجارية للتوصل إلى اتفاق، زاعماً أن طهران تريد التجارة مع الولايات المتحدة، لافتاً إلى أنه يستخدم التجارة لتصفية الحسابات وإحلال السلام، ومشيراً إلى أنه أبلغ طهران بأنها ستكون سعيدة إذا تمّ التوصل إلى اتفاق. ورداً على سؤال بشأن استعجاله التوصل إلى اتفاق، أوضح ترامب أن المحادثات ستصبح صعبة إذا طوّرت إيران أسلحة نووية، معرباً عن ثقته في أنه سيتمّ التوصل إلى حلّ مع إيران، قائلاً إنه إمّا أن يكون عنيفاً وإما غير عنيف، مضيفاً: “أفضّل اللاعنف أكثر”. وأعرب عن اعتقاده أنّ الإيرانيين يريدون التوصل إلى اتفاق. وقال: “عندما تكون لديك كمية غير محدودة من النفط والغاز، لماذا تحتاج إلى الطاقة النووية المدنية؟”، معتبراً أن الطاقة النووية المدنية جيدة إذا كنت في بلد لا نفط فيه.
ورداً على سؤال بشأن موقف نتنياهو من الملف النووي، قال ترامب إنّ نتنياهو رجل غاضب، و”عليه أن يكون كذلك بسبب 7 أكتوبر، وقد جُرح كثيراً بسبب ذلك”، لافتاً إلى أنه تمت مساعدته بسبب ذلك، وأنه “قاتل بقوة وشجاعة”. وقال ترامب إن غزة مكان سيئ، وهي كذلك منذ سنوات، معتبراً أنه يجب أن تتحوّل إلى “منطقة حرة، منطقة حرية”، مؤكداً أن الدول الخليجية الثلاث التي زارها ستكون جزءاً من الحل، مضيفاً “هذه الدول غنية جداً، وهم أشخاص جيدون، وسيساعدون”، مشدداً على أن الأموال ليست المشكلة.
ترامب: الشرع لديه ماضٍ صعب لكنه رائع
وعن إعلان نيته رفع العقوبات عن سورية، لفت إلى أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان اتصل به وتحدث معه، وطلب منه أن يقدّم “خدمة للعالم” برفع العقوبات عن سورية، لأن هذه هي الطريقة الوحيدة التي سيحصل فيها السوريون على فرصة، قائلاً: “لم أفكّر في الأمر كثيراً”، مشيراً إلى أن بن سلمان طلب الأمر بقلب كبير، قائلاً إنه “لا يمكنهم تحقيق ذلك مع هذه العقوبات”. وعن لقائه مع الرئيس السوري أحمد الشرع في الرياض، قال ترامب: “اعتقدت أنه كان رائعاً. لقد كان ممتناً جداً بشأن العقوبات”، معتبراً أن لديه فرصة حقيقية، “فهو رجل قوي وقد قام ببعض الأمور الصعبة”. وأشار ترامب إلى أنه قال للشرع خلال اللقاء إن لديه ماضياً صعباً.
الزيارة إلى الخليج
وبشأن زيارته إلى منطقة الخليج، قال ترامب إنه لطالما اعتبرها منطقة مهمة جداً، مشيراً إلى أنه يعرف قادة السعودية وقطر والإمارات من كثب، حتى قبل أن يدخل عالم السياسة، لافتاً إلى أنه لم يتم التعامل معها بشكل جيد، خصوصاً في عهد الرئيس السابق جو بايدن “الذي لم يكن يدرك أنه على قيد الحياة”، وفق قوله، مشيراً إلى أن اتجاه هذه الدول كان نحو الصين، لكن هذا لن يحصل بعد الآن. ووصف المنطقة بأنها عاصمة الطاقة العالمية، قائلاً إن دول الخليج تملك الكثير من المال، وإنه يريد منها أن تقوم بإنفاق أموال في الولايات المتحدة.
ولفت ترامب إلى أن الخطر الأكبر على دول الخليج هي إيران وهذا يجعلهم عرضة للخطر، لكن لدينا أعظم قوة عسكرية في العالم، ونعززها الآن إلى مستويات لم يرها أحد من قبل. وعن الطائرة التي قدّمتها قطر خلال زيارته إلى المنطقة، لفت ترامب إلى أنها تقدمة لسلاح الجو الأميركي، ووزارة الدفاع الأميركية، وليست له، معتبراً أنه قام بصفقة رائعة في هذا الشأن، لافتاً إلى أن أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أبدى رغبته في المساعدة على قضية الطائرة الرئاسية التي قال ترامب إن عمرها 42 عاماً، وقد طلب تقديم الطائرة هديةً، مشدداً على أنها للولايات المتحدة الأميركية وليست له شخصياً، ومتهماً اليسار الراديكالي بتضخيم الأمر.
“الصين كانت لتنهار”
وتناول ترامب في المقابلة الاتفاق التجاري الذي توصلت إليه الولايات المتحدة الأميركية مع الصين، والذي يقضي برفع جزء من الرسوم الجمركية الإضافية المفروضة بين البلدين، معتبراً أنه لو لم يبرم هذا الاتفاق مع الصين، لكانت الأخيرة لتنهار وليس الولايات المتحدة، لأن الأخيرة لديها “الكثير من الروح”، وذلك سبب 5 نوفمبر/ تشرين الثاني، ويقصد بذلك انتخابه رئيساً لأميركا.
ترامب: كومي شرطي فاسد
في سياق آخر، وصف ترامب مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) السابق جيمس كومي بأنه “شرطي فاسد” بعدما نشر الأخير صورة على وسائل التواصل الاجتماعي اعتبرها الرئيس الأميركي دعوة مبطنة إلى اغتياله، ما دفع جهاز الخدمة السرية إلى فتح تحقيق. ونشر كومي الخميس منشوراً على “إنستغرام” حُذف لاحقاً، يظهر صورة لرقمي “86 47” كُتبا بأصداف بحرية، علماً أن “86” هو مصطلح عامي يعني التخلص من شيء ما، فيما ترامب هو الرئيس السابع والأربعون للولايات المتحدة. وإثر ذلك، قالت وزيرة الأمن الداخلي كريستي نويم إن وكالات إنفاذ القانون تحقق في “تهديد” باغتيال الرئيس دونالد ترامب من قبل كومي.
وقالت على إكس “دعا المدير السابق لـ”إف بي آي” جيمس كومي للتو إلى اغتيال الرئيس الأميركي ترامب”. لكن كومي قال في وقت لاحق على “إنستغرام” إنه نشر “صورة لبعض الأصداف التي رأيتها اليوم أثناء نزهة على الشاطئ، والتي افترضت أنها كانت رسالة سياسية”، مضيفاً “لم أدرك أن بعض الأشخاص يربطون هذه الأرقام بالعنف. لم يخطر في بالي ذلك مطلقاً، لكنني أعارض العنف بكل أشكاله، لذلك حذفت المنشور”. إلا أن ترامب قال في مقابلته مع “فوكس نيوز”: “كان يعلم تماماً ما يعنيه ذلك. كان يعني الاغتيال، وهذا واضح وجلي. صحيح أنه لم يكن يتمتع بكفاءة عالية، لكنه كان كفؤاً بما يكفي ليفهم ما يعنيه ذلك”. وأضاف “إنه يدعو إلى اغتيال الرئيس”، واصفاً كومي بأنه “شرطي فاسد”.
ولطالما كانت العلاقة بين ترامب وكومي سيئة، ففي العام 2017، طرد الرئيس الأميركي كومي من مكتب التحقيقات الفيدرالي، عندما كان الأخير يحقق في شكوك حول تدخل أجنبي في الانتخابات الرئاسية التي أدت إلى فوز الملياردير الجمهوري. من جهته، قال مدير “إف بي آي” كاش باتيل، إن مكتب التحقيقات الفيدرالي “على تواصل مع جهاز الخدمة السرية” و”سيقدم كل الدعم الضروري”. بدورها، قالت مديرة الاستخبارات الوطنية تولسي غابارد، إنّ كومي “أصدر دعوة (…) لقتل رئيس الولايات المتحدة”، مضيفة “نحن ندعم بشكل كامل التحقيق الذي تجريه الخدمة السرية في تهديد كومي لحياة الرئيس ترا
العربي الجديد
——————————————-
حافظ الأسد وأحمد الشرع بين هنري كيسنجر وأندريه غروميكو/ جان الفغالي
16 مايو ,2025
زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع للمملكة العربية السعودية ولقاؤه الرئيس الأميركي دونالد ترامب على مدى خمس وثلاثين دقيقة، برعاية ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، أنعشا الذاكرة حول الدور المحوري لسوريا بين النظام الراحل والنظام القائم.
الرئيس حافظ الأسد كان يمارس “دبلوماسية الإرهاق” سواء مع خصومه أو مع حلفائه. وزير الخارجية الأميركي اللامع، هنري كيسنجر، الذي لُقِّب بأنه “عقل الدبلوماسية الأميركية”، لم يتوانَ عن القول، بعد اجتماعات ماراتونية مع حافظ الأسد، والتي لم توصِل إلى نتيجة: “سامحني يا الله، إنني أحترم هذا الرجل”. كان حافظ الأسد، حين يريد إفشال أي محادثات، يخاطب محاوره بالقول: “وأين القضية الفلسطينية في كل ما ناقشناه”؟ كان هذا السؤال بمثابة الخاتمة السلبية لأي محادثات.
والغموض الذي كان يمارسه مع خصومه، مارسه أيضاً مع الحلفاء، يروي أندريه غروميكو، وزير الخارجية في الاتحاد السوفياتي، في ستينات وسبعينات القرن الماضي، في مذكراته التي تحمل عنوان “من الذاكرة”، أن بلاده عرفت بالدخول السوري إلى لبنان، في خريف العام 1976، من الأميركيين علماً أنه كان يجدر بالرئيس الأسد، حليف الاتحاد السوفياتي، أن يُبلغهم بالأمر.
وعلى عكس حافظ الأسد، يمارس الرئيس السوري الجديد، أحمد الشرع، “دبلوماسية التسهيل”، وقد نجحت هذا الدبلوماسية، في بدء نقل سوريا من معسكر الحرب إلى جبهة السلم التي ستقود إلى السلام والتطبيع. ويبدو أن المجتمع السوري بات يشكِّل “بيئة حاضنة” لهذا الخيار، بدليل البهجة التي عمَّت الشارع السوري بعد إعلان الرئيس الأميركي قرار رفع العقوبات عن سوريا. لم يتوقف المجتمع السوري كثيراً عند المطالب الأميركية التي وافق عليها الرئيس الشرع، لأنه يعتبر ان استراتيجية “سوريا أولاً” تحتم القبول بهذه المطالب، ولم يقل الرئيس الشرع ما كان يردده الرئيس حافظ الأسد عند انتهاء أي محادثات:”وأين القضية الفلسطينية”؟
انطلاقاً من هذه الواقعية، لا يضع الشرع “رِجلاً” عند الأميركيين، و”رِجلاً” عند الروس، بل ينتهج سياسة المرور في الرياض للوصول إلى تحقيق أهدافه. وهذه الدبلوماسية الواضحة، البعيدة عن المناورات، التي كان ينتهجها حافظ الأسد، وبعده نجله بشار الأسد، يبدو أنها خط مستقيم يوصِل بسرعة إلى الهدف، بعكس الخط المتعرج.
* نقلا عن “نداء الوطن
——————————-
“داعش” يهاجم الشرع ويتهمه بـ”التفريط بالشريعة” بعد لقائه ترامب
16 مايو 2025
هاجم تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” الرئيس السوري، أحمد الشرع، بسبب لقائه بنظيره الأميركي دونالد ترامب، في العاصمة السعودية الرياض.
واتهم داعش في افتتاحية صحيفة “النبأ” الأسبوعية التابعة له، الرئيس الشرع بـ”التفريط بالشريعة” مقابل الدعم الأميركي، واصفًا لقاءه بالرئيس الأميركي بـ”الانحدار”.
وقال في عدده الأسبوعي الصادر، اليوم الجمعة، إن الصورة باتت أوضح، بعد هذا اللقاء، معتبرًا أن “الخلاف مع الشرع لا يتوقف عند التكتيك السياسي، بل هو صراع بين التوحيد والشرك، والإسلام والديمقراطية، ومن سيدهم محمد ومن سيدهم ترامب”، بحسب تعبيره.
واتهم التنظيم الرئيس الشرع باستبدال “ملة إبراهيم” باتفاقيات “أبراهام”، مستنكرًا الاحتفاء بلقاء ترامب، واعتباره إنجازًا تاريخيًا يحتفل به الثوريون، في ساحة الأمويين”.
وذكر أن المليارات السعودية والقطرية والتعهدات التركية هي التي أقنعت ترامب بأن يقتطع وقتًا من جدوله لقضائه مع الشرع ومنحه “فرصة عظيمة”، في حين لا يملك الأخير سوى “هوسه بالسلطة”، بحسب وصفه.
وندد التنظيم بما أسماها “إملاءات” ترامب، التي طالبت بمحاربة “داعش” وشدّ وثاق مقاتليه في سجون شمال شرقي سوريا، موجهًا في الوقت نفسه، دعوة للمقاتلين الأجانب المنضوين في وزارة الدفاع السورية إلى الانضمام إلى خلاياه في الأرياف، معتبرًا أن الشرع استغلهم لخدمة مشروعه.
واعتبر التنظيم الاتفاقيات الدولية التي عقدها الرئيس الشرع، صفقات خاسرة، بدأها قبل وصوله إلى الحكم بسنوات الرئاسة، مضيفًا أنها “منحته الرئاسة، لكنها سلبته دينه وشرفه”.
وكان الرئيس السوري أحمد الشرع التقى نظيره الأميركي ترامب، الأربعاء الماضي، في العاصمة السعودية الرياض، على هامش القمة الخليجية – الأميركية الخامسة، وذلك بحضور ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. وقال البيت الأبيض إن ترامب دعا الشرع إلى الانضمام لـ”اتفاقات أبراهام” لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، إضافةً إلى دعوته للتعاون مع الولايات المتحدة لمنع عودة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”.
وأضاف البيت الأبيض أن ترامب قال للشرع إنه يملك الآن فرصة عظيمة لصنع تاريخ جديد في سوريا، لافتًا إلى أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان انضم إلى اجتماع ترامب مع الشرع عبر تقنية الفيديو.
وسبق أن أعلن ترامب الثلاثاء الماضي من العاصمة الرياض رفع العقوبات التي فُرضت على سوريا خلال عهد نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد.
——————————
خلاف ترامب ونتنياهو: فرصة محدودة لقلب التوازنات في المشهد السوري/ أحمد العكلة
16 مايو 2025
تشير تقارير متعددة إلى أن رفض الرئيس الأميركي دونالد ترامب لقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، خلال زيارته الأخيرة للشرق الأوسط، جاء على خلفية توتر العلاقات والخلافات المتصاعدة بين الرجلين.
وكان ترامب قد أعلن أنه لا يخطط لزيارة إسرائيل ضمن جولته في الشرق الأوسط، مما أثار استياء الجانب الإسرائيلي. ورغم محاولات إسرائيلية لإدراج زيارة قصيرة لترامب، إلا أن الرئيس الأميركي أكد عدم وجود خطط لذلك، مشيرًا إلى إمكانية زيارة مستقبلية.
وفي الملف السوري، تشير تقديرات إلى خلافات واضحة، لا سيما بعد قرار ترامب سحب القوات الأميركية من سوريا، الأمر الذي أثار قلق إسرائيل بشأن تعزيز النفوذ التركي في المنطقة، فسارعت إلى اتخاذ خطوات أحادية، مثل إنشاء منطقة عازلة داخل الأراضي السورية وتنفيذ ضربات جوية ضد أهداف تعتبرها تهديدًا لأمنها.
ونقل موقع أكسيوس عن مصدر إسرائيلي قوله إن “إدارة ترامب لم تخطر إسرائيل مسبقًا بلقائه مع الشرع ورفع العقوبات عن سوريا”، وأكد المصدر أن نتنياهو كان “طلب من ترامب عدم رفع العقوبات وأعرب عن قلقه من دور تركيا”.
بالمقابل، بدا أن الرئيس السوري أحمد الشرع قد حقق خطوات ملموسة على طريق بناء علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة، وحتى قبل اللقاء كان قد أبدى استعداده للتعاون مع واشنطن في قضايا مثل مكافحة الإرهاب والتخلص من الأسلحة الكيميائية. ويرى مراقبون أن الحكومة السورية سوف تستثمر في التناقض الأميركي الإسرائيلي، فيما يقول البعض أن فرصتها في ذلك لا تزال محدودة.
يقول الكاتب والصحفي السوري أحمد مظهر سعدو في حديث لـ”الترا سوريا” إن التنسيق بين الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل لا يمكن أن يغيب بأي حال من الأحوال، مؤكدًا أن “السياسات الإسرائيلية ترتبط ارتباطًا مباشرًا بالاستراتيجيات الأميركية الخاصة بالمنطقة برمتها”.
وأضاف أن “الخلافات التي قد تطرأ بين واشنطن وتل أبيب ليست سوى خلافات تكتيكية ومرحلية، سرعان ما تعود العلاقات بين الطرفين إلى سابق عهدها، نتيجة تداخل المصالح وتشابكها”.
وفي سياق حديثه عن الفرصة التي منحت للرئيس السوري أحمد الشرع، اعتبر أن “الفرصة لم تأت من الخلافات التكتيكية بين أميركا وإسرائيل، بل من قدرة الشرع على الاستثمار في المصالح التجارية الأميركية، لا سيما أن ترامب معروف بكونه رجل أعمال”.
وأوضح أن “مشاريع إعادة إعمار سوريا، التي قد تتجاوز قيمتها 500 مليار دولار، تمثل مصلحة كبرى لترامب، وهو ما دفعه لرفع العقوبات وللقاء الرئيس الشرع”.
وحول استقلالية القرار السوري، أكد أنها باتت “نسبية فقط، بعد أن أصبحت الولايات المتحدة القطب الأوحد المهيمن على القرار الدولي”، مضيفًا أن قدرة سوريا على الاستثمار في أي خلاف إقليمي أو دولي “تعتمد على مدى قدرتها على الانخراط في اللعبة الإقليمية، وصياغة سياسات تحقق مصالحها الوطنية”.
أما بخصوص “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، فرأى أنها “لا تزال تعتمد كليًا على الدعم الأميركي في وجودها”، مشيرًا إلى أن “أي انسحاب أميركي، سواء كان جزئيًا أو كليًا، سيؤدي إلى انهيارات كبيرة في مشروع الدويلة الانفصالية التي تسعى إليها قسد، رغم نفيها لذلك”.
وختم بالقول: “التصعيد العسكري في المنطقة يبقى احتمالًا قائمًا، ما لم تُنجز تفاهمات جديدة قد تشكل تحديثًا لاتفاقيات فك الاشتباك التي عُقدت بين حافظ الأسد وإسرائيل”، معتبرًا أن “سياسة الفوضى الخلاقة قد تبقى مستمرة في ظل الإدارة الأميركية الجديدة”.
في ظل هذه التغيرات، يواجه الملف السوري تحديات كبيرة. الحكومة السورية تسعى للحصول على دعم دولي لإعادة إعمار سوريا، بينما تحاول إسرائيل ضمان أمنها من خلال إجراءات أحادية. الخلاف بين ترامب ونتنياهو يعقّد جهود التنسيق بين الحلفاء التقليديين، مما يفتح المجال أمام قوى إقليمية ودولية أخرى للتأثير في مستقبل سوريا.
يقول الخبير السياسي السوري، د. وليد حلبي، لـ”الترا سوريا”، إن “الرئيس السوري أحمد الشرع تمكن من استغلال قرارات ترامب المفاجئة والحصول على اختراق سياسي من خلال التواصل مع الدول الخليجية التي تدعم حكومته وتمكنت من إقناع ترامب باللقاء ورفع كل العقوبات”.
وأضاف: “إسرائيل كان لها دور كبير في منع الولايات المتحدة أو على الأقل زيادة التردد في البيت الأبيض في التعاون مع حكومة الشرع، ولكن الخلاف الأخير مع إسرائيل وقناعة ترامب بأن نتنياهو يريد إطالة أمد الحروب غير هذه المعادلة وحصل اللقاء التاريخي في الرياض بين ترامب والشرع”.
ولفت إلى أن “الشرع كان لديه مقترحات مغرية لترامب تشمل بناء برج “ترامب” في العاصمة دمشق، والانخراط في مسار سلام مع إسرائيل، ومنح الولايات المتحدة وصولًا مباشرًا إلى موارد الطاقة السورية، كجزء من استراتيجية أعدّها لمحاولة لقاء ترامب خلال زيارته الحالية إلى الخليج”.
وعقد الرئيس الأميركي دونالد ترامب اجتماعًا مع الرئيس السوري أحمد الشرع، 14 أيار/مايو، في الرياض، في لقاء هو الأول من نوعه بين رئيسي البلدين منذ 25 عامًا.
ويؤكد الباحث السوري في العلاقات الدولية، عبد الله الخير، أن “ترامب يطمح لأن يكون رجل السلام في العالم وينال جائزة نوبل، ولذلك يريد إطفاء الحرائق، وخصوصًا بعد إعلانه عن وقف إطلاق النار بين الهند وباكستان دون علم الحكومة الهندية، ما أثار غضباً لدى حليفه التقليدي”.
وأضاف: “ترامب رجل المفاجآت، لذلك فإن نتنياهو لا يستطيع الضغط عليه، وربما سنشهد خلال الفترة المقبلة تحجيمًا لدوره وإجباره على وقف إطلاق النار في غزة وتوقيع اتفاق مع إيران، كما سيتم وقف الحرب في أوكرانيا، وبالتالي سيكون الملف السوري حاضرًا مع تواصل الدعم الخليجي لاستقرار الحكومة السورية والضغط على إدارة ترامب للانخراط في هذه العملية وخصوصًا أن ترامب رفع العقوبات عن سوريا رغم معارضة نتنياهو”.
المشهد الإقليمي يدخل مرحلة إعادة تشكيل دقيقة، حيث تقاطع المصالح وتراجع التحالفات التقليدية يصنعان فرصًا جديدة للّاعبين الجدد. الحكومة السورية تحاول توظيف هشاشة العلاقة بين ترامب ونتنياهو لبناء مسار تفاوضي غير مسبوق مع واشنطن. ومع وجود رئيس أميركي مستعد لكسر قواعد اللعبة، فإن احتمال حدوث اختراق سياسي يظل قائمًا، رغم الشكوك الكبيرة حول مدى استدامة هذا الاختراق أو قدرته على تجاوز التوازنات القديمة في المنطقة.
الترا سوريا
——————————
==========================