الناس

“أحلم بأن أكون طياراً”… يوميات عائلة سورية على لائحة انتظار اللقاح في مصر/ إيناس كمال

تحسب عائلة قُديمي السورية اللاجئة إلى القاهرة، الدقائق والساعات، فالأب والأم على لائحة الانتظار لتناول جرعتهما الأولى من لقاح كورونا. تعاني الأسرة بسبب الجائحة التي قد تعوق تعليم الأبناء، وتدفعهم إلى مخاطر العمل من أجل توفير مصروفات البيت، لكن سيشكل اللقاح أملاً لهم لمواصلة حياتهم بأمان صحي.

بحسب دراسة أجرتها هيئة الصحة العامة في إنجلترا، فإن جرعة واحدة من لقاح فيروس كورونا تقلل خطر انتقال عدوى الفيروس في محيط الأسرة إلى النصف.

وتعمل أسرة قُديمي، التي تتكون من الأب أحمد والأم ومراهقين هما غيث وزهير، وطفل في العاشرة، ورضيع عمره نحو عام ولد أثناء الجائحة، يعملون في مجال نقل وتصنيع الأثاث المنزلي.

“متفوق في الدراسة، وأعمل مع بابا”

يقول غيث، وهو طالب في الثاني الإعدادي، لرصيف22: “أحمل الأثاث مع والدي، أريد أن أصبح جراحاً، ولكن قد أترك الدراسة لأجل العمل لتوفير مصروفات البيت التي زادت بسبب كورونا”.

يحمل المراهق، الذي يبلغ 12 عاماً، هموماً كثيرة، فهو ابن عائلة هاجرت من سوريا إبان الحرب، لم تكن أمور أفرادها على ما يرام خلال الأعوام الماضية، حينما هُجّروا للمرة الأولى إلى لبنان، ثم إلى مصر.

“عام كتير صعب”، يصفه المراهق، الذي تعيش أسرته في بيت بمدينة 6 أكتوبر إيجاره 2500 جنيه (159 دولاراً) وأثاثه بسيط. الأب يعمل بالنجارة ونقل الأثاث، لكن بسبب الوباء، انخفضت الأعمال وانخفض معها دخل الأب، وزاد الإنفاق على مواد التعقيم والنظافة.

تحاول الأسرة أن تلتمس النجاة وسط قرابة 137 ألف لاجئ سوري مسجلين في مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، و 262 ألف لاجئ وطالب لجوء بمصر. تعاني الأسرة وضعاً اقتصادياً صعباً مع قرابة 60% من اللاجئين المصنفين تحت خط الفقر، وفقاً للتقييم الاجتماعي/ الاقتصادي للأمم المتحدة. ومع خط فقر في مصر قدِّر بـ 857 جنيهاً للفرد عام 2020 وبـ 3218 جنيهاً للأسرة المكونة من أب وأم وطفلين للوفاء باحتياجاتها.

تواجه العائلة خطر الإصابة بالفيروس أو التعرض لمضاعفات صحية كبيرة، نتيجة عمل الأب والأبناء في الأثاث المنزلي ونقله، واضطرارهم إلى الذهاب يومياً إلى إحدى ورش النجارة والاختلاط بالعمال.

يحكي غيث الملفوفة يده بالجص بسبب كسر في العظم عن مخاطر عمل لا يستطيع الاستغناء عنه، لدعم العائلة مادياً في مصاريفها الأساسية، فيتلقى وشقيقه زهير، وهو الابن الأوسط، عمره 11 عاماً، ما بين 200 و 300 جنيه (12 إلى 19 دولاراً أمريكياً) أسبوعياً.

يحكي زهير أنه متفوق في دراسته، ويريد أن يصبح طياراً في المستقبل، يقول: “اشتغلت مع بابا لأنه مكانش هيقدر يدفع المصاريف الدراسية، وهي خمسة آلاف جنيه (319 دولاراً) في السنة (مدارس خاصة بالسوريين) لي ولأخي”.

تلتقط والدة غيث وزهير، وهي بالعقد الرابع من العمر، أطراف الحديث، معبرة عن قلقها الشديد عليهما، خاصة زهير لأن مناعته ليست قوية “مرضت بسبب قلقي عليهم، كل يوم يجوني معورين، غير قلق كورونا”، تقول الأم، فضلت عدم ذكر اسمها.

تحدثت الأم كذلك عن الفترات التي اضطر ابناها للعمل لأن التعليم “أونلاين” ليس متاحاً لهما كونهما لا يمتلكان كمبيوتراً، فالأسرة بالكاد تمتلك هواتف “أصلاً منيح إنه معنا هواتف”، تقول الأم.

توتر كبير تعيشه الأم التي تنتظر الكبير والصغير للتأكيد على الحماية، وغسل الأيدي ونزع الملابس المتسخة، تعطي الجميع فيتامينات، وتتأكد أنهم بخير.

تقلق على الأولاد الذين يعملون في الأثاث بسبب ما يتعرضون له، وتحملهم لمخاطر أخرى، بخلاف العدوى من كورونا.

تحكي لنا مخاوفها حينما يخرج الجميع للعمل، ومقابلة الناس، وتنصحهم ألا يقتربوا من أحد تظهر عليه الأعراض، أو يمسكوا الأبواب أو النوافذ.

الإيجار ومصروفات المدرسة وكورونا

زادت الاحتياطات والتدابير التي تتخذها العائلة ضد فيروس كورونا من مصاريفها على مواد التعقيم، والكمامات لأربعة أفراد يتحرك ثلاثة منهم بشكل يومي بين مدارس وعمل خاص، بمتوسط سعر الكمامة اليومية لثلاثتهم 15 جنيهاً، أي حوالي دولار (30 دولاراً شهرياً للكمامات ومثلها للمعقمات) أي يتكلفون 60 دولاراً شهرياً عدا مواد النظافة، لذلك لجأ الأبناء لمساعدة والدهم في العمل.

يحكي الأب أحمد قديمي عن اضطرار عمل طفليه معه، قائلاً: “مقدرش أشيل الإيجار ومصروفات المدارس”، أما عن تأثير الفيروس على دخله، وهو المعيل الرئيسي للعائلة، يقول: “لا أعرف نشتغل عشان مصاريف البيت ولا مصاريف حماية من كورونا؟”.

عبد الفتاح حمزة رئيس مجلس إدارة التجمع الخدمي السوري في مصر، وهي مظلة تنسيق بين عدد من المؤسسات الخيرية والتنموية والخدمية والإغاثية، التي تهتم بشؤون السوريين في مصر، قال إن هناك حوالي 400 ألف سوري على أرض مصر، يعيش حوالي 30 % منهم تحت خط الفقر، أي دخل الفرد منهم أقل من 1200 جنيه شهرياً (76 دولاراً) ويُصنَّف بنسبة تراوح بين 15 و 20% منهم بأنهم “مقتدرون”، يستطيعون تحمل نفقات السكن والمعيشة، والباقي في حالة اجتماعية ومادية متوسطة.

وأشار حمزة إلى أن التجمع يقدم خدمات لمختلف أطياف السوريين بغض النظر عن حالتهم المادية في ظل أزمة كورونا، فمثلاً يقدم للمقتدرين نصائح وإرشادات صحية، أما غير المقتدرين فيقدم لهم مساعدات مادية وعينية وأدوية، لافتاً إلى أنهم خلال العام الماضي وحده قدموا مساعدات لحوالي 1000 أسرة، وبعض هذه الأسر كان منها شخصان وأكثر مصابين بكورونا، يعيشون في القاهرة والجيزة وأكتوبر.

وشدد حمزة على أن قرار الحكومة بمساواة المصري مع السوري في الرعاية الصحية كان قراراً صائباً ساعد العديد من السوريين على الشفاء من الفيروس حينما أصيبوا به، ففتحت المستشفيات أبوابها للجميع دون استثناء.

اللقاح مجاني للاجئين

أدرجت الحكومة المصرية اللاجئين وطالبي اللجوء من كافة الجنسيات في الخطط الوطنية لمواجهة جائحة كوفيد-19، والحملة الوطنية للتطعيم ضد فيروس كورونا المستجد.

وتلقت أول لاجئة سورية الجرعة الأولى للتطعيم في 27 آذار/ مارس الماضي، بحسب تصريحات رضوى شرف مساعدة شؤون الإعلام والاتصال بمفوضية شؤون اللاجئين بمصر لرصيف22 عبر الإيميل.

يقول الأب: “لو لم يكن اللقاح مجانياً لما سجلنا، لم نكن لنقدر على دفع تكاليفه وكنا سنظل في خوف من الوباء”.

نور خليل، باحث في شؤون اللاجئين بمصر، قال لرصيف22 إن اللاجئين من كل الجنسيات، ومنهم السوريون تأثروا جراء أزمة تفشي وباء كورونا، على مستويات عدة: نفسياً واقتصادياً واجتماعياً، أما نفسياً فكان بسبب الجلوس في المنزل، ووقف جميع أنشطة الجمعيات والمدارس الحكومية والمجتمعية، إضافة للصعوبات الاقتصادية التي يواجهها اللاجئون”.

ويرى خليل أن الوضع المادي للاجئين تضرر بشكل لا يمكن حصره، فالعديد من أصحاب الأعمال قاموا بالاستغناء عن العمال، ومنهم لاجئون، وعلى مستوى الأعمال الغذائية تضرر السوريون ممن كانوا يصنعون الحلويات، ويبيعونها في الشارع بسبب خوف الناس من العدوى، وأصحاب المشاريع المتناهية الصغير، مثل الطبخ والخياطة وأعمال الكوافير، توقفت أعمالهم بشكل كامل.

ويضيف خليل: “مع التوقف الكامل لا يوجد تعويض أو معاش بسبب عدم وجود عقود قانونية، تحفظ حقوق العمال، كما تعرض الكثير للطرد من السكن لعدم تمكنهم من دفع الإيجار، وهذا تسبب في تزاحم داخل الشقق والبيوت لأنهم أصبحوا يؤجرون بيتاً واحداً لأكثر من أسرة”.

وقالت مساعدة شؤون الإعلام والاتصال بمفوضية شؤون اللاجئين بمصر: “قبل تفشي الجائحة، كان غالبية اللاجئين يُعدون من الفئات الأكثر احتياجاً، كان سبعة من كل 10 لاجئين غير قادرين على تلبية احتياجاتهم الأساسية”، لذا يوجهون مساعداتهم للعائلات الأشد احتياجاً.

وأوضحت شرف كيف أثر الوباء على اللاجئين عموماً، لأنهم غالباً ما يضطرون إلى تبني آليات التكيف السلبية، مثل: تكبد الديون أو تقليل الإنفاق على الغذاء والمواد الأساسية الأخرى اللازمة للبقاء على قيد الحياة.

ومنذ بداية الأزمة صرفت المفوضية مساعداتها النقدية الشهرية على أكثر من 42 ألف شخص من الفئات الأكثر احتياجاً، كما تمت زيادة المساعدة النقدية شهري آيار/ مايو وأيلول/ سبتمبر 2020 لشراء مستلزمات النظافة بغية تخفيف الضرر عن الأشخاص الأكثر تضرراً من الجائحة وتداعياتها.

وقدمت الجمعية أيضاً دعماً إضافياً لبعض شركائهم من المنظمات غير الحكومية لشراء مواد النظافة والتعقيم لتقديمها للاجئين. كذلك جرى توزيع منتجات النظافة والتعقيم منحة من شركات خاصة على أسر اللاجئين والأطفال المنفصلين عن ذويهم والأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة في القاهرة الكبرى من خلال شركاء المفوضية.

يستطيع اللاجئون وملتمسو اللجوء التسجيل لتلقي اللقاح عن طريق استخدام بطاقات اللجوء الصادرة عن المفوضية، وهو ما قامت به عائلة قُديمي، بمساعدة كاتبة المقال لدى التسجيل للقاح عبر الموقع الرسمي لوزارة الصحة والسكان المصرية.

رصيف 22

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى