سياسة

اقتتال الفصائل في شمال سوريا… جذور الصراع مكاسب مالية/ عمار جلّو

توقفت الاشتباكات الدائرة بين فصائل “الجيش الوطني” في الشمال السوري، مع مؤشرات توحي بالتوصل إلى اتفاق يقضي بعودة الوضع إلى ما كان عليه سابقاً.

واندلعت اشتباكات عنيفة يوم الأحد، بين حركة أحرار الشام والفيلق الثالث (الجبهة الشامية)، في قريتي عبلة وتل بطال على أطراف مدينة الباب في ريف حلب الشرقي، مع أنباء تتحدث عن وقوع قتلى وجرحى وجملة من الاعتقالات، وذلك بعد انشقاق فصيل تابع لـ”أحرار الشام” (الفرقة 32/ القطاع الشرقي)، عن الفيلق الثالث التابع للجيش الوطني.

ومع توسّع الاشتباكات بين فصيلي “الجبهة الشامية” و”أحرار الشام”، طلبت الأخيرة مؤازرةً من “هيئة تحرير الشام”، والتي دخلت منطقة عفرين، والمعروفة فصائلياً بمنطقة غصن الزيتون، للمرة الأولى مما يحيله البعض إلى نوايا مبيتة من هيئة تحرير الشام، النصرة سابقاً.

هذا الواقع، دفع “المجلس الإسلامي السوري”، إلى إصدار بيان يدعو فيه إلى الوقوف في وجه “هيئة تحرير الشام”، وقال: “إن التحرّك العسكريّ لهيئة تحرير الشام نحو مناطق الجيش الوطني في الشمال السوري المحرر يُعد بغياً محرماً شرعاً بشكل قطعي”، وناشد عناصر هيئة تحرير الشام “ألا يكونوا بغاةً ولا جزءاً من هذا العدوان”.

ورأى المجلس أن “صد عدوان الهيئة واجبٌ شرعاً على مكونات الجيش الوطني جميعاً، قادةً وعناصر”، وطالب جميع أطراف القتال بالالتزام بقرارات “لجنة الإصلاح الوطني”، مشيراً إلى أن “عدم قبول البعض بقرارات اللجنة أدى إلى ما حصل”.

في هذا الوقت، تستمر حالات الاقتتال الداخلي بين فصائل المعارضة، التابعة لوزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة، ما يؤدي إلى سقوط قتلى من العسكريين والمدنيين.

جذور الصراع

في نيسان/ أبريل الماضي، اندلعت اشتباكات بين “الجبهة الشامية”، أبرز مكونات “الفيلق الثالث”، و”أحرار الشام-القاطع الشرقي”، في منطقة عولان القريبة من مدينة الباب شرق حلب.

وبعد توقف الاشتباكات صدر قرار عن “اللجنة الوطنية للإصلاح” (لجنة شكلتها تركيا لفض خلافات الفصائل)، نص على أن مقار مرابطة “الفرقة 32” التابعة للفيلق الثالث ومقاطها، تبقى تحت سيطرة قيادة الفيلق باستثناء مقار ونقاط عدة تبقى مع المجموعات المغادرة.

وتداولت بعض وسائل التواصل الاجتماعي في أيار/ مايو الفائت، معلومات عن حشود عسكرية لـ”هيئة تحرير الشام” على أطراف عفرين، لمساندة “أحرار الشام”، في حين أرسل “الجيش الوطني” تعزيزات ضخمةً إلى مدينة عفرين، تحسباً لأي هجمات قد تتعرض لها المنطقة.

يرى الكاتب السياسي زكريا ملاحفجي، أن النزاع الحاصل بين الجبهة الشامية وفصيل أحرار الشام القاطع الشرقي، “هو في الجوهر صراع بين هيئة تحرير الشام، النصرة سابقاً، وفصائل الجيش الوطني، ويستدل على ذلك بإصدار الهيئة بياناً خاصاً بالاشتباكات، بالإضافة إلى تقدمها في اتجاه معبر الغزاوية، الفاصل بين مناطق سيطرة الطرفين، والمناطق الخاضعة لسيطرة الفصائل المحسوبة على الجيش الوطني”.

وتسيطر فصائل المعارضة السورية على مناطق عفرين وريف حلب الشرقي والرقة الشمالي والحسكة الغربي، وتتبع للحكومة المؤقتة، في حين تسيطر هيئة تحرير الشام وجناحها المدني، حكومة الإنقاذ، على مدينة إدلب وريفها.

ويضيف ملاحفجي في حديثه إلى رصيف22، أن “الاشتباكات الأخيرة أظهرت بوضوح أننا ما زلنا دون مستوى العسكرية بكل شروطها ونواحيها الفنية المهنية. ولا زلنا أيضاً في دوامة السلطات المتنازعة ما بين غرب حلب وشمالها أو غرب حلب وإدلب وشمال حلب. مما يعزز الانطباع بغياب الأمن والاستقرار عن المنطقة”.

النفوذ

في غضون ذلك، أصدر “الفيلق الثالث”، بياناً اتهم فيه حسن صوفان (القائد الفعلي لحركة أحرار الشام)، بتحريض بعض مكونات “الفرقة 32” التابعة للفيلق الثالث، على الانشقاق عن الفيلق والعودة إلى صفوف الحركة.

وتُعدّ الفرقة التي انشقت عن “الفيلق الثالث”، من أبرز مكونات حركة “أحرار الشام” سابقاً، والتي اندمجت في “الجيش الوطني” بعد حلها من قبل “هيئة تحرير الشام”، في تشرين الأول/ أكتوبر 2020، وانقسمت الحركة على إثرها إلى قسمين، الأول مع حسن صوفان الذي يؤيد “هيئة تحرير الشام”، والآخر انخرط في “الجيش الوطني” بقيادة جابر علي باشا.

كل الفصائل في الشمال السوري المحرر ترغب في بسط نفوذها على حساب الفصائل الأخرى، من خلال زيادة ملاءتها المالية، بحسب الصحافي والناشط السوري سامر العاني، ويقول: “كل المعارك البينية التي تحدث ذات بُعد اقتصادي في الدرجة الأولى، ومنها المعركة الأخيرة بين الجبهة الشامية وأحرار الشام، فهدفها الأول السيطرة على معبر عبلة، بدليل أن الجبهة الشامية عندما تحركت باتجاه أحرار الشام تحركت في عبلة، وبعد إخلاء أحرار الشام لمقرّاتها والخروج من قرية عبلة إلى مدينة الباب، توقفت المعارك عند مدينة الباب، كون الجبهة الشامية سيطرت على معبر عبلة”.

ويشرح العاني في حديثه إلى رصيف22، ماهية معبر عبلة، ويقول إنه “معبر التهريب المشترك بين مناطق فصائل الجيش الوطني وميليشيات النظام، ويدرّ أموالاً طائلةً، وهو ما استنهض جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام) للتدخل لأن لها حصةً سرّاً من المعبر وكان لها طريق تهريب ما بين مناطق النظام وإدلب، من تهريب أدوية وسواها في الاتجاهين”.

الداخل والخارج

يرى فراس العلاوي، الصحافي والمحلل السوري في حديثه إلى رصيف22، أن “الاقتتال الفصائلي محكوم بعوامل داخلية وخارجية، فالعوامل الداخلية هي الخلافات داخل الفصائل ذاتها، فصحيح أن الفصائل تشكلت من تجمعات خاصة بها، ولكنها بقيت منفصلةً في تكوينها ضمن التكتل الأوسع، مما يسبب التداخل في المصالح سواء كانت ماديةً، من خلال الإشراف على المعابر، أو عسكريةً من خلال التنافس العسكري وتنازع السيطرة، وصولاً إلى الاختلافات الأيديولوجية الواضحة جداً بين جبهة النصرة وجيش الإسلام أو الاختلاف الأيديولوجي ضمن الفصيل نفسه”.

ويضيف: “كل ذلك بالإضافة إلى النزعة المناطقية ورغبة فصائل معينة في ألا تكون هناك فصائل أقوى منها في منطقتها، وصولاً إلى تنازع الشرعية ما بين الحكومتين المؤقتة والإنقاذ، ومحاولة كل منهما حصر الشرعية في إحداها أو فرض مشروعها، ما يعني بالضرورة وجود خلافات عسكرية، كون السلاح أحد أذرع المشروع لديهما، لا سيما في مناطق النفوذ المشتركة، أو على المعابر”.

يعتقد العلاوي أن الأجواء الإقليمية، ومحاولة تركيا فرض منطقة آمنة، بالإضافة إلى متغيرات القوى على الأرض، جعلت كلا الطرفين يسعيان كي يكونا القوّة التي تعتمد عليها تركيا في فرض هذه المنطقة الآمنة، وأن أحدهما الطرف المشغّل لهذا المشروع، سواءً كان أمنياً أو إدارياً أو عسكرياً أو حتى مدنياً، وهو ما أدى إلى حدوث النزاع/ الصدام. وبدوره الجانب التركي ربما يفاضل بين الطرفين ليرى أيهما الأكثر قوةً وقدرةً على تسيير المشروع”.

وقضى الاتفاق الذي تم التوصل إليه بعد الاشتباكات الأخيرة بانسحاب أرتال فصيلي “هيئة تحرير الشام” و”أحرار الشام” من المناطق التي سيطرا عليها خلال الساعات الماضية شمال غرب حلب، مقابل استرجاع “أحرار الشام” مواقعها في مدينة الباب شرق حلب.

محاصصة

ويلمح العاني إلى وجود اتفاق حول حصص المعابر تم التفاهم عليها بين الفصائل الأخرى، التي كانت لها مشكلة أيضاً مع الجبهة الشامية، مما سهل مرور أرتال هيئة تحرير الشام نتيجة الانسحابات التي قامت بها تلك الفصائل، إذ سيطرت الهيئة على معبر الغزاوية الفاصل بين مناطق الحكومتين، إثر انسحاب فيلق الشام التابع للجيش الوطني من المعبر.

وفي حين أن فصائل الجيش الوطني تمتلك حاضنةً شعبيةً أكبر مما تمتلكه هيئة تحرير الشام، بحسب العلاوي ، إلا أن الهيئة قادرة على فرض قوة عسكرية أكبر من الجيش الوطني، وهو ما يعقد المفاضلة لدى الجانب التركي، الذي يهمّه الأمن في المنطقة ويهمّه أيضاً الإدارة والقاعدة الشعبية والحاضنة الشعبية.

من جهته، يعتقد ملاحفجي، أن هيئة تحرير الشام شعرت بانكسارها في محاولة الدخول إلى المنطقة عند معبر الاقتتال الفصائلي الداخلي، ولن تتمكن من المحاولة مرةً أخرى أو في الفترة القريبة، لا سيما وأن عملها الأخير أحدث نوعاً من الصحوة في مناطق الجيش الوطني.

ولا بد من التنويه إلى محاولات رصيف22، المتعددة للتواصل مع ضباط وعسكريين مختصين أو فاعلين في الحدث لأخذ آرائهم ووجهات نظرهم، إلا أن جميعهم رفضوا التعليق إما للسلامة الشخصية أو الأزمة النفسية والإحباط الذي شكله اقتتال الفصائل المحسوبة على الثورة في الوقت التي ينتظر منها المدنيون إعادة بلداتهم وتخفيف قسوة التشرد عنهم.

رصيف 22

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى