أبحاث

سوريا: من دولة الاستقلال إلى دولة المخدرات والاحتلال/ رياض معسعس

اتسم المسار التاريخي السوري بعد سقوط السلطنة العثمانية بصحوة «عروبية» استقلالية مناهضة للاستعمار، ولعبت جمعية «سورية الفتاة» دورا في ذلك، بعد خديعة الحلفاء الكبرى للشريف حسين، والتخلي عن وعدهم بإنشاء المملكة العربية بقيادته بمؤامرتهم الكبرى التي شملت: وعد بلفور بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، معاهدة سايكس بيكو لتجزئة دول الشرق الأوسط، معاهدة سان ريمو للتوقيع على مناطق الانتداب بين فرنسا وبريطانيا، لكن السوريين (سوريا الكبرى) رفضوا هذه المؤامرة بانعقاد المؤتمر السوري في دمشق في 8 آذار- مارس 1920 وشكلوا حكومة الاستقلال. لكن الجيش الفرنسي بقيادة الجنرال غورو وبعد قرار عصبة الأمم في العام 1922 غزا سوريا في معركة ميسلون الشهيرة التي قتل فيها وزير الدفاع يوسف العظمة (كردي).

الثورة السورية الكبرى

السوريون رفضوا الانتداب واندلعت الثورة السورية الكبرى في العام 1925 بقيادة سلطان الأطرش (درزي) رفضا لتجزئة سوريا إلى دول طائفية.

وتشكلت الكتلة الوطنية على إثرها التي جمعت زعماء البورجوازية الوطنية السورية المطالبة بالاستقلال عن فرنسا ورفض المشروع الصهيوني في فلسطين.

وحدهم زعماء العلويين في رسالتهم الشهيرة إلى رئيس وزراء فرنسا ليون بلوم يطالبونه بإنشاء «الدولة العلوية» ويتهمون المسلمين باضطهاد العلويين، وقتل اليهود المساكين في فلسطين وأحد الموقعين عليها سليمان الوحش جد بشار الأسد:

«إن روح الحقد والتعصب التي غرزت جذورها في صدر المسلمين العرب نحو كل ما هو غير مسلم هي روح يغذيها الدين الإسلامي على الدوام…. وحالة اليهود في فلسطين هي أقوى الأدلة الواضحة الملموسة على أهمية القضية الدينية التي عند العرب المسلمين لكل من لا ينتمي إلى الإسلام.. فإن أولئك اليهود الطيبين الذين جاؤوا إلى العرب المسلمين بالحضارة والسلام، ونثروا فوق أرض فلسطين الذهب والرفاه ولم يوقعوا الأذى بأحد ولم يأخذوا شيئا بالقوة، ومع ذلك أعلن المسلمون ضدهم الحرب المقدسة، ولم يترددوا في أن يذبحوا أطفالهم ونساءهم».

هذه الرسالة تظهر جليا العداء الطائفي إزاء الإسلام والمسلمين والرغبة في الانفصال أو الدعوة لبقاء الانتداب الفرنسي.

الكتلة الوطنية والاستقلال

«الكتلة الوطنية (الحزب الوطني السوري) التي تشكلت في خضم الثورة السورية الكبرى من مبادئها من مبادئها» الحرية التامة للمواطنين السوريين، ومكافحة التجهيل والخداع والاضطهاد الفكري والمادي. وأن حرية الإنسان السوري هي حرية مقدسة غير منقوصة ولا مشروطة حتى لو كانت تلك الحرية لا تتفق مع الحزب في أطروحاته وأفكاره وأنه يعمل على صونها وتقويتها لأنها هي أساس كل إبداع».

والعدالة هي الهدف الثاني في حين أن الهدف الثالث هو المساواة كافة الأعراق المكونة للشعب السوري وكافة الديانات وكافة الطبقات الاجتماعية.

ومبادئ الكتلة الوطنية التي شكلت على أساسها: الوطنية للوطن، والشخصية السورية المتميزة، الشعب لخدمة السوريين ورخائهم بغض النظر عن اتجاههم السياسي أو الفكري، وللسوريين مطلق الحرية بممارسة كل رغباتهم وتطلعاتهم شرط أن لا ينتج عن ذلك أي ضرر يلحق بأي سوري»

وقد ناضل زعماء هذه الكتلة خلال فترة الانتداب حتى تحقيق الاستقلال في 17 نيسان/أبريل 1946. ثم انشقت إلى حزبين يمثلان أكبر مدينتين سوريتين: الحزب الوطني في دمشق، وحزب الشعب في حلب.

إلى جانب هذين الحزبين تشكلت أحزاب جانبية أهمها: الحزب الشيوعي، الإخوان المسلمون، حزب البعث، حزب القومي السوري الاجتماعي.

في دولة الاستقلال لم يقم الحزب الوطني الذي حكم سوريا بمعاقبة زعماء العلويين الذين طالبوا بالانفصال وبناء «دولة علوية» بل على العكس كانت لهم مقاعدهم في البرلمان ومحرر الرسالة بدوي الجبل كان أحدهم.

صعود البعث و»دولة الطائفة»

لعب حزب البعث دورا مشبوها وتدميريا للدولة السورية بدءا من الانفصال عن مصر وضرب الوحدة السورية المصرية، ثم انقلاب 8 آذار-مارس ( وهو نفس اليوم الذي عقد فيه المؤتمر السوري الأول قبل 38سنة ولا نعرف أنه صدفة تاريخية أم تم اختياره مسبقا) الذي ألغى كل الأحزاب السياسية، وأعلن قانون الطوارئ، وقمع الحريات، وترسيخ أسس «دولة الطائفة» وبالأحرى «الجملكية الأسدية»، والتي بدأت بتسليم الجولان السوري للعدو الصهيوني، ثم التسلط على السلطة بانقلاب حافظ الأسد الذي أدخل سوريا في حرب طائفية ضد المسلمين في مجازر عديدة أهمها مجزرتا سجن تدمر ومجزرة حماة.

وأسس لدولة المخابرات، وتمكين أبناء الطائفة من استلام وظائف الدولة وتحالف بعض الأقليات ضد الأكثرية السنية.

بشار الأسد ودمار الدولة السورية

ما فعله بشار الأسد في سوريا فاق التصور والتوقعات، فهو استكمال لما بدأه الجد سليمان، ثم الأب حافظ، فقد قضى على سوريا دولة وشعبا.

ففي عهده وصل الفساد إلى حده الأعظمي بتسلط أبناء العائلة على مقدرات البلاد وخاصة آل الأسد، وآل مخلوف، وآل شاليش، وكبار الجنرالات الذين يمثلون زعامات العشائر، والبطون، وعائلات العلويين، مع انطلاقة الثورة السورية سلميا، لم يكن أمام النظام سوى مواجهتها بشتى السبل ( عسكرتها بتحويلها إلى مواجهة مسلحة، شيطنتها بإلصاق تهم الإرهاب) حتى يتم القضاء عليها.

حافة الهاوية

وخلال عقد ونيف وصلت سوريا إلى حافة الهاوية على جميع المستويات، اقتصاد منهار، شعب جائع، نصف الشعب السوري صار لاجئا، مليون قتيل وجريح، دمار البنية التحتية والسكنية، انعدام السيطرة على أكثر من ثلث الأراضي السورية، فقدان السيادة على الدولة ككل بعد احتلال دول أجنبية بمحض إرادة النظام التي جلبها بنفسه وتحول الاقتصاد السوري إلى اقتصاد يرتكز على صناعة وتهريب المخدرات وهذا ما أكدته عدة مصادر صحافية، آخرها صحيفة دير شبيغل الألمانية:

«سوريا أضحت مُنتجاً رئيسياً لحبوب الكبتاغون بتجارة تدر أرباحا خيالية وصلت إلى حوالي خمسة مليارات يورو للعام 2021»

وأكده العاهل الأردني الملك عبد الله في أكثر من مناسبة أن عمليات التهريب للمخدرات والأسلحة الآتية من سوريا قد ازدادت وتيرتها، وفقدت السلطة سيطرتها على العصابات والميليشيات المنتشرة في كل المدن وخاصة عصابات تابعة لأبناء عمومة بشار الأسد. وهكذا تحولت سوريا بعد نصف قرن تقريبا من حكم العائلة الأسدية إلى واحدة من أفقر الدول وباتت دمشق أسوأ مدينة للعيش حسب التصنيف الذي أصدرته وحدة المعلومات الاقتصادية في مجموعة (إيكونوميست)، بعد أن كانت حاضرة الأمويين وأعرق عاصمة في العالم تنشر العلم والثقافة والعيش الرغيد.

كاتب سوري

القدس العربي

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى