سياسة

ما الذي جرى ويجري في الشمال السوري -مقالات وتحليلات مختارة-

يتم تحديث هذا الملف دوريا، المقالات الأحدث تجدها في نهاية هذا الملف

18 تشرين الأول 2022

————————–

أنصارٌ جددٌ للجولاني بفضل عفرين/ عمر قدور

قلة فقط رأت كارثةً في اجتياح الجولاني مدينة عفرين ومعظم أريافها، والحديث هنا عن غير المتضررين مباشرة أو المنتفعين بهجوم مقاتليه، فلا صوت أصلاً لأهل عفرين، أو من تبقى منهم بعد تهجير النسبة العظمى قبيل وأثناء الاجتياح التركي. نسبة كبرى من غير المكترثين بما حدث لا ترى فرقاً يُذكر بين الجولاني ونظرائه في الفصائل المتحكمة في المنطقة، ولعل وجه الاختلاف الوحيد هو سهولة اتخاذه “لوجوده على لائحة الإرهاب الدولية” ذريعةً لاستهداف مناطق سيطرته الجديدة، وعليه هناك نسبة من المتخوفين، بينما يكسب مزيداً من الأنصار الأكراد بسبب مخاوف هؤلاء تحديداً!

الأخبار الواردة من عفرين تفيد بأن مقاتلي الجولاني أبلغوا نساء المنطقة فور اجتياحها بالتزام الحجاب، وما أشيع عن انسحاب أولئك المقاتلين بشرط مشاركة هيئة تحرير الشام “النصرة سابقاً” بإدارة المدينة يعزز من بقاء تلك التعليمات قيد التنفيذ. هذا مثلاً وجه للترحيب من قبل “أنصار” أكراد لدخول الجولاني إلى المدينة، عسى أن تكسب القضية الكردية بسبب هذه الإجراءات التعسفية تعاطفاً فعالاً من المجتمع الدولي، فيكون الجولاني قد قدّم خدمة جليلة لها. من وجهة النظر هذه، يؤيد هؤلاء الجولاني كلما ارتكب المزيد من الانتهاكات، وليس مهماً أن يدفع الثمن من تبقى من سكان عفربن فيها كرمى لغاية أسمى.

هناك أنصار للجولاني، حتى بين الأكراد، انطلاقاً من وجهة نظر ليست بالجديدة، مفادها أن تنظيماً متشدداً منضبطاً هو في المحصلة أفضل من فصائل بعيدة كلياً عن أي مفهوم للنظام، فصائل تتعيش على الفوضى التي تتيح لها ممارسة الانتهاكات اليومية بلا ضوابط. إذاً، لا مشكلة في أن يضحّي الأهالي هناك ببعض الهوامش الحياتية، من نوع التساهل في موضوع الحجاب وغض النظر عن احتساء المشروبات الكحولية، كرمى لتحقق النظام. بداعي اليأس ليس إلا، يفوز النظام المأمول من الجولاني، وتكون الفصائل الأخرى قد أدت مهمتها على أسوأ وجه بأن جعلته يفوز بالمقارنة معها، ليبقى الواجهة الأكثر انضباطاً للمقارنة بالأسد.

غير بعيد عن الذين يتوخّون غضباً أو تدخلاً دولياً ضد الجولاني بسبب اجتياحه عفرين، هناك من يرون فيه خلاصاً من الحالة المائعة التي تحكم بموجبها فصائل باسم الثورة، بينما تمارس ما يحلو لها من انتهاكات في حق السكان. الجولاني، من وجهة النظر هذه، غير محسوب على الثورة، ما سيسهل للأهالي الثورة عليه. هنا تفاؤل يستعجل أصحابه ثورة الأهالي على الإسلاميين، بعد ثورتهم على الأسد، ليكون السوريون بالثورتين قد حققوا النقلة التاريخية الموعودة بالخلاص من الاستبدادين السياسي والديني. أصحاب هذا الرأي لا يرون الواقع المزري المنهِك لسكان تلك المناطق، وإذا رأوه فمن خلال التفاؤل بأن يكون البؤس حافزاً على الثورة لا الاستكانة.

لعل أكثر ردود الأفعال هزلية هو ذلك المتخوف من وصم الثورة بالإرهاب بسبب سيطرة الجولاني على المزيد من المناطق، هو للحق مثير للسخرية إذ يفترض أصحابه أن الثورة مستمرة وأن التطرف يشكّل خطراً عليها، وهذه تخوفات عمرها يزيد عن عشر سنوات، جرى تحتها في تلك الأثناء الكثير من الأسلمة والتطرف بمسميات مختلفة. خلال تلك السنوات أيضاً، انتهت الدول الفاعلة سورياً من المفاضلة بين الأسد والإسلاميين لصالح الأول، ثم لصالح ضبط كافة الميليشيات على الأرض بقوى خارجية، بدءاً من قوات الأسد وصولاً إلى قوات الجولاني.

إن ردود الأفعال تلك، وفوقها ردود أفعال لهياكل معارضة، تؤكد على أن الجولاني كسب معركة عفرين مرات، إذا احتسبنا جميع مستويات النصر الذي تحقق له، بما فيها طريقة انسحابه منها ثم العودة بسهولة، وهي ليست المرة الأولى ولو اقتصرت المرات السابقة على توغلات أضيق. هو كسب أولاً بالسهولة التي اجتاح فيها مساحات واسعة من ريف عفرين، ثم المدينة نفسها، وصولاً إلى كفر جنة التابعة لها، لكن القريبة جداً من مدينة أعزاز، وليس معلوماً ما إذا سوّلت له نفسه اقتحام الأخيرة بخلاف الضوء الأخضر المحدد الممنوح له.

قد يُعزى نصر الجولاني الساحق إلى تعاون فصيلي الحمزات والعمشات معه، ما يُحسب له أيضاً بتمكنه من اختراق جبهة الفصائل التي يُفترض أنها مختلفة عنه أو مناوئة له، إذا كان قد فعل بقواه الذاتية. وإذ تُفسَّر قدرته على استمالة تلك الفصائل بتواطؤ تركي معه فهذا أيضاً مما يُسجَّل له، أي أن تستخدمه أنقرة لترهيب من يُفترَض أنهم أولادها المدللون، الأمر الذي يشير إلى مكانة له تعلو على مكانتهم لدى راعيهم التركي من حيث استخدامه في مهام تفوق إمكانياتهم. وحتى إذا عاد إلى الانسحاب بموجب اتفاق جديد، يُفهم أنه بقرار تركي، فهذا يختلف عن انسحاب قسري بسبب عجز عسكري؛ هو انسحاب القوي المتمكن.

الدرس الذي يسهل استخلاصه أن الجولاني قادر على اجتياح كافة المناطق الأخرى المشمولة بالنفوذ التركي، وأنه بإرادة تركية “يتعفف” عن ذلك، حتى يُطلب منه العكس. تجربة عفرين الساخنة تفيد بأن ما لم يكن قيد التفكير قبل أسبوع حدث، بل يمكن أن يجد له أنصاراً بمآرب مختلفة، ويمكن أن تُضم عفرين وأعزاز وسواهما إلى إمارة الجولاني من دون توقعات دراماتيكية، فالعالم الذي قبل به في إدلب قد لا يغصّ به في عفرين.

يتقدّم الجولاني بقوة داعميه، شأنه شأن نظرائه في سلطات الأمر الواقع الأخرى، وعدم بناء توقعات دراماتيكية على تقدمه لا يعني النظر إليه باستهتار، وهو غالباً استهتار ينطوي على قلة حساسية تجاه العالقين في “المناطق المحررة”. أهالي تلك المناطق يستحقون أولاً الأمان الذي يطيح به تقاتل “الأخوة”، ويستحقون هامشاً من الحرية في تفاصيل حياتهم يتوعد الجولاني بتضييقه أكثر مما ضيّقته الفصائل الأخرى. يستحق الأهالي هناك ألا يكونوا ضحايا تحليلاتنا قليلة الرأفة بهم، تحت زعم تحري ما هو استراتيجي، أو ما يصبّ في مصلحة تُرى أسمى من “صغائر” عيشهم. مع استبعاد هيئة تحرير الشام، يستحق الأهالي قليلاً من النظام الضروري لتنظيم شؤونهم وحفظ كراماتهم، وهو بالتأكيد غير النظام الذي تخرقه على هواها الفصائل المتحكمة، وغير ذلك الذي يتوعد به الجولاني أو ذلك الذي يتوارد إلى الأذهان كلما ذكّرتْ كلمة النظام بتنظيم الأسد.

—————————-

هل لدى “تحرير الشام” مشروع وطني؟/ عدنان علي

هيئة تحرير الشام، أحرار الشام، فيلق الشام، صقور الشام، أجناد الشام، أنصار الشام، ثوار الشام، أهل الشام، فتح الشام، غرباء الشام، جند الشام، فرسان الشام، الجبهة الشامية.. إلخ. هذه أسماء بعض الفصائل التي مرت على الثورة السورية حتى الآن.

وتأتي غزارة هذه الأسماء التي تحمل اسم “الشام”، بالرغم من أن أهل الشام، أي العاصمة دمشق، غير مشهورين بميلهم للقتال والعنف، فهم أهل مدن وتجارة، وأناس مسالمون، وسيلتهم طيب الكلام، لحل ما يواجهون من مشكلات وتحديات. وحتى الثورات والانتفاضات التي شهدتها دمشق عبر التاريخ ضد طغيان محلي، أو غاز أجنبي، كان محركها سكان ريف المدينة، وليس دمشق نفسها.

ومن المفهوم، أن اسم الشام، الذي يشير تاريخيا إلى الإقليم المكون من سوريا ولبنان وفلسطين والأردن، ويستخدم محليا للدلالة إلى العاصمة دمشق، قد يكون مغرياً وملهماً ليس للحركات والقوى الثائرة وحسب، بل أيضا للتسميات التجارية مثل شركة الشام، وأزهار الشام، وألبسة الشام، وفلافل الشام.. إلخ.

وما يدفع لاستذكار هذه الأسماء، هو القتال الذي شهده الشمال السوري مؤخرا بين فصيلين يحملان تسمية الشام، وهما “هيئة تحرير الشام” و”الجبهة الشامية” التي تشكل العمود الفقري لما يسمى الفيلق الثالث التابع لـ”الجيش الوطني السوري”.

والواقع أن معظم الفصائل ممن حملت اسم الشام، أو أسماء أخرى، إسلامية أو وطنية، أو غير ذلك، لم تحرص على تجسيد اسمها في سلوكها، لا بالمعنى الضيق أي العاصمة دمشق، ولا الأوسع، أي الإقليم الشامي، ولا حتى الوطني السوري، وكان الأمر بالنسبة لها مجرد اسم، قد يتبدل، (وكثيرا ما تبدل)، في أية لحظة، من دون أن يكون لذلك أي أثر على هوية الفصيل، وسلوكه وسياساته.

وعلى سبيل المثال، فإن “جبهة النصرة” حرصت في تسمياتها المختلفة، على استخدام اسم الشام، من اسمها الأول” جبهة النصرة لأهل الشام” ثم “جبهة فتح الشام” وصولا إلى “هيئة تحرير الشام”، لكن دون أن نلمس تبدلات عميقة في سلوك هذا الفصيل، إلا ما تمليه الضرورات البراغماتية المتصلة بالتحالفات والمصالح والرهانات المحلية والخارجية المتحولة، كما لغيره من الفصائل.

وتسعى “الهيئة” إلى طرح نفسها كصاحبة مشروع غير واضح المعالم بشقه السياسي- الوطني، لكن غاياته النفعية السياسية والاقتصادية واضحة ومفهومة، في ظل حالة التنافس على النفوذ والسيطرة بين القوى القائمة في الشمال السوري، والتي باتت تتنافس أيضا على خطب ود “الراعي التركي”، وتقديم نفسها على أنها الأكثر ملائمة لخدمة مصالح الراعي.

وفي سياق هذه التحولات، بايع زعيم التنظيم أبو محمد الجولاني تنظيم القاعدة أولا رداً على إعلان البغدادي زعيم “الدولة الإسلامية” آنذاك الوصاية على جبهة النصرة، ثم تخلى عن “القاعدة” ليعلن عن “جبهة فتح الشام” كفصيل جهادي محلي، وصولًا إلى الحديث عن خطاب محلي “وطني” مع الإعلان عن “هيئة تحرير الشام” حيث حاول تبني مفردات وأدبيات الثورة السورية وإزاحة القيادات المتشددة عن المراكز القيادية داخل صفوف التنظيم، ومن ثم الانخراط أكثر في الشأن المحلي بواجهة مدنية، عبر ما يسمى “حكومة الإنقاذ”، وكل ذلك في سياق البحث المستمر عن شرعية محلية ودولية.

واليوم فإن قيادة “الهيئة” تسعى لقطع خطوة أخرى، في معركتي اكتساب الشرعية وتوسيع النفوذ، وهما تكادان تكونان معركة واحدة، بالنسبة لها، تغذي إحداهما الأخرى، وكلما حصلت على مزيد من الشرعية، مكنها ذلك من مد نفوذها إلى مناطق جديدة، والعكس صحيح في كثير من الأحيان، لأنّ القوى المختلفة، المحلية وحتى الدولية، غالباً ما تلجأ إلى خطب ود الطرف القوي، الذي تستطيع عقد الصفقات معه، وتضمن حسن التزامه بها، خلافا للقوى المتشرذمة التي تفتقر إلى قيادة موحدة منضبطة.

والحقيقة أن “الهيئة” لم تستطع حتى الآن تقديم مشروع سياسي – إداري ينطلق من بواعث محلية وفق المقاربة التي عمدت إليها مثلا “قوات سورية الديمقراطية” (قسد) في شرق البلاد، بسبب انشغالها بالبحث عن المشروعية الخارجية، ونزع اسمها من قوائم “الإرهاب” الدولية، فضلا عن عدم إيمانها بالتشاركية مع القوى الأخرى الموجودة على الأرض، وإصرارها على الاستئثار بالسلطة والقرار، وهذا مطب وقعت فيه “قسد” أيضاً، برغم محاولاتها تصدير صورة مغايرة لذلك.

ومع هذا الارتباط الوثيق لقوة “الهيئة” ومكانتها، مع التفاهمات والتوافقات الدولية أو الخارجية، بما في ذلك البحث عن دور سياسي في مستقبل التسوية السورية، فإنها ستظل تعيش حالة “قلق” لا يستقيم معها بناء نماذج مستديمة على صعيد الإدارة والحكم، فضلا عن حالة عدم الثقة العميقة مع القوى الأخرى، والمجتمعات المحلية

تلفزيون سوريا

————————

عفرين الكرديّة… إعادة إنتاج الاحتلال/ همبرفان كوسه

ثمّة مفارقات مركّبة لما يحدث اليوم في عفرين، فالكثير من الفصائل التي تقاتل هيئة تحرير الشّام اليوم، كانت جزء منها سابقاً، قادةً وأفراد، وبعضهم كان جزء من تنظيم الدّولة الإسلاميّة “داعش”.

عناوين كثيرة تتصدّر منصّات الأخبار السورية المعارضة، منذ أيام؛ “هيئة تحرير الشام” تسيطر على عفرين، اشتباكات بين الفيلق الثالث في الجيش الوطني السوري و”هيئة تحرير الشّام”، عودة عسكرية لحركة أحرار الشّام الإسلاميّة، تقاسم مناطق نفوذ بين التنظيمات الجهاديّة في مدن وبلدات عفرين، سيناريوات وتوقّعات لتصاعد الأحداث… بين كل هذه الأخبار، يكاد لا أحد يتحدّث عن أهل المدينة، عن سكانها المهجّرين، والقلّة من أهلها الذين بقوا، ولم يحن موعد تهجيرهم بعد…

تجري العادة أن يكون الحدث الأبرز حين وقوع الصدامات العسكريّة بين الجماعات المسلّحة هو أحوال سكان المناطق التي تشهد المعارك. حوادث نزوح، وقصص مؤثّرة لمدنيين في المعارك، ومشاهد الهروب من مناطق الاشتباك الساخنة وغيرها من الأحداث. لكن هذا ما لم يحدث في عفرين، فأهل المدينة مهجرون من ديارهم، يعيشون في الخيم، بعدما تم الاستيلاء على منازلهم وأراضيهم، وبعض هذه المنازل نقاط عسكريّة أو سجون. وليست مصادفة إن رأى مهجر من خيمته منزله يهدم تحت قصف، فيما تقول الأخبار إن الاستهداف كان لمقر عسكري!

عام 2018، احتلّت تركيا وفصائل إسلاميّة سوريّة ضمن الجيش الوطني السوري، مدينة عفرين الكردية، شمال غربي سوريا. بدأت الساعات الأولى للاحتلال، بصور وفيديوات لعمليات نهب واسعة نفذها عناصر الفصائل، حتّى أُطلق على اليوم الأوّل لاحتلال المدينة “يوم الجراد”. لم يتوقّف الأمر عند هذا الحدّ، فبعد النهب، بدأت عملية تطهير عرقي وتهجير جماعي لسكّان المدينة، وتدمير المزارات الدينيّة للأيزيديين، والاستيلاء على الأراضي الزراعية ومنازل السكان الكرد، وانتهاكات بينها حوادث اغتصاب نساء وأطفال داخل السجون وقتل على الهوية وثّقتها الأمم المتّحدة، إلى فرض الدين، وغيرها من الانتهاكات وصولاً إلى بناء مستوطنات في المدينة، وتوطين غير الكرد في المدينة الكرديّة.

يكاد لا أحد يتحدّث عن أهل المدينة، عن سكانها المهجّرين، والقلّة من أهلها الذين بقوا، ولم يحن موعد تهجيرهم بعد…

ثمّة مفارقات مركّبة لما يحدث اليوم في عفرين، فالكثير من الفصائل التي تقاتل هيئة تحرير الشّام اليوم، كانت جزء منها سابقاً، قادةً وأفراد، وبعضهم كان جزء من تنظيم الدّولة الإسلاميّة “داعش”. عام 2012، هاجمت فصائل من “جبهة النصرة” مدينة سري كانييه (رأس العين) التي تحتلها تركيا اليوم، ومن ضمن ما قامت به، هو عمليات نهب المحاصيل ومنازل المدنيين. عدد كبير من الأفراد الذين كانوا في هذه العملية، انتقلوا إلى تركيا لاحقاً، وبعضهم صار لاجئاً في أوروبا، لكن كثراً منهم عادوا ودخلوا مدينة عفرين بوصفهم جزءاً من فصائل الجيش الوطني، وهم يشتبكون على تقاسم النفوذ والغنائم مع أصحاب الأمس. بدا ذلك واضحاً من خلال الانقسامات الداخليّة التي حصلت بين الفصائل المتقاتلة، والانقسام الذي حدث داخل الجيش الوطني السوري نفسه، المقسّم، اليوم، إلى فريقين؛ فريق من الفصائل يقاتل إلى جانب “هيئة تحرير الشّام”، والآخر فصائل تتقاتل معها، لكنها تتفاوض وتتفق على احتمالات إدارة المنطقة أمنيّاً.

من جهة التضامن، تبدو الأحداث مكرّرة، فعام 2018، عند احتلال مدينة عفرين، ظهرت أصوات إعلاميّة وسياسيّة سوريّة رافضة لمظاهر السرقة والنهب التي شهدتها المدينة.

ويتكرر المشهد ذاته، فالتظاهرات التي خرجت، رفضت وجود “هيئة تحرير الشام”، لكن هذا الرفض رافقه دعم وجود الاحتلال، دون التطرّق إلى الحرب التي استهدفت سكّان المدينة الكردية، ودون أدنى أشكال الاعتراف بالإبادة والتغيير الديموغرافي والاستيطان والجرائم التي حدثت. في إحدى التظاهرات رفع المنشدون شعار: “يا جولاني اسمع اسمع. هزمناك بكفر جنة”. وكفر جنة هي قرية كردية سياحيّة في مدينة عفرين، وهي واحدة، كما كل القُرى الكردية التي تعرض أهلها لأبشع أنواع الانتهاكات على يد فصائل الجيش الوطني السّوري، لكن المتظاهرين رأوا تقدّم الجولاني، وغضّوا بصرهم عن الجانب الآخر من الحقيقة، ليس ذلك فقط، بل كانت تلك الشعارات داعمة للفصائل التي ارتكبت هذه الانتهاكات. فيما كان أبرز الأحداث، هو تصاعد الخطاب الذي يرى هجوم “هيئة تحرير الشام” على مدينة عفرين وفصائل الجيش الوطني السّوري هجوماً على قوى “الثّورة” ذاتها، والخطابات التي ترفض جهاراً أي ربط بين هذه الفصائل والثورة السورية!

تالياً، لم يتغيّر شيء. الاحتلال ذاته، باختلاف الأدوات. كان الجيش الوطني السوري مسيطراً على كامل مدينة عفرين، بإسناد من الجيش التركي. سيطرت “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة) على أجزاء واسعة من المنطقة، مع بقاء الجيش التركي في مواقعه. عفرينيّاً، لم يتغيّر شيء. زادَ الطّين بلّة وحسب…

درج

—————————–

قبل الاقتتال.. خطوات خفية لوصول “تحرير الشام” إلى ريف حلب/ حسن إبراهيم

سوريا, عنب بلدي أونلاين

تصدّرت “هيئة تحرير الشام”، صاحبة النفوذ العسكري في إدلب، المشهد الميداني مؤخرًا في مناطق شمال غربي سوريا، بعد دخولها إلى ريف حلب، مناطق سيطرة “الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا.

دخول “تحرير الشام” وسيطرتها على عفرين وجنديرس وعدة بلدات وقرى بريف حلب قبل حديث عن الخروج منها باتفاق، لم يكن عبثيًا، وتجاوز مبرراتها التي تذرّعت بها للدخول، وهي أن توسّع القتال بين فصائل “الوطني” في محيط عفرين أنذر بأخطار ما دفعها للتدخل.

خطوات استباقية ولاحقة نفذتها “الهيئة” التي يتزعمها “أبو محمد الجولاني”، صدّرت الفصيل كقوة قادرة على “ضبط الأمن وإدارة المنطقة”، وروّجت للفصيل بأنه قادر على “إدارة المنطقة خدميًا”.

مؤشرات سابقة

مساء 11 من تشرين الأول الحالي، حشدت “تحرير الشام” أرتالها العسكرية بالقرب من معبري “دير بلوط” و”الغزاوية” الفاصلين بينها وبين “الجيش الوطني” لتدخل بهذه القوات مساندة لفصائل و”فرقة الحمزة” (الحمزات) التي تؤازرها “فرقة السلطان سليمان شاه” (العمشات)، ضد “الفيلق الثالث”.

وبدأت سيطرة “الهيئة” على مدن وبلدات خاضعة لـ”الجيش الوطني”، منها السيطرة على مدينة عفرين التي تحظى بموقع استراتيجي في المنطقة، في 13 من تشرين الأول، سبقتها بيوم سيطرتها على مدينة جنديرس، ثم خرج قسم من قواتها باتفاق “هدنة” مع “الفيلق الثالث”.

الباحث في معهد “واشنطن لسياسة الشرق الأدنى” آرون زيلين، المختص في شؤون الجماعات “الجهادية” بشمال إفريقيا وسوريا، ذكر أن دخول “تحرير الشام” إلى مناطق جنديرس وعفرين جاء بعد مؤشرات سابقة، منها خطاب “الجولاني” حين اجتمع مع أعضاء حكومة “الإنقاذ” المظلة السياسية لـ”الهيئة” منتصف تموز الماضي، وتحدث عن دور المؤسسات الخدمية وضرورة توسيعها.

وذكر الباحث، في 29 من آب الماضي، عبر موقع “Jihadica“، أن “هيئة تحرير الشام” كانت مهتمة بكل من جنديرس وعفرين في الأشهر الماضية، إذ بدأت “الهيئة” منذ 20 من آب مشروع إعادة تأهيل الطريق من باب الهوى إلى جنديرس وتحويله من الحصى إلى الأسفلت.

وبالنسبة لمدينة عفرين، فقد أعادت المديرية العامة للحواجز التابعة لـ”تحرير الشام”، في أيار الماضي، سيارة مسروقة من عفرين عند إحدى نقاط التفتيش التابعة لها في مدينة دارة عزة إلى صاحبها.

وتعامل “مجلس الصلح العام” (مجلس مصالحة عشائرية) التابع لـ”تحرير الشام” مع قضية مشاجرة أسفرت عن إصابة شخصين بطلقات نارية من عشيرة “الغازي” في مدينة عفرين، في 22 من آب الماضي.

ويرى الباحث زيلين أن “تحرير الشام” استخدمت بمهارة فرصًا صغيرة لإبراز نفسها بشكل أكبر في المناطق التي تديرها فصائل “الجيش الوطني”.

وخلافًا لما كانت عليه الحال سابقًا، حين استخدمت “تحرير الشام” الوسائل العسكرية فقط، فإن لديها الآن أدوات أخرى لمتابعة مصالحها، وفق زيلين، الذي يرى أن الأمر يتعلق بمشروع “بناء دولة”.

إعلام رديف يتحرك مع “الهيئة”

قبل إطلاق أي رصاصة في الاقتتال الأخير، بدأت منصات وصفحات محلية ومعرفات مقربة من “تحرير الشام” بالحديث عن حالة الفصائلية في مناطق نفوذ “الجيش الوطني”، والمقارنة مع مناطق إدلب التي تشهد قبضة أمنية تحت قيادة عسكرية تديرها “الهيئة”.

وزادت وتيرة حديث ومنشورات المنصات والمعرفات المقربة من” تحرير الشام” عن مهاجمتها الفصيل الآخر، وتوجيه اتهامات عديدة نحوه، بعضها وصل إلى حد الاتهام بالخيانة والعمالة والتطبيع مع النظام بالخفاء، وتسليم المناطق “المحررة” والارتهان للخارج، وخلق انقسام في صفوف الثورة، وإدارة عمليات التهريب عبر المعابر مع النظام و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد).

المقارنات ليست جديدة، وإنما تطفو على السطح مع كل حدث أو جريمة أو انتهاك أو حتى حالة توحد واندماج أو انشقاق، كما توجد العديد من المعرفات المقربة من “الفيلق الثالث” والتي ردت وهاجمت بدورها أيضًا.

عناصر في “لواء عثمان” التابع لـ”هيئة تحرير الشام” بمدينة عفرين في ريف حلب الشمالي- 13 تشرين الأول 2022 (إدلب بوست/ تلجرام)

القيادي العسكري في “الهيئة”، ميسر بن علي الجبوري (الهراري) المعروف بـ”أبو ماريا القحطاني”، نشر عبر معرفاته الشخصية، في 11 من تشرين الأول الحالي، وقبل دخول “تحرير الشام” إلى ريف حلب، منشورًا عن عملية اغتيال الناشط “أبو غنوم”.

وذكر أن استغلال مقتل الناشط لـ”البغي أمر مكشوف”، وقال، “متى كان جيش كعكة يحمي المدنيين”. (جيش كعكة هو “جيش الإسلام”، قالها القحطاني نسبة إلى كبير شرعيي “جيش الإسلام” ، سمير كعكة “أبو عبد الرحمن”).

وتساءل “القحطاني” عن عدد جرائم الاغتيال التي نفذها “كعكة وزبانيته” في غوطة دمشق، متهمًا إياهم بالوقوف وراء اغتيال القيادي السابق في “جيش الإسلام”، زهران علوش.

منشور القيادي العسكري في “هيئة تحرير الشام”، ميسر بن علي الجبوري (الهراري) المعروف بـ”أبو ماريا القحطاني” واتهامه “جيش الإسلام”- 11 من تشرين الأول 2022

منشور القيادي العسكري في “هيئة تحرير الشام”، ميسر بن علي الجبوري (الهراري) المعروف بـ”أبو ماريا القحطاني” واتهامه “جيش الإسلام”- 11 من تشرين الأول 2022

مهندس الاتفاقيات

العلاقات السيئة بين فصائل “الجيش الوطني” مع “الهيئة” خلال هذه الأعوام، لم تمنع خروج بعض التسريبات أو التصريحات المنقولة على لسان بعض قادة الفصائل في كلا الطرفين، والتي تحدثت عن وجود زيارات متبادلة وإمكانية تحقيق اندماج ودرء الفرقة والانقسام.

اصطفاف “العمشات” والحمزات” إلى جانب “الهيئة” خلق تحالفًا غير معهود في المنطقة، ووجّه الأنظار نحو أذرع “الجولاني” التي تشرف على ملف الاتفاقيات والتنسيق مع فصائل وجهات عديدة، أبرزها القيادي جهاد الشيخ (أبو أحمد زكور).

وكانت عنب بلدي حصلت على معلومات من عناصر في “تحرير الشام” تفيد بزيارات لقياديين من الصف الأول في الفصيل، عقدوا لقاءات في ريف حلب مع قيادات في فصائل عسكرية تتبع لـ”الجيش الوطني”، بقصد التقارب والتنسيق مع “الهيئة”.

وهو ما أكدته زيارة  “أبو أحمد زكور” إلى مدينة اعزاز بريف حلب، حيث التقى قياديين ووجهاء من المنطقة، في تموز 2021.

وفي 15 من تشرين الأول الحالي، وفي خضم المعارك، نشر “أبو ماريا القحطاني” صورة جمعته مع “أبو محمد الجولاني” و”أبو أحمد زكور”، لتفتح الحديث أمام أذرع عسكرية وعقول خططت ودبرت لدخول مناطق ريف حلب.

القيادي في “هيئة تحرير الشام” جهاد الشيخ (أبو أحمد زكور) والقائد العام لـ”الهيئة” أبو محمد الجولاني و القيادي العسكري في “تحرير الشام”، ميسر بن علي الجبوري (الهراري) المعروف بـ”أبو ماريا القحطاني”- 15 من تشرين الأول 2022 (Mayasara Bn Ali/ تويتر)

الترويج خدميًا

بعد دخول “تحرير الشام” إلى عفرين، دخلت آليات تابعة لشركة “E-Clean” (البيئة النظيفة) العاملة في مناطق إدلب إلى مدينة عفرين، وعملت على تنظيف بعض الطرق وجمع النفايات.

وتعمل الشركة وفق اتفاق مع وزارة الإدارة المحلية التابعة لحكومة “الإنقاذ”، بحسب حديث سابق لمدير مكتب العلاقات العامة في الشركة، محمد سالم، مع عنب بلدي.

ولم تنشر الشركة عبر معرفاتها الرسمية أو تتحدث عن دخول عمالها إلى مناطق عفرين، في حين أفاد مراسل عنب بلدي في عفرين بوجود عمال وآليات يحملون شعارها وينظفون الطرقات.

كما تداولت صفحات محلية صورًا على نطاق واسع عرضت توزيع شخصيات في “إدارة المنطقة الشمالية” التابعة لحكومة “الإنقاذ” مادة الخبز وبعض السلال الغذائية على عدة قرى ومخيمات النازحين في ريف عفرين.

وبحثت عنب بلدي عن الصور والمعلومة في معرفات إدارة المنطقة، لكن لم تجدها.

آلية تابعة لشركة “E-Clean” (البيئة النظيفة) في أحد شوارع مدينة عفرين بريف حلب الشمالي- 14 من تشرين الأول 2022 (عنب بلدي)

“استعراض أمني”

“جهاز الأمن العام” العامل في إدلب والمُتهم بتبعيته لـ”تحرير الشام” ويقابل الاتهامات بالنفي، أدخل أرتاله إلى مدينة عفرين بعد سيطرة “الهيئة” عليها، وتوجّه في منشوراته عبر معرفاته الرسمية إلى الأهالي، قائلًا “أنتم منا ونحن منكم”، واعدًا إياهم بأفضل معاملة، مرجعًا أسباب دخوله المنطقة لـ”حفظ الأمن وصون الأموال والأعراض والقضاء على المفسدين”.

ووضع رقمًا للشكاوى على أي عنصر من عناصر “الأمن العام”، تبعه منشور موجه إلى السكان في ريف حلب الشمالي بأن “الأمن العام” يستقبل عبر معرف “تلجرام” الشكاوى بما يخص أي اعتداء يحصل عليهم من قبل أي جهة عسكرية أو مدنية.

وقال إن “الوحدة K9” التابعة له دخلت مدينة عفرين ومشّطت الطرقات حفاظًا على سلامة السكان من العبوات الناسفة التي زرعها “الفيلق الثالث” قبل مغادرته عفرين.

وتعتبر “الوحدة K9” متخصصة بتعقب الألغام والمخدرات، وتتضمن كلابًا بوليسية عالية التدريب، سبق واستخدمتها “تحرير الشام” في معبر “باب الهوى” الحدودي مع تركيا لمنع عمليات تهريب المخدرات.

عناصر في “الوحدة K9” التابعة لـ”جهاز الأمن العام” في مدينة عفرين بريف حلب الشمالي لتعقب الألغام- 16 من تشرين الأول 2022 (الأمن العام)

المدنيون تحت الرصاص

غابت الإحصائيات الدقيقة عن الخسائر البشرية نتيجة للاشتباكات التي شهدتها المنطقة، وأعلن فريق “الدفاع المدني السوري“، في 14 من تشرين الأول الحالي، إجلاء فرقه 20 عائلة من مخيم “كويت الرحمة” قرب عفرين، إلى كتل سكنية قيد الإنشاء في مخيم بحي المحمودية بمدينة عفرين بناء على طلبهم.

كما أعلن الفريق استجابة فرقه لإسعاف عدة مصابين خلال الأيام الماضية، نتيجة الاستهدافات، دون أن يوثّق أي حالة وفاة بينهم.

وقال “الدفاع المدني”، إن فرقه تمكنت من إخماد حريق اندلع في مخيم “كورتك” للنازحين على طريق عفرين- اعزاز شمالي حلب، إثر اشتباكات بالمنطقة، في 14 من تشرين الأول الحالي.

واحترقت ست خيام بشكل كامل مع محتوياتها، وتضررت أكثر من 25 خيمة بشكل جزئي، ويضم المخيم نفسه نحو 200 عائلة مهجرة، بحسب “الدفاع المدني”، بينما لم يسفر الحريق عن أي إصابات في صفوف قاطنيه.

بدوره، أحصى فريق “منسقو استجابة سوريا” عدة انتهاكات طالت السكان المدنيين، موضحًا استهداف 11 مخيمًا في مناطق ريف حلب الشمالي والشرقي نتيجة الاشتباكات والاستهدافات العشوائية، التي تسببت بتضرر أكثر من 58 خيمة بين أضرار جزئية وكاملة.

كما نتج عن ذلك نزوح نحو ألف و600 عائلة من المخيمات، وأكثر من ألف و200 عائلة أخرى داخل المدن والبلدات، بحسب بيان للفريق في 15 من تشرين الأول الحالي.

ووثّق الفريق مقتل خمسة مدنيين وإصابة 38 شخصًا معظمهم من النساء والأطفال، نتيجة الاشتباكات والاستهداف العشوائي.

وتعتمد 85% من عائلات المناطق في شمال غربي سوريا في دخلها المادي على الأجور اليومية، وتعاني 94% من العائلات عدم القدرة الشرائية على تأمين الاحتياجات الأساسية.

ومن إجمالي السكان البالغ عددهم أربعة ملايين نسمة في المنطقة، يقدّر أن حوالي 2.7 مليون نازح يعتبرون أشخاصًا بحاجة إلى المساعدة الإنسانية، بحسب تقارير مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة (UNHCR).

عنب بلدي

——————————

هل الظروف الميدانية والسياسية والدولية تسمح لـ”الهيئة” بالسيطرة على شمالي سوريا؟/ فايز الأسمر

منذ عدة سنوات والجماهير والحاضنة الشعبية ومناطقها طالبت وما تزال تطالب وتدعو للعمل الجاد والمخلص والهادف للقضاء على حالة التشرذم والانقسامات التي تميّز الجسم العسكري للثورة، وتخطّي مرحلة المسميات والرايات الفصائلية المقيتة، وتجاوز قيادات الفصائل لعتبات المصالح الضيقة التي ووفقاً لكل المعطيات الميدانية والتقديرات كانت من أهم الأسباب التي أوصلت الثورة إلى المفترقات الخطيرة التي تعيشها وتعاني منها الآن.

وعليه فقد طالبت هذه الجماهير وقبل فوات الآوان بالعمل الحقيقي والهادف الذي يُفضي إلى انصهار الأجسام  الفصائلية واندماجها اندماجاً حقيقياً لا صورياً بجسم عسكري وطني جامع واحد، يتبع لمؤسسة عسكرية انضباطية وأركان وعمليات يقودها ضباط أكاديميون مختصون يحضرون ويخططون ويقودون الأعمال العسكرية، للوصول إلى تحقيق الأهداف المنشودة التي خرج من أجلها الشعب السوري بجميع فئاته و مكوناته، وقدّم مئات الالآف من الضحايا لأجل ذلك.

عملياً وفي فترات خلت بل وخاصة خلال الأيام القليلة الماضية، فقد أصبح الشمال والشمال الشرقي السوري اعتباراً من منطقة اعزاز ووصولاً إلى جرابلس وتل أبيض ورأس العين، الشغل الشاغل والمقلق لكثير من المكونات، ومراكز الدراسات والبحوث والمتابعين والمهتمين بالملف السوري، وذلك بسبب ما عانته وتعانيه تلك المناطق وسكّانها من الفساد المستشري وفقدان الأمن والأمان، وطغيان الجرائم الجنائية والاغتيالات للكوادر الإعلامية والأصوات الحرة والناقدة، وتفشي الموبقات وتجارة المخدرات والانتشار الواسع للسلاح المنفلت، وسهولة الحصول عليه وحمله واستخدامه دون وجود أية محددات وضوابط قانونية.

وفوق هذا كله يأتي التعصب الأعمى للعشيرة والفصيل والتبعية والعبودية العمياء (للمعلم) وأوامره ونواهيه بحق أو بدونه، بل وفوق كل هذا، كثرة الاختراقات الأمنية والتفجيرات والملغّمات والاستهدافات الإجرامية التي تطول المناطق “المحرّرة” بين الحين والآخر، إن كان من قبل ميليشيات “قسد”، أو من بقايا قطعان جيش النظام والميليشيات الإيرانية الموجودة على خطوط الفصل والتماس المباشر مع جميع المناطق التي تسيطر عليها المعارضة.

بالمتابعة وقبل عدة أيام تم استهداف الناشط الإعلامي محمد عبد اللطيف (أبو غنوم) مع زوجته الحامل، مما أدّى إلى مقتلهما، وهنا لا بد لنا أن نشير إلى أنّ “أبو غنوم” كان رحمه الله معروفاً في مدينته الباب، وفي الثورة أنه من الأشخاص الذين يتمتعون بالأخلاق الثورية الرفيعة، وقوة الموقف والكلمة والجرأة والموثوقية، إضافة إلى مشاركاته النشطة في جميع الفعاليات الثورية والوقفات الاحتجاجية، ونقل وتوثيق وانتقاد التجاوزات التي ترتكبها العديد من  الفصائل وقياداتها في مدينة الباب ومحيطها ومدن وبلدات أخرى في ريف حلب، وهذا على ما يبدو أزعج الكثيرين من قيادات المجموعات العسكرية والأمنية، التي ما لبثت أن وضعت حداً لحياته بهذه الجريمة اللاإنسانية النكراء.

لاحقاً وفي اليومين التاليين لعملية الاغتيال ومن خلال متابعة الأجهزة المختصة لتسجيلات الكاميرات، تم تحديد السيارة التي نفذت الاستهداف الغادر بحق “أبو غنوم” وزوجته، وتم التعرف إلى المشتبه فيهم، وخلال التحقيق معهم تبيّن أنهم يتبعون لمجموعة المدعو “أبو سلطان الديري” في أمنية “فرقة الحمزة”، التي تتخذ من مدرسة الزراعة في مدينة الباب مقراً أمنياً لها ولتجاوزاتها، عندما نفّذ أهالي مدينة الباب إضراباً عاماً، احتجاجاً على الاغتيال مطالبين بالقصاص العادل من قاتليه ومحاسبة قيادات “فرقة الحمزة” على هذه الجريمة البشعة، وعلى كل المخالفات والجرائم والتصفيات السابقة المرتكبة والمقيدة ضد مجهولين، واحتجاجاً أيضاً على تردّي الحالة  الأمنية والفوضى المنتشرة، وعلى تجاوزات القيادات المنشغلة بمصالحها وجيبها وحواجزها والمال وجبايته، وتفرغها واهتمامها في كل شيء، باستثناء الاهتمام بأمن وأمان المواطنين، واستقرار مناطقهم التي يسيطرون عليها عسكرياً بغير حول من أهلها ولا قوة.

لا شك أن حادثة اغتيال “أبو غنوم” كانت القشة التي ربما قصمت ظهر البعير، والشرارة التي أشعلت ورفعت العصا الغليظة على التجاوزات الفصائلية الكثيرة وحالات الفساد والفوضى الأمنية والجنائية التي أصبحت سائدة في مناطق الشمال، والتي وكما أثبتت الأحداث الدامية اللاحقة، كانت الفرصة التي تنتظرها “هيئة تحرير الشام” (المصنفة تنظيماً إرهابياً) بفارغ الصبر، وهنا لا بد لنا القول وبغض النظر عن التصنيف الدولي لـ”تحرير الشام” وأيديولوجيتها وتوجهاتها، لكنها شئنا أم أبينا هي الطرف الأقوى والأكثر وحدةً وتنظيماً وإدارة في المعادلة العسكرية السورية، فما كان من “الهيئة” إلا أن جيّرت حادثة الاغتيال لصالحها وغالباً ما حدث هذا بشكل أو بآخر وفقا لضوء أخضر وإرادة ورغبة تركية مبطنة، رغبةً منها بفرض واقع مستحدث جديد، ووضع تصوّر شامل لإدارة عسكرية وخدمية وأمنية جديدة واحدة وموحدة لمناطق شمالي سوريا، تكون “هيئة تحرير الشام” فيها على ما يبدو ودون سيطرة ميدانية حقيقية ومن وراء الحجب صاحبة اليد العسكرية والأمنية والإدارية الطولى وبيضة القبان فيها.

لذلك انطلقت أرتالها القتالية ودخلت مدينة عفرين وسيطرت عليها تقريباً من دون قتال، وانتقلت لحصار الفيلق الثالث في منطقة كفرجنة المعروفة بصعوبة تضاريسها والتي تعد بوابة حدود عفرين الإدارية مع مدينة اعزاز وعموم منطقة عملية “درع الفرات” في ريف حلب، لتدور اشتباكات دامية أدت إلى سقوط قتلى وجرحى من الطرفين وأطراف عديدة أخرى وانتهت بتوقيع اتفاقية.

ختاماً، في الواقع وخلال اليومين الماضيين تعددت الأقاويل والتأويلات والتحليلات بأن “الهيئة” دخلت عفرين وسيطرت عليها، ولن تخرج منها، وستدخل لاحقاً إلى مناطق درع الفرات في مدينة اعزاز وصولاً إلى جرابلس بهدف السيطرة على تلك المناطق وابتلاع فصائلها، ولكن وبنظرة موضوعية وبقراءة متأنية للواقع السياسي والميداني المحيط بالأحداث، سنجد أن هذه التأويلات والتحليلات بعيدة عن الواقع كلّياً، ولا يتمتع مروجوها ببعد النظر أو استقراء الأحداث والربط بينها بشكلها الصحيح، وعليه فإننا نستطيع القول أن سيطرة “هيئة تحرير الشام” المطلقة على المناطق “المحررة” في الشمال السوري مرفوضة شكلاً ربما لا مضموناً من الجانب التركي، ولن تحصل رغم عدم رضا أنقرة عن أداء وسلوك بعض الفصائل في منطقتي “غصن الزيتون ودرع الفرات”، ورغم حاجتها لقوة واحدة موحدة تتعامل معها في حال تم التوصل إلى أية تفاهمات وتسويات جديدة تخص الشمال السوري.

وبناءً عليه فلن تسمح القيادة التركية بجعل “هيئة تحرير الشام” الذريعة والعذر لروسيا والنظام وقسد وغيرهم لاستهداف المناطق التي تقع تحت نفوذها، وبالتالي إضعاف مواقفها وأوراقها السياسية والعسكرية العديدة في الملف السوري لصالح أطراف ونفوذ عديدة. وهذا فعلاً الذي حصل لاحقاً بعد أن دخلت القوات التركية إلى مدينة عفرين وانتشرت قواتها ومدرعاتها فيها، وجعلت “تحرير الشام” تغادرها باتجاه مناطق سيطرتها في  إدلب، بعد أن عقدت اتفاقاً مع الفيلق الثالث برعاية وقبول وإشراف تركي الذي ولربما وضع البنود الأهم فيه وخاصة موضوع الإدارة الموحدة للشمال السوري.

——————————–

معركة عفرين:تركيا تتدخل..وواشنطن تطالب بانسحاب تحرير الشام

طالبت الولايات المتحدة هيئة تحرير الشام بالانسحاب الفوري من المناطق التي سيطرت عليها على حساب الجيش الوطني في شمال حلب. فيما دخل الجيش التركي على خط المواجهات، وقطع الطريق على الهيئة للحؤول دون سيطرتها على مدينة أعزاز، في محاولة يبدو أنها لفرض اتفاق جديد مع الفيلق الثالث.

وقالت السفارة الأميركية في سوريا في تغريدة، إن واشنطن “تشعر ببالغ القلق من التوغل الأخير لهيئة تحرير الشام المُصنفة كمنظمة إرهابية في شمال حلب”، مشددة على ضرورة انسحاب قوات تحرير الشام “الفوري”.

وعبّرت الولايات المتحدة عن قلقها العميق إزاء أعمال العنف الأخيرة قي شمال غرب سوريا، مشددةً على ضرورة حماية أرواح المدنيين وممتلكاتهم.

وكانت وزارة الخزانة الأميركية قد استثنت منطقة أعزاز والباب شمال وشرق حلب في أيار/مايو، من العقوبات المتضمنة في قانون “قيصر”، لكن دخول تحرير الشام كما تخطط إلى هاتين المنطقتين، وإصرارها على المشاركة في إدارتهما عبر الضغط العسكري المتواصل من قبلها في هذا الاتجاه، يُهدّد بإلغاء القرار الأميركي.

التدخل التركي

وتأتي المُطالبة الأميركية بعد استئناف تحرير الشام المعارك ضد الفيلق الثالث التابع للجيش الوطني، ونقضها الاتفاق المُبرم الذي لم يصمد سوى ليوم واحد بعد توقيعه ليل الجمعة/السبت، لتبدأ بعده أرتال تحرير الشام بالحشد على بوابة مدينة أعزاز الغربية، قبل اقتحامها والسيطرة على عدد من القرى في محيطها، وهو ما يعني السيطرة على أجزاء كبيرة من منطقة كفرجنة إحدى أبرز نقاط المواجهة.

لكن الجيش التركي تدخل الثلاثاء، وقطع بواسطة رتل من المدرعات الطريق بين كفرجنة-أعزاز، لمنع أرتال تحرير الشام من التقدم شرقاً نحو أعزاز، بالتزامن مع تحلّيق الطيران الحربي في أجواء مدينتي عفرين وأعزاز، حسبما ذكر مصدر ميداني في الفيلق الثالث.

وأكد المصدر ل”المدن”، أن تحرير الشام انسحبت بشكل جزئي من كفرجنة إلى مدينة عفرين تحت التهديد التركي، وعهدت إلى هيئة “ثائرون للتحرير” التدخل كقوات فضّ نزاع بشكل مبدئي لوقف الاقتتال، وهو ما تجسد عملياً بسيطرة ثائرون على مقر وزارة الدفاع والحاجز الرباعي التابع للشرطة العسكرية في كفرجنة، بعد انسحاب تحرير الشام منهما.

مظاهرات الشمال السوري

وتزامناً مع سيطرة تحرير الشام على كفرجنة، خرج ليل الاثنين، مئات المحتجين بريف حلب الشمالي بمظاهرات عارمة رفضاً لدخولها إلى تلك المناطق. وشملت المظاهرات مدن سجو وصوران والباب وأعزاز واخترين ومارع وجرابلس الراعي.

وهتف المتظاهرون ضد تحرير الشام وزعيمها أبو محمد الجولاني، كما أحرقوا أعلام ورايات تمثل الهيئة في سجو وصوران، في حين توجه مئات المتظاهرين في مارع وأعزاز لقطع الطريق على تحرير الشام من جهة كفرجنة، ومواجهة قواتها، التي قيل إنها وصلت إلى مشارف أعزاز.

—————————-

موقف تركيا ملتبس..لماذا تغضّ النظر عن تحرير الشام؟

رسّخ المشهد الجديد الذي فرضته هيئة تحرير الشام في الشمال السوري بسيطرتها على عفرين وعزمها التقدم نحو مدينة أعزاز شمال حلب، تحت أنظار تركيا صاحبة النفوذ في المنطقة، السردية المُتناقلة حول ضلوع أنقرة في التطورات العسكرية التي تجري.

ورغم أن البعض يرى في تمدد تحرير الشام المصنفة ضمن قائمة التنظيمات الإرهابية خطراً على منطقتي عمليات غصن الزيتون ودرع الفرات وبالتالي على تركيا، ويراهن على أن صمت الأخيرة لن يدوم طويلاً، وهو ما يمكن قراءته من خلال الإيعاز لجبهة “ثائرون للتحرير” بالتدخل لفض الاشتباك في كفرجنة بعد تقدم تحرير الشام إليها مساء الاثنين، فإن البعض الآخر يربط الأمر بتغيّر في المصالح التركية.

ويدلّ الفريق الأخير على صحة قراءته بالمقارنة بين الموقف التركي الصلب الذي أجبر تحرير الشام على الانسحاب من عفرين بعد دخول أرتالها إلى قرى ريف المحافظة في حزيران/يونيو 2022، عقب الاشتباكات التي اندلعت آنذاك بين الجبهة الشامية وحركة أحرار الشام في ريف مدينة الباب، وبين التعاطي التركي مع تقدم تحرير الشام مؤخراً.

ويمكن عند مراقبة السلوك التركي منذ اندلاع الاشتباكات الأخيرة، الخروج بأكثر من قراءة، الأولى أن لتركيا مصلحة فعلاً في توسيع نطاق نفوذ الهيئة إلى أرياف حلب التي تعاني من حالة من الفلتان نتيجة كثرة تناحر الفصائل، وعدم انضباط بعضها.

ويبدو من الصعب تفسير السلوك التركي، لأن كل ما يُقدّم لا يخرج عن إطار التوقعات، كما يؤكد مصدر تركي ل”المدن”، مضيفاً أن “هناك خطة ما تُنفّذ في الكواليس من دون أن يُفصح عنها أي طرف ضالع فيها”.

ويقول المصدر: “ظاهرياً، يمكن القول إن تركيا لا تفضّل التدخل في صدامات بين الفصائل، لكنها قادرة في الوقت نفسه، على السيطرة على المشهد الفصائلي من دون أن تتدخل فيه بشكل مباشر، وخصوصاً أن كل الفصائل تنصاع للتعليمات التركية، باستثناء بعض الفصائل التي تحاول التغريد خارج السرب، وهذه يتم تدجينها، وربما التفصيل الأخير يُفسر الصمت التركي، وأقصد هنا (الجبهة الشامية)”.

لكن تدجين الجبهة الشامية بقوة تحرير الشام قد يجلب على ريف حلب الشمالي الويلات، لأن روسيا قد تستغل ذلك لتوسيع نطاق قصفها لمناطق جديدة بحجة “مكافحة الإرهاب”، وهو الأمر الذي لا يخدم خطة تركيا الهادفة إلى إعادة مليون ونصف مليون لاجئ سوري من أراضيها إلى الشمال.

ويقلق المصدر قائلاً: “نعم بكل أسف، ما زال صانع القرار التركي يتعامل مع الملف السوري ببراغماتية شديدة، ويدير هذا الملف أمنياً، وهو ما يجعل أنقرة تقع في مطبات تتحاشى الوقوع فيها”. ويستدرك: “إلا إذا كانت تركيا قد حصلت على تطمينات من روسيا في هذا الصدد، لكن روسيا استهدفت المنطقة بعد تمدد تحرير الشام بغارات جوية، وهذا ينفي الحديث عن تطمينات روسية”.

وثمة من يربط بين تمدّد تحرير الشام في أرياف حلب، وبين المقاربة التركية الجديدة في الملف السوري، حيث تريد تركيا ضبط المناطق الخاضعة لسيطرتها وتوحيد قرارها تمهيداً لتفاهمات جديدة قد تطرأ.

لكن، حتى وإن كان الأمر كذلك، فإن فصائل الجيش الوطني تمتلك قابلية أكثر من تحرير الشام بخصوص تنفيذ التعليمات التركية، إلا أن المصدر التركي يُخالف ذلك، مشيراً إلى أن “تحرير الشام لم تحِد عن تنفيذ تفاهمات مسار أستانة في الأرياف المتصلة بإدلب… لدى تركيا تجربة مع الهيئة على صعيد تنفيذ المطلوب على الأرض”.

قتال قسد

ورغم أن تركيا فرضت وقف إطلاق النار مساء الاثنين، ولم تسمح لتحرير الشام بالتقدم نحو أعزاز بعد أن وصلت إلى مشارفها الغربية، إلا أن احتمال تحكم الأخيرة بقرار درع الفرات العسكري تبدو أقرب إلى الحتمية.

وتذهب بعض التقديرات إلى أن تركيا تجهز الأرضية لتسليم تحرير الشام قرار الشمال السوري العسكري وتنصيبها رأس حربة في معارك تحضر لها تركيا ضد قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، بالتشارك مع النظام السوري وروسيا، حيث تتقاطع مصالح كل هذه الأطراف.

وفي هذا الاتجاه، يقول الكاتب والباحث السوري جمال الشوفي إن تنفيذ هذا السيناريو لا يمكن أن يتم من دون دعم الجانب الأميركي المتحالف مع قسد، ويضيف ل”المدن”، أنه “في الفترة الأخيرة شهدنا محاولات عديدة لتحريك الملف السوري، وخاصة بعد القلق الذي يسود العالم ما بعد أوكرانيا، وبدأت هذه المحاولات مع مبادرة التعافي الاقتصادي من جانب الإمارات، ومن ثم طرح الأردن مبادرة عربية للحل السياسي، وبين ذلك كانت هناك مبادرة تركية نحو التطبيع مع النظام”.

ويقول الشوفي إن المبادرة التركية غير واضحة المعالم حتى الآن، والظاهر منها فقط أن أنقرة تريد إيجاد نقاط استقرار في الداخل السوري على حساب الوضع الكردي (قسد)، لكن ما من مؤشرات حتى الآن على موافقة واشنطن أو حتى موسكو على ذلك.

ويثير الشوفي تساؤلات منها: أين دور الجيش الوطني؟ وأين الشارع المعارض من المبادرات المطروحة حول التقارب بين قوى المعارضة وقسد؟، وهل هناك تسويات تفرض استقدام تحرير الشام إلى ما تبقى من مناطق محررة، لإعطاء التحالف الدولي وروسيا الذريعة لتوسيع قائمة أهدافها؟

—————————

وسط تقدم لهيئة تحرير الشام: 58 قتيلاً في مناطق نفوذ الأتراك في شمال سوريا

– أ. ف. ب.

بيروت: قتل 58 شخصاً، بينهم عشرة مدنيين، خلال عشرة أيام من اقتتال داخلي بين فصائل موالية لأنقرة في شمال سوريا، دخلت على خطّه هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) لتحقّق تقدماً في مناطق نفوذ تركيا، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان ومراسل لوكالة فرانس برس.

وأسفرت عشرة أيام من الاقتتال الداخلي، وفق المرصد، عن مقتل 28 عنصراً من هيئة تحرير الشام و20 مقاتلاً من الفصائل المتحاربة، فضلاً عن عشرة مدنيين.

ويتقاسم حوالى 30 فصيلاً، ضمن ما يعرف بالجيش الوطني السوري الموالي لأنقرة التي تقدم له التجهيزات والسلاح والتمويل، السيطرة على منطقة حدودية في شمال محافظة حلب تمتد من جرابلس في الريف الشمالي الشرقي إلى عفرين في ريفها الغربي، مروراً بمدن رئيسية مثل الباب وأعزاز. وتنتشر في تلك المنطقة قوات تركية أيضا.

في الثامن من تشرين الأول/اكتوبر، بدأت اشتباكات بين فصيل الجبهة الشامية وفصيل الحمزة المواليين لأنقرة في مدينة الباب، بعد اتهام الجبهة الشامية فصيل الحمزة بقتل ناشط إعلامي. ثم توسّعت الى مناطق أخرى مع انضمام فصائل أخرى إلى المعارك دعما للجانبين، من دون أن تتدخل القوات التركية لفضها.

اتفاق بين الطرفين

ودخلت هيئة تحرير الشام على خط الاقتتال عبر دعم فصائل على حساب أخرى، إلى أن تمكنت من السيطرة على منطقة عفرين كاملة للمرة الأولى، وفق مراسل فرانس برس ومسؤول في الفصائل.

وأفاد المرصد أنه بعد أسبوع من الاشتباكات، تم التوصل إلى اتفاق بين الطرفين المتقاتلين ينص على أن تتسلم الهيئة المؤسسات الخدمية والاقتصادية، وتتولى إرساء الأمن في عفرين، وتنشر عناصرها عند المعابر الفاصلة مع مناطق قوات النظام والأكراد.

وكان من المفترض أن يشمل الاتفاق المناطق الأخرى، لكن بعد يومين من هدوء حذر عادت واندلعت مواجهات بين هيئة تحرير الشام من جهة، وفصيلي الجبهة الشامية وجيش الإسلام من جهة ثانية.

وأفاد المرصد عن تقدم هيئة تحرير الشام والفصائل المتحالفة معها، وبينها الحمزة وحركة أحرار الشام، ليل الاثنين الثلاثاء في محيط مدينة أعزاز التي تعد معقل الجبهة الشامية.

وقال مدير المرصد رامي عبد الرحمن الثلاثاء “لم تكن هيئة تحرير الشام لتدخل المنطقة دون موافقة تركيا”، مشيراً الى أن “فصائل تركمانية تدخلت ليلا للفصل بين الجهتين غالباً بطلب من تركيا”، بعد تظاهرات احتجاج خرجت في المنطقة.

سيطرة هيئة تحرير الشام

ومنذ دخول الهيئة إلى عفرين، تظاهر المئات من السكان خلال اليومين الماضيين في مدن عدة رفضاً لدخولها مناطقهم.

وسيطرت هيئة تحرير الشام، التي تصنفها واشنطن منظمة “إرهابية” برغم إعلانها فك ارتباطها بتنظيم القاعدة، على محافظة إدلب (شمال غرب) في مطلع 2019 إثر عامين من اشتباكات متقطعة مع فصائل أخرى. ولطالما سهّلت لها تركيا طرق الإمداد، والتنقّل عبر الحدود.

وقالت السفارة الأميركية في سوريا، والتي غادرت مقارها في دمشق منذ بداية النزاع بعد قطع العلاقات بين الدولتين، في تغريدة “نشعر ببالغ القلق من التوغل الأخير لهيئة تحرير الشام، وهي منظمة مصنفة كإرهابية، في شمال حلب”.

وأضافت “يجب سحب قوات هيئة تحرير الشام من المنطقة على الفور”.

———————————

بعد تغيّر خارطة القوى ودخول هيئة تحرير الشام، ماذا يحصل في مناطق النفوذ التركي في شمال سوريا؟

– أ. ف. ب.

تشهد مناطق سيطرة القوات التركية في شمال سوريا تغيراً في خارطة النفوذ مع دخول هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) إليها إثر اقتتال داخلي بين فصائل محلية موالية لأنقرة.

من هي القوى المسيطرة وما هو دور هيئة تحرير الشام وتركيا التي أعربت مؤخراً عن احتمال انفتاح على دمشق؟

تدور التطورات الأخيرة في ريف محافظة حلب الشمالي، في منطقة حدودية مع تركيا سيطرت عليها الأخيرة مع فصائل سورية موالية لها إثر عمليات عسكرية عدة نفذتها في سوريا منذ العام 2016.

تنتشر القوات التركية في قواعد في المنطقة التي تتولى إدارتها مجالس محلية تتبع المحافظات التركية القريبة مثل غازي عنتاب وكيليس وشانلي أورفا.

الفصائل

يتقاسم حوالى 30 فصيلاً منضوياً في إطار ما يعرف بـ”الجيش الوطني السوري” الموالي لأنقرة، السيطرة على منطقة حدودية تمتد من جرابلس في ريف حلب الشمالي الشرقي إلى عفرين في ريفها الغربي، مروراً بمدن رئيسية مثل الباب وأعزاز.

تضم الفصائل بشكل رئيسي مقاتلين سابقين في مجموعات معارضة مسلّحة تم إجلاؤهم من مناطق سورية أخرى إثر هزيمة فصائلهم أمام قوات النظام السوري، مثل الجبهة الشامية التي كانت تنشط في مدينة حلب، أو جيش الإسلام الذي كان يعد الفصيل المعارض الأبرز قرب دمشق.

ومن بين الفصائل أيضاً، مجموعات تنشط أساساً في الشمال مثل فصيل السلطان مراد، وأخرى برزت مع العمليات العسكرية التركية وبينها فصيلا الحمزة وسليمان شاه.

وتتقاسم الفصائل النفوذ بين القرى والمدن والأحياء.

ويتّهم سكان تلك المناطق الفصائل بارتكاب انتهاكات بحقهم من مصادرة أراض وممتلكات ومحاصيل إلى القيام باعتقالات عشوائية، وإدارة المنطقة بقوة السلاح والتخويف.

وسبق أن اتهمت منظمة العفو الدولية الفصائل الموالية لأنقرة بارتكاب “جرائم حرب” وتنفيذ عمليات إعدام عشوائية خارج القانون.

تحاذي محافظة إدلب التي تسيطر هيئة تحرير الشام على نحو نصف مساحتها وترسي فيها نظاماً إدارياً وقضائياً، مناطق نفوذ الفصائل الموالية لأنقرة.

وبسطت هيئة تحرير الشام التي تعدها واشنطن منظمة “إرهابية” سيطرتها على إدلب مطلع 2019، إثر عامين من اشتباكات متقطعة مع فصائل أخرى تراجع نفوذها وانتقل الكثير منها إلى شمال حلب.

وحافظت تركيا على علاقة ودّ مع هيئة تحرير الشام، ولم تسجل أي صدامات بين الطرفين.

ومنذ إعلان فكّ ارتباطها بتنظيم القاعدة في 2016، تسعى هيئة تحرير الشام إلى تلميع صورتها. حتى أن علاقتها توترت مع تنظيمات جهادية أخرى بينها “حراس الدين” الذي يعد ذراع القاعدة في سوريا.

لكن مناطق سيطرتها شهدت مراراً تحركات احتجاجية على الحكم المتشدّد الذي تمارسه الهيئة، والتضييق على الحريات.

توسع المعارك

في الثامن من تشرين الأول/أكتوبر، اندلعت اشتباكات بين فصيلي الجبهة الشامية والحمزة في مدينة الباب في شمال شرق حلب، إثر اتهام الأخير بقتل ناشط إعلامي.

وما لبثت أن توسعت المعارك. وتدخّلت هيئة تحرير الشام دعماً لفصائل معينة بينها الحمزة ضد أخرى على رأسها الفيلق الثالث في الجيش الوطني السوري الذي يضم أيضا الجبهة الشامية وجيش الإسلام.

وبعد أيام قليلة فقط، دخلت هيئة تحرير الشام منطقة عفرين وتسلّمت كافة مؤسساتها للمرة الأولى.

وقال المتحدث باسم الفليق الثالث سراج الدين الشامي لوكالة فرانس برس إن الهيئة “تسيطر على منطقة عفرين بالكامل، وعلى كافة المؤسسات فيها، وتولت الأمن العام وإدارة الحواجز”.

وأفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان عن التوصل إلى اتفاق بين الطرفين المتقاتلين ينص على أن تتسلم الهيئة المؤسسات الخدمية والاقتصادية، وتتولى إرساء الأمن في عفرين، وتنشر عناصرها عند المعابر الفاصلة مع مناطق قوات النظام والأكراد.

وكان من المفترض أن يشمل الاتفاق مناطق أخرى، إلا أنه منذ دخول الهيئة إلى عفرين، تظاهر بضع مئات من السكان في مدن عدة رفضاً لدخولها إلى مناطقهم، مرددين هتافات “جولاني (زعيم تحرير الشام أبو محمّد الجولاني) يطلع برا”.

بعد يومين من الهدوء، تجددت الاشتباكات. وأحرزت هيئة تحرير الشام تقدماً في محيط مدينة أعزاز، ثم تدخلت فصائل تركمانية للفصل بين الطرفين، “غالباً بطلب من تركيا”، وفق المرصد.

وأسفرت عشرة أيام من المعارك، بحسب المرصد، عن مقتل 28 عنصراً من هيئة تحرير الشام و20 مقاتلاً من الفصائل المتحاربة وعشرة مدنيين.

موافقة الأتراك

يرى سكان أن هيئة تحرير الشام ما كانت لتدخل إلى المنطقة لولا موافقة الأتراك الذين لم تتدخل قواتهم لوقف الاقتتال الداخلي.

وقال الشامي بدوره “حتى الآن، لم يظهر موقف صريح رسمي من الأتراك تجاه التحركات وربما يدل ذلك على موافقتهم، وربما غير موافقين لكن يقبلون بالأمر الواقع”.

ويقول الباحث نوار أوليفر من مركز عمران للدراسات ومقره تركيا، لوكالة فرانس برس “خلق عدم تدخل تركيا فراغاً في الميدان استغلته الهيئة التي لها مصالح اقتصادية وسياسية”، مضيفاً أن “عدم تدخل الأتراك قد يعني الاستفادة من القوى الأكثر تنظيماً لضبط الفصائل”.

وتكثر التساؤلات حول الدور الذي قد تلعبه الهيئة إن كان في أي عملية عسكرية جديدة قد تشنها تركيا ضد المقاتلين الأكراد، أو في أي تسويات في المستقبل، خصوصاً إثر إعلان مسؤولين أتراك انفتاحهم على إعادة العلاقات المنقطعة منذ سنوات، مع دمشق.

ويضيف أوليفر “تريد الهيئة بعث رسائل واضحة بأنها قادرة على ضبط المنطقة”.

لكن ليس واضحاً حتى الآن حجم السلطة التي قد تمنحها تركيا للهيئة.

———————————-

خطط لجريمة أشعلت ريف حلب وغيرت خريطة السيطرة.. من هو “أبو سلطان الديري”؟

إسطنبول – محمود الشيخ

منذ إعلان “الفيلق الثالث” التابع للجيش الوطني، في العاشر من تشرين الأول الجاري، القبض على الخلية المسؤولة عن عملية اغتيال الناشط محمد عبد اللطيف الملقب بـ”أبو غنوم” وزوجته الحامل في مدينة الباب شرقي حلب، برزت إلى واجهة الأحداث المتسارعة في الشمال السوري أخيراً شخصية القيادي الغامض “أبو سلطان الديري” متزعم “أمنية فرقة الحمزة” والمتهم الرئيسي في تدبير عملية اغتيال “أبو غنوم”، فمن هو “أبو سلطان”؟ وهل فعلاً كان المرافق الشخصي للواء جامع جامع الذي شغل منصب رئيس المخابرات العسكرية في قوات النظام في المنطقة الشرقية؟

لم يكن كثير من السوريين قد سمعوا بالقيادي الأمني “أبو سلطان” قبل أن يذيع صيته خلال الأيام الماضية، وذلك بعد إعلان القبض عليه وعلى مجموعته المتورطة في اغتيال “أبو غنوم”، وعلى الرغم من تسلم “أبو سلطان” مناصب بارزة في فصائل كبيرة داخل الساحة السورية وتنقله بين محافظات عدة إلا أنه بقي مجهولا في الإعلام، ولم تظهر له صور ما خلا صوراً قليلة إلى جانب قيادات في الصف الأول في الجيش الوطني خلال السنوات الماضية.

من هو “أبو سلطان الديري”؟

محمد أحمد المغير من مواليد محافظة دير الزور وسكن حي العرضي وسط المدينة قبل مغادرته إلى الشمال السوري بعد سيطرة “تنظيم الدولة” (داعش) على المحافظة في حزيران 2014، وبخلاف ما شاع، فأصول “أبو سلطان” لا ترجع إلى محافظة حماة، ولكن يمكن تفسير هذا الخطأ بأنه خلط بين أصوله وأصول والدته المنحدرة من حماة، أو لأنه أطلق على نفسه لقب “أبو أحمد الحموي” في فترة من الفترات كما سنرى.

ولد “أبو سلطان” في محافظة دير الزور وترعرع في حي “المطار القديم”، قبل أن تنتقل عائلته إلى حي العرضي الذي عاش وافتتح فيه محلاً لبيع الهواتف المحمولة، حيث يصفه أحد جيرانه بأنه كان شخصاً “على خلق” وبأنه تمتع بعلاقات طيبة مع الجميع.

ويضف جار “أبو سلطان” السابق لموقع “تلفزيون سوريا”، أن محمد المغير أو “أبو أحمد” نسبة إلى أكبر أبنائه، كان ذا شخصية “اجتماعية وودودة”، ولم يحصل أن كانت له أي عداوات في الحي، نافياً “جملة وتفصيلاً” المعلومات التي شاعت على وسائل التواصل الاجتماعي حول أن “أبو سلطان” كان المرافق الشخصي لـ”جامع جامع”، مؤكداً أن “أبو سلطان” كان قد أنهى خدمته العسكرية الإلزامية منذ سنوات عند بداية الثورة، وأنه لا علاقة تربطه بأجهزة أمن النظام.

وعلى العكس فمع انطلاق الثورة السورية عام 2011، كان “أبو سلطان” من أوائل المشاركين في الحراك الثوري، وبعد قمع النظام السوري للمظاهرات السلمية بالسلاح وسقوط الضحايا بأعداد كبيرة، كان ممن حملوا السلاح وانضم إلى “كتيبة المهام الخاصة” في “الجيش الحر” داخل المدينة، وفقاً للمصدر ذاته.

وتدرج “أبو سلطان” في المناصب وتسلم عدة مراكز في كتيبة “المهام الخاصة”، كما أصيب عدة مرات، وكان أخطرها عندما انفجرت سيارة ملغمة بجانبه في أثناء تقدمها نحو مقر “الشرطة العسكرية” التابع للنظام السوري في الشارع العام بمدينة دير الزور خلال إحدى المعارك، حيث تعرض لجروح بليغة ولم يعثر عليه إلا بعد ساعات عدة، ما تسبب في فقدانه النطق بشكل جزئي، وتغير صوته الحقيقي نتيجة دخول عدة شظايا في رأسه وعنقه.

محمد أبو غنوم

الحكاية من البداية.. كيف أشعل اغتيال “أبو غنوم” في الباب كامل ريف حلب؟

من “المهام الخاصة” إلى أرفع المناصب في “أحرار الشام”

كانت سنة 2013 مفصلية في حياة “أبو سلطان” الذي قرر الخروج من مدينة دير الزور بعد خلافات كبيرة مع “أبو بكر” قائد كتيبة “المهام الخاصة”، حيث غادر “أبو سلطان” المدينة ولم تعرف وجهته التي ظلت مجهولة لفترة من الوقت، بحسب من عرفوه، قبل أن يشيع خبر توليه منصب “الأمير الأمني” لـ”حركة أحرار الشام” في محافظة الرقة، والتي كانت حينئذ مركز الثقل للحركة وعاصمتها الإدارية.

كان تكليفه بهذا المنصب مثار استغراب جميع من يعرفه، خاصة وأنه تسلم هذا المنصب في وقت حرج من عمر الحركة التي ستدخل في صدام عنيف مع “تنظيم الدولة” (داعش) ينتهي بطرد الحركة من محافظة الرقة مطلع العام 2014. لم يفصح “أبو سلطان” عن الطريقة التي حدث بها وصوله إلى هذا المنصب الرفيع في الحركة، التي كانت تعد بين أكثر الفصائل رسوخاً في الساحة السورية وأكبرها في ذلك الوقت، لكن مصادر مطلعة رجحت أن “أبو سلطان” الذي بدأ في تلك الفترة العمل باسم “أبو أحمد الحموي” وصل إلى هذا المنصب بدعم من أخواله القياديين في الحركة آنذاك.

ومع خروج “أحرار الشام” من الرقة فضل “أبو سلطان” العودة إلى دير الزور، على عكس جميع القيادات الأخرى التي انتقلت إلى مدن الشمال السوري، حيث التحق بصفوف الحركة في دير الزور وبقي فيها إلى أن سيطر “تنظيم الدولة” على المحافظة عام 2014.

من محاربة “تنظيم الدولة” إلى مبايعته

وعقب سيطرة “تنظيم الدولة” على دير الزور بفترة بسيطة بدأت علاقته تتوتر مع الكتائب والمقاتلين من أبناء المحافظة، والذين أعطاهم التنظيم في بداية الأمر الأمان على أنفسهم وأسلحتهم بعد أن منعهم من مغادرة المدينة، وتضمن العرض البقاء في قطاعاتهم المقابلة لقوات النظام والاستمرار في المرابطة من دون الحاجة إلى مبايعة التنظيم، لكن وكما تبين مرات عديدة فإن التنظيم الذي لم يعرف عنه الالتزام بعهد ولا ذمة بدأ باعتقال وتصفية الناشطين وقادة “الجيش الحر”، مما اضطر الكثير من المقاتلين إلى مبايعة التنظيم، إلى أن يجدوا طريقاً للخروج والنجاة بأنفسهم من قبضته، ولم يكن “أبو سلطان” العدو القديم للتنظيم استثناء، فكان من بين المبايعين بعد أن خسر معركته مع التنظيم للمرة الثانية وبات هو وجميع مقاتلي المدينة عملياً محاصرين بين جبهتي قوات النظام والتنظيم.

التطورات في الشمال السوري

لماذا تحالفت “تحرير الشام” مع “الحمزات والعمشات”؟ وما السيناريوهات القادمة؟

“أبو سلطان الديري” الوجه الآخر لشخصية “أبو أحمد الحموي”

للمرة الثانية في رحلته، كان الحظ حليف “أبو سلطان” الذي استطاع الهروب من محافظة دير الزور إلى الشمال السوري، على عكس الكثير من المقاتلين والقادة ممن تعرضوا للتصفية في ساحات مدينتهم التي دافعوا عنها لأكثر من 3 سنوات وخاضوا خلالها أشرس المعارك مع قوات النظام.

ورغم الأهمية المفصلية لهذه الفترة من حياة “أبو سلطان” التي شهدت التحول الرمزي الأخير في شخصيته الرسمية من “أبو أحمد الحموي” القيادي “المحبوب” في محافظتي الرقة ودير الزور إلى “أبو سلطان الديري” المتهم بقتل ناشطين سلميين في الشمال السوري، إلا أنها تميزت بالغموض وبأن المعلومات بحوزة أصدقاء “أبو سلطان” والمقربين منه معدومة تقريباً، وعلى أية حال فلا يبدو أنها حملت أحداثاً درامية في حياة صاحبها، فقد ظهر بداية الأمر في صور مع قادة فصيل “السلطان مراد” ضمن النشرات المعتادة التي تصدر عن اجتماعات الفصيل، ثم انتقل لأسباب غير معلومة إلى “فرقة الحمزة”، وتسلم منصب القائد الأمني للفرقة، حيث ستتابع الأحداث التي واكبتها المتابعات الإعلامية المكثفة منذ مساء الجمعة (7 تشرين الأول 2022)، مع اغتيال “أبو غنوم”، لينتقل اسم “أبو سلطان الديري” من الظلال إلى وسائل الإعلام وأحاديث السوريين، وصولاً للتطورات الأخيرة مساء يوم الإثنين التالي للاغتيال مع الكشف عن تحديد هوية ثلاثة أشخاص كمشتبه بهم بعد تفريغ كاميرات المراقبة.

حيث بثّ “الفيلق الثالث” في الجيش الوطني اعترافات لبعض أفراد “خلية الاغتيال”، أكّدوا فيها تبعيتهم للمفرزة الأمنية التابعة لـ”فرقة الحمزة”، والتي تتخذ مقرّها في مبنى مدرسة الزراعة في مدينة الباب، كما أكدوا تورطهم في تنفيذ اغتيال “أبو غنّوم” بأوامر صادرة من قيادي في “أمنية الحمزات” يدعى “أبو سلطان الديري”، وبالتزامن نشر الفيلق صورة تؤكد اعتقال “أبو سلطان”، في حين يسود الميدانَ الانتظار وترقب هدوء المعارك التي امتدت على مناطق واسعة من الشمال السوري إثر الاغتيال لتقديم المتهمين إلى المحاكمة.

فمنذ صباح الأربعاء 12 تشرين الأول الجاري، اندلعت الاشتباكات التي بدأت في مدينة الباب، ووصلت إلى منطقة عفرين شمال غربي حلب، بعد دخول “هيئة تحرير الشام” على خط المواجهة ضد الفيلق الثالث، واستمرت الاشتباكات لثلاثة أيام قبل أن تنتهي بسيطرة “تحرير الشام” على عفرين وطرد الفيلق الثالث منها، بينما يشهد ريف حلب هدوءاً حذراً منذ السبت الماضي، بعد ليلة طويلة من الاشتباك والمفاوضات بين “الفيلق الثالث” وحلف “هيئة تحرير الشام” (يضم “فرقة الحمزة” و”فرقة السلطان سليمان شاه”، و”حركة أحرار الشام”).

انتهاكات “تحرير الشام” والجيش الوطني في سوريا

أسئلة تثار.. كيف يتحول الثائر إلى مجرم؟

حفلت الثورة بشخصيات معارضة وقادة عسكريين شاهد السوريون تغيرات كبيرة رافقت وصولهم إلى مراكز النفوذ والسلطة، ليثار السؤال عن الكيفيات والدوافع التي تدفع من وصلوا إلى مراكز قيادية في صفوف المعارضة لاتباع مناهج غير أخلاقية تتشابه حد التطابق مع ممارسات النظام السوري الذي يفترض أنهم ثاروا ضد ظلمه وبطشه الوحشي وانتهاكه لحق التظاهر السلمي، وعن الظروف التي قد تحول الثائر ضد الطغيان إلى مجرم يرتكب أفظع الأفعال مما يناقض أبسط الافتراضات الأخلاقية في ثائر.

وتعليقاً على هذه الأسئلة يقول الكاتب والناشط خضر سلمان: أيا ما يكن فما هو واضح حتى الآن أن خطأ الحسابات يدفع لاتخاذ قرارات تستخف بالحرمات الإنسانية والكرامة، بالشكل الذي يفضي إلى أن يتمكن غضب الناس وما تسميه روزا لوكسمبورغ العفوية الخلاقة للجماهير، تتمكن من التبلور في ردات فعل يتفاجأ معها أصحاب السلوك الطغياني بوجود الحقوق والكرامة، مع اعتيادهم اتخاذ هذا النوع من القرارات من دون فقدان السيطرة على نتائجها، لتكشف مآلات الأحداث خيوطا وعلاقات سلطة تنسج في الخفاء ينتظمها العادي والمألوف والمبتذل من أسباب ومقدمات وراء ادعاءات النقاء والبطولة. بالطبع لم يكن الجمهور من السوريين مخطئين حين أحسنوا الظن برموز ثورتهم ولا كل الثوار طغاة قادمين، فللثورة السورية أبطال أفذاذ وحقيقيون، ولها جنودها المجهولون الذين عادة ما يكونون ضحايا أولئك الآخرين. وتذكّر حادثة اغتيال الناشط “أبو غنوم” مع زوجته الحامل، في فداحتها وفي التبعات التي انجرت عنها، بحادثة مشابهة حين سلم “تنظيم الدولة” ضمن صفقة تبادل مع “حركة أحرار الشام” جثة الطبيب المحبوب حسين سليمان “أبو ريان” مشوهة بفعل التعذيب، ويذكر في هذا الصدد ما تردد في ذلك الوقت من رد عناصر تنظيم الدولة بأنهم فجروا رأسه برصاصة متفجرة، وقطعوا أذنه ومثلوا بجثمانه “بالخطأ”.

ويضيف سلمان: ربما تبدل أسماء بطل هذه الحكاية مع تبدل أحواله، مع وصولها إلى نهاياتها هذه، قد تبدو علامة على الوصولية، ونهمٍ للتمكن، أو هي نمط لتدبُّر حياة وراءها روح متقاعسة عن الفضيلة. قد يشي شيء ما بطبيعة ثورية وحالمة لا تهدأ في جنونها الخاص، لكن لا ينبغي أن يكون شيء بعينه بطاقة عبور إلى القلوب، خاصة حين يؤخذ بالاعتبار مختبر السلطة التي تتحدى في الممارسة أكثر التصورات الثورية النظرية نقاء وأخلاقية، فلطالما كانت السلطة كما عرفتها المجتمعات البشرية قبل الحديثة والحديثة تعني بشكل مباشر تنظيم عنف واسع النطاق وممنهج وضبطه بالشكل الذي يفضي إلى استتباب الأوضاع لمصلحة منظِّميها، ويعني ذلك في ما يعنيه إطلاق أوامر السجن والقتل والحصار والتقييد والتنكيل والمنع والمصادرة وهو ما تحتكره الدول في مسعاها القيام بوظائفها الاجتماعية وضمان الاستقرار.

ويختم سلمان حديثه بالقول: لتخيل دويخة الانحراف هذه التي يختبرها من يعمل في مراكز القرار العسكري والأمني، يمكننا تأمل المناخ النفسي الذي صدر عنه الثوري الروسي فلاديمير لينين -الذي تنقل بين المنافي والعمل السري، وقتل شقيقه على يد جنود القيصر قبل انتصار الثورة في روسيا وتسلمه قيادة بلاده- في اللحظة التي قال فيها: “يوم واحد في السلطة يعادل سنوات خارجها”.

——————————

 هدوء حذر بعد “الاتفاق”: تطورات الشمال السوري

انتهاكات “تحرير الشام” والجيش الوطني في سوريا

تشهد منطقة عفرين شمال غربي حلب هدوءاً حذراً، منذ مساء أمس الإثنين (17 تشرين الأول 2022)، بعد اشتباكات “عنيفة” اندلعت بين “هيئة تحرير الشام” والفيلق الثالث التابع للجيش الوطني، قبل أيام، وانتهت مؤخّراً بتدخّل “هيئة ثائرون للتحرير” كـ قوات فصل، انتشرت في قرية كفرجنة القريبة من منطقة اعزاز.

وأفادت مصادر محلية أن “هيئة ثائرون للتحرير” دخلت بلدة كفرجنة كقوات فصل، فيما انسحبت “هيئة تحرير الشام” من بعض النقاط في المنطقة.

هيئة ثائرون للتحرير

وأمس الإثنين، تجدّدت الاشتباكات بين “تحرير الشام” والفيلق الثالث، بعد انهيار الاتفاق بين الطرفين، إذ كانت “الهيئة” – بحسب مصادر محلية – تشترط تسيير أرتالها العسكرية في عموم مناطق سيطرة الجيش الوطني بريف حلب، وهو ما رفضه الأهالي معربين عن ذلك باحتجاجات ومظاهرات ما تزال مستمرة في المنطقة.

———————————–

تحرير الشام” تنسحب نحو إدلب تطبيقا لاتفاقها مع الفيلق الثالث وبضمانة تركية

أفادت مصادر خاصة لموقع تلفزيون سوريا، اليوم الثلاثاء، ببدء العمل على تنفيذ الاتفاق الأساسي بين “هيئة تحرير الشام” و”الفيلق الثالث” بضمانات تركية.

يأتي ذلك، في وقت نشرت فيه حسابات مقربة من “تحرير الشام” فيديو يظهر انسحاب عناصرها من منطقة عفرين.

وفي وقت سابق، أفادت مصادر محلية أن “هيئة ثائرون للتحرير” دخلت بلدة كفرجنة بريف حلب كقوات فصل، فيما كانت “هيئة تحرير الشام” تستعد للانسحاب منها.

وكانت “تحرير الشام” أعلنت سيطرة قواتها على بلدة كفرجنة بعد اشتباكات عنيفة خاضتها ضد “الفيلق الثالث” التابع لـ “الجيش الوطني السوري”.

وقالت المصادر إن “هيئة ثائرون” دخلت إلى البلدة لتسلم مقار “الجيش الوطني” فيها، فيما قال مصدر خاص لموقع تلفزيون سوريا إن تدخلاً تركياً يجري لوقف إطلاق النار بين الطرفين.

    #عاجل

| حسابات مقربة من هيئة تحرر الشام تنشر فيديو يظهر انسحاب عناصرها من منطقة #عفرين #تلفزيون_سوريا pic.twitter.com/qLPVaI5DX5 — تلفزيون سوريا (@syr_television) October 18, 2022

تعزيزات تركية

وقد أرسل الجيش التركي تعزيزات إضافية إلى الشمال السوري بعد أسبوع من دخول “تحرير الشام” وسيطرتها على منطقة “غصن الزيتون” وهجومها على مدينة اعزاز.

وبثت وسائل إعلام تركية تسجيلات مصورة لأرتال عسكرية تركية متجهة نحو مدينة الإصلاحية في ولاية غازي عنتاب، تمهيداً لإرسالها إلى الشمال السوري الذي يشهد اشتباكات بين “هيئة تحرير الشام” والفيلق الثالث في الجيش الوطني.

وبحسب وكالة “İHA

” شوهدت أرتال عسكرية قادمة من مختلف المناطق التركية وهي متجهة نحو ولاية غازي عنتاب جنوبي تركيا، وذلك تمهيداً لإرسالها إلى مناطق العمليات العسكرية التركية (غصن الزيتون – درع الفرات – نبع السلام) وذلك على خلفية الاشتباكات التي يشهدها الشمال السوري.

——————————

ما أسباب صمت تركيا تجاه سيطرة «هتش» على عفرين؟/ سعيد عبد الرازق

أثار الصمت التركي تجاه الاقتتال بين فصائل ما يعرف بـ«الجيش الوطني السوري» الموالي لها ودخول «هيئة تحرير الشام» (هتش) إلى مدينة عفرين الخاضعة لسيطرة القوات التركية و«الجيش الوطني» في المنطقة المعروفة بـ«غصن الزيتون» بمحافظة حلب، التساؤلات حول مغزى هذا الصمت وأسباب عدم تدخل تركيا على غرار ما حدث في يونيو (حزيران) الماضي، عندما تدخلت «الهيئة» في الاقتتال بين الفصائل، لكنها انسحبت بعد وقت قصير.

وتقدمت «هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة سابقاً)، التي تعد ذراعاً لتنظيم «القاعدة» في سوريا وأدرجتها تركيا على قائمة التنظيمات الإرهابية، داخل مدينة عفرين وسيطرت على عدد من مناطقها بشكل كامل، منها حي المحموديةّ لت مستشفى عفرين إلى مركز عسكري.

وساندت «تحرير الشام» بعض فصائل «الجيش الوطني»، وهي: «فرقة الحمزة» وفصيلا «سليمان شاه» و«أحرار الشام»، ضد ما يعرف بـ«الفيلق الثالث»، الذي يضم فصائل مسلحة متعددة، منها «الجبهة الشامية» و«جيش الإسلام» بعد معارك طاحنة، اندلعت على خلفية مقتل الصحافي محمد عبد اللطيف، المعروف بـ«أبو غنوم» وزوجته الحامل، في مدينة الباب الواقعة ضمن ما يعرف بمنطقة «درع الفرات» التي تسيطر عليها تركيا وفصائل الجيش الوطني.

وبحسب «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، قتل عنصر في «الجبهة الشامية»، أمس (الجمعة)، جراء الاشتباكات المستمرة في محيط قرية كفرجنة التابعة لناحية شران بريف عفرين، بعد فشل «هيئة تحرير الشام» في اقتحام القرية، واستبدال عناصرها بقوات «العصائب الحمراء» و«قوات المهام الخاصة»، وسط استمرار مساعيها للسيطرة على القرية.

وبينما تتواصل الاشتباكات في عفرين ويتوالى انسحاب عناصر «جبهة الشام» و«جيش الإسلام»، تصمت أنقرة عن التعليق على التطورات رسمياً، وكذلك إعلامياً، حيث لم تتطرق وسائل الإعلام القريبة من الحكومة إلى الأحداث في عفرين على الإطلاق، بينما نقلت بعض وسائل الإعلام المحسوبة على المعارضة الأخبار عن مصادر خارجية، أهمها «المرصد السوري».

وعزت مصادر تركية، تحدثت لـ«الشرق الأوسط»، هذا الصمت والتجاهل التام لما يجري في المنطقة الخاضعة لسيطرة القوات التركية والفصائل الموالية لها، إلى غضب أنقرة من الصراع بين فصائل ما يعرف بـ«الجيش الوطني» وإدراكها أن الاشتباكات الحالية سببها الصراع بين الفصائل السورية المسلحة على النفوذ في المنطقة، فضلاً عن عدم رضاها عن أداء بعض الفصائل الموالية لها في منطقتي «درع الفرات» و«غصن الزيتون».

وأكدت المصادر أن ما يجري من تغيير في خريطة السيطرة في شمال سوريا لا يمكن أن يجري بمعزل عن القوات التركية في المنطقة، وأن ذلك يعكس التصور بأن تركيا تريد أن تكون هناك قوة واحدة في الشمال السوري في حال تم التوصل إلى تفاهمات جديدة بشأن شمال سوريا في إطار ما يجري من اتصالات مع النظام السوري بدعم من روسيا، وكذلك لرغبة تركيا في توحيد إدارة مناطق نفوذها بالشمال السوري للمساعدة في تنفيذ خطة حكومتها الهادفة إلى إعادة مليون لاجئ إلى المنطقة.

وذهب بعض المحللين العسكريين والأمنيين إلى أن أنقرة ربما تجد في «هيئة تحرير الشام» قوة قادرة على فرض السيطرة الأمنية وتوفير البيئة المناسبة لعودة اللاجئين، حتى من خلال دعمها لبعض الفصائل على حساب أخرى، وهو ما سيحقق لها أهدافها حتى إذا خرجت «تحرير الشام» من المنطقة وعادت إلى مواقعها في إدلب على غرار ما حدث من قبل.

وبحسب هؤلاء، فإنه لم يكن من الممكن أن تقدم «تحرير الشام» على دخول مناطق سيطرة القوات التركية بهذه السهولة دون موافقة تركيا. وأعربوا عن اعتقادهم بأن أنقرة ربما تفكر في أن اندماج «الهيئة» مع الفصائل المقربة إليها في كيان واحد يسيطر على إدلب وبقية مناطق الشريط الحدودي مع سوريا سيكون عنصر قوة في جهودها لإبعاد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) عن حدودها للمسافة المطلوبة التي تبلغ 30 كيلومتراً، مع أن ذلك قد يشكل عقبة بعد ذلك في مسار المفاوضات مع النظام السوري، إذا تقرر الاستمرار فيها وتصعيدها.

في المقابل، فإن بقاء «تحرير الشام» في عفرين، قد يفتح الباب أمام تدخل روسيا لمهاجمتها على غرار ما تقوم به في إدلب، وهو ما يرجح الاعتقاد بأنها لن تبقى طويلاً في عفرين، وأن مهمتها ستنتهي بتمكين الفصائل التي استدعتها إلى عفرين، لا سيما فصيل «سليمان شاه»، وإنهاء أي سيطرة لـ«الفيلق الثالث»، وهو ما سيضمن توقف الاقتتال بين الفصائل الموالية لتركيا بين الحين والآخر.

وبالعودة إلى التفاهمات بين تركيا وروسيا في إدلب، فإن الجانب التركي منوط به إيجاد حل لمشكلة وجود «هيئة تحرير الشام» في إدلب. وشكّلت هذه المسألة محوراً لاتهام موسكو لأنقرة بعدم الالتزام بتنفيذ هذه التفاهمات. ولذلك يعتقد مراقبون أن صمت تركيا على دخول «الهيئة» إلى عفرين ربما يكون واحدة من مراحل احتوائها وإعادة هيكلتها ضمن الفصائل السورية التي توصف بالمعتدلة في إطار التحرك التركي لتنفيذ خطة عودة اللاجئين.

الشرق الأوسط»،

——————–

اقتتال الفصائل في عفرين يفجّر الانقسامات في الإئتلاف/عقيل حسين

شهد الاجتماع الأخير للهيئة السياسية للإئتلاف السوري المعارض، سجالاً حاداً بين بعض الأعضاء بسبب الموقف من الاقتتال الأخير بين فصائل المعارضة المسلحة في الشمال.

الاجتماع الذي عقد يوم الخميس تخلله تراشق حاد بين ممثلي عدد من الفصائل العسكرية في الائتلاف، ليتطور مع حصول كل منهم على دعم أعضاء من كتل أخرى، الأمر الذي يطرح سؤالاً كبيراً حول تأثير ما حصل في الشمال أخيراً على قوى المعارضة السياسية، ويهدد بانقسامات في الجسم السياسي للمعارضة.

موقف ضعيف ومريب!

ويوم الأربعاء الماضي أصدر الائتلاف بياناً حدد فيه موقفه من الاقتتال الذي اندلع قبل ذلك بيومين، بين “الفيلق الثالث” (الجبهة الشامية) من جهة، و”هيئة تحرير الشام” و”فرقة الحمزة” و”فرقة السلطان سليمان شاه” من جهة أخرى.

البيان الذي استنكر اللجوء للسلاح من أجل حلّ الخلافات بين الفصائل، طالب “أن يكون القضاء هو السبيل لمعالجة أي خلافات أو مشكلات”، كما حثّ على “تحكيم أهل الرأي والحكمة في القضايا الكبرى وعدم اللجوء للاقتتال”.

وأثار البيان حفيظة الكثيرين ممن رأوا فيه “صمتاً مريباً” من جانب الائتلاف تجاه الهجوم الذي قادته “هيئة تحرير الشام” على فصيل في الجيش الوطني التابع للائتلاف رسمياً، بالتحالف مع فصائل أخرى تابعة للجيش أو ممثلة في الائتلاف.

وبينما لا تخفي فرقتا “الحمزة” و”السلطان سليمان شاه” تعاونهما مع “تحرير الشام” في المعركة التي حسمت يوم الجمعة لصالح هذا التحالف الثلاثي، يُتهم “فيلق الشام” بالتآمر معهم من خلال تسهيل الهجوم على “الفيلق الثالث” عبر مناطق سيطرته.

ودفع هذا الامر ممثل “الفيلق الثالث” في الائتلاف، بهجت الأتاسي، لانتقاد بيان الائتلاف والتهجم على زميله ممثل “فيلق الشام” منذر سراس، الأمر الذي أدى الى سجال حاد وتوتر خلال الاجتماع، خاصة وأن الانقسام في الموقف يشمل الهيئة العامة التي ستنعقد يوم الاثنين، مع وجود داعمين كثر فيها لـ”الفيلق الثالث” في هذه القضية، وفي مقدمهم ممثلو “المجلس الاسلامي السوري” بالإضافة إلى “المجلس الوطني الكردي” الذي رفض وبشكل قاطع سيطرة “تحرير الشام” على عفرين، المدينة ذات الغالبية الكردية.

تأثير محدود

لكن ذلك لا يعني توفر أغلبية لصالح هذا الموقف، بالنظر إلى العلاقة السلبية بين “الفيلق الثالث” والحكومة السورية المؤقتة التابعة للإئتلاف من جهة، والتزام بقية الكتل بتوجيهات تركيا بهذا الخصوص، وعلى رأسها الكتلة التركمانية.

ويقلل هذا الواقع من احتمال تفاقم الخلاف داخل المؤسسة، حسب تقدير مدير “مركز إدراك للدراسات” باسل حفار، الذي يرى أن طبيعة القوى السياسية المعارضة لا تحتمل القول إنها مؤثرة في صراعات القوى العسكرية أو متأثرة بها بشكل جدي.

ويقول في تصريح لـ”المدن”: “هذه القوى السياسية تنقسم الى قسمين، الاول وهو الأكبر، موجود في الخارج وأغلبه ممثل في الائتلاف، وهذا لا يمكن أن تتأثر كتله بشكل جدي بما يحدث على الأرض، لأنها غير مرتبطة عضوياً بالقوى العسكرية هناك، ونادراً ما ينعكس الذي يجري في الميدان عليها أو على علاقاتها ببعضها البعض، وأكثر ما يمكن أن تخلفها المشاكل بين الفصائل هي حساسيات وتعقيدات في العلاقة بينها لا أكثر”.

ويضيف: “أما القسم الثاني فهي الفصائل العاملة في مناطق سيطرة المعارضة، وتمثلها كيانات سياسية وليدة أو تجمعات نقابية ومهنية، مثل اتحادات الاعلاميين ونقابة المحاميين الأحرار وغيرها، ويمكن القول إن ما يجري من احتراب أو اقتتال يؤثر على سير عملها وعلى مستقبل وجودها أكثر مما يؤثر على علاقاتها البينية، لأن المشهد السياسي في الداخل ما زال ناشئاً ولم يكتمل”.

صراع على النفوذ والسيطرة

لكن هذا التقدير يختلف معه كثيرون ممن يعتقدون أن ما يضبط الخلافات بين قوى المعارضة الممثلة في الائتلاف هو الكونترول التركي، أما في حال غيابه فسيظهر بشكل صارخ عمق هذه الخلافات وتأثيرها.

ويرى هؤلاء أنه بالرغم من ممارسة هذا الانضباط، إلا أن تباين الموقف ظهر للعلن، حيث انتقد نائب رئيس الائتلاف عبد الحكيم بشار، العضو في “المجلس الوطني الكردي” بقوة، التراخي تجاه هجوم “هيئة تحرير الشام” على عفرين، عكس الموقف العام للائتلاف الذي تجنب ذلك، كما تجاهل الأمر بشكل رسمي.

وبينما يسود اعتقاد بأن هذا الموقف يعبر عن سيطرة القوى السياسية التركمانية على مؤسسة الائتلاف، مستفيدة من الدعم التركي، ينفي وائل علوان، الباحث في مركز “جسور” للدراسات ذلك، مستبعداً وجود ما يمكن ان يطلق عليه “التركمانية السياسية” بالفعل.

ويقول في حديث مع “المدن”: “صحيح أن لدينا كتلاً على أساس اثني، مثل المجلس التركماني والمجلس الكردي وغيرهما، لكن التمثيل ليس صلباً من هذه الناحية، فحتى ممثلي التركمان منقسمون جداً حيال الكثير من الملفات، بما في ذلك الموقف من الفصائل العسكرية التركمانية أو تلك التي يقودها تركمان”.

ويضيف: “أخيراً، بات السياسيون التركمانيون منقسمين بين من يدعم “فرقة السلطان مراد” التي يقودها فهيم عيسى، وبين من يقف بصف “فرقة الحمزة” التي يقودها سيف بولاد، وكلاهما من المكون التركماني، وهذا الخلاف يتحكم به توجه كل فرقة وتحالفاتها والمشاريع السياسية التي تتبناها أو تدعمها”. ويتابع: “لذلك أؤكد أن ما لدينا هو صراع مشاريع سياسية في الواقع وليس صراع قوى عسكرية أو سياسية، وهو صراع على النفوذ والسيطرة وليس على اساس فكري او قومي أو إيديولوجي”.

وأحدث إقتحام “هيئة تحرير الشام” لعفرين، انقساماً حاداً داخل قوى المعارضة السياسية لا يمكن إنكاره، لكن الخلاف يبقى هو تقدير تأثيراته وتبعاته على هذه القوى، سواء تلك الممثلة في مؤسسات المعارضة الرسمية أو خارجها.

المدن

————————

ما الذي يجري في الشمال السوري؟/ عبدالناصر العايد

بدأ مفاجئاً للبعض، اندفاع “هيئة التحرير الشام” من معاقلها في إدلب، نحو مناطق سيطرة ما يعرف بالجيش الوطني السوري في مدينة عفرين وما حولها، وتقدمها باتجاه أعزاز وجرابلس. تبدو الأمور ضبابية، حتى لحظة تحرير هذا المقال، حول مآل هذه الاندفاع، والنتيجة النهائية له، والتي لا نعتقد أنها مجرد تحرك من طرف الجولاني لاغتنام فرصة سانحة، بل أنها تطور مركزي، في خطة متوافق عليها بين الأطراف الدولية المهيمنة على القضية السورية، أي روسيا وإيران وتركيا.

فهذه التطورات تأتي في سياق إنهاء تدويل القضية السورية، الذي سيفضي إلى تطبيع علاقات النظام بالدويلات الموازية لنظام الأسد، والذي وجدنا علامات مؤكدة حوله في عمليات التفاوض الجارية وفتح المعابر للتبادل الاقتصادي والتحركات السكانية التي ستنتهي باتفاقات بين هذه الدويلات ودويلة النظام، عمادها منح هذه الدويلات الموازية وقادتها مكاسب ومزايا محددة في مقابل الاعتراف -ولو صورياً- بسيادة النظام ورأسه على البلاد. وهذه الخطة بدورها، تأتي في سياق أوسع، هو انسداد الأفق أمام النظام الحاكم في سوريا وداعميه، في ما يخص محاولات تعويمه، إذ تقف بوجهها بقوة دول إقليمية والدول الغربية بالعموم، ولم يعد من سبيل لهذا الهدف سوى بتسوية داخلية تنهي وجود أي قوة خشنة مناهضة للنظام على الأرض السورية، تمهيداً لإنكار وجود أي معارضة أو حالة احتجاج، ولادعاء النظام السيطرة الشاملة على الأرض، الأمر الذي يجعل التعامل معه والتطبيع أمراً واقعاً لا مفر منه.

تتوغل “هيئة تحرير الشام” في مناطق نفوذ أنقرة، خصوصاً في عفرين التي تشكل منطقة ذات حساسية خاصة للأمن القومي التركي، ولديها فيها قوات عسكرية وأمنية، فضلاً عن الفصائل المتحالفة معها. ولن يكون في إمكاننا فهم غض النظر التركي عن هذا كله بمعزل عن التصريحات التركية الأخيرة حول ضرورة إيجاد تسوية في سوريا، تحقق السلام وتضمن وحدة الأراضي السورية. ونستطيع أن نفهم أكثر برصد تحركات الفصائل الأقرب لها، ليتبين لنا أن الأمر ليس مجرد غض نظر، ولا تأييداً لتحرك منفرد من قبل الجولاني، بل إنه حدث مُحضّر له بالكامل، ومُسيطَر عليه من قبل الطرف التركي.

على سبيل المثال، فقد وصلت الشخصية الأكثر غموضاً في المعارضة السورية، والأكثر قرباً من الاستخبارات التركية، أي القيادي في تنظيم الإخوان المسلمين السوري، نذير الحكيم، إلى مناطق سيطرة فصائل الجيش الوطني في 6 أكتوبر/تشرين الأول الحالي، والتقى بقادة عدد من تلك الفصائل. وفي اليوم الثاني، اغتيل الناشط محمد أبو غنوم وزوجته، لتتفجر سلسلة الحوادث التي سمحت للجولاني بالتدخل، بمؤازرة من فصيلَي الحمزات والعمشات فيلق الشام التابع للإخوان المسلمين، فيما عملت هيئة “الثائرون” و”السلطان مراد” على إضعاف صفوف المناهضين له عبر استقطابهم وادعاء الحياد. لكن أقوى المؤشرات على كون الأمر استجابة لرغبة تركية، برز في المفاوضات التي جرت بين الجولاني والفيلق الثالث، والتي حضرها مسؤول تركي طالَب الفيلق، بفصيليه الرئيسيين، الجبهة الشامية وجيش الإسلام، بالرضوخ لشروط الجولاني، وعلى رأسها إنهاء الحالة الفصائلية في الشمال السوري بالكامل، وإدارة هذه المنطقة أمنياً وعسكرياً وسياسياً من قبل جهة واحدة هي هيئة تحرير الشام.

لقد أفضت تلك المفاوضات إلى اتفاق مبدئي غامض لا يتضمن سوى عبارة وحيدة واضحة، هي أن الفيلق الثالث، وهو القوة الوحيد التي ناهضت بالسلاح هيمنة الجولاني، لن يكون مسموحاً له سوى العمل العسكري، وهذا معناه التواجد على خطوط الاشتباك مع النظام وقوات سوريا الديموقراطية، حصراً. أي لن يكون مسموحاً له التصرف كقوة سياسية، ولا بناء قدرات ذاتية مستقلة، خصوصاً على الصعيد الاقتصادي، وهذا سيؤدي مع مرور الوقت إلى الاضمحلال.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة، لارتباطه الوثيق بما سيترتب على سيطرة الجولاني، هو الغاية التركية من دعمه، أي ببساطة ما الذي سيقدمه مقابل هذه الهبة الكبيرة؟

والأرجح أن الجولاني مُنح هذه الجائزة لأسباب ثلاثة:

الأول، هو استجابة لرغبة روسية إيرانية إضافة إلى النظام، وهو أمر قد يبدو غريباً لكنه يبدو معقولاً في سياق إنهاء التدويل آنف الذكر. إذ أن حلول “تحرير الشام” محل المعارضة السياسية كمفاوض للنظام، سيسمح بوصم الثورة بشكل نهائي بأنها ثورة طائفية جهادية، الأمر الذي سيحرمها من أي تعاطف أو دعم إقليمي أو دولي، وسيرسخ بشكل نهائي سردية النظام التي دأب على تأكيدها منذ اليوم الأول في الثورة، وهي أن هدفها إقامة إمارات إسلامية سلفية.

السبب الثاني، هو رغبة الأتراك في ترسيخ التغييرات الديموغرافية التي أحدثتها في منطقة الحدود الجنوبية مع سوريا، لجهة إضعاف الوجود الكردي عبر منح المنطقة لقوة راديكالية يصعب التفاهم معها، ولتصبح عودة الأكراد إلى مناطق مثل عفرين ونواحيها أشبه بحلم غير قابل للتحقيق.

أما السبب الثالث، فهو على صلة بما سبقه، ويأتي في سياق الضغط على قوات سوريا الديموقراطية للتخلي عن تشددها في مسألة الحكم الذاتي. فإذا أصرّت “قسد” على البقاء كياناً مستقلاً، فإن غريمها لن يكون سوى كيان جهادي مستقل أيضاً، له ما له من القوة والنفوذ في مناطق سيطرة “قسد” ذاتها. ويجب ألا ننسى إن جبهة النصرة تم تأسيسها على الأرجح في أرياف دير الزور، وهي ما زالت تتمتع بجمهور هناك، ناهيك عن أن مكوناً أساسياً فيها، وفي قوتها العسكرية والأمنية على وجه التحديد، هو من أبناء تلك المنطقة، وعبرهم يستطيع أن يستوعب فلول تنظيم الدولة الإسلامية المتهالك لكن الذي ما زال حاضراً في شرق سوريا. بعبارة أخرى، سيثقل هذا الحضور للجار الجديد على “قسد”، وسيرغمها على إبداء مرونة أكبر في المفاوضات الجارية بينها وبين النظام، والقبول بحلّ نفسها وإنهاء حلم الحكم الذاتي الكردي في شمال سوريا وجنوب تركيا.

ونعتقد أخيراً أن تركيا في مرحلة التخلص من عدتها السابقة التي صارت لزوم ما لا يلزم، بعدما اعتمدت استراتيجية جديدة في سوريا، فأعفت مسؤولي الملف السوري الثلاثة، من مناصبهم، وحولتهم إلى سفراء، ولا بد أن تعيد النظر في الفصائل التي شكلتها ودعمتها، وأن تجد طريقة للتخلص من أعبائها المالية والإدارية ومشاكلها التي تسبب صداعاً دائماً في أنقرة. ولا يوجد من هو أكفأ لهذه المهمة من الجولاني، الخبير بتفكيك الكيانات الموازية له وابتلاعها، ولا أفضل من تنظيمه القادر على الاعتماد على نفسه والاكتفاء بموارد المناطق التي تُمنح له.

سيحتاج الأمر بضعة أشهر لنرى نتائج سياسية لهذا التطور على صعيد التفاوض بين نظام الأسد و”تحرير الشام”، لكن الآثار الاقتصادية والاجتماعية ستفعل فعلها منذ الآن. فحاضنة الثورة المتبقية في الحيز الأخير، المتمثل في شمال حلب، ستغسل يدها نهائياً من هذه القضية، وسيصبح محور اهتمامها هو سلطة “تحرير الشام”، سواء في تلك المناطق، أو في ما يخص السلطات التي ستتمتع بها إزاء حكومة النظام. وقد نشهد مرحلة من الحشد والترهيب باتجاه “قسد”، وهذا كله بعيد جداً من القضية الأساسية التي انطلقت منها، قبل أكثر من عشر سنوات، ثورة “الحرية والكرامة”. ولعله هذا هو المطلوب اليوم، أي تصفية الثورة السورية بشكل نهائي، عبر جعل تنظيم “القاعدة”، المتحدث الرسمي والمفاوض باسمها.

المدن

—————————

تركيا وما وراء غزوة (النصرة) لعفرين المحتلة/ خورشيد دلي

فجأة، ومن دون مقدمات أو أسباب مقنعة، غزت جبهة النصرة مدينة عفرين المحتلة، وتهدد بتوسيع مناطق سيطرتها في ريف حلب، فماذا وراء ذلك؟ وأين تركيا من غزوة النصرة الجديدة هذه؟.

يعرف الجميع أن جبهة النصرة، الفرع السوري لتنظيم القاعدة، لصاحبها أبو محمد الجولاني، كبرت وسط رعاية تركية، وصمت إقليمي ودولي، حتى بدت قوة على الأرض، لها حكومة (الإنقاذ) وجيش على شكل إمارة إسلامية تهدد المناطق المحيطة بها، وعليه لا يمكن النظر إلى أهداف النصرة من غزوتها الجديدة لعفرين المحتلة، بعيداً عن سعي تركيا إلى ترتيب واقع أوراقها، وأدواتها، ودينامية سياستها في الشمال السوري، واللافت في التوقيت أن هذه الغزوة تتزامن مع الاستدارة التركية نحو دمشق، فما هي الأهداف التركية من وراء هذه الغزوة؟.

في الواقع، يمكن القول إن ثلاثة أهداف تركية تقف وراء هذه الغزوة، وهي: 1- تعويم جبهة النصرة، وجعل تقدمها على حساب الفيلق الثالث ومن معه من فصائل (الجيش الوطني) وسيطرتها على مناطق واسعة في ريف حلب، بمثابة القوة المهيئة للقيام بعملية عسكرية جديدة في الشمال السوري، وتحديداً في تل رفعت ومنبج بعد أن وجدت تركيا رفضاً إقليمياً ودولياً لعمليتها العسكرية التي قررتها منذ أشهر.

2- توجيه ضربة استباقية للفصائل المسلحة التي أظهرت رفضاً للمصالحة مع دمشق استجابة للاستدارة التركية نحوها، وكذلك توجيه ضربة للمسعى الأميركي تجاه هذه الفصائل وجعلها عقبة في وجه الاستدارة التركية، خاصة أن رفض هذه الفصائل تزامن مع تظاهرات شعبية مؤيدة لها في عدد من مدن الشمال السوري، وهو ما أجبر تركيا على مراجعة خطاب الاندفاع نحو دمشق، وأخذ هذا الرفض بعين الاعتبار لتبرير موقفها، بالقول إن ما تريده هو الوصول إلى تفاهم على الحل السياسي للأزمة السورية وليس المصالحة مع دمشق.

3- إن الاستراتيجية التركية البعيدة المدى في الشمال السوري، تتعلق بكيفية تقوية أوراقها في التفاوض مع الروسي والإيراني والنظام السوري، وهي في ذلك تراهن على جعل النصرة ورقة قوية في التفاوض كي تحقق  المصالحة مع دمشق أكبر قدر من المكاسب لها، سواء في القبول بشروطها لإعادة  اللاجئين السوريين إلى هذه المناطق في إطار خططها لتغيير ديمغرافية شمال شرقي سوريا، أو التوصل إلى تفاهمات بشأن كيفية محاربة الإدارة الذاتية في شرقي الفرات، كل ذلك في إطار نظرتها القائمة إلى النصرة كورقة تفاوضية مستقبلية يمكن التضحية بها على طاولة البازار السياسي مع روسيا، وهو نهج اتبعته تركيا منذ معركة حلب في التعامل مع الأزمة السورية، وجعل أولويتها الوحيدة محاربة المكون الكردي في سوريا عبر شعارات مكافحة الإرهاب.

من دون شك هذه الأهداف التركية هي التي تقف وراء الغزوة الجديدة للنصرة لعفرين المحتلة، لكن الثابت أن طريقها إلى ذلك ليس مفروشاً بالورد، فعلى الأرض تهدد هذه الغزوة وجود الفصائل المسلحة التي لم يعد أمامها خيارات سوى مواجهة النصرة دفاعاً عن مناطق سيطرتها، كما أن المسعى التركي يشكل تحدياً للسياسة الأميركية الهادفة إلى الإبقاء على ورقة الفصائل المسلحة في إطار التطلع إلى تسوية الأزمة السورية وفق رؤيتها، ومنع دول محور أستانا (روسيا وتركيا وإيران) من فرض الحل الذي تريده على الأزمة السورية، وعلى الأرض أيضاً، فإن التطلع التركي إلى استخدام النصرة ورقة ضد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) من خلال احتلال مناطق جديدة سيجابه برد عسكري قوي، خاصة أن النصرة مصنفة في قوائم التنظيمات الإرهابية، وعليه فإن حسابات تركيا لخلط الأوراق في الشمال السوري من أجل تقوية نفوذها، وتحقيق أكبر المكاسب السياسية قد لا تكون دقيقة، خاصة أن قضية التخلص من النصرة مستقبلاً إذ جرت التطورات وفق السيناريو التركي ليست سهلة كما يتوقع البعض في ظل امتلاكها لأسلحة هائلة، وأعداد كبيرة من المقاتلين، وهو ما يعني أن السيناريو التركي القائم على رهانات غزوة النصرة لعفرين المحتلة، قد لا يكون سواء فصل جديد من العبث بدماء السوريين وآلامهم على مذبح حسابات أردوغان، وتطلعه إلى البقاء في سدة الرئاسة من جديد مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة في الصيف المقبل.

نورث برس

————————–

=====================

تحديث 23 تشرين الأول 2022

الأمم المتحدة تتراجع… الجولاني يتقدّم/ راتب شعبو

ليس للطبيب أن يرفع الراية البيضاء أبداً، يجب أن يكون لديه ما يفعله تجاه المريض حتى اللحظة الأخيرة. تخطُر في البال هذه القاعدة في الطب، لدى متابعة مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سورية، غير بيدرسون، في زيارته أخيرا دمشق (17 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري)، إذا كان ما يُلزم الطبيب بهذه القاعدة اعتبارٌ علمي ومهني، فإن ما يفعله بيدرسون من استمراره في إنعاش مسار اللجنة الدستورية المريض، أو قل الميت، مدفوعٌ بالأحرى بمصلحة خادعة للأمم المتحدة، وهي إيهام العالم بأن هناك ما يُفعل أممياً حيال المأساة السورية المزمنة، وربما مدفوعٌ أيضاً بمصلحة شخصية لبيدرسون، لا تتمثل في تحقيق إنجاز دبلوماسي يسجّل باسمه، فهو يدرك قبل غيره أنه لا إنجاز يُرتجى من مسارٍ عليل كهذا، بل تتمثل في الاستمرار باستلام مخصّصات شهرية بعشرات آلاف الدولارات كما يقال. وقد كان الرجل صريحاً في الإحاطة التي قدمها أمام مجلس الأمن في يونيو/ حزيران 2022، حين خاطب المجلس بالقول: “لا تنسوا سورية”، ما يشير إلى إدراكه أن الشأن السوري موضوعٌ على الرفّ أو منسي.

صرح بيدرسون، في زيارته هذه إلى دمشق، وعلى خلفية نسيان سورية، بأن “قرار مجلس الأمن 2254 لم ينجح حتى الآن”. إضافة عبارة “حتى الآن” لا تعدو كونها بعضاً من دبلوماسية التوهيم أو إشاعة أمل بأن القرار المذكور لم يمت، وأن العمل جار لتطبيقه. والواقع أن هذا القرار أصبح نسخة مكرّرة عن قرار مجلس الأمن الشهير رقم 242، مجرّد مخزون لفظي يتكئ عليه العاجزون، فيما يتستّر به القادرون لتمرير كل ما يجعله غير قابل للحياة.

يعطي تصريح بيدرسون مفتاحاً لوضع الأحداث التي شهدها أخيرا شمال غرب سورية ضمن إطار قابل للفهم. المقصود هنا بالأحداث تمدّد “هيئة تحرير الشام” إلى عفرين وتعاون فصائل ما يسمّى “الجيش الوطني” معها ضد فصائل أخرى، ثم انسحاب الهيئة “جزئياً” من عفرين بعد أن كانت تريد الوصول إلى أعزاز. يعطي الانسحاب الذي جاء بضغط تركي مباشر، وبضغط أميركي إعلامي، فكرة عن مهارة الهيئة في “احترام الكبار”، وفي سعيها إلى كسبهم وفق صيغة رابح – رابح، في بيئة سياسية وعسكرية معقّدة، باتت فوضاها مزعجةً لهؤلاء الكبار.

الاتجاه العام الذي ينظم حركة الوضع في شمال غرب سورية هو الخلاص من التشتت الفصائلي، والوصول إلى حالة شبيهة بما هو عليه الوضع في شمال شرق سورية، أي إدارة برأس سوري واحد، يستطيع ضمان الاستقرار. الفصيل الوحيد القادر على تولّي هذه المهمة هو هيئة تحرير الشام، ليس فقط لأنها أظهرت مقدرةً عسكريةً في وجه التشكيلات الأخرى، المعتدل منها والمتطرّف، بل أيضاً لأنها أظهرت قدرةً على ضبط الوضع الداخلي. ومن اللافت أن الإعلام التركي يمتدح الحياة في ظل الجولاني، قياساً على الحياة على الشريط الحدودي، حتى ساد لدى السوريين الذين يعيشون في هذا الشريط الخاضع لفصائل “الجيش الوطني”، اعتقاد ساذج يقول إن تجاوزات هذه الفصائل عملٌ مقصودٌ يهدف إلى إبراز أفضلية إدارة إدلب، قياساً على مناطق النفوذ العسكري الأخرى.

المشهد الفصائلي المحشو بالاقتتال البيني والفساد وكل صنوف التجاوزات التي تُغري بها السلطة البعيدة عن المحاسبة، بات عبئاً على الحاضن التركي. يصعب التخلّص من هذه الحالة عن طريق ابتلاع فصيل منها البقية، أولاً لأن هذا يحتاج دعما تركيا مباشرا لفصيل ضد البقية، الأمر الذي يولد ضغائن يمكن أن تفجّر الجسم الموحد في أي وقت. ثانياً لأنها تجعل التشكيل الجديد في التصوّر السوري العام، في المنطقة وخارجها، تابعاً مباشراً لتركيا. أي أن مثل هذا الخيار يمكن أن ينتج تشكيلا واحدا، لكنه سيكون ضعيف اللحمة الداخلية، وموسوماً بالتبعية السياسية المباشرة لراعيه. على ذلك، يحتاج تجاوز التشتت الفصائلي سيطرةً “سورية” من خارج الفصائل، وهو ما توفّره هيئة تحرير الشام.

في الواقع، تعرض الهيئة ثلاثة جوانب ترشّحها، في عيون الأطراف المتحكّمة بالشأن السوري، لأن تحوز السيطرة الكاملة على مناطق شمال غرب سورية. الأول الاستقلالية، فهي، على خلاف بقية التشكيلات العسكرية في المنطقة، مستقلة عن تركيا التي تضعها على قائمة الإرهاب. هذا بحد ذاته قيمة سياسية يمكن الاستثمار فيها استثماراً مجدياً، حتى من الجانب التركي نفسه، ولا تغيب هذه القيمة عن العين الأميركية. وقد كانت الهيئة على طول الخط تمتلك خطاً سياسياً مستقلاً ومخالفاً في نقاط عديدة للخط التركي، الذي حرصت فصائل “الجيش الوطني” وقيادات الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية على التطابق معه.

الجانب الثاني منبتها الإسلامي الأصولي الذي زوّدها بسند أيديولوجي متين لمواجهة باقي التشكيلات التي تستند جمعيها، بحدود متفاوتة، إلى المرجعية الإسلامية. وقوفها على الأرضية الأيديولوجية نفسها يسمح لها بتذويب التشكيلات عبر استقطاب كوادرها أو عبر تصفية هذه التشكيلات، مستفيدةً من تفوقها العسكري، بغطاء إسلامي يصعب على خصومها التشكيك فيه.

الجانب الثالث البراغماتية والقدرة اللافتة للجولاني في تبدية السياسي على العقيدي. في الحق أن هذه الصفة هي ما تعطي أهمية وقيمة للجانبين الأولين. ربما لو توفّر لدى الأمير السابق لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) أبو بكر البغدادي (قُتل في غارة أميركية في 26 أكتوبر/ تشرين الأول 2019) شيء من براغماتية الجولاني، لما انتهى تنظيمه هذه النهاية المأساوية التي تدفع ثمنها اليوم عائلات كاملة بالآلاف، باتت منبوذة ومعزولة كمرضى الجذام.

الجمع بين القدرة على ضبط التنظيم والاحتفاظ بتفوقه العسكري، وضبط المجتمع المحلي الواقع تحت سيطرته، وبين الاستعداد للتبدل وفق مقتضى الحال السياسي، هو ما يجعل الأطراف الدولية تأخذ الهيئة في الحسبان وتغض النظر عن تقييمها كتنظيم إرهابي… وليس من السهل الجمع بين التماسك التنظيمي والمرونة السياسية، ذلك أن “المبدئية”، أي ضعف المرونة السياسية، هي التي تشدّ الجسد التنظيمي، ولا سيما على مستوى القواعد، وما يمكن أن يحلّ هذه العقدة هو قناعة القواعد التامة بالقيادة، وهو ما استطاع تحقيقَه الجولاني فيما يبدو.

يتقدّم الجولاني في الشمال، فيما تتراجع الأمم المتحدة وتمهد لحلول “عملية”، أبطالها قوى الأمر الواقع التي تتبلور اليوم أكثر في شمال غرب سورية. يذهب “الانتقال السياسي”، ويأتي تقاسم السلطة. التغير الجدّي في المعادلة يحتاج إلى تغيّر جدّي في روسيا.

——————————————-

اجتياح الجولاني للشمال السوري أمانةٌ إيديولوجية وإخلاصٌ في المنهج/ العقيد عبد الجبار عكيدي

لم يكن جمهور الثورة من السوريين يحتاج إلى المزيد من الوقت ليدرك أن تمدد قوى التطرّف والإرهاب في الجغرافية السورية كان المدخل الأساس لتغلغل الخراب في أوصال الثورة، كما لا يحتاج المرء إلى المزيد من التفكير ليدرك أيضاً طبيعة الموقف العدائي الذي تضمره قوى التطرف الديني لفصائل الجيش الحر، ولعل هذا ما بدا واضحاً منذ بداية تمدد الجماعات الإسلامية في سوريا، حيث بدأت باستهداف الجيش الحر قبل استهدافها أو مواجهتها لقوات النظام الأسدي، ويمكن إرجاع عوامل العداء إلى أمور كثيرة، لعل أبرزها:

أولاً – لئن ارتبطت نشأة فصائل الجيش الحر بهدف الدفاع عن المتظاهرين السلميين في مجابهة آلة القتل الأسدية، ومع إيغال السلطة في العنف تحول الجيش الحر إلى قوة لردع توحّش النظام، ومن ثم محاصرته وتقويض نفوذه وتقليص مساحات سيطرته، وذلك نصرة لتطلعات السوريين الذين انتفضوا للتحرر من سلطة القهر والاستبداد، ومن ثم البدء بالتغيير نحو دولة الحرية والقانون والعدالة، إلّا أن الجماعات الدينية المتطرفة بمجملها لم تكن معنية بمسألة التحرر الوطني بالمطلق، بل هي لم تفارق في تفكيرها وسلوكها مرجعياتها (القاعدية) ذات المحتوى السلفي الجهادي، الذي يسعى إلى إقامة مشروعها العابر للأوطان والشعوب، والمتمثل بإقامة دولة الخلافة، وفقاً لحَمَلة هذا التوجه. فبواعث الصراع أو المواجهة بين الطرفين إنما تكمن في التناقض بين مشروعين، الأول وطني تحرري معني بحرية المواطن وكرامته وحقه في العيش الكريم، ويستمد مشروعيته من معطيات واقعية إنسانية، وبين مشروع إمبراطوري عقدي إقصائي عابر للأوطان والشعوب، يستمد مشروعيته من يقينيات لا تجد مصداقيتها إلا في أذهان ونفوس أصحابها.

ثانياً – القوى المتطرفة لا تقبل أي شكل من أشكال التوافق أو الشراكة، بل لا ترى في سلوكها وتصوراتها إلا الصوابية المطلقة، وما على الآخرين إلّا الانصياع لما تريد، ولعل هذا النمط الإقصائي من التفكير لم يكن ليستهدف فصائل الجيش الحر وحدها، بل يستهدف الجهات والقوى الإسلامية ذات التفكير المشترك بين بعضها البعض، فعلى سبيل المثال (داعش – النصرة – أحرار الشام –جند الأقصى- حراس الدين- أنصار الدين-وسواها الكثير) لا أحد يقبل بالآخر، وكلٌّ يعدُ ذاته مَن يقوم بأمر الله في الأرض.

ثالثا – غالباً ما كانت الإيديولوجيا الدينية هي الغطاء الأمثل لدى الجماعات المتطرفة لتمرير نزوعها الشديد نحو السيطرة وإحكام السطوة، من خلال استثمار شعارات محاربة المرتدين والمتعاملين مع الغرب الصليبي الكافر، لتتحول لاحقاً إلى محاربة الفساد وإنهاء الفوضى والقضاء على تجاوزات الفصائل الأخرى، بينما لم يجسّد سلوكها الحقيقي على أرض الواقع سوى مثالٍ على انتهاك فظيع لمجمل القيم والأعراف الإنسانية.

ومن هنا يمكن التأكيد على أن الاجتياح الذي قامت به هيئة تحرير الشام (النصرة سابقاً) لمناطق وبلدات الشمال السوري، مُستهدفةً مواقع وتموضعات الفيلق الثالث، لم يكن مباغتاً أو مفارقاً للنهج الذي مارسته وتمارسه قوى التطرف والإرهاب منذ أن بدأت بالتسرب إلى الجغرافيا السورية (أواخر العام 2011)، ولئن استطاع أبو محمد الجولاني استمالة بعض الفصائل ممّن تُنسب إلى الجيش الوطني، وتأليبها على خصومه، مُستغلّاً بنيتها الهشّة ونزوع قادتها نحو المكاسب الشخصية والآنية وافتقارهم إلى الوازع الوطني في الفكر والسلوك معاً، فإنه في الطرف المقابل، لم يكن الفيلق الثالث – من خلال سياقات المواجهة التي جرت – بالدرجة المطلوبة من المواجهة، أو على الأقل خذل الكثير من أنصاره وحاضنته الشعبية، وهذا ما يستدعي من قادة الفيلق- والشامية خاصة مراجعة حقيقية وشفافة والوقوف أمام أسئلة كثيرة يجب أن تطرحها وتجاوب عليها بموضوعية بعيدا عن الشعور بفائض القوة والتكبر، ومن تلك الأسئلة:

اولاً- لماذا لم تقف جميع فصائل الجيش الوطني مع الفيلق ضد هيئة تحرير الشام؟

ثانياً- ماذا كانت تنتظر تلك الفصائل من الفيلق حتى تنخرط بالقتال إلى جانبه ضد الهيئة؟

ثالثاً- لماذا زرع الدخول الأول للهيئة في تموز المنصرم إلى مناطق الفيلق قناعة لدى الجميع بعدم قدرة الفيلق الثالث على المواجهة؟ وما مدى تأثير هذه القناعة على تردد الفصائل بالبدء بقتال الهيئة؟

رابعاً- لماذا لم يدرك الفيلق الثالث خطورة تخليه عن كثير من الفصائل التي كان يمكن أن تكون رأس الحربة في قتال الهيئة مثل حركة نور الدين الزنكي وبعض المجموعات التي خرجت من حلب نهاية عام 2016 ولم يتم استيعابها من قبل الجبهة الشامية؟

خامساً- ألم يكن الفيلق الناطق بالمظلومية من وقوف الآخرين على الحياد ظالما بنأيه بنفسه حين ابتلعت جبهة النصرة فصائل (جبهة ثوار سوريا، حركة حزم، أحرار الشام، جيش المجاهدين، حركة الزنكي، تجمع فاستقم، جيش الإسلام).

ما هو مؤكّد، أن المقاربة الجدّية للتساؤلات السابقة ستفتح أبواباً كثيرة وواسعة لا يمكن إغلاقها عبر تقديم أجوبة لا تحمل في طياتها سوى التبرير والقفز من فوق المشكلات أو التعامي عنها، بل هي بحاجة إلى وقفات جريئة ومراجعات معمّقة وشجاعة، كما هي بحاجة أيضاً إلى تحمّل للمسؤوليات مهما بدا وقعها ثقيلاً.

لا أحد ينكر أن الفيلق الثالث هو الكيان الذي تنضوي تحت مظلته مجمل الفصائل التي هي أقرب من سواها إلى روح الثورة وأهدافها، كما يجب الإقرار دوماً بأن تحرير مجمل مدن وبلدات الريف الشمالي بحلب من سلطات الأسد، إنما هي إحدى منجزات فصائل هذا الفيلق الذي ينتمي معظم مقاتليه إلى ذات المدن والبلدات، ولعله من الواجب التنبيه دائماً إلى أن معظم فصائل الفيلق الثالث كان لها إسهامات مشرِّفة في خوض معارك كثيرة وفي مناطق مختلفة من سوريا ( القصير- الرقة- الغوطة الشرقية ………) فهو إحدى القوى الوطنية العسكرية السورية التي دافعت وما تزال عن فكرة الثورة وتجلياتها الراهنة، إلّا أن سلامة المحتوى ونصاعة الإرث الثوري لا تحول دون الانحدار والتردّي في السلوك إذا غاب التفكير المتجدد وفقاً للمعطيات المتجددة أيضاً باستمرار.

وكذلك إذا غاب الاهتمام بالبنية التنظيمية والإدارية. ولئن اقتضت الظروف في بداية الثورة أن تتشكل فصائل الجيش الحر على مبدأ ارتجالي في معظم الأحيان، قوامه الحماس والاندفاع والفزعة واستثمار العوامل الشخصية والمناطقية …إلخ، كما هو الأمر في لواء التوحيد ولواء الفتح اللذين شكلا الجسد الحقيقي للجبهة الشامية، والتي باتت النواة الصلبة في الفيلق الثالث بالإضافة إلى جيش الإسلام، فإن مرور أكثر من عشر سنوات على انطلاق الثورة كان كفيلاً بأن تُدار الكيانات العسكرية بنظام إداري وبنى تنظيمية تتجاوز عقلية وإدارة (الحجي) كما تتجاوز ثغرات النفوذ المناطقي والتغوّل الشخصي، والنزوع الطاغي نحو الهيمنة والحيازة على الموارد المالية بذريعة وجود (النواة الصلبة)، فالإرث الثوري الذي يتحصّن به الفيلق الثالث لن يعصمه من الانهيار والتهافت إن لم يوازيه حرص شديد على التجديد في البناء – تنظيمياً وإدارياً – موازاة مع حرص شديد على تجديد الوعي والخطاب، والخروج من نزعة (تورّم الأنا) للدخول في منهج التشاركية مع القوى الأخرى، ليس التشاركية التي تعني ابتلاع الآخر ووضعه تحت الإبط، بل التي تعني التفاعل والتشارك الحقيقي في اتخاذ القرار والتخطيط والعمل وبناء الإستراتيجيات، كما على الفيلق الثالث الإدراك أن عملية استدراك الكبوات أو إعادة البناء تحتاج إلى مبضع ينكأ الجراح بقسوة وجلادة لاستخراج القيح المزمن، وأن عمليات الترقيع البراني لن تزيد الجراح إلّا احتقاناً.

تلفزيون سوريا،

——————————–

تهيئة «الشمال المحرر/ هشام حاج محمد

ينقسم الشمال الغربي السوري الخارج عن سيطرة نظام الأسد، أو ما يسمى اصطلاحاً «المُحرَّر»، إلى ثلاث مناطق نفوذ: مناطق سيطرة «هيئة تحرير الشام» في إدلب وريف حلب الغربي، ومناطق سيطرة فصائل ما يُعرف بـ«الجيش الوطني» في جرابلس والباب واعزاز، ومناطق سيطرة فصائل «الجيش الوطني» في عفرين وما حولها. ويأتي فهم هذه التقسيمات ومعرفة كيفية نشوئها كمقدمة ضرورية لفهم كلّ ما يحدث في هذه المناطق من أحداث أمنية وسياسية واجتماعية واقتصادية، ومن هذه الأحداث خصوصاً هذا الاقتتال الحاصل بين «هيئة تحرير الشام» بمساعدة بعض مكونات «الجيش الوطني» والفيلق الثالث أحد مكونات «الجيش الوطني» نفسه!

تحكم هيئة تحرير الشام في إدلب وريف حلب الغربي مناطق سيطرت عليها فصائل معارضة بعد معارك مع قوات النظام بدون دعم عسكري خارجي مباشر، ثم تفرّدت الهيئة بالحكم بالتغلّب على هذه الفصائل عسكرياً. بينما يحكم المنطقة الممتدة من جرابلس حتى إعزاز فصائلُ منضوية في «الجيش الوطني»، تمّت لها السيطرة بعد معارك مع تنظيم الدولة الإسلامية بدعم وتدخل مباشر من الجيش التركي في عملية سُمّيَت «درع الفرات». أما المنطقة الثالثة فتحكمها أيضاً فصائل منضوية في «الجيش الوطني»، تمّت لها السيطرة بعد معارك مع الوحدات الكردية وبدعم وتدخل مباشر من الجيش التركي في عملية سُمّيَت «غصن الزيتون».

يمكن القول، وبتعميم واسع لكنه ضروريٌّ هنا، إن الهيئة في إدلب والفصائل في منطقة عملية «درع الفرات» موجودون في بيئة اجتماعية لديهم حواضن شعبية فيها، رغم أن هذه البيئة الاجتماعية لا تنفكّ عن مقاومة كلٍّ منهما في منطقة سيطرته، مقاومة بين رفض النفوذ كلياً ورفض السلوك والمطالبة بالإصلاح. مع تميُّز هيئة تحرير الشام عن الجيش الوطني بوجود مقاومة مدنية أكبر لنفوذها، بسبب سلوكها المتطرف ومنبتها القاعدي الذي يخيف المدنيين من أن يجلب لهم تبعات «الحرب على الإرهاب»، والأهم من ذلك بسبب طريقة سيطرتها على إدلب، من خلال تفكيك فصائل الجيش الحر وفصائل أخرى لها قواعدها الشعبية ومطاردة كل من قاوم نفوذها من المدنيين، وخاصةً الناشطين والإعلاميين الذين انتقل أغلبهم إلى مناطق سيطرة «الجيش الوطني» هرباً من ملاحقة الهيئة.

لكنّ عفرين وما حولها أبعد ما يمكن عن أن تكون بيئة اجتماعية فيها حواضن لفصائل «الجيش الوطني»، لأن السكّان هناك إن لم يكونوا حاضنةً للوحدات الكردية فهم بلا أدنى شك ليسوا حواضن لفصائل تأتمر بأمر تركيا، كما أن عفرين لم تكن طوال سنوات الثورة بيئةً اجتماعيةً لفصائل إسلامية، أي إنها لن تكون مؤيدةً للفصائل ولا للهيئة في اقتتالهما، والمدنيون الذين يؤيدون أحد الطرفين فيها هم قواعد شعبية للفصائل من المهجرين الذين سكنوا عفرين بعد تهجيرهم إليها من مناطق سورية عدة.

بناءً على ما سبق، يمكن القول إن ما ينتظره ويتوقعه المدنيون في إعزاز والباب وجرابلس ومارع من تركيا يختلف عن ما ينتظره ويتوقعه المدنيون في إدلب وعفرين منها، وذلك تجاه هجوم هيئة تحرير الشام وحملتها للتوسع على حساب الفصائل في عفرين، ثم متابعتها التَقدُّمَ نحو إعزاز وعزمها المعلن للسيطرة على كامل الشمال.

لقد جَرَّبَ مدنيو إدلب مواقف وسلوك تركيا في أكثر من موقف، أولاً تجاه هيئة تحرير الشام عندما أزاحت أحرار الشام من معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا، وعندما ابتلعت فصائلَ كانت تركيا تقدم لها دعماً عسكرياً غير مباشر؛ وثانياً موقفها من تَقدُّم النظام على أكثر من منطقة في إدلب وخسارة كثيرٍ من البلدات والقرى ونزوح أعداد كبيرة من الأهالي، وذلك في مناطق تحتوي نقاطاً عسكريةً تركية جاءت لضمان وقف إطلاق النار ومراقبة إجراءات ما تم الاتفاق عليه مع روسيا من خفضٍ للتصعيد لم يحدث أن نُفِّذَ منه شيء.

بينما لم يُجرّب مدنيو شمال حلب في إعزاز وجرابلس والباب إلا وقوف تركيا إلى جانبهم بتدخل جيشها بشكل مباشر لتحرير أراضيهم من سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية، ومنذ أن تمت لها السيطرة أمَّنت حمايةً لابأس بها لهذه المنطقة من تهديد النظام وحلفائه؛ روسيا وميليشيات إيران، ولم يشهدوا تراجعاً واحداً على الأرض من تركيا ولا سماحاً منها لأي فصيلٍ بالتغلب على فصيل آخر، بل محاولةَ جمعهم جميعاً في كيانٍ عسكري واحد.

في حين تَعرَّض أهالي عفرين وما حولها من مناطق كانت تحكمها الوحدات الكردية لمعاناة بالغة على يد الفصائل المدعومة تركياً، ولا ينتظر هؤلاء من تركيا أكثر من رحيلها ومن معها من فصائل عن المنطقة، وربما حتى لو تمّ الأمر على يد هيئة تحرير الشام بالنسبة لبعضهم، إذ قد يكون ممكناً بالنسبة لبعض الناس احتمال التطرف الديني مؤقتاً، في حين أن سياساتٍ عدوانيةً مباشرةً تجاه الكرد لأنهم كرد لا يمكن احتمالها إطلاقاً.

بالعودة إلى هجوم الهيئة على مناطق سيطرة فصائل «الجيش الوطني»، فإنه لا يمكن إخفاء ارتياح كثيرين من أهالي عفرين، سواء من لا يزالون فيها أو من تم تهجيرهم منها نتيجة سيطرة الفصائل عليها، لسيطرة هيئة تحرير الشام على المدينة وأريافها، وهذا انطباعٌ تم رصده من معاينةٍ شخصية وتعاملٍ مباشر مع بعض أهالي عفرين. وهو ليس وليد لحظة دخول الهيئة، بل من مراكمة انطباعاتٍ يطلقها بعض أهالي عفرين منذ مدة طويلة، ويمكن القول إنه بدأ بعد مدةٍ قصيرةٍ من سيطرة الفصائل ومعايشة انتهاكاتها وطريقة إدارتها، وذلك رغم تصريحات المجلس الكردي (مُمثَّلٌ في الائتلاف وله مكاتب في داخل عفرين) ضد الهيئة، بسبب تمثيله الشعبي الضعيف جداً في المدينة. غير أن هذا الارتياح بسيطرة الهيئة ليس حباً بها، ولكن لأن سيطرة تنظيمٍ مصنّف على قوائم الإرهاب الأميركية على عفرين يمكن أن يُسهّل عملية طرده من قبل التحالف كما حصل مع تنظيم الدولة الإسلامية. ينتطر كثيرون من أبناء عفرين الكرد عموماً، وخصوصاً أنصار الوحدات الكردية الذين يسكن أغلبهم حالياً خارج عفرين في مناطق عدة من سوريا وخاصةً في تل رفعت وما حولها، التي بات يُطلق عليها «منطقة الشهباء»، استعادةَ الوحدات الكردية بمساندة التحالف للسيطرة على عفرين، وهو الأمر الذي تسهله كثيراً سيطرة الهيئة.

في إعزاز والباب نجد الصوت الشعبي عالياً جداً ضد هيئة تحرير الشام، ويمكن اعتبار المظاهرات التي خرجت تنديداً بهجوم الهيئة تمثيلاً لموقف عموم المدنيين في هذه المناطق، وذلك دون إهمال وجود من يؤيدون قدومها لحكم المنطقة بسبب ما عايشوه من فوضى الفصائل وما سمعوا عنه من تنظيم وانضباط الهيئة في الإدارة. وهو بالطبع لا يُعَدُّ انضباطاً إلا في سياق مقارنته مع فوضى فصائل «الجيش الوطني» في إدارة مناطقها.

بالاستعانة بالتقسيمات والتفصيلات المذكورة أعلاه، تَجدرُ الإشارة هنا إلى أمر بالغ الأهمية في سياق الموقف الشعبي من هجوم الهيئة، وهو أن «مناطق عملية درع الفرات» تحكمها فصائل من أبنائها، وتشارك في حكمها فصائل تم تهجير قادتها ومقاتليها وعائلاتهم من مناطق سورية أخرى، ولا يستطيعون العيش في إدلب تحت سيطرة الهيئة بسبب عداواتٍ تشكّلت من اقتتالاتٍ سابقة حدثت في مناطق متعددة من سوريا، ومن أمثلة ذلك مقاتلو جيش الإسلام وعوائلهم. كما أنها منطقة تجهيز مزدوج من قبل النظام من عموم مناطق سوريا ومن قبل الهيئة بعد حملاتها على فصائل الجيش الحر وهروب المقاتلين وعائلاتهم إلى مناطق «الجيش الوطني»، فالشاهد هنا أن هذه المنطقة عصية على سيطرة الهيئة بسبب وجود حاضنة شعبية للفصائل ووجود فصائل معادية للهيئة ومشروعها منذ أمدٍ بعيد.

عفرين أيضاً ذات خصوصية كما قلنا، لكن على عكس مناطق «درع الفرات»، فإن عدم وجود حاضنة شعبية للفصائل ولا مقاتلين من أصحاب الأرض قد سهَّلَ كثيراً دخول الهيئة إليها بلا مقاومةٍ تُذكر.

في مواجهة هجوم الهيئة على عفرين، لم تُحرّك تركيا ساكناً ولم تُسكّن متحركاً، بل أخلَت بعض نقاطها العسكرية التي قد تتعرض لخطر الاشتباكات بين الهيئة والفيلق الثالث. بالإضافة إلى أنها كثَّفت من تحليق طائراتها بدون طيار على مناطق الاشتباك مع الوحدات الكردية في محيط عفرين، لدرء خطر استغلال الوحدات إياها للاقتتال في تنفيذ تسلّل عسكري إلى مناطق نفوذ الفصائل التي تدعمها تركيا في عفرين. يأتي هذا الإجراء ليكون أحد أهم العلامات التي تشير إلى تخوّف تركيا من أن يمنح أي تغيير للسيطرة في عفرين فرصةً للتحالف الدولي، أو حتى للجانب الروسي، لإعادة الوحدات الكردية إلى المدينة وريفها.

الاستطلاعُ بالطائرات، وإرسال قوات عسكرية جديدة إلى عفرين، ربما يؤكد أن تركيا تحيط بظروف الاقتتال، تستغلّه، تتحكم به وتوجهه وتتعامل مع مخاطره.

الصمت التركي: كيف يفهمه الناس في الشمال السوري

فتح الصمتُ التركي باباً واسعاً لتداول تأويلات عديدة بين الناس في الشمال السوري بشأن محاولة فهم ما يحدث وغايته الحقيقية، ومن هذه التأويلات:

– تعاني تركيا من فوضى الفصائل في «الجيش الوطني»، وهو ما يضرّ بسمعتها كقوة سيطرةٍ في سوريا، وأرادت استبدال الفصائل بالهيئة التي تضبط إدلب بشكلٍ مناسبٍ لوجود تركيا العسكري في سوريا.

– قامت بعض الفصائل في «الجيش الوطني»، وذلك بعد تصريحات تركية عن احتمال التقارب مع نظام الأسد وحدوث مصالحة، بإجراء اتصالاتٍ مع الولايات المتحدة في شرق سوريا ومع حليفتها قسد  لتضمن لنفسها النجاة من المصير الذي ينتظرها إذا حدثت المصالحة، ما استدعى من تركيا معاقبتها بالسماح للهيئة بغزو مناطق سيطرتها كعمل تأديبي يردعها عن الخروج مستقبلاً عن الأوامر والتعليمات التركية.

– تريد تركيا إجراء تفاهمٍ مع النظام بصيغةٍ تشمل فتح معابر تجارية ومدنية، تضمن تركيا من خلالها التجارة مع مناطق سيطرة النظام وتوسيع المناطق التي تنوي إعادة اللاجئين السوريين إليها لتشمل مناطق النظام عبر المعابر المدنية، وذلك ما يتطلب سيطرة جهةٍ واحدةٍ مُنظمة ومنضبطة ولا مشكلة لديها مع فتح المعابر والتجارة مع النظام، ولا أفضل من الهيئة لهذه المتطلبات. ويُدعم هذا التحليل نفسه بحقيقة وجود مراكز مصالحة يفتتحها النظام في محيط إدلب (خان شيخون، معرة النعمان)، على أنها دلالةٌ على ما يجري تحضيره في المرحلة القادمة للمدنيين الذين ربما ستتم إعادتهم إلى هذه المناطق برعاية تركية روسية.

إذن، تتقاطع أغلب التحليلات المتداولة بين سكان الشمال على مسألة رغبة تركيا بعقد اتفاق أو تفاهم مع نظام الأسد، والتخلّص من عبء «الجيش الوطني» واللاجئين السوريين لديها.

وفي تقديري أن ما يحدث يمكن أن يكون موقفاً تركيّاً تجاه مواقف سكان الشمال الرافضين لسياسة تركيا في إجراء اتفاقٍ خاص مع النظام، وفتح المنطقة على مناطق سيطرته عبر معابر تجارية ومدنية، الأمر الذي وصل خلال مظاهرات رافضة لهذا التوجه إلى إحراق العلم التركي، وهو فعلٌ لا تجب الاستهانة بتأثيره على القرار التركي. ولكنه في تقديري ليس موقفاً من فصائل «الجيش الوطني» نفسه،  لأن درجة تبعيتها لتركيا لا تعطي أي انطباعٍ بوجود حاجة تركية لاستخدام الهيئة لتأديبها أو إجبارها على فعل أمرٍ لا تريده.

إذن، لقد فعلت تركيا ما يلزم كي يرى الناس ما يمكن أن يحدث فيما لو وقفت على الحياد، وتركت الأحداث تتفاعل دون تدخلٍ منها. المظاهرات التي سارت إلى معبر باب السلامة مع تركيا احتجاجاً على الصمت التركي تجاه هجوم الهيئة هي بالضبط ما كانت تركيا تنتظره، ليس لأنها تتحرك بفعل الضغط الشعبي، بل على العكس من ذلك، إن هذه المظاهرات تعني أن الناس التقطوا الرسالة التركية، وخرجوا للتظاهر طلباً لمساعدة تركيا في إيقاف الهيئة التي أصبحت تطرق أبواب إعزاز.

موقع الجمهورية

———————–

عن الشمال السوري نصفُ المحرر/ كارمن كريم

تتعدد الجهات والمجموعات والكيانات السياسية والعسكرية المسيطرة في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري في شمال غربي سوريا، ولم تتمكن من الوصول إلى تفاهمات حول آلية العمل أو حتى التنقلات بين إدلب وريف حلب.

بين تحرير المدن السورية وتطهيرها، بدأت المعارك بين المعارضة والنظام السوري. الأولى سعت إلى تحرير المدن والثاني سمى استعادة المدن بـ”التطهير من الإرهابيين”. تطلق المعارضة اليوم على المناطق الشمالية التي تقع تحت سيطرتها صفة “المحررة”، على الرغم من أن هذه المناطق لا تزال موضع اقتتال وتقاسم. اقتطاع المقتطع، هو العنوان العريض للحالة السورية، تلك الكعكة التي لم يتوقف تقسيمها منذ أكثر من عشرة سنوات، وهكذا يبدو أن مفهوم “المحرر” شديد التعقيد، وبين التطهير والتحرير يموت السوريون مرة جديدة.

تقسيم المناطق المحررة

 يمتد الشمال المحرر من تخوم حماة إلى الريف الحلبي ومن الحدود التركية إلى العيس أو قنسرين التاريخية شرقاً. منذ عام 2017، تحوّل الشمال السوري الذي تسيطر عليه فصائل المعارضة التي خرجت ضد النظام السوري إلى ما يشبه المنطقتين المنفصلتين أو الدويلتين فسيطرت حكومة “الإنقاذ” على مدينة إدلب واجهة “هيئة تحرير الشام” المصنفة كتنظيم إرهابي، والذي يعتبر ذراع القاعدة في سوريا، أما “الحكومة المؤقتة” فسيطرت على ريف حلب. وحكومة الإنقاذ السوري هي حكومة بديلة تتبع المعارضة السورية ومقرها مدينة إدلب، تشكلت في نهاية عام 2017، وتضم مناطق إدلب وريف حلب الغربي وأجزاء من ريف اللاذقية وسهل الغاب شمال غربي حماة. واعتمدت علماً جديداً لإدلب مؤلفاً من أربعة ألوان، وهو خليط بين علم الثورة السورية والراية الإسلامية.

أما الحكومة السورية المؤقتة فهي الحكومة البديلة في سوريا والتي تم تشكيلها عن طريق مجموعة من المعارضة والائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية. وتطلق “الحكومة المؤقتة” تسمية “المناطق المحررة” على مناطق العمليات العسكرية بالتعاون مع تركيا، وهي “غصن الزيتون” و”درع الفرات” و”نبع السلام”.

اليوم تتعدد الجهات والمجموعات والكيانات السياسية والعسكرية المسيطرة في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري في شمال غربي سوريا، ولم تتمكن من الوصول إلى تفاهمات حول آلية العمل أو حتى التنقلات بين إدلب وريف حلب. وإذا حاولنا تصنيف الحكومتين نستطيع التمييز بينهما، فحكومة الإنقاذ هي الجهة الأكثر تطرفاً أما الحكومة المؤقتة يمكن أن تصنف بـ”المعتدلة” إلى حد ما. وهكذا يصبح لدينا في الشمال السوري حكومتان بالإضافة إلى هيئة تحرير الشام والجيش الوطني السوري، ولكل من هذه الكيانات شعاراتها الخاصة والأيديولوجيا والتبعية، ومجالس محلية لا تفيد السوريين في الشمال بشيء، إذ إن الواقع الخدمي متردّ للغاية.

اليوم تتعدد الجهات والمجموعات والكيانات السياسية والعسكرية المسيطرة في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري في شمال غربي سوريا، ولم تتمكن من الوصول إلى تفاهمات حول آلية العمل أو حتى التنقلات بين إدلب وريف حلب.

كيف بدأ الاقتتال؟

بدأ الاقتتال بين قوات “الفيلق الثالث” ومجموعات من “فرقة الحمزة” (الحمزات)، في ريف حلب الشرقي، على خلفية إلقاء الفيلق القبض على متهمين باغتيال الناشط الإعلامي محمد عبد اللطيف (أبو غنوم) وزوجته. و”أبو غنوم” هو أحد أبرز الناشطين الإعلاميين في الشمال السوري، ويُعرف عنه كثرة ظهوره في الوقفات الاحتجاجية والمظاهرات وتنظيمها والدعوة إليها بتعدد أسبابها ومطالبها. وهو ما أدى إلى استنفار من “الفيلق الثالث”، لتفكيك الفصيل (الحمزات)، لتتدخّل بعدها  “هيئة تحرير الشام”، صاحبة النفوذ العسكري في إدلب، ما أدى إلى إرباك الموقف وتغيّر التحالفات. يذكر أن حادثة الاغتيال لاقت تفاعلاً واسعاً، إذ انعكست من خلال مظاهرات وإضرابات في مدينة الباب، وهي واحدة من الاغتيالات والانتهاكات الكثيرة بحق مدنيين أو بحق ناشطين وكوادر إعلامية تنتشر في مناطق سيطرة “الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا.

وبعد اشتباكات بين الفصائل تسببت في هجرة العديد من الأهالي وإصابة وموت غيرهم ومناشدات من حوالى 16 مخيم لوقف الاقتتال، شهد محيط مدينة أعزاز حالة من الهدوء بعد معارك مسلحة واشتباكات بين فصائل “الفيلق الثالث” من جهة، و”هيئة تحرير الشام” و”فرقة الحمزة” (الحمزات) و”فرقة السلطان سليمان شاه” (العمشات) من جهة أخرى، وتوقفت بعد سيطرة “الهيئة” والفصائل المتحالفة على بلدة كفر جنة غربي اعزاز.وبحسب بيان نشره “منسقو استجابة سوريا” في 15 تشرين الأول \ أكتوبر الحالي،  نتج عن الاقتتال نزوح نحو ألف و600 عائلة من المخيمات، وأكثر من ألف و200 عائلة أخرى داخل المدن والبلدات.

إقرأوا أيضاً:

خلافات قديمة

يمكن اختصار كل الاقتتال العسكري بين الفصائل المعارضة خلال السنوات الماضية بأنها نزاعات شخصية ومناطقية ومادية، وزاد الأمر تعقيداً بعد هدوء الجبهات مع النظام السوري وازدهار تجارة المخدرات عبر المعابر وتهريب الناس إلى تركيا، فتعقدت المصالح والمنافسة على حصة كل فصيل. ولو تساءلنا من يمثل الثورة اليوم؟ سيكون الجواب مخيباً: لا أحد، فهذه الفصائل تمثل مصالحها الشخصية وحسب.

تتزامن هذه الاشتباكات مع التسريبات عن تقارب النظامين التركي والسوري، وسواء كان ما يحدث مرتبطاً بهذا التقارب أم لا، إلا أن صعود هيئة تحرير الشام وسيطرتها على باقي المناطق يعني سيطرة الإرهاب مرة أخرى وإزاحة ما بقي من اسم الثورة وهذا يعني سماح العالم بتدخل النظام السوري وحلفائه باسم محاربة الإرهاب.

على الطرف الآخر أصدر الائتلاف السوري بياناً يدعو فيه إلى حل الخلاف بين الفصائل وتحكيم أهل الرأي والحكمة، ويبدو أن الائتلاف ليس على استعدادٍ للوقوف إلى جانب طرف ضد الآخر، وكأنه غير متأكد تماماً من نتائج هذا الاقتتال ولا يريد خسارة أي طرف على حساب الآخر.

حملت هذه الفصائل خلافاتها إلى الشمال السوري بعد قدومها من ريف دمشق والجنوب وحمص والقلمون، فقبل تحرير هذه المناطق من قبل الجيش السوري، كانت مناطق المعارضة المسلحة مشتعلة بالاقتتال الداخلي والتصفيات والاغتيالات، وعندما سيطر عليها الجيش السوري عمدت فصائل هؤلاء المسلحين الى تحميل بعضها البعض مسؤولية الهزيمة النكراء.

قبل سنوات عمد النظام السوري الى نقل العديد من مقاتلي الفصائل وعائلاتهم بالباصات الخضر إلى الشمال السوري، بعد استرجاعه مناطق الجنوب التي كانت تسيطر عليها هذه الفصائل، وكان الأمر أشبه بجمع كل المعارضة المسلحة في مكان واحد، في مكان يمكن أن يقصفه دفعة واحدة عندما يحين الوقت ويصبح هذا القصف مبرراً من قبل العالم، وهل هناك أفضل من تهمة

“الإرهاب” لقصف أي مدينة سورية؟

درج

—————————

عفرين لن تعود كما كانت:تركيا تعزل ريفي حلب وإدلب/  خالد الخطيب

يواصل الجيش التركي تسيير دوريات عسكرية في مدينة عفرين وفي قرى وبلدات ريفها شمالي حلب، للتأكد من جدية الانسحاب العسكري لهيئة تحرير الشام من المنطقة التي لا تزال تعيش حالة من التوتر الأمني والعسكري بسبب تغير خريطة النفوذ وتمدد فصائل معارضة على حساب أخرى.

يأتي ذلك وسط معلومات تتحدث عن تخفي مجموعات عسكرية وأمنية تتبع لتحرير الشام يرتدي مقاتلوها زي الفصائل الموالية لها، أو زي الأجهزة الأمنية كالشرطة العسكرية وشرطة الحواجز.

نقاط عسكرية

وعمل الجيش التركي على إنشاء نقاط عسكرية، بعضها مؤقت وأخرى تبدو شبه دائمة في المنطقة الفاصلة بين منطقة عفرين، ومناطق شمالي إدلب الخاضعة لسيطرة تحرير الشام. وشهدت المنطقة انتشاراً للعربات والمدرعات التركية. ومن المفترض أن تمنع النقاط التركية الجديدة دخول أي أرتال عسكرية لتحرير الشام إلى منطقة عفرين.

وقال مصدر عسكري معارض ل”المدن”، إن “الدوريات العسكرية التركية تراقب عن كثب عمليات الانسحاب التي تنفذها تحرير الشام من عفرين، والتي ما زالت مستمرة حتى الآن”، مضيفا أنه “بعد فشل مخطط تحرير الشام في القضاء على الفيلق الثالث ودخول معاقله الرئيسية، هناك مخاوف من نجاح محاولاتها للاختباء في المنطقة تحت رايات الفصائل المتحالفة معها- فرقة الحمزة وفرقة السلطان سليمان شاه وحركة أحرار الشام- محاولةً كسب الوقت، ومراهنةً على وقف حملات تفتيش الجيش التركي على أماكن انتشارها في عفرين”.

وأضاف المصدر أن “التحركات التركية الأخيرة تهدف أيضاَ، إلى تسهيل تمدد هيئة ثائرون للتحرير وسيطرة فصائلها على المنطقة بدلاً من التشكيلات المنسحبة من الفصائل المعارضة، وكذلك لملء الفراغ الذي سيخلفه انسحاب تحرير الشام من عفرين”، موضحاً أن  “عفرين لن تعود كما كانت سابقاً من حيث خريطة توزع الفصائل، وغالباً لن يُسمح للفيلق الثالث بأن يعاود تمدده فيها”.

تظاهرات مضادة

وانتقل الصدام بين تحرير الشام والفيلق الثالث من ميدان المعارك إلى الأوساط الشعبية شمال غربي سوريا، والتي بدا انقسامها واضحاً في تظاهرات خرجت الجمعة، حيث شهدت مناطق سيطرة الفصائل المعارضة في ريف حلب تظاهرات حاشدة ترفض دخول تحرير الشام إلى المنطقة، وتوزعت المظاهرات على مدن مارع والباب وأعزاز.

وكانت أكبر التظاهرات تلك التي نُظمت في ساحة معبر باب السلامة الحدودي مع تركيا، حيث تجمع المتظاهرون في الساحة القريبة من مخيم السلامة وانطلقوا نحو البوابة التركية ليتجمعوا على مسافة قريبة من نقاط التفتيش الجمركي التركي. ورفع المتظاهرون لافتات تندد بأطماع زعيم تحرير الشام أبو محمد الجولاني.

وشهدت مدينة إدلب مظاهرة مركزية شارك فيها الآلاف من أهالي إدلب والمناطق المحيطة، كالدنا ودارة عزة وكفر تخاريم وسرمدا وسرمين وغيرها. وكانت تظاهرة إدلب تحت شعار: “الشعب يريد توحيد الصفوف وتحرير البلاد”، وهو شعار أطلقته تحرير الشام عبر إعلامها الرديف الذي بدأ بالحشد للتظاهرة في وقت مبكر الخميس.

وقالت مصادر محلية في إدلب ل”المدن”، إن “تحرير الشام أبلغت المخاتير والوجهاء المحليين لحشد الناس والنازحين في المخيمات للمشاركة في المظاهرة المركزية تحت الشعار الذي رفعته”.

أما أنصار حزب التحرير-ولاية سوريا فقد اختاروا شعاراً خاصاً بهم في التظاهرات التي نظموها في مخيمات دير حسان وأطمة، وعدد من البلدات شمال إدلب والتي تضم أعداداً كبيرة من أنصار الحزب. وكانت تظاهرات الحزب تحت شعار: “الاقتتال وفتح المعابر برعاية المعلم.. هدفه تصفية الثورة وفرض المصالحة”.

—————————-

الحرام في المناطق المحررة/  عمر قدور

فور دخول مقاتلي الجولاني عفرين أبلغوا النساء في بعض المرافق العامة، ومنها المستشفيات، أن يراعين ارتداء “الحجاب الشرعي” وفق نموذج هيئة تحرير الشام. التباين بين الهيئة والفصائل الأخرى لا يقتصر بالطبع على نوعية الحجاب وحجم قطعة القماش المفروضة، فهناك تأويل مختلف لما هو “حرام”، ولدرجة إلزاميته والتشدد في تطبيقه. هناك أيضاً ما هو معلن كتعليمات، وما هو معمول به وأخذ صفة الإلزام خارج التعليمات، وبحيث تظهر الأخيرة أحياناً متساهلة بالمقارنة مع سلوك ورغبات السكان الخاضعين لتلك التنظيمات.

إذا شئنا بعجالة تصنيف الفصائل في الشمال السوري، فهي تتدرج من الأكثر تشدداً وهي هيئة تحرير الشام “النصرة سابقاً”، مروراً بفصائل محسوبة على التيار الإخواني، وهنا ينبغي التمييز بين النموذجين الجهادي والإخواني، وأخيراً الفصائل الأقل عدداً التي يمكن نسب إسلاميتها إلى ما يُعرف بالإسلام الشعبي، غالباً بكثير من التجني على الأخير المسالم بطبعه. كل فصيل من هذه الفصائل في مكان سيطرته يحكم وفق رؤيته الإسلامية الخاصة، ليكون التدرج مجازياً “وواقعياً” بين غطاء للرأس والنقاب، وليُعتبَر إعفاء كرديات بقين في عفرين من الحجاب إنجازاً على صعيد الحريات والتسامح تتباهى به تلك الفصائل وأنصارها.

استخدامنا المجازي للتدرج في الحجاب بين مختلف الفصائل هو كناية عن اختلافها في الدرجة، وهذا هو فحوى التصنيف الدارج لفصائل معتدلة وأخرى متطرفة، وعدم وجود فصائل خارج التصنيف الإسلامي. لسنا هنا بصدد مناقشة ما إذا كانت الفصائل المعنية تستخدم الإسلام ببراغماتية سياسية، أو كمشروع أيديولوجي وعن قناعة حقيقية، فالنتائج على الأرض متشابهة جداً وواضحة. أيضاً لسنا بصدد التمييز بين تلك الفصائل من زاوية أن المتشددة منها تخدم بقاء الأسد، لتكسب تلك “المعتدلة” حسنةً بدلالة الأسوأ لا بدلالة ما هي عليه فعلاً، تحديداً بما هي عليه سلطتها على السكان. أنصار “الاعتدال” من هذه الزاوية، التي تبدو بديهية تماماً، يعتبرون معاناة السكان الخاضعة لتلك الفصائل شأناً ثانوياً، أو لا أولوية له إلى جانب المعركة الكبرى ضد الأسد.

بالعودة إلى ما قبل الثورة؛ كانت هناك ثلاث دوائر رئيسية تحكم السوريين عموماً؛ القانون، الدين، الأعراف. لم تكن هناك ثقافة حقوقية شائعة، إلا أن المآخذ العامة على القوانين كانت مرتبطة بالتسلط على القضاء وإفساده، وقلة من المهتمين أو الحقوقيين كانت لها مطالب بتطوير بعض القوانين لتصبح أكثر عصرية، أو أكثر مواءمة لشرعة حقوق الإنسان. بعبارة أخرى، لم يطالب أحد بثورة ضد القوانين، بل كانت “ثورة الحرية” تتضمن بديهياً المطالبة بدولة يسودها القانون بدل العسكر والمخابرات.

من المفهوم أيضاً أن الاستهداف الوحشي للمناطق الثائرة آنذاك، وموجات التهجير المتتالية، قد قضت على مجتمعات محلية بأكملها، وقضت على ما يتصل بها من أعراف لن تكون هي ذاتها في أمكنة جديدة، ومع آخرين آتين من مجتمعات محلية لها تمايزها أيضاً. بتدمير المجتمعات المحلية انتهت ما يمكن أن نسميها “سلطة العيب”، وهي سلطة عرفية يومية تختلف من مجتمع محلي لآخر، وكان لها تأثير قد يفوق أحياناً سلطة التحريم “الدين”، أو سلطة القانون “الدولة”.

مع “المناطق المحررة” خلصت التجربة إلى مجتمعات هجينة، بلا أعراف، فلا يمكن مثلاً التحدث عن أعراف مشتركة بين مهجري الغوطة الذين تم توطينهم في عفرين ومَن تبقى من الأكراد، ولا يمكن أصلاً الحديث عن أعراف مشتركة بين العرب أنفسهم أو بين الأكراد. لم يعد هناك عيب، ولم يعد هناك قانون في هذه المناطق؛ ثمة فقط سلطة التحريم بدرجاته، ما هو مصنف منها تشدداً أو اعتدالاً. إن هيمنة هذه الفصائل، واحتكار كل فصيل لنفسه سلطة التحريم والتحليل، تعني أن كل فصيل من خلال هذه السلطة يحتكر الدور المفترض لدولة “القانون”، والنطق كممثل حصري للدين، ومصادرة دور المجتمع وأعرافه استكمالاً لتدميره من قبل الأسد.

كان للمعارضة بشقّها السياسي دورٌ في التغطية على هذا التحول، حتى من خلال اعتمادها “القانون العربي الموحد”، بصرف النظر عن عدم وجود سلطة لها على الفصائل الحاكمة. حركة أحرار الشام كانت قد أعلنت في حزيران2017 تطبيق القانون المذكور في محاكمها، من دون أن نحظى بمعرفة من هم الذين سيطبقون القانون، وما إذا كانوا مؤهلين للعمل كسلك قضائي فعلي. موقع هيئة الشام الإسلامية، من مكونات المجلس الإسلامي السوري، يعطينا إجابة غير مباشرة من خلال ريبورتاح نشره في حينه، إذ استطلع آراء ثلاثة مشايخ أثنوا على القانون!

في الريبورتاج ذاته، كان هناك ذمٌّ للقوانين السورية المعمول بها سابقاً، بوصفها قوانين أسدية، من دون شرح يبرر ذلك الوصف سوى الحديث عن محسوبيات وتسلط مخابرات وجيش، ما يعني الخلط بين نصوص القوانين وآليات تطبيقها. الأهم في هذا السياق هو القفز على كون تلك القوانين نتاج جهد حقوقيين سوريين، مع الاستفادة من قوانين عالمية وعربية، بما فيها الاستفادة من اجتهادات رافقت تطبيق النصوص هنا أو هناك. وما يثير السخرية أن هؤلاء المشايخ يتجاهلون مشاركة حقوقيين سوريين، منتدبين من الأسد حسب تأويلهم، في صياغة القانون العربي العتيد الذي أثير حول تطبيقه أكثر مما وجد طريقه إلى التنفيذ.

على أي حال، ليس هناك قوانين ونظام قضائي موحدين في “المناطق المحررة”، والتعامل مع قضايا التقاضي ورثَ كافة مساوئ الأسد من حيث المحسوييات وتسلط العسكر، فضلاً عن احتكار سلطة التحريم وتفصيل “الحرام” على أهواء الفصيل المسيطر. الحل البسيط البديهي، لو كانت النوايا سليمة، هو اعتماد القوانين السورية، الجزائية والمدنية والخاصة بالأحوال الشخصية، مع تقديم مثل جيد على حسن تطبيقها، لأن المشكلة مع الأسد هي في سوء التطبيق. وهذا الحل يبقى مشروعاً لأنه يحافظ على واحدة من الروابط بين السوريين، طالما أن الذين ثاروا لم يقدِّموا نموذجاً قانونياً أرقى من حيث النصوص والتطبيق.

ما سبق ينطبق أيضاً على المنهاج التعليمي، فالمشكلة مع المنهاج المعتمد لدى الأسد، والموضوع من قبل مختصين سوريين، ليست في مناهج مثل الفيزياء والرياضيات واللغات…إلخ. هي في مقررات موضوعة للتربية البعثية والأسدية، وكان يمكن الاكتفاء بالاستغناء عنها، وحتى تطوير بعض المقررات “التقنية” إذا توفرت الخبرات اللازمة لذلك. فضلاً عن الحفاظ على ما هو مشترك بين الأجيال الناشئة من السوريين، كان ذلك سيوفر على الأهالي في “المناطق المحررة” مشقة الحيرة في اختيار ما هو مناسب لأبنائهم، حيث يعمد بعض الأهالي إلى تعليمهم المنهاج التركي إلى جانب المقرر من سلطة الأمر الواقع، ويعلّم البعض الآخر إلى جانب الأخير المنهاج المعتمد لدى الأسد تحسباً من العودة إلى سيطرته.

لم يفت الأوان، رغم مضي عشر سنوات على تجربة هذه المناطق، كي تنهي السلطات فيها حالة الفوضى القانونية والتعليمية. وإذا كانت تتطلع حقاً إلى إعادة توحيد سوريا يوماً فمن الأولى أن تحافظ على المشتركات مع النسبة الأكبر من السوريين الواقعين تحت حكم الأسد. ثمة قول يُنسب لتشرشل تارة، ولديغول تارة، مفاده أن البلد بخير عندما يكون القضاء والتعليم بخير. شيوع هذه المقولة له دلالة واضحة، وإذا كنا لا نستطيع التأكد من قائلها فإننا نستطيع التأكيد على أن البلدان لا تُدار بمشايخ يقولون هذا حرام وذاك حرام، والثورة على النظام الإيراني فيها درس للمعتدلين قبل المتشددين.

———————————

اقتصاد مسلح قد يقود إلى الفناء: حرب تحالفات ترسم خريطة الشمال/ خالد الجرعتلي | حسن إبراهيم | حسام المحمود | جنى العيسى

    غيّر الاقتتال الداخلي الأخير بين فصائل المعارضة شمالي محافظة حلب وجه التحالفات في المنطقة، خصوصًا مع تشكيل تحالف ضم فصائل كانت تُعرف بأنها من أكثر التشكيلات عداء لبعضها.

وقُسمت أطراف النزاع شمالي حلب إلى قسمين، الأول مكوّن من “فرقة السلطان سليمان شاه” (العمشات) و”فرقة الحمزة” (الحمزات) التابعتين لـ”الجيش الوطني”، إلى جانب “هيئة تحرير الشام” التي كانت تناصب هذه الفصائل العداء قبل سنوات، والثاني هو “الفيلق الثالث” الذي يضم مجموعة من فصائل “الجيش الوطني السوري”.

ولطالما اتهمت “تحرير الشام” حلفاءها اليوم بأنهم رؤوس الفساد في الشمال السوري، بينما بادلوها الاتهامات في مناسبات متعددة، مطلقين على قائدها “أبو محمد الجولاني” وعناصرها ألقابًا عديدة كـ”الخوارج” و”الإرهابيين”.

اندلع الاقتتال على خلفية ضلوع مقاتلين من “فرقة الحمزة” باغتيال الناشط الإعلامي محمد عبد اللطيف (أبو غنوم) وزوجته الحامل في الباب، في 10 من تشرين الأول الحالي، لكن حادثة الاغتيال لا تعدو كونها الشرارة التي أشعلت أكوام القش.

مصلحية لـ”تحرير الشام”.. وجودية لحلفائها

اقتتال يرسم خريطة تحالفات جديدة

في شباط الماضي، أعلنت لجنة ثلاثية حققت بانتهاكات “فرقة السلطان سليمان شاه”، عزل قائدها محمد الجاسم، المعروف بـ“أبو عمشة”، عن جميع مهامه الموكلة إليه، فيما بدا حينها على أنه بوادر محاكمته على انتهاكات عديدة نُسبت له.

لكن لم يمر أكثر من شهر على انتهاء هذه المحاكمات، حتى ظهر “أبو عمشة” بمنطقة أطمة، في زيارة إلى أقاربه ضمن مناطق نفوذ “هيئة تحرير الشام”.

سبق ذلك بادرة اعتُبرت الأولى من نوعها، عندما أبدى “أبو عمشة” استعداده للتفاهم مع “هيئة تحرير الشام”، والمشاركة إلى جانبها في قتال النظام ضمن “قيادة ومظلة (الجيش الوطني السوري)”.

هذا التمهيد لإنشاء علاقات مع “تحرير الشام” بدا جليًا في الاقتتال الأخير، الذي نشأ أولًا بين فصائل “الفيلق الثالث” في “الجيش الوطني”، بمواجهة “فرقة الحمزة” (الحمزات) و”فرقة السلطان سليمان شاه” (العمشات)، اللتين سرعان ما استعانتا وأدخلتا أرتال “تحرير الشام” إلى مناطق سيطرتهما في عفرين.

وتسيطر فصائل “الجيش الوطني” على ريف حلب الشمالي والشرقي بدعم تركي، بينما تسيطر “تحرير الشام” على منطقة إدلب.

الباحث السياسي في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” معن طلاع، قال لعنب بلدي، إن العلاقة بين أطراف هذا الحلف هي علاقة مصلحية بالنسبة لـ”تحرير الشام”، ووجودية بالنسبة للفصيلين الآخرين.

ويعي “أبو عمشة” اليوم أن خياراته شمالي حلب باتت محدودة، خصوصًا مع شهرته بين أوساط السوريين بأنه إحدى أكثر الشخصيات التي تُنسب لها انتهاكات بحق المدنيين.

الأمر الذي دفع به للبحث عن قوة عسكرية قد تكون “موازنة” لظروفه بين فصائل “الجيش الوطني”، وهو ما ينطبق على “الحمزات” أيضًا.

بينما أثبتت التجارب مع “تحرير الشام” أنها دائمًا ما تبحث عن طرف أو ظرف ليكون مدخلها نحو حدث معيّن أو منطقة ما، بحسب طلاع.

وأشار إلى أن شكل التحالف اليوم لا يعكس بالضرورة رغبة “تحرير الشام” بالعمل أو التحالف مع “العمشات” و”الحمزات”، إنما تبحث “الهيئة” عن غطاء لها لـ”مد نفوذها نحو شمالي حلب”.

طلاع اعتبر أن هذه الاستراتيجية في التحالفات تندرج تحت تصنيف “التحالف المصلحي” بالنسبة لـ”تحرير الشام”، وهو ما أظهرته تحالفاتها منذ فك ارتباطها عن تنظيم “القاعدة” حتى اليوم، بينما اعتبره “تحالفًا وجوديًا” بالنسبة للفصيلين الآخرين.

قوات “الفيلق الثالث” التابع لـ”الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا في عفرين شمالي حلب- 12 من تشرين الأول 2022 (مراسل الفيلق الثالث)

كيف تنظر “تحرير الشام” إلى ريف حلب؟

هذه ليست المرة الأولى التي تحشد فيها “تحرير الشام” قواتها بالمنطقة لاقتحام مناطق نفوذ “الجيش الوطني” شمالي حلب، ما يجعلنا ندرك أن لـ”الهيئة” رؤية مسبقة لهذه المنطقة بشكل عام، بحسب الباحث معن طلاع.

ومن أجل فهم رؤية “تحرير الشام” للمنطقة، قال طلاع، إن “الهيئة” تنظر إلى المناطق الممتدة من كفر جنة وصولًا إلى جنديرس في ريف حلب، على أنها خاصرة أمنية خاصة بها.

واعتبر طلاع أن حالة التحالفات اليوم لا علاقة لها بميزان القوى شمال غربي سوريا، فمن البديهي معرفة أن “تحرير الشام” هي الطرف الأقوى، وبالتالي يمكنها تجاهل حالة العداء مع فصائل أخرى في تحالفاتها المصلحية في المنطقة.

وبطبيعة الحال، فإن صيغة عمل “تحرير الشام” لا تقبل القسمة على اثنين، بالتالي لا يمكن اعتبار ما يحصل في جانب “تحرير الشام” وحلفائها حلفًا حقيقيًا سيستمر طويلًا.

وأضاف طلاع أن “الهيئة” تعمل على جميع المستويات، الأمنية والعسكرية وحتى الخدمية بشكل منفرد، وتفضّل عدم مشاركة الإدارة مع جهات أخرى.

يتقاطع هذا التحليل من الباحث طلاع مع بنود الاتفاق بين الطرفين لوقف الاقتتال، الذي أقر مساء 14 من تشرين الأول الحالي، رغم أن تنفيذه لا يزال موضع شك وجدل.

وينص القرار على اكتفاء “الفليق الثالث” بنشاطه العسكري فقط، ما يعني دورًا أكبر في إدارة المنطقة لمصلحة “تحرير الشام”، وهو ما أشار إليه البند الأخير الذي ينص على “استمرار التشاور والمداولات لترتيب وإصلاح المؤسسات المدنية في المرحلة المقبلة”.

“العمشات”: لسنا في تحالف

مع بداية الاقتتال الفصائلي الذي انطلق من مدينة الباب شرقي حلب بين “الحمزات” و”الفيلق الثالث”، دخل فصيل “العمشات” على خط المواجهات داعمًا لـ”الحمزات”، معلنًا عن جبهات جديدة في محيط عفرين.

وما لبث لـ”العمشات” أن دخلت المواجهات حتى بدأت “تحرير الشام” بالتوغل في مناطق نفوذ “الجيش الوطني” ضد “الفيلق الثالث”، مؤازِرة لأعدائه في القتال.

“الفيلق الثالث” علّق حينها على هذا التحالف، ردًا على أسئلة عنب بلدي، بأن “العمشات” هرّبوا مقاتلين من “تحرير الشام” إلى معقلهم في منطقة شيخ الحديد شمال غربي عفرين، ليبدؤوا هجومًا متزامنًا ضد “الفيلق” من عدة محاور.

مكتب العلاقات العامة في “فرقة السلطان سليمان شاه” (العمشات)، أجاب عن أسئلة عنب بلدي بأن الفصيل “لم يقاتل أحدًا أساسًا”، متسائلًا: كيف يجري تصنيفه ضمن حلف بجانب “الهيئة” أو “الحمزات”؟

وأضاف المكتب أن جهود الفصيل كانت متجهة لمحاولات حل الخلاف والوساطة لإنهاء الاقتتال “الذي لا يخدم الساحة والثورة “، على حد قوله، إلا أنه تفاجأ بـ”هجوم مباغت” باتجاه شيخ الحديد من قطاعات “الفيلق الثالث” وذلك من قرية ارندة.

واعتبر أن ما حصل في ريف عفرين الغربي هو حالة دفاع عن النفس، و”رد للبغي عن الفصيل وقاطني المنطقة من النازحين”.

مجموعة من “الفيلق الثالث” التابع لـ”الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا على مدخل مدينة اعزاز الغربي بعد انسحابها من عفرين بريف حلب- 13 من تشرين الأول 2022 (عنب بلدي)

سياسة “صفر مشكلات”

المكتب الإعلامي في “العمشات” قال إن فصيله إلى جانب “فرقة الحمزة” اتخذا موقفًا عنوانه “سياسة تصفير المشكلات مع الجميع”، في إشارة إلى علاقته مع “تحرير الشام”.

واعتبر أن أعداء هذه الفصائل منذ لحظة اعتماد هذه السياسة هم النظام وحلفاؤه وحزب “العمال الكردستاني” (PKK) وتنظيم “الدولة الإسلامية”.

وأشار إلى أن جميع الفصائل التي تقاتل تلك الجهات هم “حلفاء وأصدقاء”، متخذين من تركيا وقطر “حليفين استراتيجيين”.

ويواجه فصيلا “الحمزات” و”العمشات” اتهامات بتبعيتهما التامة لتركيا أكثر من بقية فصائل “الجيش الوطني”، نظرًا إلى زيارات عديدة لشخصيات استخباراتية تركية لهذه الفصائل على وجه الخصوص خلال الفترات السابقة.

    ثلاثة مشاريع

    الباحث السياسي في مركز “جسور للدراسات” وائل علوان، اعتبر أن هذا الاقتتال بين فصائل المعارضة يرسم تحالفات فعلية بين هذه الفصائل، وغالبًا ستكون أكثر متانة واستقرارًا من سابقاتها، لكنها ستقسم فصائل “الجيش الوطني” إلى ثلاثة أقسام.

    القسم الأول هو “الفيلق الثالث” بفصائله، مع حلفائه من “حركة التحرير والبناء”، لكن ربما قد يؤدي إلى إعادة هيكلة داخل “الفيلق” نظرًا إلى انقسام داخله، إذ يمكن أن تنسحب أو تنضم له بعض المجموعات والفصائل الأخرى.

    واعتبر علوان أن هذه الكتلة من “الجيش الوطني” إن لم تغيّر طريقة تفكيرها ستستمر الضغوط بحقها، معتبرًا أن الفصائل الأخرى غير مهتمة بمبادرة “التوحيد” الخاصة بـ”الفيلق الثالث”.

    أما التحالف الثاني فهو حلف “تحرير الشام” الذي تحول مؤخرًا إلى شراكة وتحالف متين نظرًا إلى الأحداث العسكرية الأخرى، وبطبيعة الحال فإن هذه الكتلة العسكرية هي “العدو التقليدي” لمكوّنات “الفيلق الثالث”.

    وعلى رأس هذه الكتلة “الحمزات” و”العمشات” و”الفرقة 23″ (أحرار الشام القاطع الشرقي)، وحتى إن انسحبت “تحرير الشام” من المنطقة، فلن تخرج قبل أن تكون مطمئنة على مصالحها في المنطقة عبر حلفائها.

    وتكمن قضية اطمئنان “الهيئة” على مصالحها من خلال تمكين وتقوية شركائها في المنطقة، وبناء قدرة التفاعل الأمني المستمر معهم، بحسب علوان.

    بينما تتمثل الكتلة الثالثة من هذه الفصائل بتلك المجموعات التي وقفت على الحياد من الاقتتال الأخير، لأسباب متنوعة ومختلفة ليس لأنها حلف واحد، لكن الرابط المشترك بينها، أنها تركت هامشًا للتفاعل مع مشروع “تحرير الشام” في حال تحول إلى واقع في المنطقة، خلافًا لـ”الفيلق الثالث” الذي خسر هذه الميزة.

حاجز أمني لـ”عاصفة الشمال” التابعة لـ”الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا على الطريق الواصل بين مدينتي اعزاز وعفرين بريف حلب- 13 من تشرين الأول 2022 (عنب بلدي)

حلف المتفرجين

لا تعتبر المعارك الحالية جديدة على فصائل المعارضة السورية، إذ سبق وشهدت المنطقة خلال السنوات الماضية العديد من الاقتتالات الداخلية، منها ما أدى إلى حل فصائل عسكرية كبرى، إلا أن الجديد توسع دائرة “المتفرجين” أو أصحاب المواقف الشكلية.

“الحكومة المؤقتة” تغرد بعيدًا

مع بدء الأعمال القتالية بين فصائل المعارضة شرقي حلب، وبالتحديد في محيط مدينة الباب، أصدرت وزارة الدفاع التابعة لـ”الحكومة المؤقتة” بيانًا طالبت فيه فصائل “الجيش الوطني” بـ”وقف الاحتكام للسلاح، منعًا لإراقة الدماء، ولكي تستطيع المؤسسات الأمنية والقانونية اتخاذ إجراءاتها بحق المجرمين وداعميهم ومعرفة دوافع جريمة مقتل الناشط (أبو غنوم)”.

المعارك على الأرض رافقتها تحركات سياسية للجهات المسؤولة عن المنطقة، ولكن باتجاه مغاير لا يعكس ما يحدث على الأرض ولا يرتبط به، إذ افتتح رئيس “الحكومة المؤقتة”، عبد الرحمن مصطفى، تزامنًا مع اشتداد المعارك، مركز الرنين المغناطيسي في مدينة الراعي بريف حلب الشمالي.

كما التقى مصطفى بعدها بيوم واحد في مقر الحكومة بريف حلب مع رئيس مجلس محافظة الرقة، لمناقشة الواقع الخدمي والاقتصادي، والمشكلات التي تواجه القطاع الزراعي لـ”النهوض بالواقع الزراعي”.

وفي 13 من تشرين الأول الحالي، عقد مصطفى اجتماعًا في مقر الحكومة، ضم وفدًا من المزارعين لمناقشة الواقع الاقتصادي، وناقش الحضور الإمكانيات المتوفرة والعقبات والمشكلات التي تواجه المزارعين.

“الائتلاف الوطني السوري المعارض” لم يصدر تعليقه الثاني على الاقتتال حتى 14 من تشرين الأول الحالي، أي بعد مرور ثلاثة أيام على القتال، إذ استنكر في بيان لجوء فصائل عسكرية إلى السلاح في حل المشكلات، وطالب الجميع بالوقف الفوري للاقتتال حقنًا للدماء وحفاظًا على مكتسبات الثورة في المناطق.

واعتبر “الائتلاف” أن الاقتتال “يسيء لثورة السوريين”، لافتًا إلى أن القضاء هو السبيل لمعالجة أي خلافات أو مشكلات، وتحكيم أهل الرأي والحكمة في القضايا الكبرى وعدم اللجوء للاقتتال.

تبع ذلك ظهور الناطق الرسمي لوزارة الدفاع في “الحكومة السورية المؤقتة“، العميد أيمن شرارة، عبر تسجيل مصوّر من مدينة عفرين شمالي حلب، للتأكيد على خلو المدينة من “المظاهر المسلحة”.

وقال شرارة خلال التسجيل المصوّر الذي التقطه على مقربة من وسط مدينة عفرين، إن “الحكومة المؤقتة” (المدعومة من تركيا) هي التي تشرف على إدارة الوضع الأمني في عفرين، عبر فروع الشرطة العسكرية والمدنية التابعة لها.

“الفيلق الثالث” يكذّب “المؤقتة” و”الوطني”

عقب يومين على المواجهات، قابل مراسل عنب بلدي في ريف حلب قائد غرفة عمليات “الفيلق الثالث”، العميد عبد السلام حميدي (أبو حسام)، في منطقة كفر جنة غربي اعزاز، الذي اعتبر أن جميع الفصائل “لها مصلحة فيما يجري”.

واعتبر حميدي أن ما يحدث هو “مؤامرة متكاملة على (الفيلق الثالث) الذي خرج لنصرة المظلومين”.

عضو “المجلس الإسلامي السوري” والمقرب من “الفيلق الثالث”، وسام القسوم، أرجع في حديث إلى عنب بلدي سبب غياب مبادرة للحل أو وساطة أو تدخل من أجل وقف القتال وتقدم “تحرير الشام”، بعد مرور خمسة أيام على الاشتباكات، بأن هناك رغبة عند قائد “تحرير الشام”، “أبو محمد الجولاني”، وأتباعه بالقضاء على “الفيلق الثالث” أو التضييق عليه اقتصاديًا وجغرافيًا.

وقبل أن تدخل “تحرير الشام” إلى عفرين، ظهر القسوم إلى جانب قياديين في “الفيلق الثالث”، في 12 من تشرين الأول الحالي، عبر تسجيل مصوّر قائلًا، إن المعركة التي يخوضها “الفيلق” هي “معركة ثورة وليست معركة بسط نفوذ أو سيطرة”.

مواقف “الحكومة المؤقتة” قوبلت بنفي وتكذيب من قبل القسوم، الذي نشر عبر “تويتر” أن أرتال “تحرير الشام” لا تزال تسير من عفرين إلى محاور القتال في كفر جنة.

وجّهت عنب بلدي أسئلة إلى الناطق الرسمي لوزارة الدفاع في “المؤقتة”، العميد أيمن شرارة، حول موقف قيادة “الجيش الوطني” من التحالفات بين فصيلي “الحمزات” و”العمشات” مع “تحرير الشام” لقتال “الفيلق الثالث”، وموقفها من وصول “تحرير الشام” إلى مناطق نفوذ “الجيش الوطني”، لكنها لم تتلقَّ ردًا حتى لحظة نشر هذا التقرير.

فصائل تشاهد عن قرب

أظهر اصطفاف “الحمزات” و”العمشات” إلى جانب “تحرير الشام” الشرخ بين مكوّنات “الجيش الوطني”، وعمّقه وقوف العديد من فصائل الأخير موقف الحياد، ما وضعها في دائرة التواطؤ والاتهام والخيانة.

أبرز هذه الفصائل “فيلق الشام” الذي يمتلك مواقع في مناطق إدلب وحلب، وتنتشر نقاط رباطه شمالي حلب، والذي لم يقف أمام تقدم “تحرير الشام”، وهي المرة الثانية خلال أشهر، وسبق أن وُجّهت له اتهامات بـ”الخيانة” حين دخلت أرتال “الهيئة” إلى ريف عفرين في حزيران الماضي.

ولم يعلّق “فيلق الشام” المقرب من تركيا على الاتهامات، رغم أنه أصدر، في حزيران الماضي، بيانًا كرد على اتهامات سابقة، وألقى المسؤولية حينها على “الجيش الوطني”، ذاكرًا أنه أبلغ الأخير ومكوّناته (الفيالق الثلاثة) بالحشود العسكرية لـ”تحرير الشام”، وطلب منهم إرسال قوى وتعزيزات للمنطقة، وقوبلت طلباته باكتفاء الفصائل بالبقاء بمناطق سيطرتها وترك “فيلق الشام” وحيدًا في منطقة تشترك بـ30 كيلومترًا مع مناطق سيطرة “تحرير الشام” في إدلب.

تعداد الفصائل التابعة لـ”الجيش الوطني” واختلاف اصطفافها وعلاقاتها المضطربة فيما بينها جعل من الصعب إحصاء التي وقفت على الحياد منها.

ومن أبرز الفصائل التي نأت بنفسها عن الاقتتال: “صقور الشمال، صقور الشام، الفرقة التاسعة، فيلق المجد، فيلق الرحمن، كتائب 112، كتائب 113، فرقة السلطان محمد الفاتح، فرقة المعتصم، فرقة المنتصر بالله، جيش النخبة، مجموعات جيش العزة، جيش النصر، لواء سمر قند، فرقة ملك شاه، فيلق حمص، كتائب ثوار الشام، لواء الشمال”.

واتخذت بعض الفصائل موقفًا غير واضح بالكامل من دخول “تحرير الشام” إلى مناطق ريف حلب، أبرزها “هيئة ثائرون للتحرير” التي تعتبر نواة “الفيلق الثاني” في “الجيش الوطني” دون أي تدخل فعلي على الأرض، واكتفى بعض القياديين فيها بمنشورات عبر منصات التواصل الاجتماعي حملت وسم “الجولاني عدو الثورة”، في حين غاب التعليق على ما يحصل من بعضهم الآخر.

قوات “الفيلق الثالث” التابع لـ”الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا في عفرين شمالي حلب- 12 من تشرين الأول 2022 (مراسل الفيلق الثالث)

أين تركيا من مناطق نفوذها؟

تحظى تركيا بصلاحيات واسعة في مفاصل المنطقة، خاصة أنها الداعمة الرئيسة للعمليات العسكرية التي سيطرت خلالها فصائل “الجيش الوطني” على ريف حلب (درع الفرات وغصن الزيتون)، واتسعت هذه الصلاحيات لتشمل القطاعات الخدمية والمدنية متجاوزة القطاع العسكري.

وتملك تركيا عددًا من القواعد العسكرية في المنطقة التي صار يشار إليها على أنها مناطق نفوذ تركيا في الشمال السوري.

تسجيل دخول متأخر

لكن الاقتتال الأخير لم يسجل أي موقف تركي، إذ لم تدعم أي جهة كما لم تشارك في وساطة أو تهدئة حتى اليوم الرابع من الاشتباكات، عندما دخلت أرتال إلى عفرين والباب غادرت سريعًا، ثم كانت طرفًا ضامنًا باتفاق حسم الخلاف لمصلحة “تحرير الشام” على صعيد النفوذ.ي

تعليقًا على الموقف التركي من الاقتتال، قال محلل السياسة الخارجية والأمن في أنقرة عمر أوزكيزيلجيك لعنب بلدي، إن “هيئة تحرير الشام” استغلت وضع “الجيش الوطني” وحالة الفصائلية وعدم التماسك التي يعانيها كجزء من سياستها للتوسع وأن تصبح القوة المهيمنة والفاعل الرئيس بالمنطقة في سعيها للتخلص من تصنيفها كـ”منظمة إرهابية”، ولكن هذه الجهود “مآلها الفشل”.

واعتبر أن الطرف التركي ليس غائبًا عن المواجهات الأخيرة، إنما هناك آليات عسكرية تحركت باتجاه عفرين والباب، وهذا يُفهم كـ”استعراض قوة” ورسالة تحذير مفادها أن تركيا ستلجأ إلى التصرف في حال لم يحصل اتفاق.

أوزكيزيلجيك اعتبر أن المسألة ليست صمتًا تركيًا بل “عدم رغبة تركيا بالتدخل مبكرًا”.

حاجز أمني لـ”عاصفة الشمال” التابعة لـ”الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا على الطريق الواصل بين مدينتي اعزاز وعفرين بريف حلب- 13 من تشرين الأول 2022 (عنب بلدي)

ما علاقة التقارب مع النظام؟

الباحث التركي أوزكيزيلجيك اعتبر أن الديناميكية التركية وخطابها السياسي لم يتغير بسبب تطورات علاقة الاستخبارات التركية مع النظام السوري، خصوصًا أن هذه المحادثات يبدو أنها لم تؤدِّ إلى أي شيء ذي معنى، فمن غير المحتمل أن تسترجع تركيا علاقاتها مع النظام.

في حين تستغل “تحرير الشام” الخطاب التركي لدمشق الذي انطلق منذ بضعهة أشهر لمصلحتها الخاصة، وتصوّر نفسها على أنها المسيطرة وصاحبة القرار في المنطقة.

الباحث في مركز “إدراك للدراسات والاستشارات” باسل حفار، قال لعنب بلدي، إن الموقف التركي مما يجري شمالي حلب لم يكن ذا وضوح كافٍ، خصوصًا مع حالة الربط بين ما يجري اليوم في الشمال السوري والحديث عن استعداد تركي للانفتاح على النظام وخوض تركيا محادثات بهذا الشأن مع روسيا.

وهو ما اعتبره تطورًا مهمًا ومحركًا لكثير من القضايا، من بينها الاقتتال الحالي، لكنه لم يهمل نزعة “تحرير الشام” لـ”ممارسة التغلب” على بقية الفصائل (سياسة ليست جديدة متعلقة بتغير تركي)، وسبق أن هاجمت وفكّكت العديد من الكيانات العسكرية.

وعلى الرغم من كل التبعات السلبية المترتبة على استمرار “الهيئة” في هذا النهج، سُمح لها بالعبور من إدلب إلى شمالي حلب على مرأى ومسمع الجميع بمن فيهم الضامن التركي، بحسب حفار.

واعتبر حفار أن الاقتتال الداخلي وعدم تفعيل منظومة المحاسبة مهدد كبير لأمن واستقرار هذه المنطقة، وهو ما ينعكس على تركيا بالتأكيد.

الاقتصاد يوجّه البندقية

منذ عام 2017، انقسمت مناطق سيطرة المعارضة في الشمال السوري إلى منطقتين اقتصاديتين رئيستين هما: ريف حلب الذي تديره “الحكومة السورية المؤقتة” بدعم تركي، ومحافظة إدلب ومحيطها، التي تديرها حكومة “الإنقاذ” المتهمة بكونها واجهة سياسية لـ”هيئة تحرير الشام”.

وبين الجانبين تنتشر مصالح اقتصادية، تنعكس في قرارات تحدد شكل التجارة والمسموح والممنوع، وشروط التنقل عبر المعابر الداخلية.

وتنتشر في مناطق شمال غربي سوريا العديد من المعابر الداخلية والخارجية، منها ما يصل هذه المناطق بمناطق نفوذ النظام السوري، ومنها معابر بين الفصائل نفسها، وأخرى مع تركيا.

وخلال السنوات الماضية، شهدت مناطق شمال غربي سوريا خلافات بين فصائل المعارضة لافتتاح معابر جديدة، أو السيطرة على المعابر القديمة.

أبرز هذه الخلافات كان معبر “باب الهوى” الحدودي مع تركيا، الذي سبق وشهد معارك بين كبرى فصائل المعارضة بين عامي 2013 و2015، انتهت بسيطرة “تحرير الشام” عليه بغطاء إدارة مدنية.

الباحث السياسي في مركز “جسور للدراسات” وائل علوان، اعتبر أن التحالفات بين فصائل المعارضة دائمًا ما تكون مقرونة بمنافع اقتصادية تتمحور حول المعابر، أو منافع اقتصادية أخرى.

الباحث في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” معن طلاع، اعتبر من جانبه أن الأحداث الأخيرة تتحول تدريجيًا إلى مكاسب لـ”تحرير الشام” من خلال مد نفوذها في المنطقة، وعلى رأسها قضية المعابر.

وأشار إلى المقصود بـ”المكاسب من قضية المعابر” ليس فقط على الصعيد الاقتصادي، بقدر ما قد تكون مهمة في موضوع دخول المساعدات إلى جانب معبر “باب الهوى”، وبالتالي ستكون “الهيئة” موجودة كطرف على الحدود في هذه المنطقة، إضافة إلى كون “تحرير الشام” تحاول تصدير نفسها على أنها قوة منضبطة، وقادرة على التحكم في المشهد، وضامن لسريان أي اتفاق في المنطقة، بحسب طلاع.

    ترتبط مناطق “الجيش الوطني” و”تحرير الشام” بمعبرين داخليين، هما معبر “دارة عزة- الغزاوية” المعروف أيضًا بـ”طريق دارة عزة”، ويصل مدينة دارة عزة في ريف حلب الغربي بمنطقة عفرين في ريف حلب الشرقي، إضافة إلى معبر “دير بلوط- أطمة” الذي يصل ريف إدلب الشمالي بريفي حلب الشمالي والغربي.

    بينما تنفرد “تحرير الشام” بإدارة معبر “ترنبة- سراقب”، إضافة إلى معبر “باب الهوى”، ومعبرين غير رسميين هما معبر “خربة الجوز”، ومعبر “أطمة”.

    بينما يدير “الجيش الوطني” معابر مع تركيا، كـ”باب السلامة” و”جرابلس” و”الراعي”، وأخرى مع النظام السوري، إضافة إلى معبر مع “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد).

    وتتوزع إدارة “الجيش الوطني” لهذه المعابر بين فصائله التي سبق ونشبت خلافات فيما بينها على إدارة معابر المنطقة خلال السنوات الماضية.

“تحرير الشام” قد تعزل ريف حلب اقتصاديًا

في أيار الماضي، وافقت وزارة الخزانة الأمريكية على استثناء عدة مناطق خارجة عن سيطرة النظام السوري في سوريا من العقوبات المفروضة بموجب قانون “قيصر”، وسمحت بأنشطة 12 قطاعًا، بما فيها الزراعة والبناء والتمويل في مناطق شمال شرقي سوريا، التي تسيطر عليها “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، ومناطق في شمال غربي سوريا حيث يسيطر “الجيش الوطني”.

وأصدرت الخزانة، في 12 من أيار الماضي، بيانًا جاء فيه أنها سمحت ببعض الاستثمارات الأجنبية في المناطق الواقعة بشمالي سوريا والخارجة عن سيطرة حكومة النظام، والتي اعتبرتها استراتيجية تهدف لهزيمة تنظيم “الدولة الإسلامية” من خلال تحقيق الاستقرار الاقتصادي.

وأثارت المخاوف من دخول “هيئة تحرير الشام” إلى مناطق مستثناة من العقوبات، مع ضبابية المشهد حول إمكانية استقرارها فيها، التساؤلات حول مستقبل الاقتصاد فيها، والتعامل الدولي مع هذه المناطق، إذ تصنف “تحرير الشام” ككيان “إرهابي”.

وحول أثر الاقتتال الحالي على المنطقة، قال الباحث في الاقتصاد السياسي يحيى السيد عمر، في حديث إلى عنب بلدي، إن أي معارك أو اقتتال بغض النظر عن أسبابه وأهدافه يعد ذا أثر سلبي على الاقتصاد ومؤشراته، فالاقتصاد ينمو وتتحسن مؤشراته في ظل الاستقرار السياسي والاجتماعي والعسكري، والعكس بالعكس.

وأوضح السيد عمر أن رأس المال يوصف بالجبان، ففي ظل أي تهديد حقيقي تهاجر رؤوس الأموال، كما تؤثر المعارك على مستويات العرض والطلب، وهذا ما يسبب خللًا في توازن السوق، لذا يمكن القول إن أثر المعارك سيكون سلبيًا على الاقتصاد في الشمال السوري.

وأضاف الباحث بشأن استثناء مناطق شمالي سوريا من العقوبات الغربية، واحتمال العدول عن هذا الاستثناء في حال سيطرة “هيئة تحرير الشام” على المنطقة، أن هذا الأمر ليس ذا أهمية كبيرة، فالاستثناء من العقوبات الغربية لم يترك أثرًا إيجابيًا واضحًا على المنطقة، وإلغاء الاستثناء لن يسبب ضررًا كبيرًا أيضًا، فالاستثناء الغربي كان قضية وموقفًا سياسيًا أكثر من كونه مشروعًا اقتصاديًا، بحسب السيد عمر.

وفيما يتعلق بالأثر البعيد الأمد للتحركات العسكرية الحالية، اعتبر السيد عمر أن من المؤكد أن الوحدة العسكرية والسياسية تعد أفضل من التشتت، ولكن العبرة ليس في الاتحاد فقط، بل في قيادة الاتحاد.

وفي حال التوحد تحت قيادة “هيئة تحرير الشام”، اعتبر الباحث أن هذا أمر سلبي، نتيجة عدم القبول الدولي لها، وسيعزز عزلة المنطقة سياسيًا واقتصاديًا، وسيترك أثرًا سلبيًا على اقتصاد الأفراد وعلى مؤشرات الاقتصاد الكلي في المنطقة.

وكانت الولايات المتحدة صنفت “الهيئة” عام 2017 “إرهابية”، بعد أن غيّرت اسمها من “جبهة فتح الشام” التي ضمت فصائل عسكرية معارضة، كان أبرزها “جبهة النصرة” بعد أن انفكت عن “القاعدة” عام 2016.

ولم يفلح الفصيل بالهروب من التصنيف بعد تغيير المسمى إلى “هيئة تحرير الشام”، إذ أصرت واشنطن، في 15 من أيار 2017، على وضعه على قوائم “الإرهاب”، في حين ترى “الهيئة” أن التصنيفات الغربية “تفتقد إلى الحقيقة”، ولم تكن مبنية على “حقائق أو أدلة ملموسة”.

ثلاثة اتجاهات لمستقبل المنطقة

تثير التحركات العسكرية السابقة التساؤلات حول مستقبل المنطقة سياسيًا واقتصاديًا، وسط الحديث عن احتمالات سيطرة “هيئة تحرير الشام” على مناطق من ريف حلب، بالاشتراك مع الفصائل “المتوافقة” معها من “الجيش الوطني” المدعوم من تركيا.

الباحث السياسي في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” معن طلاع، قال في حديثه إلى عنب بلدي، إنه فيما يتعلق باستشراف مستقبل المنطقة، يمكن أن نتلمس الاتجاهات العامة دون أن نقر بأنها ستستقر في نموذج “أ” أو نموذج “ب” مثلًا.

خطر الفناء الذاتي

أوضح طلاع أن الاتجاهات العامة في المنطقة يمكن حصرها بثلاثة، أولها أن الحديث اليوم عن إعادة هيكلة “الجيش الوطني” حديث تعترضه العديد من الصعوبات، وبات خلف المعطيات الراهنة، إن لم يكن “شبه مستحيل” في المدى المنظور.

وأضاف طلاع أننا نتحدث اليوم عن انقسام شديد، حتى ولو كان الشكل الماضي للهيكلية عبارة عن شكل فصائلي ضمن وعاء اسمه “جيش وطني”، فاليوم بات الانفصال كبيرًا جدًا ما بين القوى الرئيسة في هذا المشهد.

بينما يرتبط الاتجاه الثاني، بحسب طلاع، بالديناميات الحاكمة لمناطق النفوذ التركي شمالي حلب، التي تدل على تعزيز مؤشرات الفناء الذاتي، في المقابل نجد بقية مناطق السيطرة في سوريا، سواء في مناطق سيطرة كل من “هيئة تحرير الشام” أو “الإدارة الذاتية” أو النظام السوري، تواجه أسئلة التمكين الذاتي كبناء الشبكات، بحسب طلاع.

الفناء الذاتي هو مجموعة العوامل التي تتشكل داخل بنية واحدة تؤدي إلى انتهائها، إذ لا تحتاج إلى تسليط قوة خارجية لإنهائها، ويكفيها الصدام والصراع والتصدع والاقتتال البيني لتحويل أثر المجموعة إلى صفري وغائب عن المشهد كليًا.

وعلى الرغم من الأزمات الموجودة في كل مناطق السيطرة، تجري اليوم الاستفادة من ظروف وسياق التجميد السياسي وتجميد المشهد في سوريا ووقف إطلاق النار المؤقت لاستحقاقات البنية الذاتية، بحسب الباحث معن طلاع، بينما في مناطق النفوذ التركي، نجد أن هذا المؤشر استمرار لعدة مؤشرات دالة على اقتراب أو تعظيم ديناميات الفناء الذاتي، وهذا شكل أصبح متقدمًا عما كان سابقه.

وحول الاتجاه الثالث للمنطقة، اعتبر طلاع أنه مرتبط بشكل رئيس بـ”الفيلق الثالث” الذي يصدّر نفسه على أن قواه الرئيسة قوى محلية، وبالتالي هو أمام تحديات كبرى، إما البقاء بشكله الفصائلي كمكوّنات محلية، وإما الذهاب باتجاه استغلال هذه الفرصة واعتبار ما تم “عملية تطهير وإعادة بناء حقيقية لنواة فاعلة على شكل هيئة عسكرية مقاتلة، بعقيدة عسكرية وبمنطق جغرافيا عسكرية ليس بمنطق فصائلية”.

ويرى طلاع أن ذلك يزيد من تحديات “الفيلق الثالث”، كون خياراته في التحالف باتت قليلة، وتحالفاته الراهنة هي تحالفات تجمعها المصلحة، ما سيجعل تحركاته الحالية العنصر الذي سيتحكم بالاتجاه الثالث للمنطقة.

وبتقدير الباحث، إن ذهب “الفيلق الثالث” باتجاه بناء حقيقي ليس قائمًا على فكر فصائلي أو على رفض القوى السياسية والتمثيلية والإدارية، وأدار علاقته بشكل أنجع مع الطرف التركي، سيكون بمكان ما نواة لتشكيل هيئة سياسية- عسكرية وطنية.

بينما إذا بقيت القضية عبارة عن محاصصة أو قضية عوائل متحكمة أو قضية فصائل، فنحن فقط أمام تأجيل للامتحان الوجودي لـ”الفيلق الثالث”، بحسب طلاع.

————————-

الجيش التركي يخرج “تحرير الشام” من عفرين بعد التظاهرات والضغوط/ عدنان أحمد

اتخذت القوات التركية إجراءات لإخراج “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً) من منطقة عفرين، شمال غربي سورية، ومنع دخولها إلى المنطقة مرة أخرى، في خطوة فسّرها مراقبون بأنه لا يمكن فصلها عن الضغوط الشعبية الرافضة لتمدد “الهيئة” في المنطقة. وعبّر عن ذلك أمس الجمعة، خروج تظاهرات عدة جديدة في الشمال السوري رافضة لهذا التمدد، فضلاً عن بروز مواقف دولية، أميركية وروسية تحديداً، منتقدة للتطورات.

وذكرت مصادر عسكرية من الجيش الوطني السوري المعارض، لـ”العربي الجديد”، أن الجيش التركي استقدم حواجز اسمنتية إلى معبري الغزاوية ودير بلوط في ريف عفرين الجنوبي، اللذين يربطان منطقة شمال حلب مع إدلب، وذلك لضبط المنطقة، ومنع حدوث تجاوزات أمنية وعسكرية خلال الفترة المقبلة، ومنع دخول “هيئة تحرير الشام” مرة أخرى إلى المنطقة.

كما بدأ الجيش التركي بتسيير دوريات على حواجز الشرطة المدنية والعسكرية في عفرين للتأكد من خلّوها من عناصر الهيئة الذين يحاولون التخفي بلباس ورايات الشرطة العسكرية التابعة للجيش الوطني.

ولفتت المصادر إلى أن النقطتين التركيتين هدفهما تفتيش وتدقيق أسماء المارّة لمنع دخول عناصر “تحرير الشام” بلباس فصائل أخرى إلى عفرين. وأشارت إلى أن الجيش التركي سيّر ليل الخميس – الجمعة دوريات في مدينة عفرين ومنطقة “غصن الزيتون” في ريف حلب الشمالي على الحواجز التابعة لـ”الشرطة العسكرية” وباقي حواجز فصائل “الجيش الوطني”، للتأكد من هوية العناصر الموجودين عليها. ولفتت إلى أن الجيش التركي طرد عدداً من عناصر “تحرير الشام” كانوا يرتدون لباس الشرطة العسكرية على حاجز بلدة جنديرس القريبة من مدينة عفرين شمالي حلب.

ووصف هشام اسكيف، عضو مكتب العلاقات العامة في “الفيلق الثالث” التابع للجيش الوطني السوري المعارض، لـ”العربي الجديد”، المشهد في عفرين بأنه “مائل للاستقرار”، لكنه أضاف أن “هيئة تحرير الشام لا تزال تراوغ وتحاول التخفي بلباس الشرطة العسكرية، أو فصيلي “الحمزات” و”العمشات” التابعين للجيش الوطني”. وأوضح اسكيف أنه لا يزال لدى “الهيئة” بعض القوات في عفرين، وإن كانت نسبتهم خفّت كثيراً مقارنة بالفترة السابقة، بحسب تقديره.

وكان الجيش التركي أمهل “هيئة تحرير الشام” حتى فجر الخميس الماضي لمغادرة المنطقة. وعقب ذلك، بثّت “الهيئة” عبر إعلامها تسجيلات مصورة تظهر انسحاب أرتال عسكرية كبيرة، غير أن معطيات على الأرض تشير الى أن مجموعات لـ”الهيئة” لا تزال مختبئة داخل مقار ومعسكرات فرقتي “الحمزة” و”السلطان سليمان شاه” وحركة “أحرار الشام”.

ولا تزال “الهيئة” تحتفظ ببعض القوات داخل مقار حركة “أحرار الشام” في منطقة جنديرس في مقر قيادة الحركة، وفي تل سللور، وفي مقار أمنية للحركة في بلدة كوران مع رفعهم لرايات الحركة وتحركهم باسمها.

وشوهدت أمس الجمعة، أرتال من سيارات “الهيئة” تغادر منطقة عفرين بالتزامن مع انسحاب الجيش التركي من منطقتي قطمة وكفر جنة، ودخول حركة “ثائرون” إلى هذه المناطق التي كانت سابقاً تحت سيطرة “الفيلق الثالث” بشكل أساسي. وأظهرت جولة ميدانية لـ”العربي الجديد” أن تركيا تتجه لإقامة قواعد عسكرية على مداخل عفرين وليس الانتشار على الحواجز داخلها، لكن لوحظ أن دوريات تركية جالت على الحواجز للتأكد من عدم وجود عناصر يتبعون لـ”هيئة تحرير الشام” عليها.

    تركيا تتجه لإقامة قواعد عسكرية على مداخل عفرين وليس الانتشار على الحواجز داخلها

وكانت “تحرير الشام” سيطرت على منطقة عفرين وبلدة كفرجنة بعد اشتباكات مع “الفيلق الثالث” التابع لـ”الجيش الوطني السوري”، وذلك عقب اعتقال الفيلق لخلية اغتيال الناشط محمد عبد اللطيف أبو غنوم، والتي اتضح أنها تتبع لفرقة “الحمزة” التي بادرت مع فصيل “السلطان سليمان شاه” (العمشات) للتحالف مع “تحرير الشام” وتسهيل دخولها إلى منطقة عفرين.

وفي هذا السياق، استأنفت “الشرطة العسكرية” بمشاركة “الفيلق الثالث” أمس الجمعة، التحقيقات بقضية اغتيال الناشط أبو غنوم وزوجته، بعد تعافي أحد عناصر الخلية المتورطة باغتياله، نتيجة إصابته في 10 أكتوبر/تشرين الأول الحالي، أثناء ملاحقته مع باقي أفراد الخلية المكونة من 5 أشخاص في مدينة الباب الواقعة ضمن منطقة “درع الفرات” شرقي محافظة حلب.

امتعاض روسي وأميركي

ويأتي التحرك التركي للحد من تمدد “هيئة تحرير الشام” في الشمال السوري بالتزامن مع امتعاض روسي وأميركي من الموقف التركي إزاء تحركات “الهيئة” في الفترة الأخيرة.

وفي السياق، قال المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى سورية، ألكسندر لافرنتييف، إن تركيا تسعى الى تحويل “هيئة تحرير الشام”، صاحبة النفوذ العسكري في إدلب، إلى “معارضة معتدلة”. واعتبر لافرنتييف أن الموقف التركي يحظى بدعم عدد من الدول الغربية للمضي في هذه المحاولات، “على الرغم من وجود قرار للأمم المتحدة يصنف “تحرير الشام” على أنها تنظيم إرهابي، وفق تصريحه لجريدة “الوطن” المقربة من النظام السوري، أول من أمس الخميس.

ورأى المبعوث الروسي أن هذه السياسة التي يتم تطبيقها حالياً في الشمال السوري، هدفها إبعاد إمكانية فرض سيطرة النظام السوري على تلك المناطق، وفق تعبيره.

وقال لافرنتييف إن روسيا دعت المعارضة السورية إلى حلّ مشكلة وجود “هيئة تحرير الشام، لكن المعارضة المدعومة من تركيا لا ترفض فقط قتال “تحرير الشام”، بل تسعى إلى إقامة شراكة معها، وهي نقطة تتحدث بها روسيا وبانفتاح مع الشركاء الأتراك”.

وسبقت هذه التصريحات، رسالة روسية نارية إلى تركيا، تمثلت بغارات روسية مفاجئة على مواقع تابعة لـ”الجيش الوطني” في محيط مدينتي إعزاز وعفرين شمال حلب، وذلك بعد يوم على اقتحام “تحرير الشام” مدينة عفرين.

من جهته، كشف معهد “واشنطن لسياسة الشرق الأدنى”، عن تعرض الحكومة التركية للضغوط من الولايات المتحدة من أجل التدخل وإيقاف تمدد “هيئة تحرير الشام” في شمال وغرب سورية.

وقال المعهد إن واشنطن هدّدت أنقرة بالسماح لـ”قوات سورية الديمقراطية” (قسد) بالدخول إلى منطقة عفرين في ريف محافظة حلب في حال عدم مغادرة “الهيئة” لها، وهذا ما “أثار غضب الأتراك”، بحسب المعهد.

ضغوط شعبية

وفي إطار الضغوط لوقف تمدد “الهيئة”، شهدت مناطق عدة في الشمال السوري، وخصوصاً ريف حلب، أمس الجمعة، تظاهرات شعبية للتأكيد على رفض المجتمع المحلي سيطرة “هيئة تحرير الشام” على أي من مناطق الجيش الوطني.

واعتبر الباحث السياسي وائل علوان، في تصريح لـ”العربي الجديد”، أن التظاهرات التي خرجت الأسبوع الماضي كانت السبب الأساسي في التأثير على الموقف التركي للوقوف في وجه تمدد “تحرير الشام”، موضحاً أن معظم الناشطين في ريف حلب مناهضون للهيئة ويخشون من تعرضهم للاعتقال، إضافة إلى ارتباط تدخل الهيئة العسكري الأخير بالدفاع عن قتلة الناشط أبو غنوم.

    وائل علوان: التظاهرات الشعبية هي السبب الأساسي في التأثير على الموقف التركي

وأضاف علوان، الباحث في مركز “جسور”، أن الجيش التركي طلب من “تحرير الشام” إخلاء المناطق التي تقدمت إليها شمال حلب، لكن لا يمكن القول إن “الهيئة” انسحبت تماماً من تلك المناطق حتى الآن، ولا يزال لها بعض الوجود المخفي ضمن الفصائل الموالية لها في منطقة عفرين.

وحول الرابحين والخاسرين في التطورات الأخيرة، رأى علوان أن “الفيلق الثالث” كان أكبر الخاسرين، وقد يطالب الفيلق بالعودة إلى مقراته التي خرج منها في منطقة عفرين. كما ستطلب حركة “البناء والتحرير” التابعة لـ”الفيلق الأول” بالعودة إلى مقراتها وحواجزها في منطقة جنديرس، وربما يتحقق هذا بشكل نسبي على ضوء التفاهم بين فصائل الجيش الوطني، وخصوصاً بين “الفيلق الثالث” وحركة “التحرير والبناء” وهيئة “ثائرون”.

الجيش التركي يعترض جهود الاستخبارات

من جهته، رأى مصدر مطلع في “الجيش الوطني” في حديث مع “العربي الجديد” مفضّلاً عدم الكشف عن اسمه، أن الجيش التركي قرّر أخيراً التحرك لإخراج “تحرير الشام” من عفرين بعد فترة من “التراخي” ربما أرادت تركيا من خلالها اختبار إمكانية توسيع منطقة نفوذ “الهيئة”، لكن ذلك قوبل برفض دولي، وشعبي محلي.

وأضاف المصدر: “ربما كانت تركيا تفكر في الاعتماد على “تحرير الشام” لضبط الوضع الأمني في عفرين، أو حتى في مناطق سيطرة “الجيش الوطني” الأخرى بريف حلب في ضوء الفوضى الأمنية التي تعيشها تلك المناطق تحت سيطرة فصائل الجيش الوطني، لكن هذا المسعى الذي كانت تقف خلفه الاستخبارات التركية، وليس الجيش، تمّت فرملته الآن كما يبدو، نتيجة تلك الضغوط الخارجية والمحلية.

——————————-

مقاربات كردية لاقتتال الفصائل المسلحة في عفرين/ شفان إبراهيم

أصدرت مختلف القوى والتكتلات السياسية الكردية مواقف متشابهة ومتقاطعة في العديد من النقاط حول ما يدور في عفرين من اقتتال بين الفصائل المسلحة المختلفة وتدخل هيئة تحرير الشام فيها.

فالمجلس الكردي انطلق من مقاربته للموضوع حول الضرر البليغ لحياة ومصالح واستقرار الأهالي والمنطقة والتي تتضرر نتيجة المعارك، مبدية اعتراضها على تدخل تحرير الشام “جبهة النصرة” المصنفة إرهابياً نصرة للحمزات والعمشات، فتصبح المنطقة الجغرافية تحت سيطرة “النصرة” تمتد من إدلب حتّى عفرين ومرشحة لتصل إلى مناطق درع الفرات ونبع السلام، وتالياً تُصبح مكونات “المنطقة الكردية” ودير الزور والرقة على تماس مباشر مع جبهة النصرة. مقاربة المجلس للقضية امتدت لتتهم الفصائل المسلحة المسيطرة على عفرين باستهتارها بحياة الناس وانتهاكاتها المستمرة، ووضعت الكرة في الملعب التركي لتحمل مسؤولياتها كونها صاحبة القرار في المنطقة، وتنتهي مقاربة المجلس للقضية بضرورة إخراج تلك الفصائل بما فيها النصرة كحل وحيد للاستقرار وإسناد المنطقة إلى أبنائها.

في حين أن مقاربة “قسد” للموضوع تقوم على اتهام كافة الأطراف بالقيام بمسرحية وصفتها بالهزيلة، وأن سيطرة هيئة تحرير الشام على عفرين إنما جاءت بموافقة تركيا لأسباب تتعلق بالجانب الميداني العسكري والسياسي وطبيعة الصراع بين قسد وتركيا، خاصة وأن الأولى تخشى من سيطرة هيئة تحرير الشام والفصائل المتعاونة معها على منبج أو ريف كوباني الغربي، وهو ما يعني الحصار المطبق على كامل مناطق سيطرة قسد، وتالياً تدرك قسد أنها ربما تصبح ضحية توافقات ومقايضات بين قوة إقليمية ودولية، وتكون هي الخاسرة بذلك.

أما مقاربة الحزب الديمقراطي التقدمي فقامت على “المخاوف من تسبب المعارك بالمزيد من هجرة الشعب الكردي من المنطقة، وأنها تدخل ضمن سياق ترتيبات تجريها تركيا لتعزيز موقعها أثناء أي اتصال مع دمشق برعايا روسيا، ورغبة منها بالتخلص من التنظيمات العسكرية الصغيرة، وتسليم المنطقة لجبهة النصرة وإعادة مليون لاجئ وتغيير ديمغرافية المنطقة”.

تشابه في المضامين

التشابه بين مقاربات الأطراف تقوم أساساً على ست مُحددات، الأولى: الائتلاف وقيادة الأركان ووزير الدفاع لا سلطة لهم على تلك الفصائل بل لا إمكانية لنقل عسكري من السلطان مراد إلى فيلق الشام على سبيل المثال، الثانية: الاستغراب من سرعة خروج المناطق والبلدات من سيطرة الفيلق الثالث-الجيش الوطني، الثالثة: مؤشرات واضحة على غياب الاندماج بين الفصائل والألوية المستقلة كل عن الأخرى، و”يتمتع” كل طرف بلجان سياسية ومحاكم وشرطة وأمنيات خاصة بها تقاسموا مناطق النفوذ على حساب المجتمع المحلي، والرابعة: رفضهم لسيطرة تحرير الشام – جبهة النصرة على أيًّ من المناطق المعروفة بــ”درع الفرات – غصن الزيتون – نبع السلام”، لأسباب تتعلق بمستقبل المناطق الكردية في سوريا والرقة ودير الزور وغيرها، وتالياً تغيير كلي في قواعد اللعبة وحصار خانق على ما تبقى من  الكتلة الصلبة الجغرافية للقضية الكردية. والخامسة: التغيير الديمغرافي والمزيد من تهجير السكان المحليين. والسادسة والأخطر: لم تتغير المعادلة مع تخلي أبو محمد الجولاني عن القاعدة وتأسيسه “جبهة فتح الشام” كفصيل جهادي، ولم تنجح محاولته في تطوير نفسه عبر تبني خطاب جديد وإعلان “هيئة تحرير الشام” والادعاء بتبني القيم الثورية، بل اجتهد كثيراً في منح نفسه طابع مدني عبر حكومة الإنقاذ التي أعلنها. في حين أن المقاربات تختلف بين الأطراف حول طلب الوطني الكردي من تركيا تحمل مسؤولياتها ومنع أي تمدد هيئة تحرير الشام على حساب الأهالي والمنطقة ومستقبلها. وتذهب مقاربة قسد في اتجاه اتهامها لتركيا بالتساهل أو تراخي الفصائل التابعة لها أمام تمدد الجبهة، ويتهم التقدمي تركيا بفوبيا الكرد واستهداف الوجود الكردي في سوريا.

هل تركيا محتارة أيضاً؟

الوقائع الجغرافية، تثبت عدم رغبة تركيا التفريط بالمناطق التي تسيطر عليها لصالح أطراف أخرى، لعدم إضعاف موقعها السياسي في الملف السوري لصالح نفوذ وأطراف عديدة. لكن أمام الصورة السوداوية لواقع الفصائل المسلحة، وعدم انسجامها، وبل تكرار مشاكلها، هل ما تزال تركيا مضطرة للدفاع عنها وتمويلها، أم أن التعامل مع رأس وجسد وقرار واحد أسهل وأكثر توفيراً للجهد والمال، ويسهل عليها الاستثمار فيها، أم أنها تقوم بتأديب فصائل المعارضة السورية للعديد من الأسباب، من يدري ربما تدمج السببين معاً، خاصة وأن المعارضة السورية لم تتعلم من درس المجتمع الدولي الذي قطع الدعم عن تلك الفصائل بإلغاء غرفتي “الموم والموك” وفي البداية استمرت تركيا وقطر وحدهما في التمويل والدعم على أمل توحيدها في جسم عسكري وقيادة سياسية واحدة، قبل أن تذهب “أنقرة والدوحة” للابتعاد عن تمويلهما أيضاً بعد اليأس من إمكانية لم شملهم معاً، وبقيت الأطراف التي تسيطر على المعابر تتمتع بموارد مالية متفاوتة، كحال الجبهة الشامية التي تشكل العمود الفقري لما يسمى الفيلق الثالث التابع للجيش الوطني والتي تسيطر على معبر إعزاز، وهيئة تحرير الشام المسيطرة على معبر باب الهوى في إدلب، إضافة إلى معابر أخرى مع قوات سوريا الديمقراطية، ومناطق سيطرة الحكومة السورية، التي تتوزع سيطرة تلك المعابر على فصائل مختلفة. فمن أين تأتي باقي الفصائل بمواردها المالية؟

بوضوح لم تجد سوى في فرض الإتاوات وقطع الأشجار وبيعها أفضل حلٍ لها. وصحيح إن لتركيا دور كبير في صناعة قرار تلك الفصائل، لكن يُمكن القول إن أنقرة اليوم ملت وتعبت من صراعاتهم اليومية، وانعكاسها على  قوى المعارضة السياسية وبل إحداثها شرخاً عميقاً بين كتلها، وتالياً سيكون لها تأثيرات وتبعات على مختلف تشكيلات المعارضة السورية سواء داخل “المؤسسات الرسمية للمعارضة أو خارجها”، وإذا كانت تركيبة وطبيعة العديد من الأطراف السياسية المشكلة للائتلاف ليس لها أي علاقة مؤثرة وغير مرتبطة بشكل من أشكال العلاقة مع القوى العسكرية المتصارعة، لكن ليس مستبعداً أن تتأثر وتتعرض للضغوطات المختلفة لا سيما إمكانية طرد مؤسساتها من المناطق التي تسيطر عليها تحرير الشام. في حين أن الفصائل العسكرية في مناطق سيطرة المعارضة والمتواجدة في جسم المعارضة السورية تحت مسميات مختلفة، فإنها هي المعنية الأساس وكل مجريات المعارك من اقتتال وصلح وانسحاب وسيطرة يؤثر مباشرة على عملها ومستقبل انتشارها وعملها، فهي المعتمدة على طبيعة العلاقات البينية ونقاط الانتشار العسكري وموازين القوى، ولا تهتم كثيراً بقضايا الخلافات السياسية، لكنها تلعب دوراً مؤثراً في صناعة ذلك القرار بما يخدم أفعالها.

ترقب لمكونات شمال شرق سوريا وفرص أمام الإدارة الذاتية

استمرار تمدد هيئة تحرير الشام يُنذر بكارثة بشرية على كامل سوريا وشمال غربه، ويضع شمال شرق سوريا في أخطر منزلق جديد، خاصة وأن مكونات الشمال الشرقي تعي جداً ماذا يعني سيطرة فصيل مصنف إرهابياً على منطقة حدودية متاخمة لهم في سري كانيه على سبيل المثال أو على عفرين أو بالقرب من الريف الشمالي للرقة، فهم المكتوين بنار داعش منذ أعوام وما يزالون يدفعون ثمنها ولنا في المجازر التي ارتكبت في الرقة ودير الزور وعشائرها العربية والقرى الكردية والعربية في جنوب القامشلي وريف الحسكة خير مثال على ذلك. وبالمقابل تمتلك الإدارة الذاتية أوراقاً جيدة في لجم تلك التطلعات، لتأخذ دور المنقذ للمنطقة التي تدخل مرحلة جديدة باقتراب جبهة النصرة منها، فهي وإن كانت تجتهد كثيراً في إطار بحثها عن المشروعية الخارجية. لكن الغريب أنها لا تلتفت بالسوية ذاتها للداخل والإطار المحلي والاتفاق مع القوى الأخرى الموجودة على الأرض، فهذه المرة الوضع غير جداً، وربما تجد قسد نفسها في مواجهة مفتوحة مع الهيئة والعمشات والحمزات وسواها، أو مع تركيا وروسيا وقوات الجيش السوري.

وليس مستبعداً أن تركيا محتارة بين “تربية” كل الفصائل بعد تمردها على طرحها فتح صفحة حوار بين المعارضة والنظام السوري، وبين عدم منح بطاقة مجانية لروسيا، لكن هيئة تحرير الشام أصبحت شريكاً وفاعلاً بل ذات حركة رئيسة في الأمنيات والحواجز والملف العسكري. وما يهم الأطراف الكردية هو كيفية ضمان عدم نشوب معارك جديدة في مناطقها، وحماية عفرين من أتون المعارك، وهي التي لا تمتلك أي أوراق ضغط أو مواجهة مباشرة مع مختلف الأطراف العسكرية هناك، ما خلا الورقة الوحيدة والتي يُفرط الكرد بها، ورقة فتح باب الحوار بين المجلس الكردي والإدارة الذاتية مجدداً، والاتفاق على أبرز بنود الخلاف بينهم، والاستفادة من الدرس التركي الذي تلقنه للفصائل العسكرية المختلفة بعد نفاذ صبرها، والذي من الممكن أن تكون الإدارة الأمريكية أيضاً صاحبة صبر غير استراتيجي.

ليفانت – شفان إبراهيم

———————–

بعد نجاة الفيلق الثالث.. ما مصير الشمال السوري وهل تعيد تركيا النظر بخطتها التي رسمتها للمنطقة؟/ عقيل حسين

نجا الفيلق الثالث ودخل الجميع في الحسابات.. هذه هي الخلاصة الوحيدة المؤكدة الآن، بعد عشرة أيام استثنائية شهدتها مناطق سيطرة الجيش الوطني شمال سوريا، وكادت تغيّر كل شيء، قبل أن تتدخل عدة عوامل وتعيد عقارب الساعة للوراء.

صحيح أن الفيلق الثالث هو من بدأ المواجهة ضد فرقة الحمزة، على خلفية تورّط الأخيرة بمقتل الناشط محمد عبد اللطيف (أبو غنوم) في مدينة الباب، يوم السابع من الشهر الجاري، لتندلع الاشتباكات في العاشر منه، لكن الصحيح أيضاً أن ذلك لم يكن السبب الحقيقي في توغّل هيئة تحرير الشام إلى منطقة غصن الزيتون، وتقدمها باتجاه منطقة درع الفرات، بذريعة التصدي لعدوان الفيلق على الفصائل الأخرى.لا يتعلق ذلك فقط بتربُّص الهيئة المعروف على أي حال بالجبهة الشامية وجيش الإسلام، الفصيلين اللذينِ يتكون منهما الفيلق، فهذا معلوم للجميع بطبيعة الحال، كما إن هذا التربص لا يقتصر على التحالف المعلن بين الهيئة وحركة أحرار الشام/القاطع الشرقي، وفرقة السلطان سليمان شاه (العمشات)، بل يتعلق أيضاً بالموقف التركي من الفيلق الثالث من جهة، وبالخطة التي كانت قد حضّرتها أنقرة لمناطق سيطرة الجيش الوطني خلال الأشهر السبعة القادمة من جهة أخرى.

الخطة التركية

كانت الخطة التركية التي أشرف على وضعها جهاز المخابرات، حسب المعلومات المتداولة في أوساط المعارضة السورية، والتي تم تحديد الخامس عشر من تشرين الأول/أكتوبر موعداً للمباشرة بتنفيذها، كانت تهدف من حيث المبدأ إلى فرض الاستقرار الأمني والإداري في الشمال، من أجل إعادة ما لا يقل عن 500 ألف لاجئ سوري من تركيا إليها، بعد إنجاز البنية التحتية اللازمة.

وحسب المعلومات التي أكدها صحفيون ومحللون أتراك مقرّبون من حزب العدالة والتنمية الحاكم، فقد رأت أنقرة أن الجهة الأقدر على القيام بهذه المسؤولية هي حكومة الإنقاذ التابعة لهيئة تحرير الشام، لكن العقبة الوحيدة أمام ذلك كان الرفض المتوقع من جانب الفيلق الثالث لإيكال المهمة إلى هذه الجهة.

وبما أن الفيلق ليس فصيلاً مَرضيّاً عنه بشكل كامل من جانب أنقرة، فإن الجهات التركية التي كانت معنية بتنفيذ الخطة، أخبرت، كما تقول مصادر أورينت، الفصائل الأخرى بأنها لن تمانع من استخدام القوة ضده، حتى وإن اقتضى الأمر إنهاءه، بشرط أن يحدث ذلك بأقصى سرعة ودون إراقة دماء.

تقديرات خاطئة

لا توجد معطيات قاطعة تحسم ما إذا كان الهجوم الذي شنه الفيلق الثالث ضد فرقة الحمزات، في العاشر من هذا الشهر، ولاحقاً ضد فرقة العمشات بعد يومين، جاء كعملية استباقية لخطة الإجهاز عليه، لكن المؤكد أن قيادة الفيلق أخطأت التقدير بشكل واضح عندما قررت خوض مواجهة مع الفرقتين، خاصة أنها كانت تعلم مسبقاً بتحالف الأخيرة مع هيئة تحرير الشام، وتربص حركة أحرار الشام المجاورة في مناطق انتشارها بريف حلب الشرقي لفرقة الحمزة، في وقت لم يكن فيه الفيلق جاهزاً على الصعيد الداخلي لخوض مثل هذه المواجهة الواسعة.

باختصار فرضت كل الظروف نفسها لتشكّل حلقة بدأت تضيق حول رقبة الفيلق الثالث مع توسّع المواجهات والهجوم المنظّم من قبل الخصوم ضده من جبهات مختلفة، بل والأقسى من ذلك كانت المساهمة الفعالة التي لعبها تواطؤ فصائل أخرى ضده، حيث سمح فيلق الشام بدخول قوات الجولاني من معاقله، بينما شاركت مجموعات تابعة لحركة نور الدين زنكي في القتال، بسبب مشاكل قديمة بينهم وبين قادة وتشكيلات في الفيلق الثالث.

لكن رغم ذلك فقد صمدت قوات الفيلق التي تحصّنت في بلدة كفر جنة، بين مدينتي إعزاز وعفرين بريف حلب الشمالي من جهة، وتلك التي تمركزت في منطقة الباب من جهة أخرى، ما منع تقدماً سهلاً لخصومها نحو معقلها الرئيسي في إعزاز، بينما اكتفى الجيش التركي بالانتشار في عفرين والمراقبة.

إلا ان سقوط كفر جنة، وبقدر ما كان يُنظر إليه على أنه إيذان بانتهاء الفيلق الثالث، بقدر ما شكّل مناسبة لعودة التماسك والروح له، بعد تقاطر المقاتلين من التشكيلات التي رفضت القتال في البداية بسبب خلافات داخلية، والانتفاضة الشعبية الواسعة التي عبرت عن رفض قاطع من خلال المظاهرات والاعتصامات لسيطرة هيئة تحرير الشام على الشمال، الأمر الذي مثّل نقطة تحوّل فارقة أجبرت الجميع على اتخاذ مواقف جديدة.

إلغاء “اتفاق الإذعان”

كان من أهم نتائج هذه الانتفاضة، تمزيق كوادر ومقاتلي الفيلق الثالث الاتفاق الذي كانت قيادته قد وقعته يوم الأحد 16 تشرين الأول مع “أبو محمد الجولاني” متزعم هيئة تحرير الشام. وتضمّن بنوداً اعتُبرت مُذلّة بالنسبة للفيلق، بالنظر إلى أنها جرّدته من كل امتياز، وحصرت نشاطه في الرباط والقتال، مقابل إشراف الهيئة على إدارة المنطقة بكاملها.

لكن ما سبق لم يكن كل ما ترتب على هذه الانتفاضة من نتائج إيجابية بالنسبة للفيلق الثالث، إذ تسبّب الضجيج الذي أحدثته المظاهرات، مع نجاح قيادة الفيلق بإطالة وقت التفاوض على اتفاق جديد أو إدخال تعديلات على الاتفاق السابق، في لفت الانتباه بشكل كبير لما يحدث، حيث كشف معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى عن توجيه الولايات المتحدة طلباً لتركيا بإخراج هيئة تحرير الشام من عفرين والمناطق التي تمددت إليها على الفور، مهددة بدعم هجوم لقوات قسد من أجل استعادة المدينة لسيطرتها.

ورغم عدم وجود مصادر رسمية أكدت هذا الأمر، إلا أن قوات من الجيش التركي تحركت للانتشار بشكل أوسع في عفرين وعلى الحدود بين المدينة وبين مناطق سيطرة تحرير الشام بريف حلب الغربي، بينما أكدت مصادر متقاطعة طلب أنقرة من الهيئة المغادرة بشكل كامل، على أن يشمل الانسحاب العسكريين والأمنيين على حد سواء.

تغيُّر الموقف التركي

أمر أثار حفيظة الجولاني ومجلس قيادته بكل تأكيد، فاندفع أحد المسؤولين لديه لشن هجوم عنيف على الفيلق الثالث، متهماً قيادته بالارتباط بجهات خارجية، لكن هذا النوع من التحريض تبيّن أنه بلا جدوى، مع ظهور موقف شعبي حاسم ضد انتشار الهيئة في الشمال من جهة، وتدخل جهات تركية أخرى لتغيير التوجهات التي كانت قد فُرضت قبل ذلك من جهة ثانية.

تكشف مصادر مقرّبة من الفيلق الثالث أنه وبعد أن تركت الحكومة في أنقرة لجهاز الاستخبارات تنفيذ خطته، فإن فشل انجازها في الوقت المحدد، واللغط الواسع الذي أدى إليه ذلك، مع تكشف حقيقة الموقف الشعبي في الشمال، كل هذا دفع لتدخل قيادة الجيش ووزارة الداخلية إلى إلغاء خطة المخابرات، على أن يتم إعداد ترتيبات جديدة للمنطقة.

وبينما كشفت مصادر خاصة لـ”أورينت” عن دعوة قيادة الجيش التركي مسؤولي الفصائل إلى اجتماع في أنقرة يوم الإثنين المقبل، أكد مصدر مسؤول في الفيلق الثالث أنه لن يكون هناك أي مستقبل لهيئة تحرير الشام في مناطق سيطرة الجيش الوطني، وأن تركيا حسمت بشكل نهائي أمر مغادرة الهيئة لهذه المناطق، وعدَلت تماماً عن فكرة تكليفها بإدارة الشمال.

وبينما لم يُشِر المصدر بشكل صريح لمصير الاتفاق الموقّع بين الفيلق وتحرير الشام، إلا أنه من الواضح ضمنياً تحلل المصدر من هذا الاتفاق، وهو أمر متوقع بطبيعة الحال بالنظر إلى المتغيرات الجوهرية التي طرأت.

بل إن المصدر يُبدي ثقة أكبر وتفاؤلاً واضحاً بالمستقبل، حين يؤكد أن لدى الفيلق الثالث القدرة والإمكانات على تحمّل مسؤولية إدارة مناطقه وإنجاح أي خطة لفرض الاستقرار وتمكين مؤسسات الإدارة في جميع مدن الشمال، مشيراً إلى تجربة غرفة القيادة الموحدة “عزم” والنجاحات المعقولة التي حققتها على هذا الصعيد.

ويضيف: إن هذه الجماعة التي كان نهجها على الدوام قائماً على التغلب وتفكيك الفصائل وتجميد الجبهات وزرع الوهن في نفوس المهجّرين من خلال مشاريع تخديرية تُلبِسها الهيئة لبوس النمو الصناعي، تتغافل عن حقيقة أن المشاريع هذه تدار من قادة الهيئة والتجار المقربين منها، وتنعكس فائدتها على حلقة ضيقة من المنتفعين ضمن الفصيل.

وإلى جانب التشكيك بتفاخر تحرير الشام بنجاح إدارتها للمناطق التي تسيطر عليها، فإن المصدر ركز وبشكل واضح على التناقض بين ما تعلنه تحرير الشام من مكافحة المفسدين وبين مساندتها لفصيلي الحمزات والعمشات المتهمين بالفساد وارتكاب تجاوزات مضاعفة بالمقارنة مع الفصائل الأخرى، متسائلاً: “كيف ستبرّر الهيئة لعناصرها زجّهم في معركة لنصرة أبو عمشة، على سبيل المثال، وهو الذي لطالما كفّرته وطاردته؟!”.

يبدو أن جميع الأطراف قد أخطأت التقدير في نظرتها للأمور بالشمال السوري، وليس فقط قيادة الجبهة الشامية والفيلق الثالث، بما فيهم هيئة تحرير الشام والحكومة التركية.

وببنما كانت الهيئة تتوقع انتصاراً عسكرياً سهلاً على الفيلق، يُعفي الأتراك من الحرج الإعلامي والسياسي، وبينما كانت تنتظر أيضاً ترحيباً شعبياً واسعاً بها، نظراً لاحتقان السكان في مناطق سيطرة الجيش الوطني بسبب الفساد والتجاوزات والانتهاكات التي ترتكبها الفصائل التي يتكون منها، إلا أن المفاجأة كانت بصمود عسكري معقول للفيلق على الرغم من عدم مشاركة سوى جزء من قواته فيها، والمفاجأة الأكبر والأهم كانت بالموقف الجماهيري الرافض لدخول تحرير الشام إلى الشمال، الأمر الذي أعاد خلط الأوراق مجدداً بانتظار ما ستسفر عنه لقاءات أنقرة مع قادة فصائل الجيش الوطني.

 —————————–

الجيش التركي يتحرك بين عفرين وإدلب تمهيداً لـ”مراقبة الغزاوية

بدأ الجيش التركي في نقل “كتل خرسانية” (قطع من جدار إسمنتي) إلى الحد الفاصل بين منطقة عفرين في ريف حلب ومحافظة إدلب، شمال غربي سورية.

ونشر ناشطون ومصادر متقاطعة، اليوم السبت، صوراً لعمليات نقل الكتل عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فيما تحدث البعض أن الخطوة بغرض تجهيز “نقاط مراقبة”.

وتأتي هذه الخطوة بعد أيام من انتهاء المواجهات بين “هيئة تحرير الشام” و”الفيلق الثالث”، والتي توغلت من خلالها الأولى في عفرين، بعدما تدخلت على الأرض لدعم فصيلي “السلطان سليمان شاه” و”فرقة الحمزة”.

وذكرت شبكة “المحرر الإعلامية” التابعة لفصيل “فيلق الشام” أن الجيش التركي بدأ في الساعات الماضية بإنشاء نقطة عسكرية، قرب بلدة الغزاوية.

وقالت الشبكة إن الخطوة بهدف “ضبط منطقة غصن الزيتون وشمال حلب أمنياً وعسكرياً، والتأكد من خروج عناصر هيئة تحرير الشام بالكامل منها”.

بدوره أوضح الصحفي التركي، ليفنت كمال عبر “تويتر” أن “القوات المسلحة التركية بدأت بالفعل في نقل الكتل الخرسانية، لتجهيز نقاط المراقبة عند معبر الغزاوية بين إدلب وغصن الزيتون(عفرين)”.

    TSK started to transport concrete blocks to prepare observation points at the Al Gazawiyah crossing point between Idlib and Olive Branch. pic.twitter.com/3wQuxAMrap

    — Levent Kemal (@leventkemaI) October 21, 2022

وحتى الآن لم يستقر المشهد العسكري في عفرين، وسط تضارب معلومات عن بقاء أمنيين لـ”تحرير الشام” في المنطقة، فيما أكدت مصادر أخرى عن انسحابها بشكل كامل، بضغط تركي.

ويوجد معبران يربطان المنطقتين (إدلب، غصن الزيتون “عفرين”): الأول طريق الغزاوية- دير سمعان المعروف بطريق دارة عزة.

أما الطريق الثاني فهو دير بلوط- أطمة في ريف إدلب الشمالي.

وكانت “تحرير الشام” قد أحكمت سيطرتها على المعابر الواصلة مع عفرين في أثناء العمل العسكري الذي بدأته ضد “حركة نور الدين الزنكي”، عام 2019 ، وتمكنت فيه من السيطرة على كامل الريف الغربي لحلب.

    الجيش التركي يبدء بنقل كتل إسمنتية تجهيزاََ لإنشاء نقاط في منطقة #الغزاوية و #دير_بلوط مابين منطقة #إدلب و #عفرين#تلفزيون_إدلب ldlib TVhttps://t.co/4vq8K8RzGI pic.twitter.com/AYfYZWk580

    — تلفزيون إدلب Idlib TV (@TvIdlib) October 21, 2022

المصدر

السورية.نت

—————————–

مواجهات عفرين” من زاوية أمريكية: أثبتت 3 نتائج وموقف حساس

أثارت المواجهات الأخيرة ذات التفاصيل “غير المسبوقة”، التي شهدتها منطقة عفرين في ريف حلب الشمالي اهتمام وسائل إعلام أمريكية، وبينما استعرضت تحليلات لمراقبين، تحدثت عن 3 تداعيات و”موقف حساس”.

وكانت المواجهات قد اندلعت، الأسبوع الماضي، بين “هيئة تحرير الشام” وفصيلي “السلطان سليماه شاه” و”فرقة الحمزة” من جهة و”الفيلق الثالث” الذي تقوده “الجبهة الشامية” من جهة أخرى.

وقد أسفرت لأيام عن توغّل “الهيئة” في عفرين، ووصولها إلى أبواب “إعزاز” كبرى مدن منطقة “درع الفرات”، لتنسحب فيما بعد في أعقاب اتفاق لم تتضح تفاصيله كاملة حتى الآن، وبـ”ضغط تركي”.

“انسحبت لكنها أثبتت شيئاً”

ونشرت مجلة “فوربس” الأمريكية تقريراً، اليوم السبت، تحت عنوان: “تبدل السلطة في شمال غرب سورية: ثلاث تداعيات على استيلاء هيئة تحرير الشام على عفرين“.

تقول المجلة، حسب ما ترجمت “السورية.نت”: “أدى التقدم المفاجئ لقوات هيئة تحرير الشام في شمال غرب سورية إلى زعزعة السلام الهش الذي كان قائماً منذ منتصف عام 2020”.

وتضيف: “أظهر انتصار هيئة تحرير الشام في عفرين أنها قوة لا يستهان بها حتى خارج إدلب”، وعلى الرغم من انسحابها في وقت لاحق، إلا أن خطوتها أثبتت ثلاثة أشياء.

أولاً: فإن “الانتصار السريع للهيئة في عفرين كشف عن الطبيعة الحقيقية للجيش الوطني السوري: إنه أضعف مما كان يُعتقد عموماً، ولن يكون لديه فرصة للبقاء حتى ليوم واحد دون دعم تركي”.

وتتابع “فوربس”: “على الرغم من عدم امتلاك المجموعة المعارضة لقوة جوية وأسلحة ثقيلة محدودة أو مدفعية متطورة، إلا أن الجيش الوطني السوري لا يزال ينهار”.

علاوة على ذلك، “كشف استيلاء هيئة تحرير الشام على عفرين على أن سوء الإدارة كان عاملاً مهماً يسمح بالانهيار السريع”.

“يحتقر معظم الأكراد في عفرين هيئة تحرير الشام أيديولوجياً وسياسياً. ومع ذلك، منذ التوغلات التركية 2018 ، ذكر البعض أنهم يفضلون أن تدير هيئة تحرير الشام عفرين بدلاً من فصائل الجيش الوطني”، وفق المجلة.

واعتبرت “فوربس” أن النقطة الثالثة التي أثبتتها “تحرير الشام” هي “أنه ليس من المرجح أن يكون للحكومة السورية المؤقتة، ولا التنظيم الأم (التحالف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية) المعروف باسم (الائتلاف) أي دور في مستقبل سورية”.

وعلى الرغم من عدم دعوة “حكومة الإنقاذ السورية” المدعومة من “هيئة تحرير الشام” و”الإدارة الذاتية” لشمال وشرق سورية المدعومة من “قوات سوريا الديمقراطية” إلى أي منصات دولية تناقش الحل السياسي للأزمة السورية، إلا أنها ستكون قوى داخلية أو خارجية.

وجاء في تقرير المجلة: “يجب أن يحسب حساب أصحاب المصلحة بسبب الدعم الذي حصلوا عليه من الجمهور بسبب أدائهم الحوكمة الأكثر موثوقية نسبياً”.

“تركيا تحارب التمدد الجهادي”

في غضون ذلك نشرت مجلة “فورن بوليسي” الأمريكية تقريراً، اليوم السبت بعنوان: “تركيا تحارب التمدد الجهادي على الحدود السورية“.

وجاء في التقرير: “يحرز تحالف متطرف له صلات بتنظيم القاعدة تقدماً عبر شمال سورية، ويدفع روسيا وإيران إلى عمق الصراع ويطرح مشاكل لتركيا”، مركزاً من جانب آخر على محاولات طهران وجماعاتها لاستغلال ما حصل.

“استيلاء هيئة تحرير الشام على عفرين لمدة أسبوع – التي اعترفت تركيا بها كمنظمة إرهابية في عام 2018 – ومحاولتها للإطاحة بالحكومة الأمنية المؤقتة كانت مخاطرة بتخريب هذا الترتيب المستقر”.

وتقول المجلة: “إن تغير ميزان القوى داخل المناطق التي يسيطر عليها المتمردون لا يبشر بالخير للاستقرار المستقبلي في سورية، ولا لاحتمال استمرار وقف إطلاق النار بين النظام السوري وقوات المعارضة”.

واعتبرت أن “تركيا وروسيا وما تبقى من المعارضة المعتدلة في البلاد يجدون أنفسهم في موقف حساس، غير قادرين على اتخاذ خطوات كافية لحماية ما يعتبرونه وجودياً لمصالحهم”.

وأضافت: “هناك وضع غير مستقر في شمال سورية لجميع الأطراف المعنية. بعد فترة من الهدوء النسبي، أصبح اللاعبون الأكثر تطرفاً في المنطقة – إيران والجهاديون المرتبطون بالقاعدة – أكثر نشاطاً وجرأة مما كانوا عليه منذ سنوات”.

————————

فصائل المعارضة في الشمال السوري: غياب المرجعية الواحدة/ أمين العاصي

أبرز التدخّل العسكري لـ”هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً) في منطقة عفرين، شمال غربي حلب، مرة أخرى استفحال الحالة الفصائلية في الشمال السوري، وغياب أي رابط أو استراتيجية لدى فصائل المعارضة، التي لم تستطع تشكيل مرجعية عسكرية واحدة، ما يعني فشل تجربة “الجيش الوطني السوري”.

ويُعد اقتحام “هيئة تحرير الشام” منطقة عفرين منذ نحو أسبوعين، التحدي الأبرز الذي واجه فصائل المعارضة في الشمال منذ عام 2017، إذ سيطرت بدعم تركي على ريف حلب الشمالي بعد طرد تنظيم “داعش”، ولاحقاً سيطرت على عفرين مطلع عام 2018 بعد طرد “الوحدات الكردية” منها.

وهددت “الهيئة” باقتحام المناطق التي تسيطر عليها الفصائل في غرب نهر الفرات كاملة، إلا أن التدخّل التركي حال دون ذلك، فاضطرت للانسحاب من عفرين، بعد أن أرست مواقع لفصائل تدور في فلكها.

أزمة الفصائل في الشمال السوري

وأبرزت الأزمة التي نشبت الحالة الفصائلية التي تعم الشمال السوري، إذ تحالفت فصائل معارضة مع “تحرير الشام” ضد “الفيلق الثالث” التابع لـ”الجيش الوطني”، والذي من المفترض أنه يضم كل فصائل المعارضة في الشمال السوري.

ولولا التدخّل الشعبي والتهديد التركي، لربما خسرت فصائل المعارضة منطقة نفوذها الأهم وهي ريف حلب الشمالي، لتخرج بذلك من المشهدين العسكري والسياسي في سورية.

    أحداث عفرين أظهرت وجود ترهّل لدى فصائل المعارضة

ويزدحم هذا الشمال بالعديد من الفصائل المنضوية في تشكيلات أكبر، منها “الفيلق الثالث” والذي تشكل “الجبهة الشامية” عماده الرئيسي، و”حركة ثائرون” التي تضم: “فرقة السلطان مراد”، “فيلق الشام – قطاع الشمال”، “ثوار الشام”، “فرقة المنتصر بالله”، “الفرقة الأولى” بمكوناتها (لواء الشمال والفرقة التاسعة واللواء 112).

وانضمت إلى الحركة المذكورة مطلع العام الحالي “الجبهة السورية للتحرير” التي تضم: “فرقة الحمزة”، و”فرقة السلطان سليمان شاه”، و”صقور الشمال”، إضافة إلى “فرقة المعتصم”.

كما يضم الشمال السوري تشكيلاً آخر وهو “حركة التحرير والبناء”، الذي تأسس مطلع العام الحالي بعد اندماج عدة فصائل، وهي: “أحرار الشرقية” و”جيش الشرقية” و”الفرقة 20″ و”صقور الشام (قطاع الشمال)”. كما ينتشر “جيش الإسلام” القادم من الغوطة الشرقية للعاصمة دمشق في عام 2018 في الشمال السوري في غرب الفرات وشرقه ضمن منطقة “نبع السلام”.

وإضافة إلى تشكيلات الشمال، هناك “الجبهة الوطنية للتحرير”، التي شُكّلت في عام 2018 من 11 فصيلاً من الجيش السوري الحر. وتنتشر هذه الفصائل على جبهات القتال مع قوات النظام في محافظة إدلب، ولم تنخرط في الخلافات الفصائلية الدامية التي جرت في الشمال السوري منذ عام 2018.

وكانت فصائل المعارضة قد حاولت تحت الضغط الشعبي تشكيل جيش واحد يكون المرجعية العسكرية لقوى الثورة والمعارضة، وينهي فوضى السلاح، وتعدد الولاءات، وغياب المرجعية العسكرية الواحدة والصلبة لهذه الفصائل.

وأعلن بدفع تركي عن تشكيل “الجيش الوطني السوري” في ديسمبر/كانون الأول 2017، من “الحكومة المؤقتة”، التابعة للائتلاف الوطني السوري، إلا أن الوقائع أثبتت لاحقاً أن هذا الجيش لم يستطع الحد من ظاهرة الفصائلية، بل تعمّقت أكثر مع اشتداد تنافس الفصائل على النفوذ في الشمال السوري محدود الموارد.

ورأى المحلل السياسي في مركز “جسور” للدراسات وائل علوان، أن اقتحام “هيئة تحرير الشام” منطقة عفرين شمال غربي حلب “أحدث تعقيداً جديداً في التحالفات وعلاقاتها سواء الداخلية أو الخارجية”. وأشار في حديث مع “العربي الجديد” إلى أن “تحالف فصائل تابعة للجيش الوطني مع هيئة تحرير الشام سمح للهيئة بمد نفوذها في ريف حلب الشمالي”.

    يُعد اقتحام “هيئة تحرير الشام” منطقة عفرين منذ نحو أسبوعين، التحدي الأبرز الذي واجه فصائل المعارضة في الشمال منذ عام 2017

وكان الصراع الأخير في الشمال السوري قد تفجّر إثر مقتل الناشط الإعلامي محمد أبو غنوم في 9 أكتوبر/تشرين الأول الحالي في مدينة الباب. ودلت التحريات على أن قادة في فصيل “فرقة الحمزة” كانت وراء عملية اغتياله، وهو ما استدعى تحرك “الفيلق الثالث” التابع لـ”الجيش الوطني” لمحاسبة هذا الفصيل، فاستنجدت الفرقة بـ”هيئة تحرير الشام” التي تحركت واستولت على عفرين من دون مقاومة واسعة.

تحديات الفصائل مستقبلاً

ورأى المحلل السياسي في مركز “الحوار السوري” ياسين جمول، في حديث مع “العربي الجديد”، أن اقتحام “تحرير الشام” عفرين وتهديدها ريف حلب الشمالي، وضع أمام فصائل المعارضة العديد من التحديات، أبرزها “غياب المؤسسة الحقيقية التي تجمع الفصائل، فلا مؤسسة الجيش الوطني، ولا حتى التجمعات والكتل قادرة على ربط الفصائل بقرار واحد واستراتيجية واحدة، وهذا ما يُنذر بكارثة أكبر”.

وأشار إلى أن ما جرى في عفرين “أكد وجود ترهّل وضعف إعداد في الفصائل التي قاتلت الهيئة، فصار الاعتماد على تشكيل من دون آخر، وعلى مجموعة من دون أخرى”، مضيفاً: “هذا ما يُنذر كذلك بخطر آخر إن اضطررنا لمواجهة مفتوحة مع نظام بشار الأسد وحلفائه”.

وتساءل جمول: “فهل هذه الفصائل بما عندها من عتاد وعناصر قادرة على الصمود أو التحرير؟ أرى الجواب مخيفاً”. وتابع: “ما يُخشى منه كذلك هو ضعف ثقة الحاضنة بالفصائل والقيادات العسكرية، فما يمكن تسميته انتصار قوى الثورة الوطنية أو انكساراً مؤقتاً لمشروع أبو محمد الجولاني (قائد هيئة تحرير الشام)، وانسحابه الجزئي، لم يكن بقوة الفصائل وثباتها أمامه مع الأسف”.

وأشار إلى أن فصائل المعارضة “وقّعت بعد يومين من المواجهة على اتفاق مرعب يبيح المنطقة المحررة كلها أمامه (الجولاني)، فكان الحراك الثوري سبباً في إعادة الروح لبعض الفصائل، وتجديد المواجهة ضد الجولاني”. ومضى بالقول: “القرار اليوم في الشمال السوري لقوى الحراك الثوري التي لم تعد تثق بالفصائل، فضلاً عن ضعف ثقتها من قبل بالقيادة السياسية”.

—————————-

ثغرة الجولاني في الشمال السوري/ سمير صالحة

تواصل القوات التركية اتخاذ تدابيرها الأمنية وعمليات البحث عن عناصر “هيئة تحرير الشام” في مدينة عفرين ومحيطها للتأكد من انسحاب ميليشيا الجولاني وعودتها إلى مدينة إدلب، بعد عمليات الاختراق والتوغل العسكري التي نفذتها في العديد من قرى شمال غربي سوريا، مستفيدة من التوتر والاشتباكات الحاصلة بين بعض فصائل الجيش الوطني، لبسط نفوذها على مناطق جديدة هناك.

هل من ضامن أن قوات الجولاني لن تكرر المحاولة وأنها ستلتزم بالتحذيرات التركية؟ وهل ستتعلم فصائل المعارضة السورية من أخطائها وتوحد صفوفها من جديد كي لا تدفع ثمنا أكبر في المرة القادمة؟

أثار توغل عناصر “هيئة تحرير الشام” في مناطق نفوذ جديدة في الشمال السوري، ونحن نناقش منذ أشهر طويلة سبل ووسائل إخراج هذه المجموعات من المشهد هناك، جملة من التساؤلات المصحوبة بالكثير من الشبهات.

ثغرة الجولاني لم تقتصر على طرح مسألة تواطؤ بعض فصائل المعارضة، وفتحها الطريق أمام وحدات الهيئة لتقضم مساحات إضافية خارج مناطق وجودها، بل تعداها ليشمل نقاشات حجم تدخل بعض القوى والأجهزة الاستخباراتية المحلية والإقليمية المؤثرة في الملف السوري وقدرتها على تفجير الوضع الميداني عند الحاجة أولا. ومدى جدية خطورة الوضع الأمني والعسكري القائم في إدلب ومحيطها ثانيا. ومحاولة الربط بين ما يجري في الشمال الغربي والشمال الشرقي ضد تركيا ثالثا. واحتمال لعب ورقة “تحرير الشام” من قبل النظام لتفجير الوضع في الشمال ومحاصرة أنقرة بخطوة التفاهم معه رابعا.

    تحركات الجولاني واستفزازاته التي تتعارض مع مصالح تركيا وحلفائها المحليين هناك، لا يمكن التغاضي عنها أو معالجتها بدواء مؤقت

“الهيئة” تقول لا منطقة آمنة، لا عودة للاجئين من الأراضي التركية بل السيناريو المعاكس هو الصحيح، ولا معارضة سورية معتدلة بعد الآن فالمكان تحت سيطرتها، ولا تقدم لقوات النظام نحو الحدود المشتركة دون أخذ موافقتها واحترام حصتها في هذه المسائل.

أكثر من تحد ينتظر أنقرة في الشمال السوري على ضفتيه وهي قد لا تريد الدخول في مواجهة عسكرية إضافية مع مجموعات “تحرير الشام” الامتدادية لتنظيم النصرة الإرهابي، معولة على لعبة الوقت والمتغيرات لحسم المسألة. لكن تحركات الجولاني واستفزازاته التي تتعارض مع مصالح تركيا وحلفائها المحليين هناك، لا يمكن التغاضي عنها أو معالجتها بدواء مؤقت أمام خطورة ما تفعل والأضرار التي تتسبب بها. الرد التركي على سلوك وتصرفات عناصر الجولاني ينبغي أن يكون بنفس المعيار والثقل إذن.

رسم السيناريوهات حول الاختراق الذي نفذه الجولاني ومحاولات التمركز في مناطق غصن الزيتون ودرع الفرات، وأسباب استهداف وحدات الجيش الوطني والفيلق الثالث على هذا النحو والاحتمالات والتوقعات المرتقبة في سياسة تركيا السورية حيال حلفائها لم تتوقف حتى الآن.

رمى البعض الكرة في ملعب أنقرة بسبب عدم منع الهجوم، متسائلا كيف تحاول عناصر الهيئة تغيير خارطة النفوذ في الشمال السوري على هذا النحو في مناطق تقع تحت سيطرة القوات التركية منذ سنوات؟ البعض حاول أيضا أن يلمح إلى أن العملية مدبرة بين أكثر من طرف سياسي محلي وإقليمي بهدف إضعاف “الفيلق الثالث” والبحث عن خارطة تفاهمات جديدة في سوريا.

تحليلات كثيرة تقاطعت عند نقاط أن “تحرير الشام” سعت وراء تحقيق أكثر من هدف عبر هذا الهجوم الواسع الذي أسفر عن سقوط العشرات من القتلى والجرحى:

ترك وحدات “الفيلق الثالث” أمام أكثر من مسألة عسكرية وميدانية وتنظيمية بعد استسلام وتآمر مجموعات قتالية كان من المفترض أنها في خندق واحد. إثبات قدرتها على إدارة الشؤون المحلية لمناطق الشمال الغربي بمفردها، وأن الثمن الذي ستحصل عليه هو هيمنتها الكاملة على المنطقة كمتحدث منفرد. إلى جانب فتح الطريق أمام الاعتراف السياسي بها. هذا بالإضافة إلى العامل المالي الاقتصادي الذي يمنحها فرصة الإشراف على حركة موارد المعابر الاقتصادية في المنطقة.

يقول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان “جهودنا ضد التنظيمات الإرهابية ضمانة لوحدة سوريا وسلامة أراضيها، لكن النظام لم يتخذ موقفا تجاه تلك التنظيمات”. المعني هنا هو “قوات سوريا الديمقراطية” في شرق الفرات. إسقاط ورقة النصرة في شمال غربي سوريا من يد العديد من الأجهزة الأمنية والاستخباراتية سيفتح الطريق أمام إسقاط ورقة أخرى لا تقل أهمية بيد واشنطن وبعض العواصم الأوروبية الرافضة لقيام أنقرة بعملية عسكرية في شرق الفرات ضد مجموعات قسد ووحدات الحماية.

توغل “تحرير الشام” يشكل بعد الآن الفرصة الكبيرة التي كانت تبحث عنها أنقرة للخروج من ورطة هذه المجموعات المصنفة على قواعد الإرهاب العالمي. تركيا ستتخلص من عبء هذه العناصر في مناطق نفوذها أولا، ثم تكسب المجتمع الدولي إلى جانبها في إنهاء هذا الملف العالق منذ سنوات ثانيا. وتفتح الطريق أمام حسم موضوع مجموعات قسد في شرق الفرات التي تقف على مسافة واحدة من مجموعات تحرير الشام بالنسبة لأنقرة ثالثا. وتسقط التبريرات الروسية في الاستهداف اليومي لمناطق شمال غربي سوريا تحت ذريعة محاربة المجموعات الإرهابية في المنطقة رابعا.

لم نفهم ما الذي كان يقصده وزير الخارجية التركي قبل أسابيع وهو يردد أن سحب القوات التركية من شمالي سوريا يضر بتركيا والنظام السوري على حد سواء. “إذا انسحبنا من تلك الأراضي اليوم فلن يحكمها النظام، وستهيمن عليها التنظيمات الإرهابية”. محاولة عناصر “هيئة تحرير الشام” قضم مساحات إضافية تقع تحت سيطرة الجيش الوطني السوري، ساعدتنا في الحصول على الإجابة. هي الفرصة التي كانت تحتاجها تركيا لحسم هذا الملف فما الذي ستفعله؟ هل ستكتفي بإرسال القوات التركية إلى مناطق التوتر لتلعب دور قوات فصل يحول دون تقدم مجموعات الجولاني في مناطق غصن الزيتون ونبع السلام بانتظار الفرج، أم هي ستنهي هذه الحالة الشاذة بشكل أو بآخر.

    غلق ملف “تحرير الشام” قد يعطي تركيا العديد من الفرص الميدانية والسياسية المحلية والإقليمية التي كانت تبحث عنها

تصفية هذه المجموعات دون عملية عسكرية تركية بالتنسيق مع الجيش الوطني نجاح مهم لأنقرة. لكن عدم حسم ملفها وتركها تتحرك وتنشط سياسيا وميدانيا وعسكريا على هذا النحو، سيشكل خطرا أكبر على أهداف تركيا في التعامل مع الملف السوري ككل. غلق ملف “تحرير الشام” قد يعطي تركيا العديد من الفرص الميدانية والسياسية المحلية والإقليمية التي كانت تبحث عنها. تحرك الشارع السوري في الشمال ضد الهيئة وأفعالها، فرصة أخرى لأنقرة لحسم المسألة.

هدف البعض عبر تحريك أحجار هذه المجموعات التي يخترقها أكثر من جهاز استخباراتي هو محاصرة الخيارات التركية، وإشعال موجات لجوء ونزوح جديدة في المنطقة تكون أنقرة أول وأكبر المتضررين فيها عند قرار الحسم العسكري. لكن الثمن الذي ستدفعه تركيا لا يمكن تجاهله والدليل هو ما فعلته هذه المجموعات في الآونة الأخيرة وخطورة ما قد تقدم عليه في المستقبل والذي قد يهدد لعبة التوازنات الحساسة التي بنتها تركيا في الشمال السوري بأكمله.

حمل التحول الحاصل في سياسة تركيا السورية معه الكثير من التساؤلات حول شكل وطبيعة هذا التحول والنتائج الميدانية والسياسية التي ستواكبه. دخلت مجموعات “هيئة تحرير الشام” على الخط لتذكرنا بنفسها ونحن نتحدث عن شكل “الصفقة الكبرى” المحتملة في الملف السوري.

وحدات حماية الشعب هي مجموعات امتدادية لحزب العمال الكردستاني الإرهابي. تحرير الشام تنظيم امتدادي للنصرة الإرهابية في شمال غربي سوريا أيضا. التقدم العسكري التركي في شرق الفرات للقضاء على المجموعات الأولى لا بد أن يكمله تحرك مواز لحسم موضوع الهيئة كي تحصل أنقرة على ما تريده من دعم محلي وإقليمي وتبرر ما تقوله وتقوم به في الشمال السوري ككل. هي فرصة منحها الجولاني لأنقرة والتي قد تقوي مواقفها سوريا وعربيا وإقليميا.

————————–

اجتياح الجولاني للشمال السوري أمانةٌ إيديولوجية وإخلاصٌ في المنهج/ العقيد عبد الجبار عكيدي

لم يكن جمهور الثورة من السوريين يحتاج إلى المزيد من الوقت ليدرك أن تمدد قوى التطرّف والإرهاب في الجغرافية السورية كان المدخل الأساس لتغلغل الخراب في أوصال الثورة، كما لا يحتاج المرء إلى المزيد من التفكير ليدرك أيضاً طبيعة الموقف العدائي الذي تضمره قوى التطرف الديني لفصائل الجيش الحر، ولعل هذا ما بدا واضحاً منذ بداية تمدد الجماعات الإسلامية في سوريا، حيث بدأت باستهداف الجيش الحر قبل استهدافها أو مواجهتها لقوات النظام الأسدي، ويمكن إرجاع عوامل العداء إلى أمور كثيرة، لعل أبرزها:

أولاً – لئن ارتبطت نشأة فصائل الجيش الحر بهدف الدفاع عن المتظاهرين السلميين في مجابهة آلة القتل الأسدية، ومع إيغال السلطة في العنف تحول الجيش الحر إلى قوة لردع توحّش النظام، ومن ثم محاصرته وتقويض نفوذه وتقليص مساحات سيطرته، وذلك نصرة لتطلعات السوريين الذين انتفضوا للتحرر من سلطة القهر والاستبداد، ومن ثم البدء بالتغيير نحو دولة الحرية والقانون والعدالة، إلّا أن الجماعات الدينية المتطرفة بمجملها لم تكن معنية بمسألة التحرر الوطني بالمطلق، بل هي لم تفارق في تفكيرها وسلوكها مرجعياتها (القاعدية) ذات المحتوى السلفي الجهادي، الذي يسعى إلى إقامة مشروعها العابر للأوطان والشعوب، والمتمثل بإقامة دولة الخلافة، وفقاً لحَمَلة هذا التوجه. فبواعث الصراع أو المواجهة بين الطرفين إنما تكمن في التناقض بين مشروعين، الأول وطني تحرري معني بحرية المواطن وكرامته وحقه في العيش الكريم، ويستمد مشروعيته من معطيات واقعية إنسانية، وبين مشروع إمبراطوري عقدي إقصائي عابر للأوطان والشعوب، يستمد مشروعيته من يقينيات لا تجد مصداقيتها إلا في أذهان ونفوس أصحابها.

    غالباً ما كانت الإيديولوجيا الدينية هي الغطاء الأمثل لدى الجماعات المتطرفة لتمرير نزوعها الشديد نحو السيطرة وإحكام السطوة

ثانياً – القوى المتطرفة لا تقبل أي شكل من أشكال التوافق أو الشراكة، بل لا ترى في سلوكها وتصوراتها إلا الصوابية المطلقة، وما على الآخرين إلّا الانصياع لما تريد، ولعل هذا النمط الإقصائي من التفكير لم يكن ليستهدف فصائل الجيش الحر وحدها، بل يستهدف الجهات والقوى الإسلامية ذات التفكير المشترك بين بعضها البعض، فعلى سبيل المثال (داعش – النصرة – أحرار الشام –جند الأقصى- حراس الدين- أنصار الدين-وسواها الكثير) لا أحد يقبل بالآخر، وكلٌّ يعدُ ذاته مَن يقوم بأمر الله في الأرض.

ثالثا – غالباً ما كانت الإيديولوجيا الدينية هي الغطاء الأمثل لدى الجماعات المتطرفة لتمرير نزوعها الشديد نحو السيطرة وإحكام السطوة، من خلال استثمار شعارات محاربة المرتدين والمتعاملين مع الغرب الصليبي الكافر، لتتحول لاحقاً إلى محاربة الفساد وإنهاء الفوضى والقضاء على تجاوزات الفصائل الأخرى، بينما لم يجسّد سلوكها الحقيقي على أرض الواقع سوى مثالٍ على انتهاك فظيع لمجمل القيم والأعراف الإنسانية.

ومن هنا يمكن التأكيد على أن الاجتياح الذي قامت به هيئة تحرير الشام (النصرة سابقاً) لمناطق وبلدات الشمال السوري، مُستهدفةً مواقع وتموضعات الفيلق الثالث، لم يكن مباغتاً أو مفارقاً للنهج الذي مارسته وتمارسه قوى التطرف والإرهاب منذ أن بدأت بالتسرب إلى الجغرافيا السورية (أواخر العام 2011)، ولئن استطاع أبو محمد الجولاني استمالة بعض الفصائل ممّن تُنسب إلى الجيش الوطني، وتأليبها على خصومه، مُستغلّاً بنيتها الهشّة ونزوع قادتها نحو المكاسب الشخصية والآنية وافتقارهم إلى الوازع الوطني في الفكر والسلوك معاً، فإنه في الطرف المقابل، لم يكن الفيلق الثالث – من خلال سياقات المواجهة التي جرت – بالدرجة المطلوبة من المواجهة، أو على الأقل خذل الكثير من أنصاره وحاضنته الشعبية، وهذا ما يستدعي من قادة الفيلق- والشامية خاصة مراجعة حقيقية وشفافة والوقوف أمام أسئلة كثيرة يجب أن تطرحها وتجاوب عليها بموضوعية بعيدا عن الشعور بفائض القوة والتكبر، ومن تلك الأسئلة:

اولاً- لماذا لم تقف جميع فصائل الجيش الوطني مع الفيلق ضد هيئة تحرير الشام؟

ثانياً- ماذا كانت تنتظر تلك الفصائل من الفيلق حتى تنخرط بالقتال إلى جانبه ضد الهيئة؟

ثالثاً- لماذا زرع الدخول الأول للهيئة في تموز المنصرم إلى مناطق الفيلق قناعة لدى الجميع بعدم قدرة الفيلق الثالث على المواجهة؟ وما مدى تأثير هذه القناعة على تردد الفصائل بالبدء بقتال الهيئة؟

رابعاً- لماذا لم يدرك الفيلق الثالث خطورة تخليه عن كثير من الفصائل التي كان يمكن أن تكون رأس الحربة في قتال الهيئة مثل حركة نور الدين الزنكي وبعض المجموعات التي خرجت من حلب نهاية عام 2016 ولم يتم استيعابها من قبل الجبهة الشامية؟

خامساً- ألم يكن الفيلق الناطق بالمظلومية من وقوف الآخرين على الحياد ظالما بنأيه بنفسه حين ابتلعت جبهة النصرة فصائل (جبهة ثوار سوريا، حركة حزم، أحرار الشام، جيش المجاهدين، حركة الزنكي، تجمع فاستقم، جيش الإسلام).

ما هو مؤكّد، أن المقاربة الجدّية للتساؤلات السابقة ستفتح أبواباً كثيرة وواسعة لا يمكن إغلاقها عبر تقديم أجوبة لا تحمل في طياتها سوى التبرير والقفز من فوق المشكلات أو التعامي عنها، بل هي بحاجة إلى وقفات جريئة ومراجعات معمّقة وشجاعة، كما هي بحاجة أيضاً إلى تحمّل للمسؤوليات مهما بدا وقعها ثقيلاً.

لا أحد ينكر أن الفيلق الثالث هو الكيان الذي تنضوي تحت مظلته مجمل الفصائل التي هي أقرب من سواها إلى روح الثورة وأهدافها، كما يجب الإقرار دوماً بأن تحرير مجمل مدن وبلدات الريف الشمالي بحلب من سلطات الأسد، إنما هي إحدى منجزات فصائل هذا الفيلق الذي ينتمي معظم مقاتليه إلى ذات المدن والبلدات، ولعله من الواجب التنبيه دائماً إلى أن معظم فصائل الفيلق الثالث كان لها إسهامات مشرِّفة في خوض معارك كثيرة وفي مناطق مختلفة من سوريا ( القصير- الرقة- الغوطة الشرقية ………) فهو إحدى القوى الوطنية العسكرية السورية التي دافعت وما تزال عن فكرة الثورة وتجلياتها الراهنة، إلّا أن سلامة المحتوى ونصاعة الإرث الثوري لا تحول دون الانحدار والتردّي في السلوك إذا غاب التفكير المتجدد وفقاً للمعطيات المتجددة أيضاً باستمرار.

    مرور أكثر من عشر سنوات على انطلاق الثورة كان كفيلاً بأن تُدار الكيانات العسكرية بنظام إداري وبنى تنظيمية تتجاوز عقلية وإدارة (الحجي)

وكذلك إذا غاب الاهتمام بالبنية التنظيمية والإدارية. ولئن اقتضت الظروف في بداية الثورة أن تتشكل فصائل الجيش الحر على مبدأ ارتجالي في معظم الأحيان، قوامه الحماس والاندفاع والفزعة واستثمار العوامل الشخصية والمناطقية …إلخ، كما هو الأمر في لواء التوحيد ولواء الفتح اللذين شكلا الجسد الحقيقي للجبهة الشامية، والتي باتت النواة الصلبة في الفيلق الثالث بالإضافة إلى جيش الإسلام، فإن مرور أكثر من عشر سنوات على انطلاق الثورة كان كفيلاً بأن تُدار الكيانات العسكرية بنظام إداري وبنى تنظيمية تتجاوز عقلية وإدارة (الحجي) كما تتجاوز ثغرات النفوذ المناطقي والتغوّل الشخصي، والنزوع الطاغي نحو الهيمنة والحيازة على الموارد المالية بذريعة وجود (النواة الصلبة)، فالإرث الثوري الذي يتحصّن به الفيلق الثالث لن يعصمه من الانهيار والتهافت إن لم يوازيه حرص شديد على التجديد في البناء – تنظيمياً وإدارياً – موازاة مع حرص شديد على تجديد الوعي والخطاب، والخروج من نزعة (تورّم الأنا) للدخول في منهج التشاركية مع القوى الأخرى، ليس التشاركية التي تعني ابتلاع الآخر ووضعه تحت الإبط، بل التي تعني التفاعل والتشارك الحقيقي في اتخاذ القرار والتخطيط والعمل وبناء الإستراتيجيات، كما على الفيلق الثالث الإدراك أن عملية استدراك الكبوات أو إعادة البناء تحتاج إلى مبضع ينكأ الجراح بقسوة وجلادة لاستخراج القيح المزمن، وأن عمليات الترقيع البراني لن تزيد الجراح إلّا احتقاناً.

————————

عفرين السورية في قبضة “تحرير الشام”… أوضاع متردية ومستقبل قاتم/ عبد الحليم سليمان

تركيا تدخل على الخط والهيئة تحاول استمالة السكان بالقبض على “لصوص الفصائل” والمرصد يشير إلى نزوح مهجرين مرتبطين بأنقرة

أدت التطورات العسكرية الميدانية في منطقة عفرين (شمال غربي سوريا) بعد اجتياحها من قبل هيئة تحرير الشام “جبهة النصرة سابقاً” الأسبوع الماضي وقتالها الفيلق الثالث التابع للجيش السوري المدعوم من أنقرة، إلى دخول تركيا بقوتها العسكرية على الخط.

وظهرت أبرز ملامح التدخل العسكري بتمركز مصفحات ودبابات تركية قرب قرية كفر جنة (ثمانية كيلومترات شرق مدينة عفرين) لتمنع توجه قوات هيئة تحرير الشام نحو مدينة إعزاز.

الموقف التركي الميداني جاء عقب اشتباكات قوية بين الهيئة والفيلق الثالث الذي كانت أبرز فصائله (الجبهة الشامية) تسيطر على عفرين، على رغم رعاية تركيا اتفاق وقف إطلاق النار بين الطرفين في 14 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي.

إضافة إلى ذلك شهدت مدينتا إعزاز والباب اللتان تعرفان بمنطقة “درع الفرات” احتجاجات من قبل السكان رفضاً لدخول الهيئة إلى مناطقهم، حيث أغلقت المحال التجارية وسط سوق المدينة وخرج أعداد من المتظاهرين في ساحات المدينة.

انسحاب جزئي للهيئة

من جهته، أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بأن هيئة تحرير الشام سحبت مساء الثلاثاء الماضي رتلين من قواتها من عفرين باتجاه إدلب، فيما أبقت على قوات جهاز الأمن العام وانتشرت على جميع الحواجز في مدينة عفرين وريفها.

ووفقاً لنشطاء المرصد، فإن الهيئة سحبت فقط القوات المقاتلة المتخصصة بالاقتحام، وأبقت القوات العسكرية غير القتالية في النقاط التي سيطرت عليها، “حيث يتم تصوير الأرتال على أنها انسحاب من عفرين بينما تدخل من جديد عبر مناطق سيطرة فيلق الشام من ناحية شيراو بريف عفرين، ومعبر دير بلوط بناحية جنديرس”.

الهيئة تستميل سكان عفرين

وفي السياق منعت هيئة تحرير الشام عناصر الفصائل وعمالاً من المهجرين في القرى المحيطة بعفرين من قطاف الزيتون من دون وجود صاحب الأرض، إذ طردت عناصر الهيئة صباح اليوم عناصر يتبعون لفصيل “فرقة السلطان سليمان شاه” بعد محاولتهم سرقة محصول الزيتون من إحدى الأراضي الزراعية شمال عفرين بحسب المرصد السوري.

رامي عبدالرحمن، مدير المرصد السوري، قال في تصريح لـ”اندبندنت عربية” إن هيئة تحرير الشام تحاول استقطاب الأهالي في عفرين وبالتحديد السكان الكرد، إذ اعتقلت عناصر من فرقة سليمان شاه المعروفة بـ”العمشات” عند محاولتهم جني قطاف الزيتون العائدة ملكيتها إلى السكان الأصليين في منطقة عفرين، وحثت الأهالي على الإبلاغ عن وجود أي انتهاكات ضدهم من قبل المسلحين وطلب المساعدة من عناصر الهيئة.

وشهدت منطقة عفرين منذ اليوم الأول لاجتياح هيئة تحرير الشام حركة نزوح لدى المقيمين فيها، خصوصاً أولئك الذين كانوا يقيمون في مخيمات وتجمعات سكنية أنشئت بعد عملية “غصن الزيتون” التركية، وهم عائلات هجرت مناطقها الأصلية بعد تفاهمات دولية وميدانية، مثل الغوطة الشرقية ودرعا وحماة وحمص وغيرها، إضافة إلى عائلات عناصر الفصائل التابعة للجيش السوري المدعوم من أنقرة، وأجبروا على النزوح بعد أن شهدت المنطقة قصفاً أثناء الاشتباكات.

كما أن عائلات هؤلاء العناصر التي كانت تقيم داخل مدينة عفرين والقرى التي دخلتها “هيئة تحرير الشام” فرت من المنطقة، خوفاً من اعتقالات أو مضايقات تطالهم، وهو بالفعل ما سجله ناشطون على مدى الأيام السابقة عن اعتقال عناصر من الفصائل وآخرين تعاملوا معها في تلك المنطقة.

وأوضح مدير المرصد السوري أنه لم تحدث حركة نزوح عامة للسكان، ومن غادر هم بعض المهجرين الذين كانوا على خلاف سابق مع الهيئة، وكانوا يقيمون في بعض القرى والمخيمات التي أنشئت في عفرين، ويتعاونون مع القوات التركية لذلك يتخوفون من وجود الهيئة في مناطقهم.

مستقبل قاتم

تثير سيطرة هيئة تحرير الشام على منطقة عفرين مخاوف مراقبين وباحثين في الشأن السوري، ولا سيما أولئك المدافعين عن حقوق الإنسان والراصدين انتهاكها في مختلف المناطق السورية.

وفي حديثه لـ”اندبندنت عربية” يرى بسام الأحمد، المدير التنفيذي لمنظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” الحقوقية، والتي تنشر تقارير حول الانتهاكات التي تحصل في مختلف المناطق السورية، أن هجوم هيئة تحرير الشام على منطقة عفرين شكل رعباً لدى السكان الأصليين، خصوصاً الأقليات كالإيزيديين، “لا سيما أن الهيئة أو جبهة النصرة ارتبط اسمها بعديد من الانتهاكات الفاضحة كنهب البيوت وفرض الحجاب والأيديولوجيا المتشددة على رغم محاولتها تلميع صورتها لاحقاً بعد ممارسة الضغوط عليها وفضح انتهاكاتها”.

ويتوقع الأحمد بأن منطقة عفرين ومع سيطرة الهيئة عليها بشكل كلي أو جزئي ستشهد أنماطاً مختلفة من الانتهاكات وستكون مختلفة تماماً عما ارتكبته الفصائل التابعة للجيش الوطني السوري كفرض الحجاب على النساء والفكر المتشدد بالمناهج التدريسية.

في سياق آخر، أعلن ناشطون ومنصات إعلامية معارضة في عفرين أمس الخميس اكتشاف مقبرة جماعية في بستان للزيتون قرب سجن في قرية كفر جنة، التي كانت تسيطر عليه عناصر الفيلق الثالث الذين انسحبوا من القرية بعد سيطرة هيئة تحرير الشام “جبهة النصرة سابقاً”.

من جهتها قالت منظمة حقوق الإنسان في عفرين إن “هيئة ثائرون” التي حلت محل هيئة تحرير الشام بموجب الاتفاق برعاية تركية، استقدمت آليات لحفر المقبرة الجماعية المكتشفة وانتشل منها جثث لـ17 شخصاً، فقدوا حياتهم “إما تحت التعذيب أو نتيجة الظروف الصحية السيئة والمعاملة القاسية التي عانوها داخل السجن على أيدي مسلحي فصيل الشامية السيئ الصيت” بحسب المنظمة.

وأضافت المنظمة أن مصادرها أشارت إلى أن الجثث كانت متفسخة ولم يتم التعرف إليها، وأن عناصر فصيل “هيئة ثائرون” فرضوا طوقاً أمنياً حول المكان ومنعوا الهواتف الخلوية.

وبحسب منظمة حقوق الإنسان في عفرين فإن الفصائل احتجزت خلال السنوات السابقة مئات المختطفين في هذا السجن، كان بينهم مختطفون كرد تعرضوا لأنواع مختلفة من التعذيب، وأن أكثر من 100 معتقل نقلوا من هذا السجن منذ نحو أسبوع إلى سجن الراعي أثناء انسحاب “الجبهة الشامية”.

اندبندنت عربية

————————————-

سوريا: هيئة «تحرير الشام» تعتمد لعبة «القط والفأر» في الحفاظ على وجودها في عفرين/ منهل باريش

لا يمكن إعادة عقارب الساعة في عفرين إلى ما كانت عليه قبل دخول «تحرير الشام» خصوصا وأن تواجدها محمي بإرادة فرقتي «الحمزة» و«العمشات» وصمت «فيلق الشام» وفصائل أخرى.

تخادع هيئة «تحرير الشام» القوات التركية في منطقة عفرين بريف حلب الشمالي، ويتلون مقاتلوها كحرباء الصحراء، تارة يرتدون بزة الشرطة العسكرية وأخرى الشرطة المدنية وثالثة يضعون شارات فصائل فرق الحمزة وسليمان شاه وهيئة ثائرون أو يرفعون رايات حركة «أحرار الشام» على آلياتهم رباعية الدفع. ورغم إعلان الانسحاب بعد تحذير الجيش التركي لهم، إلا ان عناصر الجهاز الأمني ما زالوا يتمركزون بعشرات المقرات التابعة للحكومة أو المؤسسات المدنية والعسكرية والأمنية.

وطارد الجيش التركي عناصر «تحرير الشام» على الحواجز وفي المقرات المشتركة وخصوصا على الحواجز المنتشرة على الطريق بين اعزاز وعفرين وعلى مداخل الأخيرة، وأكد مصدر ميداني في جنديرس انسحاب الهيئة بشكل رسمي مع بقاء بعض المتخفين من «جهاز الأمن العام» وخصوصا المنحدرين من المنطقة الشرقية لدى أقاربهم، وهم أساسا من الخلايا النائمة التابعة لتنظيم «تحرير الشام» كانت قد نشطت في حزيران (يونيو) الماضي لصالح حركة «أحرار الشام» الإسلامية، حيث تعرضت الأخيرة لهجوم من قبل «الجبهة الشامية» في منطقة الباب بريف حلب الشرقي، وهو ما أجبر الشامية على وقف الهجوم. وكما حصل في الصيف، تكرر عمل الخلايا في تسريع سيطرة «تحرير الشام» على جنديرس والغزاوية، الأسبوع الماضي.

مساء الجمعة، أرسلت وحدات الهندسة العسكرية التركية كتلا أسمنتية إلى منطقة الغزاوية وهي المعبر المخصص لدخول وخروج المدنيين بين منطقتي عفرين وإدلب، كان يسيطر عليها «فيلق الشام « وهو الجهة التي سهلت دخول مقاتلي «الهيئة» في حزيران (يونيو) الماضي والأسبوع الأخير، ونتيجة تسهيل دخول مقاتلي الهيئة تعرض «الفيلق» إلى تأخير في صرف كتلته المالية من قبل أنقرة وهو ما اعتبره كثير من المتابعين بمثابة عقوبة له ولفرقة «الحمزة» الذين سهلا دخول قوات «تحرير الشام» من محور الغزاوية-الباسوطة وصولا إلى مشارف مدينة عفرين الجنوبية. وانتهت تلك الجولة بوقف هجوم «الشامية» على «أحرار الشام-القاطع الشرقي».

وتبذل القوات التركية جهودا كبيرا في مطاردة عناصر «تحرير الشام» وإبعادهم عن الحواجز وإخراجهم من نقاط الرباط في محور اناب- مريمين- جلبل. وأكد مصدر محلي في المنطقة خلال اتصال مع «القدس العربي» أن فرقتي «الحمزة» و«سليمان شاه» (المعروفة محليا باسم العمشات نسبة لقائدها محمد الجاسم أبو عمشة) يحاولان السيطرة على المنطقة ويرفضان تسليمها لحركة «ثائرون» حسب الاتفاق، وعزا المصدر سبب التمسك إلى كونها منطقة تهريب بين مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية «قسد» وعفرين، كانت «الجبهة الشامية» تتحكم بذلك الخط وهو المعتمد لدى شبكات تهريب البشر التي تنقل المواطنين السوريين المقيمين في مناطق سيطرة النظام والراغبين باللجوء إلى أوروبا، حيث توصلهم الشبكات إلى المنطقة ومنها إلى تركيا. كما تتمسك الفرقتان بالمنطقة كون «الجبهة الشامية» تسيطر على المعابر بريف حلب الشرقي وخصوصا معبر الحمران الذي تدخل منه المشتقات النفطية القادمة إلى مناطق عمليات «درع الفرات» و«غصن الزيتون» وإدلب. ولفت المصدر المحلي في قرية أناب أن عناصر «تحرير الشام» متواجدين جنبا إلى جنب بمقر «العمشات» في حين أن الهيئة أبقت عنصرين في دار الأيتام بمريمين وهو مركز أنشطة للأطفال الأيتام ومثلهما في المعهد الشرعي، مشيرا ان العناصر يرتدون لباس فرقة «الحمزة» ويرفعون شعارها.

وفشلت حركة «ثائرون» بفرض سيطرتها على مريمين رغم أنها تسلمتها، يوم الأربعاء من مقاتلي «تحرير الشام» إلا أن الوضع عاد للتوتر مع دخول رتل مشترك من فرقة الحمزة و«تحرير الشام». وتسابق نشطاء ريف حلب الشمالي بنشر المواقع التي يتواجد بها عناصر «الهيئة» (النصرة سابقا) وهي مقر لجنة رد المظالم وسط عفرين ومقر البناء الأبيض جانب رد المظالم ومقر البنك وسط عفرين ومقر امنية كاوا مقابل باب الصناعة ومقر جيش الإسلام جانب سوق الهال ومقر المربع الأمني جانب مشفى ديرسم ومقر أبو وكيل الحمصي ومقر فرقة 51 عند دوار القبان ومقر القلعة ومقر الأمن الداخلي «الأسايش» وسط عفرين.

وفي ردود الفعل الدولية على سيطرة هيئة «تحرير الشام» على عفرين، قال المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى سوريا، ألكسندر لافرنتييف أن هناك محاولات تركية لتحويل هيئة تحرير الشام إلى معارضة معتدلة حسب وصفه، وأضاف الدبلوماسي المخضرم أن «تركيا تتمتع بدعم من بعض الدول الغربية للمضي في هذه المحاولات» مشيراً إلى أن «هذه السياسة التي يتم تطبيقها حالياً في منطقة خفض التصعيد الرابعة (إدلب ومحيطها) ومناطق أخرى، بهدف إبعاد إمكانية فرض الحكومة السورية لسيطرتها على تلك المناطق». ونوه في حديث مطول مع صحيفة «الوطن» السورية المقربة من النظام أن تركيا «لم تنفذ كامل التزاماتها في الاتفاقيات التي وقعت عليها في موسكو في آذار (مارس) 2020».

من جهة أخرى، قالت السفارة الأمريكية في سوريا، أنها تشعر «ببالغ القلق من التوغل الأخير لهيئة تحرير الشام، وهي منظمة مصنفة إرهابية، في شمال حلب». وأضافت في تعليق مختصر على حسابها الرسمي على «فيسبوك» أنه «يجب سحب قوات هيئة تحرير الشام من المنطقة على الفور» في حين لم تنقل مصادر موثوقة أي اتصال بين المخابرات المركزية الأمريكية وجهاز الاستخبارات التركي حول الأمر. وتناقل نشطاء ومدونون سوريون، كلاما مجتزأ من مقالة في معهد واشنطن تشير إلى أن «الأمريكيين هددوا الأتراك يوم الجمعة: على الجولاني مغادرة عفرين وإلا ستسمح (الولايات المتحدة) لقوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد بالدخول وهذا ما أثار غضب الأتراك وساعد على موازنة الوضع» إلا أن كاتب المقال نقل عن مصدر مقرب من المفاوضات في عفرين، في غالب الظن أنه سوري مقرب من قيادة «الفيلق الثالث» والجيش الوطني المعارض.

ويعتمد قائد هيئة «تحرير الشام» أبو محمد الجولاني لعبة القط والفأر في عفرين هربا من ضغوط الجيش التركي عليه، مستفيدا من أن الأخير لا يفضل الاحتكاك بأي من الفصائل وهو ما جرت العادة عليه حفاظا على سلامة وأمن العسكريين في شمال غرب سوريا وشرقها. كما أن إمكانية التمييز بين عناصر الجولاني المستترين بغطاء الفصائل المتحالفة معه هو أمر في غاية الصعوبة، وتحقيقه يعني أن تتدخل القوات التركية في التدقيق الأمني لحاملي بطاقات التعريف الشخصية للمجالس، وحتى هذه ليست مجدية كون المدنيين المقيمين في إدلب لا يملكونها ومن الاستحالة منع المدنيين القادمين من إدلب الوصول إلى عفرين واعزاز. كما أنه من المرجح أن خلايا الجولاني المنتشرة في عفرين منذ وقت طويل قد استخرجت بطاقات التعريف التي تصدرها المجالس المحلية.

عمليا، لا يمكن إعادة عقارب الساعة في عفرين إلى ما كانت عليه قبل دخول «تحرير الشام» خصوصا وأن تواجد الأخيرة محمي بشكل كبير بإرادة فرقتي «الحمزة» و«العمشات» وصمت «فيلق الشام» وفصائل أخرى.

أخيرا، في حسابات الربح والخسارة، من المهم الأخذ بعين الاعتبار أن الجولاني الذي يتهم بتقديم خدمات أمنية، لم يخسر الكثير في تلك المعركة حيث يُتهم طرف من حلفائه بدفع فاتورة الهجوم الأخير، كما أن أغلب المقاتلين الذين قتلوا في صفوفه لم يكونوا من عناصر «تحرير الشام» وانما من تنظيم «أنصار التوحيد» (جند الأقصى سابقا) و«الحزب الإسلامي التركستاني» حيث أكد مصدر موثوق أن الفصيلين خسرا نحو 50 عنصرا من خيرة الاقتحاميين في الهجوم على كفرجنة غربي اعزاز. وهذا يعني بطريقة غير مباشرة أن الجولاني يلتزم بقضية حل معضلة المقاتلين الأجانب التي تؤرق الاستخبارات الغربية. وكان سابقا قد دفع المئات من المقاتلين الأجانب إلى الموت في الحرب مع «صقور الشام» وحركة «نور الدين الزنكي» في حرب السبعين يوما، انتهت بسيطرته على ريف حلب الغربي وأريحا في يناير (كانون الثاني) 2019. إضافة إلى مطاردة تنظيم «حراس الدين» الموالي للقاعدة وتفكيكيه وتفكيك المقاتلين الشيشان.

القدس العربي

—————————-

هل تنسحب هيئة تحرير الشام من ريف حلب أم تبقى “في الظل” عبر الجهاز الأمني؟

بقلم وليد النوفل

باريس- أمهلت تركيا هيئة تحرير الشام، حتى مساء اليوم الجمعة، لسحب قواتها الأمنية والعسكرية بالكامل من المناطق التي دخلتها في عفرين وريفها بريف حلب الشمالي، وأجرت القوات التركية جولات على حواجز عدة في منطقة عفرين لإجبار عناصر الهيئة على المغادرة إلى إدلب.

من جانبه، نفى مصدر عسكري في هيئة تحرير الشام ما تداولته وسائل إعلام محلية معارضة عن المهلة التركية، مشيراً في حديثه لـ”سوريا على طول” إلى أن الهيئة سحبت جزء كبير من قواتها، “وما زالت تقوم بسحب عناصر جديدة”، من الذين شاركوا في العملية بريف حلب، بحسب قوله.

تدخلت “تحرير الشام” عسكرياً، في 11 تشرين الأول/ أكتوبر الحالي، إلى جانب فرقة السلطان سليمان شاه (العمشات) وفرقة الحمزة (الحمزات)، التابعين للجيش الوطني السوري المعارض، ضد الفيلق الثالث التابع لـ”الوطني” أيضاً، على خلفية تورط “الحمزات” بتدبير وتنفيذ عملية اغتيال الناشط الإعلامي محمد عبد اللطيف أبو غنوم وزوجته وجنينهما بمدينة الباب.

بعد دخولها إلى المنطقة، التي تقع ضمن النفوذ التركي والمدعومة خدمياً من أنقرة، روجّت هيئة تحرير الشام إلى أنها بدأت تدير الخدمات في المنطقة التي دخلتها، لا سيما عفرين، إذ نشرت الهيئة صوراً من جولة مشتركة لـ”مديرية الشؤون الإنسانية” في حكومة الإنقاذ التابعة لـ”تحرير الشام”، إلى عدة قرى ومخيمات بريف عفرين، تخللها لقاءات شخصيات من الإنقاذ مع مدنيين.

في المقابل، حاولت الحكومة السورية المؤقتة (المعارضة) إثبات العكس، وأنها ما تزال موجودة في المدينة، عبر نشر صور لرئيسها عبد الرحمن مصطفى، رفقة مجموعة من الوزراء ومسؤولين في المجلس المحلي لمدينة عفرين.

التواجد في الظل

في 18 تشرين الأول/ أكتوبر، تداول ناشطون تسجيلات مصورة تظهر انسحاب أرتال عسكرية لهيئة تحرير الشام من عفرين إلى إدلب، استجابة للضغوطات التركية، لكن ثلاثة مصادر، بينهم مصدران يقيمان في مدينة عفرين، قالت لـ”سوريا على طول” أن الهيئة ما تزال تحتفظ بقوات أمنية وعسكرية وموظفين مدنيين في المدينة.

وفي ذلك، قال محمد خلدون (اسم مستعار)، يقيم في مدينة عفرين، أن “تحرير الشام ما تزال موجودة في عفرين”، لكن “تحت غطاء الحمزات والعمشات والشرطة العسكرية”، مشيراً إلى أن “تحرير الشام بدأت تنتشر أمنياً بشكل أكبر”، كما أوضح لـ”سوريا على طول” أول أمس الأربعاء.

يشير الانتشار الأمني وما رافقه من “زخم في الحركة الأمنية والإدارية للهيئة” إلى أن الانسحاب الذي جاء بعد التدخل التركي “هو انسحاب شكلي أكثر من كونه انسحاب كامل”، بحسب معن طلاع، الباحث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، موضحاً أن “تحرير الشام” كانت تستهدف شمال حلب “عبر اختراقها أمنياً، لكنها اليوم حوّلت الاختراق لنفوذ أمني واضح في المنطقة التي دخلتها”.

لكن، يبدو أن المهم بالنسبة للأتراك والفصائل والمجالس المحلية المدعومة منها “إعلان انسحاب تحرير الشام حتى لو أنها لم تنسحب فعلياً على أرض الواقع”، كما قال صحفي مقيم في ريف عفرين لـ”سوريا على طول”، طالباً عدم الكشف عن اسمه لأسباب أمنية.

مكاسب “تحرير الشام”

تسعى هيئة تحرير الشام من دخولها إلى منطقة جغرافية جديدة إلى تحقيق مكاسب اقتصادية “من خلال التدخل في موارد المنطقة ومعابرها التجارية”، كما قال فراس فحام، الباحث في مركز جسور للدراسات، ومقره تركيا لـ”سوريا على طول”.

وتتطلع الهيئة للتمدد في منطقة عفرين، باعتبارها “خاصرة مناطق نفوذها في إدلب”، كما ترغب في “فرض رؤيتها على الفاعلين المحليين في الجيش الوطني بما يسهم في خلق رؤية ضبابية في التعاطي الدولي مع تحرير الشام”، بحسب معن طلاع، إذ في الوقت الذي يتعامل المجتمع الدولي من “الهيئة” في إدلب على أنها “قوة إرهابية”، تتوقع الأخيرة أن “دخولها في ديناميات الجيش الوطني قد يساهم في تحسين مناخ تفاعل المجتمع الدولي معها”.

ورغم أن الاتفاق بين هيئة تحرير الشام والفيلق الثالث لم يتضمن بنوداً تتعلق بالمعابر، إلا أن الطلاع يتفق مع فحام في أن “السبب الاقتصادي”، أحد أهم أهداف “تحرير الشام”، التي تطمح إلى “السيطرة على المعابر والموارد في مناطق الجيش الوطني، والتحكم في الطرق، لاسيما الطرق التي تربط تركيا بمناطق النظام”، مشيراً إلى هذا التحكم “سوف يجعل من تحرير الشام طرفاً رئيسياً في المفاوضات بين النظام وتركيا”، لاسيما “إن أخذنا بعين الاعتبار أن سيناريو تجميد العمليات العسكرية أسهم في تعزيز ظروف التبادل التجاري بين أطراف الصراع، وأعاد فكرة المعابر الداخلية إلى الواجهة”.

إن سيطرة تحرير الشام على كافة المعابر في شمال غرب سوريا “سيجعلها قوة مفاوضة بشكل رئيسي”، وفق طلاع، مشيراً إلى أن الهيئة “لم تنجح في تحقيق ذلك بشكل كامل، لكنها حققته جزئياً، من خلال وجود نفوذ أمني لها في مناطق الجيش الوطني”.

تعليقاً على ذلك، قال المصدر العسكري من “تحرير الشام” أن “التعاون في الملفات الأمنية مع بعض فصائل الجيش الوطني موجود قبل العملية العسكرية الأخيرة”، وذلك انطلاقاً من “واجبنا في عدم ترك هامش للمجرمين يتيح لهم التنقل بين المنطقتين، لكن ذلك لا يرقى حتى الآن للمستوى المطلوب”.

وأضاف: “نسعى إلى تطوير هذا التنسيق، إذ بزيادة التنسيق يضيق الخناق على المجرمين وأعداء الثورة أكثر”، على حد قوله.

صورة معقدة

أظهرت سرعة دخول مؤسسات مدنية تابعة لـ”تحرير الشام” في اليوم التالي لتواجد عناصر الهيئة في عفرين، نية “الهيئة” المسبقة في التمدد بمناطق الجيش الوطني.

تأكيداً على ذلك، قال الصحفي المقيم في ريف عفرين أن إدارة معبر باب الهوى في مناطق نفوذ تحرير الشام، عبّدت طريق باب الهوى-جنديرس، في آب/ أغسطس الماضي، حتى “الجزء الخاضع لسيطرة الجيش الوطني آنذاك”.

حتى الآن، ما يزال شكل تواجد هيئة تحرير الشام في مناطق نفوذ الجيش الوطني المدعوم من أنقرة غير واضح، لكن هناك “نقاشات كبيرة تجري على المستوى الاقتصادي والإداري بين تحرير الشام والفيلق الثالث والحكومة المؤقتة والجانب التركي”، بحسب الطلاع، معتبراً أن تواجد “الهيئة” في شمال حلب “سوف دور الحكومة المؤقتة شكلياً، بينما العصب والتحكم بيد الهيئة”.

من جانبه، قال مصدر من المجلس المحلي في مدينة عفرين، التابع للحكومة المؤقتة المدعومة من أنقرة، يوم الأربعاء، أن “المجلس المحلي يمارس عمله كما كان في السابق، رغم وجود الهيئة في المدينة”، كاشفاً لـ”سوريا على طول” عن “وجود عناصر من الهيئة على باب مكتبي، وأنا أتحدث الآن، لكنهم لم يتدخلوا حتى الآن بعملنا”، بحسب قوله.

وفي الوقت الذي انتشرت فيه صور المؤسسات الخدمية التابعة للإنقاذ في شوارع عفرين “كنّا نحن موجودون أيضاً ونعمل في عفرين”، كما أوضح المصدر، لكن “شكل تواجدهم المستقبلي غير واضح. قد يكون لهم تواجد أمني عبر جهاز الأمن العام، لكن تحت اسم الشرطة العسكرية في عفرين، إلى جانب دورهم في المؤسسات الإدارية لكن بشكل غير معلن”.

وقال المصدر من المجلس الوطني أن رئيس الحكومة المؤقتة، عبد الرحمن مصطفى، أخبرهم أن حكومته “ستدير مدينة عفرين، لكن أتوقع أن يتم إدارة بعض الملفات بالتشارك بين الحكومتين الإنقاذ [التابعة للهيئة] والمؤقتة”.

أياً كان شكل الإدارة في ريف حلب الشمالي “سوف يعود سلباً على المشهد السوري في حال كانت هيئة تحرير الشام جزء منه”، وفقاً للباحث طلاع، لأن “إخراج المعارضة عملياً وتنفيذياً يسهم في تراجع تأثيرها”. وتالياً يصبح المشهد العام “نظام وأطراف إرهابية بلبوس قومي متمثلة في قسد، وأخرى بلبوس ديني متمثلة بهيئة تحرير الشام، مقابل غياب [المعارضة السورية] عن التأثير من الناحية الجيوستراتيجية والسياسية”، ما يعني أن المنطقة “تدخل في مرحلة جديدة من السيناريوهات التي لا تنذر بالإيجاب”.

المستقبل لمن؟

اتخذت هيئة ثائرون للتحرير، التي تتكون من مجموعة فصائل مقربة من تركيا أكثر من غيرها، موقف الحياد، وأصبحت إلى حدّ ما “قوات فصل وملء فراغ”، بعد هجوم هيئة تحرير الشام على الفيلق الثالث.

وبذلك “أوصلت ثائرون رسالة قوية إلى جميع أطراف الجيش الوطني، أن أي عملية اجتثاث لمكونات ثائرون سوف يلقى رفضاً تركياُ، وبالتالي ضمنت وجودها وتعزيز تحالفها مع الجانب التركي”. كما قال الباحث طلاع.

الدور الذي لعبته “ثائرون” كقوات فصل وملء فراغ حقق لها “استحواذاً أمنيا في عفرين وما حولها”، بحسب طلاع، لكن “على المستوى الاستراتيجي، إذا تعزز سيناريو تمدد تحرير الشام الأمني سيكون مصير ثائرون كباقي التحالفات العسكرية السابقة مع الهيئة، التي تستخدم الأطراف لتعزيز قوتها، ومن ثم تتخلى عنهم”، وهناك أمثلة كثيرة “من قبيل: حركة نور الدين الزنكي، وأحرار الشام وغيرهما”.

من جهته، قال الباحث فراس فحام أن “هيئة ثائرون للتحرير كانت تعوّل على استفادتها من إضعاف الفيلق الثالث، وهو أبرز المنافسين لها، لكن من الواضح أن تحرير الشام تحولت إلى منافس أكبر”، مشيراً إلى أن “الهيئة لن تترك الموارد المالية لأي فصيل، وسوف تتدخل في شؤون كل الفصائل في حال أحكمت سيطرتها”.

منذ بدء هجوم هيئة تحرير الشام ضد الفيلق الثالث حتى مساء أمس الخميس، اكتفى الأتراك في “مراقبة التصعيد دون التدخل الحاسم، لأن الفاعل التركي رأى أن ما قام به الفيلق الثالث يهدف إلى خلط الأوراق ومعادلات التوازن العسكري في الشمال السوري”، كما قال طلاع، لذلك “فضلت أنقرة “ترك التصعيد العسكري يأخذ مداه ليصار إلى تصحيح هذا التوازن بشكل تلقائي، وعندما تعثر تصحيحه تلقائياً تدخلت”.

وفسّر طلاع تدخل الأتراك على مستويين، “الأول، يعكس التوازنات داخل الإدارة التركية وتباين وجهات النظر بين الفاعل الأمني والفاعل السياسي؛ فالأخير يرى أن تغلغل تحرير الشام سوف يعود بنتائج سلبية على المستوى السياسي، لكونها مناطق تحت الإشراف التركي”، بينما يرى الفاعل الأمني “ضرورة أن يكون هناك قوة أمنية منضبطة تسهم في توقف التدهور الأمني”.

أما المستوى الثاني للتدخل التركي، يتمحور في أن “الصيغ البديلة [ثائرون] تحقق الشرط الأمني والسياسي معاً، حيث أن استلام ثائرون أماكن الفيلق الثالث، من شأنه إعادة التوازن من جهة، ويسهم في إبقاء الحالة السياسية والإدارية على ما هي عليه، إضافة إلى أنه يسهم في امتصاص الاحتقان”.

———————————

مقاربة تركية جديدة في الشمال السوري.. ضبط حالة الفوضى تمهيدا لعودة اللاجئين؟/ محمد كساح

تحت أنظار تركيا صاحبة النفوذ الأكبر في الشمال السوري، “هيئة تحرير الشام” تتمدد في مناطق سيطرة الجيش الوطني المدعوم من أنقرة في ريف حلب الشمالي، حيث أن الصمت التركي حيال ذلك، عزز فرضية انخراط أنقرة في مخطط “الإدارة الموحدة لمناطق المعارضة” وذلك تمهيدا لعودة آلاف اللاجئين السوريين المقيمين على الأراضي التركية.

مكاسب تركيا من تمدد الهيئة تتجاوز ملف عودة اللاجئين، لتصب التحركات الأخيرة التي شنتها “تحرير الشام” نحو مدينة عفرين، في سياق مقاربة تركية جديدة في الملف السوري، تتمثل بضبط المناطق الخاضعة لسيطرتها. لكن تصنيف الهيئة على قوائم الإرهاب الدولية يشكل عائقا أمام مسألة التعامل معها. كما أن السماح بتمدد الهيئة نحو عفرين وإعزاز والباب، سيصطدم أيضا برفض أميركي محتمل، كونها قد وضعت “تحرير الشام” ضمن لوائح الإرهاب.

مؤشرات عدة تدل على أن تركيا تنظر إلى “هيئة تحرير الشام”، بصورة إيجابية من ناحية أدائها الأمني في ضبط مناطق سيطرتها. إذ يبدو هذا النموذج محبذ لتركيا، مقارنة بحالة الفوضى الأمنية والفصائلية في مناطق سيطرة الجيش الوطني، بشمال وشمال غربي حلب. بحسب حديث الكاتب الصحفي إياد الجعفري لـ “الحل نت”.

طرح خطة العودة الطوعية للاجئين السوريين، وهو تعبير يستخدمه المسؤولون الأتراك حول عمليات ترحيل السوريين نحو الشمال السوري، بدأ منتصف العام الحالي، ورغم أن حديث الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بخصوص “خطة العودة الطوعية للاجئين السوريين” ليس جديدا، إلا أن طرحه في التوقيت الحالي أثار الكثير من التساؤلات، فيما انعكس السياق الخاص به سلبا على أوساط السوريين بحسب تقرير لموقع قناة “الحرة”.

ملف اللاجئين السوريين في تركيا بات يأخذ مسارات أكثر حدة، وخاصة من جانب أحزاب المعارضة، وفي الوقت الذي تضع هذه الأحزاب “إعادة السوريين إلى بلادهم” على قائمة برامجها الانتخابية استعدادا للاستحقاق الرئاسي في 2023، دخلت الحكومة التركية والحزب الحاكم مؤخرا على الخط، ليغردوا في ذات السياق، لكن تحت عنوان “طوعا وليس إجبارا”.

بموازاة ما سبق، كان لافتا خلال الأشهر الماضية سلسلة القرارات التي وصفت بـ “التقييدية”، التي اتخذتها الحكومة ضد الوجود السوري في البلاد. وكان آخرها منع الراغبين منهم في قضاء إجازة عيد الفطر في مناطق الشمال السوري، الخاضع لسيطرة فصائل الجيش الوطني.

فيما يبدو أنها رسالة لأنقرة، صعّدت موسكو سياسيا وعسكريا تجاه حليفتها أنقرة ومناطق نفوذها شمال غربي سوريا، حيث أصيب عشرة مدنيين بينهم طفلان، الخميس الماضي، بقصف مدفعي وصاروخي للقوات الحكومية والروسية في ريف إدلب.

أنقرة لم تنفذ كامل التزاماتها في الاتفاقيات التي وقعت عليها في موسكو بآذار عام 2020، إذ أن روسيا تواصل الجهود الرامية لإقناع القيادة التركية بالالتزام ببنود هذه الاتفاقيات، والسعي للحفاظ على خفض التصعيد وضرورة الالتزام بهذا الأمر في الشمال السوري، وفق تصريح المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى سوريا ألكسندر لافرنتييف، لصحيفة “الوطن” السورية.

مكافحة الإرهاب ومحاربة المجموعات الإرهابية الراديكالية سوف يستمر، ليس فقط في إدلب لكن أيضا في المناطق الأخرى، بحسب تعبير لافرنتييف، وسنواصل القصف واستهداف الإرهابيين والمتطرفين واستهداف مخيمات تدريبهم، لمنع أي تطورات سلبية ومنع زيادة معاناة الشعب السوري.

المسؤول الروسي زعم وجود محاولات تركية لتحويل المنظمة الإرهابية المسماة “هيئة تحرير الشام” والتي تعتبر جزءا من القاعدة، لما يسمى معارضة معتدلة، ويرى أنه على الرغم من قرار الأمم المتحدة الذي يصنف هذه المنظمة على أنها تنظيم إرهابي، فإن تركيا تحظى بدعم عدد من الدول الغربية للمضي في هذه المحاولات.

مخطط تركي عميق

حالة الفصائلية وما يترتب عنها من فوضى وفلتان أمني أدى لتصاعد الغضب الشعبي في المناطق التي تشرف عليها أنقرة شمالي سوريا. ضبط هذه الحالة يجعل أنقرة تبحث عن تشكيل عسكري يتمتع ببنية عسكرية وأمنية وإدارية صلبة ليدير المنطقة.

على عكس تدخلها السابق في حزيران/يونيو اقتصرت تركيا هذه المرة على الوساطة، مما يشير إلى موافقة ضمنية على خطوة “هيئة تحرير الشام”. مع ذلك قد يتغير موقف تركيا إذا فشلت الصفقة وانتشرت الاشتباكات. بحسب تقرير لموقع “المونيتور”.

بينما يستند التفسير الآخر، بحسب الموقع، إلى فشل تركيا في تحويل الجيش الوطني المعارض إلى تحالف موحد ومنضبط. لم يتم تنفيذ خطة توحيد الفصائل تحت قيادة مشتركة، وتمسك عدد من فصائل الجيش الوطني بعادات النهب. لذلك تستخدم أنقرة “هيئة تحرير الشام” لتنظيم الميدان ولإنشاء قوة متمردة موحدة، في الوقت الذي تسعى فيه إلى نوع من الاتفاق مع دمشق. من شأن ذلك أن يقوي موقف تركيا ويضع دمشق في مواجهة جبهة معارضة قوية بقيادة وإدارة مشتركة.

“تحرير الشام” استغلت الاشتباك بين فصائل في الجيش الوطني لتتقدم، مستغلة في الوقت نفسه، مؤشرات تململ تركي من الفوضى الأمنية والفصائلية في المنطقة من جهة، وربما التمرد الجزئي من جانب فصائل محددة على الإرادة التركية في بعض المواقف، تحديدا “الفيلق الثالث” من جهة ثانية وبالتالي لم تتدخل لمنع تمدد “تحرير الشام” في بداية تقدمها.

ورقة رابحة

بالرغم من أن ملف عودة اللاجئين السوريين، الذين غدوا بين ليلة وضحاها ضمن البرنامج الانتخابي لكل من الحزب التركي الحاكم وأحزاب المعارضة التركية، يشكل أحد أكبر مكاسب تركيا من ضبط الشمال السوري، إلا أنه ليس كل ما في جعبة المقاربة الجديدة من مكاسب.

احتمالية تطبيق اتفاق موقع بين “الفيلق الثالث” أكبر تشكيلات الجيش الوطني و”هيئة تحرير الشام” واردة وذلك برعاية تركية وبمشاركة هيئة “ثائرون للتحرير” التي دخلت بعض تشكيلاتها كقوات فض نزاع بحسب ما كشفته صحيفة “المدن” اللبنانية.

الاتفاق ينص على نقل “تحرير الشام” لتجربتها في الإدارة المدنية في إدلب إلى منطقتي عمليات “درع الفرات” و”غصن الزيتون” في ريف حلب، بحيث تتولى “حكومة الإنقاذ” التابعة لها إدارة المجالس المحلية في عموم المنطقة مع إجراء تغييرات في هيكليتها وأعضائها وبرامج عملها، وتسليمها إدارة مختلف القطاعات الخدمية، من تعليم وصحة وخدمات بلدية ومخابز وغيرها، وإنشاء فروع للمديريات الخدمية الأخرى كتلك الموجودة في إدلب، تدير مخيمات النازحين والإغاثة والمحروقات والإعلام.

الملف العسكري يتضمن إنشاء غرفة عمليات عسكرية موحدة وقيادة عسكرية واحدة تضم كافة التشكيلات العسكرية بما فيها تشكيلات الجناح العسكري التابع لـ “تحرير الشام”، والتي ستكون مقدمة لتفعيل دور وزارة الدفاع بتوليها مسؤولية إدارة كامل الملف العسكري، وتوزيع قطاعات الرباط، وتنظيم الألوية العسكرية، وإدارة قطاعات التدريب والإطعام والانتساب والشؤون الفنية والإدارية والمالية.

تحقيق مكاسب تركيا في تأمين استقرار المنطقة تمهيدا لعودة اللاجئين يتعلق بتمدد جزئي، وليس سيطرة شاملة لـ “تحرير الشام”، نحو المنطقة والتحرك الجديد للأخيرة نحو عفرين يصب في سياق مقاربة تركية جديدة، تتمثل بإيجاد حل تركي شامل للمنطقة الشمالية بغية جعلها ورقة رابحة، تلعب بها تركيا عقب فشل المسار السياسي المتمثل بتفاهمات “أستانا” بحسب حديث الكاتب والمحلل السياسي فراس علاوي لـ “الحل نت”.

علاوي يلمح إلى أن تركيا تريد خلط الأوراق مجددا، والإمساك بزمام الأمور في الشمال السوري من خلال فصيل قوي، يستطيع إدارة الملفات الأمنية والعسكرية من جهة، وضبط الأمن في المنطقة التي تعاني من التفلت الأمني من جهة أخرى. كما أن تمدد “تحرير الشام” يشكل ورقة ضغط بيد أنقرة يمكن لها أن تستخدمها ضد دمشق أو روسيا، على الرغم من الخطوط الحمراء التي تضعها تركيا أمام الهيئة ولا يمكن للأخيرة تجاوزها.

الأتراك يبدون غير راضين عن وجود فصائل ضعيفة وغير مرغوب بها من قبل الحاضنة الشعبية، لذلك قررت معاقبة الفصائل بترك “تحرير الشام” تتمدد نحو عفرين، وفي ذات الوقت تنظر الهيئة إلى قضية التحرك العسكري ضد الجيش الوطني، بمثابة ورقة تدخلها ضمن اللعبة السياسية كطرف مفاوض.

الموقف الأميركي

تصنيف “هيئة تحرير الشام” على لائحة الإرهاب، قد يشكل حائلا أمام مقاربة تركيا لضبط الوضع في مناطق المعارضة. متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، قال يوم الجمعة 14 تشرين الأول/أكتوبر الحالي، إن واشنطن قلقة بشأن العنف الأخير في شمال غرب سوريا وأثره على المدنيين. وفي تصريحات لقناة “الحرة”، دعا المسؤول الأميركي الذي لم يكشف عن هويته، الأطراف المتناحرة في سوريا إلى خفض التصعيد وتركيز الأولوية على سلامة الشعب السوري.

هذا العائق يمكن تجاوزه بحسب فراس علاوي، وذلك في حال قدمت الهيئة تنازلات، إذ لا شيء ثابت في السياسة، حيث أن “طالبان” تفاوضت مع واشنطن بالرغم من اعتبارها بمثابة النموذج الجهادي المحتذى بمن قبل “تحرير الشام”.

واشنطن لا تحبذ سيطرة الهيئة على كامل مناطق المعارضة فهي ما تزال، وفقا للصحفي إياد الجعفري، لا تثق بها بشكل كاف، لذلك فإن واشنطن قد تضغط على أنقرة، أو ترسل رسائل سلبية حيال تمدد “تحرير الشام”. وقد يعيق ذلك مشروع تمدد هذه الأخيرة. لكن من المستبعد أن تتدخل واشنطن مباشرة في الأحداث الجارية في المنطقة.

التساهل التركي أمام مدرعات “هيئة تحرير الشام” في أثناء سيطرتها على عفرين، يعكس نظرة إيجابية من المسؤولين الأتراك نحو “تحرير الشام”، حيث أتى تمددها بمثابة تقديم أوراق اعتماد قد تمكن الأخيرة من الدخول في سياق مقاربة جديدة لتركيا نحو مناطق المعارضة. اتفاق الفصائل الذي يقضي بإدارة موحدة بقيادة الهيئة قد ينفذ في المستقبل، ما يعني أن الهيئة المصنفة على لائحة الإرهاب ستحوز على رضا أنقرة، لكن الموقف الأميركي يمكن أن يشكل حجر عثرة، ويبقى السؤال في حال أدارت الهيئة كامل مناطق المعارضة، إلى متى يمكن أن يستمر ذلك. وهل ما بعد الاستحقاق الانتخابي التركي صيف العام 2023 ليس كما قبله.

الحل نت

—————————–

أيّ الأطراف يمثل الثورة السورية؟/ وائل علوان

إذا كان السؤال حول الفصائل المتنازعة في إدلب وغرب وشمال حلب، فجميعها تقول: “إنها تسير على درب الثورة وتلتزم أهدافها ومبادئها”، سواء الفصائل التي ترفع عَلَم الثورة منذ عشر سنوات، أو تلك التي كانت تكفِّر مَن يرفع عَلَم الثورة، ثم سكتت وسمحت لمن يرفعه في مناطق سيطرتها، وهي لم ترفعه صراحة ومع ذلك تدّعي أنها الثورة والجهاد معاً..

الثورة التي خرج الشعب السوري العظيم من أجلها موجودة كجذوة متقدة في نفس كل سوري حر يتوق للكرامة ويأبى الظلم والاستغلال، سواء كان هذا السوري الحر يعيش في مناطق المعارضة أو خارج سورية أو حتى صابراً مضطراً في مناطق النظام، وسواء كان هذا السوري الحر يعمل في الشأن العامّ ومؤسسات الثورة وفصائلها أو أنه يجتهد ويجاهد لتأمين رزق أهله، وبهذا فإن جمهور الثورة من السوريين الحالمين بالحرية والكرامة التي انتفضت كل المناطق في سورية طلباً لها ما زالوا كثيرين، وبذلك لا يمكن أن يستقر الأمر في سورية لا للنظام ولا لأي بديل على شاكلته؛ بعد أن ذاق الشعب معنى الحرية وتنفَّس عبقها.

إن حقيقة الثورة هي مبادئ تصدقها أفعال لا مجرد شعارات نرفعها ونرددها، وبذلك فإن موضوع تمثيل الثورة من بعض المؤسسات أو الفصائل التي راحت أبعد من ذلك إلى ادعاء احتكار تمثيلها فهذا الأمر فيه نظر، والثورة هنا هي القضية التي خرج الشعب من أجلها وما زالت -أو يجب أن تكون ما تزال- حاضرة وبقوة في نفوس الجميع، أفراداً وتياراتٍ وجماعاتٍ وفصائلَ ومؤسساتٍ، بل واجب المجموعات والمؤسسات بَلْوَرة هذا القضية نظرياً وعملياً.

وبالعودة للسؤال عنوان المقال حول مَن يمثل الثورة إنْ كان في الفصائل أو في الكيانات الأخرى، فلن أجيب بالأسماء، وإنما تعالوا معاً نذكر مبادئ الثورة وقِيَمها، وللقارئ أن يقيس ذلك على أيّ جهة أو طرف.

إن أول كلمة نادى بها الشعب السوري الذي أبدع الثورة وفجَّرها هي كلمة الحرية، والسؤال: إلى أيّ حدٍّ وبأي نسبة يراعي الطرف الذي يخطر ببالك تقديس الحرية وصيانتها وضمانها؟ إلى أيّ حدٍّ هو مدافع عن حرية الإعلام؟ وحرية الناشطين؟ وحرية المرأة؟ وحرية الرأي؟

وأين تلك الحرية المنشودة في مناطق سيطرة المعارضة وحتى في مؤسساتها؟ فالثورة تنشد حرية الفرد المقدسة التي يجب أن ينعم بها ويعيشها، بل تهدف الثورة لتكريس الحرية وقيمتها في نفوس الشعب جميعاً، مَن ثار ومَن لم يشارك في الثورة.

ثم نأتي للمبدأ الثاني وهو الكرامة، حيث كانت كرامة الشعب السوري مهدورة وغير مصانة من النظام الفاشي، لكن ومع الأسف فإنه وحتى في المناطق التي ثارت على النظام بقي الشعب يحلم في العيش بكرامة وإنسانية، فهل التزمت أطراف المعارضة توفير كرامة الناس والدفاع عنها في المؤسسات الخدمية وفي الحواجز وفي المعابر وفي كل مناحي الحياة؟

مروراً إلى المبدأ الثالث وهو النزاهة والشفافية ومواجهة الفساد، فبعد أن عانى الشعب السوري من غيابٍ مطلق للنزاهة والشفافية وتساوي الفرص بسبب حكم عصابة النظام لخمسين عاماً، كانت الثورة تنشد أن ينزاح هذا الكابوس عن الناس، فهل يمثل الثورة مَن كان متوسط الحال وأثرى بعد أن أصبح مسؤولاً أو قائداً؟ حتى وإن ادّعى ما ادّعى من علاقة بالثورة أو اتصال بها. خاصة إذا كان الشخص أو المجموعة قد حققوا الإثراء ليس فقط من الاختلاس والسرقات، بل بتجارة المخدرات وتهريب البشر.

ثم ننتقل للقياس على الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة وسيادة القانون وتنظيم العمل المؤسساتي وتمكين المجتمع المدني..

حقيقة فإنَّ هذا ما يريده الشعب بعيداً عن الأيديولوجيا الغوغائية التي حاولت بها بعض الأطراف التشويش على الناس؛ لأنَّ هذه الأطراف ببساطة كانت تملك الاستبداد فاضطرت للقول: “إن الديمقراطية حرام”، في مقابل الجهات أو المؤسسات التي لم تحرم هذه المبادئ ولم تواجهها، بل ربما ادّعتها، لكنَّها لم تتمثّلها وتقدم للشعب نموذجاً يلتزمها، فكانت مؤسسات المعارضة ضعيفة، واستهلكت سمعتها وشعبيتها في لعبة تبديل الكراسي، وعدم تطابُق ما يسمعه الشعب ويقرؤه مع ما يراه الشعب ويصل إلى مسامعه من الفعل والسلوك.

وأخيراً فإنني لا أحصر مبادئ الثورة فقط بهذه، لكن يكفينا أن نقيس على هذه ليسقط الكثير، ويبقى الشعب هو ممثل الثورة وصاحب شرعية الحديث باسمها والانتساب لها، وهو أكبر من اختزاله بمن يدَّعي تمثيله، وهو أقدر على طلب الحرية والكرامة والوصول إليها من جميع الأطراف المتحالفة أو المتنازعة في كامل الخريطة السورية.

وفي الوقت نفسه فقد بات ضرورياً أن يؤمن بهذه المبادئ ويمثلها ويحارب من أجلها كلُّ مَن يعمل في الشأن العامّ وفي أي موقع، وأن يجتمع المخلصون، ويعملوا معاً من أجل تحقيق مبادئها وأهدافها وأخلاقها بصدق، حتى وإنْ علموا أن الطريق صعب وطويل.

باحث رئيسي في مركز جسور للدراسات

——————————

===================

تحديث 28 تشرين الأول 2022

—————————–

اقتتال الفصائل المسلحة في شمال سوريا!/ أكرم البني

3 حقائق يمكن استخلاصها بعد اجتياح «هيئة تحرير الشام» («جبهة النصرة» سابقاً) لمدينة عفرين ومحاصرة الفيلق الثالث بمنطقة كفر جنة، الذي يضم فصائل متعددة، منها «الجبهة الشامية» و«جيش الإسلام»، ما أدى لسقوط كثير من القتلى والجرحى، قبل تدخل القوات التركية وإجبار الهيئة على الانسحاب باتجاه إدلب، وإعادة الأمور إلى ما كانت عليه.

أولاً، أكد الاجتياح الماهية الحقيقية لـ«هيئة تحرير الشام»، كمنظمة إرهابية متشددة وأمينة لنهج «القاعدة»، وأسقط محاولاتها الخادعة خلال الأعوام المنصرمة لتغيير جلدها وإظهار نفسها كطرف معتدل يمكن التعاطي معه، خاصة بعد إعلان زعيمها «الجولاني» (عام 2016) فك ارتباطه بتنظيم «القاعدة»، والتخلي عن اسم «جبهة النصرة» على أمل أن يساعده الاسم الجديد والمعارك التي أكره على خوضها ضد «تنظيم داعش»، في التخلص من وصمة الإرهاب؛ حيث لم يطل الوقت حتى رجعت حليمة لعادتها القديمة، وأظهر الهجوم العسكري المفاجئ لـ«هيئة تحرير الشام» على عفرين أنها لا تزال تنتهج النهج التصفوي القديم نفسه تجاه المنافسين لها، وتالياً فضح زيف الادعاءات التي روجت لها منذ مطلع عام 2019، تاريخ آخر مواجهة لها مع فصائل «الجبهة الوطنية للتحرير» حول رغبتها في العمل التشاركي وتخليها عن فكرة الاستئثار والإقصاء وعن أساليب استخدام القوة لإنهاء وجود جماعات إسلاموية لا تتفق معها، زاد الطين بلة مناصرة «هيئة تحرير الشام» في اجتياحها لعفرين لجماعات مسلحة متهمة بالانتهاكات والفساد وترويج المخدرات وبعمليات اغتيال أهم ناشطي المجتمع المدني، مثل فرقتي «الحمزة» و«السلطان سليمان شاه» ثم قراراتها الجائرة بفرض نمط حياتها المتشدد، وخاصة تجاه المرأة، في المناطق التي اجتاحتها.

ثانياً، ما كان لـ«هيئة تحرير الشام» أن تتجرأ على اجتياح عفرين لولا وجود ضوء أخضر خفي من الجانب التركي، وما كان لها أن تخرج من المدينة وتعود إلى مواقعها السابقة إلا استجابة لطلب أنقرة، ليس فقط لأن ثمة موقفاً أميركياً دعا على الفور لانسحاب الهيئة من عفرين، وأعلن عدم قبوله سيطرة «منظمة إرهابية» على المنطقة، أو لأن هذا التطور يمنح روسيا وإيران والنظام ذريعة قوية لاستهداف المناطق التي تقع تحت النفوذ التركي، وإنما أساساً لأن لأنقرة مصلحة في إدارة ما جرى وبالحدود التي تمت، والقصد توسلها عصا «هيئة تحرير الشام» لتحقيق بعض الأهداف المباشرة، بدءاً بتأديب بعض فصائل الجيش الوطني وإعادتها إلى الخنوع بعد تواتر التصريحات من قادة عسكريين عن رفضهم احتمال التقارب بين تركيا والنظام السوري، وتوجه بعضهم لإجراء اتصالات مع القوات الأميركية في شرق سوريا ومع حليفتها «قسد» لتفادي ما ينتظرهم، إن تم التقارب، وفي الطريق «قرص أذن» سكان الشمال الذين سيروا مظاهرات رافضة لانفتاح حكومة أنقرة على النظام وصلت إلى إحراق العلم التركي، مروراً بتخفيف عبء التحفظات والتحذيرات تجاه ما تمارسه من ضغوط لإجبار اللاجئين السوريين على العودة، بما في ذلك تسويغ السيطرة المباشرة لقواتها على معابر تجارية ومدنية مهمة، تضمن من خلالها أمن التبادل التجاري والتنقل مع مناطق سيطرة النظام، انتهاءً بتوظيف التلويح بوجود قوة إسلاموية متشددة يمكنها تسلم منطقتي نفوذها «درع الفرات» و«غصن الزيتون» من أجل تمرير وترسيخ التغييرات الديموغرافية التي أحدثتها في عفرين وما حولها.

لقد فعلت تركيا ما ينبغي كي يرى العالم ما يمكن أن يحدث فيما لو وقفت على الحياد، ولتثبت أنها الأقدر على ضبط «هيئة تحرير الشام» وغيرها من الفصائل الإسلاموية المسلحة، متوخية نيل المشروعية لتعزيز حضورها العسكري في شمال البلاد، ما يقوي أوراقها في تقرير المصير السوري ومحاصرة الوجود السياسي والعسكري الكردي وتحجيم مخاطره.

ثالثاً، وضوح موقف شعبي رافض بقوة لتمدد «هيئة تحرير الشام»؛ حيث خرج الأهالي بمدن أعزاز ومارع وصوران بريف حلب الشمالي، والباب وجرابلس بريف حلب الشرقي، في مظاهرات حاشدة ورافضة لدخول «جبهة النصرة» إلى مناطقهم، ربما لأن السوريين لا يرفضون فقط «هيئة تحرير الشام» لأنها تمثل الجهة الأسوأ من الفصائل الإسلاموية، وإنما أيضاً لأن لهم مآخذ كثيرة عليها، تتعلق بسياساتها وارتباطاتها، وبغموض هوية أهم قادتها وخاصة زعيمها «الجولاني»، فكيف الحال حين يكشف اجتياحها لعفرين عن حجم ونوعية من الأسلحة والمعدات العسكرية التي تمتلكها لم تظهرها في معاركها مع النظام وحلفائه، من دون أن يغيب عن الذاكرة انسحاباتها العسكرية غير المبررة من بعض البلدات والقرى لتستولي عليها قوات النظام السوري بسهولة!

ولا يغير الحقيقة السابقة وجود أصوات أبدت الارتياح لقدوم «هيئة تحرير الشام» لحكم مناطقهم، ليس حباً فيها، بل ربما انتقاماً أو كردّ فعل على ما عايشوه من فوضى الفصائل والجماعات المسلحة وتزايد انتهاكاتها وفسادها، وربما يحدو بعضهم رهان على أن تفضي سيطرة تنظيم مصنف على قوائم الإرهاب على عفرين إلى تسهيل عملية طرده من قبل قوات التحالف كما حصل مع «تنظيم داعش».

والحال، أدرك غالبية السوريين أخيراً أنهم نكبوا بنظام مارس كل أنواع الفتك والتنكيل والتدمير ضدهم، وأيضاً بمنظمات إسلاموية متطرفة هدرت تضحياتهم، وبلورت زعامات دينية مستبدة تعادي حقوقهم وشعاراتهم، مستقوية بثقافة أرستها عقود من الاستبداد، تعزز الغلو والتطرف وروح التفرد والأنانية والاستئثار، ما يفسر إجماع هذه المنظمات على استسهال هدر دم البشر في محاولات التنافس المحموم على توسيع النفوذ، أو بحثاً عن موارد ومصادر تمويل من نفط وآثار وغاز وسيطرة على المنافذ الحدودية وغيرها، والأهم ابتزاز الناس ومصادرة ممتلكاتهم والاستئثار إرهاباً، بما يقدم لهم من مساعدات ومعونات عربية ودولية، هذا عدا دورها المدمر لشروط حياتهم بما تشهده مناطقها من تدهور صحي وتعليمي، وغلاء فاحش وغياب فرص العمل وشيوع الفوضى وانتشار التهريب وتجارة المخدرات، وغيرها من الظواهر التي حوّلت عيش السوريين في الشمال إلى جحيم لا يطاق، والأسوأ إجماعها على ممارسة كل أنواع القهر والاضطهاد وعلى اعتقال واغتيال الناشطين والمعارضين وجعل البشر حطب محرقة ومجرد دروع بشرية تخوض بهم حروباً عبثية لم يعد لهم فيها ناقة ولا جمل.

الشرق الاوسط

———————————

اقتتال الفصائل في الشمال السوري .. من فوضى السلاح إلى حصره/ عمار ديوب

شكّل التدخل العسكري الروسي في سورية بداية النهاية للثورة ولفوضى السلاح، حيث كان لتعدّد الفصائل وتشتّت قوتها وتذمّر السكان من ممارساتها، وبالتالي ضعفها، وغياب أيّ مبرّرات لاستمراريتها، تأثير مباشر على إجلاء تلك الفصائل من مناطقها، وجاء هذا بعد التدمير الروسي الممنهج للمناطق الواقعة تحت سلطة تلك الفصائل، وتشكيل مجموعة الدول الضامنة (روسيا، وتركيا وإيران)، والبدء بمسارات روسيا عبر أستانة وسوتشي، ولاحقاً اللجنة الدستورية، ومناطق خفض التصعيد.

ساعد وجود تركيا ضمن تلك المجموعة، والعلاقات الروسية التركية الخاصة، روسيا على إنهاء المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، وسرّع بالتهجير الديموغرافي، ولم تبق إلّا إدلب وأرياف حلب والمناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والمحميّة أميركياً، بينما شُطبت درعا وغوطة دمشق وشمال حمص وحماه، كمناطق لخفض للتصعيد في 2018، واستعادها النظام.

الفصائل على الحدود

حُشرت الفصائل في نهاية 2018 في المناطق المتاخمة للحدود مع تركيا، فاستراح النظام، وأصبحت سورية أربعاً؛ منطقة “قسد”، ومنطقة هيئة تحرير الشام، ومنطقة الفصائل المدعومة من تركيا، وهناك النظام. في الأيام الأخيرة، هاجمت هيئة تحرير الشام، وهي قوة عسكرية مسيطرة على مدينة إدلب، وتتحكّم بها اقتصادياً وأمنياً وعسكرياً، بلدة عفرين وجرت بعض المعارك وحاولت السيطرة على غيرها، وكانت خاضعةً من قبل لفوضى الفصائل المسلحة، وتوصل الفيلق الثالث، وهو من تشكيلات الجيش الوطني السوري، المُشكّل بإشرافٍ تركيٍّ، وهيئة تحرير الشام إلى اتفاقٍ، وشمل بقية بلدات أرياف حلب الشمالية والشرقية، وبالتالي أصبحت لدينا ثلاث سوريات؛ لم يصمد هذا الاتفاق بشكل كامل، وانتهى بالتدخل التركي المباشر، وبسبب الرفض الشعبي الواسع، ورفض بعض الفصائل العسكرية.

أتت معركة الهيئة بعد اعتماد تركيا سياسة جديدة، وهي محاولة التطبيع مع النظام، وهذا ما أثار نقاشاتٍ كثيرة، تضمّنت أن تدخلها في عفرين جاء بضوء أخضر تركي. هذه السياسة هي نتاج اتفاقات وسياسات مشتركة بين الرئيسين التركي أردوغان والروسي بوتين، وبما يخدم مصالح الدولتين أولاً. وبالتأكيد من أجل أن يفوز أردوغان في انتخابات 2023، وهذا يتطلب إيجاد الحل لعدّة مسائل: إعادة العلاقة مع دمشق وترحيل اللاجئين السوريين إلى الداخل السوري وإنهاء التنظيم العسكري الكردي، “قسد”، وهي قضايا أساسية في الداخل التركي، وبما يَسحب هذه الأوراق من يد المعارضة التركية، التي لا تنفك تثيرها، وتستند إليها من أجل الانتصار بالانتخابات المقبلة.

افتقاد الفصائل، وكل سلطات الأمر الواقع، استقلاليتها وتبعيتها للدول الإقليمية والعالمية، بعد الأعوام الأولى للثورة، شكّل انتقالة في الوضع السوري، حيث أصبحت تلك السوريات تابعة، وهذا قاد إلى ضرورة تصفية فوضى السلاح وحصره، ضمن سياسة اجتثاث الثورة، والانتقال إلى المصالحة بين النظام والمعارضة، وهي القضية المطروحة بقوّةٍ، ومنذ أن وافقت المعارضة على الدخول بمسارات روسيا، وتخلّت بذلك عن القرارات الدولية التي تؤكّد ضرورة تغيير النظام وليس المصالحة معه، والانتقال إلى نظام ديمقراطي عبر تشكيل هيئة انتقالية كاملة الصلاحيات.

فوضى الفصائل وشمولية الهيئة

لماذا لم تتّحد الفصائل ولم تشكّل قوّة مستقلة تطيح النظام وترفض التدخل الخارجي في سياساتها إلّا بما يتوافق مع مصالح الانتقال الديمقراطي واستنادا إلى القرارات الدولية؛ هذا سؤال السوريين المؤلم ومنذ 2011. الحسم السريع لصالح هيئة تحرير الشام في بلدات الشمال تتويج لذلك المسار، حيث هُمّشت بقية الفصائل التي لم تتحد من أصله، وبالتالي هَمّشت نفسها أيضاً، ودُعِمت الهيئة من الخارج بقوّة، وقد امتلكت، بوصفها حركة جهادية، رؤية شمولية للسيطرة، ووضعت لنفسها هدف الوصول إلى السلطة منذ تشكلت في بداية 2012، وتصارعت طويلاً مع الفصائل، وفي كل سورية، وخسرت معارك وربحت أخرى، لكنها أحكمت سيطرتها على إدلب، وأقامت سلطتها “الانتقالية”، إمارتها في إدلب، وأجهزت على كل الفصائل، الوطنية، والإسلامية، والجهادية، وسواها، وكذلك على عناصر الفصائل التي هُجّرت من بقية المدن، حتى استقرّ الأمر لها، وتحاول الآن أن تعيد الكرّة ذاتها مع فصائل الشمال، وتهدف إلى السيطرة على عائدات المعابر من ناحية، وعلى بقية الفصائل من ناحية أخرى، وهذا سيظلّ حلمها، وإنْ أخفق حالياً.

تتضمّن سياسات هيئة تحرير الشام في إدلب فتح المعابر وقمع السكان وإيقاف المعارك على الجبهات والانسحاب من المناطق التي اتفق عليها كل من بوتين وأردوغان، وهي تحمي مصالح الدول الضامنة، وقد كانت فصائل متحالفة معها (فيلق الشام)، الضامنة بدورها للاتفاقيات بين تركيا وروسيا في مدينة إدلب، ورافقت بمركباتٍ عسكريةٍ وحمت الدوريات الروسية على خطوط الفصل بين النظام وإدلب، وسواه كثير، وكلّه، يقول إن الهيئة تحوز سياسة خاصة بها، وأقرب إلى تركيا، ولكنها في المحصلة الأخيرة يستفيد منها النظام في تأبيد نفسه جهة مقبولة بالمقارنة معها.

لو طاب الاستقرار لهيئة تحرير الشام في أرياف حلب لعملت على تفكيك الفصائل مباشرةً، كما فعلت في إدلب، وكما حاولت ذلك في كل مناطق سورية، وفرضت سيطرتها الأحادية. خشية الأتراك من سحق تلك الأرياف التابعة لها من أميركا أو روسيا، وليس لأن فيها فصائل خاضعة لها، فهي مناطق نفوذها الكبير في سورية حالياً، هو ما حسم أمرهم بخصوص إعادة هيئة تحرير الشام إلى إدلب، فهي فصيلٌ جهاديٌّ محلي، كما تُعرّف نفسها، ومصنّفة حركة إرهابية، وبالتالي، يجب محاربتها، ولا سيما أن روسيا وأميركا تدّعيان أن سبب وجودهما في سورية هو محاربة الإرهاب. وهناك مشروع إسكان اللاجئين الذين ستعيدهم تركيا في الأشهر المقبلة، وهذا لن يتحقّق عن طريق سيطرة هيئة تحرير الشام على تلك الأرياف، حيث ستلعب “قسد” دوراً كبيراً في حث الأميركان على القيام بعمليات عسكرية ضدها، كما فعلت ضد داعش.

هناك من رأى، وهذا الرأي يتكرّر، أن الهيئة ستُقيم إقليماً سنيّاً واسعاً، وبالتالي، من الطبيعي أن تتوسّع إلى أرياف حلب، فهي كحركة حماس في غزة أو حزب الله في جنوب لبنان، وهناك من يترك لخياله العنان، فيقول إنّها كحركة طالبان، وستسيطر على كل سورية. وينطلق هذا الرأي من السماح إقليمياً ودولياً للهيئة بالسيطرة على إدلب. لنناقش الأمر: ترفض روسيا هذا الأمر على المدى الطويل، فهي مناهضة لقوىً كهذه، وتتشدّد ضدها، ثمّ أنّها تحمي النظام و”أقلياته”، وكذلك تحارب أميركا مشاريع كهذه. وبالطبع، تركيا مرتبطة بتحالفات واتفاقيات مع روسيا، وهناك التصنيف الأميركي، وفي مجلس الأمن، للهيئة باعتبارها تنظيماً إرهابياً.

من فصائل محلية إلى السلفية والجهادية

رافقت مشكلة فوضى السلاح الثورة منذ أن راحت تشكل مجموعات عسكرية صغيرة لحماية المتظاهرين من قمع قوات النظام، أي بعد الأشهر الأولى للثورة. في تلك المرحلة، تمّ رفض تشكيل جسد موحد للقطاع العسكري، وما شُكِل منها، كالمجالس العسكرية كان هامشياً واندثر، وتمّ إبعاد الضباط المنشقين عن قيادة الفصائل. لقد تشكّلت الفصائل المحلية ضمن العقلية الأسرية والقبلية، ولاحقاً نمت وهيمنت السلفية والجهادية، وأتى “داعش” من العراق، وهَدم الحدود، وبنى خلافته، وكثير من التقارير تؤكد دور إيران والنظام السوري والعراقي في دخول داعش إلى سورية، وبهدف اجتثاث الفصائل المسيطرة على بلدات كثيرة من الحسكة ودير الزور والرقة، وهو ما حدث، وكانت الرقة أوّل مدينة تخرج عن سيطرة النظام بشكل كامل.

لم تحتَج بداية الفصائل المحلية إلى دعمٍ ماليٍّ وعسكريٍّ واسع، وكانت تستفيد من تحرير الثورة الشعبية لبعض البلدات، وتسيطر على الأسلحة من ثكنات الجيش النظامي، وتؤمن احتياجاتها المالية من السوريين، ولكن ومع اعتماد النظام الخيار العسكري، ولم يعد يكتفي بالخيار الأمني ومليشيات الشبيحة، كان لا بد من تطوير العمل العسكري المعارض، وهذا ما لم يحدث إطلاقاً؛ إن حالة التفتت الفصائلي في الشمال الراهنة، والاختلاف بين الفصائل ومسؤوليتها عن مقتل الصحافي محمد أبو غنوم وزوجته وجنينها، شكلت فرصة مثالية لهيئة تحرير الشام لتسيطر عليه. لقد تشكلت مئات الفصائل في أواخر عام 2011 ولاحقاً، ومع تعطل الاقتصاد وإطالة أمد الثورة، ودخول إيران وحزب الله والمليشيات الشيعية التابعة لإيران، أصبحت الأوضاع سيئة للغاية بمناطق الثورة، فوافقت على تلقي الدعم الأميركي والخليجي والتركي، ولكنه ظلَّ ضمن حدود هامشية ودون مضادات للطيران، وراق تعدد الفصائل للدول المتدخلة، حيث يسهل السيطرة عليها، وكل من تلك الفصائل فَتح صلات خاصة به معها. كانت تلك السياسة ضد مصالح الثورة، وضد تنظيم العمل العسكري، فشهدت سورية معارك كثيرة لم تشارك بها كافة الجبهات، فكانت المعارك تتم في درعا، فتصمت جبهات غوطتي دمشق، وكذلك الأمر في بقية المدن، والعكس صحيح. كانت سياسة فاشلة بامتياز، وحصلت معارك كثيرة بين الفصائل ذاتها من أجل السيطرة على المدن أو البلدات، وقُتِل بسببها آلاف المقاتلين منذ 2011 في الغوطة الشرقية بين جيش الإسلام وفيلق الرحمن. وبرزت ظاهرة أمراء الحرب والنهب وإتاوات المعابر بين مناطق النظام والفصائل وتركيا و”قسد”، ولم تمتلك الفصائل رؤية سياسية محدّدة، ولم تخضع للمجلس الوطني السوري أو الائتلاف السوري لقوى الثورة والمعارضة السورية لاحقاً، أو حتى للمجالس المحلية.

رفضت الفصائل السلفية والجهادية أيّ علاقات مع المؤسسات السياسية للمعارضة، ولكنها، ورغم الدعم غير المشروط من جمعيات وأفراد في العالم فهو لم يعد كافياً ويؤمن احتياجاتها، ولا سيما أن الحرب السورية امتدّت، وبالتالي خضعت بدورها للدول والمؤسسات الداعمة، وكانت تتحرّك ضمن سياسات كل من أميركا وروسيا وتركيا ودول الخليج، وما شذّ منها عن ذلك كداعش مثلاً أو سواه، شُنّت عليه المعارك، أو تشكلت ضدّه التحالفات الدولية من أجل القضاء على الإرهاب.

المشكلة الكبرى في العمل العسكري كان الإبعاد المدروس والممنهج للضباط عن قيادته، وهذا فتح المجال واسعاً لفوضى الفصائل والسلاح ولضعف أدائها وعدم قدرتها على القيام بمعارك كبرى، وعلى مساحة سورية، وهذا أدّى إلى دخول “داعش” إلى شرق سورية وتغلغله في بقية مناطق سورية، وأعطى لجبهة النصرة القوّة لتسيطر على إدلب، وبلدات محيطة بها من اللاذقية وحلب وحماه، وسَحقت الفصائل فيها. امتلك تنظيم داعش وجبهة النصرة أيديولوجيا، وقيادة مركزية، وسياسة واضحة للسيطرة على كل المناطق المحرّرة، والسلطة لاحقاً، وضَبطا التمويل الخارجي وسواه بمؤسساتٍ محدّدة، وشيدا مؤسسات “سيادية” لتدبير شؤون المواطنين.

عدم قدرة الثورة على إنتاج قيادة سياسية لها في 2011، سمح للمعارضة بالتسلّط عليها وتمثيلها عالمياً، وشكّلت رداءة قيادات المعارضة، واستغلال مناصبها القيادية للثراء الشخصي، والتفريط بحقوق السوريين، أسباباً متعدّدةً لغياب الرؤية الوطنية عن سياساتها ومواقفها وممارساتها، والخضوع للدول وللمؤسسات المانحة للمال، وكان لذلك الخضوع أسوأ الخيارات على تطوّر الثورة ومستقبلها. وقد تكرّر الأمر ذاته لدى الفصائل بكل مسمّياتها. كان في مقدور جبهات درعا والغوطتين وأرياف مدينة دمشق الدخول إلى العاصمة في 2012 وبعدها، ولكن حال دون ذلك خضوع تلك الفصائل للدول التي لا تريد بأي حالٍ سقوط العاصمة، وكلُّ منها لأسبابها، ولا سيما أن تجارب سقوط العواصم العربية في العراق وليبيا ولاحقاً اليمن كانت كارثية بكل المقاييس.

التحوّلات التي أجرتها هيئة تحرير الشام على سياساتها، وتخلّيها عن الارتباط بتنظيم القاعدة ومحاربتها بعض التنظيمات السلفية والجهادية في إدلب، وأبقت على بعضها الآخر للمساومة مع الدول التي تتفاوض معها بين وقتٍ وآخر، وبعث الجولاني رسائل طمأنينة إلى كلٍّ من الدروز والمسيحيين، وهم أقليات دينية. وشكلت الهيئة حكومة إنقاذ وإدارات مدنية لتدبير شؤون الناس، وخضوعها لاتفاقيات الدول الضامنة. هذه التحولات هي التي أكسبتها ثقة الأتراك في إدلب، وربما ثقة روسيا وأميركا، ثم إنّ قيادات الهيئة لم تتم ملاحقتها. المقصد هنا أن هيئة تحرير الشام تمتلك بنية عسكرية وأمنية موحدة، وليس فيها أيّ فصائل تتبنّى سياسات مستقلة أو يمكن أن تعارض سياساتها العامة، كما فعلت فصائل كثيرة في الجيش الوطني، المنضوي فيه الفيلق الثالث، ولم يشارك كل من الفيلقين الأول والثاني في معارك عفرين أخيرا.

مستقبل أرياف حلب

لعب السوريون، أصحاب تلك البلدات والمهجّرون إليها، في أرياف حلب الدور المركزي في طرد الهيئة، حينما تظاهروا بشكل منظم، ولأكثر من أسبوع، فكيف إن انتخبوا قيادة سياسية تمثلهم، وبذلك يتمكّنون من فرض مطالبهم على الجهات المسيطرة في بلداتهم ومدنهم ومناطق اللجوء ومخيماته.

هل بمقدور الفصائل التي لم تستطع الاستمرار بالسيطرة على أرياف حلب بشكلٍ كامل، أن تستعيد قوتها وتشكّل جيشاً وطنياً بامتياز، كما تحلم بعض تيارات في المعارضة؟ هذا موضوع شائك؛ فالفصائل ظلّت فصائل، رغم انضوائها ضمن “الجيش الوطني السوري”، أي لم تنتقل إلى صفوفه أفرادا، بل مجموعات، والأسوأ أن الثقة بها في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام ضعيفة؛ فهي كانت قوةً قهريةً على الناس، وهناك ملفات فساد كبيرة ضدها، وكان اهتمامها الأساسي تحصيل الموارد من المعابر أو التنافس على خدمة الأتراك، أو الاكتفاء بتعزيز سيطرتها على هذه البلدة ونهبها أو تلك، أو الاقتتال في ما بينها. ولهذا لم تَقبل الانضواء بالوطني بشكل فردي، وكذلك لم تستطع الحكومة المؤقتة التابعة للائتلاف أو المجلس الإسلامي السوري أو بقية الفصائل فرض سلطةٍ شاملةٍ على تلك المناطق، وكانت السلطات متعدّدة. وهذا لن يتغير أبداً، والأن سيفرض الأتراك السيطرة والسلطة عبر فصائل مقرّبة منهم (هيئة ثائرون مثلاً)، وقد يفرضون تفكيك بعض الفصائل التي ترفض الإذعان الكامل لهم، كالجبهة الشامية، أو جيش الإسلام.

نعم، يمكن للسوريين في البلدات خارج إدلب أن يلعبوا دوراً محورياً ويشكلوا سلطة شعبية مستقلة، وتكمن مشكلتهم في أنهم لم يطرحوا قضية تشكيل السلطة من أصله. وبالتالي، سيظلون تحت سيطرة الفصائل والإدارات المدنية التابعة لـ”الائتلاف”، وهذا يعني أن الشعب “الثائر” لم يطوّر مفاهيمه منذ 2011، وضرورة أن ينتخب قواه السياسية والنقابية والإدارية بشكل مستقل، وينتزع حقوقه من قوى الأمر الواقع، وبدءاً بالائتلاف ومؤسساته وحكومته المؤقتة والفصائل، وكذلك الأمر مع الأتراك.

قسد والفصائل

السؤال الآن: هل يمكن للفصائل الابتعاد عن تركيا والتحالف مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، كما تَطرح بعض الأوساط في المعارضة السورية؟ وهل تستطيع “قسد” استيعاب الفصائل، وتشكيل قوة سورية معارضة كبيرة، كردية وعربية وسريانية وتركمانية وسواها، وعلى قدم المساواة، وتتخلّى عن هيمنتها القومية. يؤكّد غياب أيّ مفاوضات بين الطرفين أن هذا الاحتمال غير ممكن من أصله، رغم أنّ من الأحلام التي فكّر بها سوريون كثيرون، في الحقيقة، ما هو محض وهم، فليست “قسد” مؤهلة لذلك ولا الفصائل؛ فهي لم تقبل قوات البشمركة الكردية التابعة للمجلس الوطني الكردي، فكيف ستقبل هذه الفصائل، وأيضاً لم تستطع التحالف مع قوات المغاوير المتمركزة في قاعدة التنف، والمدعومة من قوات التحالف الدولي ضد الإرهاب، وأميركا، أي الجهة ذاتها التي تدعم “قسد”. الفصائل بدورها لا تمتلك جرأة الابتعاد كثيراً عن تركيا، وهي موجودة على حدودها.. إذاً، التفكير الوهمي لا يصنع واقعاً من معطيات غير واقعية.

حصر السلاح وضرورة الانتفاضة

قضية حصر السلاح لدى الدول المتدخلة في الشأن السوري مركزية منذ بدأت مسارات روسيا، وجرى ذلك في مناطق معينة وبفصائل محدّدة، وهذا عكس دورها في الحفاظ على فوضوية السلاح في الأعوام الأولى للثورة. خلافات الدول المتحكّمة بالشأن السوري هي ما يُعطل الوصول إلى أي اتفاق بخصوص الحل السياسي، ولكن الحصر ذاك متفق عليه، وتميل أغلب التحليلات إلى أن ذلك مترافقٌ مع ترسيم خطوط السوريات تلك، وبهدف شطبها لصالح احتكار النظام لها، أي نظام، حينما يحصل الحل السياسي.

هل من دورٍ ما حالياً للسوريين. هو سؤالٌ نكرّره حينما نكتب عن الشأن السوري، وينطلق من بؤس واقعهم وحالة الهزيمة المسيطرة على وعيهم، وتعدّد القوى المسيطرة على حياتهم؟ نعم. رغم التحليل أعلاه، للقوى المؤثرة على الداخل السوري، فإن غياب الحل يعطي للسوريين فرصة استئناف دورهم. انعكس تأزّم الأوضاع في السوريات الأربع تأزّماً شديداً على فاعلية السوريين أيضاً، ولكن الحرب أخيرا في عفرين أوضحت أن للشعب دوراً كبيراً في تغيير المعطيات، وإجبار الفصائل على تغيير سياساتها، والوقوف ضد هيئة تحرير الشام، الأكثر تنظيماً وخبرة قتالية وأصولية.

القضية الجديدة في سورية هي تفاقم الأوضاع، والتململ الشديد في كافة المناطق السورية. إن هذه الأوضاع تستدعي إنتاج قوى مجتمعية وسياسية ثورية، وهذا هو الرهان حالياً. وعدا عن هذا الوضع، هناك استمرار الحرب على أوكرانيا وضعف روسيا والانتفاضة الإيرانية، والدعم الأميركي المحدود لقسد، وتشتت قوّة الفصائل، فهي لا تمتلك سلطة قمعية كهيئة تحرير الشام، بالتالي هناك فرصة ثمينة لعودة السوريين للانتفاض من جديد، وهو ما شهدته أرياف حلب الشمالية والشرقية أخيرا، وما تشهده مناطق “قسد” في بعض الأوقات، وهناك درعا والسويداء، اللتان لم تستقرا بعد. وهذا يستدعي إخراج كل الفصائل من المدن والبلدات والقرى، واستعادة الاحتجاجات، وتشكيل سلطة إدارية (ويُفترض أن تدعمها الدولة التركية)، ومعنية بتدبير شؤون المواطنين العامة من تعليم وصحة وقضاء وشرطة ونظافة وسواها، ويتطلب ذلك خطاباً وطنياً جامعاً، تغيب عنه المفردات الدينية بصفة خاصة.

كان استخدام الدين بالسياسة كارثياً على مصير الثورة السورية، بكل مكوناتها السياسية والعسكرية وسواها، وأنتج لنا عشرات القوى الإسلامية، السلفية والجهادية، والتي كَفّرت بعضها بعضاً ولا تزال، وكان كارثياً أيضاً على النظام، فأصبح رهينةً بيد إيران وبأوهامه عن التجانس “الطائفي”، وبالتالي يجب تحييد وتنزيه الدين أولاً وإعادته كمرجعية أخلاقية لكل السوريين، وليس لطائفةٍ بعينها، فيصبح الإسلام للجميع، وكذلك المسيحية، وأيضاً بقية المذاهب، والتقدّم بمطالب سياسية واقتصادية واجتماعية واضحة، وجامعة لكل السوريين.

حصر السلاح مرحلة أولى في إطار سحبه لاحقاً، وإعادة احتكار الدولة السورية له، وهذا من أسباب كل المسارات الروسية منذ 2015، والتي جرت بموافقة تركيا والقوى والفصائل التابعة لها من السوريين، وأيضاً بموافقة أميركية، حينما وافقت على تسليم درعا في 2018، ولم ترفض مسارات روسيا بشكل حاسم. ولهذا جرى الحفاظ على هذه الدولة من الدول المتدخلة بالشأن السوري ومُنِعَ إسقاطها، وهذا موضوعٌ متروكٌ إلى حين الوصول إلى اتفاق سياسي في سورية، وهو مستبعدٌ حالياً، وبالتالي، سيستمر السلاح في السوريات الأربع، وسيستمر تفاقم الأزمات، وهذا هو المدخل لفرضيتنا بضرورة العودة إلى الانتفاض (رغم التعقيدات الكبيرة أمام تجدّده)، وبمطالب مجتمعية واسعة، ولكن محدّدة أيضاً، وعبر التنسيق بين السوريات، وبعيداً عن اللعب بالأديان أو الطوائف أو المذاهب، وكذلك القوميات.

هل ينهض السوريون رغم كل عوامل الإحباط والشعور بالهزيمة وتعدّد سلطات الأمر الواقع، وتعقيدات موضوع الهوية ومفهوم الوطن الواحد، وغياب التوافق الدولي حول البدء بالحل السياسي، والأزمات الدولية الشديدة.

العربي الجديد

——————————

شمال غرب سوريا وأجواء داكنة جديدة/ موفق نيربية

ورد في إعلام المعارضة السورية الرسمية المتمركزة في إسطنبول، أن الهيئة العامة للائتلاف الوطني السوري قد أنهت «دورة اجتماعاتها الـ 64 التي أقيمت يومي 17 و18، وقد ركزت على بحث الأوضاع الميدانية في ريف حلب، وطالبت في بيانها الختامي بوقف عدوان هيئة تحرير الشام الإرهابية على المناطق المحررة، كاشفة عن الانعكاسات السلبية الكبيرة التي ستلحق بالثورة السورية في حال استمرار القتال الفصائلي، أو سيطرة هيئة تحرير الشام على المنطقة، كما شددت على رفضها وجود هيئة تحرير الشام في منطقة عمليات «درع الفرات» و»غصن الزيتون»، مؤكدةً دعمها الحراك المدني في المناطق المحررة».

كان تجنّب ورفض، أو الالتفاف على تلك الإشارة الواضحة إلى إرهاب جبهة النصرة، التي تحوّلت إلى «هيئة تحرير الشام» من أسباب التفسّخ الذي أصاب الائتلاف في الأعوام السابقة، ذلك لم يكن بعيداً بالطبع عن استراتيجية الدولة المضيفة آنذاك، فما الذي حدث الآن؟ وهل هو من ضمن حقيقة ما جرى ويجري؟ تقول الوقائع إن اغتيال إعلامي محبوب مع زوجته الحامل في الباب والاحتجاجات الشعبية العارمة التي تلته؛ وتولّي الفيلق الثالث في الجيش الوطني (الجبهة الشامية خصوصاً) الأمر، ومداهمة وكشف واقع سجون ومقرات تحقيق وتعذيب فرقة «الحمزات» التي كان القتلة ينتمون إليها؛ قد استجرّ ردّاً صارماً من هيئة تحرير الشام، سرعان ما تمدّد واتّسع حتى شمل عفرين – عاصمة عملية غصن الزيتون التركية – وهدّد مشارف أعزاز البلدة الاستراتيجية على الحدود مع تركيا، بمعبرها الرئيس عبر الحدود. وعلى الرغم من توقّف الهجوم وانتشار القوات التركية حماية لأعزاز، وانسحاب الهيئة عسكرياً من عفرين إثر موقف تركي يشبه الأوامر؛ إلّا أنها تركت قوات أمنية ومؤسسات إدارية اقتصادية – اجتماعية في المدينة.

قيل في البداية إن السلطات التركية غضّت الطرف عن تقدّم الهيئة لرغبتها بتقليم أظافر الفيلق الثالث ومنع تغوّله، خصوصاً بعد تشجيعه لحركة الاحتجاجات «المزعجة». وقيل إن هناك تململاً تركياً من عجز الحكومة المؤقتة التابعة للائتلاف عن ضبط الأمور وإدارتها، وتململاً آخر من انفلاش قوى «الجيش الوطني» وصراعاتها المستمرة وفضائحها المتزايدة.. لكنّ أشياء أكثر أهمية تنتج عن هذا التطوّر، تحتاج إلى وقفة من نوع آخر. لطالما أعاق انتشار هيئة تحرير الشام – الموسومة كإرهابية دولياً – تنفيذَ اتفاقات محور أستانة، خصوصاً منها ما يتعلّق بإعادة فتح الطريق الاستراتيجي الرابط بين اللاذقية وحلب، والمتقاطع مع الطريق الاستراتيجي الآخر الممتد من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب.. كانت تلك الاتفاقات تفترض قيام تركيا بإبعاد المنظمة الإرهابية عن الطريق الأول لفتحه وتشغيله، ومرّت سنوات على ذلك من دون تنفيذ. في ذلك الوقت الطويل كانت الهيئة قد مدّت جذورها أكثر، من خلال أداتها في الحوكمة «الإسلامية»- حكومة الإنقاذ – العاملة في محافظة إدلب، وأخذ زعيم جبهة النصرة ثمّ وريثتها – أبو محمد الجولاني- يعمل بانتظام على تحسين صورته و»تمدينها»، وعلى تطوير حكومته بشكل يقلّد الحكومات والدول، ويستدعي مثالها بشكل يكاد يكون هزلياً، لكنه يثبت نجاحاً أكثر ثباتاً من حكومة الائتلاف المؤقتة… كان يقيم دويلته في إدلب، ولكن عينه بقيت على بقية شمال غرب سوريا، في منطقة عمليتي غصن الزيتون ودرع الفرات التركيتين. فشل الحكومة المؤقتة جزء من فشل الائتلاف نفسه، الذي غرق في حالة الارتهان التي يعيشها عاجزاً عن الاستقلال بقراره – بعضه على الأقل، أو نسبياً- لفرض احترامه ولو قليلاً، ومتراجعاً في حقيقة تمثيله باطّرادٍ مع خلافاته والتوجه نحو حلّها بالبتر، أو الانسحاب يوماً بعد يوم، من دون إجراء مراجعة حقيقية صغيرة أو كبيرة، اللهم إلّا ببعض التلطيفات الشكلية التي تكشف العيب أكثر من أن تصلحه. فشل ما سمي بالجيش الوطني طبيعي بدوره، بعد أن تحوّل معظمه إلى مجموعات يقودها أمراء حرب، تعيش على الابتزاز ومكوس العبور وفرض الأتاوات والتهريب، وأحياناً تجارة المخدّرات والسلاح. لم تفلح كل «مراجعات» إعادة التنظيم والتوحيد في رتق الفتق ذاك، بل زادته، حين أدخلت موضوع استخدام تلك الوحدات في عمليات بعيدة جغرافياً – مقابل رواتب ومكافآت مغرية للمحتاجين أو الطامعين – كان حتماً أن تبعد تلك القوى عن أصولها «الثورية» أكثر مما ابتعدت بأيديها وأقدامها، وكان حتماً أيضاً ابتلاع الإهانة التي تتضمنها كلمة الارتزاق. تطوّر هذا الفشل وذاك تحت أعين ومراقبة الحكومة الداعمة، وتلك مسؤولية لا تلغيها مسؤولية الائتلاف الوطني الضعيف. فللارتهان طرفان، واحد حبس نفسه داخل حلقته الشيطانية والثاني يرعاها من خارجها ويرمي لها بوسائل الاستمرار بالحياة عند الحد الأدنى. لنعترف أيضاً بأن للدول مصالحها التي لا تستجيب للمبادئ والأيديولوجيات إلا بشكل عابر ومؤقت وجزئي، لا يلبث أن يخضع بدوره لتأثير المصالح وفعلها.

هنالك مصلحة «الأمن القومي»، التي ترى أولاً في الكرد خلف الحدود الرسمية خطراً قابلاً للانتقال والتأثير داخل تلك الحدود. ولا ترى حلاً دائماً كما يبدو إلّا في تغيير ذلك النسيج الاجتماعي في النهاية، الأمر الذي حدث بالفعل وإلى حدٍّ واضح في منطقة عفرين، حيث حلّ مهجّرو المحافظات الأخرى على مراحل تسويات مختلفة رعتها أطراف أستانة، محلَّ من هاجر عند تقدّم عملية غصن الزيتون على سبيل المثال. حدث ذلك أيضاً في منطقة عملية «نبع السلام» في الشمال الشرقي، بحدود أقل. ترى تلك المصلحة ثانياً أن الأمن ينبغي أن يستتب وراء الحدود، وتمّ تجريب مجموعات «الجيش الوطني» في ذلك، إضافة إلى تجريب إدارة الحكومة المؤقتة، ولم تفلح تلك التجارب.. في حين يلمع بريق تجربة إعادة تأهيل هيئة تحرير الشام، ويرى تفوّقاً لحكومتها على الأخرى في الثبات والاستقرار. لا يقف ذلك الخيار المحتمل أمام سبب وإمكانية إعادة التأهيل والتفوّق، وهو مركزية القوة الحاسمة، وعمى التخلّف والتطرّف وصلابته الإرهابية، ولا يعتبر أن ذلك ضروري أيضاً.

لقد نصّ الاتفاق بين الفيلق الثالث وهيئة تحرير الشام؛ الذي جرى بمراقبة أو رعاية تركية، استكملته كما يبدو بطلبات مباشرة؛ على ما بدا توقفاً للتمدد باتّجاه أعزاز، حدث إثره مباشرة كذلك انسحاب لوحدات الهيئة العسكرية من عفرين، مع إبقائها داخل المدينة لعناصر أمن وإدارة جديدتين. وكان الجولاني قد قال قبل ذلك التطوّر إن حكومة واحدة ستكون جاهزة قريباً، حين «تنتهي فترة الحكومة المؤقتة». وجاء التفسير لاحقاً! خلف مصلحة الأمن القومي التي يمكن تفهّمها إلى هذا الحدّ أو ذاك، هنالك المصلحة الأكثر حسماً، في الانتخابات التركية المقبلة بعد أشهر، ومخاطرها الداهمة والمحتملة. هنا تحتاج حكومة حزب العدالة والتنمية إلى إبطال مفعول مسألة اللاجئين، بالحدّ الأقصى الممكن، وكانت قد ابتدأت بمشروع إسكان مؤقت قابل للاستدامة في مرحلة أخرى، لا يبدو أنه قد أعطى نتائجه المرجوة حتى الآن، مع احتمال ظهور جديد وبراق له قبل موعد الانتخابات. في ذلك كلّه، يبقى مشروع» المنطقة الآمنة» مطروحاً، ويستكمل عدّته وتجاربه.

ليس مؤكداً بعد، وليس سهلاً تأكيده لاحقاً، أن إعادة تأهيل هيئة تحرير الشام بقيادة الجولاني وحكومة الإنقاذ التي يعمل على تطويرها بدوره، هو جزء من تلك التجربة في مناطق غصن الزيتون ودرع الفرات وإدلب. يمكن لذلك أن يؤمّن بنية» سنّية» جاسئة وراء الحدود وبعيداً عنها قليلاً، قابلة للاستمرار وللتحكّم في الوقت نفسه. غير معروف أيضاً ردّ فعل أطراف أستانة الأخرى بعد على ذلك، مع احتمال جانبي بأن يجري- أو جرى – شراء الموافقة بتنفيذ ما يتعلّق بفتح طريق اللاذقية حلب، وتقدّم النظام نحوه بقيادة روسية. قد تكون إشارات إعادة بناء العلاقات التركية مع حكومة بشار الأسد جزءاً من هذا المسار الطارئ..

ما هو معروف وأكيد أن السوريين سيدخلون في حالة إحباط جديدة، أكثر بعداً عن أفق استعادة بلدهم موحّداً، وبناء دولة فيه قابلة للعيش والسكن، لها مستقبل وملامح تشبه الدولة الحديثة المتعارف عليها.

كاتب سوري

القدس العربي

——————————

عفرين:تحرير الشام باقية حتى يتوحد الجيش الوطني

لا تزال الصورة المتعلقة بمصير إدارة منطقة “غصن الزيتون” شمال حلب، ضبابية، بين نفي الفيلق الثالث دخول حكومة الإنقاذ، الذراع السياسي لهيئة تحرير الشام، في عملية الإدارة، وتأكيد الأخيرة أن انسحابها عسكرياً وإبقائها على جزء من قواتها الأمنية هناك جاء تنفيذاً لاتفاق تم في هذا السياق، بينما يرى معارضون أن الأتراك منقسمون على أنفسهم في هذا الشأن.

حكومة الإنقاذ مشاركة

لكن الباحث السياسي التركي المُقرب من حزب “العدالة والتنمية” الحاكم في تركيا يوسف كاتب أوغلو أكد أن حكومة الإنقاذ ستشارك في عملية إدارة منطقة “درع الفرات” أيضاً وليس فقط منطقة “غصن الزيتون”، كاشفاً عن وجود خطة تركية من أجل توحيد الجيش الوطني.

وقال أوغلو ل”المدن”، إن تعامل الجانب التركي مع حكومة الإنقاذ التي تدير منطقة إدلب وريفها قديم وليس حديث العهد، كما أن أنقرة تعترف بالحكومة كممثل سياسي يدير المنطقة هناك وتتواصل معها بشكل مباشر، مضيفاً أن ذلك لا يعني أبداً “تغييراً بالنظرة التركية إلى تحرير الشام كمنظمة إرهابية مثّلت فرعاً لتنظيم القاعدة بسوريا، عدا عن كونها مصنفة إرهابية أيضا على اللوائح الدولية”.

وأوضح أن ما يجري الآن من تطور “إيجابي” هو بدء حكومة الإنقاذ بفرض سيطرتها فعلياً على منطقة “غصن الزيتون”، مضيفاً أن سيطرتها ستمتد إلى مدن الباب وجرابلس ضمن “درع الفرات” شرق حلب. وقال إن “الهدف التركي كان إخراج تحرير الشام المكون العسكري المصنف إرهابياً، والإبقاء على المكون السياسي الممثل بحكومة الإنقاذ لتولي الإدارة مبدئياً”.

وأكد أن بقاءها في عملية الإدارة هناك، مقرون بتوحيد الفصائل العسكرية المعتدلة التي تعترف بها تركيا، تحت مظلة وراية واحدة مؤسساتية، تابعة للقيادة التركية، بعيداً عن الإتاوات والتسيب والمسميات مثل “العمشات و”الحمزات”.

فشل تركي؟

واستغرب مصدر سياسي في الجيش الوطني التوجه التركي، وخصوصاً أن رئيس الحكومة المؤقتة عبد الرحمن مصطفى فرضته أنقرة على الائتلاف، وبالتالي فإن رغبتها في مشاركة حكومة الإنقاذ يعني “إقراراً تركياً بفشلها في إدارة المنطقة”.

وقال المصدر ل”المدن”: “حتى الآن لا شيء واضحاً على الأرض، لكن بالنسبة لنا كجيش وطني فإن مشاركة تحرير الشام في الإدارة عبر حكومة الإنقاذ أمر محسوم بالرفض”، مؤكداً أن هناك تياراً داخل جهاز المخابرات التركي يريد إبقاء تحرير الشام في المنطقة، لكنه فشل، ولا يريد الإقرار بفشله.

وتابع:”هناك فيتو روسي-أميركي رُفع في وجه محاولة تركيا الإبقاء على تحرير الشام في غصن الزيتون وكذلك مشاركة حكومة الإنقاذ في عملية الإدارة”. كما أكد وجود طرح تركي من أجل تكوين قيادة موحدة للجيش الوطني ودمج الفصائل تحتها بإشراف تركيا، إلا أنه لا يزال في مراحله الأولى.

تهديدات أميركية

الموقف التركي الذي كان متفرجاً في الأيام الأولى للصراع الذي بدأ بين تحرير الشام والفيلق الثالث في 11 تشرين الأول/أكتوبر، قبل أن تتدخل أنقرة كوسيط أفضى إلى اتفاق انتهى قبل أن يبدأ، تزامن مع لهجة تصاعدية وصلت إلى سقف التهديد المبطن من قبل الولايات المتحدة.

وقال المتحدث باسم الخارجية الأميركية نيد برايس الثلاثاء، إن “قدرة الجماعات المتطرفة والإرهابية على استخدام الأراضي السورية للتخطيط ولتشكيل قاعدة لها، يشكل مصدر قلق لنا جميعاً”، مؤكداً أن “لدى واشنطن مجموعة من الأدوات لإخراج هيئة تحرير الشام من عفرين، وسنواصل معايرة تلك الأدوات بشكل مناسب مع الشركاء”.

ولا يستبعد الباحث السياسي المختص بالشأن التركي سعيد الحاج أن تلجأ واشنطن إلى ضربات جوية تصعّد من خلالها ميدانياً من اجل إخراج تحرير الشام من عفرين، لكن يبقى السيناريو الأرجح هو التواصل كما قال برايس مع الشركاء والمقصود بها تركيا.

وقال الحاج ل”المدن”، إن الموقف التركي المتدرج كان على صلة مباشرة بالأحداث المتسارعة على الأرض خلال المعارك، ولا يتعلق بالتهديدات الأميركية، إذ اكتشفت تركيا في النهاية أن الفصائل غير قادرة على ردع تحرير الشام عن دخول غصن الزيتون، ما دفع الجيش التركي للتدخل مباشرة للقيام بذلك وطالبها بالمغادرة.

—————————-

وقائع وتكهنات حول الصراع في شمال سوريا/ بكر صدقي

الصراع المسلح الذي بدأ بين فصائل «الجيش الوطني» التابع لتركيا من جهة، وفصيل «الحمزات» من جهة ثانية، على أرضية اغتيال الناشط الإعلامي محمد عبد اللطيف (أبو غنوم) وأدى إلى اجتياح قوات هيئة تحرير الشام لمنطقة عفرين، حظي بتغطية إعلامية واسعة، لكن تلك التغطيات احتارت في تفسير ألغاز هذا الصراع، بالنظر إلى موقف تركيا الملتبس منه. فهي الدولة التي تسيطر على مناطق الشمال عسكرياً، من إدلب وصولاً إلى رأس العين في الشرق، بتواجدها المباشر ومن خلال حلفائها من الفصائل المسلحة السورية. كما تعمل بعض المؤسسات المدنية التركية على توفير خدمات البريد والكهرباء والتعليم والصحة، كما يتم التداول غالباً بالليرة التركية، وتبني عدداً من المناطق السكنية بهدف إيواء النازحين. ويتلقى مقاتلو «الجيش الوطني» الذي انشأته تركيا بتجميع فصائل «الجيش الحر» سابقاً، رواتبهم من ظهيرهم التركي.

في ظل هذه المعطيات يصبح بديهياً التساؤل بشأن سبب صمت أنقرة «البليغ» حول ما يجري تحت أنظارها، وما الذي دفع بها لغض النظر عن اجتياح مقاتلي الجولاني لمناطق سيطرتها، ووصولهم إلى مدينة عفرين أولاً، ومنطقة كفر جنة القريبة من أعزاز ثانياً. والأكثر إثارة للبلبلة هو انسحاب قوات الجولاني من المناطق التي سيطرت عليها وعودتها إلى معاقلها الأصلية في محافظة إدلب. لا يمكن لمراقب هذه التطورات إلا أن يدهشه هذان التطوران المتتاليان في غضون بضعة أيام.

ربما من الحصافة عدم قراءة هذه التطورات الغريبة بمعزل عن المباحثات الدائرة في الظل بين تركيا والنظام الأسدي منذ شهرين أو أكثر. فقد قام رئيس جهاز الاستخبارات التركي دمشق، الشهر الماضي، وتباحث مع نظيره علي مملوك على مدى يومين في إطار مسار تطبيع العلاقات بين الجانبين بتشجيع روسي. لم تصدر بيانات رسمية عن فحوى المباحثات أو النتائج التي يحتمل أنهما حققاها، بقدر ما أشاعت المصادر الروسية أجواء «متفائلة» من وجهة نظرها تستشرف احتمالات انتقال الاتصالات من المستوى الأمني إلى المستوى السياسي، وتطايرت التكهنات بشأن احتمال لقاء مباشر بين وزيري الخارجية «في أقرب وقت».

وتحدثت معظم التغطيات الإعلامية عن «شروط» النظام الأسدي لتطبيع العلاقات مع تركيا، وتتمثل في «انسحاب القوات العسكرية التركية من المناطق التي تسيطر عليها» و«قطع الدعم عن الفصائل السورية» المتعاونة معها، أي فصائل «الجيش الوطني». أما «التفاصيل العميقة» للمباحثات التركية ـ الأسدية التي لم تتوقف، فلن نعرفها إلا برؤية التغيرات التي يمكن أن تحدث في الميدان.

فهل غض النظر التركي عن تقدم قوات «الهيئة» في منطقة عفرين هو استجابة تركية لشرط نظام الأسد؟ لا يمكن الجزم بذلك، ولكن ما أكدته الأحداث الأخيرة هو قدرة تركيا على فرض وقف إطلاق النار على أطراف الصراع، هيئة تحرير الشام والفيلق الثالث، واستجابة الهيئة بسلاسة لمطلب الانسحاب. منظمة الجولاني المصنفة على قوائم المنظمات الإرهابية لدى الأمم المتحدة، كما لدى الحكومة التركية نفسها، تتمتع ظاهرياً باستقلالية عن تركيا غير موجودة لدى فصائل «الجيش الوطني»، لكنها عملياً تتمتع بحماية تركية بالنظر إلى وجود نحو عشرة آلاف جندي تركي موزعين على عشرات نقاط المراقبة في «منطقة خفض التصعيد الرابعة» في محافظة إدلب وجوارها. إنما في ظل هذه الحماية أقام الجولاني إمارته الإسلامية التي تديرها حكومة الإنقاذ التابعة للهيئة. في جميع البيانات الختامية الصادرة عن اجتماعات ثلاثي آستانة، روسيا وإيران وتركيا، يتم التأكيد على وجوب محاربة «الهيئة» الموصوفة بالمنظمة الإرهابية. لكن تفاهمات روسية ـ تركية أرجأت المرة بعد المرة حسم مصيرها. لكن وجود الهيئة يلبي حاجات سياسية متنوعة للأطراف المعنية، فهي ذريعة دائمة لقصف المناطق الآهلة بالسكان من قبل روسيا والنظام، كما أنها مادة للضغط الروسي على تركيا، ووسيلة في يد تركيا للمساومة مع الشركاء اللدودين. بهذا المعنى لن يكون غريباً إذا سمحت تركيا لهيئة تحرير الشام بـ«تأديب» فصائل «الجيش الوطني» التي إضافة إلى انتهاكاتها بحق السكان وصراعاتها البينية المتواترة، أبدت نوعاً من التمرد على سيدها التركي حين شجعت مظاهرات شعبية في مناطق سيطرتها احتجاجاً على إشارات التقارب التركية مع نظام الأسد، وبالأخص تصريحات وزير الخارجية مولود شاويش أوغلو الذي دعا إلى إجراء «مصالحة بين النظام والمعارضة» السوريين. تلك المظاهرات التي أحرق في إحداها العلم التركي، الأمر الذي لا يمكن للأتراك التسامح بشأنه.

أرغمت الاستخبارات التركية «الهيئة» والفيلق» على إنهاء القتال في مرحلة أولى، ثم تجدد القتال إلى أن سيطرت قوات «الهيئة» على حاجز كفر جنة القريب من مدينة أعزاز. وقيل إن قذائف سقطت على موقع للقوات التركية في المنطقة. بعدها دخلت تعزيزات عسكرية تركية مغطاة بطيران مروحي في إظهار لعزم تركيا على إرغام الهيئة على الالتزام بوقف القتال والانسحاب. وهو ما حدث يوم الثلاثاء.

ولكن بين غزو قوات الجولاني للمنطقة وانسحابها كسبت هيئة تحرير الشام اعترافاً من خصومها بشراكتها في إدارة المنطقة أمنياً ومدنياً.

هل كسبت تركيا شيئاً أو خسرت بحصيلة هذه التطورات؟ يتوقف الجواب على هذا السؤال بالنظر إلى المباحثات الدائرة بينها وبين نظام الأسد بعيداً عن الأضواء. وهو ما قد تكشفه تطورات الأيام والأسابيع المقبلة، وصولاً إلى ما قبل موعد الانتخابات العامة والرئاسية في تركيا في الربيع القادم. فهذه هي المحدد الرئيسي للسياسات التركية في سوريا وغير سوريا.

كاتب سوري

القدس العربي

——————————-

الأمم المتحدة تتراجع… الجولاني يتقدّم/ راتب شعبو

ليس للطبيب أن يرفع الراية البيضاء أبداً، يجب أن يكون لديه ما يفعله تجاه المريض حتى اللحظة الأخيرة. تخطُر في البال هذه القاعدة في الطب، لدى متابعة مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سورية، غير بيدرسون، في زيارته أخيرا دمشق (17 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري)، إذا كان ما يُلزم الطبيب بهذه القاعدة اعتبارٌ علمي ومهني، فإن ما يفعله بيدرسون من استمراره في إنعاش مسار اللجنة الدستورية المريض، أو قل الميت، مدفوعٌ بالأحرى بمصلحة خادعة للأمم المتحدة، وهي إيهام العالم بأن هناك ما يُفعل أممياً حيال المأساة السورية المزمنة، وربما مدفوعٌ أيضاً بمصلحة شخصية لبيدرسون، لا تتمثل في تحقيق إنجاز دبلوماسي يسجّل باسمه، فهو يدرك قبل غيره أنه لا إنجاز يُرتجى من مسارٍ عليل كهذا، بل تتمثل في الاستمرار باستلام مخصّصات شهرية بعشرات آلاف الدولارات كما يقال. وقد كان الرجل صريحاً في الإحاطة التي قدمها أمام مجلس الأمن في يونيو/ حزيران 2022، حين خاطب المجلس بالقول: “لا تنسوا سورية”، ما يشير إلى إدراكه أن الشأن السوري موضوعٌ على الرفّ أو منسي.

صرح بيدرسون، في زيارته هذه إلى دمشق، وعلى خلفية نسيان سورية، بأن “قرار مجلس الأمن 2254 لم ينجح حتى الآن”. إضافة عبارة “حتى الآن” لا تعدو كونها بعضاً من دبلوماسية التوهيم أو إشاعة أمل بأن القرار المذكور لم يمت، وأن العمل جار لتطبيقه. والواقع أن هذا القرار أصبح نسخة مكرّرة عن قرار مجلس الأمن الشهير رقم 242، مجرّد مخزون لفظي يتكئ عليه العاجزون، فيما يتستّر به القادرون لتمرير كل ما يجعله غير قابل للحياة.

يعطي تصريح بيدرسون مفتاحاً لوضع الأحداث التي شهدها أخيرا شمال غرب سورية ضمن إطار قابل للفهم. المقصود هنا بالأحداث تمدّد “هيئة تحرير الشام” إلى عفرين وتعاون فصائل ما يسمّى “الجيش الوطني” معها ضد فصائل أخرى، ثم انسحاب الهيئة “جزئياً” من عفرين بعد أن كانت تريد الوصول إلى أعزاز. يعطي الانسحاب الذي جاء بضغط تركي مباشر، وبضغط أميركي إعلامي، فكرة عن مهارة الهيئة في “احترام الكبار”، وفي سعيها إلى كسبهم وفق صيغة رابح – رابح، في بيئة سياسية وعسكرية معقّدة، باتت فوضاها مزعجةً لهؤلاء الكبار.

الاتجاه العام الذي ينظم حركة الوضع في شمال غرب سورية هو الخلاص من التشتت الفصائلي، والوصول إلى حالة شبيهة بما هو عليه الوضع في شمال شرق سورية، أي إدارة برأس سوري واحد، يستطيع ضمان الاستقرار. الفصيل الوحيد القادر على تولّي هذه المهمة هو هيئة تحرير الشام، ليس فقط لأنها أظهرت مقدرةً عسكريةً في وجه التشكيلات الأخرى، المعتدل منها والمتطرّف، بل أيضاً لأنها أظهرت قدرةً على ضبط الوضع الداخلي. ومن اللافت أن الإعلام التركي يمتدح الحياة في ظل الجولاني، قياساً على الحياة على الشريط الحدودي، حتى ساد لدى السوريين الذين يعيشون في هذا الشريط الخاضع لفصائل “الجيش الوطني”، اعتقاد ساذج يقول إن تجاوزات هذه الفصائل عملٌ مقصودٌ يهدف إلى إبراز أفضلية إدارة إدلب، قياساً على مناطق النفوذ العسكري الأخرى.

المشهد الفصائلي المحشو بالاقتتال البيني والفساد وكل صنوف التجاوزات التي تُغري بها السلطة البعيدة عن المحاسبة، بات عبئاً على الحاضن التركي. يصعب التخلّص من هذه الحالة عن طريق ابتلاع فصيل منها البقية، أولاً لأن هذا يحتاج دعما تركيا مباشرا لفصيل ضد البقية، الأمر الذي يولد ضغائن يمكن أن تفجّر الجسم الموحد في أي وقت. ثانياً لأنها تجعل التشكيل الجديد في التصوّر السوري العام، في المنطقة وخارجها، تابعاً مباشراً لتركيا. أي أن مثل هذا الخيار يمكن أن ينتج تشكيلا واحدا، لكنه سيكون ضعيف اللحمة الداخلية، وموسوماً بالتبعية السياسية المباشرة لراعيه. على ذلك، يحتاج تجاوز التشتت الفصائلي سيطرةً “سورية” من خارج الفصائل، وهو ما توفّره هيئة تحرير الشام.

في الواقع، تعرض الهيئة ثلاثة جوانب ترشّحها، في عيون الأطراف المتحكّمة بالشأن السوري، لأن تحوز السيطرة الكاملة على مناطق شمال غرب سورية. الأول الاستقلالية، فهي، على خلاف بقية التشكيلات العسكرية في المنطقة، مستقلة عن تركيا التي تضعها على قائمة الإرهاب. هذا بحد ذاته قيمة سياسية يمكن الاستثمار فيها استثماراً مجدياً، حتى من الجانب التركي نفسه، ولا تغيب هذه القيمة عن العين الأميركية. وقد كانت الهيئة على طول الخط تمتلك خطاً سياسياً مستقلاً ومخالفاً في نقاط عديدة للخط التركي، الذي حرصت فصائل “الجيش الوطني” وقيادات الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية على التطابق معه.

الجانب الثاني منبتها الإسلامي الأصولي الذي زوّدها بسند أيديولوجي متين لمواجهة باقي التشكيلات التي تستند جمعيها، بحدود متفاوتة، إلى المرجعية الإسلامية. وقوفها على الأرضية الأيديولوجية نفسها يسمح لها بتذويب التشكيلات عبر استقطاب كوادرها أو عبر تصفية هذه التشكيلات، مستفيدةً من تفوقها العسكري، بغطاء إسلامي يصعب على خصومها التشكيك فيه.

الجانب الثالث البراغماتية والقدرة اللافتة للجولاني في تبدية السياسي على العقيدي. في الحق أن هذه الصفة هي ما تعطي أهمية وقيمة للجانبين الأولين. ربما لو توفّر لدى الأمير السابق لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) أبو بكر البغدادي (قُتل في غارة أميركية في 26 أكتوبر/ تشرين الأول 2019) شيء من براغماتية الجولاني، لما انتهى تنظيمه هذه النهاية المأساوية التي تدفع ثمنها اليوم عائلات كاملة بالآلاف، باتت منبوذة ومعزولة كمرضى الجذام.

الجمع بين القدرة على ضبط التنظيم والاحتفاظ بتفوقه العسكري، وضبط المجتمع المحلي الواقع تحت سيطرته، وبين الاستعداد للتبدل وفق مقتضى الحال السياسي، هو ما يجعل الأطراف الدولية تأخذ الهيئة في الحسبان وتغض النظر عن تقييمها كتنظيم إرهابي… وليس من السهل الجمع بين التماسك التنظيمي والمرونة السياسية، ذلك أن “المبدئية”، أي ضعف المرونة السياسية، هي التي تشدّ الجسد التنظيمي، ولا سيما على مستوى القواعد، وما يمكن أن يحلّ هذه العقدة هو قناعة القواعد التامة بالقيادة، وهو ما استطاع تحقيقَه الجولاني فيما يبدو.

يتقدّم الجولاني في الشمال، فيما تتراجع الأمم المتحدة وتمهد لحلول “عملية”، أبطالها قوى الأمر الواقع التي تتبلور اليوم أكثر في شمال غرب سورية. يذهب “الانتقال السياسي”، ويأتي تقاسم السلطة. التغير الجدّي في المعادلة يحتاج إلى تغيّر جدّي في روسيا.

العربي الجديد

—————————-

شمال غرب سوريا وأجواء داكنة جديدة/ موفق نيربية

ورد في إعلام المعارضة السورية الرسمية المتمركزة في إسطنبول، أن الهيئة العامة للائتلاف الوطني السوري قد أنهت «دورة اجتماعاتها الـ 64 التي أقيمت يومي 17 و18، وقد ركزت على بحث الأوضاع الميدانية في ريف حلب، وطالبت في بيانها الختامي بوقف عدوان هيئة تحرير الشام الإرهابية على المناطق المحررة، كاشفة عن الانعكاسات السلبية الكبيرة التي ستلحق بالثورة السورية في حال استمرار القتال الفصائلي، أو سيطرة هيئة تحرير الشام على المنطقة، كما شددت على رفضها وجود هيئة تحرير الشام في منطقة عمليات «درع الفرات» و»غصن الزيتون»، مؤكدةً دعمها الحراك المدني في المناطق المحررة».

كان تجنّب ورفض، أو الالتفاف على تلك الإشارة الواضحة إلى إرهاب جبهة النصرة، التي تحوّلت إلى «هيئة تحرير الشام» من أسباب التفسّخ الذي أصاب الائتلاف في الأعوام السابقة، ذلك لم يكن بعيداً بالطبع عن استراتيجية الدولة المضيفة آنذاك، فما الذي حدث الآن؟ وهل هو من ضمن حقيقة ما جرى ويجري؟ تقول الوقائع إن اغتيال إعلامي محبوب مع زوجته الحامل في الباب والاحتجاجات الشعبية العارمة التي تلته؛ وتولّي الفيلق الثالث في الجيش الوطني (الجبهة الشامية خصوصاً) الأمر، ومداهمة وكشف واقع سجون ومقرات تحقيق وتعذيب فرقة «الحمزات» التي كان القتلة ينتمون إليها؛ قد استجرّ ردّاً صارماً من هيئة تحرير الشام، سرعان ما تمدّد واتّسع حتى شمل عفرين – عاصمة عملية غصن الزيتون التركية – وهدّد مشارف أعزاز البلدة الاستراتيجية على الحدود مع تركيا، بمعبرها الرئيس عبر الحدود. وعلى الرغم من توقّف الهجوم وانتشار القوات التركية حماية لأعزاز، وانسحاب الهيئة عسكرياً من عفرين إثر موقف تركي يشبه الأوامر؛ إلّا أنها تركت قوات أمنية ومؤسسات إدارية اقتصادية – اجتماعية في المدينة.

قيل في البداية إن السلطات التركية غضّت الطرف عن تقدّم الهيئة لرغبتها بتقليم أظافر الفيلق الثالث ومنع تغوّله، خصوصاً بعد تشجيعه لحركة الاحتجاجات «المزعجة». وقيل إن هناك تململاً تركياً من عجز الحكومة المؤقتة التابعة للائتلاف عن ضبط الأمور وإدارتها، وتململاً آخر من انفلاش قوى «الجيش الوطني» وصراعاتها المستمرة وفضائحها المتزايدة.. لكنّ أشياء أكثر أهمية تنتج عن هذا التطوّر، تحتاج إلى وقفة من نوع آخر. لطالما أعاق انتشار هيئة تحرير الشام – الموسومة كإرهابية دولياً – تنفيذَ اتفاقات محور أستانة، خصوصاً منها ما يتعلّق بإعادة فتح الطريق الاستراتيجي الرابط بين اللاذقية وحلب، والمتقاطع مع الطريق الاستراتيجي الآخر الممتد من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب.. كانت تلك الاتفاقات تفترض قيام تركيا بإبعاد المنظمة الإرهابية عن الطريق الأول لفتحه وتشغيله، ومرّت سنوات على ذلك من دون تنفيذ. في ذلك الوقت الطويل كانت الهيئة قد مدّت جذورها أكثر، من خلال أداتها في الحوكمة «الإسلامية»- حكومة الإنقاذ – العاملة في محافظة إدلب، وأخذ زعيم جبهة النصرة ثمّ وريثتها – أبو محمد الجولاني- يعمل بانتظام على تحسين صورته و»تمدينها»، وعلى تطوير حكومته بشكل يقلّد الحكومات والدول، ويستدعي مثالها بشكل يكاد يكون هزلياً، لكنه يثبت نجاحاً أكثر ثباتاً من حكومة الائتلاف المؤقتة… كان يقيم دويلته في إدلب، ولكن عينه بقيت على بقية شمال غرب سوريا، في منطقة عمليتي غصن الزيتون ودرع الفرات التركيتين. فشل الحكومة المؤقتة جزء من فشل الائتلاف نفسه، الذي غرق في حالة الارتهان التي يعيشها عاجزاً عن الاستقلال بقراره – بعضه على الأقل، أو نسبياً- لفرض احترامه ولو قليلاً، ومتراجعاً في حقيقة تمثيله باطّرادٍ مع خلافاته والتوجه نحو حلّها بالبتر، أو الانسحاب يوماً بعد يوم، من دون إجراء مراجعة حقيقية صغيرة أو كبيرة، اللهم إلّا ببعض التلطيفات الشكلية التي تكشف العيب أكثر من أن تصلحه. فشل ما سمي بالجيش الوطني طبيعي بدوره، بعد أن تحوّل معظمه إلى مجموعات يقودها أمراء حرب، تعيش على الابتزاز ومكوس العبور وفرض الأتاوات والتهريب، وأحياناً تجارة المخدّرات والسلاح. لم تفلح كل «مراجعات» إعادة التنظيم والتوحيد في رتق الفتق ذاك، بل زادته، حين أدخلت موضوع استخدام تلك الوحدات في عمليات بعيدة جغرافياً – مقابل رواتب ومكافآت مغرية للمحتاجين أو الطامعين – كان حتماً أن تبعد تلك القوى عن أصولها «الثورية» أكثر مما ابتعدت بأيديها وأقدامها، وكان حتماً أيضاً ابتلاع الإهانة التي تتضمنها كلمة الارتزاق. تطوّر هذا الفشل وذاك تحت أعين ومراقبة الحكومة الداعمة، وتلك مسؤولية لا تلغيها مسؤولية الائتلاف الوطني الضعيف. فللارتهان طرفان، واحد حبس نفسه داخل حلقته الشيطانية والثاني يرعاها من خارجها ويرمي لها بوسائل الاستمرار بالحياة عند الحد الأدنى. لنعترف أيضاً بأن للدول مصالحها التي لا تستجيب للمبادئ والأيديولوجيات إلا بشكل عابر ومؤقت وجزئي، لا يلبث أن يخضع بدوره لتأثير المصالح وفعلها.

هنالك مصلحة «الأمن القومي»، التي ترى أولاً في الكرد خلف الحدود الرسمية خطراً قابلاً للانتقال والتأثير داخل تلك الحدود. ولا ترى حلاً دائماً كما يبدو إلّا في تغيير ذلك النسيج الاجتماعي في النهاية، الأمر الذي حدث بالفعل وإلى حدٍّ واضح في منطقة عفرين، حيث حلّ مهجّرو المحافظات الأخرى على مراحل تسويات مختلفة رعتها أطراف أستانة، محلَّ من هاجر عند تقدّم عملية غصن الزيتون على سبيل المثال. حدث ذلك أيضاً في منطقة عملية «نبع السلام» في الشمال الشرقي، بحدود أقل. ترى تلك المصلحة ثانياً أن الأمن ينبغي أن يستتب وراء الحدود، وتمّ تجريب مجموعات «الجيش الوطني» في ذلك، إضافة إلى تجريب إدارة الحكومة المؤقتة، ولم تفلح تلك التجارب.. في حين يلمع بريق تجربة إعادة تأهيل هيئة تحرير الشام، ويرى تفوّقاً لحكومتها على الأخرى في الثبات والاستقرار. لا يقف ذلك الخيار المحتمل أمام سبب وإمكانية إعادة التأهيل والتفوّق، وهو مركزية القوة الحاسمة، وعمى التخلّف والتطرّف وصلابته الإرهابية، ولا يعتبر أن ذلك ضروري أيضاً.

لقد نصّ الاتفاق بين الفيلق الثالث وهيئة تحرير الشام؛ الذي جرى بمراقبة أو رعاية تركية، استكملته كما يبدو بطلبات مباشرة؛ على ما بدا توقفاً للتمدد باتّجاه أعزاز، حدث إثره مباشرة كذلك انسحاب لوحدات الهيئة العسكرية من عفرين، مع إبقائها داخل المدينة لعناصر أمن وإدارة جديدتين. وكان الجولاني قد قال قبل ذلك التطوّر إن حكومة واحدة ستكون جاهزة قريباً، حين «تنتهي فترة الحكومة المؤقتة». وجاء التفسير لاحقاً! خلف مصلحة الأمن القومي التي يمكن تفهّمها إلى هذا الحدّ أو ذاك، هنالك المصلحة الأكثر حسماً، في الانتخابات التركية المقبلة بعد أشهر، ومخاطرها الداهمة والمحتملة. هنا تحتاج حكومة حزب العدالة والتنمية إلى إبطال مفعول مسألة اللاجئين، بالحدّ الأقصى الممكن، وكانت قد ابتدأت بمشروع إسكان مؤقت قابل للاستدامة في مرحلة أخرى، لا يبدو أنه قد أعطى نتائجه المرجوة حتى الآن، مع احتمال ظهور جديد وبراق له قبل موعد الانتخابات. في ذلك كلّه، يبقى مشروع» المنطقة الآمنة» مطروحاً، ويستكمل عدّته وتجاربه.

ليس مؤكداً بعد، وليس سهلاً تأكيده لاحقاً، أن إعادة تأهيل هيئة تحرير الشام بقيادة الجولاني وحكومة الإنقاذ التي يعمل على تطويرها بدوره، هو جزء من تلك التجربة في مناطق غصن الزيتون ودرع الفرات وإدلب. يمكن لذلك أن يؤمّن بنية» سنّية» جاسئة وراء الحدود وبعيداً عنها قليلاً، قابلة للاستمرار وللتحكّم في الوقت نفسه. غير معروف أيضاً ردّ فعل أطراف أستانة الأخرى بعد على ذلك، مع احتمال جانبي بأن يجري- أو جرى – شراء الموافقة بتنفيذ ما يتعلّق بفتح طريق اللاذقية حلب، وتقدّم النظام نحوه بقيادة روسية. قد تكون إشارات إعادة بناء العلاقات التركية مع حكومة بشار الأسد جزءاً من هذا المسار الطارئ..

ما هو معروف وأكيد أن السوريين سيدخلون في حالة إحباط جديدة، أكثر بعداً عن أفق استعادة بلدهم موحّداً، وبناء دولة فيه قابلة للعيش والسكن، لها مستقبل وملامح تشبه الدولة الحديثة المتعارف عليها.

كاتب سوري

القدس العربي

———————————

هل يستثمر السوريون الانتفاضة الإيرانية والحرب الأوكرانية؟/ عمار ديوب

شكّل التعثر الروسي في الحرب ضد أوكرانيا فرصةً ثمينة للسوريين، كي يتوقفوا عن السير في مسارات روسيا التي بدأت مع التدخل الروسي في سورية 2015؛ ودفعَ التعثر ذاك روسيا إلى سحب منظومات للدفاع الجوي وقادة وجنود، ونقلوا قوات من هناك إلى جبهات أوكرانيا. منذ منتصف الشهر الماضي (سبتمبر/ أيلول) بدأت انتفاضة واسعة في إيران، وما تزال تتفاعل، وتتوسّع في مدنها، وهذا يضعف إيران إقليمياً، وفي سورية خصوصاً، حيث كانت قد ملأت الفراغ الروسي. هناك حاليا فراغان، روسي وإيراني، وإن لم يبدأ بعد تأثير نتائج الانتفاضة على الوجود الإيراني في سورية والمنطقة، والبدء بالانسحاب. لن نناقش خطورة ثلاثة مشاريع جديدة، تقدّمت بها الأردن وتركيا، وكذلك أميركا وأوروبا المنشغلتان في أوكرانيا، وتريد الأخيرتان تفعيل مسار الخطوة خطوة عبر مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سورية، بيدرسون. وتتحرك هذه المشاريع ضمن مسار المصالحة بين المعارضة والنظام، وهو ما يرفضه الأخير، واضطرّت المعارضة، التي وافقت على مسار روسيا التفريطي بحقوق السوريين، على رفض هذه المشاريع، ولنقل لا تقوى على الموافقة عليها علنا، بسبب الرفض الشعبي الواسع لها.

دخلت الحرب الروسية، أخيراً، في مرحلةٍ خطيرة، سيما بعد ضم بوتين المناطق الأوكرانية الأربع، وتفجير جسر القرم، والتهديد بالنووي، وبنقل الحرب من عملية عسكرية جزئية إلى حرب شاملة. وفي الضفة المعاكسة، هناك الرفض الأميركي والأوروبي للتصعيد الروسي، والاستمرار بمدّ أوكرانيا بالسلاح. هذه التطورات، وكما سلف أعلاه، تقول إنّ طرفي الصراع في أوكرانيا لا يضعان سورية على طاولة التفاوض، وإنْ كانا يميلان إلى اتفاقٍ قديم، ينطلق من بقاء النظام، وضرورة إجبار المعارضة على المصالحة معه، وإجباره أيضاً على تقديم بعض التنازلات، وهذا دونه ألف تعقيد، بدءاً برفض النظام لأيّ إصلاح فيه.

تؤكّد الفقرة السابقة الضعف الروسي الشديد، وعدم قدرة موسكو على فتح معارك واسعة في سورية من جديد، وإيران ليست قادرة على تعويض النقص والضعف هذا، سيما أنّ المشاريع الثلاثة أعلاه لا تأتي على هوى إيران، ومبادرة الأردن في بعض أوجهها ضد الوجود الإيراني في سورية. ويعطي هذا الضعف فرصة قوية لاستعادة تنشيط الوضع السوري عبر السوريين، سيما أنّ أوضاع المناطق تحت سيطرة النظام في أسوأ أحوالها، نظراً إلى الأزمات العميقة التي تعانيها، اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً، وبخصوص أزمة السلطة، فهي تتفاعل ضمن اتجاهاتٍ متعدّدة في السلطة، وهناك تآكل ثقة المؤيدين لها بفعل عدم قدرة السلطة على تلبية أي احتياجات للمواطنين، وتتالي انهيار العملة السورية، وبالتالي، انهيار أوضاع السكان بشكل كامل.

ما يُضعف قدرة السوريين على استثمار تلك الفرص سيطرة تركيا على الفصائل، وعلى مناطق هيئة تحرير الشام، والائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية ومؤسسته في أسوأ أحوالها. أصبحت الفصائل هذه عرضة للنهب وللقمع وللاغتيال وللجباية، وتنفيذ ما تريده تركيا منها، والأخيرة وبسبب الانتخابات المقبلة فيها، تسعى نحو التطبيع مع النظام، وبالتالي، تُغلق الفرص التي فتحتها جبهات أوكرانيا والانتفاضة الإيرانية للسوريين. لم تتوقف هيئة تحرير الشام، منذ سنوات، عن تسويق نفسها أمام روسيا والنظام وأميركا، ولهذا تفتح المعابر مع النظام، وتقمع المتظاهرين، وتُشيد نظاماً أمنياً بامتياز، وتخضع بدورها للمشيئة التركية، وتقمع المواطنين عن التعبير عن رفضهم سياساتها أو لفتح المعابر أو “المصالحة” مع النظام، وهذا ما يجري فعلياً عبر المعابر والامتناع عن فتح الجبهات.

تتحرك قوات سوريا الديمقراطية (قسد) بأفقٍ وحيد، ينطلق من التصالح مع النظام، بدفعٍ أميركي وروسي، ويشكل هذا الدفع خيارها الوحيد لتتفادى حربٍ مع تركيا، وتخسر كل شيء بموجبه. غياب أية مشتركات بينها وبين الفصائل أو الائتلاف الوطني، يساهم في ضعف كل هذه الأطراف أمام تركيا وروسيا وأميركا، وبالتأكيد النظام السوري.

ليست مشكلة السوريين فقط في النظام وقوى الأمر الواقع، وربما بسببها كذلك، تنعدم كل أشكال الفعل المجتمعي، والقوى السياسية البديلة، وتضعف قوة الشعب لاستثمار الفرص، الروسية والإيرانية. وبالتالي، لا يمتلك الشعب في المناطق السورية الأربع أية قدرات مستقلة على إنشاء تحالفات أو قوى مجتمعية منظمة، تساهم في تغيير الوضع المتأزّم بشدة.

شكّلت الحرب الروسية على أوكرانيا واقعاً عالمياً جديداً، ويبدأ من أزماتٍ كبرى في الطاقة والغذاء، وربما تندلع حروب جديدة هنا وهناك. وتتفاعل هذه الأزمات وتنتج انتفاضات جديدة، كما الحال في إيران، وخطورة الوضع بين تركيا واليونان واستمرار الأوضاع برداءتها في كل من لبنان والعراق واليمن، وبالتالي، ليس هناك تفكير دولي بإيقاف الحروب والأزمات، والانتقال إلى التفاوض لحل هذه المشكلات؛ فالأزمة الأوكرانية تتفاقم يومياً، ومثلها السورية، والآن الوضع الإيراني مرشّح للمزيد من التوتر، ولن نتحدث عن الخطر النووي، وهو موضوع نقاش دولي واسع، وفي حال لجأت روسيا إليه، فسيعني تأزماً دولياً أكبر.

عربياً، ليست هناك استجابة لهذه الفرص، أقصد ليس هناك توافقات عربية عربية تنهي ملفات كل من سورية واليمن وليبيا والسودان والعراق. الدول العربية متضاربة في سياساتها، والأخيرة مثقلة بقضاياها الداخلية، أو بالضعف الشديد إزاء الأزمات الدولية، وكذلك تجاه كلٍّ من إيران وتركيا وإسرائيل. لا يمتلك السوريون من أمرهم شئياً كما يبدو، ولم يعد النقاش السياسي عن أوضاعهم مفيداً إن تجاهل الأوضاع الراهنة، وأقصد إن ظل يدور في ثنائية النظام والمعارضة، أو الانقسامات الطائفية والقومية أو انتظار الحلول الدولية. ويعاني النظام السوري تأزماً شديداً، فهو غير قادر على مواجهة أية أزمة يعانيها الشعب، ويمعن في خياراته العسكرية والأمنية، وفي التبعية لكل من إيران وروسيا؛ ضعفه وأزماته سبب هذه التبعية، وهذا ما لا تغيير فيه حاليا. المعارضة والفصائل خاضعة وتابعة ومفكّكة، ولا تشكل بديلاً عن النظام.

رغم كارثية الوضع العام للشعب السوري، وقد أشير إلى بعضها، سيظلّ تزايد الأزمات العالمية والإقليمية، ولا سيما في إيران، يتيح فرصاً ثمينة للتحرّك وطنياً، وطرح مشروع وطني، يتجاوز النظام والمعارضة المأزومين، ومنذ 2011، وبما يستجيب لحاجة السوريين إلى وطنٍ جامع لهم، والوصول إلى حقوقهم المتعدّدة، وبدءاً من تأمين فرص العمل والنهوض الاقتصادي، وليس انتهاء بنظامٍ ديمقراطي، يحقّق مصالح السوريين في العدالة الاجتماعية والحرّيات العامة.

العربي الجديد

————————–

تركيا وقوى السيطرة في شمال غربي سوريا!/ فايز سارة

يعتقد البعض أن اندلاع الاشتباكات الأخيرة في مناطق الشمال الغربي من سوريا، والمعروفة باسم مناطق السيطرة التركية، كان سببه اغتيال الناشط محمد أبو غنوم وزوجته في مدينة الباب شرق حلب، من قِبل مجموعة تتبع إحدى الجماعات المسلحة، وهو اعتقاد يتجاوز أسباباً جوهرية، تشكّل أساساً لانفجار الوضع في المنطقة، كان اغتيال أبو غنوم أحد أبسط مؤشراتها، حيث إن مناطق الشمال الغربي شهدت على مدار السنوات الأخيرة تفجيرات، واغتيال ناشطين وإعلاميين، وكوادر لعبوا أدواراً مهمة في تجارب فصائل «الجيش الحر»، من دون أن يؤدي أي منها إلى اندلاع مواجهات مسلحة واسعة، كما حصل أخيراً.

يرتبط انفجار الصراع الأخير، بما صارت إليه أوضاع الشمال الغربي من انسدادات سياسية في إجمالي القضية السورية وفي المنطقة، التي تدهورت أوضاعها الأمنية والاقتصادية – الاجتماعية بشكل غير مسبوق، كما يرتبط الانفجار بسياسة تركيا السورية وسعيها نحو ترتيب منطقة الشمال، من أجل تنفيذ خططها بإعادة مليون ونصف مليون سوري «طوعياً» من تركيا، وإدخال تعديلات على خطة تركيا في مواجهة «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) في شرق الفرات، بعد أن أصبحت عملية تركيا هناك طي النسيان.

تشمل منطقة شمال غربي سوريا بشكل أساسي أجزاء كبيرة من محافظتي إدلب وحلب، ويسكن فيها أكثر من أربعة ملايين نسمة موزعين بين أهالي المنطقة، والوافدين من محافظات أخرى، ومهجري التسويات من محافظات الوسط والجنوب، وتتوزع السيطرة في المنطقة بين جماعات حليفة ومقربة من تركيا، إضافة إلى وجود عسكري تركي مباشر، والقسم الرئيسي من الجماعات المسلحة منتظم في تحالف شكلي باسم «الجيش الوطني»، يتبع اسمياً وزارة دفاع الحكومة السورية المؤقتة التابعة للائتلاف السوري، وتشكّل «هيئة تحرير الشام» ذات الارتباط الآيديولوجي بتنظيم «القاعدة» قوة السيطرة الرئيسية في المنطقة، سواء من خلال ميليشياتها، أو من خلال حكومة «الإنقاذ» التابعة لها، وأدى التركيب المعقد للمنطقة مع عوامل أخرى إلى تحولات في واقع المنطقة وحياة سكانها.

ففي المستوى السياسي، لا تملك المنطقة أي مشروع سياسي، حيث الائتلاف وحكومته، ومثلهما التشكيلات المسلحة، يعتاشون على الواقع اليومي، فيما تقف عوامل موضوعية قوية وكثيرة في مواجهة مشروع «هيئة تحرير الشام»؛ إقامة دولة إسلامية. وخلافاً لذلك، فإن نظام الأسد لديه مشروع إعادة كل سوريا إلى سيطرته، وقوات «قسد» تسعى إلى تعميم مشروع الإدارة الذاتية في عموم سوريا.

وبسبب غياب المشروع السياسي في الشمال الغربي، أو استحالة فكرته، كان من الطبيعي أن يتركز جهد قوى السيطرة المباشرة هناك (وخاصة الجماعات المسلحة) في الصراع على النفوذ والموارد، والأهم في الأخيرة إمساك المعابر المفتوحة نحو الجوار، ويمتد حبل الموارد، حيث يشمل ممارسة أنشطة غير شرعية، فيها فساد واستغلال نفوذ ومناصب، وفرض خاوات، واستيلاء على ممتلكات الأهالي، و«تعفيش» مواسم زراعية، ورعاية تجارة المخدرات.

وفي المستوى الاقتصادي والاجتماعي، فإن الأوضاع ازدادت تدهوراً في ظل غياب أو انخفاض الاهتمام بالتنمية الاقتصادية – الاجتماعية، وغياب الاهتمام بالقطاعات الإنتاجية، نتيجة عوامل متعددة، أولها غياب الاستقرار السياسي والأمني، وتواصل أخطار القصف من جانب النظام وحلفائه، أو من جانب ميليشيات «قسد»، وكلها عوامل لا تشجع أصحاب المال ورواد الأعمال على الاستثمار والعمل في ظل نقص الخبرات المحلية التي هاجر كثير منها، وعدم توفر المواد الأولية المحلية، فيما أسعار المواد المستوردة من تركيا مرتفعة.

وساعد وجود التشكيلات المسلحة والبنى التابعة لها، ووظائف الإدارات الحكومية والمدنية، في توجّه القوى العاملة للانخراط في أعمال الإدارة، بدل الذهاب نحو القطاعات الإنتاجية المتعبة، أو إقامة مشاريع خاصة غير مضمونة النتائج، كما شجّع نشاط الجمعيات المدنية والإغاثية على توجّه كثيرين إلى قطاع الخدمات، ودفع أوساطاً من السكان للامتناع عن العمل، والاعتماد على المساعدات لتلبية احتياجات أسرهم المعيشية.

وأدى ما سبق، وظروف أخرى، إلى تزايد صعوبات الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وتنامي الظواهر السلبية؛ من بطالة وفقدان الأمل، وانتشار المخدرات، بالتزامن مع الغلاء وانخفاض قيمة العملة السورية، ثم التركية، التي جرى التحول إلى استخدامها. وبالنتيجة، فإن الفقر صار ظاهرة أكثر شيوعاً في المنطقة، حيث إن أكثر من تسعين في المائة من السكان موصوفون بالفقر، حسب أرقام المصادر الدولية.

إن تدهور حياة سكان الشمال الغربي، يتجاوز المؤشرات السابقة نحو دلالات أخرى عميقة التأثير، منها شيوع الفساد، وتردي مستويات المسؤولية العامة، وتوسع نفوذ المؤسسات العسكرية – الأمنية والعاملين فيها، وشيوع استعدادهم لفتح معارك وصراعات بينية لأتفه الأسباب، وتراجع التعليم وتردي نوعيته، ومحدودية الخدمات الصحية وانخفاض مستوياتها، وغياب القانون والمحاكم التي تعمل به، وشيوع المحاكم الشرعية التي تماثل المحاكم الاستثنائية لدى نظام الأسد، في اعتمادها على قدرة وتوجهات القائمين عليها، وليس على نص قانوني محكم.

واقع الحال في شمال غربي سوريا يعيد إلى الأذهان صور المناطق المحاصرة في التجربة السورية، ولا سيما غوطة دمشق، التي كان النظام يحاصرها من كل الاتجاهات، لكن جماعاتها المسلحة لم تكن تتوقف عن خوض الصراعات البينية، وأكبرها «جيش الإسلام» الطامح نحو بناء دولة إسلامية، تخضع في الطريق إليها كل الجماعات المختلفة المسلحة والمدنية، ولم يكن يتأخر عن قتل واعتقال وخطف الناشطين الذين يعارضونه، مهما كانت حدود معارضتهم.

وضع الشمال الغربي يقارب حالة الغوطة في ظل الحصار؛ إذ إنه محاط بمنطقتين معاديتين: أولاهما منطقة سيطرة نظام الأسد وحلفائه الروس والإيرانيين وميليشياتهم، وقوات «قسد» من جهة أخرى، وهي المصنفة من جانب الأتراك والجماعات الحليفة باعتبارها عدواً، كما هو حال مناطق النظام، لا يمكن المرور إليها أو عبرها. وتمثل تركيا الجار الثالث للمنطقة، وهي تمنع على طول حدودها سكان الشمال الغربي من العبور إلى أراضيها، بل تعمل على خطط هدفها ترحيل سوريين من المقيمين فيها إلى المنطقة.

الأهم في وضع الشمال الغربي، أنه رغم العلاقات الوثيقة التي تربط المسيطرين بقوة الأمر الواقع مع تركيا، فإن بينهم صراعاً عميقاً، يحاول كل منهم كسبه بكل وسيلة، وأكثرهم سعياً «هيئة تحرير الشام»، التي حافظت على وجودها وتمددت، ودمرت على مدى سنوات جماعات من «الجيش الحر»، مثل «جبهة ثوار سوريا»، وابتلعت أخرى من جماعات إسلامية، بينها «أحرار الشام»، وسعت في الاشتباكات الأخيرة إلى ابتلاع «الجبهة الشامية»، واحتلت عفرين، ليس فقط رغبة في التمدد والانتشار، بل لتثبت للأتراك أنها أقوى وأفضل من القوى الأخرى، وأنها شريك يمكن الاعتماد عليه، ليس فقط في فرض سيطرتها على المنطقة، بل أيضاً بما يمكن أن تلعبه من أدوار محتملة في تطورات القضية السورية، وصراع تركيا مع «قسد»، وكلها أمور تحوز رضا أنقرة، التي أعيتها مشكلات حلفائها الضعفاء من «حمزات» و«عمشات» وغيرهم في الشمال الغربي.

ما جرى مجرد بروفة أخيرة بانتظار أن تقرر تركيا كيف تتطور الأمور هناك في المرحلة المقبلة!

الشرق الأوسط

—————————–

مناطق محررة.. حقاً؟ كيف؟/ عمر قدور

من الطرائف التي أثارها مؤخراً اقتتال الفصائل في الشمال السوري ذلك الكلام عن خطر الجولاني على ثوار تلك المناطق “المحرَّرة”، أو الدفاع عن الفصائل التي استهدفها انطلاقاً من كونها تمثّل الثورة. وإذ يمكن فهم هذا الدفاع وفق حسابات سياسية، لا تتعدى من وجهة النظر هذه المفاضلة بين الأسوأ والأقل سوءاً، فإن حشر الدفاع في خانة الدفاع عن الثورة يفسده ويجعله كاريكاتورياً، مثلما يفسد بأثر رجعي ما يمكن اعتباره فهماً سورياً مشتركاً للثورة، وإن يكن فضفاضاً جداً.

يجوز اعتبار المناطق المعنية مناطق محرَّرة فقط، وفقط بالتأكيد، بوصفها مناطق محرَّرة من سيطرة الأسد. هذه صيغة مبسَّطة للقول أن كونها محرَّرة من الأسد لا يعني إطلاقاً أن تسود الحرية فيها، فثقافة التحرر السائدة في المنطقة موجَّهة ضد الأجنبي، رغم رحيل الاستعمار الذي نشأت بوجوده، وهي ثقافة عديمة الحساسية إزاء قضايا الحريات، بل هي تماماً على الضد من الحريات العامة. كانت تجربة المناطق المحررة قد ترافقت مع النظر إلى الأسد كمحتل، وكخارجي عن السوريين؛ هذا التوجه مع تبعاته خارج سياق نقاشنا الحالي.

على ذلك، ينبغي التمييز جيداً بين الانحياز إلى المناطق المحررة كموقف ضمن معركة محددة ومحدودة وبين الانحياز إليها بوصفها امتداداً للثورة، فأصحاب الانحياز الثاني منهما هم سُذَّج أو متكاسلون عن التفكير في أحسن الظنون، أو مستفيدون على وجه ما من استمرار هذا الالتباس. مع هؤلاء يصحّ التساؤل الخبيث عما يجعل معظمهم يعيش خارج سوريا إذا كانت تلك المناطق تجسّد ثورتهم؟

حتى ضمن منظار حرب التحرير، بات معلوماً أن سقف الطموحات الحالي يتوقف عند عدم العودة إلى سيطرة الأسد، مع مخاوف تتصاعد من تغير في توجهات الراعي التركي. أي أن هدف التحرير “بالكفاح المسلح” غير قائم، وقد أُسدل عليه الستار رسمياً منذ التدخل الروسي، ثم التفاهمات الروسية-التركية، وكلها أحداث بمباركة أمريكية. الترويج للضعف الحالي المزري بوصفه عارضاً سيزول بفعل التناقضات الدولية عمره سنوات أيضاً، ولم يتعدَّ يوماً عتبة الأمنيات، يسوّقها حالمون لحالمين آخرين في أحسن ظن.

ما نريد قوله، والتأكيد عليه، أن في وسع أيّ منا اتخاذ موقف منحاز لبقاء هذه المناطق محرَّرة من الأسد، من دون نطق كلمة ثورة وثوّار وما إلى ذلك. في وسع أيّ كان اتخاذ هذا الموقف وهو ينتقد بشدة كافة الفصائل المسيطرة فيها، ويعتبرها متسلطة ومستبدة أيضاً، فلا يكون دفاعه عن الوضع الحالي دفاعاً عن انتهاكاتها، ولا يكون تالياً في موقع مضاد للسكان الذين يعانون منها.

عطفاً على ذلك، لن يكون أخلاقياً الترويج لصورة مثالية عن الأهالي هناك، من نوع الإشارة إليهم كثوّار يعيشون على شعارات هم في الواقع أكثر من يعرف مقدار ما أُجبروا على الابتعاد عنها. لا يستوي اختزال هؤلاء إلى ثوار صامدين، ثم اختزالهم إلى محتاجين إلى الإغاثة. فنحن نعلم أن نسبة كبيرة منهم صامدة لأنها تفضّل أي خيار على خيار العودة إلى الأسد، وهناك نسبة صامدة لأن لا حدود مفتوحة أمامها لمغادرة الأراضي السورية، وقلة منهم مستفيدة من اقتصاد الحرب، ومن متاجرتها مع آخرين باسم الثورة.

إن أقصى هدف من الواقع الحالي مبني على أن الدول المعنية بالشأن السوري متفقة على عدم تقسيم سوريا، وغير متفقة حالياً على إعادة توحيدها لعدم اتفاقها على أسس التوحيد، فضلاً عن خلافاتها الأخرى إقليمياً ودولياً. ما هو مفروغ منه أن الأسد مستعد للتخلي عن كافة المناطق المحررة منه، وتلك التي تحت سيطرة قسد، إذا كان الاتفاق على توحيد سوريا يتضمن تنحيته، وقد يكون هذا هو حال أمراء حرب في المناطق الأخرى.

إذاً، المأمول من الوضع الحالي أن يضغط على حلفاء الأسد، وأن يجدوا في توحيد سوريا صفقة مجزية أكثر من التمسك به على هذا النحو. الأمل الوحيد المتاح هي صفقة دولية تنحّي عن مستقبل سوريا أسوأ أمراء الحرب، وتخالف تجارب انتهت بتوافق الخارج مع أمراء الحرب على تقاسمهم السلطة. هنا حسابات واضحة جداً، لا تتغذى على الأحلام ولا تغذّيها، والأهم أنها لا تخدم أمراء الحرب.

نفترض أن هناك مساحة للعديد من المواقف ضمن السياسة، مواقف لا تخلط بين الواقع الحالي والثورة التي انطلقت بمبادئ ومطالب مغايرة تماماً لما يريده مقاتلو الفصائل الذين يوصفون بالثوار. لسنا بهذا نصنع صنماً مقدَّساً للثورة نفسها، فالذين يصنعون الصنم هم بالأحرى الذين يعزّ عليهم لسبب أو لآخر الاعتراف بانقضاء زمنها، ولو تطلب ذلك منهم إلصاق كافة الموبقات بها بوصفها مجرد أخطاء صغيرة تعترض مسيرة كافة الثورات.

في السياسة أيضاً، نستطيع أن نكون مع بقاء الإدارة الذاتية “الكردية”، من دون أن يعتبر الموقف انحيازاً إلى قسد، ومن دون أن يمنع أي نقد لها مهما بلغت شدته أو جذريته. هذا الموقف، بخلاف الاصطفافات السائدة، مكمِّل لموقف ينحاز إلى بقاء أكبر ما يمكن من المساحات خارج سيطرة الأسد من أجل الضغط على داعميه، وأقصى ممكناته الأخلاقية أن يتلازم مع نقد ينحاز لعموم السكان تجاه سلطات الأمر الواقع.

السائد هو خارج المنطق إذ يقف أنصار “ثوار” المناطق المحررة ضد قسد بالمطلق، ولا تمانع أكثريتهم تقاسم مناطق قسد مع قوات الأسد في حال سحبت واشنطن مظلتها. أبعد من ذلك، تتماهى هذه الأكثرية مع المطالب التركية بسحب القوات الأمريكية من سوريا، مع أن بقاء الأخيرة فيه الضغط الأقوى على حلفاء الأسد للقبول يوماً بتسوية قد تتضمن الحد الأدنى من مطالب السوريين. نظرة أنصار قسد، والأكراد عموماً، إلى تلك الفصائل وأنصارها ليست أحسن حالاً، رغم أن وجود مناطق خارج سيطرة الأسد يخدم بقاء قسد خارج مطامعه وأولوياته، ومخاوف أهالي تلك المناطق من تقارب تركي مع الأسد لا تخصهم فقط، بما أن السياسة التركية الجديدة تُسوَّق كتوجّه يخدم الأمن القومي ويستهدف الأكراد أساساً.

من وجوه الكارثة السورية أن نقاشاً بسيطاً كهذا، حول المناطق المحررة وآفاقها، كان ينبغي حدوثه قبل سنوات. لكن وجهاً آخر للكارثة يهوِّن من الوجه الأول، هو أنه لا داعي لمثل هذا النقاش من وجهة نظر أصحاب الأصوات العالية، أولئك الذين عثروا على الإجابة السحرية الشافية، والمربحة، في كلمة “ثورة”

المدني

———————————

هل نستخف بالتصنيف على قوائم الإرهاب؟/ حسام جزماتي

أعادت غزوة هيئة تحرير الشام على مدينة عفرين ومناطق أخرى في الشمال السوري تقع ضمن سيطرة فصائل من الجيش الوطني، طرح مسألة تصنيف الهيئة على قوائم الإرهاب لدى العديد من الدول وفي قائمتها الأمم المتحدة.

تحت صليل البنادق دفعت الهيئة خصومها إلى تناسي الأمر والتوقيع على اتفاق يتيح لها إدارة المناطق المحررة، بما فيها أراضي “غصن الزيتون” و”درع الفرات” اللتين تحكمهما، جزئياً، الحكومة السورية المؤقتة التابعة للائتلاف، وتتسمان بحضور كبير للنفوذ التركي.

وإثر توقيع الاتفاق، الذي لم يعمّر طويلاً، مع الفيلق الثالث؛ سارع خصوم تقليديون للهيئة إلى التحذير من خطر تمددها الذي سيصبغ المنطقة بالإرهاب، ولم تتأخر الطائرات الروسية عن تأكيد ذلك حين قصفت في هذه المناطق التي كانت مشمولة بالهدنة الموقعة بين تركيا وروسيا.

غصّت الهيئة لفقدان الغنيمة التي انتزعتها على حين غرة عسكرية وتفاوضية. فبادر أبو ماريا القحطاني العراقي، أحد أبرز قادتها والذي ظهر على يمين الجولاني في الصورة التي التقطت أثناء الاتفاق، ليكتب على قناته في تلغرام إن “شماعة التصنيف لم يعد لها معنى في ظل الظروف التي يعيشها العالم، مفاهيم تغيرت عند دول وشعوب ولكن البعض يصر أن يطنطن حول موضوع التصنيف بسبب ضعف حجته”.

ليتبعه مظهر الويس، الرجل المحشو بالمناصب؛ ومنها شرعي الجناح العسكري والمشرف من الهيئة على وزارة العدل في حكومة الإنقاذ، فيغرّد: “إدلب الخضراء خضراء بأهلها وشعبها وثوارها ومجاهديها، وستبقى خضراء بإذن الله موئلاً للصادقين وحضناً للأحرار، ولن يضير هذه اللوحة الجميلة تصنيفات سوداء من نفوس سودها الحقد بالسواد”.

وإذا كانت تغريدة الويس أقرب إلى الشعر الرديء الذي يحلو له نظمه في أوقات فراغه القليلة، فإن أبا ماريا، الذي يصفه عارفوه بالمكر، يحاول أن يوحي لقارئيه، داخل الهيئة وخارجها، أن شيئاً ما قد تغير أو على وشك التغير في هذا الملف، مستغلاً جهل الجمهور بآليات التصنيف وظنهم أنه مجرد أوامر سياسية عليا بطريقة “هيك بدو المعلم”!

في تموز الماضي كتب هارون زيلين، المختص بالجهاديين والزميل في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، مقالاً بعنوان “لماذا من الصعب للغاية الشطب من قائمة الإرهاب؟

“، أشار فيه إلى محاولة هيئة تحرير الشام شطب اسمها من القوائم. مبيّناً أنه على الرغم من انفصال الهيئة عن جماعتها الأم، دولة العراق الإسلامية (داعش لاحقاً)، وعن تنظيم القاعدة الذي لجأت إليه بين عامي 2013 و2016، فإنها ما تزال تحتفظ بآراء متطرفة وتعمل كنظام استبدادي في المناطق التي تسيطر عليها.

وفي استعراض لخمس جماعات جهادية تم شطبها من القائمة منذ أحداث 11 أيلول/ سبتمبر، فإن أياً من هذه الجماعات لم تكن قائمة عند شطبها، ولم تُشطب جماعة جهادية تواصل عملياتها النشطة، وهناك عدد من الجماعات الجهادية ما تزال في القائمة رغم أنها لم تعد موجودة. هذا في ما يخص قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية الصادرة عن وزارة الخارجية الأميركية فقط، لتبقى قائمة الإرهابيين العالميين التابعة لوزارة الخزانة الأميركية، والتي أُدرجت فيها الهيئة جماعة وقيادتها كأفراد. فضلاً عن قائمة الأمم المتحدة للإرهاب، والتي تضع هيئة تحرير الشام تحت العقوبات، وأميركا ملزَمة قانوناً باتباع قائمة الأمم المتحدة. دون الدخول في التعقيدات القانونية للدول الأخرى التي صنّفت الهيئة في قوائمها الخاصة بالمنظمات الإرهابية.

تمدد الهيئة خطر جدي إذاً. ليس مجرد “طنطنة” وفق التعبير الطربي لأبي ماريا، ولا نفوساً خضراء وسوداء كما قالت لوحة الويس الساذجة. بل نتائج لن تتأخر في الحلول على المنطقة؛ قصفاً، وتعقيداً لعمل المنظمات الإنسانية الدولية ولآلية إدخال المساعدات عبر الحدود ولتشجيع الاستثمار، وحتى لعودة اللاجئين الطوعية التي تراهن عليها تركيا. فضلاً عما قد يطول شركاء الهيئة وحلفاءها العسكريين ومموليها، أفراداً وفصائل، من إصابة بـ”عدوى التصنيف”.

لكن اللافت أن قليلاً من سكّان الشمال يأبهون لهذا بعد كل ما عانوه من خذلان يحمّلون المجتمع الدولي مسؤوليته، بل إن نزعة المروق عن قوانين هذا “العالم” وتحدي ورقياته تبدو أقرب إلى مزاجهم الرافض الذي عانى طويلاً دون أن يحصل على ما يستحق من عدالة. مما يحيل إلى أن المواقف العدمية والمستهترة لن تزول إلا بحل نهائي للمسألة السورية.

كما يجدر أن نتذكر هنا أن السوريين لم يقطعوا تماماً مع خردة الثقافة السياسية لحزب البعث. ومنها القناعة أن الولايات المتحدة وحلفاءها الأوروبيين يُدخلون من شاؤوا في قوائم الإرهاب ويُخرجون من أرادوا وفق الاتجاهات السياسية والمصالح المتغيرة، دون اعتماد أنظمة دقيقة تضعها جهات حكومية مختصة بذلك. والتشكيك في المعايير الغربية للوصف بالإرهاب، مما كان حافظ الأسد قد كرره مراراً داعياً إلى مؤتمر دولي لتعريف الإرهاب. وهو ما قاله أبو محمد الجولاني، زعيم هيئة تحرير الشام، للصحفي الأميركي مارتن سميث، في شباط 2021، حين سأله عن الأمر فأجاب: “هذا التصنيف جائر وهو تصنيف سياسي… يبدو أنه مسيّس… نحن نريد أن نناقش مسألة: ما تعريف الإرهاب؟”.

يستغل أنصار الهيئة حواراً كالذي جرى مع سميث، وأبحاثاً كتبها دارسون عن تغيّر نسبي في توجهات الهيئة، للإيحاء بأن الغرب يفتح معها “قنوات اتصال”. وكأن الصحفي الأميركي موظف في “الإخبارية السورية” أو أن الباحث الأوروبي مكلّف من فرع أمني يراجعه قبل سفره إلى إدلب ويزوده بتقرير إثر عودته.

والواقع أن قلة قليلة فقط من الباحثين الغربيين يدعون إلى ملاحظة التغيرات الجولانية، فيما يتمسك أكثر المعنيين بالشرق الأوسط في مراكز الأبحاث، وصنّاع السياسات حوله، بموقف حازم من الهيئة يدعو إلى حلها ومحاسبة قادتها في الوقت المناسب. وهو ما يعيه هؤلاء فيهربون إلى الأمام مجدداً كل مرة محاولين خلط أوراقهم بدفاتر الآخرين، متسترين بأهداف الاندماج ودعاوى وحدة الصف والشراكة في الساحة، ريثما يتصدروها ويسِموها بالإرهاب ويعمّموا ورطتهم الخاصة على الكل.

تلفزيون سوريا

—————————-

اجتياح الجولاني للشمال السوري أمانةٌ إيديولوجية وإخلاصٌ في المنهج/ العقيد عبد الجبار عكيدي

لم يكن جمهور الثورة من السوريين يحتاج إلى المزيد من الوقت ليدرك أن تمدد قوى التطرّف والإرهاب في الجغرافية السورية كان المدخل الأساس لتغلغل الخراب في أوصال الثورة، كما لا يحتاج المرء إلى المزيد من التفكير ليدرك أيضاً طبيعة الموقف العدائي الذي تضمره قوى التطرف الديني لفصائل الجيش الحر، ولعل هذا ما بدا واضحاً منذ بداية تمدد الجماعات الإسلامية في سوريا، حيث بدأت باستهداف الجيش الحر قبل استهدافها أو مواجهتها لقوات النظام الأسدي، ويمكن إرجاع عوامل العداء إلى أمور كثيرة، لعل أبرزها:

أولاً – لئن ارتبطت نشأة فصائل الجيش الحر بهدف الدفاع عن المتظاهرين السلميين في مجابهة آلة القتل الأسدية، ومع إيغال السلطة في العنف تحول الجيش الحر إلى قوة لردع توحّش النظام، ومن ثم محاصرته وتقويض نفوذه وتقليص مساحات سيطرته، وذلك نصرة لتطلعات السوريين الذين انتفضوا للتحرر من سلطة القهر والاستبداد، ومن ثم البدء بالتغيير نحو دولة الحرية والقانون والعدالة، إلّا أن الجماعات الدينية المتطرفة بمجملها لم تكن معنية بمسألة التحرر الوطني بالمطلق، بل هي لم تفارق في تفكيرها وسلوكها مرجعياتها (القاعدية) ذات المحتوى السلفي الجهادي، الذي يسعى إلى إقامة مشروعها العابر للأوطان والشعوب، والمتمثل بإقامة دولة الخلافة، وفقاً لحَمَلة هذا التوجه. فبواعث الصراع أو المواجهة بين الطرفين إنما تكمن في التناقض بين مشروعين، الأول وطني تحرري معني بحرية المواطن وكرامته وحقه في العيش الكريم، ويستمد مشروعيته من معطيات واقعية إنسانية، وبين مشروع إمبراطوري عقدي إقصائي عابر للأوطان والشعوب، يستمد مشروعيته من يقينيات لا تجد مصداقيتها إلا في أذهان ونفوس أصحابها.

ثانياً – القوى المتطرفة لا تقبل أي شكل من أشكال التوافق أو الشراكة، بل لا ترى في سلوكها وتصوراتها إلا الصوابية المطلقة، وما على الآخرين إلّا الانصياع لما تريد، ولعل هذا النمط الإقصائي من التفكير لم يكن ليستهدف فصائل الجيش الحر وحدها، بل يستهدف الجهات والقوى الإسلامية ذات التفكير المشترك بين بعضها البعض، فعلى سبيل المثال (داعش – النصرة – أحرار الشام –جند الأقصى- حراس الدين- أنصار الدين-وسواها الكثير) لا أحد يقبل بالآخر، وكلٌّ يعدُ ذاته مَن يقوم بأمر الله في الأرض.

ثالثا – غالباً ما كانت الإيديولوجيا الدينية هي الغطاء الأمثل لدى الجماعات المتطرفة لتمرير نزوعها الشديد نحو السيطرة وإحكام السطوة، من خلال استثمار شعارات محاربة المرتدين والمتعاملين مع الغرب الصليبي الكافر، لتتحول لاحقاً إلى محاربة الفساد وإنهاء الفوضى والقضاء على تجاوزات الفصائل الأخرى، بينما لم يجسّد سلوكها الحقيقي على أرض الواقع سوى مثالٍ على انتهاك فظيع لمجمل القيم والأعراف الإنسانية.

ومن هنا يمكن التأكيد على أن الاجتياح الذي قامت به هيئة تحرير الشام (النصرة سابقاً) لمناطق وبلدات الشمال السوري، مُستهدفةً مواقع وتموضعات الفيلق الثالث، لم يكن مباغتاً أو مفارقاً للنهج الذي مارسته وتمارسه قوى التطرف والإرهاب منذ أن بدأت بالتسرب إلى الجغرافيا السورية (أواخر العام 2011)، ولئن استطاع أبو محمد الجولاني استمالة بعض الفصائل ممّن تُنسب إلى الجيش الوطني، وتأليبها على خصومه، مُستغلّاً بنيتها الهشّة ونزوع قادتها نحو المكاسب الشخصية والآنية وافتقارهم إلى الوازع الوطني في الفكر والسلوك معاً، فإنه في الطرف المقابل، لم يكن الفيلق الثالث – من خلال سياقات المواجهة التي جرت – بالدرجة المطلوبة من المواجهة، أو على الأقل خذل الكثير من أنصاره وحاضنته الشعبية، وهذا ما يستدعي من قادة الفيلق- والشامية خاصة مراجعة حقيقية وشفافة والوقوف أمام أسئلة كثيرة يجب أن تطرحها وتجاوب عليها بموضوعية بعيدا عن الشعور بفائض القوة والتكبر، ومن تلك الأسئلة:

اولاً- لماذا لم تقف جميع فصائل الجيش الوطني مع الفيلق ضد هيئة تحرير الشام؟

ثانياً- ماذا كانت تنتظر تلك الفصائل من الفيلق حتى تنخرط بالقتال إلى جانبه ضد الهيئة؟

ثالثاً- لماذا زرع الدخول الأول للهيئة في تموز المنصرم إلى مناطق الفيلق قناعة لدى الجميع بعدم قدرة الفيلق الثالث على المواجهة؟ وما مدى تأثير هذه القناعة على تردد الفصائل بالبدء بقتال الهيئة؟

رابعاً- لماذا لم يدرك الفيلق الثالث خطورة تخليه عن كثير من الفصائل التي كان يمكن أن تكون رأس الحربة في قتال الهيئة مثل حركة نور الدين الزنكي وبعض المجموعات التي خرجت من حلب نهاية عام 2016 ولم يتم استيعابها من قبل الجبهة الشامية؟

خامساً- ألم يكن الفيلق الناطق بالمظلومية من وقوف الآخرين على الحياد ظالما بنأيه بنفسه حين ابتلعت جبهة النصرة فصائل (جبهة ثوار سوريا، حركة حزم، أحرار الشام، جيش المجاهدين، حركة الزنكي، تجمع فاستقم، جيش الإسلام).

ما هو مؤكّد، أن المقاربة الجدّية للتساؤلات السابقة ستفتح أبواباً كثيرة وواسعة لا يمكن إغلاقها عبر تقديم أجوبة لا تحمل في طياتها سوى التبرير والقفز من فوق المشكلات أو التعامي عنها، بل هي بحاجة إلى وقفات جريئة ومراجعات معمّقة وشجاعة، كما هي بحاجة أيضاً إلى تحمّل للمسؤوليات مهما بدا وقعها ثقيلاً.

لا أحد ينكر أن الفيلق الثالث هو الكيان الذي تنضوي تحت مظلته مجمل الفصائل التي هي أقرب من سواها إلى روح الثورة وأهدافها، كما يجب الإقرار دوماً بأن تحرير مجمل مدن وبلدات الريف الشمالي بحلب من سلطات الأسد، إنما هي إحدى منجزات فصائل هذا الفيلق الذي ينتمي معظم مقاتليه إلى ذات المدن والبلدات، ولعله من الواجب التنبيه دائماً إلى أن معظم فصائل الفيلق الثالث كان لها إسهامات مشرِّفة في خوض معارك كثيرة وفي مناطق مختلفة من سوريا ( القصير- الرقة- الغوطة الشرقية ………) فهو إحدى القوى الوطنية العسكرية السورية التي دافعت وما تزال عن فكرة الثورة وتجلياتها الراهنة، إلّا أن سلامة المحتوى ونصاعة الإرث الثوري لا تحول دون الانحدار والتردّي في السلوك إذا غاب التفكير المتجدد وفقاً للمعطيات المتجددة أيضاً باستمرار.

وكذلك إذا غاب الاهتمام بالبنية التنظيمية والإدارية. ولئن اقتضت الظروف في بداية الثورة أن تتشكل فصائل الجيش الحر على مبدأ ارتجالي في معظم الأحيان، قوامه الحماس والاندفاع والفزعة واستثمار العوامل الشخصية والمناطقية …إلخ، كما هو الأمر في لواء التوحيد ولواء الفتح اللذين شكلا الجسد الحقيقي للجبهة الشامية، والتي باتت النواة الصلبة في الفيلق الثالث بالإضافة إلى جيش الإسلام، فإن مرور أكثر من عشر سنوات على انطلاق الثورة كان كفيلاً بأن تُدار الكيانات العسكرية بنظام إداري وبنى تنظيمية تتجاوز عقلية وإدارة (الحجي) كما تتجاوز ثغرات النفوذ المناطقي والتغوّل الشخصي، والنزوع الطاغي نحو الهيمنة والحيازة على الموارد المالية بذريعة وجود (النواة الصلبة)، فالإرث الثوري الذي يتحصّن به الفيلق الثالث لن يعصمه من الانهيار والتهافت إن لم يوازيه حرص شديد على التجديد في البناء – تنظيمياً وإدارياً – موازاة مع حرص شديد على تجديد الوعي والخطاب، والخروج من نزعة (تورّم الأنا) للدخول في منهج التشاركية مع القوى الأخرى، ليس التشاركية التي تعني ابتلاع الآخر ووضعه تحت الإبط، بل التي تعني التفاعل والتشارك الحقيقي في اتخاذ القرار والتخطيط والعمل وبناء الإستراتيجيات، كما على الفيلق الثالث الإدراك أن عملية استدراك الكبوات أو إعادة البناء تحتاج إلى مبضع ينكأ الجراح بقسوة وجلادة لاستخراج القيح المزمن، وأن عمليات الترقيع البراني لن تزيد الجراح إلّا احتقاناً.

تلفزيون سوريا

—————————–

واشنطن: نسعى لإخراج “تحرير الشام” من عفرين ولدينا أدوات لذلك

قالت وزارة الخارجية الأمريكية إنها تعمل مع شركائها في المنطقة من أجل إخراج “هيئة تحرير الشام” من مدينة عفرين شمالي سورية، معبرة عن قلقها من تمكين الهيئة وجودها في المنطقة.

وفي مؤتمر صحفي عقده المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، نيد برايس، مساء أمس الاثنين، قال فيه رداً على سؤال حول تفسيره الحالي لسيطرة “تحرير الشام” على عفرين: “لست في وضع يسمح لي بتقديم تقييم أكثر تحديثاً يتجاوز ما قلناه، نراقب كل شيء عن كثب، لكن ليس لدي تقييم محدّث لأقدمه اليوم”.

وأضاف أن حالة عدم الاستقرار في سورية، وقدرة الجماعات “الإرهابية” على استخدام الأراضي السورية لتشكيل قاعدة لها، يُشكّل مصدر قلق بالنسبة لبلاده.

وحول المساعي الأمريكية لإخراج الهيئة من عفرين، قال برايس: “هذا شيء نركز عليه خلال العمل مع شركائنا في المنطقة، لدينا مجموعة من الأدوات وسنواصل معايرتها بشكل مناسب”.

وانتشرت أنباء قبل يومين حول انسحاب “هيئة تحرير الشام” من منطقة عفرين، في ريف حلب الشمالي، بعد دخولها للمنطقة وخوضها معارك ضد “الفيلق الثالث” التابع لـ “الجيش الوطني السوري”.

إلا أن تقارير أخرى أفادت بأن الهيئة لم تنسحب من عفرين، بل ثبتت وجودها تحت أعلام تابعة لفصائل أخرى موجودة في المنطقة.

وذكرت مصادر في حديث سابق لـ”السورية.نت”، أن “انسحاب هيئة تحرير الشام اقتصر على الأرتال العسكرية التي شاركت في الهجوم على منطقة عفرين وكفرجنّة فقط، في حين أبقت جهازي الأمن العام والإدارة العامة للحواجز”.

وتضيف المصادر، أنّ “عمل المؤسسات المدنيّة وجهازي الشرطة المدنية والعسكرية تحت إشراف الهيئة عبر جهاز الأمن والإدارة العامة للحواجز، وإدارات المنطقة التابعة لها”.

وكانت المواجهات قد اندلعت، الأسبوع الماضي، بين “هيئة تحرير الشام” وفصيلي “السلطان سليماه شاه” و”فرقة الحمزة” من جهة و”الفيلق الثالث” الذي تقوده “الجبهة الشامية” من جهة أخرى.

وقد أسفرت لأيام عن توغّل “الهيئة” في عفرين، ووصولها إلى أبواب “إعزاز” كبرى مدن منطقة “درع الفرات”، لتنسحب فيما بعد في أعقاب اتفاق لم تتضح تفاصيله كاملة حتى الآن، وبـ”ضغط تركي.

وسبق أن عبّرت الولايات المتحدة عن قلقها من توسع “هيئة تحرير الشام” في الشمال السوري، على خلفية الأحداث الأخيرة التي شهدتها المنطقة بعد اغتيال الناشط السوري محمد أبو غنوم.

وقال حساب “السفارة الأمريكية في دمشق” على مواقع التواصل الاجتماعي، “نشعر ببالغ القلق من التوغل الأخير لهيئة تحرير الشام، وهي منظمة مصنفة كإرهابية في شمال حلب. يجب سحب قوات هيئة تحرير الشام من المنطقة على الفور”.

—————————–

تقرير: تركيا تخطط لإعادة تنظيم الفصائل بعد انسحاب الهيئة من عفرين

ذكر تقرير نشره موقع “ميدل إيست آي”، أن تركيا تخطط لدمج الفصائل المسلحة في الشمال السوري، تحت قيادة مركزية وجيش واحد، بعد التطورات الأخيرة التي شهدتها المنطقة وتصاعد الاقتتال بين الفصائل.

وبحسب التقرير الذي أعدّه الصحفي التركي المقرب من الحكومة راغب صويلو، أمس الثلاثاء، فإن تركيا تسعى إلى إعادة تنظيم الفصائل السورية بعد انسحاب “هيئة تحرير الشام” من منطقة عفرين شمالي حلب.

وأضاف نقلاً عن “مصدر أمني رفيع” أن الهيئة، المصنفة على لوائح “الإرهاب”، سحبت معظم قواتها من عفرين، مشيراً إلى أنهم “سيخرجون تماماً قريباً، لأنهم غادروا بالفعل ومعهم الجزء الأكبر من مقاتليهم”.

وكانت “هيئة تحرير الشام” قد توغلت قبل أيام  في عفرين، ووصلت إلى أبواب “إعزاز” كبرى مدن منطقة “درع الفرات”، لتنسحب فيما بعد في أعقاب اتفاق لم تتضح تفاصيله كاملة حتى الآن، وبـ”ضغط تركي”.

وجاء ذلك عقب تصاعد الاقتتال بين الفصائل، خاصة بين الهيئة و”الفيلق الثالث” التابع لـ “الجيش الوطني السوري”، على خلفية مقتل الناشط محمد أبو غنوم في مدينة الباب، واتهام “لواء الحمزة” بالوقوف وراء حادثة الاغتيال.

حل مجموعات “الجيش الوطني”

قال مسؤول تركي مطلع لموقع “ميدل إيست آي”، إن تركيا لن تترك المناطق الخاضعة لإدارتها في الشمال السوري، لجماعة مثل “هيئة تحرير الشام”.

وبحسب الموقع فإن تركيا قد تستغل التطورات الأخير من أجل إعادة تنظيم “الجيش الوطني السوري” أخيراً، والذي يعاني من الاقتتال المستمر والحوادث الأمنية.

وأضاف أن الاشتباكات المتكررة بين مجموعات “الجيش الوطني”، التي تعمل في المناطق الخاضعة للإدارة التركية مثل عفرين وجرابلس وتل أبيض، أدت إلى وقوع إصابات في صفوف المدنيين وينظر إليها بشكل عام بشكل سلبي في المنطقة.

وتابع: “لطالما سعت أنقرة إلى توحيد كل هذه المجموعات لإنشاء هيكل قيادة فعال”.

ونقل الموقع عن مصادر أمنية تركية أن قيادة واحدة وجيشاً واحداً سيظهر، على الرغم من أن العديد من المحاولات لإنشاء جيش واحد في السابق كانت بلا جدوى، مضيفاً أن الخطة ستستبعد “هيئة تحرير الشام”، لأنها ليست جزءاً من نظام الحسابات القومية، حسب وصفه.

وقالت المصادر إن كل المجموعات والمكونات الخاضعة للجيش الوطني سيتم حلها بموجب الخطة الجديدة.

وأضافت “سينسحبون أيضاً من المناطق المدنية وسيتم تشكيل جيش نظامي تحت قيادة مركزية.”

العمل فوق القانون

في حديثه لموقه “ميدل إيست آي”، قال مسؤول مدني في عفرين إن النزاعات داخل “الجيش الوطني السوري” أعاقت خدمات المجالس المحلية وقوات الشرطة والقانون.

وأضاف: “تتشابك الفصائل مع بعضها كل يوم وفي كل مكان”، مضيفاً: “سئم الناس من الصراع بين المجموعات”.

كما نقل الموقع عن أحد سكان المدينة أن الفصائل تضايق بعضها البعض باستمرار، مضيفاً “إنهم لا يطيعون أوامر المجالس المحلية أو الشرطة. كما أنهم يعرضون سلامتنا للخطر. ويموت المدنيون باستمرار أثناء الاقتتال الداخلي”.

وتابع: “نحن نهرب من الأسد، والحياة تزداد صعوبة هنا بسبب الصراعات داخل الجيش الوطني السوري”.

من جانبه، قال ضابط في الشرطة للموقع إن قوات الشرطة لا يمكنها القيام بعملها لأن مجموعات “الجيش الوطني السوري” لا تتعاون مع جهاز الشرطة إذا كان أحد أفرادها متورطاً بجريمة.

وأضاف شريطة عدم ذكر اسمه: “من الصعب للغاية مقاضاة أو احتجاز أو اعتقال مقاتلي الجيش الوطني، هناك حاجة إلى توضيح ما إذا كانوا جنوداً أم لا”.

ومن أجل الحد من الوفيات بين المدنيين الناجمة عن الاقتتال الداخلي في “الجيش الوطني”، حاولت العديد من المجالس المحلية وأجهزة الشرطة اتخاذ تدابير لمنع الجماعات من دخول المدن بأسلحة آلية وثقيلة، ومع ذلك، لا تزال المناطق المدنية تتضرر بشدة خلال الاشتباكات.

وتضرر ما يقارب 20 مخيماً نظامياً وعشوائياً، حيث تعيش 1700 عائلة في شمال غرب حلب، بسبب القتال الأخير، وقُتل ما لا يقل عن 8 من سكان المخيم، بينهم امرأتان وطفلان، وأصيب 47 بجروح، بينهم 11 طفلاً ، خلال الاشتباكات.

ومن الصعب تقدير العدد الإجمالي لمقاتلي “الجيش الوطني”، لأن التنظيم يفتقر إلى قيادة وإدارة مركزية، بحسب موقع “ميدل إيست آي”، لكن مصادر عسكرية داخل “الجيش الوطني” تقول إن التشكيل لديه ما بين 50 ألف و70 ألف مقاتل.

———————

إحداها متعلّقة بالائتلاف.. مجلة أمريكية: ثلاثة تداعيات لسيطرة ميليشيا الجولاني على عفرين

كشفت مجلة فوربس الأمريكية في تقرير لها، عمّا أسمته (تداعيات سيطرة تحرير الشام على عفرين) وانعكاساته على المنطقة في شمال غرب سوريا ككل، حيث أدّى توغّل ميليشيا الجولاني في عفرين لتغير المنظور الدولي تجاه مناطق سيطرة الجيش الوطني بأرياف حلب، والتي كان آخرها (رسالة تهديدية من واشنطن لأنقرة) تطالب الأخيرة بوصفها (داعماً لفصائل الجيش الوطني) بإجبار “تحرير الشام” على الانسحاب باتجاه إدلب، وإلا فستأتي واشنطن بقواتها وحلفائها (ميليشيا قسد) لإخراجها.

وجاء في التقرير الذي اطلع عليه موقع أورينت نت، أن دخول تحرير الشام وسيطرتها بهذه السرعة على عفرين بدعم من بعض حلفائها في الجيش الوطني كـ (العمشات والحمزات وأحرار الشام) كشف العديد من النقاط وهي:

تعاظم قوة تحرير الشام وضعف الجيش الوطني

وفقاً للتقرير، فإن أولى تداعيات سيطرة تحرير الشام على عفرين يكشف أنها قوة لا يستهان بها حتى خارج نطاق سيطرتها في إدلب، ولا سيما أنها حصلت على حلفاء من فصائل الجيش الوطني أنفسهم كـ (لواء سليمان شاه وفرقة الحمزة وأحرار الشام)، في وقت كان فيه خصمها فصيلاً آخر في الجيش الوطني.

وتابع التقرير: “هذه القوة يقابلها وبنفس الشدة (ضعف) لدى فصائل الجيش الوطني، وأن الأحداث الأخيرة أثبتت أن الجيش الوطني أضعف مما كان يُعتقد عموماً ولن يكون لديه فرصة للبقاء حتى ليوم واحد دون دعم تركي على الرغم من عدم امتلاك تحرير الشام لقوة جوية وأسلحة ثقيلة محدودة أو مدفعية متطورة”، مشيرة إلى أن الجيش الوطني لا يزال ينهار، ولا سيما أنه يضمّ العديد من المقاتلين الذين لم يسبق لهم قتال ميليشيات أسد، وغالبيتهم خاضوا معركة ضد ميليشيا قسد التي تدعمها واشنطن.

وبعيداً عن العسكرة، ذكرت المجلة أن فصائل الجيش الوطني ورغم الدعم الكبير المقدم لها من قبل تركيا قد فشلت تماماً في حكم مناطقها، وأن الحكم في ظل وجود قوات أخرى أو مجموعات مختلفة كان أكثر احتراماً كـ مناطق سيطرة ميليشيات قسد والمناطق التي سيطر عليها داعش فيما مضى والتجسيدات السابقة لهيئة تحرير الشام، مؤكدة أن الجيش الوطني فشل تماماً في النمو أو أن يصبح قوة سياسية أو عسكرية مرنة.

القومية سارعت من الانهيار

يُعد سوء الإدارة في مناطق الجيش الوطني أحد عوامل الانهيار السريع لنظامه المستند أصلاً على (القوميات)، في وقت تبنّت فيه تحرير الشام الأيديولوجيا الدينية بدلاً من القومية، وهو ما ساهم في إبقاء هيمنتها مستمرة بل والحفاظ عليها قوية خاصة في مناطق حكمها بإدلب وريفها، فعلى سبيل المثال يحتقر معظم الأكراد في عفرين هيئة تحرير الشام أيديولوجياً وسياسياً، ومع ذلك فمنذ بدء التوغلات التركية 2018، ذكر البعض أنهم يفضّلونها لإدارة عفرين بدلاً من فصائل الجيش الوطني، ولا سيما أن هؤلاء عُرفوا بموقفهم المناهض للأكراد وعنفهم ضدهم.

أما ميليشيا الجولاني فقد استغلت الموقف ولعبت عليه بشكل صحيح، إذ مع دخولها عفرين مؤخراً سارعت للتواصل وطمأنة الأهالي من جميع الانتماءات العرقية من خلال بيان على تلغرام قالت فيه: “تركيزنا وتقديرنا يقعان على الشعب العربي والكردي أو بشكل أكثر تحديداً، نودّ أن نخص بالذكر إخواننا الأكراد… هم السكان الأصليون لهذه المناطق… وبالتالي فمن الصواب أن نحميهم ونقدم لهم الخدمات”.

ائتلاف فاشل وحكومة غير صالحة وفصائل عديمة التأثير

واعتبرت المجلة أن تسارع الأحداث مؤخراً، كشف بشكل أو بآخر عن عدم وجود أي دور مرجِّح للحكومة السورية المؤقتة ولا حتى الائتلاف المعارض في مستقبل سوريا، والسبب هنا ليس الاعتراف الدولي بهم من عدمه، بل الدعم الشعبي الذي خسرته الحكومة المؤقتة وكسبته حكومات أخرى منافسة لها كـ (الإنقاذ والإدارة الذاتية).

وعلى الرغم من أن الأخيرتين (الإنقاذ والإدارة الذاتية) لم تتم دعوتهما إلى أي منصات دولية تناقش الحل السياسي في سوريا، إلا أنهما ستشكلان قوى داخلية أو خارجية يجب أن يُحسب لها حساب وذلك بسبب الدعم الذي حصلوا عليه من الشعب بسبب تجربة حكمهم الأكثر موثوقية نسبياً، نظراً لأن الحكومة المؤقتة لديها ضعف من الناحية المؤسساتية وقليل من الهيكلة، فيما تتمتع نظيرتها (الذاتية) بحكم أكثر بيروقراطية وتطوراً وشمولية.

وفيما يبدو فإن الجماعات المدعومة من تركيا في شمال سوريا، غير قادرين على ترسيخ وجودهم كقوة سياسية وعسكرية يمكن الاعتماد عليها في ظل ممارسات الحكم الرديئة، كما إنه وفي وقت يتحدث فيه المسؤولون التنفيذيون الأتراك والسوريون عن اجتماع محتمل للتطبيع بين تركيا ونظام أسد، فإن ذلك يكشف أن سوريا ككل هي مجرد جزء من العلاقات المعقدة العميقة بين تركيا وروسيا، وبالتالي فإن الجماعات السورية الموالية لتركيا لن يكون لها سوى القليل من التأثير على مستقبلها.

——————————–

=================

تحديث 04 تشرين الثاني 2022

—————————

كل هذه الخيوط في الشمال السوري/ سميرة المسالمة

عزّزت مجريات الأحداث أخيرا في ريف حلب الشمالي، وانقسامات ما سمّي الجيش الوطني، هشاشة الروابط التي تجمع هذه الفصائل فيما بينها من جهة، وما يجمعها مع البيئة الشعبية المتنوعة (ذات الانحدارات السورية المحلية والمهجرة من مدنها حلب وريف دمشق وحوران) من جهة مقابلة، ونزعت عباءة مؤسّسة المعارضة السياسية (الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية) عنها من جهة ثالثة، ما ترك أثره واضحاً على خريطة تقاسم النفوذ في المنطقة وليونة حدودها أو وهنها، وهي الرسالة الأكثر وضوحا، حتى اللحظة، من الاقتتال الذي جرى بين هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) وفصائل الجيش الوطني”، وأن البديل الأقوى في المنطقة هي “الهيئة”، وأن تحرّكها لتوسيع نفوذها يعتمد على قرارها الموحّد داخلياً، وعلى ضغط احتياجاتها، وأن لتركيا الدور أو القرار الرئيس في ردعها أو السماح لها ببسط نفوذها.

خلال سنوات، قدّمت الفصائل المسلحة المحسوبة على المعارضة السورية، منذ توليها إدارة الشمال السوري تحت مسمّى “المحرّر” في كل من مناطق درع الفرات وغصن الزيتون ونبع السلام، قدّمت نموذج حكم مختلط بين الفوضى والفساد والتسلط، وذاق الناس الويلات بسبب صراعاتها على إدارة الموارد الاقتصادية للمنطقة. ولم يقلّل ما تُتهم به معظم الفصائل من تبعيتها للحكومة التركية من حالة الانقسام الفصائلي بينها، كما أن هذه التبعية وارتباطها بالبيئات التركية التشريعية والقانونية المتنوعة (الولايات التركية غازي عنتاب وكيليس وشانلي وأورفا) لم تستطع إنتاج آلية حكم رشيد فيها، تجعل من تلك المناطق قادرةً على إدارة شؤون السوريين المدنية والخدمية، بما يحقق حالة استقرار حقيقية، تقترب مما كان الناس يأملونه مع زوال هيمنة النظام السوري وأفرعه الأمنية عن مناطقهم، ما يشكّك في فاعلية ما سمّي توحيد الفصائل في جيش وطني، أو فاعلية الحكومة المؤقتة، الذراع التنفيذية للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، في الشمال السوري.

يمكن فهم توسّع هيئة تحرير الشام على أن الحاجة الاقتصادية لموارد جديدة تتيحها التوسّعات نحو عفرين وطرق أعزاز وما بعدها، تلعب الدور الرئيس في خريطة “فتوحاتها” الحالية والقادمة. ولكن مع وجود بيئة سياسية تركية جديدة تتحدّث عن انفتاح على النظام السوري، يصبح العامل السياسي هو الأهم، وتغيير أدوات الصراع، وأحياناً أشكاله ومواقع تمركزه، ضرورات حتمية، تستعيد من خلالها الأطراف أسباب وجودها على طاولة حوار مشترك، لم يبد الجانب السوري أي اهتمامٍ به، ولم يقدّم ما يمكن تلمّسه أنه الطرف المهزوم فعلياً.

على عكس ذلك، وعلى الرغم من كل الحصار الدبلوماسي أميركياً وأوروبياً وعربياً وتركياً، لم يغير النظام السوري من تطلعاته وشروطه في استعادة بسط سيطرته على كامل سورية عسكريا وأمنيا ومدنيا، وهو النظام نفسه الذي تتطلع أنقرة إلى استعادة خطوط التواصل معه، ما يعني أن تركيا هي من غيّرت فعلياً شروطها وموقفها من النظام. ولكن الوقائع التالية تكون، في ظل هذا المشهد على بساطته، انسحابا تركيا من سورية حتى حدود 2011، وانبعاث النظام السوري، بكامل هيئته الأمنية من جديد، في كامل الشمال المهيمن عليه من تركيا. هذا “السيناريو” إذا كان الصراع بين النظام السوري مع أدوات تركيا السوريين (الجيش الوطني)، لكن مع وجود هيئة تحرير الشام المنافس الحقيقي للنظام أمنياً وتنظيمياً في مناطقه، تكون لوقائع الدعوة إلى الحوار مع دمشق، قبلها النظام السوري أو رفضها، اعتبارات مختلفة وتهديدات أكثر عمقاً باتجاه وضع خريطة جديدة لسوريات (جمع دول) عديدة.

وأيضاً، لقد استفاد النظام خلال المشهد الأخير للصراع في الشمال، فأعاد إلى الواجهة الخيارات التي قدّمها للسوريين عند اندلاع ثورتهم، النظام بكامل استبداده وتسلطه أو الجماعات الإرهابية بكل ما يحمله حكمها من استغراقٍ لاستبداد النظام، مع تحميل هذا الحكم أبعاده الدينية والمغلقة، ما يستوجب عدم استبعاد دور النظام في هذه الاستفاقة الفصلية لهيئة تحرير الشام بين حين وآخر، وهي تجسّد ما سبق وأن بشّر النظام به.

كما يمكن اعتبار تمدّد الهيئة وتسلّلها إلى مواقع حكم الفصائل المحسوبة على تركيا في الشمال السوري، وتغييرها حدود التماسّ بين المتصارعين محلياً، ذريعة مهمة يقدّمها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى الداخل التركي والمجتمع الدولي بشأن استدارة السياسة التركية في الملف السوري، فهو يحتاج تبريرا يقدّمه للناخبين، من مؤيديه قبل معارضيه، إلى انقلابه على سياساته المتشدّدة ضد النظام، والرغبة المفاجئة في فتح باب الحوار معه، وذلك تجنّباً للاعتراف، أو اعتبار ذلك انتصاراً لرؤية المعارضة التركية التي تحمّل اللاجئين السوريين في تركيا وسياسات أردوغان ضد النظام السوري أسباب الانهيارات الاقتصادية.

ومن المؤكّد أن من شأن الموقف التركي أن يدفع المعارضة السورية المحسوبة عليها إلى زاوية الاستسلام التفاوضي مع النظام، تحت ذريعة توحيد الجبهات في الصراع ضد الإرهاب الذي تمثله هيئة تحرير الشام، وهو ما قد يتسبّب من جديد في اقتتال فصائلي من شأنه أن يكون سبباً في استدارة دولية كاملة من ملفّ السلاح في الشمال، والقبول بما تريده روسيا في إنهاء دور الفصائل المسلحة جميعها في سورية، وإعادة الاعتبار لسلاح النظام السوري فقط.

كما يمكن لتركيا استخدام ورقة محاربة الإرهاب في استعادة مواقعها القتالية في سورية لاحقا (بعد انتهاء الانتخابات التركية)، والضغط على النظام السوري لقبول شروط اتفاق أضنة جديد، بشروط تركية، تمكّنها من قطع الطريق على أي اتفاقات محتملة بين الكرد (قوات سوريا الديمقراطية) والنظام السوري، يمرّر من خلالها النظام مطالب كردية بإدارة ذاتية في شرق سورية.

وأيضاً، توسّع هيئة تحرير الشام المصنفة إرهابية لتكون على تماسّ مع حلفاء الولايات المتحدة قد يحولها إلى ذراع تستفيد منها تركيا بالتوازي مع النظام السوري، لمحاربة قوات سوريا الديمقراطية عند الحاجة، وإفساد راحة الحليف الأميركي الذي لا يزال يؤكد أنه سيبقى في مناطق شرق سورية لتأمين الاستقرار وتنفيذ قرار مجلس الأمن 2254 الذي تدرك الولايات المتحدة أنه مجرّد رقم في أدراج الأمم المتحدة ليس أكثر.

العربي الجديد

——————————-

ماذا بقي من إسلامية الجولاني؟/ حسام جزماتي

غاب شعار تحكيم الشريعة عن حملة هيئة تحرير الشام على مناطق في الشمال في وقت سابق من هذا الشهر. وحضرت شعارات توحيد الصف والقضاء على الفصائلية وعلى الفوضى التي تسببها، وبسط سلطة إدارة مدنية واحدة على جميع المناطق المحررة.

لا يعني هذا أن الأحكام والضوابط الإسلامية المطبقة في إدلب لن تنتقل إلى المناطق الجديدة التي كانت ستسيطر عليها الهيئة لو نجح مخططها، لكن ذلك سيكون نتيجة تيارات في قواعدها وقيادتها ليس بينها تيار أبي محمد الجولاني، قائدها ومؤسس نواتها الصلبة.

وذلك لأن عقدين من الزمن مضيا منذ اعتنق الشاب أحمد الشرع الأفكار الإسلامية وخرج إلى العراق مجاهداً، وأكثر من عقد من السنين على عودته من هناك مكلفاً من قيادته بتأسيس جبهة النصرة في سوريا. ولم تنقضِ تلك الأعوام دون أن تترك أثرها في حتّ هذه الأفكار، حتى الاهتراء، في نفس الرجل الذي حملته سيرته، ومهاراته الفردية، ليكون على رأس أكبر جماعة إسلامية مقاتلة في البلاد.

ومرة أخرى، بغض النظر عن دفعة الأسلمة المضافة التي كانت سيطرة الهيئة ستسبغها على مدن الريف الحلبي فإن ذلك لن يكون من أولويات زعيمها نفسه الذي يهدف، في الحقيقة، إلى توسيع سلطته وموارده المالية والبشرية وصولاً إلى طرح نفسه واحداً من لاعبين ثلاثة فقط سيجلسون، ذات يوم، للتفاوض على مستقبل سوريا، وهم نظام بشار الأسد والإدارة الذاتية و”الكيان السنّي” الذي لطالما بشّر به الجولاني ويطمح أن يكون على رأسه.

رغم ذلك لم يغِب الإسلام كلياً عن مواكبة غزوة عفرين، وما بعدها لو تمكن أبو محمد، الحوكمي اليوم، من المتابعة، بل حضر عبر مفهومين مفتاحيين لفهم ما جرى هما التغلّب والتترّس. هل تبدو الكلمتان غريبتين خارج البيئة اللغوية الفقهية؟ هذا صحيح. وذلك لأنهما تنتميان إلى ما يمكن تسميته فقه الهوامش، لا إلى متن الأحكام الشرعية العامة.

أما التغلّب فهو أمر عرَضَ لمؤلفي الأحكام السلطانية (الفقه السياسي) في التراث الإسلامي. فبعد أن ذكروا أن الطريقتين المشروعتين لتولي الإمامة هما اختيار أهل الحل والعقد، “أهل الشورى… وهم أعيان العصر” وفق الماوردي، أو نص أمير المؤمنين على تسمية خلَفه؛ لحظوا أن كثيراً من إمارات التاريخ الإسلامي لم تنعقد بإحدى هاتين الطريقتين السلميتين بل بقفز أحدهم إلى الحكم بالقوة وهو ما سمّوه التغلّب، واختلفوا حول إمامة المتغلّب بين مَن قال إنها لا تنعقد مطلقاً، فلا شرعية لسلطة تأتي بالقهر وتجب مناهضتها، وبين مَن رأى قبولها إذا سلّم الناس بالمتغلّب واستقر له الأمر وانتظمت الحياة العادية في حكمه، كنوع من الإقرار بالأمر الواقع واختيار أهون الشرّين، وكيلا يبقى الباب مفتوحاً للنزاع والفوضى وسفك الدماء. وهناك آراء تفصيلية أخرى.

التغلّب، إذاً، وسيلة غير مشروعة في الوصول إلى الحكم، لكن بعض الفقهاء تعامل معها بحكمةٍ محافِظة تعلي من شأن الاستقرار إذا تم ولم يشُب حكم المتغلّب فساد ولا بغي. وهو ليس وسيلة محبّذة يعلنها المتغلّب وإعلامه بضمير مرتاح، كما فعل خطاب هيئة تحرير الشام في تبرير المعارك الأخيرة، مطالبين خصومهم بإلقاء السلاح والاستسلام لحكم المتغلّب وكأنه فرض شرعي!

وإذا كانت الهيئة قد أعلنت اعتمادها التغلّب بوقاحة فقد أخفى قادتها أمر التترّس بعناية. ويرد هذا المصطلح بكثرة في أبواب الجهاد من كتب الفقه لوصف حالة واجهها المسلمون في حروبهم، حين عمد بعض أعدائهم إلى وضع أسرى من المسلمين في مواقع لا يمكن للجيش المسلم المهاجم التقدم فيها إلا بالرمي عليهم، فصاروا في حكم الترس الذي يتقي به الأعداء الضرب والطعن. وقد حظيت أحكام التترّس بعناية خاصة من الجماعات الجهادية المعاصرة لما رأوا أن فيها من شبه بالهجمات التي يشنونها على الجيوش الأجنبية والحكومات “الكافرة” في العالم الإسلامي، وقد لا تخلو من قتل بعض الأبرياء أو المارة من “عامة المسلمين”. غير أن التترّس الذي نقصده هنا سياسي ويختلف عن هذا الأمر الميداني. ولشرحه لا بد من استعراض تاريخ الجماعة الجولانية وتحولاتها منذ نشأتها.

أعلنت هذه الجماعة عن نفسها أولاً باسم “جبهة النصرة” في مطلع 2012. وحين انكشفت تبعيتها لدولة العراق الإسلامية سارعت إلى بيعة تنظيم القاعدة في نيسان 2013، قبل أن تفك ارتباطها به وتغيّر اسمها إلى “جبهة فتح الشام” في تموز 2016. كان كل هذا في إطار تحولات جماعة واحدة وعلاقاتها التنظيمية، لكن ما حدث بعد ذلك يختلف عما سبق. فحين رأى قادة الجماعة أن انفصالهم عن الأبوين الكبيرين المصنّفين إرهابيين، داعش والقاعدة، لم يجْدِ نفعاً في إخراجهم هم من قوائم الإرهاب؛ بادروا إلى محاولة خلط مياههم بمياه الآخرين. فأغرقوا “الساحة” بالحديث عن “الاندماج” طوال ستة أشهر توّجت بالإعلان عن تشكيل “هيئة تحرير الشام” في كانون الثاني 2017، على أمل ألا يطولها التصنيف الذي وشم أحد مكوناتها.

لكن شهوة السلطة عند الجولاني لم تسمح له بالتواري طويلاً خلف القيادة الشكلية التي جرى الاتفاق عليها، كما أن مركزية جبهة النصرة عادت للهيمنة على مفاصل الهيئة طاردة معظم الشركاء الذين بادروا إلى الخروج من الهيئة، جماعات وأفراداً، تاركين للجماعة الجولانية كتلتها الصلبة وبعض التنويعات، والتصنيف من جديد.

الخروج من التصنيف هاجس للجولاني الذي يطمح إلى لعب دور سياسي مستمر ولا يريد أن يلقى مصير أميريه البغدادي والظواهري. وبقدر ما كان يستنتج مدى صعوبة الأمر من الناحية القانونية

كان يفكر في حلول تعطّل تنفيذه عملياً؛ كالامتناع عن دعم أي عملية خارجية، وضبط البؤر الجهادية المشكّلة من مهاجرين أساساً، لكن الأهم كان فرض السيطرة على بقعة جغرافية يسكنها الملايين ممن تترّس بهم بشكل جعل أي عقوبة له عقاباً لهم. وهذا ما يربك الدول والمنظمات في التعامل مع وضعية إدلب الحالية. ولأجل ذلك قدّم لهم “حكومة الإنقاذ” التنفيذية كمخرج لمعضلة “التعامل مع الإرهاب” قانونياً ومن الناحية المالية ذات الأهمية العالية في خططه.

في غزوه الأخير لشمال الشمال مضى الجولاني أبعد في مغامرته. ومهما بدا الأمر عصياً على المنطق فقد هدف إلى إدارة كامل المناطق المحررة، مباشرة أو من الباطن أو عبر شراكة شكلية قابلة للقضم يوماً بعد يوم. أملاً في أن يصبح، لو حقق ذلك بالتغلّب وبزيادة عدد تروسه، رقماً صعباً لا يمكن إغفاله في المعادلة لا مجرد شوكة مارقة في إدلب.

تلفزيون سوريا

————————-

إلى أي درجة يجب التعامل بجدية مع تحوّلات “الجولاني” و”مسد”؟/ إبراهيم الجبين

أبرز مشكلات المعارضة السورية الموضوعية كانت ولم تزل الامتناع عن التعامل الواعي مع المتحولات المحيطة بها، ولذلك تبدو في حالة مفاجأة دائمة أمام كل موقف جديد، وكأنها لم تكن تقرأ في مقدّماته ولا سمعت بأن كل شيء قابل للتغيّر بفعل الزمن وتراكم الديناميات المؤثرة.

غير أن مثل هذا التقييم قد لا يصح في حالتي هيئة تحرير الشام وحزب العمال الكردستاني، فقبل أحد عشر عاماً، كانت سوريا كلها تحت استبداد نظام الأسد، مترابطة بشكل عضوي ومتزامن مع أرض تحتلها إسرائيل منذ العام 1967 في الجولان. الآن ومنذ هزيمة داعش على يد التحالف الدولي بات لدينا العديد من المناطق الخاضعة لاحتلال أجنبي؛ ثلاث محافظات فيها النفط والغاز والمياه والموارد الزراعية التي تديرها بقوة السلاح قوى بقيادة ميليشيا حزب العمال الكردستاني، بالإضافة إلى إدلب التي تديرها بقوة السلاح أيضاً جبهة النصرة التي سمّت نفسها “هيئة تحرير الشام”، بينما تحوّلت سيطرة الأسد إلى احتلال روسي إيراني في وضح النهار.

وجميع الاحتلالات في تلك المناطق قائمة على التفاهمات الدولية ورعاية القوى الفاعلة في الملف السوري، من الإدارة الأميركية إلى الكرملين في موسكو وصولاً إلى طهران.

“تحرير الشام” التي تحاول تقديم ذاتها كياناً مرناً قابلاً للتحوّل والتطوّر وفقاً للمستجدات السياسية، تبقيها أيضاً تفاهمات لا يمكن أن يقال إنها هشّة بين لاعبين آخرين يرون في إبقائها ورقة يمكن استعمالها ذات يوم فرصة جيدة للمقايضة مع إرهاب آخر موجود على الأرض السورية.

المزيد من طرد الجهاديين الأجانب لا يجعل من هيئة تحرير الشام ”محلية“ أكثر منها ”تنظيماً جهادياً عابراً للجنسيات“، كما حصل مؤخراً مع مجموعة ”أجناد القوقاز” الشيشانية التي تنتشر في مناطق في محافظة إدلب وفي ريف اللاذقية والتي بدأت بمغادرة سوريا، بعد سنوات من وجودها في المنطقة بالتنسيق مع الجولاني، وبعد مشاركتها في العمليات العسكرية ضد قوات النظام والميليشيات الإيرانية.

وإعلان “أجناد القوقاز” عن توجههم إلى أوكرانيا، يزيد من قوة الاتهام الموجه للنصرة التي هي الجوهر الإيديولوجي لهيئة تحرير الشام، بأنها ينبوع للجهاديين الذين يتم تصنيفهم كإرهابيين لدى الغرب لا سيما الولايات المتحدة. ويقول أبو عبد الرحمن الشيشاني القيادي في “أجناد القوقاز” لموقع المونيتور “غادر الكثير منا إلى أوكرانيا، ولا سيما الأشخاص الذين لديهم سجل حافل من المشكلات مع قادة هيئة تحرير الشام، حيث تعرض هؤلاء مؤخراً لمضايقات شديدة من جانب قيادة الهيئة”. ويضيف “خلقت الحرب الروسية الأوكرانية فرصة لنا لمغادرة إدلب وفرصة لهيئة تحرير الشام للتخلص منا”.

أما عبد الحكيم الشيشاني قائد “أجناد القوقاز” فقد غادر إدلب بالفعل إلى أوكرانيا بعد التنسيق مع مجموعات عسكرية من كتيبة “الشيخ منصور الشيشانية” التي تقاتل الروس إلى جانب القوات الأوكرانية.

لكن ما الذي يحاول الجولاني قوله بطرد هؤلاء المقاتلين؟ نحن نتحوّل بالتدريج إلى فصيل سوري؟ ولكن الأرض السورية مليئة بالفصائل السورية التي لم تقدم ولم تؤخر في معادلات تحكمها التفاهمات الدولية فما الذي سوف يشكله الجولاني من ثقل حين يصبح رقماً إضافياً يضاف إلى الفصائل السورية؟

التحولات لا تكون بتغيير الجلد، بل بتغيير التوجّه السياسي والإيديولوجي، وهذه مهمة لن تكون سهلة، إن لم تكن مستحيلة بعد سنوات من التمكين صعدت فيها أفكارٌ حتى باتت قواعد ثابتة في المجتمع الذي تديره هيئة تحرير الشام، وبالتالي سيكون تغييرها نوعاً من اجتثاث حاد يستهدف الناس لا السلطات المهيمنة على المنطقة. هذا إن كنا نتفق على ضرورة اقتلاع الأفكار والمعتقدات بالقوة، في زمن يرفض فيه أكثر من نصف العالم النموذج الأخلاقي الغربي في الحياة، مطالباً بترك الشعوب تختار لنفسها ما تراه مناسباً لتاريخها وهويتها الثقافية. وسيكون ثمن أي تغيير قادمٍ في هذه المنطقة هو رأس هيئة تحرير الشام لا أقل.

جحيم الأسد وجحيم قسد

اذهب الآن إلى شرق سوريا. كانت المنطقة الشرقية والشمالية الشرقية تعيش وفقاً لعقد اجتماعي مجتمعي مضمر، تتداخل مكوناتها وتتفارق حين ترى ذلك مناسباً لتوازناتها، والجميع كان يكابد سلطة الاستبداد القادمة من المركز، حيث قرّر الأسد الأب ومن بعده ابنه إحالة حياة سكان المنطقة الشرقية، بعربها وسريانها وأكرادها وتركمانها ومسلميها ومسيحييها ويزيدييها، إلى جحيم، باستعمال كافة السبل التي تبدأ بالتجهيل المبرمج وإفقار الحياة والانتقام الدائم من أكثر مناطق سوريا ثراءً.

جلب الأجنبي إلى المنطقة الشرقية معه البؤس، فالنفط كان نقمة على السكان، يدفعون ثمنه تصحّراً وتأثيراً مناخياً مدّمراً للبيئة، بينما رفضت حكومة الأسد ما كانت تقدّمه شركات النفط من مشاريع موازية لتطوير المنطقة، متذرعة بأنها هي من يجب أن ينفذها، ولن يتوقف ذلك على افتتاح الحدائق والمساحات الخضراء رئات المدن والأرياف، بل أيضاً على تعويض التأثير المناخي لحقول النفط بالتشجير في مساحات واسعة، وصولاً إلى الحق بالتعليم العالي وافتتاح مراكز التوعية والاختصاص في صناعة النفط ذاتها. لقد كان تطوير تلك المنطقة تحدياً بالنسبة للنظام السوري، وكان عليه أن ينتصر على كل تلك المطالب والمشاريع بسحق المنطقة أكثر وأكثر.

أما الحريّات فكانت أبوابها مغلقة في وجه الجميع، باستثناء الأكراد والصوفية والبنية العشائرية، وفي الوقت الذي لم يكن يسمح فيه بتأسيس أحزاب عربية جديدة، غير البعث وأحزاب الجبهة المتحالفة معه في دمشق، كانت تفرّخ أحزابٌ كردية كل ليلة، تتلقى دعماً من البرزانيين والطلبانيين في العراق، وبالطبع من حزب رعاه بعناية حافظ الأسد، ليكون ورقته في خاصرة تركيا، “حزب العمال الكردستاني”، مطلقاً له العنان في الشمال السوري كي يجنّد المقاتلين والمقاتلات في حروبه مع تركيا وفي معسكراته في شمال العراق ومواقع تدريبه في سهل البقاع,

وحين تسببت التفاهمات الدولية في دفع هذا الحزب داخل الحدود السورية، لحماية مصالح الأسد وتقديم الخدمات الأمنية والاقتصادية له، بات جاهزاً لخلق قضية في سوريا، مستجلباً معه كافة الإشكالات التي عانى منها أكراد العالم، وبدلاً من تطبيقه لشعار النضال من أجل حقوق الأكراد كما زعم طويلاً، أصبح مشروعه هو صب الزيت على النار واتهام غالبية سكان المنطقة بالانتماء لداعش وفكرها وإقامة معسكرات اعتقال “نازية” لتجميع السكان بعد تجريف قراهم وتهجيرهم، وفي الوقت ذاته وبالتوازي مع مشروعه العنفي، كان يفبرك جبهة تقدمية من نوع آخر مثل جبهة الأسد، لكنها هذه المرة تقوم على خلطة عرقية تتخذ من الديمقراطية قناعاً لها، فكانت ”مسد“ و“قسد“، ويا للدلالة التي تتركها اختصارات الأسماء تلك في الذهن العربي، في إرهاب يبدأ من الاسم ولا ينتهي عند الممارسات العنصرية.

في بداية الثورة السورية كان يمكن إقناع أي سوري، سواء كان من أبناء المنطقة الشرقية أو غيرها، بالموافقة بحماس على كل ما يطالب به الأكراد السوريون من حقوق ثقافية وسياسية وبرلمانية وسواها، غير أن ما خلّفه احتلال حزب العمال الكردستاني للمحافظات السورية الثلاث؛ الرقة ودير الزور والحسكة، عاد بتلك الحقوق مراحل إلى الوراء، وبات الإقناع وحده لا يكفي، فتحوّلت تلك الحقوق إلى نوع من المنازعات لن تلبث أن تتفجّر بين العرب والأكراد، وسبب ذلك ومحرّكه الأساسي المستمر هو حزب العمال الكردستاني نفسه.

لم تجد نفعاً مطالبات المعارضة السورية لـ “مسد” و”قسد” بالانفكاك عن حزب العمال الكردستاني، رغم إعلانهما عدم وجود علاقة بينهما وبين الميليشيا المصنفة إرهابية في تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، فكان إبقاء الحال على ما هي عليه جزءاً من التفاهمات الدولية أيضاً، لإذكاء التحوّلات التي تجري على الأرض، فهل تحققت بالفعل تلك التحولات؟

لم تتحوّل المنطقة إلى منطقة كردية، فهي أساساً لم تكن كذلك، ولا علاقة لها بكردستان القديمة، مهما قال بعض الكرد زوراً، ومهما لفقوا “غرب كردستان” أو شرقها، ولم يتحول العرب في تلك المنطقة إلى المزيد من الهيام بالحقوق الكردية، نتيجة الروح العنصرية التي ينشرها حزب العمال الكردستاني في مناخ من الكراهية ينطلق من مناهج دراسية حول تطبيقها على أطفال المدارس أراد بها إهانة هوية العرب وحتى الدين الإسلامي والحط من قيمه ورموزه.

كما لن يتحول حزب العمال الكردستاني إلى حزب سوري، حتى لو استعمل المزيد من الأوراق المحروقة من الشخصيات السورية التي تدعي أنها معارضة للنظام، مع علمها أن هذا الحزب الأجنبي ممثلاً بقيادة “مسد” و”قسد” يعلن كل يوم على لسان قادته أنه على تواصل مع الأسد ويناشده الموافقة على ضم قواته إلى جيشه.

وكما في غرب سوريا، حيث لا يمكن فرض التغيير بالقوة على المجتمع، لن يكون فرض التغيير على عرب المنطقة الشرقية الذين يمثلون الغالبية السكانية العظمى ممكناً إلا باستعمال القوة. والقوة عامل متحوّل متأثر بالتفاهمات الدولية بدوره، ويمكن ببساطة لأي حديث عن تطبيع محتمل ما بين تركيا ونظام الأسد أن يثير رعب “مسد” و”قسد” كما حدث خلال الأسابيع الماضية، فكيف إذا تمّ هذا التطبيع وكان ثمنه رأس حزب العمال الكردستاني؟

حتى هذه اللحظة، التحوّلان المرصودان لدى هيئة تحرير الشام وحزب العمال الكردستاني لا يرقيان إلى مستوى يتيح اعتبار الكيانين “مشروعين وطنيين سوريين”، وكافة المحاولات التي يسعى إليها كلاهما لشرعنة و“سَوْرَنة“ وجودهما هي محاولات مصيرها الفشل، بفعل الإيديولوجيا غير القابلة للتطور التي ينطويان عليها.

تلفزيون سوريا

——————————–

في مأزق الشمال السوري/ يمان دابقي

ما ظهر من مؤشّرات وتداعيات في جولة اقتتال فصائل الشمال السوري في ريف حلب الشمالي، منتصف أكتوبر/ تشرين الأول الحالي، أسقط آخر الأوراق التي كانت تُدار وتتداول بين الفصائل وداعميها، وأصبح التقييم النهائي لها، من صنّاع القرار في أنقرة، عدم القبول بالوضع الحالي، ولا بد من التغيير، وإعادة النظر في كامل إدارة المنطقة الشمالية، في مجالات الإدارة المدنية والمعابر والملفات الأمنية والمؤسسات العسكرية، إذ يجرى وضع برامج مُحكمة تكون المركزية فيها عنواناً جديداً للمرحلة المقبلة، ذلك لأنّ ما جرى خلال فضّ الاشتباك الفصائلي وبعده أظهر مدى العجز والشلل التام لما تسمّى حكومة مؤقتة، وأجنحتها المفقودة من وزارات دفاع وعدل وقضاء وغيرها من كياناتٍ غابت عن مشهد الاقتتال، بل إنّ ما جرى يعد فضيحة ونكسة مدوّية لمسيرة عمل استمرت سنوات، من دون أي إنجازات تذكر. على العكس، لاحظ الجميع حجم الشرخ والانفصال عن الواقع بين خطابات الساسة في الحكومة المؤقتة والائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، مقارنةّ مع بيانات الفصائل المقتتلة وأحلافها، وبياناتها التي كشفت عن مدى تمسّك جميع القادة بمناصبهم الشخصية على حساب مصلحة الجميع، حتى إن اضطرّ الأمر لسفك الدماء. فعلياً، كانت جولة الاشتباك في عفرين والباب مختلفة عن سابقاتها من الجولات، وكشفت مدى ارتباط بعض الفصائل والقادة بأجهزةٍ دولية، بعد تواتر المعلومات عن تواصل بعض قادة فصائل الشمال بجهاتٍ لم تكن تركيا على علم بها، كذلك ما جرى من تحالفاتٍ بينيّةٍ بين فصائل “الجيش الوطني” مع هيئة تحرير الشام كشف عن حجم الاختراق والتواطؤ بين الفصائل لتأمين مصالح شخصية، وإنْ كانت على حساب أهل المنطقة، وبعد الفضيحة أخيرا لكل من فصائل الحمزات والعمشات وأحرار الشام بتنسيقها المسبق مع زعيم “دولية إدلب”، أبو محمد الجولاني، يستغرب بعضهم كيف لتلك الفصائل أنها باقية، ومن دون محاسبة على ما اقترفت من انتهاكات وصفقات فساد وتجارة غير شرعية، كانت تجرى منذ سنوات وبعلم الجميع، ولكن أحدا من المدنيين لم يكن يمتلك الجرأة للحديث بشكل علني، بسبب الخوف من سطوة الفصائل التي تمتلك كل مقوّمات القمع وتكتيم الأفواه بشكلٍ لا يختلف عن نظام الأسد.

نقطة أخرى لا تزال موضع جدل ونقاش في الأوساط السياسية والعسكرية السورية، بشأن موقف تركيا ودورها الذي جاء هذه المرّة موارباً، قُبيلَ إجبار الجميع على وقف النار، كانت تركيا صامتة، إلى أنّ ظهرت تقارير دولية تُشدّد على رفضها تمدّد هيئة تحرير الشام إلى عفرين، كونها (الهيئة) مصنّفة على قوائم الإرهاب حتى من تركيا.

بشكل مفاجئ، امتثل الجولاني لقرار الانسحاب من المناطق التي سيطر عليها، بعد قرار تركي حازم جاء على هامش سجال “إعلامي”، قِيل عنه أنّ الولايات المتحدة هدّدت الأخيرة بوقف زحف هيئة تحرير الشام وإلا ستدخل ذراعها، قوات سوريا الديمقراطية (قسد) على خط الصراع، بحسب معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، بطبيعة الحال، لم يكن هناك مصدر رسمي تركي أو أميركي قد أكّد، بشكل مباشر، تبنّيه إيقاف المعركة، أو إلزام الجولاني بالانسحاب. لكن بجميع الأحوال ما جرى أحرج تركيا على وجه الخصوص، وربما أخّل بمشروعها، الذي كانت تعمل عليه منذ مدّة، لتوحيد المناطق الخاضعة لنفوذها مع مناطق إدلب، في جوانب الإدارة المدنية والأمنية، ولعل السبب هنا مردّه وقف عمليات الاختراق الأمني من عدوها “قسد” عن طريق المعابر مع مناطق الحر المتخاذلة معها، والتي سبّبت لسنوات ضرراً أمنيا ومهدّدات لكل الشريط الحدودي التركي، والأهم هو رغبة تركيا في إنهاء حالة الفساد والتشرذم التي تقودها الفصائل التي تدعمها، قبل اقتراب موعد الانتخابات المصيرية في منتصف العام المقبل.

وبعيداً عن نقطة الجدل في موقف هيئة تحرير الشام وحساباتها، وما حصلت عليه من مكاسب في جولة الحرب أخيراً، بدا واضحاً أنه نفذَ أمراً خرج من جهةٍ ما، وهو ما ينفي كل الكلام والسرديات التي تناولها بعضهم في استقلالية قرار الجولاني، وأنه أراد بتحرّكاته أخيرا فرض أمر واقع على تركيا. ما يهمنا الآن ليس الغرق في مشروع الجولاني، فبعد التحرّك الخارجي، أعيد “الفيتو” على الأخير، وبدأ الحديث محصوراً في مصير مناطق النفوذ التركي والفصائل التي تدعمها.

خلال اليومين الأخيرين، جرت اجتماعات موسّعة في أنقرة وعلى الحدود السورية التركية عند مخيم أطمة، لعسكريين وسياسيين، بإيعاز تركي خالص، جرى الحديث عما تصدّر المشهد السوري أخيرا بشأن مشروع الدمج الفصائلي تحت قيادة واحدة، إلى جانب الحديث عن مركزية إدارية للمعابر والاقتصاد والأمن، وعزلها عن الأمور الإدارية والمدنية. ظهرت مبادرات ومقترحات كثيرة، تصدّرت وسائل الإعلام، ثم لم يظهر شيء رسمي، كما لم يرشح عن اجتماعات أنقرة شيء مؤكّد سوى أنّ المنطقة ستدخل في مرحلةٍ جديدة ضمن مشروع أعلن عنه رئيس الحكومة المؤقتة، عبد الرحمن مصطفى، لكن أليات المشروع وخطواته ومحدّداته لم تظهر بعد. الجميع ينتظر ما ستقوله تركيا، بعدما أبدلت مشروعها بآخر، وهنا ستكون العوائق والتحدّيات حاضرة أمامها في الأيام المقبلة، فلو افترضنا أنّها تمتلك كل أدوات الهيمنة على السياسيين والعسكريين، فهي لن تنجو من أخطاء وقعت فيها عن تحييد القيادات الفاسدة، ومن ثبت فسادهم وتخاذلهم، فتمرير مشروع كامل تكون المركزية والمرجعية فيه لأنقرة، لن يكتب له النجاح من دون إجراء تغييرات جذرية على الأقل على صعيد الفصائل.

بمعنى آخر، تكمن معضلة الشمال في محاولة تركيا تمرير مشروع جديد من دون إجراء تغييرات جذرية لقيادات الفصائل، وحل بعض منها وتفعيل بند المحاسبة، فإن لجأت إلى وضع رتوشٍ تجميليةٍ تتناسب، بهدف كسب الوقت لتمرير الاستحقاق الانتخابي، فهي بذلك ستزيد، وستكون طرفاً، من المشكلة الماثلة. ألمحت بعض المصادر إلى أنّ تركيا قد تُعطي إيعازاً للجميع لطيّ صفحة الماضي والخلافات، وامتثال الجميع للخطة المركزية الجديدة، ومعنى ذلك أنّ منتهكي حقوق الإنسان والفاسدين، كأبو عمشة وغيره، سيكونون شركاء في حركة تصحيحية ستقودها تركيا، وبأدوات محليّة لن ترضى بالسهل الخروج من المشهد وإفساح المجال لغيرها من الشرفاء السوريين… حينها ستنطبق علينا مقولة “كأنك يا أبو زيد ما غزيت”.

العربي الجديد

———————-

هجوم “تحرير الشام” على عفرين مهّد لمرحلة قادمة.. الواقع الحالي وحسابات الأطراف

أسبوع من القتال المتواصل بين “هيئة تحرير الشام” وحلفائها، ضد “الفيلق الثالث” في الجيش الوطني السوري بريف حلب، كان كفيلاً بإحداث تغيرات جوهرية في ميزان القوى بين الأطراف العسكرية في المنطقة، وتوسع نطاق الاصطفافات بين هذه الأطراف، بما يضمن استمرارها.

بدأ القتال بين “الفيلق الثالث” من جهة، وهيئة تحرير الشام وفرقة الحمزة وفرقة السلطان سليمان شاه وحركة نور الدين الزنكي وأحرار الشام من جهة أخرى، في الريف الشمالي لحلب، في 11 تشرين الأول الجاري، على خلفية هجوم الفيلق الثالث على مقار لـ “فرقة الحمزة” في مدينة الباب بريف حلب، بعد التأكد من تورط قادة في الفرقة بقتل الناشط الإعلامي “محمد عبد اللطيف أبو غنوم” وزوجته.

وتدخلت “تحرير الشام” لمؤازرة فرقة الحمزة، وهاجمت – بمساندة فرقة السلطان سليمان شاه (العمشات) – مقار الفيلق الثالث في غصن الزيتون، وبذلك اشتعلت شرارة المواجهات التي استمرت لنحو أسبوع، تخللتها جلسات تفاوض ومداولات تمهد لاتفاق بين الأطراف.

وتابع السكان المحليون التطورات العسكرية لحظة بلحظة، وواكبوا تبدل خريطة السيطرة بشكل آني، ومع ذلك بقيت عشرات الأسئلة بلا أجوبة، مع غياب التوضيحات الرسمية من الفصائل، ما وضع المنطقة أمام مشهد ضبابي ومستقبل مجهول.

يناقش التقرير خفايا الاتفاق الذي وقِّع بين الفيلق الثالث وهيئة تحرير الشام، ومستقبله، والموقف التركي من تمدد الهيئة ضمن منطقة غصن الزيتون، والواقع الميداني بعد توقف الاشتباكات والرؤية المستقبلية لبعض الفصائل.

اتفاق على وقع الاشتباكات

في بداية دخول قوات “هيئة تحرير الشام” إلى منطقة “غصن الزيتون”، وقعت اشتباكات بين الهيئة وقوات “حركة التحرير والبناء” في مدينة جنديرس بريف عفرين الجنوبي، وسرعان ما سيطرت الهيئة على المدينة، لتتوجه بعد ذلك باتجاه مركز مدينة عفرين.

وقعت اشتباكات عنيفة بين الفيلق الثالث وهيئة تحرير الشام والفصائل التي تعاونت معها، على الأطراف الجنوبية لمدينة عفرين، وتحديداً في قرية قرزيحل، وبعد سيطرة الهيئة على القرية، قرر الفيلق الثالث الانسحاب من كامل مدينة عفرين، لأنها بالأصل لم تكن تحت سيطرته المطلقة، ولأن قرار خوض حرب شوارع داخلها ضد الهيئة، سيعرّض حياة الآلاف من سكانها للخطر.

وقرر الفيلق الثالث تعزيز نقاط رباطه في بلدة كفرجنة الواقعة بين مدينتي عفرين واعزاز، والعمل على بناء خطوط دفاعية لمواجهة قوات الهيئة، وبالفعل تمكن الفيلق من صد عدة محاولات تقدم للقوات المهاجمة، وتدمير آليات ثقيلة وقتل عشرات العناصر معظمهم من الهيئة.

وفي أوج فترة الحماس التي ضربت قوات الفيلق الثالث، تسرّب اتفاق بين قائد الفيلق “حسام ياسين”، وقائد هيئة تحرير الشام “أبو محمد الجولاني”، يتألف من 10 بنود، أولها وقف إطلاق النار بشكل شامل، وإنهاء الخلاف الحاصل بين الطرفين.

ولم يستمر الاتفاق سوى لساعات، إذ استأنفت هيئة تحرير الشام هجومها على كفرجنة وما حولها، وسيطرت على مساحات واسعة، لتصبح على تخوم مدينة اعزاز المعقل الأساسي للفيلق الثالث، قبل أن يتدخل الجيش التركي وينشر وحدات عسكرية رفقة مدرعات ثقيلة ودبابات على طريق عفرين – اعزاز، ويوعز لقوات الهيئة بوقف الهجوم.

ما الذي دفع لتوقيع الاتفاق؟ وما بنوده؟

بعد توقيع الاتفاق، تساءل المئات عن دوافع الفيلق الثالث للرضوخ أمام هيئة تحرير الشام، والتوقيع على اتفاق يمنحها صلاحية الإدارة والإشراف على المؤسسات بريف حلب الشمالي، رغم أن موقفه العسكري كان جيداً واستطاع تكبيد الهيئة خسائر عسكرية وبشرية.

ومن مبررات التوقيع على الاتفاق، تحييد بعض قطاعات الفيلق الثالث لنفسها عن القتال، بسبب انقطاع طرق الإمداد لها، ومحاصرتها من قبل الفصائل المتعاونة مع الهيئة، كما حدث في مدينتي الباب وجرابلس شرقي حلب، والسعي الحثيث للهيئة لإحداث شرخ بين قادة الصف الأول في الفيلق، وتهديد بعض الأطراف في الجيش الوطني باقتحام مدينة اعزاز من الجهة الشرقية، وإطباق الحصار على قوات الفيلق الثالث بشكل كامل، ووضع التشكيل أمام خطر الإنهاء أو التفكك.

وينص الاتفاق على:

    وقف إطلاق نار شامل وإنهاء الخلاف الحاصل بين الطرفين.

    إطلاق سراح كل الموقوفين في الأحداث الأخيرة من جميع الأطراف.

    عودة قوات الفيلق الثالث إلى مقاره وثكناته.

    فك الاستنفار العسكري الحاصل لدى هيئة تحرير الشام.

    استعادة الفيلق الثالث لمقاره وثكناته ونقاط رباطه.

    عدم التعرض لمقار وسلاح وعتاد وممتلكات الفيلق الثالث وعناصره.

    يتركز نشاط الفيلق الثالث في المجال العسكري فقط.

    عدم ملاحقة أي أحد بناء على خلافات فصائلية وسياسية.

    التعاون على البر والتقوى في محاربة الفساد ورد المظالم.

    اتفق الفريقان على استمرار التشاور والمداولات لترتيب وإصلاح المؤسسات المدنية في المرحلة المقبلة.

ويعطي الاتفاق الضوء الأخضر للهيئة لإدارة منطقة ريف حلب الشمالي مدنياً واقتصادياً وأمنياً، والتدخل في شؤون المجالس المحلية وقوات الشرطة، ما يعني احتمالية الصدام مع الجانب التركي الذي يتولى مسؤولية الإشراف على هذه المؤسسات دون أي تأثير للجيش الوطني أو الائتلاف الوطني والحكومة السورية المؤقتة.

ويسمح الاتفاق للهيئة بإدارة المعابر الحدودية مع تركيا، بما فيها معبر باب السلامة، لكن كل هذه التفاهمات تم نسفها، بعد إخلال “تحرير الشام” بالاتفاق واستئناف الهجمات على الفيلق الثالث، ثم تدخل الجيش التركي الذي تسلم زمام الأمور وأمر بخروج الهيئة من منطقة “غصن الزيتون” باتجاه إدلب.

ومن العروض التي قدمتها الهيئة للفيلق الثالث، تأسيس شراكة بين الطرفين لإدارة المنطقة، وهو ما رفضه الفيلق، يقيناً منه بحجم “المطبات” التي ستواجه الهيئة، سواء شعبياً، أو مع الجانب التركي، الذي يتحكم بمفاصل الإدارة بشكل كامل بريف حلب، عكس ما هو الحال في إدلب.

نسف الاتفاق

بعد التوقيع على الاتفاق، بدأت “هيئة تحرير الشام” بخطوات فعلية تمهيداً لتطبيق البنود الواردة فيه، حيث أجرت وفود تابعة لها جولات شملت بعض المؤسسات في الباب والراعي، وضم أحد الوفود القياديين في الهيئة أبو ماريا القحطاني، وأبو أحمد زكور، والقائد السابق لحركة “أحرار الشام” حسن صوفان، المقرب من “الجولاني”.

وتؤكد مصادر قيادية في الفيلق الثالث أن الاتفاق أصبح من الماضي بعد تدخل الجيش التركي وفرض واقع جديد في المنطقة، وسط محاولات حثيثة من الهيئة لإقناع الفيلق بالعودة إلى الاتفاق وتطبيق بنوده، دون استجابة.

وبالتزامن مع نشر الجيش التركي دبابات وآليات ثقيلة على المدخل الغربي لبلدة كفرجنة غربي اعزاز لضبط المنطقة، تقول المصادر إن الجانب التركي اجتمع مع قيادة الفيلق الثالث ووعد بعدم حدوث تقدم إضافي للهيئة، وإجبارها على سحب قواتها من المنطقة، وهو ما لم يحدث بشكل كامل حتى الآن.

الواقع الحالي وحسابات الأطراف

كشف قياديان في الفيلق الثالث، خلال حديث مع موقع تلفزيون سوريا، عن الواقع الميداني الحالي، بعد توقف المواجهات مع “هيئة تحرير الشام”، وإلغاء العمل بمضمون الاتفاق الذي وقع عليه الطرفان.

يمكن تلخيص التطورات الجديدة، التي تحدث عنها القيادي – فضّل عدم ذكر اسمه – بالآتي:

    تعيد قوات الفيلق الثالث الانتشار والتموضع في النقاط الاستراتيجية في محيط مدينة اعزاز شمالي حلب، وتحديداً في جبلي برصايا وبافليون المطلان على منطقة كفرجنة وغصن الزيتون.

    يعيد الفيلق الثالث ترتيب أوراقه الداخلية وتنظيم الكتل العسكرية ورفع سويتها بما يناسب الواقع القادم.

    تم إلغاء الاتفاق مع “هيئة تحرير الشام” باعتبار أن الأخيرة نقضته وشنت هجوماً على مواقع الفيلق الثالث، ولا يوجد بوادر تشير إلى العودة للاتفاق.

     الجيش التركي يعتبر ضامناً لمسألتين، الأولى عدم نشوب اشتباكات مرة أخرى، والثانية، إخراج “هيئة تحرير الشام” من منطقة “غصن الزيتون”.

     رفضت بعض الدول الغربية ومنها الولايات المتحدة وفرنسا دخول “هيئة تحرير الشام” إلى عفرين، باعتبارها “تنظيماً مصنفاً على قوائم الإرهاب”.

     حتى تاريخ 28 تشرين الأول/أكتوبر لا توجد جلسات تفاوض جديدة بين الفيلق الثالث وهيئة تحرير الشام لعودة الفيلق إلى مقاره في عفرين وبقية المناطق، أو لاستعادة معبر الحمران بريف حلب الشمالي، ويمكن حدوث ذلك مستقبلاً.

     تحاول “هيئة تحرير الشام” البقاء في عفرين، وتقاتل بكل السبل لأجل ذلك، وترسل عبر مكتب العلاقات التابع لها برسائل لجهاز الاستخبارات التركي، للسماح لها بالبقاء تحت غطاء الفصائل الأخرى، وخاصة “أحرار الشام”، وفي الوقت نفسه تحاول المراوغة أمام الجيش التركي، وعقد اتفاق جديد معه يضمن لها البقاء في غصن الزيتون.

    لم يعقد الفيلق الثالث جلسات تفاوض حديثة مع “تحرير الشام” بشكل رسمي، وقد تكون بعض الشخصيات في الفيلق قد التقت بالهيئة دون تفويض من القيادة، وغالباً هم ممن علّق عمله ضمن الفيلق في الآونة الأخيرة، ولا يمثلون قيادة التشكيل أو مجلس الشورى.

    تخطط الهيئة لفرض أمر واقع في “غصن الزيتون”، بالتعاون مع فصائل تحالفت معها، والتجهيز لمرحلة أخرى للتغلغل في منطقة “درع الفرات”، بينما يطالب الفيلق الثالث بإتمام إخراج الهيئة من عفرين بشكل كامل، بحسب القيادي.

     عمليات الدهم والاعتقال من جانب “هيئة تحرير الشام” مستمرة في عفرين، وتستهدف منازل تعود لأفراد في الفيلق الثالث.

    خرجت تسريبات على وسائل الإعلام عن مشروع تركي لدمج الجيش الوطني السوري ضمن مجلس عسكري مشترك؛ ولكن حتى الآن لم تعقد جلسات بهذا الخصوص وسيطرح الجانب التركي مقترحه على فصائل الجيش الوطني بعد فترة

وفي وقت سابق قال المتحدث باسم الخارجية الأميركية، نيد برايس، إن واشنطن “تركز مع شركاء في المنطقة على إخراج هيئة تحرير الشام من مدينة عفرين”، مؤكداً أن الولايات المتحدة “تراقب التطورات عن كثب”.

وأوضح برايس أن “عدم الاستقرار في سوريا، وقدرة الجماعات المتطرفة والإرهابية على استخدام الأراضي السورية للتخطيط ولتشكيل قاعدة لها، مصدر قلق لنا جميعاً”، مضيفاً: “لدينا مجموعة من الأدوات (لإخراج هيئة تحرير الشام من عفرين)، وسنواصل معايرة تلك الأدوات بشكل مناسب”.

وقبل أيام كتب المحلل والباحث في القضايا الأمنية والسياسية، فايز الأسمر، في مقال له بموقع تلفزيون سوريا: “تعددت الأقاويل والتأويلات والتحليلات بأن “الهيئة” دخلت عفرين وسيطرت عليها، ولن تخرج منها، وستدخل لاحقاً إلى مناطق درع الفرات في مدينة اعزاز وصولاً إلى جرابلس بهدف السيطرة على تلك المناطق وابتلاع فصائلها، ولكن وبنظرة موضوعية وبقراءة متأنية للواقع السياسي والميداني المحيط بالأحداث، سنجد أن هذه التأويلات والتحليلات بعيدة عن الواقع كلّياً، ولا يتمتع مروجوها ببعد النظر أو استقراء الأحداث والربط بينها بشكلها الصحيح، وعليه فإننا نستطيع القول إن سيطرة “هيئة تحرير الشام” المطلقة على المناطق “المحررة” في الشمال السوري مرفوضة شكلاً ربما لا مضموناً من الجانب التركي، ولن تحصل رغم عدم رضا أنقرة عن أداء وسلوك بعض الفصائل في منطقتي “غصن الزيتون ودرع الفرات”، ورغم حاجتها لقوة واحدة موحدة تتعامل معها في حال تم التوصل إلى أي تفاهمات وتسويات جديدة تخص الشمال السوري”.

ورأى “الأسمر” أن “القيادة التركية لن تسمح بجعل “هيئة تحرير الشام” الذريعة والعذر لروسيا والنظام وقسد وغيرهم لاستهداف المناطق التي تقع تحت نفوذها، وبالتالي إضعاف مواقفها وأوراقها السياسية والعسكرية العديدة في الملف السوري لصالح أطراف أخرى”.

تلفزيون سوريا

——————————-

هل يمكن تشكيل حكومة واحدة لإدارة الشمال السوري؟/ باسل المحمد

يبدو المشهد الميداني في الشمال السوري في غاية التداخل والتعقيد، خاصة بعد أحداث “الاقتتال” الفصائلي الأخير بين الفيلق الثالث من طرف، و”هيئة تحرير الشام” وبعض فصائل الجيش الوطني من طرف آخر، فبالإضافة إلى تعدد القوى والتحالفات العسكرية الحاكمة على الأرض، والتي فشلت كل المحاولات لتوحيدها في جسم عسكري واحد، “تتمزق” هذه المناطق بين حكومتين؛ “مؤقتة” تابعة للائتلاف الوطني، و”إنقاذ” تابعة لـ”تحرير الشام”، مما يزيد الواقع تعقيداً.

إلا أن “الاقتتال” الأخير ترافق مع تسريبات وإشارات حول إمكانية إخضاع مناطق المعارضة في الشمال السوري لإدارة واحدة. وهذا ما ألمح إليه الاتفاق الموقّع بتاريخ 14 تشرين الأول الجاري، بين “الفيلق” و”الهيئة” بعد سيطرة الأخيرة على مدينة عفرين، وهو الاتفاق الذي سارع الفيلق الثالث إلى حذفه من معرفاته الرسمية بعد دقائق فقط من نشره.

فيا ترى هل يمكن تشكيل حكومة أو إدارة مدنية موحدة لإدارة مناطق المعارضة في الفترة المقبلة، خاصة بعد وجود تسريبات من أنقرة بالدفع بهذا الاتجاه؟

إمكانية دمج “المؤقتة” و”الإنقاذ”

الحديث عن دمج الحكومتين يبدو صعباً جداً في الوقت الراهن؛ بسبب وجود فرق بنيوي في طبيعة عمل كلٍ منها، إذ يوضح الباحث في مركز جسور للدراسات وائل علوان هذا الفرق في حديثه لموقع تلفزيون سوريا بقوله: إن الإدارة الواحدة الشرعية في مناطق الشمال السوري -الحكومة المؤقتة- هي فعلياً لا تدير الشمال السوري، فالمجالس المحلية المرتبطة بشكل مباشر مع الولاة الأتراك، هي من تدير هذه المناطق، وبالتالي هناك مشكلة بنيوية في هذه الحكومة تجعلها غير قادرة على أن تكون نموذجاً قابلاً للتوسع لإدارة كل مناطق المعارضة.

رئيس الحكومة السورية المؤقتة عبد الرحمن مصطفى

ويضيف “علوان” أما في الطرف المقابل، أي في مناطق “هيئة تحرير الشام” فنرى أن “حكومة الإنقاذ” موجودة بشكل فعلي على الأرض، وتدير بشكل مباشر جميع القطاعات الخدمية في إدلب، لكنها تعاني مشكلة الارتباط بـ”الهيئة” المصنفة إرهابية أمام المجتمع الدولي، وبالتالي على المستوى السياسي والقانوني هي إدارة غير مقبولة.

أما الباحث في شؤون الإدارة المحلية بمركز عمران للدراسات أيمن الدسوقي، فيرى أنه على الرغم من أن سيناريو “الدمج” قائم نظرياً، إلا أن تحققه مرهون بعدة شروط داخلية وخارجية لم تتبلور بعد.

ويشير “الدسوقي” في حديثه لموقع تلفزيون سوريا إلى أن الدمج إما يكون تفاوضياً، بمعنى تفاوض القوى الفاعلة في شمالي وشمال غربي سوريا، على رؤية موحدة وخطة عمل متكاملة لبناء نموذج حوكمي واحد، يكون قادر على إدارة ملفات الأمن والاقتصاد وغيرها من الملفات في تلك المناطق.

أو يكون بحسب “الدسوقي” قسرياً؛ سواء بالتغلّب وفرض المُتغلب مشروعه في الحكم والإدارة، وهذا ما تحقّق سابقاً في إدلب وعلى مراحل، ويلفت “الدسوقي” إلى أن تحققه في الشمال السوري هو رهن إضعاف الكتل العسكرية الفاعلة، الأمر الذي لم يتحقق بعد، وإن لاحت مؤشراته في الأحداث الأخيرة، مردفاً: لا أعتقد أن ذلك قائم في ظل الأنباء عن ضغط التركي لإجبار “الهيئة” على الانسحاب من المناطق التي تقدمت إليها.

إلا أن تشكيل مثل هكذا حكومة مرتبط بتوفر رغبة إقليمية ودولية، وهذا ما يؤكده الباحث في مركز حرمون للدراسات د. سمير العبد الله، في حديثه لموقع تلفزيون سوريا بالقول: إن “الأهم هو الرغبة التركية بذلك، وعدم اعتراض أميركا وروسيا، فكل السوريين والفصائل والائتلاف والحكومة المؤقتة، القرار ليس بيدها، وتنفذ رغبات بعض الدول، فالأمر متعلق برغبة تلك الدول أكثر من رغبة الفصائل والمعارضة”.

معوقات داخلية وخارجية

يصطدم مشروع الإدارة الموحدة لمناطق الشمال السوري بجملة من التحديات على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، نظراً لتعدد وتداخل الفاعلين بالملف السوري بشكل عام.

من أبرز المعوقات الخارجية برأي “العبد الله” هو التصنيف الدولي لـ”هيئة تحرير الشام” وهي المنظمة الراديكالية، التي تصنّفها العديد من الدول كمنظمة إرهابية، نظراً لارتباطها سابقاً بتنظيم القاعدة، واتباعها سياسة التوغل والتدخل في المناطق التي تريد السيطرة عليها عبر شتى السبل حتى تتمكن من السيطرة عليها وإزاحة خصومها.

وهذا ما يشير  إليه “علوان” بالقول: إن “المجمع الدولي لن يقبل أن يكون هناك أي تمدد لأي شيء مرتبط بتحرير الشام إلى مناطق المعارضة الحليفة للمجتمع الدولي، أي مناطق شمال وشرقي حلب، والتي تخضع بشكل أو بآخر للفصائل والمجالس المحلية والحكومة المؤقتة، وهي كلها تابعة للائتلاف، وهذه هي المعارضة الرسمية المُعترف بها دولياً”.

وهذا ما بدا واضحاً من موقف الولايات المتحدة الرافض للتمدد الأخير لـ”تحرير الشام” باتجاه عفرين وريف حلب الشمالي.

أما بالنسبة للعوائق الداخلية، فيأتي في مقدمتها بحسب “الدسوقي” تفاوت الرؤى تجاه ملف الإدارة بين القوى الفاعلة بما تمثله من امتدادات إقليمية، إضافة إلى تخوّف هذه الفصائل والقوى العسكرية من فقدان الدور والمكاسب المادية المترتبة على قيام هكذا مشروع.

وهذا ما يؤكده “علوان” بقوله: من أبرز العوائق الداخلية هو فوضى إدارة المناطق في شمالي حلب، إضافة إلى الخلافات الفصائلية المتكررة، والتي أدت بالنهاية إلى “تجييش” المجتمعات المحلية وتوزيع النفوذ الإداري والمجتمعي في تلك المناطق.

يضاف إلى التحديات الداخلية أيضاً العامل الاقتصادي وعائدات المعابر، إذ كان هذا العامل أحد أهم أسباب الصدام الأخير بين (الهيئة والفيلق)، وهنا يتساءل “العبد الله” أنه في حال تشكيل مثل هكذا حكومة كيف سيكون توزيع هذه العائدات بين الفصائل، إذ يُخشى هنا من هيمنة طرف عسكري واحد على هذه الحكومة، واحتكاره لعائدات هذه المعابر.

الموقف التركي

كما أشرنا سابقاً فقد تواردت أنباء غير مؤكدة في الفترة الأخيرة عن رغبة تركيا بتشكيل إدارة محلية موحدة لإدارة هذه المناطق، من دون الرجوع إلى الولاة الأتراك كما هو الحال في مناطق “المؤقتة”.

عناصر من الجيش الوطني السوري – الأناضول

فتركيا ما زالت هي صاحبة الكلمة العليا في الشمال السوري، وهي الوحيدة التي يمكنها القيام بمثل هذه الخطوة، ويردف الباحث “العبد الله” لكنها تحتاج للتنسيق مع أميركا وروسيا بشكل أساسي، فلا يمكن نجاح مثل هذه الخطوة من دون موافقة هذه الدول عليها، فتركيا بحسب “العبد الله” لها مصلحة كبيرة في استقرار الأوضاع في الشمال السوري في الفترة المقبلة ليعود من أراضيها المزيد من اللاجئين إلى تلك المنطقة، أو على الأقل لا يعبر لاجئون جدد باتجاهها.

إلا أن “الدسوقي” يرى غير ذلك، فتركيا برأيه ليست بوارد الانخراط بشكل مباشر في هكذا توجه، لأن ذلك سيكون مرهقا لها مع اقتراب الانتخابات، فضلاً بأن دمج الحكومتين يعني إحداث تغير في الجغرافية السورية، وهذا برأي “الدسوقي” قد يهدد الاتفاقيات المعقودة بين تركيا والقوى الفاعلة، التي ترغب في تجميد الوضع دونما تغيرات جذرية.

“لا حكومة موحدة في المدى المنظور”

بناء على ما سبق من تحديات ومعوقات يرى “العبد الله” أنه لن يكون هناك حكومة موحدة في المستقبل القريب، فعدم وجود الكثير من المؤسسات، والهياكل الحكومية التي يمكن دمجها أو التنسيق بينها بالنسبة لـ (المؤقتة والإنقاذ) يجعل هذا الأمر غير وارد في الفترة المقبلة.

وهذا ما يؤكده “وائل علوان” بقوله: لن يكون هناك حكومة واحدة لإدارة الشمال السوري في المدى المنظور ، خاصة بعد الرسائل السلبية التي قدمتها “تحرير الشام” على المستوى الداخلي والخارجي بعد اقتحامها لمنطقة عفرين ومحاولة اقتحامها اعزاز، هذه الرسائل ستجعل قيام أي “حكومة موحدة” مستبعد في الوقت الحالي.

تلفزيون سوريا

—————————

قيادة عسكرية جديدة للفصائل السورية المعارضة.. دور تركيا وأسبابها؟/ شيلان شيخ موسى

خلال الأسابيع الماضية، توسعت “هيئة تحرير الشام” شمال غرب سوريا، لتبسطت سيطرتها على مدينة عفرين، وتقدمت نحو مدينة أعزاز، أبرز مناطق المعارضة في شمال سوريا، والتي كانت تحت سيطرة ما يسمى بـ “الجيش الوطني” المدعوم من أنقرة، وسط صمت تركي حذر على الرغم من تبعية فصائل “الجيش الوطني” له، ويبدو أن التغيير في خريطة السيطرة في شمال سوريا يجري تحت أنظار وموافقة تركيا.

الصمت التركي على هذا القتال الذي وقع منذ وقت ليس ببعيد، يشير إلى أنها تخطط لمشروع يسهّل السيطرة والتحكم بهذه الفصائل حسب رغبتها ووقت ما تشاء، خاصة وأن تركيا معروفة بأنها دولة تبحث عن مصالحها الخاصة فقط ودون النظر إلى رغبات الدول والشعوب الأخرى من حولها، لذلك وضعت تركيا مجموعة فصائل المعارضة في قبضة واحدة سهلة التحكم فيها، مما يُسهّل عليها الكثير من القضايا التي تخدم مصالح أنقرة، بما في ذلك تبييض صفحة الحكومة، خاصة مع اقتراب الانتخابات التركية الصيف المقبل، إضافة إلى أن ضعف الفصائل يخدم ما تسعى إليه تركيا منذ فترة، وهو فرض توافق بين المعارضة وحكومة دمشق وجمعهم على طاولة المفاوضات سويا، والتي أعلنتها بوضوح شديد مؤخرا.

تقرير لموقع “ميدل إيست آي” البريطاني، أفاد بأن السلطات التركية تخطط لدمج فصائل “الجيش الوطني” المعارض، الذي تدعمه ضمن جيش موحد وتحت قيادة مركزية. وبالنظر إلى أنه خلال الفترة الأخيرة بدأت أنقرة تتقارب نحو حكومة دمشق بشكل لافت، ومن ثم برزت الرغبة في التقارب من خلال تصريحات المسؤولين الأتراك، بدءا من الرئيس التركي، رجب أردوغان، وصولا لوزير خارجيته، جاويش أوغلو، الذي أكد قبل أيام على أهمية التوصل لحل بين الحكومة السورية والمعارضة السورية، تُثار عدة تساؤلات حول مساعي تركيا للسيطرة على تحركات هذه الفصائل، سواء من أجل الانسجام مع خطتها للتقارب مع دمشق، بالإضافة إلى أسباب أخرى للسعي التركي، قد يكون أحدها القضاء على الوضع الفصائلي المستشري بين الفصائل التي تدعمها أنقرة. وما إذا كانت تركيا ستنجح في تشكيل قيادة جديدة لفصائل “الجيش الوطني”، والهدف التركي من وراء هذه القيادة الجديدة وما قد يترتب عليها من تداعيات.

“قيادة مركزية موحدة”

موقع “ميدل إيست آي “البريطاني، كشف أن السلطات التركية تخطط لدمج فصائل “الجيش الوطني” المدعون من أنقرة، ضمن جيش موحد وتحت قيادة مركزية، بهدف إنهاء حالة “الفصائلية” التي تتسبب بتكرر حالات الاقتتال الداخلية، وكان آخرها قبل أيام في ريف حلب.

هذا ونقل الموقع عن مصادر أمنية تركية أن كل المجموعات والمكونات التابعة لـ “الجيش الوطني” ستُحل بموجب الخطة الجديدة.

المصادر ذاتها أشارت إلى أن جميع الفصائل العسكرية التابعة “للجيش الوطني” ستنسحب من المناطق المدنية، وسيجري تشكيل جيش نظامي بقيادة مركزية، فيما استبعدت دمج “هيئة تحرير الشام” داخل “الجيش الوطني”، لأنها ليست جزءا من الحسابات التركية.

في هذا الإطار يرى المحلل السياسي السوري حسن النيفي، أنه يمكن التأكيد على أن استشراء الحياة الفصائلية في مناطق “غصن الزيتون أو درع الفرات أو نبع السلام”، ربما بدا مشكلة في حد ذاتها، سواء بالنسبة للسوريين بالدرجة الأولى كمواطنين وكذلك الحكومة التركية كراعٍ، ذلك لأن هذه الفصائل استطاعت بالدرجة الأولى أن تفشل حالة الحوكمة الموجودة في تلك المناطق، فكما يعلم الجميع، فإنه من الناحية الشكلية هناك “حكومة مؤقتة” تابعة لـ”الائتلاف السوري” والمدعوم من أنقرة، ولها مؤسسات مدنية تعمل في تلك المناطق وهناك قضاء وهناك قوى أمنية تتدخل بالشرطة العسكرية والمدنية، إلا أن فشل جميع أشكال الحوكمة الموجودة كان سببه وجود الحالة “الفصائلية”، التي كانت عصية على الضبط وظلت تعتبر نفسها أن من يحمل السلاح ويملك القوة هو فوق الجميع.

واقع الحال أن هذه الكيانات العسكرية، أيّ الفصائل والتي تعمل بدون قوانين وبدون مأسسة حقيقية، كان لها الدور الأكبر في إفساد كل أشكال الحوكمة الموجودة في تلك المناطق، على حدّ تعبير النيفي لـ”الحل نت”.

عناصر من “الجيش الوطني” المدعوم من أنقرة “الأناضول”

النيفي يعتقد أن الحكومة التركية إذا كانت تسعى لدمج الفصائل العسكرية في جيش واحد، ربما من هذا الجانب لتزيل عنها الحرج في موضوع انتشار الفساد والفوضى الأمنية، على اعتبار أن النقد الذي يطال تلك الحالة “الفصائلية” كانت تطال الحكومة التركية كونها الجهة المشرفة أو الراعية وربما نتيجة ازدياد النقد المتوجه إلى تركيا ولتزيل عنها حالة الحرج هذه، ربما تلجأ إلى دمج هذه الفصائل في جيش واحد.

مصالحة مع دمشق؟

في سياق متّصل، فإن اقتتال الفصائل والمراقبة التركية دون أي تدخل يشير إلى أنه يصب بشكل أو بآخر في مصلحة التقارب التركي السوري.

من جانب آخر، يمكن أيضا النظر إلى هذه المسألة من زاوية الاستدارة التركية باتجاه التطبيع مع الحكومة السورية بدمشق، ذلك لأن أي تقارب أو أي مشروع مصالحة أو تطبيع مع دمشق يستوجب من الجانب التركي إعادة النظر بالحالة “الفصائلية” أو بمجمل ما يسمى بـ”الجيش الوطني”، الذي ترعاه وتصرف عليه الحكومة التركية، على حد قول النيفي.

في هذا السياق يرى المحلل السياسي حسن النيفي، أنه في كلتا الحالتين؛ سواء كان الهدف التركي هو القضاء على الوضع الفصائلي والفساد أو لسبب آخر يتعلق بالمصالحة مع دمشق، كلا الأمرين قائمان وواردان، وهذه الخطوة التركية إن حصلت، أيّ دمج جميع الفصائل في جيش واحد، هي خطوة تمثل استحقاقا مهما أمام الحكومة التركية، سواء من حيث توحيد الفصائل لما له علاقة بالحوكمة، أو من حيث إذا كان هناك مشروع سياسي مستقبلي مع دمشق.

الصحفي عقيل حسين، بيّن في وقت سابق لـ”الحل نت”، أن تركيا تراقب ما يجري حتى الآن ولم تتدخل، ومن الواضح أنه من صالحها إذا لم تُنهِ هذه الفصائل بعضها، فعلى الأقل ستُضعف نفسها وبالتالي يصبح فرض الحل بين المعارضة وحكومة دمشق أسهل، وهذا ما تريده تركيا وأعلنت عنه بكل وضوح مؤخرا بتصريحات مسؤوليها وكان آخرها على لسان وزير خارجيتها، جاويش أوغلو، و بذلك تكون فصائل المعارضة في أضعف حالاتها فهذا يعجّل بالذهاب إلى طاولة الحوار بين المعارضة وحكومة دمشق، خارج إطار جنيف والقرار الدولي 2254.

ماذا تريد تركيا من الشمال؟

تركيا ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية، تسعى إلى إيجاد حالة من الاستقرار في الشمال السوري لطالما تسببت الفصائل المختلفة بفقدانه، كما تنوي إعادة عدد كبير من اللاجئين السوريين إلى هذه المنطقة، وهذا يتطلب استقرارا أمنيا من جهة، ودعما من الواضح أن تركيا ستعمل على استجراره من دول الاتحاد الأوروبي التي لا ترغب بتدفق المزيد من اللاجئين عبر الأراضي التركية.

مقاتلون من “الجيش الوطني” المدعوم من تركيا ينتشرون على حاجز في منطقة كفر جنة على أطراف بلدة عفرين السورية في 19 تشرين الأول 2022 (AFP)

العديد من المحللين تحدثوا في وقت سابق لـ”الحل نت”، وأشاروا إلى أن سيطرة “هيئة تحرير الشام” على الشمال السوري، بحيث تكون هي الجهة الوحيدة الفاعلة في المنطقة، ستجعل من تركيا اللاعب الرئيسي في الشمال السوري بواسطة “الهيئة”، وبذلك ستعلم الدول الأوروبية أن تركيا هي من تسيطر فعليا، وبذلك سيكون هناك مصلحة أوروبية بدعم تركيا لوقف موجات اللاجئين حيث يقيم في تركيا نحو 4 ملايين لاجئ سوري، فالإبقاء عليهم والحفاظ عليهم في مناطقهم من خلال التنمية الاقتصادية وإنشاء البنى التحتية، وهذا من الأولويات الأوروبية.

يبدو أن تركيا تريد إحكام قبضتها على شمال سوريا وإظهار بعض الاستقرار فيه، ومن ثم تحقيق المصالحة، وإن كانت هشة، بين دمشق ومعارضته، إلى جانب حلحلة ملف اللاجئين السوريين في تركيا وإعادتهم إلى شمال سوريا، مما يعزز فرص حزب “العدالة والتنمية” بزعامة أردوغان في الانتخابات الرئاسية التركية المقبلة، وكذلك تبييض صفحة الحكومة التركية من سجل الانتهاكات والتجاوزات التي ارتكبتها فصائل “الجيش الوطني” المدعومة من تركيا.

الحل نت

—————————

إدلب: الجولاني يضع شروطاً إضافية على “الفيلق الثالث

اجتمع عدد من قيادات “الفيلق الثالث” التابع لـ”الجيش الوطني”، مع زعيم “هيئة تحرير الشام” أبو محمد الجولاني في إدلب، بعد معارك طاحنة أفضت الى سيطرة الأخيرة على مدينة عفرين وريفها، قبل أن تنسحب منها صورياً في وقت لاحق، بضغط من الجيش التركي.

وقال مصدر مقرب من تحرير الشام لـ”المدن”، إن كلاً من القياديين أبو توفيق تل رفعت وأبو عمر حجي حريتان وعبد العزيز سلامة الأعضاء في مجلس قيادة “الفيلق الثالث” و”مجلس الشورى العام”، التقوا مع الجولاني والقيادي العسكري البارز في “تحرير الشام” أبو ماريا القحطاني السبت في إدلب.

وأوضح المصدر أن اللقاء تركّز على بحث تطبيق تعديل الاتفاق القاضي بمشاركة “حكومة الإنقاذ” الذراع السياسي للهيئة، في عملية إدارة منطقة “غصن الزيتون”، وتعديله بطريقة أٌقرب ما تكون لاتفاق جديد. وأبدى قياديا “تحرير الشام” رفضهما لبعض القرارات التي اتخذها الفيلق خلال المعارك، وعدم حلّ بعض النقاط الخلافية التي تطالب بها “تحرير الشام”، أبرزها خروج “جيش الإسلام” نحو منطقة “نبع السلام” وإبعاده عن تشكيل “الفيلق الثالث”.

لكن عضو مكتب العلاقات العامة في “الفيلق الثالث” هشام سكيف، قلّل من أهمية الزيارة، معتبراً أنّ موقف الفيلق “ثابت تجاه جميع ما يؤدي إلى اتفاق مع تحرير الشام، ولم يتخذ أي موقف رسمي حتى الآن في هذا السياق”.

وقال سكيف لـ”المدن”، إن ما جرى هي “زيارات شخصية وباسمهم الشخصي فقط، وليس بتكليف رسمي من مجلس قيادة الفيلق الثالث”، وبالتالي “لا معنى للزيارة”، مؤكداً أنه “حتى الآن لا يوجد أي شيء رسمي”، مضيفاً أن “جميع الأنباء التي تتحدث عن الوصول إلى اتفاق جديد بعد مفاوضات مع تحرير الشام، منفية جملة وتفصيلاً”.

وشدّد على أن موقف “الفيلق الثالث” واضح، شارحاً: “لا نسعى إلى أي اتفاق جديد أو تعديل القديم مهما كان شكل التعديل، ولا نجري أي مفاوضات مباشرة بتكليف رسمي، أو مثل ما جرى بشكل غير رسمي عبر تلك الشخصيات بشكل فردي”.

وتواترت أنباء عن قيام مجلس الشورى العام بعزل القائد العام السابق للفيلق الثالث أبو أحمد نور بالإضافة إلى القياديين أبو العز أريحا وأبو بدر الباب من المجلس، وإحالتهم للمحاكمة بسبب “دورهم الرئيسي بالمعارك الأخيرة مع تحرير الشام والفصائل المتحالفة معها من الجيش الوطني” في منطقتي “غصن الزيتون” و”درع الفرات”.

وحول تلك الأنباء، قال سكيف إن “الفيلق الثالث يجري الآن مرحلة تقييم عامة بعد المعارك الأخيرة مع تحرير الشام، وهي حالة طبيعية وصحية”، نافياً وجود مثل تلك الإقالات في الوقت الحالي.

واندلعت في 11 تشرين الأول/أكتوبر، معارك بين الفيلق الثالث وفرقة الحمزة (الحمزات) في مدينة الباب شرق حلب على خلفية تورط الأخيرة في مقتل الناشط محمد أبو غنوم وزوجته في المدينة، امتدت في ما بعد إلى مدينة عفرين، وتدخلت على إثرها “تحرير الشام” في المعركة لصالح الأخيرة، سبقه انضمام فرقة “العمشات” أيضاً إليها، حيث تمكن ذلك التحالف من السيطرة على المدينة، والتقدم باتجاه معقل “الفيلق الثالث” الرئيس في أعزاز شمال حلب، قبل أن يتدخل الجيش التركي لمنعه.

وعلى الرغم من تدخل الجيش التركي، وقيامه بإنشاء نقطتين عند معبري الغزاوية ودير البلوط الفاصلين بين مناطق الجيش الوطني في “غصن الزيتون” شمال حلب مع “تحرير الشام” في إدلب، إلا أن الأخيرة لاتزال متواجدة ضمن المنطقة، وسط أنباء عن وجود رغبة تركية في مشاركة حكومة الإنقاذ في عملية الإدارة هناك، إضافة إلى منطقة “درع الفرات” في شرق حلب.

—————————

الجولاني: الأمن شمالي حلب مُخترق و”تجربة إدلب” هي الحل

برّر قائد هيئة تحرير الشام “أبو محمد الجولاني” تدخّل قواته واشتباكها مع الفيلق الثالث وفصائل الجيش الوطني السوري في ريف حلب الشمالي، بأن الحالة الأمنية هناك “مخترقة من قبل أعداء الثورة”، بحسب وصفه.

جاء ذلك في كلمة ألقاها “الجولاني” أمس الأحد خلال استضافته الجلسة العاشرة لما يسمّى “مجلس الشورى العام”، زعم فيها أن مناطق ريف حلب الشمالي “مخترقة، وجميع أعداء الثورة لهم تحركات في المنطقة، من (دواعش) وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) وعملاء النظام السوري والروس”، بحسب منصة “أمجاد”

 الناطقة باسم “هيئة تحرير الشام”.

وقال “الجولاني” إن العديد من الخلايا الأمنية التي يتم القبض عليها في مناطق سيطرته بإدلب “تكون قد أتت من الريف الشمالي”، مضيفاً أن الخلل الأمني في الريف الشمالي “هو ما يجعل قسد قادرة على شن تفجيرات بأكثر من منطقة وبشكل متزامن”.

ءلاى

هجوم “تحرير الشام” على عفرين مهّد لمرحلة قادمة.. الواقع الحالي وحسابات الأطراف

وتابع “الجولاني” سرد تبريراته بالقول إن “المخدرات تنتشر في ريف حلب الشمالي، وبحسب كلام الفصائل هناك يقولون إن ما بين 20- 25 بالمئة من عناصر الفصائل يتعاطون المخدرات”. وأضاف: “عندما نقول مخدرات نضيف إلى جانبها الدعارة وفوضى السلاح”، بحسب المصدر.

واعتبر أن أي خطة عمل أمنية أو سياسية أو عسكرية في الريف الشمالي “تفشل أمام تعدد الفصائلية”، مشيراً إلى أن “كل فصيل في الريف الشمالي لديه مفرزة أمنية خاصة وقضاء خاص به وحواجز خاصة وقانونه الخاص”.

وأردف: “الانقسامات تعدت الفصائل وأصبحت عدة جماعات داخل الفصيل نفسه”، وفق تعبيره.

“الفيلق الثالث” يتصدى لهجوم “تحرير الشام” غربي اعزاز.. آخر تطورات الشمال

توحيد ريف حلب الشمالي مع “تجربة إدلب”

وتطرّق “الجولاني” -في معرض تبريراته- إلى ما وصفها بـ “تجربة إدلب”، مستعرضاً الفوارق بينها وبين ما يحصل في الريف الشمالي على مختلف المستويات، السياسية منها والعسكرية والخدمية، لدرجة أنه صنّف إدلب كـ “دولة”، وبأنه يسعى إلى توحيدها مع بقية مناطق الشمال.

وقال قائد “تحرير الشام” إن “السلطة الواحدة في إدلب هي التي أفسحت المجال لعجلة البناء، و(الدول) ذات الإمكانات الكبيرة إن كانت مقسمة فلن تتقدم، وتعتبر دولا فاشلة”. وأضاف: “من يشاهد تجربة إدلب أصبح يعي بشكل يقيني، وليس وعوداً فارغة، أن التوحد تحت سلطة واحدة هو حبل النجاة، والتوحد في إدلب أعطاها كثيراً من المكتسبات بكل مناحي الحياة”.

واستطرد: “اليوم في إدلب إذا حصل خلل في أحد جوانب الحياة كمؤسسة التعليم مثلا، تتداعى باقي المؤسسات بالتعاون مع السلطة لإيجاد حل لهذه المشكلة وهذا ما كان ليحصل لولا التوحد تحت سلطة واحدة”.

وبيّن “الجولاني” أن “مكتسبات إدلب تتعرض لمخاطر كبيرة بسبب فرقة مناطق المحرر بين إدلب والدرع والغصن، وهذا ما يجعلنا نضطر لفصل بعض الملفات بيننا وبين الشمال كالاقتصاد والأمن”. وأردف قائلاً إن “ما يهمنا هو توحيد مناطق الدرع والغصن وإدلب في وجه أعداء الثورة، وخلق بيئة حياة كريمة للأهالي” على حد زعمه.

وقال في ختام كلمته: “جلسنا مع كبرى فصائل ريف حلب الشمالي في محاولة لطرح خطة مشتركة لعلاج المشكلات، إلا أن بعض الأطراف داخل الفصائل كانت تعرقل الحلول تحت ذرائع مختلفة”، بحسب المصدر.

———————————–

الشمال السوري.. “كأنك يا أبو زيد ما غزيت”/ أحمد رحال

اندلاع الاقتتال بين فصائل الجيش الوطني بالشمال السوري لم يكن مستغرباً لكل العارفين بطبيعة عمل معظم قادة هذا الجيش (بعيداً عن عناصره)، والطريقة التي تشكل بها، وأسرار وخفايا المزارع التي يديرونها، وجعلهم المنفعة والتكسب أهدافاً وحيدة يسعون لتحقيقها، بعيداً عن أي هم ثوري أو التزام بالقضية السورية، إلا عبر تصريحات وشعارات لم تعد مقنعة حتى لعناصر هذا الجيش.

حالة عدم الاستقرار العسكري والأمني والاقتصادي التي نتجت عن ممارسات خاطئة لبعض قادة الفصائل، عبر القيام بعيداً عن القضاء باعتقالات عشوائية وكيدية، وملاحقة البعض لأسباب شخصية، مع عمليات التغييب القسري والاغتيالات المتلاحقة للإعلاميين والناشطين الذين يحاولون كشف الحقيقة، كما حصل مؤخراً مع الإعلامي محمد أبو غنوم الذي كشف ملف فساد المخدرات، وحاول الإمساك بكل خيوط الملف لنشره للرأي العام، فكان قرار اغتياله على طريقة “هيك بدو المعلم”، إضافة لتقاسم قادة الفصائل المناطق التي اسموها “محررة” من أجل نصب حواجزهم على الطرقات لجمع “الخوات والإتاوات”، وفتح معابر التهريب مع مناطق سيطرة قوات سوريا الديموقراطية ومناطق نفوذ النظام لجني الأموال، إضافة لنشر آفة المخدرات (الكبتاغون) التي باتت الطريق الأسهل لكسب المال، هذا الواقع المزري أحرج وأغضب الراعي التركي، الذي بات يبحث عن وسيلة لإعادة التوازن لمنطقة يعيش فيها حوالي خمسة ملايين لاجئ ونازح ومقيم، خاصة أن المسؤولين الأتراك تحدثوا مؤخراً عن خطة لإعادة مليون ونصف سوري “طوعاً” من المدن التركية، والواقع الحالي لا يشجع العائدين، وسيحجم أي سوري بالخارج عن العودة بتلك الظروف. أيضاً الحكومة التركية لديها استحقاق انتخابي هام ومفصلي خلال أشهر قليلة، وحالة عدم الاستقرار والفلتان الأمني وعودة الاقتتال البيني للفصائل ليست حالة مثلى، بل ستشكل ورقة ضاغطة قد يستخدمها خصوم حزب العدالة والتنمية الحاكم لتغيير نتائج الانتخابات القادمة.

الصدام الأخير بين الجبهة الشامية، أحد مكونات الفيلق الثالث، مع فصيل الحمزات، لم يكن سببه المباشر قضية اغتيال الإعلامي أبو غنوم وزوجته وجنينها، بل كانت ذريعة اتخذت سبباً لتصفية حسابات ونزاعات سابقة، وكذلك القتال الذي اندلع فيما بعد بين الفيلق الثالث وهيئة تحرير الشام، أيضاً ليس ناجماً عن محاربة الفساد في مناطق غصن الزيتون كما ادعى أبو محمد الجولاني أمير الهيئة، وليس دفاعاً عن مناطق غصن الزيتون والثورة كما ادعى الفيلق الثالث، بل هي صراعات وتضارب مشاريع، فالجولاني لديه خطة ومشروع للسيطرة على كامل المحرر، ويسعى لفرض اندماج قسري بين الحكومة المؤقتة وحكومة الإنقاذ، ومن ثم وضع اليد على كامل ملفات “المحرر” الأمنية والعسكرية والاقتصادية، مما يشكل حالة صدام مع مشروع تحدثت عنه الجبهة الشامية بمعرفاتها وعبر قادتها، مما اعتبره الجولاني تحدياً منافساً فأراد استئصاله قبل تمدده وانتشاره، والمعلومات المسربة من داخل غرفة شورى هيئة تحرير الشام تنبئ أن خطة الهجوم على مناطق غصن الزيتون كانت معدة ومخططة ومقررة للتنفيذ بداية شهر تشرين الثاني/ نوفمبر، لكن اندلاع القتال مع حليف الهيئة فصيل الحمزات استدعى تقديم موعد التنفيذ.

كثيرة هي الأسئلة التي راودت عقول المهتمين بالشأن السوري حول عمل وتبعية الجيش الوطني، ومن صاحب القرار فيه، وتشظيه لثلاثة أقسام، ما بين مدافع ضد أرتال هيئة تحرير الشام بغزوتها لعفرين، وما بين مدافع، وما بين من اتخذ الحياد خياراً وابتعد عن القتال دون أي التزام (كما كان يفترض) بالدفاع عن باقي مكونات الجيش الوطني الذي يتعرض لحملة إبادة، أو واجب الدفاع عن الحاضنة الشعبية كونه جهة وحيدة حاملة للسلاح، وأكثر الأسئلة كانت: هل تمردت بعض الفصائل على الضامن التركي وخرجت عن طوعه، وهي التي التزمت بكل الأوامر الصادرة عن تركيا منذ تأسيس الجيش الوطني، والتزمت أيضاً بكل ما تعهدت به أنقرة لموسكو من خلال تفاهمات وتوافقات أستانا التي أغلقت كل جبهات القتال مع نظام الأسد وحلفائه، وأبقتها مفتوحة فقط حيث تريد في جبهات قسد وليبيا وأذربيجان، فكيف حصل ما حصل؟

من المؤكد أن التغيير بتموضع فصائل الجيش الوطني لم يكن تمرداً ولا يجرؤ أحد على التمرد أساساً، ولم يكن عصياناً للأوامر، بل كان ناجماً عن تنازع بالمسؤوليات بسبب تعدد الجهات التي تدير الملف السوري في الجانب التركي، ما بين وزارة دفاع ووزارة داخلية واستخبارات، والتجربة تقول إن تعدد جهات التعاطي مع ملف واحد غالباً ما تؤدي إلى تضارب بالأوامر وتضارب بالتعليمات، وبالتالي حصل ما حصل.

انتفاضة الحاضنة الشعبية في مدن وبلدات الشمال السوري الرافضة لهيمنة تنظيم هيئة تحرير الشام كانت البوصلة التي أعادت ضبط المسار، واحتدام القتال الذي تمدد لأبعد من قتال الفيلق الثالث مع أرتال الهيئة، بعد انضمام فصائل لتقاتل لجانب الهيئة وفصائل أخرى لتقاتل بجانب الفيلق، وسع ساحات الاشتباك، أيضاً تسبب الاشتباكات بمقتل مدنيين واحتراق مخيمات لاجئين ونازحين على الشريط الحدودي، يضاف لها الضغط الإعلامي، كلها أسباب دفعت بالجيش التركي للتدخل بعنف فارضاً وقفاً إجبارياً لإطلاق النار بعد اجتماعين متزامنين حصلا في معبري باب الهوي وباب السلامة مع قيادات الهيئة والفيلق الثالث، ومن ثم منح حركة ثائرون مهمة القيام بعمل قوات فصل بين المتحاربين، ثم أعطى الجيش التركي أوامر غير قابلة للنقاش بلزوم مغادرة أرتال هيئة تحرير الشام لكامل منطقة غصن الزيتون والعودة إلى مقراتها في إدلب، ومع تسرب معلومات عن استقدام الجولاني لحوالي ألف سجان وإداري وموظف تم توزيعهم سراً على مفاصل مهمة داخل عفرين بتواطئ من بعض الفصائل، قام الجيش التركي بتشكيل دوريات ميدانية والتفتيش والتدقيق داخل كثير من المناطق طارداً من تم كشفه ليلحق بأرتال الهيئة المنسحبة من عفرين، لكن الكثير من الخلايا التابعة للجولاني ما زالت موجودة.

حسم الجيش التركي للموقف كجهة وحيدة تمسك بالملف العسكري السوري (حالياً)، وطرد أرتال الجولاني من عفرين ومحيطها، وإعادة ترتيب المنطقة، لاقى ارتياحاً شعبياً، لكن ما حصل كشف المستور، وأبرز هشاشة الوضع الأمني والعسكري بالشمال السوري، وسهولة عبور أرتال الجولاني، والطريقة التي تعاملت معها مؤسسات الثورة, أبرزت عطب وسوء أداء تلك المؤسسات التي عجزت حتى عن اتخاذ موقف، أو إصدار بيان يعبر عن موقفها، والترهل بأداء المؤسسات السورية أحرج الجانب التركي الذي بات عليه التدخل بكل صغيرة وكبيرة نتيجة غياب أي مبادرة أو ردود فاعلة من قبل أصحاب القرار الحقيقيين، كان واضحاً أيضاً أن السيناريو الذي كان يريد الجولاني تطبيقه بمناطق غصن الزيتون ودرع الفرات لا ينسجم بتاتاً مع رؤية الجيش التركي وأهدافه، خاصة بعد الإحراج التي تسبب به هجوم الهيئة ونتج عنه تغريدة السفارة الأمريكية في دمشق التي قالت فيها: “إن الولايات المتحدة الأمريكية تشعر بقلق عميق إزاء أعمال العنف أخيراً في شمال غربي سوريا، داعية جميع الأطراف إلى حماية أرواح المدنيين وممتلكاتهم”، والرسالة الموجهة علانية لهيئة تحرير الشام كانت رسالة ضمنية لأنقرة، وتسريبات أخرى تحدثت عن قرب صدور لائحة عقوبات أمريكية، ووضع أسماء جديدة على قوائم الإرهاب الأمريكية قد تتضمن الكثير من أسماء قادة فصائل الشمال الذين قاتلوا مؤخراً ضد الجيش الوطني تحت راية هيئة تحرير الشام المصنفة أمريكياً وتركياً على قوائم الإرهاب، وهذا الأمر سيتسبب حتماً بإحراج وغضب عارم للجيش التركي، وفق تسريبات فإن تسارع الأحداث عجلت بطلب تركي لاجتماع قريب في أنقرة يضم كافة قادة فصائل الجيش الوطني، وأن هناك قرارات قوية وحاسمة ستتخذ بهذا الاجتماع قد تشمل عزل بعض قادة الفصائل وعقوبات لقادة آخرين، وقد يتطور الأمر لعملية إعادة هيكلة وتصحيح للجسم العسكري برمته، لكن الحاضنة الشعبية لديها هواجس مبنية على تجارب سابقة، أن كل تلك الاجتماعات غالباً ما تنتهي بتكريس الواقع عبر إجراءات شكلية ترسخ الموجود، وتعيد الأمور لما كانت عليه، دون أي إجراء حقيقي أو إصلاح أو إعادة هيكلة، ومع بعض التسريبات يبدو أن ما قيل عنها خطة إصلاح ستكرس الواقع كما كان، وتعيد تجربة المجرب دون استبعاد حتى من قاتل ضد الجيش الوطني تحت راية الجولاني، وستكون أهم بنود خطة الإصلاح الجديدة هي طي صفحة الماضي (بعجرها وبجرها)، و(تبويس) شوارب بين المتقاتلين بعد (منسف) يجمع كل الكروش.

ما قام به الجيش التركي في مدينة عفرين ومحيطها كان ضرورة ملحة للداخل السوري ولاقى ارتياحاً شعبياً، فالاستقرار الاجتماعي، وضبط الفلتان الأمني، ووقف الانهيار العسكري، كلها أمور شكلت منذ فترة ليست بالقليلة مطلباً ملحاً لسكان الشمال، وهي ضرورة أيضاً للحليف التركي القادم على استحقاقات داخلية لا تحتمل المزيد من فوضى وضياع وتشتت أصحاب القرار في الشمال السوري، وتهدد كامل مناطق النفوذ التركي، والحاضنة الشعبية بالشمال كانت تأمل أن اللحظة باتت مناسبة لحملة كاملة ومتكاملة تشمل القيام بهيكلة حقيقية لكامل مؤسسات الثورة، السياسية والعسكرية والحكومية، مع ضرورة تفعيل عمل لجان الرقابة والمحاسبة التي تم حلها منذ سنوات، والمواطن السوري يسأل أيضاً وأمام ظهور الثراء الفاحش للبعض، ما الذي يمنع من تشكيل لجنة “من أين لك هذا؟”، لكن يبدو أن أحلام الشعب ستبقى أحلاماً، وأن حراب السلاح وأصحابها والمتحكم فيها سيبقى صاحب الصوت الأعلى وهو من يكتب ما كان وسيكون.

—————————-

الجولاني لم يستسلم..وما زال طموحه السيطرة على مناطق الفصائل

تداولت الأوساط الشعبية المعارضة باهتمام كبير تصريحات زعيم هيئة تحرير الشام أبو محمد الجولاني التي أطلقها خلال ترأسه اجتماعاً لمجلس الشورى العام في إدلب، والذي خصص لمناقشة دعم قطاع التعليم، في 29 من تشرين الأول/أكتوبر.

وعكست تصريحات الجولاني تصميمه على تنفيذ مخططه التوسعي على حساب الفصائل المعارضة التي وصف مناطق نفوذها في ريف حلب بمرتع الجريمة والفوضى الأمنية، وأنها باتت معقلاً لمتعاطي المخدرات ومروجيها، وملاذاً لعملاء النظام السوري وقسد وتنظيم “داعش”.

التركيز على الفساد

وقال الجولاني إن “من يشاهد تجربة إدلب أصبح يعي أن التوحد تحت سلطة واحدة هو حبل النجاة، والتوحد في إدلب أعطاها كثيراً من المكتسبات بكل مناحي الحياة”. وأضاف أن “مكتسبات إدلب تتعرض لأخطار كبيرة بسبب فرقة مناطق المحرر بين إدلب، ودرع الفرات، وغصن الزيتون، وهذا ما يجبرنا على فصل بعض الملفات بينها وبين الشمال، كالاقتصاد والأمن”.

واعتبر الجولاني أن الحالة الأمنية في منطقة ريف حلب مخترقة، وكل أعداء الثورة لهم تحركات في المنطقة، كخلايا تنظيم “داعش” وقسد والنظام السوري، وروسيا، والكثير من الخلايا الأمنية التي قبض عليها في إدلب كانت قادمة من ريف حلب الشمالي.

وقال إن ” أي خطة عمل أمنية أو سياسية أو عسكرية في الريف الشمالي تفشل أمام تعدد الفصائلية، وكل فصيل لديه مفرزة أمنية وقضاء خاص به وحواجز خاصة وقانونه الخاص، فالمنطقة تعيش حالة من الفوضى وتنتشر المخدرات، وبحسب تأكيدات الفصائل هناك يقولون إن 20٪ إلى 25٪ من عناصر الفصائل يتعاطون المخدرات، وعندما نقول مخدرات أضف إلى جانبها الدعارة وفوضى السلاح”.

التحالف مع فاسدين

تصريحات الجولاني الأخيرة بخصوص انتشار الفساد في مناطق سيطرة الفصائل بريف حلب ليست جديدة. ورأى القيادي في الفيلق الثالث وسام القسوم أنها”أسلوب قديم يتبعه لإضفاء الشرعية على عدوانه وهجومه على هذه المناطق والتبرير أمام أتباعه وجمهوره”.

وأضاف القسوم ل”المدن”، أنه “في الوقت الذي يتحدث فيه الجولاني عن المخدرات والفساد نراه يتحالف مع فصيل سليمان شاه وفرقة الحمزة المرتبطين بالفساد والجريمة، حيث تم سابقاً كشف مصنع للمخدرات في قطاع الباسوطة التابع لفرقة الحمزة بريف منطقة عفرين، كما تمت إدانة محمد الجاسم أبو عمشة وبعض القيادات في فصيل سليمان شاه بجرم الفساد بموجب قرار قضائي وثوري منذ أشهر”.

وأضاف أن “الجولاني يريد أن يسيطر على مناطق ريف حلب الشمالي بأي ثمن وأن يتحكم بقرار الثورة ومواردها ولو كان ذلك بالتحالف مع التشكيلات الفاسدة، ولذلك أطلق الناس على هذا التحالف مسمى حلف الرذيلة”، وقال: “يمكن القول إن الجولاني لا يزال مصمماً على تنفيذ مخططاته التوسعية على حساب الفصائل وهذا ما تعكسه تصريحاته الأخيرة بالضبط”.

وشدد على أن الجولاني “لديه أطماع كبيرة في السيطرة والانفراد وسيحاول جاهداً التوغل مرة أخرى على الرغم من أنها ستكون مخاطرة، وهي مهمة صعبة بعدما واجه رفضاً شعبياً، وخطوطاً حمراء تركية منعته من التمدد في هذه المناطق”.

وحاول الجولاني في تصريحه الآخير جاهداً محاكاة هموم القاطنين في مناطق سيطرة الفصائل التي تعاني فعلياً من انتشار المخدرات والجريمة والفساد المستشري داخل المؤسسات العسكرية والأمنية والاغاثية والخدمية، وبنية المجالس المحلية وبمختلف قطاعات العمل المدني التي ما تزال رهينة العسكر الذين يقسمون وظائفها على المقربين منهم.

وأظهرت تصريحاته أنه لا يزال يعول على الانقسامات بين الفصائل ويعمل على زيادتها، وجذب المزيد من المعجبين بإدارته للملفات المدنية والأمنية والعسكرية في إدلب.

——————————–

====================

تحديث 08 تشرين الثاني 2022

—————————-

عجل «القاعدة» في الشمال السوري! فايز سارة

لا يمكن فصل رغبة ومساعي أمير «هيئة تحرير الشام» أبو محمد الجولاني في التمدد والسيطرة على منطقة شمال غربي سوريا عن مساره الطويل الذي بدأ قبل أحد عشر عاماً، معلناً ولادة «جبهة النصرة» في سوريا باعتبارها فرع تنظيم «القاعدة»، هدفها مواجهة نظام الأسد، بدأت مسارها في تفجيرات محدودة النتائج، قام بها عناصرها في دمشق على بوابات اثنين من الفروع الأمنية للنظام.

ومنذ تفجيرات دمشق 2012، أخذ تنظيم «النصرة» مسار تمدد تنظيمي وسياسي، فوسع إطار وجوده وانتشاره في الأنحاء السورية عبر مجموعات علنية أو خلايا نائمة، ونوع عملياته الإرهابية، فشملت، إلى جانب التفجيرات والاغتيالات والحواجز، مواجهات مباشرة مع تنظيمات أخرى في أنحاء مختلفة من المناطق الخارجة عن سيطرة نظام الأسد، وقام بتوسيع مجال أهدافه، التي كانت في البداية مقتصرة حسب المعلن ضد نظام الأسد، وتجاوزه إلى عمليات ضد تنظيمات من جماعات المعارضة المسلحة، وركز بصورة أساسية على تشكيلات «الجيش الحر»، ثم توسعت أهداف عملياته لتشمل أيضاً الكادرات العسكرية والسياسية والناشطين الإعلاميين ونشطاء المجتمع المدني المناهضين لسياسات التنظيم في مناطق سيطرته شمال غربي البلاد أو ما يسميه البعض تجاوزاً «المحرر».

ولم يكن لهذا المسار، أن يتم على نحو ما حدث، لولا جهود بذلها تنظيم «النصرة» وأميره الجولاني، حيث مضى التنظيم في إجراء تبدلات بعضها شكلي وجزء جوهري، ومن الأولى تبدلات في اسمه وصولاً إلى «هيئة تحرير الشام» وفي قليل من قياداته، وإعلان انفكاكه عن تنظيم «القاعدة»، من دون أن يتخلى عن خطه الآيديولوجي وقواعد عمله ومساره الأساسي، وفي الثانية تغييرات في حجم تنظيماته وتنظيمها وتسليحها، كما أجرى تغييرات في سلوك أميره، خصوصاً في انتقاله من شخص بلا اسم يعطي ظهره للكاميرا إلى آخر، تدور حول اسمه ونسبه وتاريخه الروايات، وتأخذ الكاميرا له صوراً قريبة وبعيدة، منوعة طلته بين مقاتل ما زال يقيم في تورا بورا، وممثل في عروض إعلانية قادم من هوليوود عاصمة صناعة السينما الأميركية.

وكما أنه لا يمكن فصل مساعي الجولاني من أجل سيطرة منفردة على شمال غربي سوريا عن تاريخه ومسارات تنظيمه، فإنه لا يمكن فصل ما حصل عن تأثيرات البيئة المحلية والإقليمية والدولية التي أحاطت بالقضية السورية في العقد الأخير، وما شهدته سوريا من جماعات مسلحة بينها «داعش» و«النصرة» المتشابهين إلى حد تنافسهما العلني في تمثيل «القاعدة» بسوريا، وقد حسمه التنظيم الأم في حينها لصالح «النصرة»، كما هو معروف بسبب ما بدا على «داعش» من ثوران دموي، يناقض التطرف العميق والمدروس لـ«القاعدة».

الأهم في شروط البيئة المحلية المساعدة لبقاء «النصرة» وتمددها، أنها جاءت في سياق عسكرة الصراع في سوريا وأسلمته وتسنينه، وكلها جعلت قبوله أمراً ممكناً، وربما تفوق في هذا من خيار اسمه من بين التشكيلات الإسلامية، فقد كان السوريون بحاجة ولو اسمياً لمن ينصرهم في مواجهة ما لحق بهم من ظلم وجرائم نظام الأسد، ولو كانت «جبهة النصرة» أكثر الكاذبين في تلبية ذلك.

وحيث إن الأمر انطلى على قطاع شعبي، فقد كان من الطبيعي، أن يتأثر به قادة بارزون في المعارضة ناصروا «النصرة»، بينهم من كان رئيساً للمجلس الوطني السوري، وآخر كان الرئيس الأول للائتلاف السوري، بل إن أسلحة تم تسليمها لجماعات مسلحة في المعارضة، تم تسريبها إلى «جبهة النصرة» على سبيل الدعم أو البيع في سياق عمليات فساد، وجرى السكوت عن استيلاء «النصرة» على مستودعات هيئة أركان «الجيش الحر» ونهب سلاحها واعتقال ضباطها، وهذا بعض من مؤشرات صراع داخل قوى المعارضة حول الموقف من «جبهة النصرة»، التي كان إرهابها وتطرفها متخفياً وراء واجهة سلاحها وإسلاميتها وسنيتها ومعاداة نظام الأسد يقربها من التنظيمات الإسلامية السياسية والمسلحة، وقد صار أغلبهم في عداد أهداف «النصرة» لاحقاً.

وحازت «جبهة النصرة» وتسمياتها التالية دعماً قوياً وفعالاً من المحيط العربي – الإسلامي، ولم يقتصر الدعم على الإعلام، خصوصاً الشبكات الأكثر تأثيراً ونفوذاً، التي وضعت نفسها في دائرة الداعم لثورة السوريين، بل امتد إلى المجالين السياسي والمادي، فتدفقت المساعدات المالية والعينية من دول وجماعات سياسية وجمعيات مدنية وأهلية، وجرى إعطاؤها تسهيلات عبور للأفراد والأموال والمساعدات علناً أو عبر تواطؤ وغض نظر، وعندما تم توصيف «النصرة» باعتبارها جماعة إرهابية، لم يعدم الداعمون سبل الالتفاف على ما يفرضه الأمر من قيود على مساعدة ودعم «النصرة» بتسمياتها اللاحقة، وكله جرى عبر أجهزة مخابرات الدول، التي كانت تعرف وتتابع ما تقوم به الأجهزة الدولية الصديقة الأوروبية – الأميركية والروسية من التفاف في التعامل مع دول وجماعات موصوفة بالإرهاب وداعمة له بينها نظام الأسد وإيران وكوريا الشمالية.

بين التأييد والدعم ومعهما التواطؤ والسكوت، مضت «النصرة» بتسمياتها اللاحقة إلى ما صارت إليه في الواقع وفي طموحات الإمساك بورقة شمال غربي سوريا بالرعاية التركية أو من دونها، لكن أمراً كهذا، يكاد يقارب المستحيل لأسباب أولها الطبيعة الوظيفية للجماعة، التي يمكن تكثيفها في القيام بمهمات تكتيكية في التعبير عن اتجاه «إسلامي» إرهابي ومتطرف، والقيام بإحداث تبدلات في موازين القوى المحلية من أجل إنتاج نموذج يناسب قوى التأثير والحل الممكن للصراع في سوريا وحولها، إضافة إلى وظيفتها المشاركة في ملء فراغ سياسي قائم.

والسبب الثاني، أنه من غير المسموح لجماعة وظيفية، أن يتم اعتمادها بوصفها جماعة آيديولوجية موصوفة بـ«الإرهاب والتطرف»، حسبما يقال عنها في العالم، وأن يصير لها كيان مستقل أو شبه مستقل، وثمة كثير من الأمثلة لعل أبرزها وأقربها مثال دولة «داعش».

وسط واقع الحال، فإن «هيئة تحرير الشام» بلغت المستوى الأقصى لما يمكن أن تصل إليه جماعة مماثلة، كما حال «القاعدة» الجماعة الأم، والشقيقة «داعش» والمنافسة «قوات سوريا الديمقراطية» و«المعادية»؛ «حزب الله» اللبناني، حيث بلغ تمددها الحد الأقصى، ما يعني أن عليها المراوحة في المكان بانتظار تحول عميق، يأخذ سوريا إلى تسوية، لن تكون الهيئة في خريطتها، وحتى يحين ذلك الوقت فإن وجود الهيئة في الشمال سيبقى طالما رغبت تركيا في استخدامها لضبط المنطقة وإدارتها بعد فشل أصدقاء أنقرة الآخرين، وقد يتمدد دور الهيئة في المنطقة إلى مشاركة في حرب ضد «قوات سوريا الديمقراطية» عدو تركيا الرئيسي، التي تصفها تركيا بأنها «جماعة إرهابية»، كما هي الصفة التركية لـ«هيئة تحرير الشام».

——————————

حزم تركي لتوحيد الشمال وتعزيز المناطق الآمنة/ محمد الشيخ يوسف

انتظرت الأوساط السورية مطولا الموقف التركي من التطورات والأحداث التي شهدتها مناطق درع الفرات وغصن الزيتون مؤخرا من تقدم لقوات هيئة تحرير الشام إلى مدن وبلدات هاتين المنطقتين، وما تبع ذلك من مواجهات مع الفصائل العسكرية الثورية المنتشرة في المناطق الآمنة، ليأتي اجتماع الأربعاء في غازي عنتاب بين الجانب التركي وقادة الفصائل الثورية ليكشف عن موقف أنقرة مما جرى، ووجهة نظر تركيا فيما يتعلق بالتطورات الحاصلة، ليكون هذا التواصل المباشر الأبرز منذ تلك الأحداث، حيث بدا واضحا من خلاله وجود حزم تركي لترتيبات جديدة في المنطقة.

وبات من المعروف أن أنقرة ربما تشعر بخيبة أمل من الوضع القائم في المناطق الآمنة التي عملت على تشكيلها ودفعت مع قوى المعارضة ثمنا كبيرا لتشكيلها سواء عبر بذل الدماء، أو عبر المواجهات الدبلوماسية على الصعيد الدولي، وذلك مع غياب التنسيق بين القوى الثورية، والفلتان الأمني الكبير، والمزاجية لدى قيادات الفصائل، وغياب الاستقرار والأمان، وغياب الدور الحقيقي لوزارة الدفاع في الحكومة المؤقتة، ومشكلات أخرى لا يمكن عدها، وباتت المنطقة غير آمنة ولا تحقق الأهداف التي بذلت أنقرة جهودا كبيرة لتأسيسها وتطهيرها من الإرهاب، لتقديمها كمكان آمن للسوريين الهاربين من بطش النظام والإرهابيين والانفصاليين.

اجتماع غازي عنتاب وإن رشح منه عدة نقاط نشرت عبر بعض وسائل الإعلام، إلا أن المعلومات المتوفرة منها تشير إلى أنه كان اجتماعا من طرف واحد، أي إن الجانب التركي كان المتحدث الوحيد فيه، وقادة المعارضة كانوا مجرد مستمعين فيه، حيث ألقى الجانب التركي كلامه لقادة الفصائل، وأوضح فيه حزم وعزم أنقرة على فرض الاستقرار والأمان في هذه المنطقة، وذلك عبر تشكيل قيادة موحدة للجيش الوطني، ويعني هذا أن ثمة فصائل ستندمج مع الجيش الوطني وأخرى ستختفي عن الوجود، وأن العناصر الذين سيشكلون الجيش الوطني مستقبلا سيخضعون لمعايير جديدة في الاختيار.

المعلومات نفسها تشير إلى أن أنقرة أفادت للمجتمعين معها أنها هي صاحبة القول الأول والأخير في المنطقة وكل شيء يكون بقرارها والتنسيق معها، محملة قادة الفصائل مسؤولية ما جرى في المنطقة بسبب نزاعاتهم وخلافاتهم، ومهددة بنفس الوقت بأن أي أعمال أو تصرفات خارج إرادة أنقرة، يعني ذلك أن من يرتكبها سيكون ملاحقا داخل تركيا أو في سوريا، وربما يشمل مصادرة الأموال والممتلكات، وهذا تهديد قوي من نوعه يشير إلى حزم تركي في إجرائه الجديد، ويؤكد أن أنقرة ضاقت ذرعا من الخلافات المستمرة، وحالة الانقسام الحاصلة في المنطقة، وغياب التنسيق بين القوى، وهو ما يعرض أموال وأرواح الناس للخطر، وتنفي عن المنطقة صفة الأمان.

الموقف التركي يعتبر طبيعيا في إطار محاولاته الدائمة لتسويق المناطق الآمنة على الصعيد المحلي السوري والمحلي التركي وعلى الصعيد الدولي، إذ إن أنقرة ترغب بمزيد من التطوير وإعمار وتنمية هذه المناطق تشجيعا للاجئين والنازحين بالعودة إليها، وتقديم نموذج لحياة كريمة للسوريين بعد سنوات الثورة التي أدت لوحشية من قبل النظام ضدهم، وتعمل تركيا في كل منصة دولية للحديث عن هذه المناطق والتشجيع على دعمها، حتى أمام الدول الضامنة التي تصطف لصالح النظام تدافع أنقرة عن هذه المناطق وأهميتها، وبالتالي هناك ضرورة لأن تكون مستقرة آمنة بشكل دائم بعيد عن الخلافات والفلتان الأمني.

ويضاف لما سبق سعي أنقرة لتوسيع المناطق الآمنة، حيث إنه بات معروفا أن أنقرة لديها خطط لتوسيع المناطق الآمنة لتشمل كذلك مناطق تل رفعت ومنبج وغيرها من المناطق من مثل عين العرب، وهي تنتظر الفرصة المناسبة لهذا الأمر، منها التوقيت المناسب، وهذا التوقيت سيأتي ولحين ذلك تلجأ الدبلوماسية التركية لتهيئة الظروف المناسبة عبر نزع الأسباب التي تؤدي إلى معارضة الدول الفاعلة على الساحة السورية للعمليات العسكرية الجديدة، والمقصود هنا تحديدا إيران وروسيا، واللتان دعتا أنقرة لحوار النظام في مسألة محاربة التنظيمات الانفصالية، وتفاعلت أنقرة معه لتحقيق عدة أهداف رغم إيمانها بعدم فاعلية حوار النظام.

وتهدف أنقرة إلى كسب الوقت لتأسيس التوقيت المناسب من أجل توسيع المنطقة الآمنة، عبر عمليات عسكرية جديدة في المنطقة، وأهم الأهداف هو انتزاع التفاهم مع روسيا لتسمح بالعمليات الجديدة، إذ إنه من الواضح لأنقرة أن حوار النظام لن يؤدي لنتيجة تذكر، والهدف الثاني هو توجيه الرسائل للرأي العام المحلي والدولي بأن أنقرة منفتحة على كل الخيارات ولكن الجانب المظلم في الأمر هو نوايا النظام المواصل لسياساته منذ بداية الثورة، وهذه الرسائل أيضا ستتفهم الموقف التركي لاحقا، والنقطة المهمة هي قرب موعد العمليات العسكرية الجديدة من المرحلة الانتخابية، لأهمية ذلك على الرأي العام الداخلي وتفهمه لها، وهذه الأهداف هي محددات بنفس الوقت ومؤشرات لانطلاق العمليات العسكرية المقبلة.

إن ما حصل في المنطقة مؤخرا من اضطرابات هي فرصة لأنقرة من أجل توظيف هذه الحالة لتوحيد القوى العسكرية الموجودة في المنطقة في بنية واحدة يسهل معها اتخاذ القرارات والتنسيق وتأمين المناطق وحمايتها، وتفعيلها من أجل أي تحركات مستقبلية لتوسيع هذه المناطق، كما أن هذه المناطق في حال استقرت ستحقق مزيدا من الاستثمارات وإعادة الإعمار وسيكون تسويقها دوليا أفضل، ما يدعم عملية توسيع حدود هذه المنطقة مستقبلا، بما يشمل مناطق أخرى تدفع بقرابة مليون سوري آخر للعودة إلى قراهم وبلداتهم، ولهذا فإن توحيد القوى في هذه المنطقة يسهل عملية التنسيق والتحرك وضبط الأمور واتخاذ القرارات لمواجهة الأخطار في المنطقة وعلى رأسها خطر النظام وإرهاب المنظمات الانفصالية، ويمكن لأنقرة أن تعول على الجسم العسكري الجديد بقيادته الموحدة في المهام الموكلة الجديدة له مستقبلا لتوسيع حدود هذه المناطق.

ووصولا لهذه الأهداف كان اجتماع غازي عنتاب حازما وحاسما للانتقال إلى مرحلة جديدة من ضبط المنطقة ومزيدا من السيطرة على مجريات الأحداث فيها، وبالتالي ستعمل أنقرة على إعادة تنظيم وترتيب الأمور في الشمال تمهيدا للتوسعة المطلوبة، ومن المؤكد أن وجود هيئة تحرير الشام لن يكون خيارا مناسبا لتركيا في ظل المواقف المحلية التركية والدولية منها، كما أن الجهاز التنفيذي سيبقى محصورا بالحكومة المؤقتة التي لا تزال تحظى بالدعم الدولي، ومن مؤشرات ذلك لقاء مؤخر جمع رئيس الحكومة المؤقتة عبد الرحمن مصطفى مع مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى إيثان غولدريتش وهو ما يعني أن الثقة لا زالت موجودة في هذا الجهاز التنفيذي ويحتاج لدعم لتفعيله أكثر وتعزيز نشاطه بالمناطق الآمنة، ومن المؤكد أن الاستقرار وإعادة تنظيم الأمور في المناطق الآمنة ستساهم في فعالية الحكومة المؤقتة مستقبلا.

تلفزيون سوريا

كاتب وصحفي

—————————-

استمر 45 دقيقة.. كواليس اجتماع الجيش الوطني والمخابرات التركية ورد فعل “الهيئة”

عقد مسؤولون أتراك اجتماعاً مع قادة في الجيش الوطني السوري، يوم الأربعاء الماضي، بعد هجوم شنته هيئة تحرير الشام وفرقتي الحمزة والسلطان سليمان شاه ومجموعات أخرى من الجيش الوطني، ضد الفيلق الثالث في منطقة عفرين وغربي مدينة اعزاز وريف حلب الشرقي منتصف شهر تشرين الأول الماضي.

واستمر الاجتماع نحو 45 دقيقة فقط، طرح فيه الجانب التركي متمثلاً بمسؤول المتابعة للملف السوري الملقب بـ “أبو سعيد”، خطوطاً عريضة لضبط الأوضاع العسكرية والأمنية والإدارية في مناطق نفوذ الجيش الوطني السوري، إضافة لقواعد عمل جديدة من شأنها تغيير ملامح المنطقة وطريقة إدارتها، فيما لو وجِدت الجدية اللازمة للتنفيذ.

كواليس الاجتماع ونتائجه

تقاطع ما أكدته مصادر خاصة مطلعة على تفاصيل الاجتماع لموقع تلفزيون سوريا، أنه لم يسبق أن حصل مثل هذا اللقاء مع قادة الجيش الوطني والمسؤولين الأتراك، حيث كان مقتضباً واستغرق 45 دقيقة فقط، كما لم يكن هناك ترحاباً بين الطرفين كما جرت العادة خلال اللقاءات السابقة.

وأشار المصدر إلى أن مسؤول متابعة الملف السوري لدى تركيا “أبو سعيد”، وبعض المسؤولين الأتراك، دخلوا إلى اللقاء بعد تجمع قادة الفصائل، وكانت ملامح عدم الرضا واضحة لدى الجانب التركي.

وبدأت الجلسة بتشديد المسؤولين الأتراك على عدم قبول تركيا لدخول “هيئة تحرير الشام” إلى ريف حلب الشمالي، وأنهم فوجئوا بالأمر، فيما توقع المصدر أن يكون سبب هذا الموقف، بعض الضغوط التي مورست من عدة دول لمنع توغل الهيئة بريف حلب.

ودقق الجانب التركي على مسألة إتمام خروج قوات “تحرير الشام” من عفرين، كما طرح عدة بنود للعمل عليها مستقبلاً وضبط الأوضاع بريف حلب، منها تشكيل لجنة استشارية من قادة الفيالق الثلاثة في الجيش الوطني، ووزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة، مهمتها التنسيق مع المسؤولين الأتراك فيما يخص إدارة المنطقة.

وخلال اللقاء طُرح بند لعدم اللجوء إلى اللجان لحل الإشكاليات بين فصائل الجيش الوطني، كما حدث عند تشكيل لجنة لمتابعة ما نُسب من انتهاكات لـ “فرقة السلطان سليمان شاه” بقيادة “أبو عمشة”، أو كاللجنة التي شُكّلت بعد الخلاف بين “الفيلق الثالث”، و”أحرار الشام – القطاع الشرقي”.

وطرح الأتراك بنداً لإدارة المعابر، وتوزيع وارداتها على فصائل الجيش الوطني، وذلك يعني عدم عودة “الفيلق الثالث” للتفرد بإدارة “معبر الحمران” الفاصل مع مناطق سيطرة “قسد” شرقي حلب، ووفقاً للمصدر، هناك غموض حول هذا البند، ويمكن أن يتوسع النقاش حوله خلال اجتماع جديد سيتم عقده اليوم الجمعة، أو غداً السبت.

المحروقات في إدلب

بعد انتزاع معبر الحمران من “الثالث”.. “الإنقاذ” تلغي تراخيص استيراد المحروقات

وجاءت البنود المختصرة التي تلاها مسؤول الملف السوري في المخابرات التركية على الشكل التالي:

    تشكيل مجلس عسكري تحت سقف وزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة

    تسليم الحواجز للشرطة العسكرية

    تسليم جميع المعابر الداخلية إلى جهة يتم تحديدها لاحقاً

    إعادة هيكلة الشرطة العسكرية

    حل كل أمنيات الفصائل وإفراغ سجونها

    عدم التنسيق مع جهات أجنبية إلا من خلال الحكومة المؤقتة

    كف يد المجلس الإسلامي السوري ولجان الصلح عن الفصائل

    إخلاء المدن والمناطق السكنية من القطع العسكرية

    تشكيل مجموعة استشارية من الضباط في وزارة الدفاع

من يضمن إخراج “تحرير الشام”؟

ذكر المصدر أن الهيئة الاستشارية المزمع تشكيلها، هي المعنية بتطبيق البنود المطروحة خلال الاجتماع، بما في ذلك إخراج “تحرير الشام” من عفرين وريفها، مضيفاً أن التحديات القادمة تتمثل بالخروج الحقيقي للهيئة، كونها زرعت عناصرها داخل الشرطة العسكرية والمدنية، بعد تسليمهم بطاقات شخصية صادرة عن “أحرار الشام”، وفرقة “سليمان شاه”.

ولفت إلى أن الجانب التركي ذكر خلال الاجتماع، أنه سيتم استدعاء مسؤولي بعض الفصائل التي تحالفت مع الهيئة، إلى أنقرة لمحاسبتهم، في حين شكك المصدر بذلك، لأن المسؤولين الأتراك كانوا على اطلاع كامل على مجريات الأحداث، وكان بمقدورهم منع توغل الهيئة منذ اليوم الأول للقتال.

سيبلسيبل

كيف شاركت “أحرار الشام” إلى جانب “تحرير الشام” ضد الفيلق الثالث؟

ولم يطلب الجانب التركي عزل أي قيادي في الجيش الوطني، سواء كان ضمن الفيلق الثالث، أو ضمن الفصائل التي تحالفت مع الهيئة، وفي الوقت نفسه شدد على ضرورة عدم التواصل مع دوائر صنع القرار في تركيا، أو بعض الدول والجهات الإقليمية والدولية دون التنسيق مع جهاز الاستخبارات التركي.

ووفقاً للمصدر، لا توجد ضمانة لتنفيذ البنود، لكن وضعت مدة شهرين للتطبيق.

ولم يطرح الجانب التركي دمج “أحرار الشام – القطاع الشرقي” ضمن فصيل “السلطان مراد” كما أشيع، بينما أكد على إلغاء الحواجز التابعة للفصائل وتسليمها للشرطة العسكرية، وتوحيد المعابر بصندوق واحد، وإلغاء “الأمنيات” والسجون ضمن الفصائل.

وجدد الجانب التركي التأكيد على عدم تجدد الاقتتال بين الفصائل في المستقبل، مهدداً بمحاسبة قائد الفصيل الذي يتسبب بأي قتال بين تشكيلات الجيش الوطني.

ما موقف هيئة تحرير الشام؟

لم يصدر أي تعليق رسمي من “تحرير الشام” على نتائج الاجتماع، خاصة أنه جاء بعد تصريحات لقائدها “أبو محمد الجولاني”، اعتبر فيها أن أي خطة عمل أمنية أو سياسية أو عسكرية بريف حلب الشمالي “تفشل أمام تعدد الفصائلية”، مشيراً إلى أن “كل فصيل في الريف الشمالي لديه مفرزة أمنية خاصة وقضاء خاص به وحواجز خاصة وقانونه الخاص”.

وبيّن أن “مكتسبات إدلب تتعرض لمخاطر كبيرة بسبب فرقة مناطق المحرر بين إدلب والدرع والغصن، وهذا ما يجعلنا نضطر لفصل بعض الملفات بيننا وبين الشمال كالاقتصاد والأمن”.

وانتشرت أنباء عن اجتماع عقده الجانب التركي مع قادة “هيئة تحرير الشام” و”أحرار الشام” في منطقة أطمة الحدودية مع تركيا، بالتزامن مع الاجتماع بين الأتراك وقادة الجيش الوطني، ولم تؤكد الهيئة ذلك، كما لم يتسرب عن اللقاء المفترض أية بنود.

وحول رد فعل الهيئة من بنود الاجتماع، قال مصدر في الجيش الوطني لموقع تلفزيون سوريا: “بحسب المعلومات لدينا، موقف الهيئة سلبي وسيئ جداً، كما يوجد إشكاليات داخلية واضحة ضمن الهيئة”، وفق وصفه.

وأضاف: “ظهرت الهيئة أمام الرأي العام أنها ألعوبة وأداة وعصا مسلطة على رقاب الفصائل والحراك الثوري، الذي يرفض استبداد القرار، كما أن بعض الفصائل مثل فرقة الحمزة وفرقة السلطان سليمان شاه وأحرار الشام تفاعلت مع الهيئة وتعاونت معها، بناء على أن موضوع التصنيف على قوائم الإرهاب أصبح من الماضي، لكن عودة الملف إلى الواجهة تسبب بأزمة لهذه الفصائل”.

ما موقف الفيلق الثالث؟

أعلن الفيلق الثالث عن اجتماع لمجلس الشورى ضمن الفصيل لـ “بحث ومناقشة آخر المستجدات في المناطق المحرّرة”، ووفقاً للصور التي بثها الفيلق، كان من أبرز الحضور، قائد الفيلق حسام ياسين، والقائد السابق مهند الخلف (أبو أحمد نور)، ورئيس مجلس الشورى عبد الله العثمان.

وربما أراد الفيلق الثالث توجيه رسائل على تماسك صفوفه من خلال الإعلان عن الاجتماع، وذلك بسبب وجود عدة شخصيات ضمن الاجتماع، قيل إنها عقدت لقاءات مع “الجولاني” بشكل فردي، مثل عبد العزيز سلامة، وأبو توفيق تل رفعت، وأبو عمر حجي حريتان، فضلاً عن وجود قادة المجلس العسكري لـ “تل رفعت”، الذي علّق عمله ضمن الفيلق قبل أن يتراجع عن ذلك.

    #الجيش_الوطني_السوري

#الفيلق_الثالث

اجتماع مجلس الشورى في #الفيلق_الثالث لبحث ومناقشة آخر المستجدات في المناطق المحرّرة. pic.twitter.com/GudjYPDpne — الفيلق الثالث (@legion3td) November 3, 2022

وقال قائد الفيلق الثالث حسام ياسين، في تغريدة على تويتر، إنَّ “وحدةَ الصَّف والراية ووضوح الهدف والغاية، والثبات على مبادئ ثورتكم والوقوف على مطالب حاضنتكم وعدم الخضوع للتهديد والترهيب أو الانجرار خلف نداءات المرجِّفين وأوهام الجبناء الخائفين، أفشل مخططات البغي والعدوان ومشاريع الشر والطغيان فكان موعدكم النصر”.

وأضاف أن “تشتت المشهد الثوري وفقدانه للتماسك ووحدة الكلمة والصف لا يخدم سوى أجندات النظام وميليشيات النهب والإجرام، ويحقق مخططات الشر ومشاريع الخديعة والمكر، ويمهد الساحة لقوى الظلام لطمس أهداف ومكتسبات السوريين ووسم ثورتهم بالفساد والإرهاب”.

    #الجيش_الوطني_السوري

#الفيلق_الثالث

تغريدات القائد العام لـ #الفيلق_الثالث حسام ياسين pic.twitter.com/stAGdPHZjJ — الفيلق الثالث (@legion3td) November 4, 2022

وقال مصدر مطلع على تفاصيل لقاء أعضاء مجلس الشورى في الفيلق الثالث لموقع تلفزيون سوريا، إن الاجتماع ناقش تفاصيل اللقاء مع الجانب التركي، وأبرز البنود التي طرحها المسؤولون الأتراك.

وأشار إلى أن الفيلق الثالث متوافق مع معظم البنود في حال تم تطبيقها بالشكل الصحيح، كما أنه مع إدارة واحدة للمعابر وتوزيع الواردات حسب النسب، وإلغاء الحواجز، ودعم المؤسسات بشكل حقيقي، بما يخفف الضغط على المدنيين ويزيد الثقة بين الفصائل، وفق وصفه.

الجدير بالذكر أن القتال بدأ بين “الفيلق الثالث” من جهة، وهيئة تحرير الشام وفرقة الحمزة وفرقة السلطان سليمان شاه وحركة نور الدين الزنكي وأحرار الشام من جهة أخرى، في الريف الشمالي لحلب، في 11 تشرين الأول الماضي، على خلفية هجوم الفيلق الثالث على مقار لـ “فرقة الحمزة” في مدينة الباب بريف حلب، بعد التأكد من تورط قادة في الفرقة بقتل الناشط الإعلامي “محمد عبد اللطيف أبو غنوم” وزوجته.

وتدخلت “تحرير الشام” لمؤازرة فرقة الحمزة، وهاجمت – بمساندة فرقة السلطان سليمان شاه (العمشات) – مقار الفيلق الثالث في غصن الزيتون، وبذلك اشتعلت شرارة المواجهات التي استمرت لنحو أسبوع، ثم انتهت بتدخل تركي، أعقبه الاجتماع الأخير مع فصائل الجيش الوطني لوضع أسس جديدة لإدارة المنطقة، ويعتمد ذلك على جدية التنفيذ والتزام الأطراف.

———————–

اجتماع “غازي عنتاب” برعاية ضباط أتراك… أنقرة تدير صراع الفصائل المسلحة شمال سوريا/ عبدالله سليمان علي

لا تملك أنقرة عصا سحرية تمكّنها من ضبط الأوضاع في المناطق التي تحتلّها في شمال غربي سوريا. لكن بعض المستفيدين من التبعية لها سارع إلى تسريب صورة مثالية عن الاجتماع الذي شهدته مدينة غازي عنتاب، يوم الأربعاء الماضي، والذي ضمّ ضباطاً أتراكاً وممثلي عدد من الفصائل المسلحة، مشيرين إلى “أن وقائع الاجتماع شهدت تسليم خطة جاهزة من الجانب التركي إلى ممثلي الفصائل من أجل تنفيذها بحذافيرها، وإلا…”.

كان من الواضح من خلال بنود الخطة المسرّبة، عن عمد، أن الغاية الأولى تكمن في رسم صورة حازمة لتدخل الضباط الأتراك، ومدى قدرتهم على ضبط الخلافات بين الفصائل عند وصولها إلى درجة معينة من التفاقم. في حين تمثلت الغاية الثانية، المستخلصة من مقاطعة بنود الخطة وأهدافها المعلنة والمضمرة، في محاولة نسب النصر في موجة الاقتتال الأخيرة، إلى جهة معينة (الفيلق الثالث) ووصم الجهة الأخرى (هيئة تحرير الشام) بـ”الهزيمة”.

بيد أن لا شيء من مجريات الاجتماع، ولا من مقرراته، في حال تأكدت صحة ما سُرّب منها، من شأنه أن يدلّ إلى قدرة الحزم لدى الطرف التركي، ولا على معادلة النصر والهزيمة. بل على العكس تماماً، يمكن بالاستناد إلى بعض التفاصيل المهمَلة، والبنود الضبابية، أن يُستشفّ بسهولة أن اجتماع غازي عنتاب ليس سوى محاولة تركية أخرى ضمن قائمة طويلة من المحاولات التي بذلتها أنقرة، في السابق، من أجل ضبط الأوضاع في مناطق احتلالها، وباءت كلها بالفشل، أو بعدم القدرة على تنفيذ كل مقرراتها، وما استمرار الفلتان الأمني وتجدد حالات الاقتتال بين الفصائل إلا دليل دامغ على ذلك.

وبالرغم من سعي بعض الجهات إلى قراءة مقررات الاجتماع من منظور رغبة تركيا في إعادة هيكلة الجيش الوطني السوري، والعمل على التخلص من النزعة الفصائلية التي تعد السبب الرئيسي للاقتتال، فضلاً عن تركيز قنوات الاتصال بين الجانبين، التركي والجيش الوطني، ضمن هيئة استشارية واحدة، بعد أن كان لكل فصيل قناته الخاصة للتواصل، تضمنت المقررات التي انتهى إليها الاجتماع الكثير من التفاصيل التي تدل إلى امتلاك أنقرة هواجس أخرى قد تكون أكثر أهمية من ملف إعادة الهيكلة.

ويأتي في المقام الأول، هاجس تأثير جهات خارجية على بعض الفصائل ضمن الجيش الوطني. وقد ذكرت التسريبات أن الجانب التركي أبلغ ممثلي الفصائل “عدم فتح أي قنوات اتصال مع الدول أو أي جهة خارجية من دون التنسيق مع أنقرة”.

وهذا البند يشمل، في الواقع، “الجبهة الشامية” التي تهيمن على قيادة “الفيلق الثالث” بالاشتراك مع “جيش الإسلام” إذ طالما وُجهت إلى هذين الفصيلين اتهامات بوجود علاقات تربطهما مع دولة خليجية، وسعيهما إلى فتح قنوات اتصال مع دول أخرى وذلك بسبب علاقتهما المضطربة مع أنقرة لوجود خلافات كثيرة بينهما حول عدد من الملفات أهمها: تجنيد سوريين للقتال في الخارج، وإدارة المعابر، وسياسة التتريك، وغيرها.

وما يعزز فرضية أن الاجتماع، على خلاف القراءات الأولية، تضمن محاولة تركية واضحة لإضعاف “الجبهة الشامية”، أن الضباط الأتراك أوعزوا بضرورة حل كل التكتلات وغرف القيادة المنشأة حديثاً مثل قيادة “عزم” و”هيئة ثائرون” و”حركة التحرير والبناء”. ومن نافل القول أن “الجبهة الشامية” عندما أسست “غرفة عمليات عزم” كانت تهدف إلى اتخاذها مطيّة للسيطرة والهيمنة على كامل الجيش الوطني السوري، وبالتالي فإن القرار التركي القاضي بحلّها وجه صفعة قوية إلى جهود الجبهة وأهدافها.

أما البند الذي أثار الكثير من التساؤلات، والذي يدلّ من حيث ظاهره إلى منح “المجلس الإسلامي السوري دور المرجعية الموحدة للجميع”، فقد زاد من الإبهام والغموض اللذين طالما اتسمت بهما علاقة المجلس المحسوب على جماعة “الإخوان المسلمين” و”جماعة زيد” بالفصائل التي يتكون منها الجيش الوطني السوري، لا سيما أن القرار التركي الذي منح المجلس صفة المرجعية حظر عليه أن يتدخل بين الفصائل.

وقد أدى المجلس الإسلامي السوري، في السابق، دوراً كبيراً في دعم “الجبهة الشامية” ضد خصومها، كما كان له أدوار تحريضية للقتال ضد “هيئة تحرير الشام” في العديد من المنعطفات السابقة التي شهدتها العلاقة بين الجيش الوطني و”هيئة تحرير الشام”. وبالتالي فإن منع المجلس من التدخل بين الفصائل يمكن أن يصب في مصلحة “هيئة تحرير الشام” وبعض الفصائل المتحالفة معها مثل “فرقة سليمان شاه” و”فرقة الحمزة” التي كان المجلس يقف إلى جانب الداعين إلى محاسبة قادتها بتهم الفساد والتهريب.

وما له دلالته في سياق محاولة استقراء النيات التركية من وراء عقد اجتماع غازي عنتاب، أن أنقرة دعت قادة الفصائل لحضور الاجتماع بمن فيهم سيف أبو بكر، قائد “فرقة الحمزة”، ومحمد جاسم أبو عمشة قائد “فرقة سليمان شاه”، وهما الفصيلان المتهمان بالتحالف مع “هيئة تحرير الشام” وتمكينها من السيطرة بسهولة على مدينة عفرين. وعلى الأقل تدل هذه الدعوة الجماعية لخصوم خاضوا اقتتالاً عنيفاً في ما بينهم، إلى أن مساعي تركيا لا تخرج عن إطار التسوية المعتادة مع عدم تغليب جهة على جهة أخرى.

والمفارقة أنه بينما ازدحمت وسائل إعلام المعارضة السورية ومواقع التواصل الاجتماعي بالتسريبات التي تتحدث عن مقررات غازي عنتاب، ذكر نشطاء مطلعون على علاقة الفصائل بأنقرة أنه في الوقت الذي كان ينعقد فيه اجتماع غازي عنتاب، كان ضباط استخبارات أتراك يدخلون إلى بلدة أطمة للاجتماع مع ممثلين عن “هيئة تحرير الشام” و”حركة أحرار الشام الإسلامية”، واستغرب هؤلاء النشطاء أن الاجتماع الأخير لم تخرج منه أي معلومات تشير إلى المناقشات التي جرت فيه أو المقررات التي صدرت عنه.

ويعكس ما سبق أن أنقرة ما زالت تتعامل مع ملف الشمال السوري من منطق “إدارة الصراع” بين الفصائل على أساس حفظ التوازن وعدم الإخلال بموازين القوى، ومحاولة ضمان عدم خروج هذا الصراع عن الحدود التي يمكن أن تمس بالمصالح التركية الأساسية. أما ما يجري تداوله من “حزم” تركي وخطة لضبط الأمور، فإنه ليس سوى محاولة لذر الرماد في العيون، خصوصاً في ظل المواقف الدولية التي استهجنت سيطرة “هيئة تحرير الشام” على مدينة عفرين.

ويعني ذلك أن مناطق الاحتلال التركي في شمال غربي سوريا لن تشهد أي متغيرات جذرية، بل سوف تقتصر نتائج اجتماع غازي عنتاب على فرض تغييرات سطحية بهدف احتواء الاستياء الدولي والعودة إلى سياسة كسب الوقت ريثما تتضح خطوط سياستها الخاصة بالتقارب مع دمشق وما يقتضيه ذلك من اتخاذ خيارات حاسمة على صعيد علاقة أنقرة بالفصائل الرافضة لهذه السياسة.

النهار العربي

——————————

ملامح الخطّة التركية للشمال السوري/ د. باسل معراوي

المقدمات الخاطئة ستقود لنتائج خاطئة، هذه بديهية يؤمن بها الجميع.

لذلك لم يتفاجأ أحد بما جرى في الشمال السوري في الأسابيع الأخيرة ولم يكن الصدام العسكري المباشر بين فصائل من الجيش الوطني أو بينها وبين مجموعة يعتبرها بعضهم إرهابية ويتفق الغالبية على أنها عدوّة للثورة السورية وتحالف مجموعات معها ضد مجموعات تتشارك معها في الجيش الوطني، كان ذلك يعبّر عن فشل الفصائل المنضوية تحت عباءة واحدة بالتوافق أو الاتفاق أو الاندماج أو الدمج بالقوة.. مع أن النبع الخارجي الذي يضخ لها الماء واحد والنبع الداخلي الذي تتغذى منه واحد وهو سبب الخلاف وساحته.

لا يختلف أحد على أن الدعم التركي المباشر هو الاساسي (إن لم يكن الوحيد)، المتوفر الآن ولا خلاف عليه وبالتالي لا يوجد تعدد مرجعيات يقود إلى انتهاج أجندات مختلفة أو متخالفة كما خبر الثوار السوريين ذلك عبر تعدد الجهات الداعمة واختلاف توجهاتها أو أجنداتها.

ولا وجود لخلافات أيديولوجية أو فكرية أو سياسية بينها ونعلم جميعاً أن تلك الفصائل تضم المخلصين والشرفاء (وهم الأغلبية الساحقة) في تكويناتها وهم لا يتقاضون من المال ما يسدّ رمقهم وهم المرابطون على الجبهات مع العدو.

إنما تكمن كل المشكلة في انحراف بعض قيادات الصف الأول في تلك الفصائل، وعدم توفر الإرادة الحقيقية من الجهة الداعمة بتصحيح المسار، بل إن عدم تدخلها قد يفسر أنه رضى عن الحالة السائدة وعدم استعدادها للإصغاء للاستياء الشعبي والتذمّر من تلك الحالة بل وتحميل الحاضنة الشعبية للجهة الداعمة المسؤولية الأكبر في الحالة المأساوية لما وصلت إليه مؤسسات الثورة (العسكرية والمدنية) من سوء وانحراف عن الأهداف التي أنشئت من أجلها، وانعكاس ذلك بالتأكيد على المدنيين.

الخطة التركية المتوقعة للحل

بغض النظر عما تداولته وسائل الإعلام المحلية من أنباء عن اجتماع قادة من الجيش الوطني مع مسؤولين أتراك (من الجيش والاستخبارات)، وصدور النقاط الـ 15 عن الاجتماع الذي عقد في عينتاب، ومع أن أحداً من الفصائل أو الجانب التركي لم ينشر أي شيء عبر معرّفاته الرسمية أو يدلي بتصريح ما، يؤكد حدوث الاجتماع وما صدر عنه أو ينفيه.

إلا أنه يمكن توقع الخطوات التركية المقبلة (أو بعض منها)، وفق قراءة الأوضاع الداخلية (السورية والتركية معاً) والمحيط الإقليمي والدولي.

مما لا شك فيه أن ضغط عامل الوقت على المسؤولين الأتراك سيكون كبيراً بل ومحفّزاً على الإسراع بابتكار حلول أو إخراج الحلول الموضوعة في الأدراج بعد إجراء تعديلات عليها، ولن تكون المعالجة أمنية أو عسكرية فقط، إنما الجزء الأهم سيكون سياسياً وإدارياً ويتولاه سياسيون أتراك وخبرات تكنوقراط.

إن موعد الانتخابات التركية في حزيران 2023 هو ما يدعو الطرف التركي المهيمن على القرار من إنجاز الإصلاحات الممكنة وبالسرعة القصوى.

لاشك أن الإخوة الأتراك تعاملوا خلال الفترة حتى عام 2020 في المناطق الثلاث (درع الفرات، غصن الزيتون، نبع السلام) التي يقومون بحمايتها من اعتبارها مناطق أمنية ممكن أن تشهد تحولات بخرائط السيطرة حيث لم يكن من السهل الوقوف بوجه التسونامي الروسي الذي يريد (ولا يخفي ذلك) من استعادة كل الجغرافيا السورية إلى حظيرة النظام، ولن يكون مصير المناطق الثلاث مع إدلب أفضل حالاً أو مستثناة من مصير الجنوب السوري والغوطة الشرقية وأرياف حماة وحمص وحلب وإدلب التي ابتلعها إلى أن توقف المدّ الروسي عند خطوط القتال الحالية.

كانت تفاهمات موسكو بين القيصر والسلطان في آذار 2020 هي ما ثبتت خطوط القتال الحالية معتبرة أن المناطق الثلاث هي مناطق وقف إطلاق نار، وإدلب أو (ما تبقى منها) هي مناطق خفض تصعيد بسبب وجود هيئة تحرير الشام والسبب الأهم هو وجود قوّة تركية عسكرية حقيقية مع إرادة سياسية لحمايتها من أي اجتياح بري.

مع ثبات تلك التفاهمات والاتفاق الضمني على أن تكون مناطق الشمال السوري شبه آمنة، تبقى ملاذاً للهاربين من بطش النظام السوري وحلفائه، وتمنع تدفق المزيد من اللاجئين إلى الداخل التركي وتصيب الكردور الكردي في مقتل، ريثما يتم حسم وضعها مع التسوية الشاملة للملف السوري برمّته.

بدأ اهتمام تركي وأوربي وأممي ببناء بيئة لاستقرار المدنيين، حيث بدأنا نلمس في الشمال السوري الاهتمام ببناء أساسيات البنى التحتية من طرق ورصفها أو تعبيدها، ومدّ شبكة كهرباء تغطي كل المنطقة وتقسيم المناطق بحيث تتبع إدارياً لولايات تركية تسهيلاً لإدارتها، وتفعيل نواة الشرطة المدنية والقضاء، وبعض المؤسسات الخدمية كالسجل العقاري والمدني ودائرة المواصلات لتسجيل المركبات، إضافة لبدء التعامل النقدي بالليرة التركية وافتتاح فروع لمؤسسات تركية رسمية كالبريد التركي (PTT) وافتتاح كليات تتبع لجامعات تركية رسمية.

ولا أريد أن أذكر كل الإنجازات أو المنجزات، ما يهمني هو أن الاهتمام كان منصبّاً على البيئة المدنية ودون الالتفات لسواها.

إلا أن الإدارة التركية للمنطقة أغفلت الجانب المهم أو الأهم المتعلق بالشأن العسكري ليس من ناحية تنظيمه فقط بل من غض النظر على تغوّله على البيئة المدنية.

حيث لم يعد خافياً فشل عملية الهيكلة العسكرية تحت مسمى الجيش الوطني، الذي شكّل عباءة واهية أو هلامية لحالة فصائلية مقيتة داخله حتى لم يتمكن من أداء وظيفة ورقة التوت التي تستر العورات الفصائلية، وتحولت مناطق الشمال إلى شبه إقطاعات فصائلية حازت على السلطة المطلقة والتي ستؤدي حتماً إلى المفسدة المطلقة.

مع جمود الجبهات واقتصارها على المناوشات وإرسال الرسائل، وللحقيقة فإن أغلب تلك المناوشات تأتي للرد على انتهاكات قوات النظام وميليشيات ما تسمى بـ “قوات بسورية الديمقراطية”، تحوّل الجهد العسكري الفصائلي إلى الساحة المدنية بمحاولة السيطرة على أكبر قدر من المغانم عبر البوابات الحدودية ومعابر التهريب أو عبر إنشاء شركات تجارية شبه احتكارية للسيطرة على الأنشطة الاقتصادية مع عدم مراعاة أي قانون، إذ تملك الفصائل أمنيات وسجون، ولها إصبع بالقضاء يحميها من أي مساءلة، بل أي نقد حتى.

وليست حادثة مقتل الناشط محمد أبو غنوم بتلك الطريقة البشعة والوحشية إلا غيض من فيض من سلسلة ارتكابات وانتهاكات لا حصر لها.

وكما كانت مؤسسة الجيش الوطني صورية، كانت وزارة الدفاع التابعة للحكومة المؤقتة كذلك. ولم يتم منحها أية صلاحيات حقيقية بإدارة الملف المدني، فكان من الطبيعي أن تعجز عن ذلك بإدارة الملف العسكري عبر وزارة الدفاع التي تتبع لها.

لذلك، وحرصاً من الحكومة التركية على تحقيق هدف استراتيجي وملحّ ومعلن، بإعادة أكثر من مليون لاجئ سوري من أراضيها إلى الشمال قبيل انتخابات الصيف المقبل والظهور أمام الناخب التركي أنها بدأت جدياً بمعالجة قضية اللجوء السوري، ويلزمها مدة أخرى بسدّة السلطة لكي تتمكن من تنفيذ برامج إعادتهم إلى بلدهم، ويسير ذلك بالتوازي مع انفتاح تركي معلن على النظام السوري.

من المتوقع أن تقوم الحكومة التركية برسم صورة واعدة أو مشرقة تغري اللاجئ السوري بالعودة، ويتضمن ذلك الاهتمام بالجانب الأمني والخدمي والاقتصادي والمعيشي (خاصة مع وجود أنباء عن استعداد دول خليجية لتمويل ذلك).

ومن أهم الاصلاحات المتوقع إجراؤها كف يد الفصائل عن المجتمع والموارد والارتكابات الأخرى والتفرغ لعملهم الرئيسي بحماية المنطقة على خطوط القتال وفي الثكنات العسكرية.

إن تسليم إدارة المعابر الخارجية والداخلية (المنوي افتتاحها) لسلطات الحكومة المؤقتة وتجميعها بصندوق يكون أشبه بميزانية لها للإنفاق منها على العسكريين والمدنيين، هو من أهم الخطوات الإصلاحية، مع تغيير هيكلي ببنية الشرطة المدنية والعسكرية كجهة وحيدة للحفاظ على الأمن وإبعاد الشخصيات الفصائلية وغير النزيهة منها.

إن تجفيف موارد الفصائل ونزع تدخلها بالحياة المدنية وخاصة إغلاق أمنياتها وسجونها، هو الأمر الكفيل بإخضاعها للسلطة المدنية التي تتولى عبر وزارة الدفاع صرف مستحقاتها المالية والإشراف على أعمالها كاملة، هو ما سينهي حالة الفصائلية خلال مدة قصيرة ويتم بناء قوات محترفة ومدربة بتعداد يقرره المعنيون، هي الخطة المتوقعة التركية والهادئة لطي صفحة الفصائل.

وأظن أن هذا ما تريده أنقرة وما تتمناه حاضنة الثورة كلها، وكما يدور في الكواليس الشعبية فإن قرارات تركية حازمة وضعت قيد التنفيذ وليس للمناقشة.

نينار برس

———————————

====================

تحديث 15 تشرين الثاني 2022

—————————–

معركة الشمال الأخيرة: أبعد من السلاح/ حسام جزماتي

كان الوجه العسكري هو الأبرز في الصراع، الذي نشب بين هيئة تحرير الشام والفيلق الثالث في الجيش الوطني أساساً، الشهر الفائت، لكنه لم يكن الأعمق. فعلى خلاف معارك داخلية سابقة لاحظ المراقبون والجمهور أن الهيئة خاضت حربها، هذه المرة، بوصفها وسيلة اضطرارية عارضة لتحقيق هدف سامٍ معلنٍ هو توحيد المناطق المحررة تحت سلطة مدنية واحدة تضبط الأمن وتنظم الحياة، بالإضافة إلى تركز القوة العسكرية في يد قيادة واحدة تمهيداً لمعارك مفترضة قادمة مع النظام بصفوف مرصوصة.

من المعروف أن مظاهرات كثيرة خرجت ضد رغبة هيئة تحرير الشام في حكم المناطق المستهدفة. غير أنه من العادل أيضاً ألا نغفل عن رأي، لا تمكن الاستهانة بحجمه، يريد الخلاص من الفوضى الفصائلية ولو إلى “الجحيم” وعلى يد “الشيطان”.

المنطقتان متجاورتان، أي إدلب وشمالي حلب، ولا يجهل سكان الأخيرة ما يجري في الأولى من تسلط أمني واحتكار اقتصادي للموارد العامة وخصصتها لتستثمرها الهيئة عبر أمرائها ومن يشاركهم أو يلوذ بهم. غير أن السكان المستهدفين، الذين لم يذوقوا كل ذلك منذ زمن طويل، فضّلوه على تعدد “الأنظمة” والحواجز والأمنيات في مناطق السيطرة الشطرنجية الصغرى لفصائل متنافسة.

من جهته، عزف إعلام الهيئة على لحن “الناس تعبت” واشتاقت إلى حكم مركزي تعرف ضوابطه فتتعامل معه ونواهيه فتتجنبها. ولم يكن هذا فشلاً للفصائل فقط، بل إخفاقاً لتجربة اللامركزية التي انفتحت أمام سكان المناطق التي خرجت عن سيطرة النظام. وكان الحكم المحلي هو أحد الوعود الوردية التي أطلقتها الثورة، فضلاً عن أنه ضرورة لإدارة هذه المناطق بانتظار الانتقال السياسي.

وكما بهتت الشعارات المركزية في الحرية والكرامة والعدالة، بعد عِقد من العذاب، تلطخت الإدارة المحلية بالطموحات الشخصية والعصبيات العائلية والفصائل المناطقية التي عمدت إلى استنزاف الموارد، المشروعة وغير المشروعة، لتغذية فرعونية المعلّم وزعرنة مقرّبيه وتوسعة سجونه، في غالب الأحيان.

لا تنفرد الهيئة بامتلاك هذا “الوعي” بنفسية السكان وخيباتهم، بل تشترك في ذلك مع كل الطغاة على اختلاف قياساتهم. وهنا يجدر أن نتذكر أن الوعد الذي قدّمته جدتها داعش لجمهور المناطق التي استهدفتها، فضلاً عن الحكم الإسلامي، كان القضاء على المفسدين، والسلطة المركزية القوية بأنظمة صارمة. لم يكن هذا النموذج ضعيف الجاذبية بعد سيطرة فصائلية كذلك، وما يزال يلعب دوراً في حنين البعض إلى أيام “الدولة” في مناطق تحولت، بعدها، إلى حكم سائل.

تشغل المركزية موقعاً محورياً في تفكير السوريين بالشأن العام. وفي استطلاع رأي جرى قبل أعوام تبيّن أنها ما تزال تحتل مكانها نفسه لدى سكان مناطق سيطرة النظام، في حين تزحزحت عنه قليلاً في المناطق المحررة مع نهضة المجالس المحلية وقتئذ، أما في مناطق هيمنة الإدارة الذاتية فقد طُرحت اللامركزية شعاراً سياسياً في مواجهة حكم دمشق الشمولي وظلت المركزية هي أسلوب الحكم الفعلي. ولا نضيف جديداً إن قلنا إن ذلك، بمجمله، يعود إلى تكريس المركزية في عقود رئاسة الأسد الأب الذي لم تغيّر التلوينات، الجزئية والمتضاربة، التي أجراها ابنه في طبيعة نظامه جوهرياً.

وبناء على ذلك تنفتح المركزية بشكل انسيابي على حكم الفرد وتفضي إلى الدكتاتورية وعشق المستبد، عادلاً كان أم مدّعياً للعدالة. وهنا نعود إلى الهيئة التي قدّمت نفسها برأس واحد مستدام مقابل رؤوس عديدة متناحرة ومتغيرة. ورغم أن أبا محمد الجولاني لا يحوز كاريزما لافتة، ولا يقترب من صورة الطاغية المهيب كما يجسدها صدام حسين مثلاً، خاصة مع التحولات الشبابية لظهوره، إلا أنه الطاغية الوحيد المتاح بعد قتل أبي بكر البغدادي والتقاط خلفائه من بعده واحداً تلو الآخر ونشر صورهم التي تشبه وجوه صغار المشبوهين في نشرة شرطية.

لقد أحدثت معارك الشمال الأخيرة رضّاً هزّ مناطق سيطرة الجيش الوطني. ومن المأمول أن تسفر القرارات التي أُعلن عنها قبل أيام إلى تغيير كثير من علائم الفوضى العسكرية والأمنية التي كانت حجة الهيئة ومدخلها إلى هذه المناطق بالتحالف مع بعض الفصائل وتحييد أخرى. غير أن مشكلة ميلنا إلى الحكم المركزي، ووصولاً إلى الاستبدادي، أعمق من أن يحلها أي قرار. وهي تحيل إلى ضرورة انتظار تراكم طويل في الوعي والتجربة لدى السوريين قبل أن يستطيعوا بناء شكل الحكم المناسب.

تسير المؤشرات في اتجاهات متضاربة. ففي حين يتلقّى سوريون دورات في مزايا الحكم المحلي وينتشر بينهم الوعي به إلى درجة غير مسبوقة؛ يدفعهم ماضيهم وحاضرهم إلى الغرام بالحكم “بقبضة من حديد”.

وفي وقتٍ وصلت فيه صورة دكتاتورهم السابق، بشار الأسد، إلى أدنى قعر من التهافت؛ يبدون قليلي المناعة تجاه مستبدين يحتاج حضورهم إلى مساند لتثبت. وبينما يحلمون بالحرية والعدالة والعيش الكريم؛ تحملهم الأزمة الاقتصادية على الاستزلام لمن تيسّر مقابل الفتات.

في 2011 لم يكن عموم الثوار يظنون أن المسيرة ستطول إلى هذه الدرجة، ولا أن المخاض سيتفاقم إلى هذا الحد ويبلغ هذا القدر من الاختلاط. ورغم ذلك فإن التحول السوري غير عكوس، ولا تفعل التعقيدات سوى زيادة مسافة الطريق. ليس هذا أمراً قليلاً دون شك، ففي الانتظار يمضي أناس أعمارهم ويموت آخرون وينشأ جيل ضائع. لكن توقيت ساعة بدء الخلاص ليس بيد أحد.

تلفزيون سوريا

—————————

تداعيات غزوة عفرين… “أحرار الشام” تتمرّد على مقررات “غازي عنتاب”/ عبدالله سليمان علي

في الوقت الذي تبذل الاستخبارات التركية جهوداً حثيثة من أجل وضع مقررات اجتماع “غازي عنتاب” الرامية إلى ضبط التوتر في الشمال السوري، موضع التنفيذ، عادت “حركة أحرار الشام الإسلامية” إلى صدارة المشهد بعد إعلان بيان “انقلابي” عن عدد من الكتل المكوّنة للحركة، يقضي بعزل القيادة العامة التي تحالفت مع “هيئة تحرير الشام” في غزوة عفرين الأخيرة، وتعيين قيادة جديدة لديها توجهات مغايرة تماماً.

وجرت العادة في الأعوام الأخيرة أن تكون الأحداث التي تجري في كواليس حركة “أحرار الشام” بمثابة مؤشر هام على طبيعة التطورات التي يمكن أن تحدث على صعيد علاقات الفصائل الموالية لتركيا بين بعضها بعضاً.

وأصدر عدد من الكتل والألوية التي علّقت، خلال الأسابيع الماضية، عملها ضمن “أحرار الشام” من دون أن تنفصل عنها، بياناً، أمس الثلثاء، يتضمن عزل القائد العام للحركة عامر الشيخ وتعيين يوسف الحموي الملقب بـ”أبو سليمان الحموي” مكانه. وقد وقّع على “البيان الانقلابي” كلٌ من لواء الإيمان (محافظة حماة) ولواء الخطاب (سهل الغاب)، وقوات النخبة في لواء العاديات (سهل الغاب)، ولواء الشام (دمشق)، وكتيبة الحمزة (إدلب). وكل هذه المكوّنات لديها خلافات عميقة مع القيادة الحالية بسبب ميلها نحو التحالف مع “هيئة تحرير الشام” ضد الفصائل الأخرى.

وجاء في البيان أن حركة “أحرار الشام” بقيادتها الجديدة “ستنزع الشرعية من القيادة الحالية التي لا تمثل “أحرار الشام” وحلّ مجلس القيادة الحالي، والتواصل مع أبناء الحركة للعمل على تشكيل مجلس قيادة جديد وفق ميثاق الحركة، ومنطلقاتها”.

وكانت حركة “أحرار الشام” قد شهدت قبل حوالى عامين انقلاباً نفذه حسن صوفان، القائد العام الأسبق للحركة، بالتنسيق مع “هيئة تحرير الشام”، وقد أسفر في حينه عن خلع جابر باشا عن رأس الحركة وتعيين عامر الشيخ مكانه، مع حل مجلس شورى الحركة والاستعاضة عنه بمجلس قيادة ينتمي معظم أعضائه إلى الجناح المقرب من “هيئة تحرير الشام”.

وتزامن صدور البيان الانقلابي الأخير مع تسريب المقررات التي صدرت عن اجتماع غازي عنتاب الذي انعقد يوم الأربعاء الماضي بين ضباط أتراك وعدد من ممثلي الفصائل المسلحة بهدف إعادة هيكلة الجيش الوطني السوري وضبط الفلتان الأمني والعسكري في منطقتي درع الفرات وغصن الزيتون.

ويشكل هذا البيان أول مؤشر على رفض العديد من الفصائل لمقررات اجتماع غازي عنتاب، وعلى رغبتها في التصدي لها والحيلولة دون تنفيذها لما يمكن أن يتسبب فيه ذلك من مساس بموقعها ومصالحها وحجم نفوذها في المنطقة.

ويعتبر بعض المراقبين أن نجاح الانقلاب الأول في حركة “أحرار الشام” قبل عامين، كان من أهم العوامل التي جعلت أبو محمد الجولاني يقتحم مدينة عفرين من دون أي مقاومة تذكر، مشيرين إلى أن القيادة التي جاء بها الانقلاب ممثلة بعامر الشيخ ومجلس القيادة الذي حلّ محل مجلس الشورى، لعبت دوراً بارزاً في تغيير خريطة التحالفات في منطقة غصن الزيتون على نحو جعل الفصائل المناهضة للجولاني غير قادرة على الوقوف بوجه أرتاله التي اقتحمت المدينة قبل حوالى ثلاثة أسابيع.

غير أن عامر الشيخ جاء وفريقه إلى قيادة أحرار الشام بناءً على ضغوط مارستها الاستخبارات التركية، في حينه، من أجل احتواء التداعيات التي ترتبت على الانقلاب الذي قاده حسن صوفان. وقد ذكرت المعلومات آنذاك أن فكرة حلّ مجلس الشورى واستبداله بـ”مجلس قيادة” هي فكرة اقترحتها الاستخبارات التركية وضغطت من أجل تطبيقها. وقد تبين لاحقاً أن عامر الشيخ نفسه هو من دعاة التحالف مع “هيئة تحرير الشام”، وقام بتعيين مجلس القيادة من أعضاء لديهم الميول ذاتها، وهو ما جعل حركة “أحرار الشام” تحت قيادة عامر الشيخ وفريقه، تتماهى مع توجهات الجولاني ورغبته في توسيع نفوذه وصولاً إلى منطقة غصن الزيتون.

وعليه، فإن البيان الانقلابي الذي صدر أمس الثلثاء، يطرح العديد من التساؤلات حول مرجعيته والجهة التي تقف وراءه، لا سيما أنه يستهدف عزل القيادة التي ضغطت الاستخبارات التركية من أجل تعيينها بعد الانقلاب الأول.

وتمثل الألوية والكتل التي أصدرت البيان الانقلابي، جناحاً واسعاً في صفوف حركة “أحرار الشام” يميل إلى التحالف مع “الجبهة الشامية” التي تقود “الفيلق الثالث” من مرتبات الجيش الوطني السوري. والمفارقة أن المساعي التي كانت تبذلها قيادة “أحرار الشام” بهدف الاندماج مع الجبهة الشامية، كانت من أبرز الأسباب التي دفعت الجولاني إلى التنسيق مع حسن صوفان لتنفيذ الانقلاب الأول، لأنه كان ينظر إلى الاندماج بين “أحرار الشام” و”الجبهة الشامية” على أنه من اسوأ المشاريع التي يمكن أن تهدد نفوذه وتسحب البساط من تحت قدميه.

وبالتالي لا يمكن استبعاد أن تكون “الجبهة الشامية” قد لعبت دوراً ما في تحريض هذه الألوية والكتل كي تقوم بانقلاب على الانقلاب السابق بحيث تعود حركة “أحرار الشام” إلى عباءتها، أو على الأقل تنقسم إلى قسمين، يكون أحدهما تابعاً لها، والقسم الثاني تابعاً للجولاني.

وتُوجّه إلى “الفيلق الثالث” الذي تقوده “الجبهة الشامية” اتهامات بأن له ارتباطات إقليمية ودولية مناهضة لتوجهات أنقرة في إدارة الملف السوري، خصوصاً لجهة سعيها للتقارب مع دمشق. ويذكر بعض المراقبين أن “جيش الإسلام” الذي يمثل ثاني أكبر مكوّن داخل الفيلق الثالث، والحليف الأبرز لـ”الجبهة الشامية”، ساهم في تقوية علاقات الفيلق الثالث مع دولة خليجية كانت تدعم “جيش الإسلام” عندما كان يعمل في الغوطة الشرقية، في إشارة إلى السعودية، وأن الأخيرة وجدت في دعم هذه الفصائل منفذاً لها من أجل التأثير في التطورات في شمال غربي سوريا، ومواجهة بعض المخططات التركية التي لا تنسجم مع المصالح السعودية. غير أن هذا الارتباط قد يكون مجرد توافق نظري من دون أيّ دعم على الأرض، لأن مثل هذا الدعم لا يمكن أن يمر من دون التنسيق مع السلطات التركية.

ويشير البعض الآخر إلى أن “الفيلق الثالث” لديه علاقات مع الولايات المتحدة الأميركية التي تحاول منذ الانعطافة التركية نحو دمشق أن تعرقل جهود التقارب بين الجانبين، عبر إعادة إحياء علاقاتها مع بعض الفصائل في الشمال السوري.

وأياً يكن الأمر، يبدو أن الانقلاب الجديد في حركة “أحرار الشام” سوف يحمل العديد من المؤشرات على طبيعة التطورات التي يمكن أن تشهدها منطقتا درع الفرات وغصن الزيتون اللتان ما زالتا تعانيان من تداعيات غزوة عفرين وآثارها الكارثية، كما أنه سيكون بمثابة اختبار حقيقي لمدى جدية أنقرة في تنفيذ مقررات اجتماع غازي عنتاب، وما إذا كانت ستنجح في دمج الفصائل ضمن جيش موحد أم أن هذه المحاولة ستنضم إلى عشرات المحاولات السابقة التي باءت بالفشل.

النهار العربي

————————-

===================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى