الاتفاق بين "قسد" وأحمد الشرعسقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوعسياسة

واقع وكواليس الاتفاق بين “قسد” وحكومة الجمهورية العربية السورية مقالات وتحليلات تتحدث يوميا  تحديث 21 أيار 2025

لمتابعة تفاصيل هذا الملف اتبع الرابط التالي

دوافع وكواليس الاتفاق بين “قسد” وأحمد الشرع

————————–

قسد بعد قنديل.. بين إرث العمال الكردستاني وشروط الوطنية السورية/ باسل المحمد

2025.05.20

في تحول إقليمي لافت أعلن حزب العمال الكردستاني، المدرج على لوائح الإرهاب في تركيا وأوروبا والولايات المتحدة، عن حل نفسه وإنهاء تاريخه العسكري الممتد لعقود، تاركاً وراءه إرثاً من الصراع والتحالفات والدماء، معتبراً في بيان نقلته وكالة فرات للأنباء المقرّبة منه، أنه أنجز “مهمته التاريخية” و”أوصل القضية الكردية إلى نقطة الحل عن طريق السياسة الديمقراطية”.

إلا أن الصدى الأكبر لهذا الإعلان لم يكن في تركيا أو شمال العراق، بل في شمال شرقي سوريا، حيث تنتشر قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، القوة التي شُكلت برعاية أميركية لمحاربة تنظيم “داعش”، لكنها وُصمت مراراً خصوصاً من قبل أنقرة بأنها “امتداد سوري” لحزب العمال الكردستاني. هذا الاتهام الذي ظل يلاحق قسد منذ تأسيسها عام 2015، شكّل عائقاً كبيراً أمام قبولها كجزء من أي حل سياسي شامل في سوريا، لا سيما بعد سقوط النظام وتشكيل إدارة انتقالية جديدة في دمشق تسعى لفرض سيادتها على كامل الجغرافيا السورية.

 ومع إعلان الحزب الأم حل نفسه يبرز سؤال محوري: هل يُفتح الباب أمام إعادة تعريف قسد كقوة عسكرية وسياسية سورية خالصة منزوعة الصبغة الأيديولوجية العابرة للحدود؟ وهل يشكّل هذا التطور مدخلاً لشرعنتها في الداخل السوري ومنحها دوراً في مستقبل البلاد، أم أن إرثها التنظيمي العميق وعلاقاتها المعقدة مع قيادات العمال الكردستاني سيظل عقبة يصعب تجاوزها حتى لو اختفى الحزب شكلياً من المشهد؟

قسد وضرورة مراجعة الإيديولوجية

رغم المساعي السياسية والإعلامية التي تبذلها “قوات سوريا الديمقراطية” لتقديم نفسها كقوة سورية محلية ذات طابع تعددي، لكن في العمق لا تزال البنية الفكرية والتنظيمية لقسد ترتكز على مرجعية واحدة، هي فكر عبد الله أوجلان، الزعيم المؤسس لحزب العمال الكردستاني، وصاحب النظرية التي تُعرَف باسم “الأمة الديمقراطية”، والتي تتبناها الإدارة الذاتية بشكل رسمي.

ينعكس هذا الارتباط الفكري بعقيدة “العمال الكردستاني” في البنية الإدارية والسياسية والعسكرية؛ فالمحتوى التعليمي الذي يدرّس في مدارس الإدارة الذاتية يتضمن مفاهيم ونصوصاً مستمدة من فكر عبد الله أوجلان، إضافة إلى أن اللغة الإعلامية والسياسية التي تتبناها قسد وإدارتها الذاتية لا تزال تعكس بوضوح تأثيرات الخطاب السياسي للعمال الكردستاني.

أما الناحية الأهم فهي العلاقة والامتداد في بنية القيادة والقرار، فالكثير من القيادات العسكرية في قسد ينحدرون من خلفية حزب العمال الكردستاني، أو تلقوا تدريبهم في معسكرات قنديل، كما أن القوى العسكرية الضاربة في قسد هي حزب الاتحاد الديمقراطي، وذراعه العسكرية “وحدات حماية الشعب الكردية” الذي تأسّس في العام 2003 على اعتباره نسخة سورية من حزب العمال. 

ورغم أهمية الحديث عن حل حزب العمال الكردستاني كخطوة سياسية قد تُفتح بها نوافذ تفاهم مع أطراف إقليمية مثل تركيا، فإن الإشكال مع قسد لا يكمن فقط في صلاتها التنظيمية مع الحزب، بل في الأساس الفكري الذي تنطلق منه، والذي يحمل هوية تتجاوز الدولة السورية وحدودها.

وبناء عليه يرى مراقبون أن أي مسعى لشرعنة قسد في السياق السوري لا يمكن أن يُبنى على خطوات تجميلية أو إجراءات شكلية، بل يتطلب مراجعة حقيقية للمرجعية الإيديولوجية، وآلية بناء القرار داخل هذه القوات، وهيكلة العلاقة بين السياسي والعسكري فيها.

تفكك العمال الكردستاني.. ونهاية الأذرع العسكرية

يمثل الحديث عن تفكيك حزب العمال الكردستاني نقطة تحوّل مفصلية لا على مستوى تركيا وحدها، بل على امتداد خريطة الانتشار المسلح الكردي في الإقليم. فالحزب مع مرور السنوات لم يعد مجرد كيان محلي، بل تحول إلى شبكة عسكرية متعددة الفروع، تتوزع في سوريا والعراق وإيران، وتحمل العقيدة الإيديولوجية والتنظيمية نفسها.

وبناء يبدو حل الحزب الأم بمنزلة الزلزال السياسي الذي قد يدفع تلقائياً إلى انحلال البُنى المسلحة التابعة له، أو على الأقل إعادة هيكلتها بما يتماشى مع المصلحة الوطنية. وهنا تحديداً تدخل قوات سوريا الديمقراطية على خط التأثر المباشر، ففي ظل ما يشهده المشهد السوري من محاولات لبناء شرعية جديدة على أسس وطنية، فإن تخلّي قسد عن جناحها العسكري المتمثل في وحدات حماية الشعب الكردية  YPG أو فصله عن هيكلها السياسي، سيكون بمنزلة خطوة حاسمة نحو شرعنتها.

وفي هذا السياق يرى الباحث في مركز الشرق الاستراتيجي محمد أمين جنكيز أنه بناء على قرار العمال الكردستاني حل نفسه فإن قوات “قسد” باتت الآن قادرة على التحرر من وصاية قنديل، ولديها فرصة حقيقية للتحول بحيث تصبح قوة سورية خالصة، لا جناحاً سورياً لحزب العمال الكردستاني، مما يمهد الطريق أمامها للحصول على الشرعية الوطنية.

ويرى جنكيز أن قرار الحل، إضافة إلى التغييرات الإقليمية والدولية تشير إلى أن الوجود الأميركي في سوريا لن يدوم إلى الأبد، ما يعني أن قوات سوريا الديمقراطية مضطرة إلى التوصل إلى تفاهم مع القيادة الجديدة في دمشق، ودمج مؤسساتها العسكرية والإدارية ضمن الإدارة السورية الجديدة، لا أن تبقى فرعاً لتنظيم إرهابي عابر للحدود.

ويشار إلى أنه إضافة إلى قوات “قسد” يوجد العديد من التنظيمات المنبثقة عن العمال الكردستاني في الإقليم منها “قوات الدفاع الشعبي” (HPG) في العراق، وجماعة “بيجاك” (PJAK) في إيران.

نهاية الأسباب التركية وفتح باب شرعية قسد

لطالما استخدمت تركيا العلاقة التنظيمية والإيديولوجية بين “قوات سوريا الديمقراطية” وحزب العمال الكردستاني كذريعة رئيسية لتبرير تدخلاتها العسكرية المتكررة شمال شرقي سوريا، مستندة إلى تصنيف دولي للـعمال الكردستاني كتنظيم إرهابي، إلا أن تفكيك الكيان الأم قد يسحب هذه الذريعة من يد أنقرة، ويضعها أمام واقع سياسي جديد، خاصة إذا رافق ذلك خطوات من قسد لتفكيك جناحها العسكري أو إعادة صياغة هويتها السياسية.

مثل هذا التحول يراه مراقبون أن من شأنه ليس فقط أن يقلل من مبررات الهجمات التركية، بل أن يخلق بيئة سياسية جديدة قد تفتح الباب أمام دمج قسد كتيار سياسي ضمن المشروع الوطني السوري. لا سيما في ظل التقارب بين دمشق الجديدة وأنقرة، وتطابق في أولويات الأمن الإقليمي ومحاربة الإرهاب.

من ناحيته يعتقد الباحث الكردي أسامة شيخ علي أنه مع حل حزب العمال الكردستاني انتفى هذا السبب الرئيسي لاستهداف تركيا قيادات وكوادر قسد، والمتعلق بتصنيفهم على قوائم الإرهاب التركية بسبب ارتباطهم بالتنظيم الأم في جبال قنديل.

وبالنسبة لمصير هؤلاء الكوادر المرتبطين بالعمال الكردستاني يوضح شيخ علي في حديثه لموقع تلفزيون سوريا أنه سيتم التعامل معهم بناء على المباحثات القائمة بين الحكومة التركية والحزب؛ بمعنى سيتم تسوية أوضاع العناصر التركية، أما السوريون المنتمون إلى الحزب فسيبقون في سوريا ضمن تسوية تتفق عليها قسد مع الحكومة في دمشق.

من جانبه يتوقع الباحث جنكيز أنه إذا سارت عملية السلام بين أنقرة وحزب العمال الكردستاني بسلاسة، فمن المرجح أن تتراجع حدة التوتر بين تركيا وقوات سوريا الديمقراطية تدريجياً، لا سيما أن اتفاق الرئيس الشرع ـ عبدي أسهم بشكل كبير في تراجع التهديدات التركية ضد قسد في الآونة الأخيرة، وهذا كله يشكل خطوة أساسية في الطريق إلى شرعنة وجود قسد على الأراضي السورية.

وكانت صحيفة حرييت التركية ذكرت في تقرير عن مصير المقاتلين في حزب العمال الكردستاني بعد إعلانه حل نفسه أن أنقرة تتوقع أن تكون العملية في الميدان السوري تطبيقاً للاتفاق المكون من 8 مواد الذي وقعته “قوات سوريا الديمقراطية” وحكومة دمشق، وأضافت الصحيفة أن تركيا وحكومة دمشق ستظلان مصممتين على الحفاظ على وحدة الأراضي السورية وعدم السماح بوجود نظام فيدرالي أو مستقل.

قسد من العسكرة إلى السياسة

تشير معطيات ميدانية وسياسية متطابقة إلى أن “قوات سوريا الديمقراطية” بدأت بإعادة تموضع داخلي قد يُفضي إلى تحوّل في طبيعة دورها من كيان عسكري إلى طرف سياسي، كشرط للبقاء في المشهد السوري الجديد الذي يتجه نحو تسويات سياسية تتطلب أطرافاً مدنية قابلة للدمج لا تنظيمات مسلحة مرتبطة بصراعات إقليمية، إضافة إلى ما تمثله خطوة إعلان حزب العمال حل نفسه من تفكك في المرجعية الإيديولوجية لقسد بشكل عام.

وعن إمكانية تحول قسد إلى حزب سياسي يعتقد الباحث شيخ علي أن المرحلة المقبلة ستشهد نشاطاً سياسياً أكبر لحزب الاتحاد الديمقراطي (الجناح العسكري لقسد)، خصوصاً أنه تخلص من أعباء الارتباط بالإرهاب من جهة، ومن جهة أخرى فإن حزب العمال له موارد مالية ضخمة قد يسهم حصول “الاتحاد الديمقراطي” على جزء منها في بناء قاعدة شعبية تساعده للعمل ضمن الفضاء السوري العام من دون الانغلاق في الحيز الكردي فقط.

ويرى شيخ علي أنه إذا تضمن الدستور السوري المقبل الاعتراف بالوجود الكردي في سوريا، وتوسيع صلاحيات البلديات المحلية للمناطق ذات الأغلبية الكردية، فإن ذلك سيعطي مؤشر جيد للحركة السياسية الكردية وبالتحديد لحزب الاتحاد الديمقراطي للانطلاق بشكل أكبر لينطلق في الفضاء السياسي السوري.

من ناحيته لا يعتقد الباحث بمركز رامار للدراسات بدر ملا رشيد أن تتحول قسد إلى جناح سياسي بهذه السرعة، ولكنه يتوقع أن يقوم حزب الاتحاد الديمقراطي بحل نفسه، أو الإبقاء عليه مع التركيز على أحزاب أخرى مثل حزب سوريا المستقبل لتنخرط في العملية السياسية الوطنية السورية.

ويرى ملا رشيد في حديثه لموقع تلفزيون سوريا أن قرار العمال الكردستاني سيسهم في دمج أو إعادة هيكلة عسكرية جديدة في لـ”قسد” ضمن وزارة الدفاع السورية، إذ ستتخلص من عبء وجود كوادر ذات نفوذ وقرار ضمن هيكليتها، مما سيعطي أريحية للحكومة السورية في التعامل مع قسد على أسس وطنية.

وكانت “الإدارة الذاتية” في شمال شرقي سوريا أصدرت بياناً 13 من أيار، تعليقاً على حل الحزب قالت فيه: إن مشروع عبد الله أوجلان يُعد “حلاً جذرياً” لمعضلة الشرق الأوسط.

واعتبرت أن مشروع أوجلان سيكون له تأثير ملموس على الواقع السوري عموماً، وشمال شرقي سوريا بشكل خاص، باعتباره “انطلاقة حقيقية نحو تعزيز السلام الداخلي، وترسيخ مفهوم التعايش المشترك بين مختلف المكونات”.

تلفزيون سوريا

——————-

كرد سوريا يرحّبون برفع العقوبات: مدخل لعملية سياسية وفق القرار 2254 ولا بد من تعديل الإعلان الدستوري/ جانبلات شكاي

رحب الجناحان الرئيسيان للقوى الكردية الناشطة في شمال شرق سوريا، «قسد» و«المجلس الوطني الكردي»، بقرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب برفع العقوبات عن سوريا.

و اعتبر ممثل الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا الى دول الخليج العربي سيهانوك ديبو أن الأمر سينعكس إيجابا على عموم سوريا بما فيها طبيعة العلاقة بين واشنطن والإدارة الذاتية، موضحاً أن تشديد رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا أحمد الشرع عبر خطابه الأخير على وحدة أراضي الدولة وعدم السماح بتقسيم البلاد «غير موجّه لنا»، مؤكدا أن الحل في سوريا يكمن في دولة لامركزية اتحادية، ومطالبا بحوار وطني جديد، وبتعديل للإعلان الدستوري وبتوسيع للحكومة الحالية. فيما طالب المتحدث الرسمي باسم «المجلس الوطني الكردي» فيصل يوسف، الحكومة في دمشق بالاستفادة من فرصة رفع العقوبات بترسيخ أسس الحكم الرشيد، موضحا أن القرار الأمريكي يشكل مدخلاً لعملية سياسية شاملة وفق روح وجوهر القرار الدولي 2254.

مسارات فاعلة

وقال ديبو رداً على أسئلة «القدس العربي»: «إننا «نقيم إيجاباً قرار الرئيس ترامب إيقاف العقوبات على سوريا، وبالرغم من أن الفرق يُذكر بين رفع العقوبات ووقفها أو تجميدها والتي تتجدد كل ستة أشهر، ونعلم أيضاً بأن رفع العقوبات بشكل كلي يلزم تنسيقا بين مؤسسة الرئاسة والكونغرس».

واعتبر الإشارة إلى عودة العلاقات بين واشنطن ودمشق في مرحلتها الانتقالية الحالية «خطوة جيدة وتنعكس إيجاباً على كامل سوريا، ومن المتوقع أن تتجلى بمردود إيجابي على الإدارة الذاتية التي تحظى قواتها «قوات سوريا الديمقراطية- قسد» بعلاقات وثيقة معها لأكثر من عشر سنوات ضد الإرهاب».

وأضاف: «من المهم أن تنعكس عودة العلاقات الثنائية بين دمشق وواشنطن بقوة على العلاقة بين واشنطن والإدارة الذاتية وتنقلها إلى مسارات أكثر فاعلية، سياسية كانت أو غيرها من دون حصرها في المسار العسكري فقط».

وعن أثر المواقف الأمريكية على طبيعة وتطور العلاقة بين الكرد ودمشق، قال ديبو: «من المفترض ألا نسمع من أي جهة كانت، أن قسد» تستقوي بواشنطن الحليفة، ومن المؤكد أننا سنسمع عن تواصل للإدارة الذاتية وانفتاحها مع مختلف بلدان المنطقة، وسيكون من الجيد أن يحظى طرفا الحل السوري، الإدارة الانتقالية والإدارة الذاتية، اللذان يربطهما اتفاق 10 اذار/ مارس الماضي، بالأصدقاء الإقليميين والدوليين أنفسهم، وكلما كبرت هذه الدوائر، من المفترض أن تصغر مساحات الاختلاف»، مشيراً إلى أن «هذا الشيء ينطبق نوعاً ما على الإدارة الذاتية أيضاً وخاصة في حال استطعنا أن نكوّن علاقات متوازنة مع أنقرة بعد الخطوات المتماسكة البناءة التي اتخذها القائد الكردي عبد الله أوجلان، فذلك أيضاً سيترك تأثيرات إيجابية على العلاقة بيننا وبين دمشق».

وزاد: «تربطنا علاقات مهمة مع أمريكا وفرنسا وعموم التحالف الدولي، وهي علاقات أخذت أبعاداً إنسانية في مقارعتنا ضد «داعش»، ولا نتحدث عن الكرد فقط، إنما عن جميع المكونات السورية في الإدارة الذاتية، من دون أن ننسى الأدوار الإيجابية التي قامت بها واشنطن ومبادرة الجنرال مظلوم عبدي في التقارب الكردي ـ الكردي الذي نجم عنه عقد الكونفرانس الكردي في 26 نيسان/ ابريل الماضي»، موضحاً أن «الحوار الكردي – الكردي، كجزء مهم من الحوار السيادي السوري، كان ناجحاً ومن المفترض أننا في اللحظات الأخيرة من تشكيل وفد كردي مشترك سيتوجه إلى دمشق».

ندعم خطاب الشرع

وعما إن كان تشديد الرئيس الشرع في خطابه الأخير على وحدة البلاد وعدم السماح بالتقسيم موجها إلى الكرد والأصوات المطالبة بالفيدرالية، سواء في الساحل أو محافظة السويداء، قال ديبو: «بخصوص خطاب الرئيس الشرع وتحديداً الجزء المتعلق منه في عدم السماح بتقسيم البلاد والتشديد على وحدة البلاد، نحن على يقين تام بأننا غير معنيين به، وهو غير موجه لنا بالأساس؛ لذلك ندعمه في هذه الجزئية، والجميع يعلم بأن الإدارة الذاتية من أكثر الجهات التي حافظت على السيادة السورية وقدمت في سبيلها نحو 35 ألف شهيد وجريح ومعوق حرب».

وتابع: «نزيد على ذلك أن السوريين كلهم معنيون بإبعاد شبح التقسيم والتفتيت في السويداء وفي الساحل وفي شمال وشرق سوريا، وليس فقط في دمشق، ونعتقد بأن الحل يكمن في تأسيس دولة لامركزية اتحادية على أساس الجغرافية وليس القومي أو الديني، وضمان الحقوق القومية والثقافية وبشكل دستوري من خلال الاتحادية الجغرافية، ومن غير المنصف القول إن الفيدرالية تؤدي إلى التقسيم، بل على العكس فإنها وكل شكل لامركزي، تعد رافعة تعزز مفهوم دولة المواطنة». وعن تعليقه على ما جاء به الرئيس الشرع بأن «سوريا لكل السوريين»، قال: «نقف إلى جانب كل صوت يدعو لأن تكون سوريا لكل السوريين، ونشدد بأنه يجب اتخاذ خطوات فعلية عملية كي لا نكون أمام أقوال فقط، في مقدمتها: مسمى الدولة من دون أي لاحقة قومية أو دينية، لأن سوريا وحدها تشكل بعداً ثقافياً ووحدة تضمن التنوع وحقوق جميع مكوناتها».

وأضاف: «أن التحديات كبيرة جداً ويلزمنا حوار وطني فعلي جديد، ونقبل بالإعلان الدستوري حين يتعدل توافقياً، والحكومة الحالية الانتقالية يجب أن ينالها التوسع أيضاً».

الحكم الرشيد

المتحدث الرسمي باسم «المجلس الوطني الكردي» فيصل يوسف علق بدوره على ما كان الرئيس ترامب قد أعلنه تجاه رفع العقوبات عن سوريا، وقال: «إن قرار ترامب برفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا يُمثّل خطوة إيجابية تصبّ في مصلحة عموم الشعب السوري بعد معاناة طويلة امتدت لسنوات»، مشيراً إلى أن «التجربة أثبتت أن العقوبات، رغم الأهداف التي وُضعت من أجلها واستهدافها للنظام السابق، فقد زادت من معاناة السوريين وفاقمت من أزمتهم الاقتصادية، وهذا ما يستوجب على الحكومة الجديدة الاستفادة من فرصة رفع العقوبات بترسيخ أسس الحكم الرشيد والشفافية والمساءلة وبما يخدم متطلبات المواطنين السوريين ومعالجة معاناتهم اليومية ومختلف القضايا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية».

وبيّن في تصريح خاص لـ«القدس العربي» أنه «وإذ نرحب بأي انفتاح دولي من شأنه التخفيف من معاناة المواطنين، فإننا نؤكد على ضرورة ألا يقتصر هذا الانفتاح على الجانبين الأمني والاقتصادي فحسب، بل أن يكون مدخلاً لعملية سياسية شاملة وفق روح وجوهر القرار الدولي 2254، تُمكّن السوريين من بناء دولتهم المستقبلية على أسس الشراكة الوطنية، وضمان الحقوق المشروعة لكافة مكونات الشعب السوري، وفي مقدمتها الحقوق القومية المشروعة للشعب الكردي».

القضية الكردية

وأكد يوسف أن «المجلس الوطني الكردي» يرى أن «التحولات الجارية في الموقف الأمريكي قد تُسهم في خلق مناخ سياسي أكثر مرونة يتيح إطلاق حوار جدي بين مختلف الأطراف السورية، بما في ذلك الحوار الكردي مع الحكومة الانتقالية في دمشق»، وقال: «نؤكد أن أي حلول سياسية حقيقية لا يمكن أن تكتمل دون إيجاد حل عادل للقضية الكردية، يتجسد في الاعتراف الدستوري بحقوق الشعب الكردي، في إطار سوريا لامركزية، وضمان مشاركته الفاعلة في صياغة مستقبل البلاد على قاعدة المساواة والمواطنة المتساوية». وفيما يتعلق بالجهود الجارية لتشكيل وفد كردي مشترك، للمباشرة بالحوار مع دمشق قال: «إن المجلس الوطني الكردي ووفقا للرؤية الكردية المشتركة حول سوريا وحقوق الشعب الكردي ومن أجل تعزيز فرص نجاح الحوارات المقبلة مع الحكومة الانتقالية في دمشق يعمل من أجل تشكيل وفد كردي مشترك ونتوقع تشكيله بأقرب وقت».

وبشأن ما جاء في خطاب الرئيس الشرع والتشديد على وحدة الأراضي السورية، قال يوسف إن «المجلس الوطني الكردي يجدّد تأكيده على تمسكه بوحدة سوريا، ولم يدع سابقا وراهنا للتقسيم، لكنه يلفت في الوقت ذاته إلى أن هذه الوحدة لا تترسخ إلا إذا بُنيت على العدالة والمساواة، والاعتراف الصريح بحقوق جميع مكوناتها، وفي مقدمتها الشعب الكردي».

وأضاف: «نعتقد بأن مطالب السوريين باللامركزية وصيغ الحكم الديمقراطي المحلي لا تعني بأي حال من الأحوال تقسيم البلاد، بل تعكس إرادة حقيقية في بناء دولة ديمقراطية قائمة على الشراكة الوطنية، وهي مطالب مشروعة تُطرح اليوم من مختلف المناطق السورية»، مشدداً على أن «تجاهل هذه المطالب أو تصويرها على أنها تهديد لوحدة البلاد، لا يخدم الاستقرار الوطني، بل يُعمّق الشروخ المجتمعية، وعليه يدعو المجلس الوطني الكردي إلى إطلاق حوار وطني جامع يُفضي إلى بناء دولة ديمقراطية، تعددية، لامركزية، تحفظ كرامة جميع السوريين وتصون حقوقهم على قدم المساواة».

القدس العربي

———————-

قسد” والحكومة السورية.. حوار معلّق ومسار متعثر رغم الاتفاقات/ خلف معو

19 مايو 2025

في السادس والعشرين من نيسان/أبريل الفائت، عقدت قوى وأحزاب كردية سورية مؤتمرًا في مدينة القامشلي بمحافظة الحسكة تحت عنوان “وحدة الصف والموقف الكردي”، بمشاركة القائد العام لـ”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) مظلوم عبدي، والمجلس الوطني الكردي، وأحزاب الوحدة الوطنية الكردية، إضافةً إلى قوى سياسية وشخصيات كردية من خارج الإطارين السابقين، إلى جانب وفود من أحزاب كردية من إقليم كردستان العراق وتركيا، وضيوف من الخارج.

وعُقد المؤتمر برعاية دولية، استمرارًا للجهود التي تبذلها الولايات المتحدة ودول أخرى عديدة لتقريب وجهات النظر بين القوى الكردية. فمنذ عام 2020، ترعى الولايات المتحدة الأميركية حوارًا بين الأحزاب الكردية المتمثلة بالمجلس الوطني الكردي، وأحزاب الوحدة الوطنية الكردية التي يقودها حزب الاتحاد الديمقراطي، الذي يقود الإدارة الذاتية.

وتكللت المساعي الأميركية مؤخرًا بجهود فرنسية هدفت إلى تحقيق وحدة الموقف الكردي في سوريا، وتشكيل وفد لاحقًا للتفاوض مع الإدارة الانتقالية في سوريا برئاسة أحمد الشرع.

وعملت جهات إقليمية ودولية، في الفترة التي سبقت انعقاد المؤتمر الكردي الأخير، على توحيد الموقف الكردي. وكانت من أبرز هذه الجهات حكومة إقليم كردستان العراق، التي أرسلت موفدًا ممثلًا عن الزعيم الكردي والرئيس السابق للإقليم، مسعود البارزاني، وهو عبد الحميد دربندي، في عدة زيارات إلى شمال شرقي سوريا خلال شهري شباط/فبراير وآذار/مارس 2025.

كما استضافت أربيل، عاصمة إقليم كردستان، قائد “قسد” مظلوم عبدي، الذي التقى بالبارزاني وناقش معه مسألة تشكيل موقف كردي موحد بالتنسيق مع الولايات المتحدة. كما دخلت فرنسا، هي الأخرى، على خط الوساطة بين “قسد” والمجلس الوطني الكردي السوري.

وتبنّى المؤتمر، الذي عُقد برعاية أميركية – فرنسية، مطلب توحيد المناطق الكردية بوصفها وحدة سياسية وإدارية متكاملة ضمن إطار سوريا اتحادية، إلى جانب الإقرار الدستوري بالهوية القومية للشعب الكردي، وضمان حقوقه دستوريًا في إطار سوريا لامركزية ديمقراطية.

وفي أعقاب المؤتمر، أصدرت الرئاسة السورية بيانًا أكدت فيه أن المخرجات تتعارض مع التفاهمات التي توصلت إليها “قسد” مع الحكومة السورية، ورفضت فيها محاولات فرض واقع تقسيمي أو إنشاء كيانات منفصلة.

صراعات وضغوط إقليمية

يقول الأمين العام لـ”حزب اليسار الكردي” في سوريا، محمد موسى، لموقع “الترا سوريا”، إن هناك صراعات ورؤية غير واضحة في البلاد، في إشارة إلى موجة العنف والانتهاكات التي شهدها الساحل السوري، والهجمات الطائفية التي طالت مدينة جرمانا وبلدتي صحنايا وأشرفية صحنايا بريف دمشق، إضافةً إلى محافظة السويداء.

ويضيف أنه، رغم التوافقات التي توصلت إليها دمشق و”قسد”، إلا أنه تم التراجع عنها وتجميدها من جانب الرئيس الشرع، سواء على صعيد المبادئ العامة أو المطالب الفرعية الواردة في الورقة الموقعة، وذلك تحت ضغوط إقليمية، ولا سيما من جانب تركيا، على حد تعبيره.

وبعد أيام من توقيع الاتفاق بين الشرع وعبدي، صادق الرئيس المؤقت على الإعلان الدستوري، الذي لم يتضمن بنود الاتفاق مع قائد “قسد”، وإنما احتفظ بـ”عروبة الدولة”، ودين الرئيس، ومنحه صلاحيات واسعة، ما أثار انتقاد الأحزاب الكردية.

وكان “مجلس سوريا الديمقراطية” (مسد)، الذراع السياسي لـ”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، قد وصف الإعلان الدستوري، عند صدوره، بأنه يتناقض مع الاتفاقات الموقّعة مع الحكومة السورية.

وشدد “مسد” على أن الإعلان الدستوري يمثل تراجعًا عن التفاهمات السابقة، معتبرًا أن المسودة المقترحة تعيد إنتاج الاستبداد بصيغة جديدة، من خلال تكريس الحكم المركزي، ومنح السلطة التنفيذية صلاحيات واسعة.

وفي 12 نيسان/أبريل الفائت، أعلنت “قسد” تشكيل اللجنة الممثلة لشمال شرقي سوريا في الحوار مع دمشق، وفق ما ذكرت في بيان عبر مركزها الإعلامي. وضمت اللجنة كلاً من فوزة يوسف، وعبد حامد المهباش، وأحمد يوسف، وسنحريب برصوم، وسوزدار حاجي. أما المتحدثان باسم اللجنة، فهما مريم إبراهيم وياسر سليمان.

ويشير موسى إلى أن الشرع تراجع أيضًا عن الحوار مع اللجنة التي شكلتها “قسد” من مكونات مناطق شمال شرقي سوريا للحوار مع دمشق، لافتًا إلى أن المرحلة الراهنة عصيبة وغير مستقرة، ولذلك ارتأت القوى الكردية توحيد موقفها ومطالبها في مؤتمر موحد.

في المقابل، يقول عضو اللجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار الكردي في القامشلي، عبد الوهاب خليل، لموقع “الترا سوريا”، إن هناك إجماعًا كرديًا على تشكيل وفد للحوار مع الحكومة السورية، مشيرًا إلى أن موقف الأخيرة يأتي في إطار تحديد سقف للمطالب الكردية للتفاوض عليها.

وأضاف أن موقف دمشق لا يعني إغلاق الطريق أمام الحوار، مشيرًا إلى أن بيان الرئاسة السورية بيّن أنه لا فيدرالية ولا إدارات ذاتية إلا بتوافق وطني، وهو ما يتطلب حوارًا بين السوريين للتوصل إلى اتفاق بشأنها.

ويشدد خليل على أن الخطوة التالية بعد انعقاد المؤتمر هي تشكيل الوفد في وقت قريب، مبينًا أن ممثلي الأحزاب الكردية من مختلف الأطراف والفعاليات المجتمعية سيشاركون في الوفد، الذي سيضم لجانًا قانونية وإعلامية ودبلوماسية. ولفت إلى أن الوفد ليس فقط للحوار مع دمشق، وإنما لبحث القضية الكردية مع كل المكونات السورية، وفي المحافل الدولية أيضًا.

وكانت الوكالة السورية للأنباء “سانا” قد أفادت، منتصف الشهر الفائت، بأن قوات الجيش السوري وإدارة الأمن العام بدأت بالدخول إلى سد تشرين بريف حلب الشرقي لـ”فرض الأمن والاستقرار”، تنفيذًا للاتفاق المبرم مع “قسد”.

وينص الاتفاق على إنشاء قوة عسكرية مشتركة بين “قسد” ودمشق لحماية السد، وانسحاب الفصائل المدعومة من أنقرة، “التي تحاول عرقلة هذا الاتفاق”، من المنطقة.

يأتي ذلك في إطار اتفاق أشمل تم التوصل إليه في آذار/مارس الماضي بين قائد “قسد” مظلوم عبدي، والرئيس السوري أحمد الشرع، وتبعه في الشهر الفائت انسحاب المئات من قوات “قسد” من حيي الشيخ مقصود والأشرفية في مدينة حلب، إضافةً إلى تبادل الأسرى وتنظيم العمل الخدمي في الحيين بالتنسيق مع المؤسسات الحكومية.

وينصّ الاتفاق الذي توصّل إليه الطرفان على دمج المؤسسات المدنية والعسكرية شمال شرقي سوريا بالدولة السورية، بما في ذلك المعابر الحدودية، والمطارات، وحقول النفط.

كما أكد الاتفاق أن “المجتمع الكردي مجتمع أصيل في الدولة السورية”، التي “تضمن حقه في المواطنة وكافة حقوقه الدستورية”، وذلك بالتوازي مع “رفض دعوات التقسيم وخطاب الكراهية ومحاولات بث الفتنة بين كافة مكونات المجتمع السوري”. وبحسب الاتفاق، يتعين على لجان تنفيذية العمل على تطبيقه “بما لا يتجاوز نهاية العام الحالي”.

الترا سوريا

————————–

أنقرة ودمشق تبحثان نزع سلاح “الوحدات الكردية” ودمجها أمنياً

الثلاثاء 2025/05/20

قال مصدر أمني تركي، إن رئيس جهاز الاستخبارات التركية إبراهيم قالن، ناقش مع الرئيس السوري أحمد الشرع، خلال محادثات جرت في سوريا، مسألة تخلي “وحدات حماية الشعب” الكردية عن سلاحها ودمجها ضمن قوات الأمن السورية.

ونقلت وكالة “رويترز” عن المصدر قوله: “جرى بحث تخلي وحدات حماية الشعب عن سلاحها، شأنها شأن المجموعات الأخرى، واندماجها في سوريا الجديدة، بما في ذلك أمن الحدود والمعابر الحدودية”. وتُعد هذه الخطوة، وفق المصدر، جزءاً من التفاهمات الأمنية والسياسية التي يجري العمل على تنفيذها في إطار المرحلة الانتقالية في البلاد.

وتأتي هذه المحادثات بعد أسبوع من اجتماع ثلاثي جمع وزراء خارجية سوريا وتركيا والولايات المتحدة، أكدت خلاله أنقرة أنها تتوقع من “وحدات حماية الشعب”، تنفيذ الاتفاق الموقع مع الحكومة السورية، وتسليم سلاحها.

اتفاق الشرع وعبدي

وكان الشرع، قد وقّع، في 10 آذار/مارس الماضي، اتفاقاً مع قائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) مظلوم عبدي، يقضي بدمج المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال وشرق سوريا ضمن هيكل الدولة السورية.

وينص الاتفاق على وحدة الأراضي السورية ورفض أي مشاريع للتقسيم، ويشمل ثمانية بنود رئيسية، من أبرزها ضمان تمثيل سياسي عادل لجميع السوريين، والاعتراف بالمجتمع الكردي كمكوّن أساسي في الدولة، وضمان حقوقه الدستورية. كما يتضمن الاتفاق وقفاً شاملاً لإطلاق النار، ودمج إدارة المعابر والمطارات وحقول النفط ضمن المؤسسات الرسمية، إضافة إلى ضمان عودة اللاجئين والمهجرين وتأمين الحماية لهم.

تعاون عسكري متزايد

وفي سياق متصل، استقبل وزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة، وفداً من وزارة الدفاع التركية برئاسة المدير العام للدفاع والأمن اللواء إلكاي آلتينداغ، يرافقه السفير التركي في دمشق برهان كور أوغلو.

وجرى خلال اللقاء بحث سبل تعزيز التعاون والتنسيق في عدد من القضايا ذات الاهتمام المشترك بين البلدين، بما يخدم المصالح المتبادلة ويسهم في دعم جهود الأمن والاستقرار في المنطقة، وفق بيان رسمي صادر عن وزارة الدفاع السورية.

اجتماع تركي–أميركي في واشنطن

وفي تطور متزامن، تستضيف العاصمة الأميركية، واشنطن، اجتماعاً لمجموعة العمل التركية–الأميركية بشأن سوريا، برئاسة مشتركة بين نائب وزير الخارجية التركي نوح يلماز، ونائب وزير الخارجية الأميركية كريستوفر لاندو.

ويأتي هذا الاجتماع بعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب، رفع العقوبات المفروضة على سوريا، ويناقش الاجتماع تنفيذ قرار رفع العقوبات، بما في ذلك الجدول الزمني والخطوات العملية، مع التركيز على التنسيق بين وزارات الخزانة والخارجية ومجلس الأمن القومي الأميركي.

كما يتناول سبل التعاون في مكافحة التنظيمات الإرهابية، وعلى رأسها تنظيم “داعش”، ومصير المعسكرات الأميركية في شمال شرق سوريا، إلى جانب آليات التنسيق الثنائي في الملفات السياسية والأمنية والاقتصادية.

المدن

———————

وداعاً للسلاح… فلسطينياً وعربياً وكردياً أيضاً !/ ماجد كيالي

20.05.2025

 يبدو أن خيار الكفاح المسلّح، الذي انتهجته الفصائل الفلسطينية في فلسطين وخارجها، منذ ستّة عقود، و”حزب الله” في لبنان ضدّ إسرائيل، منذ أكثر من أربعة عقود، والذي انتهجه “حزب العمّال الكردستاني” ضدّ تركيا، انتهى وبات في ذمّة التاريخ، وكتجربة للدراسة واستنباط العبر لمن أراد.

حصل ذلك مؤخّراً، مع قرار “حزب العمّال الكردستاني” إلقاء سلاحه، وتخلّيه عن الخيار العسكري، الذي انتهجه منذ أربعة عقود في مواجهة تركيا، ولتكريس وجوده في شمال سوريا طوال العقد الماضي.

ثمّة جملة ظروف وعوامل أسهمت في تغيير “حزب العمّال” لعقيدته، منها الأثمان الباهظة التي دفعها الشعب الكردي، لا سيّما في تركيا، وفشله في تحقيق مكاسب سياسية واضحة للكرد في تركيا، بالقياس مع ما حقّقه كرد العراق بإقامة كيان سياسي لهم، يُضاف إلى ذلك تغيّر الظرف السوري بانهيار نظام الأسد.

 بيد أن العامل الأساسي الذي حسم هذا الأمر، تمثّل بانحسار النفوذ الإقليمي لإيران، وانكشاف هشاشة ادّعائها بالقوّة والقدرة على مواجهة إسرائيل، إضافة إلى خواء أطروحتها عن المقاومة وعن “وحدة الساحات”.

الإحالة على إيران تتعلّق بحقيقة مفادها أن أي عمل مسلّح لا بدّ أن يستند إلى دولة، أو عدّة دول، إذ إنه يستلزم المال والسلاح والذخيرة والخدمات اللوجستية، كما يستلزم الدعم السياسي، وتلك الأمور يتعذّر على أي فصيل، أو قوّة ميليشياوية، فلسطينية أو لبنانية أو سورية أو عراقية أو كردية، تأمينها بإمكاناتها الذاتية، مهما كانت مشروعيتها، ومهما كانت عدالة قضيتها؛ علماً أن “حزب العمّال” كان يستمدّ دعمه منذ قيامه، من نظام الأسد ومن النظام الإيراني.

يُستنتَج من ذلك أن تداعيات “طوفان الأقصى”، التي نجم عنها تقويض نفوذ إيران في بلدان المشرق العربي، وتالياً انهيار الخيار العسكري الدولتي والفصائلي، في مواجهة إسرائيل أو مقاومتها، وصلت عدواها إلى “حزب العمّال الكردستاني” في تركيا، وتالياً في سوريا.

أيضاً، من الواضح أن تلك الخطوة أتت في الطريق ذاته الذي وصلت إليه القوى الأخرى، فحركة “حماس” مثلاً، التي كانت تتحدّث عن زلزلة الأرض تحت أقدام إسرائيل وهزيمتها، باتت تطالب بمجرّد وقف الحرب، مع الاستعداد للتخلّي عن السلطة في غزّة، وعقد هدنة طويلة الأمد مع إسرائيل، بعد حرب الإبادة التي تعرّض لها فلسطينيو قطاع غزّة، حتى إنها وصلت إلى حدّ تسليم السلطة اللبنانية منتسبين من صفوفها، متّهمين بإطلاق صواريخ على إسرائيل من لبنان، وهذا أمر ما كان يمكن أن يحصل قبل عامين.

هذا يشمل “حزب الله” صاحب نظرية، أو صاحب وهم “بيت العنكبوت”، الذي بات يُبدي امتثالاً ملحوظاً للدولة اللبنانية، بعيداً عن ثلاثية “الشعب والجيش والمقاومة”، باستعداده لتسليم السلاح، ووقف أي عمل من أعمال المقاومة ضدّ إسرائيل، وترك الأمر للدولة اللبنانية.

ومعلوم أن الحزب كان توقّف عملياً عن المقاومة منذ 2000 إلى أواخر 2023، أي طوال 23 عاماً، باستثناء العملية التي تمثّلت بخطف جنديين إسرائيليين  في العام 2006، والتي نجم عنها شنّ إسرائيل حرباً مدمرة على لبنان، اضطرّ على إثرها زعيم “حزب الله” حسن نصر الله للتصريح أنه لو كان يعلم أن ردّ إسرائيل على تلك العملية سيكون مدمّراً بهذا الشكل، لما نفّذها، فخلال كلّ تلك السنوات كانت وظيفة “حزب الله” تنحصر في تعزيز مكانته وهيمنته على السلطة في لبنان، كامتداد لنفوذ إيران الإقليمي، إضافة إلى دوره في الدفاع عن نظام الأسد البائد، ومشاركته في قتل السوريين وتشريدهم.

هذه المادّة ليست مراجعة لتاريخ الكفاح المسلّح، وجدواه، وتحوّلاته، ومآلاته، إذ كنت دأبت على الكتابة عن ذلك طوال العقود الثلاثة الماضية، كدراسات ومقالات، بل وخصّصت كتابين لهذا الأمر هما: “نقاش السلاح قراءة نقدية في إشكاليات التجربة الوطنية الفلسطينية”  الصادر في عام 2020، و”من نفق عيلبون إلى طوفان الأقصى… نقاش في المسيرة التراجيدية للحركة الوطنية الفلسطينية” الذي صدر هذا العام.

القصد أن الكفاح المسلّح في هذه المنطقة بات بمثابة قصّة من الماضي، مع كلّ ما تضمنته من مآسي، لأسباب عديدة، من ضمنها أولا: التعب أو الاستنزاف، الذي تعرّضت له طوال العقود الماضية المجتمعات المعنّية، فلسطينية ولبنانية وسورية وعراقية، وأيضاً هذا يشمل مجتمعات الكرد في تركيا والعراق وسوريا، وكلّهم وصلوا إلى طرق مسدودة.

ثانياً: إن مصادر، أو أصول، أو وسائل الكفاح المسلّح لم تعد متوفّرة، بخاصّة بعد انكشاف هشاشة أو وهم “وحدة الساحات”، وانهيار النظام السوري، وحرص إيران على النأي بنفسها عن التورّط في أي مواجهة عسكرية، وتبعاً لذلك فقد بات من المتعذّر توظيف أذرع ميليشياوية تشتغل لصالح أجندة هذا النظام أو ذاك.

ثالثا: حصل ذلك أيضاً، بسبب تغوّل إسرائيل المدعومة أميركياً، وبانكشاف بلدان المشرق العربي أمام عدوانيتها المتوحّشة، إذ باتت تضرب أي هدف أو شخص لمجرّد اعتقادها بأنه قد يهدّدها في فلسطين وسوريا ولبنان، وحتى في اليمن وإيران؛ من دون أن يستطيع أحد الردّ عليها بالشكل المناسب.

رابعا: تبيّن من التجربة المديدة والمرّة والمؤلمة، أن القضايا المحقّة والعادلة لا تعطي صكاً مفتوحاً يبيح لأصحابها انتهاج كلّ الخيارات، من دون دراسة، بخاصّة إذا كانت الكلفة أكثر بما لا يقاس من المردود، علماً أن خيار الكفاح المسلّح هو أحد الخيارات الكفاحية، لكنّ انتهاجه يفترض أن يخضع لشروط معيّنة، ذاتية وموضوعية، ضمنها قدرة الشعب على التحمّل، والقدرة على تحقيق إنجازات سياسية، ووجود ظرف داخلي وخارجي يمكّن من استثمار هذا الشكل الكفاحي في إنجازات سياسية.

وفي التجربة التاريخية فإن الخيار العسكري الدولتي في الصراع ضدّ إسرائيل انتهى مع حرب 1973، وانتهت معه فكرة، أو ادّعاء أن “فلسطين القضيّة المركزية للعالم العربي”، ومع اعتراف الأنظمة بوجود إسرائيل والتسوية معها وفقاً للمبادرة العربية “الأرض مقابل السلام” في قمّة بيروت 2002.

بيد أن ذلك الخيار استمرّ بشكله اللا دولتي مع الحركة الوطنية الفلسطينية، لكنه انتهى عملياً من الخارج، بعد اجتياح لبنان في عام 1982، ثم استمرّ بعدها من الداخل، إبّان الانتفاضة الثانية من 2000 إلى 2004، وعبر الحرب الصاروخية إثر هيمنة “حماس” على غزّة منذ 2007.

أيضاً فقد استمرّ الشكل اللا دولتي في المقاومة مع “حزب الله” في لبنان، لكنّ ذلك توقّف عملياً بعد انسحاب إسرائيل الأحادي من جنوب لبنان في عام 2000، باستثناء لحظة خطف جنديين إسرائيليين التي استجرّت حرباً إسرائيلية وحشية ومدمّرة على لبنان في عام 2006، كما قدّمنا، ثم استؤنفت في ما يسمّى “حرب الإسناد” لغزّة، بعد “الطوفان” أواخر 2023، الأمر الذي أدّى إلى شنّ إسرائيل حرباً طاحنة ضدّ “حزب الله” أدّت إلى تدمير مقدّراته.

في الخلاصة، بعد كلّ تلك التحوّلات، نحن نقف اليوم إزاء لحظة انتهاء، أو انهيار خيار الكفاح المسلّح في مواجهة إسرائيل، مع انتهاء إمكاناته فلسطينياً ولبنانياً وسورياً وإيرانياً؛ وهو ما يشمل الواقع الذي كان وراء قرار “حزب العمّال الكردستاني” بإلقاء السلاح.

المشكلة هنا، أن الانتهاء من خيار الكفاح المسلّح، لدى كلّ الأطراف أتى بالإكراه، وبعد أن انعدمت تقريباً إمكاناته، إذ إن ذلك لم يحصل نتيجة قناعة سياسية بضرورة البحث عن خيارات كفاحية أنسب وأجدى، أو نتيجة وعي بفشل التجربة، أو بسبب المآسي التي نجمت عن ذلك، بمعنى أن المحرّضات العقلانية والأخلاقية لم تكن وراء ذلك المقصد، وهذا دليل آخر على عقم الأطراف التي تبنّت الكفاح المسلّح، وتسبّبت بطريقة إدارتها له بكلّ تلك الأثمان، إذ إن خيار الكفاح المسلّح كان خياراً سلطوياً، أو اشتغل كذلك في المجتمعات المعنّية؛ فلسطينية ولبنانية وكردية، أكثر من اشتغاله ضدّ إسرائيل وغيرها أيضاً.

درج

————————-

==========================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى