العقوبات الأميركية على سورياسقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوعسياسة

الموقف الأميركي اتجاه سوريا، مسالة رفع العقوبات، الشروط التي تفرضها الولايات المتحدة الاميركية على الحكومة السورية تحديث 23 نيسان 2025

لمتابعة هذا الملف اتبع الرابط التالي

العقوبات الأميركية على سوريا الجديدة وسبل إلغائها

———————————

هل تمزق رسائل الاقتصاديين السوريين عقوبات الغرب؟/ سميرة المسالمة

الثلاثاء 2025/04/22

يفترض المتابع للشأن السوري أن الحديث عن إصلاح شامل في سوريا، سياسي، اقتصادي، اجتماعي، يحتاج بدايةً إلى بيئة مؤاتية للعمل، أهمها قدرة السلطة الحالية على المحافظة على الثقة التي اكتسبتها خلال أيامها الأولى بعد التحرير، من خلال نبذها للخطاب الطائفي وتجريمها عمليات الانتقام. وهذا يعني أنها اليوم مطالبة بتحويل هذا الخطاب إلى إجراءات تجرم فيها الانتهاكات الواقعة في مناطق متفرقة في سوريا، مما يمنع تكرارها أو التمادي في استثمارها من قبل جهات داخلية، أو خارجية، لتقويض عملية الانتقال من سوريا الخراب الأسدي إلى سوريا الشعب السوري، أي أن أولى ملامح الإصلاح في سوريا تأتي من صورتها الداخلية أمام مجتمعها لا من صورتها الخارجية.

صحيح أن العقوبات الغربية تصنع اليوم حواجز تفوق قدرة الحكومة السورية على تجاوزها، أو القفز فوقها، وتتضاعف آثارها الاقتصادية يوماً بعد يوم نتيجة التراكمات التي خلفتها حرب نظام بشار الأسد على المدن والسكان ومنابع الاقتصاد الحيوية، إلا أن للسوريين القدرة على انتزاع حلول إبداعية، من خلال مبادراتهم وتكتلاتهم الاقتصادية التي تترجمها مجموعات عمل تتناوب على انعاش القطاعات الطبية والمصرفية والصناعية، والتجارية. فحيث تبعد العقوبات عادة رؤوس الأموال عن الاستثمار في مواطنها، يمارس كثير من السوريين اليوم التجديف عكس تيار المخاوف، ما يعني أنهم يحررون اقتصادهم من تبعيات الخوف واحتمالات الفشل.

من ذلك، العودة الصناعية السورية التي تعد رسالة ذات أبعاد مجتمعية وسياسية، وتتجاوز كونها مجرد وظيفة اقتصادية، فالثنائية المحيرة بين أولوية رفع العقوبات الغربية عن سوريا أو البدء بالإصلاحات السياسية تحل نفسها بنفسها.

عدم تمكين الحكومة من خلال تقييد حركتها المالية والنقدية، ومنع تدفق الاستثمارات إليها لتأمين فرص العمل واستعادة القدرة على إعادة الإعمار، بدءاً من توفير مستلزمات السلم الأهلي وتأمين ما يضمن استقراره وحمايته، ووصولاً إلى تمكين المجتمع اقتصادياً. هذا الواقع عندها هو ما يمنح السوريين فترة استراحة حقيقية من أعباء ما خلفه نظام الأسد في حربه الدامية، ولعل الخراب الاجتماعي الذي نعيشه اليوم، إصلاحه ليس بأقل تكلفة من غيره.

أي أن تراتبية المطالب يجب أن تبدأ من إزالة العوائق أمام الحكومة للبدء بأعمالها الأساسية، التي هي فوق سياسية، وتشمل انتشال ما يقرب من 90 بالمئة من السوريين من حفرة الفقر المدقع، التي إذا بقيت على حالها، ستأخذ ما تبقى من السوريين إلى هاويتها، ما يعني أن رفع العقوبات المفروضة على سوريا يحظى بالأولوية، لتمكين الشعب الذي يراد له أن يشارك في العملية السياسية، للعيش في ظروف طبيعية، واستعادة سقف بيته المدمر، وتأمين احتياجاته الأساسية بشكل دائم ومستمر، أيما يتجاوز المساعدات الإنسانية، إلى خلق فرص استثمارية تؤمن فرص عمل حقيقية ذات استدامة انتاجية.

والحديث عن مراقبة أداء الحكومة من قبل الغرب، ضمانة لحقوق السوريين بالمشاركة السياسية، ما لم يسبقه ترجمة وعود تلك الدول بالمساعدة وتهيئة المناخات اللازمة لعودة السوريين إلى وطنهم، يعد محاولة فعلية لإبقاء سوريا في متاهة الخراب، والهيمنة واللا استقرار، بالتزامن مع بقائه تحت نيران إسرائيل لزيادة وتعميق “جورة” الدمار التي أوقع نظام الأسد سوريا برمتها فيها.

ثلاث قضايا تشغل السوريين لا يمكن تقديم  إحداها عن الأخرى، فإذا كانت الأولوية للاقتصاد فهو يحتاج إلى السلم الأهلي، وإذا كانت الأولوية للإصلاح فهذا يتطلب رفع العقوبات وانسياب الاستثمارات، وكل ذلك يحتاج إلى ثقة متبادلة بين الحكومة والشعب، وهو ما تضمنه العدالة الانتقالية. فما من خطوة يمكن أن تتحقق بمعزل عن غيرها، هي معادلة حاصل جمعها دولة مستقرة، وحاصل طرح أي جزء منها خسارة فادحة لجميع الأطراف.

الأمم المتحدة مهدت أحد الطرق إلى حل خدمي باقتراحها لعب دور الوسيط لصرف الأموال السورية المجمدة في دول أوربية وعربية، أي أنها انتزعت حجج الولايات المتحدة الأميركية والدول الغربية، وكما قال لي الاقتصادي محمد الشاعر “إنه حل يتجاوز العقوبات ويبدد توجسات الدول الأوربية في موضوع العقوبات ومصارف هذه الأموال”. ما يعني أن الطريق مفتوحة أمامنا لاكتشاف الحلول لكل مشكلاتنا، ومن بينها طرائق تعزيز الأمن المجتمعي لتعم علينا فوائد الانفتاح الاقتصادي وتبعاته.

المدن

———————————

إعادة تموضع أميركية في سوريا | واشنطن تغري دمشق: الانسحاب مقابل التطبيع

بدأت الولايات المتحدة خطة لتنفيذ انسحاب جزئي من سوريا على ثلاث مراحل، في انتظار تقييم جديد خلال 60 يوماً، يُحتمل أن ينتهي بالإبقاء على نحو 500 جندي أميركي فقط في الداخل السوري وعدد محدود من القواعد في سوريا، في خطة تهدف إلى تلبية رغبة الرئيس دونالد ترامب في تخفيض التدخل العسكري في الدول الأجنبية. ويأتي هذا في ظلّ تسارع التحولات الإقليمية، وسعي واشنطن لتمرير عرض سياسي – أمني متكامل إلى دمشق، عنوانه الظاهر تقليص الوجود العسكري الأميركي في سوريا، فيما مضمونه الحقيقي استدراج السلطة الجديدة نحو التموضع في المحور الأميركي، على قاعدة التطبيع مع إسرائيل والعداء الكامل لإيران.

وبالفعل، بدأت الولايات المتحدة انسحاباً جزئياً من خلال إخلاء شبه كامل لأكبر قاعدتين في سوريا، هما: «القرية الخضراء»، المعروفة بـ«العمر» في ريف دير الزور الشرقي، و«الفرات» والمعروفة بـ«معمل غاز كونيكو» في ريف دير الزور الشمالي، بالإضافة إلى قاعدة ثالثة بالقرب من بلدة الباغوز على الحدود السورية العراقية، علماً أن الجنود المتواجدين في تلك القواعد انسحبوا في مسارين: الأول في اتجاه «الشدادي» لتعزيزها، والآخر في اتجاه القواعد الأميركية في كردستان العراق، حسبما نقلت صحيفة «نيويورك تايمز» عن مسؤولين أميركيين بارزين. وأوضح المسؤولون أنه «بهذا التحرك، انخفض عدد أفراد الجيش الأميركي من 2000 جندي إلى 1400 جندي». وأضاف هؤلاء أن «القادة العسكريين سيعيدون تقييم الوضع بعد 60 يوماً (…) وسيوصون ببقاء ما لا يقل عن 500 جندي في المنطقة لاحقاً».

بدورها، أصدرت وزارة الدفاع الأميركية (بنتاغون) بياناً أعلنت فيه أنه «سيتم تقليص الوجود العسكري الأميركي في سوريا إلى أقل من ألف جندي في الأشهر القادمة»، في خطوة وصفتها بأنها «عملية مدروسة ومشروطة». كما أعلن المتحدّث الرسمي الرئيسي للوزارة، شون بارنيل، عن «توحيد القوات في سوريا تحت قيادة قوة المهام المشتركة – عملية العزم الصلب، في مواقع مختارة». ورأى أن هذا الإجراء «يعكس الخطوات الكبيرة التي قطعناها نحو تقليص جاذبية «داعش» وقدراته التشغيلية إقليمياً وعالمياً».

ويأتي ذلك فيما يبدو أن الأميركيين يواصلون سعيهم لاستمالة الإدارة السورية الجديدة، واستثمار سيطرتها على العاصمة دمشق، لإنهاء وجود حركات المقاومة الفلسطينية هناك، بالإضافة إلى دفع التطبيع مع إسرائيل، وتصنيف «الحرس الثوري الإيراني» على لائحة الإرهاب، وفقاً لوثيقة مسرّبة لقائمة من المطالب الأميركية من سوريا، مقابل إمكانية رفع العقوبات عن الأخيرة بشكل تدريجي.

ويُحتمل، هنا، أن تكون واشنطن قد نفّذت هذا الانسحاب الجزئي لتأكيد جدية احتمال تسليم دمشق آبار النفط أيضاً، مقابل ضمان قيام نظام سياسي صديق لأميركا وإسرائيل، وخصوصاً أن القاعدتين اللتين تم الانسحاب منهما تقعان في أغزر مناطق انتشار النفط والغاز. كما أن توحيدها القوات العاملة في سوريا تحت لواء عملية «العزم الصلب»، يستبطن رسالة باستعدادها لحماية إدارة الرئيس السوري في الفترة الانتقالية، أحمد الشرع، من هجمات «داعش» – بعد إعلان الأخير الحرب على دمشق -، وأنها تريد منه التعاون لإنهاء نشاط التنظيم في سوريا ومنع استغلاله للأوضاع الأمنية للعودة من جديد.

ومع ذلك، لم ينعكس الانسحاب الأميركي هدوءاً تاماً على الأرض؛ إذ نفّذت قوات أميركية، برفقة «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد)، جولات على سرير نهر الفرات في دير الزور، وفي بلدة تل تمر في ريف الحسكة، توازياً مع إجراء تدريبات ونقل أسلحة في عدة «قواعد» في ريف الحسكة، وتنفيذ حملة أمنية في مخيم الهول ضد خلايا تنظيم «داعش». وفي هذا السياق، تكشف مصادر مطّلعة، في حديثها إلى «الأخبار»، أن «الولايات المتحدة بدأت بتنفيذ خطة لإعادة انتشار في سوريا، كانت مُعدّة حتى قبل سقوط نظام بشار الأسد، ووصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض» موضحة أن «الخطة تقوم على انسحاب من قواعد ودمج أخرى، وتقليص عدد الجنود الأميركيين من ألفين إلى 500 جندي فقط»، علماً أنه قبل سقوط نظام الأسد بأشهر، رفعت واشنطن عدد جنودها من 900 إلى ألفين.

وتضيف المصادر نفسها أن واشنطن «ستحتفظ بثلاث قواعد رئيسية، هي: قسرك في ريف الحسكة الشمالي الغربي، والشدادي في جنوب الحسكة، مع إنشاء قاعدة جديدة في سد تشرين بريف حلب الشمالي الشرقي»، مرجّحة أن «تركّز في وجودها على استمرار مراقبة أمن مخيمات وسجون تنظيم داعش في مناطق سيطرة قسد في سوريا». وتتوقّع أن «تحتفظ الولايات المتحدة بنحو 500 جندي، إلى حين استكمال دمج «قسد» في بنية الدولة السورية الجديدة بما يتيح استكمال العمليات ضد تنظيم داعش»، معتبرة أن «هذه القواعد ستبقى أيضاً نقطة ضغط متواصلة على دمشق لدفعها إلى الانخراط في المحور الأميركي، وعقد اتفاقية سلام مع إسرائيل».

———————————-

هل سينجح ترامب في سحب قواته من سوريا؟/ نديم شنر

22/4/2025

في مقالي السابق على الجزيرة نت تحدّثت عن تقاطع المصالح بين إسرائيل وتركيا في الملفّ السوري، متناولًا السيناريوهات السيئة المحتملة، فقلت: “لم تُغيّر إسرائيل من إستراتيجيتها باستخدام نفوذها على الإدارة الأميركية، أو استخدام فرع تنظيم PKK الإرهابي في سوريا، كأداة لتنفيذ سياساتها.

أما الشرور التي قد تقدم عليها فهي واضحة: تنفيذ عمليات تخريب واغتيالات بغرض تغيير الحكومة السورية برئاسة أحمد الشرع في سوريا، وافتعال أعمال استفزازية باستخدام تنظيم PKK الذي يُتوقع أن يعلن حله قريبًا. فكل شيء قد يتغير، إلا إسرائيل التي تدين بوجودها للاحتلال والإبادة؛ فهي لا تتغير”.

لم أكن أتوقع أن تتحقق توقعاتي بهذه السرعة، لكن الحقيقة أنه لا حاجة لأن تكون “منجمًا” لتتوقع أفعال إسرائيل، فمجرد مراقبتها يكفي.

وهكذا، كما توقعت، أقدمت إسرائيل في نهاية الأسبوع الماضي على استفزاز جديد.

نُشرَ أول الأخبار عن ذلك في وسائل الإعلام الإسرائيلية، حيث أفاد موقع “Ynet” أن مسؤولين أمنيين أميركيين أبلغوا نظراءهم الإسرائيليين بنيّة الولايات المتحدة سحب قواتها من سوريا تدريجيًا خلال شهرين.

وعلى الرغم من جهود الحكومة الإسرائيلية لمنع هذا الانسحاب من خلال ضغط دبلوماسي على واشنطن، فإن هذه الجهود لم تؤتِ ثمارها.

وبحسب التقرير، فإن الأوساط الأمنية في إسرائيل ما زالت تواصل ضغوطها على الإدارة الأميركية.

لاحقًا، نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” خبرًا يؤكد أن الولايات المتحدة بدأت بالفعل عملية انسحاب تدريجي من سوريا. وبموجب هذا القرار، سيتم تخفيض عدد الجنود الأميركيين في سوريا من حوالي 2000 جندي إلى 1400، وستُغلق ثلاث قواعد عسكرية من أصل ثمانٍ.

ومن المقرر إجراء تقييم لاحقًا بشأن إمكانية سحب المزيد من الجنود. ومع ذلك، أوصى مسؤولو البنتاغون بالإبقاء على ما لا يقل عن 500 جندي في سوريا.

وفي خضم هذه التطورات، أصدرت وزارة الخارجية الأميركية في 18 أبريل/ نيسان بيانًا غير اعتيادي حذرت فيه من احتمال وقوع هجوم في العاصمة السورية دمشق.

وأشارت الوزارة إلى معلومات استخبارية موثوقة عن احتمال وقوع هجمات في أي وقت، حتى في أماكن يزورها السياح بشكل متكرر.

وتوقَّعت الوزارةُ أن تشمل الهجمات فعاليات عامة، فنادق، أندية، مطاعم، أماكن عبادة، مدارس، حدائق، مراكز تسوق، أنظمة نقل عام، وأماكن مكتظة، وقد تقع هذه الهجمات دون سابق إنذار.

بطبيعة الحال، تبادر إلى أذهان الكثيرين أن إسرائيل قد تكون وراء هذه الهجمات المحتملة.

ومن الواضح أن هذه التهديدات تأتي في سياق محاولة إسرائيلية استفزازية لعرقلة انسحاب الولايات المتحدة من سوريا. فهذه الرسائل، التي تستهدف دمشق، موجهة في الوقت ذاته إلى تركيا، وكذلك إلى الرئيس الأميركي ترامب، الذي لم يستجب لمطالب رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو خلال زيارته الأخيرة لواشنطن.

فحكومة نتنياهو ترى في مثل هذا الهجوم فرصة لجرّ تركيا إلى صراع من شأنه أن يوقف قرار الانسحاب الأميركي من سوريا، ولذلك أعدّت هذا الاستفزاز بعناية.

فالرئيس الأميركي ترامب كان قد صدم نتنياهو بموقفه من السياسة السورية بقوله: “لديّ علاقة رائعة مع رجل يُدعى أردوغان. هل سمعتم بهذا الاسم؟ أنا أحبه، وهو يحبني. أعلم أن الصحافة ستغضب مني، سيقولون: “ترامب يحب أردوغان!” لكنني أحبه، وهو يحبني. لم نواجه أي مشكلات من قبل. عشنا تجارب كثيرة، لكن لم تحدث بيننا مشكلات. وأتذكر أننا استعدنا القس الأميركي من تركيا في ذلك الوقت، وكانت خطوة كبيرة.

قلت لرئيس الوزراء (نتنياهو): “بيبي”، إن كانت لديك مشكلة مع تركيا فأعتقد أن بإمكاني حلّها. لديّ علاقة ممتازة جدًا مع تركيا ومع زعيمها. أظن أننا نستطيع حل الأمور معًا”.

ونقل ترامب أيضًا حوارًا دار بينه وبين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، حيث قال: “هنّأته وقلت له إنه فعل ما لم يفعله أحد منذ ألفي عام. لقد أخذت سوريا، قلت له، بأسماء مختلفة، لكن بنفس المعنى. قال لي: لا، لا، لم أكن أنا. فأجبته: لا بأس، لقد كنتَ أنت، لكن لا مشكلة. فقال: نعم، ربما كنت أنا بطريقة ما”.

وأضاف ترامب: “انظروا، إنه رجل صارم وذكي جدًا. فعل ما لم يستطع أحد فعله، ويجب الاعتراف بذلك.” ثم التفت إلى نتنياهو وقال: “أعتقد أنني قادر على حل أي مشكلة بينك وبين تركيا، ما دمت منطقيًا. عليك أن تكون معقولًا. يجب أن نكون معقولين”.

بعد هذه التصريحات، انهالت الانتقادات في الإعلام الإسرائيلي، بأن إسرائيل لم تعد قادرة على استخدام نفوذها الكامل على الولايات المتحدة.

لكن قوة إسرائيل لا تنبع فقط من اعتمادها على الوجود العسكري الأميركي، بل تمتد إلى شبكات استخباراتية واسعة تديرها عبر جهاز الموساد في الشرق الأوسط، مما يمنحها قدرة هائلة على إثارة الفوضى.

وتشمل هذه القوة تجنيد العملاء، استخدام تقنيات الحرب الخفية، تنفيذ عمليات اغتيال، وتوجيه حملات دعائية إعلامية.

كما أن الأساطيل الحربية الأميركية في البحر المتوسط والقواعد العسكرية المنتشرة في المنطقة تبقى في حالة استعداد دائم لأي طارئ يهدد إسرائيل، مما يمنحها شعورًا دائمًا بالأمان لتنفيذ استفزازاتها، بما في ذلك قصف دمشق.

وهكذا، تمكنت إسرائيل من تنفيذ جرائمها في غزة، واحتلال المناطق العازلة حول مرتفعات الجولان في لبنان، وسوريا.

ورغم كل هذا، يُصر الرئيس ترامب على قراره المتكرر بسحب القوات الأميركية من سوريا.

وما كشفته وزارة الخارجية الأميركية حول استعداد إسرائيل لضرب دمشق، يعكس بوضوح الخلاف المتنامي بين الولايات المتحدة وإسرائيل.

وفي نفس اليوم، 18 أبريل/نيسان، أصدرت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) بيانًا رسميًا يُظهر نيتها عدم الرضوخ للابتزاز الإسرائيلي، وأعلنت أنها ستخفض عدد قواتها في سوريا إلى أقل من ألف جندي.

وجاء في البيان:

“في ضوء النجاحات التي تحققت ضد تنظيم الدولة، بما في ذلك فقدان التنظيم لسيطرته الإقليمية خلال فترة حكم الرئيس ترامب في عام 2019، أصدر وزير الدفاع تعليمات بإعادة تمركز القوات الأميركية في سوريا ضمن قوة المهام المشتركة – عملية العزم الصلب، لتكون أكثر تركيزًا. تعكس هذه الخطوة التقدم الكبير في تقليص قدرة تنظيم الدولة على المستويين؛ الإقليمي والعالمي.

هذه العملية ستكون متعمدة وتستند إلى الظروف، وستؤدي في الأشهر القادمة إلى تقليص عدد القوات الأميركية في سوريا إلى حوالي 1000 عنصر.

وفي الوقت نفسه، ستواصل القيادة المركزية الأميركية تنفيذ ضربات جوية ضد فلول تنظيم الدولة، مع استمرار التعاون الوثيق مع شركائنا في التحالف الراغبين والقادرين على مواصلة الضغط على التنظيم والتصدي لأي تهديدات إرهابية جديدة”.

فهل سينجح ترامب في سحب قواته من سوريا؟

في عامي 2018 و2019، أعلن ترامب مرتين نيته سحب القوات من سوريا، لكنه لم ينجح. وفي عام 2020، صرّح جيمس جيفري، المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا حينها، بأنهم كانوا يتلاعبون بالأرقام لإخفاء العدد الحقيقي للقوات الأميركية في سوريا عن ترامب، قائلًا: “كنا دائمًا نلعب ألعابًا لخداع القيادة الأميركية بشأن عدد قواتنا هناك. في الواقع، كان عددهم أكبر بكثير من الرقم الذي وعد ترامب به، وهو 200 جندي فقط”.

وأضاف في مقابلة مع موقع Defence One: “ترامب كان ميّالًا للانسحاب بعد دحر تنظيم الدولة، فقررنا في كل مرة أن نجهز خمس حجج أفضل لنبقى هناك، وقد نجحنا في مرتين. هذه هي القصة”.

تصريحات جيفري تؤكد قناعتي بأنه: في أميركا يمكنك أن تُنتخب رئيسًا، لكن لا يمكنك أن تحكم كرئيس. حتى وإن امتلكت السلطة، فقد لا تتمكن من استخدامها، وتظن فقط أنك تستخدمها.

اليوم، إسرائيل هي العامل الأكبر في عرقلة انسحاب أميركا من سوريا، بينما تركيا هي القوة الوحيدة القادرة على تحقيق هذا الانسحاب.

فإسرائيل لن تتخلى عن مشروعها الصهيوني الممتد منذ 150 عامًا لتحقيق حلم “أرض الميعاد”، ولذلك حتى لو خفضت أميركا أعداد جنودها، فلن تنهي وجودها العسكري الذي يُتيح لها التدخل في أي لحظة.

وتؤكد آلاف الشاحنات المحمّلة بالأسلحة والذخائر التي زودت بها أميركا مليشيات: PKK وPYD وYPG منذ عام 2013، على استمرار هذا الدعم.

وما دامت إسرائيل مستمرة في نهج الاحتلال، فستستمر في الضغط على أميركا أيضًا، مستفيدة من تغلغلها العميق في مفاصل القرار الأميركي؛ في السياسة، والاستخبارات (CIA)، والدفاع (البنتاغون)، ووسائل الإعلام، والفن، والمجتمع المدني.

وقد كشفت تسجيلات صوتية سرّبتها منصة The Grayzone من مؤتمر مغلق لـ AIPAC في عام 2025، أن المدير التنفيذي للجنة العمل السياسي الأميركية الإسرائيلية (AIPAC)، إليوت برانت، تفاخر بتأثيره على شخصيات كبرى مثل مدير الـ CIA جون راتكليف، ووزير الخارجية ماركو روبيو، ومستشار الأمن القومي مايك والتز.

وأكد برانت في التسجيلات أن هذه الشخصيات لطالما دعمت المصالح الإسرائيلية، وأن AIPAC موّلت حملاتهم وساعدتهم على الوصول لمراكز القرار، مما منحها حق الوصول إلى معلومات إستراتيجية.

الخلاصة: القوة الوحيدة القادرة على فرض انسحاب أميركي كامل من سوريا هي الجمهورية التركية عبر ثباتها في مواجهة الإرهاب.

فمنذ عام 2016، تمكّنت تركيا من إنشاء مناطق آمنة داخل سوريا عبر عمليات عسكرية ضد تنظيم PKK الإرهابي، وأسهمت في تحجيمه، وأقامت علاقات صداقة وتنسيق مع الحكومة السورية.

نعم، الأمر ليس سهلًا، لكنه ليس مستحيلًا أيضًا.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

كاتب وصحفي تركي

الجزيرة 

——————————–

الشرع يحدد موقف سوريا من الشروط الأمريكية

حدد الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، موقف سوريا تجاه الملفات المرتبطة بالمقاتلين الأجانب والعلاقات مع الدول الأخرى والوجود الروسي في سوريا، وتوحيد الجيش واستتباب الأمن، داعيًا واشنطن لرفع العقوبات عن سوريا.

وقال الشرع، إن أي فوضى في سوريا ستضر ليس فقط بالدول المجاورة بل بالعالم أجمع، وذلك خلال مقابلة في العاصمة دمشق مع صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية نشرتها اليوم، الأربعاء 23 من نيسان.

ودعا الشرع واشنطن لرفع العقوبات عن سوريا، قائلًا إن من المنطقي رفعها الآن بعد سقوط النظام السابق، وذكر أن “العقوبات تم تنفيذها ردًا على الجرائم التي ارتكبها النظام السابق ضد الشعب”.

واعتبر الشرع أن بعض الشروط الأمريكية “تحتاج إلى مناقشة أو تعديل”، ورفض الخوض في مزيد من التفاصيل.

وتدور الشروط الأمريكية لتحقيق انفتاح مع دمشق في فلك أربعة مطالب، هي تدمير أي مخازن متبقية من الأسلحة الكيماوية، والتعاون في مكافحة الإرهاب، وإبعاد المقاتلين الأجانب من مناصب حكومية عليا، وتعيين ضابط اتصال للمساعدة في الجهود الأمريكية للعثور على الصحفي الأمريكي المفقود في سوريا أوستن تايس.

وذكر الشرع أن حكومته تجري مفاوضات بشأن صفقات مع كل من تركيا وروسيا، وألمح إلى إمكانية الحصول على دعم عسكري مستقبلي من كلتيهما، وأضاف أن حكومته ألغت اتفاقيات سابقة بين سوريا ودول أخرى، وتعمل على تطوير اتفاقيات جديدة.

وبدا الشرع منفتحًا على شراء أسلحة إضافية من روسيا ودول أخرى، وصرّح بأن موسكو زودت الجيش السوري بالأسلحة لعقود، ما يعني أن بلاده قد تحتاج إلى دعم روسيا أو دول أخرى مجددًا في المستقبل.

وأضاف، “حتى الآن لم نتلقَّ عروضًا من دول أخرى لاستبدال الأسلحة السورية” التي هي في معظمها من إنتاج روسيا.

وعن الوجود الروسي في سوريا، قال الشرع، “أبلغنا جميع الأطراف أن هذا الوجود العسكري يجب أن يتوافق مع الإطار القانوني السوري”، وأضاف أن أي اتفاقيات جديدة يجب أن تضمن “استقلال سوريا واستقرار أمنها، وألا يشكل وجود أي دولة تهديدًا أو خطرًا على الدول الأخرى عبر الأراضي السورية”.

وأشار إلى أن حكومته ستنظر في منح الجنسية السورية للمقاتلين الأجانب المقيمين في البلاد منذ سنوات، والمتزوجين في بعض الحالات من مواطنين سوريين، والذين “انضموا إلى الثورة”.

وقال الشرع، إن “سوريا التزمت منذ البداية، حتى قبل أن نصل إلى دمشق، بمنع استخدام أراضيها بأي شكل من الأشكال يهدد أي دولة أجنبية”.

وعن الأحداث الدامية التي شهدها الساحل السوري، ذكر الشرع أن حكومته ملتزمة بالحفاظ على السلام في الساحل وسوف تحاسب المسؤولين عن العنف.

وعن بناء جيش موحد، قال إن بضعة أشهر ليست كافية لبناء جيش كفء لدولة بحجم سوريا، معتبرًا أن “هذا بحد ذاته يشكل تحديًا هائلًا، وسيستغرق بعض الوقت”.

وفي 8 من كانون الأول 2024، بسطت فصائل سورية سيطرتها على دمشق بعد السيطرة على مدن أخرى، وأنهت 53 عامًا من حكم عائلة الأسد، ثم أعلنت الإدارة السورية أحمد الشرع رئيسًا للبلاد بالمرحلة الانتقالية، وإلغاء العمل بالدستور، وحل الفصائل المسلحة والأجهزة الأمنية ومجلس الشعب وحزب “البعث”.

وجرى تشكيل لجنة تقصي الحقائق ولجنة لتعزيز السلم الأهلي بعد مواجهات دامية في الساحل السوري، وتوقيع اتفاق بين أحمد الشرع، وقائد “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، مظلوم عبدي، نص على دمج “قسد” في مؤسسات الدولة السورية، وضمان حقوق جميع السوريين في التمثيل والمشاركة في العملية السياسية.

وتم توقيع إعلان دستوري يحدد المرحلة الانتقالية في البلاد بمدة خمس سنوات، وتشكيل حكومة جديدة حلت مكان حكومة تصريف الأعمال، وضمت 23 وزيرًا.

———————————-

مشرّعان يطالبان إدارة ترامب بتخفيف العقوبات على سوريا دعمًا للحكومة الجديدة

23 أبريل 2025

وجّه العضوان البارزان في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، رئيسة اللجنة الديمقراطية جين شاهين، ونظيرها عضو اللجنة الجمهوري جيمس ريش؛ رسالة مشتركة إلى وزيري الخارجية والخزانة في إدارة الرئيس دونالد ترامب، طالبا فيها بتخفيف العقوبات على بعض القطاعات الحيوية في سوريا، بهدف خلق بيئة مستقرة تسهم في حماية المصالح الأميركية في المنطقة.

وأكد المشرعان في الشيوخ الأميركي في مقدمة الرسالة، التي صدرت بتاريخ 21 نيسان/أبريل الجاري، أن “سقوط نظام الأسد يمثل فرصة نادرة أمام الولايات المتحدة لحماية مصالحها الاستراتيجية”، محذرين في الوقت ذاته من التسرع في التدخل المباشر، وداعين إلى “تهيئة المجال أمام الشركاء الإقليميين والدوليين للتحرك”.

ودعا ريش وشاهين إلى مراجعة شاملة للوائح العقوبات الحالية المفروضة على سوريا، حيثُ قدما اقتراحًا بشأن “توسيع التراخيص العامة السارية ومنح إعفاءات قصيرة الأمد أو محدودة النطاق”، كخطوات أولية تهدف إلى فتح المجال أمام تحركات فاعلة على الأرض.

وشددت الرسالة على ضرورة تقليص المخاطر الناجمة عن العقوبات الأميركية المفروضة على عدد من القطاعات الرئيسية في البلاد، بينها “الزراعة، والطاقة، والبنية التحتية لشبكة الكهرباء، والتمويل، والاتصالات، والتعليم”. وأوضحا أن وزارة الخزانة كانت قد أصدرت “ترخيصين عاميّن” سابقًا لهذه القطاعات، غير أن “القيود الزمنية والجغرافية حدّت من الاستفادة الكاملة منهما”.

وفي هذا السياق، حث السيناتوران وزيري الخارجية والخزانة على “توسيع نطاق التراخيص لتشمل مرونة زمنية وجغرافية أوسع للجهات الفاعلة على الأرض”، إلى جانب “اتخاذ خطوات لتخفيف العقوبات على المدى القصير”.

وأشار المشرعان الأميركيان في رسالتهما المشتركة إلى أن مثل هذه الخطوات “توفر انفراجًا سريعًا، وتعزز السيولة في السوق، وتمنع الاضطرابات الآنية، وهي عناصر ضرورية لتحقيق الظروف التي تدعم المصالح الأميركية”.

كما سلطت الرسالة الضوء على أولويات واشنطن “الأمنية الوطنية” في سوريا، وفي مقدمتها “منع تحويل سوريا إلى منصة لهجمات إرهابية، وضمان عدم بقاء روسيا وإيران في البلاد، والقضاء على الأسلحة الكيميائية ومخزون الكبتاغون، إضافةً إلى التعاون للعثور على الصحفي الأميركي أوستن تايس والمواطنين الأميركيين الآخرين المفقودين”.

وبينما أكد المشرعان بأن بعض التقدم قد تحقق في هذه الملفات، إلا أنهما حذّرا من “تباطؤ ملحوظ”، لافتين إلى ورود “تقارير عن مجازر في غرب سوريا، ومحادثات حول استمرار الوجود الروسي، واعتراض شحنات كبتاغون في العراق”، كمؤشرات على استمرار المخاطر.

وشددت الرسالة على أنه “في حال أظهرت الحكومة السورية المؤقتة خطوات لا رجعة فيها نحو تحقيق أولويات واشنطن، فإننا نشجع الإدارة الأميركية على إزالة مزيد من العقبات أمام الانخراط الدولي، بما في ذلك تخفيف شامل للعقوبات”. وبالمثل، حذرت الرسالة من أن الإخفاق في تلبية هذه الشروط سيؤدي إلى تعميق “العزلة الاقتصادية والدبلوماسية”.

كما رحب المشرعان في الرسالة المشتركة بـ”انتهاء مراجعة سياسة الإدارة الأميركية تجاه سوريا”، وأعربا عن تقديرهما لـ”الجهود الرامية إلى إيصال المصالح الأميركية بشكل واضح إلى دمشق”، وأكد أنهما يتطلعان إلى “التعاون مع الإدارة الأميركية لتكييف السياسة الأميركية استنادًا إلى تقدم الحكومة السورية المؤقتة”.

واختتم المشرعان في الشيوخ الأميركي الرسالة بالتنويه إلى رصدهما “تنافسًا متزايدًا بين إسرائيل وتركيا حول مستقبل سوريا”، وهو ما اعتبرا أنه “قد يشكل تهديدًا للمصالح الأميركية”، وعلى هذا الأساس حثا إدارة ترامب “على التحرك بسرعة للتوسط بين حلفائنا”.

————————————–

ملف الأسلحة الكيماوية.. هل تستطيع الحكومة السورية الوفاء بالتزاماتها؟/ أحمد الكناني

22 أبريل 2025

شكّل السلاح الكيميائي في سوريا أولوية دولية وملفًا أمميًا طارئًا منذ سقوط نظام الأسد. وتشير التقديرات التي كشفت عنها منظمة حظر الأسلحة الكيميائية إلى وجود قرابة 100 موقع من المحتمل أن تكون مرتبطة ببرنامج الأسلحة الكيمائية، وهو عدد يتجاوز بكثير العدد الذي صرح به النظام السابق. وتبدي المنظمة نية واضحة لإغلاق هذا الملف عبر حصر المواقع الدقيقة المرتبطة بالبرامج الكيميائية، والتحقيق في استخدامها، وأخيرًا إتلافها.

وعلى الرغم من تعهدات وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني في لاهاي بتدمير كافة الأسلحة الكيميائية المتبقية في سوريا، إلا أن مراقبين يرون في الإصرار الأميركي على جعل التخلص من السلاح الكيميائي شرطًا لرفع العقوبات والاعتراف بالحكومة السورية الجديدة “مؤشرًا واضحًا على أن المنظمة ترى أن اجراءات دمشق غير كافية بعد، وهي بحاجة للعديد من الخطوات الفعلية على الأرض”.

مخاوف دولية

يؤكد الحقوقي والناشط في توثيق استخدام نظام الأسد للسلاح للكيماوي، إبراهيم ملكي، أنه جرى التواصل مباشرة منذ سقوط النظام مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، وتم تقديم الدعوة لها لزيارة سوريا والتعاون معها هذه القضية، بعد أن أعربت المنظمة عن مخاوفها بوصول هذه الأسلحة إلى بعض الفصائل الجهادية والخارجة عن سيطرة الدولة السورية، واستخدامها في نشاطات غير شرعية في أماكن مدنيّة.

وأشار ملكي إلى وجود “مخاوف دولية وإسرائيلية متعلقة بتهريب بعض من هذه الأسلحة لحزب الله عبر الحدود إلى لبنان، أو إلى تنظيمات إرهابية مثل “داعش”، لا سيما أن العديد من المواقع الكيميائية تم الكشف عليها في مناطق جبال القلمون، ولهذا السبب هناك إلحاح غربي وأميركي على إغلاق هذا الملف والتخلص من السلاح الكيميائي في سوريا”.

خطوات مطلوبة

يشير الخبراء التقنيون إلى أن منظمة حظر الأسلحة الكيميائية تُجري أعمالها في تحديد المواقع المحتمل وجود الأسلحة الكيميائية فيها، استنادًا إلى معلومات من مصادر خارجية، سواء عبر باحثين في أوروبا عملوا في مراكز بحثية للنظام السابق، أو باحثين مستقلين، إضافة إلى الأقمار الصناعية ومعلومات استخباراتية قدمتها الدول الأعضاء في منظمة حظر الأسلحة الكيميائية.

وعليه يؤكد مصدر تقني، مطلع على الملف الكيميائي، أن أحد أبرز المطالب الآنية من دمشق “توفير المناخ المناسب لعمل اللجنة داخل سوريا، وبحرية تامة في تحديد المواقع، خاصة النقاط العسكرية والبحثية المحتملة لتصنيع السلاح الكيميائي، والتي يعتقد أنها مخبأة في كهوف ذات أغراض عسكرية”، لافتًا إلى أن “فريقًا تابعًا للمنظمة حصل بالفعل على إذن بدخول سوريا بهدف التحقق من هذه المواقع، ومن المتوقع أن توسع هذه الفرق من عملها وانتشارها في سوريا”.

المصدر أشار إلى أن أحد أهم المطالب الواجب تنفيذها أيضًا “متعلق بالمسارعة إلى تعيين ممثل لسوريا في منظمة حظر الأسلحة الكيميائية والذي سيكون صلة الوصل بين المنظمة والحكومة السورية في تنسيق الخطوات الفعلية على الأرض وتنفيذ الإجراءات وتوثيقها، ومن المرجح تعيين المحامي ابراهيم العلبي كممثل لسوريا في المنظمة”.

عملية معقدة

يؤكد المحامي ثائر حجازي أن العملية المتعلقة بتقصي الحقائق ليست سهلة، بل “تأتي نتاجًا لجهود متكاملة مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، إذ تم العمل سابقًا مع بعثة تقصي الحقائق FFM، والتي تعمل على توثيق الضربات، وإجراء المقابلات مع شهود العيان، وتحديد العينات القابلة للفحص بشأن المناطق التي تعرضت للضربات الكيماوية”.

المحامي حجازي لفت إلى أن العمل يجري أيضًا مع بعثة IIT والتي تعد المسؤولة والمختصة في تحديد الشخصيات المسؤولة عن الهجمات، والوحدات العسكرية التي نفذت هذه الضربات، وآلية تنفيذ الهجمات.

مطلب سوري

يرى إبراهيم ملكي أن “التخلص من السلاح الكيميائي ليس مشكلة غربية وأميركية أو دولية فقط، وإنما هي مشكلة سورية أيضًا، إذ تشير التقديرات إلى أن المناطق المدنية وتحديدًا الكسوة، جمرايا، والمزة.. جميعها مناطق مأهولة صنّع فيها النظام السابق سلاحًا كيميائيًا ما شكل خطرًا على أهالي هذه المناطق، من حيث الانبعاثات أو الاستخدام الخاطئ، وعليه فإغلاق الملف دوليًا يساهم برفع العقوبات، وإزالة الخطر عن المدنيين السوريين”.

تدرج واشنطن التخلص من الأسلحة الكيميائية ضمن عدة شروط لرفع العقوبات عن سوريا والاعتراف بحكومتها، ما يشكل ضغطًا على دمشق التي، حسب مراقبين، تقابل هذا الضغط “بإيجابية من حيث التعاون مع المنظمة والسعي لإغلاق الملف ورفع رصيدها في العلاقات الدولية”.

———————————-

كيف تروّج دمشق لخضوعها للضغوط الأمريكية بوصفه انتصاراً وطنياً أو دينياً؟/ جعفر مشهدية

الثلاثاء 22 أبريل 2025

تمارس الولايات المتحدة ضغوطاً سياسيةً على الإدارة السورية الجديدة، بقصد تطويعها وفق الشروط الأمريكية، وذلك من خلال إصدار بعض القرارات التي تعرقل مسار الدولة السورية على طريق نيل الاعتراف الدولي، بالإضافة إلى تصريحات بعض كبار المسؤولين الأمريكيين في قضايا عدة مثل أحداث الساحل، الإعلان الدستوري وصلاحيات الرئيس، الحكومة وضرورة تشكيلها على أسس ديمقراطية تشاركية، وخلفية الحكم الجديد الجهادية، وغيرها من الأمور.

الترغيب والترهيب

بعد سقوط نظام الأسد، في 8 كانون الأول/ ديسمبر 2024، تعاملت واشنطن مع الملف السوري بعدم اكتراث، في أسلوب يعتمد مبدأ الترغيب والترهيب للضغط على الإدارة السورية الجديدة، التي تحتاج إلى ختم أمريكي يُسهّل لها قضية الاعتراف الدولي ورفع العقوبات.

وبعد أكثر من 3 أشهر على تولّي إدارة الرئيس أحمد الشرع، سدّة الحكم في دمشق، قالت 6 مصادر مطلعة لوكالة “رويترز”، في 25 آذار/ مارس الماضي، إنّ الولايات المتحدة سلّمت لوزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، في اجتماع خاص على هامش مؤتمر المانحين لسوريا في بروكسل، وعبر نائبة مساعد وزير الخارجية الأمريكي ناتاشا فرانشيسكي، قائمة شروط تريد من دمشق الوفاء بها مقابل تخفيف جزئي للعقوبات، منها ضمان عدم تولّي أجانب مناصب قيادية في الإدارة الحاكمة، وتدمير سوريا لأيّ مخازن أسلحة كيماوية متبقية، والتعاون في مكافحة الإرهاب، وتعيين منسق اتصال لدعم الجهود الأمريكية للعثور على أوستن تايس، الصحافي الأمريكي الذي فُقد في سوريا منذ ما يزيد على 10 سنوات.

وفي 6 نيسان/ أبريل الحالي، أبلغت واشنطن البعثة السورية في نيويورك مذكّرةً تمّ تسليمها من خلال الأمم المتحدة، تنصّ على تغيير وضعها القانوني من بعثة دائمة لدولة عضو لدى الأمم المتحدة، إلى بعثة لحكومة غير معترف بها من قبل الولايات المتحدة.

وتضمّنت المذكرّة كذلك إلغاء التأشيرات الممنوحة لأعضاء البعثة من فئة G1، المخصصة للدبلوماسيين المعتمدين لدى الأمم المتحدة والمعترف بحكوماتهم في البلد المضيف، إلى فئة G3 التي تُمنح للمواطنين الأجانب المؤهّلين أممياً للحصول على سمة، من دون أن تكون الولايات المتحدة معترفةً بحكوماتهم.

وأشار متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، لقناة الجزيرة القطرية، في التاسع من نيسان/ أبريل الجاري، إلى أنّ الولايات المتحدة لا تعترف في الوقت الحالي بأيّ كيان كحكومة لسوريا، مع التأكيد على أنه لم يطرأ أي تغيير على امتيازات أو حصانات الأعضاء المعتمدين في البعثة السورية الدائمة لدى الأمم المتحدة.

هل من اهتمام أمريكي بالملف السوري؟

يقول الخبير السياسي باسل حوكان، لرصيف22، إنّ “ترامب يعدّ الموضوع السوري قضيةً سياقيةً وليست أولويةً، فهو ملتفت بالدرجة الأولى إلى الملف النووي الإيراني، أما الموضوع السوري فهدفه تحقيق رغبة إسرائيل وأولوياتها، ومطالب واشنطن تنضوي في هذا الإطار الخادم للمشاريع الإسرائيلية، أما القرارات الأمريكية الأخيرة، بالإضافة إلى تصريحات المسؤولين في واشنطن، وبرغم محاولة البعض التهرّب من تفسيرها، إلا أنها مؤشر واضح على عدم اعتراف أمريكي بالإدارة الجديدة برئاسة الشرع، وهذا سينسحب لاحقاً على الأوروبي والعربي، خصوصاً الخليجي، ما يعني مقتل الحكومة السورية ونهايتها”.

بينما ترى الباحثة المتخصصة في الشؤون الأمريكية هديل العويس، في حديثها إلى رصيف22، أنّ “واشنطن تعدّ ملفات الشرق الأوسط، ومنها الملف السوري، مصدر تشويش لها عن الأهداف الرئيسية، خاصة المنافسة الإستراتيجية مع الصين وضبط العلاقات ومستقبلها مع الدول الأوروبية، وتالياً تحاول منذ زمن الابتعاد عن منطقة الشرق الأوسط ومنها الملف السوري بكل تعقيداته، ودونالد ترامب عبّر عن هذا الموضوع حين قال: لا نملك أصدقاء في الشرق الأوسط، وهي ليست معركتنا”.

وتضيف: “في الوقت نفسه، هناك أشخاص دبلوماسيون مخضرمون في إدارة ترامب، مثل وزير الخارجية، يرون أنّ ما يحدث في سوريا لا يبقى بالضرورة ضمنها ويخرج عن السيطرة ويخرج عن نطاق الأراضي السورية، كما حدث حين خرج تنظيم داعش من سوريا والعراق، وكما تداعيات الثورة السورية حين تم تهجير الملايين وأُغرقت أوروبا ودول الجوار بأعداد كبيرة من السوريين، وكانت لهذا تبعات أمنية واجتماعية واقتصادية على كل الدول، لذلك هؤلاء يرون أنّ هناك ضرورةً بأن يكون هناك بحث عن حلول في سوريا كي لا تخرج الأمور عن نطاق السيطرة، وتضطر الولايات المتحدة إلى الانخراط في الملف السوري بشكل أكبر، كما اضطرت إلى الانخراط فيه حين شكلت الحملة الدولية لمكافحة تنظيم داعش بعد سنوات من محاولة أوباما الابتعاد عن سوريا”.

وتتابع العويس: “من الواضح أنّ إدارة ترامب اليوم لا تتعمق في ما يحدث داخل سوريا وفي توجهات الإدارة الجديدة، أو في تفاؤل البعض بأن هذه الإدارة برغم أنها قادمة من خلفية جهادية لكنها تبدي مرونةً كبيرةً وتغييرات كبيرةً إذا قارنناها بخلفيتها، بل تذهب إدارة ترامب نحو الخطاب الشعبوي الذي يقول إنّ هذه الإدارة امتداد لهيئة تحرير الشام التي كانت أحد فروع تنظيم القاعدة وتحاكمها على هذا الأساس، وتقول إنها لن تغيّر هذا الموقف إلا إذا رأت فعلاً تغييرات وتحولات كبيرةً وجذريةً في الداخل السوري”.

في السياق نفسه، يرى الناشط الحقوقي حسين شبلي، أنه “لو أردنا الإجابة وفق الفهم الكلاسيكي للسياسة الخارجية الأمريكية لقلنا بأريحية بأن الملف السوري ربما لا يمثّل قيمةً عاليةً سواء لأمريكا أو لإدارتها الحالية، لكن من يتابع السياسة الأمريكية يدرك أنها لا تستطيع التعامل مع الملفات بمعزل عن بعضها، فالدولة العظمى كلما تحركت خطوةً أفادت دولةً واستعدت أخرى، لذلك يمثل الملف السوري وفق هذا المنطق أحد المسننات في النظام الإقليمي الذي تعتزم خلقه في الشرق الأوسط. لكل ما سبق نشعر بعدم انخراط الأمريكيين في حل المشكلة السورية وتمهلهم، لأنّ ما تعمل عليه إدارة ترامب هو إعادة خلق الاصطفافات الدولية وفق منطق اقتصادي وإدارة كل منطقة من العالم كإقليم لديها فيه شركاء فاعلون تدير التوازنات بينهم بشكل يؤمّن مصالحها دون انخراط مباشر منها، لذا ما يُنتظر من أمريكا ليس وضع الملف السوري على النار الساخنة، فهو دون شك كذلك، لكن بدء ظهور النتائج، وهو أمر لا حلّ سحرياً له بل هو مرتبط بالمنطقة عموماً”.

ما زلنا في عين العاصفة، والمعركة في أوجها

كيف تقاس العدالة في المجتمعات؟ أبقدرة الأفراد على التعبير عن أنفسهم/ نّ، وعيش حياتهم/ نّ بحريّةٍ مطلقة، والتماس السلامة والأمن من طيف الأذى والعقاب المجحف؟

للأسف، أوضاع حقوق الإنسان اليوم لا تزال متردّيةً في منطقتنا، إذ تُكرّس على مزاج من يعتلي سدّة الحكم. إلّا أنّ الأمر متروك لنا لإحداث فارق، ومراكمة وعينا لحقوقنا.

هيّا نخلق واقعاً مغايراً!

ويردف شبلي: “ما يبدو على الولايات المتحدة من تباطؤ في الملف السوري يعود لرغبتها في الاستفادة من الواقع السوري في ملفات أخرى، مثل مفاوضاتها النووية مع إيران ورغبتها في بقاء الشكل الحالي كسدّ في وجه أي رغبة إيرانية في استعادة نفوذها، فترامب لا يريد البقاء في سوريا إلى الأبد، لكنه قبل الانسحاب ينوي خلق سوريا مفيدة لمخططه، وأعتقد أن ترامب يتعامل مع سوريا في المقام الأول كجغرافيا لا كدولة، لجعلها حاجزاً بين نفوذ المراكز الإقليمية، وهي ايران وتركيا وإسرائيل والسعودية، ويتضح هذا من تأكيده لنتنياهو على ضرورة تفاهم أنقرة وتل أبيب في سوريا”.

ماذا تريد أمريكا؟

تذهب الباحثة هديل العويس، إلى أنّ “المطلب الأساسي الذي تتحدث عنه الولايات المتحدة هو تشكيل حكومة تشمل كل السوريين وتكون تعدديةً وديمقراطيةً، مع التوجه إلى نظام يقبل بالانتخابات ويعطي السوريين الحقوق على أساس المواطنة ويعزز من استقرار سوريا ويمنح السوريين عقداً اجتماعياً يشعر الجميع من خلاله بالعدل، وتالياً لا تحدث حروب أهلية وصراعات داخلية مستقبلية من جديد تُصدر المشكلات إلى خارج الحدود السورية، وهذا لصالح السوريين، كما أنّ هناك مطالب أُخرى تصبّ في صالح إسرائيل، كعدم تفكير النظام السوري في أي طموحات توسعية أو جهادية تستهدف أمن إسرائيل، مع مراعاة عدم الإضرار بمصالح تركيا في سوريا من قبل إسرائيل”.

بدوره، يؤكد حسين شبلي، أنّ “شروط أمريكا فيها المعلن وغير المعلن، ولا شك في أنها لا تشكل بمعظمها عائقاً أمام تطوّر العلاقة بين دمشق وواشنطن، بل إن حكومة دمشق حريصة على تحقيق أغلبها لمصلحة وطنية بحتة، فالرئيس الشرع أوضح منذ البداية رغبته في ألا تنخرط بلاده في أي صراع خارج حدودها، كما أن المراجعات الفكرية التي أجرتها هيئة تحرير الشام قبل تحريرها دمشق نابعة أصلاً من إدراكها لفشل تجربة الجهاد العالمي وانتقالها إلى ما يشبه النموذج الإسلامي الوطني للحكم المنفتح على الشراكة مع المكونات السورية كافة، وتحقيق مقدار ما من القبول الدولي والمعايير الدولية لما تعنيه دولة”.

يضيف: “يبقى ملف المقاتلين الأجانب إشكالياً بين الطرفين، فالإدارة السورية تقاربه من منطلق اعتبارات محلية لما يمثّله من عامل قلقلة للوضع الأمني الهشّ، لذا تفضّل تأجيل التعامل معه وترى أنّ رفع العقوبات سوف يساعدها في ذلك، فلا استقرار أمنياً خصوصاً في ما يخصّ محاربة داعش دون تحقيق استقرار وتعافٍ اقتصادي، بينما لا تقبل واشنطن في هذا الملف أي حلول وسط، بل على عكس الإدارة السورية تستعجل البت ليس خدمةً للسوريين بل إنّ استعجالها نابع من حرصها على أمن إسرائيل”.

عزلة أو تفاوض تحت الضغط؟

يرى حوكان، أنّ “الكلام عن العزل السياسي الدولي لسوريا مرتبط بأداء الحكم الجديد، وهذا منقسم إلى شطرين؛ الأوّل الرئيس أحمد الشرع والطاقم المحيط به وعلى رأسه وزير الخارجية والوزراء في الحكومة الجديدة، حيث يحاول هؤلاء الخروج من عباءة الأصولية الإسلامية بهدف إزالة مخاوف الغرب وأمريكا، أما الشطر الثاني فمجموعة الفصائل العسكرية ذات الرداء المتشدد السلفي، التي يصعب عليها تغيير عقليتها الجهادية، وهو ما يُنذر بتصادم بين هذين التيارين، وهنا تكمن المشكلة ونصبح أمام خطر تجدد حمام الدم، فالرئيس الشرع حالياً أمام خيارين، إما التناغم مع الفصائل وعدم قتالها ما يضعه أمام خطر العزل السياسي الذي سيفقده الدعم والاعتراف الدوليين ويُنهي مشروعه الذي أعلن عنه بعد سقوط نظام الأسد، أو سيحاول إيجاد حلّ لهذه الفصائل وتغيير موقعها من عقل الثورة إلى عقل الدولة، سواء بالحلول التوفيقية أو القتال”.

وفي سياق متصل، تنبّه العويس، إلى أنه “حتى الآن ما تراه واشنطن لا يقود إلى كسر هذه العزلة السياسية التي تعيشها سوريا، بالطبع لا يمكن مقارنة هذه العزلة السياسية بتلك التي كانت في عهد بشار الأسد الذي برغم تطبيع الدول العربية مع نظامه إلا أنّ الولايات المتحدة لم تكن قد اقتربت بشكل كبير من كسر العزلة عنه أو التفكير في رفع العقوبات، لكن الآن الكل يرى في ما حدث عقب سقوط النظام فرصةً لأن تكون سوريا صديقةً للمجتمع الدولي وقريبةً من المحور الغربي، بعد أن كانت عدوّاً له منذ الحرب الباردة ثم حليفة لأنظمة معادية له وفتحت أبوابها لتكون قاعدةً عسكريةً لإيران. اليوم هناك فرصة لأن تخرج سوريا من هذه العزلة مقابل تطبيق ما تراه واشنطن أهدافاً وشروطاً تصبّ في صالح أمنها القومي وأمن حلفائها وأمن السوريين”.

ومن زاوية أُخرى، يتحدث حسين شبلي، عن فرض عزل سياسي على سوريا. يقول: “من غير الممكن أن تذهب الولايات المتحدة إلى فرض شروطها على دمشق من خلال فرض عزلة دولية جديدة على الحكومة السورية لاعتبارات متعددة، أوّلها أنّ العالم كما قلنا يشهد إعادة اصطفاف دولي وبزوغ نظام دولي جديد وتوازنات إقليمية تديرها واشنطن لضمان مصالحها، والثاني أن سوريا نفسها في وضع مختلف عن وقت فرض العقوبات الأمريكية سابقاً، فالواقع الأمني أكثر هشاشةً والمشهد لم يستقرّ بَعد والوضع الاقتصادي للسوريين أكثر قتامةً وشبه محطم”.

وللأسباب السابقة لا يعتقد شبلي، بأن الولايات المتحدة في صدد فرض حصار دولي على الإدارة الجديدة بل إنها تختصر الوقت وتفاوض تحت الضغط، فـ”واشنطن تدرك كما تدرك الإدارة السورية أن السوريين لا يرون في الشروط الأمريكية ما ينتقص من سيادتهم، لذلك هم لن يقبلوا أي تأخّر في تلبية شروط واشنطن المعلنة لمعرفتهم بأنّ أيّ تحسّن في الوضع المعيشي يبدأ من تخفيف عقوبات أمريكا على سوريا، وهذا للأسف سيترك الإدارة السورية ضعيفةً أمام ما هو غير معلن من الشروط الأمريكية والتي سُرِّب بعضها في الإعلام، كالتطبيع مع اسرائيل والقبول بتوطين الفلسطينيين الموجودين في سوريا، بل استقبال دفعات جديدة من فلسطينيي غزّة بهدف تصفية القضية الفلسطينية”.

ماذا عن الحلول؟

ينطلق حوكان، في حديثه عن الحلول السورية لمواجهة الضغوط والشروط الأمريكية، من أنه “بدايةً يجب أن تبتعد الإدارة الجديدة عن التجريب، خصوصاً بعد عدم التوفيق الذي صاحب الحكومة المؤقتة السابقة وغياب التغيير الحقيقي ضمن الحكومة الانتقالية الحالية، التي لم تنَل حتى الآن قبول الغرب ولم تحقق متطلبات السوريين بالانتقال إلى مرحلة التنمية والإعمار، تالياً لا يوجد أمام الإدارة الجديدة سوى الانفتاح على الآخر، كُلّ الآخر، مع إعادة مؤسسات الدولة والاهتمام بالمؤسسة الأمنية وتأسيس جيش بعيداً عن الحالة الفصائلية التي لا تمتلك أي تجربة عملية وعلمية، وتعزيز القضاء الذي أصابه الشلل مؤخراً، والأهم تشكيل حكومة تكنوقراط بعيدة عن التمثيل الطائفي أو العرقي قائمة على التوافق بين القوى السورية مجتمعة دون تحاصص أو إقصاء يسهمان في زجّ كل الطاقات السورية في العمل، على أن تتكون من شخصيات لها علاقات داخلية وخارجية متميزة وتملك رؤية لمشاريع تنموية قادرة على أن تعتمد على الذات السورية وتنطلق من خلال الدعم الدولي، بالإضافة إلى كل ذلك يجب نزع المركزية الشديدة في الحكم التي خلقها الإعلان الدستوري”.

أما العويس، فتعتقد أنّ الحلول السورية يجب أن تنطلق من نقطة أنّ “إدارة ترامب غير مقتنعة بفكرة الرئيس الشرع عن ضرورة انسجام الحكومة الحالية، أو أنّ من يدير ملفات الأمن القومي بكل تفاصيله محسوبون على هيئة تحرير الشام، أو جميع الحقائب السيادية في يد الهيئة، فهذا غير مرضٍ لواشنطن ولا ترى في ذلك تغيّراً إيجابياً في دمشق، فما تريده أمريكا، رؤية حكومة أكثر تنوعاً من الشكل الحالي الذي لم تبدِ معه واشنطن أي إيجابية، مع ضرورة أخذ دمشق خطوات منفتحةً عالية الصوت وليست خلف الكواليس، تتعلق بتأكيدها على عدم رغبتها في الانخراط في أي حرب خصوصاً مع إسرائيل، ويكون ذلك من خلال توقيع اتفاقيات، كما تريد واشنطن رؤية عدالة انتقالية واجتماعية في ما يتعلق برموز النظام السابق، بالإضافة إلى المتورطين في أحداث الساحل، وكل هذه المتطلبات تتطلب جهوداً كبيرةً وجريئةً من الإدارة الجديدة لكسر عزلة سوريا، وذلك في سبيل خلق علاقات مع أمريكا التي ستؤدي إلى رفع العقوبات عنها”.

ويرى شبلي، أنّ الإدارة السورية تعي صعوبات النجاح في مهمتها في الحصول على اعتراف دولي نهائي ولا سيّما أمريكي، بغية رفع العقوبات وانطلاق قطار التعافي الاقتصادي دون تنازلات مؤلمة، لكنها في الوقت نفسه تدرك أنها ملزمة بتغليب المصلحة العامة وهو ما أشار إليه الرئيس الشرع، وسمّاه العبور من عقلية الثورة إلى عقلية الدولة، لذا لا سبيل إلى تحقيق توازن معقول بين الإملاءات الخارجية والمصالح الوطنية إلا بترسيخ أكبر قدر ممكن من التوافق الوطني والشرعية الداخلية للإدارة السورية لتتسلح بهما في أي تفاوض، ما يقلل الثغرات التي قد تنفذ من خلالها الدول الأجنبية لفرض إملاءاتها”.

في النهاية، أوضحت جميع التجارب السابقة إقليمياً ودولياً أنّ أسهل وصفة لحل القضايا السياسية في الدول التي تشهد ثورات مثل سوريا، الإنصات إلى الصوت الداخلي وتغليب المصلحة العامة على المصالح الخاصة، عبر اتّباع نهج تشاركي بين جميع مكونات البلد الواحد، يضمن حقوق الجميع ويحدد واجباتهم تحت مظلّة وطن واحد لجميع أفراده تسود فيه مفاهيم الحرية والعدالة والكرامة.

رصيف 22

————————————–

=======================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى