من الخصومة إلى الشراكة.. كيف غيّر سقوط الأسد قواعد اللعبة بين أنقرة والرياض؟

ربى خدام الجامع
2025.05.28
بعد سنوات من الخصومة التي غذّتها التباينات الأيديولوجية والمصالح الإقليمية، وجدت تركيا والسعودية نفسهما، فجأة، على ضفة واحدة من الصراع السوري، عقب سقوط نظام بشار الأسد في هجوم مباغت للمعارضة السورية في كانون الأول الماضي. ووفقًا لما نشرته صحيفة واشنطن بوست الأميركية، فإن هذا التحول المفاجئ لم يُنهِ فقط حالة الشقاق بين القوتين “السنيتين” في الشرق الأوسط، بل دفعهما إلى بناء شراكة استراتيجية تهدف إلى دعم النظام الجديد في دمشق، والتصدي للنفوذ الإيراني، وتهيئة الأرض لإعادة سوريا إلى الساحة الدولية.
مشاهد التعاون بين البلدين تجلت بوضوح في القمة المفاجئة التي جمعت الرئيس الأميركي دونالد ترمب بالرئيس السوري أحمد الشرع في الرياض، بحضور ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ومشاركة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عبر الهاتف.
يعرض موقع تلفزيون سوريا هذا التقرير في إطار التغطية الإعلامية للملفات الدولية المعنية بسوريا، مع الإشارة إلى أن ما ورد فيه يعكس رؤية الصحيفة ومصادرها، ويُقدّم كمادة تحليلية تساعد على فهم طريقة تناول الإعلام الدولي للملف السوري، من دون أن يُعد توثيقاً شاملاً لكامل المشهد أو تبنياً لاستنتاجاته.
وفيما يلي ترجمة موقع تلفزيون سوريا لهذه المادة:
عاش مركزا القوة السنية الإقليمية، أي تركيا والسعودية، علاقة معقدة سادها الخصام في كثير من الأحيان، وذلك على مدار سنين طويلة، ولكن علاقاتهما تحسنت بشكل كبير بعد سقوط بشار الأسد في سوريا عبر هجوم خاطف للثوار في كانون الأول الفائت.
ومنذ ذلك الحين، وتركيا والسعودية تعملان على ترسيخ استقرار الحكومة الجديدة في دمشق، إلى جانب السعي لإعادة سوريا إلى المجتمع الدولي.
إذاً لا غرو أن تكون أول زيارتين خارجيتين لقائد الثوار الذي أصبح رئيساً لسوريا، أي أحمد الشرع، هي إلى عاصمة المملكة العربية السعودية، أي الرياض، ثم إلى العاصمة التركية أنقرة.
وقد تجلت علاقة المودة تلك بين تركيا والسعودية خلال زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب للشرق الأوسط في مطلع هذا الشهر، وذلك عندما عقد اجتماعاً مفاجئاً مع الشرع في الرياض، وكان ولي العهد السعودي محمد بن سلمان حاضراً في القاعة كما انضم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للاجتماع عبر الهاتف.
وعندما أعلن ترمب عن رفع العقوبات المفروضة على سوريا، أشاد بولي العهد السعودي وأردوغان اللذين كان لهما الفضل بإقناعه على اتخاذ تلك الخطوة.
جذور تصدع العلاقات
كانت هنالك “أسباب إقليمية وأيديولوجية” للتنافس التركي-السعودي في السابق، وذلك برأي الباحثة التركية سينام جينكيز من مركز الدراسات الخليجية بجامعة قطر.
تتمتع كلتا الدولتين بصفة “قوة متوسطة” ويقصد بذلك الدولة التي تتمتع بنفوذ عالمي، لكنها لا تتمتع بالنفوذ الذي تتمتع به القوى العظمى، وهذا ما “خلق حالة تنافس على الهيمنة الإقليمية” بحسب رأي تلك الباحثة التركية.
ثم إن لكل دولة منهما نهجها في الإسلام السياسي، فقد دعمت تركيا الإخوان المسلمين، تلك الحركة الإسلامية العربية التي تعتبرها السعودية تنظيماً إرهابياً، وكذلك تراها دول عديدة في الشرق الأوسط.
وبعد أن انطلق قطار الربيع العربي في المنطقة في عام 2011، دعمت تركيا وبكل صراحة الانتفاضات الشعبية، في حين بقيت المملكة حذرة تجاهها، غير أن كلاً من أنقرة والرياض دعمتا فصائل معادية للأسد خلال الحرب السورية التي امتدت لثلاثة عشر عاماً ونيف.
وعند حدوث أزمة دبلوماسية بين السعودية وقطر في عام 2017، انحازت تركيا إلى قطر، ثم وصلت العلاقات بينها وبين السعودية إلى أدنى مستوياتها في عام 2018.
كيف حسّن سقوط الأسد العلاقات بين البلدين؟
يرى محللون بأن سقوط الأسد وظهور واقع جديد في سوريا دفعا نحو ذوبان مزيد من الجليد الذي اكتنف العلاقة بين هاتين الدولتين اللتين تعتبران من أهم الدول الحليفة للولايات المتحدة.
يعلق على ذلك هشام الغنام، وهو متخصص سعودي بالعلوم السياسية وباحث غير مقيم لدى مركز كارنيغي للشرق الأوسط، فيقول إن ذلك الزخم هو الذي “غيّر العلاقات بين تركيا والسعودية بشكل كبير”.
فقد تلاقت مصالح الدولتين في سوريا بعد الأسد، ولذلك تحولت العلاقة بينهما من “التنافس إلى التعاون البراغماتي” بحسب رأي الغنام.
شاطرت أنقرة الرياض بالقلق تجاه تنامي النفوذ الإيراني في سوريا أيام الأسد، بيد أن هذا النفوذ اختفى مع رحيله، والآن صارت كلتا الدولتين تسعيان لضمان عدم عودة طهران إلى سوريا بحسب رأي الغنام.
كما أن لدى هاتين الدولتين مخاوفهما الأمنية في سوريا، وتعود تلك المخاوف بنظر تركيا إلى حدودها الطويلة غير المستقرة مع سوريا، وإلى الفصائل الكردية المتمردة على تركيا والتي وجدت لنفسها ملجأ آمناً لدى الكرد في سوريا.
أما المملكة فيقلقها أمر تهريب مخدر الكبتاغون في المنطقة، بما أن هذا المنشط كان المصدر الأساسي للأرباح بالنسبة لآل الأسد.
يعلق الغنام على ذلك فيقول: “إن حاجتهما المشتركة للتصدي لإيران، ولإدارة ملف انعدام الاستقرار في سوريا، وسعيهما لإقامة حكومة بإدارة سنية فيها (بعد رحيل الأسد)، كل ذلك عزز علاقة الشراكة بين البلدين”.
ومؤخراً أقامت الرياض وأنقرة جبهة موحدة بهدف خلق حالة ثقل وتوازن مضادة لإسرائيل التي تشك بأمر الشرع الذي كان فيما مضى قائداً لجماعة مقاتلة سبق أن ارتبطت بتنظيم القاعدة.
منذ سقوط الأسد، شنت إسرائيل غارات جوية كثيرة على سوريا، كما احتلت المنطقة العازلة التي تسير فيها الأمم المتحدة دوريات، وهددت باحتلال سوريا بذريعة حماية الأقلية الدينية الدرزية بعد أن اشتبكت فصائل درزية مع قوات الأمن السوري الجديدة التي تتبع لإدارة الشرع.
أسهم الضغط المشترك الذي مارسته السعودية وتركيا في إقناع ترمب برفع العقوبات الأميركية عن سوريا على الرغم من معارضة إسرائيل لذلك، بما أنها أقوى حليف لواشنطن في المنطقة، وتتحدث الباحثة جينكيز عن ذلك فتقول: “إن ذلك تم من أجل تحقيق المصلحة المتمثلة بتجنب أي حالة جديدة لزعزعة الاستقرار”.
هل سيستمر هذا التعاون؟
مع رفع العقوبات الغربية أصبح الطريق ممهداً أمام عقد صفقات مربحة لإعادة إعمار سوريا وغير ذلك من الاستثمارات التي يمكن أن تقام في سوريا الجديدة، وذلك برأي المحللين الذين يرجحون استمرار التحالف والاصطفاف بين أنقرة والرياض.
لكن جينكيز ترى بأنه لا يمكن للرياض ولا لأنقرة الهيمنة على سوريا، ولهذا، “وحتى تحققا أعلى نسبة من المصالح، قد يتعين على كل من تركيا والسعودية مواصلة البحث عن طرق وأساليب للتعاون من أجل تحقيق نتائج تقوم على المكسب المشترك”.
تطرق الغنام للحديث عن مؤشرات أخرى لتحسن العلاقات بين البلدين، شملت إحياء مجلس التعاون السعودي-التركي الذي بقي هاجعاً لفترة طويلة، وذلك في مطلع هذا الشهر، وهذا المجلس هو عبارة عن هيئة مكلفة بتعزيز التعاون بين البلدين في القطاع السياسي والعسكري والاستخباري والاقتصادي.
وذكر الغنام بأن صفقات أسلحة ستعقد بين البلدين، وتحدث عن مصلحة السعودية في المسيرات التركية، بالإضافة إلى “الجهود المشتركة لإعادة الإعمار في سوريا”. وفي الوقت الذي يمكن لحالة التنافس بينهما أن تعاود الظهور، فإن المحلل الغنام يرجح: “استمرار نزعة التعاون بين تركيا والسعودية”.
وتعقيباً على ذلك، يعلق سالم اليامي الذي كان موظفاً في وزارة الخارجية السعودية ويعمل الآن بالتحليل السياسي، فيقول إن قادة سوريا الجدد سيكون لهم: “دور مهم” في خلق علاقات متوازنة مع الحلفاء بدلاً من استخدام بعضهم ضد بعض، ويضيف: “في حال نجاح التنسيق السعودي-التركي في سوريا.. فمن المتوقع أن يسهم ذلك في استقرار سوريا، وبالتالي في التوصل إلى حالة من الهدوء والاستقرار في المنطقة”.
المصدر: The Washington Post
تلفزيون سوريا