أبحاث

عقيدة أوباما… والخطوط الملونة/ عالية منصور

تجاهل عقيدة أوباما والاتفاق النووي يجعل أي حديث عن سوريا والسلاح الكيماوي والخطوط الحمراء منقوصا

لا يمكن النظر إلى السياسة الدولية والإقليمية تجاه دولة ما، دون النظر إلى خريطة هذه الدولة والإقليم. ولا يمكن دراسة سياسة دولة كبرى تجاه دولة ما، دون النظر بطريقة أشمل وأوسع إلى هذه الدولة وموقعها الجغرافي والسياسي. أقول هذا لأن غياب تأثير موقع سوريا جغرافياً، وموقعها من التحالفات والخلافات الإقليمية، وغياب العامل الجيوبوليتيكي، كان العامل الأبرز الذي غاب عن مقال السفير الأميركي السابق روبرت فورد في مقاله الأخير في “المجلة” عن القصة الكاملة لـ”الخط الأحمر” وتراجع أوباما عن العمل العسكـري في سوريا بُعيد مجزرة الكيماوي في الغوطة يوم 21 أغسطس/آب 2013.

لقد غاب عن مقال فورد أي ذكر لسياسة أوباما تجاه إيران، والمفاوضات السرية التي كانت تجري بين البلدين آنذاك في سلطنة عمان، والتي أفضت إلى الاتفاق النووي الشهير بين البلدين، وهذا ما يجعل من قصة فورد الكاملة غير كاملة تماما.

وإن كان يمكننا اعتبار أن تلك اللحظة التي نجا فيها نظام الأسد من العقاب بعد استخدامه الكيماوي في الغوطة نقطة تحول أساسية في الثورة السورية، فما قبل أغسطس 2013 ليس كما بعده، إلا أنه ومع ذلك فقد صرح الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما بأن قراره بعدم شنّ ضربات ضد سوريا هو أحد أكبر نجاحاته كرئيس، كما ذكر فورد.

ولنذكر أن تلك المفاوضات السرية قد دفعت المنطقة ثمنها وليس فقط سوريا، وأن التوصل لاتفاق، أي اتفاق مع إيران كان من صلب “عقيدة أوباما” التي تحدث عنها قبل عدة أشهر من نهاية ولايته الرئاسية ومغادرته البيت الأبيض، حيث أدلى أوباما بسلسلة مقابلات للصحافي الأميركي في صحيفة “ذي أتلانتيك” جيفري غولدبرغ تحدث فيها عن حقيقة موقفه من قضايا كثيرة واجهت العالم ومنطقة الشرق الأوسط.

ومن أهم النقاط التي ذكرها أوباما يومها قوله: “إن السعوديين يجب أن (يتشاركوا) الشرق الأوسط مع أعدائهم الإيرانيين”، معتبرا أن التنافس بين السعوديين والإيرانيين، الذي ساعد على تغذية الحروب بالوكالة والفوضى في العراق وسوريا واليمن، يتطلب منا أن نقول لأصدقائنا وللإيرانيين إنهم يجب أن يجدوا طريقة لمشاركة الجيرة ومأسسة بعض السلام البارد”.

تجاهل أوباما في قوله هذا أن السعودية لم تتدخل وتدعم ميليشيات وحروبا في الدول التي ذكرها، وأن إيران هي من أهم عوامل عدم الاستقرار في المنطقة، بنشرها الفوضى وتسليحها لميليشيات إرهابية.

وبنظرة سريعة للأحداث في المنطقة، لنتذكر الاحتجاجات التي اندلعت في إيران وعرفت لاحقا بالثورة الخضراء، فبعد الإعلان عن فوز الرئيس الإيراني آنذاك محمود أحمدي نجاد في جولة الإعادة للانتخابات الرئاسية في يونيو/حزيران 2009، بولاية ثانية على حساب المرشح مير حسين موسوي، واجهت الاحتجاجات قمعا أمنيا شديدا أدى لمقتل العشرات واعتقال المئات، وفرض الإقامة على قادة المعارضة البارزين. وبعد نحو 13 عاما اعترف الرئيس أوباما بأن نهج إدارته المتمثل في عدم دعم احتجاجات الحركة الخضراء عام 2009 كان خطأ، وذلك أثناء تعليقه على الاحتجاجات التي اندلعت هذه المرة في إيران بعد مقتل مهسا أميني.

العراق أيضا دفع ثمن نظرة أوباما للمنطقة. ففي الانتخابات التي جرت في العراق عام 2010 وفازت فيها “القائمة العراقية” بزعامة إياد علاوي بأكبر عدد من الأصوات، ورفضت إيران من خلال أتباعها وحلفائها الاعتراف بالهزيمة، وأصر نوري المالكي على التمسك بالسلطة، وبعد عرقلة استمرت أسابيع، اقترحت إدارة أوباما حينها أن يتقاسم نوري المالكي الموالي لإيران وعلاوي فترة رئاسة الوزراء ومدتها أربع سنوات. لينتهي الأمر ببقاء المالكي في السلطة وتعزيز نفوذ إيران في العراق.

ولبنان أيضا لم يكن بمنأى عن تلك النظرة، فبعد استخدام “حزب الله” لسلاحه في الداخل اللبناني وفرض إرادته على الحكومة المنتخبة، وترهيب اللبنانيين والقوى السياسية المعارضة له، كان الحل باتفاق الدوحة والذي أعطى “حزب الله” ومن خلفه إيران حق النقض على أي قرار تتخذه الحكومة اللبنانية، وطبعا ما كان لهذا الاتفاق أن يحصل لولا الموافقة والمباركة الأميركية، وتراجع الإدارة الأميركية عن التزاماتها تجاه لبنان والقوى السيادية.

يومها سأل الصحافي جيفري غولدبرغ باراك أوباما في لقاء مع بلومبرغ في مارس/آذار 2014: أيهما في نظره أكثر خطورة؛ التطرف السني أم التطرف الشيعي؟

أجاب أوباما: “لا أعتقد أنك ستجعلني أختار بين هاتين المسألتين. ما سأقوله هو أنك إذا نظرت إلى سلوك الإيرانيين، فإنهم استراتيجيون، إنهم ليسوا متهورين. إن لديهم نظرة عالمية، وهم يرون مصالحهم، ويستجيبون للتكاليف والمنافع”.

إذن، لو نظرنا نظرة شاملة للمنطقة، سيبدو من البديهي القول إن ما نعيشه اليوم هو تبعات “عقيدة أوباما”، وسوريا ليست إلا جزءا من هذه العقيدة، وإضافة إلى ما ذكره السفير فورد في مقاله، تجاهل عقيدة أوباما والاتفاق النووي يجعل من أي حديث عن سوريا والسلاح الكيماوي والخطوط الحمراء منقوصا. مع تأكيد أن عوامل أخرى ساهمت أيضا في تراجع أوباما عن خطوطه الملونة.

المجلة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى