سياسة

الأسد في طهران… قمة الأوهام، -مقالات مختارة-

الأسد على قدمٍ واحدةٍ …ايرانية/ مهند الحاج علي

ليست زيارة الرئيس السوري بشار الأسد الى طهران حدثاً روتينياً، ومن الصعب فصلها عن تبدلات إقليمية، وتحديداً في المقاربة الإيرانية. بداية، هذه الزيارة الثانية منذ انطلاق الثورة السورية عام 2011، لكن الفارق بين اليوم وعام 2019، لم يعد الأسد في موقف المفاوض القوي أمام “فيلق القدس” والرئيس الإيراني، بل جاء اليوم الى طهران بصفتها خياراً وحيداً، قدمٌ وحيدةٌ لا يملك القدرة على الإتكاء على غيرها. ذاك أن روسيا اليوم منخرطة في حرب أوكرانيا وتحتاج الى كل مواردها العسكرية والمدنية في هذه المواجهة المصيرية الطويلة الأمد.

الأسد ضعيف ويُعاني من اهتراء في بنية نظامه ويُواجه تحديات مصيرية من الانهيار المالي والاقتصادي الى الأمن واحتمال دخوله في مواجهة شمالاً أو جنوباً من دون توقع مساعدة جدية من روسية. في المقابل، لدى إيران القدرة على توفير بعض المساعدة الضرورية، عسكرياً وأمنياً، وإلى حد أقل اقتصادياً، ربما عينياً من خلال الوقود وبعض التعاون التجاري. لكن في ظل هذا الواقع، لا يضع الرئيس السوري شروطه، وقد فقد أوراقه وتحديداً القدرة على ايجاد توازن بين إيران وروسيا، لهذا عليه انتظار وضع الجانب الإيراني أسس العلاقة الجديدة. وهنا من المنطقي أن لدى إيران اعتبارات جديدة ومختلفة عمّا كان سابقاً.

ماذا يختلف اليوم؟

على المستوى الإقليمي، تُركز الاجندة الإيرانية على سياسة دمج المحاور. النموذج الواضح أمامنا هو التقارب بين حركة “حماس” و”حزب الله”، والذي تبلور بحضور قادة “حماس” الى بيروت، وبالتصريحات المتبادلة عن وحدة المحاور والجبهات و”اسقاط كل الحدود” في حال حصول اعتداءات على “المقدسات”.

وبالإمكان رصد بعض الكلام في هذا السياق في البيانات الرسمية للزيارة. مثلاً، جاء في بيان الرئاسة السورية أن “الرئيس الأسد أكد خلال لقائه السيد خامنئي أنّ القضية الفلسطينية اليوم تعيد فرض حضورها وأهميتها أكثر فأكثر”، وكذلك “أكد أهمية استمرار التعاون لمنع أميركا من إعادة بناء منظومة الإرهاب التي استخدمتها للإضرار بالمنطقة”. في المقابل، أكد مرشد الثورة علي خامنئي “استمرار إيران في دعمها لسوريا لاستكمال انتصارها على الإرهاب وتحرير باقي أراضيها”، في حين “أكد الرئيس الإيراني للرئيس الأسد أنّ لدى إيران الإرادة الجادّة في توسيع العلاقات بين البلدين”، بحسب بيان الرئاسة السورية.

من الجانب الإيراني، كان الكلام وافراً أكثر وواضحاً في تموضع الرئيس السوري في المحور الايراني. نقلت عن الرئيس السوري قوله: “نشهد انهياراً للدور الأميركي في المنطقة وقد أثبتنا أننا قادرون على الانتصار أمام أميركا والقوى المهيمنة من خلال التعاون الوثيق بين دول المنطقة…نجاح المقاومة الفلسطينية أثبت أنّ تطبيع بعض العرب مع إسرائيل له نتائج عكسية”. وأكد الرئيس السوري أنّ “ما يمنع الكيان الصهيوني من السيطرة على المنطقة هو العلاقات الاستراتيجية الإيرانية السورية”.

في الزيارة الماضية، ورغم اللقاء مع المرشد وقائد فيلق القدس حينها قاسم سليماني والرئيس السابق حسن روحاني، كانت تصريحات الأسد مقتضبة ودبلوماسية فيها كلام عن “علاقات الأخوة الراسخة التي تجمع شعبي البلدين” وتهنئة في ذكرى الثورة، رغم تلقيه مديحاً من خامنئي.

هذا التموضع جاء بشكل أوضح في كلام للدبلوماسي الايراني السابق هادي أفقهي لوكالة “مهر” للأنباء أن “هذا اللقاء شوكة في عيون الذين راهنوا على إيجاد شرخ في العلاقة الإستراتيجية بين إيران وسوريا من خلال فتح سفاراتهم والمشاركة في إعادة الإعمار حسب زعمهم … هذا اللقاء المبارك له ما بعده من بركات وإنتصارات وإنجازات يعم كل جغرافيا محور المقاومة بل عموم غرب آسيا”.

توحيد المحاور أساسي هنا، وقد لا يكون منفصلاً عن البرودة في العلاقات الروسية-الإسرائيلية، واحتمال تراجع التنسيق بين الطرفين في عمليات قصف سوريا. مثل هذا الواقع ينتهي غالباً الى فتح جبهة كانت موسكو تُحاول غالباً ابقاءها مغلقة لتحقيق مكاسب في أماكن أخرى.

المدن

—————————

«زيارة عمل» مفاجئة للأسد إلى طهران

في ظل توقف خط الائتمان الإيراني وتراجع الدعم الروسي

اجتمع مرشد الثورة الإسلامية علي خامنئي مع الرئيس السوري بشار الأسد، أمس (الأحد)، خلال «زيارة عمل» مفاجئة قام بها الأسد إلى إيران، والتقى خلالها، أيضاً، رئيس الجمهورية الإيرانية إبراهيم رئيسي، قبل عودته إلى دمشق في اليوم نفسه.

وذكر الإعلام الرسمي السوري، أن اللقاءات تناولت «العلاقات التاريخية» بين البلدين القائمة على «التعاون الثنائي والتفاهم المشترك حول قضايا ومشكلات المنطقة والتحديات التي تواجهها»، كما تم بحث آخر مستجدات الأوضاع على الساحتين الإقليمية والدولية. وحسب الإعلام الرسمي، أكد الأسد على أهمية «الاستمرار في التعاون من أجل عدم السماح لأميركا بإعادة بناء منظومة الإرهاب الدولية التي استخدمتها للإضرار بدول العالم»، مشيراً إلى أن «الولايات المتحدة اليوم أضعف من أي وقتٍ مضى». ونقل عن خامنئي، تشديده على «استمرار إيران في دعمها لسوريا لاستكمال انتصارها على الإرهاب، وتحرير باقي الأراضي السورية»، وقوله للأسد «ليس لدينا أدنى شك بأنكم قادرون على تحرير ما تبقى من الأراضي السورية وبقيادتكم سوف تبقى سوريا موحدة، وعلينا أن نحافظ على العلاقة القوية التي تجمع بلدينا وشعبينا، وهذا مفيدٌ ليس لبلدينا فقط، بل ضروري للمنطقة أيضاً».

من جانب أفاد موقع «نور نيوز» التابع للحرس الثوري الإيراني، بقول المرشد خامنئي للأسد، «أن احترام سوريا ومكانتها الآن أعلى بكثير من السابق فهي باتت أكثر قوة»، مؤكداً على «ضرورة تعزيز العلاقات بين سوريا وإيران أكثر من السابق». وقال الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، عند لقائه نظيره السوري بشار الأسد، إنه «مثل والده الراحل الرئيس السابق حافظ الأسد من وجوه جبهة المقاومة»، منوهاً بالعلاقات الاستراتيجية بين البلدين، حسب موقع «روسيا اليوم». وتابع قائلاً: «وقفت إيران إلى جانب الشعب السوري وحكومته عندما كان يراهن بعض القادة العرب وغير العرب في المنطقة على توقيت سقوط الحكومة السورية».

من جهته، عدَّ الرئيس الأسد العلاقات بين سوريا وإيران «استراتيجية»، وقال إن «التطورات في المنطقة بعد عقد من الحرب ضد محور المقاومة أظهرت أن الصمود نهج فعال ومثمر». وتابع الأسد قائلاً: «لقد أثبتنا أنه من خلال التعاون الوثيق بين دول المنطقة، يمكن هزيمة الولايات المتحدة وقوى الهيمنة التي تدعي أنها قوى عظمى. إن الشعب السوري وحكومته يعدون أنفسهم مدينين لإيران وملتزمين بها». ولفت إلى انهيار وتلاشي الدور الأميركي اليوم في الشرق الأوسط، حسب الموقع الروسي. وفي الزيارة التي لم يعلن عنها سابقاً الجانبان، التقى الأسد، نظيره الإيراني، وأكد الأخير جدية بلاده في توسيع العلاقات بين البلدين، خصوصاً «الاقتصادية والتجارية بشقيها العام والخاص». وقال إن إيران مستمرة في تقديم كل «أشكال الدعم لسوريا وشعبها، لا سيما في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يشهدها العالم»، كما أنها ستبقى إلى جانب سوريا لمساعدتها في تجاوز الصعوبات، معتبراً أن «أي معاناة لسوريا هي معاناة لإيران».

تأتي زيارة الأسد المفاجئة إلى إيران في ظل اشتداد أزمة الوقود ومواد الطاقة منذ شهر مارس (آذار) الماضي، بعد توقف خط الائتمان الإيراني وتراجع الدعم الروسي بسبب اندلاع الحرب في أوكرانيا، وصرح مسؤولون في الحكومة السورية في وقت سابق من الشهر الحالي، بأن إيران تشترط دفع ثمن النفط الإيراني، نقوداً مباشرة، لتواصل توريد النفط الإيراني إلى سوريا، وأن «الحل هو في تفعيل خط الائتمان». كان وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، قد قال خلال زيارة لدمشق في مارس، إن أولوية إيران هي تعزيز العلاقات الاستراتيجية مع سوريا في ظل مشهد عالمي متغير بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا.

وقدمت طهران للحكومة السورية مساعدات بمليارات الدولارات، وأرسلت مقاتلين مدعومين من إيران للقتال إلى جانب قواتها، وهي المساعدة التي ساعدت، إلى جانب القوة الجوية الروسية، في قلب التوتر داخل سوريا لصالح الأسد. وتعد زيارة طهران أول زيارة للأسد للعاصمة الإيرانية منذ أكثر من عامين. ولفتت صحيفة «واشنطن بوست» إلى انتشار الشرطة بقوة في الطرق والتقاطعات الرئيسية في طهران يوم الأحد.

————————-

ما وراء زيارة بشّار الأسد لطهران؟/ جلبير الأشقر

قام رئيس النظام السوري، بشّار الأسد، بزيارة مفاجئة لطهران يوم الأحد الماضي، زاد من طابعها المفاجئ أن المذكور نادراً ما تجرأ على مغادرة بلاده منذ أن بدأت الانتفاضة الشعبية ضد نظامه في عام 2011. وقد كانت أول زيارة قام بها خارج سوريا منذ ذلك الحين زيارته لموسكو في تشرين الأول/ أكتوبر 2015، شهرٌ بعد بدء التدخل العسكري الروسي في الحرب السورية. ثم تكرّرت زيارات الرئيس السوري إلى روسيا، التقى خلالها نظيره الروسي فلاديمير بوتين في سوتشي (2017 و2018) ومجدّداً في موسكو في أيلول/ سبتمبر الماضي بمناسبة اختتام السنة السادسة من مشاركة القوات المسلحة الروسية في تدمير سوريا وقتل شعبها.

أما طهران، فلم يزرها بشّار الأسد سوى مرّة واحدة قبل زيارته الأخيرة، وكان ذلك في شباط/ فبراير 2019. ومن المرجّح أن تلك الزيارة كانت رفعاً للعتب بعد ثلاث زيارات لروسيا بلا أي زيارة لإيران إلى حينها، بالرغم من أن إيران كانت هي أول من تدخّل على الأرض السورية لإنقاذ نظام آل الأسد بتكثيف تدخّل قواتها (الإيرانية والأفغانية) وقوات حليفاتها اللبنانية والعراقية بدءاً من عام 2013. بيد أن الزيارة الأخيرة تكتسي معنىً آخر أبعد عن الرمزية وأقرب إلى القلق الاستراتيجي.

ذلك أن تحولاً عظيماً حصل منذ زيارة رئيس النظام السوري إلى موسكو في الخريف الماضي. عندها كانت روسيا تبدو في أوجّ قوتها: بوتين يهدّد أوكرانيا بينما تتركّز القوات الروسية على مشارف هذا البلد، ولا يبالي بتحذيرات القوات الغربية، سواء أكانت تحذيرات واشنطن أو تحذيرات برلين وباريس الأكثر ودّية، لا بل بدت على الرئيس الروسي آنذاك ملامح كبرياء، رأى فيها بعض المراقبين أعراض حالة من «جنون العظمة».

أما اليوم فقد اتّضح أن حسابات بوتين كانت خاطئة تماماً. فقد انتكست الأهداف التي أعلنها عند بداية غزو قواته لأوكرانيا، عندما كان يعد بتغيير النظام في كييف على غرار قيام أمريكا بتغيير النظام في بغداد في عام 2003، الأمر الذي كان يستدعي احتلالاً للعاصمة الأوكرانية. وهو ما حاولت القوات الروسية تحقيقه في بداية الغزو، لكنّها فشلت أمام شدّة المقاومة الأوكرانية التي فاجأت العالم بأسره.

وبالرغم من أن روسيا أعلنت عن تغيير وجهة غزوها لحصره في احتلال شرقي أوكرانيا، فقد عجزت عن إنجاز ذلك الهدف المحدود بعد شهرين ونصف من القتال، ولا زالت تجهد لتوسيع رقعة احتلالها ببطء شديد وصعوبة فائقة. وربّما كان أبرز تعبير عن الإخفاق الروسي خطاب بوتين الباهت يوم الإثنين بمناسبة الاحتفال السنوي بالانتصار على النازية في عام 1945 (كان انتصاراً سوفييتياً شارك به الأوكرانيون بكثافة وقد احتفلوا بالمناسبة ذاتها يوم الأحد).

فعوضاً عن إعلانه النصر في ذلك الاحتفال بما يسمّى «يوم النصر»، اكتفى بوتين بخطاب قصير للغاية، شرح فيه أن روسيا اضطُرّت إلى غزو أوكرانيا دفاعاً عن النفس وتفادياً لتسلّح جارتها بالسلاح النووي وقيامها بالهجوم على روسيا، على غرار شرح جورج دبليو بوش وأعوانه أنهم احتلّوا العراق دفاعاً عن النفس وبغية منعه من تطوير ترسانته من أسلحة الدمار الشامل، زعموا أنه ينوي استخدامها ضد أمريكا. ويبدو أن خيال القوى الإمبريالية العالمية محدود فتجترّ الذرائع نفسها.

والحقيقة أن الإخفاق الروسي مصدر قلق عظيم بالنسبة للنظام السوري، لاسيما أن روسيا أخذت تسحب بعض وحداتها من سوريا إلى ساحة القتال في شرقي أوكرانيا، بل أخذت تستعين بمقاتلين سوريين في غزوها لذلك البلد. ومع دخول مفعول العقوبات الاقتصادية على روسيا حيّز التحقيق الكامل في الأشهر القادمة وتفاقم الصعوبات التي تواجها القوات الروسية إزاء المقاومة الأوكرانية الباسلة، بات الرهان على روسيا محفوفاً بالمخاطر. وهذا على الأرجح ما حدا بشّار الأسد على زيارة طهران، وقد زاد ثقل إيران كثيراً في ميزان حماية النظام السوري بقدر ما خفّ وزن روسيا.

بهذا المعنى، فإن الإخفاق الروسي في أوكرانيا إنما يعزّز مكانة إيران، خلافاً لما قد يُظنّ للوهلة الأولى، ويُضعف سائر أطراف الحلف الرجعي الإقليمي الذي شمل الأنظمة العربية الرجعية، ولاسيما رائد «التطبيع» في أبو ظبي، إلى جانب الدولة الصهيونية وبالتعاون مع موسكو. من هذا المنظور تتضّح الغاية من زيارة رئيس النظام السوري لطهران وإعلانه فيها، حسب ما نقلت صحيفة «طهران تايمز» عن لسانه، أن إيران «هي الدولة الوحيدة (كذا) التي وقفت إلى جانبنا منذ البداية» ضد ما أسماه «العدوانين الغربي والتكفيري» (وهذا نكران للجميل إزاء روسيا، التي هي سند النظام السوري العسكري الأساسي منذ عقود طويلة)، وأن التحالف الاستراتيجي، كما أسماه، بين إيران ونظامه والقوى الفلسطينية في «محور المقاومة» قد أظهر «أن مساومة بعض الدول العربية قد ارتدّت ضدّها». فأي مساومة يقصد، يا تُرى، بينما أنظمة «التطبيع»، التي هي أكثر الأنظمة العربية تودّداً لنظامه، تخوض ليس في «المساومة» مع الدولة الصهيونية وحسب، بل في التواطؤ المكشوف معها.

كاتب وأكاديمي من لبنان

القدس العربي

———————–

الأسد.. والعودة إلى البوصلة الإيرانية من بوابة إعادة الإعمار/ ضياء قدور

بعد جولات عديدة من الزيارات العربية وتحركات التطبيع العربي مع نظام الإجرام في دمشق، ينطلق الأسد ببراغماتية منقطعة النظير على متن طائرة تجارية إيرانية بسرية تامة واحترازات أمنية مشددة في زيارة هي الثانية من نوعها إيرانياً والسابعة من نوعها خارجياً منذ اندلاع الثورة السورية، إلى طهران لعقد لقاءات منفصلة مع المرشد الأعلى والرئيس الإيراني، والتأكيد على مفهومين اثنين أحدهما سياسي والآخر اقتصادي.

أما المفهوم السياسي، كما يراه الإيرانيون على وسائل إعلامهم، هو أن العلاقات السورية الإيرانية غير قابلة للانفصام، وأن زيارة بشار الأسد إلى إيران دليل على تعزيز التحالف الإيراني السوري في الشرق الأوسط، وأن على العرب اللاهثين وراء تطبيع علاقاتهم مع الأسد أن يقبلوا به كما هو، بإيرانيته وجرائمه ووحشيته.

ويحتمل المفهوم السياسي أيضاً أن الأسد، الذي حاول خلال العامين الماضيين المناورة بين الحليفين الروسي والإيراني لكسب أكبر قدر من التنازلات، يريد أن يعيد تنظيم علاقاته مع إيران بعد أن أصبح موقف روسيا الدولي يواجه كثيرا من التغييرات والتحديات بعد غزو أوكرانيا.

رغم ذلك، لا يختلف اثنان على أن هذه اللقاءات الحميمية والمجاملات المتبادلة الواضحة في التصريحات الرسمية هي مؤشر على هذا التوجه السياسي الممتد منذ صعود نظام الخميني إلى السلطة في إيران، لكن ما تجب الإشارة إليه هو ما تم الحديث حوله أو التلميح إليه على الأقل في هذه الرحلة على المستوى المعلن (الاهتمام بمرحلة إعادة الإعمار في سوريا)، وهو ما ورد في تصريحات كل من خامنئي ورئيسي ووزير الخارجية الإيرانية أمير عبد اللهيان وبشار الأسد على حد سواء.

أي إنه رغم المجاملات والكلمات المنمقة في اللقاءات الرسمية، حملت تصريحات خامنئي رسالة مبطنة للأسد بأن أولئك الذين كانوا على الخطوط الأمامية ضد النظام خلال الثورة لا يمكن أن يكونوا شركاء أمناء في وقت السلم، وأن على الأسد البراغماتي، الذي يحاول أن يقبض بقوة على الفولاذ الإيراني وهو يحاول كسب الذهب العربي في نفس الوقت، ألا ينسى أن يضع إيران، الحليف العسكري في زمن الحرب، كحليف اقتصادي يتمتع بأولوية قصوى في عملية إعادة الإعمار القادمة.

وفي الحقيقة، يظهر هذا التوجه بشكل جدي في الزيارات العديدة لمسؤولي حكومة رئيسي الاقتصاديين والسياسيين إلى سوريا، بدءاً من زيارة رئيس مجلس شورى الملالي محمد باقر قاليباف، إلى زيارة وزير الصناعة الإيراني فاطمي أمين، وصولاً إلى زيارة وزير الطرق والتمنية الحضرية الإيرانية رستم قاسمي إلى سوريا، هذا بالإضافة إلى ثلاث زيارات لوزير الخارجية الإيراني أمير عبد اللهيان، وعدد كبير من زيارات الوفود الاقتصادية المختلفة في الأشهر القليلة الماضية إلى سوريا.

وللحفاظ على وجود مستدام في سوريا، تقوم الأولوية الإيرانية اليوم، إلى جانب الحفاظ على انتشار عسكري متنامٍ وتوسعي، على جعل شعاع مدى صواريخها مساوياً لشعاع نفوذها الاقتصادي في سوريا، حيث تظهر الإحصائيات التجارية المتبادلة أرقاماً خجولة جداً مقارنة مع دول المنطقة خلال السنوات الماضية.

ماذا يمكن أن تقدم إيران في عملية إعادة الإعمار السورية؟!

في الحقيقة يصعب الجزم بشكل قاطع في الوقت الحالي حول ماذا يمكن أن تقدم إيران لنظام الأسد في مرحلة إعادة الإعمار القادمة، في ظل إحصائيات تجارية متدنية وخجولة بسبب وجود عدة عوائق أساسية منها الطرق التجارية المكلفة والطويلة والعقوبات الأميركية، وقائمة طويلة من الاتفاقات الاقتصادية غير المترجمة على أرض الواقع (أكثر من 37 اتفاقية اقتصادية وعدد كبير من مذكرات التفاهم)، ومجموعة كبيرة من الهياكل والأجسام الإدارية المختصة غير الفاعلة بتوسيع عملية التبادل التجاري بين الجانبين.

وتزداد هذه الصعوبة في الجزم، عندما نظن أن الحكومة الإيرانية العاجزة عن تنفيذ وعدها ببناء مليون وحدة سكنية في العام الواحد داخل إيران، قادرة على بناء مئات آلاف الوحدات السكنية كانت قد وعدت إيران بتنفيذها داخل سوريا منذ شباط 2019 دون أي إجراء فعلي على أرض الواقع حتى الآن.

وفي الحقيقة، يشير تشابه ظروف اقتصاد البلدين المحاصرين بالعقوبات الاقتصادية وجيوب الشعبين الفارغة إلى أن انخراط إيران في عملية إعادةالإعمار  السورية المكلفة جداً لن يكون أمراً ميسراً البتة في الوقت الحالي.

لكن رغم أن هذه الحقائق يعلمها الإيرانيون جيداً،  يبدو أنهم يحاولون اتخاذ خطوات قصيرة وغير مؤثرة على المدى القصير، وخوض تجارب اقتصادية في ساحة الاستثمار السورية الخالية من أي منافسين اقتصاديين، ريثما تتنفس إيران الصعداء بعودة الأموال المجمدة ورفع العقوبات الاقتصادية مع توقيع الاتفاق النووي المنتظر.

في الوقت الحالي، لا تنظر إيران إلى سوريا كبلد يسكنه ملايين السكان، بل كموقع استراتيجي يمكن خلاله تصدير البضائع نحو الدول العربية وشمال أفريقيا، والدول الأوروبية عبر مياه المتوسط الدافئة.

وعليه لا يجب التركيز على استراتيجية توسيع الصادرات الإيرانية نحو هذا البلد بقدر ما يجب العمل على نقل الاستثمارات الإيرانية إليه، وتشجيع التجار ومستثمري القطاع الخاص الإيراني على الانخراط أكثر في ساحة خالية تقريباً من منافسين إقليميين محتملين.

ورغم أن أي مراقب قد يستبعد توقيع تفاهمات اقتصادية خلال رحلة نصف اليوم التي أجراها الأسد إلى طهران، فإن أرضية أي توافق اقتصادي مع إيران في كل مجال حيوي سوري موجودة وموقعة في اتفاقيات سابقة تنتظر فقط مرحلة الإجراء وتدفق الأموال الإيرانية.

أي إن رحلة الأسد غير المتوقعة نحو طهران لن تحتمل تفسيرات أو نتائج غير متوقعة على الصعيد السياسي وكذلك الصعيد الاقتصادي، الذي كشفته قبلها بكثير تصريحات المسؤولين الإيرانيين وزيارات الوفود الاقتصادية الإيرانية العديدة إلى سوريا.

من زيارة وزير الطرق والتنمية العمرانية، رستم قاسمي، الذي أعلن في زيارته الأخيرة لدمشق في يناير 2021 أنه لم يعد يسمح بالتأخير في إحياء الفرص الاقتصادية الضائعة في سوريا أمام إيران، إلى زيارة وزير الصناعة الإيرانية، فاطمي أمين، الذي وعد في نوفمبر 2021 بنقل تجارب تحويل السيارات السورية للعمل بوقود الغاز، ومن ثم اقتراحه على صناع الفولاذ الإيرانيين الراغبين بترك هذه الصناعة بسبب مجموعة تحديات كارتفاع الأسعار والانقطاعات في الكهرباء والغاز وارتفاع تعريفات الصادرات، بنقل صناعاتهم نحو سوريا.

تلفزيون سوريا

————————

خلطة أزمات/ مروان قبلان

فيما يبذل الأوروبيون محاولة “جديدة أخيرة” لإنقاذ الاتفاق النووي مع إيران، تتّجه الولايات المتحدة إلى رفع مستوى تسليح أوكرانيا لبلوغ هدفها المعلن المتمثل بإضعاف روسيا وإلحاق هزيمةٍ بها، وفيما تزداد حدّة التنافس وتتسع مساحته بين واشنطن وبكين لتشمل المنطقة الممتدة بين جزر سليمان جنوب المحيط الهادئ وصولًا إلى غرب أفريقيا، يقف العالم، في الأثناء، على مشارف أزمة جديدة كبرى، عنوانها الغذاء والطاقة، وهو لمّا يتعافى بعد من تداعيات جائحة كورونا. وعلى الرغم من تنوع هذه الأزمات، تباعدها، واختلاف موضوعاتها، إلا أنها تتداخل إلى درجةٍ بات من المتعذّر فصلها. ولا يبدو أن هناك مكانا آخر في العالم تتشابك فيه خيوط هذه الملفات، وتظهر تداعياتها جلية، كما في منطقة الخليج وعموم غرب آسيا. هنا، يظهر الترابط بشدّة بين هذه الأزمات من خلال مسارات متعدّدة، منها، كما أشرنا، محاولات إحياء الاتفاق النووي مع إيران، ليس فقط لتفادي مواجهة عسكرية محتملة معها في حال فشل المفاوضات، بل، وهو الأهم الآن، لمعالجة أزمة الطاقة التي باتت تقضّ مضجع الأوروبيين، مهدّدة أمنهم واقتصاداتهم، بعد أن صارت في قلب الصراع الدائر مع روسيا حول أوكرانيا. ويعتقد الأوروبيون، والأميركيون أيضا، (إدارة بايدن)، أن الاتفاق النووي، فوق أنه يعيد القيود على برنامج إيران النووي، فإن عودة النفط الإيراني إلى الأسواق تساعد في إضعاف روسيا عبر تقليص صادراتها النفطية، وصولا إلى إخراجها كليا، إذا أمكن، من سوق الطاقة العالمي، من دون تداعيات كبيرة على الإمدادات والأسعار.

لكن حقيقة أن إيران باتت، بغضّ طرفٍ أميركي، تصدّر كميات من النفط تصل، بحسب تصريحاتٍ إيرانية، إلى المستوى الذي كان قائما قبل إعادة فرض العقوبات عليها بعد انسحاب الرئيس ترامب من الاتفاق النووي في مايو/ أيار 2018، يعني أنها ما عادت مهتمةً بالعودة إلى الاتفاق النووي بالإلحاح الذي كان سابقا، ومن دون أن يتحقق أيضا التأثير المطلوب على الأسعار التي ظلت تراوح فوق مائة دولار للبرميل، رغم انخفاض الطلب الصيني بسبب عودة تفشّي وباء كورونا. هنا يدخل على الخط النفط الخليجي، حيث تمارس الولايات المتحدة ضغوطا متزايدة على السعودية والإمارات والكويت، التي تملك مجتمعة طاقة إنتاج احتياطية تبلغ نحو ثلاثة ملايين برميل يوميا (ما يعادل ضعف صادرات النفط الإيرانية حاليا)، للتخلّي عن تفاهماتها مع روسيا في إطار “أوبك +” وضخّ النفط بالطاقة القصوى. لكن السعودية والإمارات، تحديدا، ترفضان التجاوب، وتسعيان، كما يبدو، إلى استغلال الأزمات الأربع المذكورة (ملف إيران النووي، الغزو الروسي لأوكرانيا، أزمة الغذاء والطاقة العالمية، وازدياد حدّة التنافس بين القوى العظمى)، لتحقيق غاياتٍ متصلةٍ بعلاقاتهما الثنائية مع واشنطن. وعلى الرغم من تعاطفهما البادي مع الموقف الروسي، والتطوّر المضطرّد في علاقاتهما بالصين، إلا أن كل المؤشرات تقول إن السعودية والإمارات تهدفان إلى الالتصاق أكثر بواشنطن، وليس الابتعاد عنها. من هنا، عودة الحديث أخيرا عن طلب البلدين إبرام معاهدة دفاعية مع واشنطن، في مقابل دعم جهود إحياء اتفاق إيران النووي والمساعدة في حل أزمة الطاقة العالمية، ودعم سياسات احتواء الصين وروسيا. لكن الوصول بالعلاقات مع واشنطن إلى هذا المستوى تحول دونه عوائق مهمة، منها ما هو مرتبط بالداخل الأميركي، حيث ترتفع دعوات إلى مراجعة العلاقات مع السعودية والإمارات، وتجري محاولاتٌ في الإعلام ودوائر الكونغرس الأميركي لتحميلهما مسؤولية ارتفاع أسعار النفط، فضلا عن الامتعاض من دخول البلدين في لعبة الانقسام الداخلي الأميركي (العلاقة مع ترامب وعائلته).

أما دوليا، فلن تستسلم روسيا على الأرجح بسهولة لمحاولات إضعافها. وبجانب سعيها إلى مفاقمة الأزمات العالمية في وجه واشنطن، حيث باتت تتعمّد تعميق أزمة الغذاء العالمية من خلال حظرها تصدير الأسمدة، ومنع تصدير الحبوب من أوكرانيا، قد تحاول روسيا استخدام الخاصرة الرخوة للسعودية والإمارات (اليمن) لإحباط أي تفاهم مع واشنطن يستهدف محاصرتها، كما فعلت عندما حاولت إحباط مفاوضات إحياء الاتفاق النووي مع إيران، عبر طلب استثناء تجارتها مع هذه الأخيرة من العقوبات الغربية. ترابط الملفات وتشابكها بهذا الشكل يضفي مزيدا من التعقيد على أزمات المنطقة المعقدة أصلا، ويدفعها أكثر بعيدا عن الحل، خصوصا بعدما باتت رهينة عملية تصفية حساباتٍ بين المتنافسين الكبار على الساحة الدولية.

العربي الجديد

———————–

الأسد في طهران… قمة الأوهام/ طارق الحميد

زار بشار الأسد طهران سراً، في ثاني زيارة له منذ 2019، فلماذا الآن؟ وما الذي تهدف له هذه الزيارة؟ وماذا تعني، خصوصاً بعد محاولة احتواء الأسد وانتزاعه من أحضان إيران؟

وقبل الإجابة عن الأسئلة أعلاه لا بد من التوقف أمام تصريحين نقلهما التلفزيون الإيراني؛ الأول للأسد، ويقول فيه إن «العلاقات الاستراتيجية بين إيران وسوريا حالت دون سيطرة النظام الصهيوني – إسرائيل – على المنطقة».

بينما التصريح الثاني للمرشد الإيراني علي خامنئي الذي أبلغ الأسد بأن «سوريا اليوم ليست كما كانت قبل الحرب، رغم أنه لم يكن هناك دمار في ذلك الوقت، لكن احترام سوريا ومكانتها أكبر من ذي قبل، والجميع يرى هذا البلد كقوة».

وهذان التصريحان يظهران لنا أن قمة طهران ما كانت إلا قمة الأوهام، وأن نظام الأسد وإيران يرتبان لمرحلة تنشغل فيها روسيا بسبب الحرب بأوكرانيا، وأكثر من 10 آلاف عقوبة دولية على موسكو.

وعندما نقول قمة الأوهام، فهذه ليست مبالغة، فوسط الحديث عن العلاقات الاستراتيجية الإيرانية – السورية التي حالت دون سيطرة إسرائيل على المنطقة، بحسب تصريحات الأسد، وقوة سوريا التي يتحدث عنها خامنئي، نجد أن الحقائق مختلفة.

حيث استهدفت إسرائيل إيران والنظام الأسدي وميليشيات حزب الله في سوريا بأكثر من 400 ضربة جوية منذ عام 2017، وحتى الآن. كما أن جرائم إيران ونظام الأسد أسهمت في تحسين صورة إسرائيل بالمنطقة.

وعليه، فإن كل ما قيل بزيارة الأسد لإيران ليس إلا دعاية فجة، وحديث أوهام، حيث تحاول طهران والنظام الأسدي ترتيب أوراقهما جراء الانشغال الروسي، وتحسباً لتقارب سعودي – أميركي، وكذلك خليجي، مرتقب.

كما تقول لنا زيارة الأسد لطهران إن كل محاولة لاحتواء نظام الأسد وإبعاده عن أحضان إيران محكومة بالفشل، لأن النظام انتهى، ومهما حاول البعض إنقاذه، كما أن سوريا التي نعرف انتهت بالمستوى المنظور.

وقد يقول قائل هنا: وما الضير أن يزور الأسد طهران ودول المنطقة تتحاور مع إيران؟ والفرق هنا كبير، فدول المنطقة، ومنها السعودية، تحاور إيران بمحاولة عقلانية لنزع فتيل أزمة سببها طهران، وعلى أمل وقف الإرهاب الإيراني. بينما يزور الأسد طهران رامياً كل أوراقه في السلة الإيرانية بحثاً عن حمايته من السوريين، وحاشراً سوريا ككل في زاوية طائفية ضيقة، وبعد أن تحولت سوريا مسرحاً لكل الميليشيات الإيرانية.

وهنا ملاحظة أخرى تظهر الفارق بين نظام الأسد، وكل المنطقة، حيث ينتفض العراق رافضاً لإيران وميليشياتها، ومنتصراً للدولة، بينما يرتمي الأسد بأحضان طهران أكثر على أمل حمايته من السوريين.

والأمر الآخر الملفت هنا، تحديداً للغرب والولايات المتحدة، هو التلويح بمعاقبة من يتعامل مع الأسد بقانون قيصر، بينما يزور الأسد إيران، ويشيد والمرشد الأعلى بضعف أميركا بالمنطقة، ويواصل الغرب والولايات المتحدة الهرولة لإنجاز اتفاق مع إيران.

ولذا، فإن زيارة الأسد لطهران ما هي إلا محاولة لترتيب أوراقهم بمنطقة تتغير بشكل متسارع، ولا يفعل الأسد ذلك وفق منطق، بل وفق أوهام كقمة الأوهام الأخيرة بطهران.

الشرق الأوسط

——————————-

تموضع القوات الروسية: إيران الرابح الأكبر في سورية/ أمين العاصي

تشير المعطيات الميدانية إلى أن الجانب الروسي يجري عمليات إعادة تموضع قوات واسعة النطاق في سورية، وهو ما تستغله إيران التي حلّت مليشيات تابعة لها في العديد من المواقع التي أخلتها وحدات روسية أخيراً.

ومن الواضح أن موسكو بصدد نقل وحدات قتالية من الجبهات الهادئة في سورية إلى جبهات القتال الساخنة في أوكرانيا. وبحسب موقع “موسكو تايمز” فإن الأيام الماضية شهدت انسحاباً للقوات الروسية من العديد من المواقع في سورية، ومنها مستودعات مهين، جنوب شرقي حمص في وسط سورية، ومن مطاري التيفور وتدمر العسكريين في ريف حمص، ومن مواقع في محافظة دير الزور، شرقي سورية.

كما انسحبت القوات الروسية من مواقع في ريف إدلب، شمال غربي سورية، ومن أخرى في جنوب العاصمة السورية دمشق، إذ من المتوقع أن تنقل روسيا هذه القوات للزج بها في غزوها لأوكرانيا، في ظل معطيات تشير إلى طول أمد الحرب هناك.

تحركات للحرس الثوري الإيراني

وفي السياق، كشفت مصادر سورية لـ”العربي الجديد”، أن مليشيات تابعة للحرس الثوري الإيراني سحبت، أول من أمس الاثنين، قواتها بالكامل من مواقع عسكرية تابعة لها في ريف محافظة الحسكة نحو مدينة القامشلي، تمهيداً لنقلها إلى مطار دير الزور العسكري.

وقال الناشط أبو عمر البوكمالي في حديثٍ مع “العربي الجديد”، إن القوات الإيرانية انسحبت، ظهر أمس، من الفوج 123 المعروف باسم “فوج كوكب” باتجاه مطار القامشلي العسكري، الذي تُسيطر عليه القوات الروسية بريف الحسكة الشمالي، تمهيداً لنقلها باتجاه مطار دير الزور.

وأكد أن “150 عنصراً من الحرس الثوري وحزب الله اللبناني سحبوا كامل عتادهم بعد تفاهمات بين الجانبين الروسي والإيراني”. وكان رأس النظام السوري بشار الأسد زار العاصمة الإيرانية طهران بشكل مفاجئ يوم الأحد الماضي، للتنسيق كما يبدو مع القيادة الإيرانية في ضوء الانسحاب الروسي المتوقع من العديد من المواقع خلال الفترة المقبلة.

وقد خفت الاهتمام الروسي بسورية منذ أواخر شهر فبراير/شباط الماضي، حين بدأ الجيش الروسي غزواً لأوكرانيا خُطط له ليكون سريعاً وحاسماً، إلا أنه واجه مقاومة كبيرة من الجيش الأوكراني، وهو ما دفع الروس للاستعانة بقواتهم المدربة والمنتشرة في سورية.

وفي السياق، أكد القيادي في فصائل المعارضة السورية في شمال غربي سورية، العقيد مصطفى البكور، أن القوات الروسية سلّمت المليشيات الإيرانية مواقع في ريف حلب، مشيراً في حديثٍ مع “العربي الجديد”، إلى أن “لدى الروس في سورية قواعد رصد التشويش وقيادة نيران وغرف عمليات”.

وأوضح أن الشرطة العسكرية الشيشانية التابعة للروس “تنتشر في المدن”، مشيراً إلى أنه “تم رصد إقلاع عدة طائرات شحن وإنذار مبكر من قاعدة حميميم الروسية على الساحل السوري، قبيل إغلاق المجال الجوي التركي بوجه الطيران الروسي”.

واستدرك أنه “لم نلاحظ تغييراً في عدد الطائرات الحربية الروسية في سورية”. من جانبه، أشار الباحث في العلاقات الدولية طه عودة في حديث مع “العربي الجديد”، إلى أن “انسحاب وحدات من القوات الروسية من مواقع لها في سورية، مرتبط بشكل كبير بتطورات الحرب الروسية الأوكرانية”، مرجحاً “مشاركة الوحدات المنسحبة في العمليات العسكرية في أوكرانيا”.

وأضاف: الخطوة الروسية بتقليل عدد القوات في سورية كانت متوقعة بعد الخسائر التي تكبدها الجيش الروسي في أوكرانيا، كما أنها تأتي في سياق الهدف الذي رسمه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين منذ بداية الغزو وهو الانتصار بالحرب.

رصد

مخاوف إسرائيلية من سيطرة إيران على مواقع روسية في سورية

وأبدى عودة اعتقاده بأن روسيا “لن تنسحب من سورية بشكل كامل بعدما سنحت لها الفرصة بالوجود العسكري في المنطقة، وهذا كان هدفاً روسياً بعيداً”.

ورأى أن الانسحاب الراهن “مؤقت استفادت منه المليشيات الإيرانية”، مضيفاً: لكن الوجود الروسي استراتيجي بالدرجة الأولى ويخدم دولاً أخرى، مثل الكيان الصهيوني المنزعج من التمدد الإيراني في سورية.

وكانت روسيا قد تدخلت في 30 سبتمبر/أيلول 2015 عسكرياً لصالح نظام بشار الأسد، فبدلت المعادلة الميدانية لصالح قواته والمليشيات الإيرانية التي تساندها.

وتحت وطأة النيران الروسية انسحبت فصائل المعارضة من ريف دمشق ودرعا والقنيطرة، ومن ريف حمص الشمالي وحماة الشمالي وريفي حلب الجنوبي والغربي.

طبيعة الانتشار الروسي

وأنشأت وزارة الدفاع الروسية العديد من المواقع والقواعد في سورية، أبرزها قاعدة حميميم التي تضم قيادة القوات الروسية في عموم سورية. وتضمّ حميميم طائرات سوخوي من أنواع 34 و24 و30، ومروحيات هجوم وطائرات تجسّس، إضافة إلى طائرات هجومية أخرى ومنظومة صواريخ “أس ـ 400”.

وعلى الرغم من أن الروس اتخذوا من محاربة الإرهاب غطاءً للتدخل في سورية، إلا أن محاربتهم لتنظيم “داعش” اقتصرت على البادية السورية، فساعدوا قوات النظام ومليشيات متحالفة معها في استعادة مدينة تدمر من التنظيم مرتين، الأولى في مارس/ آذار 2016، والثانية في مارس 2017.

ولاحقاً أقام الروس قاعدة في مطار القامشلي ملحقة بقاعدة حميميم، إضافة إلى الانتشار في العديد من المواقع والمقرات في ريف دمشق وفي ريف حلب ودير الزور.

وليس هناك أرقام معلنة عن عدد الجنود الروس في سورية، إلا أنه من المرجح أن العدد لا يصل إلى 100 ألف جندي. وسبق أن كشفت تقارير إعلامية غربية أن بوتين أمر بنقل عدد كبير من جنوده في سورية لرفد القوات الغازية في أوكرانيا.

كما أعلنت وزارة الدفاع الأوكرانية مقتل عدد من الجنرالات الروس في المعارك الدائرة هناك، شارك بعضهم في العمليات العسكرية في سورية، ما يعني أن وزارة الدفاع الروسية زجت بوحدات كانت في سورية في الجبهات الساخنة في شرق أوكرانيا.

وتولى الجنرال الروسي ألكسندر دفورنيكوف الشهر الماضي مهمة قيادة القوات الروسية الغازية في أوكرانيا. ويُلقّب بـ”جزار سورية”، لدوره الكبير في عمليات القصف التي أدت إلى مقتل وإصابة آلاف السوريين، وتشريد الملايين، وتدمير مدن وأحياء.

وتعتبر روسيا المتحكم بالقرار العسكري للنظام، وترتبط بتفاهمات مع تركيا حيال الأوضاع في شمال غربي سورية. ومن المرجح أن تتطرق الجولة المقبلة من مسار أستانة، المقررة أواخر الشهر الحالي، بين الثلاثي الضامن في سورية (إيران، تركيا، روسيا) إلى مسألة إعادة التموضع التي يجريها الروس في سورية.

العربي الجديد

———————————

الأسد وقع في طهران على خط ائتمان إيراني لتزويد سوريا بالطاقة

كشفت وسائل إعلام محلية سورية عن تفعيل الخط الائتماني الإيراني – السوري خلال الزيارة المفاجئة التي قام بها الرئيس بشار الأسد إلى طهران، الأحد، وأفادت «وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا)» بتوقيع الأسد على «مرحلة جديدة» من الخط الائتماني، تضمن تزويد سوريا بمواد الطاقة والمواد الأساسية الأخرى لسد النقص الحاصل في تلك المواد. دون ذكر تفاصيل عن الحجم المالي للخط الائتماني.

ويعدّ خط الائتمان نوعاً من التسهيلات المالية والقروض الميسّرة، تمنحها المصارف والمؤسسات المالية، وفق سقف محدد للمبلغ الذي يمكن سحبه ما دام جرى الالتزام بموعد السداد، كما أن الخط الائتماني يكون قابلاً للزيادة حال استنفاد رصيده بالاتفاق بين الطرفين.

يذكر أن أول خط ائتماني افتتحته إيران لسوريا، كان في عام 2013 بقيمة مليار دولار بفوائد ميسرة، تبعه خط آخر بقيمة 3 مليارات دولار لتمويل احتياجات البلاد من النفط ومشتقاته. وفي عام 2015 تم فتح خط ائتماني جديد بقيمة مليار دولار، استخدمت دمشق إيراداته في تمويل استيراد البضائع والسلع وتنفيذ المشاريع. وتضمن الدعم الاقتصادي الإيراني للنظام في سوريا، إلى جانب خطوط الائتمان، العديد من اتفاقيات التعاون الاقتصادي التي شملت مجالات حيوية؛ أبرزها الكهرباء والسكك الحديدية، رغم العقوبات الدولية المفروضة على البلدين.

ودخلت سوريا مرحلة حرجة في أزمة الوقود ومواد الطاقة منذ منتصف شهر مارس (آذار) الماضي، بعد توقف وصول النفط الإيراني وتراجع الدعم الروسي، مع انخراط موسكو في الحرب الأوكرانية. وبحسب مصادر إعلامية، طلبت دمشق من دول عربية عدة تزويدها بالنفط عبر القطاع الخاص، إلا إن العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا حالت دون تلبية الطلب العاجل. وقالت مصادر اقتصادية في دمشق إنه لا يوجد حل سوى تفعيل خط الائتمان الإيراني ـ السوري، وإيجاد مخرج للشروط الإيرانية التي تتضمن الدفع النقدي مقابل النفط على خلفية العقوبات الدولية على الجانبين الإيراني والسوري.

وجاءت زيار الرئيس السوري بشار الأسد المفاجئة إلى إيران، الأحد، لبحث هذه المسألة، وتوجت بتفعيل خط الائتمان، وإعلان إيران استمرارها في تقديم الدعم الاقتصادي للأسد، الذي التقى مرشد الثورة الإيرانية على خامنئي، وحصل منه على تطمينات باستمرار الدعم؛ وفق ما ذكرته المصادر.

يذكر أن أزمة الوقود ومواد الطاقة ساهمت في تواصل ارتفاع أسعار جميع السلع والحاجيات والمواد الغذائية لتصل الى أكثر من 800 في المائة، في أعلى مستوى لها منذ عام 2013، وفق بيان صدر الاثنين عن «برنامج الأغذية العالمي» التابع للأمم المتحدة، حذر فيه من سيناريو «مقلق» للأمن الغذائي في سوريا. وجاء فيه أن «نحو 12 مليون شخص في سوريا، أي أكثر من نصف السكان، يواجهون انعداماً حاداً في الأمن الغذائي، بنسبة أكبر بـ51 في المائة من عام 2019، إلى جانب وجود نحو 1.9 مليون شخص معرضين لخطر الجوع، تزامناً مع تحول الوجبات الأساسية إلى رفاهية بالنسبة للملايين».

ودعا المدير التنفيذي للبرنامج، ديفيد بيزلي، المجتمع الدولي، الى تجنيب السوريين مستقبلاً كارثياً وتقديم دعم فوري وغير مشروط. وقال: «خلال عام واحد، شهدت سوريا احتياجات غير مسبوقة، ويتطلب التأثير الإضافي للحرب في أوكرانيا أن يتدخل المانحون للمساعدة على تجنب تقليل الحصص الغذائية أو تقليل عدد الأشخاص الذين يساعدهم البرنامج». وإيران؛ الحليف الإقليمي الرئيسي لسوريا، تدعم سلطة الأسد مالياً، وأرسلت آلاف «المتطوعين» إلى سوريا بإشراف أعضاء من «الحرس الثوري»، للقتال إلى جانب النظام في الحرب ضد مقاتلي المعارضة والجماعات المتشددة. وقال المرشد الإيراني، بحسب بيان نُشر على موقعه في أعقاب لقائه الأسد، إن العلاقات بين طهران ودمشق «حيوية» و«ينبغي بذل مزيد من الجهود المشتركة لتطوير العلاقات بين البلدين أكثر فأكثر».

———————————-

زيارة الأسد إلى طهران.. تعزيز للتعاون الاقتصادي أم ترتيب للأوراق؟

أكد المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية، علي خامنئي، أن بلاده “ستستمر في دعم النظام السوري لاستكماله انتصاره على الإرهاب”، في حين شبّه الرئيس الإيراني رئيس النظام بأنه “مثل والده حافظ الأسد، من وجوه جبهة المقاومة”.

جاء ذلك خلال لقاءات أجراها الأسد في طهران، بعد أن أعلنت وسائل إعلام، صباح أول أمس الأحد، عن زيارة سريعة وغير معلنة قام بها الأسد إلى إيران، التقى خلالها خامنئي ورئيسي، في وقت تحدثت تقارير إعلامية عن “إعادة تموضع وترتيب أوراق” لإيران وميليشياتها في سوريا في ظل انسحاب وحدات روسية.

خامنئي ورئيسي: تعزيز العلاقات الاقتصادية

ووفق ما نقلت وسائل إعلام النظام وإيران، فإن خامنئي أكد على “العلاقات التاريخية بين البلدين، القائمة على التعاون الثنائي والتفاهم المشترك حول قضايا ومشكلات المنطقة والتحديات التي تواجهها”.

وأشار المرشد الإيراني إلى أن “الولايات المتحدة اليوم أضعف من أي وقتٍ مضى”، وخاطب الأسد بالقول “ليس لدينا أدنى شك بأنكم قادرون على تحرير ما تبقى من الأراضي السورية وبقيادتكم سوف تبقى سوريا موحدة، وعلينا أن نحافظ على العلاقة القوية التي تجمع بلدينا وشعبينا، وهذا مفيدٌ ليس لبلدينا فقط، بل ضروري للمنطقة أيضاً”.

من جانبه، أكد إبراهيم رئيسي أن “مقاتلي المقاومة أثبتوا أنهم قوة موثوقة لإرساء الاستقرار والأمن في المنطقة، بما في ذلك سوريا”، مشدداً على ضرورة “احترام جميع الدول لسيادة سوريا وسلامة أراضيها”.

واعتبر رئيسي أن “شجاعة جيش النظام وقوات الدفاع الوطني ومقاتلي المقاومة الإسلامية في المنطقة، وخاصة حزب الله، لعبت دوراً رئيسياً في تجفيف جذور داعش والجماعات الإرهابية الأخرى”.

وعن الغارات الإسرائيلية على سوريا، أكد رئيسي أن التهديدات الإسرائيلية في المنطقة “يجب التصدي لها من خلال تعزيز وتنويع معادلات الردع”.

وشدد الرئيس الإيراني على “ضرورة تعزيز وتحسين مستوى التعاون والتنسيق والعلاقات بين البلدين، لا سيما في المجالات الاقتصادية والتجارية”.

الأسد: علاقاتنا استراتيجية

من جانبه، أكد رئيس النظام، بشار الأسد استعداد نظامه “لتنسيق أوسع مع إيران في المجالات الأمنية والسياسية والاقتصادية”، مشيراً إلى أنه “خلال سنوات من المقاومة والمواجهة مع العدوان الغربي والتكفيري، كانت إيران الدولة الوحيدة التي وقفت إلى جانبنا”.

ووصف الأسد العلاقات بين سوريا وإيران بأنها “استراتيجية”، مضيفاً أن “التطورات في المنطقة بعد عقد من الحرب ضد محور المقاومة أظهرت أن المقاومة فاعلة ومثمرة”.

وأشار رئيس النظام إلى أن “التجربة أثبتت أن التنسيق والتفاعل بين دول المنطقة حول مختلف القضايا، بما في ذلك القضية الفلسطينية، كان فعالاً للغاية، وأظهر نجاح المقاومة الفلسطينية”.

“ترتيب الأوراق”

ونقلت قناة “الجزيرة

” عن مصدر إيراني غير رسمي مقرّب من “الحرس الثوري”، دون أن تسمّيه، تأكيده أن زيارة رئيس النظام الأخيرة إلى طهران “جاءت لترتيب الأوراق والتنسيق عقب انسحاب بعض الوحدات الروسية من الأراضي السورية، للمشاركة في حرب أوكرانيا”.

وأضاف المصدر أن موسكو بدأت بسحب قواتها من نحو 30 نقطة عسكرية، منذ بداية الشهر الثاني من حربها على أوكرانيا، مضيفاً أن القوات الإيرانية وقوات من “حزب الله” حلت بالفعل محل الوحدات الروسية على الأراضي السورية.

وأشار المصدر الإيراني إلى أن “قوات إيرانية وقوات من حزب الله استقرت منذ نحو شهر في 3 نقاط عسكرية في محافظة إدلب وريفها، و4 مواقع أخرى في جنوب العاصمة دمشق، عقب نقل القوات الروسية إلى الجبهة الأوكرانية”، وفق “الجزيرة”.

في مقابل ذلك، قال القيادي السابق في “الحرس الثوري” الإيراني، حسين كنعاني مقدم، إن “ما أقدمت عليه موسكو لا يعني انسحاباً كلياً من سوريا، وإنما إعادة تموضع ونقل القوات المحنكة من الجبهة الهادئة في سوريا إلى الجبهة الساخنة في أوكرانيا”، مؤكداً أن روسيا “سترفد قواعدها في سوريا بقوات أخرى”.

ووصف مقدم التعاون العسكري الإيراني الروسي على الأراضي السورية بأنه “استراتيجي”، مشيراً إلى وجود “تفاهم روسي إيراني مسبق لمساندة الآخر في حال حصول عجز في قواتهما ببعض الجبهات في سوريا”، وفق “الجزيرة”.

رسائل روسية وحرص إيراني على الهيمنة

وفي دراسة له، قال مركز “جسور للدراسات

” إن زيارة الأسد إلى طهران تأتي “في ظل انشغال روسيا في الصراع مع أوكرانيا، والذي أصبح في المرتبة الأولى من سلم أولويات سياستها الخارجية، مما يتيح الفرصة لإيران من أجل التأكيد على نفوذها في سوريا، واتخاذ إجراءات من شأنها تعزيز ارتباط النظام بها”.

وأكد التقرير أن إيران “ستكون أكثر حرصاً على فرض مزيد من الهيمنة على قطاعات الدولة في سوريا، اقتصادياً وعسكرياً وأمنياً، وهذا ما يفسر توقيع الطرفين مرحلة جديدة من الخط الائتماني لتزويد النظام بمواد الطاقة والمواد الأساسية الأخرى”.

وأشار إلى أنه من المتوقع أن تقدم البنوك الإيرانية مزيدا من التسهيلات للنظام من أجل الحصول على قروض جديدة وضمان وصول شحنات جديدة من المحروقات بعد تراجع كمياتها منذ مطلع العام 2022.

ولفت “جسور للدراسات” إلى أنه سبق وصول الأسد إلى طهران إنشاء الميليشيات التابعة لإيران مواقع عسكرية جديدة لها جنوب ووسط سوريا، منذ منتصف نيسان ومطلع أيار الجاري، تركزت في ريف الرقة وريفي درعا والسويداء.

وأوضح التقرير أن “هناك حرصا واضحا من قبل إيران على استعراض نفوذها في سوريا قبيل انعقاد جولة جديدة من المباحثات النووية، في حين يعتزم وزير الخارجية، حسين عبد اللهيان، لقاء وزراء خارجية الدول المتمسكة بالاتفاق خلال زيارته إلى نيويورك”.

وذكر التقرير أنه “رغم عدم القدرة على الجزم بوجود تنسيق بين روسيا وإيران حول الزيارة، فإن ذلك لا يعني بالضرورة رفض أو استياء أو عدم رغبة روسيا بهذه التحركات، بل من المحتمل أنها راضية ضمنياً عن الزيارة، التي تظهر تراجع التزام روسيا بضبط أنشطة إيران في سوريا”.

وأشار “جسور للدراسات” إلى أن روسيا تريد توجيه رسائل للفاعلين الدوليين وعلى رأسهم إسرائيل، في ظل التوتر الواضح بين موسكو وتل أبيب، وانخفاض التنسيق بين الجانبين في سوريا، على خلفية موقف إسرائيل تجاه الصراع في أوكرانيا.

 ———————————-

=======================

تحديث 12 أيار 2022

————————–

خامنئي الذي يرى ما لا يراه الآخرون/ علي قاسم

المرشد الإيراني علي خامنئي لم يجانب الصواب عندما قال مخاطبا الرئيس السوري بشار الأسد إن “سوريا اليوم ليست هي سوريا قبل الحرب”.

خامنئي يرى ما لا يراه الآخرون، ويمتدح “نجاحات عظيمة” حققتها سوريا ويثني على مساندة الشعب السوري للنظام.

بالتأكيد لم تخن الذاكرة خامنئي، وهو يعلم أن سوريا تحولت خلال عشر سنوات إلى ساحة صراع واقتتال لقوى محلية ودولية، كانت إيران واحدة من ضمنها.

هذا الجانب المظلم لا يراه خامنئي، فماذا يعني له موت مليون، أو كل الكون، كما يقول الشاعر المصري أحمد فؤاد نجم، طالما أن العمر “مش مضمون”.

المرشد الإيراني لم يقل ما قاله ساخرا. هو فعلا، لا يكترث إن مات مليون إنسان أو مات الكون كله. هو الذي تربى على ثقافة حب الموت.

السوريون على العكس من خامنئي، تربوا على ثقافة حب الحياة. إلا أن ثقافة الموت فرضت عليهم فرضا.

ما حدث في سوريا يوم الثامن عشر من مارس – آذار 2011 لم يكن مجرد صبية كتبوا شعارات على الجدران في مدينة درعا ورد فعل مبالغ فيه من رجال الأمن، إلا بمقدار ما أريد لنا أن نصدق أن حكاية حادثة المروحة التي لوح بها الباشا العثماني الداي حسين بوجه القنصل الفرنسي سببا لإعلان فرنسا الحرب على الجزائر، ومن ثم احتلالها لمدة زادت على 130 عاماً. ولم تخرج إلا بعد أن دفع الجزائريون مليون ضحية كانت ثمنا لاستقلالهم عن فرنسا.

ما حدث في سوريا مجزرة استمرت عشر سنوات راح ضحيتها مدنيون وعسكريون ورجال أمن. مجزرة لم يتسبب بها السوريون، بل فرضت عليهم فرضا

ما حدث في مدينة درعا في سوريا كان ذريعة للبدء بتنفيذ مخطط مدروس ينتظر مروحة الداي.

بالتأكيد يعلم خامنئي أن سوريا وحال السوريين فيها قبل الأحداث كان أفضل بمئة، بل بألف، مرة من الحال التي هم عليها الآن. ولكن وجدوا أنفسهم مساقين سوقا للاستجارة من الرمضاء بالنار.

رمضاء إيران وبوتين، أوقفت أطماع تركيا ومتشددين إسلاميين أرادوا إعادة أقدم عاصمة مأهولة في التاريخ إلى عصور ما قبل التاريخ وتحويل مآثرها إلى كهوف تورا بورا.

ولكن حدث كل هذا بثمن.

نجت سوريا من مصير أفغانستان بعد أن أكره 6.7 مليون سوري على مغادرة بيوتهم والرحيل عن ديارهم. نجت، بعد أن أصبح 9 من كل عشرة سوريين يعيشون في فقر مدقع. نجت، واليونيسيف تناشد اليوم دول العالم تقديم مساعدات لـ6.5 مليون طفل سوري هم في أمس الحاجة إليها.

نجت، بعد أن خلف الاقتتال وراءه ركام مدن واقتصادا مدمرا.

442 مليار دولار إجمالي الخسائر المالية التي مُني بها الاقتصاد السوري بعد ثماني سنوات من الحرب فقط، وفق تقديرات نشرتها الأمم المتحدة في سبتمبر – أيلول 2020.

98 في المئة قيمة تدهور سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار في السوق السوداء خلال العقد الأخير.

60 ضعفاً ارتفع ثمن كيس الخبز منذ اندلاع النزاع.

300 ليرة سورية ثمن بيضة واحدة مقابل ثلاث ليرات عام 2011.

 70 في المئة من محطات الكهرباء وخطوط إمداد الوقود توقفت عن الخدمة بسبب القتال.

ثلث المدارس دمر أو استولى عليها مقاتلون، بينما دُمّر أو تضرر أكثر من خمسين في المئة من البنى التحتية الصحية.

المرشد الإيراني لم يقل ما قاله ساخرا. هو فعلا، لا يكترث إن مات مليون إنسان أو مات الكون كله. هو الذي تربى على ثقافة حب الموت

يحتاج السوريون اليوم إلى 400 مليار دولار على الأقل لإعادة إعمار بلادهم وإرجاعها إلى سابق عهدها. وهذا بالطبع لن يعيد إلى الحياة الآلاف من الضحايا الذين فقدوا في الاقتتال.

السوريون لم يمشوا بأقدامهم طوعا إلى التهلكة، بل سيقوا إليها سوقا، وما حدث كان لا بد أن يحدث، لأن ما خطط له كان أكبر من قدرتهم على تلافيه.

الثمن الباهظ الذي دفعه السوريون يجب ألّا يذهب هباء منثورا. وهو بالفعل لم يذهب هباء، بل بقي مزروعا بالأرض.

لقد نبهت سوريا الدول العربية إلى مخاطر الوقوع في مستنقع التشدد، وها هي دول طالما عرف عنها دعمها للمتشددين تحاول التبرؤ منهم. حتى بروتوس تركيا، رجب طيب أردوغان، يحاول أن يتبرأ اليوم من الإخوان وتفرعاتهم. وكذلك يفعل حكام قطر.

ولكن، هل يتخلى الذين وضعوا المخطط منذ البداية عن أحلامهم، ويتركون للصلح مكانا لتعود سوريا إلى مكانها الطبيعي بين الدول العربية؟

بالطبع لا. والدليل إخراجهم لفيديو يسجل ما قالوا إنه مجزرة ارتكبت عام 2013 راح ضحيتها عشرات من السوريين الأبرياء، في محاولة لثني الأيادي الممدودة باتجاه سوريا. وإبقاء جراح السوريين مفتوحة تنزف.

هل يحتاج العالم إلى مثل هذا الدليل ليعلم أن الساحة السورية شهدت العديد من المجازر؟

ما حدث في سوريا مجزرة استمرت عشر سنوات راح ضحيتها مدنيون وعسكريون ورجال أمن. مجزرة لم يتسبب بها السوريون، بل فرضت عليهم فرضا.

بالتأكيد “سوريا اليوم ليست هي سوريا قبل الحرب”، ولكن ليس بالمعنى الذي لمح إليه خامنئي. والسوريون أكثر من يدرك ذلك.

لا يحتاج السوريون اليوم إلى من ينكأ جراحهم المفتوحة أصلا، بل يحتاجون إلى من يضمدها. ويحتاجون قبل كل شيء إلى المصالحة، فهم جميعا ضحايا مؤامرة لم تكن أحداث درعا فيها سوى مروحة.

كاتب سوري مقيم في تونس

العرب

————————–

دلالات زيارة بشار الأسد لإيران/هدى رؤوف

قام رئيس النظام السوري بشار الأسد بزيارة إلى طهران للقاء المسؤولين الإيرانيين، بمن فيهم المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي والرئيس الإيرانى إبراهيم رئيسي. وتحمل الزيارة دلالات هامة نظراً لندرة تحركات الأسد للخارج منذ اندلاع الحرب الأهلية بسوريا عام 2011، ولأنها ثاني زيارة لإيران. الزيارة الأولى هي التي نتج عنها استقالة وزير الخارجية الإيراني حينها جواد ظريف اعتراضاً على تجاهل دور وزارة الخارجية في لقاء الأسد في حين التقاه فقط قاسم سليماني قائد فيلق القدس السابق.

ومن ثم، فإن الزيارة تسلط الضوء على التوقيت وما يعنيه من دلالات. فمنذ اندلاع وباء COVID-19 في فبراير (شباط) 2020، لم يلتقِ خامنئي عديداً من الأشخاص.

وخلال لقائه مع الأسد، أشاد خامنئي بما أسماه “مقاومة سوريا” في الحرب الأهلية التي تشهدها، كما دعا إلى توسيع العلاقات بين البلدين، مؤكداً أن “سوريا اليوم ليست سوريا التي كانت قبل الحرب، وأن اليوم احترام سوريا وثقتها أكبر من السابق، والجميع ينظر إلى سوريا على أنها قوة”. وأشاد الأسد خلال اللقاء بموقف إيران من القضايا الإقليمية على مدى العقود الأربعة الماضية، خصوصاً فيما يتعلق بفلسطين. وقال “إن العامل الذي منع إسرائيل من ترسيخ قوتها في المنطقة هو علاقة إيران وسوريا ومقاومتهما”.

مع اقتراب نهاية الحرب وقبول دول المنطقة بتطوير العلاقات مع الأسد وعودة سوريا للحاضنة العربية، حيث تحسنت بعض العلاقات العربية السورية، ما يمهد كذلك للمشاركة في جهود إعادة الإعمار، فمن الممكن أن تسعى إيران إلى مزيد من توطيد العلاقات قبل أن تبدأ الدول العربية في الاستثمار في سوريا، بالتالي تريد إيران توطين نفسها كزاوية النفوذ السياسي والاقتصادي في سوريا.

وفي الوقت الذي يمكن القول فيه إن نظام بشار الأسد تجاوز الاضطرابات، ما زال يتسم بالضعف وقلة الموارد وضعف السيطرة في الحكم. فما زال الأسد يعاني مشكلات في الداخل، اقتصادياً، وما لا يقل عن الثلثين يعيشون تحت خط الفقر البالغ نحو 1.90 دولار في اليوم، بينما تقدر معدلات البطالة بأكثر من 50 في المئة. وتفاقم هذا الوضع الاقتصادي الحرج خلال عام 2020 بسبب جائحة كورونا، إلى جانب العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الإدارة الأميركية (قانون قيصر، الذي دخل حيز التنفيذ في يونيو/ حزيران 2020). ومن جهة أخرى، يعاني الأسد مشكلات السيطرة والسلطة، فتركيا تحتل شمال سوريا، وقوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة تسيطر على شرق سوريا، وهناك اشتباكات متكررة في جنوب سوريا، لذا قام الأسد بالتواصل مع بعض الدول العربية مثل مصر والإمارات والأردن. كما يرغب في تطبيع علاقاته مع جامعة الدول العربية. كما أن تركيا تريد إجبار مليون لاجئ سوري على العودة إلى سوريا، وروسيا مشتتة في الأزمة الأوكرانية، لذا يحتاج النظام السوري لإيران أكثر من أي وقت مضى، حتى يظهر أن لديه بعض القوة والمساواة في علاقاته الخارجية.

ويريد الأسد أن يؤكد الحفاظ على حريته في الحركة، ومع ذلك لن تستعيد سوريا بسهولة وضعها الذي كانت عليه قبل الحرب، فالنظام السوري مع افتقاره إلى القوى البشرية والموارد الاقتصادية، سيبقى معتمداً على حليفيه، روسيا وإيران، اللذين يسعيان لتأمين وجودهما وسيطرتهما على سوريا، والتنافس فيما بينهما. وعلى الرغم من قيام النظام السوري بخطوات لإعادة بناء مؤسسات الدولة، فإن حليفيه روسيا وإيران يفتقران إلى الموارد اللازمة لإعادة البناء والأعمار.

وسيظل التحدي الذي يواجه الأسد هو كيفية التوازن بين علاقته بإيران وعودة العلاقات العربية السورية مرة أخرى، وهو تحدٍّ سيظل قائماً، لا سيما في ظل تشتت الجهود الروسية في الأزمة الأوكرانية، وتزداد حاجة الأسد للاعتماد على الدعم الإيراني من جهة، والدعم العربي والخليجي من جهة أخرى.

اندبندنت عربية

—————————–

الأسد في طهران/ حسن فحص

زيارة الساعات الأربع المفاجئة التي قام بها الرئيس السوري بشار الأسد إلى العاصمة الإيرانية طهران، واللقاء الذي عقده مع المرشد الأعلى للنظام علي خامنئي ونظيره إبراهيم رئيسي، تأتي في توقيت دقيق على المستويين الإقليمي والدولي، سواء في ما يتعلق بحال الغموض التي تمر بها المفاوضات النووية بين إيران والمجموعة الدولية، أو ما يتعلق بتداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا.

زيارة الأسد تأتي أيضاً كجزء من حراك إقليمي ودولي باتجاه طهران، إذ تزامنت مع زيارة وزير خارجية النمسا والموقف الذي صدر عن نظيره الإيراني حسين أمير عبداللهيان، الذي أكد فيه رفض بلاده لما يجري في أوكرانيا، ومن المفترض أيضاً أن تستقبل في الأيام المقبلة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد في إطار جولة تأخذه إلى ألمانيا وبريطانيا وعدد من دول الاتحاد الأوروبي، في حين يستعد مساعد مفوض السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي إنريكه مورا لزيارة طهران وإجراء مفاوضات الفرصة الأخيرة لإعادة إحياء مفاوضات فيينا.

في الشكل حاول قائد قوة القدس إسماعيل قاآني إيصال رسالة واضحة إلى الإدارة الأميركية والدول المتمسكة بموقفها الحازم في مسألة العقوبات على حرس الثورة وإدراجه على لائحة المنظمات الإرهابية، بأنه ما زال الذراع الإقليمية الأقوى للنظام الإيراني في الإقليم، وأن أي محاولة للتفاوض مع طهران لابد أن تمر عبر هذه البوابة، بخاصة إذا ما أرادت هذه الدول، وتحديداً واشنطن، التوصل إلى تفاهمات تساعد في ترتيب المنطقة وأوضاعها، بحيث تساعد في تخفيف انخراطها في أزماته.

وفي الشكل أيضاً استطاع قاآني تلافي الأخطاء التي وقع فيها سلفه قاسم سليماني خلال الزيارة السابقة للأسد إلى طهران في عهد الرئيس حسن روحاني عام 2018، والتي أحدثت شرخاً في العلاقة بين سليماني ووزير الخارجية محمد جواد ظريف الذي اُستبعد من الزيارة، إذ شارك عبداللهيان في اللقاء الذي جمع الأسد مع المرشد إلى جانب رئيسي وقاآني، وهي خطوة توحي بوجود نوع من الثقة بين “قيادة الميدان” و”قيادة الدبلوماسي” في العهد الجديد، كانت مفقودة في عهد روحاني وظريف.

وفي المضمون فإن الزيارة تشكل حاجة إيرانية خلال هذه المرحلة بقدر الحاجة نفسها التي تشكلها للأسد ونظامه، فهي تصب في إطار تنسيق المواقف للتعامل مع التطورات والمستجدات المتوقعة على الصعيدين الإقليمي والدولي، وما فيها من إعادة ترتيب الأوراق ومناطق وحدود النفوذ بين القوى الفاعلة والمؤثرة في معادلاتها، فالنظام الإيراني يعمل على تثبيت معادلة دوره ومساحة نفوذه في الإقليم استعداداً لوضعها على طاولة أي تسوية إقليمية أو دولية، وهي رسالة للأطراف الإقليمية المعنية بمواجهة النفوذ الإيراني، وأن المعادلة التي يجب أن تؤخذ في الاعتبار أن النظام لن يسمح بإدخال أي تعديل يؤثر أو يؤدي إلى تقليص نفوذ المحور الذي يقوده، والممتد من العراق مروراً بسوريا ووصولاً إلى لبنان، إضافة إلى اليمن، وأن التداخل في مناطق النفوذ مع القوى الإقليمية الفاعلة والمنافسة له على هذه الساحة لا يعني إمكان استسلامه أو تراجعه، بخاصة أنه بدأ مساراً يأمل بأن ينتهي إلى تسويات مع العواصم الإقليمية حول بعض الملفات المتأزمة، مثل الرهان على حصول إيجابية على خط الحوار مع السعودية حول الأزمة اليمنية، وتمرير الاستحقاقات الدستورية في العراق في إطار تفاهمات مع الجهات المؤثرة في هذه الساحة في أنقرة وأبوظبي والرياض.

أما في الموضوع السوري الذي يشكل مركز الاهتمام الإيراني خلال المرحلة المقبلة في ظل مساعيه إلى إدارة الملفات الأخرى من طريق الحوارات المتشعبة، فإنه يسعى ويعمل لتسهيل انطلاق مسار الحل السياسي المتحكم بمسار إعادة الإعمار الذي ما زال عالقاً ومعطلاً على الرغم من إعلان النصر الذي رافق زيارة الأسد العام 2018، وهو ما كرس حقيقة أن الانتصار الميداني تصعب ترجمته سياسياً واقتصادياً من دون التوصل إلى تفاهمات مع القوى المؤثرة في الساحة السورية.

تثبيت التحالف أو العلاقة الاستراتيجية بين طهران ودمشق يأتي في الوقت الضائع الذي تنشغل فيه موسكو بحربها التي بدأت تتحول إلى استنزاف في أوكرانيا، مما أتاح لطهران أن تلتقط أنفاسها على الساحة السورية بعد أن عمدت موسكو إلى محاصرة دورها والتضييق عليها، وقد تكون هذه الخطوة إما بالتفاهم بينهما ومن باب ملء الفراغ منعاً لدخول لاعبين جدد أو تعزيز أدوار لاعبين موجودين، وإما من باب توظيف الانشغال الروسي وفرض تقاسم جديد لمساحات النفوذ بينهما، وفي كلا الحالين التواطؤ على مواجهة الطموحات التركية ومحاصرتها، ولعل المؤشر الأولي لهذه المتغيرات جاء مع إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نية حكومته إعادة نحو مليون لاجئ سوري إلى بلادهم، وإعلان الحكومة الألمانية تقديم دعم للاجئين بأكثر من مليار يورو، ومعها قطر بنحو 50 مليون دولار، وهو ما يعني في المحصلة الضغط على أنقره تمهيداً لإنهاء أزمة الشمال السوري وإعادته إلى سيطرة الحكومة المركزية في إطار تعزيز سلطة النظام وتأهيله للمرحلة المقبلة.

ولم تغب مسألة إعادة سوريا إلى الجامعة العربية والاحتضان العربي للنظام في دمشق عن بنود المحادثات التي دارت بين المرشد الأعلى والأسد، إذ لا تعارض طهران هذه الجهود لأنها تفتح الطريق أمام تفعيل مسار الحل السياسي، وتسهم في طمأنة العواصم العربية المعنية بالأزمة السورية بإمكان تحويل هذا البلد إلى مساحة حوار وتفاهم، وليكون مدخلاً لحل ملفات ونزاعات أخرى عالقة بين الطرفين، بخاصة الساحة اللبنانية التي من المتوقع أن تشهد بعد الانتخابات البرلمانية عودة فاعلة ونشطة للدور السوري.

أما في موضوع السلام الإقليمي وإمكان تفعيل مسار التفاوض بين دمشق وتل أبيب الذي يعد جزءاً من الجهود العربية الساعية إلى الدفع بعملية السلام في المنطقة، فلا يبدو أن طهران تعارض هذا التوجه بما يضمن لدمشق استعادة أراضيها في مرتفعات الجولان، وحتى تحويلها إلى منطقة عازلة منزوعة السلاح تحت إشراف دولي، من دون أن تدخل دمشق في مسار تطبيعي سيشكل إحراجاً لها ومحاصرتها على هذه الساحة، بخاصة أن النظام في طهران يرى أن معركته في الإقليم محصورة مع تل أبيب والتصدي لمساعيها الرامية إلى إخراجه من مناطق نفوذه في لبنان وسوريا والعراق، بما تشكله من موقع متقدم في رؤية كلا الطرفين الاستراتيجية وتقاسم النفوذ الجيو-سياسي.

الشرق الاوسط

————————-

==================

تحديث 13 أيار 2022

———————–

الأسد في طهران: مأساة الشنكليش وملهاة المعكرونة/ صبحي حديدي

توجّب الاستماع إلى المؤتمر الصحافي الذي عقده سعيد خطيب زادة، الناطق باسم وزارة الخارجية الإيرانية، وقراءة تقرير صحيفة Tehran Times بالإنكليزية؛ كي تُتاح للمرء فرصة أفضل للوقوف على تصريحات رئيس النظام السوري بشار الأسد خلال لقائه مع المرشد الأعلى للثورة الإسلامية علي خامنئي؛ ضمن برنامج الزيارة الأخيرة الخاطفة، غير المعلن عنها مسبقاً، التي قام بها الأسد إلى طهران مؤخراً. بين «الدرّ الثمين» الذي نطق به الأخير هذا المثال الأوّل: «مقاومة إيران وموقفها الثابت على امتداد العقود الأربعة الأخيرة في المسائل الإقليمية، وخاصة مسألة فلسطين، أظهرت لشعوب المنطقة قاطبة أن الدرب الذي سلكته إيران هو الدرب الصحيح المستند إلى المبادئ». «درّة» ثانية سارت هكذا: «يعتقد بعض الناس أنّ دعم إيران لجبهة المقاومة يعني الدعم بالسلاح. لكنّ المساندة والمساعدة الأشدّ أهمية هي نفخ روح المقاومة في المنطقة ومواصلة القيام بهذا». وأمّا النموذج الثالث، التالي، فلعلّه صاحب السبق في الضلال والتضليل وإضافة الإهانة إلى جراح الملايين من أبناء سوريا وفلسطين وإيران في آن معاً: «الدمار الذي أحدثته الحرب يمكن إعادة بنائه، ولكن لو دُمّرت الأسس والمبادئ فهذه لا يمكن إعادة بنائها. ومقاومة الأمّة الإيرانية على أساس الركائز والمبادئ التي أقامها الإمام الخميني، وتواصلت مع جهود سيادتكم، تعبّد الطريق إلى انتصارات الأمّة الإيرانية وشعوب المنطقة، خاصة الشعب الفلسطيني».

المرشد الأعلى، من جانبه، لم يفوّت الفرصة لممارسة الطراز الخاصّ به من تنافخ لا يتوسل سوى التضليل، فأثنى على الدور الشخصي الذي لعبه الأسد لضمان «انتصار سوريا في الحرب الدولية» التي شُنّت عليها؛ بحيث بات «رئيس البلد وشعب سوريا محطّ تشريف حقيقي في أنظار أمم المنطقة». وإذْ غمز من قناة «رؤساء بعض البلدان المجاورة الذين يتلقون مع قادة النظام الصهيوني ويحتسون القهوة معهم» تناسى خامنئي أنّ الأسد الجالس إلى يساره احتسى القهوة مع أحد هؤلاء، محمد بن زايد، قبل أسابيع معدودات فقط؛ ولا يغيّر من الحال أنّ الفناجين الإماراتية قُدّمت في مرآب، وليس في قصر منيف. وضمن إطراء «الشهيد» قاسم سليماني، حرص خامنئي على ربط سلال النفوذ الإيراني، وحروب طهران الأسبق والأوسع في المنطقة، فاستذكر أنّ «حماس الشهيد في سوريا لم يختلف عن نهجه خلال ثماني سنوات من دفاع إيران المقدس» في إشارة إلى الحرب العراقية -الإيرانية.

وخلال المؤتمر الصحافي المشار إليه أعلاه، لم يُطرح على خطيب زادة أيّ سؤال يخصّ الـ«معكرونة غيت» أو الفضيحة التي باتت تُنسب إلى الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، على خلفية الارتفاع الخرافي في أسعار الأكلة الشعبية الإيرانية، والارتفاع المماثل في أسعار الخبز؛ بتأثير أوّل مباشر هو خفض الدعم الحكومي عن الدقيق المستورد، الذي لا علاقة له بما تشيعه السلطة عن ارتفاع أسعار المواد الغذائية بعد الغزو الروسي في أوكرانيا. انتقاد سياسات رئيسي في هذا الملف جاء من جهات متعددة الأغراض والمواقع، كما في رأي عبد الناصر همتي الرئيس السابق للبنك المركزي ومنافس رئيسي في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، الذي اعتبر أن خطط الرئيس لن تخفف أي عبء عن ذوي الدخل المحدود؛ أو الانتقاد، اللافت تماماً، الذي خرج به قائد وحدة الفضاء الإلكتروني لمنظمة الباسيج الاستخباراتية (مالكة الاسم الرسمي»قوّات تعبئة الفقراء والمستضعفين») الذي اتهم رئيسي بالانشغال عن قضايا الشعب والتفرّغ لتفكيك شبكات التهريب التابعة للرئيس السابق حسن روحاني!

والصلات الوثيقة بين مشكلات الشعب الإيراني المعيشية وسياسة التدخل الإيراني المباشر في سوريا، بما تنطوي عليه من تبعات اقتصادية في المقام الأوّل؛ ليست البتة جديدة، وهي تحتلّ مكانة الصدارة في أحاديث الإيرانيين اليومية، لأنها في الآن ذاته تحظى بموقع متقدّم في برامج الساسة قبل آيات الله. والأمر يمكن أن يبدأ من القلق على مصير النظام السوري، ويمرّ إلى ضرورات مساندة «حزب الله» المتورط في قتال مباشر مع نظام الأسد، ولا ينتهي عند مباركة الحملات المحمومة والهستيرية الداعية إلى تطويع الإيرانيين للذهاب إلى سوريا والدفاع عن المقامات الشيعية هناك. وأياً كان المبتدأ والمنتهى، فإنّ عناصر مثل رغيف الخبز اليومي الإيراني، على شاكلة ربطة المعكرونة هذه الأيام، يصعب أن تغيب عن هذا المشهد من جهة أولى؛ ويندر، من جهة ثانية، أنها لا تخلّف عواقب حساسة وجسيمة وبعيدة الأثر.

وليست بعيدة في الزمن مواقف الرئيس الأسبق الإصلاحي محمد خاتمي في التحذير من «تشويه أفكار الإمام الخميني» واتهام السلطات الايرانية بـ«تصدير» العنف الى بلدان أخرى (في غمز من مفهوم «تصدير الثورة» الشهير)؛ وكذلك اقتراح تأويل مضادّ للمعنى الذي قصده الإمام الخميني من المصطلح: «هل نحمل السلاح ونتسبب بانفجارات في بلدان أخرى؟ هل نشكّل مجموعات للقيام بعمليات تخريب في بلدان أخرى؟ الإمام كان يعارض بشدّة أعمال الإرهاب ويدعو في المقابل إلى نموذج يقوم على وضع اقتصادي جيد، واحترام البشر، ومجتمع يتجه الى الرخاء وتحسين ظروف الجميع». يومذاك كانت ردود الفعل الرسمية، أو شبه الرسمية، قد بلغت شأو الدعوة إلى «محاسبة» خاتمي على تصريحاته «غير الوطنية» التي «لا ينجم عنها سوى تلطيخ سمعة الجمهورية الإسلامية وتأكيد اتهامات لا أساس لها يطلقها الاستكبار العالمي» كما قالت صحيفة «كيهان» الناطقة باسم المرشد الأعلى.

وذات يوم غير بعيد بدوره اشتدّ التأزّم بين الرئيس الإيراني الأسبق محمود أحمدي نجاد وعدد من كبار البرلمانيين المحافظين، على خلفية سياساته الاقتصادية، وازدياد معدّلات التضخم، وانخفاض قيمة الريال الإيراني؛ فانقلب إلى تجاذبات عقائدية تمسّ بعض أقدس مبادئ الفقه الشيعي، فوضعت نجاد في مواجهة مع بعض آيات الله وحجج الإسلام، حول أقواله بأنّ «يد الله سوف تظهر وترفع الظلم عن العالم» وأنّ «أعداء إيران يعلمون أنّ عودة المهدي الغائب حتمية». يومها اعتبر حجّة الإسلام علي أصغري أنّ «من الأفضل لأحمدي نجاد الاهتمام بمشاكل المجتمع مثل التضخم»؛ وتهكم حجة الإسلام غلام رضا مصباحي هكذا» «إذا كان نجاد يريد أن يقول إنّ الإمام الغائب يدعم قرارات الحكومة (…) فمن المؤكد أنّ المهدي المنتظر لا يقرّ التضخم الذي بلغ 20 في المئة، وغلاء المعيشة، والكثير غيرهما من الأخطاء» التي ترتكبها الحكومة!

إيران اليوم أسوأ من إيران البارحة على هذه الأصعدة المعاشية اليومية، ولم يكن منتظراً من خامنئي أن يفاتح ضيفه/ تابعه الأسد حول الـ»معكرونة غيت» مثلاً بعد أن حدّثه عن قهوة الصهاينة؛ لا لشيء إلا لأنّ الأسد آت وهو محمّل بمئات الفضائح الغذائية والمعاشية التي تطحن حياة السوريين اليومية، وقد تندرج في تسميات مثل الـ» البطاقة الذكية غيت» أو الـ»سكّر غيت» أو الـ»أوكتان غيت» أو… «الشنكليش غيت».

وللقارئ الذي لم يسمع به بعد، مضى زمن انطبقت خلاله على أقراص الشنكليش صفة «طعام الفقراء» قبل أن يصبح امتياز «الأكابر»؛ لأنّ سعر الكيلوغرام الواحد كان، في سنة 2010 فقط، لا يتجاوز 350 ليرة سورية، وهو اليوم لا يقلّ عن 11 ألف، وثمة مَن يروّج لأصناف فاخرة منه بقيمة 18 ألف ليرة.

هذا محض نموذج واحد على الوضعية «المشرّفة» للبلد، كما تفاخر بها خامنئي أثناء استقبال الأسد؛ ومع الاعتذار من عنوان قصيدة محمود درويش الشهيرة، فإنّ حال المضيف ومضيفه أقرب إلى تشخيص مأساة الشنكليش وملهاة المعكرونة؛ وما كذّبوا تكذيبا!

كاتب وباحث سوري يقيم في باريس

القدس العربي

————————

إسرائيل “القَلِقَة” والأسد “الخائف”/ إياد الجعفري

جاءت زيارة رأس النظام السوري بشار الأسد إلى طهران ولقاؤه بمرشد “الثورة” علي خامنئي والقادة الإيرانيين، قبل أيام، لتؤكد معادلة سبق أن تنبأ بها محللون كُثر، منذ بداية الشهر الثاني من الحرب الروسية على أوكرانيا، والتي اتضح أنها ستكون مساراً طويلاً من المواجهة الميدانية، والاقتصادية-السياسية، مع الغرب.

وتؤكد نُدرة زيارات الأسد إلى طهران، خلال الـ11 عاماً الفائتة، رغم الدعم الاستثنائي الذي قدمته إيران له، أن هذه الزيارة تتعلق بتطور نوّعي قد حدث، وتطلب التنسيق بخصوصه، لقاءً مباشراً، بين رأس هرم السلطة بدمشق شخصياً وبين رأس هرم السلطة في طهران شخصياً، وتوحي المقدمات والتفاصيل التي كُشف عنها بعيد الزيارة، بأنها كانت بمبادرة ورغبة من الأسد، أكثر من الجانب الإيراني.

وسريعاً، اتضحت مُوجِبات هذا اللقاء في طهران. فقد سرّبت وسائل إعلام روسية ما يؤكد أن موسكو بصدد التقليل من التزاماتها العسكرية في سوريا، لصالح دعم مجهودها الحربي في أوكرانيا، وهو ما استغلته طهران لملء الفراغ الروسي.

ومن المواقع التي ملأتها قوات محسوبة على إيران، قواعدٌ في جنوبي دمشق، وهو ما أقلق إسرائيل، خصوصاً أن هذه التطورات الميدانية جاءت في وقتٍ تتوتر فيه العلاقات بين تل أبيب وموسكو. وهو ما تطلب زيارة مستعجلة قام بها الأسد إلى طهران، لمحاولة ضبط المشهد. فهو لا يريد أن تتحول مناطق سيطرته إلى ساحة إيرانية لاستفزاز إسرائيل بغية تحقيق أجندات تخص طهران.

الإيرانيون بدورهم، حاولوا طمأنة الأسد، والتركيز على وقوفهم معه في أبرز هواجسه. وفي هذا السياق، يجب التركيز على تصريح مرشد إيران علي خامنئي، الذي أكد فيه “على استمرار إيران في دعمها لسوريا لاستكمال انتصارها على الإرهاب وتحرير باقي الأراضي السورية”، فذلك واحدٌ من أبرز هواجس الأسد. ففي “بحوث النزاعات”، من المعروف أن عدم القضاء النهائي على مقاتلي طرفٍ ما وعدم التوصل إلى تسوية سياسية ناجزة، يعني أن جولة جديدة من الصراع المسلح، واردة بشدة.

وبالتالي، فإن الأسد يخشى أن تكون القوى المسلحة في شمال شرقي وشمال غربي البلاد، رأس حربة لجولة جديدة من الحرب التي تستهدف استمرارية حكمه، في حال تغيرت موازين القوة والأهداف الاستراتيجية للأطراف الإقليمية والدولية المنخرطة في الصراع بسوريا. لذلك فإن من أهم هواجس الأسد، القضاء تماماً على “المساحات” التي يتمتع بها المسلحون المناوئون له في المناطق الخارجة عن سيطرته، واستعادة السيطرة على كامل الأراضي السورية التي كان يسيطر عليها، قبل 2011، كي يضمن استقراراً مديداً لسلطة عائلته.

بدوره، تولى الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، التركيز على هاجس آخر للأسد، عبر التأكيد على “تقديم كلّ أشكال الدعم لسوريا وشعبها ولا سيما في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة..” وبهذا الصدد، فإن الاقتصاد السوري، كما هو معلوم، بحاجة ماسة لـ”جرعات” الوقود الإسعافية، التي تمنحها إيران للنظام بشكل شبه دائم، والتي تتقطع من حين لآخر، بهدف تذكير الأسد بحاجته الملحة لطهران، وأن مساعيه للحصول على دعمٍ بديلٍ من دول خليجية، لن يُسعفه بالشكل المأمول.

لكن، في حين تُطمئن طهران الأسد “الخائف” من تحول أراضيه إلى جبهة إيرانية ضد إسرائيل، بصورة تضرّ بأهدافه الخاصة، يُطلق إعلامها ومحللوها ما يؤكد أبرز مخاوفه. من ذلك، ما قاله محلل إيراني عبر قناة “الجزيرة”، قبل أيام، بأن “تعزيز القوات الإيرانية في سوريا ينسجم مع نبوءة مؤسس الثورة الإيرانية روح الله الخميني بشأن زوال الاحتلال الإسرائيلي”. في حين نقلت وكالة أنباء إيرانية عن دبلوماسي سابق، أن لقاء الأسد مع خامنئي في طهران،

“شوكة في عيون الذين راهنوا على إيجاد شرخ في العلاقة الاستراتيجية بين إيران وسوريا من خلال فتح سفاراتهم والمشاركة في إعادة الإعمار حسب زعمهم”، في إشارة إلى الإمارات والبحرين ودول عربية أخرى. أي أن إيران تراهن بالفعل على تحويل سوريا لساحة، بهدف تعزيز وزنها الاستراتيجي بالمنطقة. ومن المعلوم، أن طهران تستخدم الخطاب الإيدلوجي (مقاومة إسرائيل وأميركا) للتعمية على حقيقة أهدافها الجيوسياسية، المتعلقة بتثقيل وزنها الإقليمي، بصورة تسمح لها أن تتحول إلى شريكٍ للغرب، ولأي قوة دولية أخرى، في ترتيب المشهد الإقليمي، في شرق المتوسط، والجزيرة العربية.

وبعدما نجحت ضغوط إسرائيل وقوى محافظة أميركية داخلية على إدارة الرئيس جو بايدن، لمنعه من تقديم تنازلات من قبيل رفع العقوبات عن الحرس الثوري، في المفاوضات حول إعادة إحياء الاتفاق النووي، تجد طهران في تراجع النفوذ الروسي بالساحة السورية، فرصة ثمينة، لتثقيل أوراقها التفاوضية في جولة جديدة من المباحثات حول النووي الإيراني.

فازدياد نفوذ طهران في الساحة السورية، سلاح ذو وجهين. إذ يمكن التلويح به من زاوية الحاجة للإيراني لحفظ أمن إسرائيل عبر بوابة الحدود الشمالية، مما سيدعم من حجة التيار المؤيد للاتفاق مع طهران داخل الإدارة الأميركية. كما ويمكن التلويح به من الزاوية المعاكسة تماماً، بمعنى أن طهران قد تهدد أمن إسرائيل، إن لم تُفضِ مفاوضات النووي الإيراني إلى خواتيم تُرضيها، مما يخلق ضغطاً على معارضِي الاتفاق داخل النخبة الأميركية بواشنطن، وداخل إسرائيل نفسها.

في هذه الأثناء، تبدو روسيا غارقة في مواجهة طويلة الأمد مع الغرب، مما يجعلها أضعف بمرات، عما كانت عليه، في الساحة السورية. ولا يمكن لموسكو التعمية على هذه الحقيقة، عبر تصعيد ميداني في الشمال الغربي، كما فعلت قبل أيام، أو الدعوة لجولة جديدة من مفاوضات أستانة نهاية الشهر الجاري.

فهذه المحاولات التي تريد بها موسكو أن تقول للآخرين: “مازلت بكامل قوتي في الساحة السورية”، لا يقرأها أولئك الآخرون كذلك. سواء كانوا الإيرانيين الذين سارعوا لاحتلال القواعد العسكرية التي انسحب منها الروس، أو الأسد ذاته، الذي أطاح بوزير الدفاع المقرّب من موسكو، علي أيوب، وسَحَب قيادة الأركان من قبضة غرفة العمليات الروسية، عبر تعيين رئيس أركان جديد لــ “الجيش”، قبل أيام.

كما أن رهان موسكو على إخافة إسرائيل، عبر تسريب أخبار انسحابها العسكري من سوريا، من خلال وسائل إعلام روسية، ليس كافياً للضغط على واشنطن، كي تغيّر من سياستها حيال الصراع بأوكرانيا. بل على العكس، فإسرائيل هي التي باتت تتعرض لضغوط من واشنطن، كي تتخذ موقفاً أكثر انحيازاً لصالح الغرب. فالصراع على تخوم أوروبا، أكثر مصيريةً للغرب عموماً، من الوضع بسوريا، حتى لو كان ذاك الأخير، هو أكثر ما يعني إسرائيل.

وهكذا، فإن روسيا تتراجع في سوريا، وإيران تتقدم. والأسد بات على ساقٍ واحدةٍ –إيرانية-، ستتحكم بحركته بصورة أكبر، في الفترة القادمة، حتى لو طمأنته بأنها تتفهم مخاوفه.

تلفزيون سوريا

——————————

دلالات زيارة بشار الأسد لإيران/ هدى رؤوف

قام رئيس النظام السوري بشار الأسد بزيارة إلى طهران للقاء المسؤولين الإيرانيين، بمن فيهم المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي والرئيس الإيرانى إبراهيم رئيسي. وتحمل الزيارة دلالات هامة نظراً لندرة تحركات الأسد للخارج منذ اندلاع الحرب الأهلية بسوريا عام 2011، ولأنها ثاني زيارة لإيران. الزيارة الأولى هي التي نتج عنها استقالة وزير الخارجية الإيراني حينها جواد ظريف اعتراضاً على تجاهل دور وزارة الخارجية في لقاء الأسد في حين التقاه فقط قاسم سليماني قائد فيلق القدس السابق.

ومن ثم، فإن الزيارة تسلط الضوء على التوقيت وما يعنيه من دلالات. فمنذ اندلاع وباء COVID-19 في فبراير (شباط) 2020، لم يلتقِ خامنئي عديداً من الأشخاص.

وخلال لقائه مع الأسد، أشاد خامنئي بما أسماه “مقاومة سوريا” في الحرب الأهلية التي تشهدها، كما دعا إلى توسيع العلاقات بين البلدين، مؤكداً أن “سوريا اليوم ليست سوريا التي كانت قبل الحرب، وأن اليوم احترام سوريا وثقتها أكبر من السابق، والجميع ينظر إلى سوريا على أنها قوة”. وأشاد الأسد خلال اللقاء بموقف إيران من القضايا الإقليمية على مدى العقود الأربعة الماضية، خصوصاً فيما يتعلق بفلسطين. وقال “إن العامل الذي منع إسرائيل من ترسيخ قوتها في المنطقة هو علاقة إيران وسوريا ومقاومتهما”.

مع اقتراب نهاية الحرب وقبول دول المنطقة بتطوير العلاقات مع الأسد وعودة سوريا للحاضنة العربية، حيث تحسنت بعض العلاقات العربية السورية، ما يمهد كذلك للمشاركة في جهود إعادة الإعمار، فمن الممكن أن تسعى إيران إلى مزيد من توطيد العلاقات قبل أن تبدأ الدول العربية في الاستثمار في سوريا، بالتالي تريد إيران توطين نفسها كزاوية النفوذ السياسي والاقتصادي في سوريا.

وفي الوقت الذي يمكن القول فيه إن نظام بشار الأسد تجاوز الاضطرابات، ما زال يتسم بالضعف وقلة الموارد وضعف السيطرة في الحكم. فما زال الأسد يعاني مشكلات في الداخل، اقتصادياً، وما لا يقل عن الثلثين يعيشون تحت خط الفقر البالغ نحو 1.90 دولار في اليوم، بينما تقدر معدلات البطالة بأكثر من 50 في المئة. وتفاقم هذا الوضع الاقتصادي الحرج خلال عام 2020 بسبب جائحة كورونا، إلى جانب العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الإدارة الأميركية (قانون قيصر، الذي دخل حيز التنفيذ في يونيو/ حزيران 2020). ومن جهة أخرى، يعاني الأسد مشكلات السيطرة والسلطة، فتركيا تحتل شمال سوريا، وقوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة تسيطر على شرق سوريا، وهناك اشتباكات متكررة في جنوب سوريا، لذا قام الأسد بالتواصل مع بعض الدول العربية مثل مصر والإمارات والأردن. كما يرغب في تطبيع علاقاته مع جامعة الدول العربية. كما أن تركيا تريد إجبار مليون لاجئ سوري على العودة إلى سوريا، وروسيا مشتتة في الأزمة الأوكرانية، لذا يحتاج النظام السوري لإيران أكثر من أي وقت مضى، حتى يظهر أن لديه بعض القوة والمساواة في علاقاته الخارجية.

ويريد الأسد أن يؤكد الحفاظ على حريته في الحركة، ومع ذلك لن تستعيد سوريا بسهولة وضعها الذي كانت عليه قبل الحرب، فالنظام السوري مع افتقاره إلى القوى البشرية والموارد الاقتصادية، سيبقى معتمداً على حليفيه، روسيا وإيران، اللذين يسعيان لتأمين وجودهما وسيطرتهما على سوريا، والتنافس فيما بينهما. وعلى الرغم من قيام النظام السوري بخطوات لإعادة بناء مؤسسات الدولة، فإن حليفيه روسيا وإيران يفتقران إلى الموارد اللازمة لإعادة البناء والأعمار.

وسيظل التحدي الذي يواجه الأسد هو كيفية التوازن بين علاقته بإيران وعودة العلاقات العربية السورية مرة أخرى، وهو تحدٍّ سيظل قائماً، لا سيما في ظل تشتت الجهود الروسية في الأزمة الأوكرانية، وتزداد حاجة الأسد للاعتماد على الدعم الإيراني من جهة، والدعم العربي والخليجي من جهة أخرى.

اندبندنت عربية

———————

الأسد في طهران.. ليست مجرّد زيارة/ شورش درويش

في الزيارة الثانية للرئيس السوري بشار الأسد منذ عام 2011 لإيران، والتي التقى فيها  بالمرشد الأعلى علي خامنئي والرئيس إبراهيم رئيسي، يمكن قراءة الأسباب التي تقف خلف هذه الزيارة وإن بتحفّظ شديد؛ ذلك أنه لم يرشح الكثير عن الزيارة، فضلاً عن أنّها لم تلق الكثير من الاهتمام من قبل المحللين والمعلّقين، على اعتبار أن علاقة النظامين باتت أقرب إلى العلاقة الثابتة التي  لا تخضع لمراحل صعود وهبوط غير متوقّعَين. كما أن الزيارة بدت متوقَّعة لنظام باتت جولاته الخارجية تدور في حيّز ضيّق ومحدّد.

وقريباً من الجانب الراسخ والتقليدي في علاقة النظام السوري بالجمهورية الإسلامية، يمكن الحديث عن علاقة تنامت بشكل مضطرد، على وقع اهتزاز النظام أمام حركة الاحتجاجات، واعتماد النظام  تالياً على المليشيات الإيرانية والحرس الثوري وحزب الله في إطار الحرب الأهلية السورية، ثم في مرحلة لاحقة باتت إيران هي المكافئ الموضوعي للتوازن الإقليمي في مواجهة الدور التركي، وأبعد من ذلك، حال الوجود الإيراني دون أن تصبح روسيا هي الآمر الناهي فيما خص مصير سوريا والنظام، وبالتالي كانت إيران على الدوام جزءاً من لعبة توازن سعى إليها نظام دمشق، فيما مثّلت سوريا العمق الاستراتيجي الأهم لطهران بوصفها جزءاً من مصفوفة “المقاومة” والسيطرة والتحكم بالمنطقة.

وإذا كان الرأي السائد يَتَّجِه إلى احتمال تراجع دور إيران في سوريا، مرة تحت تأثير الحضور الروسي المهيب دولياً وإقليماً، ومرة نتيجة لاحتمالات حدوث انفراجه على المستوى العربي تكون على حساب النفوذ الإيراني، بيد أن كلا الترجيحان لم يكونا على قدر كبير من الرجاحة بالنظر إلى الوشائج الأمنيّة والاقتصادية والاستراتيجية التي تربط طهران بدمشق.

ففي زيارته الأخيرة، صرّح الأسد، بأن  “أمريكا اليوم أضعف من أي وقتٍ مضى” وأن “العلاقات القوية بين إيران وسوريا عملت على كبح نفوذ الولايات المتحدة في الشرق الأوسط”، ما يعكس جوهر الخطاب القادم، وهو التصعيد، الذي كان قد غاب عن المشهد نتيجة لمسألتين: انخراط إيران بالمفاوضات النووية، ووقوع سوريا في مرمى المراقبة الأميركية قبل أن ينتقل ثقل الاهتمام الأميركي إلى أوكرانيا.

ومع وصول الاتفاق النووي الإيراني إلى طريق مسدود بسبب إصرار طهران على رفع واشنطن الحرس الثوري الإيراني من القائمة الأميركية للمنظّمات الإرهابية الأجنبيّة، فإن التلويح الإيراني إلى إمكانية بلوغ الحرس الثوري مداه الأقصى عبر انخراطه في جهود التضييق على الأمريكان في سوريا يصبح قريباً للتصوّر، وهو على ما يشكّله من مغامرة إيرانية فإنّه قد يتسبّب بصداع لواشنطن التي لا ترغب في صرف اهتمامها الأساسي المتمثّل بتطويق روسيا في أوكرانيا، إلى معارك قد تصنّف بأنّها “جانبيّة” وتستنزف التركيز المطلوب.

ووفق ما هو متوقّع، وفي حال استمرار تعثّر المفاوضات النووية، قد تصبح مناطق التواجد الأميركي ومناطق سيطرة حلفائها في قوات سوريا الديمقراطية “قسد” جبهات ملتهبة، لا سيما مناطق سيطرة النظام في دير الزور والبوكمال والتي تشهد حضوراً إيرانياً كثيفاً، وتشهد بين الفينة والأخرى قصفاً جوّياً أميركياً وإسرائيلياً، وقد كانت واشنطن عزّزت في وقت لاحق من قواعدها العسكرية بدير الزور والحسكة في أعقاب تعرّض أربيل، عاصمة إقليم كردستان العراق، لقصف بالصواريخ البالستية نفّذها الحرس الثوري.

ولعل دمشق مضطرّة إلى الانصياع للاستراتيجية الإيرانية، على ما تحمله من مجازفة عالية لجهة مجابهة الولايات المتحدة وحلفائها في ظل عدم رغبة روسيا في المواجهة أو التصعيد. واضطرار دمشق مبنيّ على الحاجة إلى المساعدات الإيرانية الاقتصادية والمالية لاسيما في مجالات الطاقة، فضلاً عن احتمالات حلول إيران لجهة انتشار قوّاتها محل القوات الروسية بالنظر إلى تعثّر موسكو في أوكرانيا واستدامة الحرب فيها، ومثل هذا التصوّر قد ينهي جهود التهدئة والعودة إلى صراعات ذات منحى طائفيّ وإقليمي أوسع.

ويساهم حظر واشنطن لأي تعاون عربيّ مع دمشق في تصدّر طهران مسار إعادة الإعمار، على ما تشكّله زيادة الاعتماد على طهران،  من شقاق أوسع بين دمشق والدول العربيّة، وفشل لمحاولة احتواء النظام، وإذا كانت طهران ودمشق تعانيان من أوضاع اقتصادية صعبة، بل وكارثية على المقلب السوري، فإن سوء الأوضاع الاقتصادية والمعيشية لن يثنيهما عن المضي في الشراكة وتعزيزها.

لا يمكن قراءة زيارة الأسد وفق رؤية تنتقص من قدرات إيران والنظام، وأنها جاءت في سياق رغبة الأسد توجيه رسالة لدول عربية تقرّبت منه وفق التبسيط الحاصل في التحليل، كما لا يمكن قراءة الزيارة بالاعتماد على المسائل الثانوية والشكلية التي تثيرها زيارات الأسد، كعدم وجود علم سوري إلى جوار العلم الإيراني في غرفة المرشد الأعلى خلال اللقاء، أو عدم استعراض الوفد المرافق للأسد، أو حتى تلك التي تعتبر الأمر “استدعاءً” إيرانياً للأسد. وأما الاحتمال الأقرب هو  أن ترث إيران الدور والحضور الروسي بالتدريج، وهو الأمر الذي يتحضّر له النظام والذي يحتاج إلى حسابات دقيقة قد تؤدي إلى حرب إقليمية يسدّد النظام والشعب السوري فيها الفاتورة الأعلى.

لأجل ذلك يمكن اعتبار الزيارة غاية في الأهمية، حيث يسعى النظام لأن تمنحه طهران “قُبلة الحياة” في مقابل أن تُمنح إيران المزيد من الحضور والتفويض والتمكين في سوريا، على حساب روسيا، وهو الأمر الذي يجيد النظام تقديمه على حساب تعطيل كل حل سياسي وطني.

نورث برس

————————–

=====================

تحديث 15 أيار 2022

——————————-

زيارة الأسد إلى طهران تُظهر خلل نهج التطبيع العربي معه/ محمود علوش

أحدث مساعي إعادة تأهيل بشار الأسد وإظهار أنه لم يعد منبوذاً في هذا العالم كانت زيارته الأخيرة إلى طهران. على الرغم من أن إيران ليست مكاناً مثالياً لمثل هذا العرض المسرحي بالنظر إلى أن العزلة التي تعيشها لا تختلف كثيراً عن عزلة الأسد نفسه، إلاّ أن الأخير يشعر هذه الأيام بأن دول المنطقة أصبحت أكثر ميلاً إلى الإقرار بانتصاره في الحرب وتسعى للانفتاح عليه وبأن الدول الغربية لم تعد ملتزمة بالضغط عليه لإحداث تحول سياسي في سوريا. لقد استضافته مؤخراً العاصمة الإماراتية أبو ظبي في أول زيارة عربية له منذ اندلاع الحرب. كما أعادت الأردن والبحرين مؤخراً فتح سفاراتها في دمشق في حين أن الولايات المتحدة لم تستخدم نفوذها بما يكفي للضغط على الدول العربية التي أعادت علاقاتها بدمشق لثنيها عن هذه الخطوة. كما أبدت استعدادها لتسهيل مشروع نقل الغاز المصري إلى لبنان واستثنائه من العقوبات التي فرضتها على النظام السوري.

على الرغم من أن هذه التحولات التي طرأت على الموقف العربي والدولي من النظام السوري لا تزال غير واضحة بعد، إلاّ أن زيارة الأسد لطهران تكتسب بعض الدلالات من حيث توقيتها، إذ أنها تأتي في خضم خفض تصعيد إقليمي واسع النطاق وانفتاح بعض الدول العربية على التعاون مع الأسد وانشغال الغرب في صراع مع روسيا حول أوكرانيا. يسعى الأسد لتوظيف كل هذه التطورات لإعادة تأهيل نفسه بين دول المنطقة على وجه التحديد، لكنّه لا يُظهر أي استعداد لتقديم تنازلات مقابل ذلك. أثناء لقائه بالمرشد الإيراني علي خامنئي، تعهد الأسد بتعزيز التعاون الأمني والاقتصادي مع طهران. هذا التعهد لم يكن مستغرباً لولا أن العواصم العربية التي قررت إعادة علاقاتها مع دمشق تُراهن على أن الانفتاح العربي على الأسد من شأنه أن يُساعدها في الحد من النفوذ الإيراني في سوريا. إن اختيار الأسد زيارة طهران بعد أسابيع قليلة من زيارته لأبو ظبي يُشير إلى أن ارتباط النظام السوري بإيران لا يزال وثيقاً جداً ويصعب على الدول العربية التقليل منه.

إذا كان من نتيجة واضحة يُمكن استخلاصها من هذه الزيارة، فهي أن النهج الذي تتبعه بعض الدول العربية في سوريا مبني على أوهام غير قابلة للتحقق على أرض الواقع. علاوة على ذلك، فإن هذا النهج سيأتي بنتائج عكسية وقد يُساعد إيران في تعزيز حضورها في سوريا بدلاً من إضعافه. يُعول الأسد الآن على الدعم الاقتصادي له لا سيما من دول الخليج لمساعدة الاقتصاد السوري على النهوض والمشاركة في عملية إعادة إعمار سوريا. إن تقديم مثل هذه المساعدة للأسد من شأنها أن تُساعدَه في تكريس سلطته من جديد من دون أن يضطر إلى التراجع خطوة للخلف في مسألة التسوية السياسية. لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت المكاسب المتواضعة التي يُمكن أن تحققها الدول العربية الساعية لإيجاد نفوذ لها في سوريا تستحق بالفعل هذه المقامرة. لقد أدى الانكفاء العربي عن سوريا بعد سنوات قليلة من اندلاع الصراع إلى إفساح المجال أمام قوى إقليمية ودولية كروسيا وإيران لتكريس دورها وتحويله إلى مشروع لخدمة أهدافها الجيوسياسية. ولا يبدو أن عودة بعض الدول العربية إلى دمشق يُمكن أن تُغير من هذا الوضع القائم.

حتى في الخطاب السياسي، لا يبدو الأسد مستعداً لتغيير النهج. لقد أشاد بشكل مستفز للدول العربية بالدعم الذي تُقدمه إيران لوكلائها في المنطقة قائلاً إن البعض يعتقد أن دعم إيران لجبهة المقاومة هو الدعم بالسلاح، لكن أهم دعم ومساعدة من إيران هو بث روح المقاومة واستمرارها. سيكون من المفيد التذكير أن مثل هذا الدعم هو من مكّن جماعة أنصار الله الحوثية في اليمن من تطوير قدراتها الهجومية لاستهداف دول الخليج على مدى السنوات الماضية. كما أنه ليس سراً ذلك الدعم الكبير الذي يُقدمه الحرس الثوري الإيراني للحوثيين لتطوير سلاحهم من الطائرات المسيرة التي استهدفت قبل أشهر قليلة فقط الإمارات وتواصل مهاجمة السعودية. وهذا الدعم أيضاً هو من ساعد حزب الله في تعزيز هيمنته على لبنان وتهديد المصالح الخليجية والعربية فيه. إن المعضلة الرئيسية في الدور الإيراني في سوريا لا تكمن فقط بالنفوذ الذي كسبته طهران في هذا البلد، بل في تكريس سوريا كطرف رئيسي في المحور الإيراني على امتداد المنطقة. لم تعد سوريا رهينة الحسابات الجيوسياسية لطهران فحسب، بل حوّلها الأسد إلى مصدر تهديد لاستقرار الدول العربية وجعلها أكبر مصدر للمخدرات إلى المنطقة والعالم.

لقد أحدثت الحرب السورية تداعيات كبيرة على الأمن والاستقرار الإقليميين ومن المفهوم أن دول المنطقة لم تعد قادرة على تحمل تداعيات استمرار هذه الحرب لفترة أطول. لكنّ الدفع باتجاه تسوية سياسية للصراع والحد من دور إيران في سوريا لا يُمكن أن يؤتي ثماره من دون أن تستخدم الدول العربية ما تمتلكه من أوراق ضغط لإجبار الأسد على إحداث تحول سياسي فعلي. ما نراه حالياً أن بعض دول المنطقة تتخلى ببساطة عن هذه الأوراق مقابل لا شيء. ما يُمكن أن يدعو للتفاؤل بعض الشيء أن دولاً عربية مؤثرة كالسعودية لا تزال على موقفها المبدئي الداعم للشعب السوري. مع ذلك، فإن مثل هذه المواقف تضعف أهميتها بالنظر إلى أنها تُظهر انقساماً عربياً في الموقف من نظام الأسد.

إن عودة الإجماع العربي على التمسك بالتسوية السياسية للصراع السوري وإبقاء الأسد معزولاً والتعامل معه كرئيس منبوذ وغير شرعي لسوريا هو السبيل الوحيد لإنهاء المأساة السورية بكل أبعادها. مثل هذا الإجماع لم يعد ممكناً على الأرجح في ضوء أن الدول العربية التي أعادت علاقاتها مع النظام السوري اتخذت قرارها بمعزل عن الإجماع العربي. مع ذلك، لا يزال بوسع الدول العربية الأخرى مواصلة الضغط لإفشال مساعي إعادة عضوية سوريا للجامعة العربية. حقيقة أن المصالح العربية في سوريا هي الحلقة الأضعاف في المعادلة الحالية للنفوذ الإقليمي والدولي القائم في سوريا تجعل من نهج الانفتاح على الأسد خطوة خاسرة للمصالح العربية في سوريا ومصلحة لإيران وروسيا. كما أن تحول تركيا، التي لديها حضور قوي ومؤثر في الملف السوري، نحو إصلاح علاقتها مع المنطقة العربية تفتح آفاقاً جديدة أمام إمكانية التعاون التركي العربي للضغط على نظام الأسد بدلاً من الخيار الخاسر المتمثل في الانفتاح عليه. لقد عانت القضية السورية من إهمال الدول العربية لها خلال السنوات الماضية، وإعادتها بشكل صحيح إلى الأولويات العربية يُشكل مصلحة حيوية للمنطقة بأسرها.

تلفزيون سوريا

—————————–

إيران في سوريا: استعادة ما سطت عليه موسكو!/ محمد قواص

أن يقوم الرئيس السوري بشار الأسد الأحد الماضي بزيارة إلى طهران، فهذا خبر إيراني وليس سورياً. وأن يقوم قبلها بزيارات للإمارات وروسيا فتلك أخبار إماراتية وروسية أيضاً. وفق ذلك تجب قراءة ما ترومه العواصم المعنية من استقبال الرئيس السوري وما تبعثه من رسائل إلى من يهمه الأمر.

أرادت إيران من خلال حدث زيارة الأسد الكشف عن مواقف قديمة – جديدة تخاطب بها القريب والبعيد. ففي عزّ انشغال روسيا بالحرب في أوكرانيا وتدافع تقارير عن سحب قوات لها من سوريا لصالح معاركها هناك، فإن طهران، في مرحلة الحديث عن “يأس” من إمكانية إبرام اتفاق في فيينا، تعيد تسليط الضوء على أوراقها في سوريا، معتبرة من خلال ما صدر رسمياً عن المرشد علي خامنئي والرئيس إبراهيم رئيسي أن سوريا هي حصة استراتيجية إيرانية ثابتة، فيما حصص بقية الأطراف، بما فيها روسيا، عرضية زائلة.

تتحرك طهران وفق معطى دولي جديد أثاره عقد الدورة السادسة لمؤتمر دعم مستقبل سوريا والمنطقة، الذي نظمه الاتحاد الأوروبي في بروكسيل (8-9 من الشهر الجاري) من دون دعوة روسيا هذه المرة. يتكامل هذا التطور مع الموقف الغربي من موسكو بشأن أوكرانيا طبعاً. لكن هذا التفصيل ليس عرضياً في حكاية التدخل الروسي العسكري المباشر منذ 30 أيلول (سبتمبر) 2015.

جاء تدخل موسكو آنذاك بناء على معطيات باتت ثابتة مسلّم بحقيقتها.

المعطى الأول، هو زيارة قام بها الجنرال قاسم سليماني، قائد “فيلق القدس” التابع لـ “الحرس الثوري” الإيراني، في آب (أغسطس) 2015 إلى روسيا حاملاً خرائط وأدلة ميدانية وتقديرات مخابراتية حول قرب انهيار النظام في دمشق. طلب سليماني في تلك الزيارة تدخلاً روسياً عاجلاً ينقذ الوضع العسكري من الانهيار على الرغم من زجّ إيران بميليشياتها المستدعاة من باكستان وأفغانستان والعراق ولبنان في المعركة.

الثاني، أن بحث التدخل الروسي جرى بين القيادة الروسية بشخص الرئيس فلاديمير بوتين ورئيس الحكومة الإسرائيلية آنذاك بنيامين نتنياهو. أنتجت المداولات تفاهمات روسية إسرائيلية، ما زال معمولاً بها حتى الآن، تبيح لإسرائيل ضرب أي أهداف داخل سوريا تعتبرها إسرائيل تشكل خطراً على أمنها.

الثالث، أن اجتماعاً عُقد بين بوتين والرئيس الأميركي آنذاك باراك أوباما على هامش المؤتمر السنوي للأمم المتحدة في نيويورك في 28 أيلول (سبتمبر) 2015 أدى بعد يومين فقط إلى بدء العمليات العسكرية الروسية في سوريا. فُهم من هذا التطور غضّ طرف أميركي أنتجه اللقاء وصل إلى حدّ التواطؤ الكامل حين منعت واشنطن أي دعم عسكري نوعي دولي أو إقليمي للمعارضة السورية بإمكانه عرقلة الجهد الروسي في سوريا.

بمعنى آخر، فإن المجتمع الدولي وفّر رعاية غير معلنة للتدخل الروسي، ونصّب موسكو راعية للحلّين العسكري والسياسي في البلد. في المقابل بدا أن الغرب غير معنيّ بالتدخل في الشأن السوري، والولايات المتحدة مستقيلة في هذا البلد تعرب في عهد أوباما، وخصوصاً في عهد دونالد ترامب، عن خطط للانسحاب منه كلياً.

قرأت طهران خلال السنوات الأخيرة جيداً هذا الواقع الدولي الذي عزز موقع روسيا في سوريا. لكنها تستنتج هذه الأيام، بسبب الموقف الغربي الجماعي غير المسبوق ضد روسيا المتعلق بأوكرانيا، وبسبب عدم دعوة موسكو لحضور اجتماعات بروكسيل حول سوريا، أن “الرعاية” الدولية لا سيما الأميركية الأوروبية للوصاية الروسية على سوريا قد عُلّقت وربما سحبت نهائياً، وأن تراجع الأولوية السورية داخل أجندات بوتين الراهنة توفّر مناسبة لإعادة توسيع النفوذ الإيراني الذي فرضت موسكو عليه كثيراً من الظلال في السنوات الأخيرة.

تعيد إيران التأكيد بمناسبة ومن دون مناسبة بأنها ضد الحرب في أوكرانيا في موقف يبتعد من قراءة موسكو للحرب ويقترب موضوعياً من القراءة الغربية لها. هذا لا يعني أن إيران تقدم أوراق اعتماد لدى المجتمع الدولي لمنحها “الوصاية” بديلاً عن صاحبها الروسي، لكنها، ولمناسبة استفاقة موسكو ومن خارج أي سياق على إعادة تفعيل آلية آستانا الثلاثية الروسية – التركية – الإيرانية، تقول لأطراف تلك الآلية كما للدوائر العربية أنها صاحبة اليد الطولى الأولى في شأن سوريا وأي خطط تتعلق بمسارات هذا البلد ومصيره.

قد ترى إيران أن الأداء العسكري البري المتعثّر للقوات الروسية في أوكرانيا يعيد الاعتبار للقوى البرية التابعة لإيران التي زجّتها في حرب سوريا دفاعاً عن نظام الأسد، فيما كثافة النيران الجوية الروسية فوق سوريا كانت تبهر الحلفاء قبل الخصوم وتحجب حقيقة واقع القوة العسكرية الروسية.

وقد ترى طهران في قيام تركيا بإغلاق المجال الجوي أمام جميع الطائرات الروسية المدنية والعسكرية التي تقل جنوداً من روسيا إلى سوريا مؤشراً آخر على تحول ما في موقع روسيا الحالي في سوريا. وحين أعلن وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو هذا الإجراء قال إن الأمر يجري بالتشاور مع موسكو. وفي هذا التفصيل إقرار روسي بمصالح تركيا، بما يستدعي تنبيهاً إيرانياً لتركيا بأحقيتها في النفوذ والغنائم في سوريا. وربما هذا ما أيقظ “صراع السدود” المائية هذه الأيام بين البلدين.

لا يهمّ ما صدر لمناسبة زيارة الأسد طهران من بيانات سورية وإيرانية تتحدث عن ثمار تحالف طهران ودمشق في “ردع الصهيونية” و”إضعاف الولايات المتحدة”، ولا يهمّ ما كشفه المرشد علي خامنئي من أن “احترام ومكانة سوريا باتت أعلى” مما كانت عليه قبل عام 2011. المهمّ أن صور لقاءات الأسد مع المرشد والرئيس وسيناريو الزيارة غير المعلنة مسبقاً والسريعة التي استغرقت ساعات، تُفصح عما تودّ طهران بعثه من رسائل حول قوة نفوذها في “استدعاء” الأسد تماماً كما يفعل الآخرون حين يزورهم بسرية وعلى عجل.

النهار العربي

——————————–

حكومة الأسد تتحدث عن وصول شحنات نفط إيرانية جديدة

وعد رئيس حكومة الأسد، حسين عرنوس، بوصول شحنات نفط إيرانية قريباً إلى سورية، الأمر الذي قد يساعد في حلحلة أزمة المحروقات.

وقال عرنوس لصحيفة “الوطن”، اليوم الأحد:”قريباً جداً ستبدأ شحنات النفط بالقدوم إلى سورية”.

ويأتي قدوم الشحنات الإيرانية بعد “الانتهاء من إجراءات الخط الائتماني الإيراني الجديد” حسب ما أكده عرنوس.

وكان رئيس النظام بشار الأسد، وقع خلال زيارته إلى طهران الأسبوع الماضي، على “مرحلة جديدة” من الخط الائتماني، تشمل تزويد نظامه بالنفط وعدة موادٍ فُقدت في الأسواق.

وأفادت تقارير إعلامية سورية وإيرانية، أن لقاء الأسد وخامنئي في طهران، انتهى بالاتفاق على الخط الائتماني المتعلق بمواد الطاقة، إلى جانب تعهدات وتطمينات إيرانية بتقديم الدعم لحكومة النظام، التي تعاني من أزمات اقتصادية حادة.

ولم يعلن الجانبان حتى الآن، عن قيمة الخط الائتماني الجديد، أو أي تفاصيل أخرى متعلقة به.

وهذا الخط الائتماني الرابع الذي يوقع بين نظام الأسد وإيران، إذ كان أول خط ائتماني في عام 2013 بقيمة مليار دولار، تبعه خط آخر بقيمة 3 مليارات دولار تم تخصيصها لتزويد نظام الأسد بالنفط ومشتقاته.

ثم أعلن الجانبان عام 2015، عن فتح خط ائتماني جديد بلغت قيمته مليار دولار، بالاتفاق بين المصرف التجاري السوري التابع للنظام وبين بنك تنمية الصادرات الإيراني، وخصصته حكومة النظام لاستيراد البضائع وتنفيذ المشاريع المحلية.

ويأتي وصول شحنات النفط الإيرانية في وقت تعاني منه المناطق الخاضعة لسيطرة نظام الأسد، من أزمة محروقات خانقة دفعت الحكومة إلى تخفيض مخصصات البنزين والمازوت عدة مرات خلال السنوات القليلة الماضية.

وأعلنت الشركة السورية لتخزين وتوزيع المواد البترولية (محروقات)، الأسبوع الماضي”زيادة الفترة المحددة لتسلم مخصصات مادة البنزين للسيارات العاملة عليها إلى عشرة أيام للسيارات الخاصة بدلًا من سبعة، وستة أيام للسيارات العمومية بدلًا من أربعة”.

وأظهرت تسجيلات نشرتها صفحات موالية على مواقع التواصل الاجتماعي، ازدحاماً شديداً على محطات الوقود، إلى جانب أزمة مواصلات في كافة المناطق بسبب عدم وجود وسائل نقل بعد تخفيض المخصصات

وتعتمد حكومة الأسد منذ سنوات على التوريدات النفطية التي توردها الدول الداعمة له، وخاصة إيران.

إلا أن هذه التوريدات انخفضت، خلال العامين الماضيين، بسبب تشديد العقوبات الأمريكية بموجب “قيصر”.

——————————-

==================

تحديث 17 أيار 2022

—————————-

لماذا شحن الأسد مجدداً إلى طهران؟/ عمر كوش

لا تخرج الزيارة التي قام بها بشار الأسد، مؤخراً، إلى طهران عن زياراته القليلة السابقة إلى كل من موسكو وسوتشي وطهران، من حيث كونها أشبه بعملية استدعاء، يتم فيها شحنه وحده في جنح الظلام وبسرية تامة، لكي يتلقى الأوامر والتعليمات، ويمكنه خلالها استجداء مزيد من الدعم والمعونات، ثم توظف عملية استدعائه لإرسال رسائل معينة من طرف أصحاب عملية الشحن إلى بعضهما بعضا، وإلى القوى الدولية والإقليمية الأخرى المتدخلة في الشأن السوري.

وهذه المرّة هي الثانية التي يتم فيها استدعاء الأسد إلى طهران منذ اندلاع الثورة السورية، التي شكلت الفرصة السانحة لنظام الملالي في طهران، كي يرسل إلى سوريا حرسه الثوري وقطعان “فيلق القدس”، وميليشيات “حزب الله” اللبناني وسواها من الميليشيات الطائفية المتعددة الجنسيات، ليس بهدف الدفاع عن نظام الإجرام الأسدي فحسب، بل لكي يجعل منها محافظتهم الخامسة والثلاثين، مثلما تفاخر ذات يوم، مهدي طائب، رجل الدين والقائد السابق في استخبارات الحرس الثوري الإيراني.

ومثلما جرت العادة في عمليات استدعاء الأسد، فإنه لم يرافقها أي بروتوكولات استقبال، كما لم يُرفع علم النظام السوري في القاعة التي جمعت الأسد مع علي خامنئي، ولم يرافقه أي وفد وزاري، الأمر يشي بأنه لم يكن هناك جدول أعمال للزيارة، وأن الغاية منها ليست اقتصادية أو تجارية أو عسكرية، ما يجعل غاياتها غير بعيدة عن توجيه رسالة سياسية إلى أطراف دولية وإقليمية، في مقدمتهم ساسة الكرملين، حيث أراد ملالي النظام الإيراني تذكيرهم بأن الأسد تابعهم الحصري، ويستدعونه متى أرادوا ذلك، خاصة أن الزيارة تأتي في وقت تتعثر فيه مفاوضات فيينا حول إحياء الاتفاق بشأن البرنامج النووي الإيراني، ووسط تقديرات بأن موسكو غير متحمسة لتوقيع الاتفاق، وتربط توقيعه برفع العقوبات الأميركية والغربية التي فرضت عليها على خلفية غزوها لأوكرانيا.

ويبدو أن الأسد بات مسكوناً بالخوف من انشغال روسيا بغزوها لأوكرانيا، ومن تبعاته على دعمها لنظامه، وخاصة بعد إخفاق قواتها العسكرية في معركة كييف، وبدء سحب بعض وحداتها العسكرية من سوريا من أجل زجها في القتال في مناطق شرقي أوكرانيا، إلى جانب تأثير العقوبات الاقتصادية الأميركية والأوروبية التي فرضت عليها، وبالتالي باتت روسيا في وضع لا يسمح لها بتقديم الكثير لنظام الأسد، لذلك سارع إلى الارتماء في حضن الملالي، وإلى إنكاره، وبكل صفاقة، للدور الروسي في إنقاذ نظامه من السقوط، والزعم بأن إيران هي “الدولة الوحيدة التي وقفت إلى جانبنا منذ البداية” في حربه ضد الشعب السوري، في حين أن العالم كله يعرف تماماً أن روسيا هي من كان لها الدور الأكبر في إنقاذه.

وسبق أن أعلن وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، في أكثر من مناسبة، أنه لولا التدخل العسكري الروسي في سوريا لسقط نظام الأسد خلال أسبوعين، فضلاً عن أن الأسد تمادى في مرات سابقة في كيل المديح للحليف الروسي ولرئيسه، وتحوّل إلى تابع ذليل له، بل وإلى مجرد ذيل للكلب، لذلك لم يحرك شيئاً عندما أهانه أحد الضباط الروس ومنعه في مطار حميميم من السير إلى جانب بوتين، ويستحيل عليه السير إلى جانبه.

ولا يتوقف نكران الأسد لما قام به الروس، بل طال ساسة الإمارات العربية المتحدة، بالرغم من الخطوات التطبيعية التي قاموا بها مع نظامه، وكسروا خلالها عزلته، واستقبلوه في إماراتهم، لكنه انقلب عليهم عندما شعر بدفء الحضن الإيراني، وراح يتشدق بأن “العلاقات الاستراتيجية بين إيران وسوريا حالت دون سيطرة الكيان الصهيوني على المنطقة”، وأن التحالف الاستراتيجي بينهما أظهر أن “مساومة بعض الدول العربية قد ارتدّت ضدّها”، وذلك بالتناغم مع ما ذهب إليه خامنئي حين اعتبر أن “بعض قادة الدول المجاورة لإيران وسوريا يلتقون بقادة الكيان الصهيوني”، وأن شعوبهم ترفع شعارات ضدهم في يوم القدس. إضافة إلى أن وسائل إعلام نظام الملالي غمزت من قناة الداعين إلى عودة نظام الأسد إلى الحضن العربي، حين اعتبرت أن “زيارة الأسد تمثل شوكة في عيون الذين راهنوا على إيجاد شرخ في العلاقة الاستراتيجية بين البلدين”، الأمر الذي يشي بأن الأسد لا يطمئن إلا للحضن الإيراني، بوصفه حضناً لا فكاك منه بالنسبة إليه، وأن محاولات منافسة الحضور الإيراني لا تصمد أمام التحالف الاستراتيجي بين نظام الملالي الإيران ونظام الأسد، والتي ترجع إلى عدة عقود خلت، وأفضت إلى تغلل إيران في مختلف مفاصل النظام وأجهزته الأمنية والعسكرية، وحتى في مختلف تفاصيل المناطق الخاضعة لسيطرته ونسيجها الاجتماعي.

ولا تنحصر الرسائل التي أراد نظام الملالي توجيهها إلى كل من روسيا والإمارات، بل إلى الإيحاء الوهمي بأن نظام الأسد استعاد عافيته، والزعم الزائف بأن وضعه بات مستقراً من خلال ادعاء خامنئي بأن “سوريا اليوم ليست كما كانت قبل الحرب، رغم أنه لم يكن هناك دمار في ذلك الوقت، لكن احترام سوريا ومكانتها أكبر من ذي قبل، والجميع يرى هذا البلد كقوة”، في حين أن نظام الأسد يعاني مختلف أشكال الاهتراء والفشل ويواجه تحديات الانهيار المالي والاقتصادي والأمني، وبات لا يفترق عن كونه قوة أمر واقع تسيطر على قسم من الأرض السورية، ويعاني السوريون في مناطق سيطرته من أزمات كارثية على كل المستويات، وذلك بعد أن حولهم نظام الأسد إلى جموع تائهة ويائسة، احتشدت رجالاً ونساء وشباباً وشيوخاً، خلال أيام عيد الفطر، تحت “جسر الرئيس” في دمشق، بانتظار أطياف أبنائهم وإخوانهم وآبائهم المعتقلين أو المختفين قسرياً، منذ سنوات، في سجون ومعتقلات النظام، من دون أن يعرفوا حتى إن كانوا على قيد الحياة أم باتوا في عداد الأموات.

ربما، وجد الأسد في عملية استدعائه إلى طهران فرصة، كي يستجدي بعض المعونات والدعم الاقتصادي، لذلك راحت وسائل إعلام النظام تتحدث عن التوقيع على “مرحلة جديدة من الخط الائتماني الإيراني- السوري”، تتضمن تزويد مناطق النظام بمواد الطاقة والمواد الأساسية، وتقديم قروض وتسهيلات مالية، لكن بالمقابل، سيبقى كل ذلك حبراً على ورق، لأن نظام الملالي الإيراني لم يعد يمتلك الموارد الكافية، التي تمكنه من تقديم مزيد من الإسناد والدعم لنظام الأسد على المستوى الاقتصادي، كونه ما يزال يعاني كثيراً من ثقل العقوبات الأميركية والأوروبية المفروضة عليها، وبالتالي لن يستطيع تقديم شيءٍ يذكر في هذا المجال.

تلفزيون سوريا

———————–

الاقتصاد مسألة ثانوية”.. لماذا استدعى خامنئي بشار الأسد إلى طهران؟/ عقيل حسين و مصطفى محمد

رغم اعتبار الكثيرين أن الزيارة التي أجراها بشار أسد إلى طهران قبل يومين وهي الثانية له منذ اندلاع الثورة السورية ضد نظامه، تحمل طابعاً اقتصادياً نتيجة الظرف العصيب الذي يمر به نظامه على هذا الصعيد، ورغم أن الإعلام المقرب من نظام أسد ركّز على أن العنوان الأبرز للزيارة هو الملف الاقتصادي و”البحث عن سبل حلحلة الحصار والعقوبات وتأمين ما يحتاجه المواطن السوري”، إلا أن اجتماع الأخير بالمرشد علي خامنئي الذي لا يبحث مع الشخصيات الأجنبية إلا المسائل الحساسة، يؤشر إلى أن الزيارة لم تكن اقتصادية بامتياز كما يروّج لها.

حماس هي الملف

مصادر خاصة كشفت لـ “أورينت نت” أن الملف الأساسي للزيارة كان استئناف العلاقة بين النظام وحركة حماس الفلسطينية، مشيرة إلى أن بشار أسد وافق على ذلك وأن عودة الحركة إلى دمشق باتت مسألة وقت.

وحسب المصادر فقد سبقت الزيارة محاولات حثيثة من أجل تطبيع العلاقات بشكل رسمي بين حماس والنظام عبر وسطاء من حزب الله اللبناني وميليشيا الحشد الشعبي وجماعة الحوثي اليمنية، لكنها جميعها اصطدمت بتعنت نظام أسد الذي ما زال يعتبر أن الحركة خانته وتخلت عنه عندما احتاج أن تقف إلى جانبه وتقاتل معه.

وشهدت العلاقات بين الجانبين فتوراً خلال الأشهر الأولى من اندلاع الثورة السورية عام ٢٠١١، قبل أن يغادر قادتها العاصمة دمشق، ثم انقطعت العلاقات بشكل كامل خاصة بعد وصول الإخوان المسلمين إلى الحكم في مصر عام ٢٠١٢، وفتح تركيا الأبواب أمام حماس، حيث صدرت تصريحات مناهضة للنظام من قبل مسؤولين فيها وعلى رأسهم خالد مشعل، بينما التزم معظم قيادييها الصمت حتى العام ٢٠١٩ عندما بدأ بعضهم بإطلاق التصريحات المؤيدة لأسد.

ورغم اقتصار موقف الحركة من جرائم ميليشيا أسد الواسعة على الخروج من دمشق والتصريحات التي كان سقفها إدانة بعض المجازر، إلا أن النظام يتّهمها بدعم فصائل المعارضة على صعيد التدريب، وتشكيل جماعة تابعة لها في جنوب دمشق قاتلت إلى جانب الثوار، وهو ما نفته الحركة باستمرار.

وطيلة الأعوام الثلاثة الماضية تجاهل النظام كل المغازلات التي حاول من خلالها قادة حماس التقرب منه، بالإضافة إلى جميع محاولات إصلاح العلاقة بينهما، الأمر الذي استدعى في النهاية تدخل المرشد الإيراني لثني النظام في دمشق عن تعنته.

وتنقل مصادر أورينت عن جهات إيرانية مطلعة، وأخرى مقربة جداً من حركة حماس “أن بشار أسد وافق على طلب المرشد إعادة العلاقات مع الحركة، لكنه أصر على ألا يشمل ذلك ثلاثة شخصيات يعتبر إعادة التواصل معها خطاً أحمر”، وتقول إن في مقدمتها خالد مشعل.

وتضيف المصادر أن تدخّل المرشد خامنئي أتى تتويجاً لمساع استغرقت أشهر، لكنها تكثفت خلال الأسابيع الأخيرة الماضية بعد دخول روسيا على الخط وطلبها من النظام إعادة العلاقات مع حماس بعد التوتر في العلاقات بين موسكو وتل أبيب.

دوافع استثنائية

من جانبه لم يستبعد مدير المكتب الإعلامي في “حركة النضال العربي لتحرير الأحواز”، ناصر عزيز، في حديث لـ”أورينت نت” ذلك، مبيناً أن “الزيارة وإن كان من بين أجنداتها ما هو متعلق بالشق الاقتصادي، إلا أن اجتماع أسد بخامنئي يكشف عن تفاصيل وأهداف أخرى”.

ويضيف عزيز، أن اللقاءات التي يجريها خامنئي مع المسؤولين الأجانب، عادة ما تكون مرتبطة بالتطورات الإقليمية والدولية، كما هو الحال مثلاً عندما يجري قادة حماس زيارات لخامنئي عند كل تصعيد عسكري في غزة.

وبالقياس على ذلك، يربط “عزيز” الزيارة والعمل على تطبيع العلاقات بين حماس ونظام أسد بتعثر مفاوضات إحياء البرنامج النووي الإيراني في فيينا، ويقول: “يريد نظام إيران إظهار قوته وتحكمه بملفات المنطقة”.

استعراض القوة

ويعود عزيز للحديث مجدداً عن محاولة نظام إيران إظهار قوة تحالفاته في المنقطة، قائلاً: “يستعرض نظام إيران قوة أذرعه في المنطقة، من سوريا إلى لبنان إلى اليمن، ليقول إن عدم توقيع الاتفاق النووي يعني زيادة الفوضى في المنطقة، مع اقتراب المفاوضات من مراحلها النهائية”.

وهنا يعيدنا “عزيز” إلى الهجمات الصاروخية التي شنتها ميليشيا “الحوثي” ضد أهداف في السعودية والإمارات، مؤكداً أن “الهجمات جاءت أثناء انعقاد مفاوضات فيينا، للضغط على الغرب والاتحاد الأوروبي، وكذلك يأتي الهجوم الصاروخي الأخير في أربيل شمال العراق في السياق ذاته”.

وثمة أهداف أخرى للزيارة في هذا التوقيت، متصلة بالرد على ترويج بعض الأطراف الإقليمية لإمكانية فصل نظام أسد عن نظام إيران، أو تحجيم العلاقة بينهما، حسب عزيز، الذي يرى أن هذا التطور يجب أن يمثل تأكيداً حاسماً بالنسبة لهذه الأطراف على استحالة ذلك.

—————————-

تقرير سي آي اي: الخطر من سورية وايران وروسيا

—————————

دمشق تعلن إتمام إجراءات تفعيل خط الائتمان الإيراني بعد أسبوع من زيارة الأسد إلى طهران

أعلنت دمشق انتهاء إجراءات تفعيل خط الائتمان الإيراني، على أن يبدأ قريباً جداً إرسال شحنات النفط إلى سوريا. وقال رئيس مجلس الوزراء السوري حسين عرنوس، في افتتاح المؤتمر الأول للاستثمار والطاقة المتجددة يوم الأحد: «قريباً جداً ستبدأ شحنات النفط بالقدوم إلى سوريا، فقد تم الانتهاء من إجراءات الخط الائتماني الجديد»، دون أن يعلن عن قيمة الخط.

وتعول دمشق على خط الائتمان الإيراني الجديد لمواجهة اشتداد أزمة الوقود والطاقة، التي تجددت منذ مارس (آذار) الماضي، وأدت إلى أزمة حادة في قطاع النقل تسببت في ارتفاع أسعار غالبية الحاجات والسلع الأساسية. وبحسب تقارير إعلامية، فإن أزمة الوقود والطاقة تفاقمت جراء انتهاء الخط الائتماني الإيراني واشتراط طهران الدفع النقدي لتوريد النفط إلى سوريا، وذلك بسبب العقوبات المفروضة على إيران وسوريا. وجاءت زيارة الأسد إلى طهران لتفعيل خط الائتمان، ولم يتم الإعلان عن تفاصيل الاتفاق الذي أفضى إلى تفعيل الخط أو حتى حجمه المالي ومدته.

إعلان الحكومة في دمشق إتمام إجراءات خط الائتمان الإيراني الجديد، جاء بعد أسبوع من توقيع الرئيس السوري بشار الأسد عليه خلال زيارته في 8 مايو (أيار) الحالي إلى طهران، وقال الإعلام السوري الرسمي إن الخط الائتماني الإيراني الجديد يتضمن تزويد سوريا بمواد الطاقة والمواد الأساسية الأخرى لسد النقص الحاصل في تلك المواد.

وانطلق يوم الأحد، المؤتمر الأول للاستثمار في الطاقات المتجددة والكهرباء، في فندق بيت الياسمين بدمشق ويستمر ليومين، بحضور وزارات الطاقة في الدول الصديقة لدمشق، وهيئة الاستثمار السورية ووزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية ومصرف سوريا المركزي، وهيئة التخطيط والتعاون الدولي والهيئة العربية للطاقات المتجددة، إضافة إلى مستثمرين سوريين وعرب وأجانب، بحسب ما جاء في البيان الرسمي.

ويتطلع المؤتمر إلى عرض الفرص الاستثمارية في الطاقات المتجددة، ومحفزات الاستثمار الحكومية، والبحث عن فرص لتمويل مشاريع الطاقات المتجددة، وعرض ومناقشة تحديات الاستثمار فيها، والحوافز التي يمكن تقديمها لتطوير الاستثمارات وتشجيع دخول الاستثمار الخاص والمشترك في قطاع توليد وتوزيع الكهرباء، وإيجاد صيغ مبتكرة لتطوير العمل، إضافة إلى مناقشة تجارب الدول في هذا المجال.

وقد وصل إلى دمشق، الأحد، وزير الطاقة اللبناني وليد فياض، للمشاركة في مؤتمر الطاقة المتجددة والكهرباء الذي تقيمه وزارة الكهرباء السورية، وسيلتقي الوزير اللبناني نظيره السوري غسان الزامل خلال زيارته دمشق، لبحث مشروع استجرار الطاقة (غاز – كهرباء) إلى لبنان عبر الأراضي السورية.

يشار إلى أن سوريا وافقت أواخر 2021، على طلب الحكومة اللبنانية المساعدة في تمرير الغاز المصري والكهرباء الأردنية عبر أراضي سوريا إلى لبنان، على أن تتزود سوريا بجزء من الغاز المصري مقابل مروره إلى لبنان عبر أراضيها.

——————————-

مخاطر من عودة النفط الإيراني إلى دمشق؟/ رامز الحمصي

في ظل عودة تفعيل الخط الائتماني الإيراني مع دمشق، واستجرار دمشق النفط الإيراني، يبدو أن كفة زيادة نفوذ الاقتصاد الإيراني في سوريا سترجح أكثر خلال الفترة المقبلة، لا سيما بعد فشل ذريع لحكومة دمشق في إيجاد بدائل لأزمة الوقود، إذ يساهم وصول شحنات الوقود من طهران بسيطرة إيرانية أكبر على الاقتصاد السوري، ويزيد من عجز دمشق في تأمين المشتقات النفطية، ولكن ما تأثيره على البلاد في المرحلة المقبلة؟

خط لابتلاع سوريا

مع عدم إفصاح الجانبين عن قيمة الخط الائتماني وتفاصيل العقد، يؤكد الباحث المتخصص في الاقتصاد السياسي، أحمد القاروط، أن إيران رأت الفرصة في خلق بنك بين الطرفين يتعامل بالعملة المحلية السورية، له أبعاد على مستقبل سوريا، لا سيما بعد توغل إيران سياسيا واقتصاديا وعسكريا.

اعتماد سوريا على إيران، استغلته طهران أكبر استغلال في ظل العقوبات المفروضة على دمشق، تمثل ذلك بشكل رئيسي خلال السنوات الماضية تحت غطاء “الخط الائتماني”، وقد بدى استكمال التبعية الاقتصادية  لدمشق تجاه طهران واضحا خلال زيارة الرئيس السوري، بشار الأسد، إلى طهران، الأحد الفائت.

يشير القاروط، إلى أن الظروف التي أحيطت في تشكيل هذا الخط الائتماني يبعث بمؤشرات أن النفوذ الإيراني سيزداد في سوريا. وبما أن التدخل الإيراني في سوريا، بدأ عسكريا ثم تم تحويله إلى تجاري واقتصادي، وإلى حد ما سياسي، فإن “دفع سوريا بالعملة المحلية، من خلال البنك الذي أنشأ بين الطرفين، من أجل استيراد النفط من إيران، قلل العبء نوعا ما على دمشق، إلا أنه تجارة سترتبط أكثر بالنظام السوري”. طبقا لما تحدث به القاروط.

ووفق تحليل الباحث المتخصص في الاقتصاد السياسي، فإنه في نهاية المطاف لن يكون لإيران حاجة بالعملة المحلية سوى شراء الفوسفات، ومن أجل إعادة استخدام الفائض وتصريفه، ستتوجه طهران نحو فتح مشاريع استثمارية، أو شراء أصول.

الخط الائتماني الإيراني يكتمل

الإجراءات الرسمية لخط الائتمان الإيراني الجديد، أعلن عن اكتمالها رئيس الوزراء السوري، حسين عرنوس، مضيفا أن إمدادات النفط ستصل إلى سوريا قريبا.

ورد عرنوس، خلال مشاركته في مؤتمر “الاستثمار في قطاع الكهرباء والطاقات المتجددة” بدمشق، يوم أمس الأحد، على سؤال من صحيفة “الوطن” المحلية، أنه خلال زيارته الأخيرة لطهران، وقع الرئيس السوري، بشار الأسد، مرحلة جديدة من ترتيب خط الائتمان الإيراني السوري، وتضمن الاتفاقية تزويد دمشق بالمشتقات النفطية والمواد الأساسية، بما يتناسب مع المتطلبات الأساسية للسوق المحلي.

بدوره ، قال وزير الكهرباء، غسان الزامل، خلال مشاركته في المؤتمر، أن تفعيل خط الائتمان الإيراني سيساعد في حل مشكلة  الجزء الأساسي من مشكلة إمدادات النفط ، وبالتالي سينعكس زيادة المشتقات والفيول المورد على وزارة الكهرباء السورية.

وزير الكهرباء، الذي سبق أن توقع تحسن الكهرباء مع بداية شهر نيسان/أبريل الفائت، توقع مجددا أن يتحسن وضع الكهرباء خلال الفترة القادمة، دون أن يحدد موعدا محددا وواضحا.

ما هو الخط الائتماني؟

خط الائتمان ليس منحة ولكنه مثل القرض الميسر، يقدم بأسعار فائدة ميسرة إلى البلدان النامية، والذي يتعين على الحكومة المقترضة سداده، ولهذا القرض سقف معين لا يمكن تجاوزه من الدولة المقترضة، ويجب عليها سداده في مدة زمنية معينة حتى لا تتراكم الفوائد، أو يغلق الخط.

في كانون الثاني/يناير 2013، اتفقت الدولتان على إطلاق خط ائتمان بقيمة مليار دولار بين البنك التجاري السوري وبنك تنمية الصادرات الإيراني بأسعار فائدة منخفضة، في أيار/مايو من ذلك العام، صرح أديب ميالة، محافظ البنك المركزي السوري، أن إيران عرضت خط ائتمان آخر على سوريا بمبلغ 3 مليارات دولار لتمويل احتياجات البلاد من النفط ومشتقاته.

وافق البنك التجاري السوري وبنك تنمية الصادرات الإيراني، على إطلاق خط ائتماني جديد بقيمة مليار دولار في أيار/مايو 2015، وتستخدم الحكومة السورية العائدات من الخطوط الائتمانية لتمويل شراء المنتجات والسلع وكذلك استكمال المشاريع.

في ظل غرق دمشق بالخطوط الائتمانية الإيرانية، وقعت الحكومة السورية سلسلة من اتفاقيات التعاون الاقتصادي بين دمشق وطهران في عدة مجالات أبرزها الكهرباء والسكك الحديدية، حيث تستغل طهران قانون “قيصر” الذي يمنع أي شركة أجنبية أو محلية من التعاون مع حكومة دمشق تحت العقوبات الأميركية.

———————————-

==================

تحديث 22 أيار 2022

———————-

لماذا استُدعي الأسد على عجل إلى طهران؟/ منير الربيع

من تداعيات تجميد الاتفاق النووي أنه سيزداد الضغط على النظام السوري أكثر فأكثر، في الاجتماع الأخير الذي عُقد في المغرب للدولة المنخرطة في التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، اتُخذت قرارات تتعلق بالسماح للإدارة الأميركية بالتعامل مع الأكراد في سوريا، وتم تخصيص دعم مالي لهم وفتح تلك المناطق أمام الاستثمارات الأميركية، بالإضافة إلى اتفاق أميركي-تركي حول بيع طائرات “إف 16” إلى تركيا وصواريخ متطورة.

ذهب بشار الأسد إلى إيران للمطالبة بالحصول على دعم مالي وسياسي إلى جانب المزيد من الدعم العسكري، وتأتي زيارته بعد انسحاب وحدات روسية مقاتلة من سوريا، لن تكون قادرة إيران على سدّ الفراغ الذي سينتج عن الانشغال الروسي في أوكرانيا، بينما أغلق مسار الانفتاح في العلاقات على النظام السوري، وخصوصاً على الصعيدين العربي والخليجي، ما يعني أن كل الكلام حول عودة سوريا إلى الجامعة العربية قد توقف.

التقارب الخليجي التركي، والخلاف الروسي الأميركي، والجمود في مفاوضات الاتفاق النووي بين إيران وأميركا، كلها ستنعكس سلباً على وضع النظام السوري، حتى العلاقة مع الأردن ساءت بسبب ارتفاع نسبة تهريب الكبتاغون والمخدرات.

وبالتالي يجد النظام السوري نفسه محاصراً من كل جوانبه، العلاقة سيئة مع الأردن، لبنان يعيش أزمة سياسية واقتصادية ومالية، والعراق غير قادر على تقديم أي دعم أو مساعدة لدمشق، أما العلاقة مع تركيا فحدّث ولا حرج، يأتي ذلك وسط انعدام وجود أي مقومات لقناعة كانت راسخة سابقاً لدى الإسرائيليين بأن بقاء النظام السوري يوفر جزءاً أساسياً من استقرار إسرائيل وأمنها.

وبالتالي فإن الموقف الإسرائيلي الذي عبر عنه وزير الدفاع الإسرائيلي بني غانتس قبل أسبوعين من واشنطن والذي قال فيه إنه يريد الاستقرار في سوريا، ثمة من يعارضه خصوصاً أن معظم الجو الإسرائيلي يقول إنه لا يمكن لتل أبيب إلا أن تكون مع الغرب في ضوء الحرب الروسية الأوكرانية، وهنا سيخسر النظام السوري غطاءً أساسياً، في ظل تقدم وجهة نظر تفيد بأن الحرب مع روسيا في أوكرانيا لن تقتصر على روسيا بل ستطول حلفاءها أيضاً.

وسط كل هذه التطورات من المؤكد أن كل محاولات تعويم النظام السوري قد انتهت، وهذا سيدفع بالنظام إلى البحث عن كيفية التعويض عما يخسره من خلال الرهان على الدور الإيراني ودور حزب الله في سوريا ولبنان. ولكن أيضاً الدعم الإيراني وحده لا يمكن أن يكون كافياً، وهذا كلّه يعيد سوريا إلى واجهة الأحداث والاهتمامات، خاصة أنه في المعايير الدولية فإن أي ضربة للنظام السوري ستكون ضربة موجهة إلى روسيا، وهذه كلها نقاط بدأت بالظهور تباعاً.

وهذا يضع رئيس النظام السوري أمام خيار من اثنين: إما البقاء في وضعيته الحالية، أو الذهاب إلى اتخاذ خطوة مشابهة اتخذها والده سابقاً بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، حيث استدار حافظ الأسد واتجه إلى الولايات المتحدة الأميركية، وشارك في حرب الخليج للحصول على ضمانة أميركية بالحفاظ على النظام.

ربما حاول “الأسد” أن يتخذ نفس الخطوات ولكنه لم يتمكن من الاستمرار في تنفيذها، خصوصاً أنه بعد زيارته إلى دولة الإمارات والتي فتحت طريقاً جديداً لمساره السياسي، تعثّرت في منتصف الطريق، خاصة أن الأمر لا يمكن أن ينفصل عن المعيار الإسرائيلي. ولكن بذهاب “الأسد” إلى إيران يطرح سؤالاً أساسياً، هل هو الذي طلب الموعد أم أنه قد استُدعي إلى هناك لمنعه من استكمال أي مسار جديد اختاره لنفسه؟.

بكل الأحوال فإن النتيجة واحدة، وهي أن إيران قادرة على منع الأسد من تكرار ما قام به والده، وكانت إيران قد استبقت ذلك من خلال إشاعة خبر صباح يوم عيد الفطر بأن الأسد تعرض لمحاولة اغتيال، مثل هذه الأخبار تعني حتماً توجيه رسائل واضحة على الأسد أن يلتقطها وقد التقطها وغادر بموجبها إلى إيران.

وبالتالي فإن زيارة “الأسد” إلى إيران كانت في توقيت دقيق، وبالتزامن مع مساع دولية لإعادة فتح مسار التفاوض الأميركي الإيراني حول النووي، في حين يدور همس أن “الأسد” بحث مع الإيرانيين إمكانية التغيير في مساره السياسي مع دول عربية وإقليمية، وكأنه حاول الإيحاء بأنه يحتاج إلى إعادة فتح مسار التفاوض غير المباشر مع إسرائيل لأن هذا الطريق وحده هو الذي يمكّنه من تخفيف حجم الضغوط التي يتعرض لها، بينما ما يزال إلى جانب إيران يراهنان على إعادة إحياء مسار النووي وتوقيع الاتفاق لعدم دفع الثمن.

—————————-

===================

تحديث 23 أيار 2022

————————

سوريا تحت وطأة الخط الائتماني الايراني/ إياد الجعفري

لم يعد ملء الفراغ الروسي في سوريا، من جانب إيران، مجرد نظرية يناقشها المحللون عبر وسائل الإعلام، بل برزت مؤخراً، بوصفها هاجساً لرأس هرم السلطة في دولة جارة لسوريا، هي الأردن. وسريعاً، اتضح الجانب الاقتصادي للمعادلة المتمثلة بتراجع روسيا وتقدم إيران في سوريا، عبر الإعلان عن تفاصيل محدودة بخصوص خط ائتماني إيراني جديد لدمشق.

غموض التفاصيل بخصوص هذا “الخط”، سواء من حيث قيمته، أو كيفية سداده، دفعت إلى التساؤل: على ماذا ستحصل إيران مقابل قرضها الجديد لنظام الأسد؟ فإزالة العقبات أمام الاتفاق على “خط الائتمان” الجديد، الذي تأجّل مراراً، تطلبت زيارة بشار الأسد شخصياً إلى طهران، بعد أن تفاقمت أزمة المحروقات في البلاد، وبعد أن فشلت حكومته في الحصول على القدر المناسب من المشتقات النفطية من مصادر بديلة (دول خليجية). وكما هو معلوم، فإن “خط الائتمان” الإيراني، هو قرض بفائدة ميسّرة. ومع العجز المالي لنظام الأسد، فإن السداد سيكون من خلال امتيازات اقتصادية جديدة لإيران، على حساب الموارد السورية، وعلى حساب المواطن، ذاته.

في آذار/مارس المنصرم، صدرت دراسة عن مركز الحوار السوري ومركز ماري للأبحاث والدراسات، بعنوان “التغلغل الإيراني الاقتصادي في سوريا بعد عام 2011”. تفيدنا هذه الدراسة في فهم سمات وأهداف الدخول الاقتصادي الإيراني إلى سوريا. وتتيح لنا، تصوّر مشهد مستقبلي، في ضوء التراجع المرتقب للنفوذ الروسي.

تشير الدراسة إلى معادلة خطيرة، تقوم على سعي إيران لربط الاقتصاد السوري باقتصادها، وهي ذات المعادلة التي قام عليها “الاستعمار الحديث”، والتي اعتمدت على ربط اقتصاديات الدول المُستَعمَرَة باقتصاديات الدولة المُستعمِرَة.

أحد تجليات تلك المعادلة، سعي إيران المتجدد لتحويل سوريا إلى سوقٍ لتصريف بضائعها. وهو سعيّ تعرض للفشل في كثير من جوانبه، لأسباب عديدة، كان أحدها، المنافسة الروسية. وهنا نضيف سبباً آخر ، وهو تعنت التجار السوريين ومحاولاتهم الالتفاف على الضغوط الممارسة عليهم، لشراء البضائع الإيرانية، نظراً لتدني جودتها وسوء سمعتها لدى المستهلك السوري. لكن مع تزايد الحاجة السورية للمعونة الإيرانية، وتجلي ذلك في خط ائتمان جديد، أحد بنوده، توفير مواد أساسية للسوق السورية، يعني ضغوطاً أشد على التاجر السوري، لشراء بضائع إيرانية، بالدين، وتسديد ثمنها، بعد تصريفها في السوق السورية. خاصة، مع تراجع المنافسة الروسية.

وبالتالي علينا أن نتوقع في الفترة القادمة، تغيّراً في معادلات التجارة بسوريا. ولتوضيح ما نقصد، نعطي مثالاً يتعلق بسعي إيران السابق لإغراق السوق السورية بمستلزمات قطاع الزراعة والثروة الحيوانية، كتسويق اللقاحات الحيوانية ومنتجات الدواجن الإيرانية، والأسمدة والمعدات الميكانيكية الزراعية. هذه الجهود الإيرانية تعرضت سابقاً لنكسات شديدة، جراء تزايد نسب التجارة الزراعية الروسية مع سوريا، وجراء فشل تجديد الخط الائتماني الإيراني. هذان العاملان، زالا الآن، فروسيا تحظر تصدير معظم سلعها الزراعية المهمة، وإيران جددت خطها الائتماني للنظام، مما يعني أن السلع الإيرانية ستغزو السوق السورية، بكثافة، في الفترة المقبلة. ولن يستطيع التاجر السوري مقاومة الضغوط، بهذا الصدد. وهو ما قد يفرض معادلة ليست في صالح المستهلك السوري، تتمثل في مقايضة منتجات زراعية وغذائية سورية تحتاجها إيران، كـ زيت الزيتون والعدس مثلاً، بسلع ومنتجات إيرانية لا يتم تصريفها بالشكل المأمول في السوق السورية، مثل زيت دوار الشمس.

“الخط الائتماني” الإيراني الجديد، لن يفرض تداعيات على صعيد التجارة، فقط. بل ستكون أبرز تداعياته، على الموارد السورية، التي تديرها حكومة النظام. ومن أهمها، الفوسفات، الذي لطالما سعت إيران للحصول عليه، نظراً لأهميته الكبيرة لديها، سواء من حيث تلبية احتياجات السوق الإيرانية الزراعية، أو بوصفه مصدراً مهماً للحصول على اليورانيوم الذي تحتاجه إيران في برنامجها النووي.

ورغم أن إيران خسرت احتكار مناجم الفوسفات السورية لصالح روسيا، عام 2018، إلا أنها نجحت في فرض نفسها، كمستورد رئيس له، بالاتفاق مع روسيا ذاتها. ومع “الخط الائتماني” الجديد، وحاجة النظام الى موارد لتسديد قرضه لطهران، قد تكون حصّة “الدولة” السورية، من الفوسفات المُنتج، والمحددة بـ 30%، هي الخيار الرئيس، كمقايضة مع المشتقات النفطية الإيرانية المُقدّمة عبر هذا القرض.

ومع تفاقم حاجة أوروبا لغاز بديل عن الغاز الروسي، ستزداد فرص تحقيق حلم إيران القديم، بتصدير غازها ونفطها، عبر المتوسط، إلى أوروبا. وستتجدد مساعيها للحصول على ميناء على الساحل السوري. ومع فشلها في ميناء طرطوس واللاذقية، ستتجدد مساعيها للاستيلاء على ميناء بانياس، وتوسيعه ليكون منفذاً استراتيجياً بديلاً عن مضيق هرمز. ويبقى هذا السيناريو رهن قدرة إسرائيل على عرقلته.

وسيكون قطاع الطاقة الكهربائية، من أبرز المجالات التي تنتظر مزيداً من التغول الإيراني، نظراً لأنه يدرّ أرباحاً كبيرة، ويتيح سرعة دوران رأس المال. وقد حصلت إيران، بالفعل، على امتيازات من نظام الأسد في هذا القطاع، خلال السنوات الفائتة. ومن المتوقع، أن تحصل على امتيازات أخرى، أكثر نوعية، بصورة تتيح استنساخ السيطرة الإيرانية على قطاع  الكهرباء العراقي، بوصفها إحدى أوراق الضغط لضمان التبعية.

التغلغل الإيراني في سوريا، لن يزداد على صعيد الأنشطة الاقتصادية الشرعية فقط. بل ستتفاقم الأنشطة الاقتصادية غير الشرعية أيضاً، من تجارة مخدرات، وزراعة حشيش، وتهريب وتجارة أعضاء. وهو ما لمس الأردن تحديداً، مؤشراته الأولى، إذ تفاقمت تجارة المخدرات عبر حدوده الشمالية مع سوريا، منذ ان تعززت سيطرة النظام في درعا، خلال الصيف الفائت، بنسبة تقترب من الثلث في حالة تهريب حبوب الكبتاغون، وبعشرات الأضعاف في حالة تهريب الحشيش. وقد أقرّت الجهات الرسمية الأردنية أن هذه التجارة تتم بتمويل ودعم من ميليشيات حزب الله وإيران، وبتواطؤ من جهات وصفتها بـ “قوات غير منضبطة” من جيش النظام.

وتراهن إيران على هذه الأنشطة الاقتصادية غير الشرعية، لخلق قنوات تمويل ذاتي للميليشيات التابعة لها، وللعبث بالأمن الإقليمي، بغاية الابتزاز السياسي والأمني. وهو ما يتضح جلياً في حالة الحدود السورية – الأردنية.

ورغم استفاضتنا في الحديث عما ينتظر سوريا، من تفاقم للنفوذ الاقتصادي الإيراني، إلا أن هذه المساحة لا تتيح استيفاء هذا الملف حقّه. فهناك قطاعات كثيرة لم نستطع تناول المساعي الإيرانية فيها، كقطاع البنية التحتية والتشييد والإعمار، والقطاع المصرفي. لكن، يمكن لنا أن نختصر المشهد الراهن، بعبارة ثقيلة الوطأة، لكنها دقيقة التوصيف: إيران تحتل سوريا، اقتصادياً.

المدن

————————

===================

تحديث 29 أيار 2022

——————–

إيران في سوريا..الخوض في المستنقع/ صبا مدور

بالنسبة لإيران فإن سوريا هي مركز مجالها الأمني الاستراتيجي، وليس لها أن تخسرها أو أن تتنازل عن مصالحها الحيوية فيها. تعزز هذا الاقتناع الإيراني وتحول إلى عقيدة سياسية منذ اندلاع الثورة السورية، وتنبهت طهران إلى أن سوريا غير المجاورة لحدودها، يمكن أن تشهد سقوط نظامها الحليف، وبذلك ستخسر طهران الجزء الأساسي من قدرتها على التدخل والعبث في المنطقة.

منذ سقوط الشاه عام 1979، تحالف النظام الإسلامي الجديد في طهران مع النظام البعثي في دمشق، لمواجهة نظام بعثي آخر في بغداد. تغلبت المصالح المشتركة على ما بدا من تناقض أيديولوجي، لكن الأهم من المصالح كان التوافق الإيراني مع نظام أقلوي طائفي متدثر بالفكر القومي، حتى أن (تصدير الثورة) الذي أعلنه المرشد الإيراني الراحل الخميني وما شمله من تدخلات إيرانية سافرة وواسعة النطاق، طاولت كل دول المنطقة لكنها استثنت سوريا، التي تحالف نظامها (القومي) مع دولة غير عربية ضد النظام العربي بكامله.

بعد أكثر من ثلاثين عاما، وجدت إيران نفسها عالقة في مستنقع سوري لحماية استثمارها في النظام الحاكم، فقد حصلت طهران على مكاسب جيوسياسية مهمة بسبب ذلك، وهو ما جعلها تعتبر الثورة السورية منذ بدايتها تهديدا مباشرا لمصالحها، ولكامل ما سمته (محور المقاومة)، وهكذا انخرطت بطريقة شاملة في دعم النظام بالميليشيات والمستشارين والأسلحة لمواجهة الشعب السوري.

حمل العام 2015 معالم انهيار واضح للنظام السوري وحليفه الإيراني، ومن هنا بدأت حكاية التدخل العسكري الروسي، بطلب مباشر من طهران، وجهود بذلها المرشد الإيراني علي خامنئي وقائد فيلق القدس السابق قاسم سليماني الذي طار إلى موسكو في تموز/يوليو من ذلك العام، وقضى ساعتين في الكرملين من الحوارات والشرح على الخرائط، قبل أن يقنع الرئيس بوتين بضرورة التدخل السريع لإنقاذ بشار الأسد من سقوط بدا قريبا.

في حقيقة الامر، لم يستدع نظام دمشق روسيا، إيران هي من فعل ذلك، وبالطبع فإن طهران لم تكترث بما كان يعنيه الأمر من ازدواجية في خطابها (الثوري) الخاص بخروج القوات الأجنبية في المنطقة، فقد كان المهم هو انقاذ استثمارها المهدد بالضياع أولا، ثم يمكنها بعد ذلك ترتيب المبررات وافتعال الأسباب واستعادة النبرة (الثورية) تجاه من يريد أن يصدق الأكاذيب.

مضت سبع سنوات على التدخل الروسي، نجح خلالها في إنقاذ نظام دمشق، ورسخت موسكو لنفسها قاعدة مهمة في الشرق الأوسط، وفي أحيان معينة، تناقضت مصالحها مع إيران، حتى بات لكل منهما أتباع داخل قوات النظام وشبيحته، لكن حرب أوكرانيا تجبر موسكو اليوم على سحب جزء مهم من قواتها، وكذلك الوحدات السورية التابعة لها، لتقاتل في الجبهة الأوكرانية المتعطشة للمزيد من الرجال، لتقوم إيران بملء الفراغ الروسي.

بدأت إيران فعليا بنشر قوات واسعة من الحرس الثوري وميليشيات حزب الله اللبناني في مستودعات (مهين) العسكرية بريف حمص الشرقي، ثاني أكبر مستودعات السلاح والذخيرة في سوريا، وسيوفر هذا الانتشار أن تسيطر إيران على مناطق واسعة تمتد من القلمون شمال دمشق، ومناطق دير عطية والقريتين والسخنة شرق حمص وصولا إلى مناطق أثريا بريف حماة الشرقي وحقول النفط في جنوب الطبقة بريف محافظة الرقة.

لا تبدو سيطرة إيران العسكرية على هذه المنطقة الواسعة والحيوية، استثنائية أو شاذة عن واقع النفوذ الإيراني في سوريا منذ أكثر من عقد، لكن المهم هنا أن هذا التطور قد يكون مجرد بداية نحو مزيد من الانتشار العسكري الإيراني مع استمرار الانسحابات الروسية، وهذا سيفرض متغيرات وتداعيات مهمة في بيئة إستراتيجية وسياسية تغيرت بشكل واضح عما كانت عليه عام 2015.

سيكون متوقعا حاجة إيران بشكل أكبر للاستعانة بالميليشيات الشيعية الأجنبية، ما يفرض تداعيات مهمة قد يؤثر بعضها بشكل مباشر على الوضع السائد منذ بضع سنوات، بعد القضاء على تنظيم داعش، وفي مقدمة ذلك الاحتمالات القوية لعودة الاحتكاكات الطائفية مع السكان، لا سيما مع انحسار وجود المعارضة في تلك المناطق.

الأمر الثاني هو أن (سوق الميليشيات) ذاته لم يعد متاحا مثلما كان سابقا، فميليشيا (فاطميون) الأفغانية لم تعد قابلة للتجنيد بقوة مثل السابق، بعد رحيل القوات الأميركية، فحركة طالبان سترفض استخدام أي مواطن افغاني للقتال خارج بلاده، كما أن إيران ستواجه صعوبات في نشر الدعاية الطائفية داخل مناطق الغالبية الشيعية في أفغانستان لتجنيد المتطوعين، مثل (الدفاع عن المراقد)، حيث سيكون عليها أن تواجه رفضا من حكومة طالبان وربما خصومة وحتى عداء يتسبب بمشكلات لطهران على حدودها الشرقية.

وحتى بالنسبة للعراق، فالأمر لم يعد يخلو من تعقيدات، حيث يفرض توتر الوضع هناك، والصراع السياسي بين أبرز القوى الشيعية، مخاطر اندلاع صراع مسلح في أي وقت، وقد يكون نقل ميليشيات عراقية (ولائية) من اتباع إيران، سبباً في اضعاف هذا الجناح المسلح في مواجهة التيار الصدري، القوي عسكريا بدوره، والذي بدأ يبتعد عن الخط الإيراني.

الأمر الآخر، أن (داعش) هزمت وانحسرت، لكنها لم تنته، وما زالت تقوم بعلميات مسلحة دموية، وسيكون رحيل الروس عن مناطق سيطر عليها التنظيم في السابق، حافزاً لهم للعودة ومحاولة تنفيذ هجمات فيها من جديد.

والبيئة الإقليمية نفسها تغيرت، فالأردن يستشعر وعلى لسان الملك عبد الله مخاطر من (الفراغ) الذي تملأه إيران ووكلائها، وقد تكون بلاده أمام تصعيد محتمل على حدودها مع سوريا، مع الإشارة إلى أن الأردن سبق له وقام بتطبيع العلاقات مع النظام السوري، وقد لا يجد في انتشار إيراني بدل الروسي قرب حدوده، عنصرا مشجعا لاستمرار التعاون مع النظام، لا سيما وأن التسوية التي جرت في درعا في خريف العام الماضي، كانت بالتفاهم بين روسيا والأردن، وقد لا تكون إيران معنية بها أو راضية عنها.

ولا يختلف الأمر في لبنان، فهناك تحولت البيئة السياسية بعد الانتخابات الأخيرة، ولم تعد مريحة لحزب الله، كما أن هذا الحزب ذاته، سيواجه مشكلات تعبوية في دعم الانتشار الإيراني، مع مخاطر داخلية، وفرص لحرب إقليمية قد تشمل إسرائيل.

الأمر الآخر يتعلق بإسرائيل، فالضربات الإسرائيلية لمواقع خاصة بالحرس الثوري وحزب الله غالبا ما تركزت على مناطق محدودة غربي دمشق على مقربة من الجولان المحتل، حيث تتمركز إيران وميليشياتها بشكل خاص، وقد يكون توسيع هذا الانتشار في وسط سوريا، دافعاً لتوسيع نطاق الغارات الإسرائيلية، وهو ما تخشاه إيران، الحريصة على تجنب صراع شامل مع إسرائيل.

وأخيرا، فربما تجد المعارضة السورية في الوضع الجديد، فرصا لإعادة التحرك النشط، وحينها سيكون التحدي أعمق وأقسى أمام الإيرانيين، ولن يكون بوتين متفرغا للاستماع لشكاواهم، كما لن تجد إيران (سليماني) لإقناعه بضرورة التدخل.

المدن

———————————–

لو قرّرت إدارة بايدن عدم العودة إلى الاتفاق النووي؟/ حسن نافعة

مضت شهور طويلة على بدء مفاوضات فيينا الباحثة عن صيغةٍ تضمن عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي مع إيران. ومعروفٌ أن هذا الاتفاق أبرم عام 2015 في عهد الرئيس أوباما، ووقعته الولايات المتحدة إلى جانب باقي الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، بالإضافة إلى ألمانيا، غير أن الرئيس ترامب قرّر الانسحاب منه عام 2018، الأمر الذي اعتبره بايدن خطأ استراتيجيا، وعد إبّان حملته الانتخابية بالعمل على تصحيحه، إذا ما أصبح رئيسا للولايات المتحدة. وقد شهدت مفاوضات فيينا، والتي بدأت، بعد أشهر قليلة من دخول بايدن البيت الأبيض، حالات مدّ وجزر أمكن خلالها التغلب على عقباتٍ عديدة، ثم صدرت منذ أسابيع تصريحاتٌ تؤكد الوصول إلى حلولٍ لجميع المسائل والتعقيدات الفنية، ولم يتبق سوى اتخاذ القرارات السياسية المطلوبة، والتي تضمن عودة الولايات المتحدة إلى الالتزام بالاتفاق، بالتزامن مع رفع العقوبات “القصوى” المفروضة على إيران من ترامب، عقب قراره الانسحاب من الاتفاق. وحتى لحظة كتابة هذه السطور، لم تكن القرارات “السياسية” المطلوبة قد اتّخذت بعد، وربما لا تتّخذ أبدا، رغم أجواء التفاؤل التي سادت منذ أسابيع. ومن ثم فإن احتمال العودة الأميركية إلى اتفاق 2015 لم يعد أمرا مسلّما به. فما الذي يمكن ان يحدُث لو أن إدارة بايدن اتّخذت قرارا نهائيا بعدم العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران؟

طُرحت في الأسابيع القليلة الماضية اجتهاداتٌ كثيرةٌ تحاول تفسير الأسباب التي أدّت إلى تعثر مفاوضات فيينا، وعدم تمكّنها من التوصل إلى نتائج نهائية مرضيةٍ للطرفين، الأميركي والإيراني. يشير أحد هذه الافتراضات إلى الدور الذي لعبته إسرائيل واللوبي الصهيوني المناصر لها في واشنطن، في عرقلة التوصل إلى اتفاق. ومعروفٌ أن إسرائيل كانت من أشد الدول اعتراضا على إبرام هذا الاتفاق أصلا، ورأت فيه تهديدا وجوديا لها، ثم من أكثرها ترحيبا بقرار ترامب الانسحاب منه، وأخيرا من أكثرها تخوّفا من مفاوضات فيينا. ومن ثم، لم يكن خافيا على أحد أنها قرّرت حشد كل قواها وتعبئتها، من أجل العمل على إفشال هذه المفاوضات، إن هي هدفت إلى العودة إلى الاتفاق القديم، وراحت تبذُل كل ما تستطيع من جهد، من أجل التوصل إلى اتفاقٍ جديد، يضمن تحجيم برنامج إيران الصاروخي، والحدّ من نفوذها الإقليمي. ويرى الفريق الذي يتبنّى وجهة النظر هذه أن تمسّك إيران الصارم بالعودة إلى صيغة 2015، من دون أي تعديلٍ ساعد إسرائيل، ومعها اللوبي الصهيوني المناصر لها داخل أروقة الإدارة والكونغرس الأميركيين، على وضع كل أنواع العراقيل أمام هذه المفاوضات، إلى أن نجحا أخيرا في إفشالها. غير أن هناك اجتهادات أخرى تركّز على التأثيرات الناجمة عن الغزو الروسي لأوكرانيا، وتؤكّد أن هذا الغزو أحدث تحوّلا في البيئة الدولية دفع الولايات المتحدة إلى التمهل وعدم التعجل في العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران، رغم تباين التحليلات المتعلقة بمفاعيل هذه التأثيرات، فبينما يرى بعضهم أن حرص الولايات المتحدة على إحكام العقوبات السياسية والاقتصادية الشاملة المفروضة على روسيا بسبب هذا الغزو يدفعها إلى التقارب مع بعض الدول الأخرى المناوئة لها، ومنها إيران وفنزويلا، يرى آخرون أن هذا الحرص يدفعها، على العكس، للتقارب أكثر مع الدول الحليفة لها في منطقة الشرق الأوسط، وبالذات مع إسرائيل والسعودية.

يُبنى الافتراض الأول على أساس حاجة الولايات المتحدة لمنع بعض مناوئي سياستها من الارتماء في أحضان روسيا، ودفعهم إلى ضخّ كمياتٍ إضافيةٍ من النفط في الأسواق العالمية، أملا في إنجاح العقوبات المفروضة عليها، ويفضي إلى الاعتقاد أن بعض الآثار الناجمة عن الغزو الروسي لأوكرانيا قد تساعد على التعجيل بعودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي مع إيران. ويُبنى الافتراض الثاني على أساس أن الولايات المتحدة في حاجة أكبر للتقارب أكثر مع حلفائها التقليديين، وفي مقدّمتهم إسرائيل والسعودية، ويفضي إلى الاعتقاد أن بعض الآثار الناجمة عن الغزو الروسي لأوكرانيا سوف تؤدّي، على العكس، إلى عرقلة العودة الأميركية إلى الاتفاق النووي مع إيران، فبمقدور إسرائيل تقديم مساعدات عسكرية فعّالة لأوكرانيا، تمكّنها من الصمود أكثر، كما أن في مقدور السعودية ضخّ كميات إضافية هائلة من النفط يمكن أن تكون لها فاعلية كبيرة في إحكام الحصار المضروب على روسيا. ولأن لكلٍّ من إسرائيل والسعودية مصلحة واضحة في الضغط على إيران، لتغيير سياستها الإقليمية والحدّ من طموحات برنامجها الصاروخي، فمن الطبيعي أن يطلبا ثمنا لانحيازهما للولايات المتحدة في حربها غير المعلنة على روسيا بسبب الأزمة الأوكرانية. لذا، ليس من المستبعد أبدا أن يكون للغزو الروسي لأوكرانيا تأثيرات جانبية تدفع في اتجاه عدم العودة الأميركية إلى الاتفاق النووي مع إيران.

وأيا كان الأمر، هناك مؤشّرات عديدة تدل على أن إيران لا تبدو في عجلةٍ من أمرها، ومن ثم لا تظهر تلهفا شديدا لعودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي، رغم ترحيبها بهذه العودة إن جرت وفق شروطها هي. أما الأسباب التي تدعوها إلى عدم العجلة فهي كثيرة، أهمها سببان:

الأول: نجاح إيران في التكيف مع العقوبات الأميركية، رغم ما أحدثته من ضرر بالغ أصاب اقتصادها، وتمكنها من تحويل التحدّي إلى فرصة، والضرر إلى منفعة في بعض الأحيان، وهو نجاحٌ يعزى إلى إصرار إيران على الاعتماد على النفس، وعلى الجهود الذاتية في دفع عجلة التنمية، وتحفيز الابتكار في مختلف المجالات، وهو ما يوحي به ما أحرزته إيران من تقدّم هائل، خصوصا في مجال تكنولوجيا الصواريخ والفضاء والاتصالات، رغم العقوبات القاسية التي فرضت عليها سنوات طويلة.

الثاني: اقتناع النخبة الإيرانية الحاكمة، خصوصا بعد وصول إبراهيم رئيسي إلى السلطة، بأن مصلحة الولايات المتحدة في العودة إلى الاتفاق النووي تفوق مصلحة إيران، فعدم العودة الأميركية إلى الاتفاق النووي يتيح لإيران التحلّل من التزاماتها بموجبه، خصوصا ما يتعلق منها بتخصيب اليورانيوم، وبالتالي يمكّنها من دفع مستوى التخصيب إلى أقصى مدى تستطيع الوصول إليه، ويحول، في الوقت نفسه، دون المخاطرة بوقوع حرب أو بإعطاء الولايات المتحدة وإسرائيل ذريعة للجوء إلى القوة المسلحة ضدها.

إذا صحّت هذه الاستنتاجات، فمعنى ذلك أن عدم عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي خلال الشهور القليلة المقبلة سيؤدّي، من ناحية، إلى استمرار العقوبات الأميركية القصوى، وإلى إقدام إيران، من ناحية أخرى، على تخصيب اليورانيوم بمعدّلات متسارعة، ونسب متصاعدة، قد تقترب من درجة 90%، ما قد يعيد المنطقة برمتها إلى أجواء التوتر الكبرى والتجاذبات العنيفة التي كانت عليها إبّان فترة إدارة ترامب. ويصعب، في ظل أجواء كتلك، توقع استمرار التهدئة القائمة حاليا في اليمن أو تمديدها، كما سيكون من الصعب مواصلة المفاوضات السعودية الإيرانية التي يقال إنها تجاوزت المستوى الفني، وباتت على وشك الارتقاء إلى المستوى السياسي. وستكون إسرائيل الدولة الأكثر سعادة بعودة هذه الأجواء المتوترة التي تساعدها على التقارب أكثر مع دول عربية عديدة في المنطقة، بدعوى أن الخطر الإيراني بات مشتركا يهدّد الجميع، ومن ثم على إسرائيل والدول العربية أن يتعاونا معا إلى أقصى مدى ممكن لمواجهته وصدّه.

على صعيد آخر، يتوقع أن يؤدّي قرار إدارة بايدن عدم العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران إلى تقارب أميركي إسرائيلي بشأن كيفية التعامل مع إيران مستقبلا، قد يصل إلى حد التطابق. وهنا سنكون أمام أحد احتمالين:

الأول: إطلاق يد إسرائيل في مباشرة أعمالها التخريبية والإرهابية المعتادة ضد إيران، بما في ذلك مواصلة الإغارة على المواقع والأهداف الإيرانية في سورية، وهي مواقع وأهداف معرّضة للازدياد في المرحلة المقبلة، بسبب اضطرار روسيا لسحب جزء من قواتها المقاتلة تحت ضغوط الحرب المشتعلة في أوكرانيا، بالتوازي مع حرص الولايات المتحدة على البقاء في خلفية المشهد، تحاشيا لأي صدام عسكري مباشر مع إيران غير مرغوب فيه في المرحلة الراهنة، خصوصا في حل استمرار الحرب وتصاعدها في أوكرانيا.

والثاني: بلورة استراتيجية أميركية إسرائيلية مشتركة في مواجهة إيران، تسمح بتوزيع متفق عليه للأدوار بين الطرفين، مع ضبط إيقاع التصعيد المتوقع لضمان عدم انفلات الأمور، مع الإبقاء على خيار احتمال شنّ عملية عسكرية مشتركة، تستهدف القضاء نهائيا على البرنامج النووي الإيراني، أو إصابته بالشلل التام فترة طويلة مقبلة، حين تصبح الظروف الدولية والإقليمية مواتية بشكل أفضل، وهذا هو الهدف الذي ظلت إسرائيل تسعى للوصول إليه منذ سنوات طويلة.

في كلتا الحالتين، ستتغير المعطيات الجيوسياسة كليا في المنطقة، خصوصا إذا أدخلنا العوامل المتصلة بالصراع العربي الإسرائيلي في الاعتبار، فسواء أطلقت يد إسرائيل وحدها للعبث في شؤون المنطقة، أو جرى الاتفاق على استراتيجية أميركية إسرائيلية مشتركة لضرب إيران، فستدخل المنطقة حتما في حالة استقطاب تام بين مشروعين: الأول، أميركي إسرائيلي يرى في إيران مصدر الخطر الرئيسي على مصالحهما في المنطقة. والثاني، مقاوم للهيمنة الأميركية الإسرائيلية في المنطقة، تقوده إيران، وقد تدخل روسيا على خطه، إذا طال الصراع المحتدم على الساحة الأوكرانية، أو تطوّر في غير صالحها.

العربي الجديد

———————————-

====================

تحديث 02 حزيران 2022

———————-

عن الفهم الإيراني لحدود البلدان واستقرارها: الوعي المحافظ الأسوأ…/ حازم صاغية

قبل أيّام قليلة تصرّفت إيران تصرّف القوى الضامنة لحدود الدول واستقرارها. بحسب ما نقلته وكالة الأنباء الألمانيّة، أكّد المتحدّث باسم وزارة خارجيّتها سعيد خطيب زاده، أنّ بلاده «تعارض أي نوع من الإجراءات العسكريّة واستخدام القوّة في أراضي الدول الأخرى بهدف فضّ النزاعات، لأنّه يشكّل انتهاكاً لوحدة الأراضي والسيادة الوطنيّة لتلك الدول، وسوف يؤدّي إلى مزيد من التعقيد والتصعيد».

تصريحه هذا جاء ردّاً على سؤال حول احتمال قيام تركيّا بعمل عسكري في الأراضي السورية أو العراقيّة، وهو ما أنذر به الرئيس التركي إردوغان. وبما يضفي مزيداً من الرصانة الدبلوماسيّة التي يحرص عليها في العادة دبلوماسيو الدول الكبرى، سجّل خطيب زاده تقدير إيران لـ«الهواجس الأمنيّة لدى تركيّا»، لكنّه استدرك «أنّ السبيل الوحيد لحلّها يكمن في الحوار والالتزام بالاتفاقات الثنائيّة مع دول الجوار، بالإضافة إلى التوافقات الحاصلة خلال مفاوضات آستانة، ومنها احترام وحدة وسلامة أراضي سوريا والسيادة الوطنيّة لهذا البلد، والامتثال إلى مبدأ عدم اللجوء إلى القوّة».

تابع زاده مضيفاً إلى حكمة الدبلوماسيّة حكمة التاريخ: «إن التجارب على مرّ السنوات الأخيرة أثبتت أنّ استخدام القوّة العسكريّة ضدّ سائر الدول لم يساعد على حلّ المشاكل معها، وإنّما يؤدّي إلى تداعيات إنسانيّة مثيرة للقلق، ومزيد من تعقيد الأمور في المنطقة».

عين الصواب. فإن تتجاوز تركيا مجدّداً حدودها الجنوبيّة، مع سوريا والعراق، مستهدفة الكرد في البلدين، علاوة على استهدافها سيادة البلدين، لا يمكن إلا أن يكون خطيراً ومقلقاً.

والحال أنّ أنقرة، رغم انهيار السلطنة قبل قرن ونيّف، لم تفارقها عقليّة سلطانيّة تستبطن النظر إلى جوارها كما لو أنّه جزء منتزع منها، جزءٌ تحتفظ بـ«شرعيّة» العمل على «تأديبه» حين تقتضي «مصالحها» أو «أمنها القومي» ذلك. ونعرف أنّ روسيا، ذات الوعي الإمبراطوري، تكاد لا تتصرّف إلا بموجب هذا التقليد، وحربها الراهنة في أوكرانيا برهانٌ قاطع.

إيران الخمينيّة، في المقابل، وضعها يختلف. إنّها، باستثناء العراق، لا تملك حدوداً مشتركة مع البلدان العربيّة، كما أنّ الأخيرة لم تكن، في التاريخ الحديث، جزءاً من إمبراطوريتها. صحيح أنّ طهران لن تفرّط بما ضمّته في حقب سابقة، أكان المقصود الجزر الإماراتية الثلاث في الخليج التي احتلّها الشاه في 1971، أم الأحواز (خوزستان،عربستان) التي انتزعها رضا خان في 1925 من خزعل جابر الكعبيّ، آخر حکّام الکعبّن. لكنّ الصحيح أيضاً أنّها تستلهم في نشر نفوذها الأدوات الحزبيّة والدعويّة أكثر مما تستلهم المخيّلة الإمبراطوريّة. بهذا المعنى، إذا كان الوعي التركي الراهن يشبه الوعي القيصري – البوتيني في روسيا، فإنّ الوعي الإيراني الراهن يشبه الوعي السوفياتي.

وهذه استراتيجيّة مواتية لأنّ إيران تستحوذ على أدوات محلّيّة قويّة، تماماً كما استحوذ الاتّحاد السوفياتي على الأحزاب الشيوعيّة في بلدان بعيدة جغرافيّاً عنه. وهي استطراد تملك دعوة آيديولوجيّة سبق للاتّحاد السوفياتي أن امتلكها فيما لا تمتلكها تركيا.

وبنتيجة أربعة عقود في لبنان، وعقدين في العراق، وعقد في سوريا واليمن، نجحت إيران وأدواتها المحلّيّة في أن تقيم استقراراً ما هو بالضبط مأسَسَة عدم الاستقرار على شكل حروب أهليّة وإقليميّة قائمة أو محتملة. وفي المحصّلة صار الحفاظ على الدول وحدودها مفيداً لطهران ما دام أنّ هذه الدول قد جُوّفت من داخلها، فيما الحدود لم تعد تحدّ البلدان إلا كما تحدّ خطوطٌ من ماء أشكالاً هندسيّة مؤقّتة. أمّا تخريب الدول والحدود، في المقابل، فيهدّد الواقع الذي باتت إيران تألف التعامل معه والسيطرة عليه. إنّه يهدّده بإدخال قوى جديدة غير محسوبة إليه أو إخراج قوى قديمة محسوبة منه. في سوريّا مثلاً لا حصراً، تعوّدت إيران على العيش في جوار روسيا التي تشاركها دعم الأسد، وفي تساكُن من بعيد مع الولايات المتّحدة التي تشاركها «الحرب على الإرهاب»، وفي حرب مضبوطة نسبيّاً مع إسرائيل. أمّا إذا دخلت تركيّا على الخطّ، فيما خرجت روسيّا، فهذا سوف يخلط أوراقاً كثيرة ينبغي على إيران أن تعاود التكيّف معها: ففضلاً عن الدور الجديد لأنقرة، سيتزايد ضمور بشّار الأسد، وقد تفلت الحرب الإسرائيليّة الإيرانيّة من كلّ عقال بعد تعطّل التوسّط الروسيّ…

شيء مشابه يمكن قوله عن لبنان أو العراق أو اليمن، حيث في هذه البلدان جميعاً يُستحسَن إيرانيّاً ألا يدخل عامل جديد وألا يخرج عامل قديم: فلا الثورات ولا الانتخابات مرحّب بها، ولا تطوّر العلاقات مع قوى سياسيّة أو مع داعمين اقتصاديين أو مع أفكار وتصوّرات مستجدة… فلتبق الأمور كلّها، إذن، على الحال الذي استقرّت عليه من حول العمود الفقري الناظم الذي هو الهيمنة الإيرانيّة.

هكذا فإنّ الاستقرار المرغوب، بعدما تحقّق لإيران ما تحقّق، هو بالضبط استقرار البلدان على تصدّعها وتخشّبها الراهنين. وهذا، رغم كلّ الضجيج الثوريّ، مشروع محافظ جدّاً يدافع عن أوضاع رديئة يخجل أقصى المحافظين من الدفاع عنها.

الشرق الأوسط

————————-

إيران بعد انسحاب الروس من سوريا/ عبد الرحمن الراشد

عبد الرحمن الراشد

لم يخطر ببال أحد أن يكون نظام إيران الكاسب عسكرياً من أزمة أوكرانيا التي تضطر الروس اليوم إلى الانسحاب من سوريا.

لروسيا أطماع لكنها ليست كبيرة في منطقتنا، مع تحسين ميزانها التجاري والاستثماري واستخدام ميناء طرطوس ولعب دور مهم في منطقة الشرق الأوسط. هذا ما جعل وجودها العسكري في سوريا، لدعم نظام دمشق، موازناً وضابطاً لإيران، مع أنها حليفة الإيرانيين هناك. وصار وجودهم محل ترحيب وسبباً للسكوت الإقليمي على انتشار ميليشيات إيران في سوريا.

نظرية التوازن الأجنبي داخل سوريا على وشك الاختلال. ففي الأسابيع الماضية وردت تقارير عن مغادرة قوات روسية عائدة إلى بلدها، وربما أوكرانيا، حيث تخوض روسيا حربها هي. والأرجح أن نشهد المزيد من الانسحابات الروسية حتى يصبح الإيرانيون متفردين هناك.

ربما لا يرى البعض الانسحاب العسكري الروسي مهماً، على اعتبار أن الحرب في سوريا شبه منتهية، وانخفض مستوى الصراع الداخلي في سوريا، واستعاد النظام السيطرة على معظم المناطق، لكن أستبعد أن يخرج «الحرس الثوري» من سوريا ولو توقف القتال تماماً، إلا أن خروج الروس واستمرار الحضور العسكري الإيراني قد يكون محفزاً لعودة الصراع داخل سوريا وحولها، حيث لوجود إيران في دمشق أهداف أبعد من حماية النظام.

استمرار وجود إيران عسكرياً في سوريا سيعني، أولاً، إكمال السيطرة على العراق، فقد كانت سوريا الممر إلى العراق، وقد استخدمها الإيرانيون في حربهم مع صدام. ولهذا، أيضاً، فشل الأميركيون في السيطرة على العراق خلال احتلاله بسبب شلال المقاتلين من «القاعدة» و«داعش» والمعارضة العراقية الزاحفين من الجنوب السوري.

الإيرانيون يتقدمون متراً متراً، من البصرة إلى أربيل والسليمانية للسيطرة على الأرض والقرارات في العراق. ومن سوريا يسيطر «الحرس الثوري» على لبنان، حيث حوله إلى مركز لإدارة نشاطاته الإقليمية في اليمن وفلسطين. بخروج الروس، يواجه النظام الإيراني القليل من التحدي، ويتبقى أمامه إسرائيل التي تعتبر وجود إيران في سوريا تهديداً استراتيجياً لأمنها لكنها لا تريد أن تجر إلى حرب على الأرض السورية.

لهذا كان وجود الروس ضمانة إقليمية بأن سوريا لن تكون قاعدة عسكرية متقدمة لـ«الحرس الثوري» الإيراني وأن الوجود العسكري الإيراني وميليشياته ينتهي بانتهاء الحرب الأهلية. الذي خرج هي روسيا، وإن بقيت قوات ستكون رمزية، تجول على الحدود، وتظهر أحياناً في المدن. القوى الأخرى، أيضاً، تتقلص، فقد خرجت معظم القوات الأميركية من شرق الفرات، والقوات التركية وميليشياتها من معظم الشمال، والآن تخرج القوات الروسية. في حين يتوسع الوجود العسكري الإيراني مع ميليشياته، من عراقية وأفغانية و«حزب الله» اللبناني وكذلك ميليشيات سورية تابعة له.

الشرق الأوسط

—————————-

انسحاب روسيا من سوريا يقلق ملك الأردن… تخوفات من التمدد الإيراني في الجنوب/ آدم أفرام

بعد زيارة خاطفة، مؤخراً، إلى العاصمة الأمريكية واشنطن، حذّر الملك الأردني عبد الله الثاني من الفراغ الذي قد يشكله غياب الدور والوجود الروسيين في الجنوب السوري، ومن ملء طهران الفراغ عوضاً عن موسكو، في منطقة حساسة لكل من سوريا والأردن، سيما أن الأردنيين على حد وصف ملكهم، استفادوا من تهدئة عسكرية عمرها سنوات على حدودهم الشمالية، بفعل وجود الروس في المنطقة.

يعيش الأردن هذه الأيام على وقع تخوفات جيو-سياسية، نقلها الملك الأردني إلى الرئيس الأمريكي جو بايدن. عنوان هذا الخوف هو اللاعب الإيراني في الملف السوري.

وفي مقابلة أجراها الملك مع معهد هوفر في جامعة ستانفورد، قال إنّ الوجود الروسي في جنوب سوريا “كان يشكل مصدراً للتهدئة، وهذا الفراغ سيملأه الآن الإيرانيون ووكلاؤهم. وللأسف، أمامنا هنا تصعيد محتمل للمشكلات على حدودنا”.

وكانت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، قد قالت في 26 أيار/ مايو، إنّ روسيا بدأت بسحب قواتها من سوريا لصالح تدعيم جبهة أوكرانيا. وسبقتها تقارير صحافية أفادت بأن الحرب الأوكرانية التي شغلت العالم، دفعت بروسيا إلى سحب جزء من قواتها من سوريا إلى جبهات القتال في أوكرانيا، وتالياً بدأت روسيا بالتنسيق مع دمشق وطهران لسد الفراغ الحاصل في بعض الاتجاهات، وأبرزها الجنوب السوري، خاصةً بعد زيارة الرئيس الأسد الأخيرة إلى طهران.

استدعت هذه الأنباء ردوداً من أنقرة وتل أبيب، تمثلت في استهدافات متنوعة في الداخل السوري، كاستهداف حافلة مقاتلين في ريف حلب، وضربات جوية إسرائيلية على مواقع عدّة داخل سوريا، بشكل متزامن تقريباً.

ذلك كله جاء مع خطوات أمريكية تعفي مناطق في شمال شرق سوريا، وشمال غربها، من حزمة عقوبات قيصر، ما يجعل تلك المناطق متهيئةً لنمو وتطور متسارعين بالمقارنة مع دمشق التي لن تستطيع اللحاق بركبها، بفعل حزم العقوبات المتتالية، ما سيعمّق الهوة بين العاصمة والمناطق المعفاة من الحصار والواقعة خارج سلطتها.

وتعزز هذه المتغيرات فرضية توجه المناطق المعفاة من الحصار نحو الابتعاد أكثر عن دمشق، بشكل كامل أو شبه كامل، هذا إذا لم تتغير المعطيات الدولية بسرعة.

وسيعني تحقيق نوع من الاستقلال لهذه المناطق، حرماناً أكبر للسوريين المقيمين في مناطق سيطرة النظام، من موارد النفط والغاز والقمح وما إلى هنالك من ثروات وخيرات في الأطراف، سواء التي يسيطر عليها حلفاء واشنطن في شمال شرق سوريا، أو التي يسيطر عليها حلفاء أنقرة في شمال غربها.

قلق أردني

وبالعودة إلى الأردن، يخشى الجار الجنوبي لسوريا من أي تصعيد متجدد على حدوده الشمالية الشرقية، وهي خشية قد تراها دمشق مبالغاً فيها، فالوجود الإيراني في المنطقة الجنوبية، في حال تم بالصورة العسكرية التي يُحكى عنها، بحسب دمشق، سيكون حاله من حال الانتشار في مناطق أخرى، وسيساعد في مكافحة ما تبقّى من خلايا داعش.

تصريحات ملك الأردن تأتي في وقت لا تشهد فيه بلاده الاستقرار المطلوب، خصوصاً بعد ما حدث مع الأمير حمزة، المدعوم من عشائر لا يستهان بها، والمشكلات المالية الداخلية، فضلاً عن انكشاف حدوده الشمالية التي تمتد على طول نحو 370 كيلومتراً مع سوريا، إذا لم تقُم روسيا بتغطيتها بالتنسيق مع الجانب السوري.

وبيّنت حركة التهريب بين البلدين، أن الأردنيين لا يمكنهم ضمان ملف الحدود من دون التنسيق مع دمشق. ولا تزال أجزاء من الحدود مكشوفةً بشكل شبه يومي أمام حركة تهريب المخدرات.

ويبدو أن ملك الأردن، وما يمثله من تحالفات سياسية في موازين قوى الإقليم، ينظر إلى وجود إيران هذه المرة بدلاً من روسياً، من منطلق أنه خطر سياسي يخلق مصاعب لوجستيةً على أرض الواقع، بحسب ما يمكن الاستنتاج من تصريحاته، خاصةً أن الأردنيين يتخوّفون من تجاهلهم في اتفاق يُعقد مع إيران، في السياق الدولي العام، ومن وجود مشاريع إسرائيلية تتجاوز الأردن.

صمت دمشق

لم تعلّق دمشق على تصريحات ملك الأردن، أو حتى على الملف بصورة عامة حتى الآن. ويقول مصدر مطلع لرصيف22: “في مطلق الأحوال، وأياً يكن مَن معنا من الحلفاء في الجنوب السوري أو غيره، فإننا لن نسمح لداعش بالعودة مهما كلّف الأمر، وهو ما نعمل عليه في هذه الأوقات، من خلال مكافحة بقايا التنظيم في مناطق البادية والحدود ومهاجمتها، وما يشغلنا هي أولوية الحفاظ على أمننا ووحدة أراضينا وسلامتها من القوات غير الشرعية. أما الروس والإيرانيون فإنّ وجودهم شرعي طالما أنّه بطلب من الدولة السورية صاحبة الحق بالأمر”.

يمكن فهم مخاوف الجانب الأردني في ما خص عملية التنسيق، وتُضاف إليها خشية الملك مما قد يستتبعه وجود إيران على حدود بلاده من تفاهمات وبروتوكولات أمنية في ملفات متنوعة، أبرزها ملف معبر نصيب-جابر الحدودي.

دمشق التي لم تعلّق على الأمر، يبدو أنّها تعمل على قراءة الرسائل الخفية في تصريحات الملك الأردني، خاصةً أنّ المتخوف هذه المرة من طريقة تعاملها مع أراضيها، هو جارٌ لا يمكن وصف ماضيه معها بالجيد.

يمكن أن يستثمر الأردن في مخاوفه من ملفَّي تهريب السلاح والمخدرات، وأن يحذّر من نوايا إيران والمجموعات المقاتلة التابعة لها، ويقول إنّ إمساك إيران بالأمن أو بجزء منه في الجنوب السوري، سيحمل ضرراً لبلده.

والجدير بالذكر أن ملك الأردن كان أول مَن أطلق مصطلح “الهلال الشيعي”، وذلك عام 2004، واصفاً إياه حينذاك بالخطر على المنطقة.

تشير مصادر متقاطعة لرصيف22، إلى إمكانية أن يكون قد جرى حديث بين الإيرانيين والأردنيين حول ملف الجنوب السوري، ولكن من دون نتيجة تُذكر على الأرض، لذا قد تتجه الأمور نحو تصعيد دبلوماسي يلعب فيه الأردن دور رأس الحربة الذي يخشى أن يتحوّل إلى معبر للسلاح والمخدرات إلى الخليج، ليقول الملك مرةً جديدةً، إنه حامٍ لظهر الخليج من فوضى المواد الممنوعة.

وكان الأردن يرمي إلى إقحام جيشه في إنشاء منطقة عازلة في درعا، في جنوب سوريا، قبل أن تتغير المعادلات بعد دخول الجيش الروسي على خط الحرب السورية، أواخر عام 2015. و”غرفة الموك” لا زالت تحتفظ ببعض ما لم يروَ عنها حتى اليوم.

وكانت المعارضة السورية أكثر مَن تلقّف حديث الملك لتروّج له وتبني عليه معطيات وتحليلات تدفع أكثر في اتجاه تحريض الأردن على إيران، وتحشيد الرأي العام الدولي في مواجهة “مخاطر” التواجد الإيراني على حدود الجار الهاشمي.

ويعاني الأردن، على الأقل منذ عام 2018، من فوضى تهريب المخدرات على حدوده، ويتّهم بشكل مباشر إيران وحلفاءها بالوقوف وراء ذلك، ما دفع مدير أمن الحدود في الجيش الأردني العميد أحمد خليفات، قبل أيام، إلى إطلاق تصريح علني يتهم فيه إيران وحزب الله والنظام السوري بدعم التهريب وإحداث القلق والبلبلة لبلده.

ولكن يبقى الأهم: هل فعلاً ستسحب روسيا قواتها من الجنوب السوري، مع الأخذ في الحسبان أنّها سيّرت في الأيام الماضية دوريات جوالةً تابعةً لها على طول الحدود الأردنية؟ وهل الحاجة إلى مقاتلين على الجبهة الأوكرانية ستتفوّق على الخصوصية الجيو-سياسية للتموضع الروسي في الجنوب السوري؟ حتى الآن، لا إجابات حاسمة على ذلك.

رصيف 22

————————–

عدّاد في طهران يقلق نظام الأسد/ عبدالناصر العايد

يقول مصدر مطّلع أن الأمر بدأ بمقترح خليجي أردني مصري، مُوافَق عليه إسرائيلياً، لتعويم نظام الأسد في مقابل خروج إيران من سوريا، على أن يكون الغطاء الدعائي هو “تعديل” سلوك النظام الذي يمر بتغييرات في طريقة تعامله الوحشية مع الشعب السوري، وانتهى بفيتو من المرشد الإيراني، ما فتح الباب لتطورات قد تتصاعد إلى حرب كاملة تشمل الشرق الأوسط برمته.

بدأ العمل على هذا السيناريو بتوجه العاهل الأردني الى واشنطن وعواصم أخرى، لعرض مقترحه، ولم تمانع واشنطن تجريب ذلك بعدما أبدت تل أبيب موافقتها. ثم جرى اتصال هاتفي أول بين العاهل الأردني وبشار الأسد، وبدا المخطط على أثره قابلاً للتنفيذ، فجاء وزير خارجية الإمارات إلى دمشق لتأكيد العرض العربي وتقديمه بشكل رسمي.

عند هذه النقطة، وفق المصدر، وضعت طهران الفيتو. فالمشروع سينتهي بتطبيع ربيبها الأسد مع إسرائيل بعيداً منها، وقد وضعت اشتراطات تعجيزية لقبول الصفقة.

طار رأس النظام السوري إلى الإمارات، وعرض مخاوف إيران وعجزه عن إجبارها على تخفيف شروطها، عارضاً ما يملك حرية التصرف فيه، وهو مصير السوريين الذين يقعون تحت سلطة أجهزته، فأعلن قانوناً يجرّم التعذيب، وأفرج عن حفنة من المعتقلين، وأجرى تعديلاً في وزارة الدفاع عيّن بموجبه ضابطاً سنّياً على رأسها كبرهان على “تغيير سلوكه” نحو السوريين، لكن هذا ما كان سوى غطاء وذريعة للمطلب الأساسي، الذي لم يتعهد بتحقيقه.

وفق المصدر أيضاً، توجه رأس النظام إلى خامنئي، الذي أظهر تشدداً أكبر في اللقاء المباشر، بل أنهي المسار فعلياً بالكامل، وكانت تلك لحظة بدء انعكاس العرض. فالأردن أعلن موقفاً جديداً من النظام الذي يغرق الأردن بالمخدرات، وعلى نحو لافت، بالسلاح. وشخّص وجود المليشيات الإيرانية على حدوده الشمالية بأنه خطر داهم.

دول الخليج ومصر تراجعت خطوة الى الوراء، والأموال والاستثمارات الإماراتية على وجه التحديد، لم يصل منها شيء.

واشنطن التي لم تأخذ الوعود الخليجية على محمل الجد، وإن كانت قد وافقت على اختبارها، لم تكن قد غيّرت سياستها وإجراءاتها أصلاً، أما تل أبيب فانتقلت إلى الخطة “باء”.

ودائماً وفق المصدر، فإن الخطة الجديدة، لكافة الأطراف، هي جعل الوجود الإيراني في سوريا أكثر كلفة، عبر زيادة الضربات الإسرائيلية من ناحية، ومحاصرة نفوذها من ناحية ثانية بتعظيم قوة الأطراف المناهضة لها في سوريا وجوارها. وأخيراً، محاربة طهران بأسلوبها ذاته، وهو توليد القوى العسكرية والمليشيات التي تستهدف قواتها على الأرض على نحو نقطي وليس كمواجهة عامة وشاملة.

من بين الأجزاء التي يمكن الحديث عنها اليوم، قوى عسكرية على امتداد الحدود الأردنية السورية، تتمدد بالتدريج لتشكل منطقة آمنة. ومما يُخطّط له مستقبلياً، لكن ليس بعيداً، إطلاق مسار للسيطرة على الحدود العراقية السورية وتقويض جسر إيران الذهبي إلى المتوسط، عند منتصفه، أي في البوكمال السورية.

مصداقية هذا السيناريو ليست مستمدة فقط من مصداقية المصدر الذي قدمه، إذ ثمة إشارات أخرى حملتها تحركات في محيط منطقة التنف على المثلث الحدودي السوري الأردني العراقي، كما عبّرت عنها بوضوح تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي، الذي قال بعدما التقى رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية إن “أيام الحصانة للنظام الإيراني قد ولّت”، إضافة إلى تقديم كل من الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا وبريطانيا، مشروع قرار إلى مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لاتخاذ إجراءات عاجلة وفورية بخصوص اكتشاف نشاط إشعاعي في ثلاثة مواقع إيرانية غير مصرح عنها.

ما يقود التطورات إذن ليس الوجود الإيراني المتعاظم في سوريا والإقليم، والذي صار راسخاً. بل تقدُّم البرنامج النووي الإيراني الذي سينتهي لا محالة إلى صنع سلاح نووي، إذا لم يحدث تدخل عسكري خارجي. وإسرائيل، التي يقال إنها تقف وراء اغتيال عالم نووي مؤخراً، تراقب من كثب وتعرف على ما يبدو النقطة التي وصل إليها بدقة.

يقول خبراء الأسلحة النووية أن طهران تحتاج إلى 1050 كيلوغرامًا من اليورانيوم منخفض التخصيب لصنع قنبلة، ووفق الخبراء فإنها تملك نحو عشرة أطنان منه، لكنها تحتاج إلى 25 كيلوغراماً تصل درجة نقائها إلى 90 في المئة، لجعل هذه المادة سلاحاً قابلاً للاستخدام. ورئيس الوزراء الإسرائيلي قال أخيراً إن “طهران اجتازت معدل التخصيب بنسبة 60%”، وإن حكومته لا يمكن أن تسلّم بهذا الوضع.

ما يقود الأحداث إذن هو عدّاد نووي لا يتوقف عن التصاعد في طهران، ويزيد أجواء السخونة في الشرق الأوسط، ويصعّد المواقف يوماً بعد آخر. لكن رأس النظام السوري، الذي لا يهمه سوى استمرار سلطته، لن يربط مصيره بذلك العدّاد، وهو يتحرك في الاتجاهات كافة، وسيفصل نفسه عنه في الوقت المناسب، رغم كل ما يبديه من انصياع ورضوخ لقرارات المرشد في الوقت الحالي.

المدن

——————————-

دمشق:الترخيص لشركات إيرانية..مقابل الخط الائتماني/ محمد كساح

تعكس مصادقة النظام السوري على تأسيس شركات إيرانية صرفة بنسبة 100 في المئة، تركيز إيران على الشق الاقتصادي في سوريا، خلال الوقت الراهن، ومحاولة الخروج من فرضية أن الاستثمار الإيراني في سوريا مجرد “حبر على ورق”، باتجاه إيجاد طبقة اقتصادية موالية لإيران، يعززها تجديد الخط الائتماني بين دمشق وطهران.

وكشف موقع “أثر برس” الموالي منح المصادقة الرسمية لعدد من الشركات التي يساهم في إنشائها مستثمرون إيرانيون، حيث أعلنت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك مصادقتها رسمياً منذ بداية العام وحتى نهاية أيار/مايو، على تأسيس 13 شركة جديدة بمساهمة مستثمرين من الجنسية الإيرانية.

والشركات المعلن عنها -بحسب الموقع- والتي تم تأسيسها بنسبة 100 في المئة من قبل مستثمرين إيرانيين، هي: شركة هوى شرقي، شركة زرين للتجارة، شركة صقيل للتجارة، شركة سبيا وشركة اداماك للتجارة والاستشارات. فيما تم تأسيس شركة كاردج التجارية، من قبل رجال أعمال إيرانيين ومستثمر أفغاني.

كما صادقت الوزارة على شركات من قبل مؤسسين من الجنسية الإيرانية وشاركهم مستثمرون من الجنسية السورية، ومن بين تلك الشركات: شركة ليفل أب، شركة ديميرايس، شركة اينفو تيك، شركة سنانورينا، شركة شاهد العصر للتجارة، شركة البرز للتجارة وشركة سامان للتجارة والمقاولات.

طبقة اقتصادية موالية لإيران

ويربط الباحث ومدير منصة “اقتصادي” يونس الكريم الإعلان عن مصادقة الشركات الإيرانية، مع تجديد الخط الائتماني المعلن عنه، بعد زيارة بشار الأسد مؤخرا إلى طهران.

ويضيف ل”المدن”، أن الخط الائتماني يتضمن استجرار مواد وسلع من الجانب الإيراني، ما يشكل فرصة حقيقية للمستثمرين الإيرانيين كي يؤسسوا شركات داخل سوريا للاستفادة من تجديد هذا الخط، ملمحاً إلى وجود خطة إيرانية للاستحواذ على شركات سورية مفلسة أو غير مرغوب فيها.

ومع أن وسائل الإعلام الموالية التي نشرت الخبر، تحدثت عن شركات تم تأسيسها بنسبة 100 في المئة من قبل مستثمرين إيرانيين، يلاحظ الكريم الأسماء السورية لمعظم هذه الشركات، الأمر الذي يعني وجود شركاء سوريين إلى جانب الإيرانيين، و”هذا يؤكد نجاح إيران في خطتها الرامية لخلق طبقة تجارية موالية لها، ما يجعلها تتمدد بشكل حقيقي في الحياة الاقتصادية السورية، ويصعب من عملية اقتلاعها في المستقبل”.

 ويشير الكريم إلى أن هذه الخطة تهدف إلى الحصول على حصة من السوق السورية، كما تساهم في التغيير السياسي والديمغرافي، نظراً لكون الطبقة الاقتصادية أساس بناء السياسات الديمغرافية. ومن الوسائل التي تتبع لتطبيق هذه الخطة، شراء شركات مفلسة أو مضيق عليها، ومحاولة تقديم الدعم المالي للشركات المتوقفة.

شبهة فساد

وتتضمن مجالات العمل المسموح بها للشركات الإيرانية الجديدة، بحسب الإعلام الموالي، تجارة مواد البناء والإكساء والديكور والترميم إلى جانب اختصاصات أخرى مثل تجارة المواد الكهربائية والإلكترونية والغذائية والألبسة والحواسيب والمفروشات، وأجهزة الإعلام والإنتاج السينمائي والتلفزيوني والمسرحي والإذاعي، وتجارة وتطوير وإدارة التطبيقات البرمجية.

ويمكن ملاحظة أن طبيعة الشركات الإيرانية المعلن عنها تجاري بحت، دون الولوج في قطاع الصناعة. وهنا يلمح الكريم إلى “إمكانية استخدامها في عمليات غسيل الأموال: لسهولة التحرك من خلالها، وحجم رأس المال الصغير عند التأسيس مقابل مبالغ ضخمة جدا أثناء العمل كشركات وسيطة”.

ويضاف إلى ذلك، بحسب الكريم، أن هذه الميزات وإن كانت تتناسب مع الخط الائتماني، إلا أنها “لا تلبي متطلبات السوريين فهي لا تتضمن السلع الأساسية، والمحروقات. وبالتالي، هناك شبهة فساد تتعلق بغسيل الأموال وإعادة تدوير أموال الحرب الخاضعة للعقوبات الغربية”.

عقود إذعان

مع غياب أي مكاسب للمواطن السوري الذي يعاني أوضاعا معيشية متردية، يمكن اعتبار أن العقود التي يوقعها النظام السوري مع المستثمرين الإيرانيين “بمثابة عقود إذعان”، وفقا لوزير الاقتصاد في الحكومة السورية المؤقتة عبد الحكيم المصري.

ويقول المصري ل”المدن”، إن النظام يمكن أن يحقق مكاسب مادية لصالحه، من خلال تنشيط بعض المنشآت وتحقيق نوع من الالتفاف على العقوبات الغربية. ويلمح المصري إلى أن العمالة السورية لن تحقق أي مكاسب من الشركات الإيرانية كون الأخيرة تعتمد على إيرانيين مجنسين.

ويوضح المصري أن “النشاط الإيراني في المجال الاقتصادي السوري يستعيد الفورة الاستثمارية التي جرت في سوريا قبل أعوام. فقد كان حجم الاستثمار الإيراني في سوريا يتجاوز بأشواط ما هو عليه الآن، وفي مجالات كثيرة جداً مثل العقارات، الكهرباء والزراعة. وكانت الفكرة حينها تأسيس مصرف مركزي مشترك.

المدن

————————–

====================

تحديث 14 حزيران 2022

————————–

هوية ثورية

 مايكل يونغ

يتحدث كريم سجادبور، في مقابلة معه، عن الاستراتيجية الإيرانية الكبرى، والمفاوضات النووية في فيينا، ومسائل أخرى.

كريم سجادبور باحث أول في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، تركّز أبحاثه على الشؤون الإيرانية والسياسة الأميركية في الشرق الأوسط. مؤخرًا، كتب سجادبور مقالًا في مجلة “فورين أفيرز” بعنوان Iran’s Hollow Victory: The High Price of Regional Dominance (النصر الإيراني الأجوف: الثمن الباهظ للسيطرة الإقليمية)، تطرّق فيه إلى الاستراتيجية الإيرانية الكبرى، متحدّثًا عن الاستمرارية اللافتة في مقاربتها حيال الولايات المتحدة والشرق الأوسط. أجرت “ديوان” مقابلة مع سجادبور في منتصف نيسان/أبريل لمناقشة مقاله، إنما أيضًا للوقوف، بصورة أوسع نطاقًا، على الموقف الإيراني في الشرق الأوسط، ولا سيما أن المفاوضات الجارية في فيينا لإحياء الاتفاق النووي اصطدمت على ما يبدو بحائط مسدود.

مايكل يونغ: أين أصبحت محادثات فيينا لإحياء الاتفاق النووي مع إيران؟

كريم سجادبور: تبدو المفاوضات في فيينا – المستمرة منذ أكثر من عام – على مشارف الانتهاء أو الانهيار. يسود راهنًا تشاؤم بشأن احتمالات إحياء الاتفاق النووي المعروف بخطة العمل الشاملة المشتركة، على الرغم من أن واشنطن وطهران على السواء متّفقتان على أن معظم المسائل الأساسية قد سُوِّيت.

من النقاط الخلافية المتبقّية المطلب الإيراني بشطب الحرس الثوري الإسلامي عن قائمة التنظيمات الإرهابية الخارجية التي تضعها وزارة الخارجية الأميركية. تبدو إدارة بايدن منقسمة داخليًا بشأن تقديم هذا التنازل نظرًا إلى ضلوع الحرس الثوري في مقتل مئات الجنود الأميركيين في العراق، ناهيك عن آلاف المدنيين العرب والإيرانيين. وعلى الرغم من أن الاقتصاد الإيراني يعاني من وطأة العقوبات الشديدة، يبدو أن القادة في طهران لا يعتبرون أن المسألة ملحّة. فقد أدركوا خلال العام المنصرم أن الفرصة متاحة دائمًا أمامهم لإحياء خطة العمل الشاملة المشتركة من جديد، وأنهم إذا تمسّكوا بموقفهم، فسوف تجري الولايات المتحدة مفاوضات ذاتية وتعود إليهم في نهاية المطاف مع شروط مؤاتية أكثر لهم.

يونغ: كتبت في العدد الأخير من مجلة “فورين أفيرز” أن إيران نفّذت استراتيجيتها الكبرى باستمرارية لافتة، لكنها لم تحقق في الوقت نفسه أيًا من طموحاتها الكبرى، وأنها لا تستطيع تنفيذ الإصلاحات، لأنها لن تصمد على الأرجح أمام هكذا مجهود. هل يمكنك تفسير هذه المفارقة؟

سجادبور: تتطلّع إيران إلى إلحاق الهزيمة بالنظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة، واستبدال إسرائيل بفلسطين، وجعل الشرق الأوسط على صورتها. تشعر طهران بالزخم نتيجة النجاحات التي حققتها في العراق وسورية واليمن، وكذلك نتيجة تراجع الحضور الأميركي في المنطقة، بما في ذلك الانسحاب الأميركي الذليل من أفغانستان في العام 2021.

أظهرت العقيدة الثورية الإيرانية استمرارية على مدى أربعة عقود من الزمن ولن تتغير ما دام آية الله علي خامنئي هو المرشد الأعلى. تواجه الجمهورية الإسلامية، شأنها في ذلك شأن أنظمة ديكتاتورية كثيرة، معضلة إصلاحية لأن عليها الانفتاح كي تتمكن من الصمود، لكن القيام بذلك قد يؤدّي إلى تدميرها. لدى خامنئي اعتقاد راسخ بأن التخلي عن المبادئ الثورية، بما في ذلك معارضة إيران للولايات المتحدة وإسرائيل، أشبه بضرب أعمدة المبنى بواسطة مطرقة ثقيلة، والتعجيل في سقوط النظام بدلًا من إطالة أمد حياته. أعتقد أن خامنئي مصيب في حدسه بأن القمع، لا الإصلاح، هو الأساس لبقاء الجمهورية الإسلامية.

يونغ: ماذا تخبرنا عن خامنئي، وإلى أي حدٍّ يُعتبَر أساسيًا للاستراتيجية الإيرانية الكبرى؟

سجادبور: من الأسباب التي جعلت إيران تمتلك استراتيجية كبرى قد تكون الأكثر تماسكًا واستمرارية بين الدول خلال العقود الأربعة المنصرمة أنها عرفت قائدَين فقط في المنصب الأعلى منذ العام 1979. فقد ورث خامنئي، البالغ من العمر 82 عامًا، السلطة من آية الله روح الله الخميني في العام 1989 وحافظ على التزامه بعقيدة الخميني الثورية. لقد ارتقى إلى المنصب الأعلى واحتفظ بنفوذه في سياق الوضع القائم. على الأرجح أن التطبيع الأميركي-الإيراني سيكون، في نظر خامنئي، عامِلًا مزعزِعًا للاستقرار أكثر بكثير من الحرب الباردة المستمرة مع الولايات المتحدة.

يونغ: كتبت أن من حسن حظ حلفاء إيران الإقليميين أنهم لا يُلامون على الشوائب في حكم بلدانهم، فاللوم يُلقى كاملًا على الحكومات الوطنية. ولكن في لبنان، شهدنا نزعة مختلفة، حيث يُنظَر إلى حزب الله على نحو متزايد بأنه المدافع الأساسي عن المنظومة الفاسدة والنخبة السياسية. إذًا، في ضوء النفوذ الكبير للمجموعات الموالية لإيران في الدول العربية، إلى متى يمكن أن تدوم هذه الدرجة من الفصل بين تلك المجموعات والمسؤولية عن الحوكمة السيئة؟

سجادبور: ثمة مسألتان منفصلتان، اللوم والمساءلة. قد يلوم اللبنانيون حزب الله بصورة متزايدة على الضيق الذي تعاني منه البلاد، لكن الأمثلة عن مساءلة الحزب ضئيلة. على الرغم من دور حزب الله في الأحداث المروّعة – بما في ذلك اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري في العام 2005، وانفجار مرفأ بيروت في العام 2020 – ينجح الحزب باستمرار في التهرّب من المساءلة من خلال تهديد خصومه وإحكام الخناق على القضاء.

لا يتعرّض أمين عام حزب الله، حسن نصر الله، للتدقيق المالي والانتقادات التي يواجهها أقرانه في السياسة اللبنانية. نادرًا ما نسمع دعوات لاستقالة نصر الله، ربما لأنه يُنظَر إليه بأنه مَدينٌ لإيران، وليس للبنان.

حاولت إيران استنساخ نموذج حزب الله في العراق واليمن، أي بصورة أساسية ممارسة النفوذ من دون الخضوع للمساءلة. تستخدم طهران وأذرعها، تمامًا كما المافيا، القوة والترهيب والرشاوى لتكريس مصالحها، لكنها لا تريد المساءلة التي هي جزء من ممارسة الحكم. بعبارة أخرى، لا يمكن اتخاذ قرارات سياسية كبرى من دون موافقة طهران، إنما إياكم وتحميل إيران مسؤولية الفساد وعدم الكفاءة في الحكم.

ثمة مؤشرات وافية على الاستياء الشعبي من إيران وأذرعها. تُظهر استطلاعات الرأي أن نحو ثلثَي الشباب العرب في المنطقة ينظرون الآن إلى طهران بأنها خصم، وتريد أكثرية كبيرة من العرب من مختلف الأعمار أن تنسحب إيران من النزاعات الإقليمية، ولدى أكثر من نصف الشيعة العرب رأي “غير مؤيّد” لإيران. في الأعوام الأخيرة، هاجم محتجّون عراقيون القنصلية الإيرانية في كلٍّ من النجف وكربلاء – اللتين تضمان مقامات دينية شيعية وتشكّلان منذ وقت طويل معقلًا لإيران في العراق – وأشعلوا النيران فيها، ونظّم شيعة لبنانيون احتجاجات ضد حزب الله في مدينة النبطية جنوب لبنان.

يونغ: كيف تهدّد الاستراتيجية الإيرانية الكبرى النظام الإيراني على الجبهة الداخلية؟

سجادبور: يُعرّف المؤرّخ جون لويس غاديس الاستراتيجية الكبرى بأنها “مواءمة الطموحات التي يُرجَّح أنها غير محدودة مع القدرات المحدودة حكمًا”. لقد استثمرت إيران قدراتها المحدودة في العمل على تحقيق تطلّعها إلى إنهاء النظام العالمي بقيادة الولايات المتحدة أكثر مما فعل أي بلد آخر في العالم على الأرجح، بما في ذلك الصين وروسيا. ومن خلال قيامها بذلك، أهملت رفاه شعبها وأصبحت أكثر فقرًا وأقل أمانًا. علاوةً على ذلك، ونظرًا إلى الهوة بين طموحات الجمهورية الإسلامية وقدراتها، سوف تواصل إيران استنزاف مواردها الوطنية لتمويل الميليشيات الإقليمية والنزاعات الخارجية، ما يتسبّب باستفحال الغضب الاقتصادي والسياسي والاجتماعي لدى الرأي العام، ويفرض اللجوء إلى مزيد من القمع.

تجدر الإشارة إلى أن الأهداف الإيديولوجية للجمهورية الإسلامية ومصالح إيران القومية أمران مختلفان. إذا أخذنا تعريفًا بسيطًا لـ”المصالح القومية” – أي تلك التي تساهم في تحفيز أمن السكان وازدهارهم – من الواضح أن عقيدة “الموت لأمريكا” التي قامت عليها الثورة الإيرانية جعلت حياة المواطنين الإيرانيين أكثر فقرًا وأقل أمانًا.

يونغ: كتبتَ عن الولايات المتحدة: “يعتقد تقدّميون كثر أن تعنّت طهران هو مجرد ردّ فعل على السياسات الأميركية المعادية، في حين أن محافظين كثرًا اعتبروا أن المشقات الاقتصادية المتعاظمة ستدفع بطهران مرغمةً إلى الاختيار بين إيديولوجيتها وبقاء النظام…” هلا تشرح لنا موقفك من الرأيَين؟

سجادبور: غالبًا ما تتمحور نقاشات السياسات الخارجية في الولايات المتحدة حول ما إذا كانت أميركا هي المشكلة أو الحل. هل كانت أميركا وراء قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين غزو أوكرانيا، أو هل تستطيع أميركا تغيير طبيعة السلطة السياسية في موسكو؟ يصف مستشار الأمن القومي الأميركي الأسبق إيتش آر مكماستر ذلك بأنه “نرجسية استراتيجية”، في إشارة إلى النظرة القائلة بأن جميع الأحداث العالمية هي ببساطة ردّ فعل على الولايات المتحدة، وبأنه ليس للحكومات الخارجية والمستبدّين تأثيرهم الخاص.

في سياق العلاقات الأميركية-الإيرانية، تعتقد إدارة أميركية جديدة، كل أربع إلى ثماني سنوات، بأنها تستطيع معالجة التحدي الإيراني من خلال اتخاذ خطوات مناقضة لما قامت به الإدارة السابقة. أظنّ أن الخطأ الذي يقع فيه الجانبان هو أن العقيدة الثورية للجمهورية الإسلامية هي جزء لا يتجزأ من هويتها، وليست وليدة السياسات الأميركية الضعيفة أو المتصلبة. فالحوافز والضغوط الأميركية لن تنجح في أن تفرض على الجمهورية الإسلامية أو تدفعها بالإكراه إلى تغيير هويتها.

يونغ: على الرغم من الخصومة بين الولايات المتحدة والصين على الساحة العالمية، ألمحت إلى وجود قواسم مشتركة بينهما في ما يتعلق بإيران. هلّا تشرح ذلك، ولا سيما أن الصينيين مدّوا إيران بشريان حياة اقتصادي من خلال شراء النفط منها وتوقيع اتفاق تعاون معها لمدة 25 عامًا؟

سجادبور: تتباين آراء الصين والولايات المتحدة في المسألة الإيرانية، إنما لديهما مصلحة مشتركة في استقرار الشرق الأوسط والتدفق الحر للطاقة من المنطقة. في الأعوام الماضية، شنّت إيران وأذرعها هجمات على منشآت “أرامكو” السعودية، وناقلات النفط في الخليج الفارسي، والمطارات المدنية في السعودية والإمارات، ولم يصبّ أي من هذه الهجمات في مصلحة الصين. صحيح أن إيران تعتمد اقتصاديًا على الصين، إنما صحيح أيضًا أن التجارة الصينية مع السعودية والإمارات تتفوّق بأشواط على التجارة الصينية مع إيران.

مع التقارب بين القوى العظمى، على الرغم من الاختلاف في وجهات النظر بينها، للتوصل إلى مقاربة قائمة على الحد الأدنى من القواسم المشتركة من أجل احتواء طموحات إيران النووية، السؤال المطروح هو ما إذا كانت واشنطن وبيجينغ وقوى كبرى أخرى ستتمكّن من التوصل إلى مقاربة قائمة على الحد الأدنى من القواسم المشتركة في ما يتعلق بالأمن في الشرق الأوسط. في المدى القصير، الحظوظ ضئيلة بحدوث ذلك، نظرًا إلى أن اهتمام المجتمع الدولي ينصبّ على الغزو الروسي لأوكرانيا. لكن مع تنامي الوجود الصيني في المنطقة، من الطبيعي أن تؤدّي بيجينغ دورًا قياديًا معزَّزًا في معالجة التحديات الأمنية الإقليمية التي تقوّض مصالحها الأساسية، والتي يرتبط قسمٌ كبير منها بإيران.

يونغ: لماذا سيتبيّن أن النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط عابِر، كما كتبت في مقالك في مجلة “فورين أفيرز”؟

سجادبور: أشبّه الوجود الإيراني في الشرق الأوسط حاليًا بناطحة سحاب ذات أساس متعفّن. البلدان حيث تمارس إيران تأثيرًا – سورية ولبنان والعراق واليمن – هي دول فاشلة ترزح تحت وطأة النزاعات والفساد والمعاناة الاقتصادية بدرجات مختلفة. ليست للوجود الإيراني في المنطقة قيمة إنقاذية تُذكَر للمجتمعات حيث تمارس إيران نفوذها. وفي ما يُشبه إلى حد كبير ما حدث في العقود الأخيرة للاتحاد السوفياتي، أكثر المعجبين بـ”محور المقاومة” الإيراني هم أولئك الذين لا يعيشون في ظلّه.

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.

—————————-

عن إدارة التنافس الإقليمي بين تركيا وإيران/ محمود علوش

كان مقرّراً أن يزور وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، أنقرة في السادس من شهر يونيو/ حزيران الجاري، لكنّ الزيارة لم تحصل، ولم يصدر أي تعليق رسمي من البلدين بخصوص أسباب إلغائها أو تأجيلها. لكنّ وسائل إعلام إيرانية نقلت عن مسؤولين إيرانيين قولهم إن الزيارة تأجلت بسبب عدم التنسيق بين وزيري خارجية البلدين. في حين أن إلغاء زيارة من هذا النوع أو تأجيلها يُمكن أن يكون طبيعياً عندما تكون العلاقات بين البلدين طبيعية بالفعل، لكنّ الواقع لا يُشير إلى ذلك. كما أنّ التفسير الذي قدّمته وسائل إعلام إيرانية لسبب التأجيل لا يبدو مفهوماً، إذ من غير المنطقي عدم وجود تنسيق بين وزيري الخارجية بشأن زيارة مهمة من هذا النوع، في ظلّ كثرة القضايا الحسّاسة التي تتصدّر علاقات البلدين في الوقت الراهن، من الخلاف بشأن السدود إلى الوضع في سورية والعراق والتحولات الكبيرة التي يشهدها الوضع الإقليمي، والتي تؤثر مباشرة على العلاقات.

وكان عبد اللهيان قد انتقد الشهر الماضي (مايو/ أيار) بشدة بناء تركيا سدوداً على الأنهار الحدودية بين البلدين، في ظلّ تضاؤل الموارد المائية والتغيرات المناخية، وحمّلها مسؤولية العواصف الترابية التي تعرّضت لها إيران والعراق بسبب بناء السدود، الأمر الذي رفضته وزارة الخارجية التركية، واعتبرت أنّه “يفتقد لأي أساس علمي”. في ظل أنّ الخلافات بشأن السدود والموارد المائية بين البلدين ليست جديدة، إلّا أن ظهورها مجدّداً في الوقت الذي تبرز فيها خلافات بشأن مسائل إقليمية عديدة يُعطي هذه الخلافات بُعداً أكبر. في الأسابيع القليلة الماضية، أعربت طهران عن معارضتها بشدة خطط تركيا شن عملية عسكرية جديدة ضد وحدات حماية الشعب (الكردية) في سورية. كما انتقدت مجدّداً العمليات العسكرية التركية أخيراً ضد حزب العمال الكردستاني في شمال العراق، بذريعة أنها تنتهك السيادة العراقية. كانت التوترات بين البلدين قد ظهرت إلى العلن بشكل أكبر في أعقاب الحرب الأذربيجانية الأرمينية في إقليم ناغورني قره باخ قبل عامين.

رغم أن تركيا وإيران قوتان إقليميتان، تتنافسان، منذ فترة، على النفوذ في دول كثيرة مجاورة التي تعتبرانها حديقة خلفية لهما، إلاّ أن هذا التنافس ظل تحت السيطرة، ولم يتحوّل إلى أزمة في العلاقات. لكنّ الاندفاعة التركية الجديدة في الحرب على حزب العمال الكردستاني وفرعه السوري الوحدات الكردية إلى جانب الانعطافة الإقليمية في علاقات تركيا أخيرا، أثارت تساؤلات بشأن مستقبل التعايش التركي الإيراني. أدّى انفتاح تركيا على السعودية والإمارات وإسرائيل إلى إثارة هواجس طهران من انخراط أنقرة في تكتل إقليمي جديد لمواجهة نفوذها في المنطقة. يعتقد الإيرانيون أنّ العلاقات الجديدة بين تركيا وكلّ من إسرائيل وخصومها الخليجيين سيحدّ من قدرتها الإقليمية. يُخطّط الخليجيون الآن إلى رفع مستوى العلاقات الجديدة الناشئة مع تركيا إلى تعاون دفاعي، وأبدت الإمارات رغبتها في شراء الأسلحة من تركيا. كما ورد أن السعودية ترغب باقتناء طائرات مسيّرة تركية لاستخدامها ضد الحوثيين في اليمن.

على صعيدٍ مواز، تنظر إيران بقلق عميق إلى عمل تركيا على إصلاح علاقاتها مع إسرائيل. في فبراير/ شباط الماضي، وبينما كانت أنقرة وتل أبيب قد بدأتا مفاوضات لإصلاح العلاقات، أحبطت وكالة المخابرات الوطنية التركية عملية إيرانية مزعومة لاغتيال رجل الأعمال الإسرائيلي التركي، يائير جيلير، في تركيا رداً على اغتيال العالم النووي الإيراني، محسن فخري زادة. وذكرت صحف إسرائيلية أن العملية الأمنية التركية جرت بالتنسيق مع الاستخبارات الإسرائيلية. كانت تركيا قد أعلنت، بالفعل، اعتقال شبكة تجسّس إيرانية مزعومة لاختطاف معارضين إيرانيين يعيشون على أراضيها. وعلى الرغم من أن اعتقال مثل هذه الشبكات أمر اعتيادي، إلاّ أن الإعلان التركي عنها يُفهم على أنّه مؤشّر على توتر في العلاقات. سبق لوزير الداخلية التركي أن اتهم إيران العام الماضي برعاية مقاتلين من حزب العمال الكردستاني على أراضيها، بعدما تبادل البلدان استدعاء السفراء على خلفية مطالبة السفير الإيراني في بغداد تركيا بسحب قواتها من العراق.

الخلافات وراء التنافس التركي الإيراني تشمل مناطق عديدة، ففي العراق، أدّى موقف إيران المعارض العمليات التركية ضد حزب العمال الكردستاني وتحالف مليشيات الحشد الشعبي مع التنظيم في سنجار إلى تأزيم العلاقات. أخيراً، تعرّضت قاعدة زليكان العسكرية التركية في مدينة الموصل لقصف صاروخي، ويُعتقد أنّ جماعات موالية لإيران وراء هذا القصف، بالنظر إلى وجودها بالقرب من القاعدة. لطالما كان شمال العراق ساحة صراع على النفوذ بين تركيا وإيران، على الرغم من أنّ الهاجس المشترك تجاه الجماعات الكردية المسلحة. لكنّ طهران لعبت على التناقضات في هذه المسألة، وبنت علاقات مع “العمال الكردستاني” لعرقلة تحرّك تركيا. وفي سورية، يقف البلدان على طرفي نقيض منذ اندلاع الصراع. وفي الوقت الراهن، تُهدّد خطط تركيا بشن هجوم جديد ضد الوحدات الكردية بمزيد من التوتر بينهما. علاوة على ذلك، قد تؤدّي مساعي إيران إلى زيادة تأثيرها في سورية مع التقارير عن تقليص روسيا وجودها العسكري للتركيز على حرب أوكرانيا إلى توتر إضافي مع تركيا. تعمل المليشيات المدعومة من إيران والنظام السوري على حشد قواتها في شمال غرب البلاد، لردع أي هجوم تركي جديد في المنطقة. ويبدو احتمال الصدام وارداً، حيث سبق أن انخرط الجانبان، بالفعل، في مواجهة دموية في إدلب قبل عامين.

على مدى العقود الماضية، كانت العلاقات التركية الإيرانية مستقرّة على نحو مقبول، رغم بعض الهزّات التي تعرّضت لها، بين الفينة والأخرى، بفعل انخراط البلدين في بعض صراعات المنطقة وتبنّيهما مواقف متناقضة إزاء الصراع الأذربيجاني الأرميني. لكن قدرة البلدين على مواصلة إدارة هذه العلاقات بشكل مستقر تتقلص بفعل التحولات الإقليمية، ورغبة كل من أنقرة وطهران باستغلال الفراغ الناجم عن تراجع الدور الأميركي في المنطقة لتعزيز دورهما الإقليمي، فضلا عن اتجاه أنقرة إلى بناء شراكات استراتيجية مع خصوم إقليميين لإيران، كإسرائيل ودول خليجية. بالنسبة لأنقرة، سعت إلى عزل التحوّلات في سياساتها الإقليمية عن العلاقة مع إيران. لكنّ الشراكات الجديدة التي تبنيها في الإقليم، تجعلها، في نهاية المطاف، طرفاً في تكتل إقليمي جديد يظهر وأحد أهدافه الرئيسية مواجهة النفوذ الإيراني. على غرار دول الإقليم الأخرى، تضرّرت تركيا بشدة من الدور الإقليمي الإيراني، ولديها هواجس كذلك من امتلاك دولة جارة لها سلاحاً نووياً.

رغم كلّ هذه الهواجس والتضارب في المصالح، سعت أنقرة، على مدى السنوات الماضية، إلى تبنّي نهج عقلاني في العلاقة مع طهران، بالنظر إلى الجغرافيا التي تفرض عليهما التعايش في ظل هذه التناقضات في السياسات والمصالح الإقليمية. عارضت تركيا على الدوام العقوبات الأميركية على إيران، وحذّرت من أنّ انسحاب إدارة ترامب من الاتفاق النووي سيؤدي إلى زعزعة الاستقرار الإقليمي، وندّدت باغتيال الولايات المتحدة قائد فيلق القدس السابق في الحرس الثوري، قاسم سليماني، في بغداد. كما تُبدي حالياً دعماً للمفاوضات الإيرانية الغربية لإعادة إحياء الاتفاق النووي. يبدو ذلك مفهوماً بالنظر إلى الروابط الاقتصادية العميقة التي تجمع تركيا مع إيران، ومخاوف أنقرة من أن يؤدي فشل المفاوضات إلى إطلاق سباق تسلح في المنطقة. لكنّ حقيقة أنّ لكلٍّ من تركيا وإيران مشروعين إقليميين متناقضين تجعل من مهمة إدارة التنافس بينهما عملية صعبة ومعقّدة، وتتطلب جهداً مشتركاً لإنجاحها. في الواقع، لدى قادة البلدين الرغبة في مواصلة ذلك، ولا يبدو أنّ هذه الرغبة ستتراجع، بالنظر إلى الحاجة إليها. مع ذلك، الشكوك المتبادلة في نظرة الطرفين لدورهما الإقليمي، إلى جانب المشهد الإقليمي المتغير، يزيدان من الضغوط على أنقرة وطهران، للإبقاء على وتيرة الخلافات بينهما ضمن المستوى المعقول.

العربي الجديد

—————————-

دمشق بلا مطار..طهران بلا مدرج..حزب الله بلا صواريخ/ ساطع نور الدين

الرواية الرسمية الاسرائيلية عن قصف مطار دمشق الدولي فجر يوم الجمعة الماضي وإخراجه من الخدمة، لأيام أو ربما لاسابيع، مثيرة للسخرية فعلاً: حدث إستراتيجي، بهذه الخطورة، لا يمكن أن ينسب الى هدف ردده الاسرائيليون مراراً ، وهو الحؤول دون نقل تقنيات تطوير صواريخ حزب الله، في حقائب ركاب مدنيين، حسبما تفيد الرواية، التي تتعمد، كما يبدو، المبالغة في البُعد اللبناني لتلك الغارة الاسرائيلية، لتصرف الانظار عن تعطيل مطار سوريا الرئيسي، وبوابتها المفتوحة .. على إيران.

التسليم بتلك الرواية، يعني أن حزب الله يلح هذه الايام على تطوير صواريخه وزيادة دقتها، لأنه على أهبة الذهاب الى الحرب، أو على عتبة التعرض للحرب، كما يعني في الوقت نفسه ان مطار دمشق الدولي هو واحد من الاهداف التمهيدية لتلك الحرب، ولم يعد يخضع للحصانة بإعتباره منشأة مدنية، تخدم المواطنين السوريين، مثلما تنفع نظام الرئيس بشار الاسد، والدولة السورية، وصلتهما الحيوية مع الخارج..لا سيما إيران.

سوريا بلا مطار دولي، وإيران بلا مهبط مركزي لطائراتها المدنية والعسكرية.  الصراع الاسرائيلي الايراني يمس المحرمات، ويدخل في مسار جديد، يستكمل الضربات المتلاحقة في العمق الايراني، ويوحي بأن تعطيل مطار دمشق يعادل ضرب وتعطيل مطار طهران الدولي أو أحد المطارات الايرانية الرئيسية.. وربما يندرج في الخطة التي كشف النقاب عنها الاسبوع الماضي، عن شبكة رادارات ومنظومات صواريخ  نشرتها إسرائيل بالفعل في دولتي الامارات والبحرين، لمواجهة الصواريخ والطائرات الايرانية المسيّرة.

وبكلمة أخرى، يجوز إدراج قرار إسرائيل بتعطيل مطار دمشق، في سياق خطة فرض حصار جوي كامل على إيران، يصيب في السياق نفسه حزب الله، ويحرمه هو الآخر من صلة وصل جوية حيوية مع مركز إمداده العسكري الوحيد. وهو ما يمكن تصنيفه بأنه أعلى درجات الحرب الاسرائيلية، التي لا تزال إيران تنكرها، على الرغم من موجاتها المتتالية، ولا يزال الحزب يستبعدها، على الرغم من الافصاح الاسرائيلي المتكرر عن تفاصيلها العسكرية، وآخرها ما جاء على لسان رئيس الاركان الاسرائيلي أفيف كوخافي الذي تحدث عن آلاف الاهداف داخل لبنان، الموجودة في خطة الحرب التي تشمل مقرات القيادة ومنصات الصواريخ، “وكل بيت يوجد فيه صاروخ، أو ناشط يتعامل مع صاروخ، أو تيار كهربائي مرتبط بمجموعة القذائف الصاروخية..”!

الصراع على أشده بين إسرائيل وإيران، وقد بلغ حد رفع الحصانة عن النظام الايراني حسب تعبير رئيس الوزراء الاسرائيلي نفتالي بينيت، الذي جاهر بالسعي الى ضرب “راس الاخطبوط” الايراني. لكن ذلك لا يسمح بالقول أن الميدان السوري واللبناني هما مجرد نقاط إشتباك جانبية، لا من وجهة نظر اسرائيلية ولا إيرانية: إقفال مطار دمشق ، هو تعديل جذري في قواعد الاشتباك المباشر بين الجانبين..يضع مطارات المنطقة كلها في دائرة الخطر.

أما التقدير بأن مطار دمشق لم يدمّر كلياً لكنه فقط أخرج من الخدمة، لفترة مؤقتة، تفادت السلطات الرسمية السورية تحديدها، فإن يتعارض مع حقيقة أن الاسرائيليين لم يكونوا يلاحقون حقائب ركاب مدنيين يحملون تقنيات تطوير صواريخ، بل هم تعمدوا خرق سقف جديد في الصراع، من أجل أن يعطلوا حركة الملاحة بين دمشق وطهران.. ويفرضوا شروطاً على الطيران المدني والعسكري في الاتجاهين.

موعد إستئناف الرحلات الجوية من مطار دمشق الدولي، تحول الى لغز، أو سر عسكري، يثير السؤال الافتراضي مجدداً عما إذا كانت أيام إيران في سوريا باتت فعلاً معدودة، أم أن قوة النظام الايراني باتت تقاس حصراً بقوة حضوره في سوريا؟  المرجح ان روسيا، في الحالتين، لن تكون مجرد شاهد، حتى ولو كانت معنية أساساً بتقليص النفوذ الايراني في سوريا، وبحماية تحالفها الاستثنائي مع إسرائيل. 

المدن

————————-

هذا تحذير لبشار الأسد”.. حقيقة ضربة الجمعة “الاستثنائية” على مطار دمشق

ضياء عودة – إسطنبول

لا يزال مطار العاصمة دمشق الدولي “خارج الخدمة” بعدما تعرض قبل أيام لقصف نسب إلى إسرائيل، أسفر عن تضرر مدارجه بصورة كاملة، وفي الوقت الذي تسود فيه ضبابية بشأن الأسباب التي دفعت إلى تنفيذ هذه الخطوة في الوقت الحالي، تلوح في الأفق ملامح “تصعيد آتٍ”، بحسب ما تحدث مراقبون من مختلف الأطراف لموقع “الحرة”.

ورغم أن المطار شهد، خلال السنوات الماضية، سلسلة هجمات صاروخية وجوية “من الجانب الإسرائيلي”، إلا أن “ضربة يوم الجمعة” كانت مختلفة إلى حد بعيد عن سابقاتها.

وهذه المرة الأولى التي يخرج فيها المطار عن الخدمة “بشكل كامل”، وهو ما أعلنه النظام السوري، مشيرا على لسان رئيس الحكومة، حسين عرنوس، الاثنين، إلى أنه وجه ورشات العمل إلى الإسراع في عمليات إعادة تأهيل الأجزاء المتضررة، التي أصابت المهبط الرئيسي ومدرجا آخر، إضافة إلى غرفة الأجهزة.

وتقول إسرائيل إن المطار الدولي تحوّل منذ سنوات إلى “محطة لتهريب الأسلحة الإيرانية من طهران إلى حزب الله اللبناني”، وفي مطلع مايو الماضي كان الناطق باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي تحدث عن “أسلوب يتبعه الحزب اللبناني لنقل الأسلحة الاستراتيجية، من إيران إلى مناطق نفوذه”.

وأضاف أن “نقل الأسلحة يتم على متن رحلات مدنية من إيران إلى مطار دمشق الدولي، لضمان الحفاظ على السرية. ما يعرض المدنيين إلى خطر محدق”، حسب تعبيره.

لكن، على الطرف المقابل، يرى النظام السوري ما حصل على أنه “عدوان”، وأن إسرائيل تعمل على استهداف المنشآت المدنية والبنى التحتية في سوريا “تحت مبررات ومزاعم”.

أما إيران وروسيا، حليفتا النظام السوري، فبينما اعتبرت طهران القصف بأنه يأتي “ضمن الاعتداءات الصهيونية المتكررة”، مهددة باستمرار “المقاومة”، وصفت الأخيرة ما جرى بأنه “ممارسة شريرة”.

“من البحر إلى الجو”

وتشبه ضربة المطار الحيوي ما حصل قبل ستة أشهر، في ديسمبر عام 2021، حين تعرض ميناء اللاذقية السوري “المنفذ البحري الأبرز” لقصف نسب أيضا لإسرائيل، أسفر عن خسائر مادية كبيرة وقتلى.

وجاء ذلك بعد سلسلة تقارير استخباراتية اعتبرت أن الميناء حولته طهران أيضا إلى ممر بحري لتمرير الأسلحة إلى مناطق نفوذ ميليشياتها في سوريا ولبنان، في سيناريو يشابه للتقارير المتعلقة بمطار دمشق.

ويعتبر ميناء اللاذقية “شريانا حيويا للنظام السوري”، حيث يستمد من خلاله إمداد النفط وغير ذلك من المواد الأخرى.

وكذلك الأمر بالنسبة لمطار دمشق، الذي يعتبر من أبرز وأهم المنافذ الجوية لسوريا، حيث يسيّر من خلاله النظام السوري جميع رحلاته الداخلية والخارجية، ويستقبل فيه مسؤولي الدول الأخرى، فضلا عن كونه محطة للمساعدات التي تصل عن طريق الجو.

الباحث السوري في مركز “جسور للأبحاث والدرسات”، وائل علوان، قال إن ضربة مطار دمشق “تشبه بشكل كبير تلك التي استهدفت ميناء اللاذقية أواخر 2021”.

ويضيف الباحث لموقع “الحرة”: “كلاهما تعتمد سياسة جز العشب التي تنتهجها إسرائيل حيال الوجود الإيراني في سوريا. ضربة مطار مؤلمة وقاسية وتم الإضرار بالمطار بشكل كامل وجعله خارج الخدمة”.

واستبعد علوان أن إسرائيل تهدف أن تبقي مطار دمشق “خارج الفعالية”، معتبرا أن “قصفها رسالة قاسية بأنها تراقب عمليات نقل وتطوير الأسلحة، مع ازدياد النشاط الإيراني في سوريا، بحكم الانشغال الروسي في أوكرانيا”.

من جهته يرى المحلل السياسي المقيم في دمشق، علاء الأصفري أن ضربة الجمعة “تصعيد غير مسبوق وخطير ومخالف للقوانين الدولية. هذه أول مرة يتم استهداف المنشآت المدنية، وخاصة أحد المنافذ المتبقة في سوريا”.

ويقول الأصفري لموقع “الحرة”: “التصعيد آت وكبير جدا، وأعتقد أن محور المقاومة سيقود ردا غير مسبوق على إسرائيل. هو ليس بعيد. نحن مقبلون على أيام ساخنة”.

واعتبر المحلل أن “المعركة المقبلة ستكون معركة كسر عظم بكل النواحي”، وأن “إسرائيل تعطي رسالة بالقصف بأن يدها طولى وأنها لا تهتم بالقانون الدولي”، مؤكدا فكرته بالقول: “نحن مقبلون على أيام ساخنة”.

ماذا عن إسرائيل؟

وتقول إيران، منذ تدخلها الأول في سوريا عام 2012، إن وجودها العسكري يقتصر على “مستشارين” فقط، وهو الأمر الذي تراه إسرائيل غير ذلك.

وتتبع إسرائيل، منذ سنوات، سياسية عدم التعليق على ضرباتها الصاروخية أو الجوية في سوريا، ليقتصر الحديث المتعلق بذلك على وسائل إعلامها المتنوعة من صحف وقنوات تلفزيونية.

وقالت “القناة 12” في تقرير لها الأحد إنه بعد القصف الصاروخي الإسرائيلي الذي استهدف مطار دمشق قبل يومين، تم إحباط  70 بالمئة من عمليات تهريب الأسلحة إلى سوريا من إيران.

وجاء في التقرير أن أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية رصدت خلال الفترة الأخيرة تكثيف الإيرانيين الجهود لإدخال أسلحة “كاسرة للتوازن” إلى سوريا، مخصصة لمشروع “تطوير صواريخ دقيقة”.

وأشار التقرير إلى أن الهدف الأساسي من قصف المطار نقل رسالة للإيرانيين، مفادها، “نحن نرى ما تفعلونه ومستعدون لبذل جهود كبيرة لمنعه، بما في ذلك إغلاق مطار دولي”، وتوجيه أيضا رسالة لرئيس النظام السوري، بشار الأسد، تحذره من استضافة الإيرانيين وتركهم يتمركزون في سوريا.

وذلك ما يؤكده أيضا المحلل الإسرائيلي، يوني بن مناحيم بقوله: “القصف رسالة إسرائيلية لبشار الأسد وتحذير، لأن الإيرانيين بدأوا بتهريب الأسلحة عبر الطيران المدني، من طهران إلى دمشق”.

ويضيف المحلل السياسي لموقع “الحرة”: “إسرائيل ليس لها أي طرق لإسقاط طائرات مدنية. هذا ليس معقول بسبب الركاب المدنيين. الإيرانيون يستخدمون الركاب ويهربون السلاح عبر الطيران المدني”، في رده على سؤال يتعلق بأسباب استهداف المدارج بشكل مباشر.

“عمليات التهريب عبر البحر والبر تقصفها إسرائيل دون أي مشكلة، لكن عبر الطيران المدني هناك مشكلة كبيرة، لذلك تكرر قصف المطار للحيلولة دون هبوط هذه الطائرات التي تحمل سلاحا. لكي لا تهبط في دمشق”.

ويتابع بن مناحيم: “هذا تحذير لبشار الأسد وسنرى رد فعله. أتوقع المزيد من التصعيد الإسرائيلي، لأن إيران مصممة على تهريب السلاح لحزب الله”.

“بين موسكو وطهران”

في غضون ذلك كتب رئيس “اتحاد الغرف الصناعية”، فارس الشهابي عبر حسابه الشخصي في موقع التواصل “تويتر” أن “المشكلة ليست في إصلاح المطار، بل في ارتفاع درجة مخاطرة الملاحة الجوية العالمية عبره باعتباره مستهدف عسكريا! تماما كما حدث بمرفأ اللاذقية”.

وأضاف: “إذا وصل التمادي الصهيوني إلى ضرب مطار حلب، فهذا يعني خروج سوريا من خارطة الملاحة الجوية المدنية في العالم لأول مرة في تاريخها”.

وزاد: “الوضع أخطر بكثير مما نعتقد، ويجب على كل الحلفاء إدراك خطورته والمساعدة السريعة في إعادة تثبيت معادلة الردع، لكي لا يحدث ذلك”.

ومع كل قصف إسرائيلي على سوريا يثار الحديث عن موقف حلفاء الأسد، وخاصة روسيا التي تسير مع إسرائيل ضمن آلية تنسيق مشتركة لعدم الصدام.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، السبت، إن روسيا تدين بشدة الغارة الجوية الإسرائيلية على مطار دمشق الدولي، وتطالب الجانب الإسرائيلي بوقف هذه “الممارسة الشريرة”.

ويوضح المحلل السياسي المقرب من الخارجية الروسية، رامي الشاعر، أن “التواجد العسكري الروسي له مهام محددة. مساعدة السوريين في محاربة التنظيمات الإرهابية ووقف الاقتتال بين السوريين، وهذا يعني إنقاذ سوريا من حرب أهلية داخلية واسعة”.

إضافة إلى “دور موسكو ضمن مجموعة أستانة، لفرض نظام تهدئة على كافة الأراضي ومساعدة السوريين في التوصل إلى توافق عن طريق الحوار”.

ويضيف الشاعر لموقع “الحرة”: “فيما يخص القصف الإسرائيلي فموقف موسكو واضح وهي دائما تنتقده وتسعى إلى دعم جهود التسوية الشرق الأوسطية بين الدول العربية وإسرائيل وقيام دولة فلسطينية مستقلة واستعادة سوريا للجولان”.

ويؤكد: “روسيا لن تدخل في صدام عسكري، لا مع إسرائيل ولا مع إيران ولا مع تركيا. بالعكس تسعى إلى تفادي التوتر بين هذه الأطراف، وإيجاد صيغة للتفاهم عن طريق الحوار والعمل المشترك”.

“هناك من يحمل روسيا مسؤولية لماذا تسمح لإسرائيل بالاعتداء على الأراضي السورية، وخاصة أن لها تواجد عسكري في سوريا”.

واعتبر الشاعر أن “المسؤولية حول السيادة تقع بشكل رئيسي على القيادة السورية. يجب أن تعي ذلك وتسعى إلى استعادة هيبتها التي لا يمكن استعادتها دون تحقيق التوافق السوري – السوري، والذي بدونه لا يمكن أن تفرض سلطاتها على كامل الأراضي السورية واستعادة الاحترام الدولي لها ولسيادتها”.

من جانبه يوضح المحلل السياسي الإسرائيلي يوني بن مناحيم أن التفاهمات الروسية الإسرائيلية تتلخص بأن “لا يتم المساس بأي جندي روسي أو منشآت عسكرية روسية عن طريق القصف. مطار دمشق لا يتعلق بالروس”.

ويضيف بن مناحيم: “هذا ليس إخلال بالتفاهمات الروسية الإسرائيلية، ولا يعرض الروس للخطر”.

وكانت صحيفة “الأخبار” اللبنانية قد نشرت تقريرا في عددها الصادر الاثنين بعنوان: “قرار المواجهة أقرب. تهاون روسي بمصالح دمشق”، حيث حمل نبرة انتقاد للجانب الروسي، بشأن عدم تدخله في صد الهجمات الإسرائيلية أو وقفها على سوريا.

وأوضحت الصحيفة، المقربة من “حزب الله”، أن الإسرائيليين أبلغوا الروس عبر آلية التنسيق المشتركة بنيتهم استهداف المطار “قبل نحو ساعة من التنفيذ”.

وتحدثت عن “وقوع جدال وُصف بالحادّ”، خلال الأسابيع الفائتة “بين ضباط كبار في قيادة أركان الجيش السوري، وزملائهم من المستشارين العسكريين الإيرانيين من جهة، وممثّلين بارزين عن القوات الروسية من جهة أخرى”.

وهذا الجدل حدث بسبب “تزايد الاعتداءات الإسرائيلية على سورية عموما، وحول مسألة تأمين العاصمة دمشق ومطارها بشكل خاص”.

ونقلت الصحيفة، عن مصادر لم تسمها أن النظام السوري، والإيرانيين طالبوا الجانب الروسي بـ”وضع حد للهجمات الإسرائيلية على المنشآت والبنى التحتية المدنية السورية، وتنفيذ تعهداتهم بناء على الاتفاق السابق”، ليرد الضباط الروس، بحسب المصادر، بالتأكيد أنهم “غير معنيين بالاشتباك مع الإسرائيليين حماية للمصالح الإيرانية، كما أنهم غير معنيّين بالاشتباك مع الإيرانيين تأمينا للمصالح الإسرائيلية”.

ضياء عودة – إسطنبول

الحرة

—————————–

نظام الأسد وانحسار الخيارات بين الحضن الإيراني والروسي/ درويش خليفة

تشير معلومات عديدة عن توسع الميليشيات الإيرانية في مناطق مهين في حمص وسط البلاد، ومطار النيرب في حلب، بعد أن كان متنازعا عليه بين الجانبين الروسي والإيراني، بل وتتمدد إيران في شرق البلاد بمحيط مدينة الرقة، وقامت مؤخرا بإعادة تموضعها على الجغرافية السورية مستغلة انشغال الروس في معركتهم بأوكرانيا، وإيجاد حلول لهذه الورطة غير محسوبة النتائج.

وتبيّن معلومات متواترة أخرى، عن وصول قادة من الحرس الثوري الإيراني، إلى حمص، مثل مناع الحسين، وكرار حسن علي وثلاثة آخرين، وكذلك استيلائهم على ثلاثة أبينة ومدرسة في السخنة شرقي حمص بهدف إنشاء مربع أمني.

من جهته، واصل “حزب الله اللبناني” تعزيزاته إلى بلدة القريتين، وبحوزتهم أسلحة محمولة على الكتف، واتخذَّ عناصره من المدرسة الإعدادية في البلدة مقراً لها. إضافة إلى ذلك عزز الحزب تواجده في بلدة خان طومان بريف حلب الجنوبي، كما وصل القيادي العراقي عبد السيد الموسوي إلى جبل عزان في جنوبي حلب.

مما يؤكد أن إيران هدفها السيطرة على الطريق البري الواصل بين الحدود العراقية – السورية، الذي يمدّ النظام السوري وحزب الله بالسلاح والعتاد والقوة البشرية.

وبالنسبة لـ “إسرائيل” فهي تجد أن أي تحرك إيراني بالقرب من حدودها الشمالية يشكل مصدر قلق لها، وبالتالي سترَّد عليه، وخاصة بعد المعلومات التي تتحدث عن جلب إيران لطائرات مسيرة من نوع مهاجر 2، والتي يصل ارتفاعها قرابة 7 كلم، ويطيل بقائها في الجو لمدة 24 ساعة، وهو ما يقلق إسرائيل بالطبع.

توجه جديد أم استمرار لنهج سابق

بعد أن سردنا آنفاً تحركات الميليشيات الإيرانية والأذرع الموالية للحرس الثوري، يحذونا سؤالاً، هل ما يحدث هو جديد على تلك القوى، أم أنه جزء من استراتيجية بسط سيطرة إيران على سوريا ومقدراتها؟

يمكننا أن نلخص الجواب، عبرَّ مقارنة القوى البشرية المسلحة التي استقدمتها إيران وروسيا إلى سوريا، فالغلبة المطلقة وبنسبة كبيرة، هي للقوات الإيرانية. أما فيما يتعلق بإعادة التموضع لهذه الميليشيات دون مشاورة الروس، فقد يكون لمزيد من السيطرة الميدانية وليس لسدّ نقصٍ على الجبهات العريضة شبه الهادئة على مساحة الجغرافية السورية.

كما أن معارك البادية، التي كانت تقودها روسيا جواً والفرق العسكرية في جيش النظام غير المدربة بالمقارنة مع الشراسة القتالية لتنظيم الدولة “داعش”، لم يتم قطف ثمارها، لأن طبيعة المعركة مختلفة وبالوقت نفسه، كانت إيران تعارض أي نوع من هذه المعارك، حتى لا تخسر مزيداً من عناصرها، فقد ركزت خلال السنوات الماضية على استخدام الطائرات المسيرّة في البادية، لكن العدو ليس داعش، إنما من جاؤوا من أجل دحر التنظيم الإرهابي، وهم قوات التحالف الدولي، وخاصة “قاعدة التنف” التي تتحصن فيها القوات الأمريكية والبريطانية والفرنسية.

في هذا السياق، سبق أن كشفت مصادر محلية مطلعة، عقب الغزو الروسي لأوكرانيا عن “تراجع الضربات الروسية في سوريا، بسبب الحرب في أوكرانيا.” مبيناً أن “الأراضي السورية شهدت تراجعا لافتا وملحوظا في نشاط القوات الروسية بمختلف مناطق تواجدها، منذ بدء الحرب الروسية على أوكرانيا” في 24 فبراير الماضي. وكذلك “تراجعا بالقصف الجوي الروسي على البادية، بمعدل تراجع 4 مرات عما كان عليه قبل الحرب الأوكرانية”.

الأسد بيدق في الرقعة الإيرانية

في أثناء كل تلك التحركات الإيرانية المريّبة، جاءت زيارة بشار الأسد إلى “طهران” لتأكد عمق العلاقات بين النظامين، وفي الوقت نفسه؛ إيصال رسالة لكل الطامحين بانتشاله من مخالب الخامنئي، مفادها بأنَّ العودة إلى الحضن العربي، لن يتعدى دائرة المساعدات الإنسانية، ووشاية مخابرات النظام على معارضي حكمه، وتحميلهم مسؤولية التطرف في الإقليم.

كما أن الأسد، يعلم جيداً أن انحسار دور أياً من حلفائه (الروس والإيرانيين) ليس في مصلحته، لذا كانت الزيارة لطمأنة مواليه وطلب زيادة المساعدات النفطية والغذائية.

وفي وقت خبو الدور الروسي بالمنطقة، وانفتاح بعض الدول الخليجية على رأس النظام السوري “بشار الأسد”، في محاولة لاستدراجه وتقديم المغريات التي من شأنها انتشاله من المحنة الاقتصادية، تقوم وبشكل متكرر الميليشيات الإيرانية والفرقة الرابعة في جيش النظام بقيادة ماهر الأسد، لإغراق دول الخليج والأردن بالمواد المخدرة وخاصة “الكبتاغون”.

ما يمكن قراءته، أن الأسد يستخدم برغماتية مطلقة في علاقته مع حلفائه الروس والإيرانيين من جهة ومع الدول العربية المطبعة معه من جهة أخرى، حيث كان وما يزال مستعداً لتقديم أي تنازلات في سبيل البقاء على رأس السلطة السورية، لذَّا إيران تريده مطيعاً خالصاً لها، كي لا تضعف أوراقها التفاوضية مع المملكة العربية السعودية.

ولا يفوتنا ما قاله الرئيس الإيراني “إبراهيم رئيسي” خلال استقباله الأسد، مذكراً إياه أنه “عندما راهن بعض قادة العرب وغير العرب في المنطقة على سقوط الحكومة السورية، إيران وقفت إلى جانبها هي وشعبها”، معرباً عن أسفه لأن “أجزاء مهمة من الأرض السورية ما زالت تحت احتلال القوات الأجنبية”.

سباق اقتصادي بين المحتلين

على صعيد التنافس الاقتصادي الإيراني – الروسي، في سوريا، عبرَّ التسابق في الاستحواذ على المزيد من المكاسب السورية، فهو يكمن في استثمار مطار دمشق الدولي وميناء بانياس على ساحل المتوسط، الذي يصل قاعدتها في طرطوس مع حميميم، وسحب ميناء اللاذقية من براثن الحرس الثوري الإيراني، كما فعلت الشركات الروسية بإجبار النظام السوري على نقض عقد الفوسفات مع شركات إيرانية تابعة للحرس الثوري في بادية تدمر وسط البلاد.

غير ذلك، هناك معلومات أولية عن أحياء الولايات المتحدة الأمريكية، للمشروع الذي نادت به واشنطن قبل عامين، وهو توحيد المناطق الخارجة عن سيطرة دمشق سياسيا وعسكريا، بالتنسيق مع تركيا، وهو بلا شك سيضعف الدور الروسي والإيراني في سوريا. ويبقي أدوارهم محصورة في المنطقة الوسطى والساحلية، وبالتالي خسارتهم للمناطق النفطية والزراعية السورية، وهذا بلا شك يعيق مشاريعهم التي تعيد تأهيل بشار الأسد ونظامه مستقبلاً.

————————

إيران في سوريا.. الخوض في المستنقع/ صبا مدور

بالنسبة لإيران فإن سوريا هي مركز مجالها الأمني الاستراتيجي، وليس لها أن تخسرها أو أن تتنازل عن مصالحها الحيوية فيها.

تعزز هذا الاقتناع الإيراني وتحول إلى عقيدة سياسية منذ اندلاع الثورة السورية، وتنبهت طهران إلى أن سوريا غير المجاورة لحدودها، يمكن أن تشهد سقوط نظامها الحليف، وبذلك ستخسر طهران الجزء الأساسي من قدرتها على التدخل والعبث في المنطقة.

منذ سقوط الشاه عام 1979، تحالف النظام الإسلامي الجديد في طهران مع النظام البعثي في دمشق، لمواجهة نظام بعثي آخر في بغداد. تغلبت المصالح المشتركة على ما بدا من تناقض أيديولوجي، لكن الأهم من المصالح كان التوافق الإيراني مع نظام أقلوي طائفي متدثر بالفكر القومي، حتى أن (تصدير الثورة) الذي أعلنه المرشد الإيراني الراحل الخميني وما شمله من تدخلات إيرانية سافرة وواسعة النطاق، طاولت كل دول المنطقة لكنها استثنت سوريا، التي تحالف نظامها (القومي) مع دولة غير عربية ضد النظام العربي بكامله.

بعد أكثر من ثلاثين عاما، وجدت إيران نفسها عالقة في مستنقع سوري لحماية استثمارها في النظام الحاكم، فقد حصلت طهران على مكاسب جيوسياسية مهمة بسبب ذلك، وهو ما جعلها تعتبر الثورة السورية منذ بدايتها تهديدا مباشرا لمصالحها، ولكامل ما سمته (محور المقاومة)، وهكذا انخرطت بطريقة شاملة في دعم النظام بالميليشيات والمستشارين والأسلحة لمواجهة الشعب السوري.

حمل العام 2015 معالم انهيار واضح للنظام السوري وحليفه الإيراني، ومن هنا بدأت حكاية التدخل العسكري الروسي، بطلب مباشر من طهران، وجهود بذلها المرشد الإيراني علي خامنئي وقائد فيلق القدس السابق قاسم سليماني الذي طار إلى موسكو في تموز/يوليو من ذلك العام، وقضى ساعتين في الكرملين من الحوارات والشرح على الخرائط، قبل أن يقنع الرئيس بوتين بضرورة التدخل السريع لإنقاذ بشار الأسد من سقوط بدا قريبا.

في حقيقة الامر، لم يستدع نظام دمشق روسيا، إيران هي من فعل ذلك، وبالطبع فإن طهران لم تكترث بما كان يعنيه الأمر من ازدواجية في خطابها (الثوري) الخاص بخروج القوات الأجنبية في المنطقة، فقد كان المهم هو انقاذ استثمارها المهدد بالضياع أولا، ثم يمكنها بعد ذلك ترتيب المبررات وافتعال الأسباب واستعادة النبرة (الثورية) تجاه من يريد أن يصدق الأكاذيب.

مضت سبع سنوات على التدخل الروسي، نجح خلالها في إنقاذ نظام دمشق، ورسخت موسكو لنفسها قاعدة مهمة في الشرق الأوسط، وفي أحيان معينة، تناقضت مصالحها مع إيران، حتى بات لكل منهما أتباع داخل قوات النظام وشبيحته، لكن حرب أوكرانيا تجبر موسكو اليوم على سحب جزء مهم من قواتها، وكذلك الوحدات السورية التابعة لها، لتقاتل في الجبهة الأوكرانية المتعطشة للمزيد من الرجال، لتقوم إيران بملء الفراغ الروسي.

بدأت إيران فعليا بنشر قوات واسعة من الحرس الثوري وميليشيات حزب الله اللبناني في مستودعات (مهين) العسكرية بريف حمص الشرقي، ثاني أكبر مستودعات السلاح والذخيرة في سوريا، وسيوفر هذا الانتشار أن تسيطر إيران على مناطق واسعة تمتد من القلمون شمال دمشق، ومناطق دير عطية والقريتين والسخنة شرق حمص وصولا إلى مناطق أثريا بريف حماة الشرقي وحقول النفط في جنوب الطبقة بريف محافظة الرقة.

لا تبدو سيطرة إيران العسكرية على هذه المنطقة الواسعة والحيوية، استثنائية أو شاذة عن واقع النفوذ الإيراني في سوريا منذ أكثر من عقد، لكن المهم هنا أن هذا التطور قد يكون مجرد بداية نحو مزيد من الانتشار العسكري الإيراني مع استمرار الانسحابات الروسية، وهذا سيفرض متغيرات وتداعيات مهمة في بيئة إستراتيجية وسياسية تغيرت بشكل واضح عما كانت عليه عام 2015.

سيكون متوقعا حاجة إيران بشكل أكبر للاستعانة بالميليشيات الشيعية الأجنبية، ما يفرض تداعيات مهمة قد يؤثر بعضها بشكل مباشر على الوضع السائد منذ بضع سنوات، بعد القضاء على تنظيم داعش، وفي مقدمة ذلك الاحتمالات القوية لعودة الاحتكاكات الطائفية مع السكان، لا سيما مع انحسار وجود المعارضة في تلك المناطق.

الأمر الثاني هو أن (سوق الميليشيات) ذاته لم يعد متاحا مثلما كان سابقا، فميليشيا (فاطميون) الأفغانية لم تعد قابلة للتجنيد بقوة مثل السابق، بعد رحيل القوات الأميركية، فحركة طالبان سترفض استخدام أي مواطن افغاني للقتال خارج بلاده، كما أن إيران ستواجه صعوبات في نشر الدعاية الطائفية داخل مناطق الغالبية الشيعية في أفغانستان لتجنيد المتطوعين، مثل (الدفاع عن المراقد)، حيث سيكون عليها أن تواجه رفضا من حكومة طالبان وربما خصومة وحتى عداء يتسبب بمشكلات لطهران على حدودها الشرقية.

وحتى بالنسبة للعراق، فالأمر لم يعد يخلو من تعقيدات، حيث يفرض توتر الوضع هناك، والصراع السياسي بين أبرز القوى الشيعية، مخاطر اندلاع صراع مسلح في أي وقت، وقد يكون نقل ميليشيات عراقية (ولائية) من اتباع إيران، سبباً في اضعاف هذا الجناح المسلح في مواجهة التيار الصدري، القوي عسكريا بدوره، والذي بدأ يبتعد عن الخط الإيراني.

الأمر الآخر، أن (داعش) هزمت وانحسرت، لكنها لم تنته، وما زالت تقوم بعلميات مسلحة دموية، وسيكون رحيل الروس عن مناطق سيطر عليها التنظيم في السابق، حافزاً لهم للعودة ومحاولة تنفيذ هجمات فيها من جديد.

والبيئة الإقليمية نفسها تغيرت، فالأردن يستشعر وعلى لسان الملك عبد الله مخاطر من (الفراغ) الذي تملأه إيران ووكلائها، وقد تكون بلاده أمام تصعيد محتمل على حدودها مع سوريا، مع الإشارة إلى أن الأردن سبق له وقام بتطبيع العلاقات مع النظام السوري، وقد لا يجد في انتشار إيراني بدل الروسي قرب حدوده، عنصرا مشجعا لاستمرار التعاون مع النظام، لا سيما وأن التسوية التي جرت في درعا في خريف العام الماضي، كانت بالتفاهم بين روسيا والأردن، وقد لا تكون إيران معنية بها أو راضية عنها.

ولا يختلف الأمر في لبنان، فهناك تحولت البيئة السياسية بعد الانتخابات الأخيرة، ولم تعد مريحة لحزب الله، كما أن هذا الحزب ذاته، سيواجه مشكلات تعبوية في دعم الانتشار الإيراني، مع مخاطر داخلية، وفرص لحرب إقليمية قد تشمل إسرائيل.

الأمر الآخر يتعلق بإسرائيل، فالضربات الإسرائيلية لمواقع خاصة بالحرس الثوري وحزب الله غالبا ماص تركزت على مناطق محدودة غربي دمشق على مقربة من الجولان المحتل، حيث تتمركز إيران وميليشياتها بشكل خاص، وقد يكون توسيع هذا الانتشار في وسط سوريا، دافعاً لتوسيع نطاق الغارات الإسرائيلية، وهو ما تخشاه إيران، الحريصة على تجنب صراع شامل مع إسرائيل.

وأخيرا، فربما تجد المعارضة السورية في الوضع الجديد، فرصا لإعادة التحرك النشط، وحينها سيكون التحدي أعمق وأقسى أمام الإيرانيين، ولن يكون بوتين متفرغا للاستماع لشكاواهم، كما لن تجد إيران (سليماني) لإقناعه بضرورة التدخل.

————————-

إصلاح مطار دمشق:العقبات المتشعبة قد تحيله إلى التقاعد

تحدثت شخصيات معارضة سورية عن خلاف روسي-إيراني حول عملية إصلاح وترميم مطار دمشق الدولي الذي تعرّض للقصف من قبل الجيش الإسرائيلي فجر الجمعة.

وأوضحت تلك الشخصيات أن القصف الإسرائيلي استهدف رادار توجيه الطائرات روسي الصنع، في ظل رفض روسي للمشاركة في إصلاحه عبر فنييها إلا بمقابل كبير؛ وهو كفّ يد طهران عن السيطرة على المطار، وعجز إيراني عن إنجاز هذا الأمر بسبب العقوبات التي ترزح تحتها هي وحليفها النظام السوري، عدا عن الخبرات التقنية التي لا تمتلكها.

تخبط النظام

وربما تعكس حالة العجز والخلاف تلك، التصريحات الصادرة عن وزارة النقل في حكومة النظام التي تتجنب تحديداً دقيقاً لتاريخ الانتهاء من إصلاح ما خلّفه القصف. إذ لم تكد تنتهي مهلة ال48 ساعة التي حددتها الوزارة في بيانها الأول الذي أعقب القصف مباشرة، حتى عادت ببيان ثانٍ قالت فيه إن تعليق الرحلات الجوية القادمة والمغادرة سيستمر “حتى إشعار آخر”.

وظهر رئيس وزراء حكومة النظام حسين عرنوس الأحد، من داخل المطار المشلول والخالي تماماً إلا من بعض الآليات التي ظهرت وهي تعمل على ترميم الأضرار التي لحقت بالمهبط الرئيس، والتي لا تحتاج سوى لقليل من الوقت بحسب خبراء لإصلاحها، في حين تجنب عرنوس تحديد توقيت عودة العمل في المطار، معترفاً بتضرر بعض الأجهزة الفنية داخل المطار لم يكشف عن نوعها وأهميتها.

إيران ليست عاجزة..ولكن؟

وقال ضابط مهندس منشق عن النظام ل”المدن”، إن الحديث عن أن رادار توجيه الطائرات روسي الصنع “غير دقيق أبداً”، موضحاً أنه صناعة فرنسية حاله كحال جميع المطارات المدنية الموجودة في سوريا.

وأضاف المهندس، وهو متخصص في الاتصالات السلكية واللاسلكية بأحد المطارات العسكرية سابقاً، أن التأخير والتخبط في تحديد الموعد خلال التصريحات؛ يمكن إعادته إلى جملة من الأسباب أبرزها موضوع التمويل اللازم لشراء الأجهزة والمعدات البديلة عن تلك المتضررة، معتبراً أن التكلفة العالية يمكن أن تقف حاجزاً أمام النظام بشكل مبدئي، وكذلك الحال ينطبق على إيران، على اعتبار أن إيران قررت المساهمة بالعملية كونها المتسببة بالقصف، علاوة عن الاستفادة التي تجنيها على المستوى العسكري من المطار.

والحديث عن عجزٍ إيراني عن الإصلاح هو حديث “بعيد تماماً عن الواقع”، فإيران تمتلك البدائل عنها في مطاراتها المدنية في طهران ويمكنها الاستعاضة عن التالفة بسهولة، كما يمكنها الذهاب باتجاه تعويضها من البدائل المخصصة للمطارات العسكرية داخل سوريا، وهي تسيطر على عدد منها بطبيعة الحال، بحسب المهندس.

وتابع: “أما على مستوى الخبراء المتخصصين بهذا المجال؛ فطهران تجاوزت هذه المرحلة منذ زمن بعيد، ولديها الآن ثلة من المهندسين والخبراء الاكفاء للقيام بذلك”، ثم استدرك: “لكنها على ما يبدو تُحضّر لتوسعة جديدة للمطار على مستوى الحماية؛ تجنباً لعمليات قصف مستقبلية من قبل إسرائيل، وبعيداً عن إخفاء وتعقب حركة الملاحة لطائراتها لأن ذلك من الصعب جداً القيام به تقنياً وفنياً ومن السهل جداً اكتشافه”.

ضمانات روسية

وذهب الخبير والمحلل العسكري العميد فاتح حسون للتأكيد على كلام المهندس، لكنه رأى أن التأخير الحاصل يعود لسبب رئيس وهو “انتظار النظام ومن خلفه إيران للحصول على ضمانات روسية مبنية على تفاهمات مع إسرائيل بعدم استهداف المطار مرة جديدة وإخراجه من الخدمة كما يحدث الآن”.

وقال حسون ل “المدن”، إنه “بالمحصلة يمكن القول إن إيران قادرة على إصلاح المطار إلى جانب النظام بمعزل عن روسيا، لكن موسكو تريد الحصول على تنازلات معينة بالضغط على طهران عبر ورقة المطار، مقابل ضمانات”.

وهذه الضمانة التي تحدث عنها حسون هي بعيدة المنال، وحصول طهران عليها من ضروب المستحيل بحسب الضابط المنشق، بل ذهب الأخير إلى أبعد من ذلك بتأكيده أن موسكو “لن تمانع اقتلاع المطار من جذوره في المرة القادمة إذا دعت حاجة إسرائيل ذلك”.

وبيّن أن العلاقة بين موسكو وتل أبيب هي علاقة “استراتيجية عسكرية”، وإسرائيل لن تتوقف عن قصف المطار إلا بخروج إيران من سوريا، وهذا مستحيل الحدوث، أو التوقف عن شحن الأسلحة والمعدات العسكري عبره، ولفت إلى أن موسكو لم تتخلَ عن التفاهمات مع إسرائيل في سوريا على الرغم من التوترات التي شابت العلاقة بينهما على خلفية الحرب الأوكرانية، وهي القضية الأولى على سلم أولويات روسيا، فكيف بسوريا.

العقوبات سبب آخر

وربط حسون سبب التأخير الحاصل بالحاجة إلى الترميم الإلكتروني والكهربائي الناتج عن تضرر أجهزة ملاحة ورادار وهبوط آلي وغيرها من الأجهزة الروسية والغربية الصنع، وهذا يعني حاجة إيران والنظام لروسيا أولا وشركات وسيطة مع الدول الغربية ثانياً لإعادة هذه الأجهزة للعمل.

وعن الوجهات المحتملة التي يمكن الاتجاه نحوها للحصول على تلك المعدات والأجهزة الفنية من قبل النظام وإيران، أوضح الباحث والخبير الاقتصادي يونس الكريم أن لدى النظام وإيران وجهات متعددة لكن سيصطدمان بعوائق عديدة.

وقال الكريم ل “المدن”، إنه “في حال عدم امتلاك طهران لتلك البدائل وهو مستبعد، فالباب الأول الذي ستطرقه هو الصين بكل تأكيد، إلا أنها سترفض الطلب الإيراني ليس لنقص في التمويل وحسب، بل للحؤول دون تقديم ذريعة للولايات المتحدة والغرب لتعرض شركاتها للعقوبات بسبب سوريا وإيران الممنوعتين من استيراد المعدات المتعلقة بالمطارات والطائرات، بسبب العقوبات”.

كما ترى بكين أنه لا جدوى حالياً من الاستثمار في سوريا، وبناء على هذه السياسة فمن المستبعد أن تضع نفسها أمام هذه المخاطر الجمّة مقابل التوريد.

وأضاف الكريم أن الإمارات وجهة محتملة أيضاً للنظام عبر أمراء الحرب، لكن الإمارات سترفض حالياً بسبب الموقف السعودي الأخير. أما لبنان فعملية التفاوض مع صندوق الدولي ستقف بوجه تحقيق هذا الأمر، وكذلك لن يُقدم العراق، الوجهة الأخيرة لنظام دمشق، على المغامرة بالتوريد.

————————–

بوابة إيران إلى سوريا مُقفلة… وشحنات الأسلحة معلّقة حتى إشعار آخر/ علي الدالاتي

تعود جذور الصراع الإيراني الإسرائيلي في منطقة الشرق الأوسط، إلى نجاح الثورة الإسلامية في العام 1979، إلا أنه اقتصر على ما يُسمّى الحروب بالوكالة، ووصل إلى حدوده القصوى بعد الحرب السورية عام 2011، وتصاعد في السنوات الأخيرة بعد أن استشعرت إسرائيل بالخطر نتيجة سيطرة الميليشيات الإيرانية على مناطق واسعة في سوريا.

ووصف الإسرائيليون مواجهاتهم مع إيران بالـ”حرب ما بين الحروب”، وتهدف إلى تحجيم النشاط العسكري لإيران من خلال ضرب مواقع الحرس الثوري ومقراته والميليشيات الأجنبية الطائفية التي تعمل إلى جانبه، عبر استهداف مواقع الأسلحة التكتيكية والمعسكرات ومنصات الصواريخ الإيرانية وشحنات الأسلحة القادمة عبر بوابات إيران إلى سوريا، كمنفذ البوكمال الحدودي ومطار دمشق الدولي.

بوابة إيران

الواضح من الإستراتيجية الإسرائيلية في التعامل مع الوجود الإيراني على مقربة من حدودها، أنها تنتهج حرب استنزاف، إذ بلغ معدل الغارات الإسرائيلية، شهرياً، نحو 6 هجمات.

ولا تفارق طائرات الاستطلاع والتجسس الأجواء السورية، وتترصد حركة الأرتال العسكرية وتتبع الشحنات وما أن تتجمع في موقع ما حتى تتبعها طائرات F-15 Eagle لتدمرها. وعلى هذا النحو وذاك، طال القصف مواقع البحوث العلمية التي سيطرت عليها ميليشيا الحرس الثوري في كل من تدمر ودير الزور وحلب ومصياف وريف دمشق، وقواعد أخرى كجبل عزان في حلب وقاعدة الإمام علي في دير الزور والبوكمال ومرفأ اللاذقية.

في السنوات القليلة الماضية، حولت إيران مطار دمشق الدولي إلى بوابة خاصة بها، فهي تسيطر على إدارته الأمنية واحتلت قرى كاملةً في محيط المطار أبرزها “حران العواميد والغزلانية وتل مسكن”، وحوّلتها إلى ثكنات عسكرية ومستودعات ذخائر، وتحط في المطار طائرات الشحن العسكري القادمة من طهران ومنه تتجه الذخائر وعلى وجه الخصوص الصواريخ الباليستية التي تشكل هاجساً ورعباً لإسرائيل التي تصل الليل بالنهار في تتبعها من أجل تدميرها، بحسب أحد العسكريين الذين خدموا في المطار سابقاً.

يقول وائل علوان، الباحث في مركز جسور للدراسات، لرصيف22: “مطار دمشق الدولي ومحيط مطار دمشق الدولي وكذلك المواقع العسكرية التي تتخذها إيران وميليشياتها كالحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني قواعد لنقل الأسلحة وتخزينها وتطويرها، تأتي على رأس قائمة الأهداف الإسرائيلية على الخريطة السورية، فإسرائيل اليوم تراقب عن كثب كل التحركات الإيرانية والتي ازدادت بشكل كبير جداً بعد الانشغال الروسي في الحرب الأوكرانية”.

ويضيف: “التمدد الإيراني وعمليات نقل الأسلحة وتخزينها خلال الشهرين الماضيين كانت بالتنسيق مع روسيا في محاولة للضغط على حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية في جنوب سوريا، من خلال فتح المجال لإيران وحلفائها في المنطقة سواء بعمليات الأسلحة وحتى في موضوع النفوذ والسيطرة الجغرافية على نقاط تماس مع هؤلاء الحلفاء”.

ويصف العسكري المنشق سياسة إسرائيل في سوريا “بسياسة جز العشب فهي لم تتعمد خلال السنوات القليلة الماضية إنهاء النفوذ الإيراني، وإنما كانت تراقب ازدياد التحركات الإيرانية وخاصةً نقل الأسلحة النوعية والتي تشكل تهديداً لأمن إسرائيل إذ كانت تتعامل معها من خلال القصف”.

الهجوم الكبير

منتصف ليل 11 حزيران/ يونيو الجاري، شنّت المقاتلات الحربية الإسرائيلية غارات جويةً استهدفت مطار دمشق الدولي، وهي المرة الأولى التي يشهد فيها المطار غارات عنيفةً إلى هذا الحد، إذ تركز القصف على استهداف البنية التحتية للمطار عبر تعطيل المدرجين اللذين يعمل بهما المطار، بالإضافة إلى تدمير برج المراقبة الوحيد، ومبنى تشغيل الإنارة الملاحية، مع تضرر حظائر الطائرات ومبنى المسافرين.

إعلام النظام السوري أعلن مباشرةً عن تعطل المطار عن الخدمة، إذ قالت وزارة النقل السورية عبر صفحتها في فيسبوك: “تسبب العدوان الإسرائيلي الغاشم باستهداف البنية التحتية لمطار دمشق الدولي وخروج مهابط الطائرات عن الخدمة حيث تضررت في أكثر من موقع وبشكل كبير، مع الإنارة الملاحية”.

وأضافت أن “القصف استهدف أيضاً مبنى الصالة الثانية للمطار، وتسبب بأضرار مادية، ونتيجةً لهذه الأضرار تم تعليق الرحلات الجوية القادمة والمغادرة عبر المطار حتى إشعارٍ آخر”.

وبحسب علوان، فإن “قصف المطار الأخير هو الضربة الأكبر والأبرز خلال العام الجاري، وهي الضربة الأكثر ألماً بعد الضربة التي استهدفت ميناء اللاذقية خلال العام الماضي، وهي ضمن إستراتيجية إسرائيل في ضرب القواعد وخطوط نقل الأسلحة”.

أهمية المطار عسكرياً

ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها مطار دمشق الدولي لغارات إسرائيلية، لكنها المرة الأولى التي تخرجه فيها عن الخدمة بشكل كامل، وعلى مدار السنوات الخمس الأخيرة تعرض المطار للقصف بأكثر من أربعين غارةً جويةً تركزت في معظمها على تدمير شحنات أسلحة فقط، وعلى ما يبدو فإنّ إسرائيل ومن خلال سياستها في التعامل مع التوسع الإيراني في المنطقة أرادت التضييق أكثر على إيران، بحسب الضابط المنشق.

في العام 2020، أعلن مندوب حكومة بشار الأسد في الأمم المتحدة بشار الجعفري، عن عودة مطار حلب الدولي إلى العمل، والذي نال أيضاً حصةً من الغارات الإسرائيلية سابقاً، وتزامناً مع إعلان وزارة النقل السورية وصول أول رحلة مدنية إلى مطار حلب وتشغيله بشكل كامل، قامت إسرائيل بإخراج المطار الرئيسي في سوريا من العمل.

وسابقاً، تعرّض مطار دمشق الدولي وأكبر مطار في سوريا للقصف أربع مرات في العام 2017، وتعرض المطار ومحيطه من القرى والثكنات العسكرية في العام 2018، للقصف ثماني مرّات بأكثر من عشرين غارةً جويةً دمرّت منصات إطلاق صواريخ باليستية وبطاريات دفاع جوي وحاويات ذخائر إيرانية قبل خروجها من المطار.

وفي العام 2019، تعرض المطار ومحيطه للقصف من قبل الطائرات الحربية الإسرائيلية ثلاث مرات، كانت أكثرها ضراوةً في شهر كانون الأول/ ديسمبر، حين دمرت شحنة أسلحة إيرانية يرجّح أنها صواريخ باليستية وعطلت المطار عن العمل جزئياً.

في العامين 2020 و2021، تعرض المطار للقصف خمس مرات، وتركز القصف خلالها على حظائر الطائرات التي لجأت إيران إلى تخزين الأسلحة والذخائر فيها نظراً لتحصينها العالي وقدرتها على تحمل القصف.

بحسب الضابط المنشق الذي يعمل على توثيق ومتابعة كُل ما يجري في المطار، “تكمن أهمية مطار دمشق العسكرية في قربه من العاصمة السورية، وهو منفذ الدعم اللوجستي السريع إليها لكونها تبعد عن المنافذ الحدودية والموانئ البحرية، ولا يمكن لإيران الاستغناء عنه بسهولة، فوصول شحنات الأسلحة عبر الحدود مع العراق يعرضها لخطر الاستهداف المباشر من قبل القوات الأمريكية في العراق وشرق سوريا، كما أنّ خطوط الإمداد عبر البادية السورية تُعدّ خطيرةً للغاية ولا يمكن توقع هجمات تنظيم داعش في المنطقة، وعبر السواحل السورية يُعدّ موضوع النقل العسكري أكثر خطراً فالقوات البحرية الإسرائيلية لها بالمرصاد بمجرد عبورها قناة السويس”.

أهميته المدنية

سقطت أهمية المطار المدنية منذ اندلاع الثورة السورية في العام 2011، كونه أصبح آخطر نقطة عبور أمنية في سوريا بالإضافة إلى العقوبات المفروضة على شركة الطيران المدني الوحيدة في سوريا، مما دفع معظم المسافرين إلى استخدام مطار بيروت في رحلاتهم.

بقي المطار يعمل بمعدل رحلة مدنية واحدة في كل أسبوع إلى خمسة عشر يوماً، وحسب الحاجة بين الإمارات العربية المتحدة ودمشق، ومطار العاصمة طهران ودمشق، لنقل المقاتلين وعائلاتهم أو زوار الأماكن الشيعية المقدسة في سوريا.

وبحسب الناشط فايز الدغيم، “لا يبدو من صور الدمار الذي لحق بالمطار والمباني التشغيلية والمهابط أنه من الممكن أن يعود إلى العمل في المنظور القريب، كما أنّ الحاجة المدنية والتجارية إليه لا تلبّي مصاريف الإصلاح التي تقدَّر بملايين الدولارات”.

ويضيف: “حتى إيران ليست مستعدةً لتحمل نفقة إصلاحه والمجازفة في تعريض شحنات أسلحة جديدة للقصف الإسرائيلي، ومن الغباء ألا تتفهم إيران الرسالة الإسرائيلية في منعها من تكثيف وجودها في منطقة الجنوب السوري”.

في المقابل، يعتقد علوان أنه “بالرغم من أن الضربة أوقفت المطار عن العمل ولكن هذا التوقف هو لفترة محدودة وستعود إيران إلى تأهيله من جديد، كما تقوم حالياً بخطة تعتمد على توزيع المهام العسكرية والأمنية على مطارات عدة، كمطارات السين والتيفور والضمير العسكري، وكذلك مطارات وسط سوريا وشمالها وأبرزها مطارا النيرب في حلب ومطار حماة العسكري”.

ويشير إلى أن “الضربة بشكل رئيسي هي رسالة مؤلمة من إسرائيل من أجل أن تقنن إيران عمليات نقل الأسلحة، وستتصاعد هذه الضربات كماً ونوعاً كلّما ازداد التمدد الإيراني في سوريا، كذلك هي تحذير لمليشيات إيران أو النظام السوري من أي خطوة تصعيدية ضدها”.

ويُعدّ مطار دمشق أكبر مطار دولي في سوريا، وهو يبعد عن العاصمة نحو 25 كم في الاتجاه الشرقي، ويرجع تاريخ إنشائه إلى عام 1970، ويُعدّ ثاني مطار يتم إنشاؤه في سوريا والمقر الرئيسي ومركز عمليات الخطوط الجوية السورية، وأجنحة الشام.

رصيف 22

———————–

================

تحديث 22 حزيران 2022

——————-

إيران تعزز نفوذها في الجنوب السوري … شبكة أنفاق وتحصينات على الحدود مع الأردن

على الرغم من التحذيرات الشديدة التي أطلقها الأردن، مؤخراً، بسبب خشيته من قيام إيران بملء الفراغ الذي ستخلفه القوات الروسية في حال انسحابها من منطقة الجنوب السوري، وانعكاس ذلك على سياسة الأردن إزاء دمشق، تواصل الميليشيات الإيرانية نشاطاتها المشبوهة في المنطقة غير عابئة بتأثيراتها السلبية على العلاقة بين دمشق وعمان. وكان آخر هذه النشاطات قيام ميليشيات محسوبة على إيران بإنشاء تحصينات عسكرية في مناطق قريبة من الحدود الأردنية – السورية شملت حفر سلسلة من الأنفاق التي يمكن استخدامها لأغراض متنوعة.

وقد شرعت الميليشيات الإيرانية بحفر أنفاق وعمليات تحصين للمواقع التي انتشرت بها مؤخراً في محافظة درعا، على الحدود السورية مع الأردن.

وبدأت عمليات التحصين منذ مطلع الشهر الجاري، بالتزامن مع منع المزارعين من الوصول إلى أراضيهم في منطقة الرحية الزراعية، أقصى جنوب شرقي درعا البلد.

وجرى حتى الآن، تحصين مواقع الميليشيات قرب القاعدة الجوية غرب جمرك درعا القديم، وبعض المخافر الحدودية في المنطقة، بالقرب من بلدة تل شهاب وبلدة خراب الشحم.

وترجح مصادر إعلامية سورية معارضة أن يكون الهدف من هذه التحصينات هو حماية عمليات التهريب التي تنطلق من المنطقة باتجاه الأراضي الأردنية، بخاصة أن الميليشيات الإيرانية التي انتشرت في المنطقة مؤخراً، منعت مجموعات الأمن العسكري والفرقة الرابعة من أبناء المنطقة من التمركز في تلك النقاط، وعهدت إلى قادة ميليشياتها بالإشراف المباشر عليها، وفق ما ذكر موقع “تجمع أحرار حوران” الذي يتابع أخبار المنطقة الجنوبية ويتخذ من العاصمة الأردنية عمّان مقراً له.

وفي مطلع الشهر الجاري، أرسلت الميليشيات الإيرانية، تعزيزات عسكرية جديدة إلى محافظة درعا، وتوزعت في ما بعد على طول الشريط الحدودي بين سوريا والأردن.

وأفاد مصدر محلي أن مجموعات من الفرقة الرابعة وميليشيا “حزب الله” اللبناني و”لواء فاطميون” وصلت إلى درعا قبل أيام قادمة من دمشق، مشيراً إلى أن تحركها كان ليلاً تجنباً لرصدها واستهدافها من قِبل إسرائيل، بحسب ما نقلت شبكة “نداء سوريا” في تقرير لها.

وأوضح المصدر أن التعزيزات تتضمن آليات وسيارات مزودة بأسلحة خفيفة ومتوسطة، وتم توزيع عناصرها على المخافر الحدودية مع الأردن، بلباس جيش النظام، كما تم منع عناصر “التسويات” من التواجد في مناطق انتشار الميليشيات.

كما عززت قوات الجيش السوري مواقعها بالقرب من الحدود السورية – الأردنية بآليات ثقيلة.

وجاءت الخطوة الإيرانية هذه بعد تصاعُد التصريحات الأردنية خلال الأيام القليلة الماضية ضد قوات من الجيش السوري وحلفائه جراء تواصل عمليات تهريب المخدرات عبر الحدود بين البلدين.

ووجهت تلك التصريحات التي صدرت بداية عن ضباط من قادة الصف الأول في الجيش الأردني ومن ثم الملك شخصياً، اتهامات مبطنة إلى دمشق بالتواطؤ مع الميليشيات الإيرانية وفتح المجال أمام عمليات التهريب التي تشهدها المنطقة، والتي باتت تشكل عبئاً ثقيلاً على الأردن، إذ لا يكاد يمضي يوم من دون ضبط شحنة مخدرات قادمة من الأراضي السورية، ما دفع الأردن إلى فرض قواعد جديدة للاشتباك وإعلان النفير شبه الدائم في المنطقة الشمالية على طول خط الحدود مع سوريا.

وتعيش منطقة الجنوب السوري بين رهانين متناقضين، يذهب الأول منهما إلى أنه ليس بمقدور إيران الاستفادة من تداعيات الحرب الأوكرانية وامتداداتها بهدف إحداث تغييرات جذرية في المشهد السوري، وأنه سيكون على إيران عاجلاً أم آجلاً إخلاء الجنوب السوري. بينما يذهب الرهان الثاني إلى أن إيران بدأت بالفعل في استثمار الحرب الأوكرانية عبر بوابة الجنوب السوري من خلال الخطوات التي اتخذتها مؤخراً لتوسيع نفوذها في المنطقة والتي شملت إرسال تعزيزات ضخمة إلى محافظة درعا، وإنشاء كتائب جديدة لتكون بمثابة أداة لها في تكريس نفوذها الجديد وهو ما يجسده على سبيل المثال تأسيس طهران ميليشيا كتائب الإمام في الجنوب السوري قبل أسابيع قليلة.

ويعتقد مراقبون للمشهد السوري أن ما تقوم به إيران من تحصينات وحفر شبكة أنفاق على الحدود السورية – الأردنية يعكس مدى قلق طهران من وجود تحركات خفية يجري التجهيز لها لتغيير واقع المنطقة.

وفي هذا السياق، قال الناطق الرسمي باسم “تجمع أحرار حوران”، أبو محمود الحوراني في تصريحات صحافية قبل اسبوع، إن “التصريحات الأردنية الرسمية وازدياد الحديث عن الجنوب السوري يشير إلى وجود تحركات ما قد تأتي عبر الحدود أو عبر قاعدة التنف”. وأضاف الحوراني أنه لهذا السبب “قامت إيران بالتحرك بشكل استباقي في الجنوب ضمن محافظاته الثلاث، درعا والقنيطرة والسويداء، تحسباً لمثل هذه التحركات”.

وتعمل إيران حالياً، بحسب الحوران، باتجاهين في آن واحد، الأول في حال حصلت عمليات اقتحام تكون قد أكملت سيطرتها على درعا على الأرض، والثاني تكون قد نشرت المئات من العناصر على الحدود الأردنية استباقاً لأي تحرك عسكري ضدها من خارج الحدود

النهار العربي

—————————–

هل اقتنع العرب باستحالة فك ارتباط الأسد بإيران؟/ أحمد رحال

منذ أن وصل آل الأسد لسدة الحكم في سوريا، شكل هذا النظام خاصرة رخوة للأمة العربية عبر تآمره على أمنها، خاصة بعد صفقة لندن مع الموساد الإسرائيلي عام 1965، التي استلم بموجبها حافظ الأسد السلطة في سوريا مقابل التنازل عن الجولان، ثم عبر تحالفه مع إيران الخميني، وتأرجحت بعدها علاقة نظام الأسد (الأب) بمنظومة الحكم العربي ما بين شد وجذب، وكانت سياسة الاحتواء هي الأكثر رجحاناً في تعامل النظام العربي مع حكم حافظ الأسد.

مع وصول القاصر بشار الأسد للسلطة في سوريا عبر التوريث السياسي، عانى حكام العرب كثيراً من طيشه ومحاولاته لعب دور أكبر من حجمه، فوقع بكثير من الأخطاء والكوارث تسببت بقطيعة عربية، في كثير من الأحيان، خاصة بعد اتهامه باغتيال رئيس وزراء لبنان الشيخ رفيق الحريري، بالتعاون مع حزب الله، وما أعقب ذلك من ابتعاد لمعظم العواصم العربية الفاعلة عن دمشق.

مع انطلاقة الثورة السورية، حاول النظام العربي مد يد العون السياسي والمادي للأسد مقابل إصلاحات داخلية بسيطة توقف انزلاق سوريا نحو المجهول، ومنعاً لدخول سوريا بفوضى غير مضمونة النتائج، وأرسلت شحنات الأموال من عواصم خليجية لدعم إجراءات إصلاحية ومعيشية في سوريا، لكن العقلية الصلفة التي تحكم عتاولة الحكم في دمشق، ودخول إيران على خط التصلب والسيطرة على قرار بشار الأسد، حالا دون استماع حكام دمشق لنصائح قادة العرب.

مع تزايد جرائم نظام الأسد ضد الشعب السوري الثائر، خطت الجامعة العربية خطوة متقدمة بالتدخل وطرح خطة للحل في سوريا، وافق نظام الأسد دون تحفظات، في 2 نوفمبر/ تشرين الثاني، على خطة الجامعة الدول العربية التي تقضي بسحب الجيش من المدن، والإفراج عن السجناء السياسيين، وإجراء محادثات مع زعماء المعارضة خلال 15 يوماً كحد أقصى، لكن الموافقة الأسدية بقيت حبراً على ورق دون تنفيذ الأمر الذي أثار غضب الجامعة العربية، فاتخذ العرب قراراً بأغلبية ساحقة يقضي بتجميد عضويَّة سوريا في الجامعة العربية، وإعطائها مهلة ثلاثة أيام للتوقيع على بروتوكول لإرسال بعثة مراقبين عرب إلى البلاد، وهو ما أثار حفيظة النظام في دمشق، فنظم هجمات واقتحامات لسفارتي قطر والسعودية في دمشق، وقنصليتي تركيا وفرنسا في حلب واللاذقية، ومع انتهاء عمل البعثة العربية، وبرغم تقريرها شبه المنحاز كلياً لصالح النظام السوري، رفض بشار الأسد تطبيق الخطة العربية وبنود الحل في سوريا، ومعه فرضت عقوبات اقتصادية وسحب معظم السفراء العرب من دمشق ودخل النظام بقطيعة مع العرب.

القطيعة لم تكن كلية، خاصة من خلال النافذة الأمنية والاستخباراتية التي بقيت بواباتها مواربة مع أجهزة مخابرات الأسد من خلال اللواء علي مملوك الذي زار أكثر من عاصمة عربية، ونقل رسائل متبادلة مع دمشق، كانت غاية العرب منها توجيه النصائح ومحاولة إعادة بشار الأسد لجادة الصواب، لكن نظام الأسد كان قد أغلق كل طرق العودة بعد تحالفه مع نظام ملالي طهران، الذي بات صاحب القرار الأعلى والأوحد في سوريا.

اعتماد الحل العسكري والبطش بالشعب السوري المنتفض على منظومة آل الأسد الاستبدادية، كان قراراً إيرانياً، تكفل الحرس الثوري الإيراني تطبيقه عبر فيلق القدس وقائده قاسم سليماني، الذي بات الحاكم العسكري المطلق لسوريا، واستتبع ذلك فتح الأسد بوابات سوريا لإدخال مرتزقة حزب الله اللبناني والكثير من الميليشيات الشيعية التي تدور بالفلك الإيراني (زينبيون، فاطميون، النجباء… وأكثر من 65 ميليشيا أخرى)، عملت جميعها بإمرة الجنرال قاسم سليماني، وتعاونت مع نظام دمشق على شن حملة إبادة ضد كل سوري يرفض نظام الأسد ويطالب بالحرية وعلى مرأى ومسمع العرب.

مع انقضاء أكثر من ثماني سنوات على عمر مأساة السوريين على يد مرتزقة إيران وحزب الله ونظام الأسد والروس، عادت بعض الأنظمة العربية لطرح أفكار هدفت إلى تحصين منظومة الأمن العربي، وتغليب المصالح العامة للعرب على الخلافات البينية، من خلال دعم الأمن القومي العربي أمام تحديات المشروع الفارسي الذي بات يهدد مصالح ووجود الأمة العربية، مع ما يستوجبه هذا القرار العربي من تجاوز لبعض الخلافات مع نظام دمشق، عبر خطة طرحتها بعض عواصم العرب تقضي باستقطاب الأسد، وتقديم بعض المغريات المادية والاقتصادية، مقابل فك ارتباطه بالمشروع الفارسي ونظام الملالي في طهران، وتصدرت المشهد عدة دول فاعلة لقيادة تلك القاطرة، مثل الأردن ومصر والإمارات العربية، مدعومة من دول عربية لم تقطع علاقاتها بالأساس مع دمشق، وهي عمان والجزائر والعراق ولبنان، وانبرت بعض العواصم العربية لفتح الطريق، فكان الاتصال الهاتفي بين الملك الأردني عبد الله الثاني وبشار الأسد، ثم زيارة وزير الخارجية الإماراتي لدمشق، أعقبها زيارة بشار الأسد للإمارات العربية، ثم نقاشات عربية وجدالات حول إمكانية دعوة بشار الأسد لحضور القمة العربية بالجزائر، ثم فجأة وفي خضم تلك الخطوات، يخرج الملك الأردني ليرفع الصوت عالياً محذراً دمشق من أخطار تهدد بلاده، بعد سيطرة إيران وميليشياتها على معظم الجنوب السوري، ووصول تلك الميليشيات إلى الحدود الأردنية، وإلى الحدود مع الجولان السوري المحتل من قبل إسرائيل، وتتالت المواقف العربية المبتعدة عن دمشق، والهمة التي كانت تدفع بعض العواصم العربية للتطبيع مع نظام الأسد باتت تحذر، وهذا ما دعم موقف قلة من الدول العربية كانت أساساً ترفض أي تقارب مع دمشق لعلمها وقناعتها بصعوبة تغيير سياسة بشار الأسد، وصعوبة إبعاده عن أسياده في طهران.

خلال كل سنوات الثورة، ما فتئت رموز المعارضة الوطنية من تحذير العرب من خطورة وأبعاد التغول الإيراني في سوريا، وشرحت للعرب عن عمق التجذر الإيراني بمنظومة الحكم في دمشق، ومدى سيطرة إيران وحزب الله على معظم الجغرافيا السورية، وعلى القرار السياسي والعسكري للسوريين، بل سيطرة إيران على مفاصل الحكومة السورية، ومعظم مؤسسة وزارة الدفاع والأجهزة الأمنية، وبينت تلك الرموز للمسؤولين العرب أن بشار الأسد أصبح خارج دائرة القرار السوري، وأن مهمته باتت تنحصر فقط في شرعنة وجود مرتزقة إيران وحزب الله وروسيا على الأراضي السورية، وأنه باع مقدرات الشعب السوري من موانئ ومعابر وقواعد جوية وبحرية، بل باع الاقتصاد السوري وثروات سوريا للإيرانيين والروس مقابل حفاظه على كرسي السلطة في سوريا.

الموقف العربي الأخير بنظر السوريين هو عودة العرب للواقع وللمنطق الذي كان يأمله كل مواطن سوري حر، بأن نظام دمشق قد أحرق كل مراكب العودة للحضن العربي، وسد كل البوابات المؤدية للعواصم العربية، ودمج كل خياراته بخيار وحيد يقضي بالتحالف مع إيران وما يسمى “محور المقاومة”، راهناً مستقبل وإمكانيات الشعب السوري لأجندات إيران، على غرار حزب الله اللبناني، والحشد الشيعي العراقي، والحوثي اليمني، ضارباً بعرض الحائط كل مرتكزات الأمن العربي والمصالح العربية والتنسيق العربي.

فهل يمكننا القول اليوم: إن إخواننا العرب باتوا على قناعة لا تقبل الشك باستحالة فك ترابط بشار الأسد بالمشروع الفارسي وبنظام الملالي في طهران؟

———————————-

استعادة سوريا وسط الحرائق/ صبا مدور

لم يأتِ ذكر سوريا ضمن أجندة الزيارة المرتقبة للرئيس الأميركي جو بايدن في المنطقة أواسط تموز/يوليو، لكن كل النقاشات التي يريد خوضها لن تتخطى سوريا، ففيها يدور الصراع بين إيران وإسرائيل، وفيها تستقر روسيا التي باتت تتعامل مع الوجود الأميركي المحدود هناك، كعنصر ضغط على واشنطن في الملف الأوكراني، وفي شمالها تحتاج الولايات المتحدة إلى ترتيبات تمنع أن تكون قواتها وسط معركة متوقعة بين حلفائها الأكراد وبين القوات التركية المتحفزة لبدء عمليتها المعلنة لإقامة شريط أمني عازل.

تجاهلت الولايات المتحدة طويلا مصير سوريا، بل أنها في لحظة غير مفهومة، لم تعارض وجودا روسيا ثابتا هناك، وكان ذلك في زمن الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما الذي كان تخطى قبل ذلك خطوطه الحمر، وكان معه نائبه آنذاك جو بايدن ذاته، فسمحا لموسكو أن تدعم بقاء الأسد الموشك في حينه على الهزيمة أمام المعارضة، ولم يكترثا من قبل ومن بعد بالتغول الإيراني، ولا بالجرائم التي ارتكبها الجميع ضد الشعب السوري.

وهو يهرع إلى المنطقة، يقول بايدن إن الأمن القومي لإسرائيل هو سبب أساسي لزيارته، وفيما ينفي أن يكون الأمر مرتبط بسعيه الفاشل حتى اللحظة لانخراط السعودية في حملته ضد روسيا وزيادة انتاجها من النفط لخفض الأسعار، فهو يصر على أنه مهتم بحضور اجتماع قمة موسع في السعودية يشمل دول مجلس التعاون ومصر والأردن والعراق، ويضيف أن الأمر يتعلق بقضايا أكبر بكثير من الارتباط بقطاع الطاقة.

لا شيء يدعو للشك بحديث بايدن، لكن وجوده في هذه القمة المنتظرة، وفي سياق صراع واضح المعالم مع روسيا والصين يشارك فيه الغرب بقوة وحماسة غير مسبوقة منذ نهاية الحرب الباردة، وفي خضم فشل محتمل لمساعي العودة للاتفاق النووي مع إيران، وصراع خشن للأخيرة مع إسرائيل، وتهديدات بحرب شاملة، وبناء تحالف دفاعي يضم إسرائيل ودول عربية بقيادة أميركية، كل ذلك يجعل وجود بايدن مهما لما يتجاوز بكثير زيارة المجاملة أو ترطيب الأجواء مع الرياض الغاضبة من مواقفه، أو التأكيد على دعم تقليدي لا يحتاج لإعادة تأكيد لحليفه الإسرائيلي.

ولكن أين سوريا في هذه الخارطة المعقدة؟ وهل يمكن أن نشهد متغيرات تعيد بناء المقاربات الأميركية التي يبدو أنها تعود للمنطقة بعدما وضعتها إدارة بايدن من قبل في ذيل قائمة أولوياتها؟

الرؤية الأميركية حول سوريا، لم تنفصل في أي وقت عن نظيرتها الإسرائيلية، ومن الناحية الواقعية، لم يصدر عن إسرائيل الرسمية ولا عن أي من مراكز دراساتها أو سياسييها ما يشير إلى رغبة او حاجة لإسقاط الأسد، وربما كان العكس هو الصحيح، فالثورة السورية أربكت الحسابات الإسرائيلية التي كانت معتادة على قواعد لعبة ثابتة ومريحة مع النظام السوري طوال ال50 عاما الماضية، ولذلك فما تسرب من مقاربات إسرائيلية كان يتعلق بمنع الوجود الإيراني في سوريا من تهديد الأمن الاسرائيلي، وهو ما كان جزءا من تفاهمات مع روسيا التي كانت تسيطر على الأجواء السورية، وعلى قواعد عسكرية في جنوب وجنوب غرب البلاد تمنح إسرائيل بعض الهدوء.

لكن القواعد تبدلت بعد اضطرار روسيا لإخلاء قواعدها في وسط سوريا تحت ضغط الحرب الأوكرانية. من ناحية وجدت إسرائيل في ذلك فرصة كي تستخدم طائراتها في قصف ما تراه مهددا لها، خارج القيود التي كانت روسيا وضعتها من قبل، لكنها ايضا أدركت ان في الأمر مخاطر كبيرة، بعدما ملأت إيران فراغات الانسحاب الروسي، وبدأت فعليا، حسب تصريحات إسرائيلية، بإرسال صواريخ دقيقة وطائرات مسيرة إلى مواقع يمكن أن تطال منها أجزاء واسعة من فلسطين المحتلة، وكان قصف مطار دمشق في العاشر من حزيران/يونيو هو أحد تداعيات القرار الإسرائيلي لمنع ذلك.

هنا، لم يعد الهدف الإسرائيلي يقتصر على إبعاد إيران عن مناطق التهديد المحتمل، بل خروجها الكامل من سوريا، وهذه المقاربة، تشمل جميع الميليشيات المدعومة إيرانيا بما فيها حزب الله اللبناني، لا سيما وأن نظام الأسد لم يعد يواجه تهديدا عسكريا حقيقيا، وصار ممكنا أن تتولى دول عربية طبعت علاقاتها معه ومع إسرائيل في نفس الوقت تقريبا، أن تبادر إلى إعادة ادماجه في المحيط العربي، وربما تطرح مقاربات سياسية جديدة لحل الأزمة السورية بشكل يتلاءم نسبيا مع القرارات الدولية.

هذه الرؤية الخاصة بسوريا، هي جزء متصل بقوة بالهدف المعلن من التحالف العربي الإسرائيلي الجديد لمواجهة إيران، وفي جوهر مباحثات بايدن المرتقبة مع زعماء المنطقة، على اعتبار أنه من العبث البحث عن مقاربات لإنجاح هذا التحالف بدون التعامل مع القضية السورية.

المشكلة هنا، أن سوريا ستعود كما كانت من قبل، مجرد جسر لخدمة آخرين، إيرانيون كانوا أم إسرائيليون أم أميركيون أم روس… الخ، أما الشعب السوري وحقوقه، ومصير الملايين من معتقليه ومشرديه لاجئين ونازحين، وهدف العدالة والقصاص من المجرمين، وبناء أسس انتقالية سليمة لحكم رشيد دون الأسد ونظامه، كل ذلك سيكون مجرد تفاصيل غائبة لخدمة الهدف الأساس المتمثل بحماية أمن إسرائيل.

وفي كل الحالات فهذه الرؤية، ما زالت في بدايتها، وما زال هناك الكثير مما يمكن أن يحصل بين الطرفين المتنازعين على الأرض السورية، لاسيما وأن إيران تدرك أن مهمتها لم تعد حماية الأسد، بل الاستفادة من سيطرتها على سوريا، لفرض نفوذها في المنطقة كلاعب رئيسي، مستفيدة بالطبع من الانسحاب الجزئي لروسيا، التي كثيرا ما كانت تعوق الأهداف الإيرانية.

ندرك أن سوريا ستكون في قلب المتغيرات الجوهرية وربما العنيفة الممكنة في المنطقة، لكن ما يعني الشعب السوري هو البحث عن فرصة وسط هذه المعسكرات والمحاور المتقابلة، ليستعيد حقوقه، ويحقق العدالة المفقودة. وما يهمنا ألا تمضي هذه المعادلات الجديدة أيا كانت على حساب السوريين من جديد، وحقوقهم بالحرية والكرامة واستعادة بلدهم من خاطفيه، ومن يدري فقد تتكفل حرائق المتصارعين بذلك؟

المدن

—————————–

===============

تحديث 26 حزيران 2022

———————–

جولة بايدن الشرق الأوسطية.. دوافعها وحساباتها الاستراتيجية

أعلن البيت الأبيض أن الرئيس جو بايدن سيقوم بزيارة لمنطقة الشرق الأوسط في المدة 13-16 تموز/ يوليو 2022، تشمل إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة والسعودية، حيث سيشارك في قمة تضمّ قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، إضافة إلى مصر والأردن والعراق. ويتضمن برنامجه أيضًا عقد قمة افتراضية أثناء وجوده في جدة، تجمعه بقادة المجموعة الاقتصادية الجديدة المعروفة بـ I2-U2، والتي تضم، إضافة إلى الولايات المتحدة، كلًا من الهند وإسرائيل والإمارات. وقد أثار قرار بايدن زيارة السعودية ولقاء المسؤولين السعوديين، بمن فيهم وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان، نقاشاتٍ في الكونغرس، وتحديدًا بين الديمقراطيين، والمنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان. كما تدور نقاشات حول أهداف الزيارة: هل تتعلق أساسًا بأسعار النفط، أم تتناول إضافةً إلى ذلك قضايا التطبيع الخليجي مع إسرائيل.

دوافع الزيارة

تأتي زيارة بايدن إلى منطقة الشرق الأوسط ضمن مساعي واشنطن لاحتواء الصين والتعامل مع التداعيات التي ترتبت على فرض الغرب عقوبات اقتصادية قاسية على روسيا بسبب غزوها أوكرانيا، شملت قطاع الطاقة، ما أدى إلى ارتفاع أسعارها على نحو بعيد، ومن ثم تعميق أزمة التضخم الاقتصادي على مستوى العالم الذي لم يتعافَ بعد من آثار جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19). وقد وصلت نسبة التضخم في الولايات المتحدة إلى 8.6 في المئة، وهي الأعلى في الأربعين عامًا الأخيرة، وقد أدى ذلك إلى ارتفاع أسعار الغذاء والسلع الأساسية والكمالية ارتفاعًا كبيرًا؛ ما يهدد بركود تضخّمي، قد يدفع الديمقراطيون ثمنه في الانتخابات النصفية المقررة في تشرين الثاني/ نوفمبر 2022.

وفي حين تهدف واشنطن إلى ضرب قطاع الطاقة الروسي وحرمان موسكو من عوائده، فإنها تحتاج، في المقابل، إلى إقناع دول الخليج، وتحديدًا السعودية، بزيادة إنتاجها من النفط لتعويض الفاقد الروسي. غير أن إدارة بايدن تُبدي قلقًا من تنامي علاقات حلفائها التقليديين في المنطقة بروسيا والصين، أيضًا، مع تزايد شكوك هؤلاء الحلفاء في التزام الولايات المتحدة بأمنهم.

وتأمل إدارة بايدن أن تسهم زيارة السعودية أيضًا في بحث سبل إنهاء الحرب في اليمن، التي دخلت الهدنة الهشّة فيه شهرها الثالث. كما تسعى إدارة بايدن إلى دفع عجلة التطبيع العربي – الإسرائيلي قُدمًا، والتي كانت أطلقتها إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، تحت عنوان “اتفاقات أبراهام”. وفي إشارة إلى ذلك، ستقلع الطائرة التي ستقلّ بايدن من تل أبيب إلى جدة مباشرة، وهي الطريق نفسها التي سلكها ترامب عام 2017 حينما أقلعت طائرته من الرياض إلى تل أبيب مباشرة بعد حضوره القمة “العربية – الإسلامية – الأميركية”.

إضافة إلى ما سبق، سيكون ملف تعثّر المفاوضات النووية مع إيران وتسريع الأخيرة مستويات تخصيب اليورانيوم من الموضوعات المهمة أيضًا على أجندة بايدن في إسرائيل والسعودية. وتسعى إدارته إلى تحقيق هدفين هنا: الأول، الضغط على إسرائيل، التي تحظى بدعم ضمني من بعض الدول الخليجية، وتحديدًا الإمارات والبحرين، لتجنّب القيام بما قد يؤدي إلى مواجهة عسكرية في المنطقة، إذ أشارت وسائل إعلام إسرائيلية مؤخرًا إلى أن تل أبيب نشرت منظومة رادارات في الإمارات والبحرين. والثاني، تنسيق المواقف مع إسرائيل وبعض الأطراف الخليجية في طريقة التعامل مع إيران، سواء تم التوصل إلى اتفاق نووي معها أم لا، وذلك حتى لا تتكرر تجربة اتفاق عام 2015 الذي حاولت إسرائيل إفشاله، ولم تكن السعودية والإمارات والبحرين راضية عنه.

وعلى الصعيد الفلسطيني – الإسرائيلي، يزعم مسؤولون في إدارة بايدن أن زيارته ستكون فرصة لمحاولة استعادة دور أميركي أكثر توازنًا بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ومناسبة لإعادة التأكيد على تأييد حل الدولتين، بعد أن شهد الموقف الأميركي انحيازًا غير مسبوق لصالح إسرائيل في عهد ترامب، علمًا أن إدارة بايدن أضاعت وقتًا ثمينًا في الرهان على الحكومة الإسرائيلية الجديدة لمجرد أنها ليست حكومة بنيامين نتنياهو، مع أن رئيسها، نفتالي بينيت، لا يقل سوءًا، إن لم يكن أسوأ من نتنياهو، في كل ما يتعلق بقضية فلسطين، ولم تُبدِ إدارة بايدن اهتمامًا حقيقيًا بالصراع الفلسطيني – الإسرائيلي على مدى عام ونصف العام من وجودها في السلطة، ولم تبذل جهدًا فعليًا لوقف انتهاكات إسرائيل في حق الفلسطينيين، ووقف عمليات الاستيطان وهدم البيوت في الضفة الغربية، بما في ذلك في القدس الشرقية، واستمرار الحصار على قطاع غزة.

وقد أبقت إدارة بايدن على كثير من سياسات إدارة ترامب، كالاعتراف بالقدس عاصمةً لإسرائيل، ولم تُعِد السفارة الأميركية إلى تل أبيب، ولم تفتح القنصلية الأميركية في القدس الشرقية، ومكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن. وسيحرص بايدن خلال زيارته إسرائيل، بحسب مسؤولين في إدارته، على إظهار التزامه بأمنها، ومن ذلك زيارة بعض أنظمتها الدفاعية التي قدّمتها أو موّلتها الولايات المتحدة.

إعادة ضبط العلاقات الأميركية – السعودية

تُعدّ إعادة ضبط علاقة الولايات المتحدة مع السعودية أحد أبرز أهداف زيارة بايدن المنطقة، كما صرّح هو نفسه، بعد أن شهدت هذه العلاقة توترًا ملحوظًا منذ تولّيه الرئاسة مطلع عام 2021، خصوصًا أنه كان تعهّد خلال حملته الانتخابية بالتشدد مع السعودية بسبب استمرار حرب اليمن، واغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي، وغيرهما من انتهاكاتٍ لحقوق الإنسان. وبعد انتخابه رئيسًا، رفض بايدن التعامل مع ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، وحصر التواصل مع والده، الملك سلمان. ثمّ أعلن عن وقف دعم الولايات المتحدة للسعودية والإمارات في حرب اليمن، وحظر عليهما الحصول على “أسلحة هجومية”. وأتبع ذلك برفع السرية عن تقرير لوكالة المخابرات المركزية (سي آي إيه) يلمّح ضمنًا إلى وقوف محمد بن سلمان شخصيًا وراء إصدار الأمر بقتل خاشقجي، وفرض عقوبات على المسؤولين عن الجريمة، مستثنيًا إياه، أي وليّ العهد. ثمَّ إنه تحت ضغط أقارب ضحايا هجمات 11 سبتمبر 2001، الذين يتهمون الحكومة السعودية بالتورط فيها مباشرة، سمح بايدن برفع السرية كذلك عن وثائق مكتب التحقيقات الفدرالي (إف بي آي) بشأنها، وإن لم تحتوِ على أيّ دليل ملموس يؤيد مزاعمهم ضد السعودية.

كما قامت إدارة بايدن، في شباط/ فبراير 2021، برفع جماعة الحوثي من قوائم الإرهاب الأميركية، التي كانت إدارة ترامب وضعتها فيها. وفي أيلول/ سبتمبر من العام نفسه، سحبت واشنطن بطاريات باتريوت من السعودية في الوقت الذي كانت تتعرض فيه لهجمات حوثية متكررة بصواريخ باليستية وطائرات من دون طيار. واشتكت الرياض أكثر من مرة، منذ تنصيب بايدن رئيسًا، على الرغم من تلبيتها الكثير من المطالب الأميركية، ومنها تكثيف الجهود لإنهاء الحرب في اليمن، ومحاولة تحديث البلاد، بما في ذلك إضعاف نفوذ رجال الدين ومنح المرأة مزيدًا من الحقوق، وفتح حوار مع إيران بالتوازي مع المفاوضات الجارية في فيينا حول برنامجها النووي، فضلًا عن تعميق الاتصالات والتعاون مع إسرائيل، فإن إدارة بايدن، كما يقول المسؤولون السعوديون، في المقابل، لم تُقدّر بما يكفي تلك الخطوات، بل طلبت تقديم المزيد مثل استقبال لاجئين أفغان، أو مساعدة الاقتصاد المتعثر في لبنان، أو تقديم الدعم لاستقرار العراق … إلخ.

غير أن غزو روسيا لأوكرانيا في شباط/ فبراير 2022، وما ترتب على ذلك من تداعيات على الاقتصاد العالمي، بما فيه الأميركي، خصوصًا في قطاع الطاقة، دفع إدارة بايدن إلى إعادة النظر في مقاربتها للعلاقة مع السعودية على أساس محاولة إيجاد توازن بين القيم والمصالح في سياستها الخارجية.

ويبرر مسؤولون في إدارة بايدن التحول في موقفه في علاقات الولايات المتحدة بالسعودية عندما كان مرشحًا بأنه ينظر إلى الأمور على نحو مختلف بوصفه رئيسًا الآن، وخاصة أن تركيزه ينصبّ حاليًا على قضايا الحرب في أوكرانيا وإسقاطاتها على موضوع الطاقة، الأمر الذي يحتاج معه إلى تعاون السعودية. إضافةً إلى ذلك، تخشى واشنطن من أن يؤدي استمرار قطيعتها مع محمد بن سلمان إلى ابتعاد السعودية أكثر عنها، واقترابها من روسيا والصين. وكان ابن سلمان قد دعا، مؤخرًا، الرئيس الصيني شي جين بينغ لزيارة الرياض. وسربت السعودية معلومات مفادها أنها مستعدة لتقاضي ثمن جزء من صادراتها النفطية إلى الصين باليوان، في مؤشر على تنامي التعاون بين البلدين. والجدير ذكره هنا أن رئيس المخابرات المركزية الأميركية، وليام بيرنز، زار الرياض، في نيسان/ أبريل 2022، لتدارك التدهور في العلاقة معها وإقناعها بإلغاء صفقة كبيرة لشراء الأسلحة من الصين من بينها صواريخ باليستية.

وقد شجع حلفاءُ واشنطن الأوروبيون، مثل رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إضافة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، بايدن على إنهاء الخلاف مع محمد بن سلمان. ومنذ ذلك الوقت، بدأت تصدر عن الطرفين إشارات إلى تحسّن العلاقات بينهما، حيث أشادت إدارة بايدن بعدد من الخطوات التي اتخذتها السعودية، مثل موافقتها، مطلع حزيران/ يونيو 2022 على تمديد الهدنة التي توسطت بها الأمم المتحدة، مطلع نيسان/ أبريل الماضي، مدة شهرين آخرين، ثم إعلان مجموعة “أوبك+”، التي تقودها السعودية، رفع إنتاجها من النفط في تموز/ يوليو وآب/ أغسطس، بنحو 250 ألف برميل إضافة إلى الـ 400 ألف برميل المنصوص عليها في اتفاق رفع الإنتاج التدريجي. وتأمل واشنطن أن تقوم السعودية بزيادةٍ أكبر على مدار العام، نظرًا إلى القدرة الاحتياطية التي تملكها في إنتاج النفط. في المقابل، تطالب الرياض بالتزام أميركي واضح بالدفاع عن أمنها، وإعادة تصنيف الحوثيين جماعةً إرهابية، وألّا تكون هناك مفاجآت من واشنطن، خصوصًا فيما يتعلق بالمفاوضات النووية مع إيران، فضلًا عن تخفيف حدة الانتقادات الأميركية لسجل حقوق الإنسان في السعودية. وعلى الرغم من أن بايدن أكّد أنه لن يغيّر وجهة نظره في خصوص موضوع حقوق الإنسان، فإنه عقّب على ذلك بقوله “لكن بصفتي رئيسًا للولايات المتحدة، فإن وظيفتي هي إحلال السلام إذا استطعت”.

خاتمة

لم تخرج إدارة الرئيس بايدن عن النهج الواقعي تاريخيًا للسياسة الأميركية، حيث تتقدم المصالح الاستراتيجية والاقتصادية والانتخابية على ما عداها. وعلى الرغم من الانتقادات التي وجّهها عدد من الديمقراطيين والمنظمات الحقوقية لما يرونه تفريطًا من بايدن في وعوده حول الالتزام بمحاسبة منتهكي حقوق الإنسان، فإن المعطيات الجيوسياسية عالميًا، في تقدير مسؤولي إدارته، أكبر وأخطر من أن يتم اختزالها في وعود وشعارات انتخابية. ومع ذلك، يرى عدد من ناقدي إدارة بايدن أن التسامح مع قضايا حقوق الإنسان يشجّع منتهكيها، وأن مقاربة الإدارة في موضوع الطاقة مبنية على افتراضات واهية؛ ذلك أن قدرة السعودية والإمارات على تعويض الصادرات الروسية من النفط مُبالَغ فيها، فضلًا عن أن السعودية لا يمكنها التخلي عن الاعتماد على السلاح الأميركي، وهي غير قادرة على تحمّل التكلفة الكبيرة لتحويل بناها وهياكلها العسكرية المعتمدة على أنظمة التسليح الأميركية إلى الصينية أو الروسية. ومع ذلك أيضًا، لا يبدو أن إدارة بايدن مستعدة لأخذ مخاطرة مهما كانت محدودة في الظرف الدولي السائد، حيث ينصبّ جل تركيزها على إضعاف روسيا واحتواء الصين، ومنع دخول الاقتصاد الأميركي في حالة ركود، على الرغم من أن هذه الأهداف تبدو متضاربة وغير قابلة للتحقق على نحو متزامن.

———————————

إيران وقلق الوجود زيارة بايدن للمنطقة/ حسن فحص

ستؤسس لمسار سياسي وأمني وعسكري لن يكون في مصلحة مشروع طهران الإقليمي 

الإشارات التي تضمنها كلام وزير الخارجية الإيرانية حسين أمير عبداللهيان خلال الاتصال الهاتفي الذي أجرها قبل أيام مع نظيره الإماراتي الشيخ عبدالله بن زايد، تكشف عن حجم القلق لدى القيادة الإيرانية من مآلات اللقاء المرتقب الذي سيجريه الرئيس الأميركي جو بايدن مع قادة دول المنطقة العربية (دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن والعراق) في العاصمة السعودية الرياض قريباً، خصوصاً ما يتعلق بالأجندة التي وضعتها الإدارة الأميركية والمرتبطة بالعمل على توفير منظومة إقليمية لتوفير الأمن، تبعد من إسرائيل الخطر والتهديد الإيراني.

أبرز محطات الوزير الإيراني في حديثه مع نظيره الإماراتي تمحورت حول مستقبل أمن المنطقة وأن “التدخل الأجنبي يزعزع الاستقرار”، واصفاً الوجود الإسرائيلي فيها بـ “المزعزع للأمن وعامل إرهاب وتخريب”، وهي مواقف تكشف عن منسوب المخاوف الإيرانية المرتفع من تداعيات المشروع أو الرؤية الأميركية المستقبلية التي سيحاول الرئيس الأميركي ترتبيها خلال زيارته المرتقبة.

لم تكن تصريحات وزير الخارجية الأميركية كولن باول في سبتمبر (أيلول) 2002 عن “الشرق الأوسط الكبير” مجرد زلة لسان أو محطة عابرة في الرؤية الأميركية لمشاريع الحل لأزمات هذه المنطقة، بل شكلت استراتيجية واضحة للإدارة الأميركية تقوم على ضرورة إحداث تغييرات جذرية في الشرق الأوسط من بوابة تعزيز الديمقراطية.

وعلى الرغم من اصطدام رؤية واشنطن بعوائق تتعلق بالدول الحليفة لها في المنقطة، لما تفتحه من باب واسع أمام تغييرات جذرية قد تدخل المنطقة في صراعات مفتوحة على جميع الاحتمالات، خصوصاً فقدان الأمن والاستقرار، فإن النظام الإيراني اعتبر نفسه المستهدف الرئيس في هذه الاستراتيجية الأميركية الجديدة، بخاصة أن واشنطن كانت تضع مسألة السعي أو العمل للقضاء على النظام الإيراني كأحد خياراتها الأساس.

ما كشف عنه الوزير الأميركي باول بداية دفع النظام الإيراني لاستنفار ما يملكه من أدوات لمواجهة هذا المخطط الذي يضعه في “عين الاستهداف والعاصفة”، مستفيداً من وجود الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي على رأس السلطة التنفيذية، من خلال محاولة تسويق مشروع مقابل أو مضاد تحت عنوان “الشرق الأوسط الإسلامي”، ويقوم على توظيف حال الانفتاح التي حققتها إيران على الخارج، وتحديداً باتجاه دول الجوار العربي ودول الخليج خصوصاً، لبناء منظومة إقليمية تكون طهران صاحبة الدور والتأثير الأبرز فيها.

في دردشة مع نائب رئيس الجمهورية نجف قلي حبيبي، حدثني حينها عن ضرورة أن تعمل إيران على بلورة هذه الرؤية أو المشروع الذي طرحه خاتمي وتبناه المرشد الأعلى بالتعاون مع الدول العربية والإسلامية لمواجهة المشروع الأميركي، بخاصة أن الخطر الذي يتهدد استقرار دول المنطقة وحجم التحديات العملية والسياسية ازداد بشكل واضح بعد التدخل العسكري الأميركي في العراق واحتلاله، وبالتالي وحسب رؤية قلي حبيبي، لا بد من العمل على منع دخول المنطقة في “العصر الإسرائيلي”.

المواجهة الإيرانية – الأميركية لم تقف عند البعد النظري، إذ دخلت مرحلة المواجهة المباشرة بعد احتلال العراق من خلال اعتماد النظام على استراتيجية تحول العراق إلى مستنقع أمني وعسكري، وإغراق واشنطن في وحوله وقطع الطريق على أهدافها اللاحقة سواء في إيران أو سوريا، بالتوازي مع محاولة توظيف تداعيات الكشف عن الأنشطة النووية لإيران، التي كانت تتم بعيداً من أعين الرقابة الدولية.

القراءة الإيرانية للأحداث التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط، سواء حرب “تموز 2006” في لبنان التي نشبت بين تل أبيب وحزب الله حليف طهران على الساحة اللبنانية، أو الانتفاضات الشعبية التي شهدتها بعض الدول العربية، لم تخرج عن اعتبارها أحداثاً تهدف إلى بلورة الاستراتيجية والرؤية الأميركية القائمة على هدفين، الأول محاصرة النظام الإيراني والعمل للقضاء عليه، خصوصاً في الحال السورية، والثاني فرض تغييرات بالقوة في البنية السياسية لدول المنطقة وأنظمتها تحت عنوان “نشر الديمقراطية”، وقد عزز هذه القراءة المواقف المعلنة للإدارة الأميركية التي عبرت عنها العام 2006 وزيرة الخارجية الأميركية كونداليزا رايس بوصفها لنتائج حرب لبنان بأنها ستنتهي إلى ولادة “شرق أوسط جديد”، في حين حاولت طهران الترويج لمفهوم “النهضة الإسلامية” في مواجهة مفهوم “الربيع العربي”، الذي تبنته واشنطن كأحد أبرز مخرجات الانتفاضات العربية.

ما لم تعترف به طهران من أهداف تشكل خلفية صراعها مع الولايات المتحدة، هو حقيقة هذا الصراع وأنه واجهة لمعركة محتدمة بينها وبين إسرائيل لتكريس نفوذها ودورها في المنطقة، حتى وإن كان على حساب أمن واستقرار دول الإقليم، وضرب مفهوم الجوار المستقر والمتعاون، وهي الحقيقة التي شكلت الدافع والمحرك لعمل وأنشطة “قوة القدس” التي تمثل الذراع الإقليمي للنظام، وشكلت المظلة السياسية لما مارسته من أدوار في لبنان وسوريا والعراق واليمن، بعد أن أسبغت عليه طابعاً أو بعداً أيديولوجياً وعقائدياً ينسجم مع الطبيعة التي يقوم عليها النظام.

ومع الخطوة المتقدمة التي قام بها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، إن كان في الانسحاب من الاتفاق النووي الذي لم يفلح في كبح طموحات طهران الإقليمية، أو في مشروع “السلام الإبراهيمي” بين إسرائيل ودولة الإمارات ومملكة البحرين، ارتفع إحساس النظام الإيراني بحجم الخطر والتحديات التي تتجمع في الإقليم لمواجهة مشروعه التوسعي، خصوصاً بعد خسارته رأس مشروعه وذراعه الإقليمي باغتيال قائد قوة القدس قاسم سليماني، الذي جرت معه انتكاسات واضحة على مساحات النفوذ، وضعته في مواجهة مكشوفة مع تل أبيب، ولم تفلح محاولة إعادة إحياء الاتفاق النووي مع الإدارة الجديدة للبيت الأبيض بقيادة بايدن في الحد من تصاعدها.

وعلى الرغم من حجم التوظيفات البشرية والسياسية والعسكرية والمالية والاقتصادية التي قام بها النظام الإيراني في الإقليم لمواجهة الرؤية الأميركية لمستقبل الشرق الأوسط، وعلى الرغم أيضاً من الرهان على تراجع اهتمام واشنطن بهذه المنطقة، يبدو أن النظام الإيراني وجد نفسه أمام خطوات عملية بدأت تتبلور على أرض الواقع في إطار ما سمي سابقاً “الشرق الأوسط الجديد أو الكبير”، وهذه المرة على حساب مشروعه بشكل واضح، وأنه بات مجبراً على الدخول في تسويات وتفاهمات تخفف تسارع حصاره وعزله وإضعاف نفوذه ودوره في هذه المنطقة، لحساب منظومة جديدة لن يستطيع اختصارها بجهة واحدة وتحييد فاعلين آخرين.

هذه الحقائق تشكل الخلفية الكامنة وراء مواقف طهران من “قمة الرياض” المرتقبة، وأنها لن تكون قادرة على منع تداعياتها، لأنها وإن لم تتوصل إلى نتائج مباشرة فإنها ستؤسس لمسار سياسي وأمني وعسكري في المنطقة لن يكون في مصلحة مشروعها الإقليمي.

اندبندنت عربية

—————————

إدارة بايدن تكتشف إيران.. بخجل!/ خيرالله خيرالله

لا تزال “الجمهوريّة الإسلاميّة” في إيران تأمل بالاستفادة من التطورات ذات الطابع الدراماتيكي التي يشهدها العالم في ضوء حرب أوكرانيا التي خلقت ازمة في مجال الطاقة. تعتقد أنّ الوقت يعمل لمصلحتها. لا تزال ترفض أخذ العلم بأنّ ليس في استطاعتها لعب أدوار أكبر من حجمها وأنها لا تمتلك نموذجا صالحا للتصدير في أيّ مجال من المجالات، حتّى في الداخل الإيراني نفسه، وذلك منذ قلب نظام الشاه في العام 1979.

في تلك السنة المفصليّة التي مرت فيها المنطقة والعالم، قام في ايران نظام جديد قائم على نظريّة “الوليّ الفقيه”.  تحوّل هذا النظام مع مرور الوقت إلى نظام “الحرس الثوري”. هل تبدو إدارة جو بايدن مستعدة للتعايش مع “الحرس الثوري”؟ هل مسموح لـ”الحرس الثوري” التحكّم بالمنطقة مباشرة أو عبر ميليشياته المذهبيّة المنتشرة في العراق وسوريا ولبنان واليمن؟

ما لا بدّ من ملاحظته قبل أسابيع قليلة من توجه الرئيس جو بايدن إلى المملكة العربيّة السعوديّة أنّ الإدارة الأميركية بدأت تكتشف إيران، وإن بخجل، وبدأت تدرك أنّه يستحيل عليها، في ضوء ما يمرّ فيه العالم، السير في النهج الذي سارت عليه الإدارات السابقة، بما في ذلك إدارة باراك أوباما التي كان فيها بايدن نائبا للرئيس طوال ثماني سنوات.

انتقلت من مرحلة استرضاء إيران إلى ما يمكن وصفه بنقلة في اتجاه الحدّ من طموحاتها ووضعها في حجمها الطبيعي. يحصل ذلك في ضوء انتقالها من مرحلة تجاهل دول الخليج العربي… إلى مرحلة الدخول في حوار استراتيجي معها. فرضت هذا الحوار حاجة العالم إلى الطاقة. اكتشف بايدن أنّه في حال كان مهتما فعلا بعلاقة جديدة في مستوى مختلف مع حلفائه في الخليج والمنطقة، علاقة تأخذ في الاعتبار التغيّرات التي يشهدها الشرق الأوسط والخليج والعالم، يبدو مهمّا التخلّص بادئ ذي بدء من التفكير الساذج لإدارة باراك أوباما. لا مجال لوضع أسس لعلاقة جديدة مع السعوديّة ودول المنطقة من دون التخلّص من تركة أوباما.

يعني التخلص من التفكير الساذج لإدارة أوباما، الذي اختزل مشاكل المنطقة كلّها وأزماتها بالملفّ النووي الإيراني، السعي إلى فهم ما هو  نظام “الجمهوريّة الإسلاميّة” على حقيقته. من أجل فهم هذا النظام ومشروعه التوسّعي على حقيقته، ليس كافيا النظر اليه من زاوية الاتفاق النووي. لا بدّ من النظر إليه من زاوية أوسع تشمل سلوك هذا النظام خارج حدوده. في أساس هذا السلوك رفعه شعار “تصدير الثورة”. وهو شعار جرى تطويره مع مرور الوقت لتصبح لديه أدوات خاصة به لا تقتصر على الميليشيات المذهبيّة التابعة لـ”الحرس الثوري” فحسب، بل صار أيضا من بين هذه الأدوات الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة التي استخدمت في غير بلد في المنطقة… واستخدمت في ضرب منشآت نفطيّة سعودية في خريف العام 2019.

ما لا بدّ من ملاحظته قبل توجه الرئيس بايدن إلى السعوديّة أنّ الإدارة الأميركية بدأت تكتشف إيران وبدأت تدرك أنّه يستحيل عليها السير في النهج الذي سارت عليه الإدارات السابقة

يُفترض أن تكون لدى إدارة بايدن القدرة على تطوير مقاربتها للعلاقة مع إيران وذلك منذ سقوط شاه إيران في العام 1979 وقيام نظام “الجمهوريّة الإسلاميّة” الذي أسسه آية الله الخميني. لم تكن لدى الخميني حسابات يريد تصفيتها مع شاه إيران فقط، أي مع الإيرانيين أنفسهم. أراد الخميني تصفية حساباته مع دول المنطقة العربيّة كالعراق، خصوصا، ودول الخليج. في مقدم هذه الدول الخليجية تأتي المملكة العربيّة السعوديّة التي سعت منذ البداية إلى إقامة علاقات تعاون طبيعية مع “الجمهوريّة الإسلاميّة” ولكن من دون نتائج إيجابيّة تذكر. هل يستطيع الرئيس الأميركي في المرحلة الراهنة بالذات استيعاب خطورة تحوّل جزء من اليمن قاعدة للصواريخ والمسيّرات الإيرانيّة؟

توجد حاجة إلى نقطة انطلاق مختلفة للسياسة الأميركية تجاه المنطقة كلّها في عالم غيّرته الحرب الروسيّة على أوكرانيا تغييرا كلّيا. لا يمكن لنقطة الانطلاق هذه أن تكون أسيرة عقدة اسمها إدارة دونالد ترامب التي مزقت الاتفاق النووي مع إيران في العام 2018. ليس كلّ ما فعلته إدارة ترامب سيئا. لم تقدم تلك الإدارة على تمزيق الاتفاق النووي إلّا بعد اكتشافها أنّ إيران استغلت الاتفاق بهدف محدّد. يتمثّل هذا الهدف في التوسع أكثر في المنطقة عبر تمويل ميليشياتها. يكفي أن تتعلّم إدارة بايدن من درس مسارعتها إلى رفع الحوثيين في اليمن عن قائمة الإرهاب للتأكّد من غياب أيّ جدوى من استرضاء إيران والرضوخ لشروطها كما فعل باراك أوباما. تجاهل أوباما وجود “خط أحمر” وضعه أمام النظام السوري عندما استخدم الأخير السلاح الكيمياوي في الحرب التي يشنها على الشعب السوري في آب – أغسطس من العام 2013. نسي “الخط الأحمر” الذي تحدث عنه بنفسه كي لا يزعج “الجمهوريّة الإسلاميّة”. صار، وقتذاك، يرى كلّ الألوان باستثناء الأحمر!

مقاربة جديدة أم لا، ذلك هو السؤال الذي لا مفرّ من طرحه قبل مجيء بايدن إلى السعودية بحثا عن تفاهم جديد مع المملكة ولد من الحاجة إلى النفط. مثلما أعاد الرئيس الأميركي اكتشاف أهمّية السعوديّة ومنطقة الخليج، يبدو أنّ عليه اكتشاف إيران وما تفعله في المنطقة منذ 1979 بدل الاتكال على خبرة شخص معجب بإيران مثل روب مالي المسؤول عن ملفّ “الجمهوريّة الإسلاميّة” في الإدارة!

أيّ جو بايدن ستستقبله السعوديّة التي تمرّ حاليا بتحوّلات كبيرة لم تشهد مثيلا لها منذ أيام الملك عبدالعزيز؟ أيّ جو بايدن سيتعاطى مع قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربيّة ومع الملك عبدالله الثاني والرئيس عبدالفتاح السيسي ورئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي… هذا إذا تمكن الكاظمي من حضور اللقاء المقرر مع بايدن في السعوديّة؟

ستكون زيارة الرئيس الأميركي إلى السعودية في غاية الأهمّية، لا لشيء سوى لأنها دليل على تحول أميركي مبني على اكتشاف واشنطن أخيرا أن استرضاء إيران هو الطريق الأقرب إلى حال من اللااستقرار في الخليج والشرق الأوسط…

إعلامي لبناني

العرب

————————-

تطبيع الأسد وصمت نصرالله!

الموضوع المفضّل في طهران، وتالياً في الضاحية الجنوبية لبيروت، هو الحديث عن التطبيع الجاري عربياً مع إسرائيل عموماً، و”شبهة” التحضير له بين السعودية والدولة العبرية. لكنّ هناك صمتاً مطبقاً يلفّ “حزب الله” حيال رياح الانفتاح التي هبّت بقوة قبل أيام بين رئيس النظام السوري بشار الأسد وبين محور التطبيع.

عشيّة وصول الرئيس الأميركي جو بايدن الى المنطقة في جولة ستقوده الى الرياض للمرة الأولى منذ انتخابه رئيساً للولايات المتحدة عام 2020، اختار موقع “العهد” الإخباري الإلكتروني التابع للحزب عنواناً لهذه الجولة هو “خارطة طريق أميركية عنوانها التطبيع في المنطقة”. وأورد مقالاً تحت هذا العنوان جاء فيه: “يعمل البيت الأبيض على “خارطة طريق للتطبيع” بين الكيان الصهيوني والسعودية قبل زيارة الرئيس بايدن إلى الشرق الأوسط الشهر المقبل”. لكن هذا التحليل ينتهي الى القول “إنَّ البيت الأبيض يعتقد أن أيَّ خريطة طريق للتطبيع ستستغرق وقتاً وستكون عملية طويلة الأمد. ووصف مصدر ثانٍ مطلع على الأمر الاستراتيجية بأنها نهج تدريجي”.

في المقابل، شهدت دمشق في العشرين من الجاري، عودة العلاقات الديبلوماسية بين سوريا والبحرين الى طبيعتها. وجاء ذلك في خطوة متقدّمة نحو إنهاء قطيعة العالم العربي مع النظام السوري، إثر اندلاع الاحتجاجات الشعبية في سوريا عام 2011 التي تعامل معها النظام بوحشية غير مسبوقة أدّت إلى مقتل الألوف من المواطنين وتشريد الملايين منهم في داخل سوريا والى خارجها (لبنان نال حصّة تبلغ مليوناً ونصف مليون نازح من سوريا).

هل غيّر نظام الأسد سلوكه الوحشي، كي تعود المياه الى مجاريها بينه وبين العالم العربي؟

يقدّم أكرم البنّي، الكاتب السوري المعارض، في مقاله الأخير في “الشرق الأوسط” جواباً جاء فيه: “كان ثمة حلم لدى السوريين أن ينتهي الصراع الدموي بصورة ترضي جميع الأطراف وتحقق أبسط المطالب التي ثاروا من أجلها، كان ثمة أمل بألا يعزز عناد المصالح الضيّقة والروح الأنانية وقائع وتوازنات تستهتر بأوضاعهم وتكرّس استعصاء أزمتهم، لكن أملهم خاب وحلمهم انطفأ، وباتوا يفقدون، يوماً بعد يوم، أبسط تطلعاتهم نحو الخلاص…”.

بعد 11 عاماً على انحدار سوريا الى الانهيار والتفكك، لم يغيّر نظام الأسد حرفاً في سلوكه البربري لكن سوريا التي يعرفها العالم لم تعد كما كانت قبل عام 2011. وفي هذه الأعوام الـ11 تغيّر العالم العربي الذي نعرفه، بعد انتهاء فترة العداء بين إسرائيل وعدد من الأقطار العربية بينها البحرين. وقد ازدادت لائحة الدول العربية التي عقدت معاهدات سلام مع إسرائيل بحيث باتت تشكل الأكثرية الساحقة في جامعة الدول العربية.

وهكذا عادت العلاقات الديبلوماسية بين دمشق والمنامة بعدما أصبحت علاقات الأخيرة كاملة بينها وبين إسرائيل. لكن النظام السوري أظهر كل الحفاوة عندما كان الرئيس بشار الأسد يتسلّم أوراق اعتماد وحيد مبارك سيّار سفيراً مفوّضاً وفوق العادة لبلده لدى سوريا.

في المقابل، التزم الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله الصمت. فماذا لو تكلّم؟

———————————–

منطقتنا التي تُعاد صياغة العلاقات فيها/ زياد ماجد

تجري منذ أشهر إعادة صياغة العلاقات في منطقة «الشرق الأوسط» ارتباطاً بالحرب الروسية على أوكرانيا، وبإعادة التموضع الأمريكي دولياً، وبالاستراتيجيا الاقتصادية الصينية، وبتنافس القوى الإقليمية، إيران وتركيا وإسرائيل ودول الخليج العربي، وبمحاولة مصر لعب أدوارٍ تتيحها جغرافيتها وتاريخها.

وإذا كان من المبكر تقييم ما يجري أو صياغة خلاصات حول مؤدّياته المحتملة، فإنه من الممكن تسجيل ملاحظات ستّ حوله أو حول المعطيات المرتبطة به.

الملاحظة الأولى ترتبط بانعكاسات الحرب الروسية الأوكرانية التي ستدخل شهرها الخامس. فالأخيرة ظهَّرت في بداياتها تبدّلاً في خريطة الولاءات بحيث بدت أكثر الأنظمة في المنطقة ميّالةً إلى موسكو، بما فيها تلك الموالية تاريخياً للولايات المتحدة الأمريكية. ولعلّ الأنظمة تلك كانت تريد إفهام واشنطن غضبها من تفاوضها مع إيران وتراجعها عن سياسات ترامب وانتقاداتها الحقوقية الموجّهة لبعض الحكومات. وهي ظنّت أن بوتين سيحرز نصراً سريعاً يعزّز مكانة روسيا الدولية، المُستعادة جزئياً نتيجة حروب الكرملين في جورجيا وأوكرانيا نفسها وسوريا، ونتيجة تدخّلاته عبر مرتزقة «فاغنر» في ليبيا وعدد من الدول الأفريقية، بما يجعلها تضغط على الأمريكيين بعلاقاتها المتحسّنة مع موسكو. غير أن استمرار الحرب واحتمال استدامتها، إضافة إلى حجم العقوبات الغربية على روسيا وأثر ذلك على سياسات الطاقة والنقل والاقتصاد عامة والعلاقة بأوروبا، وهجوم واشنطن الديبلوماسي ودعمها الأوكرانيين بالأسلحة النوعيّة بدأت تُرجع الأمور إلى ما كانت عليه قبل 24 شباط/ فبراير الماضي، ولَو مع حذر وانتظار لما سيُقدم عليه الأمريكيون وما سيعلِنون عنه تباعاً في جولات مسؤوليهم المقبلة في المنطقة.

الملاحظة الثانية أن واشنطن التي أسقطت معظم ملفات الشرق الأوسط من أولوياتها الخارجية منذ أكثر من عقد من الزمن، باستثناء الملف النووي الإيراني، باشرت إعادة النظر في بعض مقارباتها، لا سيّما تجاه دول الخليج لأسباب اقتصادية وعلى تماس بموضوع الطاقة، ولأسباب استراتيجية مرحلية متعلّقة بالحدّ من التقدم الصيني ووقف التقارب مع روسيا والحاجة للقواعد العسكرية. والأرجح أن تعثّر الاتفاق الأمريكي مع إيران ساهم في تحقيق هذه العودة الخليجية، وأن المقاربة الأمريكية الجديدة تُبقي على التعامل الحذِر مع بعض الملفّات (كالملف العراقي)، وتتجنّب التعامل مع ملفّات أخرى – مرحلياً على الأقل – كالملفين الفلسطيني واللبناني مع اكتفاء بمطالبة إسرائيل بتجنّب «التصعيد» مع طهران وحلفائها. أما في سوريا، فيبدو أن صيغة المحافظة على عقوبات «قيصر» والانتشار العسكري لمراقبة الحدود مع العراق ومواصلة الحرب على بقايا «داعش» ومنع الحلول المفروضة روسياً من دون طرح البدائل الجدّية، هي الصيغة التي لن تتبدّل كثيراً.

الملاحظة الثالثة أن القوى الإقليمية الرئيسية تُعيد ترتيب علاقاتها في المنطقة لقطف ثمار المتغيّرات الدولية أو الحدّ من أضرارها. فتركيا التي استفادت من حرب روسيا على أوكرانيا لتبيع طائرات «بيرقدار» الاستثنائية الفاعلية للثانية وتُبقي قنوات الديبلوماسية قائمة مع الأولى وتستثمر موقعها على مدخل البحر الأسود وفي عضوية حلف شمالي الأطلسي للتوسّط من ناحية ولابتزاز الأوروبيين مقابل تخلّي بعضهم عن دعم التنظيمات الكردية من ناحية ثانية، صالحت إسرائيل بعد طول انقطاع، واستمرّت في التعامل مالياً وتجارياً مع إيران، وتصالحت الآن مع السعودية (وإلى حدّ ما مع مصر) وقلّصت التوتّر مع الإمارات وكرّست حضورها في ليبيا. وهي تحاول التوسّع العسكري في سوريا بحجّة تأمين عودة للاجئين إلى المناطق التي تسيطر عليها قواتها. ومصر تريد من جهتها استعادة أدوار ديبلوماسية خسرتها في الماضي، إن بين الفلسطينيين والإسرائيليين، أو في الصلة مع الشأن الليبي أو في ما خصّ العلاقة مع السودان والتوتّرات المستمرة مع إثيوبيا بسبب نهر النيل. أما السعودية، فنجح وليّ عهدها في طيّ صفحة اغتيال الصحافي الخاشقجي في إسطنبول عبر تطبيع فرنسا وأمريكا وتركيا الآن معه. وتراجعت حدّة حربه في اليمن بما يترك له إمكانيات تفاوضية في البلد المقسّم والمنكوب. كما تحسّنت علاقات الرياض بالدوحة، في حين تراجع التحالف مع الإمارات التي صارت أقرب إلى الانفراد في سياساتها في المنطقة ودعمها لأنظمة وجماعات في اليمن والسودان ودول شمال أفريقيا، إضافة إلى تطبيعها المتسارع مع إسرائيل والنظام السوري.

إيران من جهتها تستمرّ في السعي للمحافظة على مواقع نفوذها في العراق ولبنان واليمن وتعمل على تمتينه في سوريا على حساب حليفتها روسيا (التي تعيد الانتشار وتنظيم وجودها العسكري ربطاً بالحرب في أوكرانيا). كما تعمل عبر إعلان استمرار التطوير في برنامجها النووي رغم التخريب الإسرائيلي والاغتيالات إظهار تصميمها على عدم التنازل أو الإذعان للشروط الغربية في المفاوضات، مراهنةً على الوقت وعلى ما تعدّه استحالة الحرب الشاملة ضدها.

الملاحظة الرابعة أن أوروبا التي كانت تحاول خطّ نهج سياسي في المنطقة يزاوج بين حماية المصالح الاقتصادية والمحافظة على التوازنات السياسية بين محاور التنافس أو التصارع الإقليمي، صارت اليوم مهجوسة حصراً بتأمين خطوط إمدادٍ لها بالطاقة تعوّض جانباً من النقص في الإمدادات الروسية، ومهجوسة أيضاً بسبل ضبط الحدود المتوسطّية لمنع وصول المزيد من اللاجئين إلى القارة الأوروبية. وما ذُكر يجعلها بلا شكّ عرضة لضغوط كثيرة ويدفعها لغض النظر عن ممارسات ستكتفي مفوضيّات حقوق الإنسان في رفع الصوت لإدانتها، دون تبعات. ولن يقتصر الأمر على إسرائيل في هذا السياق وعلى جرائمها في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بل أيضاً على معظم الأنظمة العربية (المعنية بالطاقة وضبط الحدود).

الملاحظة الخامسة أن الصين التي لم تُبدِ في المنطقة في السابق أكثر من الاهتمام الاقتصادي، تبادلاً تجارياً وشراءً للنفط، باتت اليوم مقبلة على أدوار وساطة سياسية تريد تأديتها في دول أفريقية على تماس مباشر مع الشرق الأوسط (في إثيوبيا وجنوب السودان أو في مناطق جنوب الصحراء). وهي صارت تسعى علناً لتوظيف علاقاتها الاقتصادية من أجل تقوية حضورها السياسي، ليس كحليف للدول بديلٍ عن أمريكا أو محتلٍ موقعاً قد تخسره روسيا مع الوقت، بل كقطبٍ عالمي قادر على التكيّف مع جميع التحوّلات بمعزل عمّا يقوم به منافسوه أو حلفاؤه أو خصومه.

والملاحظة الأخيرة أن الكلام المتزايد عن الاستقرار والأمن والغذاء أطاح بما طغى لسنوات بعد الثورات العربية العام 2011، وقبل هزيمتها على يد الثورات المضادة والتدخّلات الخارجية، أي الكلام حول الديمقراطية والعدالة وحقوق الإنسان. وهذا سيكون، إن لم يُعمل عبر الشبكات الحقوقية الدولية والأوروبية والإقليمية على التصدّي له، مدعاة تحصين مرحليّ لمرتكبي التجاوزات والانتهاكات الكثيرة.

الأرجح إذاً أننا أمام حقبة يُعاد فيها تشكيل العلاقات وتبنّي الأولويات، وأننا أمام توازنات جديدة تريد دول ومحاور إرساءها أو الاستفادة منها لبسط هيمنة أو طغيان أو الدفاع عن مصالح، في انتظار انتهاء الحرب الأوكرانية واتّضاح صورة العلاقات الدولية المقبلة واحتمالات الاشتباك الاقتصادي الأمريكي الصيني التي قد تتصدّر ملامحها.

*كاتب وأكاديمي لبناني

القدس العربي

———————————————–

=========================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى