سياسة

آليات سيطرة النظام السوري على المساعدات الأممية/ حسن الشاغل

تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة، في 19 كانون الأول 1991، القرار رقم 46/182، الذي أسّس النظام الإنساني للمساعدات، وقد دفع القرار المجتمع الدولي لتقديم المساعدة للأشخاص الأكثر احتياجاً وضعفاً في العالم، بمعنى أن يلتزم المجتمع الدولي بمساعدة الأشخاص الذين يتعرّضون للأزمات الناتجة عن الحروب، والفقر، والكوارث الطبيعية.

بعد إصدار القرار رقم 46/182 تم تأسيس آليات للاستجابات العملياتية لعمليات الأزمات الدولية، ومن الأمثلة على ذلك اللجنة الدائمة المشتركة بين الوكالات، والتي تجمع أجزاء مختلفة من الأمم المتحدة معاً من أجل استجابة منسقة للوصول إلى الأشخاص الذين يحتاجون إلى مساعدة عاجلة. كما أسفر القرار عن إنشاء مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا).

وسُن في أحد مبادئ القرار 46/182 الآتي: “ينبغي تقديم المساعدة الإنسانية بموافقة البلد المتضرر، وأن الدولة المتضررة لها الدور الأساسي في استهلال تقديم المساعدات الإنسانية وتنظيمها وتنسيقها وتنفيذها داخل أراضيها”. بما معنى أن الأمم المتحدة عندما تريد إرسال المساعدات الإنسانية أكانت مادية أو مالية إلى سوريا فيجب أن تعبر عن طريق الحكومة السورية في دمشق، ومن المعروف أن حكومة النظام ما زالت هي الحكومة المعترف فيها في الأمم المتحدة ووكالاتها، وفي المنظمات الدولية كافة.

نسعى في هذه المقالة إلى تسليط الضوء على الآليّات والطرق التي يستعملها النظام السوري للسيطرة على عمل المنظَّمات الإنسانية وتوجيهها بما يتلاءم مع مصالحه، بما في ذلك المنظَّمات التابعة للأمم المتحدة والمنظمات الدولية، وكذلك المنظَّمات السورية التي عادة ما يتمُّ تشكيلها من قبل مؤسسات النظام ووكلائه.

تشير الإحصائيات إلى أن النظام السوري حرص على احتكار المساعدات الدولية لصالحه إلى أبعد ما يمكن، ففي عامي 2012 و2013، ذهبت جميع مساعدات الأمم المتحدة التي بلغت 1.2 مليار دولار إلى دمشق مباشرة. وفي عام 2014، حيث بلغ إجمالي المساعدات الدولية للأمم المتحدة 1.2 مليار دولار، أيضاً ذهب أكثر من مليار دولار إلى وكالات الأمم المتحدة في دمشق.

وفي عام 2015 تلقت المنظمات غير الحكومية السورية العاملة عبر الحدود أقل من 1% من إجمالي ميزانية الأمم المتحدة للمساعدات المقدمة لسوريا. في الفقرة التالية نوضح أدوات النظام السوري في السيطرة على المساعدات المالية الدولية:

آلية التحكم بالمساعدات

سيطر النظام السوري بشكل محكم على ملف المساعدات الإنسانية في مناطق سيطرته والتي قدرت بـ30 مليار دولار بين 2013 – 2021، وذلك من خلال الاستغلال والتمسك بقرار الأمم المتحدة رقم 46/182، وبناءً عليه فقد فرض النظام على وكالات الأمم المتحدة أن يكون تسليم المعونات بواسطة الهلال الأحمر السوري، بعد موافقة لجنة الإغاثة العليا للحكومة السورية، مما يسمح للنظام بالتحكم فيمن يتلقى الإغاثة ومكانها وزمانها.

وبذلك يستطيع النظام التحكّم بتوزيع المساعدات المادية والمالية بما يخدم مصالحه، فقد عمل النظام على توزيع المساعدات على عناصر الجيش أو على الميليشيات، وقد ظهرت العديد من المقاطع المصورة التي تظهر أفراداً من الجيش يستخدمون منتجات تحمل شعار الأمم المتحدة. كما عمل النظام على توزيع المساعدات على مواليه فقط وفي مناطق محددة.

وتصِرُّ روسيا على أنْ يتمَّ تسليم المساعدات الإنسانية عن طريق دمشق لتمنحَ النظام السوريَّ السيطرة الكاملة على تدفق المساعدات الإنسانية بهدف الاستفادة من العائدات المالية من المساعدات، ولعرقلة أي جهود تحاول إرسال المساعدات إلى مناطق خارج سيطرة النظام. في حين يزيد النظام من أرباحه من خلال الفساد المرتبط بعملية توزيع المساعدات الإنسانية والاستيلاء عليها.

فرض الضرائب

يعمل النظام على الاستفادة بأقصى درجة من المساعدات، حيث يعمل على فرض الضرائب على مرتبات جميع موظفي الإغاثة، بما يتراوح بين 5% للموظفين المحليين إلى 20% للموظفين الدوليين. هذه الضرائب تعود بموارد مالية مقومة بالدولار على الحكومة، في وقت تعاني فيه من عدم وجود احتياطي من العملات الأجنبية في البنك المركزي، فضلاً عن حالة من الانهيار النسبي الذي يعانيه اقتصاد النظام.

استغلال فروق أسعار الصرف

يفرض النظام على المنظمات المحلية والدولية تصريف المساعدات المالية المقيمة بالدولار إلى العملة السورية والقادمة عن طريق الأمم المتحدة في البنك المركزي السوري، فضلاً على أن تُدفع الأموال اللازمة لتسيير العمليات والرواتب وشراء الأدوية والسلع والخدمات المحلية إلى البنك المركزي بالدولار وبسعر الصرف الرسمي، وهو أقل بنسبة 20 إلى 25% عن سعر السوق.

وهذا الفارق بسعر الصرف يعود بملايين الدولارات. ففي حين يبلغ سعر الصرف الرسمي للبنك المركزي حالياً 2500 ليرة سورية للدولار الأميركي، يبلغ السعر في السوق 4000 ليرة. وتفيد بعض الدراسات الدولية أنه من كل دولار مقدّم ليكون مساعدة إلى سوريا، يجني البنك المركزي ما يزيد على نصف دولار، ليحقق ما يقارب 60 مليون دولار أميركي من المساعدات في عام 2020.

استطاع النظام السوري بشكل كبير تحويل المساعدات الإنسانية إلى أداة سياسية اقتصادية تدر عليه تمويلاً مالياً، وعلاقات دولية مع وكالات الأمم المتحدة بشكل مباشر، وبالتالي، فإن المساعدات الأممية لدعم الشعب السوري لها تأثير متزايد في تعزيز الحكومة السورية سياسياً ومالياً، وهي نفس الحكومة المسؤولة عن معاناة ملايين السوريين ونفي ملايين آخرين.

وقد حذرت منظمة “هيومن رايتس ووتش” من أن وكالات الأمم المتحدة والحكومات تخاطر في التواطؤ بانتهاكات حقوق الإنسان في سوريا، من خلال ارتباطها مع النظام في تنسيق وصول المساعدات، إذ لم تضمن تلك الوكالات الدولية الشفافية والرقابة الفعالة.

نظام المساعدات الدولية يدعم ويساند النظام السوري اقتصادياً بشكل أو بآخر، عبر استغلال مجموعة من مبادئ الأمم المتحدة، تلك المبادئ لا تفرق بين دولة تحتاج إلى مساعدات إنسانية بسبب تعرضها لكوارث طبيعية، وبين نظام سياسي هو المسبّب لمعاناة الشعب السوري.

ولا بد للأمم المتحدة أن تأخذ بعين الاعتبار التوزيع السكاني السوري في نظام تقسيم المساعدات، فعلى سبيل المثال: يعيش 4 ملايين نسمة في مناطق المعارضة شمال غربي سوريا، و3.3 ملايين في مناطق سيطرة “قسد” شمال شرقي سوريا، و4 ملايين في تركيا يتلقّون مساعدات من دول الاتحاد الأوروبي بالتنسيق مع الجانب التركي، وفي لبنان أكثر من مليون، ويعيش في الأردن تقريباً 700 ألف.

بالنتيجة لا يتعدى عدد السوريين في مناطق سيطرة النظام 9.5 ملايين نسمة، ومع ذلك يتلقّى النظام أكثر من 90% من قيمة مجموع المساعدات الأممية. بالتالي فإن النظام هو المسبّب لمعاناة السوريين، ويجب أن يكون ملف المساعدات الإنسانية خارج نطاق تأثيره وسيطرته.

تلفزيون سوريا

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى