صفحات الحوار

نصوح زغلولة: ثلاثون سنة وأنا أصوّر الشام… لم تعد الشام كما هي

أنا ابن البلد ويحق للغرباء ما لا يحق لي

محي الدين ملك

هو ابن الشام الذي أحبّ الريف، وفيّ لأصدقائه ولمعلميه، يتباهى بأنه تعلّم منهم وهو المعلّم المتفرّد، مهووس بالعصافير التي رحلت هي الأخرى، مثلها مثل شام”هـ”. “أيّ ثقب في أيّ باب أو جدار كان بمثابة عدسة كاميرا” بالنسبة له، ومن هذه الثقوب رأى العالم وأدخلنا في لعبته ليرينا العالم والأشياء والمدن والأرياف والعصافير من مكان ومن موقع مختلفين. إنه الفنان والمصوّر الفوتوغرافي نصوح زغلولة، الذي باح وحكى لحكاية ما انحكت، عن أحلامه وصوره ومعلميه وأصدقائه وعلاقته بالكاميرا، عن حبّه للشام التي تعد كما كانت، وعن وعن…

فنان تشكيلي سوري، أقام العديد من المعارض داخل وخارج سوريا، يهتم ويكتب عن الفن التشكيلي.

“في أعماقي صرخة، وصوري كلّها تعقيب على الصرخة”. أجل، تلك هي الكلمات التي ظلّت تراودني حين تركت الفنان “نصوح زغلولة” في منزل عائلته الكائن في حيّ القصور الدمشقي، وبعد حوار امتدّ ساعتين، أقل أو أكثر.

تُرى، هل له فلسفته الخاصة بحياة الصورة وموتها، للاعتراف بالوهم، ومكابدة الألم، ومداراة الأمل؟ كان “بسيطًا كالماء وواضحًا كطلقة مسدس”- إذا ما جاز لنا استعارة تشبيه الشاعر رياض الصالح الحسين،. كلامه خفيف على القلب، مُزيّن بريَش العصافير. يصرخ، يغنّي، وربّما يبكي في أعماقه، ليس لشيء، فقط ليغرق في صرخة قلبه البعيدة والعنيدة.

صرخة تنتمي إلى أزمنة “كانت”، وأمكنة “لم تعد كما كانت..”، فإذا التي “كانت” وتلك التي “لم تعد كما كانت” قابلة في المتخيّل الفني للاختزال والتماثل، فكيف تختزل الأمكنة التي تحايث الأزمنة وتباطنها؟ يسأل أحدهم. “كلّ ما هو إنساني ليس غريبًا عني”، يقول ماركس، وكلّ ما هو إنساني له متّسع في حقل الصورة التي يخرجها، لنفسه أولًا، وللآخرين أخيرًا.

في هذا الحوار، قام “زغلولة” بطواف شبه شامل داخل صوَرٍ ذهبت مع الأيام، وأخرى تنتظر حكايتها، ليسجِّل عبرها شهادته ويجعلها شاهدة على فترة من أكثر الفترات الدمويّة والمؤلمة والممزّقة التي مرّت على بلده/نا سوريا، ولينظر بعين كلماته –ما أمكن- إلى حقائق عن تلك الفترة وغيرها، وعن هذا البلد وغيره، نظرة إلى الأشكال المحطّمة، الهاربة، الغاوية، دون أن يراوغ، لينتهي الحوار بـ: “ما عاد في شي.. كله راح”، ويضيف: “لأول مرة في حياتي أشعر بحاجتي إلى إجازة خارجيّة طويلة. إلى باريس…”.

حدَّثني بأسلوب يليق به كإنسان نبيل، وفنان مبدع، ومُصَوِّر محترف: الصدق والتواضع، والكلمات التي تشبهه كإنسان وكمصوّر، وتمزيق الصور الزائفة، المنافقة، بالإضافة إلى أنّه لا يخطّط للصورة كما يقول. يأتي بمثال حيّ عن كيفيّة إنجاز مشروع معرضه الأخير: كانت الفكرة عبارة عن قذيفة وبضع عصافير ماتوا. لقد أصبحنا محرومين –خلال السنوات العشر– من حَمْلِ الكاميرا والنزول إلى الشارع لِنُصَوِّر، وأنا في الأصل مصوِّر الشوارع، بمعنى، لستُ مصور الاستديوهات. حكاية المعرض الأخير هي حكاية العصافير.

لا أريد الاسترسال في هذه البداية النصيّة، لذا، أودّ التوقّف عند هذا الحوار. والبدء به..بـ “حكاية ما انحكت”، لنقولها: “نحن اللغة التي يدور بها الكلام عنَّا، نحن الصور التي يتم التعرّف علينا من خلالها، نحن التاريخ الذي حُكم علينا بأن نتذكره لأنّهم حرمونا من دورٍ فعال في الحاضر. لكننا أيضًا اللغة التي نشكّك من خلالها بهذه التأكيدات، والصور التي بفضلها نثبت بطلان القوالب الجامدة. كما أنّنا أيضًا العصر الذي فيه نعيش، وهو عصر لا يمكننا أن نتغيب عنه. فلنا وجودنا الخاص، ولسنا بعد مستعدين للبقاء خياليين”.

ومن هنا نبدأ.

الفنان والمصوّر الفوتوغرافي نصوح زغلولة.

ماذا تعني لك العصافير؟ هل هي مصدر للعزلة أم للحريّة؟

منذ الصغر، كنت مهووسًا بالطيور، عمومًا. مشروع المعرض الأخير هو خير مثال. حلم حياتي كان تربية العصافير. كان لدي أربعة عصافير ثم بلغت زهاء ثلاثمئة عصفور. هذا الحلم ذهب مع القذائف: عصافير ماتت بفعل القذائف، وأخرى بفعل الخوف من الأصوات. أصوات الرصاص والتفجير. هذه الحالة سهَّلت وصعَّبت علي الصورة، فصرت أنبش بحثًا في أعماق الصورة.

ألّا تعتبر نفسك في صراع؟ فمن جهة، عوالمك التي تنتمي إلى روح الطبيعة، ومن جهة أخرى، الحياة المدنيّة التي تعيشها هنا في قلب دمشق.

بالضبط. هذا سؤال وجيه، ويسمح لي بالحديث عن حلم ظلّ يراودني: أن أسكن في الريف.

أنا ابن الشام، وكنت أغار من زملائي في المدرسة وهم يذهبون إلى قراهم أثناء فترة العطلة الدراسيّة. بعد أن انتهيت من دراستي في فرنسا، عدت إلى سوريا، وحقّقت حلمي: اخترت قرية في ريف القنيطرة، واقتنيت منزلًا ريفيًّا مواجهًا لجبل الشيخ. هنا شعرت بالراحة بعد سبع وعشرين سنة من العيش في مدينة كبيرة (باريس) أرهقتني وخنقتني.

هل تشعر أنّك خُلقت للصورة، أو بمعنى آخر: هل أنت كائن صُوَريّ؟

(يصمت لبرهة، كأنّ الزمن يعود به إلى البدايات) علاقتي مع الصورة!

أيّ ثقب في أيّ باب أو جدار كان بمثابة عدسة كاميرا. من خلال الثقب كنت أشاهد العالم. هذه كانت متعتي، وهذا كان هوسي.

جميل! طيب، اليوم، كيف تنجز الصورة بالمعنى التقني؟ ما هي العلاقة القائمة بين الصورة والتكنولوجيا وهي حاضرة بقوة في مُنْجِزِك؟ ما الذي يربط الصورة بالذاكرة؟

فعلًا، التكنولوجيا -اليوم- هي من الأدوات الجديدة للتعبير عن /وفي كلّ شيء، وأصبحت في متناول كلّ يد: الديجيتال والفوتوشوب والبرامج الأخرى، مَثَلها مثل الفرشاة وأقلام الرصاص والفحم والألوان… أدوات مدهشة للتعبير. خدمتني كثيرًا، ولولاها لما كان بالإمكان إنجاز الصورة بهذه الدِّقة والقوة.

 يعني مجرد علاقة تقنيّة بحتة؟

تمامًا..

هل ينتابك شعور بالاغتراب أو بالتشيؤ وأنت تستخدم التكنولوجيا في إنجاز الصورة؟

نعم، ولا. بمعنى أنّ التكنولوجيا لها وجهان: سلبي وإيجابي. التكنولوجيا خلقت حالة عزلة، ولكنها أيضًا، جعلتنا ننتقل من عالم إلى آخر (مثال: الهواتف الذكيّة).

من تصوير نصوح زغلولة – تُنشر بإذن خاص.

أصبحت الصور متوفرة، وهي في كلّ مكان. كيف تُقِّيم صور الهواتف الذكيّة؟

تقنيّة عالية. ولم تعد الصورة حكرًا على أحد، ولا سرًا من أسرار المهنة. ولست مع رأي صديقي المصوّر في أنّّ عصر التصوير انتهى بسبب هيمنة وطغيان الكاميرات الرقميّة. بالعكس، من الصعب اليوم إنجاز صورة فنيّة.

تعتقد أنّ الصورة الفوتوغرافيّة يمكنها فعل أشياء لا تَقْدِر عليها اللوحة التصويريّة؟ أو كيف توازن بين منطق الصورة ومنطق لوحة الحامل؟

أعتقد أنه لا يوجد فصل بين الاثنين. في النهاية ثمّة نِتاج فني وفكري.

على كل لا أستطيع أن أقدّم جوابًا حقيقيًّا لأنّني لستُ رسّامًا بالمعنى المعروف.

لا خلاف، لكن في أعمالك الأخيرة يمكن أن نشمّ رائحة التصوير أو روح الرسم بالمعنى التقني، وهذا يدل على أنّ ثمّة علاقة مشتركة.

عندما كنت في السنة الثانية (قسم الاتصالات البصريّة) في كليّة الفنون الجميلة في دمشق، اقتنعت أنّني لا أملك مَلَكَة الرسم، أو لو رسمت لكنت مجرد رسام عادي. كان هوسي الوحيد هو الصورة. حينها، ناقشت أساتذتي (عبد القادر أرناؤوط وإحسان عنتابي.. الخ)، وطلبت منهم عدم الرسم، بعد الآن، بل أن أعتمد على مهاراتي وموهبتي في الصورة الفوتوغرافيّة.

بدأت بتقديم المشروع الأول، فالثاني، والثالث… فوتوغراف، فوافقوا. وفي التخرج قدمت مشروعًا فوتوغرافيًا خالصاً 100%، وكان أول مشروع من نوعه يُقَدَّم في تاريخ كلية الفنون الجميلة.

أنا أغار من الفنان المصوّر الذي يستطيع أن يغمض عينيه ويتخيّل صورة ثم يفتح عينيه ويرسمها، بينما الفنان الفوتوغرافي يحتاج إلى شيء مرئي. لا أستطيع أن أتخيّل شيئًا وأعمل على أساسه. هذه المفارقة تجعلني أشعر بالعجز والضعف أحيانًا، لكنّها سمحت لي باستخدام التقنيات الجديدة التي خدمتني كثيرًا خاصّة في معرضي الأخير. من خلالها استطعت أن أخرج من حيز الصورة إلى بناء عمل فني متكامل. هنا، استطعت أيضًا أن أعالج نفسي بالفوتوغراف كعمل فني.

عندما أزور أصدقائي الفنانين (فادي اليازجي، يوسف عبد لكي.. وآخرين) وأراهم كيف يرسمون من خيالهم، أشعر بغيرة من هذه الحالة الخياليّة الجميلة. في الفوتوغراف، لا يمكن العمل بتلك الطريقة. هو فن يحتاج بالدرجة الأولى إلى مادة موجودة وإلّا لن تُوجد صورة. لذلك، أنزلُ إلى الشارع، حيث المواد والموضوعات الجاهزة.

هذا يأخذني إلى سؤال آخر، إلى أيّ حدٍّ تكون الصورة مكتملة في ذهنك قبل أن تبدأ بالمعالجة الفنيّة؟ هل تضع خطَّة دقيقة للعمل وفقها؟ هل تتغير الثيمات؟ أو التشكيل؟ أو أيّ شيء آخر في حالة العمليات الفنيّة والإخراج النهائي؟ بمعنى، هل ثمّة شيء جاهز في “بالك”؟ أم أنّ الواقع يفرض عليك صوره؟

لا. لا يوجد شيء في “بالي”. عندما يسمح لي الظرف والوقت أن أحمل الكاميرا وأخرج إلى الشارع، يكون هدفي الوحيد في هذا السؤال: ماذا يحدث في الحياة، في الشارع، مع الناس؟ من هنا تبدأ الصورة؛ من كلّ ما هو عميق الغور. ثمّ، فيما بعد، يحدث نوع من الشدِّ والجذب بيني وبين الأشياء والناس والأطفال والشيوخ الكبار والأسواق والأمكنة المهملة.

لا يوجد شيء مسبق. أنا مثل صيّاد يخرج إلى الصيد ولا يعلم هوية الطريدة. هذا بالنسبة للفوتوغراف الذي أعتبره نوعًا من الريبورتاج. بعد ذلك، تأتي الصورة المصنوعة: نوع من اختيار الصور كأجزاء، وتجميعها. تحسين الظل والنور، وتوحيد الأجزاء المبعثرة في لوحة واحدة.

من تصوير نصوح زغلولة – تُنشر بإذن خاص.

أكثر الناس يمتلكون أجهزة الهواتف الذكيّة، التي تتضمّن كاميرات عالية الدقة -بقراءة عادلة- لماذا تبدو صورك مميزة؟ أين الفرادة؟

دائمًا، الأداة، والمعرفة بها، هي التي تجعل الصورة مميزة. أنا أعتبر أنّ صور الهواتف رديئة، تحتاج إلى الاشتغال عليها من حيث الضوء والظلّ، والعلاقة بين الأبيض والأسود، وإزالة الشوائب.. إلخ.

ألا تعتبر أنّ الصورة صناعة برجوازيّة-رأسماليّة، وقد تمّ توظيفها خدمة لمصالحها؟

نعم، هذا صحيح، ولكن –بالنسبة لي– أعتبر أنّ الصورة وثيقة شخصيّة. شهادة حياة. أذكر خلال فترة إقامتي الطويلة في باريس صوّرت العديد من المظاهرات والناس وأنواع السيارات. اليوم أرى هذه الصور كوثائق، وقليلًا ما أجد صورة مميزة فيها طابع فني. وهكذا…

هل تقرأ الكتب الفلسفيّة أو الفكريّة؟

لا.

أبدًا؟

منذ سنوات لم أقرأ. أحبّ، فقط، قراءة الروايات. أذكر أنّ أحد الأصدقاء أهداني المجموعة الكاملة لدستويفسكي التي ترجمها إلى العربية “سامي الدروبي”، وطيلة شهرين من القراءة عشت أجواء هذه الروايات في مترو باريس. وأيضًا، غابريل غارسيا ماركيز، وأمين معلوف. قرأتُ لهم بشغف.

لا أقوى على قراءة الكتب الفكريّة.

هذا الكلام يعيدني إلى سؤال سابق، وهو طريقة بناء الصورة الفوتوغرافيّة: هل تشعر أن لهذه القراءات أثرها في بناء أو معالجة الصورة الفوتوغرافيّة؟

طبعًا، مثلًا، رواية “ذكريات من منزل الأموات” لدوستويفسكي، هذه الرواية قرأتها من حوالي 25 سنة، حتى هذه اللحظة لدي شعور بأنّني أعيش حيثياتها وملابساتها، بل مازلت أشمُّ رائحة العفونة والرطوبة المنبعثة من ذاك المنزل.

أذكر، أيضًا، عندما كنتُ في الصف العاشر، سألت الأستاذ: هل تتوفر الإلياذة والأوديسة في المكتبات، بالفعل؟ كنت أظنّ أنّ هذه الملاحم التي تعود إلى آلاف السنين ومن المستحيل أن تكون موجودة. أجابني الأستاذ بنعم! وحينها، نصحني أن أقرأ كتاب “أساطير الحب والجمال عند اليونان”، دراسة ونصوص “دريني خشبة”. وفيما بعد، استطعت أن أحصل على هذه الكتب.

في بدايات الشباب كانت للكلمة أهميتها. كنتُ نهمًا للقراءة والاطلاع، ومع مرور الأيام بدأت أشعر بالصمت أكثر فأكثر، بمعنى، لم تعد لي أداة للتعبير سوى الصورة. اليوم يوجد نوع من العزلة. أنا والصورة. هناك تأثر بالمحيط، كيف؟ لا أعلم. (صمت).

يبدو أنّني أثقلت عليك، وللأمانة، أقول لك، إنّ الصورة التي تخصك مثقفة ومفكرة وواعية، بل وصارخة.

صحيح، بالنتيجة، صوري مبنية من تراكمات، وتراكمات، وتراكمات، وإذا فكرت بكيفيّة الصورة وماهيتها، لا يمكن أن أعرف. تراكمات عقود من الزمان.

دائمًا كنتُ أصوِّر الشام بطريقة عادية ومألوفة. ولكن، دائمًا كنت أشعر أنّ ثمّة طريقة أخرى، حتى جاء عام 2006، وصوّرت الشام كما أحسّ. الناس يصورونها بطريقة أفقيّة فقط، دون أن يفكروا أنّ للتصوير طرق وزوايا أخرى.

جميل. يبدو أنّ الشيء الوحيد الذي يفوق الحديث في الصورة هو صناعة الصورة. هكذا أنت..

(يوافق على الكلام بطريقة مهذبة).

تعتقد بوجود قيمةً فنيّة وإبداعيّة يجنيها الفنان (أنت مثلًا) من صحبة الفنانين الآخرين؟

طبعًا، طبعًا. هذا سؤال مهم جدًا. مثلاً، المدرّسين الذين قاموا بتدريسي، ومعلمي الذي هو “يوسف عبد لكي”، والذي عشتُ معه في فرنسا سبع وعشرين سنة، وأعرف عن فنّه وأسلوبه الشيء الكثير، وهو بالمقابل يعرف تمامًا كيف ولماذا أعمل في الصورة. استطعت أن أكتسب من معلمي “عبد لكي” الكثير من المهارات والرؤى الفنيّة. كذلك عندما أزور صديقي “فادي يازجي”، أظلّ صامتًا، دون كلمة، فقط، أراقبه وهو يرسم.

هل يمكن أن تحدّثني عن الفن والفنان السوري؟

(يضحك)، سأتحدّث عن المصوّر الفوتوغرافي، حيث أنّ شباب اليوم مدهشين في مهاراتهم التصويريّة بفضل التقنيات الحديثة. هذه المهارة كنّا نفتقدها. كنّا في مرحلة التجريب (الفشل في عمليات التحميض مثلًا)، بمعنى كانت تقنياتنا بدائيّة.

هل يمكن أن تحدّثني عن معرضك الأخير؟ ما طبيعته؟ وما رسالته؟

الرسالة هي تلخيص للسنوات العشر التي عشناها، بشكل أو بآخر. أمر يتعلّق بالتحليل النفسي والذاتي: شعرت أنّ كلّ القذارة والوساخة التي عشتها خلال تلك الفترة يجب أن تخرج وإلّا فسوف أختنق بسببها. وصور المعرض من هذه الحالة.

صورة من المعرض الأخير – تُنشر بإذن خاص.

هل تشعر أن غياب الحق والعدالة والجمال عوامل لإبداع الفنان؟

في معرضي الأخير، نعم.

كيف ترى صورة سوريا البانوراميّة قبل الأزمة وفي هذه اللحظة وفي المستقبل؟

صورة سيئة جدًا، وذاهبون نحو الأسوأ.

من أربعة عشر سنة بدأت أحسّ بحاجتي إلى الخروج من سوريا، أقصد، مجرد فترة للترويح عن روحي. أعتبر نفسي إنسانًا غير مسافر، أيّ لا أحبّ السفر أبدًا، ولا تغيير المكان. كنتُ أفكر أن أبقى في سوريا حتى يأتيني الموت.

هل بالإمكان أن تعلّق على مستقبل الصورة هنا، في سوريا، وهناك، في العالم؟

لم يعد (هنا وهناك)، هذا أولًا، بسبب العولمة والتكنولوجيا الجديدة.

كفنان ومصور فوتوغرافي، ما هي وظيفة فنّك عمومًا؟ لماذا اللجوء إلى تمثيل الواقع بدلًا من الواقع نفسه؟

توجد حالة تحريضيّة. حالة مُحفِّزة. خاصة في الصورة الفوتوغرافيّة وفي الفنّ عمومًا. تخلق إشكاليّة معينة. عندما قمت بإنجاز صور معرضي الأخير، وكانت عبارة عن ثمان عشر صورة شطرنجيّة، اعتبرت أنّ هذه الصور نزعة.. صرخة كنتُ أريد إيصالها، وقد وصلتْ.

وَصَلَتْ! ولقد وصلنا إلى النهاية.

عندما كتبتُ عن معرضك، استوقفني سؤال لم أُجب عنه، وهو: ما رأيك ببلد يتخلّى عن برّه وبحره وجوه، كما تقول عصافيرك؟

بالعاميّة (ما عاد في بلد). للأسف. عندما لا يحقّ لي أن أتمشّى في جامع أثري وأصوّره، وأنا ابن هذا البلد، فيما يحقّ للغرباء أن يفعلوا ذلك. ثلاثون سنة وأنا أصوّر الشام.. لم تعد الشام كما هي.

أأنشر هذا الحوار؟

اُنشره.

حكاية ما انحكت

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى