الأحداث التي جرت في الساحل السوريالإعلان الدستوري لسوريا 2025الاتفاق بين "قسد" وأحمد الشرعالتدخل الاسرائيلي السافر في سورياالعدالة الانتقاليةالعقوبات الأميركية على سورياتشكيل الحكومة السورية الجديدةسقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوعسياسةعن أشتباكات صحنايا وجرمانالقاء الشرع-ترامب ورفع العقوبات الأمريكية عن سوريا

سوريا حرة إلى الأبد: مقالات وتحليلات 21 أيار 2025

حرية إلى الأبد: كل المقالات والتحليلات والحوارات التي تناولت انتصار الثورة السورية اعتبارا من 08 كانون الأول 2024، ملاحقة يومية دون توقف تجدها في الرابط التالي:

سقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوع

—————————

التطبيل ومراتب أهل السلطة في سوريا/ عمر قدور

الثلاثاء 2025/05/20

قبل ثلاثة أيام أزال الأمن العام لافتة في اللاذقية عليها صورة الشرع، مع عبارة تمجّد “القائد الذي صدق وعده وعهده”. لاحقاً قيل إن صاحب اللافتة كان من موالي الأسد، وتم تناقل ذلك بنوع من التبرؤ مما صار يُسمَّى “التطبيل” للسلطة الجديدة، والتعبير صار دارجاً في الإشارة إلى فئة من الموالاة أُطلقت عليها أولاً تسمية الشبيحة الجدد.

الطريف في الأمر أن عدد المطبِّلين للسلطة (على خلفية إزالة اللافتة) هو كبير جداً على السوشيال ميديا، وأشدّ تأثيراً من وجود تلك القماشة على واجهة مبنى في شارع في اللاذقية. وامتداح نزع اللافتة يجد له سنداً بالمقارنة مع زمن الأسد، حين كان البلد مليئاً بلافتات مشابهة، فضلاً عن التماثيل الموجودة في كل بلدة ومدينة. المقارنة صارت هي السائدة لدى موالي العهد الحالي، ولا ينتبه أصحابها إلى أنهم قبل شهور، وطوال سنوات أو عقود، كانوا يقارنون ما هو موجود لدى سلطة الأسد بما هو متوفر في الغرب من حريات وسواها، أي أنهم انقلبوا على مرجعية المقارنة إذ جعلوا أدنى عهود سوريا معياراً.

والواقع، أن صاحب اللافتة المُزالة ليس وحده من إرث الأسدية، فالذين بالغوا في امتداح الإزالة هم من التركة ذاتها، إذ لا يصعب مع قليل من التدقيق الانتباهُ إلى أنهم من أرومة الموالاة التي هي صناعة الزمن الأسدي. ففي سوريا ما بعد الاستقلال لم تكن فكرة الولاء حاضرة قبل انقلاب حافظ الأسد، وماكينته هي التي واظبت على اصطناع الموالين، وعلى استخدام كلمة الولاء (مباشرة وبلا مواربة) بمعنى أنه مبايعة غير مشروطة له، مع التنويه بشيوع كلمة المبايعة أيضاً.

منذ الأيام الأولى لإسقاط بشار الأسد، تبيّن أن إرثه وإرث أبيه موجودان في نفوس كثر انتقلوا بسرعة شديدة إلى موالاة السلطة الحالية، بعدما كانوا من موقع الثورة ضد هيئة تحرير الشام وقائدها. الأمر مرة أخرى لا يتعلق بتأييد السلطة، فالتأييد ترتبط دلالته بتقديم الدعم، وهو مرتبط غالباً بموقف ما أو بمجمل الأداء، أي أنه مشروط ضمناً أو علناً. أما الموالاة فهي بموجب دلالتها الشائعة دعمٌ غير مشروط بموقف ما، والولاء للسلطة لا يتضمن مطالبتها بأي التزام لقاء مبايعتها. ثم بعد ذلك يصبح الدفاع عن السلطة بمثابة التزام شخصي، لأن صاحبه يهدف أيضاً للدفاع عن أحقيتها بولائه.

الموالاة طبقات، أدناها المتطوّعون الذين لديهم وهم امتلاك السلطة، من دون أن يكونوا شركاء في أيّ من مستوياتها. لكنهم جمهورها العريض الذي يُراهَن عليه، بينما يتولى تسيير دفته مستفيدون فعليون من السلطة، أو شبيحة أو مطبِّلون لها. هذا ما كان عليه الحال خلال عقود، وعلى صعيد التسميات برزت في عهد بشار تسمية المنحبكجي، وهي خلاصة عبادة الفرد، حيث صارت العلاقة المعلنة بالسلطة يُعبَّر عنها عاطفياً لا سياسياً.

الذي رفع اللافتة في اللاذقية هو أقرب ليكون منحبكجياً، إلا أنه يعبّر عن مجموعة واسعة من المنحبكجية الجدد الذين استلهموا تجربة القدامى مع المزايدة عليها بابتكار مبالغات جديدة. عالم السوشيال ميديا مليء بمظاهر تقديس الفرد المنصرفة إلى الرئيس الجديد، ويُعلى من شأن التقديس بالقول إنه طوعي وناجم عن محبة حقيقية، وليس على غرار منحبكجية آل الأسد. وإذا كان يصعب لوم السلطة على ما يحدث في عالم السوشيال ميديا، أي خارج سيطرتها، فإن بعض كبار المنحبكجية والمطبِّلين لها على وسائل التواصل يحظون بالقرب منها، وهم في واجهتها الإعلامية، بحيث لا يمكن القول إنهم يتصرفون ضد ما تريده حقاً، بما فيه التناقض بين الخطاب الرسمي المعتمد والخطاب الطائفي الذي يقدّمه هؤلاء على حساباتهم الخاصة.

على مدار الساعة، يمدح الموالون الجدد السلطة، ومهما فعلتْ، وهم يسبقونها فقط عندما يكون ثمة ما يحتاج للتبرير، فيتطوعون بتقديم مبررات لا يندر أن تدحضها تصريحات رسمية لاحقاً. في مثال طازج، تطوع الموالون في اختراع مختلف أنواع المبررات التي تعفي السلطة من المسؤولية عن نقل ما يتعلق بالجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين من سوريا إلى تل أبيب، ومن ذلك القول أن العملية حدثت منذ سنوات، في حين صمتت السلطة نهائياً عن الموضوع رغم حساسيته. والذين قدّموا المبررات هم أنفسهم مستعدّون لتبنّي ما قد يُقدَّم رسمياً، وبلا مراجعة لما قالوه من قبل.

بخلاف حالة التبرير، يتخلّف الموالون عموماً عن السلطة، وهم يستخدمون التعبير الدقيق إذ يقولون إنهم خلف قيادتها. هذا فرق أساسي بين المؤيِّد والموالي، فالأول قد يسعى ليكون إلى جوار السلطة، وشريكاً لها في التفكير، أو حتى سبّاقاً عليها. أما الموالي فهو ينتظر ما يصدر عنها، ليمتدحها على أي حال. أيضاً، ثمة إرث أسدي، في اللغة وفي التفكير والسلوك، عندما يكون الموالي خلف سلطته، فهو بالتأكيد لن يرى ما تراه، ولن يكون نقدياً. اللغة ذاتها تطل من أقوال رسمية لمسؤولين يقولون إنهم خلف القيادة، أو لوزراء يكررون الكلام عن العمل بتوجيهات الرئيس، وهذا تعبير موروث أيضاً، ويعزز فكرة التراتبية على حساب التشارك ضمن الحكومة ذاتها. التراتبية التي تعني وجود مركز وهامش ضمن السلطة يعرفها السوريون جيداً منذ انقلاب البعث، إلا أن حكم الأسد رسّخها، واليوم سريعاً صار يُحكى عن الذين يمثّلون مركز القوة الجديد.

لم يكن الكلام عن ظاهرة “التطبيل” ليزداد لولا تفاقم الظاهرة، بينما المنغمسون فيها يواصلون اختراع أسباب المديح وكأنهم في سكرة لا صحو بعدها. فإذا توقف وزير بسيارته عند إشارة مرور فهذا خبر يُتداول كأنه لا يحدث إلا في سوريا، وإذا صرف وزير مكافأة مالية جيدة لموظف فهو خبر آخر عن النقلة الهائلة التي حدثت في البلد، فتتجه الأنظار إلى الوزير لا إلى الموظف الذي يستحق عن جدارة! وإذا ساعد شرطي مرور رجلاً بكرسي متحرك كي يعبر الشارع فهي معجزة للعهد الحالي، وكأن شرطة المرور من قبل كانوا جلادين، وليس بينهم من تدفعه المروءة لمساعدة عابر سبيل.

الموالون بدرجاتهم لا ينظرون إلى أداء السلطة، وإلى ما يرونه إيجابيات، على أنهما من واجباتها. الموالون أسرى أيضاً للإرث الأسدي الذي رسّخ مفهوم “المكرمة”، حيث صار أداء السلطة لأدنى واجباتها مكرمة تُشكر عليها وتُمدح لأجلها. وأهم إضافة على الإرث الأسدي هي مقارنة الحكم الحالي بالصورة المعروفة عن التيار السلفي، ثم امتداحه على كل لفتة اعتدال وكأنها مكرمة منه، لا بوصفها واجباً من موجبات السلطة.

تشبيه مراتب أهل السلطة بما كانت عليه في عهد الأسد لا يدخل في باب البلاغة، فهي مراتب استغرق تكريسها عقوداً، والحكم الحالي ورثها وإن حدث تبادل للأدوار. الإفلات من الترسيمة الأسدية قد لا يكون سهلاً، لكنه ليس صعباً متى وجِدت القناعة الحقيقية بالتخلص من الأسدية. وإذا كان تجريم رموز الأسدية قد وجد طريقه إلى الإعلان الدستوري فمن الجيد أن ينتبه الموالون الجدد إلى أنهم يعيدون إنتاج ما زعموا معاداته، فالأسدية لم تكن فقط مجرد مجازر واعتقالات وتهجير، إنها أيضاً هذه المراتب وطبقات الولاء، وهذا الطبل الذي يصمّ الآذان والعقول.

—————————

 العقوبات الأوروبية على سوريا: من فرضها على النظام المخلوع إلى رفعها الكامل

2025.05.20

في آذار 2011 اندلعت الثورة السورية التي قوبلت بقمع عنيف من قبل النظام ضد المحتجين، ما دفع الاتحاد الأوروبي إلى فرض أول حزمة عقوبات في 9 أيار/مايو 2011 مستهدفًا المسؤولين عن العنف ضد المدنيين.

شملت الإجراءات الأولى حظرا على تصدير الأسلحة ومعدات القمع الداخلي إلى سوريا، بالإضافة إلى قيود على سفر الشخصيات الضالعة في القمع وتجميد أصولها المالية وجاء في القرار الأوروبي أن هذه العقوبات «لا تستهدف الشعب السوري، بل تهدف إلى حرمان النظام من الموارد المالية والدعم الذي يمكّنه من مواصلة القمع».

وقد أكدت الممثلة العليا للاتحاد حينها كاثرين آشتون أن الخطوة جاءت نتيجة «لحملة النظام السورية المروعة ضد شعبه».

بعد أيام من الحزمة الأولى، وسّع مجلس الاتحاد الأوروبي في 23 أيار/مايو 2011 قائمة العقوبات لتشمل مزيدًا من المسؤولين، من ضمنهم الرئيس المخلوع بشار الأسد ودائرة المقربين منه. وهكذا بات الأسد نفسه خاضعًا لحظر السفر وتجميد الأصول منذ مايو/أيار 2011.

وبذلك وجّه الاتحاد الأوروبي رسالة واضحة بأنه يحمّل رأس النظام والمسؤولين عن القمع مسؤولية مباشرة.

استمرت الاحتجاجات واتسع نطاق قمع النظام خلال عام 2011، مما دفع الاتحاد الأوروبي إلى سلسلة إجراءات تصعيدية إضافية خلال الأشهر اللاحقة.

توسيع وتشديد العقوبات (2011–2012)

مع تفاقم العنف، وسّع الاتحاد الأوروبي نطاق العقوبات بشكل ملحوظ. في أيلول/سبتمبر 2011، قرر المجلس الأوروبي توسيع معايير الإدراج على قائمة العقوبات لتشمل أيضًا الأشخاص والكيانات المستفيدة من النظام أو الداعمة له. كما فرض في الشهر نفسه حظرًا على استيراد النفط الخام والمشتقات النفطية السورية إلى دول الاتحاد، إلى جانب منع نقل النفط من سوريا بواسطة الشركات الأوروبية. وشملت القرارات أيضًا حظر تقديم أي خدمات مالية أو تأمينية تتعلق بتجارة النفط مع سوريا، وذلك في محاولة لحرمان النظام من عائدات النفط التي تشكّل مصدرًا حيويًا لتمويل حملته القمعية. وقد أدى هذا القرار فعليًا إلى وقف صادرات النفط السورية إلى أوروبا تمامًا، حيث كانت دول الاتحاد من أبرز مستوردي النفط السوري قبل الحرب.

بحلول أواخر 2011، استمر الاتحاد في إحكام الخناق الاقتصادي والدبلوماسي على النظام. في 14 تشرين الثاني/نوفمبر 2011، تم حظر استثمارات بنك الاستثمار الأوروبي (EIB) في مشاريع بسوريا، وتعليق الاتفاقيات التمويلية القائمة مع الحكومة السورية. تبع ذلك في 1 كانون الأول/ديسمبر 2011 اعتماد القرار 2011/782/CFSP الذي دمج وأعاد تنظيم كافة التدابير التقييدية المفروضة حتى ذلك التاريخ، بحيث أصبح الإطار القانوني للعقوبات أكثر شمولًا ووضوحًا. وفي مطلع العام 2012، أصدر المجلس اللائحة (EU) رقم 36/2012 التي حلّت مكان اللوائح السابقة ووضعت جميع العقوبات في نص موحّد.

خلال عام 2012، واصل الاتحاد الأوروبي تشديد العقوبات بالتوازي مع استمرار الصراع. في فبراير 2012 فُرض تجميد لأصول البنك المركزي السوري لدى أوروبا ومنع التعامل معه، بهدف عزل النظام ماليًا. كما تم حظر رحلات الشحن الجوي التابعة للخطوط السورية إلى مطارات الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى حظر تصدير الذهب والمعادن الثمينة من وإلى المؤسسات الحكومية السورية. في ربيع 2012، استهدف الاتحاد الأوروبي أيضًا أسرة الأسد والمقربين ضمن مساعيه للضغط على الدائرة الضيقة للنظام؛ فقد أُدرجت أسماء أسماء الأسد زوجة الرئيس المخلوع، ووالدته أنيسة مخلوف، وأخته بشرى الأسد، وعدد من أفراد عائلة مخلوف (أخوال الرئيس) على قائمة العقوبات في آذار/مارس 2012. وشمل ذلك حظر سفرهم وتجميد أموالهم داخل أوروبا. أوضح دبلوماسي أوروبي آنذاك أن العقوبات طالت «كامل العائلة» الحاكمة، في إشارة إلى السعي لمنع النخبة الحاكمة في النظام من التمتع بأسلوب حياة فخم في الوقت الذي تعاني فيه البلاد من النزاع. كما استُهدفت شبكات رجال الأعمال المرتبطة بالنظام، حيث أضيفت شركات سورية وشخصيات أعمال تموّل النظام أو تستفيد منه، لضمان عدم قدرتهم على الالتفاف على العقوبات.

بنهاية 2012، كانت حزمة العقوبات الأوروبية قد أصبحت واحدة من أشمل أنظمة العقوبات التي يفرضها الاتحاد على بلد ما. ووفق مصادر دبلوماسية، وصلت القائمة السوداء بحلول منتصف 2012 إلى 126 شخصًا و41 كيانًا سوريًا محظورين أوروبيًا. وتضمنت القائمة معظم أركان النظام الأمني والعسكري السوري، وأفراد عائلة الأسد والمقربين، إلى جانب شركات حكومية وخاصة مساهمة في تمويل النظام. وقد مهّد هذا التشديد الشامل الطريق أمام إطار قانوني موحّد اعتمده المجلس لاحقًا في عام 2013.

استمرار العقوبات وتطوير الإطار (2013–2020)

بحلول أيار/مايو 2013، قام الاتحاد الأوروبي بإعادة هيكلة نظام العقوبات على سوريا لضمان استمراريته وفعاليته على المدى الطويل. أصدر المجلس في 31 مايو 2013 القرار 2013/255/CFSP الذي جمع كافة التدابير التقييدية في وثيقة واحدة ، وأصبح الأساس القانوني لسياسة العقوبات على سوريا في السنوات التالية. تزامن ذلك مع توسيع قائمة المستهدفين لتشمل مزيدًا من الشخصيات العسكرية والأمنية، والعلماء المشاركين في برامج التسلح الكيميائي، والممولين المحليين والأجانب للنظام. وقد ظل تحديث القائمة وإضافة أسماء جديدة يجري بانتظام مع كل تطور على الأرض؛ فمع كل تعديل وزاري أو تغيير في مناصب قيادية في النظام، يُسارع الاتحاد إلى إدراج الوزراء والمسؤولين الجدد إذا تبيّن استمرارهم على نهج القمع. على سبيل المثال، في مطلع عام 2019 أضاف المجلس 11 رجل أعمال و5 شركات على صلة بمشاريع عقارية فاخرة يدعمها النظام ، مشيرًا إلى أنهم «يدعمون النظام أو يستفيدون منه». وبإضافة هؤلاء بلغ إجمالي المستهدفين آنذاك 270 شخصًا و72 كيانًا قيد العقوبات.

شهدت الفترة 2013–2014 تطورات خطيرة في الصراع السوري، أبرزها استخدام الأسلحة الكيميائية. وبعد هجوم الغوطة الكيماوي في آب/أغسطس 2013، دعم الاتحاد الأوروبي جهود منظمة حظر الأسلحة الكيميائية لتفكيك الترسانة السورية، وأجرى «تعديلات تقنية» على نظام عقوباته في ديسمبر 2013 للسماح بتمويل عمليات إتلاف الأسلحة الكيميائية دون خرق العقوبات. في الوقت نفسه، استمر الاتحاد بإدانة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان واستهداف المستشفيات والمدنيين، محمّلًا النظام «المسؤولية الأساسية عن الكارثة الإنسانية ومعاناة الشعب السوري». هذه المواقف السياسية الثابتة بررت استمرار وتجديد العقوبات سنويًا. فعلى مدى العقد، اعتاد مجلس الاتحاد الأوروبي أن يجدد سريان العقوبات كل سنة في مايو/أيار، بعد مراجعة الوضع الميداني والإنساني. وجاءت بيانات التجديد السنوية لتؤكد أن «غياب أي تحسّن في سلوك النظام واستمرار القمع» يجعل من الضروري إبقاء العقوبات. وقد صدر قرار المجلس مثلًا في 28 أيار/مايو 2020 بتمديد العقوبات عامًا آخر «نظرًا لاستمرار تعرض المدنيين لانتهاكات جسيمة». وبحلول 2022، ورغم تغير المشهد الميداني لصالح النظام، شدّد الاتحاد أنه لا يرى بديلًا عن الحل السياسي وفق قرار مجلس الأمن 2254، وأنه سيواصل سياسة الضغط والعزلة حتى تحقيق انتقال حقيقي

على الصعيد الاقتصادي، أظهرت العقوبات تأثيرًا واضحًا على قدرة النظام التمويلية. فقد تضمنت الإجراءات حظرًا نفطيًا كاملًا (أوقف تصدير قرابة 90% من النفط السوري إلى أوروبا، وحظر الاستثمار في قطاع النفط السوري أو تقديم أي دعم تقني فيه، إضافة إلى تجميد أصول المصرف المركزي السوري في دول الاتحاد. كما شملت حظر تصدير التقنيات الحساسة التي يمكن استخدامها للمراقبة أو القمع، مثل أجهزة الاتصالات والتنصت ومنعت العقوبات أيضًا تصدير السلع الكمالية إلى سوريا بهدف ضرب نمط حياة النخبة الحاكمة ولم يغفل الاتحاد عن ملاحقة الشبكات المالية المرتبطة بالنظام، ففرض قيودًا على تحويل الأموال والاستثمارات من قبل رجال أعمال مرتبطين بالأسد. في شباط/فبراير 2022 – على سبيل المثال – أضاف الاتحاد خمسة من أفراد عائلة مخلوف (أخوال الأسد) إلى القائمة السوداء ، مبررًا ذلك برغبته في منع انتقال ثروة رجل الأعمال محمد مخلوف إلى ورثته واستخدامها لتمويل النظام. وقتذاك بلغ عدد المدرجين في القائمة حوالي 292 شخصًا و70 كيانًا.

خلاصة هذه المرحلة أن الاتحاد الأوروبي تمكن من بناء نظام عقوبات صارم وشامل شمل معظم مفاصل النظام السوري وداعميه. وعلى مدار أكثر من عشر سنوات، ظلت بروكسل ملتزمة بموقفها المعلن: لا تطبيع ولا رفع للعقوبات ولا مساهمة في إعادة الإعمار دون انتقال سياسي حقيقي في سوريا وقد تكرس هذا الموقف في بيانات رسمية عديدة، منها خلاصات المجلس الأوروبي في أبريل 2024 التي شددت على «استحالة التطبيع أو رفع العقوبات قبل انخراط النظام بعملية سياسية وفق قرار 2254».

الإعفاءات الإنسانية وتدابير التخفيف

رغم شمولية العقوبات، حرص الاتحاد الأوروبي على تضمين استثناءات تهدف لتفادي الإضرار بالشعب السوري. فمنذ السنوات الأولى، أكدت القرارات أن العقوبات «مصممة لتجنب إعاقة وصول المساعدات الإنسانية». عمليًا، لم تشمل العقوبات حظرًا على صادرات الغذاء والدواء والمعدات الطبية إلى سوريا. كذلك أُدرجت بنود خاصة تتيح منح تراخيص استثنائية للتحويلات المالية أو توريد المواد لغرض إنساني، شريطة عدم استفادة أي شخص مدرج على اللائحة.

في عام 2013، وبعد الاعتراف بـ“الائتلاف الوطني” ممثلًا للمعارضة، سمح الاتحاد الأوروبي بإعفاءات تهدف لدعم المناطق الخارجة عن سيطرة النظام. ففي 22 نيسان/أبريل 2013، قرر المجلس تخفيف حظر النفط بشكل مشروط بهدف مساعدة المعارضة والمدنيين، حيث سُمِح للدول الأعضاء بالترخيص لـاستيراد النفط من مناطق تسيطر عليها المعارضة، وكذلك تصدير معدات نفطية لها واستثمار مشاريع هناك لكن ربط الاتحاد هذه الاستثناءات بالتنسيق مع قيادة المعارضة السورية والتأكد من عدم استفادة النظام منها. وقد جاء في البيان الرسمي آنذاك أن هذه الخطوة تأتي «بهدف مساعدة السكان المدنيين ودعم المعارضة». على المنوال نفسه، أتاحت التعديلات في 2014 إدخال مواد تموينية وطبية بشكل أسهل، عبر إعفاءات إنسانية إضافية من تجميد الأصول.

عقب كارثة الزلزال المدمّر الذي ضرب سوريا وتركيا في 6 شباط/فبراير 2023، سارع الاتحاد الأوروبي إلى توسيع نطاق التسهيلات الإنسانية ضمن العقوبات السورية. فأقر المجلس في 23 فبراير 2023 إعفاءً إنسانيًا شاملاً لمدة ستة أشهر، يتيح تجاوز بعض قيود العقوبات مؤقتًا لتسهيل إيصال مواد الإغاثة والمساعدات الدولية بسرعة إلى المتضررين. وفي تموز/يوليو 2023، مُدّد هذا الإعفاء الإنساني حتى 24 فبراير 2024. ثم قرر المجلس في أيار/مايو 2024 جعل هذا الإعفاء مفتوح المدة ضمن نظام العقوبات. وأكد الاتحاد الأوروبي مرارًا أن عقوباته «لن تعرقل تسليم المساعدات الإنسانية إلى أي منطقة في سوريا» ، مشددًا على استثناء الغذاء والدواء بشكل تام من أي حظر.

أبرز الشخصيات والجهات المشمولة بالعقوبات

طال نظام العقوبات الأوروبي المئات من الأفراد والكيانات السورية على مدار السنوات. وفيما يلي أبرز الفئات والأسماء التي شملتها العقوبات:

رأس النظام وعائلته: الرئيس المخلوع بشار الأسد مُدرج منذ 2011 على قائمة العقوبات، إلى جانب زوجته أسماء الأسد (بريطانية الجنسية) التي أضيفت عام 2012، وكذلك والدته أنيسة مخلوف وشقيقته بشرى الأسد وشقيقه ماهر الأسد قائد الفرقة الرابعة وشملت العقوبات أيضًا أفرادًا آخرين من عائلة الأسد الموسعة مثل أبناء خاله من آل مخلوف.

أركان الحكومة والقيادات الأمنية: جميع رؤساء الأجهزة الأمنية السورية الكبار أُدرجوا على القائمة، منهم مدير المخابرات العامة علي مملوك، ورئيس شعبة الأمن السياسي سابقًا محمد ديب زيتون، ورئيس الاستخبارات العسكرية السابق عبد الفتاح قدسية كما أضيف عشرات الضباط من رتب عليا في الجيش والاستخبارات الذين تورطوا في حملة القمع أو هجمات الأسلحة الكيميائية، مثل جميل حسن مدير مخابرات سلاح الجو، والعميد حسام لوقا وغيرهم. كذلك فُرضت عقوبات على مسؤولين حكوميين بارزين بينهم وزراء الدفاع والداخلية تباعًا، وكل من يشغل منصب وزير النفط أو المالية مثلًا أثناء الحرب. في نوفمبر 2024، أضاف الاتحاد ثلاثة وزراء حاليين (منهم وزير التجارة الداخلية لؤي منجد, ووزير النفط فراس قدور) بسبب استمرار القمع وانتهاكات حقوق الإنسان.

الشبكات المالية ورجال الأعمال: استهدفت العقوبات كبار رجال الأعمال السوريين الذين موّلوا النظام أو استفادوا من الحرب. من أبرزهم ابن خال الرئيس المخلوع رامي مخلوف (رجل الأعمال الأبرز قبل أن يُنحّى عام 2020)، إذ فُرضت عقوبات على شركاته في الاتصالات والعقارات. كما شملت محمد حمشو (رجل أعمال مقرب من النظام) ، وممولين آخرين مثل خضر علي طاهر وبسام القاطرجي (المرتبطة بشحن النفط) وغيرهم. إجمالًا، استُهدف العشرات من رجال الأعمال في قطاعات النفط والإنشاءات والمالية، خاصة أولئك المنخرطين في ما سُمّي «اقتصاد الحرب». وذكر بيان لمجلس الاتحاد الأوروبي في 2022 أن العقوبات تطال «شركات ورجال أعمال بارزين يستفيدون من علاقاتهم بالنظام واقتصاد الحرب».

الجهات والكيانات الرسمية: طالت العقوبات مؤسسات حكومية واقتصادية مختلفة، على رأسها مصرف سوريا المركزي الذي جُمّدت أصوله في أوروبا ، والخطوط الجوية السورية (السورية للطيران) التي مُنعت من الهبوط في مطارات الاتحاد. كما أدرجت عدة مصارف حكومية سورية كالمصرف التجاري والعقاري في فترات مختلفة. شملت العقوبات أيضًا شركات قطاع النفط مثل الشركة السورية للنفط والمؤسسات المشغّلة لحقول النفط ، وشركات الأسلحة والتكنولوجيا كالمركز السوري للبحوث العلمية المسؤول عن برنامج الأسلحة الكيميائية. وكذلك طالت الفرق والشركات العسكرية والأمنية الداعمة للنظام، بما فيها ميليشيات محلية. وامتد الإدراج ليشمل أحيانًا جهات غير سورية تورطت في الصراع، مثل قادة من الحرس الثوري الإيراني الذين ظهر دورهم في دعم النظام ميدانيًا.

أنواع العقوبات الأوروبية المفروضة

تنوّعت طبيعة العقوبات التي طبقها الاتحاد الأوروبي على النظام السوري ضمن مجالات متعددة:

عقوبات دبلوماسية وشخصية: حظر سفر إلى دول الاتحاد الأوروبي على المسؤولين السوريين المدرجين (يشمل ذلك الأسد وعائلته ومعظم وزرائه وكبار ضباطه)، وتجميد أصولهم وأموالهم في المصارف الأوروبية. يُمنع أيضًا على أي شخص أو شركة أوروبية تقديم أموال أو خدمات مالية لهؤلاء المدرجين.

عقوبات مالية ومصرفية: تجميد أصول البنك المركزي السوري لدى الاتحاد الأوروبي ، ومنع التعامل معه أو تمكينه من احتياطي النقد الأجنبي. حظر على المصارف الأوروبية فتح فروع أو إقامة علاقات مراسلة مع المصارف السورية، إلا في نطاق محدود سمحت به الإعفاءات الإنسانية. كما تم حظر بيع أو توريد العملات الورقية السورية (الأوراق النقدية) لمنع طباعة العملة للنظام.

حظر الأسلحة ومعدات الأمن: حظر شامل على تصدير الأسلحة والذخائر إلى سوريا، وكذلك معدات يمكن استخدامها في القمع الداخلي (مثل أدوات المراقبة والاتصالات الأمنية). ويشمل ذلك أيضًا المواد ذات الاستخدام المزدوج التي يمكن أن توظف عسكريًا.

حظر النفط والطاقة: حظر استيراد النفط الخام والمنتجات النفطية السورية إلى دول الاتحاد ، بما في ذلك منع شركات الشحن الأوروبية من نقل النفط السوري إلى أي مكان. منع الاستثمار في قطاع النفط والغاز بسوريا، وحظر تزويد سوريا بمعدات أو تقنيات تخص صناعة النفط والغاز. إضافة إلى حظر تصدير الوقود الجوي للقوات الجوية السورية.

قيود تجارية واقتصادية عامة: حظر تصدير السلع الكمالية إلى سوريا (مثل السيارات الفاخرة والمجوهرات وغيرها) منذ 2012. حظر التجارة بالذهب والمعادن الثمينة مع الجهات الحكومية السورية. منع تقديم التمويل أو التأمين لمشاريع أو صفقات يستفيد منها النظام، مع استثناءات تخضع لموافقة مسبقة في حالات إنسانية. كما علّق الاتحاد برامج التعاون الاقتصادي مع الحكومة السورية (كمشاريع التنمية والمساعدات الثنائية الحكومية) منذ 2011.

حظر النقل والطيران: منع طائرات الشحن السورية من الهبوط في مطارات دول الاتحاد، وتقييد رحلات الركاب التابعة لشركة الطيران السورية. وكذلك حظر تزويد الطائرات السورية بالوقود أو خدمات الصيانة في المطارات الأوروبية.

عقوبات تتعلق بالآثار والثقافة: حظر شراء أو استيراد الآثار والتحف الثقافية التي خرجت بصورة غير مشروعة من سوريا منذ مارس 2011 ، وذلك لمنع الاتجار بآثار سوريا المسروقة خلال الحرب.

تُطبَّق جميع هذه العقوبات عبر لوائح ملزمة قانونيًا لجميع الدول الأعضاء في الاتحاد. وقد أكد المجلس أن هذه الإجراءات تتمتع بمرونة للسماح بالاستثناءات عند الضرورة الإنسانية ، لكن في المجمل شكّلت منظومة عقوبات غير مسبوقة من حيث اتساعها وصرامتها ضد النظام السوري.

سياسة التجديد السنوي والمراجعة الدورية

اعتمد الاتحاد الأوروبي آلية لمراجعة عقوباته على سوريا سنوياً واتخاذ قرار بتمديدها أو تعديلها كل ربيع. فمنذ 2012 دأب مجلس وزراء خارجية الاتحاد على إصدار قرار في أواخر شهر أيار/مايو من كل عام يقضي بتمديد سريان العقوبات لمدة 12 شهرًا إضافية. وجرت العادة أن يصاحب التمديد إجراء تعديلات فنية مثل إضافة أو إزالة بعض الأسماء بحسب المستجدات. فمثلاً، في 31 أيار/مايو 2022 مدّد المجلس العقوبات حتى يونيو 2023 وقرر شطب 3 أشخاص من اللائحة (لتوفّيهم أو تغيّر الظروف)، مما جعل القائمة تشمل 289 شخصًا و70 كيانًا وقتها. وبالمثل في 28 أيار/مايو 2024 مُدّدت العقوبات حتى 1 حزيران/يونيو 2025، مع حذف 6 أسماء (خمسة منهم توفوا). بعد هذا التعديل الأخير ارتفع عدد المُدرجين بسبب إضافات العام 2023 ليبلغ 316 شخصًا و86 كيانًا. وأكد المجلس في بيان التمديد عام 2024 أن «استمرار تدهور الوضع الإنساني وغياب حل سياسي يبرر الإبقاء على العقوبات». كما شدد أن النظام لا يزال «ينتهج سياسة القمع وانتهاك حقوق الإنسان» بحق الشعب السوري.

إلى جانب التمديد المنتظم، أبقى الاتحاد الأوروبي الباب مفتوحًا لمراجعة موقفه على ضوء التطورات الميدانية والسياسية. وقد ورد في كل بيان رسمي تقريبًا أن بروكسل «تتابع النزاع في سوريا عن كثب، وستعدّل سياستها بناء على تطورات الوضع على الأرض». في هذا السياق، رحّب الاتحاد أحيانًا بخطوات معينة – مثل انضمام سوريا إلى اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية 2013 – وقام بتعديل طفيف للعقوبات لتسهيل تنفيذ تلك الخطوات. لكنه بالمقابل لوّح بتشديد العقوبات في حال تفاقمت الانتهاكات، وأدرج شخصيات جديدة متورطة في جرائم حرب (مثل مسؤولين عن هجمات بالأسلحة الكيميائية في 2017–2018). هذه المقاربة المرنة سمحت للاتحاد بالحفاظ على ضغط مستمر على النظام، مع إظهار استعداد مشروط لتعديل العقوبات إذا «شهدت سوريا تغييرًا جوهريًا».

نحو رفع العقوبات: تغيّر السياق السياسي (2023–2025)

مع مطلع عام 2023، برزت متغيرات إقليمية ودولية دفعت نحو إعادة تقييم سياسة العزلة التامة تجاه نظام الأسد. فقد شهدت المنطقة انفراجات دبلوماسية تمثلت بعودة سوريا لشغل مقعدها في جامعة الدول العربية في أيار/مايو 2023، وميل بعض الدول الإقليمية لاستئناف العلاقات مع حكومة النظام.

ظلّ الاتحاد الأوروبي رسميًا عند موقفه الرافض للتطبيع بدون انتقال سياسي، لكنه واجه ضغوطًا لمراجعة عقوباته، لاسيما في ظل تدهور الأوضاع الإنسانية والاقتصادية للسوريين. الزلزال المدمر في فبراير 2023 كان أيضًا حافزًا قويًا دفع الأوروبيين لاتخاذ إجراءات تخفيف إنسانية عاجلة كما أسلفنا.

وبعد سقوط نظام الأسد، أكد الاتحاد الأوروبي هذا الحدث في بيان على لسان الممثل الأعلى (جوزيب بوريل حينها) اعتبر فيه «سقوط النظام الاستبدادي لحظة تاريخية للشعب السوري» داعيًا إلى انتقال سلمي.

إثر ذلك، شكّلت حكومة انتقالية جديدة في دمشق، قادها الرئيس أحمد الشارع. وحاز هذا التطور ترحيبًا حذرًا من المجتمع الدولي، بما فيه الاتحاد الأوروبي الذي رآه «فرصة تاريخية لتوحيد وإعادة بناء البلاد»، وتعهّد القادة الأوروبيون بدعم السلطات الجديدة طالما التزمت بنهج شامل يحترم حقوق جميع المكونات.

في هذا المناخ، بدأت ملامح تخفيف تدريجي للعقوبات الأوروبية بالظهور. بتاريخ 19 ديسمبر 2024، تبنّى المجلس الأوروبي (قادة الاتحاد) خلاصات بشأن سوريا أقرّ فيها بوجوب دعم “الانتقال السياسي الشامل” في مرحلة ما بعد الأسد.

وأوعز القادة إلى وزراء الخارجية بدراسة رفع العقوبات الاقتصادية التي تستهدف قطاعات بأكملها، بهدف إنعاش الاقتصاد وتسهيل إعادة الإعمار، مع الإبقاء على العقوبات الموجهة ضد شخصيات النظام السابق الضالعين بالانتهاكات. وبالفعل، بتاريخ 24 شباط/فبراير 2025 أعلن مجلس الاتحاد الأوروبي تعليق عدد من العقوبات القطاعية الرئيسية المفروضة على سوريا. وشملت هذه الخطوة:

تعليق الحظر النفطي وقطاع الطاقة: رفْع القيود عن التعامل في مجالات النفط والغاز والكهرباء بهدف السماح باستئناف إنتاج الطاقة وشراء النفط السوري تحت إشراف الحكومة الجديدة.

تعليق قيود قطاع النقل: السماح لشركات الطيران السورية (مثل الخطوط السورية) باستئناف الرحلات إلى أوروبا، ورفع الحظر عن الشحن البحري والبري لنقل البضائع من وإلى سوريا.

إعادة ربط القطاع المصرفي: إزالة أسماء خمسة مصارف سورية من قائمة تجميد الأصول (هي المصرف الصناعي، التسليف الشعبي، التوفير، التعاوني الزراعي) ، والسماح بإقامة بعض العلاقات المصرفية بين البنوك السورية ونظيرتها الأوروبية لتسهيل التحويلات المتعلقة بقطاعي الطاقة والنقل والأغراض الإنسانية. كما سمح بالتعامل مع مصرف سوريا المركزي لتيسير الاستقرار النقدي.

إعفاءات إضافية: إدخال استثناءات تسمح للمسافرين من أوروبا إلى سوريا بحمل سلع كمالية للاستعمال الشخصي رغم بقاء حظر تصديرها تجاريًا. وكذلك تثبيت العمل بـالإعفاء الإنساني الشامل بشكل دائم في نظام العقوبات.

وصف الاتحاد هذه الإجراءات بأنها جزء من دعمه لـ“تعافي سوريا اقتصاديًا بشكل سريع” شريطة انتقال سياسي حقيقي. وأوضح بيان المجلس أن الخطوات تهدف إلى «تسهيل انخراط سوريا وشعبها وشركاتها في مجالات الطاقة والنقل» وتيسير تدفق الأموال اللازمة لأغراض إعادة الإعمار والإغاثة. في الوقت نفسه، أكد البيان أن الاتحاد سيواصل مراقبة الوضع عن كثب لضمان مناسبة هذه التعليقيات، مع إمكانية «تعليق مزيد من العقوبات الاقتصادية» في ضوء تطورات إيجابية مستقبلية.

بذلك، أسدل الستار على حقبة طويلة من العقوبات الأوروبية الشاملة على سوريا. وتدخل العلاقات الأوروبية-السورية مرحلة جديدة عنوانها التعاون، بدلاً من سياسة العزل الكامل.

العربي الجديد

————————-

رفع العقوبات الاقتصادية الأوروبية عن سورية: خطوة لدعم التعافي وجذب الاستثمارات

20 مايو 2025

تتطلع سورية إلى دعم دولي وإقليمي لمساعدتها في معالجة تداعيات 24 سنة من حكم الرئيس المخلوع بشار الأسد (2000-2024). ومنذ الإطاحة بنظام الأسد، تطالب الإدارة السورية الجديدة بقيادة أحمد الشرع، برفع تلك العقوبات، لأنها تعرقل جهود إعادة الإعمار وجذب الاستثمارات. واليوم الثلاثاء، أعطت دول الاتحاد الأوروبي الثلاثاء الضوء الأخضر لرفع كل العقوبات الاقتصادية المفروضة على سورية في محاولة لدعم تعافي الاقتصاد السوري.

وأشارت المصادر وفقا لوكالة “فرانس برس” الى أن سفراء الدول الـ27 الأعضاء في التكتل القاري توصلوا الى اتفاق مبدئي بهذا الشأن، ومن المتوقع أن يكشف عنه وزراء خارجيتها رسميا في وقت لاحق اليوم. وقالت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس قبيل الاجتماع اليوم الثلاثاء، إنها تأمل أن يتمكن وزراء خارجية التكتل المجتمعين اليوم، في بروكسل من التوصل إلى اتفاق بشأن رفع العقوبات الاقتصادية عن سورية.

وذكر مسؤولون أن الوزراء يدرسون قرارا سياسيا لرفع العقوبات الاقتصادية، والإبقاء في الوقت نفسه على العقوبات المرتبطة بنظام بشار الأسد وفرض إجراءات ضد انتهاكات حقوق الإنسان. وأضافت “من الجلي أننا نريد (توافر) الوظائف وسبل المعيشة لشعب (سورية)، كي يصبح بلدا أكثر استقرار”.

وفرض الاتحاد الأوروبي أولى عقوباته على النظام السوري في مايو/أيار 2011، عقب اندلاع الثورة السورية، مستهدفًا شخصيات بارزة من الدائرة المقربة من بشار الأسد، متهمة بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، وقد شملت العقوبات حظر السفر وتجميد الأصول المالية. كما شملت العقوبات إجراءات قطاعية طالت قلب الشبكة المالية للنظام، منها حظر استيراد النفط الخام ومشتقاته من سوريا، ومنع تصدير معدات ذات استخدام مزدوج (مدني وعسكري)، إضافة إلى قيود على تمويل مشاريع البنية التحتية.

وفي 24 فبراير/ شباط الماضي، أعلن الاتحاد الأوروبي قراره تعليق بعض العقوبات المرتبطة بقطاعات مثل البنوك والطاقة والنقل، مع التأكيد على مراقبة الوضع الميداني في سورية وتقييم إمكانية تعليق المزيد من العقوبات في المستقبل.

دول اخرى في الطريق لرفع العقوبات عن سورية

كما تتجه اليابان إلى رفع العقوبات الاقتصادية عن سورية، وأكدت صحيفة الاقتصاد اليابانية السبت الماضي، أن “الحكومة سترفع العقوبات عن سورية في نهاية مايو/ أيار الجاري تماشياً مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي”. وقال وزير الخارجية الياباني تاكيشي إيوايا، السبت، إن بلاده تدرس رفع العقوبات عن سورية، وذلك بعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب رفع إدارته للعقوبات المفروضة على دمشق. وأضاف تاكيشي في مؤتمر صحفي بطوكيو، أن بلاده “ستراقب عن كثب المناقشات في المجتمع الدولي وتتخذ القرار المناسب بشأن رفع العقوبات عن سورية”.

وأعلن البنك الدولي الجمعة، تسوية المتأخرات المالية المستحقة على سورية، والبالغة قيمتها 15.5 مليون دولار لتصبح مؤهلة للحصول على تمويلات جديدة. وذلك بعد يوم من بحث وزير المالية السوري محمد يُسر برنية، مع وفد من البنك سبل التعاون في إعادة تأهيل القطاعات ذات الأولوية في البلاد.

وفي 27 أبريل/ نيسان الماضي، أعلنت وزارتا المالية في السعودية وقطر سداد متأخرات سوريا لدى مجموعة البنك الدولي، والتي تبلغ نحو 15 مليون دولار، بحسب ما نقلته وكالة الأنباء السعودية الرسمية “واس” حينها. وقبيل قرار ترامب، كانت المؤسسات المالية الدولية لا تستطيع تقديم الدعم المالي لسوريا، في ظل العقوبات المفروضة على دمشق.

والثلاثاء الماضي، أعلن ترامب خلال زيارة رسمية إلى السعودية، رفع إدارته للعقوبات المفروضة على سورية، ما اعتبرته أوساط أوروبية تطورا قد يدفع نحو مراجعة أوسع للعقوبات الغربية. وعلى خلفية انتهاكات نظام الأسد ومجازره في قمع الثورة بسورية منذ 2011، فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول أخرى بينها بريطانيا عقوبات على هذا البلد العربي، شملت تجميد أصول، ووقف التحويلات المالية، والحرمان من التكنولوجيا، وحظر التعامل مع نظامه.

والخميس، قالت وزارة الخزانة الأميركية إنها تعمل مع وزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي لتنفيذ توجيهات الرئيس ترامب بشأن رفع العقوبات عن سوريا. وأضافت في منشور على حسابها بمنصة إكس: “نتطلع إلى تطبيق التصاريح اللازمة التي ستكون حاسمة لجلب استثمارات جديدة إلى سورية”. ورجحت وزارة الخزانة أن “إجراءاتها قد تساعد في إعادة بناء الاقتصاد والقطاع المالي والبنية التحتية في سورية، ويمكن أن تضع البلاد على طريق مستقبل مشرق ومزدهر ومستقر”.

وأكد وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني السبت الماضي، أن إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب رفع العقوبات التي فرضت على سورية، هو خطوة مهمة في طريق التعافي الوطني وإعادة الإعمار، ويعكس جهدا دبلوماسيا عربيا صادقا أثمر نتائج ملموسة. ولفت الشيباني في كلمة بلاده أمام القمة العربية الـ34 المنعقدة في العاصمة العراقية بغداد، إلى أن رفع العقوبات ليس نهاية المطاف، بل هو بداية طريق يأمل أن يكون معبدا بالتعاون الحقيقي، وتكامل الجهود العربية لتحقيق التنمية.

وناقش الرئيس السوري أحمد الشرع مع وزراء ومديري هيئات أول من أمس الأحد، مشروع تعديل قانون الاستثمار، في وقت تسعى فيه البلاد للتعافي من تداعيات عهد الرئيس المخلوع بشار الأسد. وأوضحت وكالة الأنباء السورية-سانا-أن اللقاء هدف “لمناقشة مشروع صياغة قانون الاستثمار وتعديلاته، بما يسهم في تعزيز بيئة الأعمال، ويواكب متطلبات المرحلة المقبلة والانفتاح الاقتصادي الواسع الذي تشهده سورية”.

(فرانس برس، العربي الجديد)

———————

سلفادور دالي ونجوم الإعلام السوري الجديد/ حسام أبو حامد

20 مايو 2025

بعد سقوط نظام بشّار الأسد، وجدت السلطات السورية الجديدة نفسها أمام مهمّة عاجلة، تتمثّل في تقديم نقيض لإعلام الأسد، إعلام الرقابة الأمنية الصارمة، واللغة الخشبية، وتغييب الرأي المخالف، صاحب الخطاب التعبوي الذي يرى في المواطن متلقيّاً سلبياً، لا شريكاً في فهم الحدث. بدت المهمّة صعبة، فلا يملك الحُكّام الجدد، لا كفاءةً ولا فلسفةً إعلاميَّتَين. أمّا أيديولوجيتهم، فلا تسمح بمغامرات إعلامية حرّة تحت سقف من المهنية. فضّلت السلطات الجديدة الاعتماد على المؤثّرين ومشاهير السوشيال ميديا، واتضح أن هذا التفضيل ليس إنقاذاً مؤقّتاً، وإنما استراتيجيةً محسوبةً لصناعة الشرعية، في غياب عقد اجتماعي ودستور دائم. فمزعجة هي مطالب الإعلام المهني لمن يريد الحكم باسم الشرعية الثورية، مقارنةً بالسوشيال ميديا، المثالية لبثّ رسائلَ من دون مساءلة، وتقديم وهم إنجاز من دون عناء. ولعلّ ذلك ما يفسّر تعثّر (وتثاقل) انطلاقة إعلام رسمي سوري.

لدينا في سورية نظام يتنفّس عبر الخوارزميات، بإعلام بديل لا يراقب السلطة، يضيق بالنقد ولا يطرح الأسئلة، بل يحرف النقاش عن أهدافه، فكلّما زاد الضجيج قلّ الوضوح، وكلما ارتفعت أرقام المتابعين لمعت الحقيقة. لذلك، حين تجول في الفضاء الافتراضي السوري، وتعرّج على صفحات نجوم الإعلام السوري الجدد، ستجدهم أبطالَ إعلام بلا محتوى، مفرداتهم لامعة، مواقفهم جاهزة، لكن لا أسئلة حقيقية لديهم. يصرخون أكثر، فيُشار إليهم أكثر، فيظنّون أنفسهم قادةً في استعراضات تملأ الفضاء ضجيجاً، وتفرّغه من المعنى، فتختبئ الهشاشة الفكرية خلف عدد المتابعين. يصدّق واحدهم أنه فوق النقد لمجرّد امتلاكه آلاف “اللايكات”، وينسى أن المجد الحقيقي لا يحتاج شهوداً. ذكاؤهم المستفزّ ومنشوراتهم البهلوانية تجعلهم نجوم لعبة إنهاك سياسي مكرّرة: تشتيت الانتباه، إدارة الضجيج، وبثّ الخوف من المجهول. في هذه اللعبة، طبيعيٌّ أن يخسر الإعلام المهني دوره، لأنه لا يصرخ بما يكفي على أنغام “الترند”. غرورهم ليس خفيف الظلّ، إذ يؤمن أصحابه بأنهم فوق النقد، وأن من يخالفهم “حاقد”، ويسوّقون أنفسهم “منقذين” للحقيقة، في حين أنهم يشوّهونها في استقطاب درامي يبحث عن “آخر”، في حرب بين الخير والشر. لا تنتج هذه الحروب لا إعلاماً ولا معرفةً ولا تواصلاً، بل ضجيجاً يعزّز شعور هؤلاء النجوم بنرجسيتهم البغيضة. والغرور ليس مجرّد خطيئة فردية، بل مرض بنيوي تُنتجه أنظمة تُقدّس الفردانية. هكذا كان حالنا مع النظام البائد، وأبواقه الإعلامية، وإن يعيد التاريخ نفسه، فمهزلةً، كما قال كارل ماركس.

لعلّك تصادف في واحدة من جولاتك في الفضاء الأزرق (وغيره) مقطعَ فيديو تطرحه أخيراً خوارزميات “فيسبوك” للتداول في نطاق واسع، يرفض فيه سلفادور دالي (1904 – 1989) أن يكون أعظم رسّام في العالم، معلناً في مقابلة متلفزة أنه لم يضف أيّ شيء إلى الفنّ. هو “رسّام سيئ”، كما يقول، بل أذكى من أن يكون رسّاماً جيّداً، فلكي تكون كذلك: “يجب أن تكون غبيّاً قليلاً”. ما قاله دالي لم يكن سخريةً ترسم واحداً من عوالمه السريالية، بل وضع إصبعه على جرحٍ قديمٍ، يتجدّد في أزمنة الاستعراض: النرجسية الخالية من الإبداع.

الشهرة السهلة أكبر خدعة، تمنحك شعوراً بالخلود، لكنّها تسرق منك حياتك الحقيقية. أدرك سلفادور دالي أن الغرور ليس أكثر من آلية دفاعية تُدمِّر الإبداع، فأعلن مع سقراط: “كل ما أعرفه أنني لا أعرف شيئاً”، ورفض العظمة في زمن الشهرة الصعبة، لأن العظمة الحقيقية هي التي تعترف بأنها ليست نهاية الطريق، بل مجرّد محطّة في رحلة لا نهائية من الاكتشاف. في المقابلة، يقول دالي إنه إذا رسم يوماً لوحةً جيّدةً… أو ألّف مقطوعةً موسيقيةً عبقريةً، فسيموت بعد أسبوع. يشعر كما قال بأنه مدين للحياة، لذلك يفضّل العيش طويلاً بـ”لوحات سيّئة”… فليتأمّل النرجسيون.

هل غيُّبت المؤسَّسة الإعلامية في سورية عمداً لمصلحة منظومة تسويق عاجلة يقودها نرجسيون بلوحاتهم “العبقرية”؟… إن شرعيّةً تُشترى بالمتابِعين تسقط مع أول طفرة في الخوارزميّة، وتبقى المؤسّسة الضامن الوحيد لبقاء الدولة.

العربي الجديد

——————————-

الحكومة السورية الجديدة ومعضلة الثقة/ مصطفى إبراهيم المصطفى

2025.05.20

يعتقد علماء النفس السياسي أن الدور الذي يؤديه الانفعال – أو العاطفة – لا يمكن غض الطرف عنه لكي تكون الصورة أكثر كمالا، فكثير من ظواهر علم السياسة يكتنفها الانفعال والمشاعر وليس مجرد المعالجة الباردة للمعلومات.

فحقيقة الأمر أن جميع المفاهيم السياسية مشحونة بشيء من الانفعال، إما الإيجابي أو السلبي، وهو ما يشير إليه العديد من العلماء بمسمى “الأفكار الساخنة”، فالمثيرات أو القضايا السياسية كثيرا ما تستدعي انفعالات قوية ومشاعر مثل: الإعجاب والنفور والسعادة والحزن والغضب والشعور بالذنب، والشكر والتقزز والانتقام والفرح وعدم الأمان والخوف والقلق، وغيرها.

مشاعر غير متوقعة

بعد مشوار طويل انتهت الثورة السورية بانتصار ساحق، وبشكل دراماتيكي غير متوقع أثار دهشة العالم، فالجميع أخذتهم المفاجأة. وعلى إثر ذلك؛ كان من المفترض – نظريا – أن تقتصر مشاعر السوريين على المشاعر المرتبطة بالفرح، باستثناء قلة خائفة، لكن الملفت أن كل تلك المشاعر التي وردت في المقدمة انفلتت من عقالها مفصحة عما يجول في نفوس بعض السوريين من خلال الأقوال والأفعال المشحونة بالعاطفة المثقلة بكل ماله علاقة بالتاريخ القريب أو البعيد. في مجمل الأحوال؛ لم يعد خافيا على أحد أن معظم هذه المشاعر التي يستغربها البعض ويتفهمها البعض الآخر مرتبطة إلى حد كبير بالخلفية الجهادية للفريق الذي قاد النصر وأمسك بالسلطة، وهنا لا بد من التنويه إلى قضية غاية في الأهمية، وهي أنه بينما كان السوريون المقيمون في المناطق التي تسيطر عليها هيئة تحرير الشام والمناطق المجاورة لها يشاهدون ويلمسون التحولات الجذرية في سلوك الهيئة وقيادتها، كانت البقية الباقية من السوريين في غالبيتهم العظمى ما زالوا واقعين تحت وطأة الاضطهاد العقلي وحملات الشيطنة المنسقة التي كانت تقودها الآلة الإعلامية والدعائية لنظام منحط يقتات على الكذب ويتكئ عليه في بقائه.

نظم اعتقاد مصطنعة

مع الأيام الأولى لانطلاق الثورة السورية خرج رأس النظام على السوريين بخطاب وضع السوريين أمام خيارين: إما معنا أو ضدنا، فلا وجود للحياد اليوم. وفي نفس التوقيت انطلقت آلة النظام الإعلامية والدعائية في عملية دفع المجتمع السوري نحو الاستقطاب الحاد وتكريس حالة: نحن وهم. ويبدأ الاستقطاب باستفزاز الطرف الآخر بأساليب وأفعال مختلفة؛ تكون نتيجتها تحفيز مشاعر الغضب والثأر التي يغلب عليها الطابع الانفعالي. وهكذا مع بعض التضخيم والتهويل يمكن إيصال الجماهير إلى الشعور بالتهديد الوجودي، وكخطوة استباقية تمهيدا للقتل الجماعي وتجريد الضحية من إنسانيتها؛ حكم النظام على معارضيه جميعا بأنهم إرهابيون تكفيريون، ومع تكرار الرسالة عبر عدة مصادر من الطبيعي أن يبدأ الأفراد بتصديقها كحقيقة جماعية. وهكذا يمكن القول إن النظام السوري استطاع خلال سنوات الثورة التي امتدت نحو أربعة عشر عاما تشكيل ما يطلق عليه علماء النفس مصطلح “نظم الاعتقاد”، وحسب “ياكوف فيرتزبيرغر”: فإن منظومة اعتقادات الفرد تمثل جميع الفرضيات والنظريات التي يكون الفرد مقتنعا بصدقها في لحظة معينة.

إذا نظرت بعين الإنصاف عذرت الناس أجمعين

تتحكم نظم الاعتقاد بالأفراد بدرجات مختلفة، أشدها خطورة ذلك الذي يتخذ طابعا ثابتا ومغلقا، وهو ما يكون عادة متشددا وعصيا على التغيير، وهو ما يدعى في أدبيات علم النفس السياسي: “نموذج سوء الظن المتأصل”. وكباقي البشر تتحكم بأفكار هؤلاء آلية الانحياز التأكيدي؛ بمعنى أنهم يبحثون عن أي خطأ أو هفوة – حتى وإن كانت لا يعتد بها – ليدعموا معتقداتهم، وفي المقابل يتجاهلون كل ما ينافي هذه المعتقدات. كما ويتخذ “سوء الظن المتأصل” شكل “النبوءة المحققة لذاتها” في بعض الأحيان، ذلك أن هذا النوع من النبوءات يحفز سلوكا من شأنه أن يجعل التصور الزائف يصبح واقعا. فعلى سبيل المثال: قد يشاهد أحدهم مجموعة من الرجال المسلحين قادمين باتجاهه (كانوا سيمرون بجانبه ويتابعون طريقهم) فيتنبأ أنهم قادمون لقتله، فيطلق عليهم النار مما يضطرهم لقتله بالفعل. بهذا المعنى يمكن تفسير المقولة التي تنسب لابن خلدون: “وإذا نظرت بعين الإنصاف عذرت الناس أجمعين”. بمعنى آخر، ليس البشر أحرارا وعقلانيين للدرجة التي يتصورها البعض، إنما سلوكهم – بالعموم – مقيد بالنزعات الموروثة والبيئة المحيطة بهم وإسقاطاتها في وعيهم الجمعي.

الدعم الدولي كأحد الضمانات المطمئنة

حاولت الحكومة السورية الجديدة منذ اليوم الأول لتحرير حلب طمأنة الجميع بأن الحريات مصونة والثقافات محترمة، وأن الحكومة السورية سوف تكون ذات طابع مدني، وأنه لا داعي للمخاوف والهواجس التي تساور بعض السوريين، ولكن البعض من القوى الاجتماعية والسياسية لم تقتنع بتلك التطمينات التي صدرت لاحقا من قمة هرم السلطة، وذلك تحت وطأة هواجس ذات بعد تاريخي أحيانا، وبعد تربوي في أحيان أخرى. وعدم الثقة بالتعهدات البينية أمر شائع، فعلى المستوى الاجتماعي يلجأ الأفراد إلى توثيق تعهدات الأطراف المتنازعة أمام الوجهاء والزعماء كضمانة لالتزام المتعهد بتعهده. وعلى نفس المنوال يمكن لمن يرغب قراءة الدعم الذي تتلقاه الحكومة من قوى إقليمية ودولية وازنة، فعلى سبيل المثال: هل يمكننا أن نتصور أن تدعم كل من ألمانيا والسعودية وتركيا والإمارات وقطر، ومن ثم فرنسا وأميركا حكومة تتجه إلى أفغنة سوريا كما يدعي البعض؟ في الواقع، ودونما تصريح بذلك، يستطيع المرء أن يستنتج بسهولة أن أهم بند في تعهدات الحكومة السورية أمام حكومات هذه الدول هو ما يتعلق بطبيعة نظام الحكم وتوجهاته التي تتطابق تماما مع التعهدات التي قُدمت للسوريين.

بالطبع يمكن لقراءة الأحداث بهذا الشكل أن تجعل نسبة المشككين تتناقص، لكن التراجع الكبير في أعداد المشككين يمكن أن تتحصل عليه الحكومة من خلال مسلكين: أولهما بعض الإجراءات العملية لبناء الثقة، وثانيهما أن تسارع الحكومة بإنجاز كل ما من شأنه أن يشعر المواطن بالفائدة، ففي هذه الحالة مهما كانت البدايات سرعان ما تصبح عادات الطاعة هي مضمون الضمير، وسرعان ما يهتز شعور كل مواطن بشعور الولاء للعلم.

ملاحظة: هذا المقال لا يدعي تفسير وتحليل طبيعة المماحكات السياسية بكل خلفياتها الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، وإنما يقدم إضاءة على أحد الجوانب النفسية.

تلفزيون سوريا

——————————-

 ملف حصر الملكيات يعرقل إعادة الإعمار في سوريا.. من يملك الحق في البناء؟/ مختار الإبراهيم

2025.05.20

في مدينة داريا المدمَّرة ببراميل الأسد، يقف مروان بعد غياب لأكثر من عقد من الزمن أمام أنقاض المبنى الذي كان يسكن فيه قبل أن يُقصف بالكامل في سنوات الثورة الأولى. مروان، الذي يفكر بالعودة من ألمانيا إلى سوريا، يواجه اليوم عائقًا قانونيًا يحول بينه وبين إعادة إعمار منزله: لا يستطيع إزالة الأنقاض أو الشروع بأي عمل ترميمي، لأن ملكية البناء موزعة على عدد كبير من الأشخاص، بعضهم توفي دون تسجيل واقعة الوفاة، وبعضهم مفقود أو مجهول المصير وقسم منهم توزع في الشتات. هذه الحالة ليست استثناءً بل تمثل واحدة من أبرز العقبات التي تواجه أي جهود لإعادة الإعمار في البلاد.

ينص القانون السوري على ضرورة حصول إجماع أو تفويض قانوني من جميع مالكي العقار أو ورثتهم للقيام بأي عمل بناء.

في ظروف ما بعد الحرب، يصبح هذا الشرط شبه مستحيل: ملايين السوريين في الخارج، آلاف المفقودين، وآلاف آخرين تُوفوا دون تحديث في السجلات العقارية أو المدنية.

وفي ظل غياب إحصاء رسمي حديث للوفيات أو المفقودين، تتحول أي مبادرة لإعادة البناء إلى عملية قانونية معقدة ومحفوفة بالجمود.

وهنا نرفق جدولا بمنظومة التشريعات التي تحكم عملية البناء في سوريا:

المرجع القانوني          الجهة المسؤولة/الضابطة         الملاحظات

القانون المدني السوري (المرسوم التشريعي رقم 84 لعام 1949)          وزارة العدل / المحاكم المدنية          يتضمن المبادئ العامة للملكية والتصرف بها، بما فيها البناء والإرث.

قانون الاستملاك رقم 20 لعام 1983       الجهات العامة / وزارة الإدارة المحلية      يمنح الدولة الحق في استملاك العقارات للمنفعة العامة.

القانون رقم 10 لعام 2018        المحافظون / الجهات التنظيمية يسمح بإنشاء مناطق تنظيمية جديدة، ويتطلب من السكان إثبات ملكيتهم خلال فترة زمنية قصيرة.

القانون رقم 15 لعام 2008 (التطوير العقاري)       هيئة التطوير العقاري     ينظم إنشاء شركات تطوير عقاري ويتيح بمشاركة القطاع الخاص في مشاريع الإعمار.

المرسوم التشريعي رقم 66 لعام 2012 محافظة دمشق / الجهات التنظيمية      وضع لتنظيم مناطق المخالفات السكنية ويعد الأساس القانوني للقانون رقم 10 لاحقاً.

قانون التنظيم العمراني رقم 5 لعام 1982          وزارة الإدارة المحلية      ينظم عمليات التقييم، وفتح الطرق، وتحديد وجلب حق البناء.

الدستور السوري لعام 2012      السلطات الثلاث (التشريعية، التنفيذية، القضائية)           ينص على حماية الملكية الخاصة، لكن ضمن إطار يتيح للدولة الإعمار والاستملاك.

الأثر على الواقع العمراني والاجتماعي

يرى المهندس المدني راكان نور الدين أن هذه المعضلة لا تؤجل فقط إعادة إعمار المباني، بل تؤجل أيضًا عودة السكان واستقرارهم، فعشرات الأحياء في دمشق، وحلب، وحمص، ودرعا، ما تزال تحت الأنقاض بسبب وجود قيود قانونية تحول دون إعادة إعمارها. وهناك مخاوف حقيقية من أن يتحول هذا الجمود إلى وسيلة لتغيير ديموغرافي بطيء عبر تضييع حقوق المالكين الأصليين.

ويشير نور الدين في حديثه لموقع تلفزيون سوريا إلى أنه من الحلول المقترحة لتسريع عملية إعادة الإعمار مع حفظ الحقوق هو منح تفويض جزئي مشروط يتم عبره السماح ببدء أعمال الإعمار بناءً على موافقة الأغلبية الحاضرة من المالكين، مع حفظ حقوق الغائبين عبر آلية رسمية تضمن إعادة أملاكهم بعد دفع نصيبهم من تكاليف البناء، سواء فور عودتهم أو بالتقسيط.

ويضف نور الدين أنه بالإمكان أن يتم إنشاء سجل خاص للمتغيبين والمفقودين يتيح هذا السجل تتبع أملاك الأشخاص الغائبين مؤقتًا، على أن تُدار أملاكهم بشكل يحفظ حقوقهم، ولعل “آلية تحكيم عقاري مؤقت تتم من خلال تأسيس لجنة قضائية مستقلة بإشراف قضائي/حقوقي تُمنح صلاحيات استثنائية لتسهيل اتخاذ قرارات في قضايا الإعمار المتعثرة” تترافق مع تحديث نظام السجلات العقارية والمدنية عبر حملات وطنية وبالتعاون مع منظمات دولية لتوثيق الوفيات والمفقودين، مما يسهل عمليات حصر الإرث وتسجيل الملكيات.

ويختم نور الدين أن إعادة الإعمار في سوريا لا يمكن أن تبدأ دون إصلاح المنظومة القانونية العقارية، بما يتناسب مع الواقع الاستثنائي الذي خلفته الحرب، ولا يكفي الحديث عن التمويل والبنية التحتية، بل يجب أولاً معالجة مسألة من يملك الحق القانوني في الإعمار، وإن تقديم حلول عملية تحفظ الحقوق دون تعطيل عملية البناء هو السبيل الوحيد لإعادة الحياة إلى المدن السورية المدمّرة.

دروس من تجربة ألمانيا في تحديد الملكيات

واجهت ألمانيا إبان الحرب العالمية الثانية تحديات قانونية وإدارية كبيرة فيما يخص تحديد ملكية العقارات التي تهدّمت بفعل القصف والمعارك، خاصة في المدن الكبرى مثل برلين، وفرانكفورت ودريسدن.

وكان جزء كبير من المالكين قد توفي، أو أصبح في عداد المفقودين، أو هاجر إلى مناطق أخرى داخل ألمانيا أو خارجها. هذا الغموض في هوية المالكين عطّل لفترة إعادة الإعمار وفتح الباب أمام نزاعات قانونية متعددة حول الحقوق العقارية.

وفي حديث خاص لموقع تلفزيون سوريا، أوضح المحامي الألماني ياكوب كلارسن، المختص في قضايا إعادة الإعمار، أن هذه المشكلة ليست فريدة من نوعها، بل شهدتها دول أخرى في مراحل ما بعد النزاعات.

وقدّم كلارسن عدداً من التجارب القانونية الدولية التي يمكن أن تشكل مرجعاً لصياغة إطار قانوني سوري جديد يُراعي الواقع الحالي.

ويسوق المحامي الألماني مثالاً قريباً من بلده ففي ألمانيا، وبعد الحرب العالمية الثانية، تم تأسيس هيئة لإعادة الإعمار منحت صلاحيات مؤقتة للدولة لإعادة بناء العقارات المهدّمة مع الحفاظ على حقوق المالكين الأصليين، فإذا كان المالك غائباً، يُرمم العقار وتُسجّل نفقات الترميم ليتم تسديدها لاحقاً عند عودة المالك أو ورثته.

ووفقا للمحامي كلارسن فقد مُنحت “هيئة إعادة الإعمار” صلاحيات مؤقتة لإدارة الأراضي والعقارات المدمّرة، والشروع بإعادة الإعمار حتى في حال عدم اكتمال السجلات العقارية أو غياب بعض المالكين.

وأضاف المحامي كلارسن في حديثه أنه تم اعتماد مبدأ “الترميم مع الاحتفاظ بالحق”، حيث كان يُسمح بترميم العقار من قبل الدولة أو الجهات المحلية، ويتم توثيق تكاليف الترميم وتسجيلها كديون على العقار، تُسدّد لاحقًا من قبل المالك الأصلي أو ورثته بمجرد ظهورهم أو إثباتهم للملكية، كما تم تحديث السجلات العقارية من خلال لجان مختصة، بالتنسيق مع البلديات والسجلات المدنية، لحصر الوفيات وإثبات الورثة قانونيًا، ما سمح بتسريع عمليات نقل الملكية بشكل قانوني وسلس.

يضاف لها – وفقا لكلارسن – سنّ قوانين انتقالية، منها قوانين الملكيات المؤقتة التي أجازت للدولة أو البلديات استخدام العقارات المدمّرة أو المهجورة لفترة مؤقتة إلى حين اتضاح ملكيتها الأصلية.

تجربة رواندا والبوسنة في تحديد الملكيات

ومن الأمثلة العالمية التي ساقها المحامي كلارسن تجربة رواندا، فبعد الإبادة الجماعية عام 1994، تم اعتماد محاكم محلية مجتمعية (Gacaca Courts) قامت بتسوية قضايا الملكية والنزاعات بسرعة ومرونة، عبر السماح للناجين بتمثيل أسرهم قانونياً، وهو ما ساعد على تحريك ملف الإعمار رغم الغياب الواسع للسكان.

ومن الأمثلة العالمية القريبة للحالة السورية ما حصل في البوسنة والهرسك، فقد تم سن قانون “الممتلكات المهجورة”، والذي سمح باستخدام العقارات المهجورة بشكل مؤقت من قبل الدولة أو البلديات، على أن تُعاد للمالكين الأصليين عند عودتهم، أو يتم تسديد كلفة الإعمار لهم لاحقاً.

المحامي كلارسن يؤكد أن الحل في سوريا يتطلب تعديل القانون العقاري بما يتيح للجهات المحلية أو المالكين الحاضرين البدء بإعادة الإعمار بتفويض مشروط، مع حفظ الحقوق الكاملة للغائبين عند عودتهم.

كما يمكن تبني آلية تقسيط لتغطية تكاليف الإعمار لمن يتأخر في العودة، ويختم: “نحتاج إلى مرونة قانونية تحمي الحقوق وتسمح بالبدء بإعادة الإعمار، وإلا ستبقى الأنقاض شاهداً على العجز القانوني لعقود”.

———————

الرئاسة السورية تكذّب تصريحات سفير أميركي سابق عن الشرع

20/5/2025

نفى مصدر بالرئاسة السورية، اليوم الثلاثاء، صحة المعلومات التي أوردها السفير الأميركي السابق في سوريا روبرت فورد، والتي تحدث فيها عن لقاءات جمعته في مارس/آذار 2023 مع الرئيس أحمد الشرع بإدلب “لتأهيله سياسيا”.

وذكر المصدر للجزيرة أن اللقاءات التي أشار إليها فورد كانت جزءا من سلسلة اجتماعات مع مئات الوفود الزائرة، خُصصت لعرض وشرح تجربة إدلب.

كما أشارت الرئاسة السورية إلى أن السفير روبرت فورد كان ضمن وفد تابع لمنظمة بريطانية للدراسات والأبحاث، وأن الجلسات اقتصرت على أسئلة عامة تتعلق بتجربة إدلب، ولم تتضمن ما ورد في تصريحات فورد.

وكان فورد قد قال، خلال جلسة أمام “مجلس العلاقات الدولية في بالتيمور” مطلع مايو/أيار الحالي، إن منظمة بريطانية متخصصة في حل النزاعات دعته للمشاركة في مبادرة تهدف إلى إخراج الشرع من عالم الإرهاب وإدخاله في السياسة، على حد قوله.

وأفاد بأنه التقى الشرع 3 مرات، مرتين خلال عام 2023، وثالثة بعد توليه السلطة في دمشق خلال يناير/كانون الثاني الماضي، بعد الهجوم الخاطف الذي شنته فصائل المعارضة السورية، وأسفر عن سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول 2024.

وقال فورد إنه عقد “محادثة متحضرة” في لقائه الأول بالشرع في 2023 بمدينة إدلب، واستعاد تفاصيل اللقاء قائلا “جلست إلى جانبه بلحيته الطويلة وملابسه العسكرية، وقلت له باللغة العربية “لم أكن أتخيل أنني سأجلس إلى جانبك”، فرد الشرع بهدوء، “ولا أنا”.

وأشار السفير السابق إلى أن الشرع لم يعتذر عن الهجمات التي نُسبت إليه في العراق وسوريا، إلا أنه تحدث بواقعية عن ضرورة التحول وتقديم التنازلات.

وشغل فورد منصب السفير الأميركي لدى سوريا بين عامي 2011 و2014، في واحدة من أكثر الفترات توترا في تاريخ العلاقات بين البلدين، حيث تزامنت فترة عمله مع اندلاع الثورة السورية.

وكان أول دبلوماسي غربي يزور مدنا سورية مثل حماة في بدايات الثورة، في خطوة أثارت غضب النظام السوري آنذاك، ودفعت واشنطن لاحقا إلى سحبه لأسباب أمنية، وبعد تقاعده من السلك الدبلوماسي بقي فورد من أبرز الأصوات النشطة في الملف السوري في الأوساط الأميركية، ويعمل حاليا باحثا في عدد من مراكز الفكر والسياسات.

المصدر : الجزيرة

—————————

دُعيتُ لإدخاله عالم السياسة”.. تفاعل على ما قاله سفير أمريكي سابق حول لقائه بالشرع عام 2023

نشر الثلاثاء، 20 مايو / أيار 2025

(CNN) – تفاعل مستخدمون لمنصة “إكس”، تويتر سابقا، مع مقطع من محاضرة للسفير الأمريكي الأسبق في الجزائر وسوريا، روبرت فورد، نُشرت مطلع مايو/أيار الجاري وتحدث فيها عن لقاء جمعه بالرئيس الانتقالي في سوريا، أحمد الشرع، بعد أن دعته مؤسسة بريطانية غير حكومية إلى المساعدة في إخراج الشرع من “عالم الإرهاب” إلى عالم السياسة التقليدية.

وقال فورد في محاضرة حملت عنوان “انتصر الثوار في سوريا.. والآن ماذا؟” نشرها مجلس بالتيمور للشؤون الخارجية عبر قناته على يوتيوب قبل أسبوع وأشار إلى أن المحاضرة أُلقيت في 1 مايو/أيار الجاري: “ابتداء من عام 2023، دعتني مؤسسة بريطانية غير حكومية، متخصصة في حل الصراعات، من أجل مساعدتهم في إخراج هذا الشاب (يُشير إلى صورة الشرع حين كان عضوا في تنظيم القاعدة) من عالم الإرهاب وإدخاله إلى عالم السياسة التقليدية”.

وأردف الدبلوماسي الأمريكي السابق قائلا: “وعلي أن أخبركم أنني في البداية كنت مترددا جدا بالذهاب وتخيلت نفسي مرتديا بدلة برتقالية والسكين على رقبتي، لكن بعد أن تحدثت إلى عدد من الأشخاص الذين خاضوا التجربة وأحدهم قابله (الشرع) شخصيا قررت أن أجرب حظي”.

وتابع فورد قائلا: “عندما التقيته للمرة الأولى، حين كان اسمه الحركي الجولاني لكن اسمه الحقيقي الذي لم يكشف عنه إلا بعد السيطرة على دمشق في ديسمبر/ كانون الأول الماضي قبل حوالي 5 أشهر هو أحمد الشرع، جلست بجانبه بمثل قربي الآن إلى روي (رئيس مجلس بالتيمور) وقلت له باللغة العربية: خلال مليون سنة لم أكن أتخيل أنني سأكون جالسا بجانبك… ونظر إلي وتحدث بنبرة ناعمة قائلا: ولا أنا”.

وأشار فورد إلى أنه أجرى مع الشرع حوارا “سلسا” وقال إن ما لفت نظره خلال اللقاء أن الشرع (أبو محمد الجولاني حينها) “لم يعتذر عن العمليات الإرهابية في العراق وسوريا” لكنه قال إن “التكتيكات والقواعد التي كان يتبعها في العراق لا تصلح عندما تحكم 4 ملايين شخص (في إدلب)”.

وتفاعل عدد من مستخدمي منصة “إكس”، تويتر سابقا، مع المقطع وتم تداوله بشكل واسع على مدار اليومين الماضيين

————————–

كيف تفاعل سوريون مع ادعاء سفير أميركي سابق تدريبه الشرع؟

أثارت تصريحات سفير أميركي سابق لدى سوريا بشأن لقاءاته مع الرئيس السوري أحمد الشرع وقيامه بتدريبه منذ عام 2023 جدلا واسعا بين سوريين على منصات التواصل الاجتماعي مشككا ومتهما السفير بالتآمر على سوريا.

وادعى السفير الأميركي السابق روبرت فورد خلال محاضرة ألقاها في مجلس مدينة بالتيمور للشؤون الخارجية أن منظمة بريطانية غير حكومية مختصة في حل النزاعات دعته منذ عام 2023 إلى المساعدة في “جلب هذا الرجل من عالم الإرهاب إلى السياسة التقليدية”، في إشارة إلى الرئيس الشرع.

وأضاف فورد أنه كان مترددا في البداية وتخيل نفسه “مرتديا بدلة برتقالية والسكين على رقبته”، لكنه قرر المضي قدما بعد التحدث إلى عدد من الأشخاص الذين خاضوا التجربة، مؤكدا أنه قابل الشرع لأول مرة تحت اسم عبد القادر الجولاني، قبل أن يكشف عن اسمه الحقيقي “أحمد الشرع” بعد سيطرته على دمشق.

وتحدث السفير الأميركي السابق عن زيارة قام بها إلى دمشق مطلع العام الجاري، حيث التقى الرئيس الشرع في القصر الرئاسي وقال له “لم أكن أتوقع في مليون سنة أن أراك هنا”، ليرد عليه الشرع “حسنا، إنه يعجبني أن أبقيك متفاجئا السيد السفير”.

من جانبه، نفى مصدر في الرئاسة السورية لقناة الجزيرة صحة المعلومات التي أوردها فورد عن لقاءات مع الرئيس الشرع بإدلب، موضحا أن اللقاءات المذكورة كانت ضمن اجتماعات مع مئات الوفود وخصصت لعرض تجربة إدلب.

وأضاف المصدر أن أحد الوفود كان تابعا لمنظمة بريطانية للدراسات، وكان من ضمن أعضائه السفير روبرت فورد، مشيرا إلى أن الجلسات اقتصرت على أسئلة عامة تتعلق بالتجربة، ولم تتضمن ما ورد في تصريحات فورد.

تشكيك واتهام بالتآمر

ورصد برنامج شبكات (2025/5/20) جانبا من تفاعلات سوريين مع هذه التصريحات للسفير الأميركي السابق بشأن تدريب الرئيس السوري، ومن ذلك ما كتبه أبو يوسف “فورد هو أول من تآمر على الثورة السورية منذ انطلاقها”.

أما شام فغردت “محاولات التشوية والافتراء التي يتعرض لها الرئيس الشرع مهولة ومن أطراف عديدة وحتى أن البعض منها متناقضة في توجهاتها لكنها اجتمعت على مناهضته”.

من جهتها، قالت أمل “هؤلاء حاقدون، وعم يضحكوا على الناس اللي بدهم يسمعوا هيك شيء لأنه بيريحهم، الانتصار كان شيئا غيّر ملامح المنطقة، هم كانوا بدهم يعيدوا تدوير الأسد حرفيا”.

في المقابل، كتب هاشم “أمر الجولاني واضح لا يحتاج لاعترافات وتصريحات، فتحرير سوريا من الطاغية بشار والروس والإيرانيين في 12 يوما دون قتال وتسليم الإيرانيين والروس للأمر الواقع ببساطة لا يصدقه عاقل، الأمر فيه اتفاق دولي بين كل الأطراف”.

يذكر أن روبرت فورد شغل منصب السفير الأميركي لدى سوريا بين عامي 2011 و2014 في واحدة من أكثر الفترات توترا بتاريخ العلاقات بين البلدين، حيث تزامنت فترة عمله مع اندلاع الثورة السورية.

وكان فورد أول دبلوماسي غربي يزور مدنا سورية مثل حماة في بدايات الثورة، في خطوة أثارت غضب النظام السوري آنذاك ودفعت واشنطن لاحقا إلى سحبه لأسباب أمنية.

وبعد تقاعده من السلك الدبلوماسي بقي فورد من أبرز الأصوات النشطة في الملف السوري في الأوساط الأميركية، ويعمل حاليا باحثا في عدد من مراكز الفكر والسياسات.

———————————

اللاطائفية في سورية الجديدة/ يزن زريق

19 مايو 2025

في وسط ضجيج وثغاء الطائفية، يولد لدينا اليوم في سورية انتماء وطني جديد.. لا يزال هشاً وخجولاً ولكنه راسخ وشديد العمق، والأهم أنه واعد بآمال مزهرة وكبيرة. الطائفية والانقسام وجنون الفئوية المذهبية القذرة، بعيداً عنها ومن صلبها ربما هناك نسغ جديد يولد. إنه نسغ انتماء وطني أصيل شعبي وحقيقي وراسخ ويبشر بمستقبل مختلف.

هناك حادثتان تؤكدان صدق مقولتي وكلتاهما كانتا على إثر أحداث السادس من مارس/آذار الأليمة في بلادنا، وفي ساحلنا على وجه الخصوص. وأجدهما جديرتين فعلاً بالتوثيق وتأكيداً على حقيقة وجود نسغ انتماء وطني جديد يشرق لا محالة كحقيقة واقعة بين السوريين اليوم.

الحادثة الأولى هي حول شبان حاجز عسكري في منطقة من أكثر المناطق المنكوبة تضرراً في الساحل السوري. وشبان الحاجز أنفسهم كانوا هدفاً لهجمات مروعة عشية الأحداث وبحكم انتمائهم للعسكرية كانوا هدفاً لضربات وهجمات متواترة كان الهدف المباشر لها تصفيتهم في نقطتهم العسكرية بالذات. بعد انتهاء الهجوم عليهم وفي اليوم التالي مباشرة، اجتاحت الفصائل غير المنضبطة والعشوائية شبيهة الدفاع الوطني سابقاً المنطقة. وبحجة الثأر للهجمات التي تعرض لها هذا الحاجز وشبانه، ابتدأت تلك الفصائل الهمجية عمليات قتل وذبح وتعفيش منفلتة العقال، جنونية وهستيرية دون ضابط أو رادع وبوحشية لا توصف. فماذا كانت مهمة شبان الحاجز؟ وقد كان لي شرف معاينتها بأم العين، حيث إنه ومع الصباح الأول وبعد انتهاء الهجوم عليهم بالذات ومع انفلات الفصائل الهمجية في القرية، كان الشغل الشاغل لمجموعة شبان الحاجز هي حرفياً تخليص الأهالي ما أمكن وإنقاذ أرواحهم ما أمكن من يد المليشيات البربرية المنفلتة. عشرات العوائل أخرجوها هم من المنطقة.. عشرات المحال التجارية حموا محتوياتها.. عشرات البيوت منعوا حرقها.. وقد كنت في كثير من التفاصيل معهم لحظة بلحظة. قوافل كاملة من العائلات أخرجوها من مناطق الجنون والقتل وقد كنت معهم في أحد تلك القوافل.. وعلى طريق المدينة يوقف القافلة حاجز ليبدأ بالهجوم على أحد شبان الحاجز والذي تولى بنفسه إخراجهم.. وليصل به حد اتهامه بالخيانة.. لماذا تخرجهم أليسوا علوية؟ هل هم عطفوا علينا وعلى نسائنا؟ وليتحول الأمر إلى شبه صدام حتى تمكنّا أخيراً من التواصل مع المسؤول عن الحاجز وإيصال السيارات إلى منطقة آمنة. بضائع مسروقة أعادوها إلى محلاتها.. رأيتهم يقومون بجنزرة محلات مخلوعة وإقفال أبواب بيوت مكسورة.. وشهدت على عملية إعادتهم لسيارة مسروقة من جسر الشغور لمحامٍ من المنطقة ومن دون أي مقابل مادي. والعملية كلها موثقة بفيديوهات توثق تسليم السيارة لصاحب العلاقة.

عشرات المآثر الصغيرة والبسيطة كنت شاهداً عليها ومشاركاً لهم فيها.. الشبان على هذا الحاجز كانوا قد تعرضوا لهجوم وحشي قبل ليلة فقط وكان الغرض منه ذبحهم ولكنهم صدوا الهجوم ونجوا.. إنهم أبناء قرية واحدة.. وللعلم قريتهم مدمرة.. عائلاتهم وأطفالهم يسكنون الخيام.. وكل ذلك لم يمنعهم من القيام بعمل إنساني ووطني أصيل سيظل صداه طويلاً عند الشرفاء في المنطقة التي خدموا فيها وكان حاجزهم فيها.

الحادثة الثانية هي أنه وخلال عمليات إجلاء الأهالي استعنت بصديق لي يملك ميكرو باص لإخراج العوائل من المناطق المنكوبة باتجاه المدينة وباتجاه المناطق الآمنة. عشرات الأطفال والنساء والشبان وعشرات الرحلات قطعها ذاك الميكرو باص القديم ناقلاً المئات وهارباً بهم.. وخاصة في الأيام الأولى التي كانت فيها الرحلات مغامرة حقيقية بالأرواح، كلها بالمجان ودون أي مقابل.. في الرحلات الأخيرة اضطررنا أن نبدأ بالطلب من الأهالي وبخجل شديد أن يجمعوا لنا مبالغ زهيدة لأننا لم نعد فعلياً قادرين على شراء المحروقات.. مبالغ لا تتجاوز العشرة دولارات مقسمة على خمسة عشر شخصاً أو أكثر في الرحلة. ليتم شراء مادة المازوت ثم المتابعة بمهمات عملنا المنهكة من توزيع الخبز إلى إخلاء الأهالي..

ثلاث حقائق عن هذا الميكرو باص العتيد.. أولاها أن صاحبه الشهم من إدلب من ريفها المدمر بالذات وهو أب لطفلين يقطن في واحد من أفقر أحياء مدينة اللاذقية القنينص، وثانيتها هي أنه كان قد دفن ثلاثة شبان سقطوا على يد النظام الأسدي خلال الحرب السورية المريرة وكلهم بعمر الورود، وثالثتها هي أننا عرفنا بعد فترة أنه وفي المناطق التي كنا نعمل بها كان هناك بعض المرتزقة الذين نقلوا بعض الأهالي الميسورين إلى المدينة بكلفة تتجاوز الألفي دولار للرحلة الواحدة، في واحدة من أقذر أشكال الابتزاز والانتهازية.

عندما علمنا صديقي وأنا بالأمر ضحكنا كثيراً ونحن نتذكر خجلنا الشديد عند طلب العشرة دولارات من الأهالي ونحن فعلاً لم تعد في جيوبنا ليرة سورية واحدة.

إنهما مشهدان.. قدمتهما لك صديقي القارئ بعجلة ولكني واثق أن الصورة قد وصلت. هناك شيء كبير وعظيم وخفي كامن في أعماق الشعب السوري وأكبر من كل زبد الطائفية والمذهبية القذرة.. إنه انتماء وطني جبار وإحساس عميق بوحدة الحال ووحدة المصير تجعل السفاهات الطائفية تبدو صغيرة ووضيعة وبلا قيمة.. وتجعلنا ندرك كم أنها عابرة.. إنها لحظة آسنة فقط في تاريخ مسيرة شعب عظيم.

————————–

سوريا نحو نموذج يحطم أوهام الإخوان/ عبدالله الجديع

19 مايو ,2025

مع دخول المعارضة السورية إلى دمشق كان هناك (توتر نماذج) فكانت مراكز القرار والبحث الاستراتيجي في العالم تدرس ما يحدث وخلفيته لتصل إلى ما ترجح به قراءتها لأي نموذج يمكن أن تصل سوريا الجديدة، وسط تخوف عالمي مما حدث في 1992 حين استطاعت الفصائل المقاتلة في أفغانستان دخول العاصمة الأفغانية كابول، وإسقاط محمد نجيب الله آخر رئيس للنظام الموالي لموسكو في أفغانستان، ثم أضحت أفغانستان بؤرة للجماعات الجهادية ومعقلًا للتحريض على الإرهاب، وملاذًا للمطلوبين الأمنيين في العالم.

كان بشار الأسد وإعلامه يقول للعالم بأنه الخيار الأقل ضررًا، وأنه لو زال فإن باب شر سيفتح على العالم، وما إن فر إلى روسيا وسيطرت المعارضة على دمشق حتى سارعت الوفود المحسوبة على جماعة الإخوان إلى زيارة البلد الذي أضحى معقل آمالهم، فزارها عبدالرحمن بن يوسف القرضاوي، ووضاح خنفر، والمتحدث باسم وزارة الأوقاف في عهد محمد مرسي، سلامة عبدالقوي، وصاروا يتحدثون عن الملاحم التي ستدور في الشام كما كتب الحسن الكتاني، لكن سوريا الجديدة لم تفرز نموذج الزعيم الذي يظهر خلفه سلاح كرينكوف كما في مقاطع أسامة بن لادن والظواهري، ولا زعيمًا ينافس حسن نصر الله في خطاباته العاطفية المليئة بالحشود، بل ظهر السيد أحمد الشرع ببدلة رسمية بعيدًا عن تهديد أحد، بصوت هادئ واثق قائلًا للعالم بأن سوريا لن تكون مثيلًا لنموذج أفغانستان في التسعينيات.

زار الشرع السعودية وتعددت زياراته للدول العربية، وبجهد وكد وتعاون مع الدول العربية وعلى رأسها السعودية وصلت سوريا إلى مرحلة إسقاط العقوبات السابقة عليها، وظهر عندها ولي العهد السعودي مسرورًا فرحًا في صورة استحوذت على قلوب السوريين، فهي فرصة تاريخية لإعادة إعمار ما أفسده نظام الأسد، وهنا شرقت لذلك جماعة الإخوان، فاشتعل كتابها ومحللوها لتخوين الدولة الجديدة، كيف وهي تتقارب مع السعودية؟ كيف للرئيس السوري أن يصافح الرئيس الأمريكي ترمب؟ لقد عرفوا أن رئيس سوريا الجديد لن يجعل من سوريا موطئًا للإخوان، ولن تكون لهم فيها ما تمنوه طويلًا، فلا تريد سوريا لنفسها نموذجًا تدميريًا، بل نموذج بناء وحياة، نموذج يهتم بالسوريين، لا بالجماعة وعناصرها ومشاريعها العابرة للحدود.

إن السيد أحمد الشرع الذي وصفه ترمب بأن له «ماضيًا قويًا» يمتلك من المؤهلات ما يجعله يخيب ظنون المتطرفين إلى الأبد، ففي الماضي كتب الظواهري: «الحصاد المر؛ الإخوان المسلمون في ستين عامًا»، وثق فيه تنكر الجماعة للشعارات التي رفعتها، وأنهم غدروا بالشباب الذين غرروا بهم في ساحات الصدام والقتال، ويحتمل أن يكون يوسف القرضاوي قد قصد الرد على ذلك الكتاب حين كتب «الإخوان المسلمون، سبعون عامًا في الدعوة» وإن لم يصرح فيه بذلك في صفحاته، هذا الصراع الفكري الداخلي بين الجماعات لم يكن لتفوت مطالعته أحمد الشرع خلال سنوات الثورة السورية.

وفي طريق إنضاج أفكاره السياسية كان قد تجاوز الظواهري وتركته المكتوبة، لكنه خبر نظريًا ما يمكن لجماعة الإخوان أن تحدثه من ضرر لسوريا، وهي الجوهر الفكري والنظري لباقي الجماعات المتطرفة، تلك التي أرادت تحويل سوريا إلى نموذج غزة وجنوب لبنان، نموذج الفصائل لا الدولة، وكانت إيران حينها تدفع نحو هذا الاتجاه، فتجاوزت سوريا رد الفعل على الاعتداءات الإسرائيلية في الأراضي السورية، والتفتت إلى مصالحها الوطنية، ونصائح أشقائها كالسعودية التي عملت كتفًا بكتف مع السوريين، حتى توجت برفع العقوبات، واقتناع الإدارة الأمريكية بضرورة إعطاء سوريا فرصة النهوض من جديد.

إن النموذج الذي تقدمه سوريا اليوم يخالف كل التحذيرات السابقة بما فيها ما كان إعلام بشار الأسد يذيعه من تحولها إلى نموذج يسعى لتصدير تجربته، وتخالف كذلك آمال جماعة الإخوان فيها، فتجربة السيد الشرع هي الأثقل على النموذج الإخواني، ويصعب عليهم تحويل صراعهم معه إلى صراع ديني إذ لا تتنكر سوريا اليوم لدينها، وهم يلمسون شعبيته الكاسحة بين السوريين، فلا تستطيع الجماعة تقديم خطاب شعبوي يهاجمه لأنه صافح ترمب مثلًا، أو لأنه يمتدح السعودية فالشعب السوري ينسجم اليوم مع قيادته، ويجد أنها تمثله في خطواتها السياسية، وانفتاحها على الدول العربية وتحسين علاقاتها معهم، إنه النموذج الذي يلتفت إلى الإنجاز على الأرض، دون الشعارات الشعبوية، ونجاحه إفشال لمشاريع الإخوان في المنطقة.

نقلاً عن “الوطن”

——————————

هل أفشلت إيران قمّة بغداد؟/ إياد الدليمي

20 مايو 2025

منذ قرابة عقدَين ومعيار نجاح القمم العربية في طبيعة المشاركين، لا في بيانات ومواقف وإجراءات تُتَّخذ، فقد تحوّلت تلك القمم مجرّدَ تجمّع رسمي عربي تنظّمه جامعة الدول العربية من دون أيّ مفعول يُذكر، سواء على مستوى الواقع العربي والتحدّيات التي تواجهه سياسياً واقتصادياً، أو حتى على مستوى العلاقات العربية العربية. وتبعاً لتلك المعايير، يمكن القول إن القمّة العربية التي استضافتها بغداد (السبت الماضي) كانت قمّةً فاشلةً، فلولا مشاركة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، والرئيس المصري عبد الفتّاح السيسي، لتحوّلت قمّة بغداد اجتماعاً على مستوى وزراء الخارجية (أو أقل)، بعد أن أرسلت بعض الدول مندوبيها في الجامعة، في حين أرسلت دول أخرى وزراء دولة، فمَن أفشل القمّة العربية التي كانتْ تعوّل عليها بغداد كثيراً؟ وما علاقة إيران بذلك؟

قبل أيّام قلائلَ من موعد انعقاد القمّة في بغداد، وبينما كان الحديث يدور عن مستوىً عالٍ من المشاركة العربية فيها، خاصّة في الإعلام العراقي، فاجأ قائدُ فيلق القدس الإيراني إسماعيل قاآني الجميعَ بزيارة مُعلَنة إلى العراق، وتلك من حالات نادرة، وهذه المرّة بزيّ مدني، خلافاً لزياراته السرّية التي كان يرتدي فيها زيّاً عسكريّاً، نادراً ما كان يُشاهد في غيره، سواء في العراق أو في إيران. احتفى مستشار الأمن الوطني في العراق قاسم الأعرجي بزيارة قاآني لبغداد، ونشر صور استقباله في حسابه في منصّة أكس، قبل أن يحذفها بعد انتقادات طاولته، منها ما كتبه السيناتور الجمهوري الأميركي جو ويلسون منتقداً الأعرجي.

كانت حكومة محمّد شيّاع السوداني تراهن على حضور عربي كبير وفاعل، يمكن أن يُساهم في عقد قمّة عربية استثنائية، تخرج بمقرّرات استثنائية، خاصّةً أنها تُعقَد في ظرفٍ عربي حسّاس ودقيق، مع تواصل الحرب العدوانية التي تشنّها دولة الكيان الإسرائيلي على غزّة وسط مذابح لا تتوقّف، والحملة الإسرائيلية المسعورة على دول أخرى في المنطقة، سواء في سورية أو في لبنان أو اليمن، فضلاً عن المتغيّر الكبير الذي طرأ على المنطقة والمتمثّل بإسقاط نظام بشّار الأسد، ناهيك طبعاً عن اليد الأميركية التي عادت إلى المنطقة بقوة بعد سنوات من جفوة “ديمقراطية” كادتْ تودي بدول الخليج إلى الصين، كما عبّر عن ذلك دونالد ترامب في مقابلته مع “فوكس نيوز”، بعد عودته من زيارته الخليجية الاستثنائية.

ليس من قبيل التكهّن القول إن زيارة قاآني لبغداد كانت مُحبِطةً عربياً، وربّما كانت أحد أسباب الفشل، وإلا لماذا اختار قائد فيلق القدس هذا التوقيت؟ ولماذا، وهو الذي اعتاد أن يدخل العراق متخفّياً، أن تكون زيارته علنية؟ ولماذا لم تُرسِل طهران شخصيةً دبلوماسيةً إذا كان الأمر يتعلّق بمطالب إيرانية معيّنة من القمّة العربية كما ردّد بعضهم؟

تبدو تلك التساؤلات كلّها مشروعةً، وهي مؤشّر غير مريح إلى رغبة إيرانية في إفشال القمّة العربية في بغداد، توازيها حملة تسقيط شنّتها وسائل إعلام ونواب وساسة مقربون من إيران على القمّة العربية، وعلى رئيس الحكومة محمد شياع السوداني. هذه الحملة التي وصلت إلى حدّ التهديد العلني عبر الفضائيات العراقية باعتقال الرئيس السوري أحمد الشرع في حال مشاركته في القمّة، بل تجاوز الأمر إلى التهديد العلني باغتياله، وهو كلام لم يصدر من ناشطين أو صحافيين أو كتّاب رأي، وإنما من نوّاب. ولم يتوقّف الأمر عند هذا، بل تحوّلت وسائل إعلام عراقية (موالية للإطار التنسيقي) منابرَ لمهاجمة القمّة العربية، والأموال التي صرفتها الحكومة، حتى وصل الأمر بنائب سابق إلى اتهام الحكومة بشراء ملاعق ذهب بملايين الدولارات من أجل ضيوف القمّة العربية.

ظهرت تداعيات ذلك في ضعف التمثيل العربي، وهو ما اعترف به الناطق باسم الحكومة العراقية، باسم العوادي، عقب القمّة. قال إن غياب عدد كبير من الزعماء العرب لم يكن مجرّد مصادفة دبلوماسية، بل جاء في ظلّ تساؤلات واستفسارات وجّهتها مؤسّسات عربية حول ما جرى في الشارع العراقي قبيل انعقاد القمّة، خصوصاً التظاهرات والمشاهد المتداولة في مواقع التواصل الاجتماعي.

ليس سرّاً أن السوداني، الذي جاءت به قوى الإطار التنسيقي بعد انتخابات 2021، لم يعد على وفاق مع رفاق الأمس، فهو، من وجهة نظرهم، بات أكثر بعداً عن المحور الإيراني في العراق، وسعى إلى الاستقلالية في مواقفه عن مواقف هذه القوى، وهناك حالة من التوافق الكردي السُّني معه، وهي مؤشّرات خطيرة بالنسبة إلى الإطار التنسيقي، بالإضافة إلى ما قيل عن فضيحة التنصّت التي اتُّهم بها مكتب السوداني قبل عام ونصف العام تقريباً.

جاءت الرسالة الإيرانية واضحةً ومؤثّرةً، نحن هنا في بغداد، التي ربما تكون آخر قلاع إيران للدفاع عن نفسها بعد المتغيّرات التي هبّت رياحها على المنطقة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول (2023)، فبعدما خسرت إيران حليفها الأبرز، حزب الله، وبعد اغتيال قادته، ومشروع سحب سلاحه الذي يسير على قدم وساق في لبنان، وبعدما تهاوى عرش حليفها الأسد في سورية، وانتهى إلى غير رجعة، وفي ظلّ الضربات التي توجّه إلى حليف إيران في اليمن، الحوثي… ذلك كلّه جعل من بغداد خياراً مصيرياً لإيران في ظلّ تراجع كبير لمساحة النفوذ التي شغلتها منذ احتلال العراق عام 2003، وفي ظلّ مفاوضات إيرانية أميركية يبدو أنها غير مريحة لطهران.

يقف العراق عند مفترق طرق، فهو إمّا أن يركب قطار التغيير الذي انطلق سريعاً ويبتعد عن إيران ومحورها، أو يبقى واقفاً في محطّته الإيرانية التي ربما لن تكون متوفرةً، حتى للانتظار في مرحلة قريبة. بالتالي، على ساسة العراق اليوم أن يعيدوا ترتيب أوراقهم قبل أن تعصف بها ريح المنطقة ومتغيراتها، وتبعثرها بين المنافي مرّة أخرى، فالتعامل مع تلك المتغيّرات وإن بدا ممكناً اليوم، قد لا يكون كذلك في قابل الأيّام، وقديماً قيل: “واللبيب بالإشارة يفهم”.

العربي الجديد

————————-

من دمشق إلى تل أبيب.. من سرّب أرشيف إيلي كوهين؟/ ماهر حسن شاويش

2025.05.20

في الذكرى الستين لإعدامه، أعلن الموساد الإسرائيلي عن عملية “سرية ومعقّدة” أسفرت عن استعادة أرشيف الجاسوس إيلي كوهين من سوريا إلى إسرائيل، بالتعاون مع جهاز استخبارات “استراتيجي شريك” لم يُكشف عن هويته.

العملية شملت أكثر من 2,500 مستند، صورة، وأغراضاً شخصية من بينها وصيته الأصلية، مفاتيح شقته بدمشق، جوازات سفر مزورة، وصور مع قيادات سورية بارزة في تلك الحقبة.

لكن اللافت في هذا الإعلان لم يكن حجمه، بل توقيته: جاء بعد سقوط نظام بشار الأسد، وفي ظل صعود إدارة الرئيس أحمد الشرع، الذي تبنّى نهجًا سياسيًا مختلفًا، ينفتح على الغرب والخليج، ويُبقي موقفه من إسرائيل وفلسطين في دائرة غموض مقلقة.

توقيت يكشف أكثر مما يخفي؟

بخلاف عملية استعادة جثة الجندي زخاريا باومل من مخيم اليرموك عام 2019 – والتي تمّت بتنسيق مع روسيا والنظام السابق – لم تعلن إسرائيل متى نُفّذت عملية كوهين، ولا كيف خرج الأرشيف من سوريا، ولا هوية الشريك الذي سهل نقله.

لا يُستبعد أن يكون توقيت الإعلان الإسرائيلي عن استعادة أرشيف كوهين جزءًا من أجندة ضغط ناعمة على دمشق الجديدة، التي تنتمي لمرجعية وطنية وإسلامية يصعب التفاهم معها وفق المعايير الإسرائيلية التقليدية.

ومع تعثر محاولات التأثير عليها عسكريًا عبر الجنوب السوري، أو عبر الاستهدافات المتكررة لمواقع قريبة من القرار السيادي، قد ترى إسرائيل في تسريب هذه الملفات وسيلة لإرباك الإدارة الجديدة داخليًا، وإحراجها أمام جمهورها الطبيعي، خصوصًا في ظل صمتها المتكرر إزاء ملفات فلسطين وإسرائيل.

غموض لا يقتصر على كوهين

وفي السياق ذاته، كانت إسرائيل قد أعلنت أيضًا عن استعادة أجزاء من رفات الجندي تسفي فيلدمان، الذي قُتل في معركة السلطان يعقوب عام 1982. ورغم أن تفاصيل العملية لم تُكشف بالكامل، إلا أن تسريبات متعددة أشارت إلى عدة سيناريوهات ناقشناها سابقًا في مقال بعنوان “هل نحن أمام اتفاق أم اختراق؟”، دون أن تُنسب العملية حينها لأي جهة، سواء من النظام السوري السابق أو الحالي.

سياسة “الصمت المتكرر” لا تقتصر على قضية كوهين

 في الأسابيع الأخيرة، شهدت سوريا الجديدة:

– توقيف طلال ناجي، الأمين العام للجبهة الشعبية – القيادة العامة.

– اعتقال قيادات من حركة الجهاد الإسلامي.

– غياب أي موقف رسمي من هذه الإجراءات، أو من قضايا فلسطين عمومًا حتى في خطاب الرئيس أحمد الشرع الأخير.

كل ذلك يجري وسط تحوّل سياسي تقوده إدارة الرئيس الشرع، عنوانه المعلن: “الانفتاح الإقليمي والدولي”. لكن هذا الانفتاح لم تُحدد حدوده بعد، ولا اتجاهاته الفعلية.

والسؤال الذي لا يجد جوابًا واضحًا هو:

هل سياسة الغموض هذه تجاه فلسطين وإسرائيل مقصودة؟ أم أنها انعكاس لحالة انتقال سياسي لم تكتمل بعد؟

وفي المقابل، لا يمكن استبعاد احتمال أن يكون الغموض الذي تتبناه الإدارة السورية الجديدة في التعامل مع هذه الملفات الحساسة تكتيكًا مقصودًا، وربما محمودًا في بعض مراحله. فالدولة الخارجة من حقبة أمنية خانقة، والغارقة في ترتيبات إقليمية معقدة، قد تختار الصمت المؤقت كوسيلة لتجنّب الاستقطاب، أو لضبط إيقاع خطواتها السياسية دون انكشاف مبكر.

بين حق التساؤل وواجب الشفافية

لا يقصد هذا المقال الاتهام المباشر لأي جهة، ولا يبتغي التبرئة في ذات الوقت، ولا يدّعي أيضًا امتلاك الحقيقة بل ينشدها.

ولذلك في لحظة كهذه، من المشروع أن يتساءل السوريون:

– من سهّل خروج أرشيف إيلي كوهين من دمشق؟

– ولماذا لا توضح الإدارة الجديدة موقفها من ذلك؟

– وهل الصمت المتكرر سياسة متعمدة أم غياب موقف؟

– وماذا تعني التحركات ضد فصائل فلسطينية داخل سوريا في هذا التوقيت بالذات؟

– ولماذا يغيب ذكر فلسطين – كقضية مركزية – عن خطاب رسمي للرئيس أحمد الشرع، في توقيت يُعاد فيه تشكيل المشهد الفلسطيني برمّته، من غزة إلى الضفة، ومن طهران إلى أبو ظبي؟

ختامًا.. في السياسة لا يوجد فراغ بلا ثمن

قد تكون السياسة المتّبعة حاليًا من باب الحذر، أو نتيجة ظروف انتقالية معقدة، أو تعبيرًا عن ترتيب جديد للعلاقات الإقليمية.

لكن الغموض المستمر تجاه ملف حساس مثل العلاقة مع إسرائيل – واسترجاع أرشيف تجسس من قلب دمشق – قد يُضعف ثقة الشارع ويغذّي الشكوك.

في السياسة، الصمت موقف، وإن لم يكن تصريحًا.

وفي ذاكرة الدول، كل ورقة تُهرّب، وكل ملف يُسلَّم، هو جزء من تاريخ قد لا يُكتب من جديد… بل يُخشى أن يُباع أو يُقايض عليه، في صفقات تُصاغ خلف الأبواب الموصدة، وتُكشف لاحقًا على هيئة “إنجازات استخباراتية” من تل أبيب.

بكلمة: تكتيك الغموض قد يكون مفيدًا ومحمودًا، ولكنه أيضًا قد يكون محفوفًا بالخطر .

تلفزيون سوريا

—————————

 سوريا والأردن يعلنان إطلاق مجلس تنسيقي أعلى

الثلاثاء 2025/05/20

أكد وزير الخارجية الأردنية أيمن الصفدي، أن الأردن يقف بشكل مطلق إلى جانب سوريا في مواجهة العدوان الإسرائيلي، مشدداً على أن العبث بأمن الجنوب السوري مرفوض لدى بلاده، فيما قال نظيره السوري أسعد الشيباني، إن الجميع يشعر بالخوف من العقلية الإسرائيلية الجديدة.

جاء ذلك خلال مؤتمر صحافي للوزيرين من قصر تشرين في العاصمة السورية دمشق، اليوم الثلاثاء، وذلك خلال زيارة وفد وزاري أردني برئاسة الصفدي، ضم وزراء المياه والري والصناعة والتجارة والطاقة والثروة المعدنية والنقل، حيث عقدوا اجتماعات مع نظرائهم من الجانب السوري.

وشهدت الزيارة إعلان انطلاقة مجلس تنسيقي أعلى بين البلدين، وتوقيع مذكرة تفاهم لتعزيز التعاون في قطاعات الطاقة والنقل والمياه.

تهديد سوريا تهديد للأردن

وقال الصفدي خلال المؤتمر، إن الجنوب السوري امتداد وعمق لأمن الأردن الوطني، و”إسرائيل تعبث بأمن هذا الجنوب ونحن لا نقبل بذلك”، مؤكداً أن الاعتداءات على الجنوب السوري هو اعتداء على الأردن.

وطالب الوزير الأردني بوقف التدخلات الخارجية في الشؤون السورية، مؤكداً أن عمّان تقف بشكل مطلق مع دمشق في مواجهة العدوان الإسرائيلي، وأن ما يهدد أمن سوريا واستقرارها يهدد أمن الأردن واستقراره.

ووصف الاعتداءات الإسرائيلية بأنها “لا شرعية ولا قانونية ولا أخلاقية ولا تؤدي إلا إلى الفوضى”، مؤكداً أن على إسرائيل احترام سيادة سوريا وإنهاء احتلالها للأراضي السورية، وكذلك الأراضي اللبنانية والفلسطينية.

وفيما أكد أن الأردن يتشاطر مع سوريا التحديات والفرص، لفت الصفدي إلى أن الأردن هو بوابة سوريا إلى الخليج العربي والوطن العربي، وسوريا هي بوابة الأردن إلى أوروبا. وقال إن سوريا تمر بمرحلة تاريخية، والأردن سيكون لها السند والداعم حتى الوصول إلى بناء سوريا الحرة المستقرة الآمنة لكل مواطنيها، والتي يشكل استقرارها ركيزة لاستقرار المنطقة برمتها.

تهديدات مشتركة

من جهته، أكد الشيباني وجود تهديدات أمنية مشتركة تواجه سوريا والأردن، معرباً عن شكره للملكة على موقفها الداعم لسوريا. وقال إن التهديدات لا تخص سوريا وحدها، إنما تخص دول المنطقة كافة، وإن الجميع يشعر بالخوف من العقلية الجديدة التي يصدرها الجانب الإسرائيلي تجاه المنطقة، مؤكداً أن لا أحد  يقبل التعايش مع هذه التهديدات.

مجلس تنسيقي أعلى

وشهد اجتماع دمشق، إعلان انطلاقة مجلس تنسيقي أعلى بين البلدين، وتوقيع مذكرة تفاهم لتعزيز التعاون في قطاعات الطاقة والنقل والمياه، وفق الشيباني الذي أكد أن اجتماع اليوم، “يشكل نقطة تاريخية في تاريخ البلدين ونقطة مهمة جدا في مستقبل العلاقة بين البلدين”.

وأوضح الوزير السوري أن المجلس سيتولى الإشراف على تعزيز التنسيق، ليس فقط على مستوى الوزارات المجتمعة، إنما يشمل جميع الوزارات ذات الشأن، وذلك على أن تُعقد اجتماعات دورية تُرفع تقاريرها إلى القيادتين في الأردن وسوريا.

وإذ لفت إلى أن اجتماعات أخرى ستُعقد لاحقاً في عمّان أو دمشق، إلى جانب عقد اجتماعات ثنائية بين الوزارات النظيرة، أكد وجود توجيهات وأوامر بتعزيز العلاقة وتسهيل كافة الإجراءات على المستويين السياسي والحكومي.

كما أكد أن التنسيق الاقتصادي مع الجانب الأردني كان عالياً جداً منذ بداية تحرير سوريا، وأن الأردن كان حريصاً على هذا التعاون، وأن رفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا سيفسح المجال لشراكات أكبر، ويمنح فرصة أوسع مع الجانب الأردني.

ولفت إلى أن لدى سوريا، مشاريع المتقدمة على المستوى الاقتصادي لتنفيذها، مشيراً إلى وجود محادثات مع تركيا ودول الخليج للاستفادة من موقعهم في تعزيز الشراكات الاقتصادية، مؤكداً أن هذا التعاون سيمتد نحو أوروبا والعالم.

وفيما يخص اللاجئين السوريين في الأردن، أوضح أن الاجتماعات بحثت وضع آلية تضمن عودة اللاجئين السوريين بشكل آمن ويضمن احتياجات السوريين.

——————————-

وداعاً للسلاح… فلسطينياً وعربياً وكردياً أيضاً !/ ماجد كيالي

20.05.2025

 يبدو أن خيار الكفاح المسلّح، الذي انتهجته الفصائل الفلسطينية في فلسطين وخارجها، منذ ستّة عقود، و”حزب الله” في لبنان ضدّ إسرائيل، منذ أكثر من أربعة عقود، والذي انتهجه “حزب العمّال الكردستاني” ضدّ تركيا، انتهى وبات في ذمّة التاريخ، وكتجربة للدراسة واستنباط العبر لمن أراد.

حصل ذلك مؤخّراً، مع قرار “حزب العمّال الكردستاني” إلقاء سلاحه، وتخلّيه عن الخيار العسكري، الذي انتهجه منذ أربعة عقود في مواجهة تركيا، ولتكريس وجوده في شمال سوريا طوال العقد الماضي.

ثمّة جملة ظروف وعوامل أسهمت في تغيير “حزب العمّال” لعقيدته، منها الأثمان الباهظة التي دفعها الشعب الكردي، لا سيّما في تركيا، وفشله في تحقيق مكاسب سياسية واضحة للكرد في تركيا، بالقياس مع ما حقّقه كرد العراق بإقامة كيان سياسي لهم، يُضاف إلى ذلك تغيّر الظرف السوري بانهيار نظام الأسد.

 بيد أن العامل الأساسي الذي حسم هذا الأمر، تمثّل بانحسار النفوذ الإقليمي لإيران، وانكشاف هشاشة ادّعائها بالقوّة والقدرة على مواجهة إسرائيل، إضافة إلى خواء أطروحتها عن المقاومة وعن “وحدة الساحات”.

الإحالة على إيران تتعلّق بحقيقة مفادها أن أي عمل مسلّح لا بدّ أن يستند إلى دولة، أو عدّة دول، إذ إنه يستلزم المال والسلاح والذخيرة والخدمات اللوجستية، كما يستلزم الدعم السياسي، وتلك الأمور يتعذّر على أي فصيل، أو قوّة ميليشياوية، فلسطينية أو لبنانية أو سورية أو عراقية أو كردية، تأمينها بإمكاناتها الذاتية، مهما كانت مشروعيتها، ومهما كانت عدالة قضيتها؛ علماً أن “حزب العمّال” كان يستمدّ دعمه منذ قيامه، من نظام الأسد ومن النظام الإيراني.

يُستنتَج من ذلك أن تداعيات “طوفان الأقصى”، التي نجم عنها تقويض نفوذ إيران في بلدان المشرق العربي، وتالياً انهيار الخيار العسكري الدولتي والفصائلي، في مواجهة إسرائيل أو مقاومتها، وصلت عدواها إلى “حزب العمّال الكردستاني” في تركيا، وتالياً في سوريا.

أيضاً، من الواضح أن تلك الخطوة أتت في الطريق ذاته الذي وصلت إليه القوى الأخرى، فحركة “حماس” مثلاً، التي كانت تتحدّث عن زلزلة الأرض تحت أقدام إسرائيل وهزيمتها، باتت تطالب بمجرّد وقف الحرب، مع الاستعداد للتخلّي عن السلطة في غزّة، وعقد هدنة طويلة الأمد مع إسرائيل، بعد حرب الإبادة التي تعرّض لها فلسطينيو قطاع غزّة، حتى إنها وصلت إلى حدّ تسليم السلطة اللبنانية منتسبين من صفوفها، متّهمين بإطلاق صواريخ على إسرائيل من لبنان، وهذا أمر ما كان يمكن أن يحصل قبل عامين.

هذا يشمل “حزب الله” صاحب نظرية، أو صاحب وهم “بيت العنكبوت”، الذي بات يُبدي امتثالاً ملحوظاً للدولة اللبنانية، بعيداً عن ثلاثية “الشعب والجيش والمقاومة”، باستعداده لتسليم السلاح، ووقف أي عمل من أعمال المقاومة ضدّ إسرائيل، وترك الأمر للدولة اللبنانية.

ومعلوم أن الحزب كان توقّف عملياً عن المقاومة منذ 2000 إلى أواخر 2023، أي طوال 23 عاماً، باستثناء العملية التي تمثّلت بخطف جنديين إسرائيليين  في العام 2006، والتي نجم عنها شنّ إسرائيل حرباً مدمرة على لبنان، اضطرّ على إثرها زعيم “حزب الله” حسن نصر الله للتصريح أنه لو كان يعلم أن ردّ إسرائيل على تلك العملية سيكون مدمّراً بهذا الشكل، لما نفّذها، فخلال كلّ تلك السنوات كانت وظيفة “حزب الله” تنحصر في تعزيز مكانته وهيمنته على السلطة في لبنان، كامتداد لنفوذ إيران الإقليمي، إضافة إلى دوره في الدفاع عن نظام الأسد البائد، ومشاركته في قتل السوريين وتشريدهم.

هذه المادّة ليست مراجعة لتاريخ الكفاح المسلّح، وجدواه، وتحوّلاته، ومآلاته، إذ كنت دأبت على الكتابة عن ذلك طوال العقود الثلاثة الماضية، كدراسات ومقالات، بل وخصّصت كتابين لهذا الأمر هما: “نقاش السلاح قراءة نقدية في إشكاليات التجربة الوطنية الفلسطينية”  الصادر في عام 2020، و”من نفق عيلبون إلى طوفان الأقصى… نقاش في المسيرة التراجيدية للحركة الوطنية الفلسطينية” الذي صدر هذا العام.

القصد أن الكفاح المسلّح في هذه المنطقة بات بمثابة قصّة من الماضي، مع كلّ ما تضمنته من مآسي، لأسباب عديدة، من ضمنها أولا: التعب أو الاستنزاف، الذي تعرّضت له طوال العقود الماضية المجتمعات المعنّية، فلسطينية ولبنانية وسورية وعراقية، وأيضاً هذا يشمل مجتمعات الكرد في تركيا والعراق وسوريا، وكلّهم وصلوا إلى طرق مسدودة.

ثانياً: إن مصادر، أو أصول، أو وسائل الكفاح المسلّح لم تعد متوفّرة، بخاصّة بعد انكشاف هشاشة أو وهم “وحدة الساحات”، وانهيار النظام السوري، وحرص إيران على النأي بنفسها عن التورّط في أي مواجهة عسكرية، وتبعاً لذلك فقد بات من المتعذّر توظيف أذرع ميليشياوية تشتغل لصالح أجندة هذا النظام أو ذاك.

ثالثا: حصل ذلك أيضاً، بسبب تغوّل إسرائيل المدعومة أميركياً، وبانكشاف بلدان المشرق العربي أمام عدوانيتها المتوحّشة، إذ باتت تضرب أي هدف أو شخص لمجرّد اعتقادها بأنه قد يهدّدها في فلسطين وسوريا ولبنان، وحتى في اليمن وإيران؛ من دون أن يستطيع أحد الردّ عليها بالشكل المناسب.

رابعا: تبيّن من التجربة المديدة والمرّة والمؤلمة، أن القضايا المحقّة والعادلة لا تعطي صكاً مفتوحاً يبيح لأصحابها انتهاج كلّ الخيارات، من دون دراسة، بخاصّة إذا كانت الكلفة أكثر بما لا يقاس من المردود، علماً أن خيار الكفاح المسلّح هو أحد الخيارات الكفاحية، لكنّ انتهاجه يفترض أن يخضع لشروط معيّنة، ذاتية وموضوعية، ضمنها قدرة الشعب على التحمّل، والقدرة على تحقيق إنجازات سياسية، ووجود ظرف داخلي وخارجي يمكّن من استثمار هذا الشكل الكفاحي في إنجازات سياسية.

وفي التجربة التاريخية فإن الخيار العسكري الدولتي في الصراع ضدّ إسرائيل انتهى مع حرب 1973، وانتهت معه فكرة، أو ادّعاء أن “فلسطين القضيّة المركزية للعالم العربي”، ومع اعتراف الأنظمة بوجود إسرائيل والتسوية معها وفقاً للمبادرة العربية “الأرض مقابل السلام” في قمّة بيروت 2002.

بيد أن ذلك الخيار استمرّ بشكله اللا دولتي مع الحركة الوطنية الفلسطينية، لكنه انتهى عملياً من الخارج، بعد اجتياح لبنان في عام 1982، ثم استمرّ بعدها من الداخل، إبّان الانتفاضة الثانية من 2000 إلى 2004، وعبر الحرب الصاروخية إثر هيمنة “حماس” على غزّة منذ 2007.

أيضاً فقد استمرّ الشكل اللا دولتي في المقاومة مع “حزب الله” في لبنان، لكنّ ذلك توقّف عملياً بعد انسحاب إسرائيل الأحادي من جنوب لبنان في عام 2000، باستثناء لحظة خطف جنديين إسرائيليين التي استجرّت حرباً إسرائيلية وحشية ومدمّرة على لبنان في عام 2006، كما قدّمنا، ثم استؤنفت في ما يسمّى “حرب الإسناد” لغزّة، بعد “الطوفان” أواخر 2023، الأمر الذي أدّى إلى شنّ إسرائيل حرباً طاحنة ضدّ “حزب الله” أدّت إلى تدمير مقدّراته.

في الخلاصة، بعد كلّ تلك التحوّلات، نحن نقف اليوم إزاء لحظة انتهاء، أو انهيار خيار الكفاح المسلّح في مواجهة إسرائيل، مع انتهاء إمكاناته فلسطينياً ولبنانياً وسورياً وإيرانياً؛ وهو ما يشمل الواقع الذي كان وراء قرار “حزب العمّال الكردستاني” بإلقاء السلاح.

المشكلة هنا، أن الانتهاء من خيار الكفاح المسلّح، لدى كلّ الأطراف أتى بالإكراه، وبعد أن انعدمت تقريباً إمكاناته، إذ إن ذلك لم يحصل نتيجة قناعة سياسية بضرورة البحث عن خيارات كفاحية أنسب وأجدى، أو نتيجة وعي بفشل التجربة، أو بسبب المآسي التي نجمت عن ذلك، بمعنى أن المحرّضات العقلانية والأخلاقية لم تكن وراء ذلك المقصد، وهذا دليل آخر على عقم الأطراف التي تبنّت الكفاح المسلّح، وتسبّبت بطريقة إدارتها له بكلّ تلك الأثمان، إذ إن خيار الكفاح المسلّح كان خياراً سلطوياً، أو اشتغل كذلك في المجتمعات المعنّية؛ فلسطينية ولبنانية وكردية، أكثر من اشتغاله ضدّ إسرائيل وغيرها أيضاً.

درج

———————————–

إرث دولة المخبرين.. كيف مزق نظام الأسد المجتمع السوري؟

19 مايو 2025

تعيش العاصمة السورية دمشق على وقع توترات قديمة بعد سقوط نظام الأسد، حيث يواجه من اتُّهموا بالتعاون مع النظام غضب محيطهم الاجتماعي، في الوقت الذي تتصاعد فيه مشاعر الانتقام والخوف في الأحياء التي شهدت انتهاكات من قبل الميليشيات التابعة لنظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، وفقًا لتقرير من إعداد صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية.

تشير “واشنطن بوست” في مقدمة تقريرها إلى أن نظام الأسد حوّل سوريا إلى دولة مخبرين، حيث باتت البلاد تراقب نفسها بنفسها، في الوقت الذي كان فيه الجيران والزملاء يبلغون عن بعضهم البعض في كل حي ومكان عمل: ماذا قالوا، وأين ذهبوا، ومن زارهم للعشاء.

وبعد أكثر من نصف قرن على حكم نظام الأسد، تلاشى بين ليلة وضحاها في كانون الأول/ديسمبر الماضي، مع تقدم قوات المعارضة إلى العاصمة دمشق، حيث ترك الأسد خلفه مجتمع ممزق بالشك والخيانة، فيما كان سؤال واحد يطارد الجميع: من منهم ساهم في ترسيخ استبداد آل الأسد؟

مرارة الخيانة تتجسد في قصة واقعية

تقول الصحيفة الأميركية إن مرارة الخيانة تتجسد في قصة واقعية حدثت في حي التضامن جنوب دمشق. في هذا الحي كان، حمدي البرابري، يعتني بحماماته على سطح منزله في آذار/مارس الماضي، عندما مرت رصاصتان بجانب وجهه، فسقط أرضًا وهو يحاول الهروب، مشيرًا إلى أنه كان يعرف مصدر الطلقات.

يُتهم والده، أبو أيمن، وهو خباز، بأنه كان مخبرًا للنظام خلال الحرب السورية. ومع ذلك، رغم نفي أبو أيمن هذه الاتهامات، إلا أنه أقرّ في مقابلة حديثة بأنه قاد عناصر من فرع فلسطين السيء السمعة إلى منازل أناس قال إنهم هددوه، وقُتِلوا جميعًا تحت التعذيب داخل الفرع.

وفقًا لـ”واشنطن بوست”، تعيش عائلة المغربي على بعد عدة أبواب من منزل البرابري، وهي من العائلات المعروفة بمعارضتها لنظام الأسد. يتذكر شباب العائلة موجة الرعب التي بثّها عناصر ميليشيا موالية للأسد، كان أبو أيمن وابنه وسيم من بينهم.

يقول أحمد المغربي لـ”واشنطن بوست” إنه وابن عمه موسى اعتقلا وتعرضا للتعذيب على أيدي تلك الميليشيا، وأضاف “كان المخبر أبو أيمن.. لقد دمّر عائلتنا”. لكن الأخير نفى تورطه في اعتقال أحمد، وقال إنه أبلغ السلطات مرة واحدة فقط، مؤكدًا أنه “كان دائمًا إلى جانب أهالي الحي”.

تشير الصحيفة الأميركية إلى أنه منذ سقوط الأسد، تتكرر هذه التوترات بين عائلات سنّية في أنحاء البلاد، مع سعي من تعرّضوا للخيانة إلى تصفية الحساب مع من خانهم، لافتةً إلى أن هذه الانقسامات تشكل تحديًا كبيرًا للحكومة السورية الجديدة، التي تواجه أيضًا توترات طائفية عميقة نابعة من الغضب الشعبي تجاه الطائفة العلوية. ورغم دعوات المصالحة والوحدة الوطنية، لم تُطرح حتى الآن خارطة طريق واضحة لتحقيق ذلك.

كان الجناة جيرانًا لضحاياهم

عاشت عائلتا البرابري والمغربي في حي التضامن بدمشق، الذي كان إعلام النظام يصوّره على أنه مثال للتعايش الاجتماعي. لكن خلال سنوات الحرب، اختفى الآلاف من سكان الحي، بعضهم اعتقل في سجون نظام الأسد، وبعضهم دفن في قبور بين الأبنية. وكان الجناة في كثير من الأحيان جيرانًا لضحاياهم، بحسب “واشنطن بوست”.

ولفتت الصحيفة الأميركية إلى أن المعلمين في المدارس كانوا يكتبون تقارير عن الأطفال الذين يرددون ما يسمعونه في المنزل. وبعد سقوط الأسد، عاد أحد التلاميذ، الذي أصبح مقاتلًا معارضًا، ليواجه مديرة مدرسته، متهمًا إياها بالتسبب في اختفاء والديه. وقالت امرأة أخرى إن أصدقاء زوجها السابق أبلغوا نظام الأسد بأنها تحمل ميولًا معارضة.

أصبح أبو أيمن ثريًا خلال حكم النظام، حيث امتلك نحو 12 عقارًا وعدة مشاريع صغيرة، وبعدما حاول سكان من حي مجاور ابتزازه، ساعد أجهزة الأمن في تحديد المتورطين، وقادهم ليلًا إلى منازلهم. وتضيف الصحيفة أن أبو أيمن انضم إلى ميليشيا “قوات الدفاع الوطني” الموالية للنظام، والتي نصبت حاجزًا أمام منزله، وكان عناصرها يطلقون النار عشوائيًا على السكان.

أشار أحمد المغربي في حديثه إلى أنه اعتُقل بعد أن أهانت شقيقته صورة للأسد، فيما اعتُقل موسى بعد شجار مع جار انضم للميليشيا، بعدما اقتاده عناصر بلباس مدني من شاحنته، وتركوا طفليه في المقعد الخلفي.

في فرع فلسطين، قال موسى إن السجّانين أطفأوا السجائر على جسده، فيما عُلّق أحمد من معصميه حتى انكسرا، وعندما سُمح لعائلتيهما بزيارتهما في السجن، لم يتعرفوا عليهما إلا بعد أن نادوهما بالاسم.

لقد اختفى الرعب

مع تقدم قوات المعارضة في السابع من كانون الأول/ديسمبر نحو دمشق، أيقظ حمدي والده في منتصف الليل. وفي غضون ساعات، اتفقت العائلة على أن مغادرة أبو أيمن قد تنقذهم، حيث قام بجمع ملابسه وبعض المال وهرب إلى لبنان بعد ثلاثة أيام مع زوجته وابنه وسيم.

وفي صباح الثامن من كانون الأول/ديسمبر، وقف موسى وأحمد مذهولين في الشارع، يشاهدان الحشود تمزق صور الأسد، لقد اختفى حاجز ميليشيا قوات الأسد، وكذلك الرعب الذي فرضه، سامحًا لأطفاله باللعب خارج المنزل لأول مرة منذ سنوات.

وبعد ثلاثة أيام، وعندما كان حمدي وإخوته يعدّون الخبز في المخبز، هاجمهم نحو 12 مسلحًا ملثمين. سحبوا القمصان فوق رؤوسهم، وأجبروهم على الوقوف أمام الحائط وسط صياح الناس. قال أحدهم: “والدك متورط في القتل!”، ووصفوه بـ”شبيح” النظام.

ليرد حمدي عليهم قائلًا: “إذا كنتم ستتهمونه، فأتوا بالأدلة”، كما أنه سمع زوجته تبكي وتتوسل إلى العناصر لكي يتركوه وشأنه، وفي النهاية قاموا بالانسحاب.

ووفقًا لـ”واشنطن بوست”، صُدم سكان التضامن عندما سمعوا بخبر عودة فادي صقر، قائد الميليشيا السابق، بعد “تسوية” رسمية مع السلطات الجديدة، مشيرةً إلى خروج المئات للاحتجاج، وقال البعض إنه عاد لحضور اجتماع محلي، فيما اتهمه آخرون بزيارة موقع مجزرة تتهم الميليشيا التي كان يقودها بارتكابها. قال موسى مندهشًا: “كيف يمكن لهذا أن يحدث؟ مجرد وجود هذا الرجل يعني أن مشروع إسقاط النظام قد فشل”.

“أخشى أن أكون أنا من يُنتقم منه”

قال السكان لـ”واشنطن بوست” إن بعض المخبرين حاولوا التفاوض مع جيرانهم. وأضافت أن أحدهم سلّم شقته للمقاتلين العائدين، فيما عرضت عائلة أخرى، تسببت بسجن موسى، عليه سيارة فاخرة.

قامت عائلة موسى بدفع أكثر من 200 ألف دولار كرشاوى للحصول على معلومات حول مكان احتجازه ومحاولة إطلاق سراحه. يقول موسى: “بعض الجرائم لا تُغتفر”، رغم أن زوجته تحثه على التسامح من أجل الأطفال.

وبعد تفريغ السجون، نشرت الصحافة الاستقصائية ملفات النظام السابق، كاشفة أسماء المخبرين والتقارير التي أوصلوها للأجهزة الأمنية. وقد أثارت منصات التواصل الاجتماعي الخوف في أوساط الموالين السابقين، مع تصاعد تقارير عن هجمات انتقامية ضدهم.

بقي حمدي وإخوته في المنزل، وفقًا لـ”واشنطن بوست”، مشيرة إلى أن مقاتلين سابقين كانوا يطرقون بابهم لأعمال بسيطة، يطلبون تأديتها بصمت، وقد أطلقوا عليه لقب “الكلب الصغير”.

في منزل البرابري، توقف الأطفال عن السؤال عن عمهم وسيم. بدلاً من ذلك، طلبوا من حمدي المغادرة لإنقاذ نفسه. يقول حمدي إنه توقف عن الدفاع عن والده، لكنه لا يكرهه، مؤكدًا: “أقول لهم: لقد هرب، واجهوه أنتم، لا أنا.. لكن إن كان أحدهم فقد أخًا أو أبًا، أخشى أن أكون أنا من يُنتقم منه”.

لم يصعد حمدي إلى سطح منزله منذ الحادثة، واختتم حديثه لـ”واشنطن بوست” قائلًا: “لم يكن لدينا خيار إلا أن نكون مع النظام.. أنا لا أدافع عن والدي، فقط أحاول أن أكون صادقًا”.

—————————–

بعد الإعلان عن اتفاق بشأنهم.. انفراجة محتملة للسوريين في سجن “رومية”/ حمد الكناني

20 مايو 2025

شكل إعلان وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، التوصل إلى اتفاق مع لبنان بخصوص السوريين في سجن “رومية”، بارقة أمل جديدة في سبيل إنهاء معاناة إنسانية مديدة، لا سيما أن السجن اللبناني يُعرف بسمعته السيئة من ناحية الظروف غير الصحية التي يفرضها على “نزلائه”.

تشير الأرقام الصادرة عن المرصد اللبناني لحقوق السجناء إلى أن السجون اللبنانية تضم حوالي 2351 سجينًا سوريًا، يشكلون 30% من إجمالي السجناء في عموم لبنان، بينهم 250 شخصًا من المتهمين بالإرهاب، فيما أُوقف الباقون بتهم جنائية، يتعلق بعضها بظروف اللجوء الصعبة إلى لبنان، وعليه يجري العمل على بحث مسارات قانونية لإنهاء معاناة هؤلاء في السجون اللبنانية، لا سيما سجن “رومية” الذي شهد حالات إضراب مفتوح من السجناء لمرات عديدة، احتجاجًا على الظروف الصحية السيئة، وعلى تعرضهم للتعذيب، وبقائهم دون محاكمة.

مسارات سياسية

يشير القانوني يوسف وهبة إلى أن مباحثات وزير الخارجية السوري مع رئيس الحكومة اللبنانية، نواف سلام، تأتي استكمالًا لمسار المباحثات التي أُعلن عنها بعد زيارة رئيس الحكومة السابق، نجيب ميقاتي، لسوريا ولقائه الرئيس الشرع، حيث تم الاتفاق على استرداد جميع السجناء السوريين من لبنان، وبالتالي فالمباحثات تأخذ شكلًا سياسيًا أكثر مما هو قانوني. ويشير وهبة إلى وجود اتفاقية قضائية بين البلدين، موقعة عام 1951، ومتعلقة باسترداد السجناء، ومن شأنها أن تدعم المسار السياسي.

ويقول وهبة إن تنفيذ عملية الاسترداد يتطلب أولًا البحث في ملفات النزلاء من حيث التهم، سواء كانت جنائية أم سياسية، إضافة إلى تحديد الذين لم يخضعوا لمحاكمة، ومنهم موقوفون دون أي تهمة.

ويشير إلى وجود حالات في السجون اللبنانية تستوجب إخلاء سبيل مباشرة، وتمثل الموقوفين دون تهم، وهؤلاء يجب إطلاق سراحهم فورًا خارج إطار التسليم الخاضع لبروتوكول قضائي، أما بالنسبة للحالات المتعلقة بارتكاب جنايات داخل الأراضي اللبنانية، فللقضاء اللبناني الحق في تقرير مكان محاكمتهم وعدم تسليمهم.

 حماية قانونية

يرى المحامي ابراهيم ملكي أن الظروف السيئة التي يعيشها السجناء في سجن “رومية” تستدعي التدخل من قبل الجانب السوري بالتواصل مع الجانب اللبناني، وذلك لحمايتهم وإعطائهم كافة حقوقهم القانونية، بما في ذلك تأمين الرعاية الصحية ومحاكمتهم وفق الأصول بالنسبة للموقوفين دون محاكمة، مشيرًا إلى أن الطاقة الاستيعابية لسجن “رومية” تبلغ 1200 سجين فيما هو يضم حاليًا أكثر من 4000.

وفي هذا السياق، يرى القانوني وهبة أن من حق سوريا أن تمارس “المعونة القنصلية” و”الحماية الدبلوماسية” لمواطنيها في الدول الأخرى، ومن بينهم هؤلاء الأشخاص المحتجزون والمحرومون من الحرية، ويحق لسوريا المطالبة بتحسين ظروفهم، والنظر في قضاياهم بالتنسيق مع الجانب اللبناني، إذا استدعى الأمر، خاصةً بالنسبة للموقوفين دون تهم بسبب موقفهم السياسي مع الثورة السورية وضد النظام السابق.

استرداد السجناء

يوضح وهبة بعض البنود الأساسية في آلية استرداد السجناء بين البلدين والتي تخضع لمجموعة من الشروط، أهمها أن يكون الشخص المطلوب من رعايا الدولة المطالبة بالاسترداد، وأن يكون الحكم القضائي المقضي به نهائيًا ومُبرمًا، وألا تقل المدة المتبقية من العقوبة أثناء تلقي الطلب عن ستة أشهر، وأن يوافق المحكوم على نقله، وأن تكون الأفعال المرتكبة جريمة يعاقب عليها القانون في الدولتين، وأن توافق الدولتان على النقل، وإذا رأت دولة الإدانة أن من شأن النقل المساس بسيادتها أو أمنها أو نظامها العام يمكنها أن ترفض التسليم.

ويشير المحامي إبراهيم ملكي إلى أن استرداد السجناء يؤدي إلى إطلاق سراح عدد كبير منهم، خاصة سجناء الرأي الذين تم توقيفهم ومحاكمتهم بسبب موقفهم من النظام السابق ومن حزب الله اللبناني. وفي حال الاسترداد، تُحتسب السنوات التي قضاها مرتكبو الجنايات في لبنان وإجراء تقديرات قضائية في سوريا للمدة التي سيقضونها في بلادهم، ومن الممكن أن تفضي هذه التقديرات القضائية بإطلاق سراح البعض لطول مدة سجنهم في لبنان.

محاكمة عادلة

تشير المنظمات الحقوقية اللبنانية إلى أن أسباب الاعتقالات التي طالت أعدادًا كبيرة من السوريين، قبل سقوط النظام، كانت ذات طابع سياسي، كالانتماء إلى تنظيمات إسلامية، حيث تصل أحكام عدد منهم إلى المؤبد، وفي هذا الإطار يشدد القانوني وهبة على ضرورة أن يعيد القضاء اللبناني النظر في قضايا هؤلاء وفتح ملفاتهم، لا سيما أن المتغيرات في القضايا بعد المحاكمة، في حال كانت لمصلحة المتهم، تتيح له إعادة محاكمته بطريقة عادلة.

فيما يشير المحامي إبراهيم ملكي إلى انتفاء الأسباب السياسية الضاغطة على القضاء اللبناني والتي كان لها تأثير كبير في توجيه التهم ضد الموقوفين سياسيًا، لا سيما في سجن “رومية”.

الترا سوريا

——————————

للسوريين: ما هكذا تُبنى الأوطان؟ وهكذا تكلم الشرع/ أنور القاسم

لماذا تغيرت أخلاق السوريين فجأة بعد التحرير؟

لماذا سيطرت الفظاظة في تعاملكم مع بعض، لماذا تغيرت تعليقاتكم و»بوستاتكم» على جميع وسائل التواصل الى الكثير من عدم اللياقة وأحيانا الوقاحة والبغضاء؟

من يتابع تعليقات غالبية السوريين على فيسبوك يجد فيها جبالا من اللؤم والتخوين والعنصرية والطائفية. تذهب الى «التيك توك» و»إكس» فتجد غالبية تعليقاتكم فوقية، وفيها عنصرية وكثير منها وضيع؟

تخلصنا من أسوأ نظام في الشرق الأوسط، وهرب الديكتاتور صاغرا ذليلا، وبدل أن نفرح كثيرا وطويلا استعرنا أحط أساليبه في التعاطي مع بعضنا، هل نحن الوحيدون الذين قمنا بثورة؟

لا، فقد فعلها غيرنا من كل الشعوب، لكنهم لم يتقهقروا هكذا. لماذا تغيرت أخلاقنا التي تظهر جليا في التعليقات على كل ما يخص سوريا والسوريين وتحويلها لمعارك بين بعضنا، فتارة نتهم من يختلف معنا في كونهم غيرانين وحاسدين! اتركوا العالم تعبر بصدق دون تجييش وتطييف وعنصرية وتقسيم، فما هكذا تُبنى الأوطان.

الحكومة السورية الحالية تقوم بجهود، أقل ما يقال فيها إنها خرافية، نظرا للتركة الصفرية التي تسلمتها، لكنها تحقق نجاحا مدهشا في المقابل، دون ضجيج وانفعال وتزييف وتنابز بالألقاب.

كتب الإعلامي الوطني الصديق توفيق الحلاق في الفيسبوك يقول أمس: عندما تتخلى عن أنانيتك واصطفافك الطائفي أو القومي أو المناطقي، وتكون إنساناً مهذباً كريماً وشهماً، فسوف تكسب احترام ومحبة كل الناس في وطنك أياً كان معتقدك».

فيما كتب صديق من أحد أركان الثورة السورية قائلا: «كمية التخوين والحقد التي تشهدها مواقع التواصل، ومن بين المحسوبين على الثورة في ما بينهم تدعونا لإعادة تعريف الثورة ومبادئها». مضيفا «حبوا بعض.. احترموا بعض انتقدوا بعض بأدب يا متعلمين يا بتوع المدارس.. اقسم بالله أصبح الدخول لمواقع التواصل كالدخول لحقل الغام»!

لا أكشف سرا إذا قلت، وحسب معلومات سورية موثقة إن غالبية البوستات العدائية والطائفية والتحريضية تأتي من مصادر خارجية، منها العراق وإسرائيل وروسيا وإيران وبعض الدول الاقليمية، إضافة الى جيوش الكترونية تعمل على تخريب أي جهد وطني، وتذكي نيران الخلافات، خاصة الطائفية منها، وعلينا محاسبة من يقوم بهذا التخريب، إذا كان في الداخل السوري أو لاجئا في دول الغرب، وهناك الآن «داتا» من الأسماء تُجمع لتقدم للقضاء والمحاكمات، ويتردد أيضا أن الحكومة السورية في صدد تفعيل قانون يحاسب من يحرض ويستخدم وسائل التواصل للتخريب والتمييز وتطييف المجتمع، وغيرها من الأمور التي تعاقب عليها القوانين الدولية.

في كتاب للفيلسوف الفرنسي جوليان بيندا نُشر عام 1927 بعد الحرب العالمية الأولى يطرح نقدًا حادًا لما أسماه «خيانة المثقفين»، حيث انتقد المثقفين الذين ضحوا بالقيم الإنسانية والمبادئ الأخلاقية من أجل دعم الأنظمة السياسية أو الأيديولوجيات، التي تتسم بالقوة والقمع. ورأى الرجل حينها أن كثيرا من المثقفين في العصور الحديثة قد تحولوا من مدافعين عن الحقيقة والعدالة إلى أتباع للسلطة وأدوات لها. ونرجو ونأمل أن لا يكون المثقفون السوريون كذلك الآن، فنعول كثيرا عليهم أن يلعبوا دورا يشبه سوريا التاريخ والحضارة والإبداع.

نحن السوريين ما زلنا في الخطوة الأولى من مسيرة الألف ميل، وما زال وطننا هشا في كل مناحيه السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ويحتاج إعادة بناء الإنسان قبل بناء البيوت والدولة.

أطول كلمة للشرع

من استمع الى أول كلمة للرئيس الشرع، بعد الإنجاز التاريخي له في رفع العقوبات عن سوريا، يدهش لقصر مدة كلمته، التي لم تتجاوز التسع دقائق.

كلمة كانت من دون فواصل وفي نفس واحد، ودون نكت سخيفة، ولا تصفيق من بُلهاء، الرجل لم يشرح لنا الفرق بين أعداء الداخل وأعداء الخارج، ولا بين الأجنبي المتآمر، الذي يقود بفتح الياء والوطني المغفل، الذي يُقاد بضم الياء، ولا كيف نميز بين الدول الصديقة والدول التي تدعي الصداقة!

سمى الأشياء بمسمياتها، دون زيادة أو نقصان، لم يمطرنا بدروس في الصمود والتصدي، وقد هدم علينا كل ما تعودنا عليه، وانصرف الى عمله دون أن تتعطل المدارس والجامعات وتتوقف الطرق والمصالح للإنصات للقائد الملهم؟! لكنه بالتأكيد حرمنا من الضحك، كما كان يفعل بشار.

لكن في مكان آخر من أسواق دمشق نجد أن تاجرا، علق يافطة قبيحة، تماما، كما كان سائدا أيام المقبورين، يتملق فيها للرئيس، لكن سرعان ما وجد موظفين ينزلونها ويمزقونها، في مظهر يظهر فارقا كبيرا بين زمنين، رغم قصر المدة الزمنية.

التطبيل للقيادة والقائد هو داء أصاب السوريين على مدى العقود الماضية، والتزمير عادة سيئة ورثناها من الزمان الأسوأ، ويجب القضاء عليها.

وبدلا من التطبيل، لنتمسك بالعمل والبناء على الأرض لا في الشعارات، وبدلا من التزمير الذي سينقلب تشبيحا صريحا استمسكوا بالوطن، فالمستقبل لنا.

والرئيس ليس td حاجة لمنافقين، وعلى وزارة الداخلية تغريم كل من يصنع لوحة تمجيد أو تطبيل، فهي عادة بغيضة يجب التخلص منها.

وفي المناسبة فإن غالبية المطبلين والمشبحين الآن في سورية هم من مطبلي المرحلة السابقة، ومن شبيحيها، ويجب أن ينقطع هذا الاسترسال، فلا تطبيل بعد اليوم لأحد، ولا قائد للأبد، فقد رحل الديكتاتور وبقيت سوريا العظيمة بأبنائها الوطنيين الشرفاء.

انطلاقة متواضعة للتلفزيون السوري الجديد

بقدر بروز الإعلاميين السوريين في جميع دول العالم، بقدر ما كان إطلاق التلفزيون السوري متواضعا، ولا يعكس التطور الذي يرافق هذه المرحلة المفصلية من تاريخ البلاد.

هناك أخطاء تُرتكب في مشاركة بعض الضيوف وتقديم البعض على أنهم خبراء، وهم ليسوا كذلك، وهناك أخطاء وتواضع في البرامج ومستوى تقديمها، كما أن هناك تهيبا من تناول مواضيع مهمة يجب تناولها في هذه المرحلة.

ولكي نكون منصفين فهناك حرية جيدة في تناول بعض القضايا السياسية، لم نعهدها في كل التلفزيونات السورية سابقا، وأيضا هناك نفس جديد في شكل الصورة والمذيع وطريقة الالقاء البعيدة عن الخشبية.

وأسوق هنا ما قاله الناشط السوري إياد شربتجي معلقا على مقابلة الإعلامي معاذ محارب مع ناشطة الثورة السورية ريما فليحان والانتقادات القاسية، التي وجهتها السيدة للسلطة والرئيس الشرع على شاشة الإخبارية السورية.

فقال إنها لا تسيء أبدا للبلد ومقام الرئاسة، كما علق بعض شبيحة السلطة، بل بالعكس ترفع أسهم الشرع والسلطة بمجرد أن هذه الانتقادات تم بثها على شاشة تابعة لوزارة الإعلام السورية. وتمنى أن يخلصنا الله من عقلية من يعتقدون ان التشبيح الأعمى ضد المنتقدين هو واجب وطني ودفاع عن البلد!

لا شك كذلك أن التنوع مطلوب في المقدمين والمذيعين ليعكس تنوع البلاد. كما أن التلفزيون يحتاج الى خبراء كي تكون له هوية واضحة ويستطيع البقاء والتميز في بحر من القنوات الأرضية والفضائية الموجودة على الساحة.

في اعتقادي أنه لم تعد هناك حاجة الى تلفزيون يتحدث باسم سوريا يبث من الخارج، وإذا كان ذلك صحيحا ومبررا في وجود النظام السابق، فإن الحاجة الى ذلك تنتفي الآن، وأقترح بتواضع أن ينتقل بعض العاملين في تلفزيون سوريا الخارجي الى التلفزيون الوطني، وبهذا يتعزز التلفزيون الجديد مع تطعيمه بكفاءات سورية خارجية للاستفادة من تجاربهم وإثراء الاعلام السوري بدماء جديدة وتنوع ومهارات وخبرات.

كاتب من أسرة «القدس العربي»

————————————-

وثائق المخابرات السورية بعد سقوط الأسد: قراءة في بنية القمع وآلياته/ مهيب الرفاعي

20 مايو 2025

لو كان لجملة واحدة أن تختصر سورية أثناء حكم الأسد، فستكون: دولة المخابرات. وينطبق هذا الاسم على عهد الأسدين الأب والابن، فقد بنى حافظ الأسد نظامه على شكل مؤسسة أمنية كبيرة، تمتد أذرعها كالاخطبوط لتصل إلى أقصى نقطة في سورية، وتدس بذراعها في كل مناحي الحياة. تخيف الناس، تراقبهم، تبتزهم، تدير المؤسسات من الخلف، وتتحكم بمصائر البشر والاقتصاد وكل كل شيء.

أصبحت أجهزة المخابرات ركيزة أساسية في بناء نظام سلطوي مغلق منذ اللحظة التي استولى فيها حزب البعث على السلطة في سورية عام 1963، واعتمد الحزب من خلال هذه الأجهزة على القمع والترهيب لضمان بقائه وترسيخ حكمه. ومع وصول حافظ الأسد إلى سدّة الحكم في 1970، تحوّلت هذه الأجهزة إلى ما يشبه الدولة داخل الدولة.

أخذت أجهزة المخابرات السورية تراقب كل شيء وتخترق كل شيء، من مؤسسات الدولة إلى تفاصيل الحياة اليومية للمواطنين السوريين ومن في حكمهم؛ بحيث لم يكن هناك فصل واضح بين الدولة والنظام، ولا بين الأمن والسياسة، ولا حتى بين الأمن والاقتصاد وعمليات مؤسّسات المجتمع المدني، ليتشكّل لدينا وعي جمعي قائم على فكرة مفادها بأن ولاء الفرد لنظام الأسد مفتاح نجاته، وأصبحت أدوات الأمن وسيلةً لضمان هذا الولاء وحفظ أمن آل الأسد على مدار 54 عاماً.

ومع انتقال الحكم إلى بشّار الأسد مطلع الألفية بترتيبات أمنية واستخبارية مساندة، لم تكن هناك نيّة لانفتاح جوهري ولإطلاق الحرّيات الأساسية للشعب السوري أو حتى رغبة لإحداث تغييرات، ولو شكلية، على نموذج القيادة الأمنية في البلاد؛ وبقي الشكل والمضمون الأمني راسخاً رغم انفتاح “الرئيس الشاب” حينها لتلبية متطلبات الانفتاح العالمي والتطور ومواكبته، بل ازداد شراسة وغطرسة، لا سيما بين 2004 و2008، حيث كانت هناك هجمات أمنية تحسّباً لتفاقم أزمة الأكراد المنتشرين بين القامشلي وحلب ودمشق.

وبعد اندلاع الثورة السورية عام 2011، لعبت أجهزة المخابرات دوراً محورياً في عسكرة الثورة وجرّها إلى مستنقع الدم والسلاح والعمل العسكري المشبوه، ليس فقط عبر القمع المفرط، بل أيضاً من خلال صناعة سيناريوهات داخلية مدروسة، أبرزها إطلاق سراح متشددين إسلاميين من السجون، لإيجاد بيئةٍ تُبرر الرواية الرسمية حول “الإرهاب” ولتحقيق استقطاب داخلي وخارجي يمنح النظام هامش مناورة سياسيّاً وأمنيّاً، ويمنحه الحقّ في تبرير رواية القمع التي أسّس لها بأجهزته الأمنية التي كانت رديفة لقوات الجيش، والتي تحكمت ببناء سردية غير واقعية منذ بداية الثورة.

لم تعد المخابرات تكتفي بجمع المعلومات أو التنصت، بل أصبحت طرفاً مباشراً في العمليات العسكرية عبر غرف عمليات استخبارية مشتركة مع مليشيات محلية وأجنبية، معظمها بدعم وتمويل إيراني وتنسيق روسي. ارتكبت هذه الأجهزة انتهاكاتٍ واسعة، شملت اعتقال ما يزيد على 215 ألف شخص، بينهم آلاف النساء والأطفال، وتوثيق مقتل نحو 2500 معتقل تحت التعذيب في سجون النظام، وفق تقارير موثقة.

سقوط القلعة الأمنية

ومع تسارع الأحداث الأمنية والعسكرية، بدأت فصائل المعارضة السورية المسلحة عملية ردع العدوان التي قادتها هيئة تحرير الشام وغرفة عمليات الفتح المبين، والتي كانت نتيجتها إطاحة نظام عائلة الأسد وقلعته الأمنية التي بناها على مدار 54 عاماً من القمع والإذلال، لتنهي عهداً من الاستبداد الأمني، ولتفضح ما كان نظام الأسد يعتبره حرزاً محرماً يمنع تسريب حروفه، تسربت فيها وثائق سرية خطيرة، وكُشف النقاب عن كمٍّ هائل من الانتهاكات. منذ ديسمبر/ كانون الأول 2024، ما فتئت تتكشف أوراق القمع وخبايا المخابرات السورية التي توصف بواحدة من أعتى الأجهزة الأمنية في العالم، وانهارت معها البنية التنظيمية للأجهزة القديمة، وتبخّر عناصرها في الهواء، وتسرّب ضباطها إلى جهات مختلفة، فيما ظهرت خبايا أدوار الأفرع الأمنية والمعتقلات الأشد ظلاماً ووحشية في العالم، وتناثرت الوثائق التي كانت لما قبل ساعات أسراراً دفينة غامضة، يمكن أن يقتل من يخطر له المساس بواحدة منها. وانهارت هذه الأسطورة كما انهار كل شيء مرتبط بدولة الأسد الأمنية.

بدأت تتسرّب آلاف الوثائق السرية من أرشيف المخابرات السورية كاشفةً عن شبكة معقدة من القمع والسيطرة التي صاغت الحياة السياسية والاجتماعية في سورية عقوداً. هذه الوثائق، التي يعود بعضها إلى عهد حافظ الأسد، وبعضها لما قبل ذلك، بداية استلام حزب البعث للسلطة، بل ويرتبط بعضها بتأسيس نواة هذا الجهاز القمعي في زمن الوحدة مع مصر بين عامي 1958 و1961، وتسرب هذه الوثائق يمثل فرصة نادرة لفهم الآلية العميقة التي بُني عليها النظام الأمني السوري، والذي لم يكن مجرّد أداة ضبط داخلي، بل مؤسّسة استراتيجية تعيد إنتاج السلطة، وتؤمن تحالفاتها وعملياتها القذرة، وتتحكم في كل مفاصل الدولة والمجتمع. يكشف واقع هذه الوثائق عن بنية أمنية مركزية قوامها الولاء الشخصي، والتنافس الداخلي بين الفروع والأجهزة، والمراقبة الدقيقة للمعارضة وحتى للحلفاء، وللمسؤولين المدنيين والعسكريين في مؤسّسات الدولة.

العلاقة بين المخابرات والسلطة

تفيد الوثائق أيضاً بأن الأجهزة الأمنية كانت تراقب بعضها بعضاً، ما يعكس حالة انعدام الثقة داخل النظام نفسه، كما أن الأجهزة الأمنية لم تكن فقط أداة بيد النظام، بل كانت شريكة في السلطة، وتمثل جهازاً رقابياً على كل الوزارات والهيئات الحكومية وغير الحكومية؛ وحتى المنظمّات الدولية التي كانت تدخل سورية بالتنسيق مع جهاز المخابرات للقيام بأعمال تدقيق أو تفتيش أو ما شابه. بحكم عمل هذه الأجهزة، يتداخل الأمن مع الاقتصاد والسياسة والتعليم والدين وجميع مناحي الحياة. اقتصادياً، تبيّن وثائق أن ضباطاً كباراً في المخابرات كانوا يسيطرون على شركات تجارية وعقود حكومية، خصوصاً في فترة إعادة الإعمار بعد 2018، وعلاقاتهم مع مستثمرين يطلب منهم تنفيذ عمليات توزيع للمساعدات الواردة من الأمم المتحدة . بالإضافة إلى ذلك، جرى الاعتماد على شركات أمنية خاصة تكون رديفة لقطاع المخابرات السورية بتنسيق أمني معها، كما الحال مع شركة “القلعة” الأمنية الخاصة التي يمتلكها علي طاهر، أحد أهم الواجهات الاقتصادية لنظام الأسد حينها.

ظهرت صورة موجهة من الفرع 279، إدارة المخابرات العامة، إلى الفرع 300 مخابرات عامة، لطلب معلومات حول بحث أكاديمي يكشف خفايا تحويل المساعدات الاقتصادية إلى منظمة “نور للإغاثة والتنمية” تقدر بـ1.8 مليون دولار، وهذا الخطاب يكشف علاقة المخابرات السورية بالنظام الاقتصادي في سورية، وبالمنظمات غير الحكومية وعملها في البلاد بما يضمن مركزية الوصول المالي في البلاد ومعاقبة “من يتجرؤون على الاقتصاد الوطني” لمعالجة ملفات أمنية عالقة لديهم.

بالإضافة إلى ذلك، عملت المخابرات على توزيع الولاءات الطائفية والعشائرية بحيث جرى اختيار قادة الأفرع بعناية لضمان التوازنات الطائفية، مع أفضلية واضحة للعلويين، خاصة في المناصب الحساسة؛ مع الحفاظ على وجود سني في القطاع الأمني، لا سيما وجود رستم غزالة ومحمد مفلح ونوفل الحسين وعبد الفتاح قدسية الذي ترأس المخابرات الجوية عام 2009.

لم يخلق نظام الأسد الثقة بين هذه الأفرع الأمنية، ما جعل هناك حالة من الرقابة المتبادلة بينها، وكانت المخابرات الجوية والمخابرات العسكرية الأعلى بينها من ناحية الأوامر والمهام. تؤكد الوثائق وجود تعليمات دورية بمتابعة الضباط الأمنيين بعضهم بعضاً، ما يعكس حالة انعدام الثقة داخل النظام نفسه كما الحال في متابعة مخابرات فرع فلسطين المسؤولين عن مفرزة الأمن السياسي في منطقة الميسات في العاصمة دمشق، بعد وجود معلومات عن تسهيلات واستثناءات أمنية لبعض المنظمات غير الحكومية العاملة في المنطقة، وتسهيل عملها. كما تكشف الوثائق عن دور الأجهزة الأمنية في تعيين المسؤولين المدنيين، ما يدل على تغلغلها في مختلف مفاصل الدولة.

الملفّات الداخلية الحساسة

كان أبرز ما كشفته الوثائق المسرّبة بعد سقوط نظام الأسد هو العلاقة المعقدة التي ربطت الأجهزة الأمنية السورية بالتيارات الإسلامية على اختلاف توجهاتها، خاصة بعد صعود الإسلام السياسي في المنطقة منذ ثمانينيات القرن الماضي، ومروراً بثورات الربيع العربي، وصولاً إلى الحرب الأهلية السورية. لم تكن هذه العلاقة خطية أو أحادية الطابع، بل تنوّعت بين القمع المباشر والاحتواء المرحلي والاختراق المنهجي، وذلك وفقاً للظروف السياسية والأمنية. بالإضافة إلى ملف “مكافحة الإرهاب” الذي اتخذه شماعة في تبرير القبضة الأمنية النارية على السوريين أمام المجتمع الدولي، وملف تجارة المخدرات والكبتاغون الذي تورط فيه قادة أمنيون وقادة في الفرقة الرابعة التابعة لماهر الأسد وفق تسريبات بعد ديسمبر 2024. لكن يبقى ملف الإسلاميين هو الأعقد نظراً إلى ارتباطاته الإقليمية.

تُظهر وثائق تعود إلى بداية الثمانينيات أن مخابرات الأسد شنّت حملة قمعية دموية ضد جماعة الإخوان المسلمين عقب أحداث حماة 1982، التي قُتل فيها ما بين عشرة آلاف وثلاثين ألف مدني حسب التقديرات. وتشير وثائق رُصدت في شعبة المخابرات العسكرية تعود إلى عام 1983 إلى إنشاء ملف دائم لكل من يُشتبه بميوله الإسلامية أو علاقته بأي نشاط ديني غير مرخص، مع أوامر صارمة بعدم منح هؤلاء أية وظائف حكومية، وحرمانهم من جوازات السفر، ومراقبة عائلاتهم. وقد خُصص فرع فلسطين (235) والفرع الداخلي في المخابرات العامة (الفرع 285) لرصد وتتبع عناصر الجماعة في الداخل والخارج. وتظهر وثائق جرى تسريبها في يناير/ كانون الثاني 2025 إلى تفاصيل عمليات تعقب في تركيا والأردن لمعارضين مرتبطين بالإخوان، وتنسيق أمني مع فصائل فلسطينية ولبنانية مقربة من النظام في تصفيتهم أو ترهيبهم.

وبخلاف جماعة الإخوان المسلمين، تعاملت المخابرات السورية مع التيارات السلفية الجهادية بطريقة مزدوجة: من جهةٍ، جرى قمعها بشراسة، خاصة بعد تفجيرات دمشق في 2008 و2011، ومن جهة أخرى، جرى اختراقها والتلاعب بها في بعض المراحل. وتُظهر وثائق أمنية مسرّبة من فرع الأمن السياسي في درعا عام 2010 وجود قاعدة بيانات مفصلة عن المنتمين للسلفية الجهادية، بما في ذلك أسماؤهم، نشاطاتهم، وأماكن وجودهم، مع توصية باستخدام بعضهم في سيناريوهات التخويف المجتمعي من التطرف.

كما كشفت وثيقة أخرى مؤرّخة في مايو/ أيار 2012، صادرة عن المخابرات الجوية فرع التحقيق في مطار المزّة، عن خطة لإطلاق سراح عدد من المعتقلين السلفيين من سجن صيدنايا وتوجيههم نحو مناطق محدّدة في شمال سورية والغوطة الشرقية ، بهدف خلق انقسام بين الحراك الثوري المدني والتيارات الجهادية، وبالتالي تشويه صورة الثورة. وقد ورد في الوثيقة تعبير صريح عن أن هذا الإجراء سيكون أداة لضرب المجتمع الثائر ببعضه. وبالفعل، أطلق سراح مجموعة جهاديين تسلموا فيما بعد قيادة لواء جيش الإسلام في الغوطة الشرقية لدمشق.

تشير وثائق وتحقيقات ميدانية التي نُشرت بعد سقوط النظام إلى احتمال تورّط المخابرات السورية في تسهيل صعود بعض التنظيمات الجهادية، مثل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، ضمن استراتيجية خبيثة هدفها تشويه الثورة وتقديم النظام “خياراً علمانياً مستقراً” أمام المجتمع الدولي.

من أبرز ما ورد في هذا السياق، وثيقة مؤرّخة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2013 من فرع المخابرات العامة توصي بعدم التعرض لتحركات عناصر تنظيم الدولة الإسلامية في الرقّة ودير الزور، بدعوى “أنهم يعيدون ضبط الانفلات الأمني بفعالية”؛ ومحاضر اجتماعات سرّية بين ضباط مخابرات سوريين ووسطاء لبنانيين أكدت “ضرورة الإبقاء على وجود مجموعات متطرفة في محيط حمص وإدلب لضمان استمرار الدعم الروسي والإيراني للنظام”؛ وتعليمات داخلية في فرع 291 (المخابرات العسكرية) تطلب عدم استهداف مستودعات أسلحة استولى عليها “داعش” في تدمر عام 2015، لأنها ستُستخدم لاحقًا في المعارك مع المعارضة المسلحة.

ولتنسيق هذا العمل الاستخباري، نفذت مخابرات الأسد عدة تفجيرات واغتيالات كشفت عنها النقاب وثائق كانت سرية للغاية حتى 8 ديسمبر 2024، أعنفها كان تفجير القزاز في دمشق (مايو/ أيار 2012)، إذ كشفت وثيقة صادرة عن جهاز المخابرات الخارجية، بتاريخ 8 مايو 2012، أمراً بتنفيذ تفجير في منطقة القزاز بدمشق. الهدف من التفجير كان إقناع الرأي العام المحلي والدولي بوجود عصابات إرهابية مسلحة. تضمنت التعليمات تنفيذ تفجير انتحاري بسيارة محشوة بكميات كبيرة من المواد المتفجرة في وقت الذروة، مع تأجيل وصول وسائل الإعلام إلى مكان الحادث لمنع اكتشاف أن التفجير كان مدبراً. وثيقة أخرى كشفت عن إعدام جماعي لعسكريين سوريين من الطائفة العلوية تعود إلى 1 مارس/ آذار 2015، تظهر أمراً بإعدام 2459 عسكرياً من أبناء الطائفة العلوية بسبب عدم امتثالهم للأوامر العسكرية. تضمنت التعليمات إخبار ذويهم أنهم استشهدوا في ساحات المعركة، بالإضافة إلى احتجاز 1796 عسكرياً آخرين مع إعطاء ذويهم معلومات مغلوطة تفيد بأنهم مختطفون. بالإضافة إلى اغتيال سارية حسون (سبتمبر/ أيلول 2011)، نجل مفتي الجمهورية أحمد بدر الدين حسّون، الذي كان قد دعم النظام في خطابه الديني. أظهرت الوثيقة المسربة أن قسم المهام الخاصة في فرع المخابرات الجوية 291 كلف ضابطاً برتبة عقيد ركن يدعى سهيل الحسن باغتيال نجل حسون في 29 سبتمبر 2011 بواسطة سيارة مدنية على نفقة الدولة.

تكشف الوثائق المسرّبة عن منظومة رقابة قمعية متعدّدة المستويات اعتمدت على عدة أدوات، تبدأ من شبكات المخبرين (العواينية) المعقدة للغاية حيث جُنِّد عشرات الآلاف من المدنيين والعسكريين مخبرين، بعضهم مقابل المال، وآخرون تحت الضغط أو الابتزاز، وهناك المتطوعون الذين يسعون إلى مصالح على المدى البعيد وتسلم مناصب في مراحل متقدمة من علاقتهم بمخابرات الأسد. يقدّم هؤلاء المخبرون تقارير أمنية، حيث تُظهر الوثائق نمطاً يوميّاً من التقارير المرفوعة إلى قيادات الأفرع، تتضمّن تحرّكات مواطنين معينين، الطلاب، المثقفين، السياسيين والجامعيين وحتى الأحاديث العائلية. تؤدّي هذه التقارير ( المبنية على معلومات ووقائع أو تقارير كَيدية) الاعتقال والإخفاء القسري، إذ كانت التعليمات الأمنية تُجيز الاعتقال من دون إذن قضائي، مع أوامر صريحة بمنع معرفة مكان المعتقل أو التهم الموجهة إليه، حتى إنه قد يحاكم بتهم لم يفعلها أو يعترف بها لمجرّد أنه لم يعد يحتمل التعذيب في الأفرع الأمنية في أثناء التحقيق.

النشاط الخارجي والعمل الإقليمي

تناولت بعض الوثائق المسرّبة ملفات الأمن الخارجي، وكيف استخدمت مخابرات الأسد أذرعها في المنطقة، لا سيما في لبنان والأردن والعراق، أدوات للترهيب والضغط في ملفات أمنية حساسة وتنفيذ اغتيالات كان أعنفها اغتيال كمال جنبلاط ورفيق الحريري وبشير الجميل ومحمد شطح وغيرهم. استخدمت مخابرات نظام الأسد ملف القضية الفلسطينية والعلاقات العربية الإسرائيلية للضغط على الأردن، وجعل الأردن متعاوناً معها في تعقب بعض المعارضين السوريين من خلال السفارة السورية في عمّان، وجعل دخول السوريين إلى الأردن، نقطة عبور، مرتبطاً بتصريح أمني من جهاز الأمن العام الأردني، بما يضمن تعقباً واضحاً للمطلوبين للأمن السوري ومراقبة تحرّكاتهم. بالإضافة إلى ذلك، ملفّ التهريب إلى دول الخليج الذي يشمل ترهيباً بتخفيف حدّة التعامل مع شحنات تهريب المخدرات والأسلحة من دول الخليج العربي وإليها. ومن ضمن عمليات التجسس التي كانت المخابرات السورية تنفذها في الأردن ولبنان وتركيا: مراقبة تنقلات المعارضين واجتماعاتهم، لا سيما اجتماعات المجالس العسكرية لفصائل المعارضة السورية المسلحة، ووضع خطط لتشويه سمعتهم أو تصفيتهم أو تقليص تحركاتهم. وبالنتيجة، فقد استخدم نظام الأسد جهاز المخابرات السورية أداة تفاوض دولية، إذ كشفت وثائق أن النظام قدّم عروضاً سرّية لبعض الدول العربية والغربية لتبادل معلومات عن “الجماعات الجهادية” مقابل تخفيف الضغوط السياسية. نتائج هذا العمل الاستخباري ظاهرة، لا سيما بعد أن اعتقلت الإمارات عصام البويضاني الشهير بأبي همام البويضاني، قائد تنظيم جيش الإسلام سابقاً، وقيام فرنسا بتنفيذ محاكمات علنية لمجدي نعمة، المقاتل السابق في جيش الإسلام والمتحدث باسمه، الموقوف منذ 2020 بتهمة التواطؤ في ارتكاب جرائم حرب والانتماء إلى مجموعة إجرامية. وقد يواجه عقوبة السجن 20 عاماً.

المآلات والأسئلة المستقبلية

يفتح الكشف عن هذه الوثائق الباب أمام عدة مسارات، أهمّها المحاسبة والمساءلة، لا سيما أن وثائق كثيرة تتضمّن توقيعات وأسماء ضباط متورّطين في جرائم ضد الإنسانية، ما يفتح المجال لتحريك دعاوى قضائية دولية ضد رؤساء أفرع أمنية، أبرزهم قصي ميهوب ولؤي العلي وأسامة زهر الدين وإبراهيم معلا وحسام لوقا وإبراهيم صافي. وتمكن أيضاً الاستفادة من هذه الوثائق في سبيل إصلاح القطاع الأمني في مرحلة ما بعد الأسد، وتفكيك هذه البنية القمعية، وبناء أجهزة أمنية خاضعة للمساءلة، وقائمة على المهنية، لا الولاء الطائفي والمناطقي.

نقطة مهمة جدّاً في سورية الجديدة هي توثيق التاريخ والذاكرة الجماعية لنظام قمعي أمني استخباري قائم على التخويف والترهيب في سبيل تعزيز الحكم؛ إذ تمثل هذه الوثائق سجلاً تاريخيّاً لا يمكن تجاوزه في مرحلة الانتقال إلى سورية الجديدة، ويجب أن تكون في متناول السوريين، مصدراً لفهم ما حدث، ووسيلة لمنع تكراره؛ في ظل الحديث عن الحاجة إلى إنشاء آليات للعدالة الانتقالية، تشمل لجان تقصي الحقائق، وبرامج تعويض الضحايا، وضمانات بعدم تكرار العنف الأمني الاستخباري وضمان تعاون إقليمي فاعل.

بنية هرمية معقّدة تربط الأجهزة بشخص واحد

من بين الأسرار الكثيرة التي كشفها انهيار النظام بهذه السرعة، ووصول أرشيف أجهزته الأمنية إلى أيدي الباحثين، ظهرت بوضوح آلية العلاقة بين هذه الفروع، وتشابكاتها، ونقاط الوصل بينها، وهوامل التنافس والصدام. وتكشف الوثائق المسربة أن نظام المخابرات السوري كان مبنيّاً على تعدّدية فروع أمنية تعمل ظاهرياً بشكل مستقل، لكنها في الواقع تخضع لقيادة مركزية ترتبط مباشرة بالقصر الجمهوري. تتوزّع بنية الأجهزة الأمنية السورية على أربع مؤسسات رئيسية: المخابرات العسكرية التي تعد الأكثر نفوذاً وتضم فروعاً مخصّصة للتيارات الفلسطينية والإسلامية، أهمها فرع فلسطين وفرع الجبهة (فرع سعسع)؛ والمخابرات الجوية، وهي جهاز سرّي فعال في القمع والتنسيق الميداني بين الفروع الأخرى ومسؤول عن أمن القيادات من الصف الأول وتنسيق عمليات الأمن والسلامة خلال مغادرتهم الأراضي السورية خوفاً من الاغتيالات، ولعبت روسيا من خلال قاعدة المخابرات الجوية في مطار المزّة العسكري دوراً مهماً في ترتيب مهام القمع والتجسس وتدريب العناصر على أجهزة تجسّس حديثة، مع أن هذا الفرع شارك في عمليات التصفية والقمع بشراسة منقطعة النظير، لا سيما في مناطق داريا والمعضمية وجديدة عرطوز الفضل؛ والمخابرات العامة التي تعنى بمراقبة الأنشطة السياسية والإعلامية والدينية، وتشرف على عمليات التجسس الداخلي وتشرف على عمل وزارة الاتصالات والمعلومات وشركات الاتصالات (سيرياتل و MTN)؛ والأمن السياسي الذي يتخصّص في مراقبة المجتمع المدني، وقد تغلغل في تفاصيل الحياة اليومية بشكل يكاد لا يُضاهى في أي نظام أمني آخر في المنطقة مكلفاً بمتابعة النشاطات الحزبية والشخصيات العامة، وملفات المعارضة التقليدية (اليسارية، القومية، الإسلامية)… وتشير التقديرات إلى أن عدد العاملين في هذه الأجهزة يتجاوز 120 ألف عنصر، غالبيتهم الساحقة تنتمي إلى الطائفة العلوية، ما أضفى على المنظومة بعداً طائفيّاً عزّز عزلة النظام عن شرائح واسعة من المجتمع السوري. وتشير الوثائق المسربة إلى أن هذه الأجهزة كانت تتنافس فيما بينها للحصول على المعلومات والنفوذ، ما أدّى إلى تداخل في المهام وازدواجية في العمل، على الرغم من التنسيق الفعلي بينها، لا سيما في ملفات الاعتقال والمطلوبين الأمنيين. نفذ فرع سعسع (221 أمن عسكري) عام 2013 عملية اعتقال لمجموعة مطلوبين من منطقة خان الشيح في ريف دمشق لغربي، وهو تجمّع للاجئين الفلسطينيين في سورية. وبحسب الأخبار المسرّبة، فإن هذه العملية كانت نتيجة رصد ومتابعة من “مُخبرين” تابعين للأمن العسكري، ومن ثم جرى تحويل هذه المجموعة على فرع المعلومات وسرية المداهمة 215، ومن ثم تحويلهم إلى فرع فلسطين (235 أمن عسكري) قبل أن يخرجوا من صيدنايا في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024. هذا التعاون الأمني واضح في مواضيع الاعتقال، لكن على مستوى العمليات، فالوثائق المسرّبة تظهر مركزية في القطاعات، بحيث يكون كل فرع مسؤولاً عن القطاع الأمني القريب من مجال عمله ونطاقه الجغرافي.

تظهر وثيقة مسرّبة من الفرع 216 طلب مراقبة ورصد تحركات مواطنين، وهي محوّلة من الفرع 294. تعكس هذه الوثيقة التنسيق الأمني بين الأفرع لتنفيذ عمليات الرصد والتعقب والاعتقال، ومن ثم تنسيق تحويل المطلوبين للتحقيق بالأفرع التي تختص بالتهم الموجهة إليهم. كما تظهر صورة أخرى مسرّبة تعقب لفلسطينيين-سوريين في قطاع ببيلا ويلدا الواقعتين جنوب شرق دمشق، وطلب معلومات عنهم وفق خطاب “سرّي للغاية”. السرّي للغاية يعني أن هناك معلومات يجب الحصول عليها عن هؤلاء المطلوبين وبسرعة قصوى من دون معرفة من أي أفرع أمنية أخرى غير الموجهة لهم هذه الخطابات.

التعذيب المنهجي موثق بتفصيل أساليب التعذيب المستخدمة، مع لوائح بأسماء الضحايا، وأسماء الضباط المنفذين، لا سيما في فرع فلسطين وفرع الأمن السياسي وفرع الخطيب في دمشق الذي كان مسؤولاً عن منطقة دوما وحرستا وعربين، ومنطقة القصاع والعبّاسيين وشارع حلب وشارع بغداد في العاصمة دمشق. وقد كان هذا كله معروفاً للسوريين بحكم مرويات الناس الذين خرجوا من السجون أو الأفرع نتيجة عفو أو انتهاء محكومية؛ في ظل تعتيم إعلامي كامل ومطلق عن الجانب الأمني والجانب المظلم لمنظومة المخابرات السورية في الإعلام الموجّه.

العربي الجديد

————————

في غربة الثقافة السورية وقيامتها/ راسم المدهون

21 مايو 2025

عاشت الثقافة السورية خلال سنوات الثورة الطويلة حالة غير مسبوقة من فصل إبداعات من غابوا خارج البلاد لعقد ونصف العقد تقريبًا، وكان ما يحققونه من إبداع في مختلف المجالات محظورًا ومغيبًا عن البلاد وأهلها، وهو إن حضر، فحضوره سري وبالغ الخطورة لكل من يتداوله عبر وسائط التواصل الاجتماعي. كان النظام البائد يوظف “جيشه الإلكتروني” في مهمة ملاحقة تلك الإبداعات وملاحقة من يتابعونها، باعتبارها “ممنوعات” تنتمي لـ”الإرهاب”، في بلد كان نظامه يعمل ليل نهار على ملاحقة “أهل الإرهاب” واغتيالهم في السجون والمعتقلات بتلك الكيفية التي ظهرت وانكشفت للعالم بعد الثامن من كانون الأول/ ديسمبر الماضي، يوم فرار الطاغية وزحف ملايين السوريين على السجون والمعتقلات والفروع الأمنية لتحرير من تبقى من المعتقلين.

هي إذًا “ثقافة المنفى”، وإبداعاتها تحمل، بصور مختلفة ومتباينة بالطبع، حياة وإبداع أولئك الذين لاحقتهم أيدي القتلة والمجرمين، فركبوا البحار، ووصل من نجا منهم إلى شواطئ بعيدة، عاشوا في مدنها الغريبة، وتعايشوا مع ثقافات أخرى لها ملامحها وتنتمي لتجارب اجتماعية وإنسانية أخرى. وغني عن القول هنا أن “ثقافة المنفى” تلك نمت بوافدين جدد من مبدعين من الأجيال السورية الجديدة الذين كبروا ومارسوا الإبداع الأدبي والفني، ونضجت تجاربهم في بلدان المنفى والاغتراب، فيما هي مجهولة أو شبه مجهولة من السوريين الذين ظلوا في وطنهم خلال سنوات الثورة العجاف.

في اغتراب المبدعين السوريين، خصوصًا في دول أوروبا، حضرت في نتاجهم الأدبي والفني رؤى وتعبيرات وأشكال أدبية وتقنيات إبداع غير مسبوقة، وتنتمي لثقافات مغايرة، ولعل هذه المسألة بالذات لها أثرها العميق على ما أبدعوا، بل وعلى ما سيبدعون في العقود القادمة. لا أعني هنا فكرة تلاقح الثقافات وما يحمله ذلك من غنى وتنوع، ولكن أيضًا حضور أشكال جديدة للتعبير عن الواقع… هي مرحلة الرؤية الأوسع والأعمق، وبالتأكيد الأشمل، للقضايا والموضوعات التي كانت محظورة، يضطر المبدعون للالتفاف على تعبيراتها المباشرة واللجوء إلى “التورية” والترميز، وحتى استخدام “زمن” آخر لا يشير في صورة مباشرة للبلاد بأسمائها وملامح أهلها. إبداعات الشتات والمنفى أتت طليقة من أي قيد، بل هي استفادت إلى حدود بعيدة من حريتها الكاملة في تشكيل حضورها الفني والأدبي في مناخ صحي لم تعرفه من قبل.

في مناخ الشتات هذا، تتأكد “فكرة الحرية” بمعناها الكامل، إذ هي حضور الحياة ذاتها على نحو طليق يكتمل بوسائل تعبير طليقة من أية قيود: هنا بالذات تحضر سورية كوطن وشعب على نحو لا ينتمي لحرية المنفى وحسب، ولكنه يؤسس لحرية الوطن وأهله على نحو غير مسبوق، وسنراه يذهب بكليته في اندفاعة كبرى للتعبير عن كل ما حدث ويحدث بأشكال أخرى، طليقة ومفعمة بالرغبة في تشكيل ملامح حياة اجتماعية تؤسس لقطيعة مع ذلك العالم المجنون الذي عاشته سورية قرابة نصف قرن من القمع والقتل الممنهج والتغييب، فالثقافة في الحالة الجديدة هي وثوب للحاق بما كان محجوبًا ومحظورًا بحراب نظام القمع.

كل شيء في سورية اليوم يبدأ من “الصفر”، أو هو يبدأ من “صفر النظام البائد” ليبدأ العد في سياق مختلف ومنظومة زمنية مختلفة عنوانها الأبرز والعريض الحرية ومآلاتها ومآلات البشر العاديين الذين بات من حقهم أن يحضروا بكامل ملامحهم، بل وأحزانهم وأفراحهم، في الأدب والفن الدرامي والسينمائي والتشكيلي، رواية وفيلمًا ومسلسلًا تلفزيونيًا.

تلك السنوات العجاف من التغييب القسري للثقافة ومبدعيها ورموزها ستؤسس، في اعتقادي، لتلاقح قادم بين ما اغترب وتحقق في الخارج، وبين من ظل في البلاد، ويقف اليوم بدوره في شوارع الحرية وطلاقتها… هي تجربة مختلفة بالتأكيد، وهي في تقديري تنتظرها خطوات جادة لاستعادة “دورة الحياة الإبداعية” من خلال تشجيع حياة سينمائية جديدة، بل واستعادة نهضة الدراما التلفزيونية التي صار من الممكن لها أن تستعيد دورتها الإنتاجية بأفكار جديدة وتقاليد إنتاج متحررة من هيمنة القوانين الجائرة وسيطرة رأس المال الذي كان محتكَرًا في أيدي طغاة النظام البائد ورموزه من محتكري المال المشبوه، الذين وظف بعضهم ماله في الإنتاج الدرامي كنوع من “غسيل الأموال”، ومارس تطويع الفن ورموزه لسيطرة رجال النظام والأجهزة الأمنية البائدة.

هي أفكار تفرض نفسها اليوم، ونستعيد معها آمالًا كبرى لعودة أبرز رموز الثقافة والإبداع، والذين شكلوا خلال العقود الماضية – وحتى في ظروف القمع والاضطهاد – إرثًا ثقافيًا وإبداعيًا تجسد في فورة روائية كبرى، كما في تجربة درامية انتشرت وحققت حضورًا متميزًا في البلاد العربية كلها، وهي مدعوة اليوم إلى تحقيق أعمال تتجسد فيها حكايات سورية الثورة وعذابات أهلها، كما تتجسد فيها رؤاهم وتطلعاتهم للحياة الجديدة، وما تحمله من قضايا اجتماعية وسياسية تمتلك طلاقة النظر وحرية التعبير، وتستعيد مكانة الفكر الحر والفن الحر وقدرتهما على تأسيس مجتمع سوري جديد.

مرحلة الثقافة السورية في زمنها الجديد هي مرحلة استعادة التاريخ السوري، لا بتدوين مفرداته وتفاصيله على نحو مختلف وحقائق مختلفة وحسب، ولكن أيضًا على نحو يستعيد صور سورية المتنوعة والزاخرة ببيئات اجتماعية كان النظام البائد يشجع على تقديمها في صور وأشكال أقرب إلى الكاريكاتورية، ولا صلة حقيقية لها بواقع المجتمع ولا بعادات أهله وثقافاتهم وموروثهم، وهي مهمة تنفتح على قراءات فنية وفكرية تخالف السائد، وتذهب نحو أفق آخر مغاير يقدر على تحقيق رؤى وأفكار تستلهم الواقع وتنهض به ومعه إلى زمن آخر، نراه “زمن الحرية” بكل ما تحمله وتؤسس له الحرية من معنى ومضمون.

ضفة ثالثة

————————————

 كنوز سوريا.. من مملكة إيبلا حتى نزار قباني/ مصطفى علوش

2025.05.21

أتيح لي يومًا أن أزور موقع مملكة إيبلا الأثري في محافظة إدلب، التي اكتشفها عالم الآثار الإيطالي باولو ماتييه، وراقبتُ تلك الجهود الجبّارة التي بذلتها البعثة الأثرية لتعريف العالم بمملكة إيبلا.

قلتُ في ذلك اليوم من عام 2002، كما أذكر، إن ما تملكه سوريا من آثار كافٍ ليجعلها من أغنى بلاد العالم وأرقاها حضاريًّا، ويمكن أن تحصل ميزانية البلد على مبالغ ضخمة من العملة الصعبة، في حال توفرت البنية التحتية السياحية. ولكن كلّ ذلك مرهون ببناء دولة حقيقية.

ليست الآثار وحدها ما تملكه سوريا، إنما يملك أبناؤها طاقاتٍ جبارةً، ومواهبَ، وعقولًا مبدعة، وقبل كلّ شيء إراداتٌ جمعية وفردية ترغب بالنهوض مجددًا لتكون سوريا جزءًا من العالم.

لماذا لا يتم استملاك بيت نزار قباني لصالح وزارة الثقافة؟

أنجبت سوريا سعد الله ونوس، ومحمد عمران، وأبو خليل القباني، ونزار قباني، وصباح قباني، كما أنجبت محمد الماغوط، وعبد السلام العجيلي، ومحمد عبد الكريم عازف البزق، ومعهم مئات الأسماء التي رحلت عن دنيانا. لكن كلّ أثر فكري وثقافي وفني من آثار هؤلاء يُعتبر كنزًا لسوريا، يمكن أن يدعم ميزانية الدولة بالعملة الصعبة. فبيت نزار قباني في دمشق، مثلًا، لو قُيّض للدولة أن تستملكه لمصلحة وزارة الثقافة، لكان بالإمكان أن يكون قبلةً لعشّاق الشعر في العالم العربي وغيره.

العروض المسرحية السورية المميزة، الأخوان ملص

يومًا ما من عام 2005، كنتُ في عداد الوفد الصحفي الذي زار تونس لحضور مهرجان قرطاج. ويومها شاركت سوريا من خلال عدة نشاطات مسرحية، ومنها العرض المسرحي “فوضى”، وأذكر أن العرض قُدِّم على خشبة المسرح البلدي في تونس العاصمة، وحين انتهاء العرض صفق الجمهور واقفًا لمدة تجاوزت عشر دقائق.

يومها كان المسرح السوري كنزنا المتنقل.

هذه الأيام، وفي دمشق، يعرض الأخوان ملص عرضهما المسرحي ضمن تجربة “مسرح الغرفة”، وهو بعنوان: “كلّ عارٍ وأنتم بخير”. وأذكر أني تابعت عام 2011 عرضهما المسرحي في مسرح الغرفة “الثورة الآن تُؤجَّل إلى الغد”، هما ومعهم المئات من خريجي المعهد العالي للفنون المسرحية وقسم النقد، هم كنز هذا البلد.

يمكن لسوريا أن تحضر في العالم كقوة فنية وفكرية وثقافية، عبر هذه الطاقات التي تم تهجيرها إلى العديد من بلدان أوروبا.

إذًا، الثقافة السورية ومبدعوها وحاملوها هي الجسر الحضاري الذي يمكن أن نعبر عبره إلى العالم. أذكر أن الراحل محمد الماغوط قد أنفق الكثير من الجهد والمال لبناء بيتٍ له في مدينة سلمية، مسقط رأسه، لكن لم يُتَح له أن يعيش فيه، وزاره مرة واحدة بعد موته، حين عبرنا به ميتًا في تابوت، كزائر. هذا البيت يمكن أن يكون متحفًا حقيقيًا، ويمكن أن تزوره الناس من كلّ بقاع الأرض.

مبدعات سوريا الرائدات في الفكر والثقافة، من إلفة الإدلبي حتى كوليت خوري، مرورًا بالعديد من الأصوات النسائية، هنّ كنزٌ سوريٌّ ثقافيٌّ.

الدراما السورية والفن التشكيلي السوري.. رسالتنا للعالم

الدراما السورية، وما قدّمته خلال عقود من أعمال يعرفها ملايين العرب، وأسماء سورية إبداعية مهمة نقلت للعالم اسم سوريا: كُتّاب ومؤلفون، ممثلون ومخرجون وفنيون، هؤلاء كنوز ثقافية متنقلة تجلب لسوريا العملة الصعبة والسمعة الثقافية والحضارية.

رواد الفن التشكيلي السوري وعشاقه الحاليون، رياض الصالح الحسين ودواوينه الرائعة، ذلك الشاعر الرائع الذي حلم أن تكون سوريا حرة وخالية من الألم والقهر.

شوارع دمشق القديمة ومقاهيها، صوت فيروز المترافق مع قهوة الصباح، قلعة حلب والحصن، الشاطئ السوري، كسب، وقرى الساحل وصباحاتها الساحرة، هي كنوز سورية بامتياز.

مواويل العتابا والغناء السوري العتيق، والمطربون السوريون، من فهد بلان إلى فريد الأطرش، ومعهم نجيب السراج، وغيرهم من مطربي سوريا وملحنيها، هم كنوز البلد.

ومع هؤلاء جميعًا، هناك طيبة الناس الحقيقية النابعة من محبة البلد والحرص عليه. كلّ ذلك يمكن أن يُبنى عليه لتكون سوريا جزءًا من هذا العالم، صديقة الجميع، مدينةً للسلام والطمأنينة.

لكن قبل كلّ شيء، علينا البدء بتشكيل الدولة السورية الحقيقية. ونحن هنا لا نخترع العجلة من جديد، إنما علينا أن ننظر حولنا إلى تجارب ناجحة، نُقلّدها ونطوّرها، ونجعل كرامة الإنسان وحريته أساس بناء هذه الدولة.

سوريا تحتاج إلينا جميعًا، ويمكن لآلاف الأفكار الخلّاقة أن تتحول إلى حقائق على الأرض. هناك من بدأ العمل فعليًّا منذ الثامن من شهر كانون الأول عام 2024، وهناك من يتابع.

يجب أن تكون دون كراهية، ودون عنصرية، ويجب أن تكون للجميع.

هل تكون هكذا سوريا؟ إنها رهاننا الكبير.

—————————-

سوريا دولة بلا أرشيف/ عمار السمر

2025.05.21

على حد علمي، لا يوجد اليوم دولة في العالم بلا مؤسسة أرشيف وطني أو دار للمحفوظات غير سوريا وقد كانت هكذا دائماً، على الرغم من وجود مديرية فرعية صغيرة تابعة للمديرية العامة للآثار والمتاحف اسمها “مديرية الوثائق التاريخية”، كانت تهتم بالوثائق وحفظها، وبقيت على حالها من دون تطور يذكر لأكثر من نصف قرن شأنها شأن الكثير من المؤسسات السورية، في دولة حكمها حزب ورئيس كانا يدعيان دائماً اهتمامها بالتاريخ.

اشتهرت المديرية المذكورة آنفاً بين الباحثين والمشتغلين في دراسات تاريخ سوريا وبلاد الشام الحديث والمعاصر باسم “مركز الوثائق التاريخية بدمشق”، الذي شغل قسما من بيت خالد العظم رئيس وزراء سوريا الأسبق في حي ساروجة وسط دمشق.

وهو بيت على الطراز الدمشقي البديع، وقد استمر المركز بعمله رغم ضعف الإمكانات حتى تموز 2023، عندما وصل إليه حريق أتى على قسم منه، ومن حسن الحظ أن المجموعات الوثائقية والسجلات المحفوظة في المركز كانت قد نُقلت إلى مكان أكثر أمناً قبل ذلك بسنوات، وقد توقف عمل المركز منذ ذلك الوقت.

حُددت مهمة المركز في قرار تأسيسه عام 1959بجمع الوثائق التي تتعلق بتاريخ سوريا وتنظيمها وفهرستها وحفظها وترميمها، ثم إتاحتها للباحثين والمهتمين.

في السنوات الأولى من حياة المركز قام بمهامه بشكل جيد، خاصةً عمله الرائع حين جمع سجلات المحاكم الشرعية الباقية في مستودعات محاكم (دمشق، وحلب، وحماة، وحمص، واللاذقية).

يحوي المركز عدة أقسام أهمها، القسم العثماني: الذي يضم أقدم مجموعات وثائقية رسمية معروفة في سوريا وتتمثل بسجلات المحاكم الشرعية التي يبلغ عددها نحو 2900 سجل يعود أقدمها إلى النصف الأول من القرن السادس عشر وصولاً إلى العقد الثاني من القرن العشرين. واكتشاف تلك السجلات وضع بين يدي المؤرخين مصدراً جديداً للمرة الأولى، خاصةً لكتابة التاريخ الاجتماعي والاقتصادي لسوريا. جذب كبار المؤرخين العرب والأجانب. كما يحوي هذا القسم سجلات الأوامر السلطانية وحججاً شرعية متنوعة وأشجار أنساب ومطبوعات تعود للعهد العثماني.

وهناك قسم وثائق الدولة: ويحوي مجموعات متفرقة من وثائق وزارات الدولة السورية الحديثة ابتداء من حكومة الملك فيصل مروراً بفترة الاحتلال الفرنسي وصولاً إلى بداية حكم البعث الذي لا توجد منه أية وثائق رسمية، سوى بعض المطبوعات الحكومية كالجريدة الرسمية. وهناك القسم الخاص: الذي يحوي مجموعات وثائقية لنحو ثلاثين شخصية سورية من ساسة وقادة ثورات كفخري البارودي، والشيخ يوسف السعدون. أما القسم الصحفي فيضم مجموعات غير كاملة من الصحف العثمانية وفترة الانتداب وما بعد الاستقلال، بالإضافة إلى الصحف الرسمية السابقة (تشرين، البعث، الثورة).

أما قسم التصوير فيحوي بضعة آلاف من الصور القديمة. بالإضافة إلى قسم ترميم الوثائق الذي تأسس بمساعدة وكالة جايكا اليابانية. وكان هناك مكتبة صغيرة أتى عليها حريق سنة 2023.

رغم العدد المتواضع لتلك المجموعات الوثائقية في المركز إلا أنها شديدة الأهمية كونها المصدر الأرشيفي المحلي الوحيد لنحو أربعة قرون ونصف من تاريخ سوريا تحت الحكم العثماني، وفترة الاحتلال الفرنسي، وما بعد الاستقلال. وهذه المجموعات فريدة ليس لها نسخ أخرى.

نظام الأسد والبعث، و تاريخ سوريا ومصادره

عثرت في الأرشيف الإداري لمركز الوثائق قبل سنوات على كتاب رسمي (طلب) يعود إلى حزيران 1963 أي بعد انقلاب البعث، والكتاب موجه من مدير مركز الوثائق آنذاك الدكتور نادر العطار إلى “المديرية العامة للأنباء” التي كانت تنوي إتلاف مطبوعات تعود للفترة التي سبقت البعث، ويطلب العطار الحصول على نسخ منها للحفظ في المركز، ويبدو أنه كان يفهم عقلية من استولوا على السلطة فبرر طلبه بالقول أن “تلك المطبوعات مهما بلغت تفاهتها، فهي تدل على العهد الذي وضعت فيه” وتعهد بأن يضع ما هو سري منها في القسم السري في المركز، ويبدو أنه قد تمت الموافقة على طلبه بجلب تلك المطبوعات التي تبين أنها كما وصفها، ولكن من استولوا على السلطة كانوا يريدون محو أي أثر لمن قبلهم. ولكن بعد ذلك اليوم لم ترد أية وثائق إلى المركز الذي لا يوجد فيه أية مجموعات وثائقية تعود لحقبة ما بعد سنة 1963.

نصف قرن ونيف من الإهمال

سنوات طويلة مضت والركود مخيم على المؤسسات السورية، حكم حافظ الأسد ثلاثين عاماً، ووزيرته المزمنة للثقافة نجاح العطار جثمت على صدر الوزارة لربع قرن (1976 – 2000)، تركت فيه صديقتها مديرةً لمركز الوثائق، التي لم يكن لطفها ودماثتها كافيين لإدارة مؤسسة تحتاج إلى المبادرة وتطوير ذاتها وكوادرها.

فخلال هذه الفترة كلها على سبيل المثال لم يتمَّ إرسال أي موظف أو طالب إلى الخارج لدراسة الأرشفة أو الترميم أو ما يتعلق بالعمل بالمركز. ورغم الكثير من الزيارات الخارجية والمؤتمرات التي شارك فيها القائمون على إدارة المركز إلا أن طريقة عملهم كانت توحي وكأنهم لم يطلعوا على تجارب الآخرين ولم يستفيدوا منها بشيء سوى صورهم في معالم المدن التي زاروها.

وفي هذا السياق، ومن النوادر المضحكة المبكية المكررة في زمن الأسدين. أنه في بداية حكم الأسد الابن وردت رسالة من الأرشيف الفرنسي يطلبون تجديد التعاون مع مركز الوثائق، ويسألون عن موظفين بالاسم تلقوا تدريباً في فرنسا على أعمال الأرشيف ما بين نهاية الستينيات وبداية الثمانينيات وماذا استفاد المركز منهم. ليتبين أن جميع تلك الأسماء لم يعملوا في مركز الوثائق سوى شخص واحد وحسب، والباقون كانوا من الإداريين في وزارة الثقافة ذهبوا للفسحة في باريس.

وتكرر الأمر نفسه قبل الثورة عند توقيع المركز اتفاق تعاون مع الأرشيف العثماني في تركيا فكانت بعض مساعدات المدير العام للآثار والمتاحف وبعض الأداريين ممن لا علاقة لهم بالمركز في مقدمة من ذهبوا للفسحة في إسطنبول.

في العقد الأخير ما قبل الثورة السورية 2011 كان هناك محاولات حثيثة من بعض العاملين في المركز لتطويره وتحويله إلى مؤسسة أرشيف وطني كباقي دول العالم، أثمر جهدهم بتشكيل لجنة خاصة في وزارة الثقافة كان كاتب هذه السطور عضواً فيها، وبعد الاطلاع على تجارب الدول الأخرى وضعت اللجنة “مشــــروع قــانــون حمايـة الأرشيــف الـوطنـــي وإحداث الهيئة العامة للأرشيف الوطني” على أن تكون هيئة مستقلة تتبع لجهة سيادية في الدولة. ورُفع المشروع إلى الجهات العليا ولكنه لم ير النور، على الرغم من أخذ حساسيات النظام بعين الاعتبار والابتعاد عن الأرشيفات العسكرية والمخابرات.

أما محاولة الانتقال إلى بناء جديد فتلك حكاية أخرى أيضاً فيها المضحك المبكي من طريقة تعامل مسؤولي الإدارة مع القضايا العامة. ففي كل سنة تقريباً كان هناك مراسلات رسمية على ضرورة انتقال المركز لأن مقره غير مناسب لحفظ الوثائق، والمنطقة التي حوله تعرضه للخطر حيث يوجد خرائب مهملة وورش صناعية. ولكن لم تجدي تلك المراسلات نفعاً رغم وقوع عدة حوادث خطيرة. قُدمت للجهات المسؤولة تقارير فيها شروحات وصور عن الأرشيفات الوطنية في الدول الأخرى لنفعل مثلها، لكن مقترحاتها لحل مشكلة البناء كانت مثيرة للسخرية والتندر، فمرة اقترحت محافظة دمشق بناءً قديماً كان للشركة العامة لدباغة الجلود في منطقة الإحدعشرية وما أدراك ما هذه المنطقة. أما محافظة ريف دمشق فقد اقترحت أرضاً لإنشاء بناء جديد عليها في أحد الجبال المحيطة ببلدة تل منين، ولكن كان يجب تسلق طريق وعر للوصول إليها. أما مديرية الزراعة في ريف دمشق فقد اقترحت قطعة أرض على طريق حمص تبعد عن دمشق 50 كم.

ماذا يجري هذه الأيام؟

اليوم وقد سقط نظام الأسد الفاشل وسوريا تنفض عن نفسها غبار نصف قرن من الإهمال والفساد. ما تزال التحديات السابقة موجودة، فحتى الآن لا يوجد أرشيف وطني ولا يوجد قانون لحفظه، ومركز الوثائق ما زال مغلقاً. لذا لا بد من إيجاد مؤسسة أرشيف تليق بسوريا الجديدة، والحاجة إليها اليوم أكثر إلحاحاً، فعدا عن الوثائق التي كانت محفوظة في مركز الوثائق التاريخية يوجد مئات الأطنان من الوثائق بحاجة للحفظ والترتيب كتلك التي في قيادات فروع حزب البعث والأفرع الأمنية والجهات الحكومية الأخرى.

فهذه مكانها الأرشيف لأنها أصبحت جزءاً من تاريخ سوريا بالإضافة إلى أهميتها في مسيرة تحقيق العدالة الانتقالية، وحفظ حقوق السوريين المعنوية والمادية والعقارية.

ويزيد الأمر إلحاحاً ورود العديد من التقارير وإعلان العديد من الجهات الأجنبية نقلها كميات كبيرة من الوثائق السورية إلى خارج سوريا، وهذه غير مئات آلاف الوثائق السورية الرسمية التي أعلنت جهة حقوقية دولية نقلها خارج سوريا خلال حكم النظام الأسد في سياق جمع الأدلة على جرائمه.

ربما الفرصة سانحة الآن لخلق واقع جديد في ظل الدولة السورية الجديدة، ووجود إدارة جديدة لوزارة الثقافة والآثار تبدي رغبتها القوية بتغيير الواقع الحالي والنهوض به، إضافة إلى وجود العديد من المؤرخين والأكاديميين السوريين والأجانب العاملين في العديد من الجامعات والمركز العلمية المرموقة الراغبين بتقديم جميع أشكال الدعم لحفظ الأرشيف السوري وعودة مركز الوثائق إلى عمله وتطويره.

تلفزيون سوريا

————————

==========================

واقع وكواليس الاتفاق بين “قسد” وحكومة الجمهورية العربية السورية مقالات وتحليلات تتحدث يوميا  تحديث 21 أيار 2025

لمتابعة تفاصيل هذا الملف اتبع الرابط التالي

دوافع وكواليس الاتفاق بين “قسد” وأحمد الشرع

————————–

قسد بعد قنديل.. بين إرث العمال الكردستاني وشروط الوطنية السورية/ باسل المحمد

2025.05.20

في تحول إقليمي لافت أعلن حزب العمال الكردستاني، المدرج على لوائح الإرهاب في تركيا وأوروبا والولايات المتحدة، عن حل نفسه وإنهاء تاريخه العسكري الممتد لعقود، تاركاً وراءه إرثاً من الصراع والتحالفات والدماء، معتبراً في بيان نقلته وكالة فرات للأنباء المقرّبة منه، أنه أنجز “مهمته التاريخية” و”أوصل القضية الكردية إلى نقطة الحل عن طريق السياسة الديمقراطية”.

إلا أن الصدى الأكبر لهذا الإعلان لم يكن في تركيا أو شمال العراق، بل في شمال شرقي سوريا، حيث تنتشر قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، القوة التي شُكلت برعاية أميركية لمحاربة تنظيم “داعش”، لكنها وُصمت مراراً خصوصاً من قبل أنقرة بأنها “امتداد سوري” لحزب العمال الكردستاني. هذا الاتهام الذي ظل يلاحق قسد منذ تأسيسها عام 2015، شكّل عائقاً كبيراً أمام قبولها كجزء من أي حل سياسي شامل في سوريا، لا سيما بعد سقوط النظام وتشكيل إدارة انتقالية جديدة في دمشق تسعى لفرض سيادتها على كامل الجغرافيا السورية.

 ومع إعلان الحزب الأم حل نفسه يبرز سؤال محوري: هل يُفتح الباب أمام إعادة تعريف قسد كقوة عسكرية وسياسية سورية خالصة منزوعة الصبغة الأيديولوجية العابرة للحدود؟ وهل يشكّل هذا التطور مدخلاً لشرعنتها في الداخل السوري ومنحها دوراً في مستقبل البلاد، أم أن إرثها التنظيمي العميق وعلاقاتها المعقدة مع قيادات العمال الكردستاني سيظل عقبة يصعب تجاوزها حتى لو اختفى الحزب شكلياً من المشهد؟

قسد وضرورة مراجعة الإيديولوجية

رغم المساعي السياسية والإعلامية التي تبذلها “قوات سوريا الديمقراطية” لتقديم نفسها كقوة سورية محلية ذات طابع تعددي، لكن في العمق لا تزال البنية الفكرية والتنظيمية لقسد ترتكز على مرجعية واحدة، هي فكر عبد الله أوجلان، الزعيم المؤسس لحزب العمال الكردستاني، وصاحب النظرية التي تُعرَف باسم “الأمة الديمقراطية”، والتي تتبناها الإدارة الذاتية بشكل رسمي.

ينعكس هذا الارتباط الفكري بعقيدة “العمال الكردستاني” في البنية الإدارية والسياسية والعسكرية؛ فالمحتوى التعليمي الذي يدرّس في مدارس الإدارة الذاتية يتضمن مفاهيم ونصوصاً مستمدة من فكر عبد الله أوجلان، إضافة إلى أن اللغة الإعلامية والسياسية التي تتبناها قسد وإدارتها الذاتية لا تزال تعكس بوضوح تأثيرات الخطاب السياسي للعمال الكردستاني.

أما الناحية الأهم فهي العلاقة والامتداد في بنية القيادة والقرار، فالكثير من القيادات العسكرية في قسد ينحدرون من خلفية حزب العمال الكردستاني، أو تلقوا تدريبهم في معسكرات قنديل، كما أن القوى العسكرية الضاربة في قسد هي حزب الاتحاد الديمقراطي، وذراعه العسكرية “وحدات حماية الشعب الكردية” الذي تأسّس في العام 2003 على اعتباره نسخة سورية من حزب العمال. 

ورغم أهمية الحديث عن حل حزب العمال الكردستاني كخطوة سياسية قد تُفتح بها نوافذ تفاهم مع أطراف إقليمية مثل تركيا، فإن الإشكال مع قسد لا يكمن فقط في صلاتها التنظيمية مع الحزب، بل في الأساس الفكري الذي تنطلق منه، والذي يحمل هوية تتجاوز الدولة السورية وحدودها.

وبناء عليه يرى مراقبون أن أي مسعى لشرعنة قسد في السياق السوري لا يمكن أن يُبنى على خطوات تجميلية أو إجراءات شكلية، بل يتطلب مراجعة حقيقية للمرجعية الإيديولوجية، وآلية بناء القرار داخل هذه القوات، وهيكلة العلاقة بين السياسي والعسكري فيها.

تفكك العمال الكردستاني.. ونهاية الأذرع العسكرية

يمثل الحديث عن تفكيك حزب العمال الكردستاني نقطة تحوّل مفصلية لا على مستوى تركيا وحدها، بل على امتداد خريطة الانتشار المسلح الكردي في الإقليم. فالحزب مع مرور السنوات لم يعد مجرد كيان محلي، بل تحول إلى شبكة عسكرية متعددة الفروع، تتوزع في سوريا والعراق وإيران، وتحمل العقيدة الإيديولوجية والتنظيمية نفسها.

وبناء يبدو حل الحزب الأم بمنزلة الزلزال السياسي الذي قد يدفع تلقائياً إلى انحلال البُنى المسلحة التابعة له، أو على الأقل إعادة هيكلتها بما يتماشى مع المصلحة الوطنية. وهنا تحديداً تدخل قوات سوريا الديمقراطية على خط التأثر المباشر، ففي ظل ما يشهده المشهد السوري من محاولات لبناء شرعية جديدة على أسس وطنية، فإن تخلّي قسد عن جناحها العسكري المتمثل في وحدات حماية الشعب الكردية  YPG أو فصله عن هيكلها السياسي، سيكون بمنزلة خطوة حاسمة نحو شرعنتها.

وفي هذا السياق يرى الباحث في مركز الشرق الاستراتيجي محمد أمين جنكيز أنه بناء على قرار العمال الكردستاني حل نفسه فإن قوات “قسد” باتت الآن قادرة على التحرر من وصاية قنديل، ولديها فرصة حقيقية للتحول بحيث تصبح قوة سورية خالصة، لا جناحاً سورياً لحزب العمال الكردستاني، مما يمهد الطريق أمامها للحصول على الشرعية الوطنية.

ويرى جنكيز أن قرار الحل، إضافة إلى التغييرات الإقليمية والدولية تشير إلى أن الوجود الأميركي في سوريا لن يدوم إلى الأبد، ما يعني أن قوات سوريا الديمقراطية مضطرة إلى التوصل إلى تفاهم مع القيادة الجديدة في دمشق، ودمج مؤسساتها العسكرية والإدارية ضمن الإدارة السورية الجديدة، لا أن تبقى فرعاً لتنظيم إرهابي عابر للحدود.

ويشار إلى أنه إضافة إلى قوات “قسد” يوجد العديد من التنظيمات المنبثقة عن العمال الكردستاني في الإقليم منها “قوات الدفاع الشعبي” (HPG) في العراق، وجماعة “بيجاك” (PJAK) في إيران.

نهاية الأسباب التركية وفتح باب شرعية قسد

لطالما استخدمت تركيا العلاقة التنظيمية والإيديولوجية بين “قوات سوريا الديمقراطية” وحزب العمال الكردستاني كذريعة رئيسية لتبرير تدخلاتها العسكرية المتكررة شمال شرقي سوريا، مستندة إلى تصنيف دولي للـعمال الكردستاني كتنظيم إرهابي، إلا أن تفكيك الكيان الأم قد يسحب هذه الذريعة من يد أنقرة، ويضعها أمام واقع سياسي جديد، خاصة إذا رافق ذلك خطوات من قسد لتفكيك جناحها العسكري أو إعادة صياغة هويتها السياسية.

مثل هذا التحول يراه مراقبون أن من شأنه ليس فقط أن يقلل من مبررات الهجمات التركية، بل أن يخلق بيئة سياسية جديدة قد تفتح الباب أمام دمج قسد كتيار سياسي ضمن المشروع الوطني السوري. لا سيما في ظل التقارب بين دمشق الجديدة وأنقرة، وتطابق في أولويات الأمن الإقليمي ومحاربة الإرهاب.

من ناحيته يعتقد الباحث الكردي أسامة شيخ علي أنه مع حل حزب العمال الكردستاني انتفى هذا السبب الرئيسي لاستهداف تركيا قيادات وكوادر قسد، والمتعلق بتصنيفهم على قوائم الإرهاب التركية بسبب ارتباطهم بالتنظيم الأم في جبال قنديل.

وبالنسبة لمصير هؤلاء الكوادر المرتبطين بالعمال الكردستاني يوضح شيخ علي في حديثه لموقع تلفزيون سوريا أنه سيتم التعامل معهم بناء على المباحثات القائمة بين الحكومة التركية والحزب؛ بمعنى سيتم تسوية أوضاع العناصر التركية، أما السوريون المنتمون إلى الحزب فسيبقون في سوريا ضمن تسوية تتفق عليها قسد مع الحكومة في دمشق.

من جانبه يتوقع الباحث جنكيز أنه إذا سارت عملية السلام بين أنقرة وحزب العمال الكردستاني بسلاسة، فمن المرجح أن تتراجع حدة التوتر بين تركيا وقوات سوريا الديمقراطية تدريجياً، لا سيما أن اتفاق الرئيس الشرع ـ عبدي أسهم بشكل كبير في تراجع التهديدات التركية ضد قسد في الآونة الأخيرة، وهذا كله يشكل خطوة أساسية في الطريق إلى شرعنة وجود قسد على الأراضي السورية.

وكانت صحيفة حرييت التركية ذكرت في تقرير عن مصير المقاتلين في حزب العمال الكردستاني بعد إعلانه حل نفسه أن أنقرة تتوقع أن تكون العملية في الميدان السوري تطبيقاً للاتفاق المكون من 8 مواد الذي وقعته “قوات سوريا الديمقراطية” وحكومة دمشق، وأضافت الصحيفة أن تركيا وحكومة دمشق ستظلان مصممتين على الحفاظ على وحدة الأراضي السورية وعدم السماح بوجود نظام فيدرالي أو مستقل.

قسد من العسكرة إلى السياسة

تشير معطيات ميدانية وسياسية متطابقة إلى أن “قوات سوريا الديمقراطية” بدأت بإعادة تموضع داخلي قد يُفضي إلى تحوّل في طبيعة دورها من كيان عسكري إلى طرف سياسي، كشرط للبقاء في المشهد السوري الجديد الذي يتجه نحو تسويات سياسية تتطلب أطرافاً مدنية قابلة للدمج لا تنظيمات مسلحة مرتبطة بصراعات إقليمية، إضافة إلى ما تمثله خطوة إعلان حزب العمال حل نفسه من تفكك في المرجعية الإيديولوجية لقسد بشكل عام.

وعن إمكانية تحول قسد إلى حزب سياسي يعتقد الباحث شيخ علي أن المرحلة المقبلة ستشهد نشاطاً سياسياً أكبر لحزب الاتحاد الديمقراطي (الجناح العسكري لقسد)، خصوصاً أنه تخلص من أعباء الارتباط بالإرهاب من جهة، ومن جهة أخرى فإن حزب العمال له موارد مالية ضخمة قد يسهم حصول “الاتحاد الديمقراطي” على جزء منها في بناء قاعدة شعبية تساعده للعمل ضمن الفضاء السوري العام من دون الانغلاق في الحيز الكردي فقط.

ويرى شيخ علي أنه إذا تضمن الدستور السوري المقبل الاعتراف بالوجود الكردي في سوريا، وتوسيع صلاحيات البلديات المحلية للمناطق ذات الأغلبية الكردية، فإن ذلك سيعطي مؤشر جيد للحركة السياسية الكردية وبالتحديد لحزب الاتحاد الديمقراطي للانطلاق بشكل أكبر لينطلق في الفضاء السياسي السوري.

من ناحيته لا يعتقد الباحث بمركز رامار للدراسات بدر ملا رشيد أن تتحول قسد إلى جناح سياسي بهذه السرعة، ولكنه يتوقع أن يقوم حزب الاتحاد الديمقراطي بحل نفسه، أو الإبقاء عليه مع التركيز على أحزاب أخرى مثل حزب سوريا المستقبل لتنخرط في العملية السياسية الوطنية السورية.

ويرى ملا رشيد في حديثه لموقع تلفزيون سوريا أن قرار العمال الكردستاني سيسهم في دمج أو إعادة هيكلة عسكرية جديدة في لـ”قسد” ضمن وزارة الدفاع السورية، إذ ستتخلص من عبء وجود كوادر ذات نفوذ وقرار ضمن هيكليتها، مما سيعطي أريحية للحكومة السورية في التعامل مع قسد على أسس وطنية.

وكانت “الإدارة الذاتية” في شمال شرقي سوريا أصدرت بياناً 13 من أيار، تعليقاً على حل الحزب قالت فيه: إن مشروع عبد الله أوجلان يُعد “حلاً جذرياً” لمعضلة الشرق الأوسط.

واعتبرت أن مشروع أوجلان سيكون له تأثير ملموس على الواقع السوري عموماً، وشمال شرقي سوريا بشكل خاص، باعتباره “انطلاقة حقيقية نحو تعزيز السلام الداخلي، وترسيخ مفهوم التعايش المشترك بين مختلف المكونات”.

تلفزيون سوريا

——————-

كرد سوريا يرحّبون برفع العقوبات: مدخل لعملية سياسية وفق القرار 2254 ولا بد من تعديل الإعلان الدستوري/ جانبلات شكاي

رحب الجناحان الرئيسيان للقوى الكردية الناشطة في شمال شرق سوريا، «قسد» و«المجلس الوطني الكردي»، بقرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب برفع العقوبات عن سوريا.

و اعتبر ممثل الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا الى دول الخليج العربي سيهانوك ديبو أن الأمر سينعكس إيجابا على عموم سوريا بما فيها طبيعة العلاقة بين واشنطن والإدارة الذاتية، موضحاً أن تشديد رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا أحمد الشرع عبر خطابه الأخير على وحدة أراضي الدولة وعدم السماح بتقسيم البلاد «غير موجّه لنا»، مؤكدا أن الحل في سوريا يكمن في دولة لامركزية اتحادية، ومطالبا بحوار وطني جديد، وبتعديل للإعلان الدستوري وبتوسيع للحكومة الحالية. فيما طالب المتحدث الرسمي باسم «المجلس الوطني الكردي» فيصل يوسف، الحكومة في دمشق بالاستفادة من فرصة رفع العقوبات بترسيخ أسس الحكم الرشيد، موضحا أن القرار الأمريكي يشكل مدخلاً لعملية سياسية شاملة وفق روح وجوهر القرار الدولي 2254.

مسارات فاعلة

وقال ديبو رداً على أسئلة «القدس العربي»: «إننا «نقيم إيجاباً قرار الرئيس ترامب إيقاف العقوبات على سوريا، وبالرغم من أن الفرق يُذكر بين رفع العقوبات ووقفها أو تجميدها والتي تتجدد كل ستة أشهر، ونعلم أيضاً بأن رفع العقوبات بشكل كلي يلزم تنسيقا بين مؤسسة الرئاسة والكونغرس».

واعتبر الإشارة إلى عودة العلاقات بين واشنطن ودمشق في مرحلتها الانتقالية الحالية «خطوة جيدة وتنعكس إيجاباً على كامل سوريا، ومن المتوقع أن تتجلى بمردود إيجابي على الإدارة الذاتية التي تحظى قواتها «قوات سوريا الديمقراطية- قسد» بعلاقات وثيقة معها لأكثر من عشر سنوات ضد الإرهاب».

وأضاف: «من المهم أن تنعكس عودة العلاقات الثنائية بين دمشق وواشنطن بقوة على العلاقة بين واشنطن والإدارة الذاتية وتنقلها إلى مسارات أكثر فاعلية، سياسية كانت أو غيرها من دون حصرها في المسار العسكري فقط».

وعن أثر المواقف الأمريكية على طبيعة وتطور العلاقة بين الكرد ودمشق، قال ديبو: «من المفترض ألا نسمع من أي جهة كانت، أن قسد» تستقوي بواشنطن الحليفة، ومن المؤكد أننا سنسمع عن تواصل للإدارة الذاتية وانفتاحها مع مختلف بلدان المنطقة، وسيكون من الجيد أن يحظى طرفا الحل السوري، الإدارة الانتقالية والإدارة الذاتية، اللذان يربطهما اتفاق 10 اذار/ مارس الماضي، بالأصدقاء الإقليميين والدوليين أنفسهم، وكلما كبرت هذه الدوائر، من المفترض أن تصغر مساحات الاختلاف»، مشيراً إلى أن «هذا الشيء ينطبق نوعاً ما على الإدارة الذاتية أيضاً وخاصة في حال استطعنا أن نكوّن علاقات متوازنة مع أنقرة بعد الخطوات المتماسكة البناءة التي اتخذها القائد الكردي عبد الله أوجلان، فذلك أيضاً سيترك تأثيرات إيجابية على العلاقة بيننا وبين دمشق».

وزاد: «تربطنا علاقات مهمة مع أمريكا وفرنسا وعموم التحالف الدولي، وهي علاقات أخذت أبعاداً إنسانية في مقارعتنا ضد «داعش»، ولا نتحدث عن الكرد فقط، إنما عن جميع المكونات السورية في الإدارة الذاتية، من دون أن ننسى الأدوار الإيجابية التي قامت بها واشنطن ومبادرة الجنرال مظلوم عبدي في التقارب الكردي ـ الكردي الذي نجم عنه عقد الكونفرانس الكردي في 26 نيسان/ ابريل الماضي»، موضحاً أن «الحوار الكردي – الكردي، كجزء مهم من الحوار السيادي السوري، كان ناجحاً ومن المفترض أننا في اللحظات الأخيرة من تشكيل وفد كردي مشترك سيتوجه إلى دمشق».

ندعم خطاب الشرع

وعما إن كان تشديد الرئيس الشرع في خطابه الأخير على وحدة البلاد وعدم السماح بالتقسيم موجها إلى الكرد والأصوات المطالبة بالفيدرالية، سواء في الساحل أو محافظة السويداء، قال ديبو: «بخصوص خطاب الرئيس الشرع وتحديداً الجزء المتعلق منه في عدم السماح بتقسيم البلاد والتشديد على وحدة البلاد، نحن على يقين تام بأننا غير معنيين به، وهو غير موجه لنا بالأساس؛ لذلك ندعمه في هذه الجزئية، والجميع يعلم بأن الإدارة الذاتية من أكثر الجهات التي حافظت على السيادة السورية وقدمت في سبيلها نحو 35 ألف شهيد وجريح ومعوق حرب».

وتابع: «نزيد على ذلك أن السوريين كلهم معنيون بإبعاد شبح التقسيم والتفتيت في السويداء وفي الساحل وفي شمال وشرق سوريا، وليس فقط في دمشق، ونعتقد بأن الحل يكمن في تأسيس دولة لامركزية اتحادية على أساس الجغرافية وليس القومي أو الديني، وضمان الحقوق القومية والثقافية وبشكل دستوري من خلال الاتحادية الجغرافية، ومن غير المنصف القول إن الفيدرالية تؤدي إلى التقسيم، بل على العكس فإنها وكل شكل لامركزي، تعد رافعة تعزز مفهوم دولة المواطنة». وعن تعليقه على ما جاء به الرئيس الشرع بأن «سوريا لكل السوريين»، قال: «نقف إلى جانب كل صوت يدعو لأن تكون سوريا لكل السوريين، ونشدد بأنه يجب اتخاذ خطوات فعلية عملية كي لا نكون أمام أقوال فقط، في مقدمتها: مسمى الدولة من دون أي لاحقة قومية أو دينية، لأن سوريا وحدها تشكل بعداً ثقافياً ووحدة تضمن التنوع وحقوق جميع مكوناتها».

وأضاف: «أن التحديات كبيرة جداً ويلزمنا حوار وطني فعلي جديد، ونقبل بالإعلان الدستوري حين يتعدل توافقياً، والحكومة الحالية الانتقالية يجب أن ينالها التوسع أيضاً».

الحكم الرشيد

المتحدث الرسمي باسم «المجلس الوطني الكردي» فيصل يوسف علق بدوره على ما كان الرئيس ترامب قد أعلنه تجاه رفع العقوبات عن سوريا، وقال: «إن قرار ترامب برفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا يُمثّل خطوة إيجابية تصبّ في مصلحة عموم الشعب السوري بعد معاناة طويلة امتدت لسنوات»، مشيراً إلى أن «التجربة أثبتت أن العقوبات، رغم الأهداف التي وُضعت من أجلها واستهدافها للنظام السابق، فقد زادت من معاناة السوريين وفاقمت من أزمتهم الاقتصادية، وهذا ما يستوجب على الحكومة الجديدة الاستفادة من فرصة رفع العقوبات بترسيخ أسس الحكم الرشيد والشفافية والمساءلة وبما يخدم متطلبات المواطنين السوريين ومعالجة معاناتهم اليومية ومختلف القضايا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية».

وبيّن في تصريح خاص لـ«القدس العربي» أنه «وإذ نرحب بأي انفتاح دولي من شأنه التخفيف من معاناة المواطنين، فإننا نؤكد على ضرورة ألا يقتصر هذا الانفتاح على الجانبين الأمني والاقتصادي فحسب، بل أن يكون مدخلاً لعملية سياسية شاملة وفق روح وجوهر القرار الدولي 2254، تُمكّن السوريين من بناء دولتهم المستقبلية على أسس الشراكة الوطنية، وضمان الحقوق المشروعة لكافة مكونات الشعب السوري، وفي مقدمتها الحقوق القومية المشروعة للشعب الكردي».

القضية الكردية

وأكد يوسف أن «المجلس الوطني الكردي» يرى أن «التحولات الجارية في الموقف الأمريكي قد تُسهم في خلق مناخ سياسي أكثر مرونة يتيح إطلاق حوار جدي بين مختلف الأطراف السورية، بما في ذلك الحوار الكردي مع الحكومة الانتقالية في دمشق»، وقال: «نؤكد أن أي حلول سياسية حقيقية لا يمكن أن تكتمل دون إيجاد حل عادل للقضية الكردية، يتجسد في الاعتراف الدستوري بحقوق الشعب الكردي، في إطار سوريا لامركزية، وضمان مشاركته الفاعلة في صياغة مستقبل البلاد على قاعدة المساواة والمواطنة المتساوية». وفيما يتعلق بالجهود الجارية لتشكيل وفد كردي مشترك، للمباشرة بالحوار مع دمشق قال: «إن المجلس الوطني الكردي ووفقا للرؤية الكردية المشتركة حول سوريا وحقوق الشعب الكردي ومن أجل تعزيز فرص نجاح الحوارات المقبلة مع الحكومة الانتقالية في دمشق يعمل من أجل تشكيل وفد كردي مشترك ونتوقع تشكيله بأقرب وقت».

وبشأن ما جاء في خطاب الرئيس الشرع والتشديد على وحدة الأراضي السورية، قال يوسف إن «المجلس الوطني الكردي يجدّد تأكيده على تمسكه بوحدة سوريا، ولم يدع سابقا وراهنا للتقسيم، لكنه يلفت في الوقت ذاته إلى أن هذه الوحدة لا تترسخ إلا إذا بُنيت على العدالة والمساواة، والاعتراف الصريح بحقوق جميع مكوناتها، وفي مقدمتها الشعب الكردي».

وأضاف: «نعتقد بأن مطالب السوريين باللامركزية وصيغ الحكم الديمقراطي المحلي لا تعني بأي حال من الأحوال تقسيم البلاد، بل تعكس إرادة حقيقية في بناء دولة ديمقراطية قائمة على الشراكة الوطنية، وهي مطالب مشروعة تُطرح اليوم من مختلف المناطق السورية»، مشدداً على أن «تجاهل هذه المطالب أو تصويرها على أنها تهديد لوحدة البلاد، لا يخدم الاستقرار الوطني، بل يُعمّق الشروخ المجتمعية، وعليه يدعو المجلس الوطني الكردي إلى إطلاق حوار وطني جامع يُفضي إلى بناء دولة ديمقراطية، تعددية، لامركزية، تحفظ كرامة جميع السوريين وتصون حقوقهم على قدم المساواة».

القدس العربي

———————-

قسد” والحكومة السورية.. حوار معلّق ومسار متعثر رغم الاتفاقات/ خلف معو

19 مايو 2025

في السادس والعشرين من نيسان/أبريل الفائت، عقدت قوى وأحزاب كردية سورية مؤتمرًا في مدينة القامشلي بمحافظة الحسكة تحت عنوان “وحدة الصف والموقف الكردي”، بمشاركة القائد العام لـ”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) مظلوم عبدي، والمجلس الوطني الكردي، وأحزاب الوحدة الوطنية الكردية، إضافةً إلى قوى سياسية وشخصيات كردية من خارج الإطارين السابقين، إلى جانب وفود من أحزاب كردية من إقليم كردستان العراق وتركيا، وضيوف من الخارج.

وعُقد المؤتمر برعاية دولية، استمرارًا للجهود التي تبذلها الولايات المتحدة ودول أخرى عديدة لتقريب وجهات النظر بين القوى الكردية. فمنذ عام 2020، ترعى الولايات المتحدة الأميركية حوارًا بين الأحزاب الكردية المتمثلة بالمجلس الوطني الكردي، وأحزاب الوحدة الوطنية الكردية التي يقودها حزب الاتحاد الديمقراطي، الذي يقود الإدارة الذاتية.

وتكللت المساعي الأميركية مؤخرًا بجهود فرنسية هدفت إلى تحقيق وحدة الموقف الكردي في سوريا، وتشكيل وفد لاحقًا للتفاوض مع الإدارة الانتقالية في سوريا برئاسة أحمد الشرع.

وعملت جهات إقليمية ودولية، في الفترة التي سبقت انعقاد المؤتمر الكردي الأخير، على توحيد الموقف الكردي. وكانت من أبرز هذه الجهات حكومة إقليم كردستان العراق، التي أرسلت موفدًا ممثلًا عن الزعيم الكردي والرئيس السابق للإقليم، مسعود البارزاني، وهو عبد الحميد دربندي، في عدة زيارات إلى شمال شرقي سوريا خلال شهري شباط/فبراير وآذار/مارس 2025.

كما استضافت أربيل، عاصمة إقليم كردستان، قائد “قسد” مظلوم عبدي، الذي التقى بالبارزاني وناقش معه مسألة تشكيل موقف كردي موحد بالتنسيق مع الولايات المتحدة. كما دخلت فرنسا، هي الأخرى، على خط الوساطة بين “قسد” والمجلس الوطني الكردي السوري.

وتبنّى المؤتمر، الذي عُقد برعاية أميركية – فرنسية، مطلب توحيد المناطق الكردية بوصفها وحدة سياسية وإدارية متكاملة ضمن إطار سوريا اتحادية، إلى جانب الإقرار الدستوري بالهوية القومية للشعب الكردي، وضمان حقوقه دستوريًا في إطار سوريا لامركزية ديمقراطية.

وفي أعقاب المؤتمر، أصدرت الرئاسة السورية بيانًا أكدت فيه أن المخرجات تتعارض مع التفاهمات التي توصلت إليها “قسد” مع الحكومة السورية، ورفضت فيها محاولات فرض واقع تقسيمي أو إنشاء كيانات منفصلة.

صراعات وضغوط إقليمية

يقول الأمين العام لـ”حزب اليسار الكردي” في سوريا، محمد موسى، لموقع “الترا سوريا”، إن هناك صراعات ورؤية غير واضحة في البلاد، في إشارة إلى موجة العنف والانتهاكات التي شهدها الساحل السوري، والهجمات الطائفية التي طالت مدينة جرمانا وبلدتي صحنايا وأشرفية صحنايا بريف دمشق، إضافةً إلى محافظة السويداء.

ويضيف أنه، رغم التوافقات التي توصلت إليها دمشق و”قسد”، إلا أنه تم التراجع عنها وتجميدها من جانب الرئيس الشرع، سواء على صعيد المبادئ العامة أو المطالب الفرعية الواردة في الورقة الموقعة، وذلك تحت ضغوط إقليمية، ولا سيما من جانب تركيا، على حد تعبيره.

وبعد أيام من توقيع الاتفاق بين الشرع وعبدي، صادق الرئيس المؤقت على الإعلان الدستوري، الذي لم يتضمن بنود الاتفاق مع قائد “قسد”، وإنما احتفظ بـ”عروبة الدولة”، ودين الرئيس، ومنحه صلاحيات واسعة، ما أثار انتقاد الأحزاب الكردية.

وكان “مجلس سوريا الديمقراطية” (مسد)، الذراع السياسي لـ”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، قد وصف الإعلان الدستوري، عند صدوره، بأنه يتناقض مع الاتفاقات الموقّعة مع الحكومة السورية.

وشدد “مسد” على أن الإعلان الدستوري يمثل تراجعًا عن التفاهمات السابقة، معتبرًا أن المسودة المقترحة تعيد إنتاج الاستبداد بصيغة جديدة، من خلال تكريس الحكم المركزي، ومنح السلطة التنفيذية صلاحيات واسعة.

وفي 12 نيسان/أبريل الفائت، أعلنت “قسد” تشكيل اللجنة الممثلة لشمال شرقي سوريا في الحوار مع دمشق، وفق ما ذكرت في بيان عبر مركزها الإعلامي. وضمت اللجنة كلاً من فوزة يوسف، وعبد حامد المهباش، وأحمد يوسف، وسنحريب برصوم، وسوزدار حاجي. أما المتحدثان باسم اللجنة، فهما مريم إبراهيم وياسر سليمان.

ويشير موسى إلى أن الشرع تراجع أيضًا عن الحوار مع اللجنة التي شكلتها “قسد” من مكونات مناطق شمال شرقي سوريا للحوار مع دمشق، لافتًا إلى أن المرحلة الراهنة عصيبة وغير مستقرة، ولذلك ارتأت القوى الكردية توحيد موقفها ومطالبها في مؤتمر موحد.

في المقابل، يقول عضو اللجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار الكردي في القامشلي، عبد الوهاب خليل، لموقع “الترا سوريا”، إن هناك إجماعًا كرديًا على تشكيل وفد للحوار مع الحكومة السورية، مشيرًا إلى أن موقف الأخيرة يأتي في إطار تحديد سقف للمطالب الكردية للتفاوض عليها.

وأضاف أن موقف دمشق لا يعني إغلاق الطريق أمام الحوار، مشيرًا إلى أن بيان الرئاسة السورية بيّن أنه لا فيدرالية ولا إدارات ذاتية إلا بتوافق وطني، وهو ما يتطلب حوارًا بين السوريين للتوصل إلى اتفاق بشأنها.

ويشدد خليل على أن الخطوة التالية بعد انعقاد المؤتمر هي تشكيل الوفد في وقت قريب، مبينًا أن ممثلي الأحزاب الكردية من مختلف الأطراف والفعاليات المجتمعية سيشاركون في الوفد، الذي سيضم لجانًا قانونية وإعلامية ودبلوماسية. ولفت إلى أن الوفد ليس فقط للحوار مع دمشق، وإنما لبحث القضية الكردية مع كل المكونات السورية، وفي المحافل الدولية أيضًا.

وكانت الوكالة السورية للأنباء “سانا” قد أفادت، منتصف الشهر الفائت، بأن قوات الجيش السوري وإدارة الأمن العام بدأت بالدخول إلى سد تشرين بريف حلب الشرقي لـ”فرض الأمن والاستقرار”، تنفيذًا للاتفاق المبرم مع “قسد”.

وينص الاتفاق على إنشاء قوة عسكرية مشتركة بين “قسد” ودمشق لحماية السد، وانسحاب الفصائل المدعومة من أنقرة، “التي تحاول عرقلة هذا الاتفاق”، من المنطقة.

يأتي ذلك في إطار اتفاق أشمل تم التوصل إليه في آذار/مارس الماضي بين قائد “قسد” مظلوم عبدي، والرئيس السوري أحمد الشرع، وتبعه في الشهر الفائت انسحاب المئات من قوات “قسد” من حيي الشيخ مقصود والأشرفية في مدينة حلب، إضافةً إلى تبادل الأسرى وتنظيم العمل الخدمي في الحيين بالتنسيق مع المؤسسات الحكومية.

وينصّ الاتفاق الذي توصّل إليه الطرفان على دمج المؤسسات المدنية والعسكرية شمال شرقي سوريا بالدولة السورية، بما في ذلك المعابر الحدودية، والمطارات، وحقول النفط.

كما أكد الاتفاق أن “المجتمع الكردي مجتمع أصيل في الدولة السورية”، التي “تضمن حقه في المواطنة وكافة حقوقه الدستورية”، وذلك بالتوازي مع “رفض دعوات التقسيم وخطاب الكراهية ومحاولات بث الفتنة بين كافة مكونات المجتمع السوري”. وبحسب الاتفاق، يتعين على لجان تنفيذية العمل على تطبيقه “بما لا يتجاوز نهاية العام الحالي”.

الترا سوريا

————————–

أنقرة ودمشق تبحثان نزع سلاح “الوحدات الكردية” ودمجها أمنياً

الثلاثاء 2025/05/20

قال مصدر أمني تركي، إن رئيس جهاز الاستخبارات التركية إبراهيم قالن، ناقش مع الرئيس السوري أحمد الشرع، خلال محادثات جرت في سوريا، مسألة تخلي “وحدات حماية الشعب” الكردية عن سلاحها ودمجها ضمن قوات الأمن السورية.

ونقلت وكالة “رويترز” عن المصدر قوله: “جرى بحث تخلي وحدات حماية الشعب عن سلاحها، شأنها شأن المجموعات الأخرى، واندماجها في سوريا الجديدة، بما في ذلك أمن الحدود والمعابر الحدودية”. وتُعد هذه الخطوة، وفق المصدر، جزءاً من التفاهمات الأمنية والسياسية التي يجري العمل على تنفيذها في إطار المرحلة الانتقالية في البلاد.

وتأتي هذه المحادثات بعد أسبوع من اجتماع ثلاثي جمع وزراء خارجية سوريا وتركيا والولايات المتحدة، أكدت خلاله أنقرة أنها تتوقع من “وحدات حماية الشعب”، تنفيذ الاتفاق الموقع مع الحكومة السورية، وتسليم سلاحها.

اتفاق الشرع وعبدي

وكان الشرع، قد وقّع، في 10 آذار/مارس الماضي، اتفاقاً مع قائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) مظلوم عبدي، يقضي بدمج المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال وشرق سوريا ضمن هيكل الدولة السورية.

وينص الاتفاق على وحدة الأراضي السورية ورفض أي مشاريع للتقسيم، ويشمل ثمانية بنود رئيسية، من أبرزها ضمان تمثيل سياسي عادل لجميع السوريين، والاعتراف بالمجتمع الكردي كمكوّن أساسي في الدولة، وضمان حقوقه الدستورية. كما يتضمن الاتفاق وقفاً شاملاً لإطلاق النار، ودمج إدارة المعابر والمطارات وحقول النفط ضمن المؤسسات الرسمية، إضافة إلى ضمان عودة اللاجئين والمهجرين وتأمين الحماية لهم.

تعاون عسكري متزايد

وفي سياق متصل، استقبل وزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة، وفداً من وزارة الدفاع التركية برئاسة المدير العام للدفاع والأمن اللواء إلكاي آلتينداغ، يرافقه السفير التركي في دمشق برهان كور أوغلو.

وجرى خلال اللقاء بحث سبل تعزيز التعاون والتنسيق في عدد من القضايا ذات الاهتمام المشترك بين البلدين، بما يخدم المصالح المتبادلة ويسهم في دعم جهود الأمن والاستقرار في المنطقة، وفق بيان رسمي صادر عن وزارة الدفاع السورية.

اجتماع تركي–أميركي في واشنطن

وفي تطور متزامن، تستضيف العاصمة الأميركية، واشنطن، اجتماعاً لمجموعة العمل التركية–الأميركية بشأن سوريا، برئاسة مشتركة بين نائب وزير الخارجية التركي نوح يلماز، ونائب وزير الخارجية الأميركية كريستوفر لاندو.

ويأتي هذا الاجتماع بعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب، رفع العقوبات المفروضة على سوريا، ويناقش الاجتماع تنفيذ قرار رفع العقوبات، بما في ذلك الجدول الزمني والخطوات العملية، مع التركيز على التنسيق بين وزارات الخزانة والخارجية ومجلس الأمن القومي الأميركي.

كما يتناول سبل التعاون في مكافحة التنظيمات الإرهابية، وعلى رأسها تنظيم “داعش”، ومصير المعسكرات الأميركية في شمال شرق سوريا، إلى جانب آليات التنسيق الثنائي في الملفات السياسية والأمنية والاقتصادية.

المدن

———————

وداعاً للسلاح… فلسطينياً وعربياً وكردياً أيضاً !/ ماجد كيالي

20.05.2025

 يبدو أن خيار الكفاح المسلّح، الذي انتهجته الفصائل الفلسطينية في فلسطين وخارجها، منذ ستّة عقود، و”حزب الله” في لبنان ضدّ إسرائيل، منذ أكثر من أربعة عقود، والذي انتهجه “حزب العمّال الكردستاني” ضدّ تركيا، انتهى وبات في ذمّة التاريخ، وكتجربة للدراسة واستنباط العبر لمن أراد.

حصل ذلك مؤخّراً، مع قرار “حزب العمّال الكردستاني” إلقاء سلاحه، وتخلّيه عن الخيار العسكري، الذي انتهجه منذ أربعة عقود في مواجهة تركيا، ولتكريس وجوده في شمال سوريا طوال العقد الماضي.

ثمّة جملة ظروف وعوامل أسهمت في تغيير “حزب العمّال” لعقيدته، منها الأثمان الباهظة التي دفعها الشعب الكردي، لا سيّما في تركيا، وفشله في تحقيق مكاسب سياسية واضحة للكرد في تركيا، بالقياس مع ما حقّقه كرد العراق بإقامة كيان سياسي لهم، يُضاف إلى ذلك تغيّر الظرف السوري بانهيار نظام الأسد.

 بيد أن العامل الأساسي الذي حسم هذا الأمر، تمثّل بانحسار النفوذ الإقليمي لإيران، وانكشاف هشاشة ادّعائها بالقوّة والقدرة على مواجهة إسرائيل، إضافة إلى خواء أطروحتها عن المقاومة وعن “وحدة الساحات”.

الإحالة على إيران تتعلّق بحقيقة مفادها أن أي عمل مسلّح لا بدّ أن يستند إلى دولة، أو عدّة دول، إذ إنه يستلزم المال والسلاح والذخيرة والخدمات اللوجستية، كما يستلزم الدعم السياسي، وتلك الأمور يتعذّر على أي فصيل، أو قوّة ميليشياوية، فلسطينية أو لبنانية أو سورية أو عراقية أو كردية، تأمينها بإمكاناتها الذاتية، مهما كانت مشروعيتها، ومهما كانت عدالة قضيتها؛ علماً أن “حزب العمّال” كان يستمدّ دعمه منذ قيامه، من نظام الأسد ومن النظام الإيراني.

يُستنتَج من ذلك أن تداعيات “طوفان الأقصى”، التي نجم عنها تقويض نفوذ إيران في بلدان المشرق العربي، وتالياً انهيار الخيار العسكري الدولتي والفصائلي، في مواجهة إسرائيل أو مقاومتها، وصلت عدواها إلى “حزب العمّال الكردستاني” في تركيا، وتالياً في سوريا.

أيضاً، من الواضح أن تلك الخطوة أتت في الطريق ذاته الذي وصلت إليه القوى الأخرى، فحركة “حماس” مثلاً، التي كانت تتحدّث عن زلزلة الأرض تحت أقدام إسرائيل وهزيمتها، باتت تطالب بمجرّد وقف الحرب، مع الاستعداد للتخلّي عن السلطة في غزّة، وعقد هدنة طويلة الأمد مع إسرائيل، بعد حرب الإبادة التي تعرّض لها فلسطينيو قطاع غزّة، حتى إنها وصلت إلى حدّ تسليم السلطة اللبنانية منتسبين من صفوفها، متّهمين بإطلاق صواريخ على إسرائيل من لبنان، وهذا أمر ما كان يمكن أن يحصل قبل عامين.

هذا يشمل “حزب الله” صاحب نظرية، أو صاحب وهم “بيت العنكبوت”، الذي بات يُبدي امتثالاً ملحوظاً للدولة اللبنانية، بعيداً عن ثلاثية “الشعب والجيش والمقاومة”، باستعداده لتسليم السلاح، ووقف أي عمل من أعمال المقاومة ضدّ إسرائيل، وترك الأمر للدولة اللبنانية.

ومعلوم أن الحزب كان توقّف عملياً عن المقاومة منذ 2000 إلى أواخر 2023، أي طوال 23 عاماً، باستثناء العملية التي تمثّلت بخطف جنديين إسرائيليين  في العام 2006، والتي نجم عنها شنّ إسرائيل حرباً مدمرة على لبنان، اضطرّ على إثرها زعيم “حزب الله” حسن نصر الله للتصريح أنه لو كان يعلم أن ردّ إسرائيل على تلك العملية سيكون مدمّراً بهذا الشكل، لما نفّذها، فخلال كلّ تلك السنوات كانت وظيفة “حزب الله” تنحصر في تعزيز مكانته وهيمنته على السلطة في لبنان، كامتداد لنفوذ إيران الإقليمي، إضافة إلى دوره في الدفاع عن نظام الأسد البائد، ومشاركته في قتل السوريين وتشريدهم.

هذه المادّة ليست مراجعة لتاريخ الكفاح المسلّح، وجدواه، وتحوّلاته، ومآلاته، إذ كنت دأبت على الكتابة عن ذلك طوال العقود الثلاثة الماضية، كدراسات ومقالات، بل وخصّصت كتابين لهذا الأمر هما: “نقاش السلاح قراءة نقدية في إشكاليات التجربة الوطنية الفلسطينية”  الصادر في عام 2020، و”من نفق عيلبون إلى طوفان الأقصى… نقاش في المسيرة التراجيدية للحركة الوطنية الفلسطينية” الذي صدر هذا العام.

القصد أن الكفاح المسلّح في هذه المنطقة بات بمثابة قصّة من الماضي، مع كلّ ما تضمنته من مآسي، لأسباب عديدة، من ضمنها أولا: التعب أو الاستنزاف، الذي تعرّضت له طوال العقود الماضية المجتمعات المعنّية، فلسطينية ولبنانية وسورية وعراقية، وأيضاً هذا يشمل مجتمعات الكرد في تركيا والعراق وسوريا، وكلّهم وصلوا إلى طرق مسدودة.

ثانياً: إن مصادر، أو أصول، أو وسائل الكفاح المسلّح لم تعد متوفّرة، بخاصّة بعد انكشاف هشاشة أو وهم “وحدة الساحات”، وانهيار النظام السوري، وحرص إيران على النأي بنفسها عن التورّط في أي مواجهة عسكرية، وتبعاً لذلك فقد بات من المتعذّر توظيف أذرع ميليشياوية تشتغل لصالح أجندة هذا النظام أو ذاك.

ثالثا: حصل ذلك أيضاً، بسبب تغوّل إسرائيل المدعومة أميركياً، وبانكشاف بلدان المشرق العربي أمام عدوانيتها المتوحّشة، إذ باتت تضرب أي هدف أو شخص لمجرّد اعتقادها بأنه قد يهدّدها في فلسطين وسوريا ولبنان، وحتى في اليمن وإيران؛ من دون أن يستطيع أحد الردّ عليها بالشكل المناسب.

رابعا: تبيّن من التجربة المديدة والمرّة والمؤلمة، أن القضايا المحقّة والعادلة لا تعطي صكاً مفتوحاً يبيح لأصحابها انتهاج كلّ الخيارات، من دون دراسة، بخاصّة إذا كانت الكلفة أكثر بما لا يقاس من المردود، علماً أن خيار الكفاح المسلّح هو أحد الخيارات الكفاحية، لكنّ انتهاجه يفترض أن يخضع لشروط معيّنة، ذاتية وموضوعية، ضمنها قدرة الشعب على التحمّل، والقدرة على تحقيق إنجازات سياسية، ووجود ظرف داخلي وخارجي يمكّن من استثمار هذا الشكل الكفاحي في إنجازات سياسية.

وفي التجربة التاريخية فإن الخيار العسكري الدولتي في الصراع ضدّ إسرائيل انتهى مع حرب 1973، وانتهت معه فكرة، أو ادّعاء أن “فلسطين القضيّة المركزية للعالم العربي”، ومع اعتراف الأنظمة بوجود إسرائيل والتسوية معها وفقاً للمبادرة العربية “الأرض مقابل السلام” في قمّة بيروت 2002.

بيد أن ذلك الخيار استمرّ بشكله اللا دولتي مع الحركة الوطنية الفلسطينية، لكنه انتهى عملياً من الخارج، بعد اجتياح لبنان في عام 1982، ثم استمرّ بعدها من الداخل، إبّان الانتفاضة الثانية من 2000 إلى 2004، وعبر الحرب الصاروخية إثر هيمنة “حماس” على غزّة منذ 2007.

أيضاً فقد استمرّ الشكل اللا دولتي في المقاومة مع “حزب الله” في لبنان، لكنّ ذلك توقّف عملياً بعد انسحاب إسرائيل الأحادي من جنوب لبنان في عام 2000، باستثناء لحظة خطف جنديين إسرائيليين التي استجرّت حرباً إسرائيلية وحشية ومدمّرة على لبنان في عام 2006، كما قدّمنا، ثم استؤنفت في ما يسمّى “حرب الإسناد” لغزّة، بعد “الطوفان” أواخر 2023، الأمر الذي أدّى إلى شنّ إسرائيل حرباً طاحنة ضدّ “حزب الله” أدّت إلى تدمير مقدّراته.

في الخلاصة، بعد كلّ تلك التحوّلات، نحن نقف اليوم إزاء لحظة انتهاء، أو انهيار خيار الكفاح المسلّح في مواجهة إسرائيل، مع انتهاء إمكاناته فلسطينياً ولبنانياً وسورياً وإيرانياً؛ وهو ما يشمل الواقع الذي كان وراء قرار “حزب العمّال الكردستاني” بإلقاء السلاح.

المشكلة هنا، أن الانتهاء من خيار الكفاح المسلّح، لدى كلّ الأطراف أتى بالإكراه، وبعد أن انعدمت تقريباً إمكاناته، إذ إن ذلك لم يحصل نتيجة قناعة سياسية بضرورة البحث عن خيارات كفاحية أنسب وأجدى، أو نتيجة وعي بفشل التجربة، أو بسبب المآسي التي نجمت عن ذلك، بمعنى أن المحرّضات العقلانية والأخلاقية لم تكن وراء ذلك المقصد، وهذا دليل آخر على عقم الأطراف التي تبنّت الكفاح المسلّح، وتسبّبت بطريقة إدارتها له بكلّ تلك الأثمان، إذ إن خيار الكفاح المسلّح كان خياراً سلطوياً، أو اشتغل كذلك في المجتمعات المعنّية؛ فلسطينية ولبنانية وكردية، أكثر من اشتغاله ضدّ إسرائيل وغيرها أيضاً.

درج

————————-

==========================

الحكومة السورية الانتقالية: المهام، السير الذاتية للوزراء، مقالات وتحليلات تحديث 21 أيار 2025

لمتابعة مكونات الملف اتبع الرابط التالي

تشكيل الحكومة السورية الجديدة

—————————-

الحكومة السورية الجديدة ومعضلة الثقة/ مصطفى إبراهيم المصطفى

2025.05.20

يعتقد علماء النفس السياسي أن الدور الذي يؤديه الانفعال – أو العاطفة – لا يمكن غض الطرف عنه لكي تكون الصورة أكثر كمالا، فكثير من ظواهر علم السياسة يكتنفها الانفعال والمشاعر وليس مجرد المعالجة الباردة للمعلومات.

فحقيقة الأمر أن جميع المفاهيم السياسية مشحونة بشيء من الانفعال، إما الإيجابي أو السلبي، وهو ما يشير إليه العديد من العلماء بمسمى “الأفكار الساخنة”، فالمثيرات أو القضايا السياسية كثيرا ما تستدعي انفعالات قوية ومشاعر مثل: الإعجاب والنفور والسعادة والحزن والغضب والشعور بالذنب، والشكر والتقزز والانتقام والفرح وعدم الأمان والخوف والقلق، وغيرها.

مشاعر غير متوقعة

بعد مشوار طويل انتهت الثورة السورية بانتصار ساحق، وبشكل دراماتيكي غير متوقع أثار دهشة العالم، فالجميع أخذتهم المفاجأة. وعلى إثر ذلك؛ كان من المفترض – نظريا – أن تقتصر مشاعر السوريين على المشاعر المرتبطة بالفرح، باستثناء قلة خائفة، لكن الملفت أن كل تلك المشاعر التي وردت في المقدمة انفلتت من عقالها مفصحة عما يجول في نفوس بعض السوريين من خلال الأقوال والأفعال المشحونة بالعاطفة المثقلة بكل ماله علاقة بالتاريخ القريب أو البعيد. في مجمل الأحوال؛ لم يعد خافيا على أحد أن معظم هذه المشاعر التي يستغربها البعض ويتفهمها البعض الآخر مرتبطة إلى حد كبير بالخلفية الجهادية للفريق الذي قاد النصر وأمسك بالسلطة، وهنا لا بد من التنويه إلى قضية غاية في الأهمية، وهي أنه بينما كان السوريون المقيمون في المناطق التي تسيطر عليها هيئة تحرير الشام والمناطق المجاورة لها يشاهدون ويلمسون التحولات الجذرية في سلوك الهيئة وقيادتها، كانت البقية الباقية من السوريين في غالبيتهم العظمى ما زالوا واقعين تحت وطأة الاضطهاد العقلي وحملات الشيطنة المنسقة التي كانت تقودها الآلة الإعلامية والدعائية لنظام منحط يقتات على الكذب ويتكئ عليه في بقائه.

نظم اعتقاد مصطنعة

مع الأيام الأولى لانطلاق الثورة السورية خرج رأس النظام على السوريين بخطاب وضع السوريين أمام خيارين: إما معنا أو ضدنا، فلا وجود للحياد اليوم. وفي نفس التوقيت انطلقت آلة النظام الإعلامية والدعائية في عملية دفع المجتمع السوري نحو الاستقطاب الحاد وتكريس حالة: نحن وهم. ويبدأ الاستقطاب باستفزاز الطرف الآخر بأساليب وأفعال مختلفة؛ تكون نتيجتها تحفيز مشاعر الغضب والثأر التي يغلب عليها الطابع الانفعالي. وهكذا مع بعض التضخيم والتهويل يمكن إيصال الجماهير إلى الشعور بالتهديد الوجودي، وكخطوة استباقية تمهيدا للقتل الجماعي وتجريد الضحية من إنسانيتها؛ حكم النظام على معارضيه جميعا بأنهم إرهابيون تكفيريون، ومع تكرار الرسالة عبر عدة مصادر من الطبيعي أن يبدأ الأفراد بتصديقها كحقيقة جماعية. وهكذا يمكن القول إن النظام السوري استطاع خلال سنوات الثورة التي امتدت نحو أربعة عشر عاما تشكيل ما يطلق عليه علماء النفس مصطلح “نظم الاعتقاد”، وحسب “ياكوف فيرتزبيرغر”: فإن منظومة اعتقادات الفرد تمثل جميع الفرضيات والنظريات التي يكون الفرد مقتنعا بصدقها في لحظة معينة.

إذا نظرت بعين الإنصاف عذرت الناس أجمعين

تتحكم نظم الاعتقاد بالأفراد بدرجات مختلفة، أشدها خطورة ذلك الذي يتخذ طابعا ثابتا ومغلقا، وهو ما يكون عادة متشددا وعصيا على التغيير، وهو ما يدعى في أدبيات علم النفس السياسي: “نموذج سوء الظن المتأصل”. وكباقي البشر تتحكم بأفكار هؤلاء آلية الانحياز التأكيدي؛ بمعنى أنهم يبحثون عن أي خطأ أو هفوة – حتى وإن كانت لا يعتد بها – ليدعموا معتقداتهم، وفي المقابل يتجاهلون كل ما ينافي هذه المعتقدات. كما ويتخذ “سوء الظن المتأصل” شكل “النبوءة المحققة لذاتها” في بعض الأحيان، ذلك أن هذا النوع من النبوءات يحفز سلوكا من شأنه أن يجعل التصور الزائف يصبح واقعا. فعلى سبيل المثال: قد يشاهد أحدهم مجموعة من الرجال المسلحين قادمين باتجاهه (كانوا سيمرون بجانبه ويتابعون طريقهم) فيتنبأ أنهم قادمون لقتله، فيطلق عليهم النار مما يضطرهم لقتله بالفعل. بهذا المعنى يمكن تفسير المقولة التي تنسب لابن خلدون: “وإذا نظرت بعين الإنصاف عذرت الناس أجمعين”. بمعنى آخر، ليس البشر أحرارا وعقلانيين للدرجة التي يتصورها البعض، إنما سلوكهم – بالعموم – مقيد بالنزعات الموروثة والبيئة المحيطة بهم وإسقاطاتها في وعيهم الجمعي.

الدعم الدولي كأحد الضمانات المطمئنة

حاولت الحكومة السورية الجديدة منذ اليوم الأول لتحرير حلب طمأنة الجميع بأن الحريات مصونة والثقافات محترمة، وأن الحكومة السورية سوف تكون ذات طابع مدني، وأنه لا داعي للمخاوف والهواجس التي تساور بعض السوريين، ولكن البعض من القوى الاجتماعية والسياسية لم تقتنع بتلك التطمينات التي صدرت لاحقا من قمة هرم السلطة، وذلك تحت وطأة هواجس ذات بعد تاريخي أحيانا، وبعد تربوي في أحيان أخرى. وعدم الثقة بالتعهدات البينية أمر شائع، فعلى المستوى الاجتماعي يلجأ الأفراد إلى توثيق تعهدات الأطراف المتنازعة أمام الوجهاء والزعماء كضمانة لالتزام المتعهد بتعهده. وعلى نفس المنوال يمكن لمن يرغب قراءة الدعم الذي تتلقاه الحكومة من قوى إقليمية ودولية وازنة، فعلى سبيل المثال: هل يمكننا أن نتصور أن تدعم كل من ألمانيا والسعودية وتركيا والإمارات وقطر، ومن ثم فرنسا وأميركا حكومة تتجه إلى أفغنة سوريا كما يدعي البعض؟ في الواقع، ودونما تصريح بذلك، يستطيع المرء أن يستنتج بسهولة أن أهم بند في تعهدات الحكومة السورية أمام حكومات هذه الدول هو ما يتعلق بطبيعة نظام الحكم وتوجهاته التي تتطابق تماما مع التعهدات التي قُدمت للسوريين.

بالطبع يمكن لقراءة الأحداث بهذا الشكل أن تجعل نسبة المشككين تتناقص، لكن التراجع الكبير في أعداد المشككين يمكن أن تتحصل عليه الحكومة من خلال مسلكين: أولهما بعض الإجراءات العملية لبناء الثقة، وثانيهما أن تسارع الحكومة بإنجاز كل ما من شأنه أن يشعر المواطن بالفائدة، ففي هذه الحالة مهما كانت البدايات سرعان ما تصبح عادات الطاعة هي مضمون الضمير، وسرعان ما يهتز شعور كل مواطن بشعور الولاء للعلم.

ملاحظة: هذا المقال لا يدعي تفسير وتحليل طبيعة المماحكات السياسية بكل خلفياتها الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، وإنما يقدم إضاءة على أحد الجوانب النفسية.

تلفزيون سوريا

—————————–

========================

لقاء الشرع-ترامب ورفع العقوبات الأمريكية عن سوريا تحديث 21 أيار 2025

لمتابعة هذا الملف اتبع الرابط التالي

ملف رفع العقوبات عن سوريا

————————–

تحدّيات ما بعد رفع العقوبات عن سورية/ مروان قبلان

21 مايو 2025

حققت سورية الأسبوع الماضي إنجازاً كبيراً، عندما أعلن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في أثناء زيارته السعودية، عن رفع العقوبات المفروضة على دمشق، وبعضها يعود إلى عام 1979. ولن تكون هذه العملية سهلة، وسوف تأخذ وقتاً بسبب التعقيدات القانونية، والبيروقراطية المرتبطة بها أميركيّاً، خاصة وأن سورية من بين أكثر الدول معاقبة في العالم (إلى جانب روسيا، وإيران، وكوريا الشمالية، وكوبا، وفنزويلا). كما يرجّح أن تنتظر واشنطن تنفيذ بعض شروطها السياسية والأمنية قبل أن تطلق جدّياً عملية رفع العقوبات. لكن هذا كله لا يقلل من أهمية الإنجاز، خاصة وأن دولاً أخرى، مثل العراق، ما زالت تعاني من استمرار بعض العقوبات المالية عليها رغم مرور 22 عاماً على الغزو الأميركي، وإسقاط نظام الرئيس صدّام حسين، وتحوّل العراق، نظريّاً على الأقل، إلى حليف للولايات المتحدة. بارتفاع العقوبات الأميركية، يؤمل أن تكون سورية قد خطت خطوة أخرى نحو القطيعة الكاملة مع كل “الحقبة الأسدية”، سواء في ممارساتها الداخلية، أو في علاقتها مع الخارج. يعطي رفع العقوبات مؤشّراً أيضاً على رغبة عربية ودولية لتجاوز الشكوك والتخوّفات ومساعدة سورية على النهوض وتجنب الفوضى. ورغم أنه مازال من المبكر الوصول إلى استنتاجات بشأن الموقف الأميركي، لكن الواضح أن واشنطن، التي ما زالت لا ترى مصلحة مباشرة لها في سورية، قد أوكلت لحلفائها في الخليج وتركيا مسألة مساعدة سورية، وتولي عملية نقلها من المعسكر الروسي- الإيراني إلى المعسكر الأميركي.

يزيد هذا كله من العبء على الإدارة الانتقالية في دمشق، التي صار يترتب عليها وحدها مسؤولية توفير الظروف المناسبة لاستقطاب الاستثمارات العربية والأجنبية والوطنية، وتشجيعها على دخول السوق السورية لإطلاق عملية إعادة الإعمار. عندما أعلن الرئيس ترامب رفع العقوبات من الرياض، لفت الانتباه قوله “ها قد رفعنا العقوبات، أرونا (يقصد السوريين) ماذا لديكم”. هذا تماماً ما ينتظر الجميع رؤيته، في ظل تحدّيات داخلية وخارجية، لن يكون سهلاً تجاوزها. ذلك أن رفع العقوبات يعد، من دون شك، شرطاً لازماً، لكنه ليس كافياً، لتحقيق الازدهار الاقتصادي، بدليل وجود دول كثيرة لم تفرض عليها عقوبات يوماً لكنها، مع ذلك، فاشلة وفقيرة، بسبب سوء الإدارة، وضعف الكفاءة، من بين عوامل ذاتية عديدة.

لتوفير بيئة جاذبة للاستثمار، بعد رفع العقوبات، يتوجّب تحقيق الاستقرار السياسي والأمني وتوحيد البلاد، وهذا لن يتحقّق، كما نؤكد دائما، من دون جمع السلاح، وبناء مؤسّسات عسكرية، وأمنية، على أسس وطنية، تنحلّ فيها كل الفصائل، فعليّاً لا اسميّاً، وتتبع لهيكلية قيادية واحدة، مرجعيتها مصالح الدولة العليا. هذا لن يحصل من دون عملية سياسية شاملة تشارك فيها كل الأطراف مسؤولية تحديد شكل الدولة، ونظامها السياسي، وموقعها فيها. سوف يترتب، أيضاً، وضع البنية التشريعية والقانونية المناسبة، التي تضمن، خصوصاً، مبادئ الشفافية وسيادة القانون، وبناء أدوات للرقابة، ومحاربة الفساد. وهذا يعني السماح بوجود حياة سياسية، وإطلاق الحريات العامة، فعلاً لا قولاً، وخاصة منها حرية الرأي والتعبير، ووجود إعلام مستقل، وبرلمان منتخب، يراقب عمل الحكومة. جوهر القول، هنا، “لا استثمار من دون استقرار ولا استقرار من دون دولة تقف على مسافة واحدة من الجميع”.

خارجياً، سوف يصطدم السوريون بعدم مطابقة التوقعات للإمكانات الفعلية بخصوص الاستثمارات الخارجية، الخليجية تحديدًا. لن نشاهد على الأرجح خلال العامين المقبلين، على الأقل، تدفقاً كبيراً للاستثمارات الخليجية، نتيجة انخفاض أسعار النفط العالمية، واحتمال تراجعها أكثر في المدى المنظور بسبب تنامي مؤشّرات الركود العالمي والحرب التجارية المستعرة بين الولايات المتحدة وأقطاب العالم الاقتصاديين، واحتمال انهيار اتفاق “أوبك بلس” لخفض الانتاج. وهذا يعني أن دول الخليج لن تفتقر إلى الفوائض المالية، فحسب، بل ستعاني من عجوزات، أيضا، تفرض عليها سياسات تقشّفية، تتضمن إلغاء العديد من مشاريع التنمية الداخلية. سوف يشتد، فوق ذلك، التنافس الدولي لتوفير أفضل البيئات لجذب الاستثمارات، وخلال ولاية دونالد ترامب، تحديداً، سوف تمتص الولايات المتحدة أكثر الاستثمارات الخليجية، كما اتضح في جولة الرئيس الأميركي الأخيرة في الخليج. هذا يعني أن التركيز سوف ينصب خلال الفترة المقبلة على استعادة رؤوس الأموال السورية المهاجرة، وهذا يتطلب، كما ذكرنا، تنازلاتٍ مهمّة، جوهرها تغيير مقاربة الحكم الحالية، لضمان الشفافية والمشاركة السياسية.

العربي الجديد

————————-

تحولات سورية ترافق رفع العقوبات الأميركية/ بشير البكر

20 مايو 2025

يلاحظ زائر دمشق هذه الأيام أنّ الأجواء مختلفة عن تلك التي كانت سائدة قبل قرار رفع العقوبات الأميركية عن سورية، والذي أعلنه الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الرياض خلال زيارته إليها الأسبوع الماضي، وإثر اجتماعه الأربعاء الماضي مع الرئيس السوري أحمد الشرع بحضور ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ومشاركة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عبر تقنية فيديو كونفرانس.

بعد رفع العقوبات الأميركية عن سورية، بات الطريق مفتوحاً أمام الاستثمارات العربية والدولية، وبدأت تتقاطر على دمشق وفود عربية ودولية للبحث عن فرص استثمارات في قطاعات متعددة. يقول الخبير الاقتصادي سمير سعيفان، إنه منذ سقوط النظام باتت شركات كثيرة، وخصوصاً خليجية وتركية وربما صينية، تترقب رفع العقوبات عن سورية كي تقتحم أسواقها. وما إن أعلن ترامب عن إمكانية رفع العقوبات عن سورية، حتى اندفعت تلك الشركات الكبرى بقدراتها وخبراتها الكبيرة، تتسابق في إرسال وفود إلى دمشق مستبقة لحظة رفع العقوبات، وتقدم عروضها للاستثمار والاستيلاء على مرافق الخدمات ومرافق الإنتاج.

توظيف العقوبات لم يعد ممكناً

أبرز النتائج السياسية الملحوظة حتى الآن بعد قرار رفع العقوبات الأميركية عن سورية، هي أن القرار أدى إلى تغيير مهم في المواقف السياسية لأطراف عدة داخلية وخارجية، كانت ترى أن توظيف سلاح العقوبات يمكنه أن يقود إلى مردود سياسي، بتقديم تنازلات من قبل الإدارة الجديدة. لكن ما حصل هو العكس، ذلك أنه عزّز من موقعها، ووفّر لها غطاء عربياً ودولياً، وفتح أمامها الأبواب واسعة نحو مرحلة إعادة الإعمار.

فاجأ ترامب الأوساط كافة بخطوتي رفع العقوبات الأميركية والاجتماع مع الشرع. ولم يكن ذلك وليد مصادفة عابرة، بل نتيجة لجهود كبيرة قامت بها الرياض والدوحة وأنقرة على مدى الأشهر الثلاثة الأخيرة، ومن أجل ذلك، زار واشنطن على نحو منفرد كل من وزير خارجية السعودية الأمير فيصل بن فرحان، ووزير خارجية تركيا هاكان فيدان، ورئيس مجلس الوزراء القطري وزير الخارجية الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني. وبحسب مصادر دبلوماسية سورية، فإن المسألة لم تكن سهلة، وواجهت موقفين معارضين بشدة، مارسا على الإدارة الأميركية ضغوطاً مباشرة، أو من خلال لوبيات، بهدف ثنيها عن التطبيع مع الإدارة السورية. الأول إسرائيلي، يربط رفع العقوبات بانضمام سورية الفوري إلى اتفاقات أبراهام والدخول في عملية تطبيع مع تل أبيب، وغضّ الطرف عن تدخلات إسرائيل في الشؤون الداخلية السورية، ودعم المشاريع التقسيمية. والثاني من جماعات سورية ذات ألوان طائفية وسياسية وعرقية متعددة. وقد حاول هؤلاء ثني الإدارة الأميركية عن رفع العقوبات ولقاء الشرع، وطالبوا واشنطن بأن تتبنى قراراً في مجلس الأمن، يعزز العقوبات ويربط رفعها بإلزام الحكومة السورية بقيام حكم فيدرالي يمنح شرق سورية وجنوبها ومنطقة الساحل حكماً ذاتياً، وإجراء انتخابات عاجلة من أجل اختيار مجلس تشريعي، وتشكيل حكومة جديدة بأطياف مختلفة.

المستفيدون من رفع العقوبات عن سورية

لن يسلّم هذان القطبان بقرار ترامب رفع العقوبات الأميركية عن سورية، وسيعملان بصورة متوازية كونهما يتلاقيان ويتقاطعان في العديد من المصالح والأهداف، وسيواصلان الضغوط من أجل عدم تمكين الإدارة السورية من تطبيع علاقاتها مع الغرب. ولكن التأثير الذي سينجم عن عملهما في الساحة الدبلوماسية، لن يكون بالغاً إلى حدّ أنه يمنع حصول تطورات إيجابية مثل رفع الإجراءات الخاصة بالمصارف والتحويلات المالية والنقل والكهرباء، وقد ينجح في تأخير بعض منح إعادة الإعمار، لكنه لن يستطيع أن يثني الاستثمارات العربية والدولية عن التدفق نحو سورية بقوة، خصوصاً أن المجال مفتوح بقوة بسبب تعدد المجالات الخاصة بذلك على مستوى البنية التحتية وخدمات النقل والماء والكهرباء والصحة، بالإضافة إلى إعادة الإعمار، الذي يحتاج إلى جهد جديد، لا يقل عن ذلك الذي تمّ توظيفه من أجل تطبيع علاقات سورية عربياً وعالمياً.

لقد نجحت السعودية وقطر وتركيا في رهان رفع العقوبات عن سورية وتطبيع العلاقات بين واشنطن ودمشق، وهذا ليس بالأمر الهيّن في هذه المرحلة، ولولا الثقل الكبير لهذه الأطراف التي تعد من بين حلفاء الولايات المتحدة المقربين جداً، لما تمّ تحقيق ذلك بهذه الصورة وعلى نحو فوري ومن دون دفع ثمن، ولو أن الإدارة السورية حاولت رفع العقوبات بجهودها الخاصة، لاستغرق الأمر وقتاً طويلاً، والثمن كان سيكون كبيراً. كان عليها أن تقدم تنازلات سياسية كبيرة كي تبدأ مرحلة تطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة، ومن ثم أوروبا وبقية العالم.

التبني السعودي القطري التركي لسورية وسير الإدارة الأميركية في هذا الاتجاه فرصة كبيرة للإدارة السورية، والشعب الذي عانى لوحده من العقوبات، وظهر ذلك واضحاً في عهد نظام بشار الأسد، الذي وظّف المسألة لصالحه، واستخدمها وسيلة لتجويع السوريين والتحكم بهم. وبحسب التصريحات التي صدرت عن ترامب، فإنه أكد على ضرورة أن تلتقط الإدارة الجديدة الفرصة وتعمل على توظيفها للحفاظ على استقرار سورية، وهو الأمر الذي تؤيده الأطراف العربية والإقليمية والدولية، التي تعمل لمساعدة سلطات دمشق على تجاوز المرحلة الصعبة للوصول إلى طريق التعافي المبكر.

6 نتائج بعد رفع العقوبات الأميركية

لقاء الشرع مع ترامب بالنسبة لقطاعات واسعة من السوريين، يفتح الطريق لتحقيق تحول نوعي في وضع سورية الداخلي، وينعكس بسرعة على علاقاتها العربية الدولية، ويحقق نقلة سياسية، اقتصادية، وأمنية. ويتمثل ذلك في عدة نتائج منظورة.

أولاً، تحصين سورية بوجه مشاريع إسرائيل، كونه يوفر للإدارة السورية شرعية دولية، ويعزز من موقفها في وجه الاعتداءات الإسرائيلية، واحتلال أراض سورية، وتدمير المقدرات العسكرية، وخرق اتفاقات فصل القوات لعام 1974، ووضع حدّ لمحاولات التدخل في الشؤون الداخلية السورية، وتشجيع نزعات التقسيم ومشاريع الفيدرالية في الجنوب والشرق، وممارسة الضغوط لجرّ دمشق إلى توقيع اتفاقات إذعان.

ثانياً، يثبت اللقاء هزيمة إيران وخروجها من المنطقة، وهذه إحدى الأوراق المهمة في يد الإدارة السورية، والتي أشهرتها منذ وصولها إلى دمشق. ومن الواضح أن هناك موقفاً سورياً رسمياً وشعبياً يقارب الإجماع حول ضرورة تصفية كل أشكال الوجود الإيراني في سورية، ورفض إقامة علاقات متميزة مع هذه الدولة، والعمل على مقاضاتها دولياً، بسبب الضرر الكبير الذي ألحقته بسورية خلال فترة الثورة بدعم نظام الأسد بالمال والسلاح والمتطوعين لقتل الشعب السوري وتهجيره. وهناك رأي عام سوري يطالب بأن تتحمل إيران القسط الأكبر من كلفة إعادة الإعمار، بسبب التدمير الذي قامت به المليشيات المحسوبة عليها في مدن سورية عدة.

ثالثاً، رفع العقوبات بجهود سعودية قطرية تركية يعني أن البلد الذي يعاني من هشاشة كبيرة، بات محصناً، اقتصادياً وأمنياً. وكان من الملاحظ أن الدول الثلاث بادرت إلى تقديم مساعدات لسورية بعد إسقاط النظام، ولكنها بقيت محدودة، بسبب العقوبات، وقد كان من المقرر أن تنهض كل من قطر والسعودية بتقديم مساعدات إسعافية عاجلة لحل مشاكل الكهرباء والبنى التحتية والطاقة. ومن المنتظر خلال الفترة القريبة تقديم مساعدات مالية عاجلة من الدوحة والرياض لتمويل بعض حاجات الدولة السورية العاجلة، وستبدأ قطر اعتباراً من شهر مايو/أيار الحالي بدفع جزء من رواتب موظفي الدولة السورية.

رابعاً، ينهي قرار رفع العقوبات حقبة طويلة دارت فيها سورية في فلك الاتحاد السوفييتي وروسيا، والانعطاف نحو الغرب، الذي وقف مع شعبها خلال أعوام المأساة، ودان أعمال القتل التي مارسها نظام الأسد، واستقبل قرابة مليوني مهجر، توزعوا في بلدان أوروبا. وقد كان أحد شروط الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي للتقارب مع السلطات السورية الجديدة إحداث قطيعة مع روسيا، التي لا تزال تحتفظ بالقاعدتين العسكريتين في حميميم قرب اللاذقية وفي طرطوس على الساحل السوري، ولكن الإدارة الجديدة قيّدت عملهما ولم تعودا تتمتعان بنفس المزايا التي كانت خلال حكم نظام الأسد. ويشكل ذلك خطوة أولى نحو الإنهاء التدريجي للوجود العسكري الروسي في سورية. وعلى هذا تمّ توقيع عقود استثمارية مع شركتين، واحدة فرنسية، وأخرى من موانئ دبي، للعمل في ميناءي اللاذقية وطرطوس.

خامساً، رفع العقوبات ينعكس على نحو إيجابي إقليمياً ودولياً، ويمهد لتحرير دول حدودية مع سورية، الأردن، لبنان، وتركيا، من عبء التهجير السوري، ويفتح باب العودة الطوعية لقرابة خمسة ملايين لاجئ سوري يعيشون في البلدان الثلاثة، ويشكلون ضغطاً كبيراً على أنظمة الخدمات في هذه البلدان.

سادساً، يغير قرار رفع العقوبات الأميركية من المعادلات السورية الداخلية، ويمنح الإدارة الجديدة قوة دفع من أجل استكمال وحدة البلد الداخلية، وتراجع طروحات التقسيم والفيدرالية التي ينادي بعضها في شرق وجنوب سورية. ويرى مراقبون تراجع الأصوات التي ارتفعت في السويداء والساحل السوري مطالبة بالتدخل الأجنبي، وفي الوقت ذاته تسريع تنفيذ اتفاق 10 مارس/آذار الماضي بين الرئيس الشرع وقائد “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) مظلوم عبدي، والقاضي بدمج هذا الفصيل في الجيش السوري الجديد، وتسليم الدولة آبار النفط والغاز والسجون التي تضم معتقلي تنظيم داعش.

العربي الجديد

——————————–

الكرة في ملعب السوريين!/ فايز سارة

21 مايو 2025 م

بدا أن موضوع رفع العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على نظام بشار الأسد أهم ما يشغل بال السوريين في الأشهر الخمسة الأخيرة، التي أعقبت السقوط السهل للنظام في ديسمبر (كانون الأول) 2024، والتي كان يفترض رفعها بعد سقوط من تسبب بها، لكن الأمر لم يحصل رغم مطالبات السوريين في المستويين الرسمي والشعبي، ومساعي دول عربية وأجنبية كثيرة، كانت تقول إن استمرار العقوبات يعيق حتى استعادة السوريين للحد الأدنى من حياتهم، ويؤخر تطبيع علاقات سوريا مع المحيطين الإقليمي والدولي.

انشغال السوريين برفع العقوبات متصل مع روابط وتداعيات سياسية واقتصادية واجتماعية، بل وأمنية أيضاً. ففي ظل استمرار العقوبات، كان لدى السوريين إحساس وكأن نظام الأسد ما زال قائماً، لأنها فرضت ضده وضد سياساته وأشخاصه ورداً على جرائمه، كما أن أغلب تداعياتها العملية على حياة السوريين وعلاقاتهم ما زالت مستمرة، وقد ساءت الأوضاع أكثر من السابق، حيث أدت في جانب منها إلى تدهور الأوضاع الأمنية في مناطق سورية متعددة نتيجة صعوبات معيشية، وفقدان الأمل بحصول تبدلات قريبة، خاصة في موضوع إعادة إعمار سوريا التي تعني بدء تصفية آثار العهد الأسدي الطويل والخلاص من كوارثه.

وبدل أن يتم رفع العقوبات، فإنَّ مطالب السوريين قوبلت باشتراطات، يحتاج بعضها إلى وقت وجهد في ظل حقائق بينها أنَّ البلاد مدمرة بصورة كلية، وأنَّ السوريين شعباً وحكومة في ظروف صعبة، يعيشون خلافات وانقسامات خطيرة، حتى وإن كان أغلبها مؤقتاً، وغير جوهري، ويبدو أن واقع الحال السوري واحتمال انسدادها كما سبق أن حدث مرات في ظل نظام الأسد، دفع المحيط إلى تحركات ومبادرات لتجنب انسداد الوضع وعودته للمراوحة وسط الكارثة.

وللحق فإن سياسة الحاضنة العربية، ولا سيما موقف المملكة العربية السعودية، التي شكلت مبادراتها في العامين الأخيرين خطوات عملية لأخذ سوريا نحو خلاص، يضع حداً لمعاناة السوريين، ويدفعهم على طريق تطبيع حياتهم وعلاقاتهم، وكانت زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب الأخيرة للرياض ومحادثاته مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان فرصة لإحداث خرق في موضوع العقوبات على سوريا، حيث أعلن الرئيس ترمب رفع العقوبات في ضوء محادثاته مع الأمير محمد بن سلمان، واضعاً حداً لمشكلة سورية توازي، إن لم نقل إنها تزيد على مشكلة وجود نظام بشار الأسد في حياة السوريين.

وإذا كان رفع العقوبات يمثل بوابة لخروج سوريا من مشاكلها ومعاناة شعبها، فإن ذلك لا يمثل إلا نصف حقيقة، تكتمل مع نصف آخر، يمثله جهد السوريين، الحكومة والشعب، لإخراج بلادهم من مشاكلها ومعاناة شعبها، حيث مطلوب من الحكومة أن تكون حكومة مسؤولة وشاملة وخبيرة ومنفتحة، تعبر عن أوسع طيف سوري، وتتبنى برنامج نهوض وطني في المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، قابلاً في تخصصاته ومستوياته للقياس والتقويم والتصحيح. ومطلوب من السوريين وقف صراعاتهم وخلافاتهم حول أغلب القضايا المثيرة للجدل، والالتفات نحو العمل من أجل إخراج أنفسهم وعائلاتهم ومواطنيهم من حفرة الأسد بما فيها من مشاكل ومعاناة، والوقوف صفاً واحداً مع حكومتهم في برنامجها الإنقاذي الذي يمهد لخلاص أكبر تمثله خطة ضرورية وقادمة هي خطة إعمار سوريا، التي لا تعني إعمار أبنية ومؤسسات وأنشطة سياسية واقتصادية بمقدار ما تعني إعادة بناء حياة السوريين بكل ما في الكلمة من معنى يتجاوز المعارف والخبرات والكوادر إلى تصفية آثار الحرب عبر علاج قضايا المفقودين والمغيبين وعودة النازحين واللاجئين وتعويض المتضررين وإعادة بناء السلم الأهلي.

دون قيام السوريين حكومة وشعباً بدورهم اللاحق لرفع العقوبات، لن يكون للأخير أهمية كبيرة، ولن يتحقق في سوريا إنجاز مهم يكون بمستوى طموحات السوريين وسعيهم إلى المستقبل.

لقد دقق الرئيس ترمب في توصيف ما قام به بالقول: «قررت رفع العقوبات لمنح الشعب السوري فرصة جديدة لبناء مستقبله»، وأعتقد أن السوريين من خلال ردات فعلهم الأولى على خطوته، أكدوا أنهم سوف يمضون إلى خلاصهم من كوارثهم، وأنهم ماضون على طريق بناء بلدهم ومستقبلهم.

الشرق الأوسط

——————————

مارشال سورية” بتمويل خليجي/ عدنان عبد الرزاق

21 مايو 2025

اكتملت شروط نجاح انتقال سورية، أو تكاد، إلى طور آخر وجديد، بوضعه وتموضعه، بعد قرار إلغاء العقوبات ولقاء الرئيس أحمد الشرع مع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب في العاصمة السعودية الرياض، الأسبوع الماضي، وما سبقه من زيارات خارجية للشرع ضمن دول الإقليم، قبل أن تتوّج بزيارة باريس، لتفتح ما بعدها، ربما إلى لندن أو واشنطن دي سي، ولتتبدى تباعاً ملامح ماذا تريد سورية وماذا يراد منها؟

فقبل زيارة الرئيس السوري إلى فرنسا والمؤتمر الصحافي المشترك مع الرئيس إيمانويل ماكرون، كانت “الشروط الخمسة” لتحوّل سورية وتقبّلها، إقليمياً ودولياً، معلنة وواضحة، بيد أن تكهنات كثيرة حول الذي تريده دمشق، لقاء الطلبات المتفق عليها، أوروبياً وأميركياً، أتت عبر “كشف الشرع” خلال المؤتمر، موضحاً السلة العامة التي تسعى إليها دمشق، من دون أن يعدد قطاعياً على مستوى الاقتصاد، أو يستفيض بطبيعة العلاقات مع الجوار وشكل الحكم والمشاركة بالداخل، إذ قالها بوضوح “مشروع مارشال السوري” هو الرؤية العامة لإعادة إعمار سورية، على غرار خطة مارشال الأميركية ما بعد الحرب العالمية الثانية.

وعلى الأرجح، ليست باريس مكان الكشف الأول لرؤية سورية، بالإعمار والأمن والعلاقات مع الجوار، إذ تقاطعت مصادر عدة، منها “وول ستريت جورنال” على أن الرئيس السوري بعث برسالة إلى البيت الأبيض، عبر وسطاء، يعرض فيها رؤيته لإعادة الإعمار طالباً لقاء مع ترامب… وهو ما حصل، بعد الطلب السعودي والدعم التركي.

يغدو المشروع الشامل (مارشال) أقرب للواقع، إثر توفر الشرط السياسي وبيئة التعاون، المضافين إلى المساعدات المالية، والمنتظر أن ترتسم ملامحهما قريباً، سواء عبر مؤتمر “إعادة إعمار سورية” تستضيفه عاصمة خليجية، أو من خلال قرار أميركي، متفق عليه وحوله، يدعو لوضع هيكلية الخطة بالتوازي مع تنفيذ دمشق الشروط الخمسة.

قصارى القول: الأرجح أن الخراب الهائل الذي نتج عن حرب الأسد وحلفائه على ثورة السوريين وحلمهم، والذي بلغ كلفاً مالية بـ400 مليار دولار وملايين البشر، بين عاطل ومعوّق ومهاجر، وضرورة احتواء ما بعد السقوط تداعيات أمنية، محلية وإقليمية ودولية، يستدعي مشروعاً كبيراً وحالماً، يعيد إعمار سورية وتبديل شكل الصراع والتحالفات ويؤسس، وفق نمط تنموي تشاركي، لتوازنات جديدة بالشرق الأوسط الجديد.

وخطة مارشال المنسوبة لوزير الخارجية الأميركي، جورج مارشال، واقتراحه الشهير خلال خطابه في جامعة هارفارد في يونيو/حزيران عام 1947، قبل أن يوقّع الرئيس الأميركي، هاري ترومان، على قانون التعاون الاقتصادي وتمويل بنحو 13.3 مليار دولار، على مدى أربع سنوات، لتحفيز النمو بعد تأهيل البنى وبناء المصانع واستعادة الثقة بالبيئة والعملات الأوروبية، قبل ربط القارة العجوز بالولايات المتحدة أو، إن شئتم، تحالفها معها بنموذج رأسمالي ليبرالي يواجه المد الاشتراكي السوفييتي وقتذاك.

لم تكن فكرة جديدة أو لمعت بذهن السوريين بعد هروب بشار الأسد، بل طرحتها إيران بمشروع مستوحى تماماً من الخطة الأميركية، وفق ما كشفته الوثائق بالسفارة الإيرانية بدمشق، عن دراسة رسمية “النفوذ الناعم” تحمل توقيع وحدة السياسات الاقتصادية الإيرانية في سورية، مؤرخة في أيار/مايو 2022، توضح عبر 33 صفحة، خطة شاملة لإعادة إعمار سورية وحصة إيران من الخراب، قبل أن تحيلها إلى منطقة نفوذ اقتصادي وسياسي، كالذي حققته الولايات المتحدة مع أوروبا الغربية بعد الحرب العالمية الثانية.

بيد أن وضع إيران الاقتصادي الداخلي شبه المنهار، وتوازي خطتها مع بدء سحب الأسد من حظيرتها إلى الحضن العربي، وظروف أخرى كثيرة تتعلق بتطبيق الخطة عبر الشراء والسيطرة على حوامل دينية، حالت دون تنفيذ “الحلم الفارسي” الذي أعدوا له بعد التمدد التدريجي عبر أربعين استثماراً بسورية خلال الثورة، حتى بمؤسسة مشابهة لوكالة التنمية الأميركية (USAID) لتدير “مارشال سورية” وتتهرب من العقوبات الغربية. ليأتي الثامن من ديسمبر، فيسقط الأسد ومشروعات طهران، بعد انسحابها من سورية، تاركة الاستثمار والحلم المارشالي، حتى من دون تحصيل الديون وأموال دعم بقاء الأسد على كرسي أبيه.

نهاية القول: سرب من الأسئلة بدأ يتوثب على الشفاه، بالتوازي مع عودة طرح “خطة مارشال سورية” اليوم وملاقاتها من قبول مبدئي عام، وربما البدء لإعداد مؤتمر وتحديد المانحين والداعمين والدائنين.

أول الأسئلة إمكانية نقل التجربة الأميركية بأوروبا إلى سورية، مع الاختلاف السحيق بالبيئة الاقتصادية والبنية المجتمعية، والتي لا تحل بقرار أو بالدعم المالي فحسب، فالذي يشهده الداخل السوري حتى الآن، من انقسامات وتعدد رؤى وارتباطات، قد يحيل مارشال بأرض غير مهيأة، لنموذج غير قابل للحياة والاستمرار.

ولأن خطة إعمار أوروبا لم تقتصر على الحجر، بل طاولت القوانين والعلاقات التجارية والبنى المؤسسية نسأل: هل ستمتد “مارشال سورية” لإعادة بناء الدولة ومؤسساتها، وفق ما يطلبه الممول أو حسب التشكيل الجديد للمنطقة ودور سورية فيها وخلالها؟!

وأيضاً، هل تنجح براغماتية الرئيس الشرع هذه المرة أيضاً، في نقل المشروع لواقع، رغم مطالب تحييد الدور التركي، وتضارب المصالح والأهداف بين المتفقين على “مارشال سورية” إن بمنطقة الخليج نفسها، أو بين أوروبا والولايات المتحدة؟!

وربما الأهم، ما هي صيغة الأموال التي ستضخ في “مارشال سورية”، من الخليج أو حتى من أوروبا والولايات المتحدة؟ هل ستكون مساعدات من أجل تحقيق مصالح بعيدة وتشكيل حلف جديد، أم ديوناً تثقل كاهل سورية لعقود، إن لم نتطرق للوصفات والشروط التي سيفرضها الدائنون أو الداعمون، وأثرها على بيئة سورية وحياة أهليها الذين تبوؤوا أصلاً، المراتب الأولى عالمياً، بالفقر والبطالة؟

ولكن وعلى مشروعية تلك الأسئلة والهواجس، ولكي يستوي القول، لا بد من فتح باب الأمل على خطة مارشال العتيدة، فأن يضخ 250 مليار دولار، كما يتوقع الخبراء، بالجسد السوري، على مراحل ثلاث حتى عام 2035، توظف بالإعمار والاستثمارات، فعلى الأرجح، ستبدد الهواجس وتجيب، عملياً وعلى الأرض، على تلك الأسئلة.

فأن تتحول سورية إلى قلب منظومة اقتصادية مأمولة تربط المنطقة العربية بتركيا فأوروبا، عبر جغرافية واستثمارات وموانئ ومسارات تبادل، وكل ذلك برعاية أميركية، فذلك ما يرجّح نجاح الخطة، بعيداً عن الخوض بتفاصيل ما بدأ يتسرب، من سلبيات تتعلق بالوضع الداخلي السوري أو إعاقات إقليمية، أو إيجابيات تتعلق بمعادن سورية النادرة ووادي السيليكون السوري وإحياء خطوط نقل الطاقة بالبر والبحر، أو إعادة رسم المنطقة، وفق حلف التشاركية والمصالح بدل الحرب وصراعات اقتسام النفوذ.

العربي الجديد

سوريا ورفع العقوبات… مسار شاق للإصلاحات وأسئلة تحتاج الى إجابات/ مات زويغ

قرار ترمب يحتاج الى تفكيك “سلسلة متداخلة” لعقود من القرارات الأميركية ودمشق أمام مفترق طرق للتجدد والشفافية

آخر تحديث 20 مايو 2025

فاجأ الرئيس الأميركي دونالد ترمب العالم بإعلانه من الرياض أن الولايات المتحدة ستقوم برفع جميع العقوبات المفروضة على سوريا، الدولة التي أنهكتها سنوات الحرب الطويلة والعزلة الدولية تحت حكم نظام بشار الأسد الوحشي، الذي سقط في كانون الأول/ديسمبر الماضي. وقد أشعل هذا الإعلان، في الثالث عشر من أيار/مايو 2025، موجة من الاحتفالات في أوساط السوريين، الذين يعيش 90 في المئة منهم تحت خط الفقر، مجددا آمالهم في مستقبل أكثر إشراقا.

غير أن إعلان ترمب، رغم ثقله السياسي، جاء محاطا بالغموض، إذ افتقر إلى التفاصيل الضرورية لفك التشابكات المعقدة لمنظومة العقوبات الأميركية المفروضة على سوريا.

وقد أفيد بأن مسؤولي وزارتي الخارجية والخزانة، الجهتين المعنيتين بصياغة سياسة العقوبات وتنفيذها، فوجئوا بالتصريح، وبدأوا محاولات حثيثة لفهم دلالاته وسط عقود من تداخل الأوامر التنفيذية والقوانين. ومع استمرار سريان عقوبات مكافحة الإرهاب، وتولي الرئيس السوري أحمد الشرع، القائد السابق في تنظيم “القاعدة” والمدرج على قوائم الإرهاب الأميركية والأممية، رئاسة الحكومة الانتقالية، يبقى المسار المستقبلي مبهما.

استراتيجيا تفكيك “منظومة” العقوبات

يتعيّن على الإدارة الأميركية أن تبادر فورا إلى توضيح ما المقصود برفع العقوبات: هل يشمل ذلك القيود الاقتصادية والتجارية الشاملة، أم تلك المرتبطة بمكافحة الإرهاب، أم الاثنين معا؟ إن تفكيك منظومة العقوبات المتداخلة يتطلب استراتيجيا دقيقة، تستند إلى أدوات متنوعة مثل إشراك الرأي العام، ومنح الإعفاءات، وتعليق بعض العقوبات، وإصدار التراخيص العامة، على أن تُستكمل هذه الإجراءات بتدابير شمول مالي تهدف إلى الحد من أخطار تمويل الإرهاب.

وفي الوقت ذاته، ينبغي للإدارة والكونغرس أن يحددا بوضوح المعايير والشروط التي يجب توفرها لأي تخفيف مستقبلي للعقوبات، بما يضمن محاسبة السلطات السورية في ما يتعلق بإنهاء علاقتها بالجماعات والأنشطة الإرهابية بشكل دائم وقابل للتحقق، مع إبقاء الاستعداد لإعادة فرض العقوبات في حال الإخلال بهذه الالتزامات.

شكّلت منظومة العقوبات الأميركية، التي تديرها وزارات الخزانة والتجارة والخارجية، أداة استراتيجية قوية استُخدمت لتقويض شبكات التمويل والمحسوبية التي اعتمد عليها النظام السوري السابق. فمنذ عام 1979، وُضعت سوريا على قائمة الدول الراعية للإرهاب، وهو تصنيف شكل أساسا لفرض حظر على صادرات الأسلحة، وتشديد الرقابة على السلع ذات الاستخدام المزدوج، وتقييد معظم أشكال المساعدات الخارجية باستثناء الإنسانية منها، بالإضافة إلى الحدّ من قدرة سوريا على النفاذ إلى النظام المالي الأميركي.

وفي عام 2003، عزز قانون محاسبة سوريا واستعادة السيادة اللبنانية هذا الإطار، إذ ألزم دمشق وقف دعمها للجماعات الإرهابية، وسحب قواتها من لبنان، والتخلي عن برامج أسلحة الدمار الشامل. كما فرض القانون حظرا شاملا على الصادرات، باستثناء الغذاء والدواء، وفرض قيودا مالية مشددة وضغوطا ديبلوماسية متزايدة.

أدى قانون محاسبة سوريا واستعادة السيادة اللبنانية لعام 2003 إلى إطلاق سلسلة من الأوامر التنفيذية، بدءا بالأمر التنفيذي 13338 الصادر عام 2004، الذي توسعت تداعياته لاحقا عبر الأوامر التالية 13399 (2006)، و13460 (2008)، و13572 و13573 (2011). وقد ركزت هذه الأوامر في بداياتها على التصدي للفساد، وانتهاكات حقوق الإنسان، وزعزعة الاستقرار في لبنان والعراق، قبل أن تتصاعد في لهجتها وحدتها مع تفجر الحرب الأهلية في سوريا.

تجميد الأصول السورية في أميركا

فمع اندلاع الحرب الأهلية، صدر الأمر التنفيذي 13582 لعام 2011، الذي قضى بتجميد جميع أصول الحكومة السورية في الولايات المتحدة، كما حظر أي تعاملات مالية معها. وفي عام 2019، صدر “قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين”، الذي أُدرج لاحقا ضمن قانون تفويض الدفاع الوطني لعام 2020، ليُدخل عقوبات ثانوية إلزامية تطال الشركات الأجنبية التي تتعامل مع نظام الأسد، مما أدى إلى شل قطاعات حيوية، أبرزها الطاقة والبناء.

وفي السياق نفسه، صدر الأمر التنفيذي 13894 في عام 2019 ليعزز نظام العقوبات الأميركي، عبر استهداف الأفراد والكيانات التي تعيق التوصل إلى حل سياسي للصراع. وشملت العقوبات شخصيات بارزة، من بينها أفراد من عائلة الأسد وعدد من المقربين منها، قبل أن يُعدّل هذا الأمر في يناير/كانون الثاني 2025 لاستثناء تركيا من أحكامه.

وإلى جانب العقوبات الخاصة بسوريا، فُرضت أيضا عقوبات موضوعية ضمن أطر أوسع: فقد استهدفت شركة الخطوط الجوية السورية بموجب الأمر التنفيذي 13224، بسبب دورها في تسهيل أنشطة إرهابية، كما أُدرج المركز السوري للدراسات والبحوث العلمية على قائمة العقوبات بموجب الأمر التنفيذي 13382، نظرا لضلوعه في أنشطة تتعلق بانتشار الأسلحة النووية.

ستة أشهر لتوضيح المشهد السوري ومصير العقوبات؟

لم يطرح إعلان الرئيس ترمب، والتصريحات اللاحقة الصادرة عن وزير الخارجية ماركو روبيو، أي خريطة طريق واضحة لفك شبكة العقوبات المفروضة على سوريا بموجب سلطات متعددة. وذكرت وكالة “رويترز” أن مسؤولي وزارتي الخارجية والخزانة لم يتلقوا في البداية أي توجيهات من البيت الأبيض، مما أدى إلى حالة من الغموض حول ما إذا كان ترمب يقصد رفعا كاملا للعقوبات، أو تعليقا لتجميد الأصول بموجب الأمر التنفيذي 13582، أو إعفاءات انتقائية لبعض القيود، أو تعليقا شاملا لـ”قانون قيصر”، أو تخفيفا للقيود الواسعة المفروضة على الصادرات بموجب قانون محاسبة سوريا، أو حتى إعادة النظر في تصنيف سوريا كدولة راعية للإرهاب.

رويترز رويترز

وتستلزم إعادة النظر في هذا التصنيف، بطبيعة الحال، إخطارا رسميا للكونغرس قبل 45 يوما، إلى جانب تقديم شهادة تؤكد أن سوريا قد أوقفت دعمها للإرهاب لمدة لا تقل عن ستة أشهر، أو أنها شهدت تغييرا جذريا في طبيعة حكمها، وهو شرط يبدو صعب التحقق في ظل الارتباط السابق للرئيس الشرع بـ”هيئة تحرير الشام”، المصنفة كمنظمة إرهابية منذ عام 2018.

“قوائم الإرهاب” والحكومة السورية

وتُفاقم عقوبات مكافحة الإرهاب تعقيد المشهد السوري، إذ أدرج عدد من المسؤولين في الحكومة السورية الحالية ضمن قوائم “المنظمات الإرهابية الأجنبية” و”الإرهابيين العالميين المحددين بشكل خاص”، ومن أبرز هذه الكيانات: “أنصار الإسلام” و”اتحاد الجهاد الإسلامي” و”كتيبة الإمام البخاري” و”كتيبة التوحيد والجهاد” و”لواء المهاجرين والأنصار”. ويثير هذا الواقع مخاوف جدية من احتمال اعتبار “الحكومة السورية” بمثابة إعادة تشكيل لكيان إرهابي، مما قد يعرّضها لعقوبات إضافية.

وفي ظل غياب تعريف قانوني دقيق يفصل بين “هيئة تحرير الشام” وهذه الجماعات من جهة، والحكومة السورية الجديدة من جهة أخرى، تجد الجهات الاستثمارية والمنظمات الإنسانية نفسها أمام تحديات كبيرة تتعلق بمخاطر الامتثال.

المسار الوعر لرفع العقوبات

إن إعلان ترمب في الثالث عشر من أيار/مايو، في ظل غياب أي إطار قانوني واضح، يهدد بإبطاء الزخم السياسي والاقتصادي الذي بدأ يتشكل. إذ تُحجم المصارف، والشركات، ومنظمات الإغاثة عن الانخراط في السوق السورية من دون وجود معايير قانونية دقيقة تحميها من تبعات المساءلة.

وخلال جولته في منطقة الخليج، قدّم ترمب سلسلة من الشروط للحكومة السورية كمتطلبات مسبقة لرفع العقوبات، من بينها تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وطرد الجماعات الإرهابية الأجنبية، وترحيل “الإرهابيين الفلسطينيين” إضافة إلى دعم الجهود الأميركية الرامية إلى منع عودة تنظيم “داعش”.

وتشير تقارير إلى أن وزارة الخارجية كانت قد وضعت، في وقت سابق من عام 2025، مجموعة من الشروط لتخفيف جزئي للعقوبات، شملت التخلص من مخزونات الأسلحة الكيماوية، وتعزيز التعاون في مكافحة الإرهاب، ومنع المقاتلين الأجانب من شغل مناصب عليا في الدولة.

كما أبقت الإدارة الأميركية سريان الترخيص العام رقم 23، الذي يُجيز التعاملات المرتبطة بجهود الإغاثة من الزلازل في سوريا، بهدف تسهيل وصول المساعدات الإنسانية. وكذلك الترخيص العام رقم 24، الذي يسمح ببعض التعاملات مع المؤسسات الحكومية السورية، لدعم الخدمات الأساسية والمرافق العامة في أعقاب سقوط نظام بشار الأسد.

ولتحقيق رؤية ترمب، ينبغي على الولايات المتحدة أن تبني على هذه الخطوات من خلال اعتماد نهج مشروط ومنظم يستند إلى معايير واضحة ومحددة. كما يجب على كل من الإدارة والكونغرس أن يوضحا أن عدم تنفيذ الإصلاحات السياسية المطلوبة، مثل طرد المقاتلين الأجانب وتنظيم انتخابات شفافة، سيؤدي إلى إبطاء عملية تخفيف العقوبات، أو وقفها، أو حتى التراجع عنها من خلال إعادة فرض القيود وتوسيع نطاقها.

الإصلاحات المطلوبة من الحكم في دمشق

بالإضافة إلى المطالب السياسية، يتعيّن على سوريا أن تنفذ إصلاحات عميقة في مؤسساتها لاستعادة مكانتها ضمن النظام الاقتصادي العالمي وكسب ثقة المجتمع الدولي. وتشمل هذه الإصلاحات تعزيز التشريعات الخاصة بمكافحة غسل الأموال، وفرض رقابة صارمة على حركة النقد للحد من تمويل الإرهاب، وتبنّي أنظمة متقدمة في ما يتعلق بتقارير التعاملات المالية، إلى جانب اتخاذ تدابير تنظيمية أخرى تتوافق مع معايير “مجموعة العمل المالي” وغيرها من المؤسسات الدولية ذات الصلة.

من شأن هذه الخطوات أن تعكس التزاما حقيقيا من جانب سوريا في مكافحة التمويل غير المشروع وترسيخ بيئة اقتصادية أكثر شفافية، بما يمهد لاندماجها مجددا في الأسواق العالمية. والكرة الآن في ملعب الرئيس أحمد الشرع، فإذا أخفق في تنفيذ الإصلاحات المطلوبة، فإن سوريا قد تُهدر فرصة تاريخية للتجدد، في وقتٍ يستعد فيه كل من الكونغرس والإدارة لاتخاذ خطوات أكثر صرامة في حال تعثر التقدّم.

وعلى العكس من ذلك، إذا تمكّن الرئيس الشرع من تحقيق الإصلاحات السياسية والمؤسسية المطلوبة على المدى الطويل، فقد تسنح أمام سوريا فرصة تاريخية لإعادة الإعمار والازدهار. ويمكن الإدارة الأميركية أن تساهم في هذا المسار عبر تعاون ثنائي ومتعدد الأطراف لتطوير أدوات شمول مالي تُعدّ أساسية لتعافي الاقتصاد السوري. فقد تتيح جهات الإقراض الخارجية في كل من الأردن أو الإمارات، الخاضعة لبروتوكولات صارمة لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، تمويلا موجّها للشركات السورية، على أن تنتقل هذه الخدمات تدريجيا إلى داخل سوريا مع استقرار القطاع المصرفي.

مشروع تجريبي للمدفوعات بعملة رقمية

وبمجرد إقرار مشاريع القوانين العالقة في الكونغرس وتحويلها إلى قانون نافذ، قد يُطلق مشروع تجريبي للمدفوعات باستخدام عملة رقمية مستقرة مدعومة بالدولار الأميركي، تُحوّل قيمتها إلى عملات ورقية خارج الأراضي السورية، بما يتيح ربط الباعة المحليين بالأسواق العالمية مع الالتزام بالمعايير الدولية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.

وفي هذا الإطار، يمكن للشراكات بين القطاعين العام والخاص، إلى جانب إنشاء سجل عام لعقود الدولة، أن تضمن درجة عالية من الشفافية، تحول دون استفادة الأفراد والكيانات الإرهابية المدرجين على قوائم العقوبات من الأموال العامة.

وتمثل الثروات المنهوبة من قبل عائلة الأسد فرصة محورية. فمن الضروري إبقاء العقوبات المفروضة على أفراد العائلة ومن يسهّلون أنشطتهم، لضمان استمرار حجز الأصول المجمدة وعدم تمكينهم من الوصول إليها، وهو ما يستدعي إدخال تعديلات دقيقة على أنظمة العقوبات المعتمدة دون المساس بإطارها العام.

وفي هذا السياق، يمكن لفريق متعدد الأطراف مختص باسترداد أصول الدولة السورية أن يتولى مصادرة ما يُقدّر بنحو ملياري دولار من الأموال غير المشروعة، المخبّأة ضمن شبكات من الشركات الوهمية. وتُربط إعادة توجيه هذه الأموال نحو مشاريع حيوية، مثل المستشفيات والبنية التحتية والمدارس، بتحقيق معايير ديمقراطية محددة، بحيث تُحوّل هذه الموارد عبر الحكومة السورية في حال استيفائها، أو عبر آليات دولية بديلة في حال تعذّر ذلك.

سوريا أمام مفترق طرق حاسم

ومن شأن تعيين مسؤول رفيع ضمن الإدارة الأميركية لتنسيق سياسة العقوبات المفروضة على سوريا أن يُحسّن التنسيق بين الوكالات المعنية، ويعزز وضوح الإجراءات وفاعليتها عند تنفيذ خطوات التخفيف. وسيساهم هذا الدور في إيصال التحديثات والسياسات ذات الصلة بسرعة وكفاءة إلى الجهات المعنية، بما في ذلك الشركات والمؤسسات الحليفة، مع الإشراف على مدى التزام المعايير الإصلاحية المطلوبة. كما يتيح هذا المنصب تسريع إصدار التراخيص الخاصة بالسلع الخاضعة للرقابة على الصادرات، ولا سيما المعدات المتعلقة بقطاع الطاقة، التي تُعدّ حيوية لعمليات إعادة الإعمار، وذلك بعد التأكد من تنفيذ الإصلاحات المتفق عليها بشكل موثوق به.

تقف سوريا اليوم عند مفترق طرق حاسم. ويُحتّم هذا الواقع تحويل تعهّد ترمب إلى خريطة طريق واضحة ومبنية على أسس من الإنجاز الفعلي. فالشعب السوري، الذي عانى ويلات لا توصف، يستحق فرصة حقيقية للتجدد. لكن ينبغي على الولايات المتحدة أن تتعامل مع تخفيف العقوبات كأداة ضغط استراتيجية لضمان المساءلة، لا كمنحة مفتوحة بلا شروط. ومن دون وضوح وتحديد صارم للمعايير، فإن الرؤية الطموحة التي طرحها ترمب مهددة بالانهيار، تاركة آمال السوريين الهشة معلقة على حافة الغموض.

المجلة

——————————

الشرع وفاتورة رحلة الرياض/ رغيد عقلة

20 مايو 2025

لم تنتظر المتحدّثة باسم البيت الأبيض، كارولين ليفيت، عودة الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى واشنطن، لتصرّح بأن هناك خمسة مطالب حدّدتها الإدارة الأميركية في مقابل الانفتاح على الإدارة السورية الجديدة، والمضي في رفع العقوبات عن سورية، وهي التي رشح أن ترامب قدّمها لرئيس المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، خلال لقائهما المُقتضَب في الرياض، الأسبوع الماضي.

المطلب الأول، كما ورد في الترجمة الحرفية لتصريح ليفيت، هو “توقيع الاتفاقات الإبراهيمية مع إسرائيل”، الذي كان واضحاً أنه يتمحور حول إنهاء حالة الحرب مع إسرائيل، من دون إشارة إلى الجولان المحتل، وقبول إسرائيل في الوعي الجمعي السوري بتركيبتها الحالية القائمة على يهودية الدولة. لكنّ السؤال الأهم: هل سيستطيع الشرع تسويق فكرة الاتفاقات الإبراهيمية بجانبها العَقَدي الإيماني للدائرة الأقرب من محازبيه ومريديه؟ خصوصاً في صفوف المقاتلين المتشدّدين الذين ليس سرّاً أنه وإياهم يلتزمون نهجاً وفكراً سلفيّاً صارماً، إلى الدرجة التي دفعته إلى أن يقيم صلاة عيد الفطر الفائت في القصر الرئاسي، في سابقة لم تحصل في التاريخ السوري، ليتفادى ببراعة أن يكون مضطرّاً لحضور صلاة عيد قد تتخلّلها المدائح والأذكار النبوية المعتادة على طريقة الإسلام الشامي الأشعري؟

يتعلق المطلب الثاني بالطلب “من جميع الإرهابيين الأجانب مغادرة سورية”، وكان دوماً مطلباً سورياً داخلياً، بدأ مع رفض السوريين الفصائل الطائفية كافّة، التي استقدمها النظام الساقط، واستخدمها في حربه عليهم، ولكنّها تنسحب اليوم حسب صياغة ليفيت، وكما أشير إليه صراحةً من مسؤولين أميركيين ودوليين، على المقاتلين الذين دخلوا سورية مع عملية “ردع العدوان” كافّة، وينتمون إلى الجنسيات الشيشانية والإيغورية والتركستانية والعربية وغيرها، الذين تتهمهم جهاتٌ عديدةٌ بأنهم كانوا القوة الضاربة الحقيقية في أحداث الساحل الدامية. وفي وقتٍ قد لا تنقص فيه الشرع البراغماتية اللازمة لتلبية هذا الطلب، إلا أن السؤال الحقيقي يتمحور حول مدى قدرته على تنفيذه، خصوصاً أن هؤلاء المقاتلين الأجانب الجزء الأكبر والأقوى من القوات الداعمة له، في ظلّ الإحجام عن قبول أعداد كبيرة من العسكريين السوريين المنشقّين في صفوف القوات السورية النظامية الجديدة، مع الجيش النظامي السوري، وهما الأمران اللذان يجعلان حاجة الشرع لهؤلاء المقاتلين الأجانب ضرورةً حيويةً، وما ينطوي عليه تحييدهم من مخاطر جمّة، لا تستثنى منها إمكانية فتح حالة صراع عنيف وحقيقي معهم، قد لا يكون الشرع مستعدّاً لها أو قادراً عليها.

المطلب الثالث يتعلق بـ”ترحيل الإرهابيين الفلسطينيين”، كما جاء في تصريح ليفيت. والتعامل معه قد يكون أسهل لوجود حالة عدم حماس شعبي عريضة للمقصودين في هذه التسمية لدى التيّارات السورية الأكثر ولاءً للشرع، فيما فلسطين تاريخياً في عمق وجدان السوريين.

كان البندَان الأخيرَان حول الطلب من الشرع مساعدة الولايات المتحدة في منع عودة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وتولّي مسؤولية مراكز اعتقال عناصره في شمال شرقي سورية، وقد يحمل هذان الأمران تحوّلاً أساسياً في الموقف الأميركي الذي كان يستند دوماً (ومعه الموقف الدولي) إلى حصر هذه المهمة بقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وقد يكون للبنتاغون فيه رأي مخالف لتوجه الرئيس بتكليف الشرع وإدارته هذا الملفّ، الذي لن يمرّ بالضرورة من دون معوقات في واشنطن كما في الأرض، لاعتقاد ثابت لدى العديد من المعنيين بوجود حالة تعاطف أقلَّه في مستوى القواعد بين مقاتلي هيئة تحرير الشام وأسرى تنظيم “داعش”، الأمر الذي قد يُعقّد مهمة الشرع لتلبية هذين المطلبين، خصوصاً في ظلّ عدم وجود قوات كافية لديه بعيدة من المناخات الفكرية لكلا التنظيمين المستندَين لأفكار متشابهة، وأصل عضوي واحد.

صحيح أن السعودية (محمّد بن سلمان شخصياً) كانت الضامن الرئيس للشرع لدى الرئيس ترامب، إلا أن الشرع لا تنقصه أبداً حصافة إدراك أن تركيا ورئيسها أردوغان في المشهد، وأن عليه دوماً مراعاة توازن دقيق في كلّ ما يقوم به بين النفوذَين السعودي والتركي في بلده، ورغم أن الرياض وأنقرة ليستا بالضرورة خصمتَين في المشهد السوري أو في تداعياته الإقليمية، فهناك كثير ممّا يجمع بين رؤى البلدَين هناك، إلا أن ذلك لن يمنع وجود حالة تنافسية حادّة بينهما على النفوذ في سورية، قد يكون التعامل معها تحدّياً جدّياً للشرع رغم ما يحمله هذا التحدّي من فرص مهمة له ولبلده، إذا استطاع التعامل معها ببراغماتية لا تنقصه، ولكن المشكلة تكمن في قلّة أدواتها في يده.

سيكون من المبكّر جدّاً الحكم على قدرة الشرع على الوفاء بالالتزامات التي تعهّد بها في الرياض، الأمر الذي أكّده وزير خارجية الإمارات، عبدالله بن زايد، في مقابلته في “فوكس نيوز”، خصوصاً البند المتعلّق بالمقاتلين الأجانب، وإذا كان خطابه عشية عودته من السعودية قد افتقر لمبادرات سياسية جريئة انتظرها منه سوريون كثر، فلعلّ في ذلك مؤشّراً جدّياً على مدى تعقيد مهمته وصعوبة القيام بها، على أن من وضع البنود المتعلّقة بالإصلاح السياسي في صلب كلّ المطالب الدولية والأميركية المتعدّدة، يدرك بوضوح أنه وحده سيهيئ للشرع ولسورية الرافعة السياسية التي ستمكّنهما من إيجاد حلول لأغلب المعضلات السورية، فالسياسة الأميركية رغم أنها مبنية أولاً وقبل كل شيء على المصالح الذاتية، إلا أنها تتسم دوماً بالواقعية لجهة تحديد مدى قدرة الأطراف التي تتعاطى معها على القيام بما تطلبه منها.

لن يكون من الإنصاف تحميل الشرع وحده مسؤولية مراعاة توازناتٍ دوليةٍ دقيقة في بلده، ولا الاستعصاءات العديدة التي تواجه قدرته على تنفيذ تعهداته لترامب وولي عهد السعودية، محمّد بن سلمان، فكثير منها نتيجة حالة تراكمية تتحمّل الأطراف الإقليمية والدولية والنظام البائد مسؤوليات جسيمة عنها، ولكن طريقة إدارته المشهد السياسي السوري، ومدى قدرته على الانفتاح على الشرائح الأعرض لعموم السوريين، السياسية والاجتماعية والطائفية والعرقية والدينية، وتحديداً ضمن محيطه السُّني، ستكون الفيصل في تحديد مدى قدرته على دفع فواتير لن تقبل التأخير، والتزامات لا ترضى التسويف، كانت ضغوطها واضحة في حالة الإرهاق الظاهرة عليه قبيل خطابه للسوريين عشية عودته من الرياض، والذي لم يحمل جديداً واعداً بعد.

—————————-

عن فرص الولايات المتحدة في سوريا/ محمود علوش

2025.05.20

منذ الإطاحة بنظام المخلوع بشار الأسد، تركزت النقاشات في واشنطن حول الفرص المُحتملة التي يجلبها التحول السوري للولايات المتحدة.

وعلى الرغم من أن المبادرات التي اتخذتها كل من إدارة الرئيس السابق جو بايدن والإدارة الحالية كانت متواضعة وتجنّبت حتى وقت قصير الاعتراف بالحكم الجديد، إلاّ أن إدارة الرئيس دونالد ترامب بدأت في وقت مُبكّر بالتواصل مع دمشق وقدّمت قائمة من ثمانية مطالب مُعلنة لها وكان لها كذلك انخراط مباشر في رعاية اتفاقية دمج قوات سوريا الديمقراطية بالدولة السورية الجديدة. وعليه، ينبغي النظر إلى قرار ترامب رفع العقوبات عن سوريا واجتماعه بالرئيس أحمد الشرع في الرياض على أنّه مُحصّلة مجموعة من المسارات التي أفضت في نهاية المطاف إلى اعتقاد أميركي بأن اللحظة قد حانت للاعتراف بالشرع ورفع العقوبات.

لا ينبغي بالطبع تجاهل الدور الكبير، الذي لعبته المملكة العربية السعودية وتركيا وقطر على وجه الخصوص في تحفيز إدارة ترامب على هذه الخطوة، لكنّ ترامب هو رئيس الولايات المتحدة، وهو مثل أي رئيس أميركي، يتخذ قراراته الكبيرة في السياسة الخارجية بما ينسجم مع المصالح الأميركية أولاً. وفي حالة سوريا، فإن المصالح الأميركية تكمن في الانفتاح على الحكم الجديد وتفكيك نظام العقوبات لتمكين سوريا من الشروع في عملية التعافي وإعادة الإعمار وتحقيق الاستقرار السياسي والأمني والمجتمعي، وفي التعاون الوثيق مع دول المنطقة وعلى رأسها السعودية وتركيا لتحقيق هذه الأهداف. لقد كان الهاجس من الرئيس أحمد الشرع أحد الأسباب التي تجعل الأميركيين أكثر حذراً في اتخاذ نهج واضح في سوريا في الفترة الماضية. لكنّ استمرار التردد الأميركي في التعامل مع دمشق لفترة طويلة لن يؤدي إلا إلى نتائج معاكسة للمصالح الأميركية.

وعند الحديث عن هذه المصالح، تظهر في الواجهة رغبة ترامب بسحب القوات من سوريا وضمان ألا تتحول إلى ملاذ للإرهاب العابر للحدود مرّة أخرى ومصالح إسرائيل، التي هي تحصيل حاصل، والوصول إلى حقول النفط والغاز فضلاً عن قائمة المطالب الثمانية. إن جميع هذه المصالح تندرج ضمن مصلحة كُبرى للولايات المتحدة وهي تحويل سوريا إلى دولة حليفة لها في الشرق الأوسط. والواقع أن هذه الرغبة تُشكل مُحرّكاً رئيسياً للسياسة الأميركية. لقد ظلت سوريا لأكثر من سبعة عقود في المعسكر الشرقي المعادي للولايات المتحدة في المنطقة. كما أنها دولة مركزية إقليمية تقع على خط صدع جيوسياسي كبير. وأي تحوّل في هويتها الجيوسياسي سيترك آثاراً كبيرة على الشرق الأوسط والدور الأميركي فيه. قد لا يكون هذا الهدف هو المُحرك المباشر لقرار ترامب رفع العقوبات، لكنّ إعادة تشكيل العلاقات السورية الأميركية على نطاق واسع سيصب في صالح هذا الهدف على المدى البعيد.

مع ذلك، لا تبدو الطريق وردية بالكامل. إن المرحلة الراهنة ستظل مرحلة اختبار ثقة بين واشنطن والقيادة السورية الجديدة. ومن المفيد التذكير بأن إزالة جميع العقوبات المفروضة على سوريا لن تكون على الأرجح عملية يسيرة تُنجز في بضعة أسابيع أو حتى أشهر وسنوات. والخطوات المُنتظرة من الإدارة الأميركية بهذا الخصوص هي إصدار تراخيص عامة من العقوبات تشمل قطاعات حيوية في الاقتصاد السوري وستُغطي مجالات واسعة لعملية إعادة الإعمار، لكنّ السبب الذي يحول دون إنهاء هذه العقوبات دفعة واحدة وإلى الأبد ليس تقنياً بحتاً وإن بدا كذلك. فإدارة ترامب ستُدير عملية بناء الثقة مع الرئيس الشرع بمزيج من المُحفّزات والتذكير بأن كل المبادرات يُمكن أن تتوقف إذا لم تؤد العملية إلى النتائج المرجوة. بمعزل عن المخاطر المُحيطة بهذا الوضع، فإن مبادرة ترامب توجد بالفعل فرصة كبيرة لسوريا الجديدة لتدشين عملية التعافي وللرئيس أحمد الشرع لإثبات صدق نواياه للمجتمع الدولي. وسيتعين عليه الاستفادة من هذه الفرصة إلى أبعد الحدود.

لقد كانت إدارة ترامب قادرة على ممارسة ضغط كبير على سوريا فيما لو قررت مواصلة ترددها تجاه الحكم الجديد. لكنّها بهذا الانفتاح أصبحت في الواقع أكثر قدرة على التأثير. من الواضح أن الرئيس أحمد الشرع يُريد أن ينجح في العبور بسوريا نحو الدولة الجديدة وإعادة تشكيل علاقاتها الخارجية بما ينسجم مع واقعها الجديد ومصالحها الوطنية. لكنّ بعض العقبات الكبيرة التي تواجه سوريا لن تُزال بمُجرد توفر هذه الرغبة. وعلى رأس هذه العقبات النهج العدواني الذي تتبعه إسرائيل ضد سوريا. إن العلاقة الجيدة مع الولايات المتحدة تُساعد دمشق في تفكيك هذه العقبة وتحفيز إدارة ترامب على الانخراط القوي في إعادة ضبط السياسة الإسرائيلية بما ينسجم مع المصالح الأميركية مع دمشق. كما أنّها تُساعد في إدارة أكثر سلاسة لتعارض المصالح التركية الإسرائيلية في سوريا. لهذه الأسباب وغيرها، يجلب الانفتاح الأميركي على دمشق فرصاً كثيرة لسوريا ويوجد بيئة دولية مُحفّزة لها. إن الانعطافة الأميركية الكبيرة تجاه سوريا تتجاوز في أهميتها وأبعادها الانفتاح على حكم الرئيس أحمد الشرع إلى التأسيس لتحول تاريخي في العلاقات السورية الأميركية يُعيد تعريف سوريا في السياسة الأميركية في الشرق الأوسط ودورها الإقليمي.

——————-

هل يسبب لقاء ترمب والشرع بتفجير المواجهة مع “داعش”/ عبد الحليم سليمان

عدد من الدول وفي مقدمها الولايات المتحدة وفرنسا طالبته بإبعاد المقاتلين الأجانب

الثلاثاء 20 مايو 2025

أسفرت مواجهة بين قوى الأمن العام وخلية تابعة لـ “داعش” في حلب عن مقتل عدد من عناصر التنظيم (وزارة الداخلية السورية)

ملخص

قال الدبلوماسي والمسؤول الأميركي السابق جيمس جيفري خلال مقابلة تلفزيونية الأسبوع الماضي، إن العلاقة بين الولايات المتحدة الأميركية والرئيس الشرع تعود لفترة حكمه منطقة إدلب، وإنهم أقاموا معه علاقة غير مباشرة من أجل ضمان وصول المساعدات إلى المدينة التي كانت تضم نحو 3 ملايين شخص.

يتعمق الخلاف بين تنظيم “داعش” وحكومة رئيس الجمهورية العربية السورية أحمد الشرع، خصوصاً عقب لقائه الرئيس الأميركي دونالد ترمب في الرياض برعاية ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في الـ 14 من مايو (أيار) الجاري، حيث طالب ترمب الشرع بتنفيذ خمس نقاط وهي مكافحة الإرهاب وطرد المقاتلين الأجانب والانضمام إلى جهود محاربة “داعش” ومنع عودته وتحمل مسؤولية المحتجزات في مناطق “قوات سوريا الديمقراطية، وهذه المطالب تشكل تحدياً أساساً في علاقة الرئيس السوري الشاب مع الولايات المتحدة، وهي طلبات أميركية متكررة حملتها بداية مساعدة وزير الخارجية الأميركي السابقة باربارا ليف مع طاقم من الدبلوماسيين في إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن خلال زيارتهم إلى دمشق، أول أيام تولي الشرع مهماته عقب سقوط نظام بشار الأسد، ثم تلتها زيارة قام بها مبعوث الخارجية الأميركية دانييل روبنستاين وصولاً إلى عهد إدارة ترمب الذي سلّم دبلوماسيوه لوزير الخارجية السوري أسعد الشيباني قائمة بالطلبات الأميركية التي لا تختلف كثيراً عن الإدارة السابقة على هامش مؤتمر المانحين لسوريا في الـ 18 من مارس (آذار) الماضي، وكان التشديد على مسألة مكافحة الإرهاب واستبعاد المقاتلين الأجانب خلال لقاء ترمب – الشرع في الرياض، والذي لقي استجابة فورية من الشرع.

وسبق لقاء الرياض استقبال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للرئيس السوري في باريس، حيث ناقش معه النقاط نفسها حول مكافحة الإرهاب واستبعاد المقاتلين الأجانب ومحاسبة المسؤولين عن القتل في أحداث الساحل، والتعاون مع “قوات سوريا الديمقراطية” التي تعتبر شريك التحالف الدولي في مكافحة الإرهاب، كما أوصلت دول عربية عدة رسائلها للقيادة السورية الجديدة خلال مناسبات ولقاءات عدة، وكلها تحثه على مواجهة الإرهاب والتطرف.

أول مواجهة سياسية لدمشق

ولعل أولى الاستجابات العلنية لمطلب مكافحة الإرهاب جاء على لسان الشيباني في أنقرة عقب لقائه وزيري خارجية تركيا والأردن في الـ 12 من مايو الجاري، مؤكداً عزم دمشق “القضاء على ‘داعش’ والمنظمات الإرهابية الأخرى من الأراضي السورية، وأن هذا التنظيم لا يزال يشكل تهديداً وطنياً وإقليمياً”، وتابع الوزير السوري أن “مكافحة الإرهاب مسؤولية عالمية، وبخاصة ‘داعش’ الذي نملك خبرة طويلة في محاربته، ونعلم جيداً مدى خطورته على سوريا وجيرانها”.

ويقول الكاتب والباحث السياسي بسام السليمان في حديث لـ”اندبندنت عربية” إنه من الواضح أن تنظيم “داعش” بعد تحرير سوريا استغل الحالة، ويبدو أنه عزز قدراته التسليحية، وبدأ يغير توزعه الجغرافي من البادية السورية وينتشر في المدن، ولكن بصورة عامة لا يمكن أن نقول إنه يشكل خطراً كبيراً في سوريا لسببين، الأول أن أعداده قليلة، والثاني والأهم أن معظم قياداته الرئيسة لم تعد في سوريا وانتقلت إلى أفريقيا، ولا يوجد للتنظيم حاضنة شعبية، “لا سيما أن أهم سردية له كانت أنه جاء ليحمي السوريين من نظام الأسد، وهو ما لم يعد له وجود بعد سقوطه، فاليوم الذي يحكم سوريا قيادة جديدة”.

وبحسب السليمان، فإن كل ما ذكر يسبب تراجعاً لنفوذ التنظيم، لكن بصورة عامة بدأ يتحرك مثلما جرى في حلب قبل أيام وأيضاً في دمشق حيث كانت هناك محاولات للتحرك، لكن الحكومة استطاعت ضبطها على ما يبدو بالتعاون مع التحالف في إجهاض عملية تفجير مقام السيد زينب، الذي كان بتنسيق بين التحالف والحكومة السورية.

واضح أن الحكومة يهمها العمل مع التحالف الدولي ضد “داعش” لسببين: الأول لمواجهة هذا التنظيم الذي يمكنه أن يهدد الأمن والاستقرار، والثاني “لسحب هذه الورقة من قسد”، وفق تعبيره.

غضب التنظيم

وأثار لقاء الرئيس السوري نظيره الأميركي في الرياض توجس كثير من التنظيمات المسلحة في سوريا، ولا سيما “داعش”، وقد تطرقت افتتاحية صحيفة “النبأ” الإلكترونية التابعة للتنظيم في عددها الصادر الخميس الماضي إلى الشروط الأميركية التي طرحت على الشرع، وربطت ما يجري بـ “الحرب على الإسلام” واصفة الشرع، الجولاني بحسب ما ورد في الصحيفة، بـ “الطاغوت” وحكومته بـ “الكافرة”، وقال التنظيم إن تبرير “الثوريين لتنازلات الجولاني السابقة واللاحقة صفقات سياسية خاسرة بدأها باكراً قبل وصوله إلى الحكم بأعوام طويلة”، مضيفاً “صحيح أنها منحته الرئاسة لكنها سلبته دينه وشرفه حتى صار اسمه علماً على عداء الشرع والشرف”.

دعوة الأجانب إلى الانضمام

وأضاف “داعش” أن الرئيس السوري بدأ بالفعل تفكيك مشروع المقاتلين غير السوريين وأنه غدر بهم واستخدمهم لمصالحه فترة من الزمن، ليوجه التنظيم دعوة إليهم للتوبة والالتحاق بسرايا الدولة الإسلامية.

تاريخ الخلاف

ويعد هذا الموقف مؤشراً جديداً وواضحاً على عمق الخلاف بين التنظيم والرئيس أحمد الشرع الذي كان يتزعم فرع تنظيم “القاعدة” في سوريا والذي سمي “جبهة النصرة لأهل الشام”، ومن ثم تحول إلى “هيئة تحرير الشام” حين نشأ الخلاف بينهما صيف عام 2013 من بدء تشكيل تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” الذي أراد إقامة نظام الخلافة، في حين أن “جبهة النصرة” كانت ترى حيز عملها داخل الحدود السورية، مما أدى بالطرفين إلى التقاضي الشرعي والسياسي لدى زعيم تنظيم “القاعدة” في أفغانستان أيمن الظواهري ليقضي لمصلحة الشرع، مما أدى مواجهات فكرية وأحياناً أمنية بين الطرفين داخل ساحات عدة داخل سوريا، لا بل تطورت أحياناً إلى مواجهات عسكرية أدت إلى سيطرة التنظيم على مناطق سيطرة “جبهة النصرة” والقتال المباشر بينهما.

وفيما أكد مراقبون ومسؤولون غربيون تخلص الشرع من قيادات تنظيم “داعش” عبر التعاون مع التحالف الدولي والقضاء عليهم بغارات جوية، قال الدبلوماسي والمسؤول الأميركي السابق جيمس جيفري خلال مقابلة تلفزيونية الأسبوع الماضي، إن العلاقة بين الولايات المتحدة الأميركية والرئيس الشرع تعود لفترة حكمه منطقة إدلب، وإنهم أقاموا معه علاقة غير مباشرة من أجل ضمان وصول المساعدات إلى إدلب التي كانت تضم نحو 3 ملايين شخص.

متطلبات الحكم

الرئيس المشترك السابق لـ “مجلس سوريا الديمقراطية” والمطلع على قضايا الجماعات الإسلامية رياض درار، يرى أنه على رغم الاتفاق المرجعي بين الشرع وبين كثير من المتطرفين، وعلى رغم بعض التفاوت في الممارسة، فلا بد له بعد أن دخل الإطار الدولة ومفهومها أن يستجيب للمتطلبات العربية والإقليمية والدولية من حوله، مما يسرع الخطى لأخذ الشرعية، “لأنه يعتقد كبقية الحكومات والسلطات التقليدية أن المرجعية تكون بالموافقة الخارجية على الحاكم، وهذه خطيئة بشار الأسد، وهذا الأمر سيدخله في مواجهة مع العناصر المتطرفة التي ترفض الموالاة أو الاعتماد على الأجنبي، وهو خط أحمر بالنسبة لبعضهم مما يدفعهم إلى الدخول في مواجهات”.

ويتابع السياسي السوري في تصريح خاص أن المطالب الفرنسية والأميركية في مواجهة “داعش” وحل مشكلات الداخل ستفتح باباً للصراع، رأيناه في البيان الذي أصدرته “داعش” أخيراً حول المقابلة التي حصلت بين ترمب والشرع في السعودية، معتقداً أن المسألة لن تكون مواجهة صريحة بل على شكل محاولات من السلطة لاعتقال “الرموز الداعشية”، وهذا بالطبع “سيدفع هؤلاء إلى التحرك وافتعال أعمال تخريب قد تصل إلى أعمال انتقامية وتفجير مفخخات أو اغتيالات”، بحسب درار.

مراجعة الخطاب الديني

 وبحسب السياسي الذي يشغل منصب المستشار لـ “مجلس سوريا الديمقراطية” حالياً، فإن عملية المراجعات مسألة قد تطول وتأخذ مداها بحسب التطور والتكيف مع مفهوم الدولة والمصالح التي تدار من خلالها الأمور، وكذلك العلاقات مع الداخل والخارج من قوى وأطياف وسياسيين متنوعين.

الملف الصعب

ويعتقد مراقبون أن مواجهة تنظيم “داعش” ليست بالأمر الهين مع المقاتلين الأجانب المنضمين لصفوف “هيئة تحرير الشام” أو المتحالفين معها مثل “الحزب الإسلامي التركستاني” والمقاتلين الأوزبك وغيرهم، وفي هذا الشأن تقول الباحثة لاما أركندي إن عدد المقاتلين الأجانب الذي يعتمد عليهم الشرع كقوات نخبة كبير ويعدون بالآلاف، وأنه ملف صعب بالنسبة إليه من ناحية التخلص منهم، ولا سيما أن كثيراً من المقاتلين المحترفين تلقوا التدريبات العسكرية خلال الأعوام السابقة من جهات خارجية.

لكن الكاتب السوري بسام السليمان يقول إن “الحكومة ليست عاجزة ولا تجد صعوبة في فتح معركة جديدة ضد ’داعش‘، ولكن مع انتشار عناصره في المدن فإنه من المفيد للحكومة أن تلقى تعاوناً استخبارياً من التحالف لمواجهته، لا سيما وأن الأجهزة الأمنية الحكومية في طور النشوء”.

فالحكومة الجديدة بحسب السليمان “منخرطة في قتال التنظيم وقاتلتهم سابقاً، و’هيئة التحرير الشام‘ من أكثر الفصائل التي دخلت في قتال ضد التنظيم، لكن بصورة عامة المهم أن يكون هناك تنسيق دولي ودعم وبخاصة أنهم يعتمدون على أسلوب ذئاب منفردة، يعني كل أربعة أو خمسة أشخاص يعملون كمجموعة مستقلة”.

مقاربة دمج الأجانب

ثمة وجه نظر مختلفة لملف المقاتلين الأجانب في سوريا، فهؤلاء المقاتلون بحسب السليمان ترفض بلدانهم استقبالهم، وعليه فإنه يرى أن الحل الأفضل أن تكون هناك مقاربة في عملية دمجهم، وبخاصة أن قسماً كبيراً منهم يريد الاندماج في المجتمع السوري، لكن هذا الدمج بحسب الباحث السوري يحتاج إلى آليات معينة اعتماداً على مقاربة جديدة بين الحكومة السورية والدول، تقضي بالوصول إلى نقطة وسط، “ولا بد أن تكون هناك مشاركة أممية في هذه العملية من حيث الرقابة والدعم التقني، فعملية الدمج والتأهيل النفسي تحتاج إلى خبرات عالية، وهو ما يتوفر لدى الأمم المتحدة من خلال تجارب سابقة”، وإذا ما سارت الأمور في هذا الاتجاه “فذلك يخفف من وطأة وحدة هذا الملف الذي يشكل أزمة للدولة السورية في الخارج”.

مواجهة في حلب

وفي تطور دراماتيكي لافت أعلنت وزارة الداخلية السورية يوم الجمعة الماضي حصول مواجهات بين قواتها وخلية تابعة لتنظيم “داعش” في أحد أحياء مدينة حلب الفقيرة، وقالت إن العملية الأمنية المشتركة بين إدارة الأمن العام وجهاز الاستخبارات العامة استهدفت “وكراً لخلية إرهابية تابعة لتنظيم ‘داعش’ مؤلفة من سبعة عناصر وأسفرت عن تحييد ثلاثة منهم وإلقاء القبض على أربعة آخرين”، إضافة إلى مقتل عنصر من قوى الأمن العام، كما ضبطت القوى الأمنية خلال تلك العملية عبوات ناسفة وسترة مفخخة وبدلات تعود لقوى الأمن العام، وختمت الداخلية بيانها بتأكيد استمرار جهاتها الأمنية في عملياتها الرامية “إلى رصد ومنع أي نشاط إرهابي، ومواصلة الجهود الحثيثة لضمان استتباب الأمن والاستقرار في جميع المناطق ضمن الأراضي السورية”، مما يفتح الباب أمام مواجهات محتملة في مقبل الأيام، سواء مع التنظيم أو مقاتلين أجانب أو سوريين يرفضون التوجه الجديد للقيادة السورية في مواجهة الإرهاب.

————————————

تفجير الميادين… تنظيم داعش يعاود التحرك شرقي سورية؟/ محمد أمين

20 مايو 2025

قتل وأصيب عدد من رجال الأمن شرقي سورية في انفجار سيارة مفخخة. وذكرت شبكات إخبارية محلية أن ثلاثة من رجال الأمن والشرطة قتلوا وأصيب آخرون مساء أول من أمس الأحد في انفجار استهدف مركز شرطة مدينة الميادين جنوب شرقي دير الزور في أقصى الشرق السوري. ونقلت وكالة الأنباء السورية (سانا) عن مصدر أمني قوله إنه يُعتقد أن سيارة مفخخة وراء هذا الانفجار، مشيرة إلى أنه خلّف دماراً واسعاً وأضراراً مادية كبيرة. وجاء الانفجار بعد أيام قليلة من حملة قام بها جهاز الأمن العام في وزارة الداخلية السورية على خلايا تابعة إلى تنظيم داعش على أطراف مدينة حلب الشرقية، حيث قام أحد أعضاء هذه الخلايا بتفجير نفسه، ما أدى إلى مقتل وإصابة عدد من عناصر الجهاز.

وذكرت مصادر محلية أن الأمن العام قام بحملة اعتقالات عقب التفجير طاولت العديد من العناصر الذين كانوا ضمن المليشيات الإيرانية التي كانت تسيطر على مجمل ريف دير الزور بين عامي 2017 و2024. ولم تعلن أي جهة حتى ظهر أمس الاثنين مسؤوليتها عن التفجير الذي ضرب مدينة الميادين، إلا أن الوقائع الميدانية تشير إلى أن خلايا تابعة إلى تنظيم داعش ربما من نقف وراء العملية.

وفي هذا الصدد، رجح الناشط الإعلامي إبراهيم الصالح، في حديث مع “العربي الجديد”، أن يكون تنظيم داعش وراء عملية التفجير، مؤكداً أنه لا يزال يمتلك القدرة على شن هجمات محدودة التأثير في ريف دير الزور الشرقي.

تراجع منسوب هجمات خلايا تنظيم داعش

وكان تنظيم داعش سيطر على أغلب مساحة محافظة دير الزور مترامية الأطراف لعدة سنوات، سواء جنوب نهر الفرات أو شماله. وقد انتهى وجوده جنوب النهر أواخر العام 2017، وفي شمال النهر مطلع 2019، إلا أنه احتفظ بخلايا له في الجانبين شنت عشرات الهجمات، بعضها كان واسع النطاق على قوات النظام المخلوع والمليشيات الإيرانية وعلى قوات سوريا الديمقراطية (قسد). ويُعتقد أن للتنظيم وجودا في البادية السورية، ولكن نشاطه تلاشى بشكل شبه كامل بعد سقوط نظام بشار الأسد، حيث لم يشن هجمات على الجيش السوري، ما يؤكد أن النظام المخلوع كان يهوّل من قدرات تنظيم داعش لأسباب سياسية.

وكانت الإدارة السورية أعلنت مطلع العام الحالي إحباط محاولة تفجير من قبل تنظيم داعش داخل مقام السيدة زينب جنوب دمشق والذي كان معقلاً بارزاً لحزب الله اللبناني والمليشيات الإيرانية. ويبدو أن التنظيم أراد إشعال فتنة طائفية لخلط الأوراق في سورية بعد أقل من شهر على سقوط نظام الأسد الذي لطالما أبرم صفقات مع هذا التنظيم لنقل عناصره من منطقة إلى أخرى، وخاصة جنوب البلاد وفي العاصمة.

هجوم إعلامي لتنظيم داعش

وفي مقابل خفوت نشاطه العسكري، صعّد تنظيم داعش أخيراً من هجومه الإعلامي على الإدارة السورية، والذي وصل في إبريل/نيسان الماضي إلى حد تهديد الرئيس السوري أحمد الشرع في حال انضمام سورية إلى التحالف الدولي ضد الإرهاب الذي تقوده الولايات المتحدة، وكان وراء القضاء على التنظيم في شمال شرقي سورية.

وأشار الخبير الأمني والعسكري ضياء قدور، في حديث مع “العربي الجديد”، إلى أن “عودة نشاط تنظيم داعش في الساحة السورية كانت منتظرة من مراقبي المشهد السوري، وخاصة أنه بعث بعدة رسائل سلبية باتجاه الحكومة السورية الجديدة في دمشق”. وأعرب عن اعتقاده أن التنظيم “يعتمد أسلوب التوقف التكتيكي في نشاطه في سورية بانتظار ما تؤول إليه الأوضاع في البلاد، وخاصة مع قرب انتهاء عمليات انسحاب القوات الأميركية من شمال شرقي سورية”. وتابع: ربما يشعر تنظيم داعش أن الانسحاب الأميركي من سورية يساعده على استعادة نشاطه الميداني والعسكري في شمال شرقي سورية.

ولم يستبعد قدور قيام التنظيم في المرحلة المقبلة بعدة عمليات شبيهة بالتفجير الذي حدث في مدينة الميادين بريف دير الزور الشرقي لـ”جس نبض” الإدارة السورية. كما أعرب عن اعتقاده أن “داعش” يرى أن هناك فراغاً أمنياً تشكل في سورية بعد إسقاط نظام الأسد، ما يسهّل عليه القيام بعمليات واسعة النطاق وفرض نفسه لاعباً في الساحة السورية مرة أخرى، وأن التنظيم ينتظر حسم ملف السجون التي يُحتجز فيها آلاف القادة والعناصر المنتمين إليه والتي هي في عهدة “قسد” حالياً في شمال شرقي سورية.

وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب طلب من الشرع أثناء لقائهما منذ أيام في الرياض، استلام السجون التي تضم مقاتلي تنظيم داعش، ما يعني أن واشنطن تريد من دمشق تولي هذا الملف الأمني الحسّاس والذي يثير مخاوف الدول المجاورة لسورية. وكان الشرع وقد وقع في مارس/آذار الماضي اتفاقاً مع قائد “قسد” مظلوم عبدي نص على “دمج كافة المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرق سورية ضمن إدارة الدولة، بما فيها المعابر الحدودية والمطار وحقول النفط والغاز”. ولطالما استخدمت هذه القوات ورقة التنظيم والسجون التي تضم قادته وعناصره ومخيم الهول الذي يضم عائلاتهم، ورقة للاستثمار السياسي للحصول على مكاسب، ولا سيما أن كل الدول التي ينتمي إليها هؤلاء ترفض استلامهم لأسباب أمنية.

العربي الجديد

————–

 العقوبات الأوروبية على سوريا: من فرضها على النظام المخلوع إلى رفعها الكامل

2025.05.20

في آذار 2011 اندلعت الثورة السورية التي قوبلت بقمع عنيف من قبل النظام ضد المحتجين، ما دفع الاتحاد الأوروبي إلى فرض أول حزمة عقوبات في 9 أيار/مايو 2011 مستهدفًا المسؤولين عن العنف ضد المدنيين.

شملت الإجراءات الأولى حظرا على تصدير الأسلحة ومعدات القمع الداخلي إلى سوريا، بالإضافة إلى قيود على سفر الشخصيات الضالعة في القمع وتجميد أصولها المالية وجاء في القرار الأوروبي أن هذه العقوبات «لا تستهدف الشعب السوري، بل تهدف إلى حرمان النظام من الموارد المالية والدعم الذي يمكّنه من مواصلة القمع».

وقد أكدت الممثلة العليا للاتحاد حينها كاثرين آشتون أن الخطوة جاءت نتيجة «لحملة النظام السورية المروعة ضد شعبه».

بعد أيام من الحزمة الأولى، وسّع مجلس الاتحاد الأوروبي في 23 أيار/مايو 2011 قائمة العقوبات لتشمل مزيدًا من المسؤولين، من ضمنهم الرئيس المخلوع بشار الأسد ودائرة المقربين منه. وهكذا بات الأسد نفسه خاضعًا لحظر السفر وتجميد الأصول منذ مايو/أيار 2011.

وبذلك وجّه الاتحاد الأوروبي رسالة واضحة بأنه يحمّل رأس النظام والمسؤولين عن القمع مسؤولية مباشرة.

استمرت الاحتجاجات واتسع نطاق قمع النظام خلال عام 2011، مما دفع الاتحاد الأوروبي إلى سلسلة إجراءات تصعيدية إضافية خلال الأشهر اللاحقة.

توسيع وتشديد العقوبات (2011–2012)

مع تفاقم العنف، وسّع الاتحاد الأوروبي نطاق العقوبات بشكل ملحوظ. في أيلول/سبتمبر 2011، قرر المجلس الأوروبي توسيع معايير الإدراج على قائمة العقوبات لتشمل أيضًا الأشخاص والكيانات المستفيدة من النظام أو الداعمة له. كما فرض في الشهر نفسه حظرًا على استيراد النفط الخام والمشتقات النفطية السورية إلى دول الاتحاد، إلى جانب منع نقل النفط من سوريا بواسطة الشركات الأوروبية. وشملت القرارات أيضًا حظر تقديم أي خدمات مالية أو تأمينية تتعلق بتجارة النفط مع سوريا، وذلك في محاولة لحرمان النظام من عائدات النفط التي تشكّل مصدرًا حيويًا لتمويل حملته القمعية. وقد أدى هذا القرار فعليًا إلى وقف صادرات النفط السورية إلى أوروبا تمامًا، حيث كانت دول الاتحاد من أبرز مستوردي النفط السوري قبل الحرب.

بحلول أواخر 2011، استمر الاتحاد في إحكام الخناق الاقتصادي والدبلوماسي على النظام. في 14 تشرين الثاني/نوفمبر 2011، تم حظر استثمارات بنك الاستثمار الأوروبي (EIB) في مشاريع بسوريا، وتعليق الاتفاقيات التمويلية القائمة مع الحكومة السورية. تبع ذلك في 1 كانون الأول/ديسمبر 2011 اعتماد القرار 2011/782/CFSP الذي دمج وأعاد تنظيم كافة التدابير التقييدية المفروضة حتى ذلك التاريخ، بحيث أصبح الإطار القانوني للعقوبات أكثر شمولًا ووضوحًا. وفي مطلع العام 2012، أصدر المجلس اللائحة (EU) رقم 36/2012 التي حلّت مكان اللوائح السابقة ووضعت جميع العقوبات في نص موحّد.

خلال عام 2012، واصل الاتحاد الأوروبي تشديد العقوبات بالتوازي مع استمرار الصراع. في فبراير 2012 فُرض تجميد لأصول البنك المركزي السوري لدى أوروبا ومنع التعامل معه، بهدف عزل النظام ماليًا. كما تم حظر رحلات الشحن الجوي التابعة للخطوط السورية إلى مطارات الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى حظر تصدير الذهب والمعادن الثمينة من وإلى المؤسسات الحكومية السورية. في ربيع 2012، استهدف الاتحاد الأوروبي أيضًا أسرة الأسد والمقربين ضمن مساعيه للضغط على الدائرة الضيقة للنظام؛ فقد أُدرجت أسماء أسماء الأسد زوجة الرئيس المخلوع، ووالدته أنيسة مخلوف، وأخته بشرى الأسد، وعدد من أفراد عائلة مخلوف (أخوال الرئيس) على قائمة العقوبات في آذار/مارس 2012. وشمل ذلك حظر سفرهم وتجميد أموالهم داخل أوروبا. أوضح دبلوماسي أوروبي آنذاك أن العقوبات طالت «كامل العائلة» الحاكمة، في إشارة إلى السعي لمنع النخبة الحاكمة في النظام من التمتع بأسلوب حياة فخم في الوقت الذي تعاني فيه البلاد من النزاع. كما استُهدفت شبكات رجال الأعمال المرتبطة بالنظام، حيث أضيفت شركات سورية وشخصيات أعمال تموّل النظام أو تستفيد منه، لضمان عدم قدرتهم على الالتفاف على العقوبات.

بنهاية 2012، كانت حزمة العقوبات الأوروبية قد أصبحت واحدة من أشمل أنظمة العقوبات التي يفرضها الاتحاد على بلد ما. ووفق مصادر دبلوماسية، وصلت القائمة السوداء بحلول منتصف 2012 إلى 126 شخصًا و41 كيانًا سوريًا محظورين أوروبيًا. وتضمنت القائمة معظم أركان النظام الأمني والعسكري السوري، وأفراد عائلة الأسد والمقربين، إلى جانب شركات حكومية وخاصة مساهمة في تمويل النظام. وقد مهّد هذا التشديد الشامل الطريق أمام إطار قانوني موحّد اعتمده المجلس لاحقًا في عام 2013.

استمرار العقوبات وتطوير الإطار (2013–2020)

بحلول أيار/مايو 2013، قام الاتحاد الأوروبي بإعادة هيكلة نظام العقوبات على سوريا لضمان استمراريته وفعاليته على المدى الطويل. أصدر المجلس في 31 مايو 2013 القرار 2013/255/CFSP الذي جمع كافة التدابير التقييدية في وثيقة واحدة ، وأصبح الأساس القانوني لسياسة العقوبات على سوريا في السنوات التالية. تزامن ذلك مع توسيع قائمة المستهدفين لتشمل مزيدًا من الشخصيات العسكرية والأمنية، والعلماء المشاركين في برامج التسلح الكيميائي، والممولين المحليين والأجانب للنظام. وقد ظل تحديث القائمة وإضافة أسماء جديدة يجري بانتظام مع كل تطور على الأرض؛ فمع كل تعديل وزاري أو تغيير في مناصب قيادية في النظام، يُسارع الاتحاد إلى إدراج الوزراء والمسؤولين الجدد إذا تبيّن استمرارهم على نهج القمع. على سبيل المثال، في مطلع عام 2019 أضاف المجلس 11 رجل أعمال و5 شركات على صلة بمشاريع عقارية فاخرة يدعمها النظام ، مشيرًا إلى أنهم «يدعمون النظام أو يستفيدون منه». وبإضافة هؤلاء بلغ إجمالي المستهدفين آنذاك 270 شخصًا و72 كيانًا قيد العقوبات.

شهدت الفترة 2013–2014 تطورات خطيرة في الصراع السوري، أبرزها استخدام الأسلحة الكيميائية. وبعد هجوم الغوطة الكيماوي في آب/أغسطس 2013، دعم الاتحاد الأوروبي جهود منظمة حظر الأسلحة الكيميائية لتفكيك الترسانة السورية، وأجرى «تعديلات تقنية» على نظام عقوباته في ديسمبر 2013 للسماح بتمويل عمليات إتلاف الأسلحة الكيميائية دون خرق العقوبات. في الوقت نفسه، استمر الاتحاد بإدانة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان واستهداف المستشفيات والمدنيين، محمّلًا النظام «المسؤولية الأساسية عن الكارثة الإنسانية ومعاناة الشعب السوري». هذه المواقف السياسية الثابتة بررت استمرار وتجديد العقوبات سنويًا. فعلى مدى العقد، اعتاد مجلس الاتحاد الأوروبي أن يجدد سريان العقوبات كل سنة في مايو/أيار، بعد مراجعة الوضع الميداني والإنساني. وجاءت بيانات التجديد السنوية لتؤكد أن «غياب أي تحسّن في سلوك النظام واستمرار القمع» يجعل من الضروري إبقاء العقوبات. وقد صدر قرار المجلس مثلًا في 28 أيار/مايو 2020 بتمديد العقوبات عامًا آخر «نظرًا لاستمرار تعرض المدنيين لانتهاكات جسيمة». وبحلول 2022، ورغم تغير المشهد الميداني لصالح النظام، شدّد الاتحاد أنه لا يرى بديلًا عن الحل السياسي وفق قرار مجلس الأمن 2254، وأنه سيواصل سياسة الضغط والعزلة حتى تحقيق انتقال حقيقي

على الصعيد الاقتصادي، أظهرت العقوبات تأثيرًا واضحًا على قدرة النظام التمويلية. فقد تضمنت الإجراءات حظرًا نفطيًا كاملًا (أوقف تصدير قرابة 90% من النفط السوري إلى أوروبا، وحظر الاستثمار في قطاع النفط السوري أو تقديم أي دعم تقني فيه، إضافة إلى تجميد أصول المصرف المركزي السوري في دول الاتحاد. كما شملت حظر تصدير التقنيات الحساسة التي يمكن استخدامها للمراقبة أو القمع، مثل أجهزة الاتصالات والتنصت ومنعت العقوبات أيضًا تصدير السلع الكمالية إلى سوريا بهدف ضرب نمط حياة النخبة الحاكمة ولم يغفل الاتحاد عن ملاحقة الشبكات المالية المرتبطة بالنظام، ففرض قيودًا على تحويل الأموال والاستثمارات من قبل رجال أعمال مرتبطين بالأسد. في شباط/فبراير 2022 – على سبيل المثال – أضاف الاتحاد خمسة من أفراد عائلة مخلوف (أخوال الأسد) إلى القائمة السوداء ، مبررًا ذلك برغبته في منع انتقال ثروة رجل الأعمال محمد مخلوف إلى ورثته واستخدامها لتمويل النظام. وقتذاك بلغ عدد المدرجين في القائمة حوالي 292 شخصًا و70 كيانًا.

خلاصة هذه المرحلة أن الاتحاد الأوروبي تمكن من بناء نظام عقوبات صارم وشامل شمل معظم مفاصل النظام السوري وداعميه. وعلى مدار أكثر من عشر سنوات، ظلت بروكسل ملتزمة بموقفها المعلن: لا تطبيع ولا رفع للعقوبات ولا مساهمة في إعادة الإعمار دون انتقال سياسي حقيقي في سوريا وقد تكرس هذا الموقف في بيانات رسمية عديدة، منها خلاصات المجلس الأوروبي في أبريل 2024 التي شددت على «استحالة التطبيع أو رفع العقوبات قبل انخراط النظام بعملية سياسية وفق قرار 2254».

الإعفاءات الإنسانية وتدابير التخفيف

رغم شمولية العقوبات، حرص الاتحاد الأوروبي على تضمين استثناءات تهدف لتفادي الإضرار بالشعب السوري. فمنذ السنوات الأولى، أكدت القرارات أن العقوبات «مصممة لتجنب إعاقة وصول المساعدات الإنسانية». عمليًا، لم تشمل العقوبات حظرًا على صادرات الغذاء والدواء والمعدات الطبية إلى سوريا. كذلك أُدرجت بنود خاصة تتيح منح تراخيص استثنائية للتحويلات المالية أو توريد المواد لغرض إنساني، شريطة عدم استفادة أي شخص مدرج على اللائحة.

في عام 2013، وبعد الاعتراف بـ“الائتلاف الوطني” ممثلًا للمعارضة، سمح الاتحاد الأوروبي بإعفاءات تهدف لدعم المناطق الخارجة عن سيطرة النظام. ففي 22 نيسان/أبريل 2013، قرر المجلس تخفيف حظر النفط بشكل مشروط بهدف مساعدة المعارضة والمدنيين، حيث سُمِح للدول الأعضاء بالترخيص لـاستيراد النفط من مناطق تسيطر عليها المعارضة، وكذلك تصدير معدات نفطية لها واستثمار مشاريع هناك لكن ربط الاتحاد هذه الاستثناءات بالتنسيق مع قيادة المعارضة السورية والتأكد من عدم استفادة النظام منها. وقد جاء في البيان الرسمي آنذاك أن هذه الخطوة تأتي «بهدف مساعدة السكان المدنيين ودعم المعارضة». على المنوال نفسه، أتاحت التعديلات في 2014 إدخال مواد تموينية وطبية بشكل أسهل، عبر إعفاءات إنسانية إضافية من تجميد الأصول.

عقب كارثة الزلزال المدمّر الذي ضرب سوريا وتركيا في 6 شباط/فبراير 2023، سارع الاتحاد الأوروبي إلى توسيع نطاق التسهيلات الإنسانية ضمن العقوبات السورية. فأقر المجلس في 23 فبراير 2023 إعفاءً إنسانيًا شاملاً لمدة ستة أشهر، يتيح تجاوز بعض قيود العقوبات مؤقتًا لتسهيل إيصال مواد الإغاثة والمساعدات الدولية بسرعة إلى المتضررين. وفي تموز/يوليو 2023، مُدّد هذا الإعفاء الإنساني حتى 24 فبراير 2024. ثم قرر المجلس في أيار/مايو 2024 جعل هذا الإعفاء مفتوح المدة ضمن نظام العقوبات. وأكد الاتحاد الأوروبي مرارًا أن عقوباته «لن تعرقل تسليم المساعدات الإنسانية إلى أي منطقة في سوريا» ، مشددًا على استثناء الغذاء والدواء بشكل تام من أي حظر.

أبرز الشخصيات والجهات المشمولة بالعقوبات

طال نظام العقوبات الأوروبي المئات من الأفراد والكيانات السورية على مدار السنوات. وفيما يلي أبرز الفئات والأسماء التي شملتها العقوبات:

رأس النظام وعائلته: الرئيس المخلوع بشار الأسد مُدرج منذ 2011 على قائمة العقوبات، إلى جانب زوجته أسماء الأسد (بريطانية الجنسية) التي أضيفت عام 2012، وكذلك والدته أنيسة مخلوف وشقيقته بشرى الأسد وشقيقه ماهر الأسد قائد الفرقة الرابعة وشملت العقوبات أيضًا أفرادًا آخرين من عائلة الأسد الموسعة مثل أبناء خاله من آل مخلوف.

أركان الحكومة والقيادات الأمنية: جميع رؤساء الأجهزة الأمنية السورية الكبار أُدرجوا على القائمة، منهم مدير المخابرات العامة علي مملوك، ورئيس شعبة الأمن السياسي سابقًا محمد ديب زيتون، ورئيس الاستخبارات العسكرية السابق عبد الفتاح قدسية كما أضيف عشرات الضباط من رتب عليا في الجيش والاستخبارات الذين تورطوا في حملة القمع أو هجمات الأسلحة الكيميائية، مثل جميل حسن مدير مخابرات سلاح الجو، والعميد حسام لوقا وغيرهم. كذلك فُرضت عقوبات على مسؤولين حكوميين بارزين بينهم وزراء الدفاع والداخلية تباعًا، وكل من يشغل منصب وزير النفط أو المالية مثلًا أثناء الحرب. في نوفمبر 2024، أضاف الاتحاد ثلاثة وزراء حاليين (منهم وزير التجارة الداخلية لؤي منجد, ووزير النفط فراس قدور) بسبب استمرار القمع وانتهاكات حقوق الإنسان.

الشبكات المالية ورجال الأعمال: استهدفت العقوبات كبار رجال الأعمال السوريين الذين موّلوا النظام أو استفادوا من الحرب. من أبرزهم ابن خال الرئيس المخلوع رامي مخلوف (رجل الأعمال الأبرز قبل أن يُنحّى عام 2020)، إذ فُرضت عقوبات على شركاته في الاتصالات والعقارات. كما شملت محمد حمشو (رجل أعمال مقرب من النظام) ، وممولين آخرين مثل خضر علي طاهر وبسام القاطرجي (المرتبطة بشحن النفط) وغيرهم. إجمالًا، استُهدف العشرات من رجال الأعمال في قطاعات النفط والإنشاءات والمالية، خاصة أولئك المنخرطين في ما سُمّي «اقتصاد الحرب». وذكر بيان لمجلس الاتحاد الأوروبي في 2022 أن العقوبات تطال «شركات ورجال أعمال بارزين يستفيدون من علاقاتهم بالنظام واقتصاد الحرب».

الجهات والكيانات الرسمية: طالت العقوبات مؤسسات حكومية واقتصادية مختلفة، على رأسها مصرف سوريا المركزي الذي جُمّدت أصوله في أوروبا ، والخطوط الجوية السورية (السورية للطيران) التي مُنعت من الهبوط في مطارات الاتحاد. كما أدرجت عدة مصارف حكومية سورية كالمصرف التجاري والعقاري في فترات مختلفة. شملت العقوبات أيضًا شركات قطاع النفط مثل الشركة السورية للنفط والمؤسسات المشغّلة لحقول النفط ، وشركات الأسلحة والتكنولوجيا كالمركز السوري للبحوث العلمية المسؤول عن برنامج الأسلحة الكيميائية. وكذلك طالت الفرق والشركات العسكرية والأمنية الداعمة للنظام، بما فيها ميليشيات محلية. وامتد الإدراج ليشمل أحيانًا جهات غير سورية تورطت في الصراع، مثل قادة من الحرس الثوري الإيراني الذين ظهر دورهم في دعم النظام ميدانيًا.

أنواع العقوبات الأوروبية المفروضة

تنوّعت طبيعة العقوبات التي طبقها الاتحاد الأوروبي على النظام السوري ضمن مجالات متعددة:

عقوبات دبلوماسية وشخصية: حظر سفر إلى دول الاتحاد الأوروبي على المسؤولين السوريين المدرجين (يشمل ذلك الأسد وعائلته ومعظم وزرائه وكبار ضباطه)، وتجميد أصولهم وأموالهم في المصارف الأوروبية. يُمنع أيضًا على أي شخص أو شركة أوروبية تقديم أموال أو خدمات مالية لهؤلاء المدرجين.

عقوبات مالية ومصرفية: تجميد أصول البنك المركزي السوري لدى الاتحاد الأوروبي ، ومنع التعامل معه أو تمكينه من احتياطي النقد الأجنبي. حظر على المصارف الأوروبية فتح فروع أو إقامة علاقات مراسلة مع المصارف السورية، إلا في نطاق محدود سمحت به الإعفاءات الإنسانية. كما تم حظر بيع أو توريد العملات الورقية السورية (الأوراق النقدية) لمنع طباعة العملة للنظام.

حظر الأسلحة ومعدات الأمن: حظر شامل على تصدير الأسلحة والذخائر إلى سوريا، وكذلك معدات يمكن استخدامها في القمع الداخلي (مثل أدوات المراقبة والاتصالات الأمنية). ويشمل ذلك أيضًا المواد ذات الاستخدام المزدوج التي يمكن أن توظف عسكريًا.

حظر النفط والطاقة: حظر استيراد النفط الخام والمنتجات النفطية السورية إلى دول الاتحاد ، بما في ذلك منع شركات الشحن الأوروبية من نقل النفط السوري إلى أي مكان. منع الاستثمار في قطاع النفط والغاز بسوريا، وحظر تزويد سوريا بمعدات أو تقنيات تخص صناعة النفط والغاز. إضافة إلى حظر تصدير الوقود الجوي للقوات الجوية السورية.

قيود تجارية واقتصادية عامة: حظر تصدير السلع الكمالية إلى سوريا (مثل السيارات الفاخرة والمجوهرات وغيرها) منذ 2012. حظر التجارة بالذهب والمعادن الثمينة مع الجهات الحكومية السورية. منع تقديم التمويل أو التأمين لمشاريع أو صفقات يستفيد منها النظام، مع استثناءات تخضع لموافقة مسبقة في حالات إنسانية. كما علّق الاتحاد برامج التعاون الاقتصادي مع الحكومة السورية (كمشاريع التنمية والمساعدات الثنائية الحكومية) منذ 2011.

حظر النقل والطيران: منع طائرات الشحن السورية من الهبوط في مطارات دول الاتحاد، وتقييد رحلات الركاب التابعة لشركة الطيران السورية. وكذلك حظر تزويد الطائرات السورية بالوقود أو خدمات الصيانة في المطارات الأوروبية.

عقوبات تتعلق بالآثار والثقافة: حظر شراء أو استيراد الآثار والتحف الثقافية التي خرجت بصورة غير مشروعة من سوريا منذ مارس 2011 ، وذلك لمنع الاتجار بآثار سوريا المسروقة خلال الحرب.

تُطبَّق جميع هذه العقوبات عبر لوائح ملزمة قانونيًا لجميع الدول الأعضاء في الاتحاد. وقد أكد المجلس أن هذه الإجراءات تتمتع بمرونة للسماح بالاستثناءات عند الضرورة الإنسانية ، لكن في المجمل شكّلت منظومة عقوبات غير مسبوقة من حيث اتساعها وصرامتها ضد النظام السوري.

سياسة التجديد السنوي والمراجعة الدورية

اعتمد الاتحاد الأوروبي آلية لمراجعة عقوباته على سوريا سنوياً واتخاذ قرار بتمديدها أو تعديلها كل ربيع. فمنذ 2012 دأب مجلس وزراء خارجية الاتحاد على إصدار قرار في أواخر شهر أيار/مايو من كل عام يقضي بتمديد سريان العقوبات لمدة 12 شهرًا إضافية. وجرت العادة أن يصاحب التمديد إجراء تعديلات فنية مثل إضافة أو إزالة بعض الأسماء بحسب المستجدات. فمثلاً، في 31 أيار/مايو 2022 مدّد المجلس العقوبات حتى يونيو 2023 وقرر شطب 3 أشخاص من اللائحة (لتوفّيهم أو تغيّر الظروف)، مما جعل القائمة تشمل 289 شخصًا و70 كيانًا وقتها. وبالمثل في 28 أيار/مايو 2024 مُدّدت العقوبات حتى 1 حزيران/يونيو 2025، مع حذف 6 أسماء (خمسة منهم توفوا). بعد هذا التعديل الأخير ارتفع عدد المُدرجين بسبب إضافات العام 2023 ليبلغ 316 شخصًا و86 كيانًا. وأكد المجلس في بيان التمديد عام 2024 أن «استمرار تدهور الوضع الإنساني وغياب حل سياسي يبرر الإبقاء على العقوبات». كما شدد أن النظام لا يزال «ينتهج سياسة القمع وانتهاك حقوق الإنسان» بحق الشعب السوري.

إلى جانب التمديد المنتظم، أبقى الاتحاد الأوروبي الباب مفتوحًا لمراجعة موقفه على ضوء التطورات الميدانية والسياسية. وقد ورد في كل بيان رسمي تقريبًا أن بروكسل «تتابع النزاع في سوريا عن كثب، وستعدّل سياستها بناء على تطورات الوضع على الأرض». في هذا السياق، رحّب الاتحاد أحيانًا بخطوات معينة – مثل انضمام سوريا إلى اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية 2013 – وقام بتعديل طفيف للعقوبات لتسهيل تنفيذ تلك الخطوات. لكنه بالمقابل لوّح بتشديد العقوبات في حال تفاقمت الانتهاكات، وأدرج شخصيات جديدة متورطة في جرائم حرب (مثل مسؤولين عن هجمات بالأسلحة الكيميائية في 2017–2018). هذه المقاربة المرنة سمحت للاتحاد بالحفاظ على ضغط مستمر على النظام، مع إظهار استعداد مشروط لتعديل العقوبات إذا «شهدت سوريا تغييرًا جوهريًا».

نحو رفع العقوبات: تغيّر السياق السياسي (2023–2025)

مع مطلع عام 2023، برزت متغيرات إقليمية ودولية دفعت نحو إعادة تقييم سياسة العزلة التامة تجاه نظام الأسد. فقد شهدت المنطقة انفراجات دبلوماسية تمثلت بعودة سوريا لشغل مقعدها في جامعة الدول العربية في أيار/مايو 2023، وميل بعض الدول الإقليمية لاستئناف العلاقات مع حكومة النظام.

ظلّ الاتحاد الأوروبي رسميًا عند موقفه الرافض للتطبيع بدون انتقال سياسي، لكنه واجه ضغوطًا لمراجعة عقوباته، لاسيما في ظل تدهور الأوضاع الإنسانية والاقتصادية للسوريين. الزلزال المدمر في فبراير 2023 كان أيضًا حافزًا قويًا دفع الأوروبيين لاتخاذ إجراءات تخفيف إنسانية عاجلة كما أسلفنا.

وبعد سقوط نظام الأسد، أكد الاتحاد الأوروبي هذا الحدث في بيان على لسان الممثل الأعلى (جوزيب بوريل حينها) اعتبر فيه «سقوط النظام الاستبدادي لحظة تاريخية للشعب السوري» داعيًا إلى انتقال سلمي.

إثر ذلك، شكّلت حكومة انتقالية جديدة في دمشق، قادها الرئيس أحمد الشارع. وحاز هذا التطور ترحيبًا حذرًا من المجتمع الدولي، بما فيه الاتحاد الأوروبي الذي رآه «فرصة تاريخية لتوحيد وإعادة بناء البلاد»، وتعهّد القادة الأوروبيون بدعم السلطات الجديدة طالما التزمت بنهج شامل يحترم حقوق جميع المكونات.

في هذا المناخ، بدأت ملامح تخفيف تدريجي للعقوبات الأوروبية بالظهور. بتاريخ 19 ديسمبر 2024، تبنّى المجلس الأوروبي (قادة الاتحاد) خلاصات بشأن سوريا أقرّ فيها بوجوب دعم “الانتقال السياسي الشامل” في مرحلة ما بعد الأسد.

وأوعز القادة إلى وزراء الخارجية بدراسة رفع العقوبات الاقتصادية التي تستهدف قطاعات بأكملها، بهدف إنعاش الاقتصاد وتسهيل إعادة الإعمار، مع الإبقاء على العقوبات الموجهة ضد شخصيات النظام السابق الضالعين بالانتهاكات. وبالفعل، بتاريخ 24 شباط/فبراير 2025 أعلن مجلس الاتحاد الأوروبي تعليق عدد من العقوبات القطاعية الرئيسية المفروضة على سوريا. وشملت هذه الخطوة:

تعليق الحظر النفطي وقطاع الطاقة: رفْع القيود عن التعامل في مجالات النفط والغاز والكهرباء بهدف السماح باستئناف إنتاج الطاقة وشراء النفط السوري تحت إشراف الحكومة الجديدة.

تعليق قيود قطاع النقل: السماح لشركات الطيران السورية (مثل الخطوط السورية) باستئناف الرحلات إلى أوروبا، ورفع الحظر عن الشحن البحري والبري لنقل البضائع من وإلى سوريا.

إعادة ربط القطاع المصرفي: إزالة أسماء خمسة مصارف سورية من قائمة تجميد الأصول (هي المصرف الصناعي، التسليف الشعبي، التوفير، التعاوني الزراعي) ، والسماح بإقامة بعض العلاقات المصرفية بين البنوك السورية ونظيرتها الأوروبية لتسهيل التحويلات المتعلقة بقطاعي الطاقة والنقل والأغراض الإنسانية. كما سمح بالتعامل مع مصرف سوريا المركزي لتيسير الاستقرار النقدي.

إعفاءات إضافية: إدخال استثناءات تسمح للمسافرين من أوروبا إلى سوريا بحمل سلع كمالية للاستعمال الشخصي رغم بقاء حظر تصديرها تجاريًا. وكذلك تثبيت العمل بـالإعفاء الإنساني الشامل بشكل دائم في نظام العقوبات.

وصف الاتحاد هذه الإجراءات بأنها جزء من دعمه لـ“تعافي سوريا اقتصاديًا بشكل سريع” شريطة انتقال سياسي حقيقي. وأوضح بيان المجلس أن الخطوات تهدف إلى «تسهيل انخراط سوريا وشعبها وشركاتها في مجالات الطاقة والنقل» وتيسير تدفق الأموال اللازمة لأغراض إعادة الإعمار والإغاثة. في الوقت نفسه، أكد البيان أن الاتحاد سيواصل مراقبة الوضع عن كثب لضمان مناسبة هذه التعليقيات، مع إمكانية «تعليق مزيد من العقوبات الاقتصادية» في ضوء تطورات إيجابية مستقبلية.

بذلك، أسدل الستار على حقبة طويلة من العقوبات الأوروبية الشاملة على سوريا. وتدخل العلاقات الأوروبية-السورية مرحلة جديدة عنوانها التعاون، بدلاً من سياسة العزل الكامل.

العربي الجديد

—————————————

 ملف حصر الملكيات يعرقل إعادة الإعمار في سوريا.. من يملك الحق في البناء؟/ مختار الإبراهيم

2025.05.20

في مدينة داريا المدمَّرة ببراميل الأسد، يقف مروان بعد غياب لأكثر من عقد من الزمن أمام أنقاض المبنى الذي كان يسكن فيه قبل أن يُقصف بالكامل في سنوات الثورة الأولى. مروان، الذي يفكر بالعودة من ألمانيا إلى سوريا، يواجه اليوم عائقًا قانونيًا يحول بينه وبين إعادة إعمار منزله: لا يستطيع إزالة الأنقاض أو الشروع بأي عمل ترميمي، لأن ملكية البناء موزعة على عدد كبير من الأشخاص، بعضهم توفي دون تسجيل واقعة الوفاة، وبعضهم مفقود أو مجهول المصير وقسم منهم توزع في الشتات. هذه الحالة ليست استثناءً بل تمثل واحدة من أبرز العقبات التي تواجه أي جهود لإعادة الإعمار في البلاد.

ينص القانون السوري على ضرورة حصول إجماع أو تفويض قانوني من جميع مالكي العقار أو ورثتهم للقيام بأي عمل بناء.

في ظروف ما بعد الحرب، يصبح هذا الشرط شبه مستحيل: ملايين السوريين في الخارج، آلاف المفقودين، وآلاف آخرين تُوفوا دون تحديث في السجلات العقارية أو المدنية.

وفي ظل غياب إحصاء رسمي حديث للوفيات أو المفقودين، تتحول أي مبادرة لإعادة البناء إلى عملية قانونية معقدة ومحفوفة بالجمود.

وهنا نرفق جدولا بمنظومة التشريعات التي تحكم عملية البناء في سوريا:

المرجع القانوني          الجهة المسؤولة/الضابطة         الملاحظات

القانون المدني السوري (المرسوم التشريعي رقم 84 لعام 1949)          وزارة العدل / المحاكم المدنية          يتضمن المبادئ العامة للملكية والتصرف بها، بما فيها البناء والإرث.

قانون الاستملاك رقم 20 لعام 1983       الجهات العامة / وزارة الإدارة المحلية      يمنح الدولة الحق في استملاك العقارات للمنفعة العامة.

القانون رقم 10 لعام 2018        المحافظون / الجهات التنظيمية يسمح بإنشاء مناطق تنظيمية جديدة، ويتطلب من السكان إثبات ملكيتهم خلال فترة زمنية قصيرة.

القانون رقم 15 لعام 2008 (التطوير العقاري)       هيئة التطوير العقاري     ينظم إنشاء شركات تطوير عقاري ويتيح بمشاركة القطاع الخاص في مشاريع الإعمار.

المرسوم التشريعي رقم 66 لعام 2012 محافظة دمشق / الجهات التنظيمية      وضع لتنظيم مناطق المخالفات السكنية ويعد الأساس القانوني للقانون رقم 10 لاحقاً.

قانون التنظيم العمراني رقم 5 لعام 1982          وزارة الإدارة المحلية      ينظم عمليات التقييم، وفتح الطرق، وتحديد وجلب حق البناء.

الدستور السوري لعام 2012      السلطات الثلاث (التشريعية، التنفيذية، القضائية)           ينص على حماية الملكية الخاصة، لكن ضمن إطار يتيح للدولة الإعمار والاستملاك.

الأثر على الواقع العمراني والاجتماعي

يرى المهندس المدني راكان نور الدين أن هذه المعضلة لا تؤجل فقط إعادة إعمار المباني، بل تؤجل أيضًا عودة السكان واستقرارهم، فعشرات الأحياء في دمشق، وحلب، وحمص، ودرعا، ما تزال تحت الأنقاض بسبب وجود قيود قانونية تحول دون إعادة إعمارها. وهناك مخاوف حقيقية من أن يتحول هذا الجمود إلى وسيلة لتغيير ديموغرافي بطيء عبر تضييع حقوق المالكين الأصليين.

ويشير نور الدين في حديثه لموقع تلفزيون سوريا إلى أنه من الحلول المقترحة لتسريع عملية إعادة الإعمار مع حفظ الحقوق هو منح تفويض جزئي مشروط يتم عبره السماح ببدء أعمال الإعمار بناءً على موافقة الأغلبية الحاضرة من المالكين، مع حفظ حقوق الغائبين عبر آلية رسمية تضمن إعادة أملاكهم بعد دفع نصيبهم من تكاليف البناء، سواء فور عودتهم أو بالتقسيط.

ويضف نور الدين أنه بالإمكان أن يتم إنشاء سجل خاص للمتغيبين والمفقودين يتيح هذا السجل تتبع أملاك الأشخاص الغائبين مؤقتًا، على أن تُدار أملاكهم بشكل يحفظ حقوقهم، ولعل “آلية تحكيم عقاري مؤقت تتم من خلال تأسيس لجنة قضائية مستقلة بإشراف قضائي/حقوقي تُمنح صلاحيات استثنائية لتسهيل اتخاذ قرارات في قضايا الإعمار المتعثرة” تترافق مع تحديث نظام السجلات العقارية والمدنية عبر حملات وطنية وبالتعاون مع منظمات دولية لتوثيق الوفيات والمفقودين، مما يسهل عمليات حصر الإرث وتسجيل الملكيات.

ويختم نور الدين أن إعادة الإعمار في سوريا لا يمكن أن تبدأ دون إصلاح المنظومة القانونية العقارية، بما يتناسب مع الواقع الاستثنائي الذي خلفته الحرب، ولا يكفي الحديث عن التمويل والبنية التحتية، بل يجب أولاً معالجة مسألة من يملك الحق القانوني في الإعمار، وإن تقديم حلول عملية تحفظ الحقوق دون تعطيل عملية البناء هو السبيل الوحيد لإعادة الحياة إلى المدن السورية المدمّرة.

دروس من تجربة ألمانيا في تحديد الملكيات

واجهت ألمانيا إبان الحرب العالمية الثانية تحديات قانونية وإدارية كبيرة فيما يخص تحديد ملكية العقارات التي تهدّمت بفعل القصف والمعارك، خاصة في المدن الكبرى مثل برلين، وفرانكفورت ودريسدن.

وكان جزء كبير من المالكين قد توفي، أو أصبح في عداد المفقودين، أو هاجر إلى مناطق أخرى داخل ألمانيا أو خارجها. هذا الغموض في هوية المالكين عطّل لفترة إعادة الإعمار وفتح الباب أمام نزاعات قانونية متعددة حول الحقوق العقارية.

وفي حديث خاص لموقع تلفزيون سوريا، أوضح المحامي الألماني ياكوب كلارسن، المختص في قضايا إعادة الإعمار، أن هذه المشكلة ليست فريدة من نوعها، بل شهدتها دول أخرى في مراحل ما بعد النزاعات.

وقدّم كلارسن عدداً من التجارب القانونية الدولية التي يمكن أن تشكل مرجعاً لصياغة إطار قانوني سوري جديد يُراعي الواقع الحالي.

ويسوق المحامي الألماني مثالاً قريباً من بلده ففي ألمانيا، وبعد الحرب العالمية الثانية، تم تأسيس هيئة لإعادة الإعمار منحت صلاحيات مؤقتة للدولة لإعادة بناء العقارات المهدّمة مع الحفاظ على حقوق المالكين الأصليين، فإذا كان المالك غائباً، يُرمم العقار وتُسجّل نفقات الترميم ليتم تسديدها لاحقاً عند عودة المالك أو ورثته.

ووفقا للمحامي كلارسن فقد مُنحت “هيئة إعادة الإعمار” صلاحيات مؤقتة لإدارة الأراضي والعقارات المدمّرة، والشروع بإعادة الإعمار حتى في حال عدم اكتمال السجلات العقارية أو غياب بعض المالكين.

وأضاف المحامي كلارسن في حديثه أنه تم اعتماد مبدأ “الترميم مع الاحتفاظ بالحق”، حيث كان يُسمح بترميم العقار من قبل الدولة أو الجهات المحلية، ويتم توثيق تكاليف الترميم وتسجيلها كديون على العقار، تُسدّد لاحقًا من قبل المالك الأصلي أو ورثته بمجرد ظهورهم أو إثباتهم للملكية، كما تم تحديث السجلات العقارية من خلال لجان مختصة، بالتنسيق مع البلديات والسجلات المدنية، لحصر الوفيات وإثبات الورثة قانونيًا، ما سمح بتسريع عمليات نقل الملكية بشكل قانوني وسلس.

يضاف لها – وفقا لكلارسن – سنّ قوانين انتقالية، منها قوانين الملكيات المؤقتة التي أجازت للدولة أو البلديات استخدام العقارات المدمّرة أو المهجورة لفترة مؤقتة إلى حين اتضاح ملكيتها الأصلية.

تجربة رواندا والبوسنة في تحديد الملكيات

ومن الأمثلة العالمية التي ساقها المحامي كلارسن تجربة رواندا، فبعد الإبادة الجماعية عام 1994، تم اعتماد محاكم محلية مجتمعية (Gacaca Courts) قامت بتسوية قضايا الملكية والنزاعات بسرعة ومرونة، عبر السماح للناجين بتمثيل أسرهم قانونياً، وهو ما ساعد على تحريك ملف الإعمار رغم الغياب الواسع للسكان.

ومن الأمثلة العالمية القريبة للحالة السورية ما حصل في البوسنة والهرسك، فقد تم سن قانون “الممتلكات المهجورة”، والذي سمح باستخدام العقارات المهجورة بشكل مؤقت من قبل الدولة أو البلديات، على أن تُعاد للمالكين الأصليين عند عودتهم، أو يتم تسديد كلفة الإعمار لهم لاحقاً.

المحامي كلارسن يؤكد أن الحل في سوريا يتطلب تعديل القانون العقاري بما يتيح للجهات المحلية أو المالكين الحاضرين البدء بإعادة الإعمار بتفويض مشروط، مع حفظ الحقوق الكاملة للغائبين عند عودتهم.

كما يمكن تبني آلية تقسيط لتغطية تكاليف الإعمار لمن يتأخر في العودة، ويختم: “نحتاج إلى مرونة قانونية تحمي الحقوق وتسمح بالبدء بإعادة الإعمار، وإلا ستبقى الأنقاض شاهداً على العجز القانوني لعقود”.

———————

ماذا حول إعادة الإعمار في سوريا؟/ موفق نيربية

لا بدّ أن خبر الموسم هو إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، رفع العقوبات عن سوريا، والتصديق على ذلك بالاجتماع مع الرئيس الشرع على هامش القمة الخليجية، وبوجود وليّ العهد السعودي. يعطي هذا الخبر دفعة قوية لمعنويات السوريين، الذين أنهكتهم وما زالت تلك العقوبات، التي كانت بدورها سبباً في إضعاف حكم الاستبداد السابق، إلى حدّ كبير ونوعي.

وقبل ذلك كان قد لفت الانتباه بقوة ما تردّد من أنباء غير مؤكّدة، عن أن الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع يحمل مشروعاً لإعادة بناء بلاده، يستوحي مشروع مارشال، الذي قادته وموّلته الولايات المتحدة، لإعادة بناء أوروبا الغربية، وألمانيا خصوصاً، حتى تستطيع الوقوف في وجه الشيوعية والاتحاد السوفييتي آنذاك، وضمن إطار الحلف الأطلسي الجديد.

لا توجد مؤشّرات بعد على استعداد الولايات المتّحدة لكل ذلك الطموح، وهي تنسحب بالتدريج، وربّما جزئياً من أوروبا، ومن الشرق الأوسط أيضاً، لأنها لا تستطيع حمل عدة بطيخات بيدها، وهي تواجه الصين وحلفاءها والمتوجهين نحوها. لن تتخلّى عن الشرق الأوسط تماماً، لكنّها لن تقبل بدفع فاتورة باهظة بكلّ أقسامها، انطلاقاً من فكرة أن سوريا مركز استراتيجي قادر على ضمان وضع أفضل لموازين القوى في العالم المقبل، لكنّ الاستلهام من أوروبا القديمة والجديدة ربّما يكون أضمن، أو على الأقلّ أكثر وأسرع استجابة لأوضاع جيرانها، الذين أنهكوها بمهاجريهم وأزماتهم المتوالدة. في مارس الماضي حثّ البرلمان الأوروبي، الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء على دعم القوى التي تقود العملية الانتقالية السورية، كما دعا دمشق إلى إنهاء تحالفاتها التاريخية مع طهران وموسكو، كذلك دعا مفوضيّته والدول الأعضاء في الاتّحاد الأوروبي إلى مساعدة السلطات السورية في توحيد البلاد وإعادة إعمارها، بعد الإشادة بشجاعة الشعب السوري وكرامته وصموده.

ذلك الاتّحاد نفسه، أو سلفه، كان قد انشغل لسنوات في محاولة تأسيس شراكة أوروبية سورية، بالتوازي مع انشغال البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة بالتوازي معه… وبعد دراسات ونقاشات طويلة وأطنان من ورق البحث والدراسة، فقد الطرفان اهتمامهما، بعد أن أكّدا أن الإصلاح والشراكة والتحديث كلّها مستحيلة، من دون سيادة القانون واستقلال القضاء، ومن دون وجود الحرّيات الأساسية، مع الانتهاء – يومها- من حالة الطوارئ المستدامة، ووضع أسس إنهاء انتعاش الفساد المستشري، حتى أصبح هو النظام ذاته. كان يُنظر إلى ذلك كجوهر يكمل اللازم ماديّاً لتشجيع الاستثمار وتأمينه بالبنية التحتية والقوانين الحديثة والأنظمة والبنية المصرفية، وبالأمن والأمان أولاً. ودفع مماطلة النظام إلى ذلك اليأس الأوروبي والأممي، الأمر الذي أسهم بدوره في أن يصل السوريون لاحقاً إلى حالة صالحة لاستنبات ثورة في ربيع 2011.

حالياً، تحتاج سوريا إلى ورشة إنعاش أو إسعاف لن تقدر على الانتظار طويلاً، وتحتاج إلى التعافي المبكر، الذي قد تساعد عليه نوعياً عملية رفع العقوبات، بتحريرها لإمكانيات السوريين أنفسهم، وإمكانيات غيرهم على مساعدتهم، لكنّها تحتاج كذلك إلى تعبيد الطريق لإعادة الإعمار بعد الدمار الرهيب الذي حدث، في كلّ شيء: من البنية الإدارية للدولة، إلى التعليم والقضاء، إلى هجرة العقول، إلى خراب المسكن وتراجع مستوى المأكل، ثمّ البطالة الكبيرة التي كانت، وأصبحت هائلة بعد سقوط النظام و»صَرف» الجيش والشرطة وجزء كبير من شاغليّ الوظائف في الدولة، و»تصفير» الاحتياطيّ، حتى العجز عن المدفوعات البسيطة جداً الضرورية لاستعادة الناس قدراتهم على العمل في اليوم التالي.

والعالم في حالة انشغال بقضايا أكثر أهمّية، كالحرب التجارية وتعديلات النظام الدولي وحرب أوكرانيا، إضافة إلى حرب غزّة، التي أخذتنا فيها إسرائيل – وحماس – إلى دوّامة سموتريتش وبن غفير ونتنياهو وترامب. وليس من أفق واضح لمستقبل إعادة إعمار سوريا، مع تركيبة التغيير السياسي الذي حصل فيها، وهو العامل الأهم في تقرير مستقبل البلاد عملياً.

لا بأس هنا أيضاً من طرح بعض الأفكار التي يتدارسها الاتّحاد الأوروبي بشأن مركز اهتمامه في أوكرانيا، ومستقبلها بعد الحرب، للاستنارة والقياس وحسب، من دون نقل ميكانيكي بين الحالتين. وهنالك عدة مبادئ ضرورية تنبغي مراعاتها عندما تتوقف الحرب ويبدأ استحقاق إعادة الإعمار:

أولها، أنه يجب أن تصبح أوكرانيا ديمقراطية ليبرالية متكاملة الأركان، مع جميع الضمانات المؤسسية للديمقراطية. وثانيها، أنه لحماية هذا التوجه، ونظرا لأن أوكرانيا أصبحت مركز ثقل الحرب الباردة الجديدة في العالم بين الديمقراطية والاستبداد، فيجب أن تصبح أوكرانيا عضوا كامل العضوية في الاتحاد الأوروبي. وثالثها، أنه يجب الاعتراف بدور الأوكرانيين في هذه العملية؛ بعد أن أثاروا إعجاب العالم بصمودهم، أمام القوة الروسية الساحقة، ودفاعهم عن بلادهم وحريّتهم وطريقتهم في الحياة، ولا بدّ أن ذلك المسار قد عمّق نضجهم السياسي وقدرتهم على الإصلاح والتطوير. من الضروري بالطبع تشجيع التدفّقات المالية والاستثمارات الاقتصادية والمساعدة الإدارية، ولكن دور الأوكرانيين أنفسهم، دور حاسم أيضاً، ولا يقلّل التكاليف على الأوروبيين وحسب، بل يشجّعهم على أن جهودهم تذهب إلى أرض خصبة ومنتجة.

ترى موجزات التجربة الدولية، أن نجاح إعادة بناء الدولة – بعد صراع أو كارثة أو فشل نظام ـ يعتمد على عدة عوامل مترابطة، منها تنفيذ سياسات لتحفيز النمو الاقتصادي، بما في ذلك الاستثمار في القطاعات الرئيسية، وخلق فرص عمل ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة لتحسين سبل العيش، إضافة إلى توفير الموارد المالية والمساعدات الدولية، لإعادة بناء البنية التحتية والخدمات. يحتاج ذلك إلى إعادة بناء البنية التحتية الأكثر حيوية، فما بعدها، كالنقل والطرق والاتصالات والصحة ونظام التعليم؛ والاستثمار في بنية تحتية مستدامة وقادرة على الصمود لمواجهة الصدمات المستقبلية. يحتاج إلى تعاون جدي مع المنظمات الدولية لتأمين الدعم الفني والمالي. من الضروري أيضاً ضمان تدفّق المساعدات الإنسانية والخدمات الصحية، مع وجود سياسات استراتيجية بعيدة الأمد، لا تحجب أهميتها الحاجات الإسعافية المستعجلة. ذلك كله معروف تقريباً ولا يعترض عليه الحكام الانتقاليّون عادة، أو يعرقلونه، أو ربّما كان مجرّد «مكروه» لدى بعضهم، لكنّ ذلك سيكون صعب الوصول إلى غايته من دون الاستقرار السياسي والحوكمة، ومن دون الشفافية والمساءلة، والمبادرة إلى المشاركة في العملية السياسية بكلّ مراحلها. وتكون الشرعية منقوصة ومشوّهة من غير ذلك جزئياً أو كلياً.

ليس هنالك مسار مضمون من دون استعادة الأمن والنظام العام لضمان حماية المواطنين والممتلكات، وتشكيل أنظمة إنفاذ قانون وقضاء فعالة لدعم العدالة وحقوق الإنسان.. مع الموضوع الحسّاس- ولكن الجوهري- المتعلق بنزع سلاح المقاتلين السابقين، وإعادة إدماجهم لمنع تجدد العنف وقلب المسار على أعقابه من جديد. ولن يكون ذلك ممكناً من دون جيش متماسك ومحايد ومحترف لا يأتي بـ»الترقيع» والترضيات.. إضافة إلى جهاز أمني رفيع التدريب ومتقدّم، ومحايد أيضاً. ذلك كله صعب جداً في سوريا. هناك من هو على استعداد له في السلطة مع إرادة مخلصة أو مضطرة، وهناك من يظن أن الأمور مؤقتة وستستعيد مسارها» الطبيعي» قريباً. الأصعب من ذلك هو قدرة السلطة الانتقالية على تحقيق وتسهيل ما يقتضيه تعزيز التماسك الاجتماعي والمصالحة بين مختلف المجموعات الإثنية أو الثقافية والدينية والطائفية.

قذ يتوقّف الأمر على أو يبدأ بالدخول في مسار العدالة الانتقالية، من خلال مأسسته وتأكيد استقلالها القانوني، لأنّها الباب إلى السلم الأهلي، الذي يدمّره الانتقام الكامن والثأر البدائي. تحويل كل تاريخ الاستبداد والإجرام إلى المسار القانوني يمنع تلك المغامرة بالنسيج الاجتماعي، كما حدث في جنوب افريقيا ورواندا والبوسنة والهرسك. يمكن للحروب الأهلية والثورات أو الكوارث الكبرى أن تسرّع تاريخ الشعوب وحركتها باتّجاه مستقبل أفضل وأكثر تقدّماً وعدالة؛ لكنّها تستطيع في ظروف أخرى أن تعيد تلك الشعوب أجيالاً إلى الوراء أيضا!

كاتب سوري

القدس العربي

—————————

سوريا والشرق الأوسط بعد زيارة ترامب: تغيّر يصعب تصديقه/ بسام مقداد

الثلاثاء 2025/05/20

في تعليقه على إعلان ترامب خطة لرفع العقوبات عن سوريا، قال الناطق باسم الكرملين إن الخطة الأميركية لبناء علاقات مع السلطات السورية “مفهومة تماماً”. وأضاف، أن روسيا أيضاً تعمل على تطوير العلاقات مع الجانب السوري، حسب صحيفة الإزفستيا في 14 الجاري. ورأى أن إقامة العلاقات ضرورية  لكي يحصل الشعب السوري أخيراً على السلام الذي يستحقه، وعلى الاستقرار وإمكانية رؤية المستقبل، لكي تبقى سوريا دولة موحدة.

وكالة نوفوستي نقلت في 15 الجاري عن السفير الأميركي السابق في سوريا بيتر فورد قوله، إن قرار ترامب رفع العقوبات عن سوريا، يشير إلى إعادة توجيه السياسة الخارجية الأميركية في الشرق الأوسط، وقد يُضعف موقف إسرائيل. ورأى السفير أن إنطلاق التقارب مع سوريا يشكل تحدياً لإسرائيل. فقد كانت إسرائيل (وما زالت) تريد إبقاء سوريا معزولة “لأنها بقيت الدولة العربية الوحيدة القادرة على مقاومة طموحاتها”. وأضاف، أن خطوة ترامب تشكل تجلياً نادراً واختباراً لاستقلال واشنطن عن الشريك الرئيسي في المنطقة. ورأى أن المكان الذي أعلن منه ترامب قراره، يمنح الخطوة رمزية خاصة.

ويبدو أن السفير السابق ذهب بعيداً في تقديراته، إذ افترض أن سوريا في المستقبل قد تصبح “شريك” الولايات المتحدة، على غرار ما هي عليه الأردن. ويرى أن هذا قد يجبر إسرائيل على إعادة النظر في مقاربتها لسوريا، وقد تخفض من عدد غاراتها على الأراضي السورية. كما يرى أن تطبيع العلاقات مع واشنطن قد يتم بسرعة، وذلك لأن القيادة السورية التي وصلت إلى السلطة في ظل العقوبات، “مستعدة لتولي دور الشريك الإقليمي الأصغر لواشنطن”.

ورأى السفير السابق، على خلفية التقارب المحتمل مع الولايات المتحدة، تبدو إمكانية تبرير الوجود العسكري الأميركي في سوريا أكثر صعوبة. ويقول إن انسحاب هذه القوات سيكون خطوة منطقية، ومن شأنها أن تخفض المخاطر في حال تصاعد التوترات بين الولايات المتحدة وإيران.

موقع Caliber الأذري نشر في 14 الجاري نصاً بعنوان “برج ترامب والنفط أيضاً: ما الذي تغري به سوريا الولايات المتحدة؟”. اعتبر الموقع أن إعلان ترامب يبدو بمثابة انتصار دبلوماسي كبير للحكومة السورية الجديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع. ورأى أنه، وعلى الرغم من رفع العقوبات، لن يكون من السهل أن تحصل سوريا على استثمارات كبيرة. ويرد السبب إلى اندلاع الصدامات الإثنية الدينية بين المجموعات السورية من وقت لآخر، وإلى  الغارات المتكررة لسلاح الجو الإسرائيلي.

يشير الموقع إلى المفاوضات غير الرسمية مع إسرائيل التي تخوضها الحكومة السورية في الإمارات وبوساطتها. وينقل عن الصحافي الإسرائيلي المخضرم بن كاسبيت قوله إن الرئيس الشرع يريد وقف الغارات الجوية وانسحاب إسرائيل من جنوب سوريا، بما فيه جبل حرمون، وكذلك “توقف الأنشطة الإسرائيلية التي تقوض الجهود الرامية إلى تحقيق الاستقرار وتوحيد البلاد”.

أما ما تريده إسرئيل من سوريا، فيقول الموقع، من دون أن يحدد ما إن كان ينقل ن الصحافي الإسرائيلي، بأنها تريد ضمانات أمن للأقلية الدرزية؛ الحد من نفوذ تركيا ونزع السلاح من منطقة جنوب دمشق المحاذية للحدود مع إسرائيل. ويؤكد الموقع أن حكومة الشرع سبق أن نفذت إحدى اهم الرغبات الإسرائيلية: طرد الإيرانيين والأذرع التابعة لإيران من المنطقة المجاورة لإسرائيل ومن كافة المناطق السورية.

يرى الموقع أن الرئيس السوري يبدو رجلاّ براغماتياً وسياسياً حاذقاً. فقد سبق أن صرح بأنه مستعد من حيث المبدأ للموافقة على اتفاق بشأن الاعتراف بإسرائيل مقابل وقف القصف وإنهاء الاحتلال في جنوب سوريا.

موقع Detaly الإسرائيلي الناطق بالروسية نشر في 14 الجاري نصاً بعنوان “ترامب يرفع العقوبات عن سوريا. ماذا بعد؟”.

مما قاله الموقع، إن من شأن رفع العقوبات أن يشكل دفعة قوية للحكومة في دمشق، ولقاء ترامب مع الرئيس السوري في الرياض أصبح إشارة أخرى إلى العالم، بأن العزلة الدولية لسوريا يجب أن تنتهي.

أشار الموقع إلى أنه منذ وصول الشرع إلى السلطة في سوريا، أطلق هو وحكومته حملة ضغط مكثفة لتخفيف العقوبات، ومساعدة البلاد على التعامل مع الدمار الواسع النطاق الناجم عن الحرب الأهلية. وكان الشرع يعمل بتأنٍ للحصول على شرعية دولية. وبذلت الحكومة السورية الجديدة جهوداً متناسقة لتقديم نفسها كقوة معتدلة يمكن قبولها في المجتمع الدولي. وكانت تعمل على النأي بنفسها عن الجماعات الإرهابية، وتبذل الوعود بالتعاون مع البلدان الأخرى في مكافحة الإرهاب، وتدلي بتصريحات تدعم حقوق الأقليات.

ويشير الموقع إلى أن الولايات المتحدة سبق أن ألغت المكافأة التي رصدتها للقبض على الشرع، مما سمح له بالسفر خارج سوريا. وجاء إلغاء العقوبات إثر خطوة مماثلة اتخذتها بريطانيا في آذار/مارس المنصرم، ورفعت العقوبات عن 24 مؤسسة سورية، بما فيها المصرف المركزي. وسبق للاتحاد الأوروبي قبل ذلك بشهر أن رفع العقوبات عن القطاع المصرفي السوري.

بعد أن يستعرض الموقع العقوبات التي يستطيع ترامب شخصياً إلغاءها، وبين تلك التي تحتاج إلى موافقة الكونغرس، يشير إلى أن سوريا لا تزال تحمل صفة “الدولة الممولة للإرهاب”. وطالما بقيت هذه الصفة ملتصقة بالسلطة السورية، لا تستطيع الولايات المتحدة دعم حصول سوريا على قروض من البنك وصندوق النقد الدوليين,

وعد ترامب برفع العقوبات عن سوريا، كان حدثاً بارزاً في زيارة ترامب، التي ستبقى أصداؤها تتردد طويلاً في فضاء المنطقة، لكنه لم يكن الحدث الابرز، كما لم يكن غير متوقع. فقد نقلت صحيفة Gazeta الروسية في 12 الجاري عن The Times البريطانية قولها بأن السلطات السورية، ولرفع العقوبات الأميركية التي فرضت على سوريا في عهد النظام السوري السابق، سوف تقترح سلسلة من التنازلات، بما فيها حصول الشركات الأميركية على إمكانية استثمار الخامات الطبيعية السورية، على غرار الاتفاقية مع أوكرانيا.

وقد يكون الأثر الأبرز والأهم لزيارة ترامب إلى الخليج، ما كشفت عنه من إشارات إلى تغير ما في العلاقات الأميركية الإسرائيلية، كشفت عنها عدة وقائع مرتبطة بالزيارة ومن خارجها. وقد كرست الصحافة الإسرائيلية والعالمية عدة نصوص تركز على التغيّر الذي يصعب تصديقه في العلاقات الإستراتيجية بين البلدين.

من النصوص الإسرائيلية التي تجدر الإشارة إليها، النص الذي نشره في 17 الجاري موقع zahav الإسرائيلي الناطق بالروسية، والذي تحدث فيه عن “الميزة الكبرى” (الثروات الهائلة) التي تتمتع بها الدول الخليجية، والتي تستطيع بفضلها استمالة ترامب إلى جانبها. وترامب، هو الذي يقود الآن التحولات في الشرق الأوسط، والذي ينظر إلى العالم من منظور المال.

صحيفة Kommersant الاتحادية الروسية نقلت في 15 الجاري عن عدد من مواقع الإعلام العالمية الكبرى تعليقاتها على زيارة ترامب إلى دول الخليج وإعلانه رفع العقوبات عن سوريا. عنونت الصحيفة نصها المقتضب بوصف ترامب بأنه “يريد الصفقات، الصفقات، والمزيد من الصفقات”.

نقلت الصحيفة عن الفايننشال تايمز تعليقها على آثار الزيارة على إسرائيل، وأوجزتها بالقول “نتنياهو يتحول إلى مجرد متفرج خلال جولة ترامب في الشرق الأوسط”

تايمز أوف إسرائيل: ترامب يرحب بسوريا، يسلح السعوديين، يتعامل مع إيران والحوثيين، ويهمش المشاكل الإسرائيلية.

Politico: رحلة ترامب كشفت عن الميزة الشديدة التي تتمتع بها بعض الدول العربية على إسرائيل.

—————————–

المقاتلون الأجانب… اختبار سوريا والمجتمع الدولي/ يوسف الديني

«يهبنا الله اللوز، لكن لا يُقشّره لنا»، هذه الحكمة تختزل لحظة سوريا الجديدة: فرصة تاريخية، لكنها مشروطة، معقّدة لكنها ليست مستحيلة وتحتاج إلى تجاوز لغة التعميم والتبرير ومحاولة ترحيل المعضلة إلى مقاربات لا تنتمي إلى منطق الدولة ومفهومها بل إلى مفاهيم وثقافة المناخات الثورية أو «الجهادية» مثل الأنصار والوفاء لرفاق الأمس، والهدنة إلى أن يحين التمكين… إلخ.

سوريا على موعد استحقاق كبير وفرصة كبيرة بعد أكثر من عقد على الحرب، وسقوط النظام السابق في ديسمبر (كانون الأول) 2024، إذ يجد السوريون أنفسهم أمام أكبر مفترق سياسي منذ بداية الثورة. فالمجتمع الدولي، وبدعم فاعل من دول الاعتدال العربي وفي مقدمتها السعودية، ينحاز اليوم بوضوح إلى فرصة بناء دولة سورية موحّدة، ومستقرة، تُعيد تشكيل نفسها ضمن محيطها العربي، بعد سنوات من العزلة والتدويل. الرهان كبير، والثقة ممنوحة لقيادة جديدة، انطلاقاً من أن الثمن، سياسياً وأمنياً واجتماعياً، باهظ في حالة الفشل، لذلك منحُ الفرصة كان الخيار السياسي الواقعي.

ومع أن شروط رفع العقوبات وإعادة الإعمار والاستثمارات معروفة، إلا أن أكثرها تعقيداً وخطورةً هو ملف المقاتلين الأجانب. المقاتلون بشكل أساسي باتوا عبئاً متعدد المستويات: أمنياً، وقانونياً، واجتماعياً، وثقافياً. إذ لم تشهد ساحة صراع في العصر الحديث تجمّعاً دولياً للمقاتلين الأجانب كما حدث في سوريا منذ 2012، حين تحوّلت البلاد إلى نقطة جذب لعشرات الآلاف من المقاتلين من أكثر من مائة دولة -سنة وشيعة- انخرطوا في الصراع على جانبي الجبهة، وحملوا معهم أجندات تتجاوز حدود الوطن السوري.

اليوم، وبعد نهاية المعركة العسكرية، تُطرح أسئلة وجودية لمستقبل سوريا:

ما مصير هؤلاء المقاتلين؟ كيف يمكن معالجة تداعيات وجودهم؟ وهل يمكن أن تستعيد سوريا وحدتها وهويتها في ظل وجود جيوش عقائدية لا تدين بالولاء للدولة؟

ترك الملف بلا حل ليس خياراً. فبعد حرب أفغانستان، عاد «الأفغان العرب» ليؤسّسوا تنظيم «القاعدة». وفي البوسنة، خلّف العشرات من المقاتلين الأجانب جيوباً ثقافية متطرفة، أثّرت في هوية الإسلام البوسني المعتدل. وفي العراق أسهم عائدو «الجهاد» في ولادة «دولة (داعش)» لاحقاً، في حين العراق واليمن ولبنان عالقة في ميليشيات شيعية تتلبس شكل الدولة وتؤثر في استقرارها.

في سوريا المشكلة مضاعفة؛ هناك مقاتلون ما زالوا ينتشرون في الشمال أقرب إلى فكر «داعش»، ومقاتلون ضمن فصائل يدينون بطريقة شكلانية إلى جسد الفصيل الأكبر «هيئة تحرير الشام»، لكن ولاءهم مشروط بالآيديولوجيا، إضافة إلى بداية الانشقاقات الفكرية من الهجوم الشرس لإعلام «داعش» في آخر عدد وبشكل مباشر تجاه الرئيس ثم لشخصيات من رموز «السلفية الجهادية»، منهم أبو محمد المقدسي، عدا الكثير من المتن «الجهادوي» على وسائل التواصل الذي يشعر بالقلق تجاه ما يجري، والمؤثرون منهم طوائف شتى، كل منهم يحمل تصوراً خاصاً عن «الشرعية»، ويتصرف بوصفه صاحب فضل في النصر أو التضحية.

هذا الواقع يفرض على الإدارة السورية ثلاثة خيارات. أولاً: الترحيل الكامل، ويعني إخراج كل المقاتلين الأجانب من الأراضي السورية، بدعم أممي، بوصفه شرطاً أساسياً لإعادة الشرعية الدولية؛ لكنه خيار محفوف بالعقبات، فالكثير من الدول ترفض استعادة مواطنيها، والبعض فقد جنسيته أصلاً. كما أن عمليات الترحيل قد تكون شرارة جديدة للفوضى، ما لم تقترن بخطة أمنية دقيقة.

ثانياً: الدمج المشروط، ويقوم على التمييز بين من ارتكب جرائم جسيمة ومن يمكن استيعابه، خصوصاً من تزوج داخل سوريا أو عاش فيها سنوات. لكن هذا السيناريو يواجه تحفظات داخلية، ويتطلّب قدرة أمنية وقانونية عالية، وبرامج تأهيل شاملة؛ لكن بالطبع هذا الحل صعب جداً في ظل وجود مناصب قيادية للمقاتلين الأجانب وهيكلية مبنية على التراتبية التنظيمية والولاء الجزئي للفصيل.

ثالثاً: المماطلة ومعالجة الفوضى وهو السيناريو الأخطر، فإذا فشلت الدولة في معالجة الملف، يتحول المقاتلون إلى قوة موازية تهدّد السلم الأهلي، وتستدرج تدخلات إقليمية، خصوصاً على حدود العراق ولبنان وتركيا. وقد تتحول سوريا إلى مسرح دائم لإعادة تدوير التنظيمات المسلحة العابرة للحدود.

الآن الأمر واضح، ليس فقط لأن المجتمع الدولي يترقّب، بل لأن الداخل السوري بحاجة إلى دولة تعيد الاعتبار إلى المواطنة، وتنهي منطق «الولاء العابر للحدود» والشعارات الشمولية المبنية على ثنائيات طائفية أو جهوية أو حتى تاريخية تستدعي أمجاداً متخيلة، فضلاً عن ثقافة التطرف التي يمكن بعيداً عن حالة العسكرة أن تؤدي إلى تجريف الإسلام المعتدل لصالح مجتمع راديكالي محتقن وقابل للانفجار في أي لحظة.

إن علاج ملف المقاتلين الأجانب يجب ألا يكون رد فعل أمنياً فقط، بل جزءاً من رؤية متكاملة لإعادة بناء الدولة والمجتمع، قائمة على العدالة، والمحاسبة، والمواطنة، والاستفادة من تجارب الدول التي خاضت معركة طويلة وشرسة ضد الإرهاب، وفي مقدمتها السعودية، التي أدركت مبكراً أن المعركة مع الفكر لا تقل أهمية عن المعركة مع السلاح.

سوريا اليوم، بغض النظر عن الإدارة السياسية، أمام لحظة تأسيس ثانية، والنصر الحقيقي الذي بدأ بإسقاط النظام يتطلّب استدامة وجهداً سورياً مضنياً تشارك فيه كل المكونات والخبرات السورية لإقامة دولة مواطنة لا تحمل في باطنها بذور تفككها… البدء من ملف المقاتلين الأجانب هو الامتحان الأهم لإثبات أن سوريا قادرة على الانحياز إلى نفسها، قبل أن ينحاز إليها المجتمع الدولي الذي هو على استعداد لتقديم تنازلات كبيرة وفرص أكبر.

الشرق الأوسط

——————————-

رفع العقوبات الأميركية عن سوريا: بداية تحول اقتصادي مشروط بالإصلاحات/ أحمد العكلة

20 مايو 2025

شهد الملف السوري تطورًا بارزًا تمثّل في إعلان الولايات المتحدة الأميركية رفع جزء كبير من عقوباتها المفروضة على سوريا. جاء هذا القرار بعد مشاورات مع قوى إقليمية ودولية، في خطوة تهدف إلى دعم جهود إعادة الإعمار وتهيئة بيئة استثمارية مناسبة.

يتيح رفع العقوبات لسوريا إمكانية الوصول إلى الأسواق المالية الدولية، مما يسهل تدفق الاستثمارات الأجنبية، خاصة في مجالات حيوية مثل البنية التحتية، والطاقة، والزراعة.

وبدأت دول خليجية مثل السعودية وقطر في دراسة مشاريع استثمارية في سوريا، مستفيدة من البيئة الجديدة، وخصوصًا في مجالات البناء والصحة والتعليم.

يقول مصدر مقرب من الحكومة السورية لـ”الترا سوريا” إن عدة مستثمرين خليجيين وسوريين عرضوا مشاريع ضخمة جاهزة للتنفيذ بعد رفع العقوبات.

وبحسب المصدر، فإن الاستثمارات تشمل بناء مصانع ضخمة بمليارات الدولارات كمرحلة أولى، ستوفر عشرات الآلاف من فرص العمل، خاصة في مجالات الأسمنت والحديد، على أن يتم تصدير الفائض منها بعد تلبية حاجات السوق المحلية.

كما أشار إلى وجود عروض لبناء “مدينة دمشق الحديثة” في المنطقة الواقعة بالقرب من مطار المزة، على مساحة تُقدَّر بمئات الدونمات، إضافة إلى إقامة قرى نموذجية وإعادة بناء الأحياء المدمّرة.

وأكد المصدر أن الاعتماد على رجال الأعمال السوريين، ورفع القيود عن التحويلات المالية والمعاملات التجارية، قد يؤدي إلى تحسن مناخ الأعمال ويشجع المستثمرين على دخول السوق السورية.

ورغم الخطوة الأميركية، ما تزال هناك عقوبات أوروبية وأممية مفروضة، مما قد يعيق حركة رؤوس الأموال والتعاملات مع بعض الشركات.

وفقًا لخبراء اقتصاديين، فإن البنية التحتية المالية لا تزال غير مهيأة بشكل كافٍ للتعامل مع متطلبات الاستثمار الحديث، وتحتاج إلى إصلاحات عميقة.

ويقول الخبير الاقتصادي محمد قلعة جي، في حديث لـ”الترا سوريا”، إنه يجب العمل على تطوير البنية التحتية المالية وتسهيل التحويلات لجذب رؤوس الأموال. ويطالب قلعة جي بضرورة توفير بيئة قانونية واضحة وتطبيق عادل للقوانين يعزز ثقة المستثمرين المحليين والأجانب، مع إقامة تحالفات مع دول وشركات قادرة على دعم عملية إعادة الإعمار وتوفير التمويل اللازم.

في سياق متصل، ناقش الرئيس السوري أحمد الشرع مع وزراء ومديري هيئات مشروع تعديل قانون الاستثمار، وقالت الوكالة السورية للأنباء “سانا” إن “الشرع التقى عددًا من الوزراء ومديري الهيئات المعنية”. وأوضحت أن اللقاء هدفه “مناقشة مشروع صياغة قانون الاستثمار وتعديلاته، بما يسهم في تعزيز بيئة الأعمال، ويواكب متطلبات المرحلة المقبلة والانفتاح الاقتصادي الواسع الذي تشهده سوريا”.

من جهته، تحدّث محمد المستو، وهو مستثمر سوري في مجال المقاولات، عن رغبة قوية لدى رجال الأعمال السوريين في الخارج بالعودة للاستثمار في سوريا، مشيرًا، في حديث لـ”الترا سوريا”، إلى أن الكثير من رجال الأعمال في دول عربية وأوروبية يتواصلون معه باستمرار ويعبّرون عن حماسهم للاستثمار بمشاريع ضخمة داخل البلاد.

وأكد أن رفع العقوبات كان ضرورة ملحّة لدعم إعادة بناء الاقتصاد السوري، مضيفًا أنها كانت العائق الأكبر أمام الاستثمار والتنمية، رغم وجود رجال أعمال مستعدين لضخ مليارات الدولارات في السوق السورية بمجرد تهيئة البيئة القانونية الملائمة.

يمثل رفع العقوبات الأميركية عن سوريا نقطة تحوّل اقتصادية مهمة، لكنه ليس كافيًا وحده لتحقيق التعافي والاستقرار، ومن الضروري أن ترافقه إصلاحات اقتصادية وهيكلية جادة، إلى جانب تعزيز الثقة السياسية والأمنية، لتمكين سوريا من استعادة دورها الاستثماري في المنطقة.

الترا سوريا

———————————-

رفع العقوبات الأمريكية خطوة أولى تبقى قاصرةً… ما الذي ينتظر سوريا؟/ عمار جلّو

الأربعاء 21 مايو 2025

“لا يمكن لشركة ‘آبل’ بيع الجهاز لي إذا كنت أخطط لنقله إلى سوريا، بسبب العقوبات”؛ أجابني مدير متجر “آبل” في لندن، عندما استفسرت عن كيفية تفعيل جهاز كنت أنوي شراءه كهدية لأحد أفراد أسرتي في سوريا، حيث باتت العقوبات الأمريكية سخيفةً للغاية. ففي أثناء وجودك في سوريا، لا يمكنك استخدام العديد من التطبيقات أو مواقع الويب التي يتعامل بها الناس في أماكن أخرى، بل لا يمكنك حتى تنزيل تطبيق طقس أو قراءة مقال على موقع “سي إن إن”، حسب مجلة “نيولاينز”.

مؤخراً، وفي خطوة غير متوقعة، خلال منتدى استثماري في العاصمة السعودية الرياض، في الثالث عشر من الشهر الجاري، قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب: “سآمر بإلغاء العقوبات المفروضة على سوريا من أجل منحهم (أي السوريين) فرصةً للعظَمَة. حان وقت تألّقهم. سنلغي جميع العقوبات”. أضاف: “حظاً سعيداً يا سوريا، أرينا شيئاً مميزاً للغاية”، وذلك في خطوة تشكل إعادة ضبط جريئةً لمجريات الأمور، بعد إسقاط نظام الأسد، الذي صُممت العقوبات في الأصل لعزل حكومته والضغط عليها، حسب معهد كوينسي.

ويشير الموقع، إلى أنه مع سقوط النظام السابق، لم يعد بقاء هذه العقوبات مستنداً إلى حجج مقنعة، وينبّه إلى أنّ قرار ترامب لا يوسّع الإغاثة الاقتصادية فحسب، بل يتضمن مبادرةً سياسيةً أيضاً، قد تمنح القيادة السورية الجديدة فرصةً لاكتساب قدر أكبر من الاعتراف والشرعية، “فنجاح الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع، في تأمين الموارد والانفتاح الاقتصادي والاستقرار الإقليمي مستقبلاً، قد يجعل ترامب ينظر إليه كزعيم يمكن إبرام العديد من الصفقات معه. وهو عامل مهم بشكل خاص في سياق الانسحاب الكامل المحتمل للقوات العسكرية الأمريكية من سوريا. وعليه، سيكون لدى الإدارة الأمريكية حافز أكبر لتعزيز علاقات إيجابية مع أي حكومة تتولى السلطة في دمشق، لتلافي الحاجة إلى أي وجود على الأرض السورية. وفي السياق الأوسع، سيؤدي الاستمرار في العقوبات إلى اكتساب الصين وروسيا نفوذاً أكبر في سوريا، ولا سيّما في مجال الدفاع وإعادة الإعمار”، والكلام للمعهد.

وفي خطوة وصفت بأنها “إنجاز تاريخي” من شأنه أن يعزّز أمن واستقرار وازدهار سوريا، وافق الاتحاد الأوروبي، مساء الثلاثاء 20 أيار/ مايو الجاري، على رفع العقوبات المفروضة على البلاد.

تاريخ من العقوبات

بعد أن صنّفت نظام الأسد، نظاماً راعياً للإرهاب عام 1979، فرضت واشنطن قيوداً واسعة النطاق على تصدير أو إعادة تصدير بعض المواد الخاضعة للرقابة و”ذات الاستخدام المزدوج”، إلى سوريا. مع ذلك، بقيت التجارة العامة مسموحاً بها بين الجانبين، حسب معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى.

ومع توقيع قانون مساءلة سوريا واستعادة السيادة اللبنانية (SALSRA)، عام 2003، تم فرض عقوبات إضافية على سوريا، تضمنت حظر تصدير المواد العسكرية الأمريكية أو المواد ذات الاستخدام المزدوج، مع عقوبتين على السلطة التنفيذية، ومنع الشركات الأمريكية من الاستثمار أو العمل في سوريا، وفرض قيود على سفر الدبلوماسيين السوريين في نيويورك وواشنطن العاصمة، بجانب منع شركات الطيران السورية من الوصول إلى المجال الجوي الأمريكي أو المطارات الأمريكية، وتقليص الاتصالات الدبلوماسية الأمريكية مع سوريا، بالإضافة إلى تجميد معاملات الممتلكات التي كانت لدمشق مصلحة فيها.

كما أضافت الأوامر التنفيذية الأمريكية، عقوبات أخرى، منها الأمر التنفيذي رقم 13572 الخاص بانتهاكات حقوق الإنسان، والأمر التنفيذي رقم 13573 الذي حظر ملكيات كبار مسؤولي دمشق، والأمر التنفيذي رقم 13582 الذي يحظر ممتلكات نظام الأسد والمعاملات معه، فارضاً حظراً وعقوبات واسعة النطاق على التجارة والاستثمار مع سوريا.

لاحقاً، أوقع قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين، الذي تم إقراره عام 2020، أشدّ العقوبات الأمريكية المفروضة على سوريا، ما أدى إلى خنق الاقتصاد السوري قبل سقوط نظام الأسد وبعده، نظراً إلى فرضه عقوبات ثانويةً أو مشتقةً ضد ميسّري نظام الأسد، وبما يؤدي إلى تقييد الأشخاص والكيانات الأمريكية، وغير الأمريكية أيضاً، ويمنعها من الانخراط في إعادة إعمار سوريا في عهد الأسد. وعليه، سيخاطر المستثمرون الراغبون في الاستثمار في إعادة إعمار سوريا في معضلة الانقطاع عن التجارة والمعاملات مع الولايات المتحدة، ومع المؤسسات المالية العالمية أيضاً.

على ذلك، لا يُعدّ رفع العقوبات أمراً سهلاً، حيث يتطلب غالباً تنسيقاً وثيقاً بين العديد من الوكالات الأمريكية المختلفة والكونغرس. ووفقاً لوكالة الأنباء الأمريكية “رويترز”، في حالة سوريا يمثّل الأمر تحدّياً خاصاً، نظراً إلى طبقات الإجراءات التي تعزلها عن النظام المصرفي الدولي وتمنع العديد من الواردات الدولية إليها. وعن ذلك يقول المسؤول الأمريكي السابق ومؤلف كتاب “نقاط الاختناق”، إدوارد فيشمان، إنّ تخفيف العقوبات على سوريا قد يستغرق شهوراً، منبّهاً إلى إمكانية استفادة وزارة الخزانة من ممارسة تخفيف العقوبات المفروضة على إيران كجزء من الاتفاق النووي في عام 2015. وما يزيد المهمة تعقيداً، هي العقوبات المفروضة بموجب “قانون قيصر”، الذي تم تمديده نهاية العام الماضي، والذي يتطلب إلغاؤه إجراءً من الكونغرس. لكن القانون يتضمن بنداً يسمح للرئيس بتعليق العقوبات لأسباب تتعلق بالأمن القومي. كذلك يمكن لترامب إصدار ترخيص عام يعلّق بعض أو كل العقوبات. مع ذلك، سيكون رفع كل العقوبات على سوريا كجزء من أمر ترامب، مفاجئاً لفيشمان، وذلك نظراً إلى إيقاع بعضها على أشخاص أو كيانات محددة نتيجة أسباب قائمة على السلوك، مثل دعم جماعة إرهابية.

وتنقسم العقوبات الأمريكية إلى نوعين، حسب الباحث الاقتصادي المختص بالشأن السوري، يونس الكريم؛ “عقوبات تصدر بأوامر تنفيذية، وتُعدّ عقوبات ذكيةً كونها تقع على أشخاص وكيانات دون أن تطال قطاعات معيّنةً، وتسمّى أحياناً العقوبات الثانوية، والأخرى عقوبات قطاعية وهي التي تُقرّ من قبل الكونغرس. كذلك يجب التمييز بين رفع العقوبات كأن لم تكن، وبين تعليقها أو تجميدها، بمعنى إيقافها لفترة زمنية معينة، وهو أمر غير واضح لغاية الآن، بسبب تضارب تصريحات المسؤولين الأمريكيين”.

الاقتصاد والتنمية عنوانا المرحلة المقبلة

على ما سبق، فإنّ رفع العقوبات سيجعل عنوان المرحلة القادمة في سوريا اقتصادياً-تنموياً بامتياز. خلالها، سيتركز العمل على تحسين المناخات الاقتصادية الدافعة باتجاه تذليل العقبات الحائلة دون امتلاك الدولة والمجتمع السوري الأدوات كافة التي تتطلبها برامج الإصلاح والتعافي والتنمية.

هذا الواقع الجديد، سيشكل دافعاً باتجاه تحسن قيمة العملة الوطنية، مع تنشيط القطاع المصرفي، والسماح بعودة التعاملات البنكية والتحويلات المالية الدولية، نتيجة دخول سوريا نظام “سويفت” المصرفي العالمي، حسب مركز عمران للدراسات الإستراتيجية، بالإضافة إلى تنشيط حركة التجارة الخارجية، بما في ذلك استيراد وتصدير المواد الأساسية والمحروقات، ورفع الحجز عن الأموال السورية المجمّدة في الخارج، ما يخفف معدلات التضخم، ويوفر فرص العمل وتحسين مؤشرات سبل العيش، وأيضاً تعزيز البيئة الجاذبة للاستثمارات الوطنية والدولية، مع زيادة معدلات الإنتاج الوطني، بجانب إطلاق عجلة إعادة الاعمار، مع تذليل العوائق الفنية والمالية التي تحول دون إعادة تأهيل قطاعات التعافي، وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية والأدوية، وتحسين قدرة المنظمات على العمل داخل سوريا من دون قيود مصرفية أو لوجستية.

رفع العقوبات الأمريكية سيتبعه بالتأكيد رفع مماثل لعقوبات اقتصادية مفروضة من قبل أطراف دولية أخرى، بدأت بالفعل بقرار مماثل من الاتحاد الأوروبي قبل بضع ساعات من نشر هذا التقرير، حسب الباحث الاقتصادي السوري، ملهم الجزماتي، ما سيساعد سوريا على إعادة الاندماج في المجتمع الدولي، بعد عزلة اقتصادية استمرت لأكثر من أربع عشرة سنةً. وسيسمح تالياً لهذه الدول والكيانات الدولية بالمساهمة مباشرةً في بناء الاقتصاد السوري، من خلال المنح والمشاريع التنموية والقروض الميسّرة، وسيسمح أيضاً لكبار المستثمرين الدوليين بالاستثمار المباشر في سوريا، ناهيك عن ملف إعادة الاعمار الذي يُعدّ وجبةً دسمةً لكبار المستثمرين والمقاولين الدوليين.

“هذا سيؤثر إيجاباً على الاقتصاد السوري”، يضيف الباحث الاقتصادي، لرصيف22، “لكن بشرط عمل السلطات السورية على خلق البيئة المناسبة لجذب الاستثمارات إلى البلاد، من خلال مراجعة القوانين الاقتصادية المعمول بها في سوريا، كقانون الاستثمار وقانون الشركات وقانون الضرائب، والتي تتطلب وضوحاً وعدالةً وحسن تنفيذ، سواء للمستثمرين أو للشعب السوري. كما يجب على البنك المركزي السوري وضع سياسة نقدية واضحة والالتزام بها، وهو ما ينسحب على وزارة المالية بوضع سياسة مالية واضحة وعادلة. وهذا إلى جانب ضرورة معالجة مشكلة نقص الكفاءات وحوكمة جميع مؤسسات الدولة التي تعاني من ترهّل إداري كبير”، يضيف.

كذلك، وفقاً للجزماتي، يجب عدم إغفال الجانب الأمني، وهو موضوع حساس في عالم الاستثمارات، فمن المعروف أنّ رأس المال جبان، ما يعني هروباً مباشراً للاستثمارات عند أول اختلال أمني. لذلك، من دون تحقيق الأمان المطلوب ستذهب جهود المشرّعين الحكوميين سدى، إذ إنّ رفع العقوبات الاقتصادية ليس سوى نقطة بداية في طريق طويل لبناء اقتصاد متين، وهذا الطريق يحتاج إلى العمل الدؤوب والالتزام من قبل السلطات والمؤسسات السورية.

جهود نوعية

ويذكر مركز عمران، أنّ سوريا تحتاج إلى جهود نوعية للاستفادة التامة من قرار رفع العقوبات، بما فيها إنجاز تقدير احتياجات سوري يراعي المنظور القطاعي والجغرافي، ويعيد ترتيب أولويات التعافي المبكر وإعادة الإعمار، مع ضرورة الاستفادة من جهود وخبرات المنظمات السورية، وتحسين آليات العمل في القطاع المصرفي والمالي، وإقرار سياسات نقدية ومالية ناجعة، تؤكد على الملكية الوطنية للمشاريع التنموية كافة لضمان تنفيذها وفق معادلات الاحتياج السوري وضروراته، مع الاستمرار في تطوير وتحديث البيئة الاستثمارية في سوريا، عبر إقرار قوانين جديدة وإعفاءات ضريبية، وتقديم تسهيلات للمستثمرين، لخلق إيرادات تخفف من عبء الاعتماد المتنامي على المساعدات الخارجية، بالإضافة إلى تعزيز مؤشرات الشفافية، وضرورة إجراء إصلاحات هيكلية في سياسات المراقبة ومكافحة الفساد وسوء الإدارة.

وفي هذا السياق، يشير موقع سوريا في مرحلة انتقالية، إلى أنه ولغاية اليوم، لم يتم سنّ أيّ تشريع سوري جديد للاستثمار، برغم ربط المادة 8 من الإعلان الدستوري، صراحةً، مسألة التعافي في سوريا برفع العقوبات الدولية واستئناف تدفقات رؤوس الأموال الأجنبية، ما يمثّل مناخاً استثمارياً غير مشجع، في حال تعليق العقوبات كجزء من اتفاق إقليمي.

كذلك، ينبّه مركز “ستراتيجكس”، إلى غياب سابق للهوية الاقتصادية في سوريا، نتيجة عجز النظام الاقتصادي عن بلورة نموذج متكامل يحقق التوازن بين متطلبات التنمية واحتياجات العدالة الاجتماعية، وهو ما أدى إلى تشوهات هيكلية مزمنة، وإلى أزمة هوية هيكلية عميقة، تجلت في غياب رؤية تنموية واضحة وتذبذب النموذج الاقتصادي بين اشتراكية مقيّدة وليبرالية مشوّهة.

يقول المركز في قراءته: “تواجه سوريا الجديدة تحدّياً في إعادة تعريف هوية اقتصادها الوطني؛ إما أن تبني نموذجاً تنموياً متكاملاً قادراً على استيعاب التحولات العالمية، أو ستستمر في إجراءات التبعية والهشاشة، وهو ما يتطلب جرأةً في إعادة هندسة النظام الضريبي، والسياسة الصناعية، والبنية التشريعية، وآليات الحوكمة. فالهوية الاقتصادية ليست شعاراً، بل نظام متكامل من السياسات والمؤسسات التي تحدد مكانة الدولة في الخريطة الاقتصادية العالمية. كذلك تحتاج سوريا إلى توحيد اقتصادها المجزّأ، والذي بقي حتى إسقاط نظام الأسد موزّعاً بين أربع مناطق اقتصادية مستقلة، في إدلب، وفي شمال حلب، وفي مناطق سيطرة نظام الأسد، ومناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في شمال وشمال شرق سوريا”.

وعليه، فإنّ سوريا في معضلة سياسية بالغة التعقيد، وتحتاج إلى استقرار اقتصادي كشرط أساس لانتقال سياسي ناجح. فيما تظل العقوبات أداة ضغط حيويةً تجاه إصلاحات سياسية شاملة. لكن استمرار التشدد في تطبيق العقوبات دون مراعاة الواقع الميداني المتدهور ينطوي على مخاطر جسيمة، قد تؤدي إلى انهيار العملية الانتقالية برمتها، وفقاً للقراءة نفسها.

سيسّهل الاندماج في النظام المصرفي العالمي عمليات التجارة والاستثمار، حسب الكريم. وتالياً سيسّهل التعافي والانتعاش الاقتصادي الوطني، ويؤدي إلى تحسن سعر صرف الليرة السورية، نتيجة عمليات الاستيراد والتصدير، وذلك بعد الانتعاش الاقتصادي وتحسن الإنتاج، وهو ما يحسّن قيمتها الشرائية، بالإضافة إلى جذب الاستثمارات الأجنبية، نتيجةً لعودة البنوك للعمل بعد رفع العقوبات، وحينها تصبح عملية الجذب معتمدةً على الفرص كمعيار لها. كما أنه بعودة الاقتصاد الوطني للاندماج في الاقتصاد العالمي، سيعاد تأهيل البنى التحتية، نتيجة الانطلاق بعملية إعادة الإعمار مع السماح بشراء التكنولوجيا اللازمة، وهو ما يُعدّ أيضاً ساحةً لجذب المستثمرين، بما فيها من فرص للاستثمار.

لكن ذلك يحتاج إلى إعادة بناء الثقة مع المجتمع الدولي، حيث تحاط الشكوك الكثيرة بالدول الخارجة من وطأة العقوبات عادةً، سواء لناحية آليات بناء الثقة، أو لناحية تجنّبها تصرفات قد تعيد فرض العقوبات عليها، عبر صفقات تتسم بعدم الشفافية والمصالح الشخصية، ما يهدد السلم الأهلي الهش الذي يعقب عملية تغيير الأنظمة السياسية. كذلك يجب إصلاح النظام المصرفي، حيث تعاني الدول المعاقبة اقتصادياً من انغلاق نظامها المصرفي، ووجود قنوات غير رسمية كثيرة كأسلوب لعملياتها المصرفية بعيداً عن العقوبات. لذا فإنّ عملية الانتقال الى اقتصاد من دون عقوبات قد تحول دونه متطلبات الشفافية والمعايير الدولية مستفيدةً من حالة التخبط في الاقتصاد.

“تجب مكافحة الفساد، الذي يشكل مكوّناً أساسياً في اقتصاد الدول الخاضعة للعقوبات”، يقول الكريم، لرصيف22، مع التخطيط المسبق لإدارة التضخم الكبير المرافق عادة لحالات رفع العقوبات، وهو ما يتطلب وجود سياسة نقدية فعالة تسبق الرفع المزمع. كما يجب التحضير لإشكالية المنافسة المحتملة بين الشركات القادمة للاستثمار، خصوصاً في جانب شراء الأصول الوطنية، مستفيدةً من الأسعار البخسة وغير الدقيقة لهذه الأصول. وبجانب ذلك، يجب وضع نظام اقتصادي واضح يبين الحقوق والواجبات، يوضح آليات تنفيذ كل إجراء.

وختاماً، يجب التركيز على مشروع العدالة الانتقالية، كأحد محفّزات استجرار الاستثمارات، نظراً إلى ما يضفيه من شعور بالقطيعة مع النظام السابق، سواء في ما يخصّ تجنّب عودة الصراع، أو ما يخص حروب الظل المحتملة بين نظام فساد سابق ونظام جديد يُفترض أن يثبت الشفافية والحوكمة.

رفع العقوبات… تمهيد لاعتراف رسمي؟

على المستوى الجيو-سياسي، قرار رفع العقوبات عن سوريا، هو الأمر الأكثر لفتاً للانتباه خلال زيارة ترامب إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر، حسب صحيفة “ذا ناشيونال”، حيث يمثّل القرار، الذي أعقبه اجتماع دافئ بين ترامب والشرع، تغييراً جذرياً تجاه سوريا، التي بقيت خلال العقود الستة الماضية خصماً للولايات المتحدة الأمريكية ومعظم دول الخليج، أولاً كحليف قديم للاتحاد السوفياتي، ثم كحليف لإيران وعميل لها في نهاية المطاف.

لذا، فإن تمكّن الشرع من الاستفادة من هذا الدعم لانتشال بلاده من حالة الحرب والانهيار الاقتصادي، فسوف يعيد تنظيمها جنباً إلى جنب مع الخليج والولايات المتحدة ويعكس عقوداً من تاريخ الشرق الأوسط الحديث.

إلى ذلك، يشير خبير الشرق الأوسط، فرانشيسكو ساليسيو شيافي، خلال حديثه إلى معهد “كوينسي”، إلى أنّ قرار رفع العقوبات بعيد كل البعد عن الاعتراف الرسمي، لكنه يزرع بذور عملية تطبيع مرحلية، تبدأ باتصال محدود وربما تؤدي إلى إعادة الانخراط في مكافحة الإرهاب وإعادة الإعمار وأمن الحدود، بشرط نأي الشرع بصدق عن ماضيه المتشدد.

رصيف 22

———————————

المطلوب من الشرع للحصول على اعتراف أميركي كامل/ جون بولتون

الثلاثاء 20 مايو 2025

مصالح السعودية والعالم العربي الأوسع في قبول حكومة الشرع الجديدة واضحة فقد مثَّل سقوط الأسد هزيمة كبرى لإيران، إذ خسرت أهم حليف إقليمي لها وانقطعت طرق الإمداد البرية التي تمتع بها “حزب الله”، أبرز الأذرع الإيرانية الإرهابية

حظيت الزيارة التي اختتمها دونالد ترمب أخيراً إلى الشرق الأوسط بتغطية إعلامية واسعة بفضل الاتفاقات التجارية والاستثمارات التي أعلنها ونظراؤه. غير أن أبرز ما في الزيارة كان إعلانه أن الولايات المتحدة سترفع العقوبات الاقتصادية التي فرضتها على سوريا خلال حكم نظام الأسد. وفي هذا الشأن، قال ترمب في الرياض، “أفعل هذا من أجل ولي العهد (الأمير محمد بن سلمان)”.

إضافة إلى ذلك حظي زعيم سوريا الجديد أحمد الشرع بلقاء موجز مع ترمب في الرياض. وكانت الولايات المتحدة عام 2013 صنفت الشرع، المعروف باسمه الحركي أبو محمد الجولاني، “إرهابياً عالمياً مصنفاً بشكل خاص”، ورصدت مكافأة قدرها 10 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى القبض عليه. وكانت الولايات المتحدة سبق أن صنفت جماعته الإرهابية، “هيئة تحرير الشام”، التي كانت تعرف باسم “جبهة النصرة” والمرتبطة بتنظيم “القاعدة”، منظمة إرهابية أجنبية.

لا يلتقي الرؤساء الأميركيون عادةً إرهابيين، لكن الشرع تلقى فيما يبدو نصائح جيدة في مجال العلاقات العامة بعد استيلائه على السلطة: لقد تخلى عن لقبه، وقصر لحيته، واستبدل بزته العسكرية ببدلة وربطة عنق، فبدا أشبه برجل أعمال منه إلى إرهابي، لكن هل تخلى الشرع و”هيئة تحرير الشام” فعلاً عن العقلية الإرهابية؟

لم ينتظر ترمب ليعرف الإجابة. صحيح أنه نصح الشرع خلال لقائهما بالتوقيع على اتفاقات أبراهام والاعتراف بإسرائيل، وطرد المقاتلين الإرهابيين الأجانب من سوريا، والانضمام إلى الحرب على تنظيم “داعش”، لكن الشرع لم يلتزم أياً من ذلك، أقلها علناً. ومن المؤكد أن ما جرى لا يعد مثالاً ناجحاً على “فن إبرام الصفقات”.

أما مصالح السعودية والعالم العربي الأوسع في قبول حكومة الشرع الجديدة فواضحة، فقد مثَّل سقوط الأسد هزيمة كبرى لإيران، إذ خسرت أهم حليف إقليمي لها وانقطعت طرق الإمداد البرية التي تمتع بها “حزب الله”، أبرز الأذرع الإيرانية الإرهابية. وكان من المهم أيضاً التحرك لتقليص نفوذ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في سوريا، إذ ما كان لـ”هيئة تحرير الشام” أن تطيح الأسد لولا الدعم التركي الكبير.

كذلك تصب هزيمة الملالي في طهران وتقييد النفوذ الأردوغاني العثماني الجديد والذي يستهدف سوريا خصوصاً، والشرق الأوسط عموماً في مصلحة الولايات المتحدة، لكن هذه الأهداف وحدها لا تكفي. تحتاج واشنطن من الشرع إجراءات تتجاوز مجرد الخطابات، مما يعني أفعالاً ملموسة تثبت أنه تخلى عن الإرهاب لا لفظياً فقط، بل فعلياً أيضاً. لقد ضيع ترمب الفرصة التي سنحت حين كان ينبغي عليه أن يربط رفع العقوبات بشروط أميركية واضحة، غير أن تصنيف الشرع كإرهابي، وتصنيف “هيئة تحرير الشام” كمنظمة إرهابية، وتصنيف سوريا في عهد الأسد كدولة راعية للإرهاب لا تزال قائمة. ويجب ألا تلغى هذه التصنيفات إلا إذا استوفت حكومة الشرع شروطاً إضافية عدة، كما هو مفصل أدناه، بل يجب إعادة فرض العقوبات إذا فشلت الحكومة في القيام بالمطلوب بسرعة.

الأهم من ذلك كله، أن على الشرع أن يبطل نهائياً سياسات الأسد التي أدت إلى عزل سوريا، وأن يكون شفافاً تماماً في شأن محتويات أرشيف حكومة الأسد وسائر المواد ذات الصلة. وبما أن الحكومات غير الإرهابية لا تأخذ رهائن، ينبغي على الشرع أن يفتح سجلات الحكومة السورية أمام مراجعة دولية في خصوص حالات اختطاف الأجانب كلها على مدى العقود الماضية من الزمن. ولصالح عائلات الرهائن، يجب الكشف الكامل عن هذه القصص، والإفصاح عن أي علاقات سورية بجهات أجنبية ساعدت في هذه العمليات لتتولى أجهزة إنفاذ القانون متابعتها.

كذلك تتوجب القطيعة التامة مع جهود نظام الأسد كلها في مجالات تطوير الأسلحة الكيماوية والبيولوجية والنووية، ولا سيما تلك المندرجة من ضمن العلاقات التي أقامها مع حكومات مثل حكومة إيران. بعد سقوط الأسد، أفادت تقارير بأن إسرائيل قصفت منشآت مشتبه في إنتاجها أسلحة كيماوية، ومع ذلك ينبغي على الشرع أن يحدد المواقع كلها المتصلة بهذه الأسلحة في سوريا، وأن يفتح هذه المواقع والملفات الحكومية أمام تفتيش تجريه واشنطن أو منظمة حظر الأسلحة الكيماوية. وينبغي اتخاذ خطوات مماثلة في شأن الأسلحة البيولوجية.

أما في خصوص النشاط النووي السوري، فمن المرجح أنه تمحور حول المفاعل النووي الذي ساعدت إيران وكوريا الشمالية في بنائه دير الزور. وقد تكون السجلات السورية المتعلقة بدير الزور وعلاقات أخرى مع إيران مفيدة للغاية في مواجهة التهديد الإقليمي الإيراني. ويجب على سوريا اتخاذ الإجراءات كلها لحفظ هذه الأدلة وإتاحتها أمام مراجعة دولية. كذلك ينبغي على الشرع التخلي عن دعم الجهود التي تبذلها إيران بغرض السيطرة على لبنان من خلال “حزب الله”.

وإلى ذلك، إذا كان الشرع قد تخلى فعلاً عن الإرهاب، عليه أن يكشف القائمة الكاملة لممولي “جبهة النصرة” على مر السنوات. كذلك يجب أن يلتزم التعاون مع الأكراد، ولا سيما “قوات سوريا الديمقراطية”، في تأمين احتجازهم آلاف الأسرى من تنظيم “داعش”. ويجب سجن الإرهابيين الآخرين في سوريا، لا طردهم، وفق اقتراح ترمب، ذلك أن طردهم يتيح لهم العودة إلى ممارسة الإرهاب في أماكن أخرى. أما مؤشرات المصالحة التركية المحتملة مع الأكراد داخل تركيا فلا تثبت أن الطموحات العثمانية الجديدة الخاصة بأردوغان، والتي تستهدف المناطق الكردية داخل سوريا وخارجها قد انحسرت. وعلى ذلك، ينبغي أن تبقى القوات الأميركية في الشمال الشرقي لسوريا إلى أن يثبت حسن نية “هيئة تحرير الشام” بشكل كامل.

وأخيراً، ينبغي على سوريا طرد روسيا من قاعدتها البحرية في طرطوس وقاعدتها الجوية في حميميم المجاورة. ذلك أن عدوان روسيا غير المبرر على أوكرانيا عام 2022، فضلاً عن دعمها الطويل للأسد، يثبتان مدى خطورة الوجود العسكري الروسي الواسع النطاق في سوريا.

باختصار، لا يزال أمام الشرع ونظام “هيئة تحرير الشام” الذي يترأسه طريق طويل قبل أن يستحقا اعترافاً كاملاً وشرعية من الولايات المتحدة. هذه “الصفقة” لم تبرم بعد.

اندبندنت عربية

———————————–

امتحان الشرع الداخلي بعد الخارجي/ رفيق خوري

الفارق كبير بين رفع العقوبات والاعتراف الرسمي بالإدارة الجديدة في سوريا

الأربعاء 21 مايو 2025

بدأ الرئيس السوري تنفيذ بعض لائحة المطالب الأميركية منه والتزم تنفيذ بعضها الآخر مع حاجته إلى وقت وقرار صعب بالنسبة إلى إخراج المقاتلين الأجانب من البلاد، ومنع منحهم الجنسية وضمهم إلى الجيش.

لا شيء اسمه وجبة مجانية، بحسب المثل الإنجليزي الشهير، ولا من خارج الحسابات الواقعية الدقيقة بدأ الانفتاح العربي والدولي على الإدارة الجديدة في سوريا قبل أن تمسك بالبلد تماماً، فكل شيء موقت في انتظار البراهين العملية، وكل خطوة لها ثمن أقله خطوات في الداخل.

والثابت في حسابات الانفتاح وأسبابه هو أهمية الموقع الإستراتيجي والجيوسياسي لسوريا، وإسقاط نظام الأسد وإخراج نفوذ الملالي من الشام وتحويل ما كان جسراً للمشروع الإقليمي الإيراني إلى جدار عازل وقوة صد، والمتغير هو الأثمان المطلوبة عبر لوائح تضيق أو تتوسع، بحسب الظروف ومدى تجاوب دمشق.

ذلك أن الرئيس الانتقالي أحمد الشرع حصل على الفرصة التي عمل لها بنشاط في الخارج مع دفع من السعودية وتركيا وقطر، فالوسيط القوي بينه وبي أميركا وأوروبا هو ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، ثم يأتي دور الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وبناء على رغبة الأمير محمد أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب رفع العقوبات الأميركية عن سوريا من قبل أن يُبلغ إدارته بالقرار، والتقى الشرع في الرياض بحضور ولي العهد السعودي وحضور تقني لأردوغان.

أما لائحة المطالب الأميركية من الشرع فإن الرئيس السوري بدأ تنفيذ بعضها والتزم تنفيذ بعضها الآخر، مع حاجته إلى وقت وقرار صعب بالنسبة إلى إخراج المقاتلين الأجانب من البلاد ومنع منحهم الجنسية وضمهم إلى الجيش، فهم نحو 30 ألف مقاتل كانوا رأس الحربة في معركة “هيئة تحرير الشام”، وأما أوروبا التي كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أول من استقبل الشرع في قصر الإليزيه فإنها سبقت ترمب في تخفيف بعض العقوبات عن سوريا ثم زادت عيار التخفيف بعد القرار الأميركي.

لكن الكل يعرف أن الرهان هو على امتحان في لعبة مكشوفة على الطاولة، وإذا كانت دمشق قد أجرت مفاوضات مع إسرائيل بوساطة من دولة الإمارات وحتى باتصال مباشر مع حكومة بنيامين نتنياهو للحد من الاجتياح الإسرائيلي لأراض سورية في حوض اليرموك بعد احتلال المنطقة المجردة من السلاح بحسب اتفاق فك الارتباط عام 1974، فإن من الصعب على الشرع الانضمام إلى “الاتفاقات الإبراهيمية” كما طلب منه ترمب، ففي رفع العقوبات الأميركية كثير من التعقيدات بين المفروض بقرارات رئاسية وقرارات في وزارتي الخزانة والخارجية، وبين المفروض بقوانين في الكونغرس وأخطرها “قانون قيصر”، وهي مرتبطة بمهلة مدتها 180 يوماً لمراقبة السلوك في سوريا.

والفارق كبير بين رفع العقوبات والاعتراف الرسمي بالإدارة الجديدة، فلا تطبيع حتى الآن، بصرف النظر عن رفع العقوبات، وإذا كان رفع العقوبات قد فتح الباب أمام الاستثمارات وإعادة إعمار سوريا وحديث الشرع عن “مشروع مارشال” لسوريا واستعداده لإعطاء الأولوية للشركات الأميركية، فإن العقوبات ليست قليلة وإزالتها تحتاج إلى وقت، من إكمال الصورة القانونية للنظام الاقتصادي السوري إلى وضوح البنية السياسية للنظام، مروراً بأمر بالغ الأهمية وهو النظام القضائي ووجود قضاء مستقل في البلد يطمئن المستثمرين، فلا اطمئنان في قاعدة هشة وإن كانت مدعومة عربياً وإقليمياً.

ولا حدود للمبالغ التي تحتاج إليها إعادة الإعمار ومعاودة النشاط الاقتصادي في بلد إنهار دخله القومي إلى حدود 7 مليارات دولار، ولم يترك النظام الساقط في مصرفه المركزي أكثر من 200 مليون دولار، ويحتاج إلى 50 عاماً للعودة لما كان عليه عام 2010، وما بين 500 و800 مليار دولار.

والتحدي بعد النجاح الأولي في امتحان الانفتاح على الخارج هو الانفتاح على الداخل، فلا شيء يجعل المكاسب في الخارج ثابتة سوى بناء سلطة على قياس التنوع في المجتمع السوري والخروج من مقاييس الجهادية السلفية الضيقة على سوريا، ولا معنى للحديث عن وحدة سوريا مع الاستمرار في التضييق والاعتداءات على الأقليات العلوية والدرزية والمسيحية والكردية، لأن شرط الوحدة هو أن تكون “سوريا لكل السوريين” باعتراف الشرع، فلا أكثرية ولا أقليات، بل دولة مواطنة، ولا قوة خارجية مهما تكن لديها من مخططات للتقسيم والتفتيت، مثل إسرائيل، يمكن أن تنجح في مواجهة الوطنية السورية والشراكة الوطنية في الدولة، ولعل سوريا في حاجة إلى بند في دستورها على غرار البند في مقدمة الدستور اللبناني الذي نصه “لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك”.

في كتاب جديد تحت عنوان “من الجهاد إلى السياسة: كيف تبنى جهاديون سوريون السياسة”، يسجل المؤلف جيروم دريفون تحولات “هيئة تحرير الشام” من جبهة النصرة التابعة لـ “القاعدة” والإرهاب والزرقاوي و”داعش” إلى حركة سياسية أدارت بلديات وحكومة في إدلب، والكل في الداخل والخارج يسأل إن كانت الإدارة السورية الجديدة قادرة ومستعدة لأن تصبح معتدلة وبراغماتية وجامعة أم أن الجهادية السلفية متجذرة فيها، والجواب على الطريق.

—————————

 هل يعيد داعش تموضعه وسط التحولات في سوريا؟/ حسام الملحم

2025.05.21

مع سقوط نظام بشار الأسد المخلوع في 8 كانون الأول 2024، تصاعدت تهديدات تنظيم “الدولة الإسلامية” في سوريا، بشكل ملموس عبّر عن نفسه بوضوح من خلال العملية الأمنية التي نفذتها وزارة الداخلية السورية السبت الماضي، بالاشتراك مع جهاز الاستخبارات العامة، واستهدفت وكراً تتحصن به خلية للتنظيم مكونة من سبعة عناصر.

أسفرت العملية التي جرت في الأحياء الشرقية من حلب (الحيدرية وكرم الجزماتي) عن القبض على أربعة من أفراد الخلية، ومقتل ثلاثة آخرين، بالإضافة إلى مقتل عنصر في الأمن العام السوري، من جراء الاشتباكات التي رافقت العملية، قبل اقتحام الموقع وضبط عبوات ناسفة مواد متفجرة وسترات مفخخة وبدلات تعود لقوى الأمن العام كانت بحوزة أفراد الخلية.

وقد سبق هذه العملية مهاجمة التنظيم عبر صحيفة “النبأ” الأسبوعية التابعة له، للرئيس السوري، أحمد الشرع، إثر لقائه الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، في الرياض، إذ اعتبر التنظيم أن الصورة باتت أوضح بعد لقاء ترمب والشرع وذلك بشأن كون خلاف الشرع العقائدي مع التنظيم، ليس سياسياً ولا حزبياً.

كما اعتبر تنظيم “الدولة الإسلامية” أن تسلسل الأحداث الذي بدأ بإخراج إيران من سوريا “رزمة واحدة على طاولة الصفقات الدولية مربطها الحرب على الإسلام وحماية المصالح الدولية”، متهماً الرئيس السوري باستبدال “ملة إبراهيم” في إشارة إلى الدين الإسلامي، باتفاقيات إبراهام (اتفاقيات التطبيع العربي مع إسرائيل خلال الولاية الأولى لترمب).

التنظيم دعا المقاتلين الأجانب في وزارة الدفاع السورية إلى الالتحاق بخلاياه في الأرياف، معتبراً أن الشرع استغلهم لخدمة مشروعه.

هجمات ومحاولات متكررة

ليست هذه المرة الأولى التي يهاجم بها التنظيم الدولة السورية الجديدة، إذ هدد في كانون الثاني الماضي الحكومة السورية بأنها في حال التزمت بمواثيق وقوانين الأمم المتحدة فينطبق عليها واجب الحرب والسلم، معتبراً الفصائل التي شاركت في عملية “ردع العدوان” (أسقطت نظام الأسد بعد انطلاقها بـ11 يوماً) “بيادق بيد تركيا والدول الأخرى”، و”تنفذ حرباً بالوكالة” بين “البيادق التركية والأذرع الإيرانية”.

وفي الإصدار المرئي الصادر في 24 كانون الثاني الماضي، وصف التنظيم الثورة بأنها “ثورة جاهلية” لأنها تسعى لترسيخ مفهوم الدولة المدنية، وأنها “ثورة وليست جهاداً في سبيل الله”.

الدولة السورية الجديدة استشعرت مبكراً خطر التنظيم، ومحاولاته التحرك في أرض رخوة لم تستتب الحالة الأمنية فيها على كامل الجغرافيا السورية بعد، وهي مسألة لم ينكرها وزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة، في مقابلة مصورة في 21 كانون الثاني، وتحدث فيها عن خطر قائم لتنظيم “الدولة الإسلامية” مع الإشارة إلى العمل على مكافحته من قبل وزارة الدفاع وجهاز الأمن السوري.

وعلى مستوى سوري رسمي آخر، أصدر الرئيس السوري في 13 آذار الماضي، قراراً بتشكيل مجلس الأمن القومي في سوريا، يتألف من وزراء الخارجية والدفاع والداخلية ومدير الاستخبارات العامة، كما يضم مقعدين استشاريين يتم تعيينهما من قبل رئيس الجمهورية وفقاً للكفاءة والخبرة، بالإضافة إلى مقعد تقني تخصصي يتم تعيينه من قبل الرئيس لمتابعة الشؤون التقنية والعلمية ذات الصلة بمحضر الجلسة، وذلك في ظل وجود تحديات أمنية كبيرة في سوريا لا تتلخص فقط بمخاطر تنظيم “الدولة الإسلامية”.

دول جوار سوريا أيضاً تستشعر مخاطر تحركات التنظيم في ظل الظروف الأمنية غير المستقرة في سوريا، فخلال الاجتماع الذي جرى في عمان بمشاركة وزراء خارجية كل من سوريا والأردن والعراق وتركيا ولبنان، ووزراء دفاع ورؤساء هيئات أركان ومدراء أجهزة الاستخبارات للبلدان ذاتها، جرى الاتفاق في 9 آذار على إطلاق مركز عمليات مشترك للتنسيق والتعاون في مكافحة تنظيم “الدولة الإسلامية”، ودعم جهود القضاء على التنظيم وما يمثله من خطر على أمن سوريا والمنطقة والعالم.

الرسائل التي بعث بها “التنظيم” لم تقف عند إطار التصريحات والتهجّم اللفظي، والعملية الأمنية ضد خلاياه في أحياء حلب الشرقية ليست الأولى، إذ جرى إحباط محاولة تفجير داخل مقام السيدة زينب في ريف دمشق، وفق ما أعلنه جهاز الاستخبارات العامة السوري مطلع العام، مع توجيه أصابع الاتهام للتنظيم واعتقال متورطين من أفراده وبث اعترافات لهم، ما يفتح الباب واسعاً أمام التساؤل حول أسباب هذا التصعيد وما إذا كان مدفوعاً من قبل أطراف إقليمية ساءها التغيير في سوريا.

يتجه نحو الانكماش

الخبير في شؤون الجماعات الجهادية، عرابي عرابي، أوضح لموقع تلفزيون سويا، أن المؤشرات تدل على اتجاه التنظيم نحو التصعيد التكتيكي لا الاستراتيجي، ويبدو ذلك في تكرار عملياته النوعية خصوصاً في شمالي وشرقي سوريا، مستغلاً الفراغ الأمني النسبي بعد سقوط النظام السابق، إلى جانب محاولة التنظيم إعادة فرض نفسه كقوة تهديد من خلال “إرهاب النكاية”، وتعزيز صورته أمام أنصاره في ظل المنافسة مع “القاعدة” على الاستقطاب.

وقد أظهرت تجربة السنوات الماضية نجاح الأمن العام في تفكيك خلايا محلية، لكنها لم تصل إلى اختراق البنية القيادية العالمية أو شبكات التمويل والتجنيد للتنظيم عالمياً، لكن الوصول للقيادة المحلية ليس أمراً صعباً بالنسبة لها، بالإضافة إلى أن التنظيم يعمل غالباً في بيئات مغلقة باستخدام “التنظيم الشبكي” مما يزيد صعوبة اختراقه، لكن حتى هذه الميزة قد تنقلب نقطة ضعف في البيئات المتماسكة اجتماعياً وأمنياً، وفق الخبير.

ولا يستبعد عرابي تصاعد العمليات المحدودة والمركزة، وليس التوسع الجغرافي، وذلك لأن الخلايا النائمة بدأت بإعادة التموضع في مناطق شهدت انهيارات أمنية وفيها بيئة محتملة للعمل، والتنظيم لا يسعى حالياً للسيطرة على أراضٍ بل لتنشيط “التمرد غير المتمركز”.

كما أنه في ظل تفكك الحضور الجغرافي للتنظيم، يجب الانتقال إلى منظومة مقاومة تمرد شبكية، عبر تعزيز فرق OSINT (فرق جمع معلومات)، ومكافحة الإرهاب السيبراني، ودمج الأمن المحلي بالمجتمع، عبر وحدات أمن مجتمعي تعتمد على الرصد والإنذار المبكر.

بنية التنظيم مخترقة

من جانبه، يرى المحلل العسكري العقيد عبد الجبار العكيدي، أن التنظيم لو استطاع التصعيد سيصعد بالنظر للبيانات التي يكفّر بها الدولة ويتهمها بالهوان والانفتاح محلياً ودولياً، من دون أن ينفي ذلك وجود خلايا له في المدن أو البادية والصحراء.

ويرى العكيدي أن هيئة “تحرير الشام” (نواة السلطة الأمنية الحالية) مخترقة للتنظيم سيما أنهما كانا تنظيماً واحداً قبل انفصالهما في 2013، كما أن الدولة السورية مدركة لمخاطر التنظيم وتعمل على متابعة ومراقبة عناصره وخلاياه التي يمكن أن تهدد الدولة، وتحديداً بعد دمج الفصائل العسكرية وتشكيل جهاز استخبارات، ما يعني أن تعقب هذه الخلايا من أولويات الدولة السورية.

ويتابع أنّ “تنظيم داعش لا يتحرك من نفسه، سيما أنه شركة مساهمة تشارك بها أغلب أجهزة مخابرات العالم، وتحديداً في المنطقة، كما أن انحسار نفوذ إيران، المتضررة من رحيل الأسد، يفقدها القدرة على التحرك باستثناء نفوذها داخل التنظيم أو عبر تنظيمات أخرى موالية لها يمكن أن تتحرك لزعزعة الاستقرار في سوريا”.

واعتبر العكيدي أنه لا مستقبل للتنظيم في سوريا خاصة أن الشعب السوري بات يمتلك وعياً لخطر هذا التنظيم وكذب شعاراته وإضراره بالثورة السورية وسمعتها، بالإضافة إلى أهمية التعاون الإقليمي المتفق عليه لمحاربة مخاطر هذا التنظيم.

وخلال سنوات طويلة من نفوذها وسيطرتها في الشمال السوري، كانت هيئة “تحرير الشام” تعلن بشكل متكرر عن القبض على قياديين في التنظيم، وتحتوي سجونها في إدلب العديد منهم.

كما يبدي الرئيس الأميركي رغبة بتولي الدولة السورية إدارة السجون المكتظة بعناصر التنظيم في شمال شرقي سوريا، كما أن الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، عرض في شباط الماضي، على دمشق دراسة الشراكة مع التحالف الدولي لمحاربة “الدولة الإسلامية” لمنع استقرار سوريا في المرحلة الانتقالية.

تلفزيون سوريا

————————————-

هل تنجح الحكومة السورية في طيّ صفحة المقاتلين الأجانب؟/ عمار دروبي

20/5/2025

دمشق- تزامن إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب رفع العقوبات المفروضة على سوريا، مع كشف البيت الأبيض عن 5 شروط تشكل الأساس السياسي للمرحلة المقبلة في العلاقة مع دمشق، من بينها بند يُعد الأكثر تعقيدا وهو مغادرة جميع المقاتلين الأجانب الأراضي السورية.

ويأتي هذا المطلب في لحظة دقيقة من الانتقال السياسي في البلاد، حيث تواجه الإدارة السورية الجديدة برئاسة أحمد الشرع تحديا حقيقيا في كيفية التعامل مع هذه المسألة بالنظر إلى الوجود الواسع لمقاتلين أجانب قاتلوا لسنوات إلى جانب فصائل معارضة، وعلى رأسها “هيئة تحرير الشام” سابقا.

وترتبط هذه القضية بحسابات تتجاوز البُعد الأمني، إذ يرى مراقبون أن إخراج هؤلاء المقاتلين لن يكون مسألة فنية فقط، بل يتطلب تفاهمات مع قوى كانت تمثل ثقلا عسكريا واجتماعيا في سنوات الحرب، حيث لعبت دورا محوريا في إسقاط نظام الأسد، وراكمت نفوذا ميدانيا وسياسيا لا يمكن تجاوزه.

توضيح رسمي

ويُطرح السؤال عما إذا كانت الحكومة الجديدة ستتمكن من إقناع هذه القوى أو الضغط عليها لإتمام الانسحاب دون الدخول في صدام جديد، بالتزامن مع أنباء متداولة عن بدء الحكومة حملة أمنية ضد المقاتلين الأجانب.

لكن المتحدث باسم وزارة الداخلية السورية نور الدين البابا نفى وجود أي حملات أمنية تقوم بها الوزارة في سوريا، “لاستهداف جماعة من الناس لجنسيتهم أو مذهبهم أو عرقهم”. وقال للجزيرة نت إنها -وعلى العكس تماما- تقوم بحماية الجميع دون تفريق، وتنظر إلى الأشخاص في البلاد من زاوية احترامهم للقانون أو مخالفته فقط.

وبشأن أي خطط حكومية قادمة بخصوص هذا الملف، أكد البابا أن الداخلية جهة تنفيذية أمنية تلتزم بالقرارات والمراسيم والتوجيهات من الجهة الأعلى منها وهي الرئاسة السورية حسب ما تقتضيه الأنظمة والقوانين، وعملها يقوم على حفظ أمن البلاد، وحماية السوريين من التهديدات الأمنية.

ووفق البابا، فإن المواقف السياسية للدولة تعبر عنها إما الرئاسة أو وزارة الخارجية، ولا دخل للداخلية بهذا الأمر.

ضوابط واضحة

يرى مراقبون أن المطالب الأميركية فيما يتعلق بملف المقاتلين الأجانب جرى تضخيمها، وأنه يمكن للحكومة السورية حسم المسألة دون أي صدامات عسكرية أو أيديولوجية مع أي فصيل.

في السياق، يعتبر الباحث في شؤون الجماعات المتطرفة حسام جزماتي أن الفهم السائد لمطلب واشنطن مبالغ فيه، موضحا أن الأمر لا يتعلق بطرد شامل أو ترحيل قسري، بل بوضع ضوابط واضحة لأدوارهم ضمن الدولة السورية القادمة.

وأكد جزماتي -في حديث للجزيرة نت- أن الشروط الغربية تركز على منع هؤلاء المقاتلين من تقلد مناصب قيادية في الجيش أو الأجهزة الأمنية أو الحكومة، بالإضافة إلى منع استخدام الأراضي السورية كنقطة انطلاق لأي عمليات عسكرية خارجية.

ويرى أن هذه السياسة تتيح مساحة للتفاهم والحلول الوسط، تجمع بين متطلبات المجتمع الدولي وتعقيدات الواقع الميداني، لكنها تفرض على الإدارة السورية الجديدة مسؤولية صارمة في مراقبة وضبط الوضع، لمنع أي خروج عن السيطرة قد يؤثر سلبا على جهود إعادة الانخراط الدولي.

وبحسب الباحث جزماتي، يمكن الاستفادة من تجارب مماثلة أقربها حالة البوسنة التي لم تتخل عن المتطوعين الإسلاميين الذين أسهموا في معركتها، لكنها أطّرت وجودهم بسياقات قانونية تضمن لهم الحماية، وتضمن للبلاد أن يقودها أبناؤها، وألا يتعرض سلمها الداخلي للتهديد، وألا تقع في إحراج خارجي بوصفها منصة محتملة للجهاديين.

معالجة هادئة

ويذهب البعض إلى الاعتقاد بأن حضور المقاتلين الأجانب في سوريا تراجع إلى حدّ كبير، وانحصر ضمن مجموعات محلية لا تملك تأثيرا فعّالا، وأن كثيرا منهم جزء من النسيج الاجتماعي في مناطق إقامتهم، بعدما اندمجوا في الحياة اليومية من خلال العمل أو الروابط الأسرية.

وأكد الباحث السياسي عرابي عبد الحي عرابي تقلص عدد المقاتلين الأجانب في سوريا بشكل كبير، مشيرا إلى أن وجودهم اليوم بات محصورا ضمن تشكيلات محلية محدودة وغير فاعلة سياسيا أو عسكريا.

وقال عرابي -في حديث للجزيرة نت- إن معظم هؤلاء الأفراد اندمجوا اجتماعيا في المجتمعات السورية التي استقروا فيها منذ سنوات، سواء عبر الزواج أو العمل أو الانخراط في الحياة المدنية ضمن المناطق الخارجة عن النزاع.

ووفقا له، لا توجد مؤشرات على انتساب المقاتلين لتنظيم الدولة الإسلامية أو أي كيان مصنف إرهابيا من قبل الحكومة السورية أو المجتمع الدولي، كما أن تحركاتهم لا تتسم بالطابع العابر للحدود، بل تتماهى مع خصوصية البيئة المحلية التي يعيشون فيها.

ويعتقد الباحث عرابي أن هذا الملف لا يشكّل محور توتر داخلي أو تهديدا للأمن، بل تحوّل إلى قضية إنسانية وإدارية تتطلب معالجة هادئة تتجنب التصعيد، مع احترام الخصوصيات الثقافية والاعتبارات الاجتماعية للأهالي والمجتمعات المضيفة.

المصدر : الجزيرة

—————————

مفتاح باليد/ يعرب العيسى

20 مايو 2025

يحتفل الناس عادةً عند الحصول على الفرصة، يعرفون أن الوصول بها إلى التحقّق يتطلب جهوداً ومشقّة، ستواجهه عقبات، ويخالطه تعثّر، ولكنهم يفرحون، لأنها فرصة.

يرقصون في حفلات زواجٍ سينتهي بالطلاق، ويحتفلون بقدوم مولود سيكبر ليصبح مجرماً، أو عاقّاً، وبرسو مناقصة مشروع سيشهد تنفيذه إصابات عمّال، وتأخير مدفوعات، وتصدّعات في التربة، وأحوالاً جوية معطّلة. هذا طبع الناس، وهذي طباع الفرص، لا بأس.

حصلنا، نحن السوريين، خلال ستة أشهر على فرصتين كبيرتين، تحمل كلٌّ منهما في داخلها الصفات النموذجية للفرصة الحقيقية، تفتح الباب الذي يفضي إلى المستقبل، وتنثر الأهوال في الطريق، تحضّر الألغام التي قد تنفجر بنا ونحن نحقق فرصتنا، تلوح بعصاها وبجزرتها، وتتربص بنا وبها.

سقط نظام الأسد، هذه فرصة كبيرة أجل، سنمضي السنوات المقبلة ونحن نحاول فهم حجم ما تتيحه لنا، وسنحاول استثمارها، سنتعثر، ونواجه التحدّيات، سنفهمها خطأً، سنتقلّب بين تحويلها إلى استقلال جديد، وبلد جديد، وبين تحويلها إلى صراع جديد، وبلد قديم للغاية.

إعلان ترامب فرصة ثانية لا تقل حجماً عن الأولى، بآفاقها وبمخاطرها، ولكنها مجرد فرصة، وليست إنجازاً بحد ذاتها. 

حين مرّت بلدان مثل اليونان والبرازيل والأرجنتين بأزماتٍ اقتصاديةٍ كبرى، كادت تودي بها، لم تكن خاضعة لعقوبات أميركية، وحين انفجرت صراعات في قبرص وكوسوفو والنيجر ومالي، لم تكن خاضعة لعقوبات. وحين انهارت اقتصادات سنغافورة وكوريا الجنوبية وتايوان، لم تكن معاقبة. وحين سارت الصين على طريق التنمية لتصبح أكبر اقتصاد في العالم، كانت مكبّلة بخصومة الولايات المتحدة.

لذلك ليست العقوبات وحدها ما تؤخّر مسار البلدان، وليس رفع العقوبات وحده من يصنع مستقبل الشعوب، هذه أشياء متعلقة بها، وبإرادتها، وبرغبتها الحقيقية في بناء بلدٍ حُرمت طويلاً من المشاركة في قراره ومقدراته.

رفع العقوبات بترجمة عملية بسيطة يعني أن في وسع السوريين اليوم استقبال استثمارات وتلقّي أموال، استيراد بضائع، تصديرها، وأشياء طبيعية مثل هذه تحصل في كل أنحاء العالم كل يوم. وهي تحصل بصعوبة طبعاً، وبشكل أقرب إلى القتال، في مناخ تنافسي شرس، ولذلك الفرصة ليست رفاهية مغلّفة بعلبة ملوّنة ومربوطة بشريط هدايا، بل هي تذكرة دخول لحلبة صراع فيها رابحون وخاسرون.

لن تقف الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في طريق الاستثمارات، ولكن هل تريد هذه الاستثمارات أن تأتي؟ أو ماذا تريد كي تأتي؟

يعرف كل طالب اقتصاد في السنة الثانية أن النمو استثمار، والاستثمار مناخ، والمناخ عملية واسعة تضم تشريعات ونمط علاقات، وبنية تحتية، وطاقة، وأماناً، واستقرار مجتمع، وبشراً قابلين للاجتماع في مكانٍ واحد للعمل معاً، منظومة تعليمية تجدّد دماء القوة العاملة. والأهم الأهم ألا تسيل الدماء على الطرقات.

نحن أمام فرصة، ليس أكثر من ذلك، وهي فرصة أُعطيت لبلد. ولكي نلتقطها ينقصنا بلد فقط. كي نركّبها عليه.

وشروط امتلاك بلد بسيطة للغاية، مواطنون متساوون ينظرون للمستقبل فيما تظللهم جميعاً بنية دستورية قانونية تحميهم وتضمن حقوقهم، وآلية تكفل مشاركتهم في صنع قراره.

نحن في أول الطريق، وحالتنا اليوم تشبه احتفال مجموعة مهندسين رَسَت عليهم مناقصة مشروع “بناء بلد تسليم مفتاح باليد”، وبقي عليهم تنفيذه.

العربي الجديد

——————————————-

 كيف خسرت إسرائيل تأثيرها على ترمب في الملف السوري؟/ إياد الجعفري

2025.05.21

لو قُدّر للأكاديمي الأميركي الشهير، جوزيف صموئيل ناي الابن، أن تمتد حياته لبضعة أيام أخرى فقط، ربما لأشاد بحصيلة زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى الشرق الأوسط، وبالذات، لقاؤه بالرئيس أحمد الشرع، وإعلانه رفع العقوبات عن سوريا.

لكن الرجل الذي اعتُبر من أوائل المنظّرين للنيوليبرالية في العلاقات الدولية، غادر حياتنا، في 6 أيار/مايو الجاري، ليترك إرثاً ضخماً أثّر بشدة على صنّاع القرار وعلماء السياسة في الولايات المتحدة، بصورة خاصة، وفي العالم أجمع، بصورة عامة.

في الأشهر الأخيرة من حياته، أبدى الرجل علانيةً، استياءه من طريقة إدارة ترامب وتياره السلطوي، للدبلوماسية الأميركية.

وقال مبتكر مفهوم “القوة الناعمة”، إن ترامب خلال أشهر قليلة فقط من توليه للسلطة، بدد معظم مصادر هذه القوة وفكك أدواتها. وقد شاءت الأقدار أن يغادر ناي الحياة، قبل أن يشهد استخداماً بارعاً لـ “القوة الناعمة” من جانب عدد كبير من اللاعبين، من بينهم ترامب شخصياً، إلى جانب صنّاع الدبلوماسية في كلٍ من السعودية وقطر والإمارات وتركيا، ومن جانب صنّاع السياسة الخارجية داخل الحكومة السورية أيضاً. حيث حلت وسائل الجاذبية والإغواء بدلاً من الإكراه السافر للقوة، لتكون ركيزة صفقات استثمارية، واتفاقات كبرى، كان أبرزها، جذب سوريا إلى دائرة تأثير الدول الغربية وحلفائها التقليديين في المنطقة (دول الخليج، وتركيا).

الحليف الوحيد للغرب، الذي كان مستاءً مما حدث، هو إسرائيل. تلك التي غلب منطق “المدرسة الواقعية” على عقلية صنّاع القرار فيها، وبقيت “القوة”، هي المحدد الوحيد لانتزاع المصلحة، لديها، حتى خسرت جانباً كبيراً من القدرة على التأثير فيما يخص الملف السوري، داخل دوائر صنع القرار بواشنطن.

في عام 1977، كتب جوزيف ناي، مع روبرت كوهان، كتاباً شهيراً، بعنوان “القوة والاعتماد المتبادل: السياسة العالمية في مرحلة انتقالية”. اعتُبر الكتاب نقلة نوعية في أدبيات العلاقات الدولية، وتأسيساً لفهم جديد فيها، عُرف باسم “المؤسساتية الليبرالية الجديدة”، أو –النيوليبرالية في العلاقات الدولية-. تحدث ناي وكوهان في الكتاب عن عالمٍ يسوده الاعتماد المتبادل الدولي – المركب. وأبرز سماته، أنه لا توجد فيه هرمية واضحة للقضايا، ولا تمثل فيه القوة وسيلة فعالة في السياسة.

كان ذلك، من زاوية ما، ثورة ضد ركائز المدرسة الواقعية التي حكمت، وما تزال، الكثير من عالم السياسات الدولية، على صعيد صناعتها ومحاولة تحليلها وفهمها.

وتميّز أدبيات العلاقات الدولية بين ما يعرف بـ “السياسات الدنيا” – (القضايا الاقتصادية والاجتماعية)، و”السياسات العليا” – (القضايا الأمنية). ووفق أدبيات المدرسة الواقعية تقدّم الدول الأمن على الاقتصاد والقضايا الاجتماعية. وقد حكم هذا الفهم، وما يزال، الكثير من عمليات صنع القرار في السياسة الخارجية، لدى الكثير من دول العالم. لكن كلفته كانت باهظة وفق الليبراليين الجدد. الذين رأوا أن الدولة التي تقدم الأمن على

حساب التعاون الاقتصادي، تخسر على مستوى الفرص التعاونية الرائجة.

وفيما يرى الواقعيون أن القوة هي الوسيلة المثلى لتحقيق الأمن بوصفه غاية الدولة، يرى الليبراليون الجدد أن الاعتماد الدولي المتبادل، يتيح وسائل أفضل من القوة لتحقيق مصالح الدول. وكان ذلك المدخل الذي عرج منه ناي باتجاه التأسيس لمفهومه الشهير عن “القوة الناعمة”، في العام 1990.

هذا الإبحار السابق في أدبيات ومدارس العلاقات الدولية، يتيح لنا فهم كيف خسرت إسرائيل تأثيرها على الإدارة الأميركية –بصورة خاصة على شخص ترامب- في الملف السوري. فمنذ سقوط النظام البائد، استخدمت إسرائيل القوة “العارية” للتأثير سلباً في المشهد السوري، بصورة تتيح لها تحقيق الأمن، وفق مفهوم صنّاع القرار لديها. لكن هذه القوة بدأت تهدد كياناً هشاً بالانحدار نحو حالة خطرة من عدم الاستقرار، بدا جلياً أنها غير مرغوب بها من جانب معظم المعنيين الإقليميين والدوليين بالشأن السوري. فالأوروبيون والأتراك والأردنيون والخليجيون، لم يجدوا في “سوريا ضعيفة ومقسمة”، كما تريد إسرائيل، مشهداً مرغوباً به، لأنه يضرّ بأمن معظم هذه الدول. وبذلك، تفوق الفهم الليبرالي الحديث القائل بالاعتماد الدولي المتبادل، عبر قضايا من قبيل الأمن الجماعي والهجرة وتأثير الفقر.. إلخ، على الفهم الواقعي القائل بانتزاع المكاسب باستخدام “القوة العارية”. واستطاعت دول المنطقة، الخليجية وتركيا – بصورة خاصة-، باستخدام أدوات “القوة الناعمة”، التأثير على ترامب، أكثر من بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، الذي راح إلحاحه على عدم رفع العقوبات عن سوريا، أدراج الرياح. حتى أن ترامب أقر أنه لم يستشر إسرائيل في قراره هذا، قبيل إعلانه في 13 أيار/مايو الجاري.

من المفردات التي أشار إليها كل من ناي وكوهان في كتابهما الشهير: تشكيل الائتلافات، والتأثير في شبكات النخبة. وقد نجحت الدبلوماسية السورية باقتدار، في هذين المسارين، عبر تشكيل مظلة داعمة لسوريا من دول كتركيا والسعودية وقطر والإمارات. ومن خلال الانفتاح على نخب رأسمالية أميركية، من قبيل رجل الأعمال، جوناثان باس، الذي لعب دور جسرٍ بين الشرع وترامب، قبيل لقائهما، ناهيك عن دور الجالية السورية –الأميركية، التي حظيت بودٍ ملحوظ من جانب إدارة الشرع ووزير خارجيته، في الأشهر الفائتة.

وهكذا اضطرت إسرائيل للانقلاب على هدفها المعلن، بـ “سوريا ضعيفة ومقسمة”، والذي كانت قد أعلنت عنه، وضغطت باتجاهه، خلال الأشهر القليلة الفائتة، لتتحدث بصورة مفاجئة عن الرغبة بعلاقات جيدة مع النظام السوري الجديد. بطبيعة الحال، فإن انفتاح إدارة الشرع على الخوض في قنوات تفاوضية غير مباشرة لتبديد المخاوف الأمنية مع تل أبيب عبر الوسيط الإماراتي، إلى جانب قناة التفاوض الإسرائيلية – التركية في أذربيجان، أسهما في خفض التوتر، ونزع الذرائع الأمنية الإسرائيلية.

وكما يعلم المتخصصون، تستند النيوليبرالية في العلاقات الدولية إلى الإرث الليبرالي القائم على الحريات وحقوق الإنسان والمساواة بين المواطنين وسيادة القانون، داخل الدول.

وبالعكس من ذلك، تفضّل معظم الأنظمة الشمولية عزل الداخل لديها، عن التأثير الخارجي. وتعتمد بصورة أكبر على “القوة العارية”، وتكتيكات المدرسة الواقعية. ويكون استقرارها غير مستدام على المدى البعيد. لذا، وكي يُستكمل النجاح الدبلوماسي السوري المشهود به، والمستند إلى أدوات الليبرالية الجديدة، يجب أن يُحكم الداخل السوري بالعقلية نفسها أيضاً. فالتناقض بين انفتاح وتعاون مع الخارج، وانغلاق وتقوقع حيال الفرقاء والجمهور في الداخل، سيمثّل مقتلاً لنجاحات الدبلوماسية، وعامل إجهاض لمكاسبها.

 تلفزيون سوريا

—————————–

العقوبات التي وحّدتنا/ رباب هلال

20 مايو 2025

برع الطاغية الزائل، على مدى سنوات الحرب، في قصقصة البلاد وشمل العباد، وخنق فرحتنا وثورتنا بحبال الترعيب والترهيب الدمويّ، والتغييب خلف القضبان. تهلهلت البلاد، وتمزّقت، وقدم المحتلّون العديدون، واستباحوا البلاد وحطّوا في جنباتنا واتجاهاتنا. ثمّ أُغرقنا وحدنا، نحن الفقراء “المعثّرين”، في وحول الدماء، ثمّ قانون العقوبات الاقتصاديّة الجائر. ومع الزمن، لم تلبث معاناتنا الضخمة، أن وحّدت عويل الشعب في الداخل السوريّ، من دون صخب، وذلك بين المناطق التي بقيت تحت سيطرة النظام. في حين ظلّ رأس النظام الفاسد يرفل بالنعيم وعبيده من المناطق والطوائف كافّة.

ظُلم أبناء الساحل، كما ظلم جميع السوريين. كان الساحل أسيراً للأسديْن، استفحل الظلم، وتمدّد قمعه بصفاقة، ليتّقد الهمس الرافض كجمر تحت الرماد، وتتأجج الأصوات وتعلو شيئاً فشيئاً وصولاً إلى العام 2021، وقد باتت صريحة في العامين 2023-2024. نتذكّر جيّداً، كيف استنفر عسس النظام، لمراقبة وسائط التواصل الاجتماعي المختلفة، لاصطياد، واعتقال كثيرين من المنتقدين، ومعلني الحقيقة، أغلبهم من موالاته وشبّيحته، وبعضهم صحفيّون.

وما يؤكّد معاناة أهل الساحل البؤساء في أغلبهم، هي فرحتهم العارمة بسقوط ظالمهم. وسارعوا إلى استقبال العهد الجديد، فاتحين لهم أذرعهم العزلاء وصدورهم المنهكة اليائسة. وبثقة واطمئنان، امتثل مالكو الأسلحة لأمر السلطة الانتقاليّة في تسليمها للدولة لإيمانهم أنّها مصدر أمانهم الأوحد والطبيعيّ. كانت رغبتهم بالغة كغيرهم في استعادة حرّيتهم، وحياتهم الآمنة والكريمة؛ أبسط حقوق المواطنة.

لم تكد تمضي أشهر ثلاثة على حضور الحكومة الانتقاليّة السلطة، وبثّها تطمينات للشعب، حتّى تقصقص فرح أهل الساحل مجدّداً، نقص هنا، واختفى هناك، لقد اغتالت المجازر اطمئنانهم وثقتهم. وبدأ القتل، واتسع تبعاً للهويّة الطائفيّة بشكل سافر مُعلن. قتل كثير من المدنيّين الأبرياء، ومن معارضي النظام الآفل وسجنائه. وانتهكت بيوتهم وحرق كثير منها، وسرقت ممتلكاتهم. فنزح من نزح، وهجّر من هجّر. وفاضت جرائم الفصائل بعضها منفلت كما أعلن رسميّاً، حتّى إنّها غطّت على ذريعة محاربة فلول النظام المجرمة، وتجاوزتها، وبدت الوجه الآخر لهم. بل ساهمت مع الفلول بقتل عديد من شباب الأمن العام؛ أبنائنا. وما تزال الفصائل منفلتة، تمعن في إجرامها، وفي قطع روابط الثقة. وفقدان الثقة هو أخطر ما يحدُث بين الحاكم والمحكوم.

لو تزور الساحل اليوم ستلاحظ، على الفور، التوجّس والخوف في عيون أهالي مدينتيّ طرطوس واللاذقيّة، حيث الوضع الأمنيّ منضبط إلى حدّ مقبول نسبيّاً. وبأمّ العين سترى اختلافه في الأرياف، ستصدمك الحياة شبه المتوقّفة كمصابة بالفالج، إذ لا علاقات اجتماعيّة وتواصل كعادة الريفيّين عامّة، ولا حركة تجاريّة على بساطتها أصلاً، ولا حرف مهنيّة تسير كما ينبغي، وحركة زراعيّة شديدة التعثّر؛ المهنة الأصليّة للأهالي، وأحد أعمدة الاقتصاد الوطنيّ، سواء في المناطق التي غالباً ما تتعرض للانتهاكات والجرائم المختلفة، وشاع الخطف، ليتسيّد الخوف حتّى في المناطق الآمنة. وسيباغتك كمّ الفقر يتفاقم. ويصفعك توقّف الطلاب والطالبات عن إكمال دراساتهم، في منطقة لطالما افتخرت البلاد بها، وبكفاءاتها العلميّة، والفكريّة، والثقافيّة والأدبيّة والفنّيّة.

كان من حقّ تلك الأرياف الفقيرة أن تصخب فرحاً بقرار رفع العقوبات الاقتصاديّة عن لقمة عيشها، كان من حقّها أن تشارك بقيّة أخوتها صخب الفرح، عوض أن يكمّ الخوف أفواهها، ويحبسها المنع المسلّح، خلف أبواب بيوتها الموصدة عند الغروب، على صفير اللاطمأنينة. فمتى تكتمل فرحة السوريّين الموحّدة؟

العربي الجديد

———————-

سورية إذ تستدير غرباً/ شعبان عبود

20 مايو 2025

ساهم إعلان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، عن رفع العقوبات عن سورية، خلال جولته أخيراً في المنطقة، في إشاعة حالة من الفرح العارم عند غالبية السوريين، وذلك بعد عقود من الحرب والمعاناة على كل الصعد، لا سيّما المعيشية.

جاء هذا الإعلان، وكما يعلم الجميع، بعد مرحلة مفصلية في تاريخ سورية، الأمر الذي أعاد تشكيل الخريطة السياسية الداخلية وأحدث ارتدادات إقليمية ودولية واسعة النطاق. وبعد الإعلان الأميركي عن رفع العقوبات، يبدو أن تغييراً هائلاً في موقع سورية على خارطة التحالفات والعلاقات الدولية سيحصل.

نقول ذلك؛ لأنه لا يخفى على أحد أن النفوذ الروسي شكَّل عبر عقود إحدى ركائز السياسة الخارجية لموسكو منذ الحقبة السوفييتية، بنفس الوقت الذي ساهم في تشكيل موقع وهوية سياسية لسورية والسوريين، سورية مع حزب البعث كانت إحدى ركائز المحور الشرقي، والسوريون ونخبهم وأحزابهم ومنذ أواسط الخمسينيات مالوا يساراً، تطرّف بعضهم بعيداً في ذلك، لدرجة كادت فيه أن تصبح كلمة “الغرب” معادلة للشتيمة والاتهام بالخيانة. وتعزّز هذا الحضور لاحقاً خلال الثورة والحرب، إذ لعبت روسيا دوراً حاسماً في دعم نظام بشار الأسد عسكرياً وسياسياً. ولا يمثل خروج سورية اليوم من دائرة النفوذ الروسي تحولاً في خريطة الشرق الأوسط فحسب، بل يعكس أيضاً بدايةَ تصدّع التحالفات التقليدية، وتحولاً في الهوية السياسية وفي تطلعات السوريين وطموحاتهم. واليوم حيث الإدارة الجديدة التي تسعى إلى بناء دولة وطنية مستقلة ومتصالحة مع محيطها، تبدو أكثر ميلاً نحو الانفتاح على الغرب، خصوصاً الولايات المتحدة، التي تملك أدوات سياسية واقتصادية تمنحها قدرة أكبر على دعم إعادة الإعمار والاندماج الدولي.

بالطبع، تلعب رؤية الرئيس الأميركي دوراً في ذلك، رؤيته القائمة على الصفقات، إضافة إلى المنافسة أو الحرب الاقتصادية المتصاعدة بين الولايات المتحدة والصين، التي تعيد تعريف أولويات واشنطن في العالم. وسورية اليوم، بموقعها بين العراق وتركيا والأردن ولبنان وإسرائيل، وبإطلالتها على البحر المتوسط، ربما تكون من المواقع الهامة في المنطقة في إطار ذلك التنافس، فهي تشكّل بوابة برّية إلى أوروبا وآسيا، ومفتاحاً مهمّاً لأي مشروع اقتصادي وسياسي كبير في الشرق الأوسط.

قبل ذلك، يجب أن نتذكر أن الاستدارة نحو أميركا والغرب عموماً سيكون عملية تحول تاريخيّة. نقصد أن تكون سورية الجديدة ضمن الفضاء الغربي سياسياً واقتصادياً وثقافياً.

في الوقت نفسه، وبصراحة أكثر، الانفتاح على العالم، خاصّة على الغرب، يجب ألّا يعني هنا الخضوع أو التبعية، بل الانخراط الواعي في القيم والممارسات التي تساهم في بناء دول حديثة مستقرة تحترم الإنسان وتوفر لمواطنيها فرص الحياة الكريمة.

القيم الغربية مثل؛ سيادة القانون، والفصل بين السلطات، واحترام الحريات الفردية، وحقوق الإنسان، يمكن أن تشكل أساساً صلباً لأي مشروع وطني جديد. فهذه القيم لا تعني التفريط بالهوية أو الخصوصية الثقافية، بل تتيح إعادة صياغة العقد الاجتماعي بطريقة تضمن المشاركة السياسية، والمساءلة، والعدالة الاجتماعية.

يجب ألّا يعني الانفتاح على الغرب إغلاق الأبواب أمام الشرق أو الجوار الإقليمي، بل يعني امتلاك القدرة على التوازن، وبناء علاقات خارجية متعددة تراعي المصالح الوطنية. في هذا السياق، يمكن لسورية الجديدة أن تتحول إلى دولة محورية، لا تابعة، تلعب دوراً في تعزيز الاستقرار. إضافة إلى أن الانفتاح اليوم على العالم الغربي ضرورة استراتيجية وثقافية، تُمكّنها من عبور المرحلة الانتقالية بثقة، وتمنح شعبها ما يستحقه من كرامة وحرية وفرص.

——————————

الرياضة السورية تحرّرت من العقوبات أيضاً/ مازن الهندي

20 مايو 2025

تلقّى الشارع الرياضي إعلان رفع العقوبات بسرور بالغ وتفاؤل كبير بإمكانية تحقيق نهضة حقيقية في القطاع الرياضي بشكل عام وكرة القدم السورية بشكل خاص.

عانى قطاع الرياضة في سورية طويلاً من حصار حقيقي أثر على النتائج والحضور الخارجي بشكل كبير، إضافة إلى الترهل الكبير الذي أصاب البنية التحتية للمنشآت الرياضية التي أصبحت في محافظاتِ كثيرة لا تصلح لإقامة أي نشاط رياضي، إضافة إلى الحظر الذي فرض على إقامة المباريات واستضافة الأحداث بشكل عام.

على مدى عقود خمسة، لم تشهد الرياضة السورية سوى ثلاث محطات رئيسية لإنشاء مدن رياضية وملاعب كروية على مستوى جيد، أولها في مطلع الثمانينيات من خلال تشييد ثلاث مدن رياضية في العاصمة دمشق (الفيحاء – تشرين – الجلاء) قبل تشييد المدينة الرياضية في اللاذقية في العام 1987 من أجل استضافة دورة ألعاب البحر الأبيض المتوسط، وأخيراً ملعب الحمدانية الدولي الذي يتسع لأكثر من 60 ألف متفرج والذي جرى افتتاحه في 2007… ولكن هذه المدن عانت (حتى في أوقات الازدهار والرخاء) من الإهمال، سواء على مستوى الصيانة أو التحديث، ما جعلها تصبح بعيدة كل البعد عن المعايير الدولية لاستضافة الأحداث الرياضية الدولية، علماً أن كثيراً من هذه الأحداث عرفت تنظيماً مخجلاً قبل 2011 لافتقارها إلى المرافق الأساسية والتكنولوجية، حيث كانت أكثر الملاعب السورية حتى وقت قريب جداً تفتقر إلى كراسي جلوس المتفرجين الذين كانوا يفترشون (الحجر) كي يتابعوا المباريات.

ومع بدء الثورة السورية في 2011، فرض حظر شامل على استضافة المباريات والأحداث الرياضية لدواع أمنية وغيرها، ما أجبر المنتخبات السورية على اختيار أرض بديلة للعب فيها، فتنوّعت ما بين لبنان والأردن وماليزيا والسعودية وقطر وإيران، إضافة إلى الجانبين الأمني والمادي الصعب، ما فرض على هذه المنتخبات السفر عن طريق لبنان أو الأردن لإقامة المعسكرات والمشاركة في المباريات الخارجية، في حين كانت هناك صعوبة بالغة في استقدام الخبرات والمدربين الأجانب للعمل في سورية لأسباب تتعلق بالتمويل وكيفية تحصيل الأموال والأجور.

كيف تستفيد الرياضة السورية من رفع العقوبات؟

على مدى السنوات الأخيرة، عانى القطاع الرياضي كثيراً من مسألة الحصول على دعم الاتحادات والدول الصديقة في تمويل أي مشروع لتطوير البنية التحتية والمنشآت الرياضية، خوفاً من التعرّض للمساءلة تحت وطأة قانون قيصر والعقوبات الاقتصادية، إضافة إلى عزوف شركات رياضية عالمية كثيرة عن الاستثمار في سورية (خصوصاً اتحاد كرة القدم) الذي يملك قرابة ثمانية ملايين دولار من الأموال المجمّدة التي تخصّص لها من الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) في البنوك السويسرية. ولكن قرار رفع العقوبات سيكون من شأنه تحرير الأموال المجمدة وتحويلها إلى سورية والاستفادة منها من أجل تطوير القطاع الرياضي بشكل عام، سواء ما يتعلق منها بالمنشآت أو بإقامة الدورات وتأهيل الكوادر وتحسين مستوى البطولات المحلية واللاعبين. كما أنه سيسمح بتلقي المساعدات الخارجية من الاتحادات الصديقة بشكل علني من دون الخوف من تبعات ذلك بسبب وطأة العقوبات والتعامل مع المؤسسات السورية بشكل عام.

وسيتيح رفع العقوبات مساعدة الكوادر السورية وخاصة في قطاع التحكيم للحصول على أموالهم التي يحصلون عليها مقابل قيامهم بقيادة العديد من المباريات الخارجية، بعد أن عانى كثيرون من تجميد أجورهم في البنوك الدولية منذ 2010.

كرة القدم المستفيد الأكبر

ستكون كرة القدم المستفيد الأكبر من قرار رفع العقوبات، إذ ستستفيد من تحرير أرصدتها البنكية والأموال التي يقدّمها برنامج (fifa forward)، إذ سيكون بالإمكان التصرّف بهذه الأموال ضمن القيود والمعايير المتعلقة بالأماكن والقطاعات المخصصة للإنفاق، حيث يقسم “فيفا” مساعداته المالية إلى عدة أبواب، يمكن إنفاق الأموال من خلالها بنسب محدّدة، إذ تقسم هذه الأموال إلى مصاريف تشغيلية وأخرى تتعلق بالبنية التحتية والتطوير وغير ذلك. وبعبارة أخرى، لا يمكن للاتحاد السوري لكرة القدم إنفاق كل أمواله المجمدة من خلال باب واحد فقط، كالتعاقد مع مدرّبين أجانب أو تطوير الملاعب فقط…

في المقابل، سيتيح رفع العقوبات للاتحاد السوري لكرة القدم الاستفادة من برامج الدعم المالي المقدّمة من الاتحاد الآسيوي، الذي أوقف تخصيص نظيره السوري بهذا الدعم منذ 2020، عبر برامج عدة أبرزها برنامج (enhance)، إضافة إلى سهولة تحويل المكافآت والأموال التي تحصل عليها المنتخبات والأندية السورية من مشاركاتها الخارجية، من دون محاولة الالتفاف على العقوبات المفروضة كما كان يحدث في السابق، حيث سيكون بالإمكان تحويل هذه الأموال مباشرة إلى حساب الاتحاد السوري لكرة القدم في البنوك السورية.

العقوبات وملف رفع الحظر

شكلت العقوبات المفروضة على سورية عائقاً رئيسياً أمام استضافة سورية الأحداث الرياضية والكروية العربية والإقليمية والقارية، لكن قرار رفع العقوبات سيساعد ولو جزئياً في دعم ملف رفع الحظر عن الملاعب السورية، وهو الملف الذي عملت عليه الاتحادات المتعاقبة على مدار العقد الأخير، من دون أن تنجح إلا في أحداث قليلة جداً لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، وخاصة في رياضة كرة السلة. ولكن رفع العقوبات لن يعني في أي حال إمكانية عودة المنتخبات والأندية السورية إلى اللعب على أرضها مجدّداً في الوقت الحالي، فملف رفع الحظر لم يتعلق يوماً بجاهزية الملاعب وتوفر الأموال فحسب، وإنما يتعدّى ذلك إلى أمور أخرى، أساسها الوضعان الأمني والسياسي للبلاد، وهو ما أرفقته لجانٌ عديدة زارت سورية من الاتحادين الآسيوي والدولي في السنوات الأخيرة، وهي لجان كشفت على المنشآت الرياضية أولاً، وكذلك على المرافق والبنية التحتية للبلاد حيث يتطلب قرار رفع الحظر توفر الأمن أولاً والمطارات والفنادق والمواصلات والاتصالات وأمور أخرى تتعلق بالبنية التحتية للبلاد.

لكن الأكيد أن رفع العقوبات خطوة أولى نحو عودة شركات الطيران الأجنبية وبناء فنادق على مستوى عال، إضافة إلى أنه سيتيح لشركاتٍ عديدة الاستثمار في القطاع الرياضي وإعادة تأهيل الملاعب والصالات، بحيث تكون قادرة على استضافة الأحداث الرياضية وفق المعايير الدولية.

العربي الجديد

————————–

روبيو يحذّر من إنهيار الإدارة السورية: حرب أهلية شاملة

الثلاثاء 2025/05/20

حذّر وزير الخارجية الأميركية ماركو روبيو من حرب أهلية شاملة في سوريا، في حال انهيار السلطات الانتقالية التي تقود البلاد، داعياً مجلس الشيوخ إلى الموافقة على رفع قانون عقوبات “قيصر”.

الاستثناءات ليست كافية

وخلال جلسة استماع أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، قال روبيو إن تقييم إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، هو أن “السلطة الانتقالية ربما تكون على بُعد أسابيع، وليس شهوراً، من انهيار محتمل وحرب أهلية شاملة ذات أبعاد كارثية، في مقدمتها تقسيم البلاد”، معيداً السبب إلى التحديات التي تواجهها السلطة في سوريا.

ودافع الوزير الأميركي خلال الجلسة، عن طلبه من مجلس الشيوخ رفع قانون عقوبات “قيصر” عن سوريا، وكذلك عن قرار ترامب رفع العقوبات عن سوريا، والتواصل مع الحكومة السورية في دمشق.

وعلّل روبيو طلبه بالتأكيد أن رفع العقوبات من قبل ترامب لن يكون كافياً مع استمرار العقوبات المفروضة على سوريا بموجب “قيصر”. وأضاف “يمكننا إصدار استثناءات، لكن إلغاء هذه الاستثناءات، نظراً لانتهاء صلاحيتها، لن يجذب النوع المطلوب من الاستثمار الأجنبي”. وتابع: “في النهاية، يجب أن يتم اتخاذ شيء على مستوى الكونغرس أو بصورة أشمل لضمان أنه إذا تم اتخاذ الخطوات الصحيحة، يمكننا خلق بيئة لنمو القطاع الخاص الذي يبدأ في توفير فرص اقتصادية للشعب السوري”.

وأوضح روبيو أن السبب وراء رفع ترامب للعقوبات عن سوريا، هو فتح المجال أمام دول المنطقة لمساعدة الحكومة الانتقالية هناك.

السفارة الأميركية بدمشق

وأكد الوزير الأميركي أن ما يحصل في سوريا، سيكون ذا تأثير عميق على لبنان، قائلاً: “إذا نظرنا إلى المنطقة بعد عامين من الآن، ستكون سوريا ولبنان مستقرتين، وسيفتح ذلك فرصاً هائلة في المنطقة لتحقيق السلام والأمن وإنهاء الصراعات والحروب، وهي من الواضح مهمة كبيرة وتحتاج إلى تفكير واسع النطاق، لكنها فرصة”.

ولفت إلى أن سبب تأخر فتح السفارة الأميركية في دمشق، هو المخاوف الأمنية في سوريا، مضيفاً أن سوريا غير مستقرة، يعني أن المنطقة غير مستقرة.

لكن الوزير أوضح أنه سيتم السماح لموظفي السفارة الأميركية في سوريا، بالعمل من تركيا، لتحديد نوع المساعدات التي يحتاجها المسؤولون في سوريا.

ويأتي حديث روبيو بعد أيام على محادثات مع نظيره السوري أسعد الشيباني في تركيا، وذلك غداة إعلان ترامب من العاصمة السعودية الرياض، رفع العقوبات الأميركية عن سوريا.

وقال روبيو لصحافيين بعد المحادثات: “نعتقد أن سوريا مسالمة ومستقرة ستكون واحدة من أبرز أوجه التحسينات في المنطقة منذ زمن، ونريد أن نفعل كل ما بوسعنا للمساعدة في تحقيق ذلك”، مضيفاً أن الإدارة الأميركية ستبدأ برفع العقوبات للسماح للدول الأخرى بتدفق المساعدات.

———————————

 وزير الخارجية الأميركي: نحتاج خطوة من الكونغرس لجذب استثمارات حقيقية إلى سوريا

2025.05.20

قال وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، في كلمته أمام الكونغرس، اليوم الثلاثاء، إن بشار الأسد كان السبب الرئيسي في زعزعة استقرار المنطقة بأكملها، بعدما حوّل سوريا إلى ساحة مفتوحة للجماعات الجهادية، وعلى رأسها تنظيم داعش، لتستخدمها كنقطة انطلاق لعملياتها وزعزعة استقرار الشركاء الإقليميين.

وأوضح روبيو،أن التحول الذي شهدته سوريا في كانون الأول/ديسمبر الماضي يمثل منعطفًا مهمًا، لكنه يحمل تحديات كبيرة.

وأشار إلى أن بعض شخصيات الإدارة السورية الجديدة لم تنجح في اجتياز الفحص الأمني الذي تجريه الأجهزة الأميركية، ولديهم ماضٍ صعب بحسب ما هو متاح من معلومات.

وتابع وزير الخارجية الأميركي قوله، “إذا قررنا عدم التعامل معهم، فإن الفشل سيكون أكيدا. أما التواصل، فقد يحمل فرصة للنجاح.

ووفقاً لـ روبيو، فإن السلطة الانتقالية تواجه تحديات هائلة، و”ربما كانت على بعد أسابيع فقط من الانهيار، مما ينذر بحرب أهلية شاملة وانقسام فعلي للبلاد”. في تبرير منه لقرار ترمب السريع” برفع العقوبات.

وأكد الوزير، أنه “لا تزال الهوية الوطنية السورية موجودة. فقد كانت سوريا بلدًا تعايش فيه العلويون والدروز والمسيحيون والسنّة والشيعة والأكراد ضمن نسيج وطني واحد، إلى أن جاء الأسد ومزّق هذا النسيج عبر تحريض المكونات على بعضها، مدّعيًا حماية بعضهم وتخويفهم من الآخرين”.

وشدد على أن من أبرز التحديات التي تواجهها سوريا اليوم هو غياب الثقة المتبادلة بين مكونات المجتمع، وملف التهجير، حيث يعيش نحو 6 إلى 8 ملايين سوري في الخارج، يحقق كثير منهم نجاحات في الدول المضيفة، لكنهم يحتاجون إلى بيئة آمنة للعودة والمساهمة في إعادة بناء بلادهم.

الدعم الأميركي للتحول في سوريا

وكشف الوزير أن الخطوات التي اتخذها الرئيس الأميركي مؤخرًا فيما يتعلق برفع العقوبات عن سوريا جاءت نتيجة خطة مدروسة، مشيرًا إلى منح تأشيرات لمسؤولين في الحكومة السورية لحضور اجتماعات في الأمم المتحدة والبنك الدولي. ولفت إلى أن الرئيس التقى نظيره السوري أحمد الشرع في خطوة وُصفت بالجريئة، مدفوعة بتشجيع من حلفاء إقليميين بينهم السعودية وتركيا.

وأضاف روبيو، أن “الشركاء الإقليميون يريدون تقديم المساعدة، لكنهم يخشون من العقوبات الأميركية. رفع هذه العقوبات سيسمح بانطلاقة حقيقية في دعم السلطة الانتقالية، وتأسيس مؤسسات حكم فعالة، وتوحيد القوى الأمنية، وبدء عملية إعادة بناء الدولة”.

رفع العقوبات وحده لا يكفي

وأشار وزير الخارجية الأميركي إلى أن رفع العقوبات وحده لا يكفي، فبموجب قانون قيصر، فإن الإعفاءات المؤقتة لا تشجع على الاستثمار طويل الأمد. لذا سيكون من الضروري اتخاذ خطوات تشريعية في الكونغرس لخلق بيئة جاذبة للاستثمار، مما يتيح للقطاع الخاص أن يساهم في توفير فرص اقتصادية للشعب السوري.

وختم روبيو كلمته بالإشارة إلى الترابط بين مستقبل سوريا ولبنان، قائلًا: “ما يجري في سوريا سينعكس بشكل مباشر على لبنان، سواء من حيث استقراره الحدودي أو قدرته على إدارة ملف اللاجئين.

وقال الوزير، إن هدفنا هو شرق أوسط مستقر خلال العامين المقبلين، تكون فيه سوريا ولبنان دولتين قادرتين على المضي نحو السلام والتنمية”.

وأضاف روبيو، “نعلم أن الطريق طويل، لكن الفرصة تاريخية، ويجب أن نبذل كل جهد ممكن لإنجاحها”.

الاتحاد الأوروبي يرفع العقوبات

تأتي تصريحات وزير الخارجية الأميركية بعد ساعات من إعلان الاتحاد الأوروبي كل العقوبات عن سوريا، بحسب وكلاة الأنباء الفرنسية.

وأشارت الوكالة إلى أن “جزءاً من العقوبات الأوروبية المرفوعة كان يطال النظام المصرفي السوري ويحرمه من الوصول إلى السوق المالية الدولية”.

ولفتت إلى أن “العقوبات على أزلام رئيس النظام المخلوع بشار الأسد وحظر السلاح تبقى سارية”.

من جهتها، أكدت وسائل إعلام ألمانية أيضاً أن “الاتحاد الأوروبي رفع العقوبات عن سوريا”.

وسبق أن أعربت كايا كالاس، مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، عن أملها في التوصل إلى اتفاق بشأن رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا، وذلك قبيل انطلاق اجتماع وزراء الخارجية لدول الاتحاد الأوروبي، اليوم الثلاثاء، في العاصمة البلجيكية بروكسل.

وقالت كالاس: “نعمل على رفع العقوبات عن سوريا منذ بداية العام، نريد أن تدورَ عجلةُ الحياةِ في سوريا، وأن نمنحَ شعبَها فرصةً لإنقاذ البلاد”.

—————————-

وزير الخارجية الأميركي: فشل الحكومة الانتقالية في سوريا يعني حربًا أهلية تهدد المنطقة

20 مايو 2025

قال وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، إن بعض الشخصيات التي تقود السلطة الانتقالية في سوريا لم تنجح في اجتياز الفحص الأمني الذي أجرته وكالة التحقيقات الفيدرالية، وذلك على خلفية تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن رفع العقوبات عن سوريا.

وقال روبيو، في جلسة استماع أمام مجلس الشيوخ اليوم الثلاثاء، إن بعض هذه الشخصيات “لديهم ماضٍ صعب، ونحن نعرفه جيدًا”، وفقًا لما أفادت به وكالة “رويترز”.

وأشار روبيو، في سياق دفاعه عن القرار الذي اتخذه ترامب برفع العقوبات عن سوريا، إلى أن إدارة ترامب كانت أمام خيارين: إما تتواصل مع الإدارة السورية الجديدة، وحينها “ربما تنجح تجربتها وربما لا”، أو أن تمتنع عن التواصل معها، وهنا “سيكون الفشل مؤكدًا”، على حد قوله.

وشدد روبيو على أن ما دفع الإدارة الأميركية إلى هذه الخطوة تجاه الحكومة السورية الجديدة هو قناعتها بأنها قد تنهار خلال أسابيع من دون دعم الولايات المتحدة الأميركية، لافتًا إلى أن إدارة ترامب تريد نجاح تجربتها لأن البديل سيكون حربًا أهلية شاملة تزعزع استقرار المنطقة.

وقال روبيو، أمام مجلس الشيوخ، إن الخارجية ستسمح لموظفي سفارة واشنطن في تركيا، وربما للسفير أيضًا لفترة مؤقتة، بالتعاون مع المسؤولين المحليين في سوريا لتحديد نوع المساعدات التي يحتاجونها.

وتأتي إفادة روبيو أمام مجلس الشيوخ في أعقاب إعلان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، عزمه رفع العقوبات المفروضة على سوريا بهدف منح دمشق “بداية جديدة”، وذلك خلال زيارته إلى دول الخليج الأسبوع الماضي.

——————————

 واشنطن: رفع العقوبات عن سوريا قيد التنفيذ ولدينا انطباع جيد بعد لقاء ترمب والشرع

2025.05.19

أعلنت الولايات المتحدة أن عملية رفع العقوبات عن سوريا باتت قيد التنفيذ، في خطوة تهدف إلى تعزيز فرص تحقيق الأمن والاستقرار في البلاد، وفقاً لما أكده المتحدث الإقليمي باسم وزارة الخارجية الأميركية، مايكل ميتشل.

وأوضح ميتشل في تصريح لقناة “الإخبارية السورية” أن إدارة الرئيس دونالد ترمب تعتزم إصدار أوامر تنفيذية لاستكمال عملية رفع العقوبات، بعد الانتهاء من بعض الإجراءات القانونية الضرورية.

وأشار إلى أن سوريا تُعد بلداً مهماً في المنطقة، وأنه من المنطقي بدء حوار شامل مع جميع الشركاء الإقليميين من أجل دعمها في هذه المرحلة.

وأضاف ميتشل أن الحكومة السورية “تتصرف بعقلانية وبأسلوب مقبول”، مؤكداً أن واشنطن خرجت بانطباع إيجابي عقب اللقاء الذي جمع الرئيس ترمب بالرئيس أحمد الشرع.

ويوم الأربعاء الماضي، عُقد لقاء تاريخي في الرياض جمع الرئيس السوري بنظيره الأميركي، بحضور ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، ومشاركة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عبر الاتصال المرئي.

ترمب يعلن رفع العقوبات عن سوريا

أعلن ترمب، يوم الثلاثاء الماضي، عزمه رفع العقوبات المفروضة على سوريا، مؤكداً أن الهدف من هذه الخطوة هو منحها فرصة لتحقيق المزيد من التقدم والازدهار.

جاء ذلك خلال كلمة ألقاها في منتدى الاستثمار السعودي الأميركي، حيث أشار إلى أن سوريا “عانت من بؤس شديد، وموت كبير، ومن حروب طويلة وعمليات قتل امتدت لسنوات”، معرباً عن أمله في أن تنجح الإدارة الحالية في إحلال الاستقرار والحفاظ على السلام في البلاد.

وأكد أن إدارته اتخذت الخطوة الأولى نحو تطبيع العلاقات بين الولايات المتحدة وسوريا، مشيراً إلى أن قراره جاء بعد مشاورات أجراها مع ولي العهد السعودي، والرئيس التركي، وعدد من أصدقائه في الشرق الأوسط، لافتاً إلى أن هؤلاء القادة دعوه إلى اتخاذ هذه الخطوة.

وشدد ترمب على أن العقوبات “أدت فعلاً مهمة أساسية”، لكنه اعتبر أن الوقت قد حان لإعطاء سوريا فرصة جديدة، قائلاً: “استناداً إلى ما أستمع إليه من أخبار، أتمنى لها حظاً طيباً، وآمل أن تكون النتيجة طيبة وممتازة”.

يُشار إلى أن إعلان الرئيس الأميركي لاقى ترحيباً واسعاً من الحكومة السورية ومن عدد من الدول العربية، التي اعتبرت القرار خطوة باتجاه دعم الاستقرار الإقليمي وفتح الباب أمام مرحلة جديدة من التعاون مع دمشق.

————————————

رفع العقوبات الاقتصادية الأوروبية عن سورية: خطوة لدعم التعافي وجذب الاستثمارات

20 مايو 2025

تتطلع سورية إلى دعم دولي وإقليمي لمساعدتها في معالجة تداعيات 24 سنة من حكم الرئيس المخلوع بشار الأسد (2000-2024). ومنذ الإطاحة بنظام الأسد، تطالب الإدارة السورية الجديدة بقيادة أحمد الشرع، برفع تلك العقوبات، لأنها تعرقل جهود إعادة الإعمار وجذب الاستثمارات. واليوم الثلاثاء، أعطت دول الاتحاد الأوروبي الثلاثاء الضوء الأخضر لرفع كل العقوبات الاقتصادية المفروضة على سورية في محاولة لدعم تعافي الاقتصاد السوري.

وأشارت المصادر وفقا لوكالة “فرانس برس” الى أن سفراء الدول الـ27 الأعضاء في التكتل القاري توصلوا الى اتفاق مبدئي بهذا الشأن، ومن المتوقع أن يكشف عنه وزراء خارجيتها رسميا في وقت لاحق اليوم. وقالت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس قبيل الاجتماع اليوم الثلاثاء، إنها تأمل أن يتمكن وزراء خارجية التكتل المجتمعين اليوم، في بروكسل من التوصل إلى اتفاق بشأن رفع العقوبات الاقتصادية عن سورية.

وذكر مسؤولون أن الوزراء يدرسون قرارا سياسيا لرفع العقوبات الاقتصادية، والإبقاء في الوقت نفسه على العقوبات المرتبطة بنظام بشار الأسد وفرض إجراءات ضد انتهاكات حقوق الإنسان. وأضافت “من الجلي أننا نريد (توافر) الوظائف وسبل المعيشة لشعب (سورية)، كي يصبح بلدا أكثر استقرار”.

وفرض الاتحاد الأوروبي أولى عقوباته على النظام السوري في مايو/أيار 2011، عقب اندلاع الثورة السورية، مستهدفًا شخصيات بارزة من الدائرة المقربة من بشار الأسد، متهمة بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، وقد شملت العقوبات حظر السفر وتجميد الأصول المالية. كما شملت العقوبات إجراءات قطاعية طالت قلب الشبكة المالية للنظام، منها حظر استيراد النفط الخام ومشتقاته من سوريا، ومنع تصدير معدات ذات استخدام مزدوج (مدني وعسكري)، إضافة إلى قيود على تمويل مشاريع البنية التحتية.

وفي 24 فبراير/ شباط الماضي، أعلن الاتحاد الأوروبي قراره تعليق بعض العقوبات المرتبطة بقطاعات مثل البنوك والطاقة والنقل، مع التأكيد على مراقبة الوضع الميداني في سورية وتقييم إمكانية تعليق المزيد من العقوبات في المستقبل.

دول اخرى في الطريق لرفع العقوبات عن سورية

كما تتجه اليابان إلى رفع العقوبات الاقتصادية عن سورية، وأكدت صحيفة الاقتصاد اليابانية السبت الماضي، أن “الحكومة سترفع العقوبات عن سورية في نهاية مايو/ أيار الجاري تماشياً مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي”. وقال وزير الخارجية الياباني تاكيشي إيوايا، السبت، إن بلاده تدرس رفع العقوبات عن سورية، وذلك بعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب رفع إدارته للعقوبات المفروضة على دمشق. وأضاف تاكيشي في مؤتمر صحفي بطوكيو، أن بلاده “ستراقب عن كثب المناقشات في المجتمع الدولي وتتخذ القرار المناسب بشأن رفع العقوبات عن سورية”.

وأعلن البنك الدولي الجمعة، تسوية المتأخرات المالية المستحقة على سورية، والبالغة قيمتها 15.5 مليون دولار لتصبح مؤهلة للحصول على تمويلات جديدة. وذلك بعد يوم من بحث وزير المالية السوري محمد يُسر برنية، مع وفد من البنك سبل التعاون في إعادة تأهيل القطاعات ذات الأولوية في البلاد.

وفي 27 أبريل/ نيسان الماضي، أعلنت وزارتا المالية في السعودية وقطر سداد متأخرات سوريا لدى مجموعة البنك الدولي، والتي تبلغ نحو 15 مليون دولار، بحسب ما نقلته وكالة الأنباء السعودية الرسمية “واس” حينها. وقبيل قرار ترامب، كانت المؤسسات المالية الدولية لا تستطيع تقديم الدعم المالي لسوريا، في ظل العقوبات المفروضة على دمشق.

والثلاثاء الماضي، أعلن ترامب خلال زيارة رسمية إلى السعودية، رفع إدارته للعقوبات المفروضة على سورية، ما اعتبرته أوساط أوروبية تطورا قد يدفع نحو مراجعة أوسع للعقوبات الغربية. وعلى خلفية انتهاكات نظام الأسد ومجازره في قمع الثورة بسورية منذ 2011، فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول أخرى بينها بريطانيا عقوبات على هذا البلد العربي، شملت تجميد أصول، ووقف التحويلات المالية، والحرمان من التكنولوجيا، وحظر التعامل مع نظامه.

والخميس، قالت وزارة الخزانة الأميركية إنها تعمل مع وزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي لتنفيذ توجيهات الرئيس ترامب بشأن رفع العقوبات عن سوريا. وأضافت في منشور على حسابها بمنصة إكس: “نتطلع إلى تطبيق التصاريح اللازمة التي ستكون حاسمة لجلب استثمارات جديدة إلى سورية”. ورجحت وزارة الخزانة أن “إجراءاتها قد تساعد في إعادة بناء الاقتصاد والقطاع المالي والبنية التحتية في سورية، ويمكن أن تضع البلاد على طريق مستقبل مشرق ومزدهر ومستقر”.

وأكد وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني السبت الماضي، أن إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب رفع العقوبات التي فرضت على سورية، هو خطوة مهمة في طريق التعافي الوطني وإعادة الإعمار، ويعكس جهدا دبلوماسيا عربيا صادقا أثمر نتائج ملموسة. ولفت الشيباني في كلمة بلاده أمام القمة العربية الـ34 المنعقدة في العاصمة العراقية بغداد، إلى أن رفع العقوبات ليس نهاية المطاف، بل هو بداية طريق يأمل أن يكون معبدا بالتعاون الحقيقي، وتكامل الجهود العربية لتحقيق التنمية.

وناقش الرئيس السوري أحمد الشرع مع وزراء ومديري هيئات أول من أمس الأحد، مشروع تعديل قانون الاستثمار، في وقت تسعى فيه البلاد للتعافي من تداعيات عهد الرئيس المخلوع بشار الأسد. وأوضحت وكالة الأنباء السورية-سانا-أن اللقاء هدف “لمناقشة مشروع صياغة قانون الاستثمار وتعديلاته، بما يسهم في تعزيز بيئة الأعمال، ويواكب متطلبات المرحلة المقبلة والانفتاح الاقتصادي الواسع الذي تشهده سورية”.

(فرانس برس، العربي الجديد)

———————

الشيباني: رفع العقوبات يعبّر عن إرادة إقليمية ودولية لدعم سورية/ أنور الزيادات

20 مايو 2025

اعتبر وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، الثلاثاء، أن قرار رفع العقوبات يعبّر عن “إرادة إقليمية ودولية” لدعم سورية، بعيد تأكيد دبلوماسيين مَنْح الاتحاد الأوروبي الضوء الأخضر لرفع كل العقوبات الاقتصادية المفروضة منذ اندلاع النزاع. وقال الشيباني خلال مؤتمر صحافي مع نظيره الأردني أيمن الصفدي في دمشق: “إزالة العقوبات تعبر عن الإرادة الإقليمية والدولية لدعم سورية”، مؤكداً أن لدى “الشعب السوري اليوم فرصة تاريخية ومهة جداً لإعادة بناء بلده”. وأفاد الشيباني: “توجّنا جهودنا الدبلوماسية برفع العقوبات الأوروبية، بعد أيام من رفع العقوبات الأميركية”، مشيراً إلى أن رفع العقوبات سيحدث أثراً إيجابياً على البلاد، و”سيفسح المجال لشراكات أكبر بالتنسيق مع الجانب الأردني”.

وفي السياق، وحول العلاقات مع الأردن، قال وزير الخارجية السوري: “وقّعنا اتفاقية لإحداث مجلس تنسيقي أعلى لتعزيز العمل المشترك بما يخدم مصالح بلدينا”، لافتاً إلى “تهديدات أمنية مشتركة تواجه سورية والأردن”، وأن العلاقات مع الأردن تبشر “بازدهار مقبل”.

إلى ذلك، قال الشيباني: “نركز مع الجانب الأردني على ترجمة العلاقة المتميزة بين البلدين إلى عقود واتفاقيات وشراكات يستفيد منها الشعبان السوري والأردني”، مشيراً إلى وجود “تنسيق كامل مع الأردن لتعزيز الروابط بين المنطقة وبين شركائها في الدول الأوروبية والأميركية”.

من جانبه، قال الصفدي إن سورية “تمر بمرحلة تاريخية، والأردن سيكون لها السند والداعم حتى تصل إلى بناء سورية الحرة السيدة المستقرة الآمنة لكل مواطنيها، والتي يشكل استقرارها ركيزة لاستقرار المنطقة برمتها”. وأضاف الصفدي: “ما يهدد أمن واستقرار سورية يهدد أمن الأردن واستقراره، ونسعى إلى تعزيز التعاون في مواجهة التحديات المشتركة”.

وحول الاعتداءات الإسرائيلية شدّد الشيباني على أنها “لا تهدد سورية فقط بل جميع المنطقة، وتمثل انتهاكاً صارخاً للقوانين الدولية، ومنذ اليوم الأول قلنا نريد سورية مستقرة، فالشعب السوري تعب من الحروب”، بينما أشار الصفدي إلى أن الاعتداءات الإسرائيلية على جنوب سورية هي اعتداء على الأردن، واستقرار سورية يتطلب وقف كل التدخلات الخارجية في شؤونها.

وأكد الوزير الأردني أن “سورية بوابة الأردن إلى أوروبا”، مشيراً إلى مشاريع مرتقبة “تؤسس لعلاقات تعود بالنفع على المنطقة”، محذراً من أن “إسرائيل تريد الفرقة والانقسام حتى تُبقي سورية في حالة فوضى”، واصفاً ذلك بأنه “خطر على السلم والأمن في المنطقة”.

وبدأ الصفدي اليوم الثلاثاء، زيارة عمل إلى دمشق، يترأس خلالها وفدا وزاريا يضم كلا من وزير المياه والري رائد أبو السعود، ووزير الصناعة والتجارة والتموين يعرب القضاة، ووزير الطاقة والثروة المعدنية صالح الخرابشة، ووزيرة النقل وسام التهتموني. وبحسب ما ذكر بيان للخارجية الأردنية في وقت سابق، سيعقد الوزراء مباحثات موسّعة مع نظرائهم السوريين، وزير الخارجية والمغتربين أسعد الشيباني، ووزير الاقتصاد والصناعة محمد الشعار، ووزير الطاقة محمد البشير، ووزير النقل يعرب بدر. وقرر مجلس الوزراء الأردني، الأحد الماضي، الموافقة على الإطار العام لإنشاء مجلس للتنسيق الأعلى بين المملكة وسورية. وجاء القرار للتوافق على أجندة عمل مشتركة بين البلدين، وتعزيز “التعاون الأخوي” بينهما في العديد من المجالات، خصوصاً الأساسية منها كالتجارة والنقل والطاقة والصحة، والتوسع لاحقاً إلى بقية المجالات. ويضم المجلس في عضويته وزراء الطاقة والصحة والصناعة والتجارة والنقل والزراعة والمياه وتكنولوجيا المعلومات والاتصال والتعليم والسياحة.

ويجتمع المجلس بالتناوب في كل من البلدين، على أن يكون الاجتماع الأول في الأردن، ويعقد دوراته مرة كل ستة أشهر، ويجوز له عقد دورة استثنائية في أي وقت يتفق عليه الطرفان إذا دعت الحاجة لذلك. وأجرى الصفدي في 12 مايو/أيار الجاري، محادثات مع نظيريه التركي هاكان فيدان، والسوري أسعد الشيباني خلال اجتماع ثلاثي استضافته تركيا، وبحث آليات التعاون لدعم الجمهورية العربية السورية في جهودها لإعادة البناء والتصدي للتحديات التي تهدد مسيرتها وأمنها واستقرارها وسيادتها. وأكد الوزراء، خلال الاجتماع، أهمية مأسسة التعاون بين الدول الثلاث في المجالات الاقتصادية والسياسية والأمنية وضرورته لدعم سورية في إعادة البناء على الأسس التي تضمن وحدتها وأمنها وسيادتها وسلامة مواطنيها.

وعلى هامش اللقاء الثلاثي، أجرى الصفدي اجتماعًا مع الشيباني بحث الخطوات التي سيتخذها البلدان لتعميق التعاون ومواجهة التحديات المشتركة. واتفق الصفدي والشيباني على عقد اجتماع موسع يحضره الوزراء المعنيون لبحث التعاون في القطاعات المختلفة، تفعيلًا لمجلس التنسيق الأعلى الذي كانا اتفقا على إنشائه خلال لقائهما في دمشق الشهر الماضي.

كما بحث الوزراء التعاون القائم لمواجهة خطر تهريب المخدرات والسلاح ومواجهة الإرهاب. وفي مؤتمر صحافي بعد اللقاء الثلاثي، أكد الصفدي أن المحادثات خلال الاجتماع “عكست موقفنا الموحّد في دعم  السوريين”. وأضاف: “دعمنا لسورية مطلق، وقوفنا إلى جانب سورية في مواجهة كل ما يهدد أمنها واستقرارها مطلق، واستقرار سورية هو ركيزة لاستقرار منطقتنا، وحصول الشعب السوري الشقيق على حقه في الحياة الآمنة الكريمة بعد سنوات من المعاناة أولوية بالنسبة لنا”. وشدد على أن المملكة لن تدخر جهدًا في دعم سورية.

وقال الصفدي إن الاجتماع بحث خطوات عملية لدعم سورية وللمساعدة في تفعيل المؤسسات، وبناء القدرات، وبناء علاقات اقتصادية تجارية استثمارية تنعكس خيرًا على الجميع. وتابع: “صحيح أن ثمة تحديات في سورية، لكن ثمة فرصاً كبيرة أيضًا، وكلما عملنا معًا ونسقنا مواقفنا، استطعنا أن ندفع باتجاه الإفادة من هذه الفرص بما ينعكس خيرًا على سورية وعلى شعبها”. وأكد الصفدي أن التحديات الأكبر هي التي تستهدف أمن سورية واستقرارها من الخارج، وفي مقدمة هذه التحديات العدوان الإسرائيلي المتجدد، ومحاولة إسرائيل التدخل في الشؤون السورية وبث الفرقة والفتنة والانقسام.

———————————–

رفع عقوبات أميركا عن سوريا.. تحديات وآلية معقدة قد تستغرق سنوات محدث 20 مايو 2025

19 مايو 2025

تُصوَّر العقوبات الأميركية على سوريا عادةً كمصعد له اتجاه واحد إلى الأعلى فقط، وذلك بسبب أن إبطالها في التشريع الأميركي أمر صعب جدًا، بخلاف فرضها الذي يكون أسهل.

ولذا، فإن القرار الأخير للرئيس الأميركي دونالد ترمب برفع العقوبات عن سوريا هو خطوة غير معتادة تفتح الباب لأسئلة كثيرة عن التحديات التي تواجه آليات رفع العقوبات وجدواها بالنسبة للسوريين.

تاريخ العقوبات الأميركية المفروضة على سوريا

ولم تكن عقوبات قيصر الوحيدة المفروضة على سوريا، لكنها الأشد والأكثر تأثيرًا، حيث تشل الاقتصاد السوري بالكامل، بفرضها تبعات كارثية على أي دولة أو جهة أو شركة تمارس نشاطًا تجاريًا أو استثماريًا في سوريا.

وأُقرت هذه العقوبات عام 2019 بعد تسريب آلاف الصور المروعة لضحايا معتقلات الأسد.

وبدأت العقوبات الأميركية على سوريا قبل 46 عامًا، حين أدرجت واشنطن دمشق على قائمة الدول الراعية للإرهاب عام 1979، إبان حكم حزب البعث.

وتفاقمت العقوبات في 2003، حين فرض الرئيس بوش الابن قانون محاسبة سوريا، ثم توسعت على مدار سنوات الثورة السورية عام 2011.

عقوبات تنفيذية وأخرى تشريعية

وتندرج العقوبات الأميركية على سوريا تحت فئتين: تتمثل أولاهما في عقوبات صدرت بأوامر تنفيذية، مثل التي فرضت على خلفية قمع المتظاهرين عام 2011.

ويمكن للرئيس الأميركي إلغاؤها أو تعديلها بأمر تنفيذي معاكس من دون الرجوع للكونغرس، وقد يحتاج هذا الإجراء فقط أسابيع لمراجعة قوائم الإعفاء مع الجهات الحكومية وعلى رأسها وزارة الخزانة الأمريكية.

أما الفئة الثانية فهي عقوبات أقرّها الكونغرس الأميركي وضَمنّها في قوانينه وهي ثلاث: قانون إدراج سوريا على قوائم الدول الراعية للإرهاب، وقانون محاسبة سوريا، وقانون قيصر.

ولكونها صادرة عن الكونغرس، فلا يمتلك غيره صلاحية إلغاء هذه العقوبات أو تعديلها. ولكن، يمتلك رئيس الولايات المتحدة صلاحية تجميد العقوبات بإطار محدد المدة وقابل للتمديد.

وفي نهاية ولايته بعد سقوط الأسد فعّل الرئيس الأميركي السابق جو بايدن ذلك، وإن كان قراره حينها قد شمل بنودًا هامشية فقط. ولهذا، فإن شطب العقوبات بالكامل يحتاج تشريعات معقدة.

عقبات وآمال

ويبرز في وجه إلغاء العقوبات التي أقرها الكونغرس الأميركي تحديان أساسيان: الأول هو التجاذبات الحزبية الداخلية في الولايات المتحدة.

فعلى سبيل المثال، لن يطرح قانون قيصر للنقاش أمام الكونغرس حتى عام 2028، وعملية إدراجه قبل هذا الموعد على جدول أعمال المجلس ترتبط بصراعات الجمهوريين والديمقراطيين.

أما التحدي الثاني، فيُعَدّ الأكثر تعقيدًا، وهو إقناع أعضاء الكونغرس أن سوريا استوفت الشروط التي فرضت العقوبات من أجلها أصلاً.

ومن المتوقع أن يصدر ترمب أوامر تنفيذية لتجميد أو تعليق أو تأجيل العقوبات الأميركية على سوريا، أو إقرار أذونات مرحلية للسماح.

وخلال السنوات التالية ستبقى أعين المشرعين الأميركيين على سوريا تراقب عن قرب مدى التزامها بشروط إزالتها من قوائم العقوبات نهائيًا.

ولعلّ الجانب الإيجابي في الأمر، أن نتائج أوامر ترمب التنفيذية ستظهر سريعًا، فبقدر ما تبدو عملية رفع العقوبات قانونية في الظاهر، إلا أنها في الجوهر سياسية محضة.

ويعتبر رجال الاقتصاد أفضل من يقرأ رسائل السّاسة، خاصة في ظل حماس دول الإقليم العربي للمساهمة في إعادة إعمار سوريا والدخول إلى سوقها الواعدة.

———————-

بعد قرار ترامب.. سوريا في معترك إعادة البناء والنفوذ الإقليم/ يرشا إبراهيم

– واشنطن

20 مايو 2025

يتيح قرار الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، رفع العقوبات عن سوريا، فتح صفحة جديدة، ليس في تاريخ هذا البلد الذي حطمته الأزمات والحروب فحسب، بل في تاريخ المنطقة برمتها.

وتتهيأ أطراف إقليمية ودولية كثيرة لاغتنام القرار، الذي يحمل وعودا بالازدهار للشعب السوري، في التنافس من أجل ترسيخ نفوذها في سوريا.

“من سيحظى بماذا من الكعكة السورية؟” سؤال يتردد في أروقة التكهنات. لكن “أعتقد أننا لا نزال بحاجة إلى مراقبة التطورات،” كما يقول  كبير الباحثين في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، سنان سيدي لـ”الحرة”.

وفي الوقت الذي تتعالى فيه الأصوات الداعية إلى الاستثمار والتعاون الدولي وعودة سوريا إلى “الحضن العربي”، تظهر في المقابل تحذيرات من مخاطر تدخلات خارجية ومحاولات لاستغلال الوضع السوري الهش.

“النفوذ الروسي في الساحة السورية قد تراجع، لكن هذا لا يعني أن هذه القوى قد اختفت تماما. بل يعني أنه مع رفع العقوبات، سيسعى الروس والإيرانيون للاستفادة من هذه الفرص، نظرا لوجود مصالح تجارية ومالية داخل سوريا تحظى بدعمهم،” يقول سيدي.

لكن، “المملكة العربية السعودية وتركيا،” يستدرك سيدي، “ستجدان نفسيهما في وضع يمكنهما من ممارسة نفوذ كبير داخل سوريا، حيث ستتدفق الفرص الاستثمارية والأموال إليها، وهو ما طالما تمنته دول الخليج”.

ما بعد العقوبات

لن تكون مرحلة ما بعد العقوبات لسوريا طريقا مفروشا بالورود. يحتاج السوريون إلى إعادة بناء بلد ببنية تحتية متهالكة، واقتصاد منهار، ومجتمع ممزق. وكما كانت مسرحا لتنافس وتنازع مسلح، إقليمي ودولي، قد تصبح في مرحلة ما بعد العقوبات مسرحا لتنافس اقتصادي سلمي على الأرجح.

 يشير رئيس مركز القرن للدراسات، سعد بن عمر، خلال حديثه مع قناة “الحرة”، إلى أن “الرئيس ترامب يعتقد أن المنطقة يجب أن تسير نحو السلام من خلال الخطوات التي اتخذتها الإدارة الأميركية في لبنان وسوريا وتركيا”.

لطالما اعتمدت واشنطن على العقوبات كوسيلة لعزل نظام بشار الأسد. ومع ذلك، فإن قرار رفع هذه العقوبات يدل على تغيير في الاستراتيجية، إذ تسعى الولايات المتحدة إلى تعزيز دور حلفائها الإقليميين، مثل تركيا والسعودية، في عملية إعادة إعمار سوريا، مع تقليل النفوذ الإيراني والروسي.

وتتوافق السياسة الأميركية هذه مع توجهات دول إقليمية عديدة.

“المملكة العربية السعودية تدعم الشعب السوري، لأنها لا ترغب في أن يكون خاضعًا أو تحت سيطرة أي دولة،” يقول بن عمر.

ويضيف: “كانت التجربة الإيرانية تجربة مؤلمة للغاية. لا نرغب في أن يستبدل الشعب السوري القيادة الإيرانية أو السيطرة الإيرانية بسيطرة دول أخرى. أعتقد أن الحكومة السورية الجديدة تدرك أن سوريا يجب أن تبقى بعيدة عن المحاور والتحالفات الضيقة”.

تعزيز النفوذ الإقليمي

تسعى تركيا، التي كانت داعما رئيسيا للمعارضة السورية، إلى تعزيز نفوذها في سوريا من خلال التعاون مع الحكومة الجديدة بما يتيح لأنقرة توسيع نفوذها السياسي والاقتصادي في المنطقة ككل.

وتظهر السعودية اهتماما متزايدا بإعادة دمج سوريا في المحيط العربي لتعزيز الاستقرار الإقليمي والمشاركة في جهود إعادة الإعمار، بما يتماشى مع رؤيتها الاستراتيجية.

ولا يقتصر على تركيا والسعودية، السعي لضمان النفوذ والمصالح في سوريا ما بعد العقوبات. رغم ذلك، تعد الخطوة التاريخية التي مثلها قرار ترامب، بتنافس محسوب على إيقاع مرحلة إقليمية جديدة عنوانها الاستثمار والنمو الاقتصادي والمصلحة المشروعة لجميع الدول.

رشا إبراهيم – واشنطن

الجرة

—————————————

==========================

العدالة الانتقالية تحديث 21 أيار 2025

لمتابعة هذا الملف اتبع الرابط التالي

العدالة الانتقالية في سوريا

——————————

لماذا من الأفضل أن تشكل هيئة العدالة الانتقالية عبر المجلس التشريعي؟/ فضل عبد الغني

2025.05.20

أولا: مقدمة

تواجه سوريا تحدياً جوهرياً يتمثل في كيفية التعامل مع إرث أربعة عشر عاماً من النزاع المسلح وما رافقه من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. في هذا السياق، تبرز أهمية العدالة الانتقالية كإطار ضروري لمعالجة الماضي وتأسيس أُسس متينة لمستقبل يقوم على احترام حقوق الإنسان وسيادة القانون. ولإنشاء هيئة للعدالة الانتقالية في سوريا، تظهر إشكالية تتعلق بالآلية القانونية والإجرائية المثلى لتأسيس هذه الهيئة. تتمحور هذه الإشكالية حول خيارين رئيسين: الأول يتمثل في إنشاء الهيئة من خلال مرسوم تنفيذي صادر عن السلطة التنفيذية، والثاني يتمثل في تأسيسها استناداً إلى قانون يصدر عن المجلس التشريعي. تكتسب هذه الإشكالية أهمية نظراً لتأثيرها العميق على استقلالية هذه الهيئة وفعاليتها وشرعيتها، وبالتالي على قدرتها على تحقيق أهداف العدالة الانتقالية في السياق السوري المعقد.

وفي ظل التحديات الهائلة التي تواجه سوريا في مرحلتها الانتقالية، يصبح اختيار الآلية المؤسسية المناسبة لتأسيس هيئة العدالة الانتقالية شرطاً لازماً لنجاح المسار الانتقالي بأكمله. فالقرارات المتخذة بشأن تأسيس هذه الهيئة ستشكل إلى حد كبير مستقبل العدالة والمصالحة والاستقرار في سوريا، وستحدد مدى قدرة البلاد على مواجهة إرث الماضي وبناء مستقبل أكثر عدالة واستقراراً.

ثانيا: الأبعاد الأساسية لدور المجلس التشريعي في تأسيس هيئة العدالة الانتقالية

يُشكل مفهوم “كرامة التشريع” إطاراً نظرياً محورياً في فهم القيمة المؤسسية المميزة للعمليات التشريعية مقارنة بالإجراءات التنفيذية. يستند هذا المفهوم إلى فكرة أن القوانين الصادرة عن هيئة تشريعية منتخبة ومتعددة الأطراف تكتسب سلطة أخلاقية متميزة تتجاوز مجرد الإلزام القانوني الرسمي. هذه السلطة الأخلاقية متأصلة في طبيعة العملية التداولية التي تتضمن مناقشات مفتوحة وتمثيلية، تعكس تنوع وجهات النظر داخل المجتمع، وتخضع للمساءلة أمام العامة.

تؤكد الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان أنَّ المجلس التشريعي، الذي سيُشكّل بعد صدور الإعلان الدستوري، هو الجهة التي ينبغي أن تتولى صياغة قانونٍ تأسيسي لتنظيم عملية العدالة الانتقالية. ويكتسب هذا الطرح أهمية في المرحلة الانتقالية السورية، حيث تُعالج “معضلة التفويض” – وهي إشكالية تواجه المؤسسات الانتقالية.

تبرز أهمية كرامة التشريع بشكل خاص في السياق السوري نظراً للتعقيد الاستثنائي للنسيج الاجتماعي والسياسي في البلاد. فالتنوع الإثني والديني والسياسي العميق في سوريا يستدعي عملية تأسيسية تعكس هذا التنوع وتستوعبه. ويوفر المسار التشريعي، بحكم طبيعته التداولية والتمثيلية، الإطار المؤسسي الأمثل لاستيعاب هذا التنوع، من خلال إتاحة مساحة للنقاش العام وتمثيل مختلف وجهات النظر والتوصل إلى توافقات عريضة.

تُظهر التجارب الدولية المقارنة أهمية هذا البعد بوضوح. ففي جنوب إفريقيا، اكتسبت لجنة الحقيقة والمصالحة شرعية استثنائية من خلال تأسيسها بموجب قانون تعزيز الوحدة الوطنية والمصالحة لعام 1995، الذي صدر عقب مناقشات برلمانية مكثفة عكست مدخلات من طيف واسع من الأحزاب السياسية والمجتمع المدني. وفي المقابل، واجهت لجان الحقيقة في أوغندا، التي أُنشئت بموجب مراسيم رئاسية، تحديات كبيرة في تحقيق القبول المجتمعي والفعالية المؤسسية، حيث ظلت تُنظر إليها باعتبارها أدوات سياسية في يد السلطة التنفيذية أكثر منها آليات وطنية للعدالة الانتقالية.

شمولية أصحاب المصلحة

يُشير مفهوم “شمولية أصحاب المصلحة” إلى مدى قدرة العمليات المؤسسية على استيعاب وجهات نظر ومصالح الفئات المتنوعة داخل المجتمع. في سياق العدالة الانتقالية، تكتسب هذه الشمولية أهمية مضاعفة، نظراً لأن نجاح آليات العدالة الانتقالية يرتبط ارتباطاً وثيقاً بمدى قدرتها على عكس احتياجات وتطلعات المجتمعات المتضررة من النزاع.

يحقق الانخراط التشريعي ما يُعرف بـ «شمولية أصحاب المصلحة»، من خلال ضمان مشاركة مختلف الفئات الاجتماعية في تصميم إطار العدالة الانتقالية. اعتقد أنَّ هيئة العدالة الانتقالية يجب أن تكون شاملة ومُمثلة لشرائح المجتمع السوري لضمان شرعيتها وفاعليتها. وتتيح العمليات التشريعية هذه الشمولية عبر آليات التشاور الرسمية وجلسات الاستماع العامة، فضلاً عن إجراءات التعديل التي عادةً ما تفتقدها المراسيم التنفيذية.

تتجلى أهمية شمولية أصحاب المصلحة في السياق السوري بالنظر إلى تعدد مستويات الانتهاكات وتنوع الفئات المتضررة. فقد تأثرت مختلف المكونات السورية – على اختلاف انتماءاتها الإثنية والدينية والسياسية – بأشكال متنوعة من الانتهاكات، مما يتطلب إطاراً قانونياً يستوعب هذا التنوع ويستجيب له. ويوفر المسار التشريعي، عبر ما يتضمنه من جلسات استماع عامة ولجان برلمانية متخصصة ومشاورات مجتمعية، الآليات المؤسسية اللازمة لضمان تمثيل مصالح واحتياجات مختلف الفئات المتضررة.

تبرز تجربة لجنة الحقيقة والكرامة في تونس كمثال دال على أهمية الشمولية في السياق الانتقالي. فقد أُنشئت اللجنة بموجب قانون العدالة الانتقالية الذي أقره المجلس الوطني التأسيسي عام 2013، بعد مشاورات واسعة شملت منظمات المجتمع المدني وجمعيات الضحايا والأحزاب السياسية. وسمح هذا الأساس القانوني للجنة بتطوير إجراءات تشغيلية تستجيب للاحتياجات المتنوعة للضحايا، بما في ذلك النساء والمجتمعات المهمشة اقتصادياً. وفي المقابل، واجهت لجنة الحقيقة في المغرب، التي أُنشئت بمرسوم ملكي، انتقادات واسعة بسبب محدودية إشراك الضحايا في تصميم إجراءاتها ونطاق عملها.

ثالثا: الاستقلالية كشرط أساسي لنجاح هيئة العدالة الانتقالية

يُعدُّ الاستقلال المالي والإداري عن السلطة التنفيذية شرطاً جوهرياً لنجاح وفاعلية عمل هيئة العدالة الانتقالية. وأنا أجادل أن إنشاء الهيئة يجب أن يرتكز على أسسٍ راسخة تضمن استقلالها المالي والإداري الكامل عن السلطة التنفيذية، وذلك لتفادي استخدام التمويل كآلية للتحكم والسيطرة على عمل الهيئة.

وتشكل حماية المخصصات المالية للهيئة ضماناً أساسياً لاستقلاليتها، من خلال منع التخفيضات التعسفية في التمويل، خصوصاً عند قيام الهيئة بتحقيقات ذات حساسية سياسية. تُظهر تجارب العدالة الانتقالية أن التحكم في الموارد المالية يُمثل إحدى الأدوات الرئيسة التي تستخدمها السلطات التنفيذية للتأثير على المؤسسات المستقلة ظاهرياً. لذلك، يجب أن تُعدّ ميزانية الهيئة من خلال إجراءات تشريعية شفافة ومحددة بوضوح، بعيداً عن التخصيصات التنفيذية التي قد تتسم بالتحيز أو التقلب.

في سياق الحالة السورية، تكتسب حماية المخصصات المالية أهمية استثنائية نظراً لطبيعة التحقيقات المرتقبة والتي ستتناول انتهاكات ذات حساسية سياسية عالية، مما قد يدفع بعض الأطراف إلى محاولة التأثير على سير التحقيقات من خلال التحكم بالتمويل. يضمن الأساس التشريعي لإنشاء الهيئة توفير حماية قانونية للميزانية تجعل تخفيضها أو التلاعب بها أمراً يتطلب عملية تشريعية كاملة، وليس مجرد قرار تنفيذي.

صلاحية التحكم في الموارد التشغيلية

يُشير التحكم في الموارد التشغيلية إلى قدرة الهيئة على اتخاذ قرارات مالية داخلية مستقلة من دون الحاجة إلى الحصول على موافقة السلطة التنفيذية، وخاصة فيما يتعلق بالنفقات المرتبطة بالتحقيقات ذات الحساسية العالية. تعتبر هذه الصلاحية ضرورية لتمكين الهيئة من إدارة مواردها بمرونة واستجابة للأولويات التحقيقية المتغيرة.

تكشف التجارب الدولية أن غياب هذه الصلاحية يمكن أن يؤدي إلى “شلل وظيفي” يُعيق قدرة الهيئة على الاستجابة بفاعلية للقضايا الناشئة. على سبيل المثال، في بيرو، واجهت لجنة الحقيقة والمصالحة تحديات كبيرة عندما تطلبت كل نفقة غير روتينية موافقة من وزارة المالية، مما أثر سلباً على سرعة واستقلالية التحقيقات في المناطق النائية. في المقابل، تمتعت لجنة الحقيقة والمصالحة في جنوب إفريقيا بصلاحيات أوسع في إدارة مواردها، مما أسهم في فاعليتها وقدرتها على تكييف استراتيجياتها التحقيقية.

استقلالية التوظيف

تمثل استقلالية التوظيف ركيزة أساسية للاستقلال الإداري، إذ تحتاج الهيئة إلى سلطة كاملة في قرارات توظيف وترقية وتعويض الموظفين، من دون تدخل أو تأثير من السلطة التنفيذية. تتيح هذه الاستقلالية للهيئة اختيار الخبرات والكفاءات المتخصصة اللازمة لعملها، وتحميها من محاولات التأثير على سير التحقيقات من خلال التحكم بالتعيينات.

في السياق السوري، تبرز أهمية استقلالية التوظيف بالنظر إلى تعقيد وحساسية القضايا المرتقبة، والتي تتطلب خبرات متنوعة في مجالات التوثيق والتحقيق الجنائي والدعم النفسي للضحايا والتحليل الاقتصادي لانتهاكات حقوق الإنسان. ولضمان هذه الاستقلالية، يجب أن ينص القانون التأسيسي للهيئة بوضوح على آليات شفافة للتوظيف تستند إلى معايير الكفاءة والنزاهة، بعيداً عن التدخلات السياسية.

حماية عملية التعيينات

تمثل حماية عملية التعيينات ضماناً أساسياً ضد التلاعب السياسي في اختيار أعضاء الهيئة. وبشكل لالبس فيه، يجب أن يكون لدى المرشحين سجلٌ خالٍ تماماً من الفساد أو انتهاكات حقوق الإنسان، مع استقلاليتهم الكاملة عن الأحزاب والفصائل السياسية لضمان نزاهة الهيئة.

يفترض أنه يكون هناك آلية اختيار متعددة الأطراف، تتضمن تشكيل لجنة توصية تتألف من خبراء مستقلين وممثلين عن القضاء والمجتمع المدني والضحايا لترشيح الأعضاء المحتملين. تهدف هذه الآلية إلى تحقيق “مسافة التعيين” – أي الفصل المؤسسي الواضح بين السلطات السياسية وعملية اختيار الأعضاء، مما يمنع الاستحواذ الحزبي أو تسييس عملية التعيينات.

حماية الحيازة

تشير حماية الحيازة إلى ضمان عدم إمكانية عزل الأعضاء أو تعرضهم للانتقام بسبب القرارات التي تتخذها الهيئة، خاصةً تلك التي تتمتع بحساسية سياسية. يمكن تحديد فترة عضوية ثابتة تتراوح من ثلاث إلى خمس سنوات، مما يضمن استقراراً مؤسسياً ويُجنب الأعضاء تهديدات الإبعاد التعسفي.

يجب أن يتضمن القانون التأسيسي للهيئة في سوريا إجراءات محددة وصارمة لعزل الأعضاء، بحيث تقتصر أسباب العزل على المخالفات الجسيمة المثبتة قانوناً، وتتطلب آليات تصويت معقدة تمنع الاستخدام السياسي لسلطة العزل.

حماية الاستقلالية التشغيلية

تتعلق حماية الاستقلالية التشغيلية بضمان عدم التدخل في القرارات اليومية والأنشطة التنفيذية للهيئة. تمنح رؤية الشَّبكة السورية لحقوق الإنسان الهيئة صلاحيات تحقيقية واسعة، تشمل استدعاء الشهود، وجمع الأدلة، والاطلاع على الوثائق الرسمية والخاصة، وإجراء التحقيقات في الانتهاكات، والمطالبة القضائية بإصدار أوامر الاعتقال.

ضرورة استقلال الهيئة عن وزارة العدل

رغم عمل الهيئة ضمن النظام القضائي الأوسع، يجب أن تحافظ هيئة العدالة الانتقالية على استقلالها عن وزارة العدل، باعتبارها جزءاً من السلطة التنفيذية. يهدف هذا الاستقلال إلى معالجة نقاط ضعف جوهرية قد تؤثر سلباً على فاعلية العدالة الانتقالية.

ويعالج الاستقلال عن وزارة العدل مشكلة الإرث المؤسسي، أي استمرار الأنماط السابقة في الحكم داخل المؤسسات التي يُفترض أنَّها خضعت للإصلاح. فقد عملت وزارة العدل على مدى عقود من حكم عائلة الأسد كأداة لفرض السيطرة السياسية بدلاً من دورها الأساسي في حماية الحقوق وإرساء العدالة.

تشير تجارب دول مثل الأرجنتين وتشيلي إلى أن الهيئات المستقلة كلياً عن وزارات العدل كانت أكثر قدرة على التحقيق بفعالية في انتهاكات قد تكون ارتكبت بتواطؤ من داخل المنظومة القضائية ذاتها.

حرية تطوير مناهج عمل متخصصة

يُتيح الاستقلال عن وزارة العدل للهيئة حرية أكبر في تطوير مناهج وأساليب عمل متخصصة تلبي الاحتياجات الدقيقة للعدالة الانتقالية، والتي قد تختلف جوهرياً عن إجراءات الوزارة التقليدية. هناك أهمية لاستقطاب خبرات ومنهجيات متخصصة، بما في ذلك الاستعانة بخبراء في القانون الوطني والدولي، والتوثيق وجمع الأدلة، إضافة إلى خبراء الاقتصاد والدعم النفسي والاجتماعي.

توفر التجارب الدولية أمثلة واضحة على أهمية هذا الاستقلال. ففي كولومبيا، تمكنت وحدة البحث عن المفقودين، التي أُنشئت كهيئة مستقلة عن النظام القضائي التقليدي، من تطوير منهجيات متخصصة في البحث الجنائي والأنثروبولوجيا الجنائية، أسهمت في تحديد مصير آلاف المفقودين. وفي تونس، سمح استقلال هيئة الحقيقة والكرامة بتطوير إجراءات مراعية للنوع الاجتماعي في التعامل مع ضحايا العنف الجنسي، بما يتجاوز الإجراءات القضائية التقليدية.

خاتمة

إن إنشاء هيئة العدالة الانتقالية في سوريا عبر قانون صادر عن المجلس التشريعي يُشكل الخيار الأمثل لضمان فعالية واستقلالية وشرعية هذه الهيئة، وبالتالي تعزيز قدرتها على تحقيق أهداف العدالة الانتقالية في سياق سوري معقد. حيث يشكل التكوين والتمثيل الشامل في هيئة العدالة الانتقالية ركيزة لنجاحها، حيث يتيح التنوع الوصول إلى قواعد معرفية متعددة، ويسهم في بناء الثقة بين مختلف فئات المجتمع، ويوفر معلومات تنفيذية قيّمة.

ويسهم التنوع في بناء الثقة بين مختلف فئات المجتمع، ويمنح هذه الفئات شعوراً قوياً بأنَّ تجاربهم وأولوياتهم ستكون محل اهتمام فعلي وجاد. يشكل هذا البعد أهمية خاصة في السياق السوري، حيث أدى النزاع المستمر على مدى 14 عاماً إلى تعميق الانقسامات الاجتماعية والسياسية، وتراجع الثقة بين مختلف المكونات.

يواجه المجتمع السوري تحدياً خاصاً يتمثل في “الشك المؤسسي العميق”، أي تشكيك فئات واسعة من المجتمع في إمكانية قيام أي مؤسسة رسمية بخدمة مصالحهم بنزاهة. ويمثل التكوين المتنوع للهيئة خطوة أساسية لمعالجة هذا الشك، من خلال إرسال إشارة واضحة بأن العدالة الانتقالية لن تكون أداة للانتقام أو الانحياز لطرف على حساب طرف آخر.

تلفزيون سوريا

————————

العدالة الانتقالية في سوريا والتكيُّف مع الماضي/ موفق نيربية

عن مرسوم تشكيل الهيئة والتجارب التي يمكن الاستفادة منها

20-05-2025

        بعد تَرقُّب وانتظار وقلق، صدر مرسوم تشكيل هيئة العدالة الانتقالية في سوريا في السابع عشر من أيّار (مايو) الجاري، لكن نصّه لم يستطع إرواء تعطّش السوريين-ات وحاجتهم-نّ إلى عدالة انتقالية كما ينبغي أن تكون، فهو لم يُراعِ المتطلّبات التي حدّدتها الأمم المتحدة لتلك العملية ومبادئها التوجيهية، التي تُحدّد مكوّنات تلك العملية الحسّاسة من حيث إمكانية إطلاقها شرارات مؤذية في الحقل الذي تقوم من أجله:

        «تتكوّن العدالة الانتقالية من عمليات وآليات قضائية وغير قضائية، تشمل مبادرات المقاضاة، وتيسير المبادرات المتعلّقة بالحقّ في معرفة الحقيقة، وتقديم التعويضات، والإصلاح المؤسسي، والمشاورات الوطنية. ويجب أن يتوافق أي مزيج من هذه العناصر مع المعايير والالتزامات القانونية الدولية».

        لم يُحدّد مرسوم إنشاء الهيئة علاقتها المهمّة بالسلطة القضائية المحلّية وربّما الدولية، ولم ينصّ بوضوح على استقلالها عن السلطتين التنفيذية والتشريعية أو علاقتها بهما، كما لم يحدّد مرجعيّتها التي ينبغي أن تُشير إلى الالتزام بالقانون والمعايير الدولية. كذلك، لم يأتِ على ذكر علاقتها بالإصلاحات المؤسساتية المتعلّقة بها، والضرورية من أجل فاعليّة عملها ومردوده المطلوب… على سبيل المثال.

        ولم يُحدّد المرسوم أيضاً حدود مهمّتها ومجالاتها، بحيث تشمل انتهاكات النظام السابق بكلّ مؤسّساته وشخصيّاته، وقوى المعارضة المسلّحة بكلّ تشكيلاتها، كما لم يُشر إلى علاقة الهيئة بانتهاكات داعش وتفريعاتها.

        تشير العدالة الانتقالية في أفضل تعريفاتها إلى مجموعة من التدابير القضائية وغير القضائية التي تهدف إلى معالجة إرث انتهاكات حقوق الإنسان والفظائع الماضية، ومساعدة المجتمع على الانتقال من الصراع أو الحكم الاستبدادي إلى السلام والديمقراطية. وتشمل جهوداً لتوفير العدالة والمساءلة والمصالحة، وغالباً ما تتضمّن آليات مثل المحاكمات، ولجان الحقيقة، والتعويضات، والإصلاحات المؤسسية، وأعمال المصالحة الرمزية.

        أما مصطلح «التصالح مع الماضي أو ما مضى» فقد قام إيكهارد جيسي عالم السياسة الألماني بتحديد العوامل التي يقوم عليها، حيث يتطلّب ثلاثة عوامل: أوّلاً، الجرائم ذاتها؛ وثانياً، إيقافها؛ وثالثاً، إرساء الديمقراطية. ولا يمكن للتصالح مع الماضي، تصالحاً يستحق هذا الاسم، أن يترسّخَ إلّا بتوفّر هذه الجوانب الثلاثة مجتمعة. لكن زميله هيلموت كونيش قدّمَ تعريفاً أوضح للمصطلح، واعتبره «مجموع تلك الأفعال والمعارف التي تحملها أو تكتسبها الأنظمة الديمقراطية الناشئة بعدما تنتهي من دولها غير الديمقراطية السابقة عليها»… طبعاً بافتراض أن التغيير الذي جرى هو من تلك إلى هذه، لأنّ تغييراً لا ينتهي إلى الديمقراطية لا يكون تغييراً قادراً على المصالحة مع الماضي وآثاره.

        كأنّ العدالة الانتقالية أساسٌ ماديّ ملموس يجعل التكيّف مع الماضي المظلم ممكناً أو هادئاً غير متفجّر. هما إذن مفهومان مترابطان بقوة، لكنهما ليسا متطابقين، بل متداخلان إلى حدّ كبير في الهدف والوظيفة؛ لأنّ كليهما يهدفان إلى مواجهة مظالم الماضي وفظائعه، لكنهما يختلفان في إطار ونطاق عملهما وبؤر تركيزه.

        تلك العدالة تعالج  المجتمع المعني قانونياً وعملياً ونفسياً، وتُقرِّبُ إليه إمكانية المصالحة مع ماضيه. إنّها جزء أساسي ومؤسِّس، عبر آلياتها وسياساتها ومكوّناتها، من مرحلة الانتقال السياسي من الحرب إلى السلام، ومن الاستبداد إلى الحرية والديمقراطية. يتمّ ذلك من خلال كشف حقيقة انتهاكات الماضي، ومحاسبة الجناة، وتحقيق العدالة وجبر ضرر الضحايا وبرنامج التعويضات، وإصلاح مؤسسات الدولة المعنيّة وأدوات ممارستها لاحتكار العنف، لأنّ تكرار الانتهاكات في الوضع الجديد ينكأ الجراح والندوب، ومن ثمّ تستشري حالات الثأر والانتقام، وتتغذّى على تلك الحالات الناشئة. تكون تلك العدالة بذلك هي الأساس والأداة لشفاء المجتمع ووقايته من تكرار مآسيه.

        فيما يلي أوّلاً استعراضٌ سريع لأهم ملامح بعض التجارب في مراحلها الانتقالية، التالية لانتهاء الحرب أو سقوط نظام الاستبداد والتمييز، أو تسوية النزاع… قد تكون عوناً لبرمجة الطريق الوطني الخاص للعدالة الانتقالية في سوريا، ولفتح الطريق إلى التكيّف مع الماضي والتصالح معه. ثم نخوض قليلاً في بعض ما يفيد التجربة السورية:

        ألمانيا 1945:

        لا ريب أنّ التجربة الألمانية في الحقل الذي نتكلّم عنه كانت الأولى والأكبر في العصر الحديث، وقد انطلقت بعد نهاية الحرب وتقسيم ألمانيا بين الحلفاء المنتصرين؛ الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا، والاتحاد السوفييتي. وقد ارتكزت تلك العملية على ثلاثة أسس: المحاكمات، واجتثاث النازية، وجبر الضرر.

        شملت محاكمات مدينة نورمبرغ، التي اشتهرت بها، كبارَ الضباط النازيين المسؤولين عن الجرائم والانتهاكات، والتي خيّمت عليها خصوصاً كآبة الهولوكوست و«الحلّ النهائي» النازي للمسألة اليهودية كما تصوّرته قيادات النازية. حُكم على البعض بالإعدام، وعلى آخرين بفترات سجن متفاوتة، وتمّت تبرئة عدد منهم أيضاً.

        بالمقابل، أخذت عملية اجتثاث النازية وقتاً أطول، وربما ما زالت مستمرة حتى الآن. وينبع ذلك من كونها جزءاً من «التصالح مع الماضي» بعد فترتها الأولى كجزء من ترتيبات «العدالة الانتقالية». شمل الاجتثاث إجراءات واسعة من مراجعة وتدقيق سجلات المنتمين إلى الحزب، مع مراعاة الأعضاء «العاديين» أكثر من غيرهم، كما امتد إلى تضمينه في الدستور والقوانين والقواعد الناظمة، وفي مناهج التعليم والثقافة والفنون.

        جنوب أفريقيا 1994:

        كانت تجربة جنوب أفريقيا الثانية من حيث الأهمية عالمياً، وساعد اختلافها وتركيزها على «الحقيقة والمصالحة» على تفادي الحرب الأهلية وتخميد عواملها، بشكل مختلف عن التجربة الألمانية. في الوقت ذاته، جعلت عملية «المحاسبة» المحدودة و«جبر الضرر» البطيء عملية التكيُّف مع الماضي هشّة وضعيفة وغير متساوية.

        اعتمد المسار في جنوب أفريقيا على تحويل الديمقراطية «البيضاء» إلى أخرى «ملوّنة» أكثر توازناً وحداثة، دون أن يتمّ التحوّل بسهولة أو بساطة. وكانت «لجنة الحقيقة والمصالحة»، التي ارتبطت بالأُسقف ديزموند توتو، هي الآلية الأشهر والأكثر تميزاً في العدالة الانتقالية. بدأت اللجنة عملها عام 1995، وحقّقت في الانتهاكات وكشفت حقيقتها، لكنها تسامحت مع من اعترفوا بأخطائهم.

        كان خيار العدالة التصالحية بدلاً من العقابية سمة مميّزة للتجربة، وسمح بالكشف عن بشاعة جرائم العنصرية مع الكثير من العفو والتسامح، أو ما قد يراه البعض «إفلاتاً من العقاب». وبطريقة أخرى، أتاح ذلك تسهيل عملية المصالحة وساعد، نسبياً، على تعافي المجتمع من آثار ماضيه.

        بالطبع، ساعدت التعويضات، سواء المالية أو تلك التي كانت على شكل اعتراف رمزي بالتسبّب بالمعاناة، في التخفيف من آثارها. وساهمت إجراءات الحكومة في تعديل أو إصدار قوانين وتأسيس أجهزة أمن وعدالة متلائمة مع عملية التغيير، مع تعزيز النظام الديمقراطي، وتحصين المجتمع من أي انتهاكات محتملة لحقوق الإنسان، وهو ما أُنشئت لأجله لجنة مستقلة أيضاً.

        رغم ذلك، وُجِّهت انتقادات للفشل في تحقيق المُساءلة الكاملة، وعدم محاكمة العديد من المنتهكين السابقين، واستمرار بروز مظاهر عدم المساواة حتى الآن. هذه التحديات أثّرت على التجربة، وكان لا بدّ من مواجهتها. ويعرقل ذلك أحياناً تواتر الغرق في التنافس السياسي أو الفساد. على هذا الأساس، ما تزال النقاشات جارية حول مقدار ما تحقّقَ من العدالة، في أجواء ما تزال فيها إجراءات المصالحة مستمرة هنا وهناك.

        رواندا 1994:

        على مدى مائة يوم، وقعت مقتلة لن تنساها البشرية، أو ينبغي ألّا تنساها على الإطلاق، راح ضحيّتها حوالي 800 ألف من قبائل التوتسي والهوتو المعتدلين، ودخلت البلاد في حالة دمار ومجتمع ممزّق ومصدوم.

        تميّزت محاكمات رواندا بما يُعرَف هناك بمحاكم «غاكاكا» التقليدية، التي وفّرت ملتقيات لكشف الحقائق، والتعامل مع تلك المجازر الجماعية، والاعتراف بها، ثم العودة إلى التفاعل المجتمعي ومن ثمّ المصالحة. وقف الضحايا والجناة وجهاً لوجه، ونتج عن تلك المحاكمات أحكام مُخفَّفة مقابل الاعتراف بالجرائم.

        تميّزت حالة رواندا أيضاً بإسهام الأمم المتحدة في تأسيس المحكمة الجنائية الدولية الخاصة برواندا، التي حاكمت كبار المسؤولين عن تلك المأساة، بمن فيهم رئيس الوزراء كامباندا وقادة عسكريون كبار.

        كانت، ولا تزال، تجربة رواندا مهمّة جداً من حيث درجة نجاحها في ما كان يُحسَب مستحيلاً. وقد ساعد على ذلك الانخراط في عملية إعادة البناء، وبرامج الوحدة الوطنية، وتوفير فرص النجاح في إعادة الإدماج: للناجين والجناة السابقين في الوقت نفسه. أسهمت «اللجنة الوطنية للوحدة والمصالحة» في هذه العملية، من خلال تركيزها على تعزيز الانتماء والهوية الوطنية، وعزل الجوانب السلبية من الانقسامات القبلية والعرقية. وكما في الأمثلة السابقة، بقي هناك من ينتقد محاكم «غاكاكا» لقصورها في مُحاسبة الجناة وتساهلها معهم، وكان من بين المنتقدين العديد من الضحايا الذين بقي الشعور بالظلم وضعف القصاص كامِناً في صدورهم.

        تظلّ تجربة رواندا تحت الرقابة والسيطرة، رغم نجاحاتها المشهودة. وهي موضع شكاوى من انتهاكات حقوق الإنسان الطارئة، ومن القيود على حرية التعبير والعمل السياسي المعارض أيضاً.

        البوسنة والهرسك:

        بعد انهيار الاتحاد السوفييتي ودول «المعسكر الاشتراكي»، تفكّكت دولة السلاف الجنوبية (يوغوسلافيا) بعنف، ووقعت حرب البوسنة بين عامي 1992 و1995، وتميّزت بالتطهير العرقي، والقتل الجماعي، والانتهاكات الجسيمة، في الصراع بين صرب البوسنة وكرواتها والبوشناق (المسلمين البوسنيين).

        تأسّست «المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة» في لاهاي، وحاكمت المسؤولين الكبار عن فظائع تلك الحرب، وأدانت زعيمي الصرب كاراديتش وملاديتش بتهم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب. كما أنشأت البوسنة والهرسك نظامها القضائي الخاص لمحاكمة بقية الجناة المحليين.

        لكن النظام السياسي الناشئ، المعقّد والمنقسم على أساس عرقي، شكّل عائقاً أمام تنفيذ المحاكمات واستكمال وظيفتها. بالمقابل، ساعدت لجان الحقيقة وأعمال التوثيق على استيعاب الفظائع، ومساعدة الجمهور على معالجة آثار الحرب.

        ورغم المساعدة المهمّة التي قدّمها المجتمع الدولي في تنفيذ العدالة الانتقالية، فإن الإصرار على الانعزال، ورفض الاعتراف بما جرى، أو مقاومته، كلها عوامل منعت المصالحة من بلوغ غاياتها الأعمق والأكثر استدامةً.

        ما هو مشترك؟

        هناك قواسم مشتركة بين هذه التجارب وغيرها، يمكن تلخيصها بما يلي:

        وقفت الموازنة بين متطلبات العدالة المجرّدة والمصالحة الوطنية، كمصلحة مستقبلية، دائماً أمام أعين من صمّموا مسارات العدالة الانتقالية وإجراءاتها، كما لعبت الظروف الخاصة بكل بلد دوراً حاسماً في تحديد الخيار الوطني لذلك التصميم.

        غالباً ما ارتكز التوجّه نحو الملاحقات الجنائية على أسس ضرورية للمحاسبة. على سبيل المثال: تعرّضَ للمحاكمة في نورمبرغ 199 قيادياً نازياً فقط، بينما خضع آخرون لأشكال أخرى من المُساءلة، كان آخرها وأكثرها تعميماً وبساطة هو «التدقيق» وفحص السجلات الخاصة بالأفراد ومدى أهليّتهم للعمل في الدولة من جديد.

        تعرّضت التجارب، بتنوّعها، إلى مسألة الاختيار أو توزيع العمل بين المحاكم الدولية والمحلية. فالأولى ضرورية لتعميق المسؤولية وتقديم المثال، وخصوصاً في ما يخص القادة، لكنّ الإمكانيات لا تسمح بذلك إلّا لعدد محدود. وتقوم العدالة المحليّة بتنفيذ محاسبة العدد الأكبر من المُنتهِكين. من المهم أن تكون هناك لجنة قضائية رفيعة تضع أسساً لذلك، وتحدّد المتّهمين الذين يُحالون إلى المحاكمة دون تفريط ولا مبالغة؛ فالتفريط يُفقد العملية وظيفتها، والمبالغة قد تحوّل العدالة إلى انتقام يجعل المصالحة الوطنية والسلم الأهلي أكثر صعوبة.

        كما يمكن أن يكون هناك جدل وتركيز على التعويضات المادية المباشرة للضحايا، وذلك بمثابة دفعة أولى نحو المصالحة؛ في حين ينبغي توفير الوقت والإمكانيات اللازمة لإعادة التماسك المجتمعي، الذي قد يحتاج إلى معالجة في مجال علم النفس الاجتماعي، إضافةً إلى لجان السلم الأهلي أو الوطني، وكلّ الإمكانيات التي تتيحها الأعراف المحليّة. يحتاج ذلك إلى مأسسة مناسبة أيضاً، ضمن إطار مأسسة العدالة الانتقالية المحدودة الأمد، ومأسسة المصالحة مع الماضي وتعزيز الوحدة الوطنية، وهي عملية طويلة الأمد وتحتاج إلى استدامة.

        بالمقابل، كثيراً ما تكون انتهاكات النظام الاستبدادي متداخلة مع انتهاكات جديدة يرتكبها من يُعتبَرون من ضحايا الانتهاكات الأصلية، في فترة الكفاح ضد الاستبداد أو بعد الانتصار عليه. لذلك يُعتَبر من أهم مبادئ العدالة، ومن عوامل نجاحها، إعلان الاستعداد للمُساءلة وقبول تطبيقها من قِبل المشتكي ذاته، من بين أولئك الذين يطالبون بالعدالة لما لحق بهم من انتهاكات سابقة.

        وبالطبع، لا بدّ من الإصلاح المؤسسي قبل أو مع انطلاق عملية العدالة الانتقالية؛ فذلك لا يمنع فقط تكرار الانتهاكات تحت شعارات جديدة، بل يُعزّز أيضاً قدرة قوى الأمن والقضاء على محاسبة الانتهاكات السابقة. لذلك، لا بدّ من تنظيم عملية فحص سجلات المسؤولين في هيكلية الدولة قبل التغيير، كمقدّمة لاستبعاد الميؤوس منهم، وإعادة توظيف البقية مع إعادة التأهيل الضرورية، وبدرجة التسامح الممكنة. يتمّ ذلك دون أن يعرقل متابعة آليات محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات السابقة الجليّة وتحويلهم إلى القضاء.

        فيما يلي بعض الاقتراحات العاجلة للحالة في سوريا:

        مناقشة الموضوع الأكثر ضرورة: هل يجب متابعة موضوع إحالة بشار الأسد وأهم المسؤولين عن الانتهاكات في نظامه إلى محكمة الجنايات الدولية أو ما يحلّ محلّها؟ وما هي مستلزمات ذلك، مثل توقيع اتفاقية روما مثلاً؟

        ومع رفع العقوبات، ينبغي عدم تأجيل أو تأخير تشكيل مؤسسة العدالة الانتقالية ومكوّناتها الفرعية، وضمان استقلاليتها وتأمين ميزانيتها وصندوق جبر الضرر المرتبط بها. فالتأخير قد يفضي إلى خسائر جسيمة، كما حدث في الساحل أو في جرمانا وأشرفية صحنايا.

        ويجب أيضاً تشكيل لجنة تنظّم وتصمّم مسائل المصالحة مع الماضي، وتفريعاتها المتعلقة بالسلم الأهلي، والتوثيق، والتماسك الاجتماعي، وإحياء ذكرى الضحايا، ومنع نسيان المفقودين ومتابعة قضيتهم، ومتطلبات ذلك في مجالات التربية والتعليم والثقافة والفنون، وغيرها.

        ويمكن البدء أيضاً بإقرار تأسيس متحف لذكريات القمع في سجن صيدنايا وتدمر أو في أي موقع مناسب، وإنشاء دائرة للتوثيق والذاكرة، وبناء نصب تذكارية تحدّ من النسيان، وأخرى تحفّز على التسامح حيث يكون ذلك ممكناً وبالقدر الضروري.

        من الضروري الإشارة هنا إلى أن مرسوم تأسيس هيئة العدالة الانتقالية، المشار إليه في مقدّمة هذا المقال، قد ترافق مع مرسوم آخر بتشكيل لجنة للمفقودين، وهي خطوة ضرورية وإيجابية، إن تأكّدت جديّتها ومردودها مع الوقت، كما هو مأمول.

        أخيراً:

        كان واضحاً أعلاه ارتباطُ كلّ المسار بالديمقراطية؛ فغياب الاستقرار، وظهور معالم الاستفراد بالسلطة، والابتعاد عن تأمين مشاركة أوسع في القرار وصناعته، وبعض مظاهره التي تبرز من وقت لآخر؛ كلها عوامل تمنع، أو على الأقل تعرقل، مسار العدالة الانتقالية وتسوية العلاقة مع الماضي الاستبدادي، بل وقد تقوم بتشويهه!

موقع الجمهورية

——————————————–

الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية بسوريا بين الآمال وتحديات الواقع/ أحمد العكلة

20/5/2025

دمشق- أصدرت الرئاسة السورية، السبت الماضي، مرسوما -رقم (20)- يقضي بتشكيل هيئة مستقلة باسم “الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية” تُعنى بكشف الحقيقة حول الانتهاكات الجسيمة التي تسبب بها النظام السابق، ومساءلة المسؤولين عنها بالتنسيق مع الجهات المعنية، وجبر الضرر الواقع على الضحايا، وتحقيق المصالحة الوطنية وترسيخ مبادئ عدم التكرار.

ووفق نص المرسوم، فقد عُيّن عبد الباسط عبد اللطيف رئيسا للهيئة، وكُلف بتشكيل فريق العمل ووضع نظامها الداخلي خلال مدة لا تتجاوز 30 يوما، على أن تتمتع الهيئة بـ”الشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي والإداري، وتمارس مهامها في جميع أنحاء الأراضي السورية”.

في حديث للجزيرة نت، اعتبر المحامي والخبير القانوني عبدو فاروق عبد الغفور أن إنشاء هيئة للعدالة الانتقالية يشكل خطوة قانونية مهمة جدا، يمكن وصفها بأنها بداية لمسار إصلاحي مؤسسيّ يعكس نيات جدية لإحداث تغيير قانوني.

دلالة إيجابية

ورأى المحامي عبد الغفور أن الإطار القانوني الذي أُنشئت بموجبه يحمل دلالة إيجابية، لكنه ما يزال بحاجة إلى تطوير ليتماشى مع المعايير الدولية المعتمدة في تجارب العدالة الانتقالية حول العالم. وأوضح أن “الفكرة بحد ذاتها ضرورية للحد من الثأر الشخصي، وبناء منطق قانوني جامع”.

وحول ما إذا كان المرسوم يضمن استقلال الهيئة بشكل فعلي، قال إنه نص صراحة على ذلك، وهو مؤشر جيد من الناحية القانونية، مشيرا إلى أن التحدي الحقيقي يكمن في التطبيق العملي، وإلى ضرورة تحصين هذا الاستقلال مؤسسيًا، ومنع تدخل أي جهة تنفيذية في عمل الهيئة “حتى لا نعود إلى دوامة الخلط بين السلطات كما كان سائدا في عهد النظام المخلوع”.

وأكد ضرورة أن تُمنح الهيئة صلاحيات واسعة تشمل التحقيق، والوصول إلى المعلومات، والتوصية بالإصلاحات. وقال إن بعض هذه الصلاحيات وردت بالفعل في المرسوم، بينما يحتاج بعضها الآخر إلى توضيح وتعزيز، مشددا على ضرورة إشراك قضاة ومحامين يتمتعون بالنزاهة والشفافية ضمن آليات عملها.

واعتبر المحامي عبد الغفور أن توقيت تشكيل الهيئة يحمل رمزية بالغة للسوريين، خاصة بعد سنوات من انتهاكات النظام الأمني، وأنه يمكن قراءة الخطوة كرسالة سياسية نحو الانفتاح والتهدئة وإعادة التوازن الاجتماعي قبل القانوني. وأضاف أن السياق الإقليمي يشجع عليها في ظل تأكيد دولي متكرر على أهمية العدالة الانتقالية لضمان عدم انزلاق سوريا نحو “اقتتال أهلي، نظرا لتعدد مكوناتها الدينية والعرقية”.

وعن مدى قدرة الهيئة على ترميم العلاقة بين الدولة والمجتمع، قال إن الأمر مرهون بمدى جدية التفعيل، مشددا على ضرورة إشراك الضحايا وذوي المغيبين قسريا والمهجرين ومصابي الحرب، ومنظمات المجتمع المدني، لضمان تحقيق نتائج ملموسة تعزز الثقة بالقانون بعد سنوات من الفوضى الأمنية والعسكرية.

ضمانات قانونية

وبشأن استعداد الأطراف المختلفة للتعاون مع الهيئة، خاصة إذا طالت التحقيقات شخصيات نافذة، رأى المحامي عبد الغفور أن النجاح في هذا الجانب يعتمد على “إدارة الملف بذكاء قانوني” يضمن شمولية العدالة دون استثناءات.

وأكد أن وجود ضمانات قانونية ونزاهة في المعالجة، ومنح أعضاء الهيئة حصانة قانونية حقيقية، قد يسهم في تحقيق تجاوب حتى من شخصيات حالية متهمة، قائلا “المتهم بريء حتى تثبت إدانته، ويجب أن يكون القانون كالمنشار، لا يستثني أحدا”.

وجاء تشكيل الهيئة استنادا إلى الصلاحيات الممنوحة لرئيس الجمهورية، وأحكام الإعلان الدستوري، وإيمانا بضرورة تحقيق العدالة الانتقالية بوصفها ركيزة أساسية لبناء دولة القانون، وضمانا لحقوق الضحايا، وتحقيقا للمصالحة الوطنية الشاملة، وفقا لما ورد في نص المرسوم.

بالمقابل، قال الخبير الحقوقي أحمد جمجمي للجزيرة نت إن الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية كان من الممكن أن تضمن إشراك الضحايا وذويهم بشكل فعلي، إلا أن ذلك لم يحدث بالشكل المطلوب. وأوضح أن المرسوم منح رئيس الجمهورية صلاحية تشكيل الهيئة وكان من المفترض أن يستغلها بالتواصل مع روابط الضحايا والناجين ومنظمات المجتمع المدني، وأن يضمن تمثيلهم الواضح ضمن نص المرسوم ذاته.

وحسب جمجمي، فإن آليات جبر الضرر يجب أن تأتي بعد كشف الحقيقة وتحديد المسؤولين عن الانتهاكات، مضيفا “من الضروري أن يشمل ذلك الحجز على أموال الجناة المنقولة وغير المنقولة، وتغريمهم لصالح الضحايا. وكان من الأفضل أن يتم إشراك المفوضية السامية لحقوق الإنسان في عملية تشكيل الهيئة، وأن يتم تأسيس صندوق خاص بالعدالة الانتقالية في سوريا، لتعويض المتضررين ماديا ومعنويا”.

وأعرب عن قلقه مما اعتبره “محدودية قدرة الدولة السورية” على تحمل أعباء التعويض بمفردها، مؤكدا أن عدد الضحايا يُقدّر بمئات الآلاف، وغالبية الجناة إما لا يملكون أموالا أو هربوا خارج البلاد، مما يستدعي -برأيه- إشراك الأمم المتحدة، وخاصة المفوضية، في إنشاء صندوق دولي لتعويض الضحايا.

تحديات

وبشأن التحديات التي تواجه العدالة الانتقالية، قال الخبير جمجمي إن ضياع الأدلة يُعد من أكبر العقبات، كما أن العبث بها خلال تحرير المقرات الأمنية والسجون مثل صيدنايا، أدى إلى فقدان وثائق مهمة وأجهزة كمبيوتر كانت تحتوي على أرشيف الأدلة.

وشدد على أن مسار العدالة الانتقالية في سوريا لا يمكن أن يكتمل دون أن يشمل جميع الضحايا. كما أكد على ضمان وجود آليات دولية مستقلة تشرف على عملية كشف الحقيقة وجبر الضرر.

وطالب الكثير من السوريين الحكومة بالإسراع في إعادة حقوقهم المسلوبة وتعويضهم عن الأضرار التي لحقت بهم، من بينهم محمد المعروف من ريف إدلب حيث “هُدم منزله وتم قطع 300 شجرة زيتون في أرضه من قبل ورشات تتبع لأحد شبيحة النظام السابق”.

ويقول المعروف للجزيرة نت إن هذا المسؤول السابق والورشات العمالية التي جلبها معه، هدمت أسقفًا وسلبت أملاكًا بمئات ملايين الدولارات من ريف حماة الشمالي والغربي وريف إدلب الجنوبي والشرقي وريف حلب الغربي، و”هذا مثال صغير عن ضرورة تطبيق العدالة الانتقالية بحق كل من ساهم في مأساة الشعب السوري”.

وأكد “أريد تعويضا من كل من شارك وأعطى أمرا بخسارتي لبيتي وأرزاقي، سوف أرفع عليهم دعوى قانونية بعد تشكيل الهيئة الجديدة لأحصل على تعويض منهم”.

المصدر : الجزيرة

——————————

 “هيومن رايتس ووتش”: الصلاحية المحدودة لهيئة العدالة الانتقالية تقوض مصداقيتها

2025.05.20

حذّرت منظمة “هيومن رايتس ووتش” من أن الصلاحية المحدودة لهيئة العدالة الانتقالية تقوّض مصداقيتها وتقصي العديد من الضحايا، داعية الحكومة السورية لضمان أن يكون للناجين والمجتمعات المتضررة دور محوري في تشكيل عملية العدالة الانتقالية.

وفي بيان لها تعليقاً على مرسوم الرئاسة السورية بتشكيل الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية والهيئة الوطني للمفقودين، قالت المنظمة إنه “يُمكن لهاتين الهيئتين أن تمثلا نقطة تحول في كشف ما لحق بسوريا من فظائع وتحقيق المساءلة حيالها”، مضيفة أن “صلاحيات هيئة العدالة الانتقالية، وفقاً لما يذكره المرسوم، محدودة بشكل مقلق، وتقصي العديد من الضحايا”.

وذكرت المنظمة أن الإعلان الدستوري السوري، الصادر في آذار الماضي، وعد بإنشاء هيئة فيها “آليات فاعلة تشاورية مرتكزة على الضحايا، لتحديد سبل المساءلة، والحق في معرفة الحقيقة، وإنصاف للضحايا والناجين”.

وأشارت إلى أن مرسوم إنشاء هيئة العدالة الانتقالية يقتصر على الجرائم التي ارتكبها نظام الرئيس المخلوع، بشار الأسد فقط، مُستثنياً ضحايا الانتهاكات التي ارتكبتها الجهات غير الحكومية، كما أنه لا يوضح كيفية إشراك الضحايا بفاعلية في تشكيل عمل اللجنة أو المشاركة فيه، أو ما إذا كان سيتم ذلك.

تفاؤل حذر

وقالت “رايتس ووتش” إن إنشاء الهيئة الوطنية للمفقودين “قوبل بتفاؤل مشوب بالحذر، لكن سيعتمد نجاحها على الشفافية، وإطار عمل قائم على الحقوق، ومشاركة حقيقية للضحايا، كما هو الحال مع الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية”، مؤكدة أنه “من دون هذه العناصر، لن ينجح حتى هذا الجهد الهام في تلبية توقعات السوريين المُبررة”.

وأضافت أن “الفظائع الأخيرة وتصاعد الخطاب الطائفي يؤكدان على الحاجة المُلحة إلى عملية عدالة انتقالية شاملة، عملية لجميع السوريين، وليس لبعضهم فقط”، معتبرة أن “الحكومة السورية تقف الآن عند مفترق طرق: إما أن تتبنى عملية حقيقية تُركز على الضحايا وتُقر بحقوق جميع الناجين، أو تُديم الإقصاء وتُعمّق الانقسامات”.

وأكدت المنظمة الحقوقية أن “الاتجاه الذي ينبغي اتباعه واضح”، مشيرة إلى أن “الناشطين والمحامين والناجين السوريين قادوا النضال من أجل العدالة لسنوات عديدة، وثّقوا الانتهاكات، ودعموا العائلات التي تبحث عن أحبائها، وتفاعلوا مع آليات العدالة الدولية، هو ما يجعل مشاركتهم ضرورية، وليست اختيارية”.

وطالبت المنظمة السلطات السورية بالاستفادة من التجارب الناجحة للتعاون بين آليات الأمم المتحدة ومنظمات الضحايا، مثل المؤسسة المستقلة المعنية بالمفقودين في سوريا، وضمان أن يكون للناجين والمجتمعات المتضررة دور محوري في تشكيل تصميم عملية العدالة الانتقالية وأهدافها وتنفيذها.

وأكدت “رايتس ووتش” أنه ينبغي على شركاء سوريا الدوليين توضيح أن دعم هذه الجهود سيعتمد على نهج شفاف وشامل ويركز على الضحايا”، مشددة على أن “هناك فرصة ملموسة لتحقيق عدالة حقيقية، لكن هذه الفرصة ستضيع إذا استبعدت العملية بعض الضحايا أو همشتهم”.

الرئاسة السورية تشكّل هيئتين وطنيتين للعدالة الانتقالية والمفقودين

والسبت الماضي، أعلنت الرئاسة السورية، في مرسومين منفصلين، عن تشكيل هيئتين وطنيتين مستقلتين للعدالة الانتقالية والمفقودين في سوريا.

وجاء تشكيل “الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية” وفقاً للمرسوم الرئاسي رقم (20) لعام 2025، “بناءً على الصلاحيات الممنوحة لرئيس الجمهورية العربية السورية، واستناداً إلى أحكام الإعلان الدستوري، وإيماناً بضرورة تحقيق العدالة الانتقالية كركيزة أساسية لبناء دولة القانون، وضماناً لحقوق الضحايا، وتحقيقاً للمصالحة الوطنية الشاملة”.

ووفق المرسوم، تُعنى الهيئة بكشف الحقيقة حول الانتهاكات الجسيمة التي تسبب بها النظام البائد، ومساءلة ومحاسبة المسؤولين عنها بالتنسيق مع الجهات المعنية، وجبر الضرر الواقع على الضحايا، وترسيخ مبادئ عدم التكرار والمصالحة الوطنية.

كما أعلن المرسوم رقم (19) لعام 2025 عن تشكيل هيئة مستقلة باسم “الهيئة الوطنية للمفقودين”، وذلك “بناءً على الصلاحيات الممنوحة لرئيس الجمهورية العربية السورية، واستناداً إلى أحكام الإعلان الدستوري، وحرصاً على كشف مصير آلاف المفقودين في سوريا وإنصاف ذويهم”.

ونصّ المرسوم على أن الهيئة “تُكلَّف بالبحث عن مصير المفقودين والمختفين قسراً، وتوثيق الحالات، وإنشاء قاعدة بيانات وطنية، وتقديم الدعم القانوني والإنساني لعائلاتهم”.

تلفزيون سوريا

—————————–

هيئة العدالة الانتقالية.. آمال ومخاوف من الانتقائية والعدالة المجتزأة/ محمد سليمان

19 مايو 2025

أصدرت الرئاسة السورية، السبت الفائت، مرسومًا يقضي بتشكيل هيئة للعدالة الانتقالية، تتولى ”كشف الحقائق بشأن انتهاكات النظام البائد، ومساءلة ومحاسبة المسؤولين عنها، وجبر الضرر الواقع على الضحايا، وترسيخ مبادئ المصالحة الوطنية”. وقد أُسندت رئاسة الهيئة إلى عبد الباسط عبد اللطيف، مع منحه مهلة ثلاثين يومًا لتشكيل فريق العمل ووضع النظام الداخلي.

يُعد المرسوم أول إجراء رسمي يُعلن في سياق العدالة الانتقالية، وقد فُسّر على نطاق واسع باعتباره خطوة أولى في هذا المسار، لكنه في الوقت نفسه أثار سلسلة من المخاوف والانتقادات القانونية والسياسية.

يرى المحامي عز الدين عز الدين أن هذا القرار كان متوقعًا، لكنه يُشدد على أن تشكيل الهيئة لا بد أن يستند إلى قانون خاص يحدد صلاحياتها المكانية والزمانية بشكل دقيق، وينظّم طبيعة عملها.

وأكد عز الدين، في حديثه لـ”الترا سوريا”، أن اللجنة يجب أن تكون مستقلة، نزيهة، شفافة، وأن تُجرى كل إجراءاتها بشكل علني، وفي مقدمتها الاستماع إلى إفادات الضحايا والشهود، معتبرًا أن ذلك يمثّل جوهر عمل أي هيئة للعدالة الانتقالية. وأضاف أنه يجب أن تضم أفرادًا يتمتعون بخبرة حقيقية، واطلاع واسع على تجارب العدالة الانتقالية في الدول الأخرى.

وأشار عز الدين إلى ضرورة أن تضم الهيئة مختصين بالقانون الجنائي الدولي، وخاصةً اتفاقية روما التي تُعنى بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، إضافةً إلى ذوي دراية بآليات جبر الضرر والتعويض. ويقترح أن تضم الهيئة أيضًا اقتصاديين قادرين على تدبير مصادر التمويل، وتوزيع المساعدات، ووضع برامج تعويض فعالة.

وأوضح أن الهيئة ليست جهة قضائية، وإنما لجنة قانونية تُصدر توصيات فقط، لا أحكامًا. وهذه التوصيات “قد تُحال إلى المحاكم لملاحقة مرتكبي الانتهاكات، أو تُرفع إلى الوزارات المختصة، مثل وزارة الاقتصاد ووزارة الشؤون الاجتماعية والعمل”.

وفيما يخص آليات الجبر والتعويض، أعاد عز الدين التأكيد على أن الاستقلالية تعد الشرط الجوهري لنجاح الهيئة، مشددًا على وجوب أن تكون مستقلة تمامًا عن الحكومة أو أي طرف آخر، إلى جانب توافر النزاهة والخبرة لدى أعضائها.

تساؤلات حول الحياد وضمانات غير كافية

من جانبه، يرى المحامي مصطفى كليب أن هذا المرسوم يمكن اعتباره بالفعل نقطة بداية لمسار العدالة الانتقالية، لكن الخطوة المنطقية، بحسب رأيه، كان يجب أن تبدأ بإصدار قانون خاص بالعدالة الانتقالية في سوريا، يُقر من خلال مجلس تشريعي من المفترض أن يتشكل لاحقًا، بحيث يوفّر الأساس القانوني الذي يحدد اختصاصات الهيئة، ويضمن آليات شفافة لاختيار أعضائها، ويكفل استقلالها، وحياد من يشغلون مواقعها، إلى جانب إنشاء منظومة رقابة على عملها.

ويؤكد كليب أن مجرد التأكيد على استقلال الهيئة المالي والإداري في نص المرسوم لا يكفي، ولا يُعد ضمانًا فعليًا لهذا الاستقلال، إذ إن التجربة السورية تُظهر أن القوانين دون إرادة تنفيذية صادقة قد تبقى “حبرًا على ورق”.

ويشير إلى أن أكثر ما يُؤخذ على المرسوم هو حصر اختصاص الهيئة بـ”الانتهاكات الجسيمة التي تسبب فيها النظام البائد”. إذ إنه “على الرغم من أن الجرائم التي ارتكبها النظام تشكل الغالبية الساحقة من الانتهاكات في سوريا –  وتصل بحسب التقديرات إلى ما بين 85% إلى 90%  – إلا أن هذا لا يُبرر تجاهل ما ارتكبته أطراف أخرى بحق السوريين”.

وبرأيه، فإن العدالة لا يمكن أن تُجزأ، والضحايا لا يجوز أن يُصنّفوا حسب الجهة التي انتهكت حقوقهم، لأن ذلك يُفضي إلى “عدالة اجتزائية”، تُعيد إنتاج الظلم بدل معالجته. كما حذّر من أن هذه الصياغة تفتح الباب نحو نموذج من العدالة الانتقالية قائم على منطق “عدالة المنتصر”، كما حدث في تجارب فاشلة حول العالم.

ويضيف كليب أن هناك إشكالًا في المفهوم نفسه، متسائلًا: من يحدد ما يُعدّ “انتهاكًا جسيمًا”؟ فالعدالة الانتقالية لا تُعنى فقط بأشد الجرائم قسوة، رغم أن هذه تشكّل محورًا رئيسيًا، بل هي معنية بكل الانتهاكات على اختلاف طبيعتها، خاصةً عندما تُبنى العملية على مبدأ الشمول والاعتراف بالضحايا كافة.

ويُبدي قلقًا بالغًا من تعيين شخصية معروفة بانتمائها السابق إلى المكتب السياسي لأحد الفصائل العسكرية، في إشارة إلى عبد الباسط عبد اللطيف، مشيرًا إلى أن هذه الخطوة تثير كثيرًا من التساؤلات حول مدى الالتزام بالحياد، وهو شرط أساسي في أي هيئة عدالة انتقالية ذات مصداقية.

ويتابع كليب بأن ما سيتضمنه النظام الداخلي المنتظر سيكون كاشفًا لكيفية إشراك المجتمع المدني، وعائلات الضحايا، في عمل الهيئة. ويُصر على أن العدالة الانتقالية ليست مسارًا تقنيًا تصممه الدولة من فوق، بل هي عملية مجتمعية تشاركية. ويؤكد على أنه من دون إشراك الضحايا الحقيقي “لا يمكن أن تكون هناك مصالحة صادقة، ولا يمكن للمجتمع أن يشعر أن الحقيقة تُصاغ لصالحه، لا لصالح السلطة”.

بين الفرصة والتوجّس

يبقى تشكيل هيئة للعدالة الانتقالية تطورًا بارزًا في السياق السوري، لكنه محفوف بالأسئلة الجوهرية: هل هي بالفعل بداية مسار وطني للإنصاف والمساءلة والمصالحة؟ أم أنها ستكون إطارًا شكليًا تُفرض فيه “العدالة من الأعلى” دون مشاركة مجتمعية فعلية؟

تجارب الشعوب التي سبقت سوريا إلى العدالة الانتقالية تُظهر بوضوح أنه لا عدالة دون اعتراف كامل بالضحايا، ولا مصالحة دون مساءلة حقيقية، ولا حقيقة تُحتكر من طرف واحد. فما ستقرره الأيام القادمة، وخاصةً ما سينص عليه النظام الداخلي، هو ما سيحسم ما إذا كانت هذه الهيئة بداية طريق، أم التفافًا جديدًا على آمال السوريين في العدالة.

الترا سوريا

———————

كتب محمد العبد الله Mohammad Al Abdallahmad al مدير المركز لسوري للعدالة والمساءلة وأحد العاملين في مجال  العدالة الانتقالية منذ أرع عشر سنة:

ملف العدالة الانتقالية مانه ملف سياسي ولا لازم يتم التعامل معه كملف سياسي. لا الهدف منه النيل من طرف ولا حماية طرف آخر.  الهدف منه مساعدة البلد والناس.

ملف العدالة الانتقالية يساعد البلد والناس على تجاوز جراحها والمضي للأمام عبر كشف الحقيقة حول ما حصل للضحايا، محاكمة الفاعلين، وتعويض أهالي الضحايا. يؤسس لإنهاء ثقافة الإفلات من العقاب ويكرس احترام كرامات الناس.

ملف العدالة الانتقالية ملف إنساني بأحد جوانبه. تخيل تقدر تعرف مصير ابنك او بنتك، أو أخوك، أو تعرفي مصير زوجك وتحاكم الفاعل وتحصل حقك… وتحصل على اعتذار واعتراف وتعويض ومساعدة طبية وقانونية ونفسية…. بس لازم تعرف أنه غيرك كثير عالم ما راح تقدر تحصل ذات الشي.

صحيح، نظام الأسد القذر وصلنا لهون. وصحيح أن النسبة الأكبر للجرائم وقعت على يده وأيدي زبانيته في أجهزة الأمن. لكن باقي الأطراف ارتكبت انتهاكات أيضاً، في ضحايا، عندهم أهل منتظرين يعرفوا مصيرهم ويحصلوا حقوقهم، مثلنا كلنا.

جميع الأطراف، الجميع بدون استثناء، ارتكبت انتهاكات في سوريا. تتفاوت فداحتها ونسبتها، نعم، لكن الجميع ارتكب انتهاكات: الجيش الحر بمختلف فصائله وتشكيلاته، الجيش الوطني، قسد، داعش، حزب الله، إيران، روسيا، تركيا، ميليشات طائفية من لبنان وإيران والعراق وأفغانستان، التحالف الدولي يلي دمر بيوت فوق رؤوس أهلها خلال حربه على داعش، وغيرها، وطبعاً هيئة تحرير الشام التي وصلت إلى السلطة.

مرسوم اليوم يُبرأ الجميع عدا نظام الأسد، دولاً وميليشيات وفصائل وغيرها…

ربما يسأل البعض أن عبارة “التي تسبب بها النظام البائد” قد تشمل بعض الأطراف الآخرين مثل روسيا وإيران. لكن لو كان القصد كذلك تبقى أطراف كثيرة خارج صلاحيات عمل الهيئة ويسلب الأهالي حقهم بمعرفة حقيقة ما حصل لأحبائهم.

ملاحظة ثانية، عبارة “الانتهاكات الجسيمة” تحمل تفسيرات عديدة. ما هو الانتهاك الجسيم؟ ومن يقرر اذا كان جسيم. مع العلم أنه ببساطة يمكن الإشارة إلى الانتهاكات الواقعة ضد القانون الدولي، فيشمل بذلك جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي وقعت في سوريا.

باختصار وبدون لف أو دوران، يجب إعادة النظر بهيئة العدالة الانتقالية قبل أن تباشر عملها، احتراماً للضحايا السوريين جميعاً. محاسبة طرف دون آخر يؤسس فقط لما يعرف بـ “عدالة المنتصر”. وهي نسخة ملطفة قليلاً ومقنونة عن أعمال الانتقام التي تحصل خارج إطار القانون. لا تؤسس لعدالة ولا لاحترام حقوق الناس ولا لإنهاء ثقافة الإفلات من العقاب.

و لسنا سذج أو غرباء عن البلد، المعضلة في هيئة تحرير الشام تحديداً. لو فتحت الهيئة أبواب محاسبة باقي الفصائل، ستعلو الأصوات المطالبة بمحاسبة الهيئة ذاتها.  مهما كان الحل لهذه المعضلة، لا يحق لأي طرف سلب الضحايا وذويهم حقوقهم في معرفة الحقيقة، كشف مصير المعتقلين وجبر الضرر والتعويض.

—————————–

ملاحظات على مرسوم هيئة العدالة الانتقالية.. ليس بالإمكان أفضل مما كان/ ميشال شماس

2025.05.21

ليس كل يتمناه المرء يتحقق على أرض الواقع، فالظروف أحياناً تكون أقوى وتحول دون تحقيق ما يطمح إليه الانسان. كما هو الحال اليوم مع تشكيل الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية التي واجهت انتقادات كثيرة من السوريات والسوريين على امتداد سوريا خاصة من جهة عائلات الضحايا كما لاقت ترحيبا من فئات واسعة.

والانتقادات لم توجه إلى تشكيل الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية بحد ذاتها، بل إلى اقتصار عمل الهيئة على البحث فقط في الجرائم المرتكبة من قبل نظام الأسد الإجرامي، وعدم شمولها لكل الضحايا وكل المجرمين الذين ارتكبوا عمليات إجرامية.

ومن حق جميع الضحايا وعائلاتهم أن يتلمسوا العدالة بصرف النظر عن المرتكبين سواء انتموا إلى نظام الأسد البائد أو لأي من القوى والتنظيمات المسلحة كقوات سوريا الديمقراطية وتنظيم داعش والفصائل الموالية للسلطة.

وطبعا للضحايا وعائلاتهم كل الحق في إبداء انزعاجهم وعدم رضاهم عن إقصائهم وعدم استشارتهم في هذا الأمر، ولهم الحق أيضاً في المطالبة بأن تشملهم إجراءات العدالة الانتقالية أسوة بضحايا نظام الأسد الإجرامي، وهم يشعرون بالغبن والظلم لهذا التمييز والإقصاء ويطالبون بشمولية مسار العدالة الانتقالية لجميع الضحايا وعلى جميع المرتكبين بصرف النظر عن خلفياتهم السياسية والاجتماعية والدينية والعرقية.

وأنه لا يجوز لفئة من هؤلاء المرتكبين الإفلات من العقاب لقطع الطريق أمام إمكانية حدوث تأجيج لمشاعر الضحايا في الانتقام، وأن بناء السلم الأهلي يجب أن يرتكز بشكل أساسي على معالجة كل المظالم دون استثناء وكائناً من كان الظالم أو المظلوم.

وإضافة إلى ما تقدم يمكن إبداء الملاحظات التالية على مرسوم تشكيل الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية:

1- يؤخذ على مرسوم تشكيل الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية عدم تحديده للمدة التي يجب أن يشملها عمل هذه الهيئة.

2- كان يجب تفصيل أحكام المرسوم على شكل مواد قانونية محددة بوضوح لا تحتمل اللبس أو التأويل، وليس صياغته بكتلة واحدة.

3- وردت عبارة “تُعنى” بكشف الحقيقة، وهذه العبارة ليس فيها إلزام بل فقط الاهتمام بالشيء، وكان يجب استخدام كلمة “تكلّف” لأنها تعبر عن الالتزام والتفويض الرسمي بأداء المهمة الموكلة لها رسمياً.

4- لم يحدد المرسوم أعضاء الهيئة، ومن هي الجهة التي ستراقب عملهم..؟

5- لم يوضح المرسوم ماهية الانتهاكات الجسيمة، إذ كان يجب تحديدها بدقة كالقول “الانتهاكات الجسيمة والخطيرة لحقوق الانسان وفقاً للقانون الدولي”، فهذه الصياغة أكثر دقة لأنها تحدد الإطار القانوني الذي يُستند إليه في توصيف الانتهاكات، وتُعطي بُعداً قانونياً واضحاً وتؤكد على المعايير الدولية التي تُحدد مدى جسامة هذه الانتهاكات.

6- وردت في المرسوم عبارة “التنسيق مع الجهات المعنية، دون توضيح ماهية هذه الجهات؟ كان من الأفضل تحديد الجهات المعنية في المرسوم لتوضيح المسؤوليات وتجنب أي غموض في التنفيذ. ومن يجب أن يتولى التنسيق، هل هي الجهات الحكومية، القضائية، المنظمات الدولية، أم منظمات المجتمع المدني؟

7- من غير الواضح أن الهيئة تتمتع بالاستقلالية عن السلطة التنفيذية ولا يوجود وضوح في صلاحياتها وغياب آليات الرقابة والمساءلة على عملها.

8- أما لجهة عدم مشاورة ممثلي عائلات الضحايا والمنظمات المدنية العاملة عند تشكيل هذه الهيئة، فنأمل أن يتم استدراكها حين تشكيل فريق عمل الهيئة، بحيث يتم تمثيل عائلات الضحايا واختيار شخصيات وطنية كفوءة وذات خبرة.

هذا الرأي وتلك الملاحظات ليس الهدف منها الاعتراض على تشكيل الهيئة الوطنية للعدلة الانتقالية أو الهيئة الوطنية للمفقودين، بل على العكس تماماً، فإني أرى أن تشكيل تلك الهيئات ضرورة وطنية ملحة ومدخل مهم للسلم الأهلي واستقرار الأوضاع في البلاد.

وكنت على الدوام من المطالبين بتشكيلها، واعتراضي وملاحظاتي إنما تهدف بشكل أساسي إلى جعل تلك الهيئات مشكلة بأفضل طريقة لتحقيق العدالة لجميع الضحايا وعائلاتهم ومحاسبة المرتكبين أيا كانوا، إذا أردنا فعلاً أن نؤسس لسوريا جديدة، فهذه الملفات التي ستعالجها تلك الهيئات لا يمكن المرور عليها مرور الكرام وكأنها مجرد تفاصيل، بل هي تعبر عن مدى قدرتنا على حفظ الحقوق والذاكرة والكرامة وتحقيق العدالة للضحايا وتكريمهم منعا لتكرار هذه المآسي مستقبلاً.

وانتقاداتي وملاحظاتي لا تعني أننا اليوم غير مدركين وواعين لحساسية وخطورة المرحلة الانتقالية التي تمر بها سوريا، وندرك جيداً أن الواقع الذي نعيشه أعقد بكثير مما نتصور، وليس بالإمكان أفضل مما كان في هذه الظروف العصيبة التي نعيشها.

فغالبية السوريات والسوريين وطبعاً أنا منهم رأينا ماذا حصل في ليبيا والعراق ولبنان واليمن، بالتالي نحن حريصون وراغبون جداً في ألا تفشل العملية الانتقالية الجارية في سوريا، ونتطلع والأمل يحدونا في أن تنهض الدولة السورية وتقوم ممثلة لكافة السوريات والسوريين، دولة تساوي بين بناتها وأبنائها وتحترم حرياتهم وتصون كراماتهم وتحفظ حقوقهم بصرف النظر عن الانتماء للسياسية أو الدين والعرق والجنس.

المهم اليوم أن نعمل ونساهم في تطوير عمل الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية لتشمل جميع المرتكبين أياً كانوا في المستقبل إنصافاً لجميع ضحايا الانتهاكات، وأيضاً تطوير عمل الهيئة الوطنية للمفقودين لتشمل جميع المفقودين على الأراضي السورية، على أن تضم في عضويتها ممثلين عن عائلات الضحايا بالاضافة إلى شخصيات وطنية مستقلة ذات خبرة وكفاءة. لأن تحقيق العدالة الانتقالية اليوم يساعد في استقرار الأوضاع في سوريا، كما يساعد الضحايا على تجاوز ألامهم وجراحهم من خلال كشف حقيقة ما جرى لهم، ومحاكمة المرتكبين خاصة الكبار منهم وأولئك الذين تلذذوا بقتل الناس وتعذيبهم، وتعويض أهالي الضحايا وتكريم الضحايا، كما يساعد أيضاً على التأسيس لإنهاء ثقافة الإفلات من العقاب ويكرس احترام حرية وكرامة الإنسان في سوريا.

في الختام، نحن بشر قد نخطئ أو نصيب في نقدنا وملاحظاتنا، لكن هذا لا يمنع أبداً من أن نستمر في الكتابة طالما أن هدفنا هو مصلحة الشعب والوطن.

تلفزيون سوريا

————————–

هيئة المفقودين… سوريون ينتظرون العدالة ومداواة الجراح/ مها دياب

20 مايو 2025

خلفت سنوات الحرب الأهلية السورية مأساة إنسانية عميقة، وجاء المرسوم الرئاسي القاضي بتشكيل “هيئة عامة للمفقودين”، ليفتح ملفاً شائكاً يمس الآلاف من العائلات التي تبحث عن أبنائها المفقودين، وخطوة رسمية تهدف إلى توثيق حالات الاختفاء القسري على أمل الكشف عن مصير الضحايا.

يبعث مرسوم إحداث هيئة المفقودين الأمل لدى العائلات التي لا تعرف مصير أبنائها منذ سنوات، رغم أن هناك دلائل تشير إلى وفاة الكثيرين منهم، خصوصاً مع عدم العثور عليهم أحياء في أي من سجون نظام الأسد بعد إسقاطه في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، لكن العائلات تعول على إنشاء الهيئة في إتاحة فرصة، ولو محدودة، لمعرفة أماكن وجود جثامين ذويهم كي يتسنى لهم دفنهم وفق الأصول والشرائع، ومن أجل الحفاظ على كراماتهم وتخليد ذكراهم.

فقد سامر دياب، من مدينة الزبداني بريف دمشق، شقيقيه وسام ورامي، وابن عمه جلال في عام 2014، والثلاثة جرى اعتقالهم من قبل قوات النظام بعد مداهمتها المدينة، على خلفية مشاركتهم في تظاهرة للمعارضة.

يقول دياب لـ”العربي الجديد”: “رغم مرور كل تلك السنوات، لم نعرف عن مصيرهم أي معلومة، ولم نتمكن من الوصول إلى الجهة الأمنية التي اعتقلتهم. كل ما نريده الآن هو معرفة الحقيقة، ومعرفة مكان وجودهم، سواء كانوا على قيد الحياة أم لا. لدينا أمل كبير بأن تساعدنا هذه الهيئة”.

بدورها، فقدت فرح شرشار، من مدينة دمشق، شقيقها نديم في عام 2017، إذ تم اعتقاله على يد دورية أمنية عند دوار كفر سوسة، وتؤكد لـ”العربي الجديد”، أن عائلتها لم تتمكن من معرفة أي معلومة عن شقيقها سوى أن تهمته هي التعامل مع المعارضة، وتضيف: “منذ تاريخ اعتقاله حتى الآن، نبحث عن أي معلومة عنه، لكن من دون جدوى، وكنا نأمل بأن نجده ضمن المجموعات التي خرجت من السجون، أو حتى معرفة معلومة عنه من خلال من خرجوا أحياء، لكن للأسف لم نعثر على أي دليل”.

وتوضح شرشار قائلة: “رغم عدم وجود أثر يدل على أن شقيقي لا يزال على قيد الحياة إلا أن عدم وجود جثمان أو دليل قطعي على وفاته يبقينا في حالة شك بشأن احتمال إيجاده حياً، ما يبقينا في حالة بحث دائم عن أي خيط يوصلنا إلى معرفة مصيره، وبعد سماع قرار تشكيل هيئة المفقودين، أصبح لدينا أمل أكبر، فلسنا العائلة الوحيدة التي تبحث عن مفقودين، وأتمنى أن نصل من خلال الهيئة إلى نتيجة”.

أما السوري عمار مظلوم، من مدينة الزبداني، فهو يأمل بمعرفة مصير والده المفقود منذ عام 2018، ويقول لـ”العربي الجديد”: “كان والدي مرشد مظلوم تاجراً انحاز إلى الثورة السورية منذ بدايتها، لكنه تلقى تهديدات بالخطف والقتل، فتوقف عن المشاركة في أي نشاط، وفي عام 2018، اعتقلته جهة أمنية من المنزل، ولم نعرف شيئاً عن مصيره ولا عن الجهة الأمنية التي أخذته رغم الأموال الطائلة التي دفعناها رشاوى لضباط ومتنفذين. سنتواصل مع هيئة المفقودين الجديدة لمعرفة مصيره، على أمل أن تعمل بجدية لكشف الحقائق وطمأنة ذوي المفقودين عن أبنائهم، علها تساهم في إراحة قلوبهم المتعبة”.

يشكك حقوقيون سوريون بمدى استقلالية هيئة المفقودين أو قدرتها على تحقيق العدالة

في المقابل، يشكك حقوقيون ومتابعون لملف المفقودين بمدى استقلالية الهيئة وشموليتها، أو قدرتها على تحقيق العدالة، وإن اعتبروا أن تشكيلها يمثل خطوة إيجابية في ظل غياب أي إطار رسمي للتعامل مع الملف.

تقول المحامية السورية عتاب محسن لـ”العربي الجديد”: “هذا المرسوم يشكل خطوة في طريق حل مشكلة المفقودين بشرط أن يشمل جميع المفقودين بغض النظر عن الجهة التي تسببت في الاختفاء. عموماً، لا يمكننا الحكم على الهيئة قبل صدور نظامها الداخلي وتعليماتها التنفيذية، فهي ما زالت في مرحلة التأسيس”. 

من جانبه، يرى الحقوقي غزوان قرنفل في حديثه لـ”العربي الجديد”، أنه “كان من الأفضل إجراء مشاورات مع منظمات المجتمع المدني التي عملت لسنوات على توثيق حالات الاختفاء القسري وملف المفقودين، والتشاور أيضاً مع روابط وعائلات الضحايا قبل الإعلان عن إنشاء الهيئة، لضمان تمثيل أوسع وأكثر شمولية”.

بدوره، يوجه مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني انتقادات للطريقة التي تقرر بها تشكيل هيئة المفقودين، وقال لـ”العربي الجديد”: “كان يجب أن تشكل الهيئة بقانون من المجلس التشريعي، وليس بمرسوم رئاسي، وذلك لضمان شرعيتها واستقلاليتها، فتعيين أعضاءها من قبل السلطة التنفيذية يفقدها المصداقية، خصوصاً في ظل غياب تمثيل حقيقي لعائلات الضحايا والمنظمات الحقوقية”.

يضيف عبد الغني: “أسلوب تشكيل الهيئة يعد تكريساً للبيروقراطية في ملف العدالة الانتقالية. يفترض أن تكون هناك هيئة للمفقودين، ولجنة لجلاء الحقيقة، وأن تنسق مع لجان أخرى للمحاسبة والإصلاح والتحقيق في الانتهاكات، لكن يجب ألا تكون هناك هيئة واحدة لديها لجان منبثقة عنها لأن هذا يدخلها في تعقيدات لا نهاية لها”.

ووفقاً لتقارير المنظمات الحقوقية، يقدّر عدد المفقودين في سورية بنحو 157 ألف شخص، ويتحمل النظام السابق والمليشيات التابعة له مسؤولية أكثر من 85% من حالات الاختفاء القسري. في حين يواجه تحديد هويات المفقودين في سورية تحديات أبرزها نقص المختبرات والأدوات اللازمة لتحاليل الحمض النووي، خاصة في حالات المقابر الجماعية، إضافة إلى تعقيدات جمع الأدلة وحفظها بعد تدمير العديد من السجلات الرسمية، الأمر الذي يصعّب عملية التوثيق.

ويشكل ملف المفقودين جرحاً نازفاً في الذاكرة السورية، وتظل الحقيقة والعدالة شرطين أساسيين لأي مصالحة وطنية حقيقية، ورغم أن الهيئة الجديدة قد تكون خطوة على هذا الطريق، إلا أن مصداقيتها ستقاس بقدرتها على كسر حاجز الإفلات من العقاب التي كانت سائدة في المشهد السوري، ووضع حد لمعاناة آلاف العائلات التي تنتظر معرفة مصير أحبائها منذ سنوات، ولضمان تحقيق العدالة، ينبغي أن تتمتع الهيئة بالاستقلالية الكاملة، وأن تشمل جميع المفقودين من دون تمييز.

العربي الجديد

——————————–

الجريمة التي لا تزال تُرتكب في سوريا/ حنان البلخي

21/5/2025

إنكار الجريمة: إعادة قتل الضحية

لنتخيل معًا أمًّا قضت ثلاث عشرة سنة تنتظر خبرًا عن ابنها المختفي قسرًا، تعيش على أمل واهن بأن يكون على قيد الحياة، وحين تفتح المعتقلات بعد سقوط النظام ولا تجده تبحث عن رفاته في مقبرة جماعية اكتشفت قرب أحد السجون، وعندما تحاول استيعاب الصدمة، يظهر شخص ما على شاشة التلفاز ليقول لها إن هذه الجرائم لم تحدث، وإن النظام كان يحافظ على الاستقرار، وإن كل ما يُقال مجرد مبالغات سياسية. ما الذي ستشعر به هذه الأمّ؟

في تلك اللحظة، يُسحب منها آخر ما تبقى لها من حقوق، وهو اعتراف العالم بمظلمتها. وستشعر أن معاناتها محل تشكيك، وأن ما يُطلب منها هو أن تصمت لأنها مجرد جزء من رواية مبالغ فيها. هنا، يتحول الإنكار إلى امتداد للجريمة نفسها. فإذا كان النظام قد قتل ابنها وأخفاه، فإن المنكرين يقتلون ذكراه ويحاولون دفن الحقيقة معه.

إنكار الجرائم جريمة في حد ذاته

في كل ظهور إعلامي، تواصل بعض الشخصيات العامة أسلوبها المستفز، مستهترة بمشاعر الضحايا وأهاليهم. هؤلاء الأشخاص لا يترددون في إنكار الجرائم الموثقة، ولا يرون في صور التعذيب والتصفية في سجون النظام السابق سوى مبالغات، رغم أن العالم كله شاهدها.

فكيف يمكن لمن يتجاهل الحقائق أن يكون شاهدًا على الحق؟ هذا الإنكار العلني ليس فقط طعنة في جراح الضحايا، بل هو محاولة لتحويل المجرم إلى ضحية، وإعادة إنتاج الدعاية التي لطالما استخدمها النظام.

إن إنكار المجازر في صيدنايا، والتغطية على عمليات الاغتصاب في السجون، والتشكيك في وجود آلاف المعتقلين الذين لا تزال أمهاتهم يقفن أمام السجون بانتظار بصيص أمل، لا يمكن أن يكون مجرد وجهة نظر، بل هو امتداد للجريمة نفسها، وهو ما يستوجب إيقافها وإخضاعها للمحاسبة والمساءلة.

الممثلة السورية سلاف فواخرجي، على سبيل المثال، التي تظهر في الإعلام وتدافع عن روايات النظام السابق، هي واحدة من الشخصيات التي تحاول تلميع صورة هذا النظام، رغم ما تحمله الحقائق من إثباتات دامغة على الجرائم المرتكبة.

تظهر فواخرجي على شاشة التلفاز بملامحها المتناسقة وابتسامتها المصطنعة، ويراها البعض رمزًا للجمال والأناقة، لكن خلف هذا الوجه الذي يبدو وديعًا، تختبئ أيديولوجيا ملوثة تبرر واحدة من أبشع الجرائم التي عرفها العصر الحديث.

هذا التناقض الصارخ بين شكلها الخارجي وبين خطابها المستفزّ ليس مجرد مفارقة شخصية، بل هو انعكاس لكيفية توظيف بعض الشخصيات العامة للإنكار والتضليل، وكأن الكاميرات والمكياج يمكن أن يحجبا حقيقة المجازر والمقابر الجماعية.

وكم من شخصيات في التاريخ تمتعت بمظهر جذاب لكنها كانت تحمل في داخلها فكرًا دمويًا، تستخدم مظهرها لتضفي على خطابها طابعًا مقبولًا، لكن مهما كانت الملامح جذابة، فإنها لا تستطيع تغطية بشاعة الفكر الذي تدافع عنه. لم يكن الجمال يومًا معيارًا للأخلاق، ولم يكن الوجه الحسن حجة تبرر تبرئة نظام قتل مليون إنسان.

فالحقيقة لا تتغير مهما حاول أصحاب المظاهر المصطنعة تجميلها بالكلمات المزيفة، ومهما استخدموا الكاميرات والشاشات لفرض واقع مشوه لا وجود له إلا في مخيلتهم.

وقد تحاول شخصيات مثل سلاف فواخرجي أن تخدع بعض السطحيين بمظهرها، لكنها لن تخدع الأمهات اللواتي فقدن أبناءهن، ولن تخدع الناجين من سجون الموت، ولن تخدع كل من شاهد المقابر الجماعية تكتشف يومًا بعد يوم. فالتاريخ لا يرحم، والحقيقة لا تُطمس بمكياج الكاميرات، ولا بمقابلات الاستفزاز والإنكار.

التواطؤ الإعلامي بقصد أو بغير قصد

هذا الظهور الإعلامي لا يمكن أن يكون مجرد لقاء عابر مع ممثلة سورية، بل هو مشهد جديد في مسلسل طويل من تبرير الجرائم وإنكار الحقيقة.

هي ليست وحدها في هذا الدور، فوسائل الإعلام التي تستضيف مثل هذه الشخصيات المنكرة لجراح السوريين وتمنحها مساحة للحديث عن مظلومية النظام السابق، بينما المقابر الجماعية لا تزال تُكتشف، تتحمل جزءًا كبيرًا من المسؤولية. إذ لا تكتفي هذه المنصات بإيذاء الضحايا نفسيًا، بل تساهم في تطبيع الإنكار، وكأن دماء الشهداء ليست إلا رواية قابلة للنقاش.

من هنا فإن استضافة شخصيات تدافع عن الجريمة دون مساءلتها، هو شكل من أشكال التواطؤ. فالإعلام الذي يحترم الحقيقة لا يمكنه أن يسمح بتمرير الأكاذيب على أنها روايات متساوية مع الحقائق الموثقة. لذلك، لا بد من أن يتحمل الإعلام مسؤوليته في مواجهة الإنكار، لا في الترويج له.

ولكن رغم الدور السلبي الذي تلعبه وسائل إعلامية في مثل هذه الحالات، فإن استخدام شخصيات عامة في لقاء متلفز للدفاع عن الجريمة وتبريرها، يكشف في كثير من الأحيان قبح تلك الشخصيات الداخلي للجمهور.

فكلما تحدثت، زاد وضوح تناقضها بين المظهر المصطنع والكلمات المليئة بالكراهية والتبرير. وهذا النوع من الظهور الإعلامي، وإن كان مؤلمًا، يفضح هؤلاء أمام الرأي العام، ويجعلهم مجرد أدوات مكشوفة لخدمة الاستبداد.

كيف يمكن إنكار ما هو موثّق؟!

الجرائم التي ارتكبها النظام السابق لم تكن خيالات أو مجرد ادعاءات سياسية، بل وقائع مثبتة بشهادات الناجين، بالصور المسربة، وبالتقارير الحقوقية، وحتى بالوثائق التي كشفتها المؤسسات الدولية. آلة فرم المعتقلين في صيدنايا، والاغتصابات التي وُلد بسببها أطفال لا يعرفون آباءهم، فضلًا عن، الجثث المكدسة في المقابر الجماعية، كلها أدلة دامغة على أن هذا النظام لم يكن مجرد سلطة قمعيّة، بل كان ماكينة قتل جماعي، تعمل بلا رحمة وبلا محاسبة.

كيف يمكن لإنسان يملك قلبًا وعقلًا أن يتجاهل كل هذه الأدلة القاطعة؟ كيف يُمكن لمن رأى جثثًا مكدّسة في مقابر جماعية أن يدّعي أن كل هذا لم يحدث؟ إنه عمى اختياري، بل ولاء متجذر للاستبداد يمنع صاحبه من رؤية الحقيقة، حتى بعد سقوط النظام.

ومن هنا، نجد أن بعض الشخصيات المرتبطة بالنظام السابق تمثل جزءًا من شبكة واسعة ممن يدينون له بالولاء المطلق، ويسعون إلى التشكيك في المأساة السورية وتطبيع الإنكار. هؤلاء الأفراد يستخدمون وسائل الإعلام كمنصات لتبرير الجرائم أو التقليل من حجم المعاناة، وكأنهم يراهنون على أن التاريخ لن يحاسبهم.

من هنا تأتي ضرورة محاسبة كل من يحاول تبرير الفظائع التي ارتكبها النظام باسم التعبير عن الرأي بحرية. لا سيما أن الإعلان الدستوري يضع حدًا لمثل هذه الممارسات ويجرم إنكار جرائم النظام، تمامًا كما هو الحال مع إنكار جرائم النازية أو المجازر الجماعية في العالم. وهذا التشريع ليس مجرد إجراء قانوني، بل هو اعتراف بأن إنكار الجرائم هو في حد ذاته جريمة جديدة، لأنه يعيد إنتاج الظلم ويهيئ الأرضية لعودة العنف تحت أي ذريعة مستقبلية.

أخيرًا، لا بدّ من الإشارة إلى أن الضحايا لا يطلبون الشفقة، بل يطالبون بالحقيقة والعدالة. يريدون أن ترفع الأقنعة عن الوجوه الملوثة بالدماء.

لن تكون العدالة أبدًا إلا عندما يُجبر الجميع على مواجهة حقيقة ما حدث، ولا مكان للإنكار في عالم يتطلع للعدالة. والعدالة لا تتحقق حين يسمح للمجرمين السابقين وأنصارهم بطمس ما حدث، بل تتحقق حين يجبر المجتمع على مواجهة ماضيه بشجاعة، دون مجاملات أو مواربة.

من حق كل أمّ أن تعرف مصير ابنها، ومن حق كل ناجٍ من التعذيب أن يسمع صوته، ومن حق كل طفل وُلد في السجن بسبب اغتصاب والدته أن يعرف الحقيقة كاملة، لا أن يُقال له إن ما حدث لم يكن سوى حرب على الإرهاب.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

صحفية، وممثلة سابقة للائتلاف السوري المعارض في أوسلو

الجزيرة

———————————

===========================

مؤسسات سوريا الوهمية

الإصلاح الموعود للدولة لم يقدّم سوى وهم الحكومة

قال الرئيس السوري المؤقت أحمد الشراع خلال “مؤتمر النصر” في 29 يناير 2025:

“سنسعى لبناء مؤسسات الدولة على أسس الشفافية والمساءلة (…) بناء مؤسسات قوية قائمة على الكفاءة والعدالة، لا الفساد أو المحسوبيات أو الرشاوى.”

بعد سنوات من الحرب الأهلية، كان الكثير من السوريين مستعدين لتصديقه.

لكن بعد أكثر من 140 يومًا على توليه الرئاسة، لا تزال الهوة تتسع بين خطابه وواقع حكمه. وكلما مضى الوقت، يصبح من الصعب تبرير هذا الأداء بالظروف الصعبة التي تمر بها البلاد الخارجة من حرب. فلا أحد يتوقع حوكمة مثالية فورًا، لكن الخيارات التي اتخذتها الحكومة المؤقتة تثير قلقًا متزايدًا: إذ يبدو أن آليات الحكم السلطوية المبنية على الولاء والمحسوبية ليست ضرورات مؤقتة، بل أدوات متعمدة لترسيخ السلطة.

فمعظم الآليات التي نص عليها “الإعلان الدستوري” الصادر في 13 مارس 2025 لم تُنفذ أو لا تزال غير مفعّلة. فلم يُعيّن الشراع نائبًا للرئيس رغم أن المادة 34 توجب ذلك. أما مجلس الشعب، الذي يخوّل له الدستور ملؤه بالتعيينات، فلا يزال فارغًا تمامًا. وهذا الفراغ له عواقب خطيرة: ففي حال تعذّر الرئيس أو وفاته، لا يوجد خط دستوري للخلافة — قنبلة دستورية موقوتة في حال حدوث أزمة.

حتى الرموز الشكلية لبناء الدولة، مثل اعتماد شعار وطني أو نشيد جديد، تم تجاهلها أو تأجيلها.

حكم الخمسة

تركّز السلطة فعليًا في أيدي خمسة رجال – لا يخضع أيٌّ منهم لمحاسبة شعبية حقيقية.

أولهم وزير الخارجية أسعد الشيباني، الذي يشغل أيضًا منصب رئيس “الأمانة العامة للشؤون السياسية”، وهي كيان ظِلّ يضطلع بمهام شبيهة لما كان يقوم به حزب البعث سابقًا: ضبط النشاط السياسي المستقل والحفاظ على الانسجام الإيديولوجي في مؤسسات الدولة. وقد نقل الشيباني عملياته من وزارة الخارجية إلى القصر الجمهوري، في خطوة رمزية تشير إلى تحوّل مركز النفوذ.

أما وزير الداخلية أنس خطّاب، فيُشرف على جهاز أمني معاد تشكيله، يعتمد على الولاء والفعالية. ويستعين بخبراء من جناح الاستخبارات التابع لهيئة تحرير الشام (HTS)، الذين لديهم خبرة في قمع المعارضة في إدلب. وبسبب تنامي نفوذه، عيّن الشراع مؤخرًا رئيس استخبارات جديدًا هو حسين السلامة، في ما يبدو كإشارة إلى أنه لا يريد أن يحتكر أحد السيطرة على الجهاز الأمني.

أبرز ما يلفت في هذا الهيكل هو دور شقيقي الرئيس:

الدكتور ماهر الشراع، الأمين العام لرئاسة الجمهورية، يعمل كمستشار و”منفّذ”. يفرض نفوذه غير الرسمي على وزارات عدة، ويتحكم في الوصول إلى الرئيس، ويتدخل في التعيينات الوزارية. رغم حضوره المستمر لاجتماعات الحكومة، لا يُذكر اسمه في البيانات الرسمية. إنه “الشبح على الطاولة”.

حازم الشراع، رئيس هيئة الاستثمار، همّش الوزارات الاقتصادية إلى حد كبير، ويمسك بزمام القرار في الاستثمارات والتنمية، مما خلق هيكلًا اقتصاديًا موازيًا تحت سيطرة شبكات غير رسمية مرتبطة بـ HTS.

أما الرجل الخامس، وزير الدفاع مرهف أبو قصرة، فيتمتع بسمعة جيدة بين الفصائل المسلحة.

نظام لا يعمل

نتائج هذا الهيكل الحكومي المربك متعددة:

القانون مشلول. الوزارات عالقة لأن التشريعات القديمة لا يمكن تعديلها لغياب مجلس تشريعي. الوزراء يعترفون بالحاجة إلى إصلاحات استثمارية، لكن المادة 30 من الإعلان الدستوري تشترط وجود برلمان لمثل هذه الخطوات، ما يجعل التقدم مستحيلًا.

العدالة الانتقالية – وهي مطلب أساسي للشارع الثوري – لم تتحقق. فالمادتان 48 و49 من الإعلان الدستوري، واللتان تنصان على تشكيل لجنة عدالة ومحاسبة جرائم النظام السابق، بقيتا دون تفعيل. إن إفلات النخبة الأمنية في عهد الأسد من المحاسبة هو خلل خطير يجب معالجته.

حتى السلطة القضائية نفسها مُفرغة من مضمونها: لم يُنشأ بعد “المحكمة الدستورية العليا” (المادة 47)، ولا يوجد “مجلس القضاء الأعلى” (المادة 45)، ووزارة العدل في حالة شلل.

لا وجود لموازنة وطنية فعلية. فبدون برلمان، لا توجد رقابة مالية. الوزارات تعمل في الظلام، في حين تموّل الأجهزة الأمنية المرتبطة بـ HTS نفسها عبر احتكار الأنشطة الاقتصادية، مثل المقالع في القلمون، التي تدرّ أموالًا خارج رقابة الخزينة.

المساءلة السياسية في وضع مماثل: لم يُصدر قانون الأحزاب (المادة 14)، كما تمّ تفكيك أو خنق منظمات المجتمع المدني. وتُمنع التجمعات السياسية الناشئة من العمل.

الإدارة العامة متضخمة وغير فعّالة. فالحكومة المؤقتة قبل حكومة الشراع لم تستغل الأشهر الثلاثة لإصلاح الخدمة المدنية، بل أعادت آلاف الموظفين الذين طُردوا بعد 8 ديسمبر، مما زاد من تفاقم الفساد والبيروقراطية.

محاولات تطبيق قانون الإدارة المحلية رقم 107 (من عهد الأسد) خلقت ارتباكًا، خصوصًا في تحديد صلاحيات المحافظين مقابل وزارة الإدارة المحلية، مما شوّه حلم اللامركزية.

هيئة الرقابة العامة أُعيد تفعيلها ولكن تحت رئاسة عامر النمس العلي، القريب من رئيس الاستخبارات الجديد. وتبدو الهيئة كأداة إقصاء أكثر من كونها جهاز رقابة.

رواتب موظفي الدولة تعكس الانقسام السياسي في البلاد:

الموظفون القدامى يتقاضون بين 30 و60 دولارًا شهريًا.

المتعاقدون الجدد يحصلون على 200 إلى 400 دولار.

الموالون لـ HTS أو من لديهم علاقات سياسية يتقاضون من 400 إلى 1000 دولار.

الرسالة واضحة: الولاء يُكافأ، لا الكفاءة. ولا غرابة أن الإضرابات والبطء في العمل في تزايد.

اقتصاديًا، يتولى الشراع بنفسه التفاوض مع الولايات المتحدة وروسيا وإسرائيل، رغم القيود الدستورية على عقد المعاهدات. وقد تُنتج هذه المفاوضات اتفاقات مصيرية أُبرمت بدون أي استشارة شعبية أو برلمانية، وقد تشمل تنازلات لشركات أجنبية تُهدد ما تبقى من الصناعة الوطنية.

المادة 8 من الإعلان الدستوري تربط التعافي الاقتصادي برفع العقوبات الدولية واستئناف تدفق رأس المال الأجنبي — أهداف يكررها الوزراء. لكن لم يُصدر أي قانون استثمار، مما يجعل بيئة الاستثمار غير مشجعة حتى في حال رفع العقوبات.

أوهام مفيدة

ما يتشكّل في سوريا ليس دولة فاشلة بل دولة فارغة من الداخل. المظاهر موجودة — وزراء، وزارات، اجتماعات، تصريحات، صور — ولكن الجوهر غائب. حكم الشراع يتسم بوجود مؤسسات صورية. آليات المساءلة غائبة، والشفافية مقموعة. السلطة مركزة في شخص الرئيس، وتنتشر عبر دائرة من الموالين وأفراد العائلة وقدامى HTS.

ورغم كل فشله، حقق الشراع نوعًا من التماسك المؤقت. فالوضع في سوريا اليوم ليس فوضويًا. بل هو محكوم بإحكام، وإن كان بشكل بدائي. هناك منطق خلف هذا الخلل: إنه نظام إقصائي، هدفه حفظ السلطة لا توزيعها، لكنه يحافظ على مظهر من النظام.

هل سيصمد هذا النظام؟ ربما لبعض الوقت. فالشعب السوري المتعب والفقير لا يرغب باضطراب جديد. لكن لا نظام — وخاصة في سوريا — يمكن أن يدوم بلا إصلاح وتجدد. أحمد الشراع، بلباقته ومظهره الرئاسي، قد يكون أكثر جاذبية من نظيره المتشدد أبو محمد الجولاني. وقد يتمكن من رفع العقوبات وينجح في كسب ودّ ترامب.

لكن ما لم يبدأ بتنفيذ وعوده ببناء مؤسسات حقيقية، فحتى أكثر الأوهام إتقانًا لن تصمد للأبد.

ترجمة حرفية لمقال مؤسسات سوريا الوهمية

Syria’s phantom institutions — Syria in Transition

https://www.syriaintransition.com/syriasphantominstitutions

———————————-

 منح الجنسية السورية للمقاتلين الأجانب: خطوة محفوفة بالمخاطر/ مها غزال

الجنسية السورية للمقاتلين الأجانب: حسابات الأمن والتكلفة الاجتماعية

الثلاثاء 2025/05/20

تُعد مسألة الجنسية من أكثر القضايا حساسية في الدول الخارجة من الحروب والنزاعات. ومع بدء مرحلة إعادة بناء الدولة السورية، تبرز قضية المقاتلين الأجانب الذين مكثوا في البلاد لفترات طويلة وتزوجوا سوريات وأنجبوا أطفالاً، كأحد أعقد الملفات التي تتشابك فيها الأبعاد القانونية والاجتماعية والأمنية.

الرئيس السوري، أحمد الشرع، طرح مؤخراً فكرة منح الجنسية لهؤلاء المقاتلين بدافع إنساني. حيث يرى أن إعادة ترحيلهم قد يشكل خطراً على حياتهم وحياة أسرهم، في ظل الملاحقات القضائية التي قد يتعرضون لها. لكن هل يمكن اعتبار هذا الطرح خطوة نحو العدالة الانتقالية، أم أنه قرار محفوف بالمخاطر الأمنية والقانونية وقد يفتح الباب أمام تحديات جديدة؟

التجربة البوسنية

تقدم التجربة البوسنية نموذجاً يستحق التأمل، إذ شهدت البلاد تدفقاً للمقاتلين الأجانب خلال الحرب الأهلية، حيث قدموا تحت شعارات الجهاد والدفاع عن المسلمين. بعد انتهاء النزاع، واجهت البوسنة معضلة قانونية تتعلق بوضع هؤلاء المقاتلين الذين تزوجوا وأنجبوا أطفالاً على أراضيها.

في البداية، منحت السلطات الجنسية للبعض بناءً على ظروف استثنائية، لكن سرعان ما تراجعت عن هذه الخطوة بعد تصاعد الضغوط الدولية واتهامات بتسهيل بقاء “الجهاديين”.

وفي عام 2007، أطلقت البوسنة حملة واسعة لسحب الجنسية ممن حصلوا عليها بطرق غير قانونية، ما أدى إلى معارك قانونية معقدة استمرت سنوات. وخلال تلك الفترة، برزت انتقادات دولية تتهم الحكومة البوسنية بالتراخي في مكافحة الإرهاب وتسهيل بقاء أفراد يشكلون تهديداً للأمن الإقليمي. وفي نهاية المطاف، تحولت هذه القضية إلى أزمة قانونية وإنسانية تداخلت فيها أبعاد الأمن والسيادة والحقوق الإنسانية.

تؤكد تلك التجربة على أن قرارات منح الجنسية في سياقات ما بعد الحرب لا يجب أن تكون وليدة الضغوط الآنية، بل يجب أن تُبنى على أسس قانونية متينة لتجنب تحوّلها إلى قنبلة موقوتة تهدد الأمن والاستقرار.

شروط صارمة

في السياق السوري، تثير مسألة المقاتلين الأجانب تساؤلات حول الإطار القانوني الذي ينظم منح الجنسية. فمعظم هؤلاء دخلوا البلاد بطرق غير قانونية وانخرطوا في فصائل مسلحة مصنفة على قوائم الإرهاب. فهل من المعقول أن يُمنحوا الجنسية دون مراعاة المخاطر الأمنية والاجتماعية في البلاد التي تشهد انقسامات حادة في هذا السياق؟ لا سيما أن الجنسية ليست مجرد وثيقة تمنح حق الإقامة والعمل، بل هي عقد اجتماعي يتضمن حقوقاً وواجبات. لذلك، إذا قررت الدولة السورية المضي قدماً في هذا الاتجاه، ينبغي وضع شروط صارمة تشمل إثبات حسن السيرة والسلوك، والخلو من السجلات الإجرامية، والالتزام بالقوانين، وإثبات الرغبة في الاندماج وتفهم التنوع والتعدد في المجتمع السوري.

لكن إذا كان المقاتلون الأجانب الذين تزوجوا سوريات يستحقون الجنسية، فلماذا لا يمتد هذا الحق لشرائح أخرى مهمشة منذ عقود، مثل الفلسطينيين السوريين الذين ولدوا وتربوا في البلاد ولا يزالون يُعاملون كأجانب. إن التعامل الانتقائي في هذا الملف لا يعكس ازدواجية في تطبيق القانون فحسب، بل يعزز مناخ الإقصاء والإحباط لدى شرائح مجتمعية عانت من التهميش.

وفي الوقت الذي يتحدث فيه الشرع عن حماية المقاتلين الأجانب من مخاطر الترحيل، يتغافل عن ضرورة حماية المجتمع السوري من المخاطر الأمنية الناتجة عن إدماج أفراد ارتبطوا بجماعات مسلحة في مؤسسات الدولة. هنا تبرز ضرورة وضع ضوابط صارمة للانتساب إلى الوزارات السيادية كالدفاع والداخلية، مع تحديد فترة زمنية بين حصول الفرد على الجنسية وبين الحق في الانضمام لتلك المؤسسات، واشتراط خلو السجل من أي ارتباطات بجماعات مسلحة.

العدالة الانتقالية

أما الملف الأخطر، فهو العدالة الانتقالية. إذا كان الهدف من التجنيس هو تحقيق العدالة وتجنب العنف المستقبلي، فلا بد أن تشمل المحاسبة كل من تورط في إراقة دماء السوريين، سواء كان أجنبياً أو سورياً، تابعاً للنظام أو للمعارضة.

كما لا يجوز أن يتحول الخطاب إلى استهداف المقاتلين الأجانب حصرياً، بل يجب التعامل مع ملف الجرائم بمعايير قانونية شاملة، تنظر إلى الجريمة كجريمة، بغض النظر عن جنسية الفاعل أو انتمائه.

في النهاية، إن منح الجنسية السورية للمقاتلين الأجانب ليس قراراً بسيطاً يمكن اتخاذه بدافع الرحمة أو تحت ضغط الظروف الآنية، بل هو قرار سيادي يتطلب مراجعة شاملة لمنظومة القوانين المتعلقة بالجنسية والإقامة، مع مراعاة مصلحة المجتمع السوري أولاً، دون إغفال الحقوق الإنسانية للمقيمين.

———————————

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى