صفحات الثقافة

في نقاش تجدّد بُعيد محاولة اغتيال/ عزمي بشارة

أثارت محاولة اغتيال الكاتب الروائي سلمان رشدي خلال إلقائه محاضرة في معهد تشوتوكوا (Chautauqua Institution) يوم الجمعة، 12 آب/ أغسطس 2022، في مدينة تشوتوكوا شمال ولاية نيويورك الأميركية، أصداءً متوقعة على مستوى العالم. ويحلو للبعض تصوير هذه الضجة على أنّها من مظاهر التنافر بين قطبين، ويُقصد بذلك “الغرب” و”العالم الإسلامي” بطولهما وعرضهما، وذلك في تجاهل ليس لتنوعهما الهائل والاستقطابات والصراعات داخلهما فقط، بل أيضًا للتداخل بينهما ولشبكة العلاقات الواسعة والمعقدة، الثقافيّة والاقتصاديّة والسياسيّة، التي تربطهما، مسخّفةً أي مقاربة تقيم في ثنائية كهذه.

شكّلت محاولة الاغتيال مادّة دسمة للحوارات التلفزيونيّة، والتعليقات الصحافيّة، وكذلك لوسائط التواصل الاجتماعي، كما هو متوقع. وصدرت إدانات واستنكارات، ولمّحت بعض الشخصيات العامّة إلى شماتتها بالكاتب. وعدّها معلقون وصحافيون، كما هو متوقّع أيضًا، دليلًا إضافيًّا على ما بات من المسلّمات عندهم، وهو أن التعصب والعنف من سمات المسلمين والحضارة الإسلاميّة. وما أكثر الكتب والدراسات حول هذه المتخيّلات الحدية القطبيّة، ومحاولات ترسيم حدود حضارة غربيّة وحضارة إسلاميّة، وتصميم جوهر ثابت لكل منهما وفق المزاج والهوى والمصلحة، والاستقراء من التفاصيل والجزئيات والحالات الفردية في أفضل الحالات.

وشهدت وسائط التواصل الاجتماعي سيلًا بلا ضفاف من الكلام المرسل، وتعميمات جارفة، يعد أصحابها كل ملمةٍ فرصةً سانحة لا تفوَّت للبوح بالأفكار المسبقة، والآراء المنزوعة المعلومات، والمطلقات التي تنم عن مزاج عصابي، وتفريغ الإحباطات، والمرارات، والأحقاد في ممارسةٍ لـ “حرية الاستعراض” وممارسة تعري المشاعر الدفينة و”حرية التعبير” عن الانفعالات النفسية. هكذا أصبح ضجيج وسائل التواصل الاجتماعي وفوضى الاستعراض فيها لإثارة الإعجاب عمليةَ وأدٍ متواصلة لنمو تعددية ذات معنى وحوار عقلاني بين أصحاب آراء مختلفة فيها.

ليس هذا مقام مناقشة هذه الموضوعات، ولا مناقشة المقدس ومعناه، والفرق بينه وبين المعبود (فقد استفضت في ذلك في مواضع أخرى[1])، ولا مناقشة مضمون رواية الآيات الشيطانية أو أسلوبها الأدبي. لكن ما دفعني إلى كتابة هذا النص هو التشويش الذي امتد إلى مسألة مبدئيّة متعلّقة بحريّة التعبير والحق في الاختلاف، وسُبل التعامل معه.

الدولة والفتوى

أصدر آية الله الخميني في شباط/ فبراير 1989 فتوى بقتل الكاتب سلمان رشدي.

وفيما يلي نصها: “أُعلن للمسلمين الغيارى في أنحاء العالم، بأن مؤلف كتاب (الآيات الشيطانية) الذي دوّن وطبع ووزع بدافع معادة الإسلام والرسول والقرآن، وكذلك الناشرين المطلعين على فحوى الكتاب، يحكم عليهم بالإعدام. وأطلب من المسلمين الغيارى المبادرة إلى إعدام هؤلاء على وجه السرعة أينما وجدوهم كي لا يجرؤ أحد بعد ذلك على الإساءة إلى مقدسات المسلمين. وأن كل من يُقتل في هذا الطريق يعتبر شهيدًا إن شاء الله. وإذا ما كان بوسع أحد أن يعثر على مؤلف الكتاب غير أنّه لا يملك القدرة على إعدامه، فليطلع الآخرين على مكانه كي ينال جزاء أعماله. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته”[2]. يفترض نص الفتوى معرفة صاحبها ليس فقط بنص الكتاب، بل أيضًا بنوايا مؤلفه وأهدافه، مع أن الأخير لم يصرح بها؛ ويخوّل أي إنسان قتله وقتل الناشر والموزع، لأنه حُكِم (بصيغة المبني للمجهول) عليهم بالإعدام ويعِد الفاعلَ بالجنة لأنه يُعتَبر (أيضًا مبني للمجهول) شهيدًا عند الله. الإعدام والشهادة فعلان تنطق بهما الفتوى بصيغة المبني للمجهول، وكأنه ليس هو القائل، بل إن قوة إلهية وضعت الكلام على شفتيه. كما يَحرِم الكاتب سلفًا من السماح والعفو إذا اعتذر وتراجع وندم على فعلته. يصعب تخيّل هذا القدر من الشمولية وسدّ المخارج في أربعة سطور محكمة الإغلاق بهذا الشكل.

بالفعل، في 12 تموز/ يوليو 1991، قام مجهول بقتل مترجم الرواية إلى اليابانية هيتوشي إيغاراشي، أستاذ الحضارة الإسلامية المقارنة في جامعة تسوكوبا، الذي سبق أن ترجم أعمالًا لابن سينا إلى اليابانية، وألف كتابي النهضة الإسلامية، والطب والحكمة في الشرق. ولم يحظ قتل هذا الباحث الياباني الجاد باهتمام واسع، ولكن قلة ذكرت اغتياله في سياق عودة الحديث عن الفتوى بعد محاولة اغتيال رشدي مؤخرًا.

أكَّد المرشد الإيراني الحالي، علي خامنئي، سريان هذه الفتوى في عام 2017، مع أن الرئيس السابق محمد خاتمي، في فترة رئاسته، اعتبرها في حكم المنتهية. وعلى كل حال، لم يدعُ المسؤولون الإيرانيون إلى تنفيذها منذ ذلك الحين.

صدرت الفتوى في مرحلة ما سُمّي بالمدّ الإسلامي السياسي في أعقاب الثورة الإيرانية، وصعود اليمين في الغرب (رونالد ريغان ومارغريت تاتشر)، وبداية أزمة اليسار الكبرى مع بدء انحلال المعسكر الاشتراكي، وصعود ما يمكن تسميته سياسة الهويات في شرق أوروبا وغربها. ومنذ أن صدرت تلك الفتوى، التي يؤرخ البعض نشوء الإسلاموفوبيا (المعاصرة منها) في أوروبا مع تفاعل عقابيلها[3] وإثارة موضوع الحجاب في فرنسا في العام نفسه، نشأت لازمة متكررة؛ فيكفي أن يُقدِمَ كاتب أو رسام كاريكاتير على رسم مسيء للنبي الكريم، أو أن يعلن معتوه عن نيته حرق القرآن مبرمِجًا ردود الفعل والاهتمام الإعلامي، حتى تخرج الجماهير الحانقة للاحتجاج وحرق الصور والأعلام والتهديد بقتل الفاعلين، وأحيانًا قتلهم فعلًا كما حصل في مجلة شارلي إبدو في 7 كانون الثاني/ يناير 2015، واغتيال معلم المدرسة الفرنسي في 16 تشرين الأول/ أكتوبر 2020[4].  وفي الوقت ذاته، تستمر صناعة الإعلام والأفلام في الغرب في رسم صورة سلبية للعربي والمسلم، الذي يظهر غالبًا إما بدور متطرف إرهابي، أو إنسان تقليدي ذي بعد واحد، أو متموّل غنيّ عديم الضمير والأخلاق، أو شخص صالح ومقبول لأنه متعاون مع البطل الغربي في السينما (مثل دور العربي المعتدل في الواقع). وتُبَث هذه الأفلام في شبكات التلفزيون العربية حتى أصبحت أمرًا عاديًا لا يستدعي الاحتجاج الشعبي.

قال لي صديق كان يقيم في لندن عند صدور الفتوى، وكان في حينه عضوًا في تيار إسلامي سياسي، إنه لم يقرأ الكتاب حتى ذلك الحين، ولم يرغب في شرائه ودفع ثمنه بالطبع، فذهب إلى المكتبة لاستعارة نسخة حيث وجد صفًا طويلًا من عشرات الأشخاص في انتظار الحصول على الكتاب، وقيل له إن عليه الانتظار حوالي شهر لاستعارة نسخة منه. وأضاف أن الصحف البريطانية المحافظة التي تضامنت في حينه مع المشاعر الدينية للمسلمين، والليبرالية التي انحازت إلى الدفاع عن رشدي ضد الفتوى، لم تنشر الاقتباسات المسيئة للكتاب. لكن من فعل ذلك كان بعض المجلات الإسلامية التي اقتبستها كاملة لإثبات جريمة رشدي والتعبئة ضده، إذ قامت هي عمليًا بترويج الإساءات. قبل الفتوى وهذا كله، كانت الرواية موجهة إلى قراء الأدب بالإنكليزية، ومنهم كثيرون يفهمون الاستعارات والتشبيهات بوصفها صورًا وشخصيات أدبية.

وصدرت تحليلات موسعة[5]، بشأن دوافع صدور الفتوى وتوقيتها، وللتدليل على أنّها مدفوعة سياسيًّا؛ إذ يشار في العديد من الدراسات والتعليقات إلى أنها صدرت بعد وقف إطلاق إيران النار مع العراق في ظروف معنوية صعبة للإمام الخميني ورأيه العامّ بعد الحرب، واضطراره إلى وقف إطلاق النار بعد قرابة عقد من الحرب الطاحنة، الذي شبهه بتجرّع السم[6]، وبعد أن شهدت باكستان والهند التي مُنع فيهما كتاب سلمان رشدي مظاهرات ضد الرواية. ويعرف البلدان تاريخًا من تظاهرات المسلمين والهندوس المتبادلة منذ الاستعمار البريطاني بسبب مسٍّ مفتعلٍ لكل طرف بمقدسات الطرف الآخر. وكانت الدوافع تعبوية طائفية سياسية تستخدم المقدسات أداةً في التحفيز والتعبئة والتحشيد. وخلال هذه العملية تسبغ قدسية على بشر وأماكن لم تكن على هذه الدرجة من القدسية (وما زال هذا النمط قائمًا. والجديد أن المسلمين في الهند يتعرضون في السنوات الأخيرة إلى عنصرية موجهة من طرف حزب بهاراتيا جناتا الحاكم، الذي بالمناسبة صمت عن محاولة اغتيال رشدي مؤخرًا ولم يدنها[7]).

لم يكن مُهمًّا على الإطلاق أَقرأَ المتظاهرون الرواية أم لم يقرؤوها؟ وهل تضمنت إساءة فعلية مقصودة أو غير مقصودة أم لم تتضمن؟ وهل استهدف كاتبها المسّ بالإسلام أم كان له غرض آخر؟ فإنّ فكرة التظاهر تبدو كأنّها ضد روائي وروايته (يشتهران خلال ذلك ويتحوّلان إلى ضحيّة)، فيما الاحتجاج هو في الحقيقة تأكيد على الهويّة الجماعية والمقدسات التي تتغير وظيفتها الاجتماعية، وتتحول إلى مكوّن من مكونات الهوية هو في القلب منها. والمسّ بها يُعدّ مسًّا بالكرامة الجماعية التي تذوب الكرامة الفردية فيها، أو بالعكس، أي تتذوّت الكرامة الفردية الكرامة الجماعية. على كل حال، خرجت مظاهرات في الهند وباكستان، ومنعت الهند نشر رواية هذا الكاتب المسلم الهندي وتوزيعها، وذلك قبل صدور الفتوى. ومن الواضح أن قيادات الهند وباكستان وجدت في الرواية مناسبة للانتقام من الكاتب على نقده الحاد للنخب الحاكمة في البلدين لهما في روايتين مهمتين له، هما “أطفال منتصف الليل”، و”العار”.

المظاهرات الغاضبة هي، في الوقت ذاته، تأكيد على الهويّة والاعتزاز بها، ولكنه تأكيد سالب (قلنا سالب وليس سلبيًا بمعنى أنه دفاعي)، وفي هذه الحالة ضد التطاول على مقدسات وضد ممارسات يفترض أن تعدّ نافلة مقارنة بتسامي هذه المقدسات عن أي تطاول من منظور أي حضارة واثقة من نفسها (على نحو موجب)، بحيث لا يضيرها، ولا يهزها رسم ولا تستفزها شتائم ولا سطور في رواية. فهذه من منظور الحضارة الراسخة تسيء لصاحبها، إذا فهمت تعبيراته كإساءة. ولكن الخارجين دفاعًا عن الهوية الجماعية ضد خصوم محليين وأجانب لا يقتنعون بهذا الفهم للرموز المقدسة، لأن وظيفتها في نمط تديّنهم مختلفة تمامًا.

لا تُقرأ هذه المظاهرات خارج السياق السياسي الاجتماعي في كل بلد. وثمة أمثلة على تدبير سياسي لغايات لا علاقة لها بالدين. ففي ظروف عُزلة النظام السوري بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، أخرج النظام السوري مظاهرات في 4 شباط/ فبراير 2006، وتوجه متظاهرون إلى السفارة الدنماركية في دمشق، التي ضمت ممثليتي السويد وتشيلي أيضًا، واقتحموها وحاولوا إحراقها، احتجاجًا على نشر 12 رسمًا مسيئًا لنبي الإسلام في صحيفة دنماركية. جاء هذا ليس فقط احتجاجًا على عزلة النظام من طرف الغرب بعد مقتل الحريري، وإنّما إظهارًا لقدرته على إطلاق “التطرّف الإسلامي” أو لجمه وفق باروميتر العلاقات مع الدول الغربية. ومن نافلة القول إن النظام السوري لم يكن حريصًا على صورة الرسول الكريم، ولا مهتمًا كثيرًا بالرسوم الكاريكاتيرية لرسامٍ مجهولٍ من الدنمارك.

اختلطت الأهداف والدوافع السياسية برغبة السياسيين الظهور بمظهر الدفاع عن الدين. وعمومًا، فإنّ فكرة خروج مئات آلاف المتظاهرين الغاضبين للاحتجاج ضد رسام مجهول في بقعة قصيّة من الأرض أو ضدّ مجلة فرنسيّة، وذلك في بلدان يعاني فيها المسلمون انتهاكات يومية لأبسط حقوقهم؛ من السجن التعسفي وقمع حريّة التعبير إلى الفقر والبطالة المهينين لكرامة الإنسان، فضلًا عن المسّ اليومي بالحرم القدسي الشريف والتهويد المتواصل لمدينة القدس، هي أمر محير فعلًا. فهؤلاء المتظاهرون يتجاوبون مع الاستفزاز الصريح الذي يطلقه فردٌ لهذا الغرض تحديدًا، ويعلون من شأن أيٍ من شذاذ الآفاق، الذي لا يكاد يستحق أن يرد عليه فردٌ مثله. تشمل تعبئة وتحشيد المجاميع على هذا النحو غير المتكافئ ضدَّ فعل أفراد أجانب يقطنون في بلدان أخرى ويُمنَحون هذه الأهمية، تهميشًا ضمنيًا للفرد المسلم في مقابل تأكيد فردية وخصوصية رسام الكاريكاتير أو الكاتب الروائي الذي تخرج ضده الجماهير.

في ظروف الإحباط السياسي في بلدٍ ما زال يداوي جراحه من الحرب، أصدر الإمام الخميني تلك الفتوى التي بدا فيها، أو أراد أن يبدو، الحامي الأول لبيضة الإسلام، على نحو يبزّ المتظاهرين وقياداتهم في الهند وباكستان، ويُظهر عنفوان الثورة الإسلاميّة وقدرتها على الدفاع عن مقدساته في وجه كل من تُسول له نفسه المسَّ بها، حتى في ظل نتائج الحرب العراقية – الإيرانية.

والحقيقة أنّ أهميّة الفتوى لا تكمن فقط في التحريم وإصدار أحكام الإعدام التي كانت في تلك المرحلة تُطبّق بكثافة في إيران ضد المخالفين للنظام الجديد، ومنهم العديد ممن شاركوا في الثورة، الذين لم يحظوا بشهرة رشدي، وإنما لخرقها أيضًا حتى لحدود الدولة السلطوية الثيوقراطية وقوانينها التي تُحرّم النقد، وتُشرّع الإعدام، ولتناقضها مع مفهوم الدولة الحديثة في ظل نظام دولي يقوم عليها.

لقد أصدرت الفتوى قرارًا بالإعدام، متجاوزة إجراءات التحقيق والادعاء والمحاكمة، حتى الصوريّة، كما تجاوزت حدود الدولة والمواطنة؛ إذ صدرت ضد شخص غير مواطن فيها، وارتكب جريرته خارج حدودها؛ وخوّلت أي شخص، حتى لو لم يكن مواطنًا أن “يعدم” (وفق تعبيرها) شخصًا يحمل جنسيّة أخرى في أي بلدٍ كان. الدولة الحديثة تحتكر التشريع والعنف على إقليم وسكانه. ولكن صاحب الفتوى صادر لنفسه التشريع والقضاء وأوكل ممارسة العنف المسلح إلى أشخاص مجهولين من خارج الدولة، وشرّع (أفتى) وحكم بالإعدام على مواطن في دولة أخرى ناسفًا مفهوم الدولة الحديثة جهارًا نهارًا. تلك الدولة الحديثة التي تقوم عليها المنظومة الدولية التي كان النظام الإيراني في حينه يرغب بشدة في أن يكون جزءًا منها، وأن يُعترف به. وإيران عضو في الأمم المتحدة موقِّع على المواثيق والعهود التي يؤكد فقه جميع المذاهب الإسلامية على ضرورة احترامها.

يمكن القول إنه، إلى حد ما، ما زالت آثار هذه العقلية تُلازم السياسة الإيرانيّة في دول أخرى، وذلك في قضايا لا تتعلق بالمس بالمقدسات ولا بالنبي الكريم، وإنّما في قضايا الصراع السياسي المحض، بما في ذلك التعلل بحماية المزارات. فإيران هي حاليًا الدولة الوحيدة في العالم التي تُمارس السياسة في الدول الأخرى عبر ميليشيات مُسلحة تابعة لها مؤلفة من مواطنين في تلك الدول، وفي دول أخرى. واستخدام التحفظ أعلاه في عبارة “إلى حدٍّ ما” سببه أنّ إيران أصبحت تقصر هذا النوع من السياسات المتجاوزة للحدود على مصلحة الدولة ونفوذها الإقليمي مباشرة، ولم تعد تصدر فتاوى من نوع فتوى الإمام الخميني بالقتل دفاعًا عن رموز الإسلام (ولذلك كان سلوك القادة الإيرانيين متنصلًا من محاولة الاغتيال هذه، فيما عدا تعبيرات استثنائية كما في صحيفة كيهان المحافظة التي لم تُخف فرحتها بمحاولة الاغتيال مع شماتتها بالروائي).

بشأن المس بالمقدسات في الأدب

عرفت جميع مقدسات الديانات، بما فيها المسيحية واليهودية والهندوسية والبوذية، محاولات أدبية وفنية (وسينمائية) لدنيوة مقدساتها والكشف عن جانب حياتي بشري لأنبيائها غالبًا ما يتناول الجسد وحاجاته؛ يجري ذلك في بعض الحالات لغرض تقريب سير الأنبياء من الناس وأنسنتهم، كما تفعل النصوص المقدسة ذاتها حين تروي امتحان الله لأنبيائه في نقاط ضعفهم الإنساني، وأحيانًا أخرى تتناولهم نصوص أدبية لغرض السخرية من الاعتقادات المنتشرة التي ترفع الأنبياء فوق جنس البشر، وتسخيف الدين عمومًا بوصفه عبارة عن خرافات، أو الحط من شأن دينٍ بعينه. لقد صدرت روايات وأنتجت أفلام عن السيد المسيح كأنه ارتبط بعلاقة غرامية جنسية مع مريم المجدلية. وهذه تعد في المسيحية جريرة أكبر من نسبة شهوة جنسية إلى نبي الإسلام. فالأول يعد تجسيدًا للروح الإلهية في نظر المتدينين المسيحيين، في حين أن جميع المذاهب الإسلامية تؤكد على أنّ النبي إنسان من البشر. وكان ممكنًا أن يُقتل صاحب مثل هذه الروايات حرقًا لو كتبها في العصر المسيحي الوسيط. ولكنها متاحة في العصر الحديث ضمن حريات مثل حرية الإبداع والعقيدة والتعبير عن الرأي، على الرغم من السخط الذي تثيره عند المؤمنين وخروج مظاهرات كاثوليكية محدودة ضدها.

لا تؤثر هذه الأعمال الأدبية والفنية في أي مكان في عقيدة المؤمنين، مثلما يؤثر تغير نمط الحياة والتربية وقوانين الدولة والتفاعل مع الطبيعة والمجتمع والجسد بأدوات العلم والتكنولوجيا في ظروف العالم المعاصر في التدين، أو في نمط التدين على الأقل، بل غالبًا ما تزيدهم تمسكًا بإيمانهم. وبغض النظر عن تفاوت القيمة الأدبية والفنية للأعمال التي تتضمن النقد الذي يعده البعض تنويريًا، لم ينجح هذا الأسلوب يومًا في العلمنة والتنوير أو في إطلاق حوار، إلا في أوساط نخبوية علمانية أصلًا، وذلك بموازاة استجلاب ردود فعل مضادة غاضبة من طرف المتدينين والحريصين الآخرين على المقدس على مستوى الهوية. وربما يسهم هذا الأسلوب في الاحتفاء بالذات بواسطة تبديد هالة القدسية التي تحيط بالرسل والأنبياء، وفي تبيين تماديها وجرأتها ضمن ثقافات فرعية علمانية، وربما في الاحتفاء بإنجاز سوابق في تجاوز حدود حرية التعبير وتوسيعها، أو التفاخر بإحداث الصدمة التي يعتقد البعض أنها توقظ السادر في الميثولوجيا، وتشفي من الخرافات، أو التباهي بالعدمية في أوساط تعيش في عالمها الخاص وتحتفي بأي خرق للمألوف بغض النظر عن قيمة هذا الخرق الأدبية والفنية.

عرفت العربية عبر التاريخ أعمالًا أدبية راقية اعتبرها البعض مسًّا بالدين، لأنها صورت أنماطًا من التدين بوصفها من مظاهر التخلف والجهل، وقد لا يختلف معها في ذلك العديد من المتدينين. وفي هذا السياق، يُذكر دائمًا الاعتداء على الروائي نجيب محفوظ. وثمة أعمال أدبية وفنية كثيرة تمس بجرأة بقيم علمانية تعتبر مقدسة بالنسبة إلى جمهور واسع من الوطنيين والحزبيين (الزعيم، الوطن، الشعب، القومية، الحزب، العلم، النشيد الوطني، رموز الوطنية وأبطالها)، يجري ذلك أحيانًا من منطلق تظهير المعاناة، أو من منطلقات تحررية فعلًا، وأحيانًا أخرى من منطلقات عدمية، والتمييز بين الأمرين ليس صعبًا على العقل السليم. وما زال مثل هذه الأعمال يثير الغضب وربما الانتقام من طرف الدولة وأجهزتها في الدولة السلطوية، والعقوبات القانونية في حالة وجود قوانين تحرّمها. ولكنها أصبحت موضع تسامح في الديمقراطيات الليبرالية عمومًا، على الرغم من عدم الرضا الشعبي والصراع بين الأوساط الشعبية التي لا تريد أن تُحرم من هالة الرموز الوطنية المهمة لهوية الشعب والدولة والنخب الليبرالية المحرجة بين الدفاع عن حرية التعبير والمجازفة بخسارة الشارع لصالح اليمين المتطرف في انتخابات مقبلة، ولا سيما أن تأليب الشارع ضد هذا التمادي على الرموز هو من أهم أدوات الشعبوية.

يراوح النقاش بين التحليل العقلاني التاريخي والنقد الأدبي من جهة، والمزايدات والديماغوغيا من جهة أخرى، ولكنه لا يصل إلى حد العنف الجسدي والقتل. فمن يعاقب على الكلام بالعقوبة الجسدية والقتل هو الأنظمة السلطوية التي تقمع حرية الكلمة، لأنها تعدها ترخيصًا لتجاوز الممنوع يمكن أن يمتد إلى تجاوز ممنوعات أخرى، وتجرّؤًا ومقدمةً لحرية الفعل. وتفعل ذلك الجماعات التي تعد الرأي المخالف أو المس الكلامي بالتقاليد والرموز المشتركة خروجًا عن الجماعة التي تصونها وتحمي حدودها هذه التقاليد والرموز، وتشدّ عرى العضوية فيها. فهي ليست مؤلفة من أفراد يشاركون في الشأن العمومي عبر التداول العقلاني بين آراء مختلفة. لحرية التعبير في هذه الحالة ثمن هو الصراع المستمر على ترسيم هذه الحدود.

لا توجد معادلة واضحة من سبب ونتيجة بين العمل الأدبي ونتائجه. فالأمر يتعلق بالظرف التاريخي، وتفاعل القوى الاجتماعية والسياسية معه، من الصمت بشأنه وتهميشه إلى اعتباره عملًا نقديًا تنويريًا في إطار احتدام الصراع بين الدولة والمؤسسة الدينية، إلى اجتماع الدولة والقوى الاجتماعية المحافظة والشعبية على معارضته كما حصل مع رواية رشدي في الشرق والغرب. فقد دانته المؤسسات الدينية المسيحية واليهودية في أوروبا، وحتى في إسرائيل، والقادة السياسيون في أوروبا والولايات المتحدة (من تاتشر وريغان وحتى جيمي كارتر)، وذلك ليس تملقًا للدين والمتدينين والدول المسلمة فقط، بل أيضًا من منطلقات محافظة فعلًا، ولأن أدبه كان معارضًا للعنصرية والسياسات الغربية بخصوص المهاجرين وقضايا العالم الثالث. واكتفت المملكة المتحدة بحمايته من القتل لأنه يشكل مسًّا بسيادتها لا تقبل به أي دولة[8]. وحتى اليسار العربي، بمن فيه مفكرون وصحافيون معروفون، انقسم بشأن الرواية ولا سيما في ظل استمرار انبهار أوساط منه بالثورة الإيرانية وتبني جزء من اليسار لسياسات الهوية في تلك المرحلة. ولا شك في أن بعض الأدباء في الشرق والغرب مارسوا في موقفهم منه نزعة منتشرة عند الكتّاب، مثقفين وأدباء، وأقصد المنشغلين بشهرتهم، وقلما تُعطى حقها عند تشخيص الدوافع، ألا وهي الغيرة الشخصية.

منذ ذلك الحين سالت دماء كثيرة في مجرى الإرهاب والحرب على الإرهاب، وتغير موقف الحكومات الغربية المتحفظ من التحريض على الإسلام واستفزاز المسلمين، وحتى الرافض لهما من منطلقات مختلفة، إلى التسامح مع الإسلاموفوبيا وحتى النفخ في نارها، وتحميل المسؤولية للإرهاب و”التطرف الإسلامي”، كما وصل إلى الحكم في بعض الدول سياسيون لم يخفوا آراءهم المسبقة ضد الإسلام والمسلمين قبل انتخابهم.

من المفيد التمييز بين تعبيرات عنصرية ضد الإسلام أو غير الإسلام من طرف مسؤول في دولة، أو في منهجها التدريسي وإعلامها الرسمي، وبين تعبيرات فردية لأديب أو رسام، إذا كانت عنصرية فعلًا. الأولى، في رأيي، تستحق الاحتجاج الجماعي ذا الطابع السياسي مثل المظاهرات؛ فالحديث في هذه الحالة عن دولة ومؤسسة بات يفترض أن ترفض العنصرية، أو أن تمثل الجميع، أو أن تكون محايدة على الأقل. أما الثانية فلا تستحق التظاهر والاعتصامات والمسيرات. وأقصى ما يمكن عمله هو التجاهل، أو الرد الكلامي الشفوي أو الكتابي، و/ أو مقاطعة الكتاب أو العمل الفني. وثمّة انطباع عميق تثيره الاحتجاجات والمظاهرات ضد المس الفردي بالمقدس بعدم الثقة بالنفس والخوف من الكلام والرسوم التي يمكن مواجهتها بأنفة وتكبّر وسخرية وعدم اكتراث. ويبقى مع ذلك ثمّة جانب واحد من المهم عدم تمريره بإبداء عدم الاكتراث إزاءه، وهو استخفاف الحكومات الغربيّة وصناع الرأي العام فيها في المرحلة الراهنة بهذا الغضب، والدفاع عن الاستفزاز الموجه للمسلمين بوصفه جزءًا من حريّة التعبير المكفولة في هذه الدول. فكونها جزءًا من حرية التعبير لا يعني الدفاع عنها وعدم إدانتها. وثمة فرق بين حرية التعبير وبين الموقف من مضمون ما يقال.

إنّ ضمان القانون والدستور لحريّة التعبير في الدول الديمقراطيّة الليبراليّة يعني أنّ القانون لا يعاقب على الأقوال والرسوم، ولكن هذا لا يعني ألا تتخذ الدولة ممثلةً بأجهزتها المختلفة، ولا سيّما برلماناتها وحكوماتها، موقفًا مستنكرًا لـ “تقليعة” المس بمقدسات الآخرين لغرض الاستفزاز ولفت النظر أو لمجرد التمتع بالاستفزاز، وأن تثقّف على أن المس بمقدسات الآخرين ليس نموذجًا مرغوبًا فيه لممارسة حرية التعبير. ولا بأس بأن يُخَص التحريض على الإسلام ونبيه وتشويه صورته باهتمام خاص بالتقريع والإدانة، ولا سيما أن لهما جذورًا منذ عصر النهضة وعصر التنوير، فلم تكن صورة النبي في الكوميديا الإلهية صورة أدبية بريئة، بل كانت تعبيرًا عن رأي مسبق سلبي فعلًا في مرحلة بدأت فيها النهضة الأوروبية برسم صورة سلبية للشرق؛ إضافة إلى أنه ثمة توتر مصدره العلاقة الاستعمارية التي سادت منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر. وهذا المطلب من المسؤولين وصناع الرأي العام في الغرب إلى الحزم بشأن التحريض على الإسلام، لا يعفي صناع الرأي العام في العالم الإسلامي من مراجعة نقدية للخطب الدينية التي تحط من شأن الديانات الأخرى وأتباعها.

من ناحية أخرى، ثمّة أمثلة كثيرة على سنِّ قوانين ومراسيم تُحدّد حريّة التعبير في حالة العنصريّة والتعميمات السلبية على شعبٍ أو إثنيةٍ كاملة، أو عند التحريض الصريح على العنف العيني ضدَّ أشخاصٍ بعينهم. ولا يبدو أنّ أيًّا من هذه الدول مستعدٌ لاتخاذ خطوات قانونيّة من هذا النوع. ويمكن القول إنّ الدفاع عن هذه التعبيرات يتجاوز الدفاع عن حريّة التعبير إلى تحويلها إلى نموذج لحرية التعبير، مع أنّها حالات حدوديّة قصوى، لا يجوز الاعتداد بها والدفاع عنها بهذا الحماس[9].

خصوصية حرية التعبير أم خصوصية الأدب؟ بين قراءة الرواية وعدم قراءتها

لا يجوز تفسير صمت الملايين في العالم الإسلامي عن جريمة محاولة الاغتيال بوصفه تأييدًا لها. لا شكَّ في أنّ البعض لم يكترث للأمر كثيرًا فلديه مشاكله الحياتية كما لا يخلو يوم من أخبار القتل في بلاده، بما في ذلك قتل الأبرياء. وقد يسجن فيها الشخص ويتعرض للتعذيب بجريرة الإساءة للرئيس، وليس للرسول أو الذات الإلهية. والبعض الآخر لا يوافق على هذا الفعل، ولكنّه لا يعتقد أنّ سلمان رشدي يستحق الخروج للدفاع عنه علنًا. وقد قرأت مقالات عديدة لكتاب عرب أدانوا الاعتداء الأخير بحق وبملء الفم ومن دون “ولكن …”. ولا شكّ في أنّه ثمّة فئة من الصعب تقدير حجمها كانت راضية عن هذا الفعل. وفي هذا السياق، يصعب عدم الإشارة إلى كتاب دافعوا عن حرية رشدي ضد تهديد المتطرفين، ولكنهم لا يدافعون عن سجناء رأي في بلدانهم، ولم يدافعوا حتى عن حرية رئيس منتخب مات في سجنه.

ما يهمني في هذه الفقرة هو النقاش الذي جرى بين الناس الواعين والمدركين لما جرى ومواقفهم منه، وأخص بالذكر النقاش حول مضمون الرواية وسلوك الناس تجاهه.

لقد علّق الكاتب صادق جلال العظم على فتوى الخميني بوصفها نموذجًا لذهنية التحريم المتخلفة التي تمثل كل ما هو متخلف وحائل ضد التقدم والتنوير والعقلانية وتُسارع إلى الدعوة إلى القتل من دون حتى الاطلاع على الرواية أو التعمق فيها ولا تفهم دور الخيال في الأدب، وتحاسبه كأنه نص تقريري أو تاريخي، مع أن الأدب لا يكون أدبا إذا كان مجرد تصوير للواقع، وإذا لم تكن علاقته مع الواقع مشوبة بالالتباس على الأقل إن لم يكن بالتوتر. وتتجاهل التراث الإسلامي الذي تدعي أنها تتعصب له، والذي لم يخل من الشعر الفاحش والأدب النقدي الذي تجاوز حدود المحرمات، ولا تحتمل حاليًا قراءة تفاصيل لا تخلو منها كتب السير النبويّة وغيرها. وقد قام العظم بعمل نقدي أدبي مستفيض للرواية ولم يكتف بإدانة الفتوى، وذلك في فعل احتجاجي من طرفه؛ ليس فقط على الفتوى والتحريض، بل أيضًا ضد من كتب عنها دون أن يقرأها[10]. ولا شكَّ في أنّ الخميني لم يقرأ الرواية، وأنّه قد لُفت نظره إلى بعض سطورها، ولا سيّما ذلك المتعلق بإمام منفي في الغرب في تلميحٍ ربما إليه شخصيًّا. وقد عاد كثير من الكُتاب مؤخرًا إلى الإشارة إلى عدم تكليف مستنكري الرواية والمحرضين على قتل صاحبها أنفسهم بقراءتها. وهي إشارة محقة لأنها ظاهرة يعانيها كُتاب ومثقفون عرب كثيرون، إذ قد ينبري لمهاجمة نصوصهم أشخاص، وحتى مثقفون، لم يقرؤوها، ويكتفون بما يثار حولها من أقاويل. وقد تصل بهم الجرأة إلى حد بدء نص عدائي بالاعتراف بذلك بصيغة رائجة مثل: “الحقيقة أني لم أقرأ الكتاب، ولكني أرى أن …”. هذه الملاحظة على أهميتها لا علاقة لها بموضوع حرية التعبير، بل بعقلانية الحوار وأخلاقياته وجدواه. لا يجوز لشخص مناقشة كتاب لم يقرأه هذا صحيح. ولكن ما يهمنا في سياق محاولة الاغتيال هو أنه لا يجوز لشخص إصدار حكم بقتل كاتب أو الاعتداء عليه جسديًا بسبب ما كتبه سواء أقرأ كتابه أم لم يقرأه. وهذا تمييز مهم.

كرّر عديد من الكُتاب المؤيدين لحرية التعبير أنّ الشخص الذي قام بعمليّة الاغتيال (الأميركي اللبناني الأصل هادي مطر) لم يقرأ الرواية. وأعتقد أنّهم محقون. ولكن لماذا تهم الإشارة إلى هذا الموضوع؟ هل تحدِث قراءة الرواية فرقًا بالنسبة إلى الموقف من محاولة قتل كاتبها؟ لنفترض أنّ فلانًا قرأ الرواية والتعليقات عليها ووصل إلى حد مقارنتها بما ورد في الطبري وفي طبقات ابن سعد عن حادثة الغرانيق وغيرها، وما رواه ابن اسحق وسجله ابن هشام عن تفاصيل في السيرة النبوية، ثم وصل إلى قناعة مفادها أن الكاتب أساء لصورة النبي ومسّ بالمقدسات. فهل يصبح من حقه قتل من يعتقد أنه ارتكب هذه الفعلة بناءً على اطلاع وإحاطة وليس جهلًا بالرواية؟ جوابي بالطبع هو لا. لا يحق له الإقدام على القتل سواء أكان قد قرأ الرواية أم لا، وسواء أكان مقتنعًا بالدليل الملموس أنّ الرواية هي مسٌ بالمقدسات أم كان ذلك من دون دليل. ما أهمية كونه قرأ الرواية أم لم يقرأها في هذا السياق إذًا؟

لا معنى لدعوة الشاب المتحمس الغارق في أزمة هوية، والباحث عن معنى لحياته في الطائفة أو في فهم محدد للعقيدة لقراءة الرواية قبل أن يحكم على صاحبها. فحسابه معها ليس حسابًا عقليًا فكريًا، ولا فنيًا وأدبيًا. إنه حساب مع الواقع الذي يغضبه، والشخص الذي أغضب زعيمه، وهو دفاع عن الهوية التي يغضب لها. والقيم التي لا تجيز استخدام العنف في الرد على الكلام ليست من قِيَمه. فقيمه باتت تجيز له قتل من يمس بدينه. والمسألة متعلقة بالقيم والأخلاق وليس بمعرفة موضوع التحريض أو الجهل به. ولذلك، فإن ما يمنع شخصًا كهذا من ارتكاب فعل القتل في غياب أخلاق دينية ودنيوية تردعه بعد أن قمعها وأحل محلها العصبية هو ليس قراءة الرواية، بل قانون الدولة (إذا لم يفلح الوعظ والإرشاد التربوي).

في المجتمع الحديث يرّد على الكلام بالكلام، إذا كان يستحق الرد. وبعض الكلام يعاقب عليه القانون بوصفه تشهيرًا بالغرامة، أو السجن إذا عُدَّ تحريضًا من نوع معين مثل التحريض الكلامي على القتل. ولكن حتى الحض الكلامي على القتل لا يُبرر القتل، بل المحاكمة بموجب قوانين الدولة التي يوجد فيها المتهم، وليس بفتوى من زعيم ديني يعيش في دولةٍ أخرى. هذا هو الفرق بين قوانين الدول الحديثة التي من المهم في هذه المناسبة التأكيد عليها، وبين الإرهاب وقانون الغاب. والإرهاب هنا يعني حرفيًّا الإرهاب، أي الترويع لردع آخرين من القيام بأعمالٍ مماثلة. وكما رأينا تحوّل الترويع إلى تشجيع، فمنذ أن صدرت الفتوى بدأ آخرون بتضمين نصوصهم إساءات للإسلام والمسلمين بأسلوب مبتذل ونشرت رسوم كاريكاتيرية مسيئة وغيرها. لقد تحوّل الأمر إلى تحدٍ بدعوى الدفاع عن “نمط الحياة” في الغرب الذي يشمل حرية التعبير. أصبحت ثمة هوية أخرى يجري الدفاع عن مقدساتها. وكانت النتيجة إساءات أكثر وتعميمات أقبح ضد الحضارة العربيّة الإسلاميّة، مع أنّه لا فتوى الإمام الخميني، ولا فعلة هادي مطر في قاعة محاضرات عامة، تمثّل هذه الحضارة المتنوعة والغنيّة.

هل يحظى الأدباء والروائيون بامتيازات في مجال حريّة التعبير؟ لا أساس فكري أو أخلاقي أو قانوني لمثل هذا التمييز في سريان مبدأ حرية التعبير الذي يعد من ضمن حريات النواة في الفكر الليبرالي. وهي في الدساتير الديمقراطية الليبرالية مكفولةٌ لكل صاحب رأي في إطار القانون. ولكن حتى في الدول الديمقراطية كان الرأي العام في الماضي أكثر تسامحًا مع التعبيرات الفنية والأدبية التي تمس بالمقدس وبما يسمى الذوق العام، لأن عالم الخيال والصور لا يحاسب بمقاييس الحياة اليومية المعيشة ولا مقاييس العلم. ولا أعتقد أن هذا الأمر ساري المفعول حاليًا، فلم يعد ثمة فرق في الدول الليبرالية بين القاعدة والاستثناء فيما كان يعد محرمات في الماضي، ولا سيما في مجالي الدين والجنس. أما القوانين فلم تعرف أصلًا مثل هذا التمييز بين الأدباء والفنانين وغيرهم في مجال حرية التعبير. ومن المفارقات أن اليمين المتطرف، في إطار الاستقطاب المفتعل في الغرب وانتشار الإسلاموفوبيا، أصبح يتبنى أيضًا الدفاع عن أمور كانت تعد محرمات حتى فترة قريبة، مثل المثلية الجنسية، التي كان يعارضها من منطلقات دينية أو قومية محافظة. إنه يدافع عنها الآن في إطار الحفاظ على الحريات في الغرب بوصفها جزءًا من نمط الحياة والهوية التي “يهدّدها” المهاجرون المسلمون تحديدًا. في الماضي القريب كان اليمين في الدول الديمقراطية الغربية يتحفظ على المس بأي دين، بما في ذلك الإسلام، ويناهض المثلية الجنسية المعلنة وغيرها من التحولات الاجتماعية، أما في اللحظة الراهنة فينشر اليمين الإسلاموفوبيا ويدافع اليمين المتطرف عن المثلية الجنسية وغيرها بوصفها من الحريات الفردية في المجتمع الأوروبي التي يهددها تمدد الإسلام فيه بواسطة المهاجرين.

إنّ الامتياز الذي يُمنح للكتاب والأدباء على مستوى حرية التعبير هو من نتاج العيش في ظل النظام الاستبدادي. ففي الدول الديمقراطيّة والليبراليّة التي يكرم فيها الأدباء والمبدعون، ويخلط القمح والزوان في ثقافة الحفلات والجوائز وصناعة المشاهير، لا يحظى الأدب والفن بامتيازات خاصة عندما يتعلق الأمر بحرية التعبير، وربما بالعكس. ولا أقصد أنّهم أقل حظًا في حرية التعبير، بل إنّ عليهم مسؤوليّة أكبر من غيرهم، وذلك ليس في الدفاع عن حريتهم بالتعبير، بل في الدفاع عن حريّة الناس عمومًا. هذه مسؤولية الكاتب إذا كان مثقفًا عموميًا. ليست حريته هي القضية، بل الحريات عمومًا التي تشمل حريته هو في التعبير في إطار حرية المجتمع، وليس فقط في جزيرته الخاصة، أو فقاعته. وقد يحظى المشاهير من الكُتاب والأدباء بحصانة أكبر من غيرهم في الدول الديكتاتورية تحديدًا، خصوصًا في حالة اقتصار انتشار أعمالهم على النخبة، أو في حالات الكتابة التي تعتمد استراتيجيات أدبية رمزية، أو واقعيّة سحريّة وغيرها، والتي يمكن لأي دكتاتور أن يتظاهر بأنها لا تقصده، ولا سيما إذا كان الكاتب معتكفًا، ليس له مواقف في الشأن العمومي، أو إذا كان يُمارس نوعًا من الرقابة الذاتيّة يعرف فيها من التجربة بذكاء كيف يتجنّب الأفكار التي تزعج الأجهزة الأمنية والحكام. وحتى في هذه الحالات كانت هنالك دائمًا أساليب لـ “تأديب” بعض الأدباء بالتضييق عليهم أو تأليب الرأي العام على كتاباتهم، خصوصًا بعد مسهم بـ “الذوق العام”، ثم بإجبارهم على معرفة حدودهم باتخاذ إجراءات لحمايتهم من الرأي العام والمتطرفين الذين يريدون المس بهم بسبب ما يكتبونه في قضايا كهذه. هكذا يسمح الدكتاتور فجأة للرأي العام أن ينطق، وأن يوجه غضبه نحو عنوان بديل. فيصبح الكاتب أسيرًا للدكتاتورية تحميه من “عنف الغوغاء”.

يمكن مواصلة الحديث عن الموضوع بتوسّع أكبر، فنميز بين الأنظمة الشمولية والسلطوية. والأولى أقل تسامحًا مع الكتاب والأدباء؛ إذ تتوقع منهم تبني العقيدة الرسمية، وربما يمتلك بعض القراء فكرة عن تعريفات جدانوف للأدب في عهد ستالين والواقعية الاشتراكية، والأدب الذي يعبر عن العرق الآري وروح الشعب الألماني في ظل النازية وغيرها. ولكن ما يهمني القول إنّ امتياز الأعمال الأدبيّة بشأن حرية التعبير هو نتاج عقليّة النخب في ظل النظم الدكتاتوريّة. ولذلك لا يصح تبرير رفض محاولة اغتيال رشدي بأن ما يكتبه يدخل في نطاق أدب الرواية، وإن كان صحيحًا، بل انطلاقًا من اعتبار حريّة التعبير قيمة أساسيّة مثل حرية التنقل وحرية الاجتماع وحرية التعاقد وحرية الملكيّة والحق في الحياة.

وليس للتمييزات المُهمة في النقد الأدبي بشأن “معمار الرواية” واستراتيجية الراوي علاقة بحريّة التعبير وحظر العنف الجسدي ضدَّ الكلام، خذ مثلًا تعليقًا ممتعًا كتبه الروائي السوري ممدوح عزام[11] بشأن التمييز بين موقف الروائي وما تعبّر عنه شخصيات الروائي، وهو تمييز مُهم من دون شك، وقد يكون لآخرين رأي مخالف في هذا الشأن، ولكن سواء أكانت شخصيات سلمان رشدي تعبّر عن رأيه أم لا، لا صلة لذلك بفتوى قتله والإقدام على تنفيذ هذه الفتوى.

ليس المهم إذًا خصوصيّة الأدب في هذه الحالة، بل خصوصيّة حريّة التعبير عمومًا. وثمة ثلاث حالات بارزة يمكن أن يُحاكم فيها القائل على تعبيراته في النظام الديمقراطي، مع الإشارة إلى أن الأنظمة السلطوية تسيء استخدامها إذ تستغلها ضد المعارضين السياسيين، وهي: أولًا، التشهير، وتتفاوت قوانين الدول في تعريف التشهير والتشدد فيه، والمقصود هو المسّ بشخص معين بنشر ادعاءات كاذبة تلحق ضررًا مثبتًا به. ثانيًا، الحض على العنف والقتل عينيًا أي ضد شخص بعينه، وليس بشكل عام. ثالثًا، التعميمات السلبيّة ضد جماعات بشريّة بأكملها والتي تعد عنصرية، والتي تتسامح معها غالبية دول العالم للأسف. فكثير من الدول بما فيها الدول الديمقراطية لا تحرّم العنصرية خشية عدم القدرة على رسم حدودها بدقة وإمكانية مط تعريفها فيتحول إلى وسيلة لقمع حرية التعبير. وتبرز هنا مسألة تحريم مناقشة المحرقة النازية ضد اليهود وتوسيع حدود تعريف العداء للساميّة الذي وصل إلى درجة اعتبار العداء للصهيونية نوعًا من العداء للسامية، وقد ناقشت ذلك في مواضع أخرى[12]. ويظهر ساسة الدول الديمقراطيّة الليبرالية نفاقًا عجيبًا في هذا الموضوع بالذات.

وثمة مجال آخر يتحول فيه الدفاع عن حرية تعبير الأدباء إلى نفاق. وهو عندما يجري الانتقاص من أهمية حريات وحقوق أخرى لعموم الناس. وليس مفاجئًا أن الدفاع عن حرية الأدب حصرًا في ظروف قمع الحقوق والحريات على نطاق واسع في ظل الدكتاتوريات لا يلقى صدى لدى المقموعين.

وبعد،

تجدر الإشارة إلى ظاهرة مرافقة مُهمّة للتعامل العنيف مع التعبيرات الكلامية، سواء أكانت أدبية أم غيرها، وغالبًا ما لا يُلتفت إليها عند مناقشة الموضوع. وهي ظاهرة مركبة مؤلفة من شقين متلازمين، أوّلهما تحويل المتضرر، أو الذي يعد نفسه متضررًا إلى فاعل؛ والثانية تغييب فرصة مناقشة الموضوعات التي يثيرها عقليًا وإدانتها أخلاقيًّا عند اللزوم. ففعل العنف يُحوّل من يقدم على إدانة التحريض على المقدسات إلى مُدان من منظور الرأي العام والقانون في الدول التي يجب أن تجري فيها هذه المناقشة.

قبل فعل القتل، يُحوّل التلويح به والمظاهرات الاحتجاجية العنيفة ضد الكاتب إلى ضحيّة يتعاطف معها الناس. وأذكّر هنا بما ورد أعلاه، أنه ثمة فرق بين التظاهر ضد دولة أو حكومة والتظاهر ضد شخص. ويمكن أن يكون هذا الشخص نرجسيًّا انتهازيًا همّه الشهرة ويعرف أنّ مثل هذه النصوص تُشهره لأنّه سيحصل على رد فعل من النوع المتوقع. ولا أقصد بذلك سلمان رشدي شخصيًا، فلا أعرفه. ويعتقد البعض أن النّرجسيّة (البريئة غالبًا وغير البريئة أحيانًا) داء ملازم لبعض المشتغلين بالأدب والفن سواء أنجحوا في نسج أسطورتهم الذاتية في حياتهم أم خاب مسعاهم في ذلك، ولا ينجو منه إلا استثناءات فذّة. وليس هذا هو المكان المناسب لمناقشة طبيعة العلاقة بين النرجسية والتمثيل والشعر وغيرها من الأصناف الأدبية. ولكن وجود نمط من ردود الفعل الإعلاميّة والشعبيّة على أقوالٍ أدبيّة أو فنيّة بعينها قد يُحفّز الكثير من المغمورين الباحثين عن الشهرة إلى الإتيان بمثلها أو بما يفوقها.

المُركّب الثاني من هذه الظاهرة هو إجهاض النقاش العقلاني والأخلاقي مع المس بالمقدسات وغيرها، وهو الضحيّة الحقيقية الثانية لهذه الأفعال. فبعد فعل العنف أو المظاهرات الجماهيريّة الحاشدة ضد كاتب وأديب أو فنان أو رسام، يُصبح من الصعب مناقشة هذا الشخص على مستوى الرأي العام، أو نقد التسامح مع أفعاله في الغرب ودحض الصورة السلبيّة التي يرسمها لحضارة العرب أو لشخص الرسول الكريم، هل يدخل في نطاق الفن والأدب الراقيين أم يدخل قبل ذلك ضمن تاريخ من تكرار الأفكار السلبية المسبقة عن الإسلام ونبيه منذ عصر النهضة، وترويجها مجددًا؟ من الصعب القيام بهذا التصنيف في ظل التحريض ومحاولات الاغتيال أو التفجير الفعلي الذي يذهب ضحيته أبرياء، مع أنّه الواجب الحقيقي للمثقفين الذين ينتقلون بحكم الضرورة من مناقشة أقوال وأفعال أستاذ مدرسة فرنسي أو رسام كاريكاتير أو مستوى الرواية الفني وصورة المسلمين فيها إلى الدفاع عن حقه في التعبير وإدانة جريمة الاعتداء الجسدي عليه. وهو حرجٌ لا بدَّ منه يضيّع فرصة كبيرة في التفاعل الحضاري والحوار المفيد الذي من الممكن أن تُسجَّل فيه نقاط ضد العنصرية والأفكار المسبقة.

هوامش:

[1] أقصد في الجزء الأول من كتابي: الدين والعلمانية في سياق تاريخي، ج 1، مج 1: الدين والتديّن (الدوحة/ بيروت: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2013).

[2] “سلمان رشدي حتى لو تاب يجب على كل مسلم أن يرسله إلى الدرك الأسفل”، الإمام الخميني: روح الله الموسوي الخميني، 13/2/2022، شوهد في 4/9/2022، في: https://bit.ly/3D0Aogy

[3] نشرت تقارير كثيرة عن رد فعل استهجاني غربي اخترق العلاقات الاجتماعية وطلب من المسلمين المقيمين في الغرب موقفًا واضحًا؛ ما استثار رد فعل هوياتي وصل إلى حد التطرف في بعض الحالات، وذلك في إطار حلقة مفرغة من الإسلاموفوبيا والتطرف. ومن ذلك القصة الفردية التي نشرها موقع بي بي سي، يُنظر: مبين أزهر، “الكاتب سلمان رشدي هو الذي دفع الجيل الذي أنتمي إليه للتطرف”، بي بي سي عربي، 14/2/2019، شوهد في 4/9/2022، في: https://bbc.in/3Rxd9ij

[4] قتل متطرف أستاذ مدرسة فرنسي يدعى صامويل باتي عمره 47 سنة، ويعمل معلمًا لمادتي التاريخ والجغرافيا، بقطع رأسه. وكان الأستاذ قد عرض على تلامذته في المدرسة الإعدادية رسومًا كاريكاتورية للنبي محمد. وقع الهجوم في الشارع أمام المدرسة التي كان يعمل بها في ضاحية كونفلانس سانت أونورين، بشمال غرب باريس. منفذ الهجوم من أصل شيشاني ومولود في موسكو ويبلغ من العمر 18 عامًا.

[5] آخرها مثلًا:

Robin Wright, “Ayatollah Khomeini Never Read Salman Rushdie’s Book,” The New Yorker, 14/8/2022, accessed on 4/9/2022, at: https://bit.ly/3AQFUQa

[6] “كلمة الخميني في الذكرى السنوية لمذبحة الحرم المكي، وقبول القرار 598″، صحيفة الإمام الخميني، ج 21، 20/7/1988 (۲۹ تير ۱۳۶۷ ه- ش/ 5 ذي الحجة 1208ه- ق)، ص 73-92، شوهد في 4/9/2022، في: https://bit.ly/3Rzuk2D

وجاء في نص الكلمة: “قبلت القرار ووقف إطلاق النار. إذ أني أعتبر ذلك في الظرف الراهن لصالح الثورة والنظام. ويعلم الله لو لم يكن واقعنا جميعًا التضحية بأنفسنا وعزتنا ومصداقيتنا على طريق مصلحة الإسلام والمسلمين، لما قبلت ذلك أبدًا، ولكان الموت والشهادة بالنسبة لي أعذب بكثير. ولكن ما الحيلة حيث يجب علينا جميعًا التسليم لرضا الحق تعالى. ولا شك أن الشعب الإيراني كان الشجاع البطل وسيبقى كذلك… إلهي! ليبق هذا الدفتر وسجل الشهادة مفتوحًا أمام المشتاقين ولا تحرمنا من الالتحاق بهم.. إلهي! ان بلدنا وشعبنا لا زالوا في بداية طريق النضال وبحاجة إلى مشعل الهداية، فاحفظ واحرس هذا السراج ذو النور الساطع.. هنيئًا لكم أيها الشعب هنيئًا لكم أيها النساء والرجال. هنيئًا للمعاقين والأسرى والمفقودين وأسر الشهداء المعظمة. وتبًا لي الذي بقيت حتى هذه اللحظة وشربت كأس السم بقبول القرار. وإني أشعر بالخجل أمام عظمة وتضحيات هذا الشعب العظيم”.

[7] من المثير ما ذكره صادق جلال العظم من أن تيارات أصولية إسلامية كانت تدعم حزب بهاراتيا جناتا ضد حزب المؤتمر الهندي العلماني، حزب غاندي، اشترطت إلغاء مظاهرة ضد رئيس الحكومة آنذاك راجيف غاندي بحظر الكتاب، وهذا ما حصل، مثلما منعته أيضًا حكومة جنوب أفريقيا العنصرية في حينه. يُنظر: صادق جلال العظم، ذهنية التحريم، ط 3 (دمشق: دار المدى، 1997)، ص 187.

[8] المرجع نفسه، ص 183-191، 252-254.

[9] عزمي بشارة، “مناقشة حرية التعبير والتسامح والعلمانية في أجواء غوغائية”، مقالات، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 29/10/2020، شوهد في 4/9/2022، في: https://bit.ly/3q6u2Vr

[10] العظم، ص 166-169.

[11] ممدوح عزام، “المحكمة أو السكّين”، العربي الجديد، 26/8/2022، شوهد في 4/9/2022، في: https://bit.ly/3CXA2aG

[12] عزمي بشارة، “أصحيح أنّ معاداة الصهيونية هي أحد الأشكال الحديثة لمعاداة السامية؟ معاداة الصهيونية باعتبارها ظاهرة يهودية”، تقييم حالة، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 28/2/2019، شوهد في 4/9/2022، في: https://bit.ly/3Qe05gv

[عن موقع المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى