سياسة

عن زيارة الأسد للإمارات -مقالات مختارة-

الثورة السورية لن تموت

استقبال الامارات لبشار الأسد :أبعد من دعم الثورات المضادة/ عادل حداد

هل زيارة بشار الأسد للإمارات، جزء من سياق استراتيجية أبوظبي ضد الربيع العربي، أم جزء من إعادة هندسة هذه الاستراتيجية؟

الإستقبال الذي حظي به الرئيس السوري بشار الأسد في الإمارات، ليس مفاجئاً، خصوصاً إذا ما وُضع في إطار السلوك السياسي لأبو ظبي، المستند أساساً على دعم الثورات المضادة وتصفية أي نتائج، ولو جزئية، للربيع العربي. المحور الإخواني الذي تشكّل عقب الثورات، وضمّ دولاً ومنظمات، ليمد نفوذه في بلدان الانتفاضات، عبر الإسلام السياسي، أثار رعب الإمارات. الأخيرة، وجدت، مع دول أخرى، في العسكر بديلاً جيدا للمواجهة وإعادة عقارب الساعة إلى الخلف.

مصر كان الاختبار الأول للمنازلة بين المحور الإخواني ومحور الثورات المضادة، إذ شهدنا سنوات دراماتيكية وانتخابات أوصلت رئيس إسلامي للسلطة، ثم انقلاب عسكري. امتدت بعدها المواجهة إلى معظم بلدان الربيع العربي، مع تفاوت في درجة الحدة، من كلا المعسكرين. في ليبيا، صعد الإسلاميون في البداية عبر الانتخابات، لتشهد البلاد بعد ذلك صراعا أهلياً اختارت خلاله الإمارات اللواء خليفة حفتر ليكون حليفاً لها. وفي اليمن، وجدت في “المجلس الانتقالي الجنوبي” ممثلا لنفوذها، وهو ما حصل جزئيا مع أكراد سوريا، لمناكدة تركيا، حاضنة الإسلام السياسي. أما في تونس، فقد بقيت حركة “النهضة” مشكلة بالنسبة لأبو ظبي، حيث بقي الصراع معها ضمن المؤسسات بفعل التجربة التونسية، التي انتهت لاحقاً. مع ذلك فقد وجدت الإمارات في بعض الأحزاب “العلمانية” حليفاً ينغص على الحركة التي أصبح زعيمها رئيسا للبرلمان وبات استهدافها بفعل أخطائها المتراكمة، أسهل من السابق.

سلوك الإمارات عقب الربيع العربي، ظهر وكأنه، محكوم بعاملين: الأول، الخشية من الإسلام السياسي الذي يحظى بدعم المحور الإخواني (دول ومنظمات)، وهذا، في اعتقاد أبو ظبي، يشكل خطراً بعيد الأمد، ويستلزم دعم قوى كالعسكر وأحزاب “علمانية” هامشية، وجماعات لديها مشاكل مع المركز وتسعى إلى تقرير المصير. أما العامل الثاني، فكان اقتصاديا، حيث تحوّلت الإمارات إلى ملاذ للأموال المهربة، وسعت للسيطرة على موانئ وجزر حيوية. وفي حقيقة الأمر، مزجت أبو ظبي بين العاملين. في اليمن أمّن لها المجلس الانتقالي مواقع حيوية، مثل جزيرة سقطرى الاستراتيجية، وفي السودان تلازم دعمها للقادة العسكريين، بعمليات تهريب الذهب، التي كانت وما زالت، برعاية نائب رئيس مجلس السيادة، محمد حمدان دقلو “حميدتي”، فضلا عن فتح الأبواب لأفراد من عائلة الأسد، للاستثمار والتجارة.

لكن، مثال السودان يبدو مهماً، لفهم طبيعة الاستراتيجية الإماراتية حيال الربيع العربي، فهذا البلد شهد ثورة ضد الإسلاميين التي تعتبرهم أبو ظبي خصما أساسياً لها. مع ذلك، فقد انحازت الإمارة الخليجية، إلى العسكر ضد خيارات مثل “الحرية والتغيير”، وهذا ما أعطى مؤشراً واضحاً أن الإمارات تسعى لتصفية التغيير نفسه وليس فقط نتائجه المتمثلة بالإسلاميين. الهدف دعم الثورات المضادة تمهيدا لإنتاج أنظمة تشبه تلك التي جرى الانتفاض عليها. الإسلاميون هدف أساسي لكنهم أيضاً جزء من هدف أوسع.

هذه الاستراتيجية لم تكن تسير على منوال واحد خلال أكثر من عشر سنوات. في البداية، ومع صعود الإسلاميين، ترسخت استراتيجية الإمارات المعادية للتغيير، وباتت هجومية وسعت لحجز مواقع والاستثمار بالحلفاء، لكن مع التحولات التي طرأت عالمياً، لا سيما مغادرة دونالد ترامب منصبه، جرى إعادة هندسة لتلك الاستراتيجية وأدخلت عليها تعديلات، لصنع توازنات جديدة، فبرزت العلاقات مع إسرائيل والمصالحة مع قطر والتقرب من تركيا وعدم استفزاز إيران، كعناصر جديدة تضاف إلى سياسة تصفية الربيع العربي، وبالتالي، خلق شبكة متوازنة من العلاقات تؤمن لأبوظبي حماية، لم تعد متوفرة في ظل الانسحاب الأميركي الجزئي من المنطقة.

هل زيارة بشار الأسد للإمارات، جزء من سياق استراتيجية أبوظبي ضد الربيع العربي، أم جزء من إعادة هندسة هذه الاستراتيجية؟

الجواب ببساطة: الأمران معاً.

الأسد بعد أن قتل وشرد واعتقل وقصف الآلاف من شعبه، تمكن بدعم إيراني روسي، من هزيمة الثورة، ما يجعله، حليفاً جيداً للإمارات الساعية إلى إنهاء الربيع العربي. لكن في الوقت نفسه، تريد أبو ظبي أن يكون الأسد جزءاً من الهندسة الجديدة لاستراتيجيتها القائمة على التوازنات، حيث أن الرئيس السوري، سيحتاج في مرحلة لاحقة لحليف يدعمه في ظل الصعوبات التي يعاني منها متعهّده الدولي فلاديمير بوتين، على وقع غزو أوكرانيا. وبهذا تحجز أبو ظبي موقعاً لبناء تفاهم مع إيران المقبلة على توقيع اتفاق نووي، عبر دعم حليف طهران السوري.

من جهة أخرى، تأتي الزيارة، على وقع توتر في العلاقات بين الإمارات وأميركا، على خلفية الأزمة الأوكرانية، وطلب واشنطن من أبو ظبي والرياض خفض أسعار النفط، مقابل عدم حماس من الدولتين الخليجيتين، اللتين باتتا تفكران في توزيع التحالفات، سيما في ظل نقص الاهتمام الأميركي بالمنطقة. والإمارات تحديداً، لم تتخذ موقفاً حاسماً ضد الغزو الروسي لأوكرانيا، حرصاً على العلاقة مع موسكو التي ستفرح بطبيعة الحال بوجود رجلها السوري في حضن الإماراتيين.

——————

في أننا كنّا سبقنا الأسد إلى أبو ظبي/ حازم الأمين

سيصفق الممانعون لبشار الأسد أينما حل، بدءاً من إرساله متطوعين إلى روسيا ووصولاً إلى زيارته أبو ظبي، وهم لا تشكل اتفاقات ابراهام لهم أي حساسية فيما لو كانت الإمارات إلى جانبهم في حروبهم ضد شعوبهم، وعلاقتهم مع فلاديمير بوتين خير مثال على هذا.

أصابت زيارة بشار الأسد للإمارات العربية المتحدة ناشطين سوريين بخيبة، وعبارة “خيبة” غالباً ما ترفق بعبارة “أمل”، أي أن الخيبة تلك هي في النتيجة “خيبة أمل”، ومن هنا يجب أن نبدأ مراجعتنا، ذاك أن الزيارة فيما لو لم نقترف ذلك الـ”أمل”، كانت عادية، ولشكّلت امتداداً منطقياً لطبيعة النظامين في دمشق وفي أبو ظبي.

الناشطون الخائبون من الزيارة، ومن بينهم أصدقاء، صادرون بمعظمهم عن تجربة في المواجهة مع النظام في سنوات الثورة السورية الأولى، ثم من سنوات تحول الثورة إلى حرب. علماً أن النظام في لحظة انتقال الثورة إلى حرب، كان بذل جهوداً ونجح في هذا الانتقال، والإمارات، وغيرها من الدول التي “احتضنت” الثورة، كانت لاقته في هذه الجهود عند منتصف الطريق.

النظام أفرج عن الإسلاميين من سجونه، والإمارات، وغيرها من الدول، تولت تسليحهم! الجهد كان مشتركاً، والزيارة اليوم تصلح لأن تكون تتويجاً لهذا الجهد، والأسد من المفترض أن يكون قد عبر عن شكره لهذا الجميل. تسليح وتمويل جيش الإسلام في ريف دمشق، والذي تولته دول خليجية بعد أن أطلق النظام قادته من السجون، كان مؤشراً على النموذج الذي كانت تريده تلك الدول لسوريا بعد الأسد!

والحال أن الزيارة تصلح لأن تكون مناسبة لمراجعة قاسية لنا نحن الذين لم نملك الحساسية الكافية في حينها، والتي كان من المفترض أن تحصننا من السقوط في فخ علاقات أقامتها ثورتنا مع أنظمة أبو ظبي والدوحة والرياض، وصولاً إلى العلاقة مع أنقرة وعمان، وغيرها من العواصم التي ارتمينا في أحضانها في سنوات الثورة وفي سنوات الحرب. هذا التجنب ربما لم يكن ليقينا من الهزيمة، لكنه كان ليجنبنا الخيبة التي أصابتنا اليوم.

لنذهب بخيالنا قليلاً، طالما أنه وحده ما يعيننا في هذه الأيام الحالكة. فأي سوريا كانت ستتشكل فيما لو انتصرت الثورة برعاية إماراتية أو تركية؟

الأرجح أننا سنكون حيال سلطة لا تقل تمييزاً، ونظاماً كان سيمارس أكثريته على نحو ما يمارس نظام البعث أقليته. والأكثرية لن تكون أقل دموية من أقلوية النظام الحالي، وهي اذ ستستمد “شرعيتها” من صدورها عن تمثيل أكثري، ستوظف هذه الشرعية في مواجهة “الأقلويات”، طالما أننا لن نكون حيال سوريا الديموقراطية، وطالما أن رعاة التجربة المتخيلة في الخليج وفي أنقرة لا تعنيهم سوريانا التي توهمناها في بداية الثورة.

إنهم شركاء بشار الأسد، ومن المنطقي جداً أن يزورهم، وما يجب أن يعنينا من مشهد استقباله في أبو ظبي هو استعادة تجربتنا مع هذه الحقبة.

صاحب هذه السطور استجاب ذات مرة لدعوة لنقاش يتناول الثورة السورية في إحدى العواصم الخليجية!

لماذا ارتكبت هذه الحماقة؟ وأي ثورة يمكن أن نناقشها في مدينة يمقت نظامها الثورات؟ يجب أن يبدأ التفكير في أنني أسأتُ في حينها للسوريين! هذا ليس جلداً للنفس، إنما محاولة لمراوغة الهزيمة، وللقول بأنها ليست النهاية، وأن الطريق، وان كان طويلاً، يبدأ من هنا. فالمشهد قبل الزيارة وبعدها كارثياً، ونحن إذ هُزمنا، من المفترض أن لا نتحول إلى نادي المستقبل. ربما تصلح العودة إلى أنفسنا لأن تكون ترياقاً، وهذه العودة تقتضي مراجعة قاسية، ولكن مجدية.

القول بأن خوض المواجهة مع النظام لم تكن ممكنة فيما لو كنا لوحدنا قد يكون صحيحاً، لكن الأمور تقاس بخواتيمها، والهزيمة فيما لو أصابتنا ونحن لوحدنا كانت مشرفة أكثر، وكان من الممكن أن لا تترافق مع خيبات من النوع الذي يصيبنا اليوم جراء زيارة الأسد أبو ظبي.

أما سجال الممانعين لجهة أن شريكهم في دمشق يزور دولة “اتفاقات ابراهام”، وها هم يصفقون لهذا الخرق الكبير الذي أحدثته الزيارة لنظام الحصار والعقوبات المضروب على النظام السوري، فهو صوابي، إلا أننا كنا سبقنا بشار الأسد إلى أبو ظبي، ومرد خيبتنا اليوم هي أنها استقبلته، وليس مردها إلى أننا كنا سبقناه إليها!

الممانعون غير صادرين عن قضية وعن عدالة وعن ظلامة، سيصفقون لبشار الأسد أينما حل، بدءاً من إرساله متطوعين إلى روسيا ووصولاً إلى زيارته أبو ظبي، وهم لا تشكل اتفاقات ابراهام لهم أي حساسية فيما لو كانت الإمارات إلى جانبهم في حروبهم ضد شعوبهم، وعلاقتهم مع فلاديمير بوتين خير مثال على هذا.

سنخسر السجال معهم إذا افترضنا أنهم معنيون بفلسطين. يجب أن نواجههم في أننا نحاسب أنفسنا على سقطة ارتكبناها، ويجب أن نعد أنفسنا بأن نُمضي سنوات “الهزيمة” في تجنب تكرارها. والزمن سنة لك وسنة عليك. 

درج

———————–

الاسد وبن زايد..لقاء في المرآب/ ساطع نور الدين

عندما تنتج دولة الامارات أخبارها الرسمية وتكتب عناوينها الرئيسية وتستقبل ضيوفها في مرآب السيارات، فإنها لا تخرق البرتوكول، بقدر ما تُجهد التحليل المرتجى لأسلوبها الخاص في صنع السياسة، وفي تحديد الموقف.. من رئيس الدولة السورية ونظامها، الذي يفترض أنها تدعمه، وتود إعادة تأهيله بأي ثمن، جرياً على عادتها في إحتضان الطغاة العرب وإستيعابهم.

الصورة الموزعة عن اللقاء الذي جمع ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، والرئيس السوري بشار الاسد، قبل يومين، في ركن جانبي من أحد مرائب السيارات المكشوفة، مثيرة فعلا، يمكن أن تشهد على الكثير من المودة والإلفة ورفع التكليف، مثلما يمكن أن تعبر عن تعمد خفض الاحترام والتقدير، أو ربما عن مسافة طارئة، مستحدثة، بين الرجلين والبلدين، اللذين تثير تقلباتهما السياسية الحيرة والشك دائماً.

الصورة تشهد على أن السياسات التي ترسم أو تناقش في مرائب السيارات، تزيد الارباك، لكنها لا تستدعي الاستغراب، ولا تتطلب السؤال عما إذا كانت الامارات في طور التراجع عن ذلك المسار السوري الغريب، الذي يزعم إستعادة سوريا الاسد الى الحضن العربي، على الرغم من أنها أهم قاعدة عسكرية وسياسية إيرانية خارج حدود إيران، حتى جاز القول أن قلب العروبة النابض هو اليوم قلب الفارسية الزاخر.

ثمة حاجة الى المزيد من التدقيق في أن الامارات، في مسارها هذا، ترغب بشراء النظام من التاجر الايراني الماهر، أو هي تود مضاربة ذاك التاجر وإنتزاع سوريا من براثنه، وهو ما لم تستطعه دول كبرى، مثل أميركا سابقا، وأوروبا لاحقا، وروسيا أخيراً، التي خرجت، أو هي طريقها الى الخروج من سوريا، مع أن الثمن الذي كان النظام يطلبه لا يتعدى الخمسة مليارات دولار، تنفقها طهران سنويا لحمايته وإبقائه في السلطة.

هو مجرد خبط عشواء إماراتي، سجل في الكثير من المسارات العربية المشابهة، لكنها لا تسمح، كما هو شائع، وغير ثابت ، بالكلام عن جفاء بين أبو ظبي وبين واشنطن، وودّ مستجد مع موسكو. فهذا المستوى من المناورة لا يتاح إلا لدول مثل إسرائيل، التي تعرف جيداً قدرتها المحدودة على التأثير أو على التعطيل في المفاوضات الاميركية مع إيران حول الاتفاق النووي..وعجزها التام عن تخطي الهامش المحدد لها من قبل الاميركيين أنفسهم.

لكن الوجه الآخر لذلك المسار ، هو ما يتصل بسوريا الاسد، التي توجهت  بتواضع شديد، الى أبو ظبي، لكي تطلب، حسبما تردد، عوناً غذائياً فورياً، من القمح والرز والزيوت والسكر، التي لا يكفي مخزونها لأكثر من ثلاثة أشهر، بعدها تحل المجاعة الفعلية على الملايين من السوريين. أما التوقف في دبي، فكان غرضه، حسبما قيل، الاطمئنان الى ودائع النظام واستثماراته وحركة أمواله وموجوداته الخاصة في بنوك تلك الامارة.

صورة المرآب ليست دليلاً كافياً على أن الرد الاماراتي على مطالب الاسد ومتطلبات سوريا كان سلبياً. المسار المتعرج لكلا الرجلين والبلدين، يتيح الاستنتاج ان اي تجارة، لاسيما السياسية منها، تحتمل الكثير من المفاوضات والمساومات قبل التوصل الى صفقة الشراء والبيع.. مع أن الوقت غير مناسب لأي صفقات يمكن ان تعقدها دمشق وابو ظبي، قبل ان يتبين الخيط الابيض من الخيط الاسود في مفاوضات جنيف، وقبل أن يستقر حجم صادرات النفط الاماراتية على معيار أميركي واضح ومحدد.

وحتى ذلك الحين، يمكن ان تغضب أميركا من الامارات، وأن تفرح إيران وروسيا بأي تحديث للمسار الاماراتي السوري القديم…حتى ولو ضاع اللقاء الأخير في أبو ظبي في زحمة السيارات المركونة في المرآب. المهم أن يستمر الزعم بأن ثمة صناع سياسات يصطنعون لأنفسهم دوراً ، ويحددون موقفاً.. ولو في التوقيت العالمي غير الملائم.  

المدن

—————————

لماذا استقبل قادة الإمارات رئيس النظام السوري؟

شاركت الإمارات باقي دول الخليج العربي، ومعظم الدول العربية، في قرار قطع العلاقات الدبلوماسية مع النظام السوري، بالتزامن مع تعليق عضويته في الجامعة العربية عام 2011، وذلك بعد قمعه الوحشي للمظاهرات السلمية ضده التي انطلقت في مثل هذه الأيام عام 2011.

سمح هذا القرار للإمارات بلعب دور ملتبس على الساحة السورية، ففي حين أعطى انطباعا بأن أبو ظبي هي إحدى الجهات المناهضة للنظام السوري، مما مكّنها من الوصول إلى مفاتيح مؤثرة ضمن مؤسسات وشخصيات المعارضة، فقد استمرت في فتح الأبواب لشخصيات من النظام، بمن فيهم أفراد من العائلة الحاكمة، واستخدام أراضيها لتأمين تسهيلات مالية وعسكرية للنظام.

فتحت أبو ظبي، بهذه السياسة الباطنية، بابا يتلطّى بفكرة دعمها للثورة السورية، وبابا آخر يقوم بالتآمر على هذه الثورة ودعم النظام فعلا. ضمن سياسة «الباب الدوّار» هذه، كانت الإمارات تستقبل المعارضين وتحاول استقطابهم أو إرهابهم بأجهزة أمنها وأموالها، كما تستقبل أقطاب النظام، وترتب شؤونهم المالية، وتتبادل معهم المعلومات الأمنية ضد المعارضين.

كان مثيرا للدهشة أن البلد الذي قطع العلاقات مع النظام السوري قد أصدر، في الوقت نفسه تقريبا، قرارا يمنع السوريين على أراضيه من القيام بفعاليات معارضة وصلت إلى حد منعهم من استخدام علم الثورة السورية، وتداولت أوساط السوريين بعدها عمليات اعتقال لأفراد بدعوى انتمائهم لمنظمات معارضة للنظام، وأدى التضييق على الشخصيات والمؤسسات المعارضة إلى هجرة الكثير منها إلى بلاد الله الواسعة.

تتمثل هذه «المنزلة بين المنزلتين» أيضا في الأسلوب الشهير الذي تتبعه أبو ظبي للموازنة بين تأثير أدوات «القوة الناعمة» للدبلوماسية واللوبيات السياسية والمالية والإعلام والمعارض والجوائز الثقافية والرياضة والأحزاب، من جهة، وتأثير القوة العنيفة للجيوش والطائرات المقاتلة على الأرض والسماء، كما هو حالها في دعم الميليشيات في اليمن ومواقع السجون والاعتقال والتعذيب وعصابات المرتزقة العسكريين، والجنرال خليفة حفتر في ليبيا، و»حزب العمال الكردستاني» في سوريا، وتنظيم «غولن» وشبكات التجسس في تركيا، والقواعد العسكرية في الصومال وجيبوتي الخ، من جهة أخرى.

تتمثل هذه السياسة المزدوجة لأبو ظبي أيضا في السياسات المعلنة المناهضة لإيران، التي تترافق مع نفوذ كبير لطهران في اقتصاد الإمارات، وفي الحماس الهائل الذي أبدته في مجالات التطبيع مع إسرائيل، وتبرير ذلك بالصراع مع إيران، وكذلك العمل الحثيث على إعادة الحياة للنظام السوري، المحسوب أحد أكبر مراكز التأثير الإيراني في المنطقة.

يمثّل استقبال الأسد أيضا تطبيقا آخر لهذه السياسة، ففي حين تعتبر الإمارات أحد حلفاء أمريكا في الخليج العربي، فإن الاحتفاء بالأسد يعتبر دعما لروسيا، التي تخوض الآن نزاعا مع واشنطن وأوروبا على خلفية غزوها لأوكرانيا، فإضافة إلى معاني هذه الزيارة ضمن السياقين العربي والإقليمي (والتي لا ننسى بينها الغضب الإماراتي من إعلان الرئيس الأمريكي جو بايدن قطر حليفا رئيسيا من خارج حلف الأطلسي)، فهي دعم واضح من الإمارات لأحد حلفاء موسكو الأساسيين في الصراع الحالي مع أمريكا والمنظومة الديمقراطية العالمية.

باستقبال ولي العهد الإماراتي، وحاكم دبي، لرئيس النظام السوري بشار الأسد، وكذلك في الانفتاح الكبير على إسرائيل، يحرر قادة أبو ظبي أنفسهم من حالة «الالتباس»، ويحددون بوضوح المكان الذي يريدون التواجد فيه ضمن المعادلة العربية والإقليمية والعالمية: موقع المدافع الأول عن الاحتلال والدكتاتوريات والعدو الأول للديمقراطية ولشعوب المنطقة.

القدس العربي

————————

النظرة الإيرانية للتطبيع العربي مع نظام الأسد/ ضياء قدور

على الرغم من أن الدول الأوروبية والولايات المتحدة ما زالوا يتجنبون التعامل مع نظام الأسد، ويرفضون تطبيع العلاقات معه، فإن الشرق الأوسط يشهد تغييرًا يتمثل في وجود مساع عربية قديمة متجددة لإعادة العلاقات مع نظام الأسد، من خلال إحياء العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية.

في خضم ذلك، من المهم أن نرى نظرة النظام الإيراني لعجلة التطبيع العربي مع نظام الأسد، والتي بدأت تقريبًا في عام 2018، عندما أعادت كلٌّ من البحرين والإمارات سفاراتهما إلى دمشق، والتحركات العربية الحديثة الأخرى في هذا الإطار، ولا سيما في ظل الحديث عن رغبة الولايات المتحدة في مغادرة المنطقة، والتركيز على روسيا والصين بشكل أكبر، الأمر الذي سيكوّن العديد من التداعيات على المشهد الإقليمي وتوازن القوى فيه.

صحيح أن التصريحات الرسمية الإيرانية حول التطبيع العربي مع دمشق نادرة، أو قد تكاد تكون معدومة، إلا أن النظرة الإيرانية حيال هذه التطورات المهمة ترتسم بشكل غير مباشر على ما تنشره المواقع الإيرانية الرسمية وغير الرسمية المقرّبة من مراكز صنع القرار في طهران، وهذا ما رصدناه في أربع مؤشرات.

أولًا: شعور المنتصر الشامت بأعدائه

ما يطفو على السطح من الوهلة الأولى، بالنسبة إلى النظام الإيراني، هو شعور المنتصر الشامت الذي يرى أن إحياء علاقات العالم العربي مع نظام الأسد مؤشرٌ على انتصاره على أعدائه الذين أقرّوا بهزيمتهم في مواجهة “الحلف المقاوم”، من خلال اتباع الطرق الدبلوماسية الناعمة. لذلك، يُظهر واقع إحياء علاقات العالم العربي مع سورية، من وجهة نظر النظام الإيراني، أن سورية تجاوزت أزمتها، وليس أمام الدول العربية، التي سعت خلال الأعوام الماضية لاستخدام أدواتها الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية وفرض العقوبات المختلفة لإسقاط نظام الأسد، خيار سوى الاعتراف بالحكومة الحاكمة في سورية[1].

والآن، نظرًا للمخاوف التي يشعر بها القادة العرب من توسع النفوذ الإيراني في المنطقة، يضع النظام الإيراني إعادة نظر الدول العربية بسياساتها تجاه سورية في إطار يأس هذه الدول التي أصرّت على مواقفها لنحو عشر سنوات دون نتيجة، لتعود من بوابة الدبلوماسية لمواجهة المدّ الإيراني[2].

ثانيًا: عودة بلا شروط

إلى جانب إحساس الإيرانيين بشعور المنتصر الشامت من سعي الدول العربية لإعادة علاقاتها مع نظام الأسد بعد سنوات من الانقطاع، ونظرتهم إلى هذه العودة على أنها اعتراف بالهزيمة الاستراتيجية أمام “حلف المقاومة”، يرى الإيرانيون أن الدول العربية، خاصة السعودية، مستعدة للتخلي عن مطالبها في سورية، مقابل العودة دون فرض أي شروط مسبقة على نظام الأسد، كما حدث في الحالة الإماراتية.

لذلك، خلافًا لما كانت تعرضه السعودية في السابق بتقديم مساعدتها في إعادة إعمار سورية، ووقف دعم بعض فصائل الثورة السورية، مقابل ابتعاد سورية عن إيران و”حزب الله”، يرى الإيرانيون اليوم أن السعودية لا يمكنها فرض شروطها للعودة، بل يجب أن تعترف بحقيقة انتصار إيران في الحرب السورية، وعدم تحديها لهذه الحقيقة[3]. حتى إن بعض الآراء ذهبت إلى الحديث بأنّ طهران سمحت بانفتاح البوابة السورية على المملكة العربية السعودية، لوضعها على طريق إعادة الإعمار، وإفساح المجال للاستثمارات السعودية التي ستمنع انهيار الاقتصاد السوري، وذلك بهدف تعميق نفوذ وهيمنة طهران المستقبلية على دمشق[4].

ثالثًا: مسعى لخفض التصعيد مع النظام الإيراني قد يُفضي إلى عزل إسرائيل

يرى النظام الإيراني اليوم، وقد تنفّس الصعداء بعد خروج إدارة ترامب من السلطة مطلع العام الجاري، في المساعي العربية للتطبيع مع نظام الأسد، محاولةً منها لتغيير نهجها العدائي مع إيران، ومسعًى لخفض التصعيد معها في أحد أكثر الملفات الإقليمية سخونةً، خاصة بعد دخول بايدن إلى البيت الأبيض، وتسريع المحادثات النووية بين الولايات المتحدة وإيران، الأمر الذي قد يشكل دافعًا رئيسيًا لعملية قد تؤدي، في نظر الدول العربية، إلى تحوّل في ميزان القوى الحالي لصالح إيران في المنطقة[5].

وهذا يعني أنّ لدى دول الخليج مصالحَ واضحة في الدخول بمحادثات مع إيران، للحدّ من التوترات معها في المنطقة ككل، وفي سورية على وجه الخصوص، وفي المنحى نفسه، يرى الإيرانيون أن ضرورات النظام الإقليمي الجديد في منطقة غرب آسيا، التي قد تشهد انسحابًا مفاجئًا للقوات الأميركية، كما حدث في أفغانستان، تحتّم على الدول العربية اتخاذ نهج خفض التصعيد مع “محور المقاومة”، خاصة في سورية[6].

ونظرًا لاعتبار إيران أن تطبيع العلاقات مع سورية من جانب العالم العربي، خاصة السعودية، يعتمد إلى حد كبير على علاقات إيران مع السعودية وما ستؤول إليه محادثاتهما، فإن طهران ترى في الخطوة العربية فرصة لإفشال المخطط الإسرائيلي الرامي لتشكيل جبهة إقليمية موحدة ضد إيران في محاولة لعزلها. أي أن المساعي العربية للتطبيع مع دمشق وخفض التصعيد والتوترات في العلاقات السعودية الإيرانية، يمكن أن يُفضي إلى عزل إسرائيل بدلًا من إيران، ويوقف قطار التطبيع العربي مع إسرائيل[7].

رابعًا: مزاحمة النفوذ التركي القطري شمال غرب سورية

شجعت الحالة الإماراتية والبحرينية للتطبيع وإعادة المسارات الدبلوماسية مع نظام الأسد، إيران على الاعتقاد بأن التطبيع العربي لا يستهدف بالدرجة الأولى النفوذَ الإيراني على المدى المنظور، بقدر ما يستهدف بشكل أساسي النفوذ التركي القطري، شمال غرب سورية، وهي نقطة تلتقي عندها مصالح كل من إيران وحليفها الأسد والدول الخليجية في سورية[8].

أكبر دليل على ذلك هو الحالة الإماراتية التي أسهمت، منذ عودة مساراتها الدبلوماسية مع دمشق في عام 2018، في تقديم مختلف أنواع الدعم المادي لتمويل حملات نظام الأسد العسكرية على الشمال السوري المحرر، والتخفيف من آلامه الاقتصادية، بالرغم من عقوبات قانون قيصر.

لذلك وجدت طهران في الصف العربي المنقسم، بين متردد خجول ومتسارع عجول للتطبيع مع نظام الأسد، فرصة ذات أهمية مزدوجة؛ فالتطبيع العربي سينتشل حليفها الأسد من مستنقع الأزمات الاقتصادية من دون أن يؤثر ذلك في نفوذها على المدى المنظور من جهة، ويعمل في الوقت ذاته على مزاحمة النفوذ التركي القطري شمال غرب سورية، من جهة أخرى.

ومن المحتمل جدًا، في ظل تيقن طهران من رغبة الدول العربية في تخفيض التصعيد معها في الوقت الراهن، أن تنظر إلى هذه العودة على أنها دعم لجهودها وجهود نظام الأسد، لشنّ حملات عسكرية أوسع وأشد تأثيرًا، بمشاركة مليشياوية إيرانية واسعة بالضرورة، نحو الشمال السوري المحرر.

خاتمة:

قد لا تحبذ طهران انفتاح الدول العربية على دمشق وإعادة إحياء علاقاتها معها، لما في ذلك من تأثير سلبي على النفوذ والهيمنة الإيرانية في سورية، على المدى البعيد، لكنها قد لا تمنع حدوث ذلك على المدى المنظور، نظرًا لعدم قدرتها على حلّ الأزمات الاقتصادية التي باتت تهدد استقرار النظام الحاكم في دمشق.

لذلك ستبدي طهران بعض اللين، وتلتزم خيار الصمت حيال هذه التطورات، أو تشجع على ذلك من خلال وسائل إعلامها الحكومية وغير الحكومية، من دون إبداء تصريحات رسمية، ريثما يحصل حليفها الأسد على شرعيته الدولية المفقودة، من خلال التطبيع المبدئي مع الدول العربية، الذي سينتشله أيضًا من مستنقع الأزمة الاقتصادية.

وهذا يعني أن السكوت أو الرضى الضمني من جانب طهران، على التطبيع العربي مع نظام الأسد، يأتي ضمن المساعي الإيرانية الحثيثة لإعادة تأهيل النظام على الساحة الإقليمية والدولية، بعد أن أيقنت طهران أن التطبيع العربي مع نظام الأسد لا يزاحم نفوذها بقدر ما يزاحم النفوذ التركي القطري، في شمال غرب سورية بالدرجة الأولى، وهو ما تلتقي حوله مصالح أغلب هؤلاء الفاعلين.

ومع تيقن طهران من مدى إحكام قبضة نفوذها العسكري والأمني والسياسي والثقافي في سورية، تجد اليوم في مسيرة التطبيع العربي المتسارع مع نظام الأسد فرصةً ذهبيةً، لانتشال الأسد من مستنقع الأزمات الاقتصادية الذي لا تستطيع إخراجه منه دون أن يكلف ذلك خزينتها قرشًا واحدًا.

وفي موازاة ذلك، ستبذل إيران جهودها الحثيثة التي تمثلت بالزيارات المتكررة لوزير خارجيتها الجديد وللوفود الاقتصادية المختلفة إلى سورية، لإعادة تذكير دمشق بأفضال طهران عليها، وحقّها في الحصول على حصة منصفة من عملية إعادة الإعمار، كتعويض عمّا أنفقته خلال السنوات الماضية.

[1]– الضوء الأخضر للدول العربية لتجديد العلاقات الدبلوماسية مع سوريا، من هو المنتصر في الميدان؟ – نادي المراسلين الشبان – https://www.yjc.news/fa/news/7748140

[2]– الدول العربية تتسابق فيما بينها لإحياء العلاقات مع سوريا – نادي المراسلين الشبان – https://www.yjc.news/fa/news/7911027

[3]– السعودية تقترب من تطبيع العلاقات مع سوريا – راديو فردا – https://bit.ly/3uXjmKa

[4]– فتح البوابة السورية أمام السعودية بموافقة طهران – https://bit.ly/3uWLb5z

[5]– عملية تطبيع العلاقات السورية السعودية – المركز الدولي لدراسات السلام – https://bit.ly/3j4nBiB

[6]– مسارعة الدول العربية للمشاركة في إعادة إعمار سوريا. الأهداف والأسباب – موقع الوقت – https://bit.ly/2XijAzi

[7]– المرجع رقم 5

[8]– المرجع رقم 6

مركز حرمون

—————————-

أرباح الأسد من زيارة الإمارات..بعض القمح وأمل بالاستثمار/ مصطفى محمد

يبدي مسؤولون لدى النظام السوري تفاؤلاً بشأن نتائج الزيارة التي أجراها رئيس النظام بشار الأسد الجمعة إلى الإمارات، خصوصاً على الصعيد الاقتصادي، مع أن الانفتاح الإماراتي على دمشق بدأ منذ العام 2018، وليس وليد الزيارة.

وفي ظل التهديدات التي تفرضها العقوبات الأميركية والأوروبية المفروضة على كل من يتعامل اقتصادياً مع النظام السوري، تذهب غالبية التوقعات إلى أن أقصى ما تستطيع الإمارات تقديمه للنظام السوري، المساعدة في تأمين كميات متواضعة من القمح من الأسواق المجاورة، بدلاً من روسيا التي منعت تصدير القمح بعد غزوها لأوكرانيا.

وبالإضافة إلى القمح، تستطيع الإمارات تقديم الدعم الصحي لمناطق سيطرة النظام السوري، وهو ما بدأ فعلاً، في دمشق وحلب، حيث اقتربت الإمارات من الانتهاء من تجهيز مشفى مقدم لوزارة الصحة، بعد تجهيز مشفىً آخر في دمشق، وفق مصادر صحية تابعة للنظام السوري.

ويبدو أن النظام السوري يطمح في ملفات أخرى، متمثلة بعودة الاستثمار الإماراتي لتنفيذ مشاريع جديدة وإحياء المشاريع التي توقفت إثر اندلاع الثورة السورية.

ويُعبر عن ذلك، حديث رئيس غرفة صناعة دمشق وريفها التابع للنظام سامر الدبس، عن انفراج اقتصادي كبير بعد الزيارة، وعن تحضّر رجال أعمال إماراتيين للقدوم إلى سوريا.

لكن الباحث الاقتصادي يونس الكريم يضع تصريحات الدبس في إطار “الاستهلاك الإعلامي” الذي اعتادت وسائل إعلام النظام عليه. ويقول ل”المدن”: “قد تساعد الإمارات النظام في تأمين شحنات قمح، بعد تعذر تأمينه من جانب النظام من أسواق أخرى غير الروسية”.

ويوضح أن تأمين القمح لم يعد أمراً سهلاً في ظل ارتفاع أسعار هذه المادة وزيادة الطلب عليها عالمياً، بسبب تداعيات الحرب في أوكرانيا، وهو ما يصعّب المهمة على أبو ظبي، مبيناً أن حاجة النظام من القمح تتجاوز المليون ونصف المليون طن سنوياً.

وبذلك، ستكون المساعدات الإماراتية في هذا الإطار محدودة، حسب الكريم، الذي رجح أن يكون الأسد قد طلب من الإمارات تفعيل الاتفاقيات التجارية، وتسهيل الحركة التجارية، وزيادة التبادل التجاري، وتشجيع رجال الأعمال الإماراتيين على القدوم إلى سوريا، وشحنات نفط عاجلة، لأن ذلك يعطيه مجالاً طويلاً للمناورة، بدل الكميات المحدودة من القمح، مشيراً إلى أن الإمارات كانت في العام 2008 قد ساعدت النظام في تأمين شحنة قمح تزن 500 ألف طن.

وبعد وقف روسيا صادرات القمح، تبدو الإمارات طوق نجاة حقيقي للنظام السوري، الذي لا يمتلك السيولة الكافية من العملات الأجنبية لشراء احتياجاته من القمح.

وفي هذا الاتجاه، يعتقد الباحث الاقتصادي عبد الرحمن أنيس أن لدى الإمارات من القدرات ما يؤهلها لتقديم دعم اقتصادي للنظام السوري، ويقول ل”المدن”: “لم تقطع الإمارات دعمها للنظام، وما سيجري لاحقاً أن الدعم سيتم بالعلن وليس تحت الطاولة”.

ويؤكد أن الإمارات مدّت النظام بأموال خارج المنظومة المصرفية العالمية في أكثر من مرة، رغم تحذير الإدارة الأميركية من تبعات ذلك.

وبالتالي، لا يُستبعد أن تذهب الإمارات بعيداً في دعم النظام اقتصادياً وسياسياً، لا سيما وأن المعارضة بأطيافها وتفرعاتها ومسمياتها فشلت سياسياً وعسكرياً ودبلوماسياً حتى في إدارة أزمات المناطق التي تسيطر عليها، كما يؤكد الباحث.

ويضيف أن استثناء العقوبات الغربية للشأن الإنساني، يعطي الإمارات هامشاً للمناورة، ويلفت إلى أن قسد تمدّ النظام بالحبوب والمحروقات، في حين يغضّ “التحالف الدولي” بقيادة واشنطن، الطرف عن ذلك، رغم محاذير قانون “قيصر” على تزويد آلة حرب النظام بالوقود.

ويرجع الفصل في مقدار الدعم الذي ستقدمه أبو ظبي للنظام السوري إلى واشنطن، ويبدو أن الإمارات تراقب ردود الفعل على الاختبار المتمثل باستقبال الأسد على أراضيها.

————————

زيارة الأسد تُبرز الخلافات مع واشنطن… هل حسمت الإمارات خيارها بالتوجه شرقاً؟/ ربيع دمج

وصل الرئيس السوري بشار الأسد في زيارة مفاجئة إلى الإمارات، فحط في مطار دبي الدولي ظهر أمس السبت وخرج من مطار البطين العسكري في أبو ظبي ليلاً. وهذه الزيارة غير المجدّولة مسبقاً لم تشبه إطلاقاً بطقوسها الاستقبال الطبيعي الذي تقيمه الإمارات عادة لزوارها من رؤساء دول، من حفاوة ومراسم كالتي حظي بها الرئيس التركي رجب طيب آردوغان الشهر الماضي.

ولم تكن العلاقات الإماراتية-السورية بسوء العلاقة التي كانت بين أبو ظبي وأنقرة، وبالرغم من ذلك أتت زيارته بأجواء باردة على الرغم من أنها الزيارة الأولى له إلى دولة عربية منذ اندلاع النزاع السوري عام 2011، وشاءت الصدف، ربما، أن تكون في ذكرى اندلاع الثورة التي تحولت لاحقاً إلى حرب أهلية.

وتأتي زيارة الأسد الجمعة، بعد زيارة وزير خارجية الإمارات، عبد الله بن زايد آل نهيان، إلى دمشق يوم 8 تشرين الثاني/نوفمبر 2021، وبعد 11 سنة من المقاطعة العربية لسوريا، التي لا تزال خارج أسوار الجامعة العربية إلى الآن.

رسائل واشنطن-أبو ظبي

وفي رد فعل أولي على الزيارة، لم ترحّب الولايات المتحدة بهذ الخطوة، وقالت في بيان لوزارة الخارجية إنها “تشعر بخيبة أمل كبيرة وبقلق من المحاولة الواضحة لإضفاء الشرعية على الرئيس السوري بشار الأسد”.

وحثّ المتحدث باسم خارجيتها، نيد برايس، في تصريحات صحافية “الدول التي تفكر في التواصل مع نظام الأسد على أن تدرس بعناية الفظائع المروعة التي ارتكبها ضد السوريين على مدى العقد الماضي، فضلاً عن محاولاته المستمرة حرمان معظم البلد من الحصول على المساعدات الإنسانية والأمن”.

وكان لافتاً رد أنور قرقاش، مستشار الشؤون الدبلوماسية للرئيس الإماراتي خليفة بن زايد، عبر صفحته الرسمية على موقع التويتر، مغرداً: “زيارة الرئيس السوري بشار الأسد تنطلق من توجه الإمارات الرامي إلى تكريس الدور العربي في الملف السوري، كما تأتي من قناعة إماراتية بضرورة التواصل السياسي والانفتاح والحوار على مستوى الإقليم، المرحلة تحتاج خطوات شجاعة لترسيخ الاستقرار والازدهار وضمان مستقبل المنطقة ورفاه شعوبها”.

وأشار في تغريدة أخرى إلى أن “خطوات الإمارات ليست فردية، هناك عمل جماعي وتفاصيله قد لا تكون معلنة، أما الاستياءات الصادرة من هنا وهناك فمصدرها من الذين دعموا جبهة النصرة والإرهاب في سوريا، فهل كانوا يمدون الإرهابيين بالورد أم بالسلاح والمال؟”.

كذلك، قال المحلل والباحث السياسي الإماراتي، ماجد الرئيسي، في واحدة من تغريداته: “نحن أدرى بمصلحة منطقتنا، شعار تبنته الإمارات وطبّقته على الواقع، انتهى وقت الهيمنة الغربية توجهات المنطقة وإبقاء أمنها رهن تلك التوجهات، إن لم تتولّى الدول العدلية زمام أمورها فلن تشهد هذه المنطقة أي استقرار”.

وتطرح الإمارات نفسها مؤخراً كعرّاب للمصالحات في المنطقة، فهي بعد أن قامت بالتطبيع مع إسرائيل من خلال توقيع اتفاقية أبراهام في أيلول/سبتمبر 2020 مع تل أبيب، صالحت تركيا بعد عداء طويل ومن ثم انفتحت على سوريا علناً، وفتحت قنوات تواصل مع إيران.

ما الدور الذي تبحث عنه الإمارات غير ما يُقال، أي “عرّابة السلام والمصالحات”؟ يقول الباحث السياسي في الشأن السوري، محمد سكر، لرصيف22: “في الواقع، تسعى الإمارات لأن تصبح مركزاً إقليمياً في المنطقة من خلال قيادة الجهود الدبلوماسية على الصعيد السياسي، ومن الواضح بأنّها تقود جهوداً في هذا الإطار على الصعيد السوري”، مشيراً إلى أنه “بالرغم من زيارة الأسد الأخيرة إليها إلا أنّه لم يحظَ بالاستقبال البروتوكولي المطلوب كرئيسٍ لسوريا، وإنما تعاملت معه دبي على أنّه طرفٌ في الصراع”.

ويضيف: “يبدو أن الإمارات باتت هي من تقود مسار خطوة بخطوة الذي لطالما تحدث عنه غير بيدرسون، مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا، الدليل القاطع على ذلك أنه ما زال للإمارات نفوذاً كبيراً داخل مؤسسات المعارضة التقليدية”.

برأي سكر أن “سالم المسلط هو أحد أذرع أبو ظبي في الائتلاف الوطني وهذا يُشير إلى إرتباط الملف السوري بالتقاطعات التركية-الاماراتية وهذا يدفع للاعتقاد بأنّ الإمارات باتت أكثر تقبلاً لعودة مؤسسات سوريا إلى الحضن العربي دون أن يعني ذلك أنّها متمثلة برئيس النظام السوري بالطبع”.

ولا يعتقد معارضون سوريا أن أبو ظبي تتعاون مع المسلط في هذا الإطار كما لا يعتبرون أن الأخير له التأثير الكبير الذي يدفعه كي يكون نقطة التقاء بين الجميع بالرغم من أنه من ينتمي إلى عشيرة معروفة، وبرز نجمه في لحظة تقاطع عربية تركية.

دمشق لا تريد الجامعة

بعد زيارة قصيرة لمحمد بن راشد، حاكم دبي، انتقل الرئيس السوري إلى أبو ظبي حيث اجتمع مع ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد آل نهيان، الحاكم الفعلي للإمارات، ووفق بيان رسمي صادر عن الديوان الأميري، فقد أكد الجانبان على ضرورة “الحفاظ على وحدة الأراضي السورية وانسحاب القوات الأجنبية”، من بلد به وجود عسكري لكل من روسيا وإيران وتركيا والولايات المتحدة.

وفي تصريحات سابقة لمحللين وباحثين سياسيين إماراتيين، قالوا لرصيف22 (على خلفية موضوع زيارة عبد الله آل نهيان إلى دمشق) إن الإمارات تسعى جدّياً إلى إعادة سوريا إلى مقعدها وبيتها العربي وكانت تقديراتهم تشير حينها إلى الشهر الحالي (آذار/مارس) لكن حتى الساعة لم تظهر بوادر فعلية.

وفي هذا الإطار يقول المحلل السوري من دمشق، غسان يوسف، لرصيف22 إنّ “هذه الزيارة ستؤسس لزيارات عربية أخرى، كما أن سوريا سترحّب بعودتها إلى جامعة الدول العربية ولكنها لن تطلب من تلقاء نفسها هذا الأمر، مع العلم أن معظم الدول العربية ستوافق وترحّب بتلك العودة”.

وتذهب بعض التحليلات من قبل معارضين سوريين ومن متابعين (حياديين) للملف السوري للقول إن دمشق تبحث عن بديل لروسيا في الوقت الراهن، النظام السوري يحتاج لمساعدة الإمارات في كافة المجالات الاقتصادية من مواد غذائية وأدوية إلى الاستيراد عبر المصارف الإماراتية بعدما فُرضت عقوبات كبيرة على موسكو.

من المستفيد؟

من وجهة نظر المستشار في العلاقات الدولية، الدكتور علي يحيى، فإنه “لا شك أن إعادة التموضع الأمريكية في غرب آسيا، بعد النكستين الأفغانية والعراقية، باتجاه الصين كتهديد مركزي اقتصادي يدفع بتسريع الانزياح العالمي نحو آسيا، وروسيا ومشروعها الأوراسي بالتساوي مع تسريع الإدارة الأمريكية محاولة احتواء إيران لمنع تواصل الفضاء الأوراسي، والتخلي عن سياسة الدفاع عن حلفائها بالشرق الأوسط بما يتناسب مع التهديدات”.

ويضيف لرصيف22: “هذا ما دفع دول المنطقة إلى تعديل تموضعها بما يراعي مصالحها عبر خطين متوازين، الأول لاستعادة سياسة التفاعل الإيجابي مع جوارها الجيوسياسي وإعادة تفعيل الدبلوماسية الناعمة، ولتنطلق عجلة مصالحات مصرية قطرية، تركية إماراتية، إيرانية سعودية وما إلى ذلك، الثاني عبر رفع مستوى التشبيك مع روسيا والصين، وعبر مختلف المجالات، وكون سوريا التي تمثل ممراً لهذه التقاطعات، بدأت تشهد تدفق وفود أمنية، سياسية واقتصادية”.

وتعتبر الإمارات من البلدان القليلة التي أبقت على اتصالاتها مع النظام في دمشق، ولو بخجل، أو على شكل تواصل من تحت الطاولة، ثم أعادت افتتاح سفارتها مجدداً في العاصمة السورية عام 2018.

في هذا السياق، يقول يحيى: “تمازيت الإمارات عن السعودية وقطر خلال الأزمة السورية، لأسباب تتعلق بخصومتها السابقة مع تركيا، وموقفها من حركات الإسلام السياسي، فقد استعادت حرارة العلاقات السياسية والأمنية مع دمشق قبل سنوات، وفتحت أبوابها لشخصيات مقربة من سلطة الحكم بسوريا. والأخيرة، فتحت الأبواب للاستثمارات الإماراتية كما لحجز حصتها في إعادة الإعمار، ومنع انتقاد الامارات في الاعلام السوري، حتي من زاوية حرب اليمن، فهي تحتاج للعملة الصعبة التي يمكن أن يضخها آلاف السوريين الجدد الذي حطوا رحالهم في الإمارات”.

من وجهة نظر يحيى. فإن المصالح المشتركة أعلى من أي تأثير كل طرف بسياسة الآخر الخارجية، سواء علاقات الإمارات مع إسرائيل، أو تحالف سوريا مع إيران. كما أن زيارة الأسد، الأولى له إلى بلد عربي منذ بداية الحرب السورية، جاءت في لحظة فارقة للنظام الدولي المهتز في أوكرانيا، وبعد الرفض الإماراتي (والسعودي) إدانة روسيا، وبعد جولات الرئيس الجزائري ووزير خارجيته بخصوص عودة سوريا لمقعدها قبيل انعقاد قمة الجزائر، ما يعني اقتراب موعد سير العرب على طريق دمشق.

التوجه إلى الشرق

لا يخرج رد الفعل “الإعلامي” للولايات المتحدة التي تستعجل تطبيع علاقتها مع إيران عبر التوصل إلى اتفاق نووي، أو إعادة إحيائه، عن سياق ما فعلته أو ظهرته الأزمة الأوكرانية بين السعودية والإمارات من جهة، وواشنطن من جهة أخرى، وهي التي أعلن رئيسها جو بايدن قبل أيام عن عزمه إعلان قطر كحليف رئيسي للولايات المتحدة من خارج حلف “الناتو”.

يقول يحيى: “واشنطن، الغاضبة من خلال بيان خارجيتها، والتي تتسع الهوامش والفجوات بينها وبين الإمارات والسعودية، وإن كانت قد نجحت في المرة الأولى في إغلاق منشأة صينية قيد الإنشاء في الإمارات، إلا أنها لم تستطع منع التعاون العسكري الباليستي السعودي-الصيني، ولم تنجح في ثني الدولتين الخليجيتين عن موقفهما برفض المساهمة في خفض أسعار النفط عالمياً”.

وفي السنوات الأخيرة أصبحت دول مجلس التعاون الخليجي مركز الثقل للنشاط الاقتصادي الصيني في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وهي عازمة على زيادة تعزيز هذه الروابط الاقتصادية، من خلال الاستثمارات واسعة النطاق في مجالات الطاقة والصناعة والتمويل والنقل والاتصالات.

في المقابل، وفي عام 2018، جاء ما يقرب من 30% من واردات الصين من النفط -أو 2.9 ملايين برميل يومياً- من دول مجلس التعاون الخليجي.

كذلك، شهدت بدايات العام الحالي تحركات إيرانية هدفت إلى تأكيد طبيعة توجهها صوب الشرق كمحاولة أخيرة لمواجهة ضغوطات الغرب وتهديداته، وزار وزير الخارجية الإيراني حسين عبد اللهيان بكين، كانون الثاني/يناير الماضي للإعلان عن بدء تنفيذ اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الموقعة بين البلدين في آذار/مارس 2021 والتي يتم بمقتضاها تقديم الصين لاستثمارات وخدمات اقتصادية وأمنية إلى إيران بقيمة 400 مليار دولار وذلك على مدى 25 عاماً.

واستقبلت موسكو في ذلك الشهر أيضاً الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي بزيارة هي الأولى من نوعها وقد حملت هذه الزيارة أبعادا عديدة للتعاون بين البلدين كما صرح بذلك المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده، قبيل الزيارة مباشرة بقوله “إن هذه الزيارة تأتي في إطار التعاون بين إيران وروسيا وتتضمن أبعادا تجارية واقتصادية ومحادثات ثنائية وإقليمية ودولية “.

رصيف 22

———————————

هل التقى الاسد « يائير لابيد » في الإمارات؟

 قالت الخارجية الأميركية في بيان ردا على زيارة الرئيس السوري يوم الجمعة لدولة الإمارات إنها “تشعر بخيبة أمل كبيرة وبقلق من هذه المحاولة الواضحة لإضفاء الشرعية” على الأسد. كذلك، نقلت أوساط في واشنطن أن زيارة الأسد يمكن أن تعرّض دولة الإمارات لعقوبات أميركية مباشرة (بموجب « قانون قيصر ») أو غير مباشرة (خفض التصنيف المالي للإمارات بعد وضعها على « القائمة الرمادية لتبييض الأموال »)! بالمقابل، أشارت مصادر أوروبية صديقة للإمارات، ولكن « فاجأتها الزيارة »، إلى أن الأسد يقيم علاقات وثيقة جداً مع « الحوثيين » الذين شنّوا هجوما صاروخياً على «  أبو ظبي » قبل أسابيع، وأن هذه « زاوية أخرى » للنظر إلى الزيارة! 

*

في هذه الأثناء، أشارت معلومات أخرى الى ان الرئيس السوري بشار الاسد، الذي بدأ يستشعر خطر اتزلاق النظام الروسي الى ما تحمد عقباه، نتيجة تورطه في المستنقع الاوكراني، ما يضع راس نظامه على طاولة مفاوضات، قرر ان يلعب ورقة جديدة، تعطيه جرعات من الاوكسيجين، كي لا يصبح رهينة كاملة في يد نظام ملالي طهران، وعامِلهم في لبنان حسن نصرالله!

المعلومات تشير الى ان الاسد، وبوساطة امارتية، قرر التوجه الى دول الجوار، والعودة الى الحضن العربي بشروط دول الخليج، التي قطعت شوطا بعيدا في علاقاتها مع اسرائيل.

وبعد ان خوّن الاسد الانظمة العربية التي لجأت الى التطبيع مع إسرائيل (ولحقها طيب إردوغان قبل أيام)، فقد توجه الى الإمارات حيث التقى هناك  ولي عهد الامارات عبدالله بن زايد، ورئيس الوزراء حاكم دبي محمد بن راشد آل مكتوم.

وتشير معلومات الى ان الاسد، بعيدا عن اعين الاعلام، التقى وزير الخارجية الاسرائيلي « يائير لابيد »، وان البحث بين الاسد والجانب الاسرائيلي تناول العلاقات المستقبلية بين البلدين، التي ستتسم بطابع التهدئة التي يرعاها تفاهم سلام بين البلدين، برعاية روسية وعربية خليجية، ستسهم في اعادة اعمار سوريا، في ظل عجز روسيا وايران على حد سواء من تقديم اي عون مادي لسوريا المدمرة.

وتضيف المصادر ان التفاهم السوري-الاسرائيلي برعاية اماراتية، وفي ظل عدم تفاهم مع المملكة العربية السعودية او الولايات المتحدة الاميركية، لا يتضمن توقيع اتفاق سلام بين البلدين، لان الاسد من اقلية عربية لا يستطيع توقيع هذا الاتفاق، وهو يزعم نه سيفقد قيمته ودوره فور توقيع الاتفاق، وستنتفي الحاجة اليه، وان من يستطيع ان ويقع اتفاق سلام مع اسرائيل ويكون قادراً على حمايته يجب ان يكون من الاغلبية السنية وليس من الاقليات العربية.

وتضيف ان روسيا موافقة على التفاهم السوري-الاسرائيلي، وعلى رعاية الامارات لهذا التفاهم. وان التفاهم يتضمن عودة سوريا الى الحضن العربي وتحجيم الانتفاخ الايراني وتضخم دور حزب الله في سوريا، وصولا الى تصفير نفوذهما في دمشق!

——————————

الامارات..لم تزل العودة ممكنة/ عدنان عبد الرزاق

نصائحي للمحمديّن، ابن زايد وابن راشد.

أقدّر ردة فعل الإمارات، جراء التجاهل الأمريكي، بعد سلسلة الخدمات والأدوار الوظيفية، بل وأعي المخاوف وحتى الحساسية، جراء إعلان جوزيف بايدن، قطر حليفا استراتيجيا من خارج الناتو، بعد العداء الذي تراكم، بين الدوحة وأبو ظبي، ولم تمحه الشكلانيات الدبلوماسية ولا المصالحة الضرورة.

وربما أقدر، سعي الإمارات، بردة فعل، للتحالف مع تركيا ومد اليد لموسكو، بل وربما لاحقا، ايرام اتفاقات خطرة، مع طهران وبيجين.

لترسل لواشنطن، أني ويمكنني ولا أفتقر للوسيلة والأساليب، ولكن، وهنا أنصح:

رقم واحد ألّا يغيب عن خلد المحمدين، حجم الامارات، سياسيا واقتصاديا وعسكريا، وقدراتهم المحدودة والمحددة، فيما لو غدت أبو ظبي معطلا للخطط والمشروعات البعيدة، إن بتشكيل تحالفات ورسم جغرافيا جديدة، أو بإعاقة مشروع استهداف موسكو وربما تثوير شعبها أو تفكيكها.

رقم اثنان، أنصح بمزيد الاهتمام بالداخل والانسان الاماراتي، عبر التنمية ومشروعات اقتصادية، فتلك هي القوة الحقيقية والحصن الوحيد، والابتعاد عن”أول” و”أطول” فالأبراج وزيارات الفضاء ومراكز الوهم، ليست حصونا وقت الأزمات والشدائد.

رقم ثلاثة، أنصح بالعودة لنهج وأسلوب الراحل زايد، إن بجذب الرساميل وربط مصالح العالم بالامارات، أو الأهم، المحافظة على دور الموّفق عربيا ولو من جيب الامارات، وترك الخيال والوهم بأننا بتنا عرابا أو حجر زاوية أو قوة لا يمكن تجاهلها.

رقم أربعة، إسرائيل والتطبيع معها، ليست حماية من استهداف الغرب وواشنطن، ليس فقط لأن الدولة العبرية خوانة وسبق أن رمت كثيرين بعد اتفاقات واستثمارات، بل يضاف لذلك، أن مصالح واشنطن تنفذ جلها تل أبيب بالمنطقة، ونتحامق إن فكرنا بغير ذلك.

وما يتعلق بالزيارة الشخصية لبشار الأسد، لدبي وأبو ظبي، فأراها تستوجب نصيحة إضافية.

قلت شخصية، لأنها ليست رسمية بدليل الجلسات غير البروتوكولية، والصور المهازل وما يمكن أن تستخلص منهما.

هنا، أقدر أو أتوقع، أن الزيارة بطلب شخصي، إن لم أقل أوامر من فلاديمير بوتين، للضيف والمضيف.

وأتوقع أن الهدف منها مزدوج، ركنه الأول سياسي إعلامي، يتعلق بالترويج لكسر العزلة والحصار عن نظام دمشق، ولا يبتعد هذا الركن أيضا، عن تخفيف الحمولة عن موسكو، بوقت زيادة أعباء غزو أوكرانيا.

وأما الركن الثاني، فأعتقده مالي له علاقة بأموال الأسد ومخلوف، إن للتصفية والاسترجاع أو لتحويلها للدائن الروسي الذي ستتعالى استغاثاته جراء العقوبات والحجز والحصار.

والنصيحة هنا، ليس في صالح الامارات، سياسة وشعبا واستراتيجية، أن تكون أداة لموسكو ومعيدة تدوير عصابة دمشق، وذلك لأسباب تبدأ ولا تنتهي.

إن قلنا أولها الوقوف إلى جانب القتلة والمستبدين، وعقابيل ذلك على الامارات وعلى الصعد كافة، ربما لا يكون آخرها دفش أبو ظبي كنتوء معطّل ما يستوجب على واشنطن تسريع الاستهداف.

أيضا، أقدر التوريط الذي وضع حكام الإمارات، أنفسهم وبلادهم به، وأعي مخاطر العودة بعد قيادة الثورات المضادة والتحالفات وخناق إسرائيل، وربما الأهم، الخيبة من واشنطن جراء التخلي، بيد أن العودة بتدرّج لنهج وحلم المرحوم زايد، لم تزل ممكنة، حتى بتصفية الخلافات داخل الامارات، سواء بين الأخوة أو مع حكام دبي ورثة راشد آل مكتوم.

—————————–

زيارة الأسد للإمارات الأولى من نوعها منذ عقد… محطة أساسية في إعادة دمشق الى الحضن العربي

فاطمة الغول

في ذروة الحرب الأوكرانية – الروسية وانشغال العالم بالتكهّنات المستقبلية حول احتمال نشوء نظام دولي جديد، قام الرئيس السوري بشار الأسد بزيارة رسمية للإمارات، هي الأولى له لبلد عربي منذ المقاطعة العربية والغربية لدمشق.

ورغم عدم الإعلان عن الزيارة سلفاً، إلا أنها لم تكن مفاجئة بالنظر إلى منحى العلاقات الإماراتية – السورية الآخذة بالتطور منذ عام 2018، حين أعادت الإمارات فتح سفارتها في دمشق. كما أن وزير الخارجية الإماراتي عبدالله بن زايد كان قد دعا خلال وجوده في دمشق نهاية العام الفائت، الأسد لزيارة بلاده.

الانفتاح على دمشق يمكن اعتباره جزءاً من سلسلة متكاملة من العلاقات الإقليمية للإمارات، العازمة على إعادة هيكلة العلاقات العربية – العربية من جهة، والعلاقات العربية – الدولية من جهة ثانية، في سياق استراتيجية القوة الناعمة التي أطلقتها أبو ظبي منذ عام 2017. وهي لا شك خطوة أخرى في التمايز الاماراتي عن السياسة الاميركية في المنطقة.

عودة سوريا إلى الحاضنة العربية

يمكن اعتبار الزيارتين المتبادلتين بين الطرفين، خطوة من أبوظبي لتهيئة الأرضية اللازمة لعودة التواصل العربي مع دمشق، وقد يكون تأجيل اجتماع جامعة الدول العربية إلى تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، فرصة لترتيب مشاركة دمشق في القمة، بسعي من الإمارات، التي تقوم بالدور الأكبر في هذا الموضوع.

وكان ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد  قال خلال لقائه الأسد، إن “سوريا ركيزة أساسية من ركائز الأمن القومي العربي”. قد يشير هذا التصريح إلى قناعة إماراتية في أن ترك دمشق “الركيزة الأساسية في الأمن القومي العربي” خارج الإطار يدفعها إلى تحالفات إقليمية لا ترضي دول الخليج ومن ثم العالم العربي.

لقاء الأسد بنائب رئيس دولة الإمارات حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، ومن ثم بولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، يؤكد وجود إجماع إماراتي حول إعادة سوريا إلى محيطها العربي، ومن ثم إلى جامعة الدول العربية.

وفي هذا الإطار، يرى الكاتب والإعلامي الإماراتي يوسف الحداد في حديث إلى “النهار العربي”، أن “الإمارات تُكرر باستمرار ضرورة وجود دور عربي فاعل ومؤثر لسوريا ومساعدتها في العودة إلى محيطها العربي، انطلاقاً من إيمانها بأن الحل السياسي هو الحل الوحيد للأزمة في سوريا، حيث تأتي الزيارة قبل  القمة العربية المرتقبة نهاية هذا العام في الجزائر، ما يفتح الباب أمام عودة دمشق بكل قوة إلى مقعدها الشاغر في جامعة الدول العربية”.

ويضيف الحداد “أن هذه الزيارة تراكم رصيداً وإضافة حقيقية للدبلوماسية الإماراتية في أن تكون حاضنة عربية حقيقية، في ظل التجاذبات والتفاعلات التي تحدث في محيطنا العربي والدولي، وتشير في الوقت ذاته إلى وزن الإمارات الإقليمي والدولي”.

وهو أيضاً ما أكده المستشار الدبلوماسي لرئيس الإمارات الدكتور أنور قرقاش بقوله، إن “زيارة الرئيس السوري بشار الأسد تنطلق من توجه الإمارات الرامي إلى تكريس الدور العربي في الملف السوري، كما تأتي من قناعة إماراتية بضرورة التواصل السياسي والانفتاح والحوار على مستوى الإقليم”.

مرحلة جديدة

قال ولي عهد أبو ظبي في نهاية الزيارة إنها ستكون “فاتحة خير وسلام واستقرار لسوريا والمنطقة جمعاء”. ربما تعكس هذه العبارة رغبة إماراتية في مساعدة سوريا وانتشالها من أزمتها الخانقة، في وقت تحتاج فيه دمشق إلى تحسين علاقاتها مع محيطها العربي، خصوصاً الدول الخليجية، في ظل العقوبات الغربية الصارمة، التي تنعكس على الظروف المعيشية للسوريين. وتتطلع دمشق إلى دور إماراتي فعّال ليس فقط في مرحلة التطبيع العربي، وإنما في إعادة إعمار البلاد أيضاً، فدخول الشركات الإماراتية في هذا الإطار سيكون له نتائجه السياسية والاقتصادية على الواقع السوري في مختلف المجالات.

بالنسبة إلى الإمارات، تشير هذه الخطوة إلى دورها المتنامي على الساحة الدولية، ومساعيها إلى تصفير المشاكل في المنطقة، خصوصاً في ظل الاستراتيجية الأميركية المعلنة بالتفرغ لمقارعة الصين وروسيا، وحماسة واشنطن المتزايد لابرام الاتفاق النووي مع طهران. كذلك تنسجم الجهود الإماراتية مع الرغبة في جعل العلاقة السورية – الإيرانية ضمن الإطار الذي لا يؤثر على دول الخليج، والحد من النفوذ التركي في شمال البلاد.

ويشرح الحداد أن “التحركات الإماراتية نحو سوريا جاءت بعد دراسة متأنية لكل الظروف والمعطيات الإستراتيجية والإقليمية والدولية، بما يحقق مصالح الأطراف جميعها، وبخاصة الإمارات ويضمن لها خطوات استباقية في ملفات شائكة ومعقدة ضمن رؤية الإمارات الشاملة للأمن والاستقرار الإقليمي”.

ويضيف الإعلامي الإماراتي أن “الزيارة تأتي في ذكرى اندلاع الحرب السورية في منتصف آذار (مارس) 2011، فهي تشكل رسالة ضمنية في هذا التوقيت هي أن سوريا بدأت تتلمس الخطى لإيجاد حلول ومخارج لتلك الأزمة”.

ويرى الحداد أن “أبواب الإمارات مفتوحة أمام الأسد، وستكون هذه الزيارة بداية للكثير من الدول العربية للسير على خطى الإمارات، وفي هذا الإطار تعكس زيارة الأسد تقديره لدور أبو ظبي على الساحة الدولية، ومواقفها المتنوعة والداعمة للحل السياسي ووحدة الاراضي السورية”.

القضاء على الإسلام السياسي

من جهته، يرى السياسي الإماراتي الدكتور البدر الشاطري في تصريح إلى “النهار العربي”، أن “الزيارة تأتي ضمن انفراجة إقليمية وتقارب بين خصوم الأمس. وقد كان موقف الإمارات متميزاً عن بقية اللاعبين الإقليميين منذ أمد، ولعل موقفها مبني على معاداتها للتيارات الدينية المتطرفة والتي ترشح أن تكون البديل للنظام القائم في دمشق. ومن هذا المنطلق ترى الإمارات في الحكومات القوية قاعدة لنظام مستقر في المنطقة والذي سيكون له انعكاس في التطور والأمن الإقليميين”.

مرّ أكثر من عقد على الأحداث الدامية في سوريا بحسب الشاطري، من “دون نتيجة واضحة أو تقدّم، ناهيك بزيادة سفك الدماء والتدمير وبروز حركات متطرّفة مثل “داعش” و”النصرة” وغيرهما. وإذا استمر الحال على ما هو عليه فإن مصير المنطقة يتّجه نحو المجهول”.

النهار العربي

——————————

الإمارات وحسابات التطبيع/ حسام كنفاني

أثبتت الإمارات، باستقبالها رئيس النظام السوري، بشار الأسد، قبل يومين، ريادتها في التطبيع مع كل الأنظمة ذات التاريخ الإجرامي، بغض النظر عن خلفياتها. فهي سبق أن فتحت أبواب التطبيع على مصراعيها أمام إسرائيل، بغض النظر عن وضعية احتلال فلسطين أو ارتكاب الجرائم في الضفة الغربية وقطاع غزة، فما المانع من فعل الشيء نفسه مع النظام السوري، وأيضاً بغضّ النظر عن يدي بشار الأسد الملطختين بدماء مئات آلاف السوريين.

ورغم أن لا فارق بين النظامين في الخلفية الإجرامية، إلا أن هناك فارقاً كبيراً في الخطوات الإماراتية وما تهدف إليه، خصوصاً في ظل الحرب الروسية على أوكرانيا، والضغط الغربي على الدول الخليجية، وفي مقدمتها الإمارات، لاتخاذ موقف حاسم من موسكو، والانضمام كلياً إلى المعسكر الغربي في مواجهة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وهو ما لم تعلنه أبوظبي حتى اليوم، بل على العكس من ذلك، أبقت الخطوط مفتوحة مع موسكو سياسياً واقتصادياً. وتأتي خطوة استقبال الأسد في إطار هذه الرسائل السياسية التي توجهها أبوظبي في أكثر من اتجاه.

من غير الواضح حتى الآن ما هي الحسابات التي تضعها الإمارات في الاعتبار وهي تستقبل رئيس النظام السوري. لكن هناك احتمالات يمكن البناء عليها، وهي كلها لا تصبّ في خانة تصحيح العلاقة الإماراتية مع الغرب، وهي العلاقة التي يحميها إلى اليوم التقارب الهائل بين أبوظبي وتل أبيب، وهو ما يعدّ مطلباً أساسيا لدى الغرب من كل الدول العربية. ربما على هذا الأساس تتصرّف أبوظبي بأريحية في الملفات التي من الممكن أن تزعج الغرب عموماً، والولايات المتحدة خصوصاً، ولا سيما في ما يتعلق بالعلاقة مع روسيا وحلفائها.

احتمالات الخطوة الإماراتية تنقسم إلى قسمين، اقتصادي وسياسي. الشق الاقتصادي منها يتركّز على تحول البلاد، وتحديداً، إمارة دبي إلي ملاذٍ آمن لرؤوس الأموال الهاربة من المحاسبة، وهي على هذا الأساس باتت مقصد الأثرياء الروس الهاربين من العقوبات الغربية. الأمر لا يختلف كثيراً مع نظام الأسد، والذي يبحث أيضاً عن ملاذٍ آمن لأموال أطرافه المختلفة، وخصوصاً في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يمرّ بها لبنان، والأزمات الكبيرة التي تواجه المصارف اللبنانية، وعلى رأسها المصرف المركزي، والتي كانت، حتى وقت قريب، حاضنة لأموال النظام وأفراده، وحتى الذهب الخاص به. الإمارات قد تكون الخيار المناسب في هذا السياق للنظام السوري، وهو ما يصب في مصلحة الطرفين.

وإذا كان الحساب الاقتصادي واضحاً إلى حد ما في الخطوة الإماراتية، فإن الاعتبارات السياسية أكثر تعقيداً، خصوصاً لجهة تشعبها في أكثر من ملف. من الممكن البدء بالملف الأبرز حالياً، والمرتبط بالغزو الروسي لأوكرانيا، والمطالبة الغربية للإمارات والسعودية بزيادة الإنتاج النفطي لتعويض الخروج الروسي من السوق، إضافة إلى اتخاذ موقف واضح ضد موسكو. في هذا الإطار، يأتي الاستقبال الإماراتي للأسد كرد غير مباشر على المطالب الغربية، وكرسالة إلى روسيا بما يمكن تسميته “حياد” الإمارات في ملف الغزو، وهي أساساً المستفيدة إلى حد كبير منه، بعدما تحوّلت إلى ملاذ الأثرياء الروس. قد تكون الإمارات تخاطر إلى حد كبير في الانضمام إلى لائحة المشمولين بالعقوبات الغربية على كل ما يمتّ بصلةٍ إلى روسيا، غير أنها تدرك أنها لا تزال حاجة غربية، خصوصاً مع تطوير علاقتها مع إسرائيل.

أيضاً بالنسبة إلى أبوظبي هناك شقّ الاتفاق النووي الإيراني، والاحتمالات الكبيرة لإعادة تفعيله، مع ما يعنيه ذلك من صعود للنفوذ الإيراني في المنطقة. وإذا كانت أبوظبي تتشارك مع تل أبيب في معارضة العودة إلى الاتفاق، إلا أنها تسعى في الوقت نفسه إلى تجنب “الشر” الإيراني عبر إظهار الانفتاح على حلفاء طهران، والأسد واحد منهم.

لعبة التوازنات هذه قد لا تفلح على المدى البعيد، خصوصاً إذا طال أمد الحرب في أوكرانيا وتوسعت رقعتها وأدواتها، فالإمارات لن تكون بعيدة عن تداعياتها.

العربي الجديد

————————–

3 أسباب وراء زيارة بشار الأسد إلى الإمارات

سلط مركز “جسور للدراسات” الضوء على الزيارة التي أجراها رئيس النظام السوري بشار الأسد إلى دولة الإمارات يوم الجمعة الماضي، والأسباب التي تقف خلفها.

وأشار المركز إلى أن هذه الزيارة هي الأولى لبشار الأسد إلى بلد عربي منذ عام 2011، ومنذ تطبيع العلاقات بين الإمارات والنظام نهاية عام 2018، حيث أجرى ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد اتصالين مع الأسد، إضافة إلى زيارة وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد دمشق.

كما لفت إلى أن الزيارة عَبْر طائرة إماراتية أقلّت بشار الأسد والفريق المُرافِق له من دمشق، وتضمّنت لقاءً مع نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي محمد بن راشد آل مكتوم، مضيفاً أنّ الأسد لم يحظَ خلال اللقاء مع ابن راشد بمعاملة بروتوكولية كرئيس دولة، رغم أن ابن راشد هو المسؤول الذي يُقابله بروتوكولياً.

وأضاف أن استقبال الإمارات لرئيس النظام السوري خطوة غير مسبوقة مُقارَنةً مع تطبيع العلاقات القنصلية الذي لا تحظره قرارات الجامعة العربية، ومع تطبيع العلاقات الاقتصادية جزئياً والذي يرتبط بالاستثناء الذي منحته الولايات المتحدة لبعض الدول العربية مثل الأردن ولبنان.

ورأى المركز أن دعوة الإمارات للأسد تأتي نتيجة لعدّة دوافع، أهمها “الرغبة في بناء التفاهُمات مع إيران استعداداً لقرب توقيع الاتفاق النووي للتفاوض مع إيران والتوصّل لاتفاق معها يُنهي التهديد الذي تُشكّله جماعة الحوثي على أمن واقتصاد الإمارات، وهذا يحتاج إلى تقديم مقابل لها. لتكون سورية مساحة ملائمة لذلك؛ فالإمارات تبدو قادرة على مساعدة النظام لتجاوُز العقوبات وفك العزلة العربية عنه، وهي قضايا لطالما سعت إيران إلى معالجتها لضمان تعويض النفقات وترسيخ وجودها في سورية”.

وأما الدافع الثاني فهو “رغبة الإمارات في أداء دور دبلوماسي وسيط بين إيران وإسرائيل عَبْر سورية، لا سيما أنّ الاتفاق النووي لم يَحْوِ ضمانات أمنية حول نشاط إيران في سورية ولبنان. وستكون أبو ظبي مُهَيَّأة للقيام بذلك طالما أنّها تمتلك علاقات جيّدة مع تل أبيب وتستعدّ للتوصل إلى اتفاق مع طهران في سورية”.

وبحسب المركز فإن الدافع الثالث هو رغبة الإمارات في توسيع دورها في المنطقة كقوة إقليمية قادرة على المنافسة، مستفيدة من تراجُع اهتمام الولايات المتحدة بالمنطقة واحتمال انشغال روسيا في الصراع بأوكرانيا، وهي فرصة ملائمة للحضور في سورية ضِمن العديد من القطاعات لا سيما الاقتصادي منها.

كذلك أشار المركز إلى أن هذه الزيارة تأتي في سياق تقلبات إقليمية ودولية بات النظام فيها مجرد أداة لتبادُل الرسائل بين الأطراف الفاعلة دون انعكاس ذلك على الملفّ السوري بشكل مباشر.

وخلص إلى أن اللقاءَ بالمجمل يحمل أبعاداً إعلامية وسياسية تخدم مصالح الإمارات، وتمنح النظام فرصة تحقيق إنجاز سياسي مهم، لكن دون الحصول على مكاسب ملموسة بالضرورة، خاصة فيما يتعلّق بالدعم الاقتصادي والمالي.

جسور للدراسات

———————————–

زيارة الأسد الأخير للامارات

===================

تحديث 24 أذار 2022

———————–

سوريا والعالم في ظل الحرب في أوكرانيا/ بكر صدقي

كما في شهر آذار/مارس من كل عام، تمت استعادة ذكرى ثورة 2011 بوسائل مختلفة، مظاهرات في سوريا وخارجها وكتابات وأنشطة ثقافية أخرى، برز منها هذا العام بيان أصدرته مجموعة من الدول الأوروبية والولايات المتحدة، حملت شيئاً من الإنصاف اللفظي لتلك الثورة المغدورة وضحايا بطش النظام الأسدي، وربما أحيت بعض الآمال الواهنة باحتمال استعادة القضية السورية لشيء من الاهتمام الدولي، بمناسبة الحرب الروسية على أوكرانيا وفي إطار الحملة الغربية غير المسبوقة في تضييق الخناق على بوتين.

وربما “بالمناسبة نفسها” استقبل بعض أركان الحكم في الإمارات العربية المتحدة الرئيس السوري في زيارة هي الأولى له إلى دولة عربية، بعد أحد عشر عاماً من العزلة العربية المفروضة عليه. وقد تكون تداعيات الحرب الروسية، هنا أيضاً، أحد العوامل التي لعبت دوراً مهماً في حدوث هذه الزيارة، وبالتحديد في إطار الاصطفافات التي فرضتها تلك الحرب بين روسيا وخصومها الغربيين.

في حين أن القمة الثلاثية التي عقدت قبل يومين في شرم الشيخ بين السيسي وبينيت وبن زايد تبقى مداراً للتكهنات، وإن كان الدافع هو نفسه، الاستقطاب الدولي الحاد بين روسيا والغرب، ويضاف هنا دافع آخر لا يقل أهمية هو تلهف الأمريكيين للانتهاء من مفاوضات فيينا حول الملف النووي الإيراني بتجديد اتفاق 5+1، وما يثيره ذلك من مخاوف لدى الدول الثلاث، وبخاصة إسرائيل والإمارات. هل حضر بشار الأسد على طاولة مباحثات شرم الشيخ من خلال مضيفه في أبو ظبي، قبل يومين، محمد بن زايد أم لا؟ هذا ما لا نعرفه حالياً، ولكن يمكن افتراضه بالنظر إلى امكان اعتباره ممثلاً للروس والإيرانيين معاً، وحضوره الافتراضي قد يهم بينيت بالتحديد بالنظر إلى أن الأهداف العسكرية الإيرانية التي تضربها إسرائيل بشكل دوري إنما هي في مناطق سيطرة الأسد من سوريا، ولا يعرف مدى التأثير المحتمل للحرب في أوكرانيا على حرية حركة الطيران الإسرائيلي في الأجواء السورية.

من المؤشرات الواهنة أيضاً إلى استعادة القضية السورية لبعض الاهتمام الدولي، حضور ممثل عن الخارجية الأمريكية لجلسات “اللجنة الدستورية” المنعقدة في جنيف في دورة جديدة، للمرة الأولى في سلسلة اجتماعات اللجنة المذكورة التي شكلتها روسيا قبل سنوات للالتفاف على قرارات مجلس الأمن بشأن سوريا. هنا أيضاً نلاحظ أن هذا الاهتمام الأمريكي الطارئ يأتي في إطار جهودها للتضييق على روسيا، فإذا نفع هذا الحضور الأمريكي في شيء فسيكون من الفوائد الجانبية للصراع في أوكرانيا.

ويمكن إدراج التغيير الإيجابي المفاجئ في خطاب “مجلس سوريا الديمقراطية” بشأن الثورة السورية، ورفع أعلامها في المظاهرات الشعبية في مناطق سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” المتمتعة بالحماية الأمريكية، في ذكرى ثورة آذار/مارس 2011، في الإطار نفسه مما يمكن وصفه بـ”عودة أمريكية إلى سوريا” بتحفظ شديد. ومرد التحفظ هو وضوح الموقف الأمريكي في دعم خطة المبعوث الدولي إلى سوريا غير بيدرسون المعروفة باسم “خطوة مقابل خطوة”، وقد أعلنته في البيان الصادر عن اجتماع “مجموعة أصدقاء سوريا” الأخير في واشنطن قبل أسابيع، وأعلنت فيه أيضاً دعمها لعمل اللجنة الدستورية.

عموماً أدت حرب بوتين على أوكرانيا إلى استنفار في الغرب يذكر بسوابق قريبة تلت انتهاء الحرب الباردة، كما حدث بعد الاحتلال العراقي للكويت في 1991، وهجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001 على نيويورك وواشنطن. وإذا كانت المناسبتان المذكورتان قد أدتا إلى شن حروب غير متكافئة من قبل القوة العظمى الوحيدة على خصوم أضعف بكثير وبعيدين عن حدودها، العراق وأفغانستان والعراق مرة أخرى، فالاستنفار الحالي يبدو دفاعياً بالمعنى العسكري ولا يتوقع تحوله إلى حرب أمريكية – أطلسية ضد روسيا، ما لم تبادر الأخيرة بقيادة بوتين إلى توسيع حربها لتشمل بلداناً أخرى أعضاء في الحلف الأطلسي، وهذا مستبعد أيضاً بالنظر إلى الخسائر الكبيرة الي تكبدتها روسيا في حربها على أوكرانيا إلى الآن وتعثرها في التقدم الميداني، وبالنظر إلى الخسائر غير العسكرية، لكنها باهظة، أمام الغرب.

الأثر المباشر لهذه التطورات على القضية السورية يتعلق بتبعية نظام الأسد لروسيا، وقد عبر رأس النظام، بطريقة زاود فيها على بوتين نفسه، عن انحيازه المطلق لحرب معلّمه، وضد الغرب، بصرف النظر عن انعدام وزنه في أي حسابات دولية. وباستثناء تجنيده لمرتزقة سوريين للقتال في أوكرانيا لمصلحة الجيش الروسي لا شيء يمكن أن يضيفه إلى روسيا. بالمقابل عاد الاهتمام الأمريكي بسوريا من زاوية عدم ترك الساحة السورية لروسيا بعدما تفردت بها منذ العام 2015 بموافقة واشنطن. فإضافة إلى المشاركة الأمريكية المشار إليها فوق في مباحثات اللجنة الدستورية، من المحتمل أن القوات الأمريكية الموجودة بأعداد رمزية في الشمال الشرقي ستبقى إلى أمد غير منظور، بعدما كان انسحابها المحتمل يطرح في كل مناسبة، ولا يستبعد زيادة عديدها وتسليحها على وقع تطورات الصراع المستمر في أوكرانيا وعليها.

المتدخلون الإقليميون في الصراع السوري، يعيدون حساباتهم أيضاً في ظل الحرب في أوكرانيا، تركيا وإسرائيل والإمارات وغيرها، فلم يعد تدخل هذه الدول في سوريا محصور الأثر في الخريطة السورية ومحيطها القريب، بل من شأنه أن يحدد انحياز كل دولة من هذه الدول إلى المحور الروسي أو المحور الغربي، وما يترتب على هذه الانحيازات من موقع كل منها في نظام دولي جديد يخلف نظام ما بعد الحرب العالمية الثانية، بدأت ملامحه ترتسم منذ الآن.

٭ كاتب سوري

القدس العربي

————————–

نعم، إنه أفضل وقت ليزور بشار الإمارات/ عمر قدور

من الطريف ليس إلا أن يعبّر سوريون عن خيبتهم بسبب زيارة بشار الأسد الإمارات، وفي ذكرى اندلاع الثورة، بما يوحي بأن شيئاً من النكاية المتعمدة كان في صلب التحضير لها. ليس تنزيهاً لطرفي الزيارة على أية حال القول أن توقيتها “فوق الاعتبارات البروتوكولية” يتعلق بحسابات الطرفين السياسية، مع أرجحية للطرف الإماراتي الطامح إلى لعب دور إقليمي كبير، في حين من الشطط أن تذهب أحلام الأسد أبعد من أن يستعيد سيطرته الفعلية على سوريا.

لعله يكون عنواناً مناسباً للزيارة إذا قلنا أن بشار الإيراني كان في ضيافة “اتفاقيات أبراهام”، ولعل هذا العنوان يضعها في سياقها الأقرب إلى الصحة. من الجهة المتعلقة بإيران؛ هناك اتفاق نووي محدَّث مع إيران، إذا لم تحصل مفاجأة كبرى في الساعات الأخيرة. ومن جهة تل أبيب، هناك الاتفاق النووي المقبل، وهناك أيضاً المواجهة الغربية مع موسكو التي قد تؤثر على التنسيق الإسرائيلي-الروسي في سوريا.

لندع الاسم الرمزي لاستقبال بشار، أي “عودة سوريا إلى الحضن العربي”، فالعنوان دأب على الإيحاء بإبعاده عن طهران، وسيكون من الاستهتار الشديد بعقول مستضيفيه أن يبذلوا محاولة من هذا القبيل. التطبيع هو مع بشار كما هو، بعلاقته الوثيقة بإيران، بل بعلاقته بإيران التي من المرجح أن تزداد قوة مع توقيع الاتفاق النووي والتطبيع الأمريكي مع طهران. هي رسالة إيجابية إلى الأخيرة، وليست إطلاقاً من ضمن محاولة عربية أو خليجية للالتفاف على مناطق نفوذها.

بشار ليس حاجة إماراتية لتوصيل الرسائل المهمة إلى طهران، إلا أن التطبيع معه فيه رسالة مختلفة عن الرسائل التي لا يُستبعد تبادلها مباشرة ضمن القنوات الثنائية. ما هو مستغرب في الحديث عن “العودة إلى الحضن العربي” قيامه على أن طهران لا تريد عودة بشار إلى الحضن المزعوم، وأن موسكو تدفع في هذا الاتجاه ضمن تنافس روسي-إيراني. في الواقع، تريد طهران تطبيعاً عربياً مع بشار على علاته، وفي مقدمها النفوذ الإيراني عليه، فهذا هو الاعتراف الإقليمي الذي تسعى إليه، هذه هي لحظة الانتصار المنتظرة.

من مصلحة طهران، وموسكو أيضاً، فتح قنوات عربية مع الأسد، ومن المستحسن بالتأكيد وصول بعض المساعدات التي تنقذه من أزمته الاقتصادية الخانقة. موسكو التي تعاني من أشد العقوبات حالياً غير قادرة على تقديم المساعدات القليلة السابقة، وطهران التي ضخت مليارات الدولارات لا تريد إنفاق المزيد منها مع رفع العقوبات المتعلق بالاتفاق النووي. المساعدات “الإنسانية” التي قد تُرسل إلى الأسد هي أفضل الممكن حالياً للجميع، بما في ذلك دول خليجية غير متحمسة بسبب الظروف الحالية لتحمل نصيبها من كلفة إعادة الإعمار. في الأصل، لا تريد طهران لنفوذها أن يعيق تدفق الأموال الخليجية، والمثال اللبناني الراهن يوضح أثر الإحجام الخليجي، وما تخسره طهران بهذا الانكفاء.

لإسرائيل مصلحة في فتح قناة مع بشار الأسد عبر طرف ثالث غير الطرف الروسي، والإمارات هي أكثر طرف مؤهّل لذلك، فهي كانت القاطرة في إبرام اتفاقيات أبراهام، فضلاً عن كون الاتفاقيات من المداخل المأمولة لتلعب دوراً كقوة إقليمية. في حال فتحها، ستكون القناة الإمارتية أكثر “نزاهة” من الوسيط الروسي، فلموسكو كما نعلم حسابات تتعدى دور الوسيط، ولم تخفِ من قبل سعيها إلى الإمساك بخيوط اللعبة في سوريا.

بدورها، لا تطمح إسرائيل من خلال القناة الإماراتية إلى إبعاد بشار عن طهران، ولديها قائمة طلبات أقل جذرية وأكثر تفصيلاً، تتعلق بتوريد الأسلحة إلى حزب الله أولاً، ولديها تالياً مطالب تخص تمركز الميليشيات الإيرانية في سوريا والأسلحة التي في حوزتها، خاصة الصواريخ والمسيَّرات. المطلوب إسرائيلياً من بشار هو الاتفاق مع طهران على خريطة نفوذ تلبي المطالب الأمنية الإسرائيلية لا أكثر، بمعنى عدم ممانعة أشكال أخرى من النفوذ السياسي والأمني والاقتصادي.

حتى الوساطة بين تل أبيب وطهران لن تكون مستبعدة في المدى المنظور، والتنافس بينهما يتطلب وجود أقنية لتبادل الرسائل. الإمارات مرشحة أو طامحة للعب هذا الدور، ولو كان من الصعب احتكاره مع وجود قوى دولية وإقليمية لها حضورها أو طامحة لتثبيته. مرة أخرى، ميزة الدور الإماراتي حالياً كونه لن يتعدى الوساطة إلى المشاركة في اللعبة الكبرى للصراع على المنطقة.

الاشتباك الدولي المتعلق بحرب بوتين على أوكرانيا وترقب توقيع الاتفاق النووي هما التوقيت المناسب لتبتعد الإمارات عن الالتزام بحذافير سياسة واشنطن تجاه الأسد، وإدارة بايدن كانت سبّاقة في عدم مراعاة المخاوف الإماراتية والإسرائيلية من اتفاق مريح لطهران. الأهم أن الانتباه الدولي منصرف إلى أوكرانيا، وفي الوقت نفسه هناك غموض حول المستقبل وتوجس منه، وانشغال القوى العظمى فرصة للقوى الصغيرة كي تحاول التكسب خارج بؤرة الحدث المركزي، أما غموض المستقبل فيشجع مختلف القوى على التحوط بسياسات واتصالات أكثر تعدداً وتعقيداً من أيام الاستقرار السابقة.

تأويل استقبال بشار على النمط القديم، أي اعتبار الإمارات واجهة لسياسة دولية أوسع لا يصحّ لا لأن واشنطن تحفظت على الزيارة فحسب، وإنما لأنه لا يلحظ رغبة الجهة المضيفة بأن تكون مركزاً إقليمياً تمر عبره الرسائل، وتُبرم فيه الصفقات، بصرف النظر عن فحواها. هكذا، مثلاً، ليست المعارضة السورية ضمن حسبان السياسة الإماراتية التي تتعاطى مع الأمر الواقع، والتي سبق لها الاستثمار قليلاً في الثورة على الأسد عندما كان لها زخم واقعي وفرص بالفوز.

لا يلزم التذكير كل مرة بعدم وجود ما يمنع استقبال بشار بلا خجل في أية عاصمة عربية، فالأصل في علاقة هذه العواصم مع الشأن السوري هي الحسابات السياسية في لحظتها لا الحسابات المبدئية بالتأكيد. الحسابات السياسية لتلك الدول “تحديداً صراعها مع إيران” كانت أيضاً الرهان الأساسي للمعارضة، لذا لا معنى للوم أي نظام عربي يتصرف وفق طبيعته التي جافاها قليلاً في السنوات الماضية.

المدن

————————–

الأسد ومحمد بن زايد

استقبال الامارات لبشار الأسد :أبعد من دعم الثورات المضادة/ عادل حداد

هل زيارة بشار الأسد للإمارات، جزء من سياق استراتيجية أبوظبي ضد الربيع العربي، أم جزء من إعادة هندسة هذه الاستراتيجية؟

الإستقبال الذي حظي به الرئيس السوري بشار الأسد في الإمارات، ليس مفاجئاً، خصوصاً إذا ما وُضع في إطار السلوك السياسي لأبو ظبي، المستند أساساً على دعم الثورات المضادة وتصفية أي نتائج، ولو جزئية، للربيع العربي. المحور الإخواني الذي تشكّل عقب الثورات، وضمّ دولاً ومنظمات، ليمد نفوذه في بلدان الانتفاضات، عبر الإسلام السياسي، أثار رعب الإمارات. الأخيرة، وجدت، مع دول أخرى، في العسكر بديلاً جيدا للمواجهة وإعادة عقارب الساعة إلى الخلف.

 مصر كان الاختبار الأول للمنازلة بين المحور الإخواني ومحور الثورات المضادة، إذ شهدنا سنوات دراماتيكية وانتخابات أوصلت رئيس إسلامي للسلطة، ثم انقلاب عسكري. امتدت بعدها المواجهة إلى معظم بلدان الربيع العربي، مع تفاوت في درجة الحدة، من كلا المعسكرين. في ليبيا، صعد الإسلاميون في البداية عبر الانتخابات، لتشهد البلاد بعد ذلك صراعا أهلياً اختارت خلاله الإمارات اللواء خليفة حفتر ليكون حليفاً لها. وفي اليمن، وجدت في “المجلس الانتقالي الجنوبي” ممثلا لنفوذها، وهو ما حصل جزئيا مع أكراد سوريا، لمناكدة تركيا، حاضنة الإسلام السياسي. أما في تونس، فقد بقيت حركة “النهضة” مشكلة بالنسبة لأبو ظبي، حيث بقي الصراع معها ضمن المؤسسات بفعل التجربة التونسية، التي انتهت لاحقاً. مع ذلك فقد وجدت الإمارات في بعض الأحزاب “العلمانية” حليفاً ينغص على الحركة التي أصبح زعيمها رئيسا للبرلمان وبات استهدافها بفعل أخطائها المتراكمة، أسهل من السابق.

سلوك الإمارات عقب الربيع العربي، ظهر وكأنه، محكوم بعاملين: الأول، الخشية من الإسلام السياسي الذي يحظى بدعم المحور الإخواني (دول ومنظمات)، وهذا، في اعتقاد أبو ظبي، يشكل خطراً بعيد الأمد، ويستلزم دعم قوى كالعسكر وأحزاب “علمانية” هامشية، وجماعات لديها مشاكل مع المركز وتسعى إلى تقرير المصير. أما العامل الثاني، فكان اقتصاديا، حيث تحوّلت الإمارات إلى ملاذ للأموال المهربة، وسعت للسيطرة على موانئ وجزر حيوية. وفي حقيقة الأمر، مزجت أبو ظبي بين العاملين. في اليمن أمّن لها المجلس الانتقالي مواقع حيوية، مثل جزيرة سقطرى الاستراتيجية، وفي السودان تلازم دعمها للقادة العسكريين، بعمليات تهريب الذهب، التي كانت وما زالت، برعاية نائب رئيس مجلس السيادة، محمد حمدان دقلو “حميدتي”، فضلا عن فتح الأبواب لأفراد من عائلة الأسد، للاستثمار والتجارة.

لكن، مثال السودان يبدو مهماً، لفهم طبيعة الاستراتيجية الإماراتية حيال الربيع العربي، فهذا البلد شهد ثورة ضد الإسلاميين التي تعتبرهم أبو ظبي خصما أساسياً لها. مع ذلك، فقد انحازت الإمارة الخليجية، إلى العسكر ضد خيارات مثل “الحرية والتغيير”، وهذا ما أعطى مؤشراً واضحاً أن الإمارات تسعى لتصفية التغيير نفسه وليس فقط نتائجه المتمثلة بالإسلاميين. الهدف دعم الثورات المضادة تمهيدا لإنتاج أنظمة تشبه تلك التي جرى الانتفاض عليها. الإسلاميون هدف أساسي لكنهم أيضاً جزء من هدف أوسع.

هذه الاستراتيجية لم تكن تسير على منوال واحد خلال أكثر من عشر سنوات. في البداية، ومع صعود الإسلاميين، ترسخت استراتيجية الإمارات المعادية للتغيير، وباتت هجومية وسعت لحجز مواقع والاستثمار بالحلفاء، لكن مع التحولات التي طرأت عالمياً، لا سيما مغادرة دونالد ترامب منصبه، جرى إعادة هندسة لتلك الاستراتيجية وأدخلت عليها تعديلات، لصنع توازنات جديدة، فبرزت العلاقات مع إسرائيل والمصالحة مع قطر والتقرب من تركيا وعدم استفزاز إيران، كعناصر جديدة تضاف إلى سياسة تصفية الربيع العربي، وبالتالي، خلق شبكة متوازنة من العلاقات تؤمن لأبوظبي حماية، لم تعد متوفرة في ظل الانسحاب الأميركي الجزئي من المنطقة. 

هل زيارة بشار الأسد للإمارات، جزء من سياق استراتيجية أبوظبي ضد الربيع العربي، أم جزء من إعادة هندسة هذه الاستراتيجية؟

الجواب ببساطة: الأمران معاً.

الأسد بعد أن قتل وشرد واعتقل وقصف الآلاف من شعبه، تمكن بدعم إيراني روسي، من هزيمة الثورة، ما يجعله، حليفاً جيداً للإمارات الساعية إلى إنهاء الربيع العربي. لكن في الوقت نفسه، تريد أبو ظبي أن يكون الأسد جزءاً من الهندسة الجديدة لاستراتيجيتها القائمة على التوازنات، حيث أن الرئيس السوري، سيحتاج في مرحلة لاحقة لحليف يدعمه في ظل الصعوبات التي يعاني منها متعهّده الدولي فلاديمير بوتين، على وقع غزو أوكرانيا. وبهذا تحجز أبو ظبي موقعاً لبناء تفاهم مع إيران المقبلة على توقيع اتفاق نووي، عبر دعم حليف طهران السوري.

من جهة أخرى، تأتي الزيارة، على وقع توتر في العلاقات بين الإمارات وأميركا، على خلفية الأزمة الأوكرانية، وطلب واشنطن من أبو ظبي والرياض خفض أسعار النفط، مقابل عدم حماس من الدولتين الخليجيتين، اللتين باتتا تفكران في توزيع التحالفات، سيما في ظل نقص الاهتمام الأميركي بالمنطقة. والإمارات تحديداً، لم تتخذ موقفاً حاسماً ضد الغزو الروسي لأوكرانيا، حرصاً على العلاقة مع موسكو التي ستفرح بطبيعة الحال بوجود رجلها السوري في حضن الإماراتيين.

درج

————————————

الأسد في الإمارات… والحسابات الروسية ـ الإيرانية/ إبراهيم حميدي

زيارة الرئيس السوري بشار الأسد إلى الإمارات ليست مفاجئة. هذه النقلة في مسار العلاقات خلال السنوات الأخيرة كانت بانتظار السياق الدولي ولحظاتها السورية. أيضاً، كان منتظراً بعدها أن يقوم وزير الخارجية الإيراني حسن أمير عبد اللهيان بزيارة دمشق، باعتبار أن وجود إيران في سوريا هو الحاضر – الغائب في سوريا… ومحادثاتها.

بعد إعادة العلاقات الدبلوماسية بين دمشق وأبوظبي نهاية 2018، والاتصالات العلنية بين الأسد وولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد، واستقباله وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد في دمشق في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وقيادة الإمارات حملة دبلوماسية لـ«التطبيع العربي» وإعادة دمشق إلى مؤسسات عربية وأممية، على الرغم من الاحتجاجات الغربية، وتوسيع أبوظبي مروحة علاقاتها إلى طهران وأنقرة وتل أبيب وغيرها… كان استقبال الأسد الخطوة المقبلة.

لا يمكن إخراج أول زيارة عربية للأسد منذ 2011 عن السياق العام، خصوصاً أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ماضية في خطتها للانسحاب من الشرق الأوسط، على الرغم من تصريحات علنية عن اهتمامها وتقديم «ضمانات»، مقابل اهتمام كبير منها بالعودة إلى الاتفاق النووي مع إيران وليونة إزاء شروط طهران ومطالبها وتهديداتها. كما أنها وضعت الملف السوري، بعد 11 سنة، في كعب أولوياتها، باستثناء المساعدات الإنسانية ومحاربة «داعش» و«قانون قيصر».

في المقابل، هناك حضور روسي لافت في الشرق الأوسط، وقضاياه، تعزز بعد التدخل العسكري المباشر في سوريا نهاية 2015، بمبادرات ولقاءات مع دول عربية وإقليمية رئيسية تناول قضايا سياسية وأمن الطاقة.

جاءت الحرب الأوكرانية لتلقي بظلّها على سوريا، إذ إنه أمام انشغال روسيا بالنزيف الأوكراني من جهة، وتوقع رفع العقوبات عن إيران ونفطها و«حرسها» ووكلائها وتنامي اعتداءاتهم في الإقليم من جهة ثانية، وانزعاج إسرائيل من «الصفقة النووية» والتموضع الإيراني شمال حدودها من جهة ثالثة، والمآلات الإقليمية والدولية لتعمق الانقسام الغربي – الروسي من جهة رابعة… ستكون سوريا بين المتأثرين من هذه المعادلة القائمة على «توغلات ناعمة» من طهران و«انكفاءات خشونة» موسكو.

عليه، ارتفع صوت ضرورات عودة «الدور العربي» إلى سوريا و«ملء الفراغ» أو خلق نوع من التوازن بعدما باتت روسيا التي كان الرهان عليها لاحتواء إيران مشغولة بهمومها، والبحث في شبكة إقليمية عربية في خضم المخاض الحاصل في العالم والمنطقة، واختبار مقاربات للتعاطي مع الوجود الإيراني في سوريا بشكليه القديم أو الجديد. ومن دلالات ذلك، التباين بين البيانين الرسميين، إذ إن وكالة الأنباء الإمارات (وام) قالت إن لقاء الشيخ محمد والأسد تضمن «تأكيد الحفاظ على وحدة الأراضي السورية وانسحاب القوات الأجنبية»، فيما قالت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) إن «موقف الإمارات ثابتٌ في دعمها لوحدة أراضي سوريا واستقرارها، وشدد الشيخ بن زايد على ضرورة انسحاب كلّ القوات الأجنبية الموجودة بشكلٍ غير شرعي على الأراضي السورية».

الواضح أن الوجود الإيراني هو الحاضر – الغائب، ذلك أن دمشق تعتبره «شرعياً»، وجاء «بناء على طلب الحكومة» كما هو الحال مع الوجود الروسي، وهي تميز هذين «الوجودين» عن «الاحتلالين التركي والأميركي غير الشرعيين» وعن «العدوان الإسرائيلي».

في اجتماعات سابقة بين الأسد ومسؤولين عرب، جرى التطرق إلى «اتفاقات إبراهام» مع إسرائيل التي كانت تجنبت إدانتها. الأكيد، كانت هناك محاولات عدة تجرى لفتح أقنية بين دمشق وتل أبيب من جهة، ودعم التنسيق العسكري بين موسكو وتل أبيب في سوريا من جهة ثانية. الهدف؛ منع «التموضع الاستراتيجي» الإيراني في سوريا.

لا شك أن التطورات المتسارعة تفرض ضبط إيقاع هذه المعادلات. وكان لافتاً أنه بعد 3 أيام من زيارة الأسد للإمارات، عقد لقاء ثلاثي في شرم الشيخ، ضمّ الشيخ محمد بن زايد مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس وزراء إسرائيل نفتالي بنيت.

بين الإشارات والدلالات، أن الشيخ عبد الله بن زايد قبل أن يلتقي الأسد بدمشق، زار واشنطن، التي أكدت أنها «لا تدعم التطبيع» مع الأسد. لكن قبل وصول الأسد لأبو ظبي، التقى نظيره الروسي سيرغي لافروف في موسكو في خضم التوتر الروسي – الأميركي حول أوكرانيا.

اللافت أكثر أنه قبل ساعات من وصول الأسد إلى الإمارات، كان مسؤولون أميركيون وغربيون يجددون التمسك بـاللاءات الثلاث، وهي؛ لا لفك العزلة، لا لرفع العقوبات، لا للمساهمة بالإعمار، قبل تحقيق إنجاز سياسي. كما أنهم كانوا يتحدثون عن «المساءلة عن جرائم الحرب» ودعم «المحاكم الوطنية لمحاسبة المسؤولين عن الجرائم».

لم يكن مفاجئاً أن يعلن الناطق باسم الخارجية الأميركية نيد برايس، الذي تملك بلاده سلاح «قانون قيصر» وعقوباته، «خيبة» واشنطن إزاء الزيارة و«القلق من محاولات شرعنة الأسد»، لا أن يزور عبد اللهيان مع قرب رفع العقوبات عن بلاده، الأسد العائد من أبوظبي. ولن يكون مفاجئاً «ترحيب» موسكو، الواقعة مع دمشق تحت سيف العقوبات الغربية، بالزيارة و«الارتياح لاستقبال الرئيس السوري الشرعي». هناك خلط أوراق في سوريا. وهناك محاولات لمواكبة النقلات الجديدة.

الشرق الأوسط

—————————

«استعادة» الأسد: ترحيب إسرائيلي ـ إيراني؟

اعتبر كاتب عمود رئيسي في صحيفة «إسرائيل اليوم» العبرية، أن الهدف من زيارة رئيس النظام السوري بشار الأسد إلى دبي لم يكن منحه شرعية بقدر ما كان منح شرعية لاتفاقات أبراهام «وللتطبيع الذي لا يعرف حدودا بين إسرائيل والإمارات».

وعلقت صحيفة لبنانية محسوبة على «حزب الله» وإيران على الزيارة فاعتبرتها «رسالة تمرد» إماراتية على موجة إعلامية أمريكية «تحاول الضغط على دمشق والأسد»، وربطته أيضا بالتقدم الحاصل في محادثات فيينا بين إيران والقوى العالمية، وبالصراع الحاصل بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية حول أوكرانيا.

في المقابل رحب صحافي لبناني، يرأس صحيفة سعودية، بالزيارة قائلا إن “قدر سوريا أن تعود إلى أسرتها الطبيعية وقدر الأسرة أن تعود إلى سلوك طريق دمشق”.

تقدم التصريحات المذكورة ثلاث وجهات نظر من ثلاث جهات سياسية، تتوزع على مدار الطيف الإقليمي، لكنها تتفق على الترحيب بزيارة الأسد إلى دبي، وتقدم كل واحدة منها قراءتها الخاصة لها.

تضع القراءة الإسرائيلية الزيارة في إطار جر الأسد إلى «محور اتفاقيات أبراهام»، فيما تعتبرها القراءة الإيرانية إشارة إلى تمرد إماراتي على أمريكا، وتقرب من روسيا، كما تلمّح، بنعومة، إلى كونها تقربا من إيران، التي ستغدو في وضع سياسي ومالي وعسكري أقوى بعد توقيع الاتفاق النووي الجديد.

أما القراءة «السعودية»، فتبدو ضمن الإسناد العربي لهذا التحرك الإماراتي، لكن هذا يفسر الجملة الأولى في «تغريدة» الصحافي اللبناني (عودة دمشق لـ«الأسرة العربية»)، ولكنه لا يفسر الجملة الثانية التي تتحدث عن أن قدر «الأسرة» العربية هو «سلوك طريق دمشق»، والذي، باستثناء دلالته الدينية (التي تحيل في التقاليد الكاثوليكية إلى اهتداء شاؤول (القديس بولس) المفاجئ إلى الدين المسيحي)، لا يتناسب مع واقع الحال، لأن «سلوك طريق دمشق» على طريقة نظام الأسد، أوصل البلاد والعباد إلى كارثة كبرى لا يمكن تخيلها بحيث صار كثير من قادة الدول العربية يرهبون شعوبهم بسلوك تلك الطريق!

تتعارض هذه التفسيرات مع بعضها البعض بشكل يثير الالتباس.

تقول الصحيفة الإسرائيلية إن الإمارات تحاول لعب دور «الشرطي الطيب» (لتنفيذ أهداف «الشرطي السيء»: إسرائيل)، وإنها تعمل على «إحباط مؤامرات إيران»، عبر إخراج بشار الأسد (الذي، على حد وصفها، هو قاعدة المعسكر الذي تقيمه طهران في المنطقة) من نفوذ الإيرانيين، وتؤكد أنه «يجتهد» في الأشهر الأخيرة في تقييد نشاط إيران في أراضيه.

في المقابل قام وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان بزيارة إلى دمشق أمس، حيث أكد من العاصمة السورية أن «إيران وسوريا تقفان في خندق واحد»، وأن الجمهورية الإسلامية «تدعم سوريا بحكومتها وشعبها»، فيما رد وزير الخارجية السوري فيصل المقداد بطريقة التلميح، عن أن «مياها سارت تحت الجسور» وأن على المسؤولين السوريين العودة لاطلاع إيران على التطورات الأخيرة والتأكيد على «وقوفنا إلى جانب» إيران، وهو ما يمكن تفسيره بأن زيارة دبي كانت «سير مياه تحت الجسر»، لكن النظام ثابت على تأييده لقادة طهران!

الأغلب أن أطراف محور اتفاقيات أبراهام، و«الإسناد العربي» (السعودي والأردني) لهذا المحور، يعلمون أن «استعادة» الأسد، لن تؤدي إلى إبعاده عن إيران، وأن الصحيح أن طهران وموسكو يرحبان بشدة بفك العزلة عن الأسد ونظامه، وأن أي خطوة نحو النظام السوري سيء السمعة، والمعزول دوليا، والمعدم اقتصاديا، حتى لو كانت باتجاه إسرائيل، هو أمر يمكن الاستفادة منه والبناء عليه.

من هنا فإن الأحاديث البلاغية عن سلوك الأنظمة العربية «طريق دمشق»، وعن كون الإمارات »الشرطي الطيب» الذي يسحب الأسد من نفوذ طهران، وعن «المياه تحت الجسر»، لا تستطيع أن تخفي الواقعة العجيبة التي تجري، والتي يتم عبرها التوفيق عمليا بين أهداف طهران وإسرائيل عبر دمشق ودبي!

القدس العربي

—————————

الأسد في دوامة العلاقات الدولية.. عجز مديد/ منير الربيع

تدور دورة العلاقات الدولية على وقع تطورات عالمية كبرى. المخاض سيقود إلى ولادة نظام عالمي جديد وفي تقديرات مراكز دراسات وأبحاث ومفكرين استراتيجيين. تسعى الولايات المتحدة الأميركية إلى احتواء الجميع. ففيما كانت قد عملت طوال السنوات الماضية على احتواء روسيا، وسعت لاحتواء إيران من خلال اتفاق نووي، بهدف تطويق الصين ومشروعها للدخول إليه كشريك مضارب. ها هي واشنطن تسعى إلى استقطاب الصين والتعاون معها في سبيل تطويق روسيا التي تخوض حرباً في أوكرانيا قابلة في أي لحظة لأن تتحول إلى حرب عالمية.

تعتمد واشنطن سياسة استراتيجية كانت قد اعتمدتها في سنوات الحرب الباردة أو خلال الحرب العالمية الثانية. وهي ترتكز على نظريتين، الأولى لزبيغنيو بريجسنكي الذي يركز على ضرورة التعاون الأميركي الروسي، والثانية لهنري كيسنجر الذي يركز على إنتاج نظام عالمي تشاركي بين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا والصين انطلاقاً من أدوار متكاملة.

في هذه التحولات تشهد العلاقات الدولية جانباً من التغيير الجذري، تبحث القوى الإقليمية عن أوراق قوة تستخدمها أو عن تعزيز أوراقها. في حين تريد واشنطن إنجاز الاتفاق النووي للتفرغ للملف الروسي الأوكراني وخلق بديل يسد ثغرات نقص النفط الروسي لأوروبا. كل التوقعات تشير إلى أن الاتفاق النووي أصبح منجزاً يبقى بحاجة إلى إعلانه في الأيام المقبلة، وهو سيكون مؤشراً إلى الانفراج الاقتصادي الذي ستستفيد منه طهران، ولكن حتماً سيكون هناك ثمن لا بد من دفعه في المقابل، وهو السعي لإنضاج تسويات في الملفات الإقليمية، وهنا تتضارب المعطيات والتقديرات من داخل واشنطن، فبعضهم يستنتج أن إيران قد تتسلم المنطقة كما حصل في العام 2015، أما وجهة النظر الثانية فتشير إلى أنه لا يمكن لأميركا كدولة عظمى أن تسلم إيران المنطقة، فحاجة واشنطن للاتفاق تتعلق بسدّ الثغرات النفطية والغازية الناتجة عن الحرب الروسية على أوكرانيا بفعل فرض العقوبات، ولكن لا يمكن لواشنطن أن توافق على تقديم تنازلات لصالح طهران خصوصاً أن إدارة بايدن لن تكون قادرة على تقديم مزيد من التنازلات خوفاً من خسارة الانتخابات النصفية.

في المقابل، فإن دول الخليج تظهر تعاطفاً مع روسيا وتقارباً مع الصين في ظل التوتر بالعلاقات مع الولايات المتحدة الأميركية. في هذا السياق برزت زيارة بشار الأسد إلى دولة الإمارات العربية المتحدة وهي رحلة نتيجة ضعف وليست نتيجة قوة، بالنسبة إلى موقف الإمارات في اليمن والمتقدمة عسكرياً هناك، كما أنها الدولة الرائدة في مسار السلام والتطبيع مع إسرائيل. وهذه حتماً مواقف لها دلالاتها وأبعادها في المرحلة المقبلة. فالضعف سياسي بسبب الارتهان لإيران ومالي بسبب عدم قدرة الإيرانيين والروس على تغطيته مالياً وتوفير أدنى مقومات العيش. وفيما تسعى إيران إلى إبرام اتفاق نووي مع واشنطن لا يمكن للأسد أن يبقى في هذه الوضعية لأنه سينتهي أي تأثير له، بخلاف ما كان يراهن عليه سابقاً وهو الموازنة في الموقف بين الإيراني والروسي. حالياً روسيا في حالة حرب وعزلة دولية ولا يمكن له أن يستمر أسيراً لإيران بهذا الشكل، وإلا سيتحول إلى مجرد صورة.

 في المقابل، يمكن للإمارات تحقيق جملة أهداف من وراء هذا الاستقبال في إعادة صوغ علاقات دولية جديدة في المنطقة، بنتيجة إبقاء العلاقة مع الأميركيين والبحث عن علاقات استراتيجية أخرى، وكان هذا الخيار قد بدأ من التوتر مع الولايات المتحدة الأميركية، وقف صفقة f35، الصفقات الكبرى مع الصين من خلال شركة هواوي، والاعتماد على اللقاح الصيني في مواجهة فيروس كورونا.

 كان تصريح وزارة الخارجية الأميركية لافتاً للنظر في التعبير عن عدم الموافقة والرفض لاستقبال الأسد، وهي تكرر الموقف التقليدي والثابت في هذا السياق، بينما تعمل السعودية والإمارات وفق استراتيجية كسب الوقت انطلاقاً من عدم الموافقة على الاتفاق النووي، وعلى التخلي الأميركي عن الالتزامات بأمن الحلفاء، وهنا لا بد من الإشارة إلى التقاء المصالح بين دول الخليج وإسرائيل في معارضة المسار الأميركي، وهذا سيؤشر إلى إمكانية تصعيد إسرائيلي مستمر ضد إيران وحلفائها، بينما ينتظر الخليجيون والإسرائيليون موعد الانتخابات النصفية لخسارة الديمقراطيين وفوز الجمهوريين. كل ذلك لا يعني تعزيز موقع الأسد في المعادلة، إنما حمايته من قوى متناقضة سعياً منها وراء حماية مصالحها ودورها وتأثيرها في المنطقة، لكن هذا لن يكون قادراً على إنتاج حلّ سوري قبل الوصول إلى حلّ روسي أميركي يتجلى في الشرق الأوسط، وهنا سيبقى النظام السوري في عجزه المديد.

تلفزيون سوريا

—————————

سؤالان وثلاث حقائق على هامش زيارة الأسد للإمارات/ إياد الجعفري

ما سرّ توقف هجمات الحوثيين على أهداف داخل الأراضي الإماراتية منذ أكثر من شهر ونصف رغم استمرار الدور الإماراتي الميداني المناوئ للحوثيين في اليمن، واستمرار استهداف الحوثيين لأهداف داخل السعودية؟، وما سرّ غياب البروتوكولات الرسمية في استقبال رأس النظام، بشار الأسد، في أبوظبي تحديداً؟

بقدر ما كان الربط الذي أجراه مراقبون بين توقيت زيارة الأسد، وبين زيارة وزير الخارجية الإماراتي لموسكو، في اليوم السابق، دقيقاً، بقدر ما تفيد محاولة الإجابة على السؤالين أعلاه، في استكمال فهم اللوحة المحيطة بتوقيت زيارة الأسد، ودلالاتها، وتداعياتها المحتملة.

فمنذ الـ 3 من شباط / فبراير الفائت، حينما أعلنت ميليشيا عراقية غير معروفة، مسؤوليتها عن استهداف منشأة على الأراضي الإماراتية بأربع طائرات مسيّرة، لم تشهد الإمارات هجوماً جديداً من جانب جماعة الحوثيين اليمنية، أو من أية قوة أخرى محسوبة على إيران، بالمنطقة. كان الهجوم الأخير المشار إليه، قد سبقه ثلاث هجمات نوعية، أطلقها الحوثيون تجاه الأراضي الإماراتية، سقط في إحداها ثلاثة قتلى، وترافق آخرها مع زيارة الرئيس الإسرائيلي، إسحاق هرتسوغ، للإمارات. لكن، منذ ذلك التاريخ، وحتى ساعة كتابة هذه السطور، لم تتكرر هجمات الحوثيين، ولم تنفذ الجماعة اليمنية تهديداتها باستهداف معرض إكسبو دبي 2020.

توقف استهداف أذرع إيران لأهداف داخل الأراضي الإماراتية، لم يترافق مع تحقيق مطالب الحوثيين بوقف التدخل الإماراتي الميداني ضدهم. بل على العكس، تفيد المعطيات المتوافرة ميدانياً، أن ميليشيا “ألوية العمالقة” اليمنية المدعومة إماراتياً، تواصل عملياتها العسكرية ضد الحوثيين وتحاول التقدم صوب محافظة البيضاء بعد التقدم الميداني الذي حققته في شبوة. أي أن هدف الحوثيين المُعلن من استهداف الإمارات قبل شهر ونصف، لم يتحقق. فلماذا توقف الحوثيون منذ ذلك الحين عن استهداف الإمارات، فيما يواصلون استهداف السعودية؟

يبدو تقديم إجابة حاسمة، متعذراً الآن. لكن، فيما يربط مراقبون بين استقبال الأسد في أبوظبي ودبي، وبين رغبة الإمارات في التقرب من موسكو، تشير التجارب السابقة إلى أن تغييب العامل الإيراني عن العلاقة الإماراتية – الأسدية، ينحو بنا إلى قراءة غير سديدة. يكفي أن نُذكّر القارئ بأن نظام الأسد كان الوحيد بين دول “الهلال الشيعي” (العراق، سوريا، لبنان)، الذي لم يُصدر بيان إدانة لهجمات الحوثيين ضد المنشآت الإماراتية.

وفي محاولتنا للإجابة على التساؤل أعلاه، قد يكون التسريب المتعلق بنيّة إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، رفع الحرس الثوري الإيراني، من قائمة الإرهاب الأمريكية، مقابل المساعدة في تخفيف التصعيد في الإقليم، واحداً من الحيثيات المفيدة. لكن، يبقى التساؤل قائماً: لماذا خفّ التصعيد “الإيراني” ضد الإمارات، لكنه استمر ضد السعودية؟

في الإجابة على التساؤل الأخير، يحضرنا تعثر عقد الجولة الأخيرة من المفاوضات بين إيران والسعودية في العاصمة العراقية بغداد، على خلفية إعدام السعودية عشرات الأشخاص دفعةً واحدةً، جزء كبير منهم، من أبناء الأقلية الشيعية في الشرق السعودي. هذه الخطوة التي عُدت استفزازاً سعودياً مقصوداً لإيران، تكشف عن خيبة أمل الرياض من أي دور إيراني في التخفيف من وطأة الورطة السعودية في اليمن. فيما كان الموقف حيال الإمارات مختلفاً. فالأخيرة كسبت من دورها في جعل دبي، متنفساً للاقتصاد الإيراني، على مدار العقد الفائت، رغم الامتعاض الأمريكي الدائم حيال هذا الملف. وفي دبي ذاتها، وجد رأس المال الموالي للنظام، الهارب من التأزم في المشهد السوري، موطئ قدمٍ، يقدّره النظام لحاكم دبي، دون شك. وهذا ربما أحد أسباب حالة الحميمية التي ظهرت في لقاء حاكم دبي، محمد بن راشد، ورأس النظام، بشار الأسد، في الصورة المتداولة للقاء بينهما. مقارنة بحالة أكثر رسمية، في اللقاء بين ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، وبين الأسد.

النقطة الأخيرة تحديداً، تقودنا إلى السؤال الثاني الذي أوردناه في مقدمتنا. فاستقبال الأسد في أبوظبي، لم يكن لائقاً من الناحية البروتوكولية، وفق الصور المنشورة للقاء، والتي دفعت بمراقبين إلى وصفه بـ “لقاء المرآب”، حيث جرى قرب بوابة “قصر الشاطئ”، وفي أجواء غابت عنها الأعلام، والحيثيات الرسمية التي ترافق اللقاءات بين رؤساء الدول، عادةً. فهل غاب ذلك عن أذهان منظّمي اللقاء في أبوظبي؟ بطبيعة الحال، لا. فطريقة إخراج اللقاء والصور المنشورة عنه، تحمل رسائلها. وتوحي بأن اللقاء كان مجرد “أُعطية” دبلوماسية، محدودة الأهمية، جاءت استرضاءً لروسيا، وأيضاً، استرضاءً لإيران.

لكن الخلاصة الأخيرة، لا تلغي جملة حقائق، الأولى: أن الإمارات تسير وفق منهجية واضحة عنوانها استعادة العلاقات مع النظام، بشكل تدريجي، منذ العام 2018. لكن بطء هذا المسار، فيما يكابد النظام صعوبات اقتصادية جمّة بصورة لا تمنحه رفاهية الوقت لجس النبض بين الطرفين، تُنبئ بأن أبوظبي، تحديداً، تريد مقابلاً لثمن دعمها للأسد. ومن المبكر الجزم بأن زيارة الأسد تعني منح أبوظبي ما تريده.

الحقيقة الثانية الجليّة، هي أن الإمارات التي تتحوط جراء تغير موازين القوى الدولية، وصعود إيران، في طريقها لانتهاج استراتيجيات تبقيها على صلة جيدة بكل الأطراف الفاعلة بالمنطقة. بما في ذلك، إيران نفسها. إذ يجب ألا نفاجأ بتحرك إماراتي نوعي حيالها، قريباً. خاصة إن تُوجت مساعي واشنطن الحثيثة بإعادة إحياء الاتفاق النووي، خلال الأيام القليلة القادمة. لكن ذلك لا يعني دعماً إماراتياً مجانياً لنظام الأسد، بخلاف ما تتحدث عنه وسائل الإعلام الموالية. فشحنة قمح أو نفط إسعافية، لا تمثل ما يأمله الأسد من أبوظبي، بطبيعة الحال.

أما الحقيقة الثالثة، فهي أن الإمارات ليست في وضع يخولها التخلي عن تحالفها المتين مع واشنطن، رغم ما يُقال عن التوتر الذي يشوب علاقات الطرفين، ورغم مظاهر التمرد التي أظهرتها أبوظبي مؤخراً. فمساعي التحوط الإماراتية حيال الانسحاب الأمريكي من المنطقة، وصعود روسيا والصين وإيران، لا تعني التخلي عن الحليف الأمريكي، بل تعني الموازنة بينه وبين قوى أخرى صاعدة. هذا يعني بدوره، أن الإمارات لن تذهب بعيداً في الانفتاح على نظام الأسد، بصورة نوعية، إن كانت واشنطن تمانع ذلك حقاً. ونقصد هنا بالانفتاح النوعي، ليس مجرد لقاء “دبلوماسي” لا يغيّر شيئاً من الواقع المرير لأكبر مشكلة تواجه الأسد، وهي الاقتصاد. بل نقصد بذلك، دوراً إماراتياً حقيقياً في إعادة إعمار البلاد، ودعم اقتصادها، بشكل نوعي ومُستدام، وليس بشكل إسعافي ومؤقت.

وحتى ساعة كتابة هذه السطور، تدفع الحقائق الثلاثة المفصّلة أعلاه إلى نتيجة نهائية مفادها، محدودية ما يمكن أن ينجم عن زيارة الأسد للإمارات من نتائج على صعيد الاقتصاد السوري، ما لم تُستتبع بتغيرات نوعية في موقف واشنطن حيال النظام السوري. الحيثية الأخيرة بالتحديد ستبقى وقفاً على ثلاثة متغيرات، تطورات الأزمة في أوكرانيا، وتطور العلاقة الأمريكية – الإيرانية (في حال تجديد الاتفاق النووي أو فشل المساعي لذلك)، وأخيراً، تطور العلاقة الإماراتية – الإيرانية.

تلفزيون سوريا

————————-

لا مفاجأة في زيارة الأسد للإمارات/ عمر كوش

لم تكن الزيارة التي قام بها بشار الأسد إلى الإمارات مفاجئة، مثلما بدت لبعض الناشطين والمعارضين السوريين وأصابتهم، ومعهم آخرون، خيبة أمل، كونها جاءت تتويجاً لتطور العلاقات بين النظامين، إذ بالرغم من أنها محكومة بحيثيات سياسية واقتصادية مهمة بالنسبة إلى كليهما، إلا أنها أعلنت اكتمال مسار تطبيع الإمارات علاقاتها مع النظام، والذي بدأته منذ عدّة سنوات، وسارت معها في دروب التطبيع دول عربية عديدة، لم تتوقف يوماً محاولاتها ومساعيها من أجل إعادته إلى الحضن العربي، الذي يعجّ بطغاة ومجرمين كثر مثل بشار الأسد.

وبالنظر إلى مسار العلاقات التي تربط بين الإمارات العربية المتحدة ونظام الأسد، فإن الاتصالات بين مسؤولين إماراتيين ونظرائهم من النظام استمرت، بالرغم من انضمام الإمارات إلى مجموعة دول الخليج التي استدعت سفراءها من سوريا، وطلبت منهم مغادرتها في 6 من مارس/ آذار 2012، واتخذت في بداية الثورة السورية خطوات داعمة للتغيير السياسي، حيث انضمت إلى مجموعة “أصدقاء الشعب السوري”، التي كانت تدعم الوصول إلى حل سياسي في سوريا، وتطالب برحيل النظام، إلى جانب رفضها في 2014 إجراء مهزلة انتخابات النظام الرئاسية على أراضيها، لكنها، بالمقابل، أبقت على بعثة دبلوماسية للنظام في عاصمتها من أجل تسيير معاملات السوريين الموجودين على أراضيها. كما عملت على تسهيل إقامة أفراد من عائلة الأسد وأسرهم في مدينة دبي وسواها، وفتحت بنوكها لأموالهم التي نهبوها من الشعب السوري، فضلاً عن استثمارات المقربين من الأسد في مشاريع إماراتية شتى، ثم بدأت الإمارات شيئاً فشيئاً بتغيير مواقفها من النظام، وقامت باتخاذ خطوات تدريجية باتجاه التطبيع مع نظام الأسد، عبر إعادة فتح السفارة الإماراتية في دمشق في27 من ديسمبر/ كانون الأول 2018، وبعدها بدأت بشكل خفي زيارات وفود اقتصادية بين البلدين، وعودة الشركات الإماراتية للاستثمار في سوريا. وتطور الأمر إلى ظهور تطبيع العلاقات مع النظام إلى العلن مع اتصال ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، مع بشار الأسد، في مارس/ آذار 2020، وحاولت الخارجية الإماراتية تبريره من بوابة التضامن الإنساني في ظل ظروف انتشار جائحة كورونا. أما في أكتوبر/ تشرين الأول 2021، فقد جرى تشكيل “مجلس الأعمال السوري الإماراتي”، بغية الإسهام في “إعادة إعمار سوريا”، عبر تفعيل دور القطاع الخاص، وتطوير التعاون الاقتصادي بين البلدين، بكل المجالات الصناعية والتجارية والزراعية والسياحية، ثم قام وزير الخارجية الإماراتي، عبد الله بن زايد آل نهيان، بزيارة دمشق في نهاية العام الماضي، وطالب خلالها بضرورة عودة النظام إلى محطيه العربي واسترجاع دوره في جامعة الدول العربية.

وبصرف النظر عن التبريرات والمسوغات التي تسوقها الأنظمة العربية لخطواتها التطبيعية مع نظام الأسد، والتي تريد أبو ظبي تسويقها عبر مقولات الحضور العربي في الملف السورية وإبعاد النظام عن إيران وسوى ذلك، إلا أن زيارة الأسد إلى أبو ظبي، وإن كانت هي الأولى له إلى بلد عربي منذ اندلاع الثورة السورية في عام 2011، فإنها قد لا تختلف كثيراً عن الزيارات القليلة، أو بالأحرى عمليات الشحن، التي استدعي فيها الأسد إلى موسكو وطهران، كي يتلقى الأوامر والتعليمات من فلاديمير بوتين و”النصائح” من طرف ملالي طهران، الأمر الذي يشي بأن الزيارة صحيح أنها تسهم في إطار فك عزلته العربية والدولية، لكن يبدو أن الأسد تبلّغ خلالها ما المطلوب منه كي يعود إلى الحظيرة العربية، إضافة إلى أنها ليست بعيدة عن زيارة وزير الخارجية الإماراتي، عبد الله بن زايد، إلى روسيا قبلها بعدة أيام، خاصة وأن ساسة الكرملين لم يكفوا عن مطالبة الأنظمة العربية وغيرها بضرورة التطبيع مع نظام الأسد، وعن حثها على مساعدته والإسهام في إعادة الإعمار وعودة اللاجئين.

ويخال الساسة في الإمارات بأن التطبيع مع نظام الأسد يدخل في سياق “انتهاج سياسة واقعية تجاه خفض التوترات، وتعزيز الدور العربي في مقاربة عملية لإيجاد حلول لأزمات المنطقة”، وأنه مسخر من أجل شده إلى الجانب العربي، عبر “تكريس الدور العربي في الملف السوري”، وكي لا تترك الساحة السورية “مفتوحة للتدخلات الإيرانية”، لكن ذلك لا يتعدى، بالنسبة إليهم، عملية شراء النظام عبر دفع مبلغ أكبر من المبلغ الذي تدفعه ملالي إيران، ولا يصمد أمام طبيعة وتركيبة نظام الأسد الإجرامي، وأمام معارضة بعض الدول العربية عودة النظام بشكله الحالي، وربطه عودته إلى عضوية الجامعة بالانخراط الفعلي في العملية السياسية، لذلك تحدث الأمين العام للجامعة أحمد أبو الغيط، مؤخراً، عن عدم وجود توافق بشأن عودة النظام لشغل مقعد سوريا في الجامعة. وهو أمر يضاف ويتناغم مع موقف الإدارة الأميركية التي ترفض التطبيع مع الأسد، ومع تأكيد دول الاتحاد الأوروبي على أنه لا تطبيع مع النظام، ولا إعادة إعمار، ولا رفع للعقوبات إلى أن يتم التوصّل إلى حلّ سياسي ينسجم مع قرار مجلس الأمن الدولي 2254 بشكل واضح.

وليس مفاجئاً أن يكون بشار الأسد سعيداً جداً بزيارته للإمارات، لأن مرد سعادته هو الاطمئنان على أمواله وأموال عائلته المودعة في بنوك الإمارات والاستثمارات الموظفة في مشاريعها، الأمر الذي يفسر الغاية من مروره على دبي موطن الأموال والاستثمارات الأسدية، ولا يمنع ذلك من أن يحاول الموالون، ومعهم سائر الممانعين، من تصويرها بوصفها إنجازاً وانتصاراً لهم، سيصفقون له مثلما يصفقون لإرسال النظام مرتزقة إلى أوكرانيا من أجل القتال إلى جانب جيش فلاديمير بوتين ضد الشعب الأوكراني.

  ولا شك في أن نظام الأسد بحاجة ماسة إلى معونات ومساعدات اقتصادية عاجلة، في ظل تدهور الأوضاع المعيشية لغالبية السوريين في مناطق سيطرته، الذين هم بأمسّ الحاجة إلى تأمين المواد من قمح وأرز وسكر وزيوت وسوى ذلك، لكن لا يبدو أن الإمارات في وارد تأمين ما تحتاجه مناطق سيطرة النظام، لأن المهم بالنسبة إلى ساستها هو استغلال الزيارة لتوجيه رسائل سياسية، والاستفادة من الأجواء الدولية، في ظل انشغال الولايات المتحدة بمواجهة الغزو الروسي لأوكرانيا، التي عبّرت عن استيائها من الزيارة، إلا أنها ليست مستعجلة من أمرها للقيام بجردة الحساب معهم، ومع محاولتهم مناطحتها.

تلفزيون سوريا

—————————–

زيارة الأسد إلى الإمارات تفصيل ثانوي في الصورة/ عبد الله الحريري

استهجان كبير لزيارة بشار الأسد للإمارات العربية في الثامن عشر من آذار الجاري، مصادفة الذكرى الحادية عشرة للثورة السورية، بعد إحدى عشرة سنة لم يزر فيها أي دولة خليجية، ولكن لن نستغرب إذا ما تتبعنا ما سبق هذه الزيارة من تقديمات بعد انحسار عمق العلاقة الأميركية الإماراتية، والأميركية السعودية كذلك، منذ فوز بايدن في انتخابات الرئاسة الأميركية، لتظهر الخلافات للعلن في نهاية عام 2021 حين ألغت الإمارات صفقة شراء خمسين طائرة إف-35 و18 طائرة مسيرة بقيمة تصل لـ 23 مليار دولار أميركي.

كانت الإمارات قد طمحت لإتمام هذه الصفقة منذ عهد الرئيس دونالد ترامب بعد أن طبعت علاقاتها مع إسرائيل، ولكن ضمان تفوق إسرائيل التقني والجوي دفع الإدارة الأميركية إلى المماطلة وفرض قيود تعطيلية. أما بالنسبة للسعودية فمن المعلوم أن الرئيس بايدن رفض التعاطي مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان على خلفية حادثة مقتل الصحفي جمال خاشقجي، بالإضافة للسياسة الأميركية في اليمن التي لم تتخذ مواقف جدية من أجل حسم الحرب مما فضح (عاصفة الحزم) وضعف دول الخليج من ورائها مما أدى إلى انشطار الحلف وتخاصم الإخوة، حتى صارت كل من السعودية والإمارات العربية عرضة للصواريخ الباليستية بالإضافة لهجمات الطائرات المسيرة التي كانت موجعة بشكل واضح، وفي النهاية يأتي الاتفاق النووي الإيراني كمهدد أكبر للدول الخليجية التي تقف على خط الاشتباك القادم مع إيران، خصوصاً بعد الذي يُتداوَل حول  إخراج الحرس الثوري الإيراني من قوائم الإرهاب.

التخبط السعودي الإماراتي بدا واضحاً في عدة محطات، منها عدم القدرة على الحسم في اليمن، وبعدها العجز في ليبيا، وتحدد دورهما في سوريا بعد رفض التدخل العسكري في الجنوب ومن ثم فشل مؤتمر المستقلين أواخر سنة 2019 الذي طمحت من خلاله للسيطرة على هيئة التفاوض السورية بعيداً عن تركيا، وبعد ذلك لم يكن مجال المناورة كبيراً في ظرف الجبهة اليمنية المفتوحة، وما اعترى الموقف المصري من تحول، ولو جزئيا، بانتهاج سياسة خاصة ابتدأت بتحسين العلاقات مع تركيا التي ظاهرتها السعودية والإمارات العداء حينئذ، وفي خطوات بطيئة ناورت الإمارات خصوصاً، والسعودية بشكل أقل، بين روسيا وإيران وتركيا، في نية واضحة في تغير قواعد لعبهما، وقد أسفر ذلك عن اتفاقيات هامة، لم تكن جميعها في صالح الثورة السورية، ومنها إعادة علاقاتها تدريجيا مع النظام السوري، ما بين خطوات علنية ولقاءات سرية، وتلا ذلك سقوط ثمار في يد النظام، منها تعيينه في المجلس التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية، ومشاركة وزير السياحة في اجتماع دولي في السعودية، ومشاركة وفد ممثل عن وزارة الداخلية في اجتماع الإنتربول في إسطنبول، وكادت أن تنجح عودته إلى جامعة الدول العربية.

ولم يكن لشيء أن يتغير بسرعة لولا الحرب الروسية على أوكرانيا، حيث كانت حزمة العقوبات الغربية على روسيا كبيرة، وسعت أميركا جاهدة لمقاطعة النفط والغاز الروسيين، وبذلك احتاجت للبديل الذي كانت قطر على رأسه كثاني بلد مصدر للغاز إلا أنها لا تستطيع تلبية حاجات أوروبا بسبب عقودها الطويلة الأمد مع الصين، بينما كانت السعودية والإمارات العربية على رأس قائمة الدول المصدرة للنفط، وطمحت أميركا لزيادة معدل الإنتاج اليومي بما يؤمن حاجيات الغرب ويخفض أسعار النفط العالية، إلا أن كلاً من ولي العهد السعودي ونظيره الإماراتي رفضا الرد على الاتصال الهاتفي من بايدن منذ قرابة أسبوعين، فلجأ الأخير إلى الرئيس الفنزويلي الذي عملت أميركا منذ زمن على الإطاحة به وفرضت عليه عقوبات لمدة عشرين عاماً، لكنه رفض أيضاَ أن يزودهم بالنفط بسبب علاقاته القوية بروسية، وبذلك ضمن بوتين احتياجات حربه على أوكرانيا من عائدات النفط الروسي الذي لا يستطيع الغرب التخلي عنه إلى الآن، وتجرأت الإمارات العربية كذلك على عدم التصويت لصالح مشروع قرار أميركي لإدانة الغزو الروسي لأوكرانيا!

في 17 آذار 2022 زار وزير الخارجية الإماراتي روسيا والتقى بنظيره الروسي، وكانت نقاط النقاش واضحة ويمكن لأي أحد أن يتكهن بها، فالإمارات عبرت عن استعدادها للوساطة والخدمة الإنسانية في أوكرانيا، لكنها من ناحية أخرى تتفق مع روسيا على ضرورة استقرار سوق الطاقة! وكذلك ترى بضرورة العمل على حل الملف السوري وإعادة الإعمار والعمل على عودة النظام لجامعة الدول العربية، أما روسيا فهي تتعهد بالعمل من أجل العمل معاً في ليبيا وفي اليمن، وتدين الهجمات التي تشن من اليمن على كل من السعودية والإمارات، وكانت التصريحات الروسية تدعم منذ بداية عام 2022 رعاية السعودية لمشاورات يمنية – يمنية ستكون بين كل الأطراف اليمنية في الرياض.

كان وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد آل نهيان قد زار دمشق والتقى بشار الأسد في تشرين الثاني 2021، وبعد أربعة أشهر يزور روسيا لتعقبها بفارق يوم واحد زيارة بشار الأسد إلى الإمارات، فتصبح كل أجزاء الصورة واضحة، ولكن أسوأ ما في هذه الزيارة هو توقيتها إذ يتصادف مع ذكرى انطلاق الثورة السورية، التي راح ضحيتها ملايين السوريين ودمرت مناطق بأكملها، وإذ أودى اصطفاف الدول العربية القديم إلى جانب أميركا بمناطق سيطرة المعارضة عبر اتفاقيات خفض التصعيد التي تمت باتفاق أميركي روسي عام  2017- 2018، فلا أحد يعلم إلى أين سيودي اصطفافها الجديد إلى جانب روسيا، لأنه إذا كان تحولاً حقيقياً في الأحلاف فهذا يعني مرحلة من اشتباك المصالح وانفكاكها بدرجة حساسية لا تقل عن الحساسية التي دفعت روسيا لغزو أوكرانيا.

—————————

الأسد في الإمارات، إشارات وتحولات/ وفاء العلوش

“قام الرئيس السوري، بشار الأسد، بأول زيارة له إلى دولة عربية منذ اندلاع الحرب الأهلية السورية قبل 11 عامًا”.

هكذا جاء الخبر بالحرف على موقع أحد وكالات الأنباء العالمية، متجاهلين بذلك سنوات الثورة السورية التي دخلت في عامها الثاني عشر في اليوم نفسه بكلمات لا يمكن النظر إليها بطريقة حيادية، إذ إنه ومما لا شك فيه أن مفردات أي خبر صحفي لا يتم اختيارها بشكل عشوائي، بل تخفي رسالة حقيقية موجهة للرأي العام أو للمهتمين بقراءة الأخبار عبر الوسيلة المعنية.

في قراءة الخبر لا يمكن لمن ما زال يؤمن بأحقية الثورة السورية إلا أن يسجل تحفظه حول بعض المصطلحات:

التحفظ الأول: هو الإصرار من طرف وسائل الإعلام الغربية على تعميم مصطلح الحرب الأهلية للتغطية على جرائم النظام وجرائم داعش في الوقت نفسه، واعتبار أنهما خلاصة الصراع في سوريا، بهدف تغييب فكرة الثورة مع الوقت ومحاولة الهيمنة والتعتيم على أي فعل ثوري بتأطيره ضمن فكرة “الحرب الأهلية” وتوابعها، وهذا يخفي في مضمونه سبباً خفياً لتعامل المجتمع الدولي مع الحالة السورية بكل هذه اللامبالاة، ذلك أنهم يرون أن ما حصل لم يكن ثورة وإنما هو صراع على السلطة بين الطوائف والقوميات.

التحفظ الثاني: هي محاولة إظهار الأسد من خلال هذه الزيارة أو غيرها من التمهيدات الدولية التي سبقتها، على أنه رئيسٌ لسوريا وهذا في حد ذاته ينافي وجود حالة من اللااستقرار في البلاد ويعني تفرغ الرئيس لتعزيز العلاقات الدبلوماسية وأواصر العلاقات.

لن نخوض بسبب اختيار الرئيس الأسد المفترض تاريخ الثامن عشر من آذار لمعاودة ظهوره في زيارات رسمية وجلية ممثلاً سوريا التي صنعها بعد اختصار مهجريها وشهدائها ومعتقليها، ولا مجال للحديث عن الرسالة التي يمكن أن يتلقاها المنفيون السوريون في بلاد العالم أو ذوو المفقودين والمعتقلين ذلك أن ألمهم أكبر من هذه الزيارة أو غيرها.

ربما حان الوقت لنعترف بأن المواقف السياسية لا تتطابق مع ما ننتظره من العالم من مواقف أخلاقية، وأن للعالم حسابات تختلف عن حسابات حقوقنا وقضايانا ولا تمنعهم من استعادة أواصر العلاقات مع رئيس ارتكب فظائع وجرائم حرب بحق شعبه وما زال.

منذ فترة ليست بعيدة بدأت بعض الدول تغير من تعاملها مع النظام الحاكم في دمشق فتارة نشاهد غزلاً متنكراً باتفاقيات تعاون ومذكرات اقتصادية وتارات على شكل رسائل سياسية يحملها ممثلو الدول بين فترة وأخرى، ومن قبل ذلك إعادة فتح السفارة الإماراتية في دمشق فيما لا نجد ردات فعل حقيقية على إعادة التعويم الذي يبدو أنها تتم بطريق التدرج حتى يستطيع العالم هضمها مع الوقت.

يرتبط بقاء الأسد على كرسي السلطة مع ملف اللاجئين بطريقة لم يتمكن العالم من حلّ عراها حتى الآن، ولأن العالم ـ بعد تمدد الأحزاب اليمينية ـ بدأ يوضح ضيقه من تحمله أزمة اللاجئين التي طال أمدها، فهو ما زال يسعى بكل قوته إلى محاولة إعادة تقبل الأسد لدى السوريين والمجتمع الدولي، في الوقت نفسه بدأ كثير من السوريين يضيقون ذرعاً في بلاد اللجوء بشكل عام لأسباب اجتماعية في المقام الأول وثقافية وعاطفية، إضافة إلى حصول تضييق رسمي وغير رسمي في بعض البلاد التي سجلوا لجوءهم فيها، الأمر الذي جعل كثيرين منهم يفكر بالعودة إلى البلاد بشكل جدي، وبذلك يكون المجتمع الدولي قد ضرب عصفورين بحجر واحد، قبول التطبيع مع نظام الأسد الذي يستقبل اللاجئين العائدين برحابة صدر وتخفيف عبء أزمة اللجوء إلى حد ما، إلا أن الأمر إذا كان يمكن أن ينطبق على اللاجئين الإنسانيين الذين هربوا من آلة الحرب، فمن المستحيل أن ينطبق على اللاجئين السياسيين الذين لا يتمتعون بالأمان نفسه في بلاد ما زال يحكمها النظام السوري القائم وعصابته الحاكمة.

إن تلميع صورة النظام السوري بمحاولة إخراج الأسد من عزلته ومحاولة إعادة تفعيل مقعد سوريا في جامعة الدول العربية أو تمرير مذكرات التفاهم والتعاون الاقتصادية وإعادة العلاقات الدبلوماسية، تشي بأن الملف السوري ماضٍ على نحو قد لا يرضي كثيراً من السوريين، ولكنه يتجه ليصبح أمراً واقعاً بعد تغير كثير من الشروط الدولية المحيطة وفي وضع فقد فيه كثيرون إيمانهم بجدوى الاستمرار وتحقيق نتائج سياسية مختلفة عما هي الآن.

وعلى الرغم من امتعاض أميركا وإبدائها عدم الرضى بشكل خجول عن تلك التحركات الدولية، إلا أن المجتمع الدولي اليوم يحاول اتباع سياسة “يبقى الحال على ما هو عليه” وهذا ما قد يجعل كثيراً منا يعتقد أن الأمر الواقع أفضل الموجود في ظل فوضى عالمية ومقارنة بالسيناريوهات الأشد سوءاً بالتوازي مع حالة تفتت الرأي السوري وعدم الاتفاق على صيغة واضحة لإحداث التغيير.

تبدو الطرقات في هذه الفترة محدودة وربما غير مجدية لتحقيق التغيير المأمول لكن ما نحتاجه لدعم الثورة ليس إنعاشاً وحسب، وإنما يتبين الاستحقاق الحقيقي بضرورة الحفاظ على التوثيق كي نحفظ عدم تشويه الأحداث الحقيقية في مواجهة مجتمع دولي قد يختار استمرار الوضع القائم وفقاً لمصالحه، وآلات إعلامية تحاول طمس الحقيقة بمصطلحات ملغومة، الأمر الثاني هو متابعة ودعم جهود الفرق القانونية التي تفتح ملفات أعضاء النظام السوري الحاكم وأجهزته الأمنية أمام القضاء وإثبات تورطهم في أروقة المحاكم الدولية بارتكاب جرائم حرب كي تتخذ العدالة مجراها.

——————————

أكسيوس: زيارة الأسد إلى الإمارات صدمت الولايات المتحدة

تناول موقع “أكسيوس”، في تقرير اليوم الأربعاء، زيارة رئيس النظام السوري بشار الأسد الأخيرة إلى الإمارات، ورد فعل واشنطن تجاهها.

وقال الصحافي الإسرائيلي باراك رافيد إن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن تفاجأت يوم الجمعة الماضي بزيارة الأسد إلى الإمارات، حسبما أخبره مصدران مطلعان على الموضوع.

وأشار رافيد إلى أن أهمية هذه الزيارة تكمن في أنها كانت الأولى للأسد إلى دولة عربية منذ اندلاع الحرب السورية قبل 11 عاما، وأنها تزيد من توتر العلاقات المتوترة أصلا بين واشنطن وأبوظبي.

وكان الأسد قد وصل الإمارات، يوم الجمعة، والتقى ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد وحاكم دبي محمد بن راشد.

ولم تذكر وسائل الإعلام السورية والإماراتية الزيارة إلا بعد وصول الأسد إلى أبوظبي.

وأشار رافيد إلى أن مصدريه قالا إن إدارة بايدن علمت بالزيارة من وسائل الإعلام، وأن مسؤولي البيت الأبيض ووزارة الخارجية “شعروا بالذهول”.

وعبر المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس، يوم الأحد، عن خيبة أمل وقلق عميق من محاولة إضفاء الشرعية على بشار الأسد.

وأضاف أن الأسد “لا يزال مسؤولا عن مقتل ومعاناة عدد لا يحصى من السوريين، وتشريد أكثر من نصف السكان السوريين قبل الحرب، والاعتقال التعسفي واختفاء أكثر من 150 ألف رجل وامرأة وطفل سوري”.

وقال برايس، يوم الإثنين، إن مسؤولي إدارة بايدن أثاروا القضية مع المسؤولين الإماراتيين ونقلوا خيبة أملهم واحتجاجهم على الزيارة. وشدد على أن إدارة بايدن لن ترفع أو تتنازل عن العقوبات المفروضة على سوريا.

وقال رافيد إن مسؤولا إماراتيا أخبره أن زيارة الأسد كانت جزءا من استراتيجية أوسع جديدة للتحدث مع الجميع في المنطقة ومحاولة عدم وجود أعداء.

وقال المسؤول الإماراتي: “نهجنا الجديد يركز على الدبلوماسية وخفض التصعيد والمشاركة.. ونضع مصالحنا أولاً”.

وكان ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد قد أطلع رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على زيارة الأسد، خلال اجتماعهم الأخير في شرم الشيخ، الإثنين.

وتشهد العلاقات بين الولايات المتحدة والإمارات توترا منذ الهجوم الصاروخي للحوثيين على أبوظبي في يناير/ كانون الثاني. فقد شعر الإماراتيون بخيبة أمل من رد فعل واشنطن، التي رأوها “ضعيفة جدا وبطيئة للغاية”.

ورفض بن زايد مقابلة قائد القيادة المركزية الأمريكية الجنرال فرانك ماكنزي عندما زار أبوظبي في فبراير/ شباط، زاعما أن ظهوره استغرق 22 يوما بعد الهجوم الصاروخي.

كما أصيب الإماراتيون بخيبة أمل عندما رفضت إدارة بايدن طلبهم إعادة تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية.

وفي وقت سابق من هذا الشهر، امتنعت الإمارات عن التصويت في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على قرار بقيادة الولايات المتحدة يدين الغزو الروسي لأوكرانيا.

وجندت واشنطن إسرائيل للضغط على الإمارات للتصويت لصالح قرار مماثل في الجمعية العامة للأمم المتحدة. وصوت الإماراتيون في نهاية المطاف لإدانة الغزو.

القدس العربي

————————–

الموضوع السوري ومؤتمر القمة العربي المقبل/ علي محمد فخرو

مهما كان الاختلاف السياسي مع نظام الحكم في الجمهورية العربية السورية، فإن من الحكمة والواجب القومي الترحيب بالتطور الجديد المفرح في علاقة سوريا بدولة اتحاد الإمارات العربية. موضوع المقاطعة والإبعاد ما عاد قابلاً للتبريرات العبثية، والمحاجات الصراعية القطرية، التي يقدمها البعض كسبب لإبعاد هذا القطر أو ذاك عن الجامعة العربية، أو المجالس الجهوية مثل، مجلس الاتحاد المغاربي أو مجلس التعاون الخليجي.

المبرر الوحيد المقبول هو، التعاون والتآمر مع عدو من أعداء الأمة العربية ضد المصالح والثوابت القومية العليا، أو ضد المصالح المشروعة لقطر عربي آخر. ما عدا ذلك فهو لا يعدو أن يكون خلافاً في وجهات نظر، أو سوء فهم سياسي يتكرر، أو تجاوز خط أحمر اتفقت أقطار الأمة العربية على تحريم تجاوزه من قبل أية جهة عربية كانت.

لقد ملّت، شعوب الأمة العربية الاستماع إلى الملاسنات والفحش في القول ما بين أنظمة الحكم العربية، أو مفاجأتها بأخبار استدعاء سفراء، أو قطع علاقات يؤدي في الغالب إلى تسميم أجواء العمل القومي المشترك، أو إرباك العلاقات العربية مع هذه الجهة الدولية أو تلك. وما أن ينجلي الغبار وتعرف الحقائق حتى يتبين أن الأسباب كانت واهية، أو شخصية ما بين هذا المسؤول الكبير أو ذاك، أو بإيحاء من هذه الجهة الأجنبية أو تلك، وعلى الأخص من الجهات الخبيثة الراغبة في إبقاء هذه الأمة مجزأة متباعدة متصارعة ليسهل إبقاؤها خارج العصر إلى الأبد.

والواقع أن هذه الظاهرة ليست جديدة، فقد وجدت وتكررت وأربكت منذ استقلال وقيام الدول القطرية الوطنية العربية الحديثة، ويعرف القاصي والداني مقدار الدمار الذي عانته هذه الأمة بسبب خيانة هذا النظام، أو ذاك لالتزاماته القومية، أو حتى وصول الأمر إلى التآمر العبثي المجنون ضد هذه الخطوة الوحدوية أو تلك، كما حصل بالنسبة لتدمير قيام الجمهورية العربية المتحدة، كاتحاد في ما بين مصر وسوريا، الذي كان مرشحاً لإيقاف التدهور والاستغلال الاستعماري في الحياة العربية كلها، من المحيط إلى الخليج. وما يجعل هذا الموضوع بالغ الحساسية والخطورة هو تجرؤ حتى الدول الإقليمية على الدخول في لعبة الشد والجذب ما بين الأقطار العربية، بعد أن كان هذا الميدان حكراً على الدول الاستعمارية الكبرى. نقولها رسالة إلى رؤساء الدول العربية الذين سيحضرون مؤتمر القمة العربي المقبل، بأنهم يجب أن يضعوا على جدول أعمالهم هذا البند المفصلي المهم، ويكونوا لجنة من مفكرين وأخصائيين ونشيطين في الحياة السياسية العربية، بالإضافة إلى شخصيات رسمية مشهود لها بالحكمة والتوازن والنضج النفسي، لتتدارس هذا الأمر وتقدم لهم مقترحات تحدد الالتزامات القومية، والخطوط الحمر، ونوع القرارات المرفوضة مبدئياً وقومياً، والتعديلات الضرورية في أنظمة الجامعة العربية، لجعلها قادرة على المبادرات والرقابة القومية الفاعلة المانعة لانتشار العبث والتصرفات الحمقاء. ومن أجل إثبات الجدية يجب أن تحضر أقطار مثل، سوريا واليمن وليبيا مؤتمر القمة، ويجب أن لا يغيب رئيس دولة إلا لأسباب اضطرارية موجبة، ويجب أن تمتد الاجتماعات حسب الحاجة لإنضاج القرارات. في اللحظة الحاضرة لا يوجد موضوع أهم، ولا يوجد خطر أكبر من التمزق المرعب الذي تعيشه هذه الأمة وتحترق بنيرانه الشعوب، وإلا فيا شباب وشابات هذه الأمة تصرفوا كأبطال رفض وتصحيح، وسترعاكم المباركة الإلهية.

كاتب بحريني

القدس العربي

————————-

قمة الشرم وعدم الكلل من رفض التطبيع/ جمال زحالقة

حضر رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى شرم الشيخ، ليلتقي في اجتماع قمة ثلاثي، الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد. ويمثل هذا الاجتماع وما دار فيه خطوة إضافية في مسيرة التطبيع، التي نكبت بها الشعوب والدول العربية، والتي تزداد نتائجها الكارثية يوما بعد يوم، وكل مكسب ظاهري تحسب الأنظمة العربية أنها حققته، سيكون وبالا على العرب جميعا على المدى البعيد، ولن يكون سوى مكسب آني وعابر، لتأتي المصائب من بعده.

تهدف إسرائيل في ما تهدفه من الاتصالات مع الدول العربية، إلى تحريك ما هو خامل، وتفعيل ما هو كامن، وشحن علاقاتها بها بزخم وطاقة ما يسمى بالسلام الإبراهيمي، وجعلها ليس مجرد تحالف، بل تحالفا بالمقياس الإسرائيلي تحديدا. لقد بدأت العلاقة بدول التطبيع العربي تأخذ أشكالا عينية منها، تسارع التعاون والعمل المنظم في المجالات العسكرية والأمنية والمخابراتية، وتطوير التبادل التجاري وزيادة الاستثمارات (العربية) والمشاريع المشتركة، والدعم المتبادل في الساحة الدولية، وقبل كل هذا تريد إسرائيل جر العالم العربي الى مواجهة مع الجارة إيران. ولكن ليس في أجندة التطبيع أي إشارة إيجابية ولو بسيطة للقضية الفلسطينية، ولا حتى لنية صانعي «السلام الإبراهيمي» بين إسرائيل والعرب، أن يبحثوا عن سلام عادل وحل للفلسطينيين، وكأنهم ليسوا عربا وكأنهم ليسوا من «نسل» سيدنا إبراهيم. الأمر الوحيد، الذي رشح من القمة ومن تحركات عربية أخرى، هو «قلق» من احتمال أن تصرخ القدس صرختها في رمضان، مع الاعتذار لمظفر النواب. إسرائيل، وبكل وقاحة، تطلب من دول عربية أن تتدخل لإسكات صوت الاحتجاج الفلسطيني على جرائمها، والمصيبة أنها تلقى تجاوبا.

أفادت المصادر الإسرائيلية أنه جرى التحضير لهذه القمة منذ أشهر، وكان من المفروض أن تكون سرية، وعلى هذا الأساس تكتم مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، عليها لدرجة أنه لم يصطحب معه مصورا حكوميا كما جرت العادة. ويبدو أنه جرى في اللحظة الأخيرة اتخاذ قرار بإخراجها من السر إلى العلن، ربما لتوجيه رسالة عدم رضى مشتركة للإدارة الأمريكية، التي تسير نحو توقيع اتفاق مع إيران، يشمل تقييد مشروعها النووي مقابل رفع العقوبات عنها، ولعل أكثر ما أغضب المجتمعين في القمة هو الحديث عن موافقة أمريكية لإلغاء القرار السابق للرئيس ترامب، بإدراج الحرس الثوري ضمن قائمة المنظمات الإرهابية. لقد أعلنت الإدارة الأمريكية عن ترحيبها بعقد القمة التعاون ضد إيران، ولكن من الواضح أن رسالة هذه القمة الرئيسية ليست موجهة لإيران، بل جاءت كرسالة علنية مشتركة إلى الولايات المتحدة، بأن عليها القيام بدورها في ضمان الحماية لحلفائها في المنطقة.

لقد كان الموضوع الإيراني ومصير مفاوضات الاتفاق النووي في مركز مداولات القمة، حيث تعتقد إسرائيل، ومعها غيرها، بأن الوضع خطير في كل الأحوال. فإذا جرى التوصل إلى اتفاق في مباحثات فيينا، فإن مدخولات إيران ستزداد بمئات المليارات من الدولارات، ما يمكنها من توسيع نفوذها وتطوير أسلحتها ومضايقة خصومها، فضلا عن أنه ستجد الطريق للمضي قدما في مشروعها النووي. أما إذا وصل الخلاف بين الولايات المتحدة وإيران إلى طريق مسدود وإلى إفشال المفاوضات، فإن إيران ستكون عندها في حل من أي التزام وستقوم بتسريع السير وصولا إلى العتبة النووية. في كلتا الحالتين يسعى حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة الى تعميق التحالف بينهم، وإلى الضغط عليها لضمان استمرار قوة وتماسك وانسجام الحلف الأمريكي، حتى لو هي انسحبت من المنطقة. ولعل من أهم آليات ذلك هو زيادة دور المنطقة الوسطى للجيش الأمريكي، الممتدة على طول وعرض منطقة الشرق الأوسط وما حولها، خاصة بعد ضم إسرائيل إليها العام الماضي. وما جرى في هذا الإطار حتى الآن هو رفع مستوى العمل المشترك بين دول التطبيع وإسرائيل، عبر مناورات وعمليات وتبادل خبرات وتدريب برعاية أمريكية وتحديد تحت مظلة المنطقة الوسطى، ومعظم ما يجري في هذا السياق يبقى بعيدا عن الأضواء وعن التغطية الإعلامية، التي تصلها فقط أخبار المناورات العسكرية المشتركة.

حاول بينيت خلال القمة تسويق المشروع الإسرائيلي لحماية جوية إقليمية مشتركة (تتحكم بها إسرائيل كليا بادعاء الخبرة التكنولوجية) ضد التهديدات الآتية، حسب رأيه، من إيران وسوريا والعراق واليمن، والتي تتمثل أساسا بالصواريخ والطائرات المسيرة الهجومية. وعرض بينيت المخططات الإسرائيلية، لتطوير سلاح الليزر كدفاع جوي، وحتى يتم تطوير سلاح الليزر الجديد، فإن ما هو قيد البحث عمليا هو تزويد دول الخليج العربي بمنظومة القبة الحديدية، هنا يجب التأكيد على ثلاثة أمور: الأول، أن إسرائيل لم تقرر بعد بيع هذه المنظومة لدول الخليج العربي، لأنها تخشى من تسريب أسرارها إلى ما تسميها «أطرافا معادية» وثانيا، أنه لو تم شراء منظومة القبة الحديدية، فإن تدريب كوادر قادرة على تفعيلها بحاجة الى وقت طويل نسبيا، وثالثا، وهذا الممكن وهو أن يجري شراء المنظومة ونصبها في دول الخليج بحيث تقوم طواقم إسرائيلية بتشغيلها، لتضمن إسرائيل ألا يقترب «عرب» منها خوفا على السرية من جهة، وعلى «سمعة» المنظومة لعدم الثقة بمستوى التفعيل العربي لها. وإذا جرى نصب القبة الحديدية في الخليج، فمن شبه المؤكد أن يرافقها جنود إسرائيليون، يحققون مخطط الوجود العسكري والمخابراتي الإسرائيلي بالقرب من إيران، بكل ما يحمله ذلك من مخاطر على الخليج وعلى أهل الخليج.

الادعاء التطبيعي المتداول هو أن الدول العربية تجد نفسها مضطرة إلى التعاون مع إسرائيل كبوابة للولايات المتحدة، وكركيزة قوية لمواجهة التمدد الإيراني والتهديدات الإيرانية. ويجري تسويق هذا الادعاء وكأنه لا بديل له ولا غنى عنه للمحافظة على الأمن والاستقرار في المنطقة، ولكن حتى في سياق الأنظمة العربية القائمة هناك بدائل براغماتية وعملية ممكنة، لماذا لا تقوم دول الخليج بضخ مئات المليارات، التي تسكبها سدى وهباء، إلى الجيش المصري لبناء قوة ردع استراتيجي عربي؟ لماذا لا تحاول الدول العربية السعي للتفاهم مع تركيا وإيران على ضمان الأمن والاستقرار للجميع على أساس الاحترام والمصالح المتبادلة؟ لماذا لا تفكر دول الخليج بأن الاقتراب من إسرائيل يضعها في منطقة الخطر الإيراني، وأن الابتعاد عن إسرائيل يحميها منه؟ ألا تعتقد الدول العربية أن أمن فلسطين من أمن العرب، وأن التحالف مع إسرائيل يعرض الأمن القومي العربي لمخاطر محسوبة وأخرى غير مسحوبة؟

من الخطأ التعامل مع التطبيع العربي كأنه أمر طبيعي، ومن الخطير الشعور بالتعب والكلل من تكرار معارضته وعدم القبول بشرعيـته.. القضية ليست فلسطين وحدها، مع أنها تستحق ذلك بحد ذاتها، بل بالمجمل لأنه لن تقوم للعرب قائمة بالتحالف مع المشروع الصهيوني. من الممكن تفهم أن المنطقة بحاجة إلى تفاهمات واصطفافات جديدة في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية، ولكن يجب أن يكون واضحا أن استبعاد إسرائيل، هو شرط مسبق لأي ترتيبات معقولة ومستدامة تصب فعلا في مصلحة الدول والشعوب. وحتى بالمنطق البراغماتي، هناك دول قوية في المنطقة غير إسرائيل وأقرب إلى العرب من إسرائيل. هناك تركيا وإيران والتفاهم معهما أصبح مصلحة عربية شاملة. فهل هناك من يأخذ المبادرة ويتحرك، حتى نسمع عن قمة بديلة تنعش الأمل عن قمة شرم الشيخ التي هي قمة في خيبة الأمل.

*رئيس حزب التجمع الوطني في أراضي 48

القدس العربي

———————————-

زيارة الأسد للإمارات…الدوافع والدلالات

تزامنت زيارة الرئيس بشار الأسد التي أجراها إلى دولة الإمارات الجمعة الفائت، مع ذكرى اندلاع الثورة السورية في منتصف مارس/آذار 2011، ومع  حرب  أحد أطرافها روسيا التي تعتبر لاعبا أساسيا  في المحور الداعم  لنظام الأسد في حربه التي يشنها ضد المناهضين له و المطالبين برحيله.

 وتعد هذه الزيارة التي أثارت ردود فعل واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي -الاولى من نوعها- إلى دولة عربية منذ اندلاع الاحتجاجات في سوريا، إذ اقتصرت زيارات الأسد خارج سوريا منذ اندلاع الحرب على إيران وروسيا فقط.

وتوالت التعليقات على الزيارة وسط احتمالية أن تكون خطوة لإضفاء الشرعية على نظام بشار الأسد المستهدف بسلسلة من العقوبات الاقتصادية كوسيلة  لدفعه لإيقاف الحرب و الموافقة على حل سياسي وفق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254.

ما هي دلالات ودوافع زيارة الأسد للإمارات في الوقت الراهن ؟

بدأت دولة الإمارات  بتغيير موقفها تجاه نظام الأسد تدريجيا.  أقدمت الإمارات على فتح سفارتها في دمشق في عام 2018  بعد إغلاقها للسفارة في عام 2013، و أجرى ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد  اتصالا هاتفيا مع بشار الأسد في مارس/آذار من عام 2020. وسبقت زيارة بشار الأسد للإمارات، وصول وزير الخارجية الإماراتي دمشق في تشرين الثاني/ نوفمبر 2021 للمرة الاولى منذ بدء الحرب السورية.

التقى الأسد  خلال زيارته إلى الإمارات في العاصمة الإماراتية ولي العهد الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، و استقبله حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم وفق وكالة أنباء الإمارات “وام”، التي أشارت إلى أن الزيارة تأتي في إطار “الحرص المشترك على مواصلة التشاور و التنسيق بين البلدين حول مختلف القضايا.”

وحول رسالة زيارة الأسد من ناحية التوقيت و من ناحية الأطراف المعنية،  يقول المحلل السياسي السوري المعارض أيمن عبد النور في حديث له مع موقع ام 5، إن هناك مصلحة لدى الطرفين (السوري و الإماراتي) من عقد هذا الاجتماع.

 ويتابع قائلا :”تجد الإمارات نفسها في وضع دقيق و حساس في هذه المرحلة. ترغب الولايات المتحدة من خلال الملف النووي الإيراني وعقدها للاتفاق في زيادة التعاون مع إيران و بالتالي ضخ كميات كبيرة من الأموال و إعادتها إلى إيران. هذا الأمر سيؤثر جدا في دور إيران الإقليمي ووزنها من خلال الميليشيات التابعة لها أو حزب الله التي تخلخل أمن الخليج”.

وبحسب عبد النور فإن “الإمارات ترى في التنسيق الأمريكي و الإيراني المستقبلي خطرا على أمنها الإقليمي و بالتالي على أمنها القومي، لذلك فهي تسعى إلى تشكيل توازن أو مجموعة لتكتل دول إقليمية مثل ( الإمارات-مصرإسرائيل-البحرين إضافة لدول تدعم المشروع من خارجه كالسعودية و النظام السوري و دول أخرى) و ذلك لموازنة الدولتين الإقليمين الكبرتين في المنطقة وهما إيران وتركيا”.

ويرى عبد النور ضرورة في وجود سوريا في هذا التكتل لأنها يمكن أن تعيق مرور كل خطوط النفظ و الغاز لإيران و لقطر التي تمر لأوروربا وللبحر المتوسط عبرها. و بالتالي تحقق سوريا قيمة مضافة سورية لهذا التكتل على حد تعبيره.

أما عن الفائدة التي يريد أن يحققها الأسد عبر إجرائه لهذه الزيارة، فيقول عبد النور:”متطلبات بشار الأسد من الإمارات هي تقديم الدعم الغذائي و خاصة القمح، و أيضا استخدام المصارف الإماراتية لفتح الاستيراد و اعتماد المستندات المصرفية بعد أن تم تجميد العمل بالمصارف الروسية التي كان يستخدمها المصرف المركزي السوري لفتح اعتمادات لكل مشتريات النظام السوري.  و أخيرا تثبيت سعر الصرف أيضا لأن سعر الصرف بدأ ينهار ووصل إلى 4000 ليرة مقابل كل دولار”.

هل هناك “عدم اكتراث” إماراتي بالموقف الأمريكي؟

سارعت واشنطن بعد الزيارة التي أجراها الأسد إلى الإمارات إلى التنديد بالزيارة و التعبير عن “خيبة أملها” من محاولة إضفاء الشرعية على بشارالأسد  كما أفادت وزارة الخارجية الأمريكية عبر بيان الاثنين الفائت.

وكان المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية ند برايس قد دعا بعد زيارة عبد الله بن زايد إلى دمشق،  إلى “النظر بعناية في الفظائع التي ارتكبها نظام الأسد ضد الشعب السوري خلال العقد الماضي” و عبر عن رفض أمريكي صريح لجهود التطبيع مع النظام السوري.”

وذكر موقع أكسيوس الأمريكي اليوم  نقلا عن مصدرين لم يسمهما، أن إدارة بايدن فوجئت بزيارة الأسد إلى أبوظبي يوم الجمعة الفائت.

إذا يظهر مما سبق وجود حالة من غياب الاتفاق الإماراتي-الأمريكي في هذا الملف. تعليقا على هذا الأمر يقول عبد النور لموقع ام 5 إن “الولايات المتحدة ترى أن التصرف الإماراتي هذا يصب في مصلحة روسيا لذلك فهي انتقدته بشدة.”

لكن لا يتوقع عبد النور اتخاذ اجراءات تصعيدية من قبل الولايات المتحدة ضد الإمارات قي الفترة الحالية، ويوضح ” قد تعتمد الإمارات على اللوبي الإماراتي و على اللوبي الداعم لإسرائيل لتجنب اتخاذ اجراءات تصعيدية ضدها من قبل الولايات المتحدة. لكن الأمر يترافق مع تشدد إماراتي – سعودي برفض رفع  سقف الإنتاج أكثر من الحد المتفق عليه في أوبك و هذا مما يصعد الموقف أيضا. لكنني لا أعتقد أن هناك إجراءات ستتخذ ضد الإمارات في الفترة القريبة لأن الولايات المتحدة ليست في وارد فتح جبهات أخرى في الفترة الحالية”.

وكان سفير الامارات لدى واشنطن، يوسف العتيبة  قد قال في الثالث من شهر آذار الجاري، إن العلاقة بين بلاده والولايات المتحدة تمر بمرحلة”اختبار القدرة على تحمل الإجهاد”، وذلك بعد سلسلة تباينات في المواقف بين الحليفين آخرها حيال الغزو الروسي لأوكرانيا.

 واختارت الإمارات البقاء على الحياد بين الحلفاء الغربيين وروسيا، إذ امتنعت عن التصويت في مجلس الأمن الدولي لمشروع قرار صاغته الولايات المتحدة و ألبانيا يدين الغزو الروسي لأوكرانيا.

وفي كانون الأول/ديسمبر الماضي، هدّدت الإمارات التي تستضيف قوات أميركية على أرضها، بإلغاء صفقة ضخمة لشراء طائرات مقاتلة أميركية من طراز “اف-35″، احتجاجًا على الشروط الصارمة المرتبطة بمخاوف واشنطن بشأن الصين.

وحول موضوع تسريع نقل الولايات المتحدة لبطاريات أنظمة الدفاع الجوية”باتريوت” إلى السعودية في الوقت الحالي  بعد تأخره لأشهر،  فيقول عبد النور ” التشدد السعودي الإماراتي بخصوص عدم رفع سقف انتاج النفظ  أدى إلى ضغوط حقيقية في الولايات المتحدة على إدارة الرئيس الأمريكي في الداخل. هذا الأمر يعد أخطر ضغط يمكن أن تخضع له إدارة الرئيس الأمريكي لأنه يؤدي إلى زيادة أسعار النفط على المستهلك الأمريكي مما يخلق حالة استياء شديدة لدى المواطن الأمريكي ضد الإدارة الأمريكية” .

ويتابع” ترغب الإدارة الأمريكية في حل هذا الإشكال مما دفعها إلى تخفيف بعض العقوبات التي كانت موجودة سابقا و اعادة صواريخ الباتريوت التي كانت قد سحبتها من السعودية في وقت سابق” .

الولايات المتحدة وموقف الحليف الPKK المساند لروسيا

في سياق منفصل، اعتمدت الاستراتيجية الأمريكية في سوريا على “محاربة الإرهاب” و محاربة داعش كما أعلنت مرارا. و عقدت الولايات المتحدة في سبيل هذا تحالفات مع ميليشيات ال  PYD  الفرع السوري لمنظمة الPKK  التي  أظهرت دعما لروسيا في حربها ضد أوكرانيا كما ظهر في تسجيل  لقيادي في التنظيم يدعى “دوران كالكان”.

حول هذا ، يقول عبد النور إن الولايات المتحدة تفرق بين الإدارة الذاتية أي حزب الاتحاد الديمقراطي في شمال شرق سوريا و بين تنظيم ال PKKرغم معرفتها بدقة أن كثر من قياداته هم أعضاء في الحزب أو كانوا ضمنه، على حد تعبيره.

ويضيف “في الزيارة الأخيرة التي قام بها مسؤول الملف السوري و مسؤولة الملف العراقي في الخارجية الأمريكية إلى منطقة شمال شرقي سوريا يتضح أن هناك رغبة أمريكية في أن  يكون هناك مصالحة كردية -كردية -سورية بين الإدارة الذاتية و قسد و المجلس الوطني الكردي و حزب المستقبل الكردي و أيضا تحسين العلاقة مع كردستان العراق و زيادة المكون العربي و المسيحي في الإدارة الذاتية. ترغب الولايات المتحدة من خلال هذا بفصل و إبعاد الإدارة الذاتية عن كوادرها المرتبطة بحزب العمال الكردستاني في جبال قنديل في العراق، لأنها تفرق بين الإدارة و قسد و بين ال PKK”.

آلاء تركماني

———————————

 الإمارات والأسد.. الاقتصاد ممنوع وإيران هي القاسم المشترك/ شيلان شيخ موسى

لا علاقات اقتصادية رسمية بين أبوظبي ودمشق، ولا تطبيع سياسي حالي دون الانتقال السياسي الكامل في الملف السوري، هي شروط واضحة أعلنتها الدول الفاعلة في الملف السوري حتى قبل زيارة الرئيس السوري بشار الأسد إلى الإمارات مؤخرا، منذ أن حذرت الدول الغربية الإمارات أو أي دولة عربية يمكن أن تتقارب مع دمشق سياسيا واقتصاديا، إبان افتتاح السفارة الإماراتية بدمشق عام 2018.

دراما رمضان تابع كل جديد

وفق تقديرات خبراء، فإن استقبال الإمارات للرئيس السوري، جاء بطلب وضغط من قبل كل من روسيا وإيران، مقابل وقف ضغط “الحوثيين” (ذراع إيران في اليمن) واعتدائهم على بعض المناطق في الإمارات.

خاصة بعد طلب وزير الخارجية الروسي قبل أيام في مؤتمر صحفي مع وزير الخارجية الإماراتي، من موسكو، بعودة دمشق إلى جامعة الدول العربية، ومنها يتبين بأن هناك طلب روسي للإمارات باستقبال بشار الأسد، فالزيارة يبدو أنها جاءت بطلب روسي إيراني مقابل الضغط على الحوثي، وفقا لمحللين سياسيين.

ما طبيعة العلاقات؟

الباحث في العلاقات الدولية، محمد ربيع الديهي، يعتبر خلال حديثه لـ “الحل نت”، أن زيارة الأسد إلى الإمارات، قبلتها أبوظبي في محاولة لتحجيم النفوذ المعادي للدول العربية، وعلى رأسها الدور الإيراني ومخططاته في المنطقة، إضافة إلى الدور التركي الذي يلعب أيضا ربما تهديد لدول المنطقة وخاصة سوريا، وفق اعتباره.

وجاءت هذه الزيارة على ما يبدو بدون تنسيق مسبق مع كل من السعودية أو الولايات المتحدة الأميركية، الذي يفضي بعدم جدواها وأهميتها الكبيرة لتقوية حكومة دمشق عموما، أو تقوية دورها الاقتصادي بشكل خاص، الذي بات ينهار يوما بعد يوم، خاصة مع انخفاض الليرة السورية أمام الدولار وارتفاع في الأسعار، دون أن تقوم دمشق بوضع خطة لكبح جماح هذا التدهور.

وأوضح لـ “الحل نت”، بأن “الأمر الأكيد هو أن الإمارات، تريد إضعاف النفوذ الإيراني في المنطقة وليس أكثر من ذلك. خاصة مع اقتراب إتمام صفقة الاتفاق النووي الإيراني التي ربما تقوي من الدور الإيراني فيما إذا تم رفع العقوبات الأمريكية عليها”.

    أستقبال (خجول) ل #بشار_الأسد في #الإمارات.

    الصورة بألف كلمة، قارن بين استقبال الشيخ محمد بن راشد للحاكم العام لكندا اليوم، وبين استقباله لبشار في نفس اليوم.

    الإمارات تحاول إعادة تأهيل الأسد، كما فعلت مع أردوغان من قبله، لتهدئة الأوضاع لعبور العواصف التي تحيط بالمنطقة. pic.twitter.com/RR8M0FXknZ

    — Dr. Ramy Aziz رامي عزيز (@Ramy_Aziz1) March 19, 2022

وبحسب مراقبين، فإن أي تقوية للعلاقات الاقتصادية بين دمشق وأبوظبي أو حتى بين دمشق وبين أي طرف آخر، في ظل رفض دولي لأي تطبيع مع دمشق دون تحقيق عملية انتقال سياسي كاملة في سوريا. لن يعيد أي شرعية لحكومة دمشق.

وأن تأويل استقبال الأسد على النمط القديم، أي اعتبار الإمارات واجهة لسياسة دولية أوسع لا يصحّ. لا لأن واشنطن تحفظت على الزيارة فحسب، وإنما لأنه لا يلحظ رغبة الجهة المضيفة بأن تكون مركزا إقليميا تمر عبره الرسائل، وتُبرم فيه الصفقات، بصرف النظر عن فحواها.

المصالح الإماراتية والروسية

لا يلزم التذكير كل مرة بعدم وجود ما يمنع استقبال الأسد في أية عاصمة عربية، فالأصل في علاقة هذه العواصم مع الشأن السوري هي الحسابات السياسية في لحظتها لا الحسابات المبدئية بالتأكيد. الحسابات السياسية لتلك الدول “تحديدا صراعها مع إيران”، وفقا لمحللين سياسيين.

من جهته يقول الباحث السياسي، كمال الزغول، خلال حديث لـ”الحل نت”، أنه وفي مقابل التصويت الروسي على حظر السلاح للحوثي في مجلس الأمن، تسعى الإمارات للحفاظ على الموقف الروسي تجاه اليمن، ولذلك ذهبت لاستقبال بشار الأسد لضمان استمرار هذا الموقف خاصة بعد تهديد الحوثيين للأمن القومي الإماراتي.

وتابع “ذلك أيضا يضمن التوازن الإقليمي في المنطقة، ويؤجل إثارة الصراع في الملف السوري لحين توقيع اتفاق نووي مع إيران.

الملف السوري يعيش تهدئة مؤقتة، ولا يمكن حله إقليميا على الإطلاق، والتصعيد بين القطبين الروسي والأميركي هو من سيتحكم في هذا الملف، وليس التصعيد بين دول المنطقة وإيران”.

وأضاف “وانطلاقا من ذلك فإن الدور الإماراتي يعتبر استثمارا وفرصة حضور في الأمم المتحدة، وإستثمارا في الأمن الإماراتي البحت، لحين محاصرة الحوثيين ومقاومة طائراتهم وصواريخهم التي تهدد أمن المنطقة، والتطبيع مع الأسد يحتاج الى تطبيع جميع اللاعبين في الملف السوري بما في ذلك تركيا والولايات المتحدة الأميركية”.

من جانبها، أثارت هذه الزيارة حفيظة واشنطن، فقد علقت وزارة الخارجية الأميركية على وصول الأسد بالإمارات بالقول: “نشعر بخيبة أمل عميقة ومقلقة من هذه المحاولة الواضحة لإضفاء الشرعية على بشار الأسد، الذي يظل مسؤولا عن مقتل ومعاناة عدد لا يحصى من السوريين“.

وأضاف المتحدث باسم الخارجية الأميركية، نيد برايس بحسب ما نقلت عنه وكالة “رويترز“: “نحث الدول التي تفكر في التعامل مع الأسد، على أن تتذكر بعناية الفظائع المروعة التي فرضها النظام على السوريين على مدار العقد الماضي“ وفق تعبيره.

————————–

طريق دمشق أبوظبي:ضباب كثيف..سالك بصعوية..الإنزلاقات حتمية عند المنعطفات/ د.باسل معراوي

لم يكن مستغربا حدوث تلك الزيارة المفاجئة لرئيس النظام السوري الى دولة الامارات العربية المتحدة ..ولكن لايمكن للمتابع الا ان يضعها كاحدى تداعيات الحرب الروسية على اوكرانيا ..صحيح أن الاتصالات لم تنقطع في ذروة الاصطفاف الاماراتي كأحد ما يسمى أصدقاء الشعب السوري واسهامها في تقديم الدعم العسكري لبعض فصائل الثورة السورية ..وكانت زيارة وزير الخارجية الاماراتي الى دمشق والاتصال الهاتفي بين راس النظام السوري وولي عهد ابو ظبي…وماسرت من أقاويل حول نية دولة الامارات إعادة تأهيل النظام السوري بغض طرف امريكي واعادته الى شغل مقعد سورية في الجامعة العربية مع تزويده ببعض المساعدات الاقتصادية لتجاوز ازمته الخانقة…

إلا أن الاموال الاماراتية والتطبيع السياسي ذهب الى عدو النظام السوري ..فتوج التقارب الاماراتي التركي بزيارة ولي عهد ابو ظبي إلى أنقرة وإنهاء قطيعة عقد من الزمن كانت العلاقات التركية الاماراتية في اسوا حالاتها

تم رصد تطورين في مسار العلاقة بين دولة الامارات العربية والنظام السوري…

فعندما اقدمت دولة الامارات على عقد معاهدة سلام مع إسرائيل بصيف عام 2020 ..لم يسارع النظام السوري باعتباره أحد ادوات المشروع الايراني بالمنطقة إلى إدانة دولة الامارات أسوة ببقية مايسمى(محور المقاومة) بل التزم الصمت اتجاه ذلك الحدث..إلا ان النظام السوري لم يدين الاعتدءات التي نفذتها اذرع الحرس الثوري الايراني على ابو ظبي في بدايات العام الحالي…

تداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا

لم يتردد النظام السوري في تأييد الحرب الروسية على اوكرانيا حتى قبل حدوثها عندما اعلن عن تاييده لقرار الرئيس الروسي بالاعتراف باستقلال جمهوريتي الدونباس ثم تاليا التصويت بالجمعية العامة للامم المتحدة بعدم إدانة الغزو الروسي اتبعه بعد بدء ملامح تورط او مستنقع روسي في اوكرانيا الى إرسال المرتزقة السوريين من ميليشياته للقتال الى جانب القوات الروسية كإصطفاف نهائي وواضح الى جانب موسكو وبالتالي الفوز بفوزها والخسارة بخسارتها

بدات تتوضح صورة المشهد الاوكراني وتنعكس على النظام السوري على الشكل التالي:

    يبدو بعد الدخول بالاسبوع الرابع من الحرب ان الجيش الروسي قد بدا يغوص في الوحول الاوكرانية ولم يحقق تقدما جوهريا ..وبالتالي من المتوقع خوضه لحرب استنزاف طويلة وبالتالي ستؤدي الى ضعف اهتمامه او رغبته في استنزاف اكثر له بوجود خارج المجال الجغرافي الروسي ..بمعنى ضعف التواجد العسكري الروسي تدريجيا في سورية او ممكن في مراحل لاحقة التخفيف منه والاكتفاء بقواعد جوية وبحرية دون اعباء اخرى قتالية او حماية للنظام…

    فاجأت العقوبات الغربية القصوى والعزل السياسي والدبلوماسي الذي فرضته المجموعة الغربية الى توقع حدوث ازمة إقتصادية خانقة بروسيا الاتحادية نفسها..وبالتالي إنعكاس ذلك على المساعدات الاقتصادية (على قلتها) المقدمة للنظام من القمح والوقود إلا انها كانت ضرورية للحفاظ على إقتصاد النظام السوري من الانهيار

    بالتأكيد لن يتمكن النظام من الاعتماد على الدعم الاقتصادي الروسي..وبفعل ارتفاع اسعار المواد الغذائية الاساسية عالميا (الفمح والزيوت النباتية) وارتفاع اسعار البترول ايضا نتيجة الحرب فإن النظام بات بامس الحاجة الى منقذ خارجي للحيلولة دون اندلاع اضطرابات شعبية معيشية متوقعة بسبب عدم قدرة النظام على توفير الحاجات الاساسية للغذاء والطاقة..وبالطبع عدم توفر السيولة المالية لديه للشراء من الاسواق العالمية.

الأسباب المباشرة للزيارة

لاشك ان دولة الامارات كمركز مالي عالمي كانت ملاذا ايضا للاموال السورية المنهوبة من عائلة الاسد نفسه واعوانه..ويشاع عن حجز أموال بمصارف إماراتية مختلف علبها بين رامي مخلوف ورئيس النظام ..ممكن ان تكون تمت تسوية ما بشانها…

ألا أننا لايسعنا الا الربط بين زيارة وزير الخارجية الاماراتي لموسكو ولفاءه مع لافروف..ثم الاعلان عن الزيارة في اليوم النالي ..حيث من اامحتمل ان يكون تم الطلب روسيا من الامارات لعب دور إسعافي إقتصادي لتعويض الدور الروسي السابق ريثما تتضح الصورة أكثر بالحرب التي تدور رحاها في اوكرانية..ولمنع استغلال ايراني لتعبئة الفراغ والامساك اكثر فاكثر بقرار النظام..سيما وان بوادر اتفاق نووي جديد بين الغرب وايران تلوح بالافق بنسبة اكثر من الفشل في التوصل اليه وبالتالي قرب الافراج عن المليارات الايرانية المجمدة بالمصارف الغربية

أعتقد ان النظام غير قادر (ولو كان راغبا) بالمضي قدما او التجاوب مع المطالب الاماراتية منه…واعتقد ان علاقة نصف قرن بين نظامي الاسد وطهران باتت اقوى من محاولة فصم عراها ..إلا في حالة عدم وصول ايران والمجموعة الغربية لاتفاق نووي وبقاء الضرع الايراني جافا..عندها سيكون راس النظام مضطرا لمسايرة الطلبات الاماراتية…

لا أظن ان الزيارة تغضب الولايات المتحدة او إسرائيل لانها تسير في ركب أضغات الاحلام بايقاع الوقيعة بين النظام السوري وسيده في طهران..لذلك لا ارى ان الخطوة الاماراتية تنصب في إطار المناكفة الجارية الان بين دولة الامارات وغيرها والولايات المتحدة بشان زيادة ضخ النفط للاسواق العالمية ..وما البيانات الرسمية الامريكية او تصريحات الموظفين الامريكان المتقاعدين بالزيارة والوعيد وعظائم الامور الا من باب ذر الرماد في العيون…

———————————

“يسرائيل هيوم”: بشار الأسد أضفى شرعية على التطبيع

صالح النعامي

قالت صحيفة “يسرائيل هيوم” إن رئيس النظام السوري بشار الأسد أضفى شرعية على اتفاقات التطبيع التي توصل إليها عدد من الدول العربية مع إسرائيل.

واعتبرت الصحيفة، في تحليل أعده إيال زيسر أستاذ الدراسات الشرقية في جامعة تل أبيب، زيارة الأسد للإمارات ولقاءه بولي عهدها محمد بن زايد بمثابة دعم واضح لهذه الاتفاقات، وتحديدا تأييدا للعلاقات التي تجاوزت كل الحدود بين تل أبيب وأبوظبي.

ورأى زيسير أن هناك تبادل أدوار بين إسرائيل والإمارات في كل ما يتعلق بمواجهة إيران؛ حيث تلعب تل أبيب دور “الشرطي السيئ” وتتبنى نهجا هجوميا تجاهها وتحديدا في سورية، في حين تلعب أبوظبي دور “الشرطي الطيب”، الذي يحاول إضعاف المحور الذي تقوده طهران بالوسائل الدبلوماسية؛ معتبرا أن استقبال الإمارات للأسد يأتي في إطار محاولة تحقيق هذا الهدف.

رصد

“أكسيوس”: بن زايد أطلع بينت على زيارة الأسد وواشنطن فوجئت بالأمر

واستدرك زيسر قائلا: “سيكون من الصعب على الأسد الانفصال عن إيران، لكن يمكن دفعه للمحاولة، لا سيما وأنه عمل في الأشهر الأخيرة على تقليص أنشطة طهران في سورية”.

ولفت زيسر إلى أن بن زايد هو الذي بادر أيضًا لتنظيم اللقاء الثلاثي في شرم الشيخ الذي جمعه برئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينت والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، حيث عُد اللقاء محاولة لبلورة نواة لتعاون إقليمي لمواجهة تبعات انشغال الولايات المتحدة بتداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا وتحسبا لتداعيات إحياء الاتفاق النووي مع إيران.

وأشار زيسير إلى ما نشر في وسائل الإعلام الإسرائيلية أخيرا حول نية العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني، زيارة رام الله لبحث سبل عدم انفجار الأوضاع الأمنية في القدس والضفة الغربية خلال شهر رمضان، معتبرا أن هذه الخطوة ستأتي في إطار حرصه على توفير بيئة تسمح بنجاح التعاون الإقليمي بين إسرائيل والدول العربية.

————————–

ماذا تريد واشنطن؟/ نديم قطيش

اعتراض واشنطن على استقبال أبوظبي لبشار الأسد يضيف ملمحاً جديداً من ملامح الغرابة على السياسة الخارجية الأميركية تجاه الشرق الأوسط. فقد أعربت الخارجية الأميركية عن أنها «تشعر بخيبة أمل وانزعاج عميقين» من زيارة الأسد. وأضاف المتحدث باسمها: «نحث الدول التي تفكر في التعامل مع نظام الأسد، على أن تفكر بعناية في الفظائع المروعة التي ارتكبها النظام تجاه السوريين خلال العقد الماضي، علاوة على جهود النظام المستمرة لمنع وصول كثير من المساعدات الإنسانية والأمنية إلى سوريا».

لا يختلف عاقلان على مستوى التوحش الذي مارسه نظام الأسد بحق السوريين، ولا ينتقص أحد من رصيده الذي يحفل بفتوحات خاصة في الفظاعات التي ابتكرتها المدرسة الأسدية.

لكن واشنطن التي يخيب أملها من التطبيع مع الأسد، تستميت للتطبيع مع نظام خامنئي، من دون أن تجد نفسها معنية بأخذ الفظاعات نفسها في الحسبان، والتي مارسها «الحرس الثوري» وميليشياته المذهبية بحق السوريين.

حقيقة الأمر أن حصة إيران من حمام الدم السوري أكبر بما لا يقاس من حصة الأسد نفسه، الذي ما كان ليبقى على رأس النظام لولا التدخل الحاسم لميليشيات إيران، ثم توسل التدخل الروسي، بعد أن كادت تسقط دمشق بعد سقوط سهل الغاب.

فكيف يستقيم في خطاب واشنطن وسلوكها السياسي الانفتاح السلس على خامنئي، وإبداء الاستعداد لرفع «الحرس الثوري» عن لوائح الإرهاب، من جهة، والاعتراض على الانفتاح على الأسد من جهة ثانية؟!

كان يمكن فهم الاعتراض الأميركي، لو أن في سوريا سياسة أميركية معرَّفة وواضحة، جاء استقبال أبوظبي للأسد ليعيقها. لكن لا سياسة أميركية في سوريا سوى ترشيح السوريين لمزيد من الموت البطيء، ووضع سوريا بالكامل في يد إيران.

تتزامن زيارة الأسد مع عدد من التطورات:

1 – انشغال روسيا بملف الحرب في أوكرانيا، الذي سيوفر لإيران فرصة تشديد قبضتها على نظام الأسد، بعد أن خلق التدخل الروسي في سوريا نوعاً من التوازن منع السقوط التام لسوريا بيد إيران. هذا الانشغال شجع أبوظبي على محاولة ملء الفراغ المحتمل، بإيجاد مقعد عربي على طاولة الأزمة السورية التي يجلس عليها التركي والإسرائيلي والأميركي والإيراني والروسي، ما عدا العرب!

2 – تأتي الزيارة عشية اتفاق نووي مرتقب مع إيران، سيفرج عن سيولة هائلة تتيح لنظام خامنئي استخدامها للاستثمار في الحاجات الملحة في سوريا، بغية استتباع النظام السوري أكثر، والإمساك بقراره بإحكام أكبر. زيارة أبوظبي تعطي الأسد خيارات مالية أخرى في مقابل سلوك سياسي مختلف، مع الاعتراف بأنها مناورة غير مضمونة النتائج، بسبب حجم الارتباط التاريخي بين نظام الأسد وإيران.

3 – تحصل الزيارة في لحظة تصادم غير مسبوق بين عواصم خليجية رئيسية وواشنطن، نتيجة انطباع يتنامى بأن أميركا منسحبة من الشرق الأوسط، وأن الفوضى السياسية التي تقارب بها الإدارات المتعددة ملفات المنطقة لم تؤدِّ إلا إلى ضرب مرتكزات الاستقرار وفتح الباب أمام مزيد من التغول الإيراني.

حقيقة الأمر، أن الخيارات المرة الموضوعة على طاولة صناع القرار في المنطقة هي نتاج مباشر لفشل السياسات الخارجية الأميركية تجاه الشرق الأوسط، ليس منذ الربيع العربي وحسب؛ بل منذ جريمة 11 سبتمبر (أيلول) 2001 وما تلاها.

في العادة، يؤرَّخ لبدايات انهيار الثقة بين دول محور الاعتدال وأميركا بلحظة 25 يناير (كانون الثاني) 2011، حين تخلت إدارة الرئيس باراك أوباما عن دعم حليفها الاستراتيجي في مصر؛ لكن غالباً ما يسقط من الذاكرة أن هذه اللحظة هي لحظة الانتخابات العراقية، قبلها بأشهر قليلة، والتي فاز فيها إياد علاوي على رأس تكتل سياسي عابر للطوائف، في مواجهة نوري المالكي (مرشح قاسم سليماني) الذي خاض الانتخابات على أساس مذهبي شيعي صرف.

من المفارقات أن واشنطن، التي كان يتسلم فيها نائب الرئيس آنذاك جو بايدن ملف العراق، ضربت بخيارات العراقيين عرض الحائط، وانحازت للمالكي على حساب علاوي.

ماذا تريد واشنطن؟

اُحتل العراق بغية تصدير الديمقراطية إليه، وهوجمت دول الاعتدال على قاعدة أنها معادية للديمقراطية، وحين قرر العراقيون ما يريدون في انتخابات نموذجية للعراق والمنطقة، قررت واشنطن أن خيار العراقيين غير مهم، وأن مصلحتها بالانسحاب من العراق وضمان تجديد الاتفاق الاستراتيجي معها يتطلب رئيس حكومة لا يزعج طهران.

بنتيجة خيارات بايدن، سقطت الديمقراطية العراقية، وذهب الاستثمار الأميركي في العراق أدراج الرياح، وأوصلت طهران مرشحها، ولم يُجدد الاتفاق الاستراتيجي!

ماذا تريد واشنطن؟

لطالما انتُقدت دول الخليج بأنها تريد من واشنطن أن تحارب عنها؛ بيد أن قرار «عاصفة الحزم»، بعد أن أسقطت ميليشيا الحوثي العملية السياسية، ونفذت انقلاباً سياسياً وعسكرياً وأمنياً وبدأت حرباً واسعة لإخضاع اليمن، جاء ليعبر عن قرار ذاتي عربي وإسلامي يخص أمن المنطقة واستقرار دولها. إذ ذاك حل محل الاتهام الأميركي لدول المنطقة بأنها تسعى لمن يحارب عنها، اتهام آخر لها بأنها تتفرد في القرار، وتقوم بحساباتها بمعزل عن حسابات حلفائها.

وفي سوريا اليوم؛ حيث لا سياسة أميركية مطلقاً، يُعاب على أبوظبي (ومصر والأردن والعراق والبحرين بالمناسبة) أنها جميعها تحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه في سوريا، ولو بأكلاف معنوية هائلة على الدول المعنية، كما على الشعب السوري المظلوم.

يقول لي مسؤول خليجي كبير: «لقد انتظرنا أوباما 8 سنوات، ودونالد ترمب 4 سنوات، والآن جو بايدن، ولم يتغير شيء في سوريا. كان بإمكانهم فعل الكثير ولم يفعلوا، والآن يلوموننا لأننا نحاول تفكيك أحد أكبر الألغام في منطقتنا».

فعلاً؛ ماذا تريد واشنطن؟

الشرق الأوسط

——————————

سوريا… الرقم الرئيسي في المعادلة العربية!/ صالح القلاب

خلافاً لكل ما قالته وروّجته الولايات المتحدة وغيرها بالنسبة لزيارة الرئيس السوري بشار الأسد الأخيرة إلى دولة الإمارات، التي وصفت بأنها خاطفة، والتي لم ينبس أثناءها علناً ولو بكلمة واحدة، فإنه عندما يقال ويتردّد أنّ البحث قد تناول وحدة الأراضي السورية وانسحاب القوات الأجنبية من سوريا ودعم شعبها الشقيق سياسياً وإنسانياً فإنّ هذا يعني أنّ ما جاء به رئيس سوريا هو الاستنجاد بالعرب لاستعادة وحدة الأراضي السورية التي باتت غائبة غياباً تاماً والتي تحتاج استعادتها إلى جهود «مضنية» وإلى دعم عربي فعليّ إن لم يكن من الأمة العربية فمن بعض دولها على الأقل!!

لقد جاء الإيرانيون إلى سوريا، كما جاءوا إلى العراق، كغزاةٍ مارقين وأنهم بقوا يراقبون المشهد السوري من دون أن يأخذوا بعين الاعتبار أنّ إسرائيل قد احتلت هضبة الجولان السورية ومن شواطئ بحيرة طبريا في الغرب وحتى أطراف عاصمة الأمويين في الشرق، وهذا يعني أنّ أرتال قوات دولة الولي الفقيه قد اخترقت هذا البلد العربي من الشرق إلى الغرب وتوقفت بعد تجاوز دمشق لتترك الإسرائيليين الغزاة يلحقون هذا الجزء العزيز من العالم العربي بهم وبدون أن تصدر عن الذين يرفعون شعار: «أمة عربية واحدة.. ذات رسالة خالدة» حتى ولو كلمة اعتراض واحدة.

ربما أنّ هناك من يرى أنّ هذا غير مهمٍ رغم أهميته ليس للشعب السوري الشقيق، حقاً وفعلاً، وإنما للأمة العربية كلها، إنْ في أفريقيا وإنْ في آسيا، والحقيقة أنه عندما تصل الأمور إلى أن يكون هناك كل هذا الصمت إنْ ليس لدى العرب كلهم، الذين من بينهم طيبون كثر، فمن بعضهم على الأقل، فإنّ هذا يعني أنه من حق الرئيس السوري بشار الأسد، رغم تجاوزاته وأخطائه الكثيرة أن يبحث عن الاستنجاد في الخليج العربي وألا يصرح وهو يقف مكتوف اليدين حتى ولو بكلمة واحدة تحاشياً لأن تثار ضدّه «الثعابين» المتربصة بالأمة العربية.

ويقيناً أنّ بشار الأسد عندما ذهب إلى الخليج العربي، فارعاً دارعاً، كما يقال، فإنه لم يكن يريد لا خيلاً ولا مالاً وأنه أراد أن يؤكد لأشقائه الأقربين والمقربين منهم، الذين اعتادوا على التعاطي مع حتى القضايا العربية الخطيرة بالصمت الفعال، بأن سوريا «الأموية» التي كانوا يعرفونها لم تعد موجودة، وأنها باتت مشرذمة وممزقة… وأنّ «قاسيون» الذي واصل إطلالته على «الفيحاء» منذ بداية التاريخ وحتى الآن قد بات يخجل من نفسه وهو يرى أنّ العدو الصهيوني يبادر إلى ابتلاع هضبة الجولان من ضواحي دمشق وحتى شواطئ بحيرة طبريا التي كانت قد شهدت كل مراحل العبور العربي إلى فلسطين.

وهكذا فإن بشار الأسد عندما يقف صامتاً ومكتوف اليدين لدى أشقائه الأقربين الذين يعيشون همومه وهموم سوريا وهموم الأمة العربية كلها بالفعل، فإنه أراد أن يقول بالصمت ما لا يقال بالصوت المرتفع، وإنه أراد أن يبلغ الأمة العربية بأن هذه الدولة الأموية التاريخية بات يهددها التشظّي والزوال، وهنا فإنه غير صحيح وعلى الإطلاق أنه قد ذهب إلى الخليج كمبعوثٍ إيرانيٍ ومع العلم أن الإيرانيين لا يريدون أن يكون أي عربي مبعوثاً لهم وأن وجودهم في هذه المنطقة «كأشقاء» بقي مستمراً ومتواصلاً على مدى حقب التاريخ… وهذه حقائق بقيت معروفة وهي من الواضح أنها ستستمر طالما أن الخليج العربي باقٍ وإن بقاءه لن يزول بإذن الله وبعزيمة أبنائه وأهله.

وهنا ومرة ثانية وثالثة وألفاً أنّ الإيرانيين قد جاءوا إلى العراق وسوريا للسلب والنهب ووفقاً لما بssقي يفعله الغزاة «والنهّابون» على مدى حقب التاريخ، وأن هذا إن لم يقله حتى بشار الأسد علناً فإنه وبالتأكيد قد قاله في الغرف المغلقة… وإلّا ما معنى أن يقف رئيس هذه «الدولة» التي وعلى أي حال من المفترض أنها ترث تاريخ الأمويين «مكتوفاً» ولا يصرح حتى بكلمة واحدة وكأنه يقول لذاته ويهمس إليها بذلك البيت من الشعر العربي الجميل:

السيف أصدق أنباءً من الكتب

في حدِّه الحدُّ بين الجدِّ واللعب

والمهم أنّ بشار الأسد لم يأتِ إلى الخليج العربي… إلى الإمارات العربية تحديداً لا كموفدٍ إيراني… ولا كعابر سبيلٍ لا بل إنه قد جاء إلى هذا البلد العربي الطيب ليبلغ العرب كلهم أنّ سوريا لم تعد هي سوريا التي تعرفونها وأنها باتت دولةً «مهشَّمةً» وممزّقة… وأيضاً وجائعةً، وأنّ أكثر من سبعة ملايين من أهلها قد غادروها لينتشروا في دنيا الله التي لم تعد واسعة كما كانت، وأنها قبل الأكل والشرب والدواء بحاجةٍ إلى استعادة ماضيها… أي إلى وحدتها وتماسكها وهذا يجب أنْ لا يكون مستغرباً من رجلٍ لا تزال يداه ملطختين بدماء السوريين… وحكم والده حافظ الأسد لنحو نصف قرن بالحديد والنار… وباغتيال قادة سوريا «العظام» في «الزنازين» المعروفة وغير المعروفة.

إنّ هذا البلد العربي التاريخي العظيم قد بات ممزقاً وجائعاً ويخضع لاحتلالات كثيرة ربما أسوأها الاحتلال الإيراني بعد الاحتلال الإسرائيلي على سوئه ولذلك فإن الأهم لا بل إنّ الأكثر أهمية أن يستعيد وحدته وأن يستعيد أهله وأن يبدأ بدايةً جديدة… وحقيقةً أنّ هذا الواقع المؤلم كانت مرّت به العديد من الدول العربية وهذا إن ليس كلها… والمعروف أنّ الجزائر، جزائر النضال والشهداء، قد بقيت مصادرةً ومحتلةً من المحتلين الفرنسيين لأكثر من مائة واثنين وثلاثين عاماً… وها هي قد نهضت نهوضاً عظيماً وباتت في طليعة ليس دول العالم الثالث وإنما في طليعة ما يسمى العالم الأول الذي قد تراجعت بعض دوله وأصبحت تركض خلف حركة التاريخ.

وعليه هنا فإننا عندما نعود إلى سوريا التي أصابها ما أصاب عدداً من الدول العربية فإننا نجد أن ما تحتاجه في هذه المرحلة التاريخية الخطيرة هو أن تستعيد وحدتها قبل كل شيء وأن تستردَّ تماسكها وحقيقةً أنّ هذا الأمر يحتاج إلى جهودٍ مضنيةٍ بالفعل… أولاً من قبل من بقوا في وطنهم من السوريين وثانياً من قبل الدول العربية المعنية القريبة والبعيدة، والمؤكد هنا أنّ هذه المسألة ليست سهلةً على الإطلاق لا بل إنها في غاية الصعوبة وهي تحتاج إلى فترة طويلة… وإلى إسناد عربي جدي وبخاصة من قبل الدول العربية… ومن قبل دول الخليج العربي التي بقيت تشكل «سنداً» حقيقياً وفعلياً للأمة العربية منذ بدايات النهوض العربي وحتى الآن.

إنه يجب أن يتركز الجهد على سوريا، التي لم يكن متوقعاً أن تصبح على ما أصبحت عليه، فهي تحتاج في هذه المرحلة الخطيرة إلى انتشالها من كل هذا التمزق وإلى استعادة وحدتها طالما أنها قد باتت مهشّمة وممزّقة على هذا النحو وطالما أنّ بعض الدول غير العربية القريبة والمجاورة وأيضاً البعيدة تريد عودتها إلى ما كانت عليه سابقاً عندما كانت مجرد رقمٍ في معادلة الدول الغربية المتنافسة والمتصارعة على هذه المنطقة.

ثم فإنّ الواضح لا بل والمؤكد أنّ هذه المسألة في غاية الصعوبة وأنّ الأمر يحتاج إلى جهود مضنية بالفعل لكن ومع ذلك فإنّ استعادة سوريا أولاً لشعبها وأهلها وثانياً لأمتها.. يعني شيئاً في غاية الأهمية ويعني أنّ هذا الرقم المهم جداً والأساسي سوف يعيد التوازن التاريخي إلى المعادلة العربية… التي من المعروف أنها بقيت ناقصة بدون هذا البلد العربي الرئيسي والأساسي… وحتى عندما كان هناك الاحتلال الفرنسي… وقبل ذلك عندما كانت الإمبراطورية العثمانية!!

الشرق الأوسط

————————-

الإعلام الإسرائيلي: الإمارات تخاطب إسرائيل بضرورة إعادة الأسد إلى الساحة العربية أفضل من بقائه تحت حماية روسيا وإيران

ذكر الإعلام الإسرائيلي أن الإمارات مررت رسالة إلى إسرائيل مفادها ضرورة إعادة رئيس النظام السوري بشار الأسد إلى الساحة العربية كي لا يبقى تحت حماية إيران وروسيا، وذلك بعد زيارته إلى الإمارات مؤخرا.

ونقلت هيئة البث الإسرائيلية الرسمية “كان” عن مسؤولين مطلعين أن الإماراتيين قالوا إنه يجب إعادة العلاقات مع نظام الأسد لأن الحرب في سوريا انتهت، مع وجود تقديرات بأن هذه العملية لن تحدث بشكل فوري، لكن الهدف هو بناء علاقات ثقة.

وقال الإماراتيون -وفقا للتقرير- إنه يجب أن تكون لإسرائيل مصلحة في هذه الخطوة، لأن أي أمر يمكن أن يقلص تأثير إيران على الحدود هو مطلوب.

وأوضح التقرير أن تطبيع الدول العربية مع النظام السوري طُرح في شرم الشيخ بين رئيس الحكومة الإسرائيلية نفتالي بينيت والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد آل نهيان، إذ أبرز الأخير خلال الاجتماع جانبا جديدا لسبب دعوة الأسد لزيارة بلاده.

وبالتزامن مع إحياء الذكرى الـ11 لاندلاع الثورة السورية قالت وكالة أنباء الإمارات إن ولي عهد أبو ظبي استقبل رئيس النظام السوري يوم الجمعة الماضي، وبحث معه “العلاقات الأخوية والتعاون والتنسيق المشترك”.

وأضافت أن محمد بن زايد أكد أن سوريا “تعد ركيزة أساسية من ركائز الأمن العربي، وأن دولة الإمارات حريصة على تعزيز التعاون معها بما يحقق تطلعات الشعب السوري الشقيق نحو الاستقرار والتنمية”.

وسبق أن استقبل الأسد في دمشق وزير خارجية الإمارات عبد الله بن زايد في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وكانت هذه أول زيارة لمسؤول خليجي رفيع منذ أن قطعت دول خليجية عدة علاقاتها الدبلوماسية مع نظام الأسد إثر اندلاع الثورة.

المصدر : الجزيرة + الصحافة الإسرائيلية

———————————

زيارات وقمة وتقارير.. هل اقتربت عودة النظام للجامعة العربية؟

شهدت الساحة العربية مؤخراً أحداثاً عدة، كان النظام السوري طرفاً فيها، تمثلت بزيارات وقمم ومحادثات “غير مسبوقة”، أبرزها زيارة الأسد إلى الإمارات، التي حصدت ردود فعل غربية منددة، إلى جانب قمة شرم الشيخ الإماراتية- المصرية- الإسرائيلية.

تلك التطورات أثارت شكوكاً حول إمكانية استعادة الأسد مقعده في جامعة الدول العربية، وحضور القمة المزمع انعقادها في الجزائر في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل.

قمة شرم الشيخ

واستضاف الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، قمة ثلاثية، جمعته مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بينيت، وولي عهد أبو ظبي/ محمد بن زايد، في مدينة شرم الشيخ، الاثنين الماضي.

وفيما لم يتم الإعلان رسمياً عن نتائج القمة، ذكرت وسائل إعلام أنها ناقشت قضايا عربية وإقليمية مشتركة، إلى جانب تعزيز التعاون والتنسيق بين الأطراف الثلاثة لما يضمن “الاستقرار” في المنطقة.

القمة جاءت عقب زيارة مفاجئة أجراها رأس النظام، بشار الأسد، إلى الإمارات، وهي الزيارة الأولى له لدولة عربية، منذ اندلاع الثورة السورية سنة 2011، والقطيعة الدبلوماسية لمعظم الدول العربية مع النظام لاحقاً.

موقع “إسرائيل اليوم” قال في تقرير له، اليوم الأربعاء، إن قمة شرم الشيخ تناولت مسألة العودة “المحتملة” للنظام السوري إلى جامعة الدول العربية، حيث بحث الأطراف الثلاثة نتائج زيارة الأسد للإمارات.

وأضاف الموقع أن الجانب الإسرائيلي لم يصدر أي موقف بعد حول قبول أو رفض عودة الأسد للساحة العربية، خاصة أنه شخص “غير مرغوب به” لدى الغرب.

وتابع: “نهج إسرائيل المحتمل تجاه الأسد لا يزال في المراحل المبكرة جداً من اتخاذ القرار، إذ تنظر القيادة السياسية إلى عودة الأسد المحتملة إلى الأسرة العربية على أنها تطور تاريخي دراماتيكي، لكنها لم تحدد بعد كيف سيكون”.

واعتبر التقرير أن إسرائيل تشارك الغرب موقفه الرافض للأسد كزعيم “شرعي”، إلا أن المصلحة العليا لها هي إخراج القوات الإيرانية من سورية.

السعودية ومصر “وجهة مقبلة”

عقب زيارته الإمارات، تحدث موقع “ديبكا” الإسرائيلي عن استعداد رئيس النظام، بشار الأسد، لإجراء زيارة رسمية إلى السعودية ومصر قريباً، تمهيداً للمشاركة في القمة العربية المزمع عقدها في الجزائر.

ونقل الموقع عن مصادر خليجية، أول أمس الاثنين، أن الأسد سيلتقي ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، في الرياض، فيما سيستقبله الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، في القاهرة.

وأضاف أن هذه الزيارات تأتي تمهيداً لعودة النظام إلى مقعده في جامعة الدول العربية، والمشاركة في القمة العربية التي ستنعقد في الجزائر في نوفمبر/ تشرين الثاني من هذا العام.

وكانت العلاقات بين نظام الأسد وعدة دول عربية شهدت توتراً وقطيعة دبلوماسية منذ عام 2011، على خلفية قمع الأسد للاحتجاجات الشعبية ضد نظامه الحاكم.

روسيا تحرك ملف العودة

وخلال زيارته إلى أبو ظبي، الأسبوع الماضي، طالب وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، بضرورة عودة النظام السوري إلى الحضن العربي، عبر إعادة تفعيل مقعده في جامعة الدول العربية.

وقال لافروف في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الإماراتي، عبد الله بن زايد، “مقتنعون بأهمية تنشيط الجهود لإعادة سورية إلى حضن الجامعة العربية”، شاكراً الإمارات على الخطوات التي اتخذتها مؤخراً تجاه النظام السوري.

وتدعو روسيا الدول العربية مراراً إلى إنهاء القطيعة الدبلوماسية مع نظام الأسد، واعتبرت أن مشوار عودة سورية إلى محيطها الإقليمي قد بدأ، وذلك في تصريحات سابقة لوزير الخارجية  الروسي، سيرغي لافروف، في مارس/ آذار 2021.

وكانت الجامعة العربية قد علقت مشاركة سورية في اجتماعاتها عام 2011، نتيجة لعدم التزام النظام بقراراتها، فيما يتعلق بالمبادرة العربية حينها، لوقف عنف النظام في الشوارع التي كانت تشهد مظاهرات ضده.

—————————

===================

تحديث 25 أذار 2022

———————–

الأسد في الملعب الإماراتي/ بشير البكر

أسئلة كثيرة أثارتها زيارة رئيس النظام السوري، بشار الأسد، إلى الإمارات، بعضها يتعلق بالتوقيت الذي حصلت فيه والتطورات الجارية، وعلى الخصوص الملف النووي الإيراني، وحرب روسيا على أوكرانيا التي ستكون لها انعكاساتٌ مباشرةٌ على الوضع في سورية. ولا يقف الأمر هنا، بل يذهب إلى هدف الأسد من الزيارة، وما يمكن أن تقدّمه له أبو ظبي وبأي شروط، وماذا تستطيع أن تفعل، لا سيما أن الأسد وولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، محكومان بالموقف الإقليمي والدولي، من طهران إلى واشنطن والرياض، ولا يمكن أن يسقط المراقب من الحساب السؤال عن احتمال أن تشكل الزيارة بداية لمسار إعادة تأهيل الأسد وخروجه من العزلة التي يعيش فيها منذ قرابة عشر سنوات.

لا أحد يعرف من الذي هندس الزيارة وبناء على طلب أي طرف، وسواء كان النظام السوري أم أبوظبي، فإن ما هو أكيد أنها تأتي في لحظة دولية مهمة جدا. وهنا، يمكن تسجيل موقفين على قدر كبير من التأثير على وضع الأسد في المديين، القريب والمتوسط. الأول اقتراب حسم ملف الاتفاق النووي الإيراني. وفي حال حصول التوقيع، فذلك يعني انفراجا كبيرا بالنسبة للحليف الإيراني الذي تشكّل سورية له الموقع الخارجي الأول في سلم الأهمية. وبالتالي، سيعزّز ذلك من وضع الأسد الضعيف سياسيا واقتصاديا، وفي وسع طهران أن تزوّده بورقة ثمينة، مثل وقف الهجمات التي يشنها الحوثيون من حين إلى آخر ضد أبو ظبي. والثاني هو التداعيات السلبية المحتملة جدا على روسيا من غزوها أوكرانيا. وبعيدا عن النتائج العسكرية المبكّر الحكم عليها، دخلت روسيا في نفق من عقوبات دولية غير مسبوقة، لن تتمكّن في ظلها من الاستمرار عسكريا واقتصاديا في سورية بالوتيرة نفسها، وهذا يمثّل نقطة ضعف كبيرة في وضع الأسد الذي شكّل له التدخل العسكري الروسي مظلة حماية وإعادة تأهيل عسكري وأمني منذ سبتمبر/ أيلول 2015. والآثار المرتقبة سوف تلحق بمسألة إعادة الإعمار التي كانت موسكو تطمح إلى إطلاقها في سورية ضمن مشروعها لإعادة تأهيل الأسد، وستكون الأضرار ذات وجهين: الأول يتعلق بعدم قدرة روسيا على تمويل قسم من العملية وتشغيل شركاتها هناك. والثاني قطع الطريق على الشركات التي كانت تنتظر إطلاق الضوء الأخضر للاستثمار في الدمار السوري. وقد لا تؤدّي التداعيات الروسية إلى هزّ موقع الأسد بسرعة، ولكنها سوف تعطّل الاندفاعة التي كان متوقعا أن تبدأ خلال النصف الثاني من العام الحالي.

تأثير ولي عهد أبوظبي محدود على المستويين، العربي والدولي، وليس في وسعه أن يفتح أي باب عربي للأسد باستثناء مصر والسودان والبحرين، وعلى نحو مواربٍ أبواب السعودية، بشرط تحقيق تقدّم فعلي في الحوار السعودي الإيراني الذي يراوح مكانه، ولم يحقق تقدّما منذ أكثر من عام، وعلّقته طهران في الآونة الأخيرة، ولا يبدو واردا استئنافه في الوقت الحاضر، وخصوصا إذا تم توقيع الاتفاق النووي من دون مراعاة مطالب السعودية لجهة تدخلات إيران في شؤون اليمن، والعراق، وسورية، ولبنان. والمجال الوحيد المفتوح أمام بن زايد هو باتجاه إسرائيل. وفي وسعه أن يستثمر الوضع الصعب للأسد، كي يطبّع العلاقات مع تل أبيب، وهذه مسألة هي الأخرى غير سهلة، وتحيط بها اعتباراتٌ كثيرة، وتعترضها عقبات كثيرة. وحتى لو جرت، ستكون في حد أدنى، وتقتصر على لقاءاتٍ تعالج مسائل ثانوية، ولن تصل إلى حدود توقيع اتفاقية سلام كما يتوقع بعض المراقبين، لأن هذا شأنٌ يتجاوز الأسد وبن زايد وحكومة إسرائيل، ويحتاج رعاية دولية غير متوفرة في ظل الوضع الحالي.

العربي الجديد

—————————-

لا “بشائر”اقتصادية..بعد زيارة الاسد للإمارات/ إياد الجعفري

ثلاثة مؤشرات اقتصادية، كان يمكن تلمسها في سوريا، خلال الأيام القليلة الفائتة، تفيد بتهاوي نظرية “الانفراج الاقتصادي الكبير” الذي بشّر به موالون للنظام، بعد زيارة بشار الأسد إلى الإمارات، يوم الجمعة الفائت. وإن كان من المبكر للغاية، تلمس الآثار الاقتصادية لتلك الزيارة على أرض الواقع، إلا أن المؤشرات لا توحي بتفاؤلٍ جاد في أوساط المعنيين بالاقتصاد السوري.

أول تلك المؤشرات، هو سعر الصرف، الأكثر حساسية –نفسياً- لأي تطورات سياسية، إيجاباً، وسلباً. فـ “دولار دمشق” الذي كان قد هوى بقيمة 150 ليرة، خلال ساعات، بعد عصر الخميس الفائت، -أي قبل زيارة الأسد-، عاد ليرتفع مستعيداً 60% من خسائره. واللافت أن ارتفاع “دولار دمشق” جاء بعد الزيارة، وتواصل ثلاثة أيام متتالية، حتى مساء أمس الأربعاء.

وبما يتصل بمؤشر سعر الصرف، يأتي الجدل والإشاعات المتداولة في الأوساط الاقتصادية بسوريا، حول رفع سعر صرف “دولار الحوالات”، أو وقف الاستيراد بشكل كامل، ليؤكد أن تلك الأوساط، من تجار وصناعيين وخبراء اقتصاديين، لا يراهنون بجدية على أية آثار اقتصادية إيجابية مرتقبة قريباً، لزيارة الإمارات.

أما المؤشر الثاني، فهو الأسعار في السوق، التي تواصل ارتفاعها، بشكل يؤكد أن الناشطين فيها يستشعرون أزمة اقتصادية مديدة، على خلفية الحرب الروسية – الأوكرانية. فسعر أسطوانة الغاز المنزلي بالسوق السوداء وصلت إلى 150 ألف ليرة سورية، وسط عجز معظم السوريين عن الحصول على حصتهم من الغاز المدعوم.

وأحد التطورات العصيبة بهذا الصدد، هو رفع أسعار الأعلاف “المدعومة”، من جانب حكومة النظام، مما يعني ارتفاعاً مرتقباً في أسعار الدواجن والبيض، لتنضم إلى قائمة اللحوم الحمراء التي وصل سعر كيلو الغنم منها إلى ما يقارب نصف راتب موظف (بين 40 إلى 45 ألف ليرة سورية). فيما تجاوز سعر كيلو العجل منها 30 ألف ليرة سورية. وهذه الأسعار مرشحة لارتفاع جديد، في رمضان، مع ازدياد معدلات الطلب المعتادة في هذا الشهر.

آثار الأزمة الأوكرانية، انعكست حتى على سعر سندويشة الفلافل –أرخص الأكلات الشعبية سابقاً-، والتي لامست حاجز الـ 2000 ليرة، في ارتفاع بنسبة تجاوزت الـ 40%، خلال أيام فقط. لتلحق بها، أسعار الخبز السياحي والصمون، التي ارتفعت بحوالي 30%. كذلك حلّقت أسعار الحليب ومشتقاته من الألبان والأجبان، مع إقرارٍ مثيرٍ للاهتمام، من جانب مسؤول بهذا القطاع، أن الحليب المجفف المستورد من إيران –وهو أرخص من نظيره المستورد من أوروبا-، هو عِماد صناعة الألبان والأجبان بسوريا، ومن دونه، لما أُتيح للسوريين أكل هذه المواد.

وهذا ما ينقلنا للمؤشر الثالث، وهو ما يتعلق بتصريحات وتحركات المسؤولين الاقتصاديين بحكومة النظام. أول تلك التحركات اللافتة للانتباه، مساعي النظام لاستيراد القمح من الهند، رغم التطمينات التي كررتها السلطات الرسمية بكفاية مخزون القمح واستقرار ورود الشحنات المتفق عليها من روسيا. وبطبيعة الحال، يمكن قراءة ذلك كنوع من التحوط، رغم إصرار مسؤولي النظام على أن حظر روسيا لصادرات القمح، لا يشمل سوريا. لكن في المقابل، فإن بيان وزارة التجارة الداخلية، الصادر مطلع الأسبوع، والذي تحدث عن أن “مخزون القمح بخير”، وأن لا قلق على مادة الخبز، أشار إلى مصدر ثقة الوزارة بهذا الخصوص، في سياق البيان ذاته، إذ تقول الوزارة إن “موسم القمح (المحلي) قد اقترب وسيتم تسوقه من مزارعينا بأسعار أفضل من أسعار السوق”. ذاك الرهان، سبق أن أطلقته حكومة النظام أكثر من مرة، على مدى السنوات الثلاث الماضية، وفي كل مرة كانت تفشل، وتقر في نهاية الموسم أنها لم تحصّل إلا نسبة ضئيلة من القمح المحلي، الذي تسرّب إلى تجارٍ أو إلى خارج البلاد، نظراً للعجز عن دفع أسعار جذّابة للمزارعين. وهذا ما حدا، مثلاً، بوزير التجارة الخارجية، سامر خليل، للقيام بزيارة إلى شبه جزيرة القرم –التابعة للسيطرة الروسية-، مطلع العام الجاري، وذلك لبحث فرص استيراد حاجة سوريا من القمح المقدّرة بمليون ونصف المليون طن. الرهان على روسيا وتابعاتها –القرم مثلاً-، تضاءل بإقرارٍ من مدير عام مؤسسة الحبوب، الذي طرق أبواب الهند قبل أسبوع، للتعاقد على توريد 200 ألف طن قمح، نظراً لارتفاع أسعار استيراد القمح الروسي من 317 دولار إلى 400 دولار. وفي سياق تصريحه، أطلق مدير عام مؤسسة الحبوب إشارة خطيرة، مفادها أن العقود القديمة مع روسيا يتم توريدها بالتدريج وبالسعر القديم، وهي مقدّرة بـ 300 ألف طن. لكن وزير التجارة الخارجية كان قد تحدث عن حاجة سوريا لـ 1.5 مليون طن، مطلع العام فقط.. فهل هذا يعني أن التعاقدات مع روسيا، لا تغطي كامل الحاجة السورية حتى نهاية العام؟ يبقى الجواب برسم مسؤولي النظام الاقتصاديين، الذين تتضارب تصريحاتهم، بصورة لا تُطمئن بأن رغيف خبز السوريين “بخير”، حسب وصفهم، وتدفع للوقوف بجدية عند تسريبات بعض وسائل الإعلام المعارضة التي تفيد بأن مخزون القمح لدى حكومة النظام يكفي لشهر واحدٍ فقط، لا أكثر.

في السياق نفسه، جاءت تصريحات وزير النفط في حكومة النظام، الذي كشف فجأةً، -وللمصادفة-، بعد زيارة الأسد للإمارات، عن أن سوريا تستورد 3 مليون برميل نفط خام شهرياً، من خلال خط الائتمان الإيراني، و”الخط الخاص”. والأخير، لم يتم توضيح القصد به. لكن تلك الإشارة كفيلة بتذكير الجميع، بأن شريان حياة سوريا، -النفطي-، يأتي من طهران، وبقيمة تتجاوز 300 مليون دولار شهرياً، حسب الأسعار الرائجة لخام برنت، حالياً. وسيُضاف إليه، الغاز المنزلي، وفق التصريحات الأخيرة لوزير النفط. أي أن إيران تمد نظام الأسد بـ 3.6 مليار دولار، على الأقل، مشتقات نفطية، بصيغة ديون آجلة. وهذا يحيلنا إلى حجم الإنفاق المالي الذي تبذله إيران في سبيل حليفها، ويدفعنا للتساؤل على هامش النظرية “الساذجة” المتداولة عن أن الإمارات تسعى لجذب الأسد بعيداً عن طهران، هل أبوظبي بوارد دفع ما يتجاوز 3.6 مليار دولار سنوياً، لـ “جذب” الأسد؟ هذا إن افترضنا –نظرياً- أن القرار بيد الأسد أساساً، وأن الأخير قادر على الابتعاد عن طهران. ونُذكّر هنا فقط بالأزمة الخانقة التي شهدت فيها سوريا أطول طوابير انتظار أمام محطات الوقود-ربما في التاريخ-، وذلك بعيد تجميد خط الائتمان الإيراني، نهاية العام 2018 وخلال الأشهر الأولى من العام 2019، قبل أن تعيد طهران تفعيل الخط مجدداً.

باختصار، لا سعر الصرف، ولا أسعار السلع بالسوق، ولا حتى تصريحات وتحركات مسؤولي النظام الاقتصاديين، توحي بـ “بشائر” اقتصادية قريبة في سوريا، جراء زيارة الأسد للإمارات. فالأيام القادمة، بإقرار جميع النشطاء في الوسط الاقتصادي السوري، ستكون صعبة للغاية، خاصة مع قفزات الأسعار المرتقبة في رمضان.

المدن

————————

إيكونوميست: زيارة الأسد إلى الإمارات دليل على تراجع التأثير الأمريكي على حلفائها

إبراهيم درويش

نشرت مجلة “إيكونوميست” تقريرا بعنوان: “جاء الربيع لبشار: الديكتاتور السوري المنبوذ يعود إلى العالم العربي”، قالت فيه إن استقبال الرئيس السوري في الإمارات دليل على تراجع التأثير الأمريكي “ولعدة مرات كان بشار يبحث عن جواز سفره. فالديكتاتور السوري كان محاصرا في بلده منذ عام 2011، عندما قرر سحق التظاهرات السلمية التي طالبت بالإصلاح السلمي. وعندما تحولت المطالب المدنية إلى حرب أهلية، أصبح منبوذا. وكانت رحلاته الخارجية القليلة مقيدة بروسيا وإيران حلفاء الحرب الذين يدين لهم بنجاته”.

ولكن الأسد خرج في 18 آذار/ مارس من عزلته وهبط في الإمارات بزيارة تشبه أي زيارة يقوم بها رئيس دولة، فقد كان هناك حرس شرف في استقباله، ولقاءات مع الشخصيات الكبيرة. ونشر الإعلام الإماراتي صورا للأسد مع الشيخ محمد بن زايد، ولي عهد أبو ظبي، والحاكم الفعلي للبلاد، ومحمد بن راشد آل مكتوم، حاكم دبي.

وتعلق المجلة أن زيارة الأسد إلى دولة عربية منذ عام 2011 كانت متوقعة وصادمة، لأن الإمارات قضت السنوات السابقة وهي تقوم بمحاولات تقارب معه. ففي عام 2018 أعادت فتح سفارتها في سوريا، التي أُغلقت مثل بقية السفارات في الأيام الأولى للثورة. وسافر وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد إلى دمشق والتقى مع الأسد. وكان الإماراتيون أقل رغبة من غيرهم برمي بشار من النافذة، فقد خافوا أن تغييرا للنظام في دمشق سيمنح الإسلاميين فرصة للعودة إلى السلطة.

والصادم في الزيارة هو التوقيت. فتاريخ 18 آذار/ مارس كان الذكرى الـ 11 للتظاهرات الأولى في مدينة درعا جنوبي سوريا، وهو تاريخ يراه السوريون  بداية لانتفاضتهم. والرمزية في التوقيت لم تفت الكثيرين. وجاءت الزيارة في وقت شنت فيه روسيا حربا ضد أوكرانيا، مستخدمة نفس الأساليب التي جربتها في المدن السورية لدعم نجاة الأسد. وكانت سوريا واحدة من خمس دول صوتت ضد قرار في الأمم المتحدة يشجب الغزو الروسي.

وتقول المجلة إن الإمارات ترى أن عزل الأسد لم ينجح. جعله منبوذا لم يفشل فقط بل زاد من اعتماده على إيران. وكانت روسيا حاجزا ضد التأثير الإيراني في سوريا، لكنها انخرطت في حرب جديدة في أوكرانيا، وتعاني من عقوبات قاسية، وسيتراجع تأثيرها.

ويجادل الإماراتيون (ودول عربية أخرى) أنه يجب عليهم ملء الفراغ. ويرى مسؤول في السياسة الخارجية: “تغيرت التضاريس، وعلينا التكيف مع التضاريس الجديدة”. ودعت  الإمارات لإعادة مقعد سوريا في الجامعة العربية، حيث عُلقت عضويتها في عام 2011. إلا أن الدول الغربية غير راضية، ولم تتغير سياستها الرامية لعزل الأسد والذي قتلت حربه أكثر من نصف مليون تقريبا وشردت 13 مليونا.

وعندما سئل الإماراتيون عن استقبالهم للأسد وأنهم يعززون من قوته، ردوا بسلسلة من مظاهر الفشل الغربي، مثل تراجع  باراك أوباما عن خطه الأحمر ضد بشار الأسد إذا استخدم السلاح الكيماوي عام 2013، كما أن بقاءه في السلطة هو في النهاية جاء نتيجة للسياسة الغربية. والاتهامات ليست بدون قيمة أو جدوى، فالحكومات الغربية دعت لسقوط الأسد عام 2011، لكن دعمها للمتمردين الذين كانوا يحاولون التخلص من الأسد ظل مترددا.

ولم تؤد العقوبات المؤلمة التي فرضتها الولايات المتحدة وأوروبا على الديكتاتور لتغيير سلوكه. ويناقش عدد من معارضي النظام، أن العقوبات زادت من معاناة الناس. وتعلق المجلة أن الإماراتيين فسروا بدقة سبب استقبالهم للأسد، لكنهم لم يقدموا تفسيرا واضحا عما يمكن تحقيقه من الزيارة. فهو يريد تجارة وإعادة بناء بلاده المحطمة. فسوريا تبدو مثل مكان رهيب للاستثمار، لكن هناك بعض المشاريع قد تكون مربحة، فشركة موانئ دبي العملاقة راغبة بالاستثمار في طرطوس على البحر الأبيض المتوسط، المنطقة الهادئة من سوريا.

وسواء اشترى الإماراتيون موافقة الأسد، فإنه مثل والده الذي حكم ما بين 1971 -2000، ماهر في استخدام ورقة إيران والدول العربية. ونظام الأسد ليس لديه مودة تجاه دول الخليج، فقد وصفهم مرة بأنهم “أشباه رجال” لفشلهم في دعم حزب الله اللبناني في حربه ضد إسرائيل عام 2006. ولا يوجد ما يدعو للثقة أن مال الإعمار والمساعدات ستدفع الأسد إلى رمي حُماته الإيرانيين أو أن سوريا الديكتاتورية والفاسدة ستكون عامل استقرار وخير للمنطقة.

وفي الماضي، كان من الصعب تخيل دول الخليج تتصرف بطريقة لا ترضي أمريكا، فهذه محبطة من الولايات المتحدة، لأنها تريد ترك المنطقة، فهناك عشرات الآلاف من الجنود الأمريكيين في العراق وسوريا ودول الخليج. وبعد إطلاق المتمردين الذين تدعمهم إيران صواريخ باتجاه الإمارات، قامت واشنطن بإرسال سرب من مقاتلات إف-22 والمدمرة الأمريكية “يو أس أس كول” إلى الخليج.

وأمريكا ليست غائبة، ولكن سياستها غير متماسكة، وتريد نهاية الأسد، لكنها سمحت له بالبقاء. كما أن سياستها من إيران تتغير في كل عام. وتعهد جو بايدن بجعل السعودية دولة منبوذة حتى احتاج إليها لكي يخفض من أسعار النفط. ورفض وليّا العهد السعودي والإماراتي تلقي مكالماته.

وتعتقد الإمارات أنها ليست بحاجة لاتباع خط الولايات المتحدة عندما تبدو متعرجة.  وبعد أيام من استقباله الديكتاتور السوري، سافر محمد بن زايد إلى شرم الشيخ في مصر والتقى زعيمي مصر وإسرائيل في قمة ثلاثية. وتمت مناقشة كل شيء من أسعار الطعام إلى الملف النووي الإيراني. والمشاركون الثلاثة هم من حلفاء أمريكا، لكنهم يختلفون معها بشكل كبير. وسوريا هي مثال، فقد  أعاد عبد الفتاح السيسي العلاقة مع دمشق وبعد وصوله إلى السلطة عام 2014. وعارض عدد من المسؤولين الأمنيين في إسرائيل الإطاحة بالأسد، خشية ظهور دولة فاشلة على حدود إسرائيل. وقد تشتكي أمريكا من مواقفهم تجاه سوريا، لكن أحدا منهم لا يريدون الاستماع إليها.

——————————-

زيارة الأسد.. أحشفاً وسوءَ كِيلة!/ حسان الأسود

في توقيت غير بريء جاءت زيارة بشار الأسد إلى دولة الإمارات العربية المتحدة يوم الجمعة في 18/3/2022، فهذا اليوم هو عنوان الثورة السورية المجيدة التي قامت ضدّه وضدّ نظامه، وهو تاريخٌ كُتِبَ وما يزال يُكتب بدماء السوريين، وتجاوزه إهانة كبيرة لتضحياتهم ومعاناتهم وآلامهم. تعبّرُ الزيارةُ من طرف بشار عن عقدة نفسية من هذه الثورة، تلاحقه وتفتك به، فهو يهدف للانتقام من رموزها كما انتقم منهم بأرواحهم وأجسادهم وأملاكهم ووطنهم. لم ينس بشار ولن ينسى كيف خلع السوريون عن أنفسهم رداء الخوف وهبّوا في وجهه ووجه أبيه بأثر رجعي، تعبيراً عن فقدان الصبر وطفح الكيل، وعن الندم الشديد على الصمت خلال العقود السابقة.

أمّا الإهانة الكبرى فهي تلك التي تقترفها حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة، ليس فقط بحقّ الشعب السوري المكلوم، بل وبحق كل الشعوب العربية وبحق الإنسانية جمعاء. فهل من الشرف في شيء استقبال قاتلٍ مجرمٍ دنّس أرض سوريا بكل موبقات الأرض، واستجلب الاحتلالات والميليشيات الطائفية والإرهابية من كل الأصقاع لمحاربة شعبه؟! غريب أمر هؤلاء الحكام الذين لا يرون إلا مصالح آنيّة ضيقة لا يمكن أن تبني حاضراً ولا مستقبلاً، لكن يبدو أنّ المثل ما ترك شيئاً إلا وقاله، فالطيور على أشكالها تقعُ، وكذلك الحكّام.

إن كان هدف الزيارة تطبيع العلاقات مع نظام الأسد، فإنها لن تنجح على الصعيدين العربي والدولي، فهذا النظامُ مثقل بالجرائم ولا يمكن غسله أبداً، كما أنّه يقفز على كلّ القرارات الدولية التي لا يمكن عبور هذه الأزمة دونها. وهذا ما أوضحته مواقف معظم الدول الفاعلة في الشأن السوري حتى الآن على الأقل، ومن المعيب أن يكون موقف الأميركيين والأوروبيين أكثر حياءً في مواجهة مشاعر السوريين وآلامهم وعذاباتهم، وأكثر انسجاماً مع القيم والقواعد القانونية الدولية، من موقف دولة عربية يُفترض بها أن تراعي أواصر القربى والدم في أدنى حدّ.

وإن كان الهدف من الزيارة فتح القنوات الخلفية الإماراتية تحايلاً على النظام المصرفي العالمي والعقوبات التي فرضتها أميركا ومعظم دول العالم على روسيا من جراء غزوها أوكرانيا، فإنّ الأمر ليس بهذه السهولة، فالعيون مفتوحة مئة في المئة على دولة الإمارات، فقد أصدرت مجموعة العمل المالي (فاتف) المعنية بمراقبة الجرائم المالية العالمية والتي مقرها باريس بتاريخ 4/3/2022 تقريراً قالت فيه إنها أدرجت دولة الإمارات العربية المتحدة على قائمتها الرمادية الخاصة بالدول التي تخضع للرقابة. وكانت وزارتا الداخلية والخزانة البريطانيتان قد صنفتا في وقت سابق من العام 2020 الإمارات على أنها ولاية قضائية معرّضة لغسيل الأموال، وأنها باتت ملاذاً آمناً للشبكات الإجرامية التي تمارس أعمالها فيها بأريحية كبيرة.

أما إذا كان الهدف من هذه الزيارة قبض ثمن التوسط لدى إيران لوقف هجمات الحوثيين بالطائرات المسيّرة على الإمارات كما حصل قبل أسابيع، فإنّ العنوان خاطئ من أساسه، فمن هو بشار الأسد ليستطيع ثني إيران عن ممارسة عربدتها على دول الخليج العربي؟ وهو ليس أكثر من تابع ذليل لا حول له ولا قوّة! سيكون من أفدح الأخطار على الأمن الإقليمي والعربي إعادة دمج نظام الجريمة المنظّمة المسمى نظام الأسد في المنظومة الإقليمية والعربية والدولية. فهذا النظام لا يقوم إلا على الابتزاز ويتعامل مع جيرانه كما يتعامل مع شعبه باعتبار مصالحهم رهينة في يديه، فلا يتورّع عن تصدير المخدرات والأسلحة لدول الجوار وللعالم كلّه.

فعلى سبيل المثال، كانت آخر محاولة تهريبٍ إلى الأردن، كبيرةً وخطيرةً لدرجة استدعت من الجيش الأردني الاستعانة بالطيران المروحي والحربي للتغلّب عليها، فقد اقتحم الحدود ما يزيد على خمسة عشر سيارة دفع رباعي تحمل مدافع ورشاشات ثقيلة، لكنّ العملية أحبطت وقضى النشامى على جميع المهاجمين، وهم أكثر من سبعين مجرماً من الذين جنّدهم حزب الله لتنفيذ مخططاته القذرة.

لا شكّ بأنّ استقبال الأسد في الإمارات هو رسالة لأميركا أيضاً، فتعليق الخارجية الأميركية على هذه الزيارة من بين جميع الخارجيات يؤكد ذلك. فمن المعروف أنّ الإمارات كانت من بين الدول القليلة التي امتنعت عن التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة على إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا، ولا ريب في أنّ الإدارة الأميركية ممتعضة من هذا الموقف. فالعقلية الأميركية التي تسعى لبناء معادلة بحدّين فقط، إما معنا أو مع روسيا، تضغط مع حلفائها الغربيين على جميع الدول التي ترى أنها يجب أن تأخذ موقفاً مضاداً للموقف الروسي. لكن يبدو أنّ حكام الإمارات يناورون في مساحة ضيّقة من خلال تواصلهم مع الروس والصينيين مباشرة، ومن خلال استقبال بشار رغم العزلة الدولية المفروضة عليه.

هل للزيارة علاقة بالاتفاق النووي الإيراني؟ وهل يستبق الإماراتيون التسهيلات الكبرى المتوقع فتحها أمام نظام الملالي بعد الاتفاق، وبالتالي يحاولون استرضاء إيران وحلفائها في المنطقة! لا شكّ بأنّ الأسد ليس في الموقع الذي يؤهله للعب مثل هذا الدور، خاصّة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار طريقة استقباله، التي لم تراعِ أية أعراف دبلوماسية، ولم تتسم بذاك القدر من الاحترام والتقدير لشخص الضيف ومنصبه وصفته.

قد يبدأ الاستبداد بشرعية ما، ديمقراطية مثلاً كما كان حال هتلر وكما هو حال قيس سعيّد، أو شعبوية انتهازية كما كان حال بينيتو موسوليني، أو ثورية مثل لينين وستالين وكاسترو، لكنه يتحول إلى انعدام الشرعية مع أول ممارسة لا إنسانية مع المواطنين. وقد تكون الشرعية اجتماعية وراثية، مثل بعض الأنظمة الملكية كما في المغرب ودول الخليج العربي، لكنّ الشعوب في هذا العصر لم تعد تكتفي بمثل هذه الأنواع من الشرعية، بل باتت تعمل على ترسيخ مبدأ الشرعية الشعبية المعبر عنها ديمقراطياً عبر صناديق الاقتراع، لاختيار البرامج الأفضل التي تمثل احتياجاتها وطموحاتها، فلم تعد السماء مصدر الشرعية، ولم يعد للعصبية والتغلّب والشوكة أي قدرٍ من الإقناع لدى الناس في شرعية توليّ زمام الحكم، فنحن الآن أمام عصر المواطنين الأحرار، القادرين وحدهم على منح الشرعية أو منعها.

وفي الدول الصغيرة مثل سوريا والأنظمة القائمة على حكم أقلّوي مثل نظام الأسد، لا يوجد أي مستند داخلي للشرعية، خاصّة مع انعدام قدرتها على توفير الحدّ الأدنى من الخدمات لمن تحكمهم، وهذا ما يجعل منها أنظمة حكمٍ وظيفية، تقايض استمرار وجودها بما تقدمه من خدمات للنظام الإقليمي والدولي. فإذا كان لدى الأسد ما يقدّمه بعدُ لهذا النظام الدولي، فسيبقى في الحكم رغم إرادة السوريين ورغماً عن أنف المنطق والتاريخ، وسينطبق علينا وقتها المثل الشهير: أحشفاً وسوء كيلة!

ومع ذلك كلّه ورغم كل شيء، لن يطول الأمرُ كثيراً، فالظروف تتغيّر بشكل عاصف وسريع هذه الأيام، والمثلُ يقول أيضاً: “إن حلقَ جارُك فعليك أن تبُلَّ ذقنك”، ويبدو أنّ بوتين، المعلّم الأكبر للاستبداد، على كرسيّ الحلاقة العالمي، وسنرى قريباً نتائج هذه الحرب المجنونة التي خاضها ضدّ العالم الحرّ وقيمه الديمقراطية.

تلفزيون سوريا

————————

المتغيرات العالمية وزيارة الرئيس السوري إلى الإمارات/ عمار ديوب

اصطفت الإمارات بشكلٍ علني ضد الثورات العربية وليس ضد الإسلاميين فقط، وإلى جانب الأنظمة المستبدة منذ 2011، وموقفها من النظام السوري يُقرأ في هذا الإطار؛ فهي مع السيسي وقيس سعيد وبالتأكيد مع حفتر، وهكذا دواليك. إذاً ما الجديد في تلك الزيارة.

هي أول زيارة للرئيس السوري بعد 2011، إلى دولة عربية، وهذا له دلالات. تأتي زيارته بعد افتتاح سفارة الامارات في دمشق 2018، وبعد زيارةٍ لوفد دبلوماسي إماراتي كبير 2021. كل ذلك ليس الهام، فالمشكلة الرئيسة لدى نظام دمشق هي الحرب في أوكرانيا وتورط روسيا هناك وإيقاف المساعدات من الأخيرة، وحاجته الماسة للمساعدات الاقتصادية، وربما موسكو من رتب الزيارة. الجديد، هو الموقف الإماراتي والسعودي من الأزمة الأوكرانية، حيث لم يُدينا الغزو الروسي، ورفضها تعويض موارد الطاقة الروسية وإيقاف ارتفاع أسعار الطاقة عالمياً، وبعدها ارتفاع كافة أسعار المواد بالأسواق، بموارد طاقة خليجية، ورفضا الموافقة على العقوبات التي فرضتها أمريكا وأوروبا على روسيا؛ هذا أمر جديد، وسيكون له أثاراً كبيرة على الإمارات والسعودية. الأثار، لأن أمريكا وأوروبا تقودان الأن معركة حصار روسيا، والمسألة تتجاوز الوقوف إلى جانب أوكرانيا، فغير العقوبات الاقتصادية الكبيرة، هناك العسكرة الواسعة في أوربا الغربية والشرقية. الولايات المتحدة الآن تجدّد هيمنها الأحادية على العالم، وبحلفٍعسكريٍّ واقتصادي وسياسي مع أوربا واليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا وبريطانيا، بينما الخطوة الإماراتية تغرد بسماء أخرى. هل لم تعِ ذلك الإمارات؟ ربما لم تبدأ الضغوط عليها بعد، ولكن تهديد أمريكا للصين بضرورة أن تبتعد عن روسيا ولتركيا بأن ترسل المضادات الجوية الروسية “إس 400” لأوكرانيا، وهناك تسريبات تؤكد أن أمريكا مستعدة للإفراج عن صفقة الطائرات لتركيا قبالة ذلك، وبذلك تبدأ علاقات جديدة وقوية مع تركيا،والضغوط سيشمل بمرحلة لاحقة السعودية والإمارات. الفكرة الأخيرة تتناقض مع انكفاء أمريكا نحو الصين منذ كثر من عقد، والآن هي “بحربٍ” مع روسيا، والحرب هذه، عالمية، وليست محصورة بالأزمة الأوكرانية. هذا لن يتغير، حتى ولو تمّ الاتفاق بين أوكرانيا وروسيا وتوقفت الحرب، فنتائجها ستظل قائمة، وبالتالي هناك عدائية واسعة حالياً؛ أمريكية وبريطانية خاصةوأوربية نحو روسيا. أعلنت الإدارة الأمريكية رفضها للخطوة الإماراتية، وكذلك بريطانيا، وإذا كانت الإمارات تَستخدم الزيارة كورقةٍ ضاغطة على الإدارة الأمريكية من أجل حل المشكلة اليمنية، ووضع شروط على الاتفاق النووي، وتستقوي باتفاقيات إبراهيم مع إسرائيل، فهي لن تتورط كثيراً بدعم النظام السوري.

نعم، الإمارات أعادت علاقاتها مع النظام في دمشق، وبشكلٍ رسمي منذ ثلاث سنوات، ولكن أزمة النظام في تفاقمٍ مستمر، ومن الصعوبة بمكان أن تقدم دعماً اقتصادياً كبيراً، والوعود بخصوص الاستثمارات المستقبلية، كتحفيزٍ للدعم الحالي لن تجعل الإمارات تبتعد كثيراً عن الولايات المتحدة وتتجه شرقاً.

هناك استنتاجات متسرعة في التحليل السياسي بعامة، ويخطأ من يذهب بهذا الاتجاه، ولا يرى أن أيّة أزمةٍ بين بلدين أو في إطار دولة ما، لن تُحَل بسهولة، فكيف بأزمةٍ كبرى كالمسالة الأوكرانية، والتي تشي فعلياً بإمكانية حرب عالمية ثالثة، أو حرب باردة طويلة، أو بحرب نووية، أو بعسكرة أوربا، كما يتم حالياً، أو بتغير كبير في العلاقات الدولية.

لا شك أن متغيرات كثيرة تحدث الآن في العالم، وغزو أوكرانيا، يشيد نظام عالمي جديد، وهذا يعني أننا بمرحلة انتقالية، ومن الطبيعي أن تتبدل فيها العلاقات والأحلاف الدولية. رغم ذلك، ورغم الوجود الروسي والإسرائيلي في منطقتنا، فإن الإدارة الأمريكية لم تغادرها، والحرب الأوكرانية ستدفع نحو إعادة التموضع الأمريكي في شرقنا، سيما أن روسيا والصين تعززان من وجودهما فيه. صحيح أن الموقف الأمريكي من الاتفاق النووي، وعدم وضع شروط على إيران بخصوص تمددها الإقليميترك دول الخليج بفم دولة الملالي، وأن تعطيل روسيا للاتفاق يشجعها على الاتجاه شرقاً. إن روسيا تتخوف من العقوبات الدولية، والصين تتحرك بحذر بالغ، وكذلك تركيا، وبالتالي، الخطوة الإماراتية لا تتجاوز رسالة قوية للإدارة الأمريكية بضرورة أخذ مصالح الخليج، وليس فقط الإمارات بعين الاعتبار، والابتعاد عن “الكيل بمكيالين” التساهل مع إيران والتشدد مع دول الخليج!

الموقف الأمريكي والأوربي بعامة ضد تطبيع النظام السوري مع الدول العربية، ويصرّ على تطبيق القرارات الدولية ليتم التطبيع. رغم ذلك، هذا الموقف لا يتشدّد بتطبيق تلك القرارات، ولهذا ما يزال يدعم فكرة اللجنة الدستورية، ويناقش مؤخراً كيفية الاستفادة من النفط والغاز السوري، وهذا ليس بمعزل عن مناطق سيطرة النظام. حتى الخطوة التي قامت بها، أمريكا، باستثناء المناطق خارج سيطرة النظام من عقوبات قيصر مؤخراً، توضح أنها ليست بصدد مواجهة جادة مع روسيا في سورية، وهذا سيؤدي إلى ترسيخ التقسيمات الدولية والإقليمية للأرض السورية، وهي ستتجه نحو المزيد من التفكك والاستنقاع، وهذا يشبه حصر الأزمة في أوكرانيا، وليس دعمها عبر التهديد بقيام حرب عالمية ثالثة ما لم تتوقف روسيا عن الغزو، والاتجاه فوراً نحو التفاوض حول مستقبل هذا البلد.

ينتقل، وربما يتقاطع محور المقاومة مع محور التطبيع بتلك الزيارة. وهناك أكاذيب كثيرة حول العدائية الكاملة بين المحورين، ولكن الزيارة والتطبيع الإماراتي يشيران بدورهما أن ذلك التطبيع سيُوظف من أجل تخفيف الضغوط عن النظام السوري، وربما تخفيف العقوبات عنه، وهذا مفيد بدوره للأمارات، حيث العلاقات متينة بين النظام السوري وإيران.

صحيح أن الزيارة كانت الأولى للرئيس السوري إلى دولةٍ عربية منذ المقاطعة له، ولكن أيضاً لم يكن فيها استقبال وفقاً للاعتبارات الدبلوماسية لزيارة الرؤساء، وهذا بدوره رسالة لأمريكا؛ فهل تستعيد الأخيرة دول الخليج من جديد بدلاً من أن تدفعها نحو المزيد منالخطوات نحو الشرق؟

——————————-

حوار خاص مع ربا حبّوش

——————————–

هل باتت إسرائيل دولة عادية في المنطقة؟!/ ماجد كيالي

منذ 20 عاماً كانت إسرائيل رفضت “المبادرة العربية للسلام” الصادرة عن اجتماع القمة العربية في بيروت (2002)، أي أنها تريد كل شيء بدون أن تقدم شيئا لأحد، لا للفلسطينيين ولا لتلك الأنظمة، ولا حتى مجرد الاحترام.

ثمة تحول لافت في سياسات بعض الأنظمة العربية في علاقاتها مع إسرائيل، فالأمر لم يعد يتعلق، حصراً بالتخلص من عهد العلاقات العدائية، الذي استثمرت فيه معظم الأنظمة في تكريس سلطاتها، وتهميش مجتمعاتها، وتبديد ثرواتها، ولا بمجرد تطبيع العلاقات البينية، بالتعامل معها كدولة عادية، في هذا المجال أو ذاك.

بات الأمر يتعلق، أيضا، بالتعامل مع إسرائيل كأكثر من دولة عادية أي كحليف، يجري التنسيق معه في عديد من الملفات السياسية والاقتصادية والأمنية، والشؤون الإقليمية والدولية، وحتى على حساب العلاقات العربية البينية (جكارة)!

في الواقع فإن هذه النقلة لا أساس موضوعياً لها، بمعنى أنه لا يوجد أي مبرر مقنع لها، لا صعود خطر النفوذ الإيراني في المشرق العربي، ولا خطر الحوثيين في اليمن على البلدان الخليجية، أي أنها مجرد محاولة للهروب إلى الأمام من التحديات التي تواجه النظام العربي، إذ لا يوجد أي مقابل من إسرائيل يستوجب هكذا نقلة؛ مع ملاحظة الآتي:

أولاً، ما زالت إسرائيل هي ذاتها، كدولة استعمارية واستيطانية وعنصرية منذ إقامتها (1948)، إذ نشأت على حساب شعب فلسطين، واحتلت أراضي من دول عربية، وظلت منذ قيامها أحد أهم عوامل التوتر وعدم الاستقرار في المشرق العربي.

ثانياً، ما زالت تلك الدولة تمانع، من الأساس، تطبيع ذاتها مع الشعب الفلسطيني ومع العالم العربي، بعدم تحديد حدودها الجغرافية والبشرية، واعتبارها ذاتها دولة يهودية، أي لليهود فقط حق تقرير المصير فيها، وكدولة ليهود العالم، وليس لليهود الإسرائيليين فقط، وبتمييزها ضد الفلسطينيين فيها، وانتهاجها سياسات استعمارية تقوم على القمع والحصار والتهميش والحرمان من الحقوق ضد فلسطينيي الضفة وقطاع غزة المحتلين، وبرفضها حق العودة للاجئين الفلسطينيين، في حين تمنح هذا الحق لأي يهودي في العالم.

ثالثاً، منذ 20 عاماً كانت إسرائيل رفضت “المبادرة العربية للسلام” الصادرة عن اجتماع القمة العربية في بيروت (2002)، أي أنها تريد كل شيء بدون أن تقدم شيئا لأحد، لا للفلسطينيين ولا لتلك الأنظمة، ولا حتى مجرد الاحترام.

مفهوم أن خطر إيران المتزايد في المشرق العربي، وفي اليمن، يستدعي موقفاً حازماً، من الأنظمة العربية، لكن تغطية عورات الأنظمة العربية أو هشاشتها، لا تتأتى من التعامل مع إسرائيل كدولة عادية ومتميزة في المنطقة، ففي ذلك قمة الإذلال والإهانة، إذ لا يوجد خطر يغطي على خطر آخر، ولا جرائم تغطي على جرائم أخرى، لا سياسات إيران تغطي أو تبرر سياسات إسرائيل، ولا سياسات إسرائيل تغطي أو تبرر سياسات إيران.

وفي الواقع فإن ذلك الفهم يعطي الأولوية لاستقرار الأنظمة التسلطية، على حساب مصالح التطور السياسي والاقتصادي والاجتماعي في العالم العربي، وهو يساهم في إضعاف الدول العربية، وتهميش مجتمعاتها، وانكشافها إزاء التدخلات الخارجية، من قبل أطراف دولية وإقليمية، كمثل الولايات المتحدة أو روسيا أو الصين أو إسرائيل أو إيران أو تركيا.

ثمة قطبة مخفية، ولو كانت معروفة لكثر، في سلوكيات بعض الأنظمة في العالم العربي، التي استشعرت منذ بداية الربيع العربي بإمكان زعزعة سلطاتها، لذا فهي تصرفت على أساس مناهضة الثورات أو الحراكات الشعبية من خلال احتضانها والتأثير فيها، للتحكم بتوجهاتها، أو لإجهاضها؛ هذا من ناحية. من ناحية أخرى، فإن هذه الأنظمة التي كانت طوال تاريخها حليفة للولايات المتحدة الأميركية، باتت تنظر بعين القلق إلى السياسة الأميركية الداعمة، بدرجات متفاوتة، لأيذ تغيير في أي دولة عربية، وهذا ما يفسر تبرم، أو مناكفة، بعض الأنظمة للسياسات الأميركية، من جهة، ومحاباتها الانفتاح على إسرائيل من جهة أخرى.

والقصد أن السبب الأساسي لسياسات بعض الأنظمة إزاء الولايات المتحدة وإزاء إسرائيل، لا يصدر من الخطر الذي تمثله سياسات النظام في ايران، المستمرة منذ أكثر من أربعة عقود، وإنما يصدر من حث الولايات المتحدة للتغيير السياسي في العالم العربي، من مدخل حقوق الإنسان والديموقراطية، بدلالة الانزياح نحو الصين وروسيا اللتين غازلتا تلك الأنظمة برفض الثورات “الملونة”، واعتبار أي حراك شعبي للديمقراطية تدخلا خارجيا، رغم أن علاقات الصين وروسيا أكثر من تحالفية مع إيران، ومع العلم أن سياسات الولايات المتحدة بخصوص الديمقراطية وحقوق الإنسان، موسمية، واستخداميةـ أكثر منها مبدئية.

الآن، لنفكر جيداً، ما الذي تقدمه إسرائيل للعالم العربي؟ في الحقيقة فإن إسرائيل تأخذ ولا تعطي، إذ تأخذ مزيداً من الأمن والاقتصاد والشرعية، علماً إنها الأكثر استفادة من تغول إيران في المشرق العربي، وسوريا على وجه خاص، إذ إن تلك الدولة قدمت لها، ولو بحجة المقاومة، أكبر خدمة في تاريخها، بتقويضها بنى الدولة والمجتمع في العراق وسوريا ولبنان، وبإثارتها النعرة الطائفية، وإقامتها ميليشيات طائفية مسلحة، فهي الأكثر دفاعاً عن أنظمة الاستبداد والفساد في المشرق العربي، والأكثر استقتالاً في صد وقمع الحراكات الشعبية، على ما حصل في العراق ولبنان (منذ 2019) وفي سوريا (منذ 2011).

بصراحة، لا أحد يستفيد من هذا الانفتاح سوى إسرائيل، إذ إن مواجهة التحديات الخارجية، وضمنها تحدي سياسات إسرائيل وإيران وتركيا وأميركا وروسيا وغيرها، تفترض انتهاج سياسات أخرى تقوم على إعادة الاعتبار للدولة في العالم العربي، كدولة مؤسسات وقانون ومواطنين، أحرار ومتساوين، في نظام ديموقراطي، وانتهاج سياسات تنمية اقتصادية واجتماعية تأخذ في اعتبارها مصالح المجتمعات العربية، لا مصالح السلطات القائمة وحسب.

درج

———————————-

هل ترغب إيران في عودة العلاقات العربية السورية؟/ هدى رؤوف

دمشق “حيوية” لمصالح طهران وتعتبر أهم أعمدة ما يسمى “محور المقاومة”

قال وزير الخارجية الإيراني أمير عبد اللهيان، إن بلاده “ترحب بتطوير العلاقات بين سوريا وبعض الدول العربية”. التصريح الذي جاء خلال زيارة لدمشق في سياق الحرب في أوكرانيا، التي تخوضها روسيا، حليف سوريا وإيران، يتزامن أيضاً مع المراحل النهائية لإعادة إحياء الاتفاق النووي بين طهران والخمسة الكبار، فضلاً عن زيارة بشار الأسد لدولة الإمارات العربية المتحدة، وإعادة تطبيع العلاقات مع الدول العربية.

السؤال هنا: هل يمكن أن يشكل تطبيع العلاقات بين سوريا والدول العربية تحدياً لإيران؟ تكمن الاجابة عن هذا السؤال في التعرف إلى طبيعة العلاقات بين سوريا وإيران في الثلاثين سنة الأخيرة. فقد شكل انحياز سوريا إلى جانب إيران في أثناء الحرب الإيرانية- العراقية، عاملاً مساعداً لتطوير العلاقة بين البلدين، ومع ذلك لم تكن العلاقات السورية- الإيرانية في الثلاثين سنة الأخيرة خالية من التوتر والمنافسة، فقد كانت هناك قضايا خلافية بينهما، لكن سرعان ما يتمكن الطرفان من احتوائها.

وقد عززت عوامل عدة التقارب السوري- الإيراني منذ نشأة إيران، ومنها طبيعة النظام السوري، الذي تحكمه أقلية علوية، فسوريا ذات غالبية سنية، لكن لدى الإيرانيين الشيعة موقفاً أكثر تسامحاً تجاه العلويين والتنافس الأيديولوجي والإقليمي على قيادة العالم العربي بين النظامين البعثي السوري والعراقي، والرغبة السورية في تعويض تأثير معاهدة السلام المصرية- الإسرائيلية عام 1977. فعندما وقعت الثورة الإيرانية، كانت سوريا تشعر بأنها معرضة لتهديد الجيش الإسرائيلي، ورأت في تحالفها مع إيران وسيلة لتصحيح عدم التوازن، الذي خلقته المعاهدة. إضافة إلى توافر المنافع الاقتصادية في شكل اتفاقات توريد النفط، والاستثمار، والعائدات من السياح الإيرانيين. كما كان من المهم لإيران بعد الحرب مع العراق الخروج من العزلة الدولية، بخاصة أن حرب الثماني سنوات صورت وكأنها حرب ضد كل الدول العربية المحيطة بها، لذا كان على إيران فتح علاقات مع سوريا.

فسوريا حيوية للمصالح الاستراتيجية لإيران في الشرق الأوسط، ولطالما كانت أقرب حليف لها. لقد أتاح نظام الأسد وصول إيران للشرق الأوسط ووكلائها الإقليميين، بما في ذلك “حزب الله”، و”حماس”، و”الجهاد الإسلامي الفلسطيني”، ما سمح لإيران نقل الأشخاص والأسلحة والمال إلى هذه الجماعات عبر الأراضي السورية.

كما قدمت إيران الدعم لبرامج الأسلحة الكيماوية السورية، بما في ذلك دعم العلماء الإيرانيين، وتوريد المعدات والكيماويات، والتدريب الفني. لقد كانت سوريا شريك إيران الاستراتيجي في ردع إسرائيل من مهاجمة وكلائها أو برنامجها النووي. كما احتلت سوريا جيوسياسياً مكانة محورية في مشروع إيران نحو الهيمنة الإقليمية عبر الإحياء الشيعي، فعبر سوريا تضمن إيران استمرار تأثيرها في محور سوريا لبنان العراق تحت قيادتها كقوة إقليمية كبرى مؤثرة في الشرق الأوسط.

ويمكن القول إن الشراكة الاستراتيجية بين البلدين قامت متأثرة بالأوضاع الإقليمية وتداعياتها على كل منهما، ومن جهة أخرى تأثرت بعلاقة كل منهما بالأطراف الإقليمية والدولية. فالتطورات الإقليمية في المنطقة منذ أحداث 11 سبتمبر وتداعياتها، من الحرب الأميركية على الإرهاب، والغزو الأميركي لأفغانستان والعراق، وانتهاج الولايات المتحدة سياسة لتغيير النظام في سوريا وإيران، كل ما سبق عزز علاقات البلدين، وقد ظهرت مؤشرات تلك العلاقة في الزيارات الرسمية، والعلاقات الاقتصادية، وتشكيل ما عرف حينذاك بمحور الممانعة أو المقاومة، الذي قوامه العلاقة بين سوريا وإيران وحزب الله.

وزاد حجم التحالف السوري- الإيراني بعد الحرب السورية، فكان لإيران دور كبير في سوريا منذ 2011، حيث تدخلت في الحرب الأهلية منذ بدايتها، واستثمرت طاقات كبيرة في دعم نظام بشار الأسد، فسوريا هي حجر الزاوية في استراتيجية إيران الإقليمية، التي تهدف إلى ضمان “محور المقاومة” في المنطقة لمواجهة جيرانها الإقليميين والقوى الدولية، لذا سعت إيران إلى الحفاظ على مصالحها في سوريا من خلال العمل على ضمان إبقاء الأسد في السلطة على الرغم من أيديولوجيته العلمانية، وذلك لعدة أسباب منها، كونه الحليف الأقرب لإيران، كما أن التعاون مع سوريا ضروري لتسليح وحماية حلفاء إيران الإقليميين، ناهيك عن خشية إيران وصول أي من الجماعات السنية المعادية لإيران للسلطة.

أما ما تشهده التطورات أخيراً من التعامل مع سوريا، والتوجه نحو تطبيع العلاقات، إنما يرجع لعدة أسباب، منها احتواء الإرهاب في المنطقة، الذي تصاعد مع الحرب السورية، السبب الآخر روسيا، التي ترغب في إعادة العلاقات العربية مع بشار الأسد، لا سيما مع تزايد العلاقات العربية- الروسية، في ظل تواجد الأخيرة بالمنطقة في الوقت الذي تنسحب منه الولايات المتحدة، وأخيراً محاولة دول المنطقة التعامل مع الأزمات الإقليمية بمقاربات جديدة، حتى لو تتعارض مع التوجهات الأميركية، بخاصة في ظل سياسة واشنطن تجاه إيران، التي لا تراعي مصالح حلفائها الإقليميين.

وحيث أن لدى كل من سوريا والدول العربية أسباباً اقتصادية لتحسين العلاقات، فسوف تتجه الأمور إلى مزيد من الانفتاح، وذلك بالنظر إلى أن علاقات دمشق الاقتصادية مع روسيا وبيلاروس تعاني منذ الغزو الروسي لأوكرانيا.

ولكن على الرغم من تصريح وزير الخارجية الإيراني بشأن انفتاح الدول العربية على سوريا، إلا أن إيران لن تكون مرحبة بمثل هذا التقارب، حيث تعتبر سوريا أهم أعمدة ما يسمى محور المقاومة، كما أن سوريا تعد فرصة اقتصادية لإيران، وهو ما لن ترضى أن تنافسها فيه الدول العربية.

—————————-

ماذا أهدت الإمارات لبشار الأسد؟

علم “نداء بوست” من مصدر خاص مطّلع أن الطائرة التي أقلّت بشار الأسد يوم الجمعة الماضي من مطار دمشق الدولي إلى مطار دبي الدولي وعاد بها في ذات اليوم تم تقديمها هديةً لبشار الأسد.

وبحسب المصدر المطّلع فقد تم تقديم 12 سيارة مصفحة من نوع مرسيدس ونيسان لرئيس النظام السوري.

ووفقاً للمصدر, فقد بقيت الطائرة في مطار المزة, وأصبحت طائرة شخصية يتنقل بها بشار الأسد، كما خصصت السيارات المصحفة لدعم موكبه, وهي متضمنة تقنيات حديثة من الحماية والتصفيح.

ونفى المصدر بشكل قطعي وجود زيارة سرية لبشار الأسد إلى سلطنة عُمان بعد اللقاءين اللذين عقدهما في دبي وأبو ظبي مع محمد بن راشد ومحمد بن زايد.

واستقبلت الإمارات يوم الجمعة الماضي، بشار الأسد، في أول زيارة له إلى دولة عربية منذ اندلاع الثورة السورية قبل 11 عاماً.

والتقى خلال الزيارة ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، ومحمد بن راشد نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي.

من جهته أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، نيد برايس، أن واشنطن تشعر بخيبة أمل كبيرة وقَلَق، إزاء استقبال دولة الإمارات لرئيس النظام السوري بشار الأسد.

ودعا برايس الدول التي تفكر في التواصل مع النظام السوري إلى دراسة الفظائع المروّعة التي ارتكبها ضد السوريين على مدى العَقْد الماضي، ومحاولاته المستمرة لحرمان معظم مناطق سورية من الحصول على المساعدات الإنسانية والأمن.

وقال برايس: “إن بشار الأسد مسؤول عن اعتقال وإخفاء أكثر من 150 ألف شخص”، مؤكداً أن واشنطن لن ترفع العقوبات المفروضة على النظام السوري، ولن تدعم إعمار سورية حتى يتم إحراز تقدُّم سياسي.

كما أشار برايس إلى تصريح لوزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، الذي قال فيه: إن الولايات المتحدة لا تدعم إعادة تأهيل الأسد ولا نؤيد التطبيع معه.

وفي السياق، أكدت وسائل إعلام عبرية، أن الملف السوري وزيارة رئيس النظام بشار الأسد إلى الإمارات، كانت حاضرة في قمة شرم الشيخ التي جمعت زعماء مصر والإمارات وإسرائيل.

وقال موقع “تايمز أوف إسرائيل”: “إن رئيس الوزراء نفتالي بينيت، الذي ينظر مكتبه بقَلَق إلى عودة الأسد المطّردة للقبول في العالم العربي، عبَّر عن موقف تل أبيب خلال الاجتماع في شرم الشيخ”.

كما عرض ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد آل نهيان، على بينيت والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، مزيداً من المعلومات حول الزيارة التي أجراها بشار الأسد إلى الإمارات يوم الجمعة، وفقاً للمصدر.

جدير بالذكر أن رئيس النظام السوري، بشار الأسد، التقى وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، أول أمس الأربعاء، في إطار زيارة يجريها الأخير إلى سورية.

——————————-

===============

تحديث 28 أذار 2022

————————————-

—————————–

زيارة بشار الأسد لأبو ظبي وتعقيدات الحركة السياسية حول سورية وأوكرانيا/ علاء الدين الخطيب

مقدمة

لا يمكن الادعاء أن زيارة بشار الأسد للإمارات العربية المتحدة[1]، يوم الجمعة 18 آذار/ مارس، بناءً على دعوة رسمية من الحكومة الإماراتية، كانت مفاجأة كبيرة. وفي الوقت نفسه، لا يمكننا الركون إلى مقولة إنها كانت نتيجة متوقعة للتطورات والأحداث الأخيرة في الشرق الأوسط وفي شرق أوروبا.

بدأت حكومة الإمارات إعادة فتح التواصل مع نظام الأسد رسميًا في نهاية عام 2018، من خلال إعادة افتتاح سفارتها في دمشق، وكانت تلك التحركات خلال فترة شهر العسل الأميركي الإماراتي السعودي، مع وجود دونالد ترامب في البيت الأبيض. وقد بُني على تلك التحركات عدد من الاستنتاجات حول قرب إعادة نظام بشار الأسد رسميًا إلى الجامعة العربية والمؤسسات العربية السياسية؛ فهل تُعَدّ هذه الزيارة مجرد امتداد لسياسة جديدة قادتها الحكومة الإماراتية عربيًا، أم أن لها علاقة وثيقة بالتغيرات الزلزالية التي بدأت تجتاح العالم بعد غزو بوتين لأوكرانيا؟

زيارة بشار الأسد للإمارات العربية المتحدة

كانت زيارة رأس النظام الأسدي إلى الإمارات سريعة، وقد استقبله كبار المسؤولين الإماراتيين؛ حيث التقى الأسد الشيخَ محمد بن راشد آل مكتوم (نائب رئيس دولة الإمارات، رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي)، والشيخ محمد بن زايد آل نهيان (وليّ عهد أبو ظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة). وكانت البيانات الرسمية الختامية -كما العادة في هذا النوع من الزيارات- مصوغةً بدقة، لتكون عامة وفق ما يصدر عادةً من مثل هذه اللقاءات الرسمية، من حيث تعزيز العلاقات ودعم السلام والأمن والاستقرار.

السوريون بالذات شاهدوا واهتمّوا بموعد الزيارة التي أتت في ذكرى انطلاق الثورة السورية ضد نظام الأسد، ولهم كل الحق أن يربطوا التاريخين ببعضهما، فهذه الزيارات وتنسيقها لا يأتي بمحض الصدفة، خاصة مع أهمية هذا التاريخ. فمن خلال هذه الزيارة، كانت الرسالة واضحة، حول انتقال حكومة الإمارات إلى موقف داعم لنظام الأسد، وهي موجّهة إلى ملايين السوريين الذين ما زالوا يرون في هذا التاريخ ذكرى تحمل فخرًا بانطلاق الثورة ضد الاستبداد وألمًا عميقًا بعد كل هذه المآسي التي أصابت السوريين.

من المفهوم أن يتعمّد بشار الأسد إرسال هذه الرسالة، لكن السؤال كبير حول المكسب الإماراتي من هذا الموعد، وعلى الرغم من أن لكل دولة الحقّ في أن تصوغ علاقاتها الخارجية بما تراه مناسبًا لمصالحها، فإن موعد الزيارة يضيف إلى الزيارة نفسها ثقلًا كبيرًا بالسؤال.

في كل الأحوال، يبقى لموعد الزيارة دلالة مهمة على المستوى الجيوسياسي بربطها بأزمة الحرب في أوكرانيا، واختلاف مواقف حكومات العالم حول هذه الحرب، وخاصة أن الإمارات العربية المتحدة كانت لها مواقف مفاجئة، إذ امتنعت عن التصويت في مجلس الأمن الدولي لصالح القرار الذي قدّمته الولايات المتحدة الأميركية وألبانيا، لإدانة الغزو الروسي لأوكرانيا في نهاية شباط/ فبراير، امتناعًا توازى مع امتناع الهند والصين، وتزامن مع موافقة روسية على قرار آخر يقضي بتوسيع الحظر المفروض على توريد الأسلحة للحوثيين في اليمن؛ حيث فُسّر الموقف الإماراتي بأنه صفقة سياسية ما بين الإمارات وروسيا، لتبادل الدعم حول هذين القرارين. ويلقى هذا التفسير تقبّلًا، لأن الإمارات، بعد مضي أيام على موقفها في مجلس الأمن، عادت وصوتت لصالح قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي طالب بانسحاب روسي فوري من أوكرانيا، وأدان قرار روسيا بزيادة حالة تأهّب قواتها النووية[2]؛ مع عدم تجاهل أن قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة لا تملك أهمية قرارات مجلس الأمن الدولي.

في كل الأحوال، تعيد زيارة بشار الأسد للإمارات طرح الأسئلة حول انزياح السياسة الإماراتية وتعقيدات الانزياحات والمواقف السياسية حول سورية وأوكرانيا، من خلال العلاقة مع السياسة الروسية، والعلاقات مع الغرب؛ فعلى المستوى السياسي الدولي، بغضّ النظر عن موقف الحكومات من نظام بشار الأسد، يُعدّ بشار الأسد من بين الزعماء القلائل الذين أظهروا دعمًا علنيًا سياسيًا واضحًا لسياسة بوتين في أوكرانيا، وهو يمثل في الوقت نفسه، ببقائه في منصبه، رمز الحركة الروسية الخارجية خلال العقد الماضي، حيث كان إبقاؤه في منصبه أحد أهمّ غايات التدخل الروسي في سورية، مهما قال السياسيون في تصريحاتهم الدبلوماسية.

وعلى الرغم من أن هناك عددًا من الدول تؤيد، بشكل كامل أو جزئي، الغزو الروسي لأوكرانيا، وهناك دول أخرى ليست ضدّه، فإنّ غالبية الحكومات التزمت الحذر في إعلان مواقفها ضمن هذه الخطوط، بانتظار أن تتضح الصورة وآفاق الصراع. لكن بشار الأسد قرر وضع كل بيضه بسلة بوتين، والقفز بشكل كامل في خندق روسيا في حال توسع الصراع وظهور جبهات عالمية أكثر استقطابًا وصدامًا ما بين الغرب وما بين روسيا. ولذلك، أصدر بشار الأسد -في ثاني أيام الغزو الروسي لأوكرانيا- رسالة واضحة يدعم بها سياسة بوتين وغزو أوكرانيا الذي تسميه القنوات الإعلامية الروسية والسورية “عمليات عسكرية خاصة”، بما يتوافق مع سياسة الإعلام الروسي.

ضمن هذا المنحى، أتى الرد السياسي الأميركي واضحًا، بانزعاجه وخيبته من هذه الزيارة، وهو ضمن مناخ تصاعد الصراع واحتمالات تضخم الصدام الدولي ردّ مهمّ سيؤثر مستقبلًا في واقع التخندقات الجيوسياسية عالميًا.

 الانحيازات في الخريطة الجيوسياسية

شهدت المنطقة، خلال السنوات الماضية، تقلبات بالتحالفات والاختلافات، وأحيانًا بالمواجهات السياسية بين دول الإقليم. وربما كان عنوانها، خارج الموضوع السوري، الخلاف الخليجي بين قطر ومعها تركيا، وبين الإمارات العربية المتحدة والسعودية ومعهما مصر والبحرين. وعلى الرغم من أن انفراجات حصلت خلال السنة الأخيرة على هذه التوترات، وظهر أن الأمور تعود إلى طبيعتها، فإن الواضح أنها ما تزال انفراجات تكتيكية حتى الآن، وليست عميقة واستراتيجية.

اجتمعت حكومتا مصر والإمارات على محورية الموقف من تنظيم الإخوان المسلمين، في صياغة مواقفهما السياسية الخارجية خلال الفترة الماضية، وما زالت الحكومتان تريان بذلك نوعًا من مسطرة التقييم، لكن بشكل أقل تشددًا. وكان من مظاهر انحسار التشدد في التوتر السياسي الإقليمي ظهورُ إشارات تدلّ على تحسّن العلاقة بين تركيا ومصر، دون حصول خطوات واضحة كبيرة بين البلدين، في حين حصل اختراق كبير بين الإمارات وتركيا، مع لقاءات كبار مسؤولي البلدين. أضف إلى ذلك تحسّن العلاقة مع حكومة إسرائيل الجديدة من قبل البلدين.

من ناحية أخرى، سعت الإمارات أيضًا لفتح قنوات تواصل أكثر قوة مع طهران، بالرغم من التوتر المستمر بين إيران وبين دول الخليج العربي، خاصة على وقع حرب اليمن وتورط إيران هناك بدعم الحوثيين، مقابل التدخل السعودي الإماراتي. وهو بكل الأحوال تقارب مشفوع برغبة سعودية ضمنية في فتح باب الحوار مع إيران، بعد أن أيقنت حكومتا السعودية والإمارات أن الولايات المتحدة لن تتورط في مواجهة كبيرة مع إيران لحماية حلفائها في الخليج العربي.

يعود جزء كبير من هذه الانفراجات السياسية إلى موقف مرتبط برؤية ترامب، خلال رئاسته للبيت الأبيض، والعلاقة المتينة التي بناها هو وصهره جاريد كوشنر مع الحكومتين السعودية والإماراتية، ضمن ما سُميّ “صفقة القرن”. فعلى الرغم من أن ترامب انسحب من الاتفاق النووي المبرم مع إيران في 2015، وتصاعد الموقف خلال رئاسته إلى شفا مواجهة عسكرية، سواء مع إيران أو كوريا الشمالية؛ فإن سياسة ترامب -كما اتضح لاحقًا- كانت سياسة مقامرة تميل إلى الوصول لحافة الهاوية، ثم محاولة فتح الأقنية المباشرة الواسعة مع من كان قبل يومين محلّ تهديد بحرب عسكرية[3].

ومع قدوم بايدن إلى البيت الأبيض، وهو الذي لم يبدِ تلك الحفاوة بالعلاقة مع الحكومتين السعودية والإماراتية، بل اتضح من خلال حركته تفضيله العمل مع الحكومة القطرية؛ ظهرت أسباب أخرى تدعو الإمارات وربما السعودية إلى محاولة صياغة توازن قوى جديد في علاقاتهم الدولية، تضمن على ما يبدو الاقتراب من روسيا والصين أكثر، والاستمرار في محاولة تحسين العلاقة مع طهران، بعد أن وجدوا أن انتظار بايدن لإعادة دفء العلاقات معهما قد يطول إلى الانتخابات الرئاسية الأميركية القادمة، وهو انتظار قلق لا يفضّله البلدان.

والآن، مع انفجار الحرب الروسية على أوكرانيا، ووضع العالم كله على حافة الهاوية خوفًا من حرب عالمية ثالثة تؤدي إلى حرب نووية، أو تؤدي، بحسب رؤية بعض المحللين، إلى إفراز نظام عالمي جديد مختلف عمّا ساد العالم منذ تسعينيات القرن الماضي، تعود بموجبه روسيا لتكون قطبًا عالميًا، أصبحت تشابكات وخيارات الدول حول هذه الأزمة شديدة التعقيد، وتصل أحيانًا إلى درجة التناقض، وهو ما قد يرفع السؤال الآتي: هل فعلًا صناع القرار متأكدون مما يفعلون؟

على ما يبدو أن العديد من الدول خارج الحلف الغربي تعلن رفضها للحرب من حيث الشكل، لكنّ هناك عددًا غير قليل من الدول يُبدي ميلًا إلى تفهّم “أسباب بوتين” لشنّ الحرب على أوكرانيا، وبعضها يصرّح بوضوح بأن المسؤولية والذنب يقعان على الغرب لا على روسيا، كما فعلت الصين، وكما أشارت الهند. ومع تزايد احتمالات استمرار الحرب فوق أوكرانيا لفترة طويلة، من المرجح أن تتضح الانحيازات الدولية ما بين روسيا وما بين الغرب أكثر مع مرور الوقت.

وإذا أضفنا إلى كل ما سبق الأنباءَ المتداولة، بخصوص رفض أو تحفظ الإمارات والسعودية على طلب الإدارة الأميركية زيادة الإنتاج النفطي[4] لتعويض النقص في السوق نتيجة العقوبات الاقتصادية الغربية على روسيا، فإن الصورة تزداد تعقيدًا وربّما تكون فوضوية.

ضمن هذه الظروف، تتخذ زيارة بشار الأسد للإمارات بعدًا أكبر من كونها فتح نافذة له للعودة إلى الجامعة العربية، والاعتراف به عربيًا كرئيس “شرعي” لسورية. بل تأخذ هذه الزيارة معنى المكافأة لموقفه من الحرب الروسية، الذي تجاوز الدعم السياسي والدبلوماسي إلى إرسال آلاف المقاتلين السوريين للقتال مع الجيش الروسي في أوكرانيا.

ويمكننا الحكم بأن الانزعاج الأميركي من زيارة بشار للإمارات يعود بشكل أكبر إلى الأزمة الروسية الأوكرانية، والتحفظ الإماراتي السعودي على زيادة إنتاج النفط، أكثر مما يعود إلى موقف إدارة بايدن من نظام الأسد. بالنسبة إلى الإمارات وروسيا، يشكّل نظام الأسد ممرًا خلفيًا مريحًا للعلاقات ما بين روسيا، وأيضًا إيران، وما بين دول الخليج العربي تحت وقع العقوبات الغربية.

صورة العلاقات الدولية حول سورية وأوكرانيا

ضمن هذه القراءة السريعة، نجد أن مواقف الدول حول سورية وأوكرانيا، أمام السياسة الروسية، تأخذ الجهة نفسها من الخندق، من حيث الدعم أو العداء والطيف ما بين الحدين.

وأكثر الانزياحات وضوحًا، في مواقف الدول تجاه روسيا، تظهر في منطقة الشرق الأوسط عند الإمارات العربية المتحدة والسعودية (الشكل 1)، إضافة إلى موقف الهند والبرازيل.

لا يمكن الادعاء أنّ هذه التغيرات بالعلاقات السياسية تعود فقط للحرب الروسية على أوكرانيا، بل تعود بداياتها إلى مرحلة تولّي دونالد ترامب لرئاسة البيت الأبيض، والذي بدأ في ضرب كثير من الاستراتيجيات الأميركية الكبرى.

(الشكل 1) تمثيل لوني لمواقف حكومات بعض الدول من السياسة الروسية عمومًا، وخاصة في سورية وفي أوكرانيا.

هل هو نظام عالمي جديد؟

كانت الحرب والصراع فوق سورية بين هذا العدد من الدول أوضح وأوّل أشكال الحرب المتحكّم فيها عن بعد Proxy War؛ وأول نتائج انهيار منظومة النيوليبرالية الاقتصادية العالمية والأزمة المالية العالمية 2008-2009. فكان تدخّل إيران وروسيا ودول الخليج العربي وتركيا، إضافة إلى تدخل روسيا والصين والولايات المتحدة الأميركية وأوروبا وإسرائيل، تدخلًا فاق بحجمه حجم سورية وما تملكه تحت وفوق الأرض والبحر، على مقياس مصالح ومطامع الدول، التي اعتدنا أن تدور حول الثروات الطبيعية أو الحجم أو التورط بنزاعات كبرى. لقد كانت هذه الحرب وما زالت حربًا فوق سورية، وليست على سورية[5].

كذلك حال الصراع فوق أوكرانيا حاليا بين روسيا بقيادة بوتين وبين الغرب بقيادة بايدن الرئيس الأميركي. هي حرب تتجاوز أوكرانيا كدولة وتتجاوز ما يُشاع حول التخوف الروسي من انضمامها لحلف الناتو.

لكن الحرب الأوكرانية وضعت العالم أمام ضرورة اختيار طرف والاصطفاف معه ضد الطرف الآخر، وكما يبدو هي أحد أهداف بوتين؛ فحجم الصدام العسكري في سورية بين القوات الروسية العسكرية مع الآخرين أقلّ بكثير من الصدام المباشر في أوكرانيا؛ كذلك موقع سورية أبعد جغرافيًا عن أوروبا.

تعارض العديد من الدول الانزياحَ للحد الأقصى في الوقوف مع أو ضد أحد الأطراف في أوكرانيا، لكن تطورات المواجهة ربما تزيد من الضغوط لاختيار أحد الطرفين روسيا والغرب. وهنا سيظهر السؤال: إلى أي حد يمكن للدول الكبيرة نسبيًا أن تنزاح بمواقفها؟

هنا، يظهر ضعف رهان بوتين على خلق استقطاب عالمي قاسي يجبر من لديه مشكلات مع الغرب عمومًا ومع الولايات المتحدة الأميركية خصوصًا، على الانزياح إلى موقف مناوئ للغرب. فالصين -بالرغم من أنها تسير في خط دعم غير مباشر لروسيا- تمارس هذا الدعم، من باب ابتزاز الغرب أولًا سياسيًا، ومن باب الاستفادة من أن ترسيخ موقعها أمام روسيا كصاحب اليد الأعلى وليس شريك الند للند. القراءة نفسها تنطبق على موقف الهند أيضًا، وهي الدولة التي تزداد أهمية ويثقل موقفها السياسي تبعًا لحجم اقتصادها المتنامي. أضف إلى ذلك أن علاقات الهند والصين ليست جيدة، بل تميل إلى تكون متوترة بشكل مستمر، فمواقفهما السياسية أيضًا مرتبطة بضرورة عدم ترك ساحة الغرب أو روسيا خالية للجار اللدود.

لا يبدو أنّ سعي بوتين لإقامة “نظام” عالمي جديد، تكون به روسيا قطبًا مقابلًا للغرب بقيادة الولايات المتحدة الأميركية أو الصين، يملك مقومات النجاح؛ لإن روسيا لا تملك من مقومات القطب العالمي سوى قوتها العسكرية، والقوة العسكرية، على أهميتها، لا تضمن للدولة أن تصبح قطبًا عالميًا. فالعامل الأهم هو القوة الاقتصادية ثم السياسية ثم تأتي القوة العسكرية.

من ناحية ثانية، سياسة الصين، كقطب عالمي اقتصادي، يفتقر إلى القوة العسكرية اللازمة للقطبية العالمية، لا تنسجم بعمق مع السياسة الروسية. فعلى الرغم من مرور ثلاثة عقود على تحسّن العلاقات الروسية الصينية، فإن الثقة بين الطرفين لا ترقى لتأسيس تحالف استراتيجي يستطيع مواجهة التحالف الغربي؛ فضلًا عن أن قوة الصين الاقتصادية مرتبطة بشكل جوهري بالقوة الاقتصادية الغربية، وضمن هذه الساحة لن تجد الصين في روسيا أي تعويض اقتصادي يوازي الساحة الغربية.

إلى أين تسير المنطقة وخطوط الرجعة؟

السؤال هنا: هل أبقت الإمارات العربية المتحدة خط الرجعة مفتوحًا، بعد استقبالها بشار الأسد وتقاربها مع روسيا سياسيا ونفطيًا؟

لا تميل السياسة الغربية والأميركية عمومًا إلى الانقلابات المفاجئة في علاقاتها، فضلًا عن أهمية دول الخليج العربي التي لم تتراجع في الرؤية الأميركية الاستراتيجية. لكن مع تصعيد الإمارات للأزمة مع الغرب بهذا الشكل في الأمم المتحدة، ثم في سوق النفط بالتشارك مع السعودية، والآن في تعقيد خرائط الفرز السياسي بين الدول حول الازمة الأوكرانية سيجعل المستقبل غامضًا لحد كبير، بالنسبة إلى الخليج العربي.

فحتى إيران برئاسة “رئيسي”، وهو السياسي الإيراني المُعرَّف على أنه من الجناح المتشدد داخل إيران، لم تبرز هذه الدعم للحرب الروسية، مع أن النظام الإيراني لا يمكن أن يتخلّى عن علاقاته الممتازة مع الكرملين ومع الحكومة الصينية، مهما قدّم الغرب من مغريات في الملف النووي الإيراني.

والسؤال هنا: هل تملك روسيا قوةً تضمن استقرار الخليج العربي، الذي شهد أكبر حربَين خلال العقود الثلاثة الماضية، وإنْ حاولت الإمارات العربية المتحدة فتح قنوات أكثر مرونة مع إيران؟

من الواضح لأي صانع قرار سياسي، ضمن هذه التعقيدات والتشابكات الدولية، أنه ليس من الحكمة لأيّ من الدول خارج خندقي المواجهة في أوكرانيا، روسيا والغرب، أن ينزاح بموقفه إلى مصلحة أحد الطرفين انزياحًا كاملًا، والأكثر وضوحًا أن الانزياح الأقرب لسياسة الكرملين يشكّل مقامرة غير مضمونة النتائج.

الانعكاسات على الحالة السورية

كما ذكرتُ سابقًا، من المفهوم أن يقفز بشار الأسد بسرعة في مركب سياسة الكرملين. لكن ربما يكون من الصعب فهم الموقف الإماراتي، الذي يتجاوز مجرد زيارة دبلوماسية عادية، ويتجاوز أيضًا أسلوب فتح الأقنية الخلفية بالعلاقات مع الدول الأخرى.

في كل الأحوال، هذه الزيارة -مع أهميتها الإعلامية ومحتوى الرسائل السياسية التي أرسلتها في المنطقة وإلى دول العالم- لن تغيّر كثيرًا في ميزان القوى حول سورية. وبالواقع، الأمر الأكثر حسمًا وتأثيرًا في مستقبل ما قد يحصل بسورية بات يرتبط إلى حد بعيد بنتائج غزو أوكرانيا وما قد يتمخض عنه.

ليس من الواضح إلى الآن نتيجة الحرب الروسية على أوكرانيا كيف ستكون، حتى بوتين وبايدن لا يعرفون النتائج بشكل شبه مؤكد. لكن السائد سياسيًا هو أن الغرب لا يريد إلحاق هزيمة مخجلة ببوتين، وفي الوقت نفسه، لن يقبل أن يحقق انتصارًا كبيرًا في أوروبا الشرقية[6].

في كلّ السيناريوهات، من المؤكد أن بوتين لن يتردد في استخدام أوراقه في سورية، للضغط على الغرب، أو على تركيا إن اضطر، في حال واجهته مصاعب خارج التوقعات. وفي حال حقّق بعض الانتصار، لن يتردد بعكسه على الموضوع السوري لتحقيق ما فشل به خلال سبع سنوات من التدخل المباشر في سورية. وإلى الآن، الأمر ليس واضحًا هل سيستخدم الغرب وبخاصة الإدارة الأميركية سورية لزيادة الضغط على بوتين في أوكرانيا أم لا! وما مدى المناورة التي يمكن أن يلجؤوا إليها في سورية، خصوصًا أنّ عيون بايدن مركزة أيضًا على مفاوضات الملف النووي الإيراني، واعتبار الوجود الإيراني ضرورة أخرى على مكتب بايدن.

الأسئلة كثيرة ومعقدة، ويصعب التكهن بالنتائج، خاصة مع وجود حالة عجز كاملة في صفوف مؤسسات وهيئات المعارضة السورية على أخذ المبادرة والتقدّم للاستفادة من هذه الظروف السياسية، لمصلحة تحقيق أكبر قدر من الأرباح، بدلًا من استمرار انتظار نتائج الصراعات الدولية فوق سورية وفي العالم. بشار الأسد اختار سلّته، وقرر القفز في حقيبة بوتين، لكن المعارضة السورية ما زالت تترقب أو ربما لا ترى أهمية ما يحدث.

[1] وكالة سانا – “الرئيس الأسد يلتقي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبو ظبي” – 18/03/2022

الرئيس الأسد يلتقي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبو ظبي

[2] الجزيرة – “صوتت ضدّ روسيا بعد أن امتنعت مرتين.. لماذا تغير موقف الإمارات من الحرب في أوكرانيا؟” – 02/03/2022

https://www.aljazeera.net/news/politics/2022/3/3/%D8%B5%D9%88%D8%AA%D8%AA-%D8%B6%D8%AF-%D8%B1%D9%88%D8%B3%D9%8A%D8%A7-%D8%A8%D8%B9%D8%AF-%D8%A3%D9%86-%D8%A7%D9%85%D8%AA%D9%86%D8%B9%D8%AA-%D9%85%D8%B1%D8%AA%D9%8A%D9%86

[3] علاء الخطيب – “ترامب بين كوريا الشمالية وإيران والخيار النووي” – 31/07/2019

https://www.infosalam.com/geopolitics/studies/trump-iran-nkorea-nuc

[4] الغارديان – “White House faces oil standoff with Saudi Arabia and UAE as prices soar” – 13/03/2022

https://www.theguardian.com/us-news/2022/mar/13/white-house-us-joe-biden-oil-output-prices-saudi-arabia-uae

[5] علاء الخطيب – “الصراع الدولي والأزمة السورية: الأسباب والنهايات”- 01/09/2018

https://www.infosalam.com/syria/syria-studies/international-struggle-syria

[6] علاء الخطيب – ” القيصرية الروسية هل تعود للتمدد؟ طبول الحرب على حدود أوكرانيا”- 16/01/2022

طباعة  

مركز حرمون

————————–

في ترويج الأوهام عن نظام الأسد!/ فايز سارة

يحلو لبعض متابعي القضية السورية والمهتمين بها، الإشادة بأي خطوة تقارب تتم من قبل أطراف عربية ودولية حيال نظام الأسد، والتنظير لها، انطلاقاً من فكرة أنها سوف تؤدي إلى تغييرات في سياسات النظام وعلاقاته، ومنها الانفكاك عن إيران، وإخراج النظام من أزمته العميقة، وحل مشكلاته الأساسية، أو أنها على الأقل سوف تضع مشكلاته على سكة، ويقترب شيئاً فشيئاً من إعادة تطبيع أوضاعه في المستويين الداخلي والخارجي، والحد من أزماته المتواصلة والمتصاعدة منذ الانفجار السوري عام 2011، وبعضها حاضر قبل ذلك بكثير.

المروّجون للفكرة لا ينتمون فقط إلى مطبخ نظام الأسد، ولا إلى اللاعبين في مطابخ حلفائه من الإيرانيين والروس الذين لا شك في أنهم يحلمون بمثل تلك النهايات السعيدة في حلحلة مشكلات نظام الأسد، وبالتالي انطلاق قطار استثماراتهم ونهبهم لما تبقى من موارد سورية لم تدمرها الحرب، ولم يتم نهبها بعد بسبب صعوبات مختلفة.

ويتجاوز الترويج للفكرة السابقين وصولاً إلى آخرين، أبرزهم المرتبطون بشركات العلاقات العامة والدعاية التي وظف نظام الأسد بعضها في خدمته منذ عام 2011، وقد وزعت جهودها على مختلف المنابر الإعلامية ومركز البحوث والدراسات؛ بل إنها تسللت إلى مؤسسات دولية، واخترقت في بعض الأحيان دهاليز وأقنية الأنشطة الدبلوماسية للدفاع عن الأسد ونظامه، والهجوم على خصومه في الداخل السوري، أو في المحيطين الإقليمي والدولي.

وباستثناء ما تقدم من مروّجي الفكرة، فإن آخرين يستندون في موقفهم إلى مواقف وقناعات آيديولوجية وسياسية، أثبت الزمان بؤسها، أو أنها صارت في عالم الغيب وغير واقعية. ومثلها علاقات وتقديرات ومعلومات يبررون بها موقفهم، وبعضهم لا يكلف نفسه عناء التدقيق في مستندات موقفه، والبعض يداعب فكرة أن أي تحريك في الملف السوري يمكن أن يفتح ثقباً في الانسداد الصلب الذي صارت إليه الحالة السورية.

لقد كرر مروجو أفكار إخراج الأسد ونظامه عن سياساته ومواقفه، والسعي إلى حل مشكلاته، هذه الأفكار مرات عديدة في الأشهر القليلة الماضية، ظهرت منها ثلاث، قيل فيها وحولها الكثير؛ أولها فكرة إعادة النظام إلى الجامعة العربية، من بوابة مشاركته في القمة العربية المزمع عقدها في الجزائر، والثانية فكرة تسويق سياسات الأسد في تسوية القضية السورية عبر بوابة محادثات اللجنة الدستورية؛ حيث اقترح المبعوث الدولي غير بيدرسن اتباع سياسة «خطوة بخطوة» بين الأطراف السورية، من خلال «تحديد خطوات تدريجية ومتبادلة وواقعية محددة بدقة، وقابلة للتحقق، لتطبّق بالتوازي بين الأطراف المعنية، وصولاً إلى القرار الدولي 2254»، والثالثة إطلاق فكرة تطبيع العلاقات مع البلدان العربية عبر العلاقات الثنائية، التي دخلت حيزاً عملياً عبر زيارة الأسد إلى دولة الإمارات العربية مؤخراً. وقد عجزت المبادرات الثلاث في تحقيق المعلن من أهدافها، نتيجة عوامل وأسباب معروفة ومفهومة، يتضمن محتواها الأول عجز الأسد ونظامه عن إطلاق سياسات، والقيام بخطوات عملية تعيد الأوضاع في سوريا إلى طبيعتها، في وقف الحرب والسير نحو تسوية وإعادة بناء ما تم تدميره؛ بل العجز عن توفير الاحتياجات الأساسية من خبز ومحروقات ودواء للسكان في مناطق سيطرة النظام، رغم كل المساعدات الإيرانية والروسية. والمحتوى الثاني يجسده ارتباط الأسد ونظامه بعلاقات لا يمكن تجاوزها والانفكاك منها مع إيران وروسيا، وعدم توفر إرادة إقليمية ودولية للمساهمة الجدية في حل للقضية السورية؛ بل عدم توفر رغبة لفتح طريق بهذا الاتجاه، وإظهار اعتراضات ذات أهمية ووزن ضد توجهات التطبيع مع نظام الأسد، ومعارضة تمويل عملية إعادة بناء سوريا، ما دام رافضاً للمضي نحو التسوية.

وإذا كانت ظروف النظام وما يحيط به من بيئة إقليمية ودولية، يمنعان على وجه عام المشاركة الدولية في تقدمات ذات قيمة للنظام، فإن ذلك لا يستند فقط إلى عدم جدوى تلك التقدمات في تغيير سياسات النظام وسلوكياته؛ بل أيضاً استناداً إلى حقيقة أن الأطراف جميعها تبحث عن مصالحها، وما يعود عليها من منافع نتيجة تطبيع علاقاتها مع النظام.

وفي الخلاصة، فإن مساعي بعض الدول لدى دول وأطراف لا تمانع أو تشجع تطبيع علاقاتها مع نظام الأسد لن تكون ذات أهمية، وليس لدى أي منها موارد وأموال كثيرة، يمكن أن تهدرها؛ وخصوصاً في ضوء التطورات السلبية التي شهدها العالم في العامين الأخيرين، ومنها ما خلفته المعركة مع فيروس «كورونا»، وانفجار الحرب في أوكرانيا، وقد تسبب كلاهما في خسارات كبيرة؛ لا سيما في المجال الاقتصادي.

إن التطبيع مع نظام الأسد يفرض على القائمين به تحمل عبء سياسي- اقتصادي؛ بل وأخلاقي. وإذا اعتبرنا الأخير قد لا يحظى بأهمية كبرى في عالم السياسة، فإنه لا يمكن تجاوز الجانبين السياسي والاقتصادي في واقع نظام الأسد ومساره، في الأحد عشر عاماً الماضية؛ حيث غرق النظام في مسار جرائم من عيار ثقيل، لا يمكن التخلص منها ولا نكرانها. وباستثناء ما خلفه من تدمير للمجتمع والدولة في بناهما الإنسانية والاقتصادية والسياسية التي تتطلب أموالاً تتجاوز ثمانمائة مليار دولار، فإنه سلَّم البلاد لقوى احتلال، وجعلها صاحبة القول في قراراته وسياساته، وهذا سبب إضافي لامتناع الدول عن المشاركة في إعادة بناء بلد تحكمه سلطة فاشلة، وتسيطر عليه دول تمثل تحدياً للإرادة الدولية، وتشارك وتدير صراعات مسلحة في الشرق الأوسط وفي وسط القارة الأوروبية.

وسط الوقائع والمعطيات التي تكشف زيف أوهام التطبيع والتعايش مع الأسد ونظامه، والعجز عن إعادة تأهيله للاندماج في المستويين العربي والدولي، لا يبدو أمام المجتمع الدولي سوى العمل على وقف المراهنات على تحولات الأسد ونظامه، والذهاب إلى ما رسمته الإرادة الدولية من مسار لمعالجة القضية السورية، بالتوجه إلى حل سياسي يقوم على القرار 2254 الذي سيبدل بنية النظام وسياساته، وإجبار النظام على تنفيذه، مما يضع حداً لمعاناة السوريين، ويستعيد سوريا إلى محيطها الإقليمي والدولي، ويساعد المجتمع الدولي على تجاوز ما خلفته سياسات الأسد وحلفائه من تداعيات.

الشرق الأوسط

—————————–

زيارة الأسد إلى الإمارات: رغبات كثيرة وحصيلة ضئيلة/ فؤاد إيليا*

إنها الفوضى التي عمت النظام الدولي، الذي اختل توازنه بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، وعدم قدرة الولايات المتحدة على ضبط الأمور، كونها أصبحت القطب الوحيد في العالم، وذلك بسبب الانقسام الداخلي فيها. خاصة بعد أن انقلب سحر القاعدة التي استخدمها عليها، فقامت بتفجير برجي التجارة في نيويورك. 

لم يستفد بوش الابن من إرسال عسكره إلى العراق وإسقاط نظام صدام حسين، بسبب ارتكابات النظام الأمريكي أخطاء قاتلة في إعادة تشكيل العراق. ولم يستفد أوباما من تطلع العالم إلى الدور الأمريكي الذي كان يجب أن يساعد على نقل الديموقراطية إلى النظم الشمولية، التي عاشت فترة طويلة برعاية الاتحاد السوفيتي. وعندما انطلقت حناجر الشباب التواق إلى الحرية، لم ير من يأخذ يده إلى بر الأمان، بغض النظر عن القوى الإسلامية التي سارعت إلى امتطاء ظهر الثورات في دول “الربيع العربي”، ما أدى إلى انحرافات تلك الانتفاضات والثورات عن مسارها الصحيح، بدءا من مصر، وتونس، واليمن، وليبيا، وسوريا، لأن النظام الأمريكي سلم الدول الإقليمية زمام الأمور والتهى هو في تنفيذ رغبته في التوصل إلى الاتفاق النووي مع إيران، معتبرا ذلك الجائزة الكبرى. 

قتل القذافي، ولم يرحل النظام الليبي، تفجرت خلافات عميقة بين الليبيين الذين تشرذموا وفق أجندات غير وطنية.

 رحل علي عبد الله صالح، ولم يرحل النظام اليمني، تحول اليمنيون إلى الاقتتال الداخلي، وفقا لمصالح دول إقليمية، إيران والسعودية..

 سجن حسني مبارك، ولم يرحل النظام، بل صعد المد الإخوان الأصولي ليعيد مصر إلى الوراء، مما استدعى عودة العسكر ثانية إلى سدة الحكم.

سارت الأمور في تونس نحو المؤسسات الديموقراطية، ليتبين فيما بعد أن هناك من هو كامن في إحدى مفارق الطرق، ليبعد تونس عن التوجه إلى الديموقراطية.

عزلت سوريا وضعف النظام الذي كان قاب قوسين من الرحيل، لولا قبوله بأن يبقى ألعوبة بيد الخارج.. إيران وروسيا. وهو يحاول إيهام نفسه والآخرين بأنه انتصر، في الوقت الذي يعرف الجميع أنه غير قادر أن يدير شؤون البلد. فهناك 14 مليون إنسان بحاجة إلى المساعدة، وأكثر من ثلثي السكان يعيشون حالة الفقر المدقع، وأن الأسرة السورية الواحدة تحتاج من 450 إلى 500 ألف ليرة لتغطية أساسيات احتياجاتها، وذلك حسب ما يقول عمران رضا منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية والمقيم في دمشق. وأن الخسائر الكارثية للاقتصاد السوري قدرت بحوالي 530 مليار دولار. أي ما يعادل عشرة أضعاف الناتج المحلي قبل بدء الحرب، فعن أي انتصار يتم الحديث؟!

  في هذه الظروف، تأتي زيارة رأس النظام السوري إلى دولة الإمارات، لتطرح الكثير من التساؤلات وتفتح المجال للكثير من الاستنتاجات، هل أراد الاطمئنان على وضعه مع شركائه التجاريين؟! فالإمارات هي أهم الشركاء التجاريين لسوريا، وهي الأولى عربيا، والثالثة عالميا، وتستحوذ على 14% من حجم تجارة سوريا الخارجية. وقد بلغ حجم التبادل غير النفطي 272 مليون دولار خلال النصف الأول لعام 2021.

 أم أنه أراد الاطمئنان على الموقف الروسي تجاه سوريا، نتيجة التورط الروسي في حرب أوكرانيا، إذ جاءت هذه الزيارة بعد يوم واحد من لقاء وزير خارجية الإمارات نظيره الروسي؟

 أم أنه قام بنقل رسائل إيرانية إلى الإمارات، نتيجة قرب توقيع الاتفاق النووي؟

 أم أنه تدارس مع الإمارات وضعه الذي اهتز لدى الإسرائيليين، وذلك بعد التقارب الكبير بين إسرائيل والإمارات، علها أي الإمارات، تتوسط له عند الإسرائييلن؟

 أم حاول أن يقنع الإمارات بالعمل على استعادة كرسي سوريا في الجامعة العربية، بعد أن فشلت المساعي في المرة السابقة بإعادته اليها؟

كل هذه التساؤلات والاستنتاجات برأيي مشروعة، لكنني أتصور أنها سوف تصطدم بالموقف الأميركي، وفق ما جاء على لسان المستشار نيد برايس، الذي قال: نحن قلقون من الزيارة ومن الرسالة التي قد تفهم من ورائها، ولن نقوم بتطبيع علاقتنا مع السوري، ولا ندعم تطبيع علاقات الدول الأخرى معه.

سيبقى النظام يعيش وهم الانتصار ووهم العودة إلى الجامعة العربي، إلى أن ينكشف ضباب الحرب الروسية – الأوكرانية التي ستحدد معالم واقع جديد في العلاقات الدولية في العالم، فما بعد حرب أوكرانيا سيكون مختلف عما قبلها، كما أن الولايات المتحدة الامريكية أيضا ستعيد النظر في علاقاتها مع حلفائها، الذين يحاولون في ظروف الفوضى الحالية ابتزازها بدلا من الوقوف إلى جانبها، انطلاقا من الفكرة التي تعلموها وهي البحث عن مصالحهم.

*كاتب سياسي سوري

———————

بشار الأسد في ابو ظبي ماهي الرسالة؟/ فراس علاوي

لم يكن مفاجئاً للكثيرين ظهور بشار الأسد في العاصمة الإماراتية خاصة لمتابعي التطورات الإقليمية، فلم تمض أسابيع على زيارة وزير خارجية الإمارات لدمشق والتي حمل خلالها تصوراً لإعادة نظام الأسد للجامعة العربية ، الإمارات التي تقود محاولة إعادة نظام الأسد للجامعة العربية وبمساندة من الأردن والجزائر، والتي واجهت رفضاً من السعودية وقطر بشكل واضح ومن مصر وبعض البلدان العربية الأخرى بصورة أقل، وجدت الظرف مواتياً لإعادة بحث الشروط المطلوبة من نظام الأسد للعودة للجامعة العربية وإن كان في حدها الأدنى، ففي ظل استعصاء التوصل لرؤية عربية مشتركة من عودة النظام وتحت ذريعة محاولة استعادة النظام من الحضن الإيراني في محاولة للاستفادة من الدرس العراقي كما يروج البعض، يحاول مروجو هذه الفكرة تقريب وجهات النظر بين النظام من جهة ومعارضي عودته من جهة أخرى.

الإمارات والدول الداعمة لمبادرة استعادة النظام السوري، تحاول استغلال المتغيرات الدولية المترافقة مع الحرب الاوكرانية والانشغال الغربي بها، وحاجة

الأمريكان والأوربيين للطاقة من أجل الضغط لتحقيق نوع من التحالف الذي تلعب فيه بالإضافة لمصر دوراً بارزاً.

زيارة بشار الأسد التي استمرت لساعتين وكانت عبر الطيران الاماراتي، ولم تحمل أي صفة بروتكولية أو رسمية فهي ليست زيارة دولة ولا زيارة لتوقيع اتفاقيات، إنما يبدو من خلالها أن بشار الأسد قد تلقى شروطاً جديدة أو أعطى أجوبة للشروط التي طلب منه الاجابة عليها، والتي حملها وزير خارجية الامارات قبل أسابيع إلى دمشق.

بذات الوقت يبدو بأن الولايات المتحدة لم تكن بصورة مايجري وهو مايفسر رد فعلها غير المبالي والذي جاء على لسان الخارجية الأمريكية كنوع من تثبيت الموقف الأمريكي لا أكثر ، كذلك تم إخبار موسكو من خلال الزيارة المتزامنة مع زيارة بشار الأسد، والتي قام بها وزير خارجية الإمارات لموسكو.

ماتلى زيارة بشار الأسد لأبو ظبي يبدو أكثر أهمية من الزيارة نفسها وقد تُحدد مستقبلاً مستقبل النظام برمته.

الاجتماع الثلاثي في شرم الشيخ والذي جمع كلاً من محمد بن زايد ولي عهد الإمارات والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونفتالي بينيت رئيس الوزراء الإسرائيلي، يعطي صورة واضحة لمايدور في مطابخ السياسة من محاولة تشكيل محور عربي من الدول المطبعة مع إسرائيل بمشاركة إسرائيلية، وذلك من أجل الوقوف بوجه أو منافسة المشروع الإيراني في المنطقة، هذا المحور يبدو في بداياته وهناك تخوف وحذر كبير من عدم اكتماله، خاصة من الموقف السعودي الذي يبدو حتى اللحظة بعيداً عنه.

الناتو العربي كما اصطلح على تسميته في حال تم تشكيله فإنه سيكون موجوداً في ثلاث ساحات صراع رئيسية هي اليمن سوريا والعراق ويعتبر لبنان ساحة ملحقة بالملف السوري.

هذا التحرك استدعى تحرك مشابه من إيران التي زار وزير خارجيتها عبد اللهيان موسكو لاستكشاف تأثيرات الحرب الاوكرانية من جهة، ولمعرفة نوايا موسكو في سوريا وهل لديها خطط للتصعيد أم لتجميد نشاطها في ظل التوحد الغربي ضدها والعقوبات المفروضة عليها من جهة أخرى.

بعد عودته من موسكو وزيارته لدمشق وبيروت يبدو أن عبد اللهيان يحاول بث الروح بحلف مايسمى المقاومة من جديد، عبر رسائل حملها لحلفائه في دمشق وبيروت ومن ثم بغداد.

نستنتج من هذا الحراك الدبلوماسي أن هناك سباق محموم بين الأطراف جميعها لملئ الفراغ الذي قد تتركه موسكو في حال انسحابها من سوريا أو على الأقل تراجع نفوذها.

الأجوبة عما يجري من حراك دبلوماسي ستكون خلال الأيام القادمة من خلال الخيارات التي سيتخذها النظام السوري والتي ستفسرها تحركاته الدبلوماسية

ففي حال ذهب النظام في زيارات متوقعة للقاهرة وعمان وربما الجزائر فهذا يعني قبوله بما طرح عليه،

الأمر الذي لاتستطيع طهران رفضه لكنها ستضع شروطها لعودته للجامعة العربية، مما قد ينعكس على بنية النظام في حال تراجع التيار المؤيد لروسيا في النظام، والذي ولابد سيبحث عن داعمين آخرين قد تكون الإمارات أحدها الأمر الذي قد يفسر حاجة النظام لدعم مالي مباشر منها لتعويض الدعم الروسي الذي يبدو انه في تراجع واضح، إضافة لمصر والسعودية في حال تم التوافق على عودته للجامعة العربية.

الأمر الذي سيتسبب بانقسام داخل بنية النظام قد ينعكس على ديمومته بهذا الشكل، وبالتالي انزياح التوازن داخله باتجاه معين ستحدد نتيجته وجود بشار الأسد داخل أي محور منها.

—————————–

تواصلت مع جهات ورموز سياسية.. المخابرات السورية تتوغل في لبنان من جديد بدعم إماراتي/ مصطفى الزواتي

كشفت مصادر خاصة لـ”عربي بوست” عن عودة نشاط المخابرات السورية في لبنان، وذلك في ظل وجود توجهات من دمشق بدعم إماراتي لإعادة الدور السوري في لبنان من جديد، بهدف التخفيف من السطوة الإيرانية على لبنان ومحاولة سحب البساط من تحت إيران وحزب الله.

وتؤكدّ تلك المصادر أن المخابرات السورية تواصلت مع العديد من القيادات السياسية اللبنانية، مشيرةً إلى أنّ هناك توجهات لإعادة تفعيل الدور السوري في لبنان بدعم إماراتي. يأتي ذلك بالتزامن مع الزيارة التي قام بها الرئيس السوري بشار الأسد إلى الإمارات قبل عدة أيام.

وتشير المصادر إلى أن التحالف الإماراتي-السوري بدأت إرهاصاته تظهر بعد تلك الزيارة، إذ يسعى النظام السوري إلى إعادة شرعيته في الجامعة العربية والاقتراب من الحاضنة العربية، والبحث عن دور أكبر في المنطقة، وخاصة في لبنان، حيث ترغب في ملء الفراغ السياسي الذي تركته الرياض.

توغُّل المخابرات السورية في شمال لبنان

وفي هذا السياق، كشف الكاتب والمحلل السياسي اللبناني أمين بشير أنّ هناك معلومات عن توغل جديد لعناصر المخابرات السورية لاسيما في شمال لبنان وطرابلس وعكار، وذلك بسبب التلاصق الجغرافي لتلك المناطق.

وأشار إلى أنّ هناك تاريخاً سابقاً للنظام السوري الذي يعرف جيداً هذه المناطق وأمضى في لبنان ثلاثين عاماً ولديه أصدقاء وعملاء عاشوا معه ودجّنوا على أيديه، وبالتالي فإنّ إعادة عودته ودخوله تأتي عبر خروقات لجهات وشخصيات سياسية، وهذا لا يعدّ أمراً صعباً على النظام السوري.

وكشفت مصادر لبنانية مطلعة لـ”عربي بوست” أنّ المخابرات السورية تقوم بالتواصل مع جهات ورموز سياسية، وتتحرك حيال ذلك في اتجاهين: الأول يتمثل في أوساط العلويين في طرابلس والنافذين فيها، والثاني هم الطائفة السنية هناك، وكلا الطرفين يجمعهم تعاملات مالية واقتصادية سواء التجارة والتهريب بين البلدين.

مصدر خاص من داخل حزب الله أكدّ لـ “عربي بوست” أنّ المخابرات السورية تواصلت مع عدة شخصيات لبنانية وعلى رأسهم رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني طلال أرسلان وهو أحد أهم الزعامات الدرزية في لبنان، الذي يتناغم كثيراً مع النظام السوري أكثر من الإيراني.

وذكر المصدر أنّ أرسلان يعدّ إحدى الأذرع الإعلامية المروجة للإمارات في لبنان، والذي يأتي بتنسيق وموافقة من المخابرات السورية.

وكشف المصدر ذاته أنّ معظم الشخصيات السياسية اللبنانية التي تدور بفلك النظام السوري في لبنان خففت من لهجتها مؤخراً تجاه الإمارات والخليج، ومنهم أيضاً رئيس حزب التوحيد العربي وئام وهاب الذي يتمتع بعلاقة جيدة مع الإمارات، فهي من الشخصيات القريبة من النظام السوري لكنّه يتجنب نقد الإمارات والخليج.

ومن هنا يؤكدّ المصدر أنّ الإمارات فتحت أبواب الدعم السياسي والمالي لمثل هذه الشخصيات السياسية عبر ضوء أخضر من المخابرات السورية، ومنهم المحلل السياسي نضال السبع وهو أحد المحسوبين على النظام السوري، وكثيراً ما يظهر على القنوات الإعلامية التابعة للإمارات للترويج لسياساتها والدفاع والتماهي معاً، وهو أحد الشخصيات القريبة من النظام السوري ولعب دوراً في الأزمة السورية التي اندلعت عام 2011 من خلال صياغة ورقة الحل السياسي التي عرفت بالنقاط الثماني والتي اعتُمدت من قِبَل المجتمع الدولي وكانت أساس مؤتمر جنيف 2 للسلام في سوريا.

نسخة سُنية عن إيران

وأضاف بشير لـ “عربي بوست” أن النظام السوري يعد بمثابة النسخة والوجه الآخر من النظام الإيراني الممثل بحزب الله في لبنان، وهو يسعى للعودة إلى لبنان اليوم تحديداً لأن حزب الله بطبيعته المذهبية لا يستطيع الدخول إلى مناطق  شمال لبنان السنية، فكان لابدّ من الدفع بالنظام السوري لكي يقوم بهذه المهمة فتكون المناطق المحررة من هيمنة “حزب الله” ومن الهيمنة الإيرانية في لبنان واقعة بين فكَّي الكماشة الإيرانية عبر طرفين يدينان بالولاء لطهران.

وبحسب البشير، فهناك عملية سياسية بدأت كترجمة للانفتاح العربي على النظام السوري وبالتزامن مع قرب انتهاء المفاوضات الإيرانية-الأمريكية، وقرب التوصل لاتفاق نووي جديد.

لكنّ بشير يرى أنّ النوايا الخليجية في استعادة سوريا للحضن العربي لا يجب أن يجعل من لبنان جائزة ترضية، مؤكداً أن التحركات السورية في لبنان هي استدارة ولفتة من الجانب الإيراني ومحاولة للانفتاح على الجانب العربي بعد أن رأوا أنّ الخليج يقف على الحياد في الأزمة الروسية-الأوكرانية، ويقفون في دائرة الوسط بين الأمريكيين والروس والصينيين.

من هنا أرادت طهران استغلال الوضع بهدف الحصول على مكتسبات تدخلاته العسكرية في المنطقة عبر أذرعه ليقوم بترجمتها في السياسة ولينال مكاسب سياسية. ويعدّ لبنان جزءاً مهماً منها، فهو الذي سيقدم للإيرانيين عبر وسيطه الأقرب والأسهل متمثلاً في النظام السوري القدرة على التوغل أكثر في لبنان.

ويتمتع النظام السوري بخبرته التاريخية في البلاد وعلاقاته التي نسجها منذ أكثر من ثلاثين عاماً مع أصدقاء له بالداخل اللبناني، مؤكداً أنّ المستقبل القريب سيشهد تحركات أكثر حسب ما تسفر عنه نتائج المفاوضات التي تدور بين الجانب الإيراني-الأمريكي والجانب الآخر الخليجي-الإيراني، التي ستؤثر بدورها على الواقع السياسي اللبناني وترتد عليه.

دمشق تستمر في المراقبة

وفقاً لموقع Intelligence Online الاستخباراتي الفرنسي، يراقب مملوك عن كثب المرشحين اللبنانيين الموالين لسوريا ويراقب المعارك الدائرة لاختيارهم، ويراقب بصفة خاصة الدائرة الانتخابية بعلبك الهرمل. لم يعد العضو البرلماني الحالي جميل السيد -الرئيس السابق للمديرية العامة للأمن العام التي يرأسها الآن عباس إبراهيم– مؤيداً لمملوك أو علي عبد الكريم علي، السفير السوري في لبنان.

وكان السيد قد سافر إلى دمشق لمقابلة رؤساء الأمن التابعين لوزير الداخلية السوري محمد الرحمون. في حين لا يزال المرشحان علي حجازي وعاصم قانصوه، اللذان اشتهرا بقربهما من دمشق وحزب الله، في انتظار الحصول على موافقة جهاز المخابرات السوري.

كذلك حدد مملوك مجموعة من الممثلين في منطقة عكار الشمالية لمقابلة مسؤول حزب البعث الموالي لسوريا، شحادة العلي، وغيره من زعماء عكار. ويود النظام السوري أن يرى وليد البعريني، عضو سني في حزب تيار المستقبل المعروف بولائة للنظام السوري، يفوز في دائرته الانتخابية.

تناغم سوري-إماراتي في لبنان

قال القيادي في حزب البعث السوري أيمن عبد النور لـ”عربي بوست”، إن النفوذ السوري في لبنان بعد الانسحاب السوري عام 2005 بات يمارس عبر مؤسسات مرتبطة بالنظام والمخابرات السورية وبالتنسيق مع حزب الله، لكن هذا لا يعني أنّ النظام فوض حزب الله لإدارة كل القوى والأحزاب التي تأتمر بأمر النظام السوري، مثل: الحزب السوري القومي الاجتماعي والحزب الديمقراطي اللبناني الذي يرأسه طلال أرسلان، وحزب البعث الاشتراكي.

وبالتالي، فإنّ المخابرات السورية تسعى في تحركاتها الأخيرة إلى التوغل بكافة الاتجاهات في لبنان، مستغلة البعد الأيديولوجي وديني، فهذا السبب الرئيسي في تحقيق الولاءات الكبيرة وإيمان تلك المجموعات والأحزاب التي يتحرك من خلالها عبر أيديولوجيا “محور الممانعة والمقاومة”.

أما بالنسبة لزيارة بشار الأسد إلى الإمارات، فيرى عبد النور أنّها كانت ذات بعد اقتصادي ظاهرياً، بينما الهدف الإماراتي منها هو البعد السياسي، مؤكداً أنّ أبوظبي ترغب في تشكيل كتلة سياسية تقف بوجه المحور الإيراني-التركي.

يأتي هذا بعد اتضاح سياسات إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن التي تدعم إيران بشكل كبير، وتسعى إلى فكّ الحظر المفروض على أموال طهران وتصدير النفط والغاز، الأمر الذي سيجعلها تعود إلى قوتها الإقليمية التي ستؤدي إلى زعزعة الأمن الإقليمي، الذي يمسّ جزءاً كبيراً منه أمن الإمارات مباشرة، وبالتالي ترغب الإمارات والسعودية في تكوين كتل داعمة لها في الخارج.

لذلك تريد الرياض وأبوظبي أن تكون سوريا ضمن إطار هذا التكتل حتى لو كان ذلك غير معلن، لأنّ دمشق ستكون مكان مرور كل أنابيب النفط الإيرانية إلى أوروبا والبحر المتوسط جنباً إلى جنب مع خط الغاز القطري الذي سيصل لتركيا ومن ثمّ أوروبا، وهذا لن يكون إلا عبر احتواء سوريا وتفعيل دورها السياسي في المنطقة من جديد.

الإمارات وحزب الله

وفي هذا السياق يؤكدّ رئيس مجموعة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في حزب المحافظين البريطاني أشرف محمود، بأنّ هناك مساعي خليجية للتعامل مع الأمر الواقع الذي فرضه حزب الله في لبنان.

هذا ما يتمثل في تقوية الدور السوري في لبنان الذي سيعمل بدوره على التقليل من الأدوار التي يقوم بها حزب الله والسيطرة على الأحزاب السياسية في لبنان، مشيراً إلى أنّ الإمارات لها اليد الطولى في هذا الأمر، وذلك بعد عزوف السعودية عن لعب دور في الوضع السياسي اللبناني في السنوات الأخيرة.

ويرى محمود في حديثه لـ”عربي بوست” أنّ الفراغ السياسي الذي ستتركه السعودية في لبنان، سيحل محله الدور السوري وذلك برغبة إماراتية للتخفيف من السطوة الإيرانية على لبنان وسحب البساط من تحت إيران وحزب الله، وهذا ما تؤمن به أبوظبي حتى وإن بدا أنّ النظام السوري يعدّ حليفاً استراتيجياً لإيران.

ويوضح محمود أنّ الإمارات ما كان لها أن تلعب مثل هذا الدور وتستقبل الرئيس السوري بشار الأسد في زيارته إلى الإمارات لولا ضوء أخضر غربي، وخاصة من الولايات المتحدة، مشدداً على أنّ الإمارات تسعى إلى إحداث تقارب سوري-لبناني في ظل حاجة النظام السوري حالياً إلى الدعم السياسي والاقتصادي.

إضافة إلى أنّ إيران لا تمانع من أن تلعب الإمارات والخليج دوراً اقتصادياً وسياسياً في سوريا ولبنان باعتبار أنّ هذا يعد تخفيفاً للأعباء المترتبة عليها في سوريا ولبنان، وعلى وجه الخصوص حليفها “حزب الله” في لبنان.

الإمارات تسعى إلى لعب دور أكبر في سوريا ولبنان

الزيارة التي قام بها الرئيس بشار الأسد إلى الإمارات تحمل لها أبعاداً سياسية-اقتصادية، في ظل أنّ المنطقة تمرّ أمام متغيرات كبيرة، وهذا ما يكشف عنه المحلل السياسي والخبير في الشؤون الدولية رضوان قاسم، الذي يشير إلى أنّ الإمارات تسعى إلى أن تلعب أدواراً سياسية أكبر باعتبارها أكثر براغماتية من الطرف السعودي، كما أنّ التحركات السياسية الإماراتية تسير بشكل متسارع الخطى وسبقت بخطوات التحركات السعودية.

ويؤكدّ قاسم أنّ الجانب الإماراتي قام بدعوة سوريا أكثر من مرة للعودة إلى الجامعة العربية، مؤكداً أنّ سوريا سيكون لها دور أساسي ومهم، خصوصاً بعد الأزمة الروسية-الأوكرانية، وبالتالي فإنّ أبوظبي تسعى إلى أن تستغل الوضع في سوريا ولبنان لكسب وتمرير بعض الأوراق، منوهاً بأنّ الإمارات تسعى إلى الخروج من اليمن، ويمكن أن يشكل التقارب مع سوريا أحد هذه الأبواب، ومنها مساهمتها في إعادة إعمار سوريا ومساهمتها في تحسين الأوضاع الاقتصادية في لبنان.

ويرى قاسم أنّ الإمارات تسعى إلى أن تلعب دوراً سياسياً في لبنان، وأن تشكل حالة بديلة عن السعودية ويكون لها دور أكبر، لكن في المقابل هل ستكون قادرة على أن تشكل حالة بديلة عن السعودية، هذا ما ستكشف عنه الأيام القادمة عبر إرجاع سوريا إلى الجامعة العربية وحضورها الاجتماعات القادمة.

عربي بوست

—————————

===================

تحديث 04 نيسان 2022

———————-

العلاقات السورية الإماراتية: ماذا تستفيد أبو ظبي من تطوير صلاتها مع الأسد؟/ محمد كساح

شهدت العلاقات السورية الإماراتية تطورا في الفترة الأخيرة. فقد جرى الإعلان عن زيارة الرئيس السوري بشار الأسد إلى الإمارات في الثامن عشر من آذار/مارس الحالي، وهي أول زيارة يقوم بها الأسد منذ العام 2011 إلى بلد عربي، في أجواء غابت عنها البروتوكولات الرسمية. كما سبق الزيارة اتصالان بين حكومتي البلدين. فضلا عن زيارة عبد الله بن زايد، وزير الخارجية الإماراتي إلى دمشق.

ويرى عدد من المحللين أن حكومة دمشق تحاول، من خلال التقارب مع الإمارات، الحصول على مكاسب اقتصادية، يمكن أن تساهم في انتشال الاقتصاد السوري من وضعه المتردي. فيما تنظر أبو ظبي إلى تطور العلاقات السورية الإماراتية من منظور جيوستراتيجي. إذ تسعى الحكومة الإماراتية إلى استغلال علاقاتها مع الأسد للدخول في مساومات مع مختلف الأقطاب الإقليمية، كما أن سوريا قد تصبح في المستقبل معبرا لخط طاقة يصل إلى أوروبا، ويشكل بديلا للغاز الروسي.

إلا أن كل هذه التحليلات تبقى أقرب للتكهنات، إذ لم تتوضح حتى اللحظة آفاق تطور العلاقات السورية الإماراتية، وردود فعل القوى الإقليمية والدولية المختلفة عليها. وتبقى هناك كثير من الأسئلة عن دلالات زيارة الأسد للإمارات، ومستقبل العلاقة بين البلدين.

ما المصالح المشتركة من تطوير العلاقات السورية الإماراتية؟

أيمن عبد النور، مدير موقع “كلنا شركاء” المعارض، يرى أن “بشار الأسد يحاول إرسال رسالة واضحة لقاعدته الشعبية بأن الأمور تغيرت، وبإمكانه السفر والتنقل واللقاء بالحلفاء. وهو يلجأ للإمارات لتعويض ما كانت تقدمه روسيا، سواء فما يتعلق بتأمين المواد الغذائية، أو لفتح اعتمادات مالية عبر المصارف الإماراتية، بعد توقف المصارف الروسية. إضافة لمحاولة تثبيت سعر صرف الليرة السورية، من خلال استمرار الإمارات بشراء العملة السورية المتوفرة في السوق الإماراتية. كما يهدف الأسد لتفعيل المشروعات الاستثمارية الروسية المتوقفة في سوريا، عبر إقناع الإمارات بتمويلها. وهكذا فإن تطوير العلاقات السورية الإماراتية بالنسبة لحكومة دمشق شأن اقتصادي بالدرجة الأولى”.

ويتابع عبد النور، في حديثه لـ”الحل نت”، أن “أبو ظبي تعتبر تطوير العلاقات السورية الإماراتية مهما من ناحية سياسية وجيوستراتيجية، فهي ترغب بتشكيل تكتل يضم الإمارات وإسرائيل ومصر، وتدعمه من الخارج كل من السعودية والبحرين، إضافة لسوريا، التي تعد هامة جدا للتكتل، بسبب موقعها الجغرافي، الذي يمكن أن يقطع طريق خط الطاقة الإيراني باتجاه أوروبا عبر البحر المتوسط”.

ما علاقة تطوير العلاقات السورية الإماراتية بالأمن القومي للخليج العربي؟

عبد النور يؤكد أن “الإمارات تخشى من أن التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران سيحرر عشرات المليارات الإيرانية المجمدة بسبب العقوبات الأميركية، ويجعل الغاز الإيراني بديلا للغاز الروسي. وهي تريد عرقلة ذلك، لأنها تعتبره مهددا للأمن القومي لدول الخليج”.

مضيفا: “من الناحية الاقتصادية يمكن للإمارات أن تساهم في تخفيف الأعباء الاقتصادية عن دمشق، لكنها معرضة لضغوط كبيرة من واشنطن ومن الكونغرس الأميركي. فهناك انزعاج كبير لدى الإدارة الأميركية من تطوير العلاقات السورية الإماراتية. ويمكن أن تمارس الضغط على أبو ظبي على المدى المتوسط، لكي لا تسمح للإمارات بالاستمرار في تقديم الدعم لدمشق، لأن هذا الدعم قد يصب في مصلحة روسيا”.

من جهة أخرى، يرى عبد النور أن “استقبال الأسد في أبو ظبي بدون بروتوكولات رسمية كان أمرا طبيعيا. نظرا لأن هذا هو العرف السائد في استقبال الزعماء القادمين من دول تندلع فيها الحروب. ولا علاقة له بأهمية الزيارة، بل يرتبط بالجانب الأمني، إذ يخشى الزعماء القادمون من مناطق الحروب عادة من قيام انقلابات داخلية ضدهم عندما يكونون خارج البلاد. لذلك تم الإعلان عن الزيارة بعد حصولها بيومين”.

أما الكاتب الصحفي إياد الجعفري فيشير إلى أن “الإمارات تريد علاقات مع جميع الأطراف الإقليمية الفاعلة، بصورة تضمن أمنها، ومصالحها الاقتصادية والاستراتيجية، وفي المقدمة منها استقرار الخليج، بأسلوب يحفظ صورتها بوصفها واحة آمنة للخدمات والاستثمار”.

ويضيف، في حديثه لـ”الحل نت”، أن “أبوظبي تنتهج، منذ أكثر من سنة، سياسة تصفير المشاكل مع مختلف الأقطاب الإقليمية، بهدف خلق شبكة علاقات آمنة، تحميها في حال حصل تراجع مفاجئ في الالتزامات الأمنية الأميركية حيال دول الخليج”.

هل سيؤدي تطوير العلاقات السورية الإماراتية لإبعاد الأسد عن إيران؟

بينما رحّبت صحيفة “إسرائيل اليوم” بزيارة الأسد إلى الامارات، على اعتبار أنها دعم واضح لاتفاقات التطبيع. فسّرت الإمارات، خلال القمة الثلاثية، التي جمعت مصر والإمارات وإسرائيل في شرم الشيخ، زيارة الأسد، وتطوير العلاقات السورية الإماراتية عموما، بوصفها “خطوة ضرورية ضمن مساعي تطويق النفوذ الإيراني في المنطقة”.

وفي هذا الصدد، يعتقد إياد الجعفري أن “النظرية القائلة إن تطوير العلاقات السورية الإماراتية سيخدم هدف إبعاد الأسد عن إيران تتسم بدرجة عالية من السذاجة”.

مضيفا أن “المشهد في سوريا أعقد من ذلك. الحكومة السورية، وتركيبة أدوات القسر والقوة والنفوذ داخل سوريا، تحولت إلى ما يشبه شركة، هناك أطراف تملك أسهما فيها. ونستطيع القول إن لإيران وروسيا، وللأسد نفسه، أسهما داخل تلك الشركة. وعليهم، كأطراف مساهمة، أن يوازنوا بين مصالحهم المشتركة من جهة، وبين تناقضاتهم وتنافسهم من جهة أخرى، كي لا تنهار الشركة، وتخسر كل الأطراف المساهمة فيها معا. فلا إيران تقدر بسهولة إزاحة الأسد، ولا الأسد يقدر بسهولة إزاحة إيران. وهو ما ينطبق بدوره على روسيا أيضا”.

هل يمكن أن تقود الإمارات وساطة بين تركيا وسوريا؟

سبقت زيارة الأسد للإمارات بأشهر قليلة، زيارة قام بها ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد إلى تركيا، وصفها مراقبون بأنها “اختراق استراتيجي للعلاقة الصعبة والمعقدة بين البلدين”.

محمد نور فرهود، الصحفي المختص بالشأن التركي، يرى أنه “بإمكان الإمارات أن تكون وسيطا بين سوريا وتركيا، إذا كانت أنقرة تجد في ذلك مصلحة، يمكن أن تنعكس إيجابا على الوضع شرقي سوريا أو في إدلب”. لكنه يستدرك بالقول: “هذه الملفات ليست متوقفة على الأسد وحده، أو على تطور العلاقات السورية الإماراتية، بل على لاعبين دوليين مهمين مثل الولايات المتحدة وروسيا”.

ويتابع فرهود في حديثه لـ”الحل نت”: هناك تباين شاسع بين موقفي أبو ظبي وأنقرة بخصوص الأسد، فالإمارات غير مقتنعة بحتمية التغيير في سوريا، ولو كانت مقتنعة لما طبّعت مع دمشق، واستدعت الأسد لزيارتها، وأرسلت قبل ذلك وزير خارجيتها. فيما يبدو الموقف التركي أكثر تشككا بإمكانية إعادة تعويم الأسد”.

مختتما حديثه بالقول: “في المجمل تتجاوز مصالح أبو ظبي مع أنقرة الأسد، والعلاقات السورية الإماراتية عموما. إذ نتحدث هنا عن علاقات تجارية ضخمة واستثمارات وتعاون أمني ودفاعي بين الإمارات وتركيا، وتفاهمات يمكن أن نلحظ آثارها مستقبلا في ليبيا”.

——————————-

الأسد بين الحضنين الإيراني والإماراتي/ عمر كوش

كان لافتاً أن تأتي زيارة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، ومسؤولين إيرانيين آخرين، إلى دمشق، بعد أيام على زيارة بشار الأسد الإمارات، وأن يؤكد وزير خارجية النظام في سورية فيصل المقداد، لدى استقبال نظيره الإيراني، أن “العلاقات الإيرانية السورية تمرّ بأفضل الظروف”، وعلى وقوف النظام “في خندق واحد” مع إيران، التي شددّ على أنها “تدعم سورية قيادة وحكومة وشعباً”.

وإذا كانت زيارة الأسد دبي وأبوظبي، والتي جرت من خلال شحنه بطائرة إماراتية، قد توجت المسار الذي بدأته الإمارات منذ سنوات لاحتضان الأسد، وإعادة تأهيله وتعويمه عربياً، فإن زيارة الوفد الإيراني جاءت كي تؤكد أن الحضن الإماراتي ليس نهائياً بالنسبة إلى الأسد، وأن حضن إيران أكثر دفئاً واطمئناناً بالنسبة إليه، وهذا لا ينفي أن نظام الأسد أراد اختبار هامش المناورة الممكن له، نظراً إلى حساباته السياسية والاقتصادية، وأنه أراد أن يوحي بأن اتباعه خطوة تكتيكية نحو الحضن الإماراتي، والعربي بشكل عام، لا يغيّر في استراتيجيته، كونها لن تفضي إلى تخليه عن علاقاته التاريخية مع نظام الملالي الإيراني، الذي دفع كثيراً من أجل تثبيت الأسد في السلطة وإبقائه جاثماً على صدور السوريين.

على هذا الأساس، يمكن اعتبار زيارة الوفد الإيراني دمشق بمثابة ردّ سريع على ما حاول ساسة الإمارات تسويقه، أن استقبالهم واحتضانهم الأسد يأتيان في إطار “توجّه الإمارات الرامي إلى تكريس الدور العربي في الملف السوري”، بما يعني منافسة الحضور الإيراني الطاغي والمؤثر فيه، والتي تجري من خلال “انتهاج سياسة واقعية تجاه خفض التوترات، وتعزيز الدور العربي في مقاربة عملية لإيجاد حلول لأزمات المنطقة”، ذلك أن ممكنات منافسة الحضور الإيراني لا تصمد أمام التحالف الاستراتيجي بين إيران ونظام الأسد، والتي ترجع إلى عدة عقود، وأفضت إلى تغلل إيران في مختلف مفاصل النظام وأجهزته الأمنية والعسكرية، وحتى في المجتمع. أما التذرّع بتوسيع مجالات التعاون الاقتصادي والتبادلات التجارية مع نظام الأسد في مختلف المجالات، فإنه سيصطدم بالعقوبات الغربية، وخصوصا قانون قيصر في الولايات المتحدة، والذي يهدد بفرض عقوبات على أي جهةٍ تتعاون اقتصادياً مع نظام الأسد، وبالتالي، لا فائدة اقتصادية ستجنيها الإمارات من تطبيعها مع نظام الأسد، كما أنها لن تستطيع أن تقدّم للنظام الأسدي الكثير من المساعدات، وأقصى ما يمكنها تقديمه قد لا يتعدّى تأمين كميات متواضعة من القمح وسواه من المواد الأساسية من الأسواق المجاورة، عوضاً عن روسيا التي مُنعت من تصدير القمح بعد غزوها أوكرانيا. وبالتالي، لن تستطيع الإمارات تلبية ما يطمح إليه نظام الأسد من عودة استثماراتها إلى تنفيذ مشاريع جديدة وإحياء المشاريع التي توقفت بعد اندلاع الثورة السورية.

ويعتبر نظام الأسد أن نتائج الزيارة إلى الإمارات، ومؤشرات اقتراب التوقيع على اتفاق العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني، تصبّ في مصلحة تعزيز العلاقة بين النظامين الإيراني والسوري، لأنهما سيكونان في موقف أفضل مما كانا عليه، على المستويين الإقليمي والعالمي، مع التأكيد على أن عودة النظام إلى علاقاته العربية واسترجاع مقعده في جامعة الدول العربية، مطلب مهم بالنسبة إلى نظام الأسد، وأن النظام الإيراني يدفع هذا الاتجاه ويشجعه، بشرط ألا يكون على حساب نفوذه وتغلغله في سورية.

ولعل التساؤلات عن الحيثيات التي دفعت الإمارات إلى استقبالها الأسد قد تجد بعض متحققها في سياق إدخال نظام الأسد إلى مسار اتفاقيات أبراهام التطبيعية، وفي الدور الذي تتطلع الإمارات إلى القيام به في منطقة الشرق الأوسط، وسعيها إلى الإسهام في صناعة القرار فيها بوصفها قوة قائدة، خصوصا في الإقليم العربي وجواره، لذلك تحاول القيام بهذا الدور القيادي، سواء بواسطة القوة الناعمة على المستويين السياسي والدبلوماسي، أم على مستوى القوى الخشنة التي يجسدها دعمها القوى العسكرية والمليشيات في كل من اليمن وليبيا والصومال وجيبوتي وسواها.

ولا تخفي إيران تطلعها إلى القيام بدور إقليمي مهيمن في المنطقة، وهي صاحبة مشروع هيمنة توسّعي فيها، وبنت من أجل تحقيقه شبكة كبيرة، ذات أذرع أخطبوطيه مليشياوية في كل من العراق وسورية ولبنان واليمن. ويشكل نظام الأسد أحد الأركان الأساسية في المشروع الإيراني. لذلك من الصعوبة بمكان الاعتقاد بإمكانية ابتعاد نظام الأسد عن الحضن الإيراني لصالح الحضن الإماراتي، خصوصا أن إيران تراهن على العودة إلى الاتفاق النووي، ومن أجل زيادة قدرتها على التحرّك بمساحة واسعة بعد رفع العقوبات الأميركية عنها، وأن تمتلك قدراتٍ اقتصاديةً تمكّنها من الاستثمار بما أسست له في سورية، وصرفت عليه كثيراً. لذلك أقصى ما يمكن أن يفعله نظام الأسد هو مجرّد التفكير بالتخفيف من الارتماء في الحضن الإيراني كإجراء تكتيكي من أجل فك العزلة المفروضة عليه إقليمياً ودولياً، إضافة إلى تطلّعه للاستفادة من الأموال التي أودعها أفراد من عائلة الأسد وحاشيته في بنوك الإمارات، ومن الغاز المصري القادم عبر الأردن.

ربما أراد ساسة الإمارات من احتضان الأسد توجيه رسائل دعم للنظام وداعميه الروس والإيرانيين، في وقت تنشغل الولايات المتحدة بتداعيات مواجهة الغزو الروسي لأوكرانيا، وفي ظل تراجع دور الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، ومحاولة بعض دول المنطقة إعادة تموضعها الجيوسياسي، وخصوصا التي لم تأخذ موقفاً ضد غزو أوكرانيا. لذلك ليس مستبعداً أن تحضر زيارة الأسد الإمارات على طاولة الاجتماع الثلاثي في شرم الشيخ، الذي جمع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينت وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، وذلك ضمن محاولة استجرار الدعم الإسرائيلي المصري للخطوة الإماراتية، وتجييرها في سياق توحيد المساعي لإعادة تموضع جديد لدول المنطقة، وبناء تفاهماتٍ تهدف إلى مواجهة النفوذ المتزايد لإيران في المنطقة، خصوصا أن إسرائيل تعدّ ابتعاد الأسد عن الحضن الإيراني لصالح الحضن الإماراتي يخدم هدفها في إضعاف الوجود الإيراني في سورية.

—————————-

نتنياهو إقترح.. وبينيت أحبط إعادة الأسد للجامعة العربية

كشفت صحيفة “يسرائيل هيوم” العبرية، الأحد، أن رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، أوقف أخيراً مبادرة إقليمية روّج لها سلفه بنيامين نتنياهو، لإعادة رئيس النظام السوري بشار الأسد إلى جامعة الدول العربية، عبر مبادرة إقليمية تفرض في المقابل على الأسد توقيع اتفاق يلزمه بـ”سحب القوات الإيرانية” من سوريا.

وذكرت الصحيفة أن فكرة المبادرة “كانت قائمة على المصالحة الدولية بعد انتصار الأسد في الحرب الأهلية”، مقابل اتفاق القوى معه على انسحاب إيران من سوريا. وقالت إن نتنياهو شرع منذ 2019 في تمرير هذه المبادرة المزعومة المبنية على فكرة قبول المجتمع الدولي بانتصار حكومة الرئيس السوري بشار الأسد في الحرب، مقابل إبرام اتفاق معه على سحب القوات الإيرانية من بلده.

ووفقا لبيانات الصحيفة، أعلن عن هذه المبادرة لأول مرة قبل ثلاث سنوات، خلال اجتماع عقد في القدس بين مستشاري الأمن القومي الإسرائيلي والأميركي والروسي.

وأوضحت الصحيفة أن مستشار الأمن القومي في حكومة نتنياهو، مئير بن شبات، اقترح خلال ذلك الاجتماع على نظيريه الأميركي جون بولتون والروسي نيقولاي باتروشيف خطة متعددة المراحل تقضي بـ”إصدار الأسد الدعوة إلى انسحاب كافة القوات الأجنبية التي دخلت سوريا بعد عام 2011، بدعوى أنها لم تعد مطلوبة هناك”، و”عودة سوريا إلى مقعدها في الجامعة العربية”، و”تفعيل دول الخليج العربية، وفي مقدمتها الإمارات، استثماراتها في الاقتصاد السوري كي تحل محل إيران في هذه المسألة”.

ولفتت الصحيفة إلى أن بن شبات أطلع على هذه الخطة المدعومة من نتنياهو جميع الدول العربية التي لدى إسرائيل علاقات معها، مؤكدة أن الأردن ومصر أظهرتا اهتماماً كبيراً بها على وجه الخصوص.

ونقلت الصحيفة عن مصدر رفيع المستوى مطلع على تفاصيل القضية قوله إن إسرائيل، التي ليست لديها أي اتصالات مباشرة أو غير مباشرة مع سوريا، لم تسأل الأسد عن موقفه إزاء هذه الخطة المطروحة.

وأكد المصدر المسؤول أنه كان هناك توافق بين دول مختلفة على أن تطبيق هذه المبادرة كان سيشكل خطوة في الاتجاه الصحيح، غير أن سلسلة حملات انتخابية متتالية في إسرائيل وتغيير الإدارتين في الدولة العبرية والولايات المتحدة منع المضيّ قدماً في هذا السبيل.

وذكرت الصحيفة أن بن شبات سلم كل المعطيات المحدثة عن المبادرة إلى خلفه، إيال حولاتا، غير أن حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد نفتالي بينيت قررت تجميد الخطة.

ونقلت الصحيفة عن مصدر سياسي قوله إن حكومة بينيت “تعتبر هذه الخطة غير قابلة للتحقيق بسبب قناعتها بأن الأسد ليس قادراً على طرد الإيرانيين من سوريا”.

إلى ذلك، أشارت “يسرائيل هيوم” إلى أن بينيت يتخذ موقفاً حياديا إزاء الأسد، ولا يعارض ولا يؤيد إمكانية عودة سوريا إلى الجامعة العربية، مؤكدة أن هذه المسألة كانت ضمن جدول اعمال الاجتماع الذي عقد قبل أسبوعين في شرم الشيخ بين رئيس الوزراء الإسرائيلي والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد.

———————–

===================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى