الناس

سوريا: مستشفيات تغلق أبوابها وأطباء يهربون من التجنيد والفقر/ طارق المصري

تعاني معظم المستشفيات في سوريا من نقص في الأطباء عموماً وأطباء التخدير خصوصاً، ووصل الأمر إلى خلو بعض المستشفيات من أي طبيب تخدير، مثل مستشفى الزهراوي ومستشفى التوليد الجامعي في دمشق.

شهر ونصف الشهر، يفصل الطبيب أحمد عن مغادرة سوريا، بعدما ساعده أحد أصدقائه بالتعاقد مع مركز طبي في مدينة أربيل العراقية، حتى يبدأ حياة جديدة بعيدة من الحرب السورية وتداعياتها.

يقول أحمد إنه يريد الهرب من الخدمة العسكرية الإلزامية بعد اقتراب نهاية التأجيل الذي يملكه، إضافة إلى تحسين وضعه الاقتصادي ومساعدة أهله في حمص.

شهدت سوريا خلال سنوات الأخيرة هجرة الأطباء بشكل كبير، ما أدى إلى نقص في بعض الاختصاصات الطبية، وأثر في الواقع الصحي، ووصل الأمر إلى إغلاق مستشفيات، في غياب الحلول الناجعة.

نقص في الاختصاصات على رأسها التخدير

تعاني معظم المستشفيات في سوريا من نقص في الأطباء عموماً وأطباء التخدير خصوصاً، ووصل الأمر إلى خلو بعض المستشفيات من أي طبيب تخدير، مثل مستشفى الزهراوي ومستشفى التوليد الجامعي في دمشق.

قدرت رئيسة “رابطة التخدير وتدبير الألم في نقابة الأطباء”، زبيدة شموط، عدد أطباء التخدير في سوريا بـ500 فقط يتوزعون على مستشفيات عامة وخاصة، بينما الحاجة تصل إلى 1500 طبيب.

وبينت أن النسبة الأكبر من أطباء التخدير بعمر الـ55 و66 سنة، أي أنهم تقريباً في مرحلة التقاعد، فيما هناك ثلاثة أطباء فقط تحت الـ30، ومن المتوقع مغادرة كثيرين، ليتجه الوضع نحو الأسوأ.

وأضافت، “نسبة الأخطاء عند أطباء التخدير قليلة جداً وهذا يعود إلى كفاءة طبيب التخدير في سوريا، وبالتالي فإن الطبيب السوري مرغوب في دول عربية وأوروبية كثيرة”.

المسؤول العلمي في رابطة “اختصاصيي التخدير وتدبير الألم” في سوريا، الدكتور فواز هلال، أكد أن أعداد أطباء التخدير في حالة تدهور سريعة، إذ يغادر البلاد أربعة أطباء شهرياً، علماً أن معظم الأطباء ليسوا من فئة الشباب.

ورأى أن طبيب التخدير يحصل في مستشفيات ريف دمشق على 1500 ليرة سورية (نصف دولار تقريباً) فقط على كل عملية، بينما يتقاضى في دمشق 2 في المئة فقط من أجور الجراح.

ويضيف هلال، “هذه الأجور مجحفة، ويفترض أن يحصل الطبيب على 30 في المئة من أجر الجراح بحسب القانون”. 

يؤكد عضو مجلس نقابة الأطباء في سوريا الدكتور زاهر بطل أن هناك نقصاً في بعض الاختصاصات الطبيّة الدقيقة مثل العصبية والصدرية.

ورأى بعض الأطباء أن النقص أكثر وضوحاً حالياً في أطباء التخدير، لكن بعد أشهر سنشاهد الأمر نفسه مع بقية الاختصاصات.

وسبق أن أعلنت لجنة الإنقاذ الدولية (IRC) في تقرير أصدرته العام الماضي، أن نحو 70 في المئة من العاملين في القطاع الصحي غادروا سوريا، موضحةً أنه يتوفر حالياً طبيب واحد لكل 10 آلاف سوري.

إغلاق مستشفى لنقص الأطباء

أغلق مستشفى “التوليد وأمراض النساء الجامعي” الحكومي في العاصمة دمشق أبوابه أمام الحالات المرضية، كما تم إيقاف جميع القبولات لأربعة أيام متواصلة، بسبب نقص أطباء التخدير حيث لا يوجد سوى طبيب واحد.

وبدا المستشفى خالياً من المراجعين لأول مرة، وبعيداً من حالات الازدحام والانتظار التي كانت تملأ مختلف أقسامه.

لمى نُقلت إلى المستشفى أكثر من مرة في حالة إسعافية، لكنها لم تتمكن من الدخول، واضطرت إلى التوجه إلى مستشفى خاص ودفع مبالغ كبيرة.

وأرجع مدير عام مستشفى التوليد مروان الزيات سبب الإغلاق إلى نقص أطباء التخدير، وتابع “لو استمر عمل المستشفى لتسبب بأخطاء طبية قد تؤدي إلى مشكلات أو حتى حالات وفاة”.

وتحدثت بعض صفحات وسائل التواصل الاجتماعي السورية عن حالة وفاة في المستشفى نتيجة نقص الأطباء، وتعليقاً على ذلك قال الزيات إن “السبب لا يرتبط بشكل مباشر بالتخدير، إنما حصلت الوفاة نتيجة صدمة تحسسية أصابت المتوفاة أثناء نقل الدم”.

 وذكرت وسائل إعلام سورية أن الجهات المسؤولة عن المستشفى تعلم بهذا الوضع منذ عام وخاطبت وزارة الصحة إنما لم يتخذ أي إجراء.

وبين الزيات أن المستشفى عاد إلى عمله بشكل طبيعي، ومن المقرر زيادة عدد أطباء التخدير فيه إلى خمسة. وهو كان يستقبل 100 مراجع يومياً بحسب بعض الأطباء، لذلك شكل إغلاقه  ضغطاً على المرضى.

الخدمة العسكرية والوضع الاقتصادي

شهدت الأعوام الأخيرة هجرة الكثير من الأطباء السوريين إلى مختلف دول العالم، بحثاً عن فرص عمل أفضل لتحسين واقعهم الاقتصادي، بينما اختار البعض السفر هرباً من الخدمة العسكرية.

وتحدث الدكتور جورج  (34 سنة) عن سفره إلى ألمانيا بعد تردي الواقع الاقتصادي في سوريا، يقول: “هنا تشعر بأنك محترم وعملك واضح، ولست بحاجة لاستنزاف نفسك في ساعات عمل إضافية وفي أكثر من مكان كما في سوريا للحصول على بعض المال”.

الدكتور ليث (30 سنة) سافر إلى الصومال بعد رفض شعبة التجنيد الخاصة بمحافظته تأجيل خدمته، “لا يمكنني بعد كل سنوات دراستي الالتحاق بالخدمة العسكرية في حرب لا نعرف نهايتها. كما أنني تعبت من الوضع الاقتصادي السيئ، فالأسعار ترتفع كل يوم والمال الذي كنت أتقاضاه لم يعد كافياً”.

ولم يجد الكثير من الأطباء السوريين أمامهم سوى الصومال لسهولة إجراءات السفر إليها، كما أن الرواتب والوضع الاقتصادي أفضل، وهذا ما اعترف به نقيب أطباء سوريا كمال عامر.

كما كشف نقيب أطباء الأسنان في اللاذقية طارق عبد الله عن هجرة 70 في المئة من الأطباء الجدد، مرجعاً الأمر إلى ارتفاع تكاليف المهنة ومستلزماتها وانقطاع التيار الكهربائي والوضع الاقتصادي.

ويبين محمد (طبيب مختص في الجهاز التنفسي والرئتين) أن الصومال كان خياره الوحيد بعد إغلاق معظم الدول أبوابها في وجه السوريين، ويعيش منذ سنة في مقديشو حيث يعمل في أحد المراكز الطبية، وينعم مع زملاء له بوضع أفضل، فالطبيب في سوريا يتقاضى 250 دولاراً شهرياً، بينما في الصومال يتراوح راتبه بين 1100 إلى 2000 دولار.

يتجه كثيرون في السنوات الأخيرة إلى اختيار اختصاص الجراحة التجميلية، لارتفاع الطلب على عمليات التجميل.

يفكر الطالب رامي وهو في كلية الطب البشري في جامعة دمشق (السنة الخامسة)، بالتخصص بالجراحة التجميلية، نظراً إلى عوائدها الجيدة، “الواقع الاقتصادي سيئ جداً في البلد، ولا بد من اختيار اختصاص مناسب حتى أؤمن حياة كريمة”.

ويشاطره الرأي كريم، وهو طالب طب، سنة سادسة، يقول: “إذا بدي عيش وما اشتغل لساعات طويلة، الأفضل ادرس اختصاص تجميل أو اختصاص يخليني ادخل بمجال عمليات التجميل”.

وأوضح نائب نقيب أطباء سوريا غسان فندي أن رغبة الأطباء في التخصص في التجميل طغت على بقية الاختصاصات في العامين الأخيرين، والقسم الأكبر من الخريجين يبحثون عن اختصاصات طبية يكون طريقها أقصر من الاختصاصات الأخرى للحصول على مردود مادي.

وقدر فندي عدد الأطباء المختصين بالتجميل بأضعاف عدد أطباء الاختصاصات الأخرى، متوقعاً أن عدد الأطباء في سوريا يتراوح بين 25 و27 ألف طبيب.

وتنتشر في مختلف المحافظات السورية مراكز التجميل، عدد منها غير مرخص، إضافة إلى إعلانات عن عمليات ومراكز تجميل بمختلف الطرق والساحات، إضافة إلى ما ينشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

هل من حل؟

إذا استمر هذا الاستنزاف وواصل الأطباء هجرتهم، قد تضطر سوريا إلى الاستعانة بأيدي عمل أجنبية، وهو ما حذر منه نائب نقيب أطباء سوريا غسان فندي، مشيراً إلى ضرورة توفير بيئة وأجواء أفضل.

وطالب فندي بإيجاد حلول لهذه المشكلة عبر تحسين أجور الأطباء والتعويضات المادية، مضيفاً “من يذهب إلى أي دولة يحصل على دخل يراه أفضل من الدخل الذي يحصل عليه في سوريا”.

ودعا إلى إجراء دراسة تفصيلية لكل اختصاص على حدة، للوصول إلى مرحلة من التوازن بين الاختصاصات، إضافة إلى ضرورة أن تكون المفاضلات الخاصة بقبول الخريجين في الاختصاصات هي الضابط للنقص أو الزيادة في هذا الموضوع.

بينما ذكرت رئيسة رابطة التخدير وتدبير الألم في نقابة الأطباء، زبيدة شموط أن هناك اقتراحاً بزيادة تعويض الاختصاص لأطباء التخدير إلى 300 في المئة، لكنه ما زال قيد الدراسة في اللجنة الاقتصادية في مجلس الوزراء.

ويشكل العائد المادي وارتفاع أسعار مستلزمات المهنة وانقطاع التيار الكهربائي، أبرز المشكلات التي يعاني منها الأطباء بحسب طبيب الأطفال محمد، الذي أكد أنه لا يوجد عمل حقيقي لمعالجة هذه الأمور وإنما مجرد حلول مؤقتة.

بينما يؤكد الطبيب طارق الذي وصل قبل أشهر إلى أربيل أن موضوع الخدمة العسكرية هو الهاجس الأكبر للأطباء السوريين، وهذا ما دفعه للسفر إضافة إلى سوء الوضع الاقتصادي.

درج

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى