منوعات

علامة فارقة: عطّار الأباطرة/ سارة سيميك

علاجات قديمة تلاقي العلوم الحديثة في عاصمة النمسا

تصنع صيدلية Saint Charles، الواقعة في قلب حي مارياهيلف الأنيق وسط العاصمة النمساوية فيينا، علاجات عشبية تبيعها تحت شعار “حقّنا في الجذور” منذ عهد آل هابسبورغ. أسّس الصيدلية العطّار ألفريد بلومنتال في عام 1886، واستحوذ عليها صيدلي نمساوي من الجيل السادس في عائلته يُدعى ألكسندر إهرمان وشريكه ريتشارد كونيغ في عام 2006. وقد سعى الشريكان معاً إلى دمج العلوم الحديثة بالحكمة القديمة المتصلة بالطبّ الأوروبي التقليدي، الذي يوصي بالجمع بين العلاجات النباتية والممارسات الطبية الشاملة. في Saint Charles، هذا الكلام يعني ابتكار مستحضرات تجميل وتحضير جرعات ومحاليل طبية مصنوعة بالخزامى وزيت بذور الكتان المعصور في منطقة وينفييرتل في النمسا السفلى، أو من قنّبٍ يؤتى به من فالدفييرتل في الشمال الغربي.

يقول كونيغ عن الفلسفة التي كان أبقراط وجالينوس رائديها في اليونان القديمة: “يعرف الجميع الطبّ الصيني التقليدي، لكنّ أحداً لا يعرف حقاً ماهية الطبّ الأوروبي التقليدي. أردنا أن تعلموا أن الأعشاب النابتة عند عتبة بابكم تصلح لاستخدامها علاجاً طبياً، ولاستخدامها هي نفسها للعناية بالبشرة، كما يمكن أكلها”.

في الداخل، ثمة خزائن خشبية منحوتة ومزخرفة تزخر بأملاح الاستحمام وكريمات الوجه، والزيوت الأساسية والشموع المعطّرة، إضافة إلى خلطات الشاي ومستخلصات النبات. تقدّم Saint Charles نحو 400 من منتجاتها الخاصة، إضافة إلى كونها صيدلية يستطيع المريض صرف وصفات الأدوية الطبية فيها. يُطوَّر كلّ شيء وفق تعاليم الطبّ الأوروبي التقليدي، فتصنَع الأدوية من نباتات وزهور محلية تُحصَد بشكل مستدام. ويُعتقَد أنّ الخزامى وزيت بذور الكتان يحتويان على خصائص مهدّئة ومضادة للالتهابات، بينما يقال إن القنّب المستخدم في الشاي وزيوت الكانابيديول يُريح طبيعياً من الألم والالتهابات والقلق. ومن بين أكثر المنتجات شعبية في هذه الصيدلية صابون Apothekerseife السائل المضاد للفيروسات والجراثيم (بسعر 32.80€)، وقد تمّ ابتكاره بالتعاون مع مؤسسة Lederhaas لتصنيع العطور ومقرها في فيينا، والمحضّر بمزيج من الزعتر والثوم. ابتُكِر هذا الصابون الطبّي الفريد خلال جائحة إنفلونزا الطيور في عام 2008. يقول إهرمان: “ربما يدخل الناس إلى الصيدلية في حالٍ من الذعر ويطلبون صابوناً طبياً ولا يجدونه، فقرّرنا اختراعه”.

بقيت أجزاء هذا المتجر التاريخي الداخلية وقطع أثاثه الأصلية بمعظمها في الحفظ والصون. تقف صناديق الصيدلية الأصلية بجانب صورة مطبوعة لملصق صيدلاني من ابتكار داميان هيرست، ورسم توضيحيّ للأعضاء البشرية للفنان النمساوي الطليعي هيرمان نيتش، فيما تتدفّق مياه نقية آتية من جبال الألب، تشتهر بها فيينا، من نافورة رخامية قديمة. تنزل هذه المياه مباشرةً من ينابيع جبلية في قناة بنيت في عهد الإمبراطور فرانز جوزيف، ويقال إنها من الأنظف في العالم. الأرضية مغطّاة ببلاط هندسي ينتمي إلى الفن الحديث. يقول إهرمان: “عندما يقصد المرء صيدلية عادية، يشاهد هذا النوع من الأرضيات دائماً، فيجب أن تكون عملية. لكنني أردت أن يكون المكان لطيفاً كي نعمل فيه براحة أيضاً”. يُحضر روبوت آلي الدواء ويقدّمه، فيعلّق إهرمان قائلاً: “يمنحنا ذلك وقتاً إضافياً نُمضيه مع العميل إذ يكون في العادة بمفرده”. وتُجمَع المنتجات في قوارير بسيطة مصنوعة بزجاجٍ بني أو بنفسجي، وتحمل شعار عودٍ تلتفّ حوله أفعى، وهي أداة استخدمها أسكليبيوس، إله الطبّ والشفاء في الأساطير الإغريقية. يقول إهرمان: “كنت أريد أن يُعطي [التغليف] انطباعاً بأن ما في القارورة أهم كثيراً من الملصق”.

تماشياً مع المقاربة الصحية الشاملة التي تنتهجها صيدلية Saint Charles، افتتحت محلّ عطارة شقيقاً متخصصاً في الجمال في الشارع نفسه، فيه مجموعة من المستحضرات الطبيعية للعناية بالبشرة، ويضم نادياً صحياً صغيراً في الطابق العلوي، تُقدّم فيه علاجات طبيعية كالتدليك باستخدام الماغنيسيوم من أحواض زكستاين الملحية في بحر الشمال. وفي المبنى المجاور يقع مطعم Saint Charles Alimentary الصغير الذي يتّسع لـ10 أشخاص، ويُقدَّم فيه طعام عضويّ مؤلف في الأغلب من أطباق نباتية، وعلى بعد مبانٍ قليلة ثمة مركز صحي يقدّم دروساً في رياضتي اليوغا والتأمل، إضافة إلى جلسات للعلاج النفسي.

ربما توسّعت العلاجات وتعدّدت لتلائم سبل حياتنا الجديدة، لكنّ المقاربة الصحية الشاملة والإيمان بما للطبيعة من قوة شافية باقيان كما كانا قبل آلاف السنين. يقول كونيغ عن المقاربة التي تنتهجها الصيدلية: “إنها مزيج من تقاليد قديمة عمرها قرون ونمط حياة حديث. أعتقد أن هذا هو جوهر Saint Charles

ايلاف

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى