سقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوعمنوعات

بين الفن والرقابة الاجتماعية.. الحريات الشخصية في دمشق تحت اختبار المرحلة الانتقالية

4 يونيو 2025

مع عودة الحياة الثقافية والاجتماعية تدريجيًا إلى دمشق بعد تغيير السلطة، تشهد المدينة انفتاحًا نسبيًا في الحريات، يقابله حذر شعبي من تضييق اجتماعي. وبين أغانٍ تُؤدى في الحانات والمطاعم، وبين شكاوى من سلوكيات فردية متشددة، تبرز ملامح نقاش مفتوح حول شكل المجتمع السوري بعد مرحلة الأسد، بحسب تقرير لوكالة الأنباء الفرنسية.

تشير الوكالة الفرنسية في مقدمة تقريرها إلى أنه مع وصول الحكومة الجديدة ذات التوجّه الإسلامي إلى دمشق، توقفت عشتار عن الغناء في الأماكن العامة. لكنها بعد ستة أشهر، عادت إلى تقديم أغنيات باللغة الأجنبية أمام جمهور صفّق لها بحرارة، رغم حالة الحذر السائدة بعد تكرار حصول إشكالات.

ولفتت الوكالة الفرنسية إلى أنه منذ الإطاحة بنظام بشار الأسد في كانون الأول/ديسمبر الماضي، تحوّلت المقاهي والمطاعم والحانات في العاصمة إلى مساحات لنقاش مفتوح حول الحريات السياسية والفردية وقضايا كانت تعدّ من المحرمات، مثل ملفات المفقودين وسجون الأسد.

لا نرغب بحصول تفرقة

وداخل قصر النعسان المبني على الطراز الدمشقي القديم في باب شرقي، تقول عشتار (26 عامًا)، وسط إشادة الحاضرين بصوتها، إن “حانات ومطاعم أغلقت وواجهت أخرى مشاكل في الترخيص”، مضيفة “لكن الحمد لله أننا عدنا اليوم للعمل من جديد”.

ولفتت الوكالة الفرنسية إلى أنه رغم أن السلطة لم تفرض رسميا قيودًا على الحريات والسلوك الاجتماعي، لكن بعض الإجراءات وانتهاكات غالبًا ما تُصنّف “فردية”، تثير “قلقًا وخشية من فرض قيود على الحريات الشخصية”.

وأوضحت خريجة الهندسة عشتار، التي تستخدم اسمها الفني، للوكالة الفرنسية أن “التغيير (في السلطة) أوقف بشكل عام جميع أنشطتنا”، لافتةً إلى أنهم أصبحوا يخضون “الغناء بحرية في أي مكان”.

وقد أثار اعتداء مقاتلين من مجموعة تابعة للسلطة على روّاد ملهى ليلي، الشهر الماضي، فضلًا عن مقتل سيدة بعد أيام بهجوم مسلحين مجهولين على ملهى آخر، المخاوف في المجتمع السوري، فيما أعلنت الحكومة السورية توقيف المتورطين في الهجوم الأول، وفقًا للتقرير ذاته.

وأعادت الوكالة الفرنسية التذكير بأن المجتمع الدولي حثّ الحكومة الجديدة على احترام الحريات، بالإضافة إلى حماية الأقليات وإشراك كافة المكونات والنساء في إدارة المرحلة الانتقالية، في الوقت الذي تحاول الحكومة الجديدة، مدفوعة بالانتقادات، أن تقدّم نموذج حكم يتسم بالانفتاح والمرونة. تقول عشتار التي تهوى المزج بين أنماط موسيقية مختلفة “لا نرغب بحصول تفرقة، وأن ينقسم المجتمع بين نصفين، واحد يريد (التنوع) وآخر يحاربه”.

من جانبها، أبدت الموظفة المتقاعدة ريما شاشاتي تفاؤلها بالمرحلة المقبلة، معربةً عن اعتقادها بأن “التصرفات السلبية التي تحصل تكون فردية بشكل عام”، مؤكدةً ضرورة أن “نجتمع معا ونحبّ بعضنا البعض”، مشيرةً إلى أنه “يليق بنا الفرح بعد حرب” دامت نحو 14 عامًا، وأودت بحياة أكثر من نصف مليون شخص، وأكثر من سبعة ملايين لاجئ ونازح في دول الشتات.

اعتاد النظام السابق إغلاق الحانات

وذكّرت الوكالة الفرنسية بأنه بين الحين والآخر، توثّق مقاطع فيديو يتم تداولها شبانا يطلقون هتافات دينية أو يطالبون بإقفال حانات تقدّم الكحول في أحياء دمشق القديمة. كما ينفّذ عناصر أمن مداهمات تباعًا، يغلقون خلالها حانات لعدم حيازتها رخصة لتقديم الكحول، رغم أنها مفتوحة منذ سنوات.

ويوضح مالك حانة قديمة للوكالة الفرنسية، دون الكشف عن هويته، أنه “اعتاد النظام السابق إغلاق حانات لا تملك ترخيصًا، ليُعاد فتحها بعد دفع غرامات أو رشاوى”، لكنه أضاف “اليوم، يبدو أنها تُغلق نهائيًا”.

وأشارت الوكالة الفرنسية إلى أنه على غرار حانات ومطاعم تمتلك ترخيصًا، تستقبل حانته الزبائن حتى ساعات متأخرة ليلًا، فيما تمر دوريات أمن أمامها من دون إشكالات.

ونقلت الوكالة الفرنسية عن شاب، تحفّظ عن ذكر اسمه، أن عنصر أمن سأله عن عبوة ويسكي لاحظ وجودها في سيارته لدى عودته متأخرًا من زفاف صديقه، حيثُ حاول مصادرتها بحجة أن تناولها “ممنوع”، لكن بعد أخذ ورد، سمح له بإكمال طريقه.

ووفقًا للوكالة الفرنسية، يتم التداول على الإنترنت حسابات صور ومقاطع فيديو، تهاجم فتيات بثياب البحر أو حفلات راقصة، وتتحدث أخرى عن “تنقيب” طالبات جامعيات، بينما تجول في الشوارع سيارات تحضّ على الالتزام بتعاليم الإسلام والصلاة، الأمر الذي يثير انقسامًا عريضًا بين مؤيد ومنتقد بشدة.

وبحسب ما نقلت الوكالة الفرنسية عن مراسليها، تم تداول منشورات عن فصل بين الجنسين في وسائل النقل العام، لكنها أشارت إلى أن مراسليها لم يلحظوا أي فصل في محطة رئيسية للحافلات. لكن راكبة قالت إن سائق الحافلة طلب منها قبل أيام الابتعاد عن مقعد صديقها في حال أوقفت نقطة أمنية الحافلة في طريقها إلى شمال البلاد.

دمشق للجميع

يشير عبد الرحمن اللحام (29 عاما) للوكالة الفرنسية إلى أنه خلال زيارته لمعرض يستحضر لافتات رفعها متظاهرون خلال الاحتجاجات التي اندلعت ضد نظام الأسد في 2011، اعترض شابًا بزي عسكري على ارتدائه سروالًا قصيرًا، بينما كان يطلب منه عدم التدخين في المعرض.

يقول اللحام: “سألني: هل تعلم أن لباسك ممنوع وحرام”، مما أدى إلى سجال بينهما تدخّل عدد من الحاضرين لإنهائه. وبحسب الوكالة الفرنسية، فإنه في أنشطة رياضية عدة سواء محترفة أم في مساحات عامة، يندر رؤية فتيات يرتدين سراويل قصيرة.

وكانت قد أُعيد افتتاح المسابح في دمشق، حيثُ أبقى بعضها الحال على ما هو عليه لناحية حرية اللباس والاختلاط، بينما لم يحسم بعضها الآخر قراره. وبحسب التقرير ذاته، منع فندق معروف الزبائن غير النزلاء من ارتياد مسابحه، بينما أحجم فندق آخر عن تقديم الكحول في مطاعمه، لكنه ما زال متوفرًا عبر خدمة الغرف، وفقًا لتأكيد النزلاء.

وفي هذا الوقت، يؤكد كثيرون أنهم فرحون بسوريا الجديدة، مثل مجد النعسان (33 عاما) الذي عاد إلى دمشق مطلع العام بعد عشر سنوات في النمسا. ويقول النعسان، الذي ينظم حفلات موسيقية وفنية، للوكالة الفرنسية “ثمة قلق، لكنه لا يتعلق بالحكومة فقط، بل بكوننا ما زلنا على طريق استتباب الأمن”، وأضاف “ثمة قلق في دمشق، لكن هناك أيضًا إرادة حياة”.

واختتمت الوكالة الفرنسية تقريرها بالإشارة إلى أنه خلال توقيع كتاب في مقهى دمشقي شهير، يقول السياسي سابق، والمعارض البارز الذي سجن خلال حقبة الأسد لسنوات، محمد مأمون الحمصي: “مهما صدرت آراء قد نختلف عليها، لكن في النهاية ستنتصر دمشق”، مؤكدًا أن “دمشق أثبتت أنه لا يمكن اختطافها”، وأضاف “دمشق للجميع”.

الترا سوريا

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى