حين تحكُمنا الركاكة/ رشا عمران

04 ابريل 2025
طلبت من ذكاء صناعي يساعدني في الترجمة والبحث عن مراجع أدبية وعلمية أن يلخّص لي كلمة وزير الثقافة السوري الجديد، محمّد صالح، في أثناء تنصيبه، فكتب لي نصّاً من 350 كلمة فيه خطّة كاملة للثقافة السورية مستقبلاً. كتب لي عن صناعة الكتاب الورقي وكيفية التعامل مع التطوّر الرقمي في موضوع النشر، وعن تطوير السينما والمسرح والدراما التلفزيونية، وعن ضرورة الاهتمام بالموسيقا والفن الغنائي، وعما يجب أن تكون عليه علاقة الدولة مع المبدعين والمثقفين، وعن أهمية الانفتاح على الثقافات المحلية المتنوعة التي تُغني المجتمع السوري، الانفتاح على ثقافات العالم خصوصاً مع انتشار السوريين في كل العالم واتقانهم للغات جديدة؛ وعن دور الثقافة في تحقيق السلم الأهلي في بلد مثل سورية خارج لتوه من حرب طويلة، وعن ضرورة اهتمام الدولة بثقافة الطفل لتنشئة أجيال جديدة، يمكنها غداً إتمام خطط بناء المجتمع السوري. ومذكّراً بالإرث الثقافي الذي تستند إليه سورية، و إلى تاريخها الطويل في الابداع الأدبي والمعرفي. وذكر لي بعض أشهر الكتاب والمبدعين السوريين (رجالا ونساء)؛ منوها إلى ما أضافوه للثقافة العالمية.
لم يقترب صديقي الذكي بحرف واحد مما قاله الوزير محمّد صالح. بدا كما لو أن منشئوه لم يقوموا بتحديث معلوماته بعد إعلان الحكومة السورية الجديدة، فهو لم يذكر اسم الوزير. قدّم لي برنامج عمل يفترض بأي وزير ثقافة جديد أن يقدّمه. في المقابل، طلبت من الذكاء الصناعي الشهير (تشات جي بي تي) الطلب نفسه فكتب لي: ” خلال حفل تنصيبه، ألقى محمد صالح، وزير الثقافة السوري الجديد، كلمة افتتحها بآيات من القرآن الكريم وأبيات شعرية، مؤكّداً أن سورية للجميع بكل أعراقهم ومنابتهم، وأن وزارة الثقافة ستعمل على تعزيز ثقافة الخير والإحسان. كما أشار إلى تجربته في نقل معاناة السوريين عبر قناة الجزيرة، معبراً عن فخره بكونه جزءاً من مرحلة جديدة في تاريخ سورية”. ثم سألتُه عمّ يمكن أن يكون قصد الوزير في ذكره ثقافة الخير والإحسان، فردّ مختصراً: “قد يكون يقصد بذلك تعزيز قيم التسامح والتعاون والتضامن بين السوريين بمختلف خلفياتهم الثقافية والاجتماعية في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها سورية”.
وكما تلاحظون، عجز أشهر ذكاء صناعي عن فهم ثقافة الخير التي ذكرها وزير الثقافة السوري الجديد الذي بدأ عهده بأبياتٍ من قصيدة عمودية ركيكة تستعيد أمجاد الماضي إلى حاضر يراه مستمرّاً إلى يوم القيامة. … خلال الأشهر الماضية، نظمت مجموعة لا بأس بها من مثقفي سورية (مخرجين ومسرحيين وسينمائيين وكتّاب وتشكيليين وصحفيين وعاملين في السياسات الثقافية في الداخل والخارج) ما يشبه تجمّعاً من دون إطار رسمي لمحاولة إنقاذ ما يمكن من الثقافة السورية العريقة التي تهاوت خلال سنوات الحرب، وتحوّلت إلى ثقافةٍ تمجّد القتل والقاتل؛ وانتخب مجموعة منه للتواصل مع مندوبين عن سلطة الأمر الواقع وقتها للبحث في شأن الثقافة السورية، ولتسهيل إقامة فعاليات ثقافية متنوّعة، وبحث شؤون النقابات والمعاهد الفنية، كما قدّم التجمّع خطّة عمل متكاملة، تتفوّق فعلا على خطة الذكاء الصناعي السابقة. ويمكن لأي حكومة جديدة لديها رغبة حقيقية بإعادة بناء المجتمع السوري أن تعتمدها لما فيها من ثراء وتنوع وشمولية. لكن الأحداث التالية بينت أن مصير خطّة العمل تلك كان الإهمال والإتلاف. فالتعيين المفروض لأعضاء النقابات، بدلا من الانتخابات كما يفترض أن يحدُث في دولة وليدة على أنقاض دولة استبداد وحكم شمولي، واختيار وزير للثقافة يشيطن، بثقة بالغة، كل الثقافة السورية التي كانت قبل “بني أمية الجدد”، ويرى في المعرفة ترفاً لا ضرورة له، وكل منجزه الثقافي برنامج لا يعتدّ به في قناة الجزيرة، وقدرة على نظم أبيات ركيكة من الشعر العمودي، هو ليس سوى نموذجٍ لما ستكون عليه سورية القادمة وللذهنية التي ستدير شؤونها السياسية والثقافية والاجتماعية.
وبالمناسبة، طالما أن الثقافة بالنسبة للحكام الجدد في سورية هي الإحسان، أما كان ينبغي لهم أن يضمّوا وزارة الثقافة إلى وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، ما يعطي الوزيرة الوحيدة في الحكومة امتيازاً مضافاً لامتيازاتها الثلاث السابقة؟
العربي الجديد