منوعات

النظام الذي يكره الألوان

هناك علاقة أبدية ربما بين النظام السوري، كواحد من أقسى الأنظمة السياسية على الكوكب، وكراهية الألوان، حيث تحولت سوريا طوال خمسة عقود إلى مكان مظلم بالمعنى الحرفي للكلمة على المستوى العمراني للمدن السورية، بشكل يوازي الظلامية التي يمثلها النظام فكرياً وأيديولوجياً.

وعادت هذه المقاربة للتداول، هذا الأسبوع، بعدما أعادت محافظة دمشق اللون الأسود القاتم، لدرج في حي المهاجرين الدمشقي، الذي لوّنه سكان محليون في مبادرة شخصية لتزيين الحي، وإعطاء لمسة جمالية للمكان الذي زاد قبحاً في السنوات الأخيرة مع الظلام الآتي من انقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة.

ونشر ناشطون سوريون صوراً للدرج الملون وصوراً له بعد تدخل المحافظة. ونشرت وسائل إعلام موالية قصة الشاب شفيق الحموي، الذي قام بمادرة تلوين الدرج، فيما عزا عضو المكتب التنفيذي المختص لقطاع الثقافة في المحافظة فيصل سرور، طلاء الدرج مجدداً باللون الأسود، بوجود شكوى رسمية تقدم بها أحد المواطنين يقول فيها أن الألوان والأعلام المرسومة على الدرج ترمز إلى المثلية الجنسية، و”هو مايخالف القانون والعرف والدستور والشرع” حسب وصفه.

    😂

    Posted by ‎الست جاكلين‎ on Saturday, April 17, 2021

وفيما يعادي النظام أي شيء له علاقة بالحريات الفردية بما في ذلك المثلية الجنسية، ويقدم نفسه حامياً للأخلاق والقيم، فإن موضوع الدرج يتخطى ذلك إلى حد ما، ويرتبط بأسلوب اتبعه النظام منذ عقود لتكريس سيطرته على الفضاء العام في البلاد وتعزيز فكرة السلطة المطلقة على المجتمع المفتت الذي أراد تشكيله.

ومنذ الانقلاب العسكري الذي أوصل حافظ الأسد إلى سلطة العام 1970، تم تكريس حالة قمع لأي مبادرة مجتمعية، بما في ذلك على المستوى العمراني والجمالي، وتحولت المدن السورية إلى نماذج متطابقة من الكتل الاسمنتية التي يميزها ذلك اللون الميال للأسود أو الرمادي في أحسن الأحوال. ويمكن تلمسه بشكل واضح في المباني الحكومية والمدارس بشكل خاص.

وأفرز الاستبداد العسكري/السياسي مع مرور الوقت حالة قمع لأي محاولة للتغيير مهما كان صغيراً، مثل طلاء درج. وكان ذلك واضحاً في حديث سرور لوسائل إعلام محلية عندما قال أن أي مبادرة من هذا النوع مشروطة بـ”الحصول على موافقة من المحافظة”. ودعا كل الجمعيات والهيئات المعنية بمثل هذه النشاطات، للقيام بنشاطات مشابهة وخص الشاب صاحب المبادرة التي تمت إزالتها بدعوة وقال: “فليتقدم بطلب رسمي ويعطينا رسماً حتى نوافق عليه وأنا سأساعده بشكل شخصي ومنعطيه سطل دهان”.

وفي السنوات الأخيرة عمد النظام إلى طلاء أبواب المحلات التجارية بألوان العلم السوري، بما في ذلك المحلات ضمن دمشق القديمة، وأفرز ذلك مشهداً بصرياً منفراً. فيما تستمر صور رئيس النظام بشار الأسد بالانتشار في البلاد، وتحديداً في المدن السورية المدمرة، وكان ذلك موضوع تقرير بصري أعدته صحيفة “غارديان” البريطانية قبل أيام، كما يعتبر لصق صور الأسد في المناطق التي يستعيد النظام السيطرة عليها، أول فعل يقوم به جيش النظام، وحصل ذلك في ريفي حلب وإدلب العام الماضي إثر الحملة العسكرية التي هجرت أكثر من نصف مليون شخص بحسب إحصائيات الأمم المتحدة.

المدن

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى