الناس

عن الأزمة الاقتصادية في سورية -مقالات وتحليلات مختارة-

الـ5000 ليرة سورية أسوأ من قيصر/ إياد الجعفري

في هذه الايام، ينشُط تيار في الغرب، للضغط على مراكز صنع القرار، بغية رفع العقوبات الأوروبية والأمريكية، أو تخفيفها، عن نظام الأسد، بذريعة أن تلك العقوبات “تفاقم الوضع الإنساني المتردي بالفعل في سوريا”، وفق كلمات خبيرة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، ألينا دوهان، التي تمثل إحدى شخصيات هذا التيار.

وبطبيعة الحال، هذه ليست المرة الأولى التي تُرفع فيها أصوات في الغرب، تدعو إلى رفع العقوبات عن الأسد، بوصفها تنال من المدنيين أكثر مما تنال من النظام نفسه. لكن هذه الأصوات اكتسبت زخماً جديداً مع وصول إدارة جو بايدن إلى البيت الأبيض.

وإن كان من المُبكر بعد، الجزم بالأثر الذي ستحدثه هذه الأصوات، على سياسة بايدن تجاه الملف السوري، وتحديداً، في ما يتعلق بـ “قانون قيصر” الشهير، يبرز في هذا السياق تساؤل قلما يتم تناوله، حينما يتم الحديث عن أثر العقوبات على السوريين. هل أزمة السوريين المعيشية الحالية، هي نتاج العقوبات أساساً، أم نتاج عوامل أخرى أكثر تأثيراً من العقوبات؟

للإجابة على هذا التساؤل، قد يكون من المفيد إجراء مقارنة بين أثر العقوبات على الوضع الاقتصادي السوري، وبين أثر العوامل الأخرى. وقد يكون أبرز ما يمكن أن يساعدنا في إجراء هذه المقارنة، هو تناول سعر صرف الليرة السورية، بوصفه مؤشراً لوضع الاقتصاد.

ولإجراء مقارنة جزئية، سنتناول حدثين أثّرا بشدة على سعر صرف الليرة، خلال الشهرين الأخيرين. الحدث الأول هو صدور الحزمة السادسة من عقوبات “قيصر”، التي أضافت مصرف سورية المركزي إلى قائمة المعاقبين. وهي أشد حزمة عقوبات، نظراً لأنها ألمحت إلى احتمال معاقبة المتعاملين مع المركزي. لكن هذا التلميح لم يُوضع موضع التنفيذ بعد، مما يعني أن أثره بقي ضمن ما يُعرف بـ “العامل النفسي”. فكيف أثّر هذا الحدث، نفسياً، على سعر صرف الليرة؟

الإجابة، يمكن اختصارها بأن الأثر تلاشى، خلال 10 أيام فقط. ففي اليوم الذي سبق فرض حزمة العقوبات، 21 كانون الأول/ديسمبر، أغلق سعر الصرف عند 2865 ليرة للدولار الواحد، وفق سعر السوق السوداء. ومع فرض حزمة العقوبات يوم 22 كانون الأول/ديسمبر، أخذ سعر صرف الليرة بالتهاوي، ليفقد 3,70% من قيمته، خلال أسبوع، ويتراجع إلى 2975 ليرة للدولار الواحد، وذلك بتاريخ 28 كانون الأول/ديسمبر. لكن، في الأيام الثلاثة التالية، تحسن سعر صرف الليرة بصورة متسارعة، ليُغلق عشية رأس السنة عند 2870 ليرة للدولار الواحد. أي أن أثر الحزمة السادسة من قانون “قيصر”، تلاشى تقريباً.

وتذبذب سعر صرف الليرة السورية في الأيام التالية، خلال شهر كانون الثاني/يناير، ضمن هوامش محدودة، وصولاً إلى عشية الحدث الثاني، وهو طرح مصرف سورية المركزي، ورقة الـ 5000 ليرة سورية الجديدة، للتداول، يوم الأحد 24 كانون الثاني/يناير. ففي اليوم السابق، لهذا التاريخ، أغلق سعر الصرف عند 2920 ليرة للدولار الواحد. وخلال أربعة أيام فقط، هوى سعر الصرف وصولاً إلى 3030 ليرة للدولار الواحد، وذلك يوم الخميس 28 كانون الثاني/يناير. أي أن الليرة فقدت 3,65% من قيمتها، وهي قيمة توازي تقريباً تلك التي فقدتها بعيد فرض الحزمة السادسة من عقوبات “قيصر”، قبل شهر، والتي استعادتها الليرة لاحقاً.

أي أن أثر إجراءات النظام النقدية، توازي تماماً، أثر “قيصر” في أشد حُزمة عقوبات منه حتى الآن. لكن، هل تستعيد الليرة ما خسرته بعد طرح ورقة الـ 5000، كما سبق واستعادت ما خسرته بعد حزمة العقوبات الأخيرة من “قيصر”؟

الجواب نجده في إجماع معظم المحللين الاقتصاديين الموالين للنظام، وعلى صفحات وسائل إعلامه المتنوعة، إذ يجمع هؤلاء على أن هناك شروطاً لتلافي آثار طرح الـ 5000 الجديدة، أبرزها، سحب كتلة نقدية موازية لتلك التي طُرحت في الأسواق مع الـ 5000، من أوراق نقدية تالفة أو مهترئة، من فئات نقدية أصغر. وهو إجراء أكدت السلطات المعنية داخل نظام الأسد أنها ستعمل جاهدةً على تنفيذه. لكن توقيت طرح الفئة النقدية الجديدة، دفع بالذاكرة إلى تساؤل سبق أن طُرح بكثافة حينما أُعلن عن ميزانية العام 2021 قبل شهرين، وهو كيف سيموّل النظام العجز في الموازنة الجديدة؟ فالموازنة الأصغر في تاريخ سوريا، قياساً بسعر صرف الدولار الأمريكي، والتي بلغت 8500 مليار ليرة سورية، تضمنت إيرادات متوقعة، وفق مصادر النظام ذاته، بقيمة 6000 مليار ليرة سورية، أي أن هناك 2500 مليار ليرة سورية، عجزاً في الميزانية، وهو ما يعادل بسعر الصرف الرائج الآن، 825 مليون دولار.

وتضمنت الإجابة على هذا التساؤل الشائك حينها، جملة خيارات مرتقبة من النظام، أبرزها، طرح أوراق نقدية جديدة. لذلك، لم يكن مفاجئاً طرح ورقة الـ 5000، في هذا التوقيت. بل كان متأخراً حتى عن المواعيد التي كانت متوقعة. وبالفعل أقرّ المركزي في بيان إعلانه طرح الورقة الجديدة، أنه طبعها في العام 2018. أي أن المركزي حاول تأخير طرح هذه الفئة النقدية الجديدة، قدر استطاعته، تجنباً لانفلات التضخم عن السيطرة. وحينما أصبح عاجزاً عن المزيد من المقاومة لهذه الخطوة، نظراً لحاجته لتمويل العجز في ميزانية العام الجديد، طُرحت الورقة الجديدة، وتسببت، خلال أيام فقط، بارتفاع الأسعار بنسبة تجاوزت الـ 8%، باعتراف مصادر النظام ذاته.

خلاصة ما سبق، أن آثار طرح ورقة الـ 5000، أكثر عمقاً وتأثيراً على الوضع المعيشي للسوريين، من حزم العقوبات الصادرة في إطار قانون “قيصر”. والذي هو أشدّ نسخة من العقوبات الغربية المفروضة على النظام، حتى الآن. ففي حين تلاشى أثر حزمة عقوبات “قيصر” الأخيرة، خلال 10 أيام فقط، من غير المتوقع أن يتلاشى أثر طرح الـ 5000 ليرة الجديدة، في وقتٍ قريبٍ. بل من غير المتوقع أن يتلاشى هذا الأثر مطلقاً.

وتبقى الخلاصة السابقة، غائبة عن معظم من يكتب في الشأن الاقتصادي السوري من السوريين المناوئين للنظام، أنفسهم، والذين يتورط الكثيرون منهم في تكرار أسطوانة أثر العقوبات “القيصرية” على معيشة السوريين، بصورة تعزز ارتكاز النظام على هذه الذريعة، التي تسمح له بالضغط أكثر، عبر قنوات متصلة به، في الغرب، وصولاً إلى مبتغاه في رفع العقوبات التي طالت بصورة أساسية، مصالح نخبة أثرياء الحرب وأمرائها المحسوبين عليه، بشكل مباشر.

المدن

——————————————

أيام بؤس في سوريا/ هنري ممارباشي

بات الشعب السوري الذي كان إلى حد الآن يكافح من أجل البقاء على قيد الحياة وسط أنقاض حرب طويلة، يصارع يوميا الفقر والأزمة الصحية ومصاعب الشتاء، وأصبح أكبر خوف الجميع تضخم الأسعار والطوابير الطويلة لاشتراء الخبز.

شتاء صعب هذا الذي يواجهه الشعب السوري. يشكو التاجر الدمشقي أبو سعيد، وهو يتأمل انهيار كل ما يحيط به: “بالأمس كانت القنابل تتهاطل على رؤوسنا، واليوم لا خبز لدينا، ولا أي تطلع للمستقبل. نحن نعاني من التضخم المفرط ومن الشلل الاقتصادي ومن الفقر الذي يجتاحنا ومن العقوبات الغربية التي لا معنى لها والتي تنصب بالأساس على المواطن العادي… ماذا سيصيبنا أكثر من كل هذا؟”

إنه لمشهد محزن، أن ترى المقربين من النظام يحتفلون ليلا في المطاعم التي تبدو مفتوحة خصيصا لهم، فيما تشهد البلاد لأول مرة في تاريخها طوابير أمام المخابز ومحطات البنزين، وهو ما صدم الكثير من السوريين، فمثل هذه المشاهد يرونها عادة في البلدان الأكثر فقرا في العالم.

وكدليل آخر على إفلاسه، انتهى المطاف بهذا البلد المنتج للقمح إلى التسول لأصدقائه النادرين ولحلفائه ومن بينهم روسيا. وهي أول من يمده بالقمح اليوم، وقد أعلن وزير خارجيتها سيرغي لافروف ليلة السنة الجديدة أنها “منحت [سوريا] 100 ألف طن من القمح”، مضيفا أن هذا الدعم “سيتواصل على الصعيد الإنساني”. لكن هذا الحلبي الذي يعمل في مجال الصناعة والذي يفضل عدم الكشف عن اسمه يتساءل: “من يقبل فعلا بالاستثمار في هذا البلد؟ ماذا سيجني من بلد مفلس؟”

في التسعينيات، كان قرابة 20% من السكان يعملون في مجال الزراعة وكانت سوريا آنذاك قد حققت الاكتفاء الذاتي. لكن اقتصاد هذا البلد الذي هو جزء مما يسمى بمنطقة الهلال الخصيب رهين التقلبات المناخية، لاسيما الجفاف الذي كان من أسباب اندلاع النزاع في 2011.

لا يمكن لسوريا اليوم أن تعتمد على نفسها في أي مجال. فمنذ الحرب، تحول هذا البلد إلى مجال صيد مفتوح للمصالح الروسية والإيرانية، وهما حليفاها الأساسيان واللذان أحكما قبضتهما على جزء كبير من ثرواتها (الموانئ ومناجم الفسفاط إلخ). فضلا عن كونها أرض قصف لإسرائيل التي تلاحق في سوريا ميليشيات حزب الله اللبناني الموالية لإيران. ولا ننسى تركيا التي تسيطر على جزء من أراضي الشمال حيث الأكراد، والتي نجهل أهدافها.

“إنه أسوأ وضع منذ بداية الانتفاضة”

كالعادة، أطلقت منظمة الأمم المتحدة صرخة فزع أمام ظروف تسليم المساعدة الإنسانية. وهو ما جاء في حديث الأمين العام المساعد للشؤون الإنسانية مارك لوكوك أمام عناصر مجلس الأمن في ديسمبر/كانون الأول حيث قال: “يواصل الشعب السوري معاناته، وهي معاناة تتفاقم في الفترة الشتوية”.

كما أن البلاد بعيدة كل البعد عن حالة سلام رغم نجاح النظام في استرجاع بعض المناطق والهزيمة “الرسمية” لتنظيم الدولة الإسلامية، كما أكّد على ذلك المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسون قائلا: “النزاعات العنيفة والإرهاب لا يزالان أمرا واقعا بالنسبة للسوريين. […] ومن المتوقع أن يتفاقم النقص الغذائي وسوء التغذية، وكذلك الحال بالنسبة للعدد الجملي لمن سيحتاجون مساعدة إنسانية”.

وعلى الرغم من نداءاتها اليائسة ومن مشاركتها على أرض الواقع، يبقى مجال تحرك منظمة الأمم المتحدة محدودا بسبب العقوبات المسلطة على النظام السوري من قبل واشنطن -صاحبة الأمر والنهي على الصعيد العالمي- والاتحاد الأوروبي ومجلس الأمن ذاته. شرح جهاد يازجي، مدير المجلة الاقتصادية الالكترونية The Syria Report خلال مؤتمر نظمته في باريس خلال ديسمبر/كانون الأول المجموعة المناهضة للنظام “سوريا حرية” قائلا: “إنه أسوأ وضع تعرفه البلاد منذ بداية الانتفاضة. إننا نشهد منذ 2019 تفاقما كبيرا للتضخم. وبين يوليو/تموز 2019 ويوليو/تموز 2020، تضاعفت قيمة الاحتياجات الأساسية 250 مرة، بينما تراجع الدعم الحكومي على المنتوجات الأساسية، إذ تضاعف سعر الخبز المدعوم”. وقد ذكر الموقع الالكتروني في 10 نوفمبر/تشرين الثاني تحقيقا للجريدة الأسبوعية السورية “قاسيون” مفاده أن الميزانية الشهرية لعائلة دمشقية ارتفعت بنسبة 74% خلال الأشهر التسعة الأولى لسنة 2019، فيما تضاعفت أسعار المواد الغذائية.

كذلك الحال بالنسبة للمنتوجات النفطية والتي أدى النقص فيها إلى تبعية سورية تجاه إيران بالأساس (وهذا أمر مبهم نظرا لأن البلدين يقعان تحت وطأة العقوبات). وقد ارتفعت أسعارها هي الأخرى بطريقة مذهلة. ولمواجهة هذا الوضع، أعلنت الحكومة السورية في 19 أكتوبر/تشرين الأول 2020 أنها ستزيد من سعر زيت الوقود الذي يباع للشركات الخاصة، بنسبة 120% دون أن تطبق هذا التدبير على الشركات العمومية ولا على الخواص أو المزارعين أو شركات النقل. شرط العثور على زيت الوقود والتحلي بالصبر.

نقص في الغاز والكهرباء

وفق ما كتب موقع The Syrian Observer بتاريخ 11 يناير/كانون الثاني والذي يقوم بقراءة في الصحافة الموالية والمناهضة للنظام السوري، فإن “نقص الوقود يتواصل [في العاصمة دمشق] ما يسفر عن طوابير من سائقي السيارات تمتد على كيلومترات أمام محطات الوقود الفارغة”. أما الموقع المعارض “صوت العاصمة”، فقد ذكر في 9 يناير/كانون الثاني 2021 أن المصفاة الرئيسية لمدينة بانياس قد توقفت عن العمل، وهي معلومة لم يستطع موقع The Syrian Observer تأكيدها.

كانت سوريا قبل بداية النزاع منتجا صغيرا للغاز والبترول. وتوجد العديد من حقول النفط اليوم في مناطق ليست تحت سيطرة دمشق. كما يحدث أن تشتري الحكومة نفطا من قوات سوريا الديمقراطية، ذلك التحالف الكردي العربي (بغلبة كردية) والذي أسس إقليم روج آفا.

في المناطق التي لا تقع تحت سيطرة النظام، مثل الحدود الشمالية مع تركيا أو المنطقة التي تقع تحت سيطرة القوات الكردية، “تباع أحيانا بعض المنتوجات مقابل ليرات تركية أو دولارات”، وفق يازجي ومراقبين آخرين في عين المكان. وهم إذ يقولون ذلك واعون كل الوعي بصعوبة جمع بيانات موثوقة في المناطق التي لا تزال مفلتة من قبضة النظام، أي 30% من الأراضي السورية والتي تضم الثروات النفطية والزراعية الأساسية.

وكأن كل هذا ليس بكاف، دمرت حرائق متعمدة خلال صيف وخريف 2020 عشرات آلاف الهكتارات من حقول القمح والشعير، ناهيك عن حقول الزيتون في مختلف أنحاء البلاد، مثيرة يأس المزارعين الذين كانوا ينتظرون بفارغ الصبر الحصاد الذي وصفه البعض بأنه سيكون “استثنائيا”. وقد حدث نفس الشيء سنة 2019، لا سيما في شمال شرق البلاد. وفي كل مرة، يوجه كل من النظام ومن المعارضة أصابع الاتهام إلى الآخر.

يقول فادي تراكجي عبر الهاتف، وهو أحد سكان حلب: “نحظى بثلاث ساعات من الكهرباء يوميا. وقد أصبح الخبز لا يُأكل (عادة بسبب استعمال قمح صلب) وعلينا أن نمضي ساعات طويلة جنبا إلى جنب مع الآخرين أمام المخابز، على أمل أن يأتي دورنا.” لقد ارتفع سعر كل شيء رغم بطاقات التقنين التي وضعتها الحكومة والتي تختلف هي بدورها باختلاف الأسعار. والحال أن ثاني مدن سوريا كانت قد احتفلت في 2016 عندما “حررتها” القوات النظامية من قبضة الجهاديين وبمساندة من الطيران الروسي، بعد معارك دامية تركت أثرها.

“إن الناس يحنون لسنوات الحرب”

ويضيف هذا التاجر الصغير: “كان الوضع أفضل عندما كانت القنابل تقصفنا”. ويؤكد نبيل أنطاكي -وهو طبيب في حلب ومسؤول في جمعية “المريمي الأزرق” التي تعنى بالناس الأكثر احتياجا خاصة في مجال الغذاء والتربية ذلك قائلا: “إن الناس يحنون لسنوات الحرب، فقد كانت حياتهم أفضل آنذاك رغم المخاطر الشتى”. ويشكو الطبيب “تعطل الأمور على الصعيد السياسي والعسكري” ويشير في بريد إلكتروني أرسله خلال شهر ديسمبر/كانون الأول إلى أن “الهجرة متواصلة” وأن “المسيحيين يواصلون الرحيل أو يحلمون بتلك الإمكانية”.

ويستطرد: “عندما تركب حافلة بين حلب ودمشق على الطريق التي فُتحت مجددا في مارس/آذار 2020 بعد انقطاع دام سبع سنوات، تمر الحافلة قرب سراقب ومعرة النعمان [غير بعيد من حلب] أمام ثلاث مراكز عسكرية تركية ترفع علم بلدها، وهذا أمر يثير غضبنا”. وُضعت مراكز المراقبة هذه بعد وقف إطلاق النار الذي اتفق عليه كل من الجيش السوري والتركي لوضع حد للمعارك في محافظة إدلب، حيث يجتمع آلاف اللاجئين في ظروف سيئة للغاية وحيث ينتشر وباء كورونا.

وبحسب موقع طبي يقدم إحصائيات حول أسماء ووظيفة كل ضحية، فقد “توفي 171 طبيب بسبب فيروس كورونا، بسبب نقص المعدات اللازمة”. ويتسبب هذا الوضع الصحي في تأخر عودة الحياة الاقتصادية أو محاولات إعادة البناء التي تعيقها العقوبات. أما الجائحة، فهي تصبح “أكثر خطورة” بمرور الوقت “ولا تطال فقط اليافعين بل كذلك الأطفال”، وفق مصادر قريبة من الحكومة ذكرها موقع The Syria Report.

الدولارات التي اختفت في لبنان

علاوة على تداعيات العقوبات الدولية، يلعب نقص العملة الصعبة دورا أساسيا في إفقار البلاد. ولم تُجد التدابير التي اتخذتها الحكومة في ديسمبر/كانون الأول 2020 ضد استعمال العملة الصعبة في المعاملات اليومية والتجارية نفعا في حماية قيمة العملة المحلية.

عادة ما تكون نهاية نزاع مسلح وعدا بانتعاش اقتصادي، بفضل جهود إعادة البناء وتدفق الاستثمارات. لا شيء من ذلك في سوريا. فخزينة الدولة تكاد تكون فارغة والمساعدة الخارجية غير موجودة، ما يتسبب في انهيار قيمة الصرف إلى حد يصعب التنبؤ به اليوم، بسبب الأفق المسدود. كما لم يعد بوسع العاملين السوريين في الخارج إرسال مبالغ مالية إلى أهاليهم في الداخل.

هذا ما يحدث مثلا في لبنان الذي يشهد منذ عام أزمة مالية والذي تسبب انهيار قيمة عملته في تدحرج قيمة الليرة السورية، إذ أصبحت قيمة الدولار 3000 ليرة سورية بينما كانت 49 ليرة في بداية الحرب.

لقد جُمدت مليارات الدولارات التي كانت ملك التجار والخواص في البنوك اللبنانية منذ سنة بسبب انهيار نظام المصارف، ما زاد الطين بلة بالنسبة لوضع السوريين. وقد أعلن بشار الأسد في 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2020: “لقد اختفى بين 20 و42 مليار دولار من المستودعات السورية بسبب أزمة نظام المصارف اللبناني، وقد دفعنا ثمن ذلك”. وهو بذلك يحمّل لبنان مسؤولية الوضع المالي الكارثي في بلاده -لا العقوبات الدولية، وهو أمر نادر.

من الصعب التثبت من هذا الرقم لا سيما بسبب السر البنكي الذي تمارسه لبنان. لكن يبدو أن الأسد نسي -أو تناسى- أن الجارة اللبنانية لعبت لوقت طويلا دور الصمام. فعلى مدى سنوات طويلة، أودع زعماء النظام ورجال الأعمال السوريين وكذلك مجرد مواطنون عاديون أموالهم في لبنان، للاستفادة من الجهاز البنكي الليبيرالي لأقصى درجة في لبنان ومن الفوائد المرتفعة. وقد لعبت بيروت لسنوات دورا مهما في المعاملات السورية، لا سيما التجارية.

الحرب وترحيل السكان والهجرة والأزمة الاقتصادية والصحية والعقوبات… كلها قلبت النسيج الاجتماعي السوري رأسا على عقب. وقد بات النظام التربوي غير منظم، لا سيما بالنسبة للطلبة الذين يعيشون في مناطق لا تقع تحت سيطرة النظام ولا يستطيعون التنقل بين المناطق لخوض الامتحانات. أما في المناطق التي يكتظ فيها مئات آلاف اللاجئين، فإن أكثر من 500 ألف طفل لا يذهب إلى المدرسة، ويجب على المنظمات غير الحكومية أحيانا وفق بعض الخبراء أن تجوب المخيمات لتقديم الدروس.

تلاحظ المحللة السياسية بسمة قضماني أنه منذ انتهاء الحرب، “نرى نقص اهتمام بسوريا، ما عدا من طرف روسيا وإيران وتركيا. كل الأحداث تدور خارج الأراضي السورية ولا يملك لا النظام ولا المعارضة أن يقول كلمة في الموضوع. أما الاتحاد الأوروبي، فهو لا يوافق سوى على المساعدات الإنسانية” لبلد على شفا حفرة من الانهيار.

مراسل سابق لوكالة الأنباء الفرنسيةAFP ، ومدير سابق لفرع الوكالة في كل من بيروت والرباط ، وصحفي في  الاقتصاد والدبلوماسية في مقر الوكالة

———————————–

قيصر 2” يشدد الضغط الأميركي على النظام السوري/ مصطفى رستم

“الصيغة الجديدة تلزم الرئيس الأميركي المنتخب بعدم التعاطي مع هذا الملف بإجراءات دبلوماسية متساهلة”

يطفو قانون العقوبات الأميركي المعروف باسم “قيصر” مجدداً على السطح، وسط أجواء مشحونة في واشنطن، ومعارك محتدمة بين مناصري الرئيس الأميركي المنتهية ولايته، دونالد ترمب، والرئيس المنتخب، جون بايدن، ظهرت جلية في أحداث الشغب في مبنى الكابيتول.

الرهان على العقوبات

مع ذلك، تتسارع وتيرة عمل اللجان المختصة، ومنها لجنة الدراسات، بحسب التسريبات التي تناقلتها وسائل الإعلام، لاستصدار مشروع جديد، وهو النسخة المعدلة من “قانون قيصر”، الذي وضع حيز التنفيذ في منتصف يونيو (حزيران)، ووفق التسريبات الجديدة فإن النسخة القادمة التي تعكف لجنة الدراسات للحزب الجمهوري في الكونغرس على إعدادها، تتضمن مجموعة إجراءات لسد الثغرات في القانون الأساسي.

من تلك البنود يحاول “قيصر 2” أن يترك مجالاً أكثر ديناميكية يخول بموجبه الرئيس الأميركي إنشاء مناطق اقتصادية، كما ينص أيضاً على التشدد بالاستهداف المباشر لكل من المؤسسات والكيانات والشخصيات التابعة للنظام السوري، أو حتى الداعمة له ساعية لسد الثغرات التي احتوتها النسخة الأولى.

في غضون هذا التطور الجديد ترى أوساط مراقبة بالشأن السوري، أن هذه المحاولة تهدف لسد الطريق على الرئيس الأميركي القادم، وإلزامه بعدم التعاطي مع الملف السوري بشكل لين، أو بإجراءات دبلوماسية متساهلة، بل يرمي القانون لأن يكون أكثر تشدداً. ورأت أن القانون الجديد لـ”قيصر”، وبصيغته الجديدة، يأتي بعد ثغرات في القانون الأساسي الذي أطبق سياسياً واقتصادياً على البلاد، وسبقته عقوبات أوروبية وأميركية قاسية تركت تأثيراتها الاقتصادية الواسعة، وأدت إلى انهيار العملة.

ناقلات النفط

ومع ما تدعمه النسخة الجديدة نحو إطاحة الحكومة، فإن رئيس وزراء النظام السوري، حسين عرنوس، والذي كلف تشكيل الحكومة في 25 أغسطس (آب) الماضي، كشف في جلسة علنية أمام مجلس الشعب لمناقشة الأداء الحكومي عن اعتراض سبع ناقلات نفط كانت متجهة إلى سوريا، وأن اثنتين منها تم استهدافهما في البحر الأحمر.

وأضاف عرنونس أن استهداف الناقلتين في البحر الأحمر أدى إلى “تأخر وصولهما لأكثر من شهر، ونجم عنه توقف مصفاة (بانياس) عن الإنتاج، وحدوث نقص في كميات المشتقات النفطية المطلوبة لسد حاجات البلاد من مادتي البنزين والمازوت”، من دون أن يحدد الجهة التي استهدفت الناقلتين.

واستوردت سوريا 1.2 مليون طن من النفط الخام الإيراني مع منتجات بترولية أخرى بنحو 820 مليون دولار في الأشهر الستة الأخيرة، بينما يظهر النقص الحاد بالوقود على شكل طوابير وازدحام خانق أمام المحطات.

ويأتي ذلك في وقت تعاني فيه سائر البلاد أزمة اقتصادية وانهيار الليرة السورية (نحو 2900 مقابل الدولار الأميركي)، بعد أن كان سعر صرفها قبل عام يقارب 500 ليرة مقابل الدولار، علاوة عن تضخم مرتفع ومصاعب متفاقمة على السوريين المتضررين من سنوات الحرب.

الدول المجاورة

من جهة ثانية، يزداد الضغط على الطبقة السياسية والدبلوماسية، لا سيما بعد أن أدرج الاتحاد الأوروبي مؤخراً وزير خارجية النظام السوري، فيصل المقداد، ضمن العقوبات، لترتفع قائمة الشخصيات المشمولة بالعقوبات لـ289 مسؤولاً و70 كياناً، وبرر بيان لمجلس الاتحاد الأوروبي القرار في 15 يناير (كانون الثاني) بأنه يعود إلى خلفية تعيينه وزيراً لخارجية النظام.

في غضون ذلك، لا ترجح أوساط مراقبة محايدة للشأن السوري أن تؤتي القوانين المشددة أكلها مهما ازدادت ضراوة، لكون المتأثر الوحيد هو الشعب السوري بكل أطيافه في الداخل “بينما يزداد أمراء وأثرياء الحرب الممسكون بقوت الناس ثراءً”، بحسب وصفهم.

في المقابل، تخشى الفعاليات الاقتصادية والتجارية من استهداف مؤسسات لبنانية من تلك العقوبات في النسخة الجديدة، لا سيما أن البلد المجاور لدمشق شكل خلال فترة سابقة المتنفس الوحيد لها خلال العقد الماضي.

من جانبه، يتحدث المتخصص في المجال الاقتصادي، رضوان المبيض، عن قدرة البلاد على تخطي أي عقوبات باعتمادها على الزراعة والصناعة والاهتمام بالإنتاج المحلي والتقليل من الاستيراد مع الأخذ بعين الاعتبار صعوبة استجرار الآلات الأجنبية وقطع الغيار.

وأضاف “خسرت سوريا الساحة اللبنانية حينما كانت مسرحاً لرجال الأعمال وصفقاتهم، ونقل صناعيون معاملهم إلى هناك، بينما استقبلت المصارف اللبنانية ودائع لرجال الأعمال والشركات في سوريا منذ فترة طويلة، وبحسب التقديرات فإن قيمة الودائع السورية الخاصة وصلت في المصارف اللبنانية إلى أكثر من 50 مليار دولار أميركي من إجمالي 170 مليار دولار، قيمة الودائع في المصارف اللبنانية”.

وتحاول دمشق أن تكون لها منافذ برية بديلة لمواجهة تداعيات العقوبات. ومع القيود الناجمة عن تفشي فيروس كورونا والأزمة المالية في لبنان منذ العام السابق أصبح التفكير جدياً بفتح خط بري مع العراق وصولاً إلى إيران يمكن من خلاله نقل المشتقات البترولية، إلا أن هذا الحل يواجه عدة مخاطر أمنية، منها شبح تنظيم “داعش” في الصحراء مترامية الأطراف، وعلاوة على التكاليف الاقتصادية العالية.

اندبندنت عربية

————————————

90 في المئة من السوريين تحت خط الفقر… والحكومة تختبئ خلف قانون قيصر/ طارق علي

الفقر يعصف بالسوريين

طغى السواد الاقتصادي على المشهد العام في سوريا. الحرب هي السبب الأول للانهيار المتسارع في قيمة الليرة السورية في مقابل الدولار الأميركي، وتحديداً انهيارها بمعدل وصل إلى 60 ضعفاً عما كان عليه قبل عشرة أعوام، عشية اندلاع الحرب السورية.

لم تستطع الحكومة السورية بأي شكل تدارك الانهيار الحاصل والمتسارع، فمع بداية أزمة كورونا في سوريا، في الربع الثاني من العام المنصرم، وبدء تطبيق قانون قيصر الأميركي في الربع الثالث من 2020، انهارت العملة في ظرف ثلاثة أشهر، 50 ضعفاً، حتى بات الدولار الأميركي الواحد يعادل نحو ثلاثة آلاف ليرة سورية، مع الأخذ في الاعتبار أنه كان يعادل 47 ليرة سورية في عام 2011.

إذاً، لم تستطع الحكومة فعل شيء يذكر، سوى أنها عملت على رفع بسيط للرواتب أكثر من مرة، ليبلغ اليوم في أفضل صوره ما يعادل متوسطه للموظف السوري نحو 25 دولاراً أميركياً في الشهر، وهو الرقم الذي لا يكفي أكثر من أسبوع واحد للأسرة في أفضل الأحوال، حتى أن استطلاعات للرأي كشفت أنّ هذا الرقم لا يغطي حاجات أسرة مكونةٍ من خمسة أفراد لثلاثة أيام، على اعتبار أن كل شيء ارتفع سعره مع صعود الدولار، بدءاً من الخضار، وحتى السيارة، مروراً بالعقارات، فكل شيء قابل للشراء بالمال مهما كان، تضاعفت أسعاره، وينطبق ذلك بصورة موسعة على كل تفاصيل المعيشة والحاجات الأساسية وغير الأساسية، وضمناً المتطلبات الرئيسية والبديهية من غاز ومازوت وبنزين ومحروقات وخبز، والتي شهدت أسعارها كلها ارتفاعاً مضاعفاً، ليصار إلى اعتبار كل ما يفوق سعره حجم الدخل على بساطته، رفاهية، حتى الخبز بدأ يصير رفاهية، وهذا ما تسمعه في الشارع.

هوةُ كبيرة بين الراتب والحاجات

صحيفة “قاسيون” السورية، الناطقة باسم الحزب “الشيوعي”، وهي صحيفة تصدر عن اللجنة المنطقية للحزب، نشرت دراسةً اعدتها وبنت فيها إحصاءاتها انطلاقاً من مكونات الاستهلاك الأساسية الثمانية المقررة في المكتب المركزي الرسمي للإحصاء السوري، التابع لرئاسة مجلس الوزراء، استناداً إلى الحد الأدنى من الأسعار في العاصمة السورية دمشق، وخلصت الدراسة إلى أن تكاليف المعيشة الأساسية ارتفعت بما يعادل على الأقل نسبة 85 في المئة عن عام 2019، أما قياساً مع بداية الحرب فالمجمل يقاس بـ24 ضعفاً للمعيشة، و29 ضعفاً لتكاليف الغذاء.

وبحسب الدراسة، فإن أسرة مكونة من 5 أفراد تحتاج مبلغاً يساوي 252 دولاراً أميركياً شهرياً نصفها ثمن مواد غذائية فقط، أي 126 دولاراً، أما الباقي، فيوزع على السكن والنقل والملابس والصحة. وأكدت الدراسة أن الراتب السوري الحالي لا يكفي غذاءً لمواطن واحد حتى الشبع، لتشير الصحيفة إلى أن سيارةً بيعت في مزاد علني مع نهايات 2020، ثمنها يكفي لإطعام 220 عائلة لعام كامل، ما يدلل مجدداً على التفاوت الطبقي الهائل بين مكونات المجتمع السوري.

الفقر والاقتصاد وفق الأمم المتحدة

قبل البدء بفرض عقوبات قانون قيصر في شهر حزيران (يونيو) من العام 2020، حذرت وكالة الإغاثة التابعة للأمم المتحدة من أن سوريا تواجه أزمة معيشية كبرى وغير مسبوقة تتمثل بحاجة أكثر من 9.3 ملايين سوري للغذاء الكافي خصوصاً مع تفشي فيروس كورونا.

وبحسب ممثلة منظمة الصحة العالمية في سوريا أكجمال ماجتيموفا أنه وبعد تسع سنوات من بداية الحرب، يعيش أكثر من 90 في المئة من الناس تحت خط الفقر المدقع والذي يقدر أممياً بنحو دولارين يومياً للفرد (قرابة 6 آلاف ليرة سورية)، وأشارت إلى أن الواقع الصحي المتردي جاء بسبب هجرة نصف العاملين في المجال الطبي، أما من تبقى منهم، فيواجه تهديدات بالقتل والخطف، وكل ذلك في ظل أرقام تتحدث عن أنّ أقل من نصف مستشفيات سوريا ما زالت تعمل.

أما المتحدثة باسم وكالة الغوث اليزابيث بايرز، فقالت في تصريح لها إن أسعار السلع الغذائية ارتفعت أكثر من 200 في المئة خلال أقل من عام، معتبرة أن جزءاً كبيراً من المشكلة يعود إلى الانهيار الاقتصادي في لبنان، فضلاً عن قيود الحظر والحجر الصحي التي فُرضت من الحكومة السورية على مواطني الجمهورية لاحتواء الوباء في وقت سابق من العام المنصرم.

على الطرقات

“لا يتجاوز راتبي أنا وزوجي مئة ألف ليرة سورية”، تقول هيفاء، الموظفة الحكومية في إحدى الوزارات لـ”النهار العربي”، وتضيف: “منذ سنين لم نعد نشتري إلا الحاجات الأساسية، أقل الحاجات، فقط تلك التي لا تستطيع أي أسرة العيش بدونها، ومن حظنا أنه ليس لدينا أولاد حتى الآن، فلو كان لدينا لكانت صارت المعيشة مستحيلة قطعاً، فللأطفال مصاريف وأشكك في أن آلاف الأسر قادرة على تدبر أمورها”.

حال هيفاء يمكن إسقاطه على آلاف الأسر السورية، نمط الحياة هذا صار قاعدةً واضحةً وبيّنة، فما ينطبق على موظف سينطبق حُكماً على بقية الموظفين، طالما أن متوسط الراتب هو ذاته، من دون ارتفاعات توازي حجم التضخم من جهة، وحجم ارتفاع متطلبات العيش من جهة أخرى. صار السوريون عاجزين عن تأمين حاجاتهم، أقله، السواد الأعظم منه.

ماهر حمو موظف حكومي آخر، يقول لـ”النهار العربي” أنه يتعامل مع الراتب بمنطق الرياضيات، “أقوم بعمليات حسابية متتالية لأوزع الراتب على ما يلزم فقط، حصراً من الغذاء، السكر، السمن، الزيت، الرز، البرغل، ثم القليل من الخضار، وهكذا يكون راتبي شارف على الانتهاء، واستدين لبقية أيام الشهر”.

حال ماهر هو ذاته تقريباً مع الموظف سالم منصور، فسالم يدخل شهرياً في دوامة يناور فيها قدر المستطاع حتى يحصل على حاجات أسرته الأساسية، “اشتري الأساسيات التي تلزمنا، ثم على الفور أسدد ديوني لأصحاب المحال التجارية، ثم أعود لاستدين لبقية الشهر، وهكذا، أقضي أيامي في مناورة مع الحياة من جهة، والدائن من جهة أخرى، في مشهد شهري متكرر لا يعرف التوقف”.

ويتشارك معظم الموظفين في محاولة تأمين الحاجات الرئيسية إلى جانب الغذاء والمتمثلة في الصحة والتعليم والسكن، ومجموعها مع بعضها يشكل حملاً زائداً يمكن الجزم بأن الأسر السورية تعجز عن معالجته، لا سيما أن الكثير من الأسر نست كيف هو شكل اللحم ومعه كل ما يعتبر غذاءً خارج الأساسيات التي باتت تضيق يوماً بعد يوم لتفرض التقليل منها مع كل شهر جديد.

بين طبقتين

على الرغم من أن معظم السوريين تحت خط الفقر فإن ذلك لا يعني عدم وجود طبقة ميسورة. الوضع خلق تبايناً اجتماعياً على حساب الطبقة الفقيرة لصالح الطبقة الثرية، التي يشكل أمراء الحرب معظمها، وهم الذين ما زالوا ورغم قانون قيصر قادرين على استيراد أحدث الأدوات الإلكترونية والسيارات، قياساً بحكومة تعاني مع شعبها من استيراد كل شيء، حتى بذار الشمندر السكري ما عادت قادرة على استيرادها، وفق وزير الصناعة قبل نحو شهرين، وأرجع ذلك إلى ظروف الحصار الدولي.

يقول ابن خلدون في مقدمته أن “الدول تنهار حين يكثر الانتهازيون، لتظهر على السطح وجوه مريبة، ثم يسود الهرج في الأسواق والمزايدات على الانتماء ومفهوم القومية والوطنية والعقيدة”، وهذا هو الحال اليوم في سوريا، وإن كان المسؤولون يعللون أمر الفقر بفعل الحصار، إلا أنه لا أحد يتكبد عناء شرح مصادر أموال الأمراء. الجميع يخاف الخوض في الأمر، ليضاف إلى الشرخ شرخ ٌ جديد، فالفقير يقف في طابور لا نهاية له لتعبئة سيارته من البنزين، والثري لا يحتاج ليقف أي ثانية في انتظار حصوله على أحدث سيارة “لامبرغيني”، وهي سيارة صارت موجودة فعلاً في الشوارع، يحصل عليها رغم أنف الحصار من دون أن يبرر مسؤول واحد كيف استطاع شخص أو أشخاص تجاوز الحصار، وهو ما قد تملك الحكومة بصورة أو بأخرى تبريراً له، لكنها ما زالت تقطن البرج الذي فرضت فيه سياسات الحكومات المتعاقبة عرفاً يقضي بأن المواطن لا يستحق تبريراً، وإذا ما فكرت بتبرير أمر ما، فإن السوريين يتذكرون ما قاله ممدوح عدوان قبل أربعين عاماً: “أنا أشتغل في إعلام أخجل منه، لأنه يكذب بهذا المقدار، يكذب بدرجات الحرارة، يكذب بالتستر على اللصوص والتجار والمرتشين وشركائهم، ويشكك بي وبكم حين كنتم تقولون إنّ هناك فساداً”.

النهار العربي

———————————————–

سوريا الجائعة والمهانة هل تواجه النظام مرة أخرى؟/ مكسيم عثمان

لقد “تأدبت” الأجساد السورية جيداً في المعتقلات، وفي الشوارع التي تحولت مسارح للتعذيب…

يزداد الصدى داخل المدينة، سيارة واحدة تمرّ، فتصدر صريراً بين الحين والآخر. تحلُ على البلاد ثقافة الخلاء والصدى فقط، خلاء الشوارع، يضيف قلقاً واضطراباً لينزوي الناس في بيوتهم.

يأخذ الفقر وقعاً غريباً، وقعاً هادئاً يحتّم الصّمت كابتاً معه مظاهر الاحتجاج التي قد تظهر على السكان؛ ليكونوا بذلك أكثر تجهماً واضطراباً، وهذا كاف لكي يبدو السوري في حال يُعبر فيه عن احتجاجه، أمّا نزعة السخرية والفكاهة كنقدٍ للنظام عبر وسائل التواصل الاجتماعيّ فقد فُقدت أيضاً.

فقد السوريون خلال عام 2020 وتحت وطأة عقوبات قيصر وأزمة “كورونا” الشعور بالخوف، ليس لأنهم باتوا أكثر قوة، بل لأن يومياتهم وصلت من الصعوبة حدّاً أفقدتهم فيه قدرتهم على إجراءات التدبر والاحتراز من أجل العيش بأدنى مستويات الأمن الغذائي والكرامة، فكانت الشتيمة بذلك هي وسيلة التعبير الوحيدة المتاحة أمامهم في لحظات الغضب واليأس.

لا سخرية بعد اليوم، أو كوميديا سوداء عبر وسائل التواصل، بل شتيمة واضحة للنظام والدولة. وقد بات التضرّع الفردي لله في سوريا، من أجل النفس والبلاد مناخاً مقبولاً لتجاوز الفرد خوفه نحو حرية احتجاجيّة، من دون أي ترقّب لسوط الأجهزة الأمنيّة التي باتت تتقبل شتم النظام في أثناء الساعات الطويلة بانتظار الخبز ، أو في أثناء انتظار آلاف السوريين حصص المازوت. أكثر من نصف السوريين لم يحصلوا على المازوت المدعوم المخصص لهم. وحينما يُريد السوري الظهور فيزيائياً في الشارع، يكون من أجل الإمعان في خروجه ذليلاً بحثاً عن قوت أولاده وسعياً وراء دفء بيته الخاوي. الحياة خارج أوقات العمل -الذي لا يتوافق الإجهاد فيها مع المرتّب الشهري مهما علا شأن ذلك العمل- هو وقت لإذلال الكرامة والاقتتال في الحياة، الحشود المرمية في الشارع أمام نافذة المخبز، تنتظم أجسادها طولياً، وبعد وقت الانتظار الطويل، تأتي معجزة وصول المادة المُنتظرة، فيهتاج الجميع ركضاً وعراكاً، ذلك هو المسلسل اليوميّ في حياة السوريين، والنظام عندئذٍ يختار ترتيب الأفراد وكراماتهم كما يختار ترتيب أجسادهم وفقاً للمحسوبيات في  جموع الذل المحتشدة. هذه الفوضى جيدة لأسياد اللعبة، أمّا الأجساد المصطفة فتجد موقِّتاً جيداً لضبط عنفها وآلامها تحت سطوة هِراوات  حفظ النظام.

ما إن فقدت الليرة السورية مقوماتها، منذ سريان قانون قيصر وخسارة هذه الليرة أضعافاً مضاعفة من قيمتها أمام الدولار، حتى بدأت السلع ترتفع بطريقة مسعورة، إلى أن أغلق كثيرون متاجرهم، إذ دفع ذلك الارتفاع في الأسعار مؤسسات الدولة ومديرياتها إلى مهاجمة التجار. يحاول النظام الفتك بالتجار الذي يستوردون بالعملة الصعبة،  ويسعّرون منتجاتهم بها، إذ يحاول النظام طي الواقع المعاش بإجبار التجار على التنازل عن كل شيء من أجل مصلحة الشعب على حدّ وصفه، وبالمعنى الأكثر دقّة؛ حتى لا تتمرد الجموع على النظام، جعَلَ التُجار في الواجهة.

تغيرت ملامح الطرق، تلا الخلاء الذي صنعته جائحة “كورونا” في الطرق، خلو اختلقهُ الفقر، خجلت أقدام السكان من الشوارع، فبدا ذلك عنفاً معنوياً في وجه النظام. إنه تمرد سلبي ساكن، لكن النظام يقبله، لا بل يسوق له المُسوِّغات. خلو الأسواق والفقر وانفلات الأسعار وجنونها، فاقَمَها النظام بإرسال مراقبي هيئات الدولة التموينية والجمركية، لإجبار التجار على تخفيض الأسعار، فأغلقوا بدورهم متاجرهم. الدولة تؤخر رفع الأسعار لتصاعد هيمنتها الاجتماعية المفقودة وتحاول الاستقواء على التجار الذي دفعوا ثمن ذلك خسائر بالجملة. في هذا البلد لم يكن التجار، الطبقة الاقتصادية الأعلى شأناً، بل هم مجرّد تجار تجزئة  يشترون بسعر الدولار ويبيعون بسعره أيضاً، لتأمين ما يمسك رمق الحياة. أما الطبقة الاقتصادية المسيطرة، التي تُشاركها العائلة الحاكمة في كل شيء، فنهبت سوق الصرف، واستساغت ارتفاع سعر الدولار، وازدادت أرباحها من جراء ارتفاع سعر الصرف. في نهاية الأمر، كل شيء تُسيطر عليه العائلة الحاكمة. في معارك سوريا اليوم، 90 في المئة من السكان في صراع مع سلطة تملك كل شيء وتستفيد من كل فقر اقتصادي يعانيه الشعب.

يُمكن تخيل أن سوق الخضار والفاكهة في المدينة رحلة. في كل المدن السورية كانت الرحلة مربحة، الاكتفاء الزراعي كان  يُساعد على ذلك.  لكن ليس بعد قيصر “”كورونا”؛ إذ باتت الرحلة إلى سوق الخضار مُحزنة، بعدما تحوّلت الأسواق السورية التي كانت تعجّ بالمنتجات الغذائية إلى متاجر شبه فارغة أو ربّما ممتلئة بمنتجات لا يقوى المواطن العادي على دفع ثمنها، ممّا جعلها خالية، خالية إلى الحد الذي يجعلها موحِشة. العربات وأصحاب المحلات يقفون في الشارع، يتأملون حركة السيارات الضعيفة، فيعرفون ما سيكونه اليوم وكيف ستسير الأسواق. “لا أحد في الشارع” جملة يقولها تاجر خضروات وفاكهة واصفاً لنا حال العمل، وهذه الجملة دلالتها أن لا عمل ولا قدرة شرائية لدى المواطنين ليرتادوا الأسواق. غياب القدرة الشرائية نتيجة حتمية، لنظام سياسي اقتصادي فاشل وقهري اختلقه قادة النظام، إذ إنّ مُرتّب الموظف السوري لا يتجاوز 15 دولاراً  كحدّ أدنى، و20 دولاراً  كحدّ أعلى شهرياً. نتائج قانون قيصر جعلت سوريا كتلة كبيرة من الأبنية المهدمة أو الأبنية القبيحة. لقد اختفى السكان كُلياً من شوارعها. هنا نمو لمجتمع هامشيّ جديد. مجتمع يصل فيه الأفراد إلى سوق الخضار، فيشاهدون مئات الكيلو غرامات من الفاكهة والخضار مرمية بقرب الحاويات، لأن تجارها لم يستطيعوا بيعها مهما خفّضوا أسعارها، العزوف عن منتجات الأرض لا يخضع لآلية الطلب والشراء فقط، بل لأدنى ما يُسعره الفلاح لكي يضمن معيشة كريمة.

يتبادل السُكان المحليون حسداً هائلاً في نظراتهم. من يمشي آتياً من السوق يخضع لرقابة السكان، ثلاثة أكياس نايلون لا يتجاوز قطرها 15 سنتم، توازي نصف راتب موظف سوريّ، فيتبادلون نظراتٍ صامتة، من أين لمرتاد السوق هذا المال؟ كيف يمكن أن يأكل الناس أصلاً.   لم يعتد السوريون على مرحلة الغلاء الهستيرية ولن يعتادوا عليها أغلب الظن.

درج

—————————————–

أفقرُ السوريين في مناطق الأسد.. لماذا؟/ إياد الجعفري

تداولت صفحات محلية سورية، في اليومين الأخيرين، مقارنةً بين متوسط الأجور الشهرية في المناطق السورية الثلاث المُقسّمة في الداخل، حسب تبعية السلطات التي تسيطر عليها.

ورغم أن المنشورات التي تناولت تلك المقارنة اعتمدت أرقاماً غير دقيقة، أو تناولت شرائح محددة من أصحاب الدخول، إلا أن فكرة المقارنة ذاتها، كانت دقيقة، وربما هي مفارقة لا يدركها الكثيرون في سوريا، وهي أن أدنى الأجور نجدها في مناطق سيطرة نظام الأسد. وبالمقارنة مع تكاليف المعيشة في المناطق الثلاث، مناطق سيطرة نظام الأسد التي تشمل أكثر من 60% من الجغرافيا السورية، ومنطقة “شرق الفرات” التي تسيطر عليها “قوات سورية الديمقراطية”، ومنطقة شمال غرب سوريا (ريف حلب الشمالي، وإدلب) التي تسيطر عليها فصائل جهادية أو معارضة وسط نفوذ تركي كبير، فإن أدنى مستوى معيشة للسوريين في الداخل، نجده في مناطق سيطرة نظام الأسد، الذي من المُفترض أنه يتمتع بمؤسسات “دولة” مستقرة نسبياً، مقارنة بحالة الفوضى المؤسساتية التي تعيشها المناطق الأخرى.

وبعيداً عن الأرقام التي تداولتها تلك الصفحات، نجد بالاستناد إلى تقارير ميدانية متقاطعة، رصدت الواقع المعيشي للسوريين على مدار العام 2020، أن الفارق بين متوسط الأجور في مناطق سيطرة النظام، وبين نظيره في منطقتي “شرق الفرات” و”شمال غرب سوريا”، يصل إلى الضعف.

إذ يبدأ الحد الأدنى للأجور، على مستوى عمال اليوميين، في مناطق سيطرة النظام، من وسطي 20 دولار شهرياً. ويرتفع مع فئة الموظفين إلى 30 ومن ثم 40 دولار شهرياً. ليصل في أقصى حدوده في فئة موظفي القطاع الخاص إلى 70 دولار شهرياً. والرقم الأخير يشكل فقط 67% من الحد الأدنى للكفاف، لعائلة من 5 أشخاص في مناطق سيطرة النظام.

فيما يبدأ الحد الأدنى للأجور في إدلب وفي القامشلي كمثالين عن منطقتي “شمال غرب سوريا”، و”شرق الفرات”، من 40 دولار شهرياً، ليرتفع إلى 60 دولار وفي أقصى الحدود إلى 150 دولار. وفي بعض الحالات المحدودة، يصل الأجر الشهري إلى 1000 أو 1500 دولار لموظفي المنظمات الإغاثية الدولية.

يتضح من هذه الأرقام، أن متوسط الأجور في إدلب وشرق الفرات، أعلى بمعدل الضعف، مقارنة بنظيره في مناطق سيطرة النظام. وهذا الفارق لا ينفي حقيقة أن كل السوريين في الداخل يعيشون حالة فقر أو يقتربون منها، وفق آخر تقرير صادر عن وكالات تتبع للأمم المتحدة في حزيران 2020،  والذي يقول إن 90% من سوريي الداخل باتوا تحت خط الفقر البالغ دولارين يومياً.

لكن كان اللافت في بيانات الأمم المتحدة تلك، الإشارة إلى أن العدد الأكبر من المحتاجين للمساعدات يوجدون في حلب ومن ثم ريف دمشق، أي مناطق خاضعة لسيطرة النظام. ومن ثم يأتي على القائمة أولئك الموجودون في إدلب.

تلك المفارقة، حيث لا قصف أو براميل متفجرة، نجد أفقر السوريين، فيما نجد أوضاع نظرائهم في مناطق مستهدفة عسكرياً بشكل دوري، أفضل نسبياً، تطرح تساؤلاً حول سبب ذلك. فالنتيجة الأولية التي تقودنا إليها تلك المفارقة، هي أن الإدارة الاقتصادية من جانب نظام الأسد، هي الأسوأ مقارنة بتلك الإدارات الاقتصادية القائمة في شمال غرب سوريا، و”شرق الفرات”.

وهنا، يجب الإشارة إلى أن هذه المفارقة، لا تنفي سوء الإدارة الاقتصادية من جانب سلطات الأمر الواقع في “شمال غرب سوريا”، وفي “شرق الفرات”، حيث تتضح جلياً مظاهر الفشل المؤسساتي، والفساد والمحسوبية، وتغول السلطات على مصادر الرزق، وموارد الخاضعين لسلطتها. إلا أن المقارنة في “سوريا الداخل”، تبدو بين سيء وأسوأ. وفي هذه المقارنة، فإن إدارة نظام الأسد هي الأسوأ.

أما ما أسباب الوصول إلى هذه المفارقة؟ فالإجابة تتعلق بمدى تدخل سلطات الأمر الواقع في حياة السوريين الاقتصادية، وتحكمها بموارد الرزق واحتكاره لصالح المحسوبين عليها، في المناطق الثلاث آنفة الذكر؟ إذ يمكن من خلال الرصد والمتابعة لحياة السوريين الاقتصادية، في المناطق الثلاث، أن يتضح لنا بصورة جليّة، أن هامش حرية النشاط الاقتصادي، في مناطق “شمال غرب سوريا” و”شرق الفرات”، أوسع من ذلك الهامش المتاح في مناطق سيطرة النظام، الذي يتحكم بكل مفاصل حياة السوريين الاقتصادية، ولا يترك أي نشاط أو مصدر رزق أو مورد، من دون أن يحتكره لصالح المتنفذين المحسوبين عليه.

ويكفي أن نذكر كمؤشر لذلك، قضية “دولار الحوالات”، التي تشكل مصدر الحياة الرئيس لفئة واسعة من السوريين في الداخل، والذي يصرّ نظام الأسد منذ أكثر من 8 سنوات، على تحديده بأقل من نصف سعر الدولار في السوق السوداء، حيث يخسر أي سوريّ يتلقى حوالته بالطرق النظامية، نصف قيمة ما يصله من مساعدة من أقاربه المغتربين في الخارج، لصالح خزينة المصرف المركزي، أو لصالح مكاتب وشركات صرافة، تتبع في جلّها لمتنفذين محسوبين على النظام. وفيما يحدد نظام الأسد “دولار الحوالات”، في الوقت الراهن بـ 1250 ليرة للدولار الواحد، يتراوح “دولار السوق السوداء” ما بين 2870 و2900 ليرة. في هذه الأثناء، يتلقى السوريون في شمال غرب سوريا وشرق الفرات، حوالاتهم من الخارج، بأسعار قريبة جداً من سعر السوق السوداء. وهذا أحد العوامل الرئيسة، في فروق مستوى المعيشة بين هاتين المنطقتين من جهة، وبين مناطق سيطرة نظام الأسد، من جهة ثانية. من دون أن ننسى الإشارة إلى عامل آخر، يتمثل في انتهاج النظام سياسة انتقامية من سكان مناطق المصالحات معه، كمثال في ريف دمشق ودرعا، حيث نجد أكثر الفئات حاجةً للمساعدة، وأكثرهم اضطهاداً على صعيد تضييق سبل تحصيل الرزق.

المدن

———————————–

يوميات سكان دمشق بين “التقنين” و رغيف الخبز

يغادر الحاج راتب، وهو ستينيُ ورب أسرة من خمسة افراد منزله عند الخامسة كل صباح، متوجهاً للمخبز القريب من بيته في دمشق، لينتظر كما يقول “حسب الازدحام بين ٢ و٤ ساعات”، قبل حصوله على “٣ ربطات خبز”، ليعود لاحقاً إلى بيته.

حاله كحال كثيرٍ من سكان دمشق، الذين يعيشون أزماتٍ متعددة ومتزامنة، تبدأ بالخبز، أبسط ضروريات الحياة، ولا تنتهي عند المحروقات الضرورية خاصة في الشتاء، وارتفاع الأسعار الكبير، الذي لا يتناسب مع الدخل المحدود لمعظم السكان.

وينسحب ذات المشهد في كامل مناطق سيطرة النظام، حيث تعددت مشاهد طوابير السكان، من الأفران لتأمين ربطة واحدة، ثم ينتقلون إلى طوابير محطات الوقود لتعبئة سياراتهم بالبنزين،  ليعودوا إلى منازلهم المظلمة المُفتقدة للكهرباء إلا لبضع ساعات، وأحياناً أقل من ذلك.

تلك المَشاهد أصبحت حالة عامة لدى السواد الأعظم في مناطق سيطرة النظام، حين أصبح تأمين ربطة الخبز والكهرباء والمحروقات للتدفئة الشغل الشاغل لمعظم المواطنين، في حين أصبح فيروس “كورونا” الذي يشغل العالم أجمع على هامش أزمات السوريين. فأيُّ مسافةٍ اجتماعيةٍ على طوابير الخبز وأيُّ كمامات في الأسواق والشوارع؟.

تشاؤم حول أزمة الخبز

في خضم تلك المعاناة، تتحدث ميساء وهي من سكان دمشق، عن وضعها “الاستثنائي” والذي زاد من سوأته تعرض ابنها الكبير (14 عاماً) لكسر في يده حين كان يقف على طابور الخبز في منطقته بحي ركن الدين في دمشق.

وحول الحادثة توضح الأم لموقع “السورية نت”: “منذ الساعة الخامسة صباحاً أيقظتُ ابني للذهاب إلى الفرن، إلا أنه عاد لي بيدٍ مكسورة بسبب الازدحام والتدافع على الفرن، حيث وقع على الأرض ودعس المتدافعون على يده وتم إنقاذه بأعجوبة وسط هذا الزحام”.

وأضافت ميساء، وهي أم لأربعة أطفال، أن الأطباء أخبروها أن ابنها بحاجة لإجراء عملية تركيب صفائح معدنية، بسبب تفاقم الكسر، إلا أنها لم تكن تملك ثمن العملية، خاصة أنها تسكن مع عائلتها ببيت يستأجرونه، في حين لا يكفي راتب زوجها حتى منتصف الشهر، على حد تعبيرها.

إلا أن من أسمتهم “فاعلو خير” تكفلوا بعملية ابنها الذي يرقد حالياً في البيت، ولا يمكنه الذهاب إلى المدرسة ولا إلى عمله في ورشة  الخياطة، كما تقول.

    متداول | تجمع كبير امام أشهر المخابز الإحتياطية في العاصمة #دمشق #العودة_تبدأ_برحيل_الأسد pic.twitter.com/qCJDnIP1rc

    — Âla hacıoğlu 🌸🇹🇷 (@ala_hacioglu) November 11, 2020

أما أم خالد، سيدة خمسينية من دمشق، تصف أزمة الخبز بأنها من أسوأ الأزمات التي مرّت على السوريين، مشيرة إلى أن أياً من أفراد أسرتها لا يملك الوقت الكافي للوقوف على طوابير الخبز لساعات.

وتقول لـ”السورية نت”: “كان زوجي يذهب إلى الفرن في الساعة السادسة صباحاً، ويحصل على ربطة خبز ثم يذهب للعمل، إلا أنه ومع اشتداد الأزمة أصبح يذهب في نفس الوقت ليجد طوابير من الناس تنتظر دورها على الفرن”، مشيرة إلى أن الكثيرين يذهبون إلى الفرن في الساعة الثانية بعد منتصف الليل ليحصلوا على الربطة في الساعة السابعة صباحاً.

وتضيف أم خالد أن وضعها لا يسمح لها بالوقوف هي أو بناتها على طوابير الخبز، ما اضطرهم لشراء الخبز السياحي بسعر 1500 ليرة سورية، واصفة السعر بالمرتفع جداً، إلا أنه “أرحم” من الوقوف لساعات على الفرن،  خاصة أنها لا ترى أي انفراجة قريبة لأزمة الخبز.

ويبلغ سعر ربطة الخبز المدعوم في مناطق سيطرة النظام 100 ليرة سورية، إلا أن البعض يشتريها بسعر 700 ليرة من باعة متجولين قرب الأفران، لتفادي الوقوف على الطوابير.

وتعيش مناطق سيطرة النظام أزمة غير مسبوقة على الأفران لعدم توفر الطحين، حيث تتذرع حكومة النظام بالعقوبات الأمريكية والأوروبية كمتسبب وحيد للأزمات المعيشية في سورية، إلا أن محللين اقتصاديين ربطوا أزمة الخبز بإقدام روسيا على إيقاف توريدات القمح إلى حكومة الأسد، منذ أشهر.

الكهرباء.. مشكلة الزمان والمكان

لا يزال تقنين الكهرباء الشغل الشاغل للسوريين في مناطق سيطرة النظام منذ سنوات، وهو أمر لا يمكن الاعتياد عليه كما تقول لجين في حديثها لموقع “السورية نت”، مشيرة إلى أن ضرر ذلك طال لقمة عيشها.

إذ تعمل لجين (32 عاماً) في مجال الحلاقة النسائية، وتأخذ أجراً يومياً لقاء الخدمات التي تقدمها لأحد الصالونات في ضواحي العاصمة دمشق، وتقول: “أصبح المركز الذي أعمل فيه يعتذر من الزبائن بسبب عدم توفر الكهرباء إلا ساعتين في النهار، وبشكل متقطع، وبالتالي لم تعد صاحبة العمل تطلبني إلا مرة كل ثلاثة أو أربعة أيام ما أدى إلى انخفاض دخلي الشهري”.

بدورها تشتكي أم خالد أيضاً من انقطاع الكهرباء لساعات طويلة، إذ يعمل التقنين في منزلها وسط دمشق بنظام 4 ساعات تقنين وساعتين عمل، مشيرة إلى أن الأزمة تفاقمت مع حلول فصل الشتاء وعدم توفر المحروقات اللازمة للتدفئة، خاصة المازوت.

وأضافت: “نعاني من البرد كثيراً، خاصة خلال المنخفض الذي مر الشهر الماضي، فلا مازوت لتشغيل صوبيات، ولا كهرباء لتشغيل المدافئ الكهربائية”.

ويعتمد معظم السوريون في مناطق سيطرة النظام على البطاريات لتشغيل إضاءة خافتة فقط، دون قدرتهم على تشغيل الأدوات الكهربائية التي تتطلب طاقة مرتفعة، وسط ارتفاع ملحوظ لأسعار البطاريات في الأسواق، وصل إلى 200 ألف للبطارية الواحدة المتواضعة الاستطاعة، وتصل أسعار الأنواع والاستطاعات الأكبر لنحو ٦٠٠ ألف ليرة سورية، اي حوالي ٢٠٠ دولار بسعر الصرف الحالي.

وترفض حكومة النظام  العمل بنظام “الأمبيرات”، في ظل ارتفاع ساعات التقنين التي يعاني منها المواطنون، وقال وزير الكهرباء غسان الزامل في مؤتمر صحفي، الأسبوع الماضي، “لن يتم تعميم عمل الأمبيرات وسيبقى قطاع الكهرباء قطاعاً حكومياً”، مشيراً إلى أن الأمبيرات “كارثة وعبء” على المواطن.

على صعيد ليس بعيد، لا تزال أزمة البنزين قائمة في مناطق سيطرة النظام رغم حديث الأخير عن “انفراجة” عقب وصول شحنات من النفط الخام إلى سورية (لم يحدد النظام مصدرها)، الشهر الماضي، إلا أن مصادر محلية من دمشق أكدت استمرار طوابير السيارات على محطات الوقود، إلى جانب تخفيض مخصصات السيارات من البنزين.

ولا تزال عقوبات “قانون قيصر”، التي فرضتها واشنطن على النظام منتصف العام الماضي، شمّاعة يعلق عليها النظام جميع الأزمات التي تعصف بمناطق سيطرته، ويضعها في واجهة الذرائع لرفع أسعار الخبز والوقود وغيرها من مستلزمات الحياة الأساسية.

———————————

بتوجيه من “ماكرون” ومتابعة “الأخرس”..تكثيف المساعي لرفع العقوبات عن الأسد

يجمع محللون سوريون، على خطورة الرسالة التي رفعتها فعاليات عربية ورجال دين مسيحيون أخيراً، إلى رؤساء فرنسا والولايات المتحدة والمستشارة الألمانية ورئيس الوزراء البريطاني، لرفع العقوبات عن نظام بشار الأسد، إذ إن العقوبات، الأوروبية والأمريكية، وحزم قانون قيصر على وجه الخصوص، سببت برأي الموقعين على الرسالة، أزمة إنسانية بسوريا وراجعت المستوى المعيشي للسوريين.

واستدل هؤلاء “95 شخصية عربية وعالمية جلهم رجال دين مسيحيون”، بدعوة خبيرة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، ألينا دوهان، بأن العقوبات، وقانون قيصر أولاً، قد تؤدي إلى تفاقم الوضع الإنساني المتردي في سوريا، وتعرّض الشعب لعقاب جماعي وانتهاكات حقوق الإنسان.

وتصدت شخصيات سورية ومنظمات حقوقية وروحية، لتلك الرسالة التي يخشى السوريون، أن تجد آذاناً لدى الإدارات الغربية والأمريكية، فيتم رفع العقوبات وبدء إعادة إنتاج نظام بشار الأسد، لسبع سنين عجاف أخرى تضاف إلى عشرين عاماً سابقة من وراثته كرسي أبيه واستمرار القصاص من السوريين، عبر التجويع والتفقير والتهجير.

* طلب اقتصادي بلبوس إنساني

ويقول الباحث السوري من واشنطن، “أيمن عبد النور”، ظننا وللوهلة الأولى، أن نظام بشار الأسد هو من استخدم رجال الدين المسيحيين والشخصيات “القومية العربية” ليرفع العقوبات ويستمر بالتحكم بمقدرات البلاد. ولكن، يضيف عبد النور، بعد “اتصالي شخصياً” ببعض الموقعين، علمت أن أمين عام الإليزيه هو من اتصل بهم، لينقل رغبة الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، بالتوقيع على هذه الرسالة “المناشدة الإنسانية” لاستخدامها كرافعة خلال لقائه الرئيس الأمريكي، جوزيف بايدن، لنتأكد لاحقاً بتكليف مدير منظمة “التضامن المسيحي العالمي” بمتابعة الشخصيات المسيحية الفاعلة، وبمعظم دول العالم، للتوقيع على الرسالة.

ويبين الباحث السوري خلال حديث خاص، أنه وبعد البحث بمضمون الرسالة التي وصلتنا نسخة منها، توقفنا عند جملة لها بعد اقتصادي، وهي “أن العقوبات الأوروبية والأمريكية، وخاصة قانون قيصر، تقف بوجه دخول المساعدات وتنشيط التجارة والاستثمار الضروري من أجل النظام الصحي السوري والتطوير الاقتصادي كي يعمل بشكل جيد في سوريا”.

وهنا تساءلنا، ما دخل رجال الدين بقضايا التجارة والاستثمار، ليرسلوا رسائل لزعماء العالم، وإذ القصة لها علاقة بشركات كبرى فرنسية وبالرئيس ماكرون وسعيه لإعادة تأهيل مرفأ بيروت، وحصة الشركات الفرنسية بكعكة إعمار سوريا بالمستقبل، ويريدون إلغاء “البلوك” الذي فرضه قانون قيصر، ليتسنى لهم الاستثمار بلبنان المرتبطة بشكل وثيق برساميل ورجال أعمال سوريين، فوراء الرسالة إذاً، تجارة واستثمار وليس أغراضا إنسانية كما يدعون.

وبحسب حديث عبد النور لـ”زمان الوصل” لم يستجب “جون أنفير” مدير منظمة التضامن المسيحي، لمطالب الموقعين بالتعديل، ولكن بعضهم، حسب معلوماتنا وتواصلنا مع الموقعين، بصدد إرسال رسالة احتجاجية على استخدام أسمائهم بقضايا اقتصادية وتجارية، فهم مسعاهم بالأساس، رفع الحصار عن الشعب السوري وتحسين مستوى معيشته، مشيراً إلى أن رؤساء أكبر الطوائف المسيحية، بسوريا ولبنان “الموارنة والأرثوذكس” غير موقعين، لذا لا يمكن للمنظمة أو للرئيس الفرنسي المتاجرة بأسماء مسيحيي الشرق وتقويلهم ما لم يقولوا.

وحول الرد، يقول “عبد النور” الذي يشغل “رئيس جمعية سوريون مسيحيون من أجل السلام” نكتب الآن رسالة مضادة نوضح خلالها، أن قانون قيصر لم ينص عقوبات على الشعب ولا يتضمن الغذاء والدواء، وما تعانيه سوريا هو بسبب هجرة الكفاءات ومقتل الكثير منها، فضلا عن الفساد ونهب النظام لمساعدات الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية، وعدم اتباع النظام لنصائح منظمة الصحة العالمية لحماية الشعب من الأوبئة، وما يتعلق بتجويع السوريين، فهي سياسة انتهجها نظام الأسد لتركيع السوريين، ففي حين يوزع المواد الاستهلاكية عبر “البطاقة الذكية” يعيش ونظامه بحبوحة ويتاجرون بأكبر العلامات التجارية بالعالم.

وكانت شخصيات سياسية ورجال دين مسيحيون، قد أرسلوا رسائل إلى واشنطن وحكومات أوروبية، في 21 كانون الثاني الماضي، منهم (الأكاديمي والباحث الفلسطيني مكرم خوري مخول، مؤسس “المركز الأوروبي لدراسة التطرف” في العام 2016 وبطريرك أنطاكيا وسائر المشرق للسريان الأرثوذكس والرئيس الأعلى للكنيسة السريانية في العالم البطريرك مار إغناطيوس أفرام الثاني، ورئيس كنيسة الروم الملكيين الكاثوليك البطريرك جوزيف عبسي، والأمين العام لمجلس كنائس الشرق الأوسط اللبناني ميشيل عبس، والمطران جوزيف أرناؤوطيان أسقف دمشق للأرمن الكاثوليك، والمطران أنطوان أودو أسقف الكلدان الكاثوليك في سوريا، ورئيس أساقفة حلب للروم الملكيين الكاثوليك المطران جان كليمان جنبرت، والأب إلياس زحلاوي رئيس كنيسة العذراء الملكية في دمشق، والقس إبراهيم نصير، راعي الكنيسة الإنجيلية المشيخية في حلب) يستجدون خلالها، رفع العقوبات المفروضة على النظام السوري، بحجة ضغط العقوبات على الشعب السوري، وحرمانه من المساعدات الإنسانية.

وأشارت الرسائل التي كان فواز الأخرس، والد أسماء الأخرس زوجة رئيس النظام السوري، ضمن الموقعين عليها، إلى تحذيرات المدير التنفيذي السابق لبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة “ديفيد بيزلي”، من أن ملايين السوريين يعانون ضغوطًا شديدة ناجمة عن الضرر الكبير الذي تعرض له نظام الرعاية الصحية خلال سنوات الأزمة، مجددة التأكيد أن الإجراءات القسرية المفروضة من الولايات المتحدة تفاقم معاناة الشعب السوري.

وزادت مخاوف سوريين من استجابة إدارة الرئيس جوزيف بايدن للرسالة، خاصة بعد نشر صحيفة “وول ستريت جورنال”، في 22 من كانون الثاني الماضي، أن كلًا من وزراء الخارجية والخزانة والتجارة الأمريكية، سيتشاورون مع وزير الصحة والخدمات الإنسانية ومدير الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، لمراجعة العقوبات الأمريكية على سوريا، وتقييم ما إذا كانت العقوبات تعرقل المسائل الصحية والمعيشية أو الاستجابة لجائحة كورونا، خاصة أن تلك الرسائل التي وصلت للإدارات الغربية، ترافقت مع دعوة النظام السوري، حلفاءه في روسيا والصين، إلى رفع العقوبات الغربية عنه، ودفع العملية السياسية، وتحسين الوضع الأمني والإنساني في سوريا، وتصريح مندوب الصين الدائم لدى الأمم المتحدة، تشانغ جيون، خلال اجتماع مجلس الأمن، في 22 كانون الثاني يناير، إنه يتعيّن رفع الإجراءات القسرية الأحادية الجانب ضد سوريا، لأن الصعوبات الاقتصادية والإنسانية تعود إلى حد كبير للحصار الاقتصادي وغيره من العقوبات الاقتصادية.

الأمر الذي دفع الجالية السورية الأمريكية بواشنطن وشخصيات سورية فاعلة بالولايات المتحدة، لتفنيد الرسالة التي يرونها مضللة، موضحين للإدارة الأمريكية الجديدة، أن قانون قيصر لم يشمل غذاء السوريين ودواءهم، كما أن الوضع المتردي للسوريين، كان قبل إصدار قانون قيصر الذي وقعه الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب في 21 ديسمبر/ كانون الأول 2019، وألحقه في 17 يونيو/ حزيران 2020، بأول حزمة عقوبات.

*يمكن لإدارة “بايدن” مراجعة العقوبات

ويقول الباحث بالمركز العربي بواشنطن “رضوان زيادة” إن العقوبات الأمريكية على نظام بشار الأسد، جزء منها من الإدارة التنفيذية، ما يعني يمكن لإدارة بايدن مراجعتها وربما إزالة بعضها، ولكن هناك عقوبات مثل “قانون قيصر” تم فرضها من الكونغرس، لذا لا يمكن للإدارة الامريكية الجديدة أن ترفعها من دون موافقة الكونغرس.

ويضيف الباحث السوري “زيادة” خلال اتصال مع “زمان الوصل” أنه وحتى الآن لا يوجد اتفاق من قبل الإدارة على رفع العقوبات، بل أكد وزير الخارجية الجديد أن واشنطن ستستمر بنظام العقوبات على نظام الأسد وبالتالي ليس هناك مؤشرات على أن الإدارة الجديدة سترفع العقوبات، ربما هناك مراجعة لبعض العقوبات التي لها علاقة بالمساعدات الطبية والتي لها علاقة بوباء “كورونا”، لكن العقوبات المفروضة، ليس هناك نية أمريكية برفعها أو إلغائها.

وحول ما قامت به الجالية السورية الأمريكية، يبين الدكتور “زيادة”، أن موقف الجالية واضح بأن تستمر العقوبات على نظام الأسد بشكلها الأقصى لمنعه من أي تطبيع دولي ودفعه وإلزامه بالانتقال السياسي “وأعتقد الإدارة الأمريكية ستعمل بتوصيتنا”، مؤكداً ليس للرسائل التي وصلت للزعماء الأوروبيين والإدارة الأمريكية أ تأثير على القرار الأمريكي النهائي، و”أعتقد أن هناك توافق بين الجمهوريين والديمقراطيين بالكونغرس مع الإدارة الامريكية على هذه النقطة”.

*العرائض لا تبدل سياسات ولكن..

ولم يخرج رئيس تجمع المحامين السوريين الأحرار، “غزوان قرنفل” عن هذه القناعة، إذ يؤكد لـ”زمان الوصل” أن مواقف وسياسات الدول، لا تتبدل وتتغير بناء على عرائض وبيانات ومناشدات، ولكن هذا لا يلغي خطورة هذه الخطوة التي قدمها رجال دين وشخصيات عربية ودولية، ومحاولة الإيهام أن نظام الأسد حامٍ للأقليات، وهو الشخص المتفق عليه للبقاء بالسطلة وبالتالي، ضرورة رفع العقوبات عنه، خاصة بواقع تصويرهم أن العقوبات فقط، هي سبب فقر وجوع السوريين وتردي واقعهم الصحي.

ويضيف المحامي السوري “أنه ورغم عدم توقعي بأن يكون للرسالة أثر فاعل، لكن الخطورة من الاستمرار وأن تكون الرسالة بداية لحملة منظمة تتعاظم كلما اقتربت انتخابات الرئاسة بسوريا المحددة بين نيسان وأيار المقبلين”، لأن وراء الحملة الرئيس الفرنسي “ماكرون” وحرض عليها ويقودها مع غيرها، حمو بشار الأسد، رئيس الجمعية السورية البريطانية، “فواز الأخرس”.

ورأى “قرنفل” ضرورة الرد من المعارضة والمنظمات الدولية وتفنيد الرسالة، لأن العالم بالنهاية يريد حلا في سوريا وقد تأخذ بحلول حملة النظام بحجة عدم وجود بدائل”.

*الأوضاع سيئة قبل “قيصر”

ويعاني السوريون فعلاً، من تردي الواقع المعيشي ما أوصل، بواقع دخول شهرية لا تزيد عن 60 ألف ليرة وتكاليف نافت بحسب مراكز بحثية بدمشق، 700 ألف ليرة، نسبة الفقراء إلى أكثر من 90 % وتعدت نسبة البطالة 83% ومن واقع صحي متردٍّ، بعد غلاء الأدوية وفواتير المشافي ونقص عدد الكوادر الطبية.

لكن تلك الأوضاع بحسب أستاذ النقد والاقتصاد “مسلم طالاس”، سابقة للعقوبات الأمريكية وقانون قيصر على وجه التحديد، فحينما تدهور سعر صرف الليرة وبدد نظام الأسد الاحتياطي النقدي الأجنبي بالمصرف المركزي، والبالغ عام 2011 نحو 18 مليار دولار، لم يكن من قانون قيصر، بل كان المصور قيصر بدمشق ويعمل مع نظام الأسد.

ويقول “طالاس” لـ”زمان الوصل” إن قانون قيصر أثر على النظام بشكل كبير، كما كان له تبعاته على معيشة السوريين، وربما لا تظهر النتائج جلية، لأن الوضع الاقتصادي حتى قبل قانون قيصر، كان مترديا.

وحول الحزمة الأخيرة بقانون قيصر، يضيف الأكاديمي “طالاس”، كانت مهمة لأنها طاولت المصرف المركزي، ما يعني حرمانه بالكامل من عمليات التحول والتسديد والائتمان أو الاتصال مع المنظومة المصرفية الدولية المرتبطة مع الولايات المتحدة، فبعد يونيو/ حزيران العام الماضي، لا يجرؤ أي مصرف بالتعامل مع المصرف المركزي بدمشق، علماً أن التعاملات الدولية البنكية، كانت محدودة حتى قبل حزمة قانون قيصر، لكن العقوبات أوقفت التعامل والأهم عطلت الصفقات التجارية ودعم الأسد بمعدات عسكرية كان يستخدمها لقتل السوريين.

عدنان عبدالرزاق – زمان الوصل

————————–

=========================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى