سياسة

عن احتجاجات روسيا -مقالات مختارة-

عن احتجاجات روسيا/ مروان قبلان

يواجه الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، عامه الأصعب ربما في السلطة، منذ أقام غير مبارح فيها قبل أكثر من عقدين. من حينها، لم يترك بوتين طريقة للتمسك بالسلطة إلا واستعملها. مع نهاية ولايته الثانية عام 2008، احتال على الدستور، فتبادل المواقع مع رئيس حكومته السابق، ديمتري ميدفيدف، ليعود في 2012 رئيسًا، إنما بعد تعديل دستوري زاد فيه فترة ولاية الرئيس من أربع إلى ست سنوات، ما أجاز له بالبقاء في الحكم حتى عام 2024. وفي يوليو/ تموز 2020، أدخل تعديلا جديدا على الدستور، يسمح له بتصفير عدد ولاياته، بحيث يمكنه البقاء في السلطة، إذا شاء، 12 سنة أخرى، أي حتى العام 2036. وقد قرن بوتين التعديلات الدستورية بحزمةٍ من المكتسبات الاجتماعية، ما سمح بتمريرها بنسبة 76% من الأصوات. فوق ذلك، لم يترك بوتين معارضا ذا حيثية إلا وحاول تصفيته، مستخدما الطريقة المفضلة للمخابرات الروسية، التي وصل من طريقها إلى الحكم، وهي التسميم، آخرها محاولة تسميم المعارض الليبرالي، ألكسي نافالني، الذي عاد هذا الأسبوع إلى موسكو، بعد أن نجا بحياته بفضل تدخل المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، التي ضغطت على بوتين للسماح بنقله إلى مستشفى ألماني.

يحكم الرئيس بوتين، والأوليغارك المحيطون به، بمنطق نخبوي معادٍ بشكل مطلق للثورة، التي تعد بحسبه فعلا شعبويا، يقوم بها الرعاع وتؤدي الى الفوضى. وخلال العقد الماضي، وضع بوتين جهدا غير قليل في إخماد أي مظهر من مظاهر الثورة، ليس في روسيا فحسب، إنما في كل مكان تستطيع يده الوصول إليه، فتحوّلت روسيا، في عهده، إلى قائد لمعسكر عالمي معاد لأي تحرّك ثوري في محورٍ يمتد من بكين إلى كاراكاس، بعد أن كانت الداعم الأكبر له خلال الحقبة السوفييتية، فوقف في وجه “الثورات الملوّنة” التي اجتاحت دولا في الاتحاد السوفييتي السابق، ابتداءً من الثورة المخملية في جورجيا عام 2003، الثورة البرتقالية في أوكرانيا عام 2004، إلى ثورة التوليب (أو السوسن) في قرغيزيا عام 2005، معتبرا إياها ثوراتٍ مدفوعة من الغرب، وتستهدف عزل روسيا وحصارها. ولم يكتف بوتين بمقارعة الثورات في الجوار الروسي، بل اتجه، بعد المظاهرات المعارضة لعودته إلى الرئاسة أواخر عام 2011، إلى مقارعة الثورات العربية باعتبار أن ذلك يمثل سلوكا دفاعيا ضد محاولات الغرب نقل موجة الاحتجاجات العربية إلى روسيا. لكن ذلك كله لم يجد، على ما يبدو، نفعا في منع رياح التغيير التي عادت تهب على موسكو مع المظاهرات التي رافقت عودة نافالني الأسبوع الجاري.

وعلى الرغم من أن الاحتجاجات، بحد ذاتها، لا تعد أمرا غير مألوف في روسيا، إلا أن ما يميزها هذه المرة ترافقها مع ظروفٍ محليةٍ وإقليميةٍ ودوليةٍ تثير قلق الكرملين. فهناك أولًا إدارة أميركية بينها وبين بوتين ود مفقود، وتسعى، فوق ذلك، إلى الانتقام من تدخله في انتخابات 2016، لا بل يرى بعض أركان إدارة بايدن أن روسيا لعبت دورا مهما في وصول ترامب إلى الحكم قبل أربع سنوات. من هذا الباب، تخشى موسكو من تدخلات أميركيةٍ واسعةٍ للتأثير في نتائج انتخابات الدوما (البرلمان) الخريف المقبل، والتي يسعى بوتين لحسمها في مرحلةٍ يستعد فيها لتكريس نفسه قيصرَ مدى الحياة. مبعث القلق الثاني متّصل بغياب المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، عن الساحة السياسية في سبتمبر/ أيلول المقبل، وقد شكّل وجودها عامل اطمئنان لموقف أوروبي “متوازن” تجاه موسكو. وعلى الرغم من الخلافات التي برزت مع بوتين منذ أزمة أوكرانيا 2014، إلا أن ميركل ظلت تقاوم ضغوط دول شرق أوروبا وبريطانيا خصوصا لعزل موسكو، لا بل أصرّت، على الرغم من الضغوط الأميركية، على إكمال بناء خط غاز (نورد 2). يشعر بوتين الآن بقلقٍ كبير حول قدرة خلف ميركل على مقاومة الضغوط الأميركية لاحتواء موسكو وعزلها أوروبيا. العامل الثالث مرتبط بانخفاض أسعار النفط وتداعيات جائحة كورونا التي فعلت فعلها بروسيا على صعيد الصحة العامة والاقتصاد.

لسنوات طويلة، اعتمد بوتين، مثل بقية نظم الحكم الاستبدادية، على قاعدة أن العامة لا يقيمون وزنا للحقوق السياسية والحريات، عندما تكون حياتهم ومعاشهم محلّ تهديد، لكن يغيب عن بالهم أحيانا أن العامة تصرخ، عندما يكون ثمن الصمت أعظم.

العربي الجديد

———————————

آخر انتصارات بوتين/ أرنست خوري

فصول عديدة تقلّبت في روسيا منذ انهار الاتحاد السوفييتي. تغيرت عادات ديكتاتورية كثيرة وتجددت الدماء في مفاصل تقاليد صارت نمطاً في الحكم اسمه “البوتينية”. خليط من التسلط والنزعة القومية وإتاحة شيء من حرية التعبير بسقف منخفض لا يصل إلى مستوى التغيير وتداول السلطة، ونيوليبرالية بأعنف نسخها، وفئة حاكمة فسادُها يُقاس بالأرقام الفلكية، جميع أفرادها لصيقون برئيس حفظ الدرس من دور عنصر المخابرات الذي كانه أيام الـ”كي جي بي”: استبدِل ثوبك القديم عندما ينبئك حدسك الأمني بتغيّر الطقس، لكن حافظ على ما يدغدغ الأحلام التوسعية عند نواة القوميين الروس، وعلى ما يبحث عنه آخرون فيك كقائد صاحب كاريزما يذكرهم بأباطرة السوفييت. اكتب بيُمناك أنك لا تهتم بالمناصب، وبيسراك عدّل الدستور كلما انتهت ولاية رئاسية لتمديدها “استثنائياً”، ولا تنسَ منح نفسك حصانة أبدية. “التفشيخ” ضروري، وعرض العضلات (حرفياً لا مجازياً) وركوب الخيل عاري الصدر، وظهورك محاطاً بالحسناوات، كلها من عدّة الشغل الأساسية لكي تظهر فداحة المقارنة بينك وبين العجزة الذين أتوا بك وانقلبت عليهم، مثل بوريس يلتسن. أنت لم تعد شاباً (68 عاماً)، لكن عليك أن تدعي استمرار شبابك لتكريس الاستثناء الروسي عند مريديك. وحين يتضخم حجم طبقة وسطى شابة ومتحررة فتمد يدها للمشاركة في السلطة، أحضر بطاركة الكنيسة لتحدّث العالم عن المؤمن الورع الذي تكونه، وعن خطر التفلت الأخلاقي الذي يشكله هؤلاء الشباب والشابات على عاصمة الأرثوذكسية في العالم.

من بين هؤلاء الشباب، ظهر منذ 17 عاماً محامٍ وصحافي، اسمه ألكسي نافالني (44 عاماً)، أكثر ما هو مزعج فيه هو أنه يعمل في وضح النهار، ويعلن ما يضمر، حتى أنه يرميه على الإنترنت لتسمعه السلطة وتشاهده هي قبل أنصاره. لو ظل مجرد رئيس حزب معارض اسمه “حزب روسيا المستقبل”، لكانت قصته سهلة. لكن نافالني خطير لأنه أسس جمعية ضد الفساد شديدة الفعالية، تفضح بنسق الصحافة الاستقصائية، وقد كشفت بالفعل مجموعة من المصائب المرتبطة ببوتين والبوتينية ورموزها من عيار ثروات ديمتري ميدفيدف وفلاديمير بوتين نفسه. آخر ضرباته فضيحة “قصر لبوتين” (اسم التحقيق) بتكلفة مليار و300 مليون دولار يقول الوثائقي إن بوتين يملكه على البحر الأسود، بمساحة 4 أضعاف كيلومترات إمارة موناكو. 85 مليوناً شاهدوا التحقيق منذ عرضه قبل أسبوعين، وصدّقوا ما جاء فيه. نافالني تصفه “وول ستريت جورنال” بأنه أكثر شخص يخشاه فلاديمير بوتين الذي لم يذكر اسمه يوماً في العلن. ظل الرجل يُعتقل بوتيرة شبه أسبوعية أو شهرية، من دون أن يصمت. شعبية المعارض الشاب تكبر، وأتباعه يزدادون صلابة وجرأة. يُمنع الرجل من الترشح للرئاسة عام 2017 لسبب وجيه: سجله غير نظيف. نسخة روسية لـ”إثارة الوهن في نفسية الأمة” كما تسردها الرواية البعثية. أيضاً المنع لا ينفع، لا بل اخترع الرجل طرقاً انتخابية ليضرب فيها كل استحقاقات الانتخابات التي جرت في روسيا على الصعيدين الوطني والمحلي منذ سنوات، ويوقع خسائر جدية في صفوف البوتينية وحزبها ورموزها في أكثر المدن ولاءً للسلطة، من فلاديفوستوك شرقاً إلى سان بطرسبورغ غرباً مروراً بموسكو خصوصاً.

ينجو نافالني من محاولة تسميم بغاز نوفيتشوك، أشهر أسلحة القتل في عصر البوتينية وقبلها السوفييتية. يُنصح بعدم العودة إلى روسيا من ألمانيا. يعود، يُعتقل في المطار، يحتشد أنصاره في 170 مدينة وبلدة وقرية، إحداها في سيبيريا في درجة حرارة وصلت إلى 52 تحت الصفر. يُعتقل 3300 شخص في غضون دقائق. تُقطع شبكة الإنترنت. لكن دائماً لا فائدة. يقرر المعارضون العودة إلى الشارع الأحد المقبل. يضطر بوتين إلى نفي امتلاكه القصر، ثم يستل سيفه المفضل: أميركا. لا بد أن تكون أميركا خلف حركة نافالني. كشفناها، يعني أننا انتصرنا، قال في سره.

ومثلما نعلم عن هذه العائلة من الأنظمة التي نعرف أبناء وبنات كثراً لها في بلادنا، فإنها عندما تبدأ في إعلان انتصاراتها، يكون قد آن أوان خسارتها الكبرى.

العربي الجديد

——————————–

معركة جديدة بين روسيا ومواقع التواصل

ساعدت وسائل التواصل الاجتماعي في إطلاق الاحتجاجات وتنظيمها في روسيا، الأسبوع الماضي، بعد أن دعا المعارض أليكسي نافالني أنصاره إلى النزول إلى الشوارع يوم السبت، والتي شهدت إقبالاً واسعاً واعتقال أكثر من 3 آلاف متظاهر، ما أدى إلى سجال بين روسيا ودول الغرب. سرعان ما انتشرت مقاطع الفيديو والمنشورات التي تروّج للتظاهر، لا سيما على “تيك توك” و”يوتيوب” و”إنستغرام”. وحصدت مقاطع فيديو “تيك توك” التي تحتوي على وسوم تتضمن Free Navalny و”23 يناير” أكثر من 200 مليون مشاهدة مجمعة، بحلول يوم الخميس، وفقًا لموقع الأخبار “أوبن ميديا”.

بدأ الشباب، على وجه الخصوص، في تصوير أنفسهم وهم يرتدون ملابس للتجمعات المقبلة، أو كما أشارت صحيفة “موسكو تايمز”، قاموا بإزالة صورة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المعلقة في الفصول الدراسية، وغالبًا ما استبدلوها بصورة نافالني. لكن منظمة الإعلام الروسية “روسكومنادزور” قفزت بسرعة للضغط على منصات التواصل الاجتماعي لإزالة مقاطع فيديو قالت إنها تدعو القاصرين إلى المشاركة في الاحتجاجات، محذرةً من أن ذلك غير قانوني بالنسبة لهم، قبل التظاهرات، وتزامناً معها. لكنّ مواقع التواصل لم تمتثل جميعها، ما يوحي بصراع جديد بين بعضها والرقابة الروسية.

ويوم الجمعة الماضي، زعمت الحكومة أنه تمت إزالة 38 بالمائة من جميع مقاطع الفيديو المسيئة على “تيك توك” و50 بالمائة على “يوتيوب” و17 بالمائة على “إنستغرام”.

فقد ذكرت وكالة الإعلام الروسية، يوم الإثنين، أن وزارة الخارجية اتهمت فيسبوك وكبرى شركات التواصل الاجتماعي الأميركية الأخرى بعدم اتخاذ الإجراءات الضرورية لرصد المنشورات الكاذبة المتعلقة باحتجاجات غير مصرح بها خرجت في روسيا مطلع الأسبوع. وقالت الوزارة إنها ستجري مزيدا من التدقيق في الأمر، بحسب “رويترز”.

وأصبحت منصة يوتيوب المصدر الرئيسي للأخبار لعدد كبير من الشبان الروس. وباتت فيديوهات نجم الويب يوري داد، المعروف بلقاءاته مع شخصيات معروفة أو تلك التي ينشرها المعارض ألكسي نافالني، تحقق المزيد من الرواج.

وفور توقيف نافالني، نشر فريقه تحقيقا مدته ساعتان عن قصر فخم يطل على البحر الأسود يعتقد أنه للرئيس فلاديمير بوتين. وحظي الفيديو بأكثر من 85 مليون مشاهدة على يوتيوب منذ نشره الثلاثاء.

وعمدت السلطات الروسية في السنوات الأخيرة إلى تشديد القيود على “رونيت” الشبكة الروسية من الإنترنت، باسم محاربة التطرف والإرهاب وحماية القاصرين. وردّت سلطة الاتصالات الروسية “روسكوماندزور” هذا الأسبوع على موجة من الدعوات إلى تنظيم تظاهرات دعما لنافالني، بتهديد شبكات التواصل الاجتماعي بغرامات إذا لم تحذف محتوى يحرّض القاصرين على المشاركة في الاحتجاجات.

وعشية التظاهرات، قالت روسكوماندزور إن تيك توك “حذفت 38 بالمائة من المعلومات التي تحرّض القاصرين على أفعال غير قانونية خطيرة”، مضيفة أن شبكات اجتماعية أخرى من بينها إنستغرام ويوتيوب حذفت محتوى بناءً على طلبها.

غير أن فيسبوك قالت إنها لم تحذف أياً من المعلومات المذكورة. وقال متحدث باسم فيسبوك، لوكالة “فرانس برس”: “تلقينا طلبات من الهيئة الناظمة المحلية للحد من الوصول إلى محتوى معين يدعو إلى الاحتجاج”. وأضاف “بما أن هذا المحتوى لا ينتهك معايير مجتمعنا، فإنه يبقى على منصتنا”.

والمنصات التي لا تمتثل يمكن أن تواجه غرامات تصل إلى 4 ملايين روبل (نحو 53 ألف دولار أو 43 ألف يورو) بحسب روسكوماندزور. وسبق أن حظرت روسيا عددا من المواقع الإلكترونية التي رفضت التعاون مع السلطات، مثل منصة الفيديوهات “ديلي موشن” وشبكة التواصل المهني “لينكد إن”.

لكن حظر يوتيوب المملوك من عملاق التكنولوجيا غوغل، سيكون مهمة أكثر صعوبة. وقال رئيس منظمة روسكومسفوبودا غير الحكومية للحقوق الرقمية، ارتيوم كوزليوك، إن “روسكوماندزور ليس لديها الكثير من الأموال”، مضيفاً “ليس لديهم عمليا أي نفوذ”. وأضاف أنه كان من الصعب ممارسة ضغط على شبكات التواصل الاجتماعي الغربية، لأن ذلك من شأنه أن “يسدد ضربة لسمعتها” في حال قدمت تنازلات لنظام سياسي.

في حالة تيك توك، قد تكون الإجراءات مختلفة نظراً لقرب الكرملين من الصين، المتمرسة في فرض رقابة على الإنترنت، لكن موسكو لا تزال تنقصها المعرفة في هذه الشبكة الاجتماعية الرائجة. وأعلنت شبكة آر- تي الممولة من الكرملين (روسيا اليوم سابقا)، يوم الأربعاء، عن تقديم دروس لمسؤولين كي يفهموا الكلمات العامية التي يستخدمها الشبان على مواقع مثل تيك توك.

والعام الماضي، أقرت روسيا بالإخفاق في حظر منصة “تيليغرام” للرسائل المشفرة، بعد أشهر من محاولات باءت بالفشل.

وتسعى السلطات بدلاً من ذلك إلى بناء منصة منافسة محلية مثل “روتيوب”، المملوكة من مجموعة الإعلام الروسية غازبروم ميديا التي يسيطر عليها عملاق الطاقة غازبروم، وهي منصة فيديو تنشر حاليا فقط محتوى يحظى بموافقة الحكومة. وحتى الآن، لا يمكن مقارنة الموقع بيوتيوب. لكن المدير التنفيذي لغازبروم ميديا الكسندر زهاروف، المدير السابق لروسكوماندزور، أكد أنه في العامين المقبلين سيتم إطلاق نسخة محسّنة من روتيوب. كما أعلن عن تطوير “تيك توك روسي” بمساعدة إينوبراكتيكا، المؤسسة التي تديرها كاتيرينا تيخونوفا، التي يعتقد أنها إحدى بنات بوتين.

العربي الجديد

————————–

بوتين على صفيح بارد/ غسان المفلح

الكتابة عن الحدث الروسي الآن لا تتعلّق بنجاح المتظاهرين والشعب الروسي في إسقاط بوتين، لأنّ هذا ما يبدو أنّه صعب التحقق. آلاف المعتقلين وإصابات في صفوف المتظاهرين بسبب عنف رجال الشرطة الروسيّة، ثم اعتقال المعارض أليكس نفالين وزوجته.

هذا المعارض الذي أصرّ على العودة لموسكو رغم تحفظات بعض الجهات الدولية وتحذيره بأنّ بوتين سوف يعتقله. هذا ما قام به بوتين في لحظة عودة نفالي إلى موسكو، حيث تم اعتقاله بلحظة نزوله من الطائرة. مئات نقاط التظاهر التي سجلت في جميع أنحاء روسيا، واجهها إعلام بوتين بأنّها تظاهرات غير مرخّصة، وأنّ المتظاهرين اعتدوا على رجال الشرطة. إضافة إلى أنّه حاول تصوير الأعداد بأنّها لا تتجاوز عدة آلاف. تماماً، نفس الصيغة التي يستخدمها أي ديكتاتور في مواجهة شعبه.

بعد هذا اليوم الحر في موسكو، أدانت أمريكا وبريطانيا وبعض دول أوروبا الغربية اعتقال المتظاهرين، وطالبوا بالإفراج عن المعتقلين فوراً. طبعاً لم نشهد أيّة إدانة من أي نظام شرق أوسطي. لم نسمع صوتاً للصين أيضاً. الصين التي سارعت بدعم الأسد منذ أول تظاهرة شهدتها سورية 2011، إضافة إلى إيران وتركيا. محور أستانا لم يدن الاعتقالات.

بوتين في سياق الإدارة الأمريكية الجديدة سيكون موضع ضغط، هذا ما ألمح إليه أكثر من مصدر أمريكي. بوتين الذي يدرك تماماً أنّ روسيا موجودة في بعض مناطق النزاع بفضل التشارك مع أمريكا الذي تم في عهد أوباما، عندما كان بايدن نائباً لأوباما، سوريا وأوكرانيا مثال.

من جهة أخرى، بوتين أخرج روسيا من ملف القضية الفلسطينية وبقي الوجود الروسي فيها شكلياً، لأنّ بوتين منذ تولّيه رئاسة روسيا وهو حريص كل الحرص على علاقة جيدة جداً مع إسرائيل. هذا طبعاً بفضل الحضور الأمريكي ورؤية بوتين لكيفيّة إدارة العالم، خاصة بعد تدخله العسكري الإجرامي في سوريا. إدارة بايدن تعني العودة إلى التعامل الأمريكي التقليدي مع روسيا بعد سقوط السوفييت، شريكاً صغيراً في بعض الملفات فقط، مع تحجيم في بقية مناطق العالم، خاصة في أوروبا، حيث يخضع لعقوبات أمريكية فرضها أوباما لإدارة هذا الضغط البارد، وترك روسيا شبه مجمدة تحته، خاصة بعدما تبعها عقوبات أوروبية.

يمكن للمرء العودة لأزمة الصواريخ التي كانت أمريكا تريد نشرها في بولندا، واعتراض بوتين على ذلك. من جهة أخرى، يمكننا أيضاً العودة لملابسات الاتفاق النووي مع إيران الذي عقدته إدارة أوباما وانسحبت منه إدارة ترامب، دون احتجاجات جديّة من قبل روسيا التي كانت طرفاً، حيث اكتشف بوتين أنّ الاتفاق كان الغاية منه علاقات أقوى مع أوروبا الغربية وأمريكا وليس مع روسيا، من قبل الملالي في طهران. ربما هذا الأمر هو ما أظهر التقارب بين بوتين وإدارة ترامب بعد انسحابها من الاتفاق، حيث أعاد الانسحاب حاجة إيران لروسيا. ليس من مصلحة بوتين أن يقوم باتفاق نووي مع إيران، وفقاً للصيغة القديمة. ربما هذا ما يمكننا اعتباره نقطة خلاف مع إدارة بايدن تحتاج لمزيد من الضغط على بوتين، فهل تستغل إدارة بايدن ما يجري في روسيا من أجل مزيد من الضغط على بوتين في بعض الملفات العالقة؟

طبعاً، هذا هو المرجّح.. لكن السؤال إلى أي حدّ؟ هذا ما تجيب عنه الأيام القادمة. كل هذا لا يعني أن تذهب إدارة بايدن لمواجهة ساخنة مع روسيا. الضغط الناعم بالنسبة لها كافياً. من ضمن هذا الضغط ربما يكون دعم التظاهرات في روسيا.

أما سوريا في عهد بوتين، استخدمت روسيا حق النقض 16 مرات منذ 2011 مارس، ثلاثة استخدامات ضد السماح للأمم المتحدة لتقديم مساعدات عبر الحدود دون إذن النظام السوري. الديكتاتور بوتين يدعم ديكتاتوراً آخر ومجرماً كالأسد. قتل بوتين ما لا يقلّ عن 6589 مدنياً، بينهم 2005 من الأطفال و969 من النساء، منذ 2015 سبتمبر 2015، توزيع حصيلة قتلى الضحايا على مستوى المحافظات، محافظة حلب الأكبر، يتبعها إدلب ثم دير الزور. بوتين قتل شعبي.

بوتين ينفق ثروة لدعم عائلة الأسد البلطجية. هجمات القوات الروسية لم تعد تقتصر على الغارات الجوية، بل امتدّت للمشاركة في العمليات البرية باستخدام المدفعية والدبابات وتجنيد الشركات الامنية والمرتزقة للقتال. تدخل بوتين العسكري دعماً للأسد المجرم يشكل وصمة عار عميقة ومخزية على تاريخ روسيا الحديث، يظهر بربرية بوتين، حيث إنّه قصف مناطق سكنية ودمر أحياء كاملة من الأرض دون أي رحمة. كما عبّر بوتين ومسؤوليه عن أهمية تجربة كافة أنواع أسلحته في قتل الشعب السوري، ماعدا السلاح النووي.

الأهم من كل هذا طبعاً العمل الدؤوب بين طهران وأنقرة من أجل شرذمة المعارضة السورية، من خلال أستانا وسوتشي، والتوافق في احتلال عفرين ورأس العين وتل أبيض مع تركيا، لأنّ طموح بوتين الأساسي أن يثمر كل ما قام به من تدمير وقتل بحق الشعب السوري إلى حل سياسي مستدام، وفقاً لرؤية بوتين، الذي يقف عاجزاً أمام الإصرار الأمريكي على إبقاء سوريا ساحة مواجهات محدودة على حساب دماء السوريين وحياتهم، ليكتشف بوتين بعد كل هذه الجريمة التي قام بها في سوريا أنّ أغلبية أوراق الحل في سوريا هي بيد أمريكا. لا أحد يعرف بالطبع ما هي الوعود التي قدّمها أوباما لبوتين عندما جرّه للتدخل المباشر في سوريا عام 2015.

بوتين الآن مع التظاهرات للشعب الروسي، وعودة بايدن رئيساً بعد أن كان نائباً لأوباما في تلك المرحلة، تجعله من جديد على صفيح بارد نفسه لا يعرف متى يسخن أو متى يُزال من تحته.

ليفانت_ غسان المفلح

—————————-

روسيا التي تُهمِل إعمار دمشق وتُعانِد واشنطن/ براء صبري

لا يمرُّ يوم إلا ويظهر كيف أن القادة الروس العاملين في الشؤون الخارجية لازالوا يتحرّكون على أساس ثنائية “واشنطن- موسكو” التي سيطرت على السياسة الدولية لنحو سبعة عقود، الثنائية التي لم تَعد كما كانت في السياسات الدولية وفي المنظور الأميركي نفسه، بقيت صامدة في العين الروسية المُحدقة للعالم.

نمط التفكير ذاك، يُحدّد إلى حدٍّ ما آلية تحرّك روسيا في سوريا، وهو بحدِّ ذاته يشرح بصورة أوضح كيف أن رؤيتها ومخاوفها تجاه الأميركيين على مستوى التنافس في العالم هو سيّد الموقف في سياساتها الخارجية.

هذا النوع من القواعد السياسية للخارجية الروسية، تدفع موسكو إلى تفضيل مُعاندة واشنطن منها على تركيزها على ضرورات إيصال مُتنفسات اقتصادية لحليفه المُحاصر في دمشق، وتسهيل الحياة لمن يواصلون العيش تحت ظلال حكمه، وهم عملياً سكان ثُلثي البلاد المنكوبة من سنوات الحرب الطويلة، والتي تحتاج إلى مليارات الدولارات للعودة إلى روحها السابقة.

مُتطلبات موسكو تلك، هي أساس السياسة الروسية المطلوبة هذه الأيام مع اشتداد الخناق الغربي على مناطق حكم دمشق من خلال قانون قيصر ومُلحقاته، هذا النوع من السياسة قد يُفيد الروس أكثر من خلق مُشاحنات مع الدوريات الأميركية في أطراف البلدات الصغيرة في أقصى شمال شرقي سوريا.

روسيا التي تُدرك أن سياسات أنقرة في سوريا أصبحت محصورة بكيفية ردع الأكراد وحلفائهم العرب والمسيحيين من تثبيت ذاتهم وتأسيس كيانٍ محلي داخل الحدود السورية، هي أفضل مُسيّر للأهداف والخطط الروسية ضد من تعتبرهم موسكو عملاء لواشنطن في سوريا الحليف القديم لموسكو.

هكذا تبدأ روسيا التي لا تنظر إلى ضرورة إيجاد حل لطوابير الناس على المخابز والمحروقات في العاصمة دمشق، ولا تفكّر في كيفية وضع حل مُستدام للقضايا ذات الإشكالية السياسية والدستورية في بلدٍ يدفع ثمن تحوّله إلى ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية، بدفع تركيا المُشبعة بالعداء القومي ضد الأكراد إلى خلق مخاوف جديدة لدى سكان شمال شرقي سوريا.

كما تدفع روسيا إلى توليد توترات جديدة بين النظام السوري وقسد في مدن التواجد المُشترك لأسباب مُبهمة، إضافةً إلى مُشاركتها المُباشرة في توليد القلاقل بتعمّدها التصادم مع الدوريات الأميركية الجوّالة في شمال شرقي البلاد، وتقوم بتركيز الخطاب الإعلامي الرسمي في سوريا على تصدير صورة العميل الأميركي للمتواجدين في تلك المنطقة لباقي سكان البلاد؛ لزرع الشقاق وتوسيع قلة الثقة الموجودة أصلاً بينهم.

هذا الحيّز من القلاقل ذات المنشئ الروسي، تتمحور جغرافياً في الخط المُمتد من تل رفعت مروراً بمنبج وصولاً إلى نقطة التلاقي التركي السوري العراقي الحدودي. حركة التنافس والمُشاحنات والتوترات تلك مُؤطّرة في الخط الشمالي من الحدود السورية مع تركيا.

لا تقوم روسيا بذات التصرفات في شرقي محافظة ديرالزور حيث القوة الحاكمة هي ذاتها “قسد”، وحيث التواجد الأميركي المُكثّف هناك، لأنها لا تملك أدوات عدوانية تُركيّة هناك للبعد الجغرافي، ولأن مراكز قوة النظام بعيدة عن تلك المنطقة، وهو بدوره يخشى من التصادم مع القوات الأميركية في ذات الوقت.

طبعاً، ولكون الإيرانيين حلفاء موسكو الإقليميين المُوجودين في جنوب خط الفرات غير موثوق بهم ومغضوب عليهم من الجميع هذه الأيام. لذا، تواجه روسيا الكثير من التقييد في عملية اختلاق التوترات والتشاحن مع واشنطن و”عملائها” المُفترضين في تلك المنطقة.

لكن، يبقى هناك الحديث المُستمر عن مُحاولاتٍ روسيّة لتأجيج الجانب العشائري على قسد المُتهمة بالعديد من الأخطاء والانتهاكات في السياسات الداخلية والقانونية في شرق دير الزور.

روسيا التي لازالت تحاول أن تستفيد قدر الإمكان من استثمار عودة نفوذها إلى الساحة التنافسية الدولية، تبحث عن نتوءات في السياسة الأميركية للتسرّب منها لمُعاقبة حلفائها المحليين في سوريا.

هذا ما يظهر من حراكاته في سوريا بالتواطؤ مع أنقرة بكثرة هذه الفترة مع ازدياد الصخب الذي صنعه ترامب بعد خسارته الانتخابات، وانشغال واشنطن بمشاكلها الداخلية، والتي فيما يبدو تحتاج إلى وقتٍ لا بأس به لتخفيف تداعياتها والتركيز على الخارج.

في هذه الفترة، ستحاول موسكو تحويل الملعب السوري الخارج عن سيطرة دمشق وتركيا إلى ساحة لبناء المصائد لما تسميهم “عملاء” واشنطن، وستدفع إلى كسب النقاط في التمركزات والتفاهمات والعملية التفاوضية بين الأطراف المعنية بالشأن هناك.

بالمقابل، فأنها (روسيا) تستفيد أيضاً، من أداء الإدارة الذاتية وقسد المُتهالك داخلياً والضغوطات على السكان هناك، للترويج لنفسها كمُخلّص ممكن لهم بعد تراجع الثقة المحلية بالسياسات الترامبيّة في سوريا.

هذا النمط من السياسات الخارجية ضد شرق الفرات والأميركيين، يعمل على زيادة الضغط على السلطات المحلية في تلك البقعة شبه المستقلة ذاتياً من سوريا، وتجعل النشوة التركية المُستعدة لأن تكون عصا روسيّة في سوريا فقط لإنهاء أيّ شيء له علاقة بالأكراد، في قمتها.

هذا كله يحدث، وتعتبره روسيا انتصاراتها الأهم، في الوقت الذي تقوم بتغاضي تام عن مُواجهة التراجع المُخيف في مستوى المعيشة في عموم سوريا، وندرة الخدمات، وتضاؤل الآمال بالوصول القريب إلى حلٍّ سياسي شامل يُنهي مسيرة طويلة من الحرب والنزوح والهدم والألم.

الحل نت

———————–

ماذا لو عاد أنس العبدة ونصر الحريري إلى دمشق؟/ وائل السواح

عاد أليكسي نافالني إلى روسيا، على الرغم من تهديد الرئيس فلاديمير بوتين له باعتقاله. كان نافالني قد خرج من روسيا قبل أشهر، بعد أن حاول بوتين اغتياله عن طريق السمّ. حسن الحظ وحده هو ما ساهم في إنقاذ حياة الرجل. وأرسلت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، طائرة خاصة نقلت فيها نافالني وهو على وشك الموت، حيث تمّ إسعافه في مستشفيات ألمانيا.

ما إن تحسّن وضع نافالني، حتى قرّر العودة إلى بلاده. كان يعرف أن الرئيس بوتين سيعتقله، وسيحاول مرّة ومرّة تحييده وتشويه صورته إن لم يكن اغتياله من جديد. وكان يستطيع، بكلّ بساطة، أن يطلب اللجوء في ألمانيا، أو في أي بلد غربي، ويصبح زعيما للمعارضة الروسية في الخارج. وكانت حكومات الغرب ستقبل بكل ترحيب، وتقدّم له حياة رغدة وإمكانات واسعة للعمل السياسي، بيد أنه رفض.

نجح نافالني في إيقاف بوتين وأجهزته على رؤوسهم. بدأ منذ أكثر من عقد بمدوّنة فردية عن المناقصات الحكومية الوهمية والعقود الحكومية الفاحشة. ثمّ أنشأ مؤسسة إعلامية، تحقق في الفساد وإساءة استخدام السلطة في روسيا، وتنتج تقارير نصية وفيديو مكثفة تجذب ملايين القراء والمشاهدين. كما أنشأ شبكة من المنظمين الميدانيين الذين كشفوا جهود بوتين في تزوير الانتخابات، وشكّلوا حالة رعب للرئيس الروسي. اعتُقل مرارًا ودين مرتين بتهم جنائية ملفّقة، لكن أيا من هذه الإجراءات لم تنجح في إسكاته. وقد أثار احتجاجاتٍ جماهيريةً أجبرت السلطات على إطلاق سراحه في العام 2013، بعد يوم من الحكم عليه بالسجن خمس سنوات. وبعد إدانته التالية، رفض الامتثال لحكم الإقامة الجبرية غير القانوني، رفع دعوى قضائية في المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان وفاز بها. وعندما احتجزت الحكومة شقيقه أوليغ، وحكمت عليه بالسجن ثلاث سنوات ونصف السنة، ارتفع صوت أليكسي أكثر وبات أكثر فاعلية. وأخيرًا، حاولت شرطة بوتين السرّية في العام الماضي قتل نافالني عن طريق تسميمه بالمادة الكيميائية نوفيتشوك. لم ينجُ نافالني فحسب، بل شارك في تأليف تحقيقٍ في محاولته القتل.

خلال أشهر حرجة ثلاثة، عمل نافالني مع الأطباء الألمان لإعادة عقله وجسده إلى الحياة بالكامل. وكان ذلك معجزة حقيقية، إذ لم يسبق أن نجا أحد من هذا السمّ الفعّال الذي كان من بين ضحاياه الجاسوس الروسي السابق، سيرغي سكريبال، وابنته يوليا، اللذان يُعتقد أن حكومة بوتين قد أمرت باغتيالهما في بريطانيا في عام 2018.

قبل أيام، أعلن نافالني أنه تعافى تمامًا، وأنه سيعود إلى موسكو. هدّدته الحكومة الروسية وإدارة السجون الروسية على الفور بالاعتقال، وكان يعرف أنها قادرةٌ على ذلك، فقد سبق لحكومة بوتين أن أطلقت مثل هذه التهديدات ضدّ أعداء بوتين بشكل روتيني، وعادة ما كانت تنجح في منع الناس من العودة إلى ديارهم من الخارج. في عام 2003، تحدّى قطب النفط، ميخائيل خودوركوفسكي، مثل هذا التحذير، فما إن وطأت قدماه أرض روسيا حتى قُبِض عليه، وجرّد من ثروته، وسجن عشر سنوات. وفي عام 2014، تحدّى السياسي بوريس نيمتسوف تحذيرًا مشابهًا وقتل. ولكن ذلك لم يكن ليهن في عزيمة نافالني.

صمّم نافالني عودته بدقة وروح دعابة مميزّة. صباح الأحد، استقل أليكسي ويوليا طائرة برلين -موسكو، برفقة محامية نافالني، أولغا ميخائيلوفا، والمتحدّثة باسمه كيرا يارمش، وصحافيين عديدين. على متن الطائرة، التقط نافالني صورة سيلفي مع مضيفات الرحلة، اللواتي طلبن ذلك على ما يبدو، وسجّل هو ويوليا مقطع فيديو مدّته خمس ثوان، قال فيه نافالني: “أيها الساقي، أحضر لنا بعض الفودكا. نحن ذاهبون إلى المنزل”… واعتقل نافالني لحظة وصوله إلى المطار واقتيد إلى السجن.

لا أستطيع أن أمنع نفسي من المقارنة بين شجاعة نافالني وإصراره على العودة إلى الوطن، لأن المعركة الحقيقية يجب أن تكون هناك، وموقف عديدين من قادة المعارضة السورية الذين استمرأوا الإقامة في إسطنبول أو الرياض أو باريس، حيث يقودون من هناك معارك دونكيخوتية ضدّ النظام، لا تغني ولا تسمن من جوع.

ماذا لو قرّر رئيس الائتلاف السوري لقوى الثورة والمعارضة، نصر الحريري، أو رئيس هيئة التفاوض لقوى الثورة والمعارضة السورية، أنس العبدة، أو كلاهما، العودة إلى دمشق؟ لا أتحدّث طبعا عن العودة المشينة لبعض أطراف المعارضة الذين عادوا “إلى حضن الوطن”، ورموا بأنفسهم في أحضان الأجهزة الأمنية. أتحدّث، بالأحرى، عن عودةٍ أخرى، عودة فيها من التحدّي والتصميم على المعارضة لإسقاط الرئيس بشار الأسد، من الداخل. والرغبة على العمل الجادّ من أجل تشكيل معارضةٍ قويةٍ وموحدةٍ ضدّ نظام الأسد المجرم.

لم تكن المعارضة الروسية ذات شأن قبل نافالني، ولكن شجاعته وتحدّيه ومواجهته قمع بوتين وحكومته جعلته رمزا تجمّعت حوله معظم أطياف المعارضة. وأحسب أن الحال سيكون مشابها لو قرّر قادة المعارضة السورية العودة إلى دمشق وتحدّي الأسد في وطنهم.

هل سيعتقلون؟ ربّما، ولكن الأغلب أنهم لن يتعرّضوا للتعذيب الذي تعرّض له الناشطون السلميون الذين كانوا يعرفون مصيرهم ولم يأبهوا له. يعرف الأسد، ومعه الروس، أنهم يمكنهم اعتقال شخصٍ بحجم هادي البحرة أو برهان غليون أو نصر الحريري، ولكنهم يعرفون أيضا أنه لن يكون في مستطاعهم تصفيتهم الآن أو تعذيبهم، أو تغييبهم كما فعلوا مع القائد عبد العزيز الخيّر. في المقابل، ستشكّل هذه العودة إطارا فعّالا لكي يقتنع السوريون في الداخل (والخارج) أن قيادة معارضتهم جادّة في سعيها السياسي، وأنها تقوم بما تقوم به وهي تضع مصالح السوريين أولا وليس مصالح حزبية أو فردية ضيقة، والأهم أنها تضع مصالح السوريين قبل مصالح القوى الإقليمية التي تتحالف معها.

لست متفائلا، ولا أحسب أن ذلك سيحدُث قريبا، لجملة من الأسباب، أهمها أن التاريخ الوحشي للأسد في القتل والتعذيب والاغتصاب والمحاكمات الفاجرة يجعل أي شخصٍ يعدّ للمائة قبل أن يقرّر العودة. على أن ثمّة عاملا أهم من ذلك، أن قادة المعارضة السوريين يختلفون عن أليكسي نافالني، في الصدق والنزاهة والاستقلالية. وفي النهاية، كان قرار نافالني قراره هو، وليس قرار أي أحد آخر.

العربي الجديد

————————————–

الاسد لن يتلقى اللقاح الروسي/ إياد الجعفري

لا يبدو أن رأس النظام السوري بشار الأسد، سيتلقى تطعيماً “روسياً” ضد “كورونا”، في فترة قريبة، بخلاف رغبته التي أبداها منذ تشرين الأول/أكتوبر الماضي، في حديثٍ مع وكالة أنباء روسية. فنظام الأسد فشل حتى الآن في عقد أي اتفاقية لتوريد لقاح ضد كورونا، بعد ستة أسابيع من المحاولات، وفق اعتراف مثير للجدل، وللسخرية في آن، أدلى به وزير الصحة بحكومة النظام، حسن الغباش، تحت قبة مجلس الشعب، يوم الخميس.

وبعيداً عن البعد الفكاهي في الربط الذي عقده “الغباش” بين الحصول على لقاح كورونا، و”السيادة السورية”، تخلل جلسة مجلس الشعب ذاتها، إجراء نيابي روتيني، يكشف عن مصدر رئيس للقاح يراهن عليه النظام، بعد فشل محاولته في استجداء اللقاح “مجاناً” من روسيا.

إذ أقر مجلس الشعب مشروع قانون بتصديق اتفاقية مع “غافي” – التحالف العالمي من أجل اللقاحات-، والذي يعمل ضمن برنامج “كوفاكس” الذي أطلقته منظمة الصحة العالمية، بهدف توفير لقاح كورونا للبلدان الفقيرة. لكن يبدو أن اتفاقية حكومة النظام مع “غافي”، لا تتعلق بلقاح كورونا حتى الآن، بل تتعلق بلقاحات لأمراض أخرى، وذلك وفق تصريح وزير الصحة، الذي قال إن حكومته لم توقّع حتى الآن أي اتفاقية مع أي منظمة، لاستقدام لقاح كورونا، لأن هناك شروطاً لم تناسب حكومته.

لكن ما هي هذه الشروط؟ لم يفصح الوزير عن ذلك. وهو غموض آخر يُضاف إلى الغموض حول مصير مفاوضات النظام مع روسيا للحصول على لقاحها، “مجاناً”، أو بشروط مالية مُيسّرة. فبعد الكثير من التهليل بقرب وصول اللقاح الروسي إلى سوريا، بالتزامن مع زيارة وزير خارجية النظام، فيصل مقداد، إلى موسكو، في 21 كانون الأول/ديسمبر الفائت، غاب الحديث عن اللقاح الروسي تماماً عن الإعلام الموالي للنظام. وبناء على ما سبق، فإن الرهان على وصول اللقاح إلى سوريا خلال شهر نيسان/أبريل القادم، كما توقعت مصادر رسمية سورية سابقاً، لا يبدو واقعياً.

وهكذا، تدير دول حليفة ظهرها للنظام، مجدداً، وسط أزماته الاقتصادية المتفاقمة. فروسيا التي تدير عملية تسويق لقاحها، “سبوتنيك v”، بعقلية تجارية بحتة، عبر صندوق الاستثمارات المباشرة الروسي، مشغولة الآن في عقد الصفقات مع الدول التي تريد الدفع “كاش”، للحصول على لقاحها، المشكوك في فعاليته حتى الآن. وذلك ينطبق أيضاً، على الحليف الآخر لنظام الأسد، الصين. أما الحليف الأوثق، إيران، فهي عاجزة عن مساعدة النظام بهذا الخصوص، حتى الآن، إلا إن كان النظام يأمل في الحصول على لقاحها المحلي “كوفيران”، الذي لا تراهن عليه إيران ذاتها. فطهران عملت مؤخراً بشكل حثيث على استيراد لقاحات من مصادر خارجية.

وبهذا الصدد، لا يستطيع النظام الاختباء وراء ذريعته المفضلة، في تبرير فشله بإدارة أزمات البلاد، وهي العقوبات. فحليفته إيران حصلت على موافقة أمريكية تستثنيها من القيود على حركة حساباتها المالية، بغية شراء اللقاح المضاد لـ كورونا، منذ نهاية العام الفائت. وفي تفاصيل هذا الخبر تحديداً، تتضح المعضلة التي تواجه النظام. فإيران أعلنت أنها خصصت 200 مليون يورو لشراء دفعة من اللقاحات. فمن أين سيأتي النظام بمبلغ مماثل، إذا علمنا أن حسين عرنوس، رئيس وزراء النظام، تهرّب من إلغاء قرار إلزام السوريين بتصريف 100 دولار على الحدود، خلال تصريحات له قبل بضعة أيام، مشيراً إلى إمكانية إلغاء القرار، فقط حينما يتحسن الوضع الاقتصادي. علماً أن حصيلة ما دخل إلى خزينة النظام من هذا الإجراء منذ فرضه وحتى الآن، قياساً إلى ما تم تحصيله خلال شهر آب/أغسطس الفائت، بناء على أرقام رسمية، ربما لا تتجاوز الـ 10 ملايين دولار، في أحسن الأحوال. فالنظام العاجز عن الاستغناء عن 10 ملايين دولار، لإلغاء إجراء أثار استياء السوريين على نطاق واسع، كيف سيوفر مبالغ من قبيل 200 مليون يورو!

يحيلنا ذلك، مجدداً، إلى رهان النظام الأبرز، في ملف لقاح كورونا، وهو المعونة الدولية. فقد تم تحديد سوريا، بالفعل، من بين الدول الـ 92 التي ستتلقى اللقاح بمعونة اقتصادية من التحالف العالمي “كوفاكس”. لكن حديث النظام الغامض عن شروط لم يقبلها في الاتفاق مع المنظمات الدولية في هذا المجال، يطرح تساؤلات حول مصير التعاون المرتقب مع “كوفاكس”. ناهيك عن معضلة أخرى تتعلق بموعد الحصول على اللقاح، إذ تشير تصريحات حكومية في مصر مثلاً، أنها قد تتلقى جرعات لقاح كورونا ضمن إطار مبادرة “كوفاكس”، في حزيران/يونيو القادم. وهو ما يجعل الاستجابة لتفشي الوباء واحتوائه، متأخرة جداً.

أحد الأبواب الأخرى التي ربما يراهن عليها النظام، هي استنساخ النموذج اللبناني، وهو ما أوحى به أحد تصريحات وزير الصحة، يوم الخميس. إذ حذّر من تفشي كورونا على غرار ما حدث في لبنان. بل يبدو أن النظام، الذي يهمل الإجراءات الاحترازية على أرض الواقع، يأمل حصول السيناريو اللبناني بالفعل في سوريا، فذلك قد يتيح له الحصول على معونة دولية لشراء لقاحات كورونا، مثلما حصل لبنان على معونة بقيمة 34 مليون دولار، من البنك الدولي، لهذه الغاية.

أما متى سيصل اللقاح إلى سوريا؟ فالجواب نجده في تصريح سابق لمسؤول في وزارة الصحة، قال فيه إن التأخر في وصول اللقاح سيكون في “مصلحة المواطن”، لأنه حينما يزيد الإنتاج، سينخفض سعر اللقاح. وهو ما يكشف –بين السطور- عن نيّة النظام، ألا يدفع “دولاراً واحداً” لتطعيم السوريين ضد كورونا.

المدن

—————————————–

عودة نافالني الروسي والمعارضة السورية/ عمّار ديّوب

أثارت عودة المعارض الروسي إلى بلاده أسئلة كثيرة لدى المعارضة السورية. زاد أمر الأسئلة بعد اعتقال الرجل مباشرة من سلطات موسكو، وتدفق مئات ألوف الروس إلى الشوارع وتخطّت المدن المُشاركة بالاحتجاجات المائة، وهذا ينذر بشتاءٍ مرٍّ ستعاني منه تلك السلطات، وبالطبع المعارضة الروسية، التي تزايد أعداد المعتقلين منها إثرّ تلك العودة. نافالني

امتلأت الصفحات الشخصية السورية عن العودة تلك، وكتب وائل سواح مقالاً في صحفية العربي الجديد “ماذا لو عاد أنس العبدة ونصر الحريري إلى دمشق”؛ إذا الموضوع أثار شجون السوريين، والمعادلة باختصار: لماذا خرجت أكثرية المعارضة السورية من البلاد بعد 2011؟ لماذا لم تناضل مع بقية الشعب من الداخل، ولماذا لم تنتقل إلى المناطق “المحررة”، ويضاف لذلك، لماذا لم تعود إلى مناطق قسد أو المناطق التي احتلتها تركيا، بل وحتى تحت سلطة هيئة تحرير الشام، وقبل 2018، أيضاً لم تتداع إلى الداخل حيث كانت مناطق كثيرة تحت سيطرة فصائل متعددة وليست سلفية أو جهادية.

نعم هناك مشكلة كبيرة في ذلك، والمقياس السوري كان العراق وليبيا، أي لتخرج المعارضة، ولتُشكل مجلسها “الوطني” في الخارج، وتستدعي الخارج “ليخلع” النظام من شروره؛ لنلاحظ هنا أسماء أيام الجمع في 2011 “الحظر الجوي، التدخل الخارجي، الحماية الدولية”. هو مقياس رديء بامتياز، ويوضح غياب المنظور الوطني للمعارضة وعدم الثقة بالشعب والرعب من النظام الاستبدادي. يظل السؤال قائماً، لماذا اختارت كتلة كبيرة من المعارضة “الهروب” من البلاد.

أشرت قبل قليل إلى المقياس الذي وزنت فيه الموازين. والغريب أنها لم تُراجع نتائج الاحتلال الأمريكي للعراق! حيث خُربت البنية الاجتماعية ونهبت آثاره وقتل علماؤه، وانهارت كل أشكال الخدمات، وتقريباً سلمت أمريكا العراق لإيران. أمر يثير العجب فعلاً. إذا خففنا المنظور الأخلاقي لرؤية الأحداث، فإنّ المعارضة المكرّسة حينها، أقصد المجلس الوطني السوري، ولاحقاً الائتلاف الوطني لقوى المعارضة، وسنشيح النظر عن هيئة التنسيق الوطنية نظراً لتمسكها بالداخل، والانطلاق منه للعمل السياسي، وهنا لا نناقش صواب أو خطأ رؤيتها. نقول إنّ تلك المكرسة، كانت تتوخى الوصول للسلطة وبأي ثمن، وهذا لا يمكن اغتنامه دون تفريغ الساحة الداخلية من المعارضة ورهن ذاتها للدول الخارجية، وتصوير الوضع السوري بأنّه كارثة حقيقية، وهناك من أكد أنّ سياسة تحرير المدن وقيام النظام بمجازر كبيرة على إثر ذلك سيؤدي بشكل حاسم للتدخل الدولي المرغوب من قبله، ولو كان مصير البلاد سيكون كما العراق. طبعاً، وقبل سياسات المعارضة الفاشلة، هناك الطغاة الذين يسلمون البلاد للغزاة. نافالني

كان من أكبر أخطاء المعارضة ما أشرت إليه، حيث غادرت الساحة الداخلية ليلعب بها النظام، وهو ما فعله، عبر إطلاق مئات المعتقلين السلفين والجهاديين، والذي، ومع دور كبير للإخوان المسلمين في المعارضة، ساهما بتخريب الثورة والصراع ذاته، وبالتالي تحولت الثورة إلى مسلحة، وحينها يمكن القول إنّ واقع المناطق “المحررة” لم يعد يسمح بالعيش الأولي للمعارضة أو لسواها. من الخطأ أن نجلد أحد دون قراءة الواقع ذاته، ومع ذلك كان يجب التمسك والعودة إلى المناطق التي ليست تحت سيطرة الفصائل الجهادية بالتحديد. كانت العودة ضرورة لأغلبية المعارضة سيما من كانت ترى جبهة النصرة تنظيماً ثورياً! وبالتأكيد جيش الإسلام أقل تطرفاً منها، وبالتالي هناك أخطاء مارستها المعارضة في هذه القضية، وتتمثل في تسهيل خروج أغلبية أفرادها ولاحقاً الناشطين، وبالطبع لم تُناقش هذا القضية من أصلها، أي خطر تفريغ الساحة الداخلية من المعارضة، وتركها للفئات، سلفية أو جهادية وسواه.

نافالني

قُتل مئات الناشطين الأوائل في مدنهم أو المعتقلات، واعتقل الآلاف، وهذا كان سبباً قوياً للمعارضة لتسهل عملية خروج أنصارها، ولكن الشعب ظلَّ يعاني كل أشكال الظلم لدى النظام ولدى الفصائل. هنا الموضوع، حيث يجب التفكر بشؤون المعارضة والناشطين وكافة الفاعلين، وقبل ذلك باستراتيجية وأهداف الثورة وبرنامجها. وكيف كان يمكن ضبط الأسلمة والسلاح والتمويل والتدخل الخارجي. كل هذا الحديث لم يُطرح من أصله، وبالتالي تفاقمت الأوضاع وفُتحت سورية لكل ما هبّ ودبّ، وهنا صار من الموضوعي بمكان أن يخرج الملاحقين أمنياً أو الذين اعتقلوا. إطالة عمر الثورة، وغياب أي أفق للحل، شكلا سبباً جاداً للسوريين للخروج، وبالطبع هناك التهجير المدروس الذي قام به النظام عبر حروبه الكارثية، والتي قتلت البشر ودمرت المنازل والمدن، وبالتالي لم تعد سورية بلداً قابلاً للحياة، ويصبح حق الأمان مطلباً وجودياً للأفراد قبل أي اعتبار أخر. نافالني

تطورات الوضع السوري تقول بأنّ المعارضة السورية لا تقيم اعتبارها للشعب السوري، وفي هذا تنافس النظام في سوئها وانحطاطها. نافالني الروسي عاد واعتُقل، والسؤال: لو عادت المعارضة، ولا سيما المنخرطة بمؤسساتها، وأفراد أحزابها إلى المناطق التي تسيطر عليها تركيا، فهل ستتعرّض للاعتقال مثلاً؟ بالتأكيد لا، سيما أنّ أحوالها لن تكون سيئة كما أغلبية من يسكن تلك المناطق. نعم هناك مشكلة أخلاقية لدى تلك المعارضة، حيث تترك الشعب ليعيش أسوأ الأحوال وتنطق هي باسمه، وبمقدورها أن تعود إلى تلك المناطق “الآمنة” وترفض.

باعتبارنا نتحدّث عن المعارضة، يمكننا رؤية أحوالها بعجالة، فما هو وضعها حالياً؟ أليس الانقسام العامل الأساسي فيها راهناً، أليس هو حال القوى المشكلة للائتلاف الوطني أو هيئة التفاوض أو القوى الكردية، ثم أليست تابعة هذه أو تلك لتركيا والسعودية وقطر وأمريكا وروسيا بل وحتى لمصر، وربما لدول أخرى، ثم أليست تلك التبعية وما ذكرناه أعلاه، السبب الحقيقي لوضعها الكارثي.

ليس من العقلانية بمكان دعوة قيادات المعارضة إلى مناطق النظام، حيث أغلبية السوريون يبحثون عن طريقٍ للخروج من سورية، وهناك ألف تعقيد لهكذا مطلب من أصله، وهنا لا نتجاهل بقاء معارضين في الداخلين، ولكن دون أية فاعلية سياسية. المطلوب هو الانسحاب الكلي من أية مفاوضات مع وفد النظام، أو أي ترتيبات أمنية وعسكرية تشرف عليها روسيا أو تركيا أو إيران أو أمريكا، والتوحد في إطارٍ جديد، ينطلق من القرار 2254 وجنيف1 ويشطب تفاهة السلال الأربعة، والعمل من أجل تشكيل هيئة انتقالية كاملة الصلاحيات، وبغطاء دوليّ، وبما يتيح لسورية الانتقال السياسي، وحينها ستكون عودة المعارضة والشعب ممكنة إلى سورية؛ إذاً يقع على عاتق المعارضة العمل من أجل تلك العودة وليس التبعية للدول أو الاستمرار بالانقسامات والطلب من غير بيدرسون التدخل لطي مشكلاتها، والانسحاب من أية ترتيبات دولية او إقليمية لا تخدم تشكيل هيئة كاملة الصلاحيات. نافالني

ليفانت – عمّار ديّوب

————————-

نافالني وزعزعة استقرار السلطة/ مصطفى فحص

بين محاولة الإنكار وحتى رفض الاعتراف به كمعارض، وبين مشهد التظاهرات التي عمت المدن الروسية ولم تأبه للتحذيرات الأمنية، نجح المدون الروسي كما يسميه الإعلام المدجن ألكسي نافالني بفرض نفسه حالة اعتراضية بوجه الكرملين الذي يبدو مرتبكا في مواجهته، فقد فشل الكرملين من محاصرة ظاهرة نافالني الذي تحول إلى حالة شعبية ستؤرق السلطة الحاكمة في المرحلة المقبلة، بعدما أدت أخطاء الأجهزة الأمنية في التعامل معه إلى تحويله رمزا للمعارضة وإلى الشخصية الثانية في روسيا.

بالرغم من امتناع السلطات الرسمية منح أنصار نافالني تراخيص بالتظاهر إلا أن 122 مدينة روسية استجابت لدعوته، كذلك جرت تظاهرات في 72 مدينة خارج روسيا، وقدر فريق نافالني عدد المتظاهرين بـ 300 ألف، فيما قدرتهم جهات معارضة أخرى بـ 160 ألف، وبرغم التفاوت في تقدير الأعداد إلا أن نجاحه في تحريك الشارع الروسي أفقيا يشكل تحديا واضحا وجريئا لسلطة الكرملين، التي واجهت يوم السبت الفائت حركة احتجاجات غير مسبوقة في نطاقها الجغرافي، وحشودا غير متوقعة، خصوصا  في المدينتين الرئيسيتين موسكو وبطرسبيرغ حيث احتشد في الأولى ما لا يقل عن 20 ألف وفي الثانية 10 آلاف.

مما لا شك فيه أن نافالني نجح في استثمار فشل الكرملين بمحاولات إسكاته، وتمكن من حشد تعاطف غير مسبوق مع قضية تسميمه والتضامن الواسع بسبب اعتقاله بعد عودته، فقد أدى تعامل أجهزة الدولة الأمنية والقضائية السيء معه وامتناع كبار المسؤولين حتى عن ذكر اسمه في تحويله سريعا إلى بطل وطني، فبالنسبة للروس تسجل لنافالني شجاعته بتحدي السلطة وترهيبها وبأنه عاد إلى بلاده حتى لا ينضم إلى مجموعة المعارضين المقيمين في الخارج والتي تتهمهم السلطة بالعمالة.

بعد عودته من برلين لم تفلح الدعاية الرسمية في تشويه سمعته وفي التشكيك بخلفية دعواته للتظاهر، وحتى وإن جاءت من داخل الكرملين وعلى لسان المتحدث باسم سيده ديمتري بيسكوف الذي اتهم السفارة الأميركية بالتحريض على التظاهر وفي التدخل في شؤون روسيا الداخلية، ولكن انفعال الكرملين ضد واشنطن لا ينفصل عن قلقه من كيفية مقاربة الإدارة الأميركية الجديدة لتعاطيها مع ملفات روسيا الداخلية والمخاوف من استثمار حالة نافالني ليس من أجل زعزعة استقرار السلطة والضغط على الكرملين، حيث تتخوف بعض الأطراف من أن تستغل القوى الناعمة الأميركية هذا الوضع وتجعل من نافالني شريكا أساسيا لها، ويصبح التعامل مع روسيا عبر قناتين الرسمية التي يمثلها بوتين وإدارة الكرملين والشعبية أو المجتمعية التي بات يمثلها نافالني.

تمسك نافالني بشعاراته ضد الفساد وبالحريات العامة تسبب بإرباك النخب الروسية في كيفية المقاربة لحركته، فالمعارض الشاب الذي بدأ نشأته السياسية قريبا من القوميين لم يرفع شعارات ليبرالية أو يطالب بتغريب روسيا، ولم يزل ملتزما الصمت في القضايا الخارجية أو الجيو-استراتيجية التي تتصل بالأمن القومي الروسي، وفي هذا الصدد يقول الباحث في معهد كارنيغي للسلام الكسندر بونوف: “قد يكون نافالني من منتقدي بوتين، لكنه لا يتناسب مع نموذج الليبرالي الموالي للغرب الذي يمكن بسهولة أن يسخر منه ويدمر في أعين الروس الوطنيين بشدة”.

في استطلاع للرأي جرى سنة 2017 كان عدد الروس الذين لم يسمعوا باسم نافالني قرابة 59% وفي آخر استطلاع جرى بعد محاولة تسميمه بلغ عددهم 19%، فيما تجاوز عدد المشاهدات للفيلم الذي أنتجه عن قصر بوتين بعد اعتقاله في المطار 82 مليون مشاهد، إضافة إلى أعداد المتظاهرين والجدل السياسي الذي أثير في الداخل والخارج يمكن القول أن ظاهرة نافالني لن تشكل خطرا على النظام إلى الآن، إلا أنها من الممكن على المدى البعيد إذا حافظت على استمرارها ستؤدي إلى عدم استقرار سياسي تحاول موسكو تجنيه في المرحلة القادمة.

الحرة

—————————

الاحتجاجات الروسيّة: “نظام بوتين” في شتائه/ فيكين شيتريان

بعدما سيطر “نظام بوتين” على مقاليد السلطة لأكثر من عقدين من الزمن، تبدو عليه علامات الوهن. ومن المفارقات أنّ فلاديمير بوتين أصبح الآن أكثر عرضة من أيّ وقت مضى لضغوط الشارع، بعدما سعى جاهداً لضمان السيطرة الكاملة …

أثار إلقاء القبض على أليكسي نافالني في العاصمة الروسيّة موسكو، في 17 كانون الثاني/ يناير 2021، موجةً من الاحتجاجات في أرجاء روسيا. وكان نافالني عائداً من برلين بعدما أمضى شهوراً يتلقّى العلاج إثر مزاعم بتسميمه على أيدي عملاء للحكومة الروسيّة.

هذه الحركة الاحتجاجيّة، على النقيض من تلك التي اندلعت عام 2012، أعمق بكثير وأخطر على استقرار “نظام بوتين”، إذ تتجاوز المراكز الحضريّة الكبرى، مثل موسكو وسان بطرسبرغ، فتحشد الجماهير في فلاديفوستوك إلى كراسنودار. واحتشد أكثر من 40 ألفاً في وسط موسكو، مردّدين شعاراتٍ مناهضة للفساد وداعية إلى إطلاق سراح نافالني.

برز نافالني ليجسّد المعارضة ضدّ “نظام بوتين”، عبر تركيز حملته على فساد النخبة وانعدام كفاءتها. إلّا أنّه لا ينبغي للمرء أن يتصوّره ديموقراطيّاً ليبراليّاً، كما قد تُعطي الانطباعات التي تنقلها تقارير الإعلام الغربيّ. فلو كان “ديموقراطيّاً ليبراليّاً” فهذا على الطريقة الروسيّة. إذ إنّ نافالني قبل أن يبدأ في التركيز على قضايا الفساد، كان شديد الارتباط بالدوائر الوطنيّة الروسيّة، ومنخرطاً في حملات معادية للهجرة، وكان أيضاً معادياً للروس من خلفيّات عِرقيّة غير سلافيّة، ولأولئك الذين يعيشون في شمال القوقاز على وجه الخصوص.

اليكسي نافالني

الآن وقعت الحكومة الروسيّة في ورطة، فإطلاق سراح نافالني قد يشجّع مزيداً من حركات المعارضة، ولكنّ إبقاءه رهن الاعتقال بعد الشهر الأوّل قد يسبّب مزيداً من الغضب. فالسياسات القمعيّة لها حدود، وبخاصّة حين تفشل الأنظمة الاستبداديّة في الوفاء بما عليها من التزام، وهو الاستقرار الاقتصاديّ.

هناك أسباب عدّة جعلت تلك الحركة الاحتجاجيّة عموميّة وشاملة. أوّلها نجاح نافالني في إيصال رسالته في مكافحة الفساد، عبر نشره تقارير مصوّرة على وسائل التواصل الاجتماعيّ. فمع هيمنة السلطات الروسيّة على المؤسّسات الإعلاميّة، ما زالت هناك حدود لقدرته على الرقابة في عصر التقنيات الرقميّة. فقد أطلق فريق نافالني وثائقيّاً عن قصر بوتين على البحر الأسود الذي كلّف الدولة مليار يورو. واتّهم نافالني القائدَ الروسيّ بتشييد قصر فاخر من حصيلة الفساد، ما يجعل القصر “أكبر رشوة في التاريخ”.

ردّ القائد الروسيّ على نشر الفيديو الوثائقيّ بالقول إنّه “تركيب ومونتاج”، مضيفاً أنّه وجده “مُمِلّاً”. ونقلت عنه وكالات الأنباء قوله “لا شيء ممّا يرد في الفيديو، باعتباره من ممتلكاتي هو حقّاً من أملاكي أو من أملاك أقاربي، ولم يكن يوماً من ممتلكاتنا”. إلّا أنّ الفيديو حظي بـ86 مليون مشاهدة في أقلّ من أسبوع.

لا تنحصر مشكلة القائد الروسيّ في انعدام كفاءة الرقابة التي تقوم بها الدولة، وإنّما جوهر الأمر أنّ رسالة “نظام بوتين” لم تعد مقنعة لقطاعٍ عريض من المواطنين الروس. وصل بوتين إلى السلطة في فترة مختلفة، وقدّم حينها حلولاً لم تستفد منها الطبقات النافذة الروسيّة التي كانت في ورطة فحسب، بل لبّت أيضاً حاجات قطاع كبير من الشعب. وبعد سنواتِ التفكّك السوفياتيّ تحت قيادة ميخائيل غورباتشوف، وسنوات الفوضى في ظلّ حكم بوريس يلتسن، التي عانى خلالها الروس وغيرهم من سكّان الجمهوريّات السوفيتّيّة الأخرى بشدّة، جاء بوتين بوعود الاستقرار، وقدّم أيضاً صورة عن القوّة الروسيّة وهي تقف في وجه الغرب “المتغطرس”.

الأهمّ من ذلك هو أنّ بوتين نجح في تحقيق الاستقرار في روسيا بفضل زيادة الإيرادات الماليّة المرتكزة على الصادرات الهائلة من الطاقة والموادّ الخام الروسيّة، فقد أصبحت روسيا لسنوات عدّة المنتِج الأوّل للنفط في العالم (وهي ثالث أكبر منتِج للنفط عام 2019، بعد الولايات المتّحدة والمملكة العربيّة السعوديّة). ومن عجيب المفارقات أنّ قوّة “نظام بوتين” وضعفه يكمنان هنا.

كان الاقتصاد السوفياتي في السابق ثاني أكبر اقتصاد وقوّة عسكريّة في العالم، ومع ذلك تخلّف عن الغرب في التطوّر التقنيّ، بسبب عدم كفاءة المجمّعات العسكريّة-الصناعيّة التابعة له وضعفها، وبسبب النظام السياسيّ القائم على الهيمنة التراتُبيّة المتشدّدة والرقابة الصارمة. ومع أنّ إصلاحات غورباتشوف كانت أساساً محاولة لتحديث هذا النظام، فقد أدّت بدلاً من ذلك إلى زعزعة استقراره.

يأتي الاقتصاد الروسيّ اليوم في المرتبة الحادية عشرة (11) كأكبر اقتصادات العالم من حيث الناتج المحلّيّ الإجماليّ. والواقع أنّ الاقتصاد الروسيّ تضرّر بشدّة نتيجة العقوبات الماليّة التي فرضتها عليه الدول الغربيّة واليابان في أعقاب الضمّ القسريّ لشبه جزيرة القرم عام 2014. بَيد أنّ الاقتصاد الروسيّ ما زال يعاني من مشكلات بنيويّة، على رغم ما شهده من تبلور واستقرار أثناء حكم بوتين. إذ إنّه يعتمد اعتماداً كلّيّاً على النفط والغاز بنسبة 52 في المئة والمعادن والأحجار الكريمة بنسبة 8 في المئة، في حين لا تتجاوز الآلات والإلكترونيّات 3.4 في المئة فقط. وحقيقة أنّ النخب الحاكمة الروسيّة تحقّق أرباحها من خلال صادرات الموادّ الخام، فلا تدفع بالقطاع التقنيّ إلى الأمام ولا تحافظ على قدراتها الصناعيّة ولا تُساهِم في تطوّرها.

غير أنّ هذا الاعتماد الهيكليّ للاقتصاد الروسيّ على تصدير الطاقة والمعادن يواجه أزمة، بل يتأثّر بالتقلبات الاقتصاديّة العالميّة. فقد بلغت صادرات روسيا عام 2019 ما يعادل 422 مليار دولار أميركيّ، ومن المتوقّع أنّ تنخفض صادراتها إلى 319 مليار دولار أميركيّ عام 2020.

الآن، بعدما سيطر “نظام بوتين” على مقاليد السلطة لأكثر من عقدين من الزمن، تبدو عليه علامات الوهن. ومن المفارقات أنّ فلاديمير بوتين أصبح الآن أكثر عرضة من أيّ وقت مضى لضغوط الشارع، بعدما سعى جاهداً لضمان السيطرة الكاملة على المؤسّسات السياسيّة الروسيّة. لَم يعُد خطاب “القوّة” و”الاستقرار” مقنعاً لجيل جديد يريد التغيير، ويرى أنّ الاستقرار لا يعني سوى “بقاء الحال على ما هو عليه”. الواقع أنّ معاداة الغرب وإبراز القوّة العسكريّة كانت ممارسات منطقيّة في أعقاب سنوات حكم يلتسن وفي ظلّ الحروب الشيشانيّة، ولكنّها فقدت جاذبيّتها في استقطاب جيل جديد.

والأهمّ من ذلك أنّ بوتين فشل في حلّ المشكلات الأساسيّة التي تعاني منها روسيا- ومحورها عمليّة التحديث الاقتصاديّ- لتفضيله الاستقرار على الإصلاحات. واليوم، يُمكن إدراك حدود الخيارات التي اتُّخِذت في الماضي، وأنّه لا يمكن الإبقاء على الاستقرار إلى الأبد.

فقد أدّت جائحة “كورونا” التي عمّت العالم إلى زيادة وتيرة الصعوبات الاقتصاديّة، وربما تتسبّب في زيادة السخط المجتمعيّ، ومن ثَمّ ستحتاج السلطات الروسيّة إلى ما هو أكثر من السياسات القمعيّة لاحتواء هذا السخط الشعبيّ.

درج

—————————

==================

تحديث 02 شباط 2021

————————–

أليكسي نافالني العائد وعدو الكرملين اللدود

لدى أليكسي نافالني، المعارض الأبرز للكرملين والمحامي الذي جعل من مكافحة الفساد معركته، طموح واحد هو إسقاط فلاديمير بوتين الذي يتولى السلطة منذ أكثر من 20 عاما.

ووفقا له، فقد دبّر الرئيس الروسي عملية تسميمه بمادة نوفيتشوك في آب/ أغسطس في سيبيريا.

عاد أليكسي نافالني الذي نقل من موسكو وهو في غيبوبة، إلى روسيا في 17 كانون الثاني/ يناير بعد خمسة أشهر من النقاهة في ألمانيا، رغم علمه بأن عملية توقيفه كانت شبه مؤكدة. وقال حينها “روسيا بلدي، وموسكو مدينتي”.

ولدى وصوله، وتحت أنظار وسائل الإعلام العالمية، احتضن المعارض زوجته يوليا للمرة الأخيرة، قبل أن يتم القبض عليه عند نقطة مراقبة الجوازات في مطار موسكو.

وفي اليوم التالي، سجن بعد جلسة استماع سريعة. وخلفه، عرضت صورة لغينريخ ياغودا، مهندس المحاكمات الستالينية الأولى.

وقال غاري كاسباروف بطل الشطرنج السابق والمنتقد لنفوذ السلطات في روسيا لشبكة “بي بي سي”، “جريمته الوحيدة أنه نجا من محاولة الاغتيال هذه”.

لكن أليكسي نافالني المحامي السابق الذي يبلغ 44 عاما، دعا الروس إلى “عدم الخوف” والتظاهر.

وبهدف تحفيز مؤيديه، بث فيديو مدته ساعتان يتهم فيه فلاديمير بوتين ببناء قصر فخم مطل على البحر الأسود، وقد حصد المقطع المصور على يوتيوب أكثر من 100 مليون مشاهدة.

ونفى الكرملين امتلاك الرئيس الروسي الدارة الفخمة. وقال بوتين إن الاتهامات تهدف إلى “غسل دماغ” الروس.

ورغم قمع الشرطة، جمعت التظاهرات عشرات الآلاف من الأشخاص يومي 23 و31 كانون الثاني/ يناير في أكثر من مئة مدينة روسية.

مدون لا يهتم به أحد

في خضم هذه الجلبة، قبض على أبرز المقربين لأليكسي نافالني: زوجته يوليا التي يتم استجوابها في كل مناسبة وشقيقه الذي وضع رهن الإقامة الجبرية. وبقي ابنه وابنته في الخارج.

في نهاية العام 2020، بدأ “المدون الذي لا يهتم به أحد”، وفق تعبير الكرملين، بنفسه تحقيقا في عملية تسميمه، وقال إنه خدع عميلا في الاستخبارات الروسية للكشف عن تفاصيل العملية.

ونفى الكرملين تلك المزاعم، مشيرا إلى “هذيان الاضطهاد” لدى محتال في خدمة الغرب المعادي للروس.

وتبين الاستطلاعات أنه ما زال شخصا يثير انقساما. لكن ما تعرض له من مشاكل يغذي روح التعبئة في بلاد اقتصادها ضعيف.

وجاء في تحليل لمركز “ليفادا” المستقل “في أنحاء مختلفة من البلاد، لم يخرج الناس فقط لدعم نافالني (…) بل للتعبير عن عدم رضاهم عن السلطة”.

وأثبت نافالني غير الممثل في البرلمان والذي تتجاهله على نطاق واسع وسائل الإعلام الوطنية، أنه الصوت الرئيسي للمعارضة في مشهد تم فيه إسكات التشكيلات التقليدية أو إجبارها على التعاون.

تلميع صورته

يعد أليكسي نافالني ومنظمته “صندوق مكافحة الفساد” مقاطع فيديو مؤثرة، يهاجمان فيها السلطة وينتقدان خصوصا الزبائنية التي تتعامل بها.

من الناحية الانتخابية، ينظم نافالني حملات لدعم مرشحين، بغض النظر عن انتمائهم السياسي، من المرجح أن يتغلبوا على الحزب الحاكم، مع بعض النجاح في 2019 و2020.

وعندما نظمت الانتخابات التشريعية في كانون الاول/ ديسمبر 2011 واندلعت حركة احتجاج لا سابق لها في روسيا كان أليكسي نافالني في الصدارة بشكل طبيعي. ولفت الانظار خصوصا لما يتمتع به من شخصية قوية ولهجة شديدة في خطاباته منذ التظاهرات الاولى.

وفي وقت لاحق، سعى المعارض إلى تلميع صورته والتخلي عن الخطاب القومي ذي الدلالات العنصرية والتوقف عن الاستعراض في “المسيرة الروسية”، التجمع السنوي للجماعات اليمينية المتطرفة وأنصار الملكية.

وفي ايلول/ سبتمبر 2013 تعزز موقعه كزعيم للمعارضة إثر النتائج التي حققها (27,2 في المئة من الاصوات) في انتخابات رئاسة بلدية موسكو.

منذ ذلك الحين، سجن نافالني أكثر من مرة لفترات قصيرة ودين بقضايا عدة، في ملاحقات يندد بها باعتبارها سياسية.

في العام 2014، حكم عليه بالسجن ثلاث سنوات ونصف سنة مع وقف التنفيذ، وهي عقوبة تسعى السلطات لتحويلها حكما بالسجن مع النفاذ الثلاثاء بعد محاكمة في موسكو.

(أ ف ب)

—————————

حليف لنافالني يدعو لفرض عقوبات على الدائرة المحيطة ببوتين

حث حليف وثيق لمعارض الكرملين المحبوس أليكسي نافالني الغرب على فرض عقوبات على الدائرة المحيطة بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين متنبأ بأن ذلك سيحدث صراعات داخلية مزعزعة للاستقرار داخل النخبة الروسية.

وأطلق ليونيد فولكوف هذا النداء عشية جلسة محكمة قد تصدر حكما بسجن نافالني لمدة ثلاث سنوات ونصف السنة. وتلاحق السلطات الروسية فولكوف بتهم تشجيع صغار السن بالمخالفة للقانون على الاشتراك في احتجاجات مناوئة للكرملين.

وألقت السلطات القبض على نافالني، أحد أبرز المنتقدين لبوتين، الشهر الماضي بعد عودته من ألمانيا للمرة الأولى منذ تسميمه بغاز الأعصاب. ويتهم نافالني بوتين بأنه أمر بقتله، وهو ما ينفيه الكرملين.

وقال فولكوف لرويترز في مقابلة عبر الإنترنت “نأمل كثيرا للغاية في أن تكون هناك عقوبات قاسية على من يعتمد عليهم بوتين وعلى مموليه والدائرة المحيطة به. ستكون ضربة مؤلمة لأبعد حد لبوتين وعقوبة على أفعاله الإجرامية”.

وأضاف “هذا سيتيح لنا صراعات داخل النخبة”، مشيرا إلى أنه يأمل في أن يكون من شأن تلك الخطوة حدوث ضغط من حلفاء بوتين لإنهاء الحملة على نافالني.

وقال الكرملين اليوم الاثنين إن تحركات حلفاء نافالني لتشجيع الغرب على فرض عقوبات على روسيا تظهر أنهم “عملاء للخارج”. وقال إن أي عقوبات جديدة ستكون غير مقبولة.

ويوم السبت، نشر فلاديمير أشوركوف، وهو حليف آخر لنافالني، خطابا موجها إلى الرئيس الأمريكي جو بايدن يناشده فيه فرض عقوبات على رجال الأعمال والمسؤولين المعروفين بأنهم حلفاء لبوتين.

وقال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن اليوم الاثنين إن الولايات المتحدة تبحث ردودا محتملة على أفعال موسكو.

وساعد فولكوف، الموجود خارج روسيا لكنه يرفض الإفصاح عن مكانه، في تنظيم احتجاجات خلال عطلتين أسبوعيتين طالبت بالإفراج عن نافالني.

(رويترز)

العربي الجديد

————————

قصر بوتين مجرد بداية”.. كواليس التحقيق المصور ووعد بكشف أسرار جديدة

قالت مجلة Time الأميركية إن التحقيق المصور الذي بات يعرف بـ”قصر بوتين” في روسيا، والذي نشره المعارض الروسي، أليكسي نافالني، قد بدأ الإعداد له بعد أيام فقط من إفاقة نافالني من غيبوبته التي دخل فيها بعد حادث تسميم مفترض اتهمت موسكو بتدبيره.

وقالت المجلة في تحقيق موسع بشأن الفيديو الذي شوهد نحو 90 مليون مرة منذ بثه، بعد يومين من اعتقال نافالني بعد عودته لموسكو، إن “الفيديو صنع بالتعاون مع سيرغي كوليسنيكوف، الذي كان مسؤولا عن بناء العقار.

وكوليسنيكوف كان قد نشر في عام 2010 رسالة مفتوحة إلى الرئيس الروسي آنذاك، ديمتري مدفيديف، يطالبه فيها بـ”وضع حد لفساد بوتين”، بعد خمس سنوات من عمله كمسؤول عن القصر الذي بدأ تصوره على إنه “منزل صغير” قبل أن يتحول إلى قصر ضخم.

والعقار الذي أثار الكثير من الجدل هو قصر ضخم في منطقة كراسنودار جنوب روسيا، ويتهم نافالني الرئيس بوتين ببناء القصر بـ”أموال غير مشروعة” تصل قيمتها إلى 1.35 مليار دولار “قدمها أعضاء من الدائرة الداخلية للرئيس”.

ونفى بوتين هذه الاتهامات مؤكدا أن “القصر لا يعود له أو لأحد من أقاربه”، فيما قال ملياردير روسي مقرب من بوتين إنه هو مالك القصر.

وبعد اعتقال نافالني تظاهر آلاف الأشخاص في أكثر من 100 مدينة في جميع أنحاء روسيا، السبت، فيما اعتقلت الشرطة نحو 3 آلاف شخص.

وخلال سنوات، تلقى فريق منظمة مكافحة الفساد التي يرأسها نافالني معلومات مسربة حول القصر مثل صور ومخططات بناء، جاءت بحسب تقرير التايم من عدد من العمال المشاركين في بناء القصر وامتداداته.

وكان يحظر على العمال المشاركين كما يبدو استخدام هواتفهم في الموقع، لكن “بعضهم تحدى هذا الأمر خفية”.

كيف قام فريق نافالني بتصوير القصر؟

وتنقل Time عن ماريا بيفشيك رئيسة التحقيقات في منظمة مكافحة الفساد إن القصر صور باستخدام طائرة بدون طيار من قبل ثلاثة من موظفي المنظمة الذين قاموا بالتحايل على المراقبة الأمنية من خلال تبديل مكان هواتفهم التي كان الأمن يلاحقها عن طريق نظام تتبع.

وقالت ماريا إن هواتف الفريق أخذت إلى مدينة سوتشي على البحر الأسود، التي تبعد 250 كيلومترا عن مكان القصر.

واحتاج الفريق إلى إذن خاص للإبحار بزورق قرب القصر، لكن طلب منهم أن يبقوا على بعد ميل من الساحل ولا يقتربوا منه.

أما بالنسبة للقصر من الداخل، فقد أنتجت المنظمة صورا عبر الغرافيك معتمدة على الأوصاف والصور من العمال في السكن، ومخططات البناء والعلامات التجارية للأثاث الذي تم شراؤه.

“إذا بعت الأثاث من المكتبة في القصر فسيمكنك أن تشتري بثمنه شقة في مكان لائق بلندن”، تقول بيفشيك.

ونقلت المنظمة عن مصادرها إن بوتين يستضيف قادة عالميين في القصر أحيانا للحصول على “متعة حقيقية” بعد الاجتماعات الرسمية.

من قام بتمويل القصر  ومن يملكه؟

وقالت بيفيتش إن المنظمة حللت أكثر من 100 ألف معاملة مصرفية عبر شبكات مالية معقدة، وقادتها هذه التحويلات إلى عملاق النفط الروسي روسنفت ورئيسه إيغور سيشين، وغينادي تيمتشينكو، الشريك التجاري لبوتين منذ عام 1990.

ونقلت Times عن محققين عالميين قولهم إن “السمة المميزة لـ 21 عاما التي قضاها بوتين في السلطة هي عقده الضمني مع القلة الأغنياء من الروس والمتضمن الابتعاد عن السياسة، مقابل الاحتفاظ بمعظم الأموال”.

ويقدر،  أندرس ألوند، وهو خبير اقتصادي سويدي، أن صافي أملاك بوتين يتراوح بين 100 مليار دولار و160 مليار دولار، وهو ما قد يجعله ثالث أغنى رجل في العالم بعد جيف بيزوس وإلون ماسك.

ووفقا لنافالني فالقصر مسجل رسميا لشركة بينوم المساهمة، وهي شركة صغيرة مقرها في مكتب مساحته 100 قدم مربع في سانت بطرسبرغ.

وقال نافالني إن موظفي بينوم يعملون أيضا في شركة غامضة، هي أكتسيبت، التي يملكها ميخائيل  شيلوموف، ابن عم بوتين.

وتمتلك شركة أكتسيبت ماقيمته  0.2 في المئة من شركة غازبروم، بأرباح سنوية تصل إلى أكثر من 7.6 مليون، وفقا لتحقيق نافالني، لكن “المالك” شيلوموف لا يزال يعمل في وظيفة يومية في شركة شحن كبيرة، ويعيش في منزل متواضع نسبيا في سانت بطرسبرغ.

وتقول منظمة مكافحة الفساد في التحقيق إن هذا يؤكد أن الشركة في الحقيقة مملوكة لبوتين.

ما هي الخطوة التالية؟

وفيما يواجه نافالني عقوبة السجن لمدة ثلاث سنوات ونصف في الجلسة المقرر عقدها الثلاثاء، 2 فبراير، بتهمة انتهاك أحكام سجن مع وقف التنفيذ من قضية اختلاس في عام 2014 قال إنها “ذات دوافع سياسية”، تقول منظمته إنها تخطط لتقريرها المقبل.

ونقلت Time  عن بيفشيك قولها “كان تحقيق القصر مجرد بداية. لقد فككنا الشيفرة، اكتشفنا كيف يدفعون ثمن الأشياء، ومن أين يحصلون على المال. نحن نعرف بالفعل أين نحفر أكثر من ذلك”.

الحرة / ترجمات – واشنطن

———————————-

بعيدًا عن الاحتفاء الغربي.. من هو أليكسي نافالني المعارض الأبرز لبوتين؟/ وائل قيس

يواجه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين واحدة من أكبر الاحتجاجات الشعبية للأسبوع الثاني على التوالي، يمكن القول إنها من أوسع الاحتجاجات على مستوى الاتحاد الروسي في خارطته الجديدة منذ انهيار الاتحاد السوفييتي في عام 1990. احتجاجات قابلتها السلطات الروسية بحملة مكثفة من القمع والاعتقالات، مما دفع الدول الغربية إلى جانب واشنطن إلى تهديد موسكو بفرض حزمة جديدة من العقوبات الاقتصادية، والتي فيما يبدو قد تستهدف مسؤولين في إدارة بوتين الحالية، ورجال أعمال مقربين من الكرملين.

على الرغم من الإجراءات الأمنية المشددة التي فرضتها السلطات الروسية بالإضافة إلى تهديدها المشاركين في الاحتجاجات التي شهدتها مدن روسية عديدة يوم الأحد الماضي، بما فيها العاصمة موسكو، فإن عشرات الآلاف من الروس الغاضبين تجاهلوا تحذيرات السلطات الروسية بخروجهم إلى الشوارع للمطالبة بالإفراج عن زعيم المعارضة الروسية أليكسي نافالني (44 عامً) المعتقل منذ قرابة أسبوعين، مرددين شعارات تطالب بتنحي بوتين عن السلطة، ردت عليها السلطات باستخدام العنف المفرط لقمعها، مما أسفر عن اعتقال أكثر من خمسة آلاف شخص، بمن فيهم مقربون من نافالني.

واعتقلت السلطات الروسية زعيم المعارضة الروسية في أحد مطارات موسكو عند عودته من برلين يوم 17 كانون الثاني/يناير الماضي، حيثُ كان يخضع للعلاج في إحدى مستشفياتها بعد تعرضه لمحاولة تسميم بغاز الأعصاب نوفيتشوك الذي يعود للحقبة السوفيتية، وقالت السلطات الروسية إنها أوقفت نافالني عند عودته من ألمانيا بسبب انتهاكه لشروط الإفراج المشروط، فيما وصف نافالني الاتهامات الموجهة إليه بأن “دوافعها سياسية”.

وكانت النيابة العامة الروسية قد أيدت تحويل الحكم الصادر بحق نافالني بالسجن لمدة ثلاث سنوات ونصف مع وقف التنفيذ الصادر عام 2014 إلى عقوبة السجن بالنفاذ، وفي حال أقر القضاء الروسي تنفيذ الحكم فإن نافالني يواجه عقوبة السجن ما بين عامين ونصف حتى ثلاثة أعوام، وقال مكتب المدعي العام الروسي إنه طلب من دائرة مصلحة السجون تسليم المعارض الروسي الحكم الصادر بحقه واصفًا قراره بأنه “قانوني”.

من المتوقع أن يؤثر اعتقال نافالني على الأزمة الدبلوماسية الروسية – الأمريكية المتفاقمة أصلًا، وذلك بعدما طالب فلاديمير أشوركوف – حليف نافالني – في رسالة موجهة للرئيس الأمريكي بفرض عقوبات اقتصادية على رجال الأعمال والمسؤولين المقربين من الكرملين، الأمر الذي استثمره المتحدث باسم الكرملين ديميتري بيسكوف لتجديد وصفه مركز مكافحة الفساد الروسي المستقل الذي يديره نافالني بأنه “عميل أجنبي”.

في السياق، كان الكرملين قد وصف على لسان بيسكوف الاحتجاجات الشعبية على مستوى الاتحاد الروسي بأنها “غير مرغوب فيها”، مبررًا حملة الاعتقالات التي نفذت في صفوف المعتقلين بأنها جاءت ردًا على “تحدي (المحتجين) لعناصر الأمن”، وأضاف المتحدث باسم الكرملين بأن موسكو “ليست مستعدة لقبول تصريحات الممثلين الأمريكيين بشأن الأعمال غير القانونية في روسيا” أو حتى “الاستماع إليها”، وذلك في معرض رده على الانتقادات الغربية – الأمريكية التي لاستخدام موسكو للعنف المفرط خلال قمع الاحتجاجات.

صعود نافالني كزعيم للمعارضة الروسية

على عكس  المعارضين الروس الذين اختاروا توجيه الانتقادات للكرملين من الدول الغربية، فإن نافالني قرر البقاء في روسيا منذ صعوده كمعارض لسياسات الكرملين على المستوى الشعبي في عام 2008، عندما بدأ بنشر تقارير عبر المنصات الإلكترونية تتحدث عن الفساد المتفاقم داخل المؤسسات التي تسيطر عليها الحكومة الروسية، الأمر الذي جعله معروفًا على مستوى الاتحاد الروسي.

تشير التقارير إلى محاولة نافالني استخدام تكتيك منذ صعوده سياسيًا يتمثل بشرائه لأسهم الأقلية من شركات النفط والبنوك التي تملك فيها عادة الحكومة الروسية الحصة الأكبر، وتطرح جزءًا صغيرًا منها للمستثمرين من الناس، مما يساعده على طرح الأسئلة المرتبطة بتقارير الفساد والتمويلات المشبوهة للحكومة الروسية، غير أنه لم يتمكن من النجاح عبر هذا التكتيك.

كما أنه استخدم تكتيكًا آخر متمثلًا بتعزيز حضوره الناقد لسياسات الكرملين من خلال منصات التواصل الاجتماعي، بعدما تعذّر عليه استخدام وسائل الإعلام الحكومية التي يديرها الكرملين، وساهم لجوء نافالني لمنصات التواصل بوصوله لغالبية الشباب الذين يستخدمون مثل هذه المنصات، والتي زاد منها استخدامه لخطاب سياسي ناقد وساخر في مهاجمته الكرملين والشركات التي يديرها رجال أعمال مقربون من بوتين.

برز دور نافالني كمعارض سياسي بشكل أوضح في الانتخابات البرلمانية لعام 2011، عندما طالب الناخبين الروس بعدم التصويت لحزب روسيا الموحدة الحاكم الذي وصفه بأنه “حزب المحتالين واللصوص”، وبعد خروجه من السجن في عام 2013 ترّشح لمنصب رئيس بلدية موسكو، والتي حصل فيها على المركز الثاني بنسبة 27 بالمائة، على الرغم من اعتماده على وسائل التواصل الاجتماعي والخطابات الشفهية خلال حملته الانتخابية، بعدما تعذّر عليه استخدام وسائل الإعلام الحكومية.

تعرض نافالني لأكثر من محاولة اغتيال خلال الأعوام الماضية، كان من بينها إصابته بـ”التهاب الجلد التماسي” أثناء وجوده في السجن في عام 2019، وشخّص طبيبه الخاص إصابته بأنها ناجمة عن تعرضه لـ”عامل سام”، إضافة لإصابة إحدى عينيه بحروق كيميائية بعد استهدافه مرتين بمادة خضراء مطهرة تعرف بـ”زيليونكا” مما عرض إحدى عينيه لحروق كيميائية.

وكان لنافالني تأثير واضح خلال الانتخابات المحلية التي نظمت قبل عامين، وذلك على الرغم من عدم مشاركته فيها بصفة مرشح، إلا أن تأثيره انعكس من خلال مطالبته أنصاره بالتصويت لأي مرشح يجدون أنه يملك فرصة لهزيمة مرشح الحزب الحاكم، سواء أكان المرشحين ينتمون للأحزاب الشيوعية أو الأحزاب اليمينية، وهو ما جعل الحزب الحاكم يخسر عددًا من المقاعد في بعض المدن الروسية.

نجا نافالني أيضًا من محاولة اغتيال مباشرة بعد استهدافه بغاز الأعصاب الكيميائي نوفيتشوك أثناء عودته على متن رحلة داخلية من سييبريا نقل على أثرها لتلقي العلاج في برلين، وقالت الحكومة الألمانية لاحقًا إن الاختبارات أظهرت “دليلًا لا لبس فيه على وجود عامل أعصاب كيميائي حربي من مجموعة نوفيتشوك”، وهو الغاز عينه الذي استخدم لمهاجمة الجاسوس الروسي السابق سيرغي سكريبال وابنته يوليا في إنكلترا في عام 2018.

طموحات سياسية بأفكار قومية متطرفة

تنظر الدول الغربية إلى جانب الولايات المتحدة إلى نافالني على أنه المنافس السياسي الوحيد الذي قد يتمكن من هزيمة بوتين في انتخابات الرئاسة، في حال تمكن من ترشيح نفسه إذا ما سمح له بذلك طبعًا، بعد منعه من الترّشح في الانتخابات الرئاسية بسبب التهم الجنائية الموجهة إليه سابقًا في عام 2018، لكن هذه النظرة الغربية – الأمريكية الإيجابية اتجاه نافالني تقابل بمزيد من القلق لدى السياسيين الليبراليين الروس المعارضين لبوتين من طرف، والقوميين البيض الروس من طرف آخر.

يرجع الليبراليون الروس مخاوفهم من بروز نافالني كواجهة للمعارضة الروسية الداخلية إلى خطاباته التي ألقاها في مناسبات مختلفة نظمت من قبل مجموعات قومية روسية متطرفة، فيما تبرز مخاوف القوميين الروس من المعارض الروسي بسبب العلاقات التي أنشأها في الولايات المتحدة خلال فترة دراسته في جامعة ييل الأمريكية، وهو ما يثير الشكوك حول إمكانية تنظيمه لحشود كبيرة على مستوى الاتحاد الروسي.

في تقرير نشرته مجلة ذا أتلانتك الأمريكية عندما كان نافالني ينافس في انتخابات رئاسة بلدية موسكو في عام 2013، تصف إنجلينا تارييفا المعارض الروسي بأنه “أخطر رجل في روسيا”، وتضيف تارييفا التي كانت تعمل مع نافالني عندما كان عضوًا في  حزب يابلوكو الليبيرالي الروسي المعارض موضحةً في حديثها بأنه “ليس عليك أن تكون عبقريًا حتى تفهم أن أفظع ما يمكن أن يحدث في بلدنا (روسيا) هو وصول القوميين إلى السلطة”.

وكان لمواقف نافالني القومية أثر سلبي على نشاطه داخل الحزب الليبرالي الذي قرر طرده من الحزب بسبب آرائه القومية المتطرفة في عام 2007، والتي انعكست في حملته الانتخابية لعام 2013 عندما أشار في مقابلة إلى أنها تقوم على “مكافحة الهجرة غير الشرعية”، وفرض النظام في الدول الخاضعة للاتحاد الروسي في شمال القوقاز المتنوعة عرقيًا، واصفًا إياها بأنها “مناطق خارجة عن القانون”، فضلًا عن تأييده رفع الحظر عن امتلاك المواطنين الروس للأسلحة.

ويبرز من بين ذلك أيضًا دعمه للحرب التي شنتها القوات الروسية لإخضاع جورجيا في عام 2008، ونتج عنها إعلان أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا انفصالهما عن جورجيا من طرف واحد، وطالب عبر مدونته الخاصة بطرد المهاجرين الجورجيين من الأراضي الروسية بوصفهم مجموعة من “القوارض”، ووصفه لاحقًا للمهاجرين الشيشان بـ”الصراصير”،فضلًا عن ذلك فإنه طالب أيضًا بفرض السلطات الروسية تأشيرات دخول على دول آسيا الوسطى، إضافة لمشاركته في التجمعات السنوية التي تنظمها مختلف الجماعات الروسية القومية تعبيرًا عن وحدتها.

وعبّر نافالني عن تأييده للعملية العسكرية التي نفذتها القوات الروسية بأمر من الكرملين للسيطرة على شبه جزيرة القرم الأوكرانية في عام 2014، إذ إنه على الرغم من الانتقادات الدولية التي وجهت لموسكو بسبب استيلائها على شبه الجزيرة الأوكرانية، فإن نافالني في رده على سؤال مرتبط بالقضية ذات الصلة أشار إلى أن “الحقيقة أن شبه جزيرة القرم هي الآن جزء من روسيا”، وأضاف مؤكدًا في حواره الإذاعي بأن “القرم لنا”، في إشارة إلى أنها تخضع لنفوذ الكرملين.

تحولات السياسة الاستراتيجية لنافالني

ساهمت التصريحات القومية التي أطلقها نافالني قبل أكثر من 15 عامًا بتراجع شعبيته داخل روسيا، بدون أن يظهر تأثيرها على علاقته مع الدولة الغربية وواشنطن معًا، كما أنها منحت الصحفي الموالي للكرملين فلاديمير سولوفيوف فرصة لانتقاد نافالني عبر وسائل الإعلام الحكومية خلال الأشهر التي استبقت ترشحه لانتخابات رئاسة بلدية موسكو، وتكرار وصفه من قبل وسائل الإعلام الحكومية بأنه “أداة” للولايات المتحدة.

ويوضح المحللون أن آراء نافالني القومية أو مشاركته في التجمعات التي كانت تنظمها المجموعات اليمينية المتطرفة تعتبر واحدةً من أسباب خسارته انتخابات عام 2013، نظرًا لأن المكاسب السياسية التي يحصل عليها صاحب المنصب تساهم بصعوده سياسيًا كمسؤول فيدرالي في المستقبل، فقد دفعت مواقفه المتطرفة التي عبّر عنها خلال حملته الانتخابية إلى خسارته قاعدته الشعبية الشابة في الأماكن الحضرية التي قررت عدم التصويت له، والتي زاد عليها استثمارها من قبل الموالين للكرملين في وسائل الإعلام المحلية مما ساهم بتشويه صورته بين الروس المناهضين للجماعات القومية.

يقول المحللون إن نافالني بعد خسارته لانتخابات عام 2013، عمل على تطوير استراتيجة تتكون من ثلاثة نقاط رئيسية، تتمثل بدايتها بالتركيز في رسالته على مكافحة الفساد  – دون أن يتراجع عن مواقفه القومية السابقة – والكشف عن أسماء المسؤولين ورجال الأعمال المقربين من بوتين المرتبطين بملفات فساد مختلفة، وكان آخرها التحقيق المتعلق بقصر بوتين السري على البحر الأسود، مما ساعده على زيادة شعبيته بين مختلف الشرائح المجتمعية الروسية، بعدما كانت تجتذب القوميين الروس فقط.

ودعم نافالني استراتيجيته الجديدة من خلال تكثيف ظهوره الناقد لسياسات الكرملين عبر منصات التواصل الاجتماعي، وتوظيفه لمهاراته في الخطاب الشعبي بزيادة نسبة قاعدته الشعبية، بعدما تمكن من استثمار الفائدة السياسية التي قدمها موقع يوتيوب لمستخدميه، إضافة لاستخدامه المواقع الإباحية من أجل نشر مقاطع الفيديو المرتبط بفساد الطبقة الحاكمة بهدف وصولها للجميع بدون استثناء.

ويرى المحللون أن النقطتين السابقتين ساعدتا نافالني على تنفيذ النقطة الثالثة من استراتيجيته عبر تشكيل تحالف من السياسيين المعارضين عوضًا عن تركيز جهوده داخل المدن الكبرى، بما في ذلك العاصمة موسكو، فقد افتتح مكاتب على مستوى الاتحاد الروسي لمساعدة السياسيين المحليين على هزيمة مرشحى الحزب الحاكم في الانتخابات المحلية، وهو الأمر الذي نجح في الانتخابات الإقليمية التي نظمت في عام 2019، وكان من بينها خسارة الحزب الحاكم لثلث مقاعده في مجلس موسكو وحدها، وسط توقعات بأن يمتد تأثيره للانتخابات التشريعية المتوقع تنظيمها في أيلول/سبتمبر القادم.

الترا صوت

————————-

الربيع الروسي” ما زال بعيد المنال/ علي أنوزلا

اتخذت المظاهرات المناهضة لقيصر روسيا، فلاديمير بوتين، احتجاجاً على سجن خصمه، أليكسي نافالني، بعداً غير مسبوق يتحدى النظام الروسي، وذلك لأول مرة منذ ما يزيد قليلاً عن عشرين عاماً، وهي الفترة التي ظل فيها بوتين يحكم الاتحاد الروسي بيد من حديد. وبحسب مراقبين غربيين كثيرين، فإن زخم المظاهرات الحالية التي شهدتها نحو مائة مدينة روسية لها أبعاد أكثر من المطالبة بإطلاق سراح نافالني، فهي ترفع شعاراتٍ مناهضةً لبوتين، من قبيل “بوتين ارحل”، و”بوتين لص”، أكثر من شعارات المطالبة بإطلاق من بات يوصف بأنه رمز للوقوف في وجه قيصر روسيا القوي. إنها أكبر صرخةٍ شعبيةٍ تشهدها روسيا منذ عقدين ونيف، تحركها المشاعر المناهضة للسلطة البوليسية الجاثمة على أنفاس الناس، والفساد المستشري لنظام أولغارشي، والقمع القوي والصامت للحريات.

أغلب المتظاهرين الذين يملأون شوارع موسكو والمدن الروسية الأخرى التي انتقلت إليها عدوى التظاهرات هم من الشباب، تمّت تعبئتهم من خلال تطبيق “تيك توك”، وحركتهم غير مسيسة، لا تقف خلفها أحزاب سياسية. ونفالني نفسه ليس سياسياً منتخباً. إنه مجرد ناشط في مكافحة الفساد، اكتسب شهرته وشعبيته من خلال بث مقاطع فيديو وتوفير المعلومات للناس عن فساد السلطة، وعدم وجود محاسبة، وفي الوقت نفسه، كان يبين لهم حاجتهم إلى الحرية والديمقراطية لإصلاح الأوضاع. وكان آخر عمل قام به بعد اعتقاله نشر شريط فيديو مدته ساعتان تقريباً يظهر ما سمي “قصر بوتين” الذي بني على مساحة سبعة آلاف هكتار على شاطئ البحر الأسود، مع وثائق وفواتير تؤكد حجم المبالغ الكبيرة التي صرفت من أجل البناء والتأثيث، وقد حصد هذا الفيديو أكثر من 1.7 مليون مشاهدة في الأسبوع الأول من وضعه على “يوتيوب”. وهو ما أغضب بوتين الذي اضطر إلى الخروج عن صمته المخيف، ونفي أن يكون هو صاحب القصر، وحتى يهدئ من غضب المحتجين، دفع أحد المليارديرات الروس إلى الادعاء، عبر قناة رسمية روسية، أن القصر ملكه، لكنه لم يكن مقنعاً، عندما لم يبرّر سبب حراسة ملكية خاصة يقوم بها جهاز الحماية الخاصة في الكرملين.

وللطعن في مصداقية خصمه، لجأ بوتين إلى أسلوبه القديم والقذر في الآن نفسه، من خلال تجييش وسائل الإعلام الرسمية والخاصة الخاضعة لتأثيره، لتشويه مصداقية نفالني، واتهامه بأنه عميل للغرب، تحرّكه الاستخبارات الأميركية، ووصفه بالشخص المخادع والمحتال والمتطرف والعنيف الذي يريد تعريض حياة الناس للخطر من خلال خلق الفوضى.. وغيرها من اتهامات جاهزة تستعملها الأنظمة المستبدة للطعن في مصداقية معارضيها.

وعلى الرغم من أن ما يحدث الآن في روسيا ما زال بعيداً عما يمكن وصفه مقدمة لربيع روسي قادم، إلا أنها أول مرة منذ تولى بوتين السلطة، يجد فيها نفسه في وضع سيئ إلى درجة أنه بات خائفاً من معارضٍ فردٍ اسمه نافالني، حاول تسميمه ثم اختطف طائرته لتجنب أن يستقبله أنصاره، وفي النهاية احتجزه من دون حكم نافذ يأمر بحبسه. وينم هذا الارتباك عن حالة قلق تضغط بقوة على صانع القرار في روسيا. وما يزيد الوضع توتراً بالنسبة إليه خشية تكرار أحداث بيلاروسيا المجاورة، وانتقال عدوى المظاهرات فيها إلى الداخل الروسي، يضاف إلى ذلك الوضع الاقتصادي المتدهور بسبب العقوبات الأميركية، والوضع الصحي السيئ جرّاء وباء كورونا.

الأسوأ في هذه المظاهرات، بالنسبة لبوتين، أنها جاءت وهو يهيئ فرض نفسه رئيساٍ على روسيا حتى عام 2036، بعد أن نجح في الحفاظ على السلطة خلال العقدين الماضيين. فالدستور الروسي كان يمنع الترشح لولاية ثالثة على التوالي، ولهذا السبب تخلى بوتين عام 2008 عن الرئاسة لشخصية باهتة، هو ديمتري ميدفيديف، بينما حافظ هو على السلطة الحقيقية، حتى استعاد كرسي الرئاسة عام 2012، وابتكر حيلة أخرى بتمديد الولاية الرئاسية من أربع إلى ست سنوات، وأعيد انتخابه عام 2018 ما يضمن له البقاء في السلطة حتى 2024 وعندئذ سيكون عمره قد بلغ 72 عاماً، وسيجد نفسه أمام خيارين، إما إعادة سيناريو عام 2008 باختيار رئيس وزراء ضعيف، ويعود هو إلى الخلف لإدارة دفّة السلطة من موقع رئيس الحكومة، ولكن هذا السيناريو أصبح مبتذلاً، أو إعادة تعديل الدستور مرة أخرى بما يضمن له البقاء في السلطة حتى عام 2036، وهو السيناريو الذي خطط له بوتين.

ولتحقيق الخيار الثاني، وهو الأرجح، قد يلجأ بوتين مرة أخرى إلى إيقاظ ردود الفعل القومية القديمة على النمط السوفييتي، لمواجهة المتظاهرين الذين يتهمهم بالموالاة للغرب، وقمع تظاهراتهم بشدّة، أكثر مما فعل حتى الآن، وزج مزيد من الآلاف منهم في السجون لترهيب الشعب، فرجل المخابرات الغامض لن يعدم الحيلة للنجاة بجلده مرة أخرى. لقد سبق له أن نجا من العديد من الفضائح التي تتهمه بالفساد، كما سبق له أن قمع بدون تردّد كل المظاهرات المناهضة لحكمه، سمّم معارضيه، ودجّن الأحزاب وقضى على المعارضة وقتل السياسة في بلاده، وهو ما يجعل حدوث “الربيع الروسي” بعيد المنال. ولكن، وفي كل الحالات، تمثل حملة مساندة نافالني، والدعم المتزايد لها في روسيا وفي الغرب، مستقبلاً بديلاً للروس الشباب، وقد تضع حداً لأطول حكم قمعي شهدته روسيا منذ نهاية الاتحاد السوفييتي البائد.

العربي الجديد


روسيا والطريق الوعر إلى الديمقراطية/ محمود الوهب

يبدو أنَّ الطريق إلى الديمقراطية الذي قررت روسيا أن تسلكه، منذ ثلاثة عقود، ونصف العقد، على يد السيد ميخائيل غورباتشوف، غدا اليوم مع صرخات المعارض أليكسي نافالني أكثر طولاً وأشدَّ تعقيداً مما خطر ببال صاحب فكرتيْ البيروسترويكا، والغلاسنوست، (إعادة البناء والعلنية) فالاتحاد السوفييتي “العظيم” قد غُيِّب عن الوجود خلال سنوات خمس كاشفاً عن حقائق لها تأثير بالغ في مسيرة روسيا، منذ ثورة أكتوبر عام 1917 وإلى الآن! وتعود تعرُّجات طريق الديمقراطية، وعثراته إلى بقايا النظام الإقطاعي الممتزج بالعبودية (انتهى نظام القنانة في روسيا بقرار أصدره الإسكندر الثاني عام 1861) لكن الفلاحين أُجبروا في عهد ستالين على العمل الزراعي التعاوني والتخلي عن أراضيهم مقابل ذلك الأمر الذي استنبت بذور البيروقراطية السوفيتية، وجعلها تتوالد وتنمو، ثم تترسخ مع إقرار نظام الحزب الواحد الذي جاء محتواه مناقضاً للديمقراطية الغربية ذات الأفق الأوسع مما جاء به لينين “الديمقراطية الشعبية” التي تجلت بسلطة الفرد الواحد بدءاً من أمين الخلية الحزبية الأصغر إلى الأمين العام للحزب، كما طبقت على عموم الهيئات الإدارية في الدولة والمجتمع.. فلكل هيئة عمالية أو نقابية رأس يدبر أموره ويوجهه.. حتى وإن كان كياناً تشريعياً أو تنفيذياً.. إنتاجياً أو خدمياً ما يكشف عن عمق تلك البيروقراطية لدى مجيء غورباتشوف ومحاولته هدمها. فعملت على تحطيم أحلامه، إذ قادت ثورتها المضادة، فقفزت فوق تلك الأفكار، متجاوزة حتى عتاتها “الضباط الأربعة” الذين كانوا يرون أنَّ مؤامرة إمبريالية تحاك ضدّ وطنهم، فقاموا بانقلاب فاشل، تصدى له الأمين الأول للجنة المنطقية لمنظمة موسكو “بوريس يلتسن” الذي أتى به غورباتشوف ذاته، فقاد تلك البيروقراطية لا إلى إسقاط الاتحاد السوفييتي، وتفكيكه فحسب، بل إلى بيع ثرواته، ونقل معادلها المالي إلى أميركا وأوروبا حيث الأمن متوفر لها!

كان غورباتشوف قد وصل إلى المكتب السياسي عام 1979 وهو في عمر لا يزيد عن ثمان وأربعين سنة، ما يعني عز الشباب إذا ما قيس بقيادات الحزب الشيوعي والدولة السوفييتية التقليدية التي كانت تتراوح بين عقديْ السبعينيات والثمانينيات، وترأس غورباتشوف مجلس السوفييت الأعلى عام 1985 وهو في الرابعة والخمسين، أي عمر الأحلام الواقعية الزاهية المرتبطة بالقدرة على الفعل، وبخاصة، إذا كانت الأداة جاهزة، والهمة عالية، وهو الذي تطلع إلى إعادة البناء لتكون الدولة على قدر المنافسة الشاملة في الحرب الباردة، وكان قد تأثر بالحياة الغربية لدى زياراته المتكررة، عندما كان رئيساً للشبيبة الشيوعية في الاتحاد السوفييتي، فقد أدرك أن السبب الرئيس في تخلف الاتحاد السوفييتي، يعود إلى القبضة الفولاذية للبيروقراطية التي تحكم البلاد، وتتحكم بمفاصلها كافة! وأن الحال إذا ما استمر، فسوف يخسر الاتحاد السوفييتي مباراته، وكانت هذه الحقيقة ماثلة أمام غورباتشوف، ويدركها من يعرف حقيقة الاتحاد السوفييتي من الداخل، وبخاصة بنيته الاقتصادية التي تغطي عجزها مبيعات النفط والغاز والسلاح، ما يعني أن بنية دعامة الاقتصاد الرئيسة هي أقرب إلى الاقتصاد الريعي، بينما يفترض في الاقتصاد الاشتراكي أن يقوم على وفرة الإنتاج، وجودته، ونموِّه المستمر، فهو وحده ما يؤسس لبنىً ديمقراطية فعلية.. فالديمقراطية لا تتجسد بصندوق الانتخاب فحسب، بل هي بناء مؤسساتي يفرضه أسلوب الإنتاج نفسه وينعكس، على نحو أو آخر، في الذهنية العامة للمجتمع، وهي التي من جهة أخرى تراعي حقوق الفرد، وحقوق المواطنة العامة، وجماعات الأقلية بالقوانين التي تنظم سير مؤسساتها المجتمعية المختلفة. وقد رأى العالم، في الأمس القريب، انتصار مُثُلِ الديمقراطية، ومنظومات قيمها في الولايات المتحدة الأميركية، رغم كل “الصراعات الأميركية” التي قام بها دونالد ترامب الرئيس السابق لقلب موازينها، لكنها بقيت على رسوخها بل الذي اهتز هو “ترامب” ذاته وحزبه الجمهوري..

اليوم ومن خلال عشرات ألوف الشباب الذين نزلوا إلى الشوارع خلال الأحدين الماضيين واعتقل منهم الآلاف، وكل هؤلاء نشؤوا بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، وعاشوا في ظلال ديمقراطية قامت على إرث بيروقراطي راسخ بأدواته السابقة.. فهل تراه “أليكسي نافالني” ينجح مع هؤلاء الشباب بتصفية ذلك الإرث؟ وهل يستطيع فعلاً أن يمنع بوتين من تحقيق طموحه في حكم روسيا حتى العام 2036؟! وبالتالي أن يصل مع هذا الجيل الشاب إلى ديمقراطية فعلية طالما طمح الروس إليها منذ ما قبل ثورة أكتوبر؟! وهل يستطيع نافالني إسقاط هذا الركام من نفايات البيروقراطية الروسية المتأصلة؟! فإذا كانت الأولى تكونت بفعل الديمقراطية الشعبية، وبوهم الحرص على الدولة السوفييتية، فإن هذه التي يرأسها بوتين اليوم، هي طغمة لصوصية استغلت سقوط الاتحاد السوفييتي، لتنهب ثروات شعبه، وتبيعها بأثمان بخسة، وليثرى أقطابها، في وقت قصير نسبياً، ولم يكن ثراؤهم بفعل الإنتاج، بل بفعل الفساد الذي يتلخص بالرشاوى والعمولات المختلفة.. المعتقد أنه لا يمكن لهذه البيروقراطية التي ارتدت ثياب الديمقراطية أن تسلّم هكذا ببساطة وخصوصاً أن بوتين الذي كان ضابط أمن صغير ينظر إلى نفسه اليوم على أنه قيصر وخاصة أنه قد بنى مجداً من خلال بعض المعارك التي ربحها في أوكرانيا وسوريا، ويعتقد بأنه أعاد لروسيا شيئاً من هيبتها.. وحقق في الداخل ارتفاعاً في مستوى المعيشة، وانخفضت معدلات الفقر من 30% إلى 13% لكن متوسط دخل الفرد لا يزال دون الـ 500 دولار كما أن ترتيب الاقتصاد الروسي عام 2016 هو الثاني عشر في العالم.. فيما “أظهر استطلاع للرأي أجري عام 2018 وشمل 1400 مدير لشركات روسية غير نفطية مستوى عالياً من التشاؤم، إذ وصفت الأغلبية الوضع الاقتصادي بأنه كارثي”.

وما دام الاقتصاد في النهاية يقرر كل شيء (بحسب ماركس) فهل ينجح نافالني في الوصول إلى الديمقراطية المنشودة وخصوصاً بعد أن فضح بوتين في قصة استراحة البحر الأسود (القصر الرشوة) الذي تبلغ مساحته سبعة آلاف متر مربع، وفيه من وسائل الراحة والمتع ما يذهل.. أم إن “القيصر” ولأجل ذلك يغرق روسيا بالدم؟!

تلفزيون سوريا

——————————–

سورية.. إدارة بايدن تواجه دعوات لكسر هيمنة موسكو على طرق المساعدات

وجه دبلوماسيون أمريكيون سابقون دعوات للإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة جو بايدن للتحرك بشكل سريع من أجل كسر الهيمنة الروسية على طرق إيصال المساعدات الإنسانية إلى سورية.

وتأتي هذه الدعوات قبل خمسة أشهر من قرار (سنوي) سيتم التصويت عليه في مجلس الأمن، من أجل تمديد إدخال المساعدات الأممية إلى سورية، والتي تنحصر في الوقت الحالي عبر معبر “باب الهوى” الحدودي فقط.

وفي مقالة نشرتها مجلة “نيوز ويك” الأمريكية، اليوم الجمعة، ذكرت أن موسكو ستحاول وقف آخر عملية إدخال مساعدات عبر الحدود إلى سورية، وذلك في التصويت المقبل في مجلس الأمن (يوليو 2021).

وكتب المقالة كل من: روبرت فورد سفير الولايات المتحدة إلى سورية سابقاً، ووائل الزيات الذي عمل مستشاراً أولاً للسفيرة الأمريكية سامانثا باور في الأمم المتحدة.

وجاء في المقالة التي ترجمتها “السورية.نت”: “ستهدف روسيا إلى وقف آخر عملية مساعدة عابرة للحدود، وبالتالي وقف شحنات المواد الغذائية، الأمر الذي سيتسبب في فرار الملايين من الناس. ولهذا، يجب أن تكون إدارة بايدن مستعدة لاستبدال عملية الأمم المتحدة هذه بآلية مانحين دوليين”.

وعلى مدى السنوات الـ6 الماضية، أرسل المانحون الدوليون المساعدات إلى النازحين السوريين في مختلف المناطق داخل سورية وفي الدول المجاورة أيضاً، في إطار عملية للأمم المتحدة يوافق عليها مجلس الأمن كل 6 أشهر.

ومع ذلك، فإن روسيا تعرقل كل هذه الجهود، وعلى مدى الأشهر الـ18 الماضية، استخدمت موسكو سلطتها في مجلس الأمن لخفض عدد المعابر الحدودية المسموح بها لتوصيل المساعدات من 4 إلى واحد، وهو معبر “باب الهوى”.

دعوات لوضع الخطط

واقترح فورد والزيات في مقالتهما أن تتولى “الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية الدور في إيصال المساعدات”.

وقالوا: “لترجمة ذلك بالفعل، يتعيّن على إدارة بايدن البدء في وضع خطط للتدخل لصالح الأمم المتحدة والتشاور مع الشركاء الآن”.

وتابعوا: “سيتطلب هذا الجهد أيضاً تبريراً قانونياً لعملية دولية تحل محل دور الأمم المتحدة. كذلك، يجب أن يركز فريق بايدن على شرعية الاستجابات الدولية عندما تجوّع الدول ذات السيادة الناس، وتثير عن قصد عدم الاستقرار الإقليمي”.

ووفقاً للمقالة التي نشرها الدبلوماسيّان، فإنّ إدارة بايدن تحتاجُ أيضاً إلى تعزيز عملية المساعدة التابعة للأمم المتحدة في بقية مناطق سورية، إذ أنّ حكومة نظام الأسد تعرقل تحركات طواقم المساعدات الدولية، وتعيق قوافل المساعدات لـ”الناس اليائسين” في إدلب.

التحرك بعد الانتخابات

وستدعم روسيا إعادة انتخاب بشار الأسد لفترة ولاية جديدة مدتها 7 سنوات “في انتخابات مزيفة مقررة مبدئياً في الربيع المقبل”.

وحسب ما جاء في المقالة: “ستسعى موسكو بعد ذلك إلى الحصول على تفويض مطلق للأسد، لتوجيه جميع عمليات المساعدة التي تقدمها الأمم المتحدة في سورية”.

ولمواجهة هذه العقبات اقترح فورد والزيات أن تضع إدارة بايدن مع مانحين آخرين، معظمهم من الأوروبيين، مجموعة من المبادئ، التي تحكم العمل الإنساني للأمم المتحدة في سورية.

وإذا رفضت دمشق هذه المبادئ، أشارت المقالة إلى أن “المانحون يحتاجون إلى إعادة تقييم ما إذا كان ينبغي أن تذهب أموال مساعداتهم إلى عملية الأمم المتحدة في المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري، أو إذا كانت هذه الأموال ستوفر تأثيراً أفضل في مجتمعات اللاجئين بالدول المجاورة، وفي شمال سورية الذي تسيطر عليه المعارضة”.

السورية نت

————————-

=======================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى