أبحاث

وثيقة مسرّبة تفضح مخططاً قطرياً فرنسياً مزعوماً لإسقاط بشار الأسد عام 2011

زعمت وثيقة مسربة حديثاً وجود خطة قطرية لإطاحة الرئيس السوري بشار الأسد عن حكم سوريا عام 2011، بالتنسيق مع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي.

تمثل الوثيقة التي نشرها الصحافيان الاستقصائيان الفرنسيان تييري غادولت وبرنارد نيكولاس، قبل أيام، في موقع “لو بلاست إنفو” الفرنسي، “محضر اجتماع” رسمي بين رئيس الوزراء القطري وزير الخارجية آنذاك، حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني، ومن وصف بأنه “المستشار والمبعوث الخاص لفخامة الرئيس الفرنسي ساركوزي”، برنار هنري ليفي.

و”لو بلاست” هو موقع حديث متخصص في الصحافة الاستقصائية أسسه الصحافي الفرنسي دينيس روبرت الذي كان يعمل في صحيفة “لا ليبراسيون” الشهيرة. نجح روبرت في جمع تبرعات تزيد عن 300 ألف يورو (نحو 350 ألف دولار أمريكي) خلال أسبوع واحد فقط قبيل انطلاقه في كانون الثاني/ يناير الماضي.

أما ليفي، فهو صحافي ورجل أعمال وفيلسوف فرنسي يهودي من أصول جزائرية، يوصف عادةً بأنه “عرّاب الربيع العربي” و”صانع الفوضى” في تقارير الإعلام بالدول المناوئة للربيع العربي (الانتفاضات الشعبية التي حدثت قبل عقد من الزمن).

أشار التقرير في البداية إلى دور ليفي في إقناع الرئيس ساركوزي بالمشاركة في حرب إسقاط الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي.

ويأتي نشر الوثيقة ضمن ما أطلق عليه الناشران سلسلة “الاتصال مع قطر”، وهي مجموعة تحقيقات تكشف بعضاً من فصول سياسية الدوحة الخارجية وعلاقتها بمسؤولين فرنسيين، لا سيّما دور الإمارة الخليجية الغنيّة بالنفط في الحربين الأهليتين السورية والليبية.

ما مدى صحة الوثيقة؟

تستند التحقيقات إلى مجموعة من الوثائق المسربة التي بدأ نشرها في نيسان/ أبريل الماضي، أي بعد المصالحة القطرية مع الرباعي العربي، السعودية والبحرين والإمارات ومصر، في قمة العلا الخليجية في كانون الثاني/ يناير الماضي.

ولا يمكن لرصيف22 الجزم بصحة الوثيقة الممهورة بتوقيع عبد الله بن عيد السليطي، مدير مكتب بن جاسم، من عدمه. ويشير تاريخها إلى أنها صدرت في 20 كانون الأول/ ديسمبر عام 2011.

وفي حين يصف الموقع نفسه بأنه “وسيلة إعلامية مستقلة” تدافع عن المساواة بين الجنسين وحماية البيئة ومقاومة الاستبداد وصقل الروح النقدية وإعادة الثقة في وسائل الإعلام، بالاعتماد على جهود صحافيين معروفين بنزاهتهم، يثير الشكوك حوله تركيزه على قطر وعدم تبني نقد مماثل لخصومها، لا سيّما الإمارات التي طالما اتهمتها الدوحة بإنفاق مليارات الدولارات لتشويه صورتها في الإعلام الغربي.

إبّان نشر أول تحقيق ضمن “الاتصال مع قطر”، ذكر “لو بلاست” أنه حصل على الوثائق من مصدر مقرب من أجهزة استخبارات في شباط/ فبراير الماضي، مشيراً إلى أن إسرائيل والولايات المتحدة على علم بها.

وأوضح القائمون على الموقع أيضاً أنهم لم يحصلوا على الوثائق “دفعة واحدة” وإنما يزودهم المصدر بها قبيل نشر كل تقرير، لافتين إلى أنهم تثبتوا من “عدم وجود تلاعب بها”، وأن المصدر أخبرهم بأن الدوحة على علم بتسريبها.

خطة من خمسة محاور لإقصاء الأسد

في غضون ذلك، يكشف “محضر الاجتماع” تفاصيل خطيرة لمخطط إقصاء الأسد، علماً أن الموقع نشر أربعاً من أصل خمس ورقات قيل إنها لخصت فحوى ما ورد في الاجتماع. كذلك قيل إن الورقة الأخيرة تضمنت “ترحيباً” بـ”الضيف” الوصف الذي أشير به إلى ليفي، ما يعكس أن اللقاء كان في قطر أو مقر تابع لها على الأرجح.

ويظهر من تسلسل الأحداث التي جرت في سوريا بين تشرين الثاني/ نوفمبر 2011 وشباط/ فبراير 2012 وجود اتساق كبير مع ما طُرح في الوثيقة، ما قد يكون مؤشراً إلى تنفيذ المخطط بعناية إن صحت الأوراق المتداولة.

في الوثيقة، سأل “الضيف” عن الخطوات التالية لـ”تقديم كل أشكال الدعم للمعارضة والثوار” من أجل “تغيير المعادلة على الأرض”. أجابه بن جاسم بطرح خطة مكونة من خمس مراحل، أولاها “توجيه بعثة المراقبين العرب بالتعاون مع النظام السوري” إذ يكون “عملها محايداً” و”بعيداً عن المناطق الملتهبة لكسب ثقة النظام”.

وأوضح المسؤول القطري آنذاك أن بلاده وحكومات غربية، خاصة في أمريكا وفرنسا، ووسائل إعلام ينبغي أن تنتقد بعثة المراقبين العرب. وكانت بعثة مراقبين من جامعة الدول العربية قد بدأت عملها بسوريا في 27 كانون الثاني/ديسمبر 2011، أي بعد أسبوع من انعقاد الاجتماع، لمراقبة التزام النظام بوضع حد للعنف هناك. وتعرضت البعثة لانتقادات واتهامات بـ”التغطية على جرائم النظام” كما ورد.

في المرحلة الثانية من “الخطة” المزعومة، قال بن جاسم : “اتفقنا مع المعارضة على أنه فور انسحاب الجيش السوري من المدن والقرى سيتحرك الناشطون المنظمون للتظاهرات من أجل الدعوة إلى النزول إلى الشوارع واحتلال الساحات العامة في المدن الكبرى وباقي المدن ذات الأغلبية السنية”.

افترض المسؤول القطري أن النظام سيحاول قمع المتظاهرين وأنه “ستكون هناك عمليات قتل بحق المتظاهرين العزل وخاصة الأطفال والشيوخ” بما “سيثير حنق الجماهير، فتتحول جنازاتهم إلى وقود للثورة والعنف”، وبما قد يؤدي ذلك كله إلى زيادة حالات “الانشقاق داخل الجيش والنظام”.

في المرحلة الثالثة، قال بن جاسم إنه سيتم سحب المراقبين العرب قبيل انتهاء عملهم بذريعة عدم التزام النظام بخطة جامعة الدول العربية لوقف العنف، مع تحميل النظام “المسؤولية كاملة” بالتزامن مع “عمليات تصعيد إعلامية عالمية لإثارة مشاعر الشعوب الغربية والعربية تجاه الأسد وكل أقربائه وأصدقائه المقربين”.

وأشار “لو بلاست” إلى أن الثقة التي تحدث بها رئيس الوزراء القطري السابق نبعت من ترؤس بلاده جامعة الدول العربية حتى آذار/ مارس عام 2012.

كانت المرحلة الرابعة ستركز على “تصعيد الضغوط الأمريكية والأوروبية والعربية السياسية والإعلامية والدبلوماسية على روسيا لإقناعها بتغيير موقفها” والمشاركة في الضغط على الأسد للجلوس إلى طاولة المفاوضات مع المعارضة، ووقف قتل المتظاهرين.

“السلاح” كـ”حل وحيد”

حتى مع رسمه سيناريو لإرغام الأسد على التفاوض مع المعارضة، عبّر بن جاسم عن أن “الحل الوحيد للقضاء على الأسد” هو “دعم الجيش الحر والثوار بالسلاح” وخاصةً السلاح “النوعي” بذريعة “خلق موازنة ردع، وتعزيزيهم بالمقاتلين والجهاديين الأجانب ممن يمتلكون خبرة كبيرة في حرب العصابات”.

اقترح الرجل أيضاً “إنشاء معسكرات في دول الجوار السوري، خاصة إسرائيل، لتدريب المسلحين واستقطاب المتطوعين وتقديم الدعم اللوجستي لهم، كما هو الحال في تركيا، وفتح ممرات آمنة لهم للعبور إلى سوريا”. وعقّب على ذلك بأن “المعارضة السورية بكل أطيافها ليس لديها عداء مع إسرائيل. لقد أكدوا لنا أنهم إذا حكموا سوريا فسيكون هدفهم الثاني بعد بناء دولة ديمقراطية هو السلام مع إسرائيل”.

وتعذّر على رصيف22 الوصول إلى أي طرف في “المعارضة السورية” للرد على هذه الادعاءات.

ولم يبد ليفي أي اعتراض بشأن الخطة المقترحة، وإنما اكتفى بحثّ محاوِره القطري على “تقديم الأموال” بينما “تتولى شبكاتنا (أي الشبكات الفرنسية) الإعلامية والأمنية فور انسحاب الجيش السوري من المدن والقرى إرسال ملايين الرسائل الهاتفية وعبر البريد الإلكتروني والقنوات” التي تدعو الشعب السوري وخاصة الطائفة السنية لاغتنام فرصة وجود الإعلام الأجنبي مع المراقبين العرب والنزول إلى الشوارع واحتلال الساحات العامة بالمدن الكبرى، خاصة في دمشق وحلب.

تعهد ليفي أيضاً تولي مسؤولية التصعيد الإعلامي الغربي ضد الأسد وحلفائه، قائلاً إنه و”شركات علاقاتنا العامة” سيزيدون الضغوط على روسيا لتغيير موقفها.

واقترح تضخيم صفوف المتمردين السوريين بمقاتلين ليبيين دربتهم قوات فرنسية بقيادة شخص يُدعى “السيد حاراتي”، مضيفاً أنه سيجري إرسالهم إلى سوريا لمساعدة الجيش الحر، بينما سيحاول إقناع ساركوزي بتزويدهم بالسلاح المناسب.

وفيما أوضح ليفي أنه سيتواصل مع “أصدقائه الجهاديين خاصة في الشيشان” لإرسال مقاتلين متمرسين في حرب العصابات إلى سوريا، شدد على ضرورة إشراك إسرائيل في الملف، موضحاً أنه سينسق معها ويعود لإبلاغ الجانب القطري بما توصل إليه.

من هو الحاراتي؟

و “السيد حاراتي” الذي تحدث عنه ليفي هو عبد المهدي الحاراتي، وهو قائد عسكري من أصول ليبية يحمل الجنسية الإيرلندية. قاد الحاراتي كتيبة “ثوار طرابلس” التي شاركت في القتال ضد القذافي. لاحقاً، بناءً على الاتفاق كما يبدو، أصبح قائداً لميليشيا “الأمة” التي قاتلت القوات السورية النظامية في بداية الحرب الأهلية السورية.

وفي 23 كانون الأول/ ديسمبر 2011، بعد الاجتماع بثلاثة أيام، أفادت صحيفة لو فيغارو الفرنسية بأن ثلاثة مقاتلين من ليبيا وصلوا إلى سوريا كمبعوثين، من بينهم مهدي الحاراتي الذي تصفه تقارير إعلامية مناوئة للدوحة بأنه “رجل قطر في ليبيا وسوريا”.

ومن عناصر الخطة القطرية المطروحة في الاجتماع الذي وصف بأنه “سري جداً”، يظهر أن الجانبين نجحا في تنفيذ المتفق عليه باستثناء أمر واحد فقط ربما كانت له الغلبة في تغيير مسار الحرب السورية لصالح النظام، وهو الضغط على روسيا لتغيير موقفها من دمشق ووقف دعمها للأسد وإجباره على التفاوض مع المعارضة.

وتجدر الإشارة إلى أن الرئيس السوري اتهم فرنسا بالتحول إلى “دولة تابعة” لقطر والسعودية من أجل مليارات الدولارات، وذلك خلال مقابلة مع وكالة الأنباء الفرنسية عام 2014.

رصيف 22

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى