أبحاث

مسايرة الإسلام السياسي… هكذا تؤسَس العنفية الذكورية في سوريا/ همبرفان كوسه

منذ مدة، ظهرت عضوة اللجنة الدستورية عن وفد المعارضة السورية، الدكتورة بسمة قضماني، مرتدية الحجاب في بلدة مارع في مدينة أعزاز شمال حلب، خلال إدارتها ندوة حوارية حول مشروع المجتمع المحلي في العملية السياسية والدستورية. ارتداء قضماني الحجاب أثار الكثير من ردود الفعل السلبية، والتساؤلات عن الأسباب التي دفعتها لارتدائه، وعما إذا كانت قد أُرغمت على ذلك. لكن الدكتورة المعارضة ما لبثت أن ردت على تلك التساؤلات، وأكدت أنها ارتدت الحجاب بمحض إرادتها، وأن ذلك جاء كرسالة إلى النساء الموجودات في الندوة، والرجال، بأنها تنتمي إلى ذلك المجتمع الذي تحاضر فيه، وبينت أن ارتداء الحجاب في تلك المنطقة، أمر طبيعي.

في أثناء ردود الفعل تلك، خرجت أصوات “نسوية” عديدة ترفض انتقاد فعلة الدكتورة، وتؤيد مشروعية رسالتها، ونوعيتها، وتناصر ارتداءها الحجاب، في سياق الحرية الفردية في اتخاذ القرار، من دون أن تناقش فكرة أن الدكتورة غير محجبة، وأن الحجاب ليس حرية فردية، إذا ما تحول إلى دلالة مجتمعية على الالتزام الأخلاقي، والتمتع بالعفة، ومن دون أن تتحدث عن أن كثيرات من اللواتي يعشن في تلك المناطق، يرتدين الحجاب مرغماتٍ، ولم يخترن الحجاب، وحتى من دون مناقشة أن العقيدة الإسلامية، وما تحمله من شروط “ثيابية” على النساء في تلك المنطقة، هو جزء من الحالة العنفية الذكورية ضد النساء، وأن المراكز الدعوية الإسلامية لا تعمل إلا على فرض الدين، وشروطه، وتشريعاته، على النساء. ومخالفة تلك الشروط تؤدي، بالضرورة، إلى العنف اللفظي، والجسدي، وإلى الاعتقال، والمحاكمة الذكورية المجتمعية، والسلطوية.

في مواقف مختلفة، لم تواجه الحركة النسوية التمدد الإسلامي في مناطق شمال غرب سوريا، وسايرت حملاتها الدعوية، ولم تطلق الفعاليات والأنشطة، ضد ما تبنته هذه الجماعات الإسلامية من ذكورية تصل إلى أن تناهض وجود النساء كجنس بشري. السوريات في مدينة عفرين، تعرضن للاعتقال، والخطف، والاغتصاب، والإكراه على الدين، والحجاب القسري. وفي المدينة المحتلة ذاتها، تحركت عشرات المراكز الدعوية، ونشرت اليافطات التي تطالب النساء بالالتزام بتعاليم العقيدة الإسلامية، ووصلت بعض يافطاتها إلى عدّ تنفس النساء، حدثاً محرماً يحاسب عليه الدين. خلال تلك الممارسات كلها، كانت الحركة النسوية، ومنظمات المجتمع المدني السورية، شبه صامتة، وغير متحركة في مواجهة هذه الممارسات التمييزية المتطرفة. وأغلب الظن أن السبب، هو رغبتها في أن تبقى عاملة في تلك المناطق، وفي محيطها، وفي تركيا، على حساب أن تساير السلطات فيها، أو أن تهمش الكثير منها، لأسباب سياسية غالباً.

وبما أن حديث الشيخ أسامة الرفاعي، في منبره في جامع أعزاز الكبير، كان عن الجندرة، ومنظمات المجتمع المدني، والأدوار التمكينية للنساء في المجتمع السوري، فمن المهم الإشارة إلى أن ضعف الخطاب النسوي المعارض، في مواجهة الذكورة السياسية لدى الأطراف والأطر السياسية السورية المعارضة، ولدى منظمات المجتمع المدني السورية، التي هي إحدى الأطراف الثلاثة في عملية بناء السلام السورية، أدى، بشكل واضح، إلى تصاعد الخطاب المناهض للضعف المتوافر في التمثيل الجندري، داخل الفعاليات السياسية والمدنية في سوريا. كان غياب المساواة الجندرية واضحاً في لجنة اعتماد دستور جديد لسوريا في عملية بناء السلام؛ فمن أصل 45 عضواً في لجنة صياغة الدستور، لم تحصل النساء إلا على ثلاثة عشر مقعداً، من وفود المعارضة، والنظام، والمجتمع المدني، وفي لجان عملية بناء السلام المختلفة. لم تتمكن النساء من تحقيق التمثيل الجندري الحقيقي، وعلى الرغم من أن الأمم المتحدة هي من يطالب بالمساواة الجندرية، في عملية بناء السلام، إلا أن مطالبتها ظلت سطحية، غير ممكنة. وفي المقابل، فإن منظمات المجتمع المدني السورية، لم تملك أي موقف واضح، ومؤثر، ورافض لهذه اللجنة، التي هي جزء من الذكورة السياسية المطبقة منذ عام 2011 في سوريا.

ضعف الخطاب النسوي السوري، وخطاب منظمات المجتمع المدني، في مواجهة الإسلام السياسي، والمعارضة السياسية والعسكرية السورية، ومسايرتها في الكثير من الأحيان، وتهميش قضايا العنف، وفرض الدين، والإكراه عليه، والخطف، والاعتداءات المتكررة على النساء، في مناطق حكم الأمر الواقع للمعارضة السورية، وإقصاؤه السياسي المتعمد عن عملية بناء السلام، أتاح الفرصة أمام تطور الخطاب الذكوري، وتصاعده في مواجهة النسوية السورية، ومواجهة التمثيل الجندري الضعيف للنساء في الفضاء السوري المعارض العام. وهذا الخطاب الضعيف، كانت من نتائجه الطبيعية خطبة الشيخ أسامة الرفاعي، رئيس المجلس الإسلامي السوري، وفتاوى المجلس المتعددة في مختلف قضايا النساء، التي لا تلقى أي ردود فعل حقيقية.

حتى في معرض الرد على خطبة أسامة الرفاعي، التي عدّ فيها النسويات السوريات العاملات في منظمات المجتمع المدني السورية، مجنداتٍ لدى مراكز “الكفر والتضليل” الغربية، ومن بينها منظمة الأمم المتحدة، والتي وصف فيها الجندرة، وحرية المرأة، وتمكينها، تضليلاً، وكفراً، واستهدافاً للمجتمع السوري، وفتواه التحريضية التي أباحت قتل السوريات واستهدافهن، وفي منطقة جغرافية هي بيئة ملائمة لارتكاب أي جرم بحق النساء، على المستويين الاجتماعي والسياسي، كان الضعف في الخطاب واضحاً، ومكملاً للضعف الموجود أساساً في الخطاب المدني السوري المواجه للخطاب الإسلامي الجهادي، الذي تحول إلى سمة متصاعدة لدى المعارضة السورية؛ إذ إن ردود الفعل اقتصرت على بضع منظمات نسوية مدنية، لم تتمكن حتى من ذكر اسم أسامة الرفاعي، ومجلسه الإسلامي السوري، بل دافعت عن الجندرة، وعن الخطاب النسوي فحسب، ووضعت نفسها في موقف المبرر لنشاطها وأفكارها، ضد حاكمية المجتمع والسلطة.

إن عدم مواجهة الإسلام السياسي، كونه فكرة تؤسس لحالة عنفية ذكورية في سوريا، وتؤسس لمنظومة اجتماعية وسياسية واقتصادية تقصي النساء، سيؤدي بطبيعة الحال إلى أن تكتسب هذه الأطراف الذكورية القوة في مواجهة النسوية، والتحركات المدنية السورية الساعية إلى تحقيق العدالة والمساواة.

خلاصة القول: مقارنةً مع ردة الفعل الضعيفة، وفي بعض الأوقات المبررة، لفعلة الدكتورة بسمة قضماني، وردة الفعل الضعيف في مواجهة فتوى القتل لدى أسامة الرفاعي، في زمكان واحد متقارب، نصل إلى نتيجة مفادها أن مسايرة الإسلام السياسي، والمعارضة السورية، وتهميش الإقصاء السياسي والاجتماعي، على حساب قضايا ثانوية، ومحاولة إشراك الجهادية الإسلامية، كإحدى الأطراف المؤسسة لواقع اجتماعي وسياسي سوري مستقبلي، تؤدي، بصورة واضحة، إلى تشكل خطاب تحريضي ضد النساء اللواتي يفكرن في أن يتنفسن بغير وجه حق، خارج النظام الأبوي، سياسياً واجتماعياً.

رصيف22

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى