سياسة

تعويم النظام الأسدي: نظام عصابات القتل والإرهاب وتهريب المخدرات -مقالات مختارة- الجزء الثاني

للعودة إلى محتويات الجزء الأول من هذا الملف على الرابط التالي:

عن محاولات “تعويم” النظام الأسدي: نظام عصابات القتل والإرهاب وتهريب المخدرات -مقالات مختارة

يتم تحديث هذا الملف دوريا، الأحدث في البداية

تحديث 30 أيار 2023

———————-

كيف قَبِلَ العرب بالاحتقار الأسدي؟!/ علي سفر

رغم أن بيان جدة الذي صدر في ختام القمة العربية المنقضية قبل فترة وجيزة احتوى بندين يتحدث أولهما عن “تكثيف الجهود العربية الرامية إلى مساعدة سوريا على تجاوز أزمتها” ويركز ثانيهما على “تعزيز الظروف المناسبة لعودة اللاجئين السوريين والحفاظ على وحدة وسلامة أراضي سوريا”، إلا أن مقاربة هذا الطرح مع الواقع، ودراسة إمكانية أن تسهم الجامعة العربية فيهما، توضحان أنهما ليسا سوى ذر للرماد في العيون!

وربما يمكن استكشاف ما سوف يحدث مستقبلاً من خلال تذكرنا لطريقة تعاطي النظام سابقاً مع خطوات الجامعة ولاسيما مبادرة السلام العربية في العام 2011 حينما فشلت بعثة المراقبين بقيادة الجنرال السوداني محمد الدابي في إلزام النظام بالتوقف عن قتل المتظاهرين السلميين، الأمر الذي أوضح استهانته بها وعدم إيلائه أي أهمية لإرادات الدول العربية.

بشار الأسد وكما هو معروف في سيرته غير العطرة يحتقر الدول العربية، وقد صرح ذات يوم بأن قادتها “أنصاف رجال”، وخلال حضوره لقمة جدة كانت ملامح وجهه تشي بما يعتمل في داخله من قرف، إنه لا يريد منها أن تتدخل في سياسته مع السوريين إلا إذا طلب ذلك بحسب كلمته، وبدلاً من أن تطالبه بخطوة وراء خطوة من أجل حل الأزمة المستمرة منذ 12 سنة عليها أن تحتضنه بالمال والتسويق والرعاية وقبل هذا بالصمت عن جرائم نظامه كما كانت تفعل مع عائلته دائماً.

لم يخفِ ما يرغب به عن أحد، حتى هو يجتهد في تنميق الجمل التي تعبر عما سبق، فهو يعرف أن لا مشكلة لدى الطرف الآخر في أن يفعل ما يريد، فالدول العربية التي اضطرت للتحرك في العام الأول للثورة وقامت بتجميد عضوية النظام، ومقاطعته، تحت ضغط الدم المسال في الشوارع السورية، وعملت في جهة أخرى على الإطاحة بموجة الربيع العربي من خلال الثورات المضادة، لن توقف تطبيعها معه حالياً حتى وإن لم يقدم على أي خطوة!

إنها تعرف الحقيقة الساطعة التي تفيد بأن سوريا الأسدية لم ولن تتغير، وأن السيالة العصبية التي تحرك الأدمغة في دمشق ذات طبيعة مافيوية، لا يهمها سوى الحصول على ما تريد، حتى وإن احتاج الأمر إشعال البلد حرباً ودماراً، أو إحراق الشرق الأوسط كله، وإغراقه بالمخدرات، ولهذا فقد حددت سقف مطالبها منه فهي تريد أن يتوقف عن إرسال الشحنات السامة إلى أراضيها، ولا شيء آخر، ولتذهب قضية السوريين إلى الجحيم!

هل نبالغ في الحديث عن هذا الشكل الفاقع من العلاقة بين الجهتين؟

الإجابة على هذا السؤال تتطلب التدقيق في طرح الجامعة العربية ذاته، بالنظر إلى إمكانياتها وقدراتها، فالوضع السوري وفق الشكل الذي فصله النظام، كان قائماً قبل خطواتها، ويمكن أن يستمر بدونها، بمعنى أن لا شيء سيستدعي من النظام القبول بما يطلبه العرب، الذين قصوا أظافرهم في الحالة السورية، ولم يبادروا هنا إلى عمل عسكري كما في اليمن من أجل الضغط على الأسد، لا بل إنهم تركوا إيران تتغلغل، وحين باتت الهزيمة العسكرية قريبة جداً صمتوا عن دخول روسيا للمعركة، ونقول صمتوا في حال تجاهلنا فرضية التمويل الإماراتي لكلفة هذا التدخل العسكري التي تحدث بها سفير روسيا في دمشق قبل أيام!

الآن، وبعد كل ما جرى من تقييد للأنشطة العسكرية للفصائل المسلحة، وإحالة المسار السياسي إلى مزاج النظام الذي لن يقدم سياسياً للشعب السوري أي شيء طالما يرى أنه انتصر في المعركة، فإن قراءة الممكنات عربياً والتمحيص فيها يعني بذل الجهد بلا طائل، ووفق هذا سيكون البند الأول في إعلان جدة بلا قيمة فعلياً!

التركيز على عودة اللاجئين في البند الثاني هذا لا يعفي أصحاب المبادرة بإعادة النظام إلى كرسي سوريا في جامعة العرب من المسؤولية عن أرواح كل من سوف تتم إعادتهم قسراً من قبل الدول والتي قدرت بأن الظروف صارت مناسبة بعد خطوات غير مسؤولة كهذه، وستعمل على حل مشكلتهم عبر إعادتهم إلى قاتلهم الذي لن يدخر جهداً في محاسبتهم على ثورتهم!

وفي الوقت نفسه، هل سأل أحد ممن صفقوا لعودة الأسد إلى مكانه في الصورة التقليدية للحكام العرب التي تؤخذ في هكذا مناسبات عن موافقتهم الضمنية على حال سوريا المقسمة، والتي ستبقى هكذا، على حالها، طالما أن قاتل الأطفال ما انفك يهزأ بالجميع ويتفلسف بأفكار دفتر المحفوظات، بعد أن استعاد بعضاً من مقومات الشرعية القانونية!

تلفزيون سوريا

———————–

لماذا لم يحتفل الأسد ومؤيدوه بالنصر؟/ عمر قدور

شاعت في الأسابيع الأخيرة التأكيدات على أن الأسد انتصر، مصحوبةً بتلميحات عن كون التطبيع العربي معه أتى بغطاء أمريكي، وهكذا تكون عودته إلى الجامعة العربية تتويجاً رمزياً لانتصاره، في اتتظار ترجمة الغطاء الأمريكي المفترض إلى أفعال تالية تصبّ في مصلحته. فلماذا لم يحتفل مؤيدو الأسد، ولو على نحو محتشم وهادئ يشبه احتفال إعلام الدولة المضيفة للقمة بقدرة قيادته على إتمام “المصالحة العربية” بعد عجز دول مضيفة لقمم سابقة؟

سادت أجواء الخيبة في أوساط المعارضة السورية، وخرجت مظاهرات في مناطق تواجدها يعبّر من خلالها معارضو الأسد عن غضبهم من الخطوة السعودية، مع التأكيد على أن هذه المظاهرات تعكس حقاً أجواء الإحباط السائدة. وهذه فرصة للجهة المقابلة، كي تعمّ مظاهر الفرح، ولو على سبيل النكاية والشماتة بالمعارضين. في الواقع، معظم الذين عبّروا عن الشماتة على وسائل التواصل الاجتماعي لا يحسبون أنفسهم على مؤيدي الأسد، ولهم من مواقعهم ثارات مختلفة مع المعارضين، منها مثلاً “لا حصراً” ما يتصل بالانقسام العربي-الكردي. هذا يعيدنا مرة أخرى إلى السؤال: لماذا لم يحتفل مؤيدو الأسد بالنصر؟

لنتخيّلْ معارضاً، مدفوعاً بإحساسه بالهزيمة، يبادر صادقاً إلى تهنئة مؤيدي الأسد بانتصارهم. هذا وارد في جميع الصراعات، والأهلية منها أيضاً، غير أن مؤيد الأسد في حالتنا لن يفهم هذه البادرة إلا على سبيل السخرية منه، ومن طبيعة الانتصار الذي تحقق له. ولا يُستبعد من بعض المؤيدين لا كلهم، بدل التنعم بإحساس النصر، تمضيةَ الوقت في تقريع المعارض المهزوم لأنه تسبب بجميع الكوارث التي حلّت بالبلد، وهكذا يظهر البعض عازفاً عن الاحتفال بنصره، بل كأنه يتعمّد عدم الخوض فيه!

الملاحظ لدى قلّة من الأوساط المؤيِّدة “التي عبّرت عن رأيها بقرار الجامعة العربية” أن السائد هو عدم الاكتراث، وهذه اللامبالاة لا تعكس عداءً للجامعة على خلفية قرارها السابق تجميد عضوية الأسد. هو عدم اكتراث ناجم عن معرفةٍ بأن قرار الجامعة لن يقدّم أو يؤخّر في أحواله، والأسد لم يخسر في السنوات نفسها مقعد سوريا في منظمة الأمم المتحدة، وهذا هو الأهم على صعيد ما يُسمى الشرعية الدولية، رغم أنه أيضاً لم يقدّم فائدة تُذكر لمؤيديه. ويُثبت وجاهة اللامبالاة أن المطمع الوحيد باستعادة العلاقة مع بعض دول الخليج لم يخلّف الآثار الاقتصادية المرجوة، فقيمة الليرة بقيت في تدهور رفقةً بالتردي المعيشي الشامل.

لقد أجبرت كلفة النصر مؤيدي الأسد على فهم المعنى البسيط، والذي يُختصر بأن انتصاره لا يعني بالضرورة انتصارهم هم. لقد اتتصر الأسد، بأضيق ما يمثّل من بطانته وشبيحته، وتكرّس جانب رمزي من انتصاره بدعوته إلى “قمة جدة”. ونضيف أنه يستحيل منطقياً أن يكون اتتصار الأسد انتصاراً للشريحة الواسعة من مؤيديه، بل لا بد أن يكون على حساب هذه الشريحة بموجب المنطق البسيط أيضاً الذي يقضي بوجود مَن يدفع ثمن النصر المزعوم. التذكير بذلك يبدو ضرورياً لكثرة ما يجري تصوير الصراع وكأنه مباراة في الملاكمة بين المعارضة والأسد، انتصر فيها الثاني بالضربة القاضية، مع أن المفهوم الأقرب لانتصاره هو انتصار أمراء الحرب وأثرياؤها على حساب النسبة الساحقة من المتضررين.

أما الأسد وحلقته الضيقة فليسوا، لأسباب مختلفة، في وارد الاحتفال، وتعبيرهم عن الاستهانة بالجامعة العربية فيه ما هو ثأري بسبب القرار السابق بتجميد العضوية، لكن فيه ما هو أصيل ومستدام لجهة رفض فكرة النصر النهائي. فالأسد، حسب دعايته الدائمة والموروثة، دائمُ الانتصارات، وهو في الوقت نفسه لا يحقق الانتصار المنشود. إنه وفق ذلك يتصدى على التوالي للمؤامرات التي تُحاك ضده، وأقطاب المؤامرة الكونية لن يكفّوا عن التآمر مثلما لن يتوقف هو عن النصر. وهكذا يستمر الحال من جولة لأخرى، وبلا نهاية، لأن الحديث عن النهاية يستوجب إعفاء محكوميه من الاستمرار في دفع الثمن. قد يبدو هذا هزلياً لكنه الواقع تماماً؛ لو ذهب أقطاب المؤامرة الكونية المزعومة صاغرين إلى الأسد، وأعلنوا فشلهم وتوبتهم النهائية، فلن يقبل بهذا الاتتصار وسيكون له شروط تعجيزية، لأن فكرة الانتصار تقوّض الركن الأهم لسلطته، والذي به يواصل استنزاف محكوميه بلا هوادة.

رفضُ الأسد فكرة الانتصار يشرح ما يقوله كثر عن أن بقاءه وصفةُ حرب، فهو قولٌ لا يدخل في دعايةٍ معارِضة بل يشرح جوهر حكم الأسد الذي لم يتمكن من البقاء بلا خطاب الحرب، ولا يمكنه ذلك الآن أو مستقبلاً. والمسألة ليست التطبيع أو عدم التطبيع معه، بل الجانب الأهم منها عدم قدرته على التطبيع مع السوريين، متخلياً بذلك عن منطق الحرب الدائمة. ولعل هذا الجانب يشرح تالياً ما أظهره منذ انطلاق الثورة من استعداد مفرط لقتل السوريين، ولعدم التهاون في حربه عليهم طوال السنوات الماضية، بالتوازي مع استنزاف مؤيديه.

لقد تجاوزنا فيما سبق كله الاعتبارات الأخلاقية المتعلقة بالتطبيع مع جرائم الإبادة والتهجير والاعتقال، والتي ينطلق منها عن حق معارضو التطبيع، بينما يسعى مناصروه إلى القول أنه السبيل الوحيد للسوريين ولدول الجوار، بالمراهنة على أن الحوار مع الأسد ومساعدته سيغيّران من سلوكه إزاء محكوميه وإزاء الدول المتضررة بتهريب المخدرات. ينطلق مناصرو التطبيع من أن الأسد باقٍ، ومن أنه ببقائه انتصر على المعارضة، لكن من دون أن يتوقفوا عند مضمون الانتصار، وهل هو مستعد للاعتراف به، ولقبول مساعدتهم من أجل التطبيع مع السوريين بوصفه الأساس لتطبيع مستدام مع الخارج؟

دأبَ الذين يسوّقون بقاء الأسد على الترويج لكون المشكلة هي في المعارضة التي تفتقر إلى الواقعية ولا تعترف بهزيمتها، ليبدو عدم اعتراف المعارضة بالفشل سبباً لعدم إعلان الأسد انتصاره رغم كل الدعاية المواكبة للتطبيع معه!  في الواقع، لا قيمة تُذكر لإعلان أو عدم إعلان هياكل المعارضة القائمة فشلها، والمحك الفعلي لما آلت إليه الأوضاع أن يعلن الأسد استعداده لتجرّع النصر الذي يريده له مناصرو التطبيع، والذين يراهنون على إمكانية تأهيله وشبيحته ليصيرا نظاماً. لعل من أولى علامات نجاح هذا المسعى أن يحتفل الأسد بانتصاره النهائي، ونجزم بأنه لن يفعل.

المدن

——————————–

لم يتغير النظام العربي بعودة الأسد للحضن العربي!/ د. عبد الله خليفة الشايجي

انتقدت في مقالي الأسبوع الماضي في «القدس العربي» «قمة الأسد وزيلنسكي ومراوحة الأزمات العربية» قرار القادة العرب إعادة نظام الأسد بعد 12 عاماً من إقصائه وتعليق عضويته في جامعة الدول العربية منذ عام 2011.

تحفظ دولة قطر التي لم ترغب بمخالفة الإجماع العربي، حرم الأسد من الإجماع. والمستغرب عدم التزامه كعادته بوعوده وبقرار مجلس الأمن 2254 ومخرجات جنيف 1 ـ والالتزام بحوار وطني مع المعارضة، وعودة المهجرين واللاجئين السوريين حوالي نصف الشعب السوري وخروج الميليشيات المسلحة، ووقف تصدير المخدرات والكبتاغون ـ ووقف دور الميليشيات والجماعات المسلحة. والأهم إنهاء تحالفه مع إيران! لكن تبدو تلك المطالب مستحيلة المنال. لذلك تبقى العقوبات الأمريكية والأوروبية مفروضة على النظام منذ سنوات. وكان صادماً الخطاب الفوقي الذي ألقاه بلا خجل الأسد أمام القادة العرب في القمة العربية التي ستعرف بقمة عودة الأسد للحضن العربي في جدة في 19 مايو/أيار الجاري ـ أمام القادة والشعوب العربية مكرراً «سوريا قلب العروبة وفي قلبها» وتحدث بأسلوب أثار انتقادات وتهكما عن «تغيير الأحضان لكن لا نغير الانتماء»! ثم تهجم وانضم لمنتقدي تركيا والإخوان ـ بمهاجمته «الفكر العثماني التوسعي المطعم بنكهة إخوانية منحرفة»! واضح لم يتب الأسد ولم يتراجع عن مواقفه بل يتكلم هو وأنصاره باستفزاز بخطاب المنتصر.

في تجليات أخرى تشكل عودة نظام الأسد برغم ما ارتكبه بحق شعبه من مجازر وانتهاكات نهاية حقبة ما عُرف بالربيع العربي بانتصار الأنظمة على الشعوب التي لا تزال تكابد وتصارع من أجل مطالب محقة «العدالة والحرية والعيش والكرامة». وقد تكون الشعوب خسرت جولة ولكن هناك جولات في الأفق إذا لم تتحقق أدنى متطلبات الحياة الكريمة. وهذه نقطة ضعف النظام العربي.

وتبقى العقبة الكأداء الحاجة لإبقاء النظام برغم كل جرائمه ومخالفاته ـ لأن القاعدة القديمة تبقى ـ أن وجود النظام برغم وحشيته ومساوئه، يبقى أفضل من البديل لنظام جماعات إسلامية متطرفة مثل تنظيم داعش أو النصرة. كما أن إسرائيل منذ عام 2011 تكرر أن بقاء نظام الأسد حاجة أمنية للأمن والاستقرار. برغم ما تقوم به إسرائيل من عدوان بات ظاهرة متكررة على الأهداف العسكرية السورية والإيرانية وميليشياتها الطائفية المسلحة.

كان يؤمل بعودة الأسد تائباً والتزامه بالشروط والمطالب التي صدعوا رؤوسنا بها أن يساهم ذلك بقدرة العرب على رص الصفوف والتوحد وتشكيل كتلة عربية يمكنها ليس فقط تحقيق رؤى الدول الخليجية السعودية وقطر 2030 والكويت 2035 وسلطنة عمان 2040 ومصر الجديدة وغيرها من الرؤى العربية ـ ولكن لا يبدو أن هناك قرارا سياسيا لعمل عربي جماعي برغم ما نشهده من دور للسعودية يتحدى مواقف القوى الكبرى وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية في أكثر من محور باستقلالية تصل حتى الندية. في عدة ملفات تتعلق برفض زيادة انتاج النفط لإنقاذ بايدن والديمقراطيين في انتخابات الكونغرس في الخريف الماضي، وإحضار الصين إلى منطقة نفوذ أمريكا التقليدية في منطقة الخليج العربي بقبول وساطة الصين بين السعودية وإيران. وفي مبادرة المصالحات والتوسط بين روسيا وأوكرانيا واستضافة الرئيس الأوكراني في القمة العربية، والوساطة للتوصل لهدنة بين الجنرالين المتصارعين في السودان، وإجلاء آلاف السعوديين والعرب والأجانب بسفن حربية سعودية من السودان، وإعادة العلاقات الدبلوماسية مع كندا، وتحقيق أكبر نسبة نمو اقتصادي للسعودية بين دول مجموعة العشرين لأكبر اقتصاديات العالم.

لكن برغم تلك الإنجازات شهدنا سلسلة من الأحداث في الأسبوع الماضي ترسخ وضع محدودية النظام العربي في التعامل مع الأحداث والتهديدات من النظام الإقليمي الشرق الأوسطي الذي يبقى ثلاثي القطبية بتحكم إسرائيل وإيران وتركيا. بينما يستمر العرب بالتعامل مع الأحداث بردّات الأفعال وليس بالمبادرات.

صعّدت إسرائيل وهددت للمرة المائة بعمل عسكري لمنع إيران من امتلاك السلاح النووي. وعاد نتنياهو بمهمة لمنع إيران من امتلاك السلاح النووي ومعه وزير الدفاع ورئيس الأركان! وردت إيران بتهديد إسرائيل برد انتقامي وحرب شاملة إذا استهدفت منشآتها النووية وبتسوية تل أبيب وحيفا بالأرض ـ في ردع وتوازن الرعب.

واستعرض حزب الله للمرة الأولى قدارته العسكرية بمناورة عسكرية واسعة في جنوب لبنان والحديث عن توحيد الساحات والجبهات، أثارت الدهشة والاستغراب وانتقادات واسعة في الداخل اللبناني حول مغزى استعراض القوة وارتهان لبنان لمشروع مغامر. وتوعدت إسرائيل برد مزلزل على لبنان الذي يئن من أسوأ وأقسى أوضاع اقتصادية ومعيشية واجتماعية وفقدت الليرة اللبنانية 90 في المئة من قيمتها ومعها ارتفعت نسبة اللبنانيين الذين يعيشون دون خط الفقر إلى 90 في المئة. بينما لم نسمع أي تعليق من النظام العربي الذي تطبع بعض دوله مع إيران ومع إسرائيل على الرسالة ثنائية الأبعاد من إيران وإسرائيل والاستفزاز الإسرائيلي.

جاء الرد الإيراني سريعاً. أطلقت إيران صاروخ «خيبر البالستي» أسرع 16 مرة من سرعة الصوت وصعب التصدي له وبمسافة 2000 كلم وبرأس متفجر زنة 1500 كلغ ـ يضع جميع عواصم ومدن مجلس التعاون الخليجي ودول المتوسط وتل ابيب في مدى الصاروخ ـ في رسالة ردع مباشرة لإسرائيل.

جرت في تركيا أمس جولة الإعادة الحاسمة بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ومنافسه كمال كليتشدار أوغلو حظيت بمتابعة عربية واسعة ـ حيث اعتدنا في انتخابات الجمهوريات حسم الانتخابات بـ99 في المئة. فاز صدام حسين بـ100 في المئة عام 2002 ـ قبل سقوط نظامه بأشهر. وفاز الأسد بـ95 في المئة من الأصوات عام 2021 بعد هزيمه شعبه وقتل نصف مليون وتشريد نصف الشعب.

لا يمكن للنظام الإقليمي أن يتحول لنظام رباعي الأقطاب إلا بنجاح العرب بتشكيل مشروع واقعي وندي يوازن ويردع مشاريع الآخرين التي تتحكم بمفاصل النظام الشرق أوسطي. من ومتى يُعلق الجرس؟!

أستاذ في قسم العلوم السياسية ـ جامعة الكويت

القدس العربي

——————————-

موجاتُ الربيع السوري وقطعة الدومينو الأخيرة/ عبير نصر

تزامناً مع مشاركة بشار الأسد في القمّة العربية في جدّة أخيرا، لا بدّ يباغتنا السؤال الإشكالي: هل كان ربيعُ عام 2011 الجوابَ الصحيح لمشكلات السوريين؟ يتضمّن هذا السؤال المخاتل تأكيدَ ما يبدو أنه يسعى إلى نفيه، فمشكلته تكمن في أنه يندرج في سياق لوم الشعوب، ونتناسى أنّ الثورات، الإرهاب، الفوضى، الحروب الأهلية، الطائفية هي مخرجاتٌ طبيعيةٌ للأنظمة القمعية. وللخروج من دائرة القهر والتشكّي في ما يخصّ تجاوز الأسد كلّ الخطوط الحمر من دون عقاب، ومن منظور البراغماتية العملية التي فضحت أغوار أروقة السياسة المُعتمة أوشكت القمّة العربية أن تمنح “فخامة الرئيس القاتل” المبرّرات وصكوك البراءة، بينما يرى متابعون كثيرون أنّ العالم اليوم أمام لحظة انتكاسة كبيرة في المشهد الأخلاقي العربي، فالصورة التي أخرجت الأسد من القمّة لا شكّ أعطته “نصراً دبلوماسياً غير مبرّر”، ليثبت الأخير فكرة “اللاجدوى” من سلطةٍ بإمكانها أن تصنع من أبلهٍ متوحد ديكتاتوراً يتلاعب بمصائر الناس وأرواحهم. هل هي لوثة الكرسي التي قال عنها سعد الله ونوس في مسرحيته “الملك هو الملك” عبارته الشهيرة: “أعطني تاجاً وصولجاناً أعطِك ملكاً”؟ ولنكن أكثر دقة.. لم ينتج حضور الأسد القمة أيّ حلول مجدية، بل أكسبته هامشاً جديداً للمناورة في مواضيع شتّى، على الرغم من وصفه غير مرّة بالجثة المتفسّخة، لا تفوح منها سوى الشرور الكريهة، ولعلّ الكبتاغون أحد تجلياتها، إذ أمكن لهذا الكابوس الجاثم على صدر البلاد منذ عقود أن يحوّلها أخيراً إلى بقعة جغرافية منهكة ومستباحة، شمالها لتركيا، جنوبها لإيران وشرقها لأميركا، غربها لروسيا، والبحر لأبنائها يغرقون فيه؟

تفيدنا الإشارة بأن السفير السعودي السابق في الأمم المتحدة عبد الله المعلمي ألقى في ديسمبر/ كانون الأول 2021، خطابه في الجمعية العامة بعنوان “لا تصدّقوهم”، مستهدفاً رواية النظام السوري و”زعيمه الذي يقف فوق هرمٍ من جماجم الأبرياء”، على حدّ تعبيره. وبينما عكست كلماته حينذاك الموقف السياسي لبلاده بشأن دمشق، تُمثل قمّة جدّة انقلاباً كلياً على السابق، وسط تسارع التحوّلات الدبلوماسية على الساحة العربية إثر إعلان اتفاق بين الرياض وطهران. في السياق، جاء في تقرير منظمة هيومن رايتس ووتش عام 2019 أنه وعلى الرغم من عشرات المؤتمرات والاتفاقيات والهدنات لإنهاء المأساة السورية، إلا أنّ ما شهدته البلاد على مدار سنوات الحرب أظهر أنّ “الفظائع وانتهاكات حقوق الإنسان هي القاعدة وليست الاستثناء”. يؤكّد هذه الحقيقة المؤلمة توجيه الإمارات دعوة إلى بشّار الأسد لحضور قمة المناخ “كوب 28” في دبي، المقرّرة في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، وسيكون هذا أول ظهور للأسد في أول مؤتمر عالمي بعد 2011، والغاية المبيّتة استغلال هذه التظاهرة لإعادة حكومته منتهية الصلاحية إلى الساحة الدولية، من دون أيّ محاولة لضمان المساءلة عن انتهاكاتها الوحشية.

جدير ذكره أنّ سورية شهدت أكثر من ربيع في ظلّ الأسدين، وكلها انتهت إلى واقع مؤلم، فالإضراب العام الذي أعلنته النقابات المهنية عام 1980 فشل لسببين: عدم وقوف التجار معه، ومحاولة حركة الإخوان المسلمين مصادرة الحراك لتجييره لمصلحتها. يومها اهتزّ الحكم، وفقدَ حافظ الأسد أعصابه، وأخذ يلقي الخطابات الرنانة تباعاً، قبل أن يضرب الحراك بقبضةٍ من حديد. تالياً، جاءت الاغتيالات التي كانت الطليعة المقاتلة تنفذها، فرصة ذهبية للأسد للتخلص من خصومه السياسيين، فدخلت المعارضة في غيبوبة نتيجة اعتقال عديد من رموزها الوطنية في سجون النظام. هكذا ابتعد حلم التغيير، لأنّ الأسد الأب بنى نظاماً لا يمكن إصلاحه، كما قال جورج طرابيشي، إلا بإلغاء نفسه بنفسه. أما الربيع الثاني فجاء بعد خطاب القسم الذي استبشر به السوريون، ولكنه كان ربيعاً قصيراً وانحصر بالمثقّفين، ولم يصل إلى عامّة الناس، واغتاله النظام وحرسه القديم. وفي عام 2005 شهدت سورية “شبه ربيع” حيث كان إعلان دمشق للتغيير الديمقراطي، لكنّ القوى المضادّة كانت رافضة أيّ عملية إصلاح طرحها الإعلان. ومن المؤسف القول إن هذا الإعلان بعد عام 2011 لم يستطع أن يشكّل قيادة مؤثرة رغم تعويل قوى ديمقراطية عديدة عليه.

بالتساوق مع ما تقدّم، يعلم نظام الأسد ضمنياً أنه على عتبة الاستبدال بأيّ وقت، فالأولويات الروسية لم تعد في سورية، وإيران التي تحاول بناء مشروع أيديولوجي في المنطقة تعاني، هي الأخرى، من مقاطعة دولية خانقة، ومن أزمات داخلية ملتهبة، كما أنها لا تتمتّع بالقوة الكافية لمواجهة أيّ مشروع تتوافق عليه روسيا والجارة تركيا التي أعادت الأسد إلى دائرة الاهتمام، ولن يكون هذا من دون مقابل بالتأكيد. وعليه، لم يعد هناك هامشٌ متاح للديكتاتور السوري كي يتصرّف بغباء أو سذاجة سياسية، وقد كان بإمكانه استغلال الفرص التاريخية لأخذ البلاد إلى الاستقرار السياسي والأمني، وتوحيد السوريين ووضعهم في مواجهة استحقاقات إعادة بناء الدولة والنظام سياسياً، وهي الورقة التي لم يُجِد استعمالها لإحراج العالم من حوله، وإجباره على التعايش مع وقائع إصلاحية سياسية جديدة، بمعزلٍ عن كلّ المؤامرات التي يقول إنها تُساق دولياً وإقليمياً ضده. ويعلم أيضاً أنّ الانتفاضات الشعبية أطاحت ديكتاتوريات متجذّرة حكمت عقودا وبقبضةٍ فولاذية. لذا نادراً ما مات طاغية على سرير نومه بشكل هادئ وبدون زوابع، فموته دائماً مستفزّ، فُرجوي، ميلودرامي، ومليء بالإثارة ولغة الشماتة. يعزّز مخاوفه أنّ وعي الشعب السوري بات مستنداً إلى إدراك جمعي بأنّ طاغية دمشق لم يعد في أفضل أحواله، وأنّ التغيير يمكن أن يحدث من الداخل، وليس فقط نتيجة تحولاتٍ في الخريطة الجيوسياسية العالمية.

في ضوء هذه السياقات، السيولة الفائقة للمراحل العنفية الانتقالية للثورة السورية تجعل مهمة إصلاحها صعبة للغاية، يزيد الأمر تعقيداً أن “الحمّى المعرفية” لهذه الانتفاضة كانت لها محاذيرها بالتأكيد، عندما تبنّت أفكاراً مشوّهة وقدّمتها “حقائق تاريخية” و”بداهاتٍ” لا مجالَ لنقاشها، ما يجعل حلم السوري في التحرّر وبناء الدولة الديمقراطية يتحوّل إلى النقيض تماماً. حلمٌ مشروعٌ لطالما تصوّره نظام الأسد بمثابة حدثٍ طارئ من خارج البنية. بالتالي، يمكن الجزم باطمئنان أنه، على الرغم من فشل الربيع السوري الأخير (مرحلياً) في اقتلاع نظام الأسد، والذي أدّى إلى ظهور سردياتٍ مليئة بالأوهام والتخوين، متزامنة مع المظالم الأقلوية والتعبئة الطائفية، إلا أنه يمكن اعتباره إرهاصاتٍ مبدئية للتغيير الأكبر، لأنه ببساطة ليس نتاجاً لسياسات دولية ولا تدخّلات إقليمية، بل هو مجموعة من الانفجارات الداخلية الناتجة عن تراكماتٍ ثقيلةٍ من الاستبداد السياسي والتمييز الاجتماعي والتجهيل المعرفي وسوء الأوضاع الاقتصادية، والذي عبّر عن حالة انفصالٍ مهوّل بين أجيال متمردة وبين نخب تجمّدت أفكارها، وصارت تنظّر لاستمرار الواقع البائس تحت مزاعم شتّى، ثبت وهنها تحت أقدام الشباب المتظاهرين في ميادين الحرية. وكلّ ما مضى من إخفاقات يأتي في طور التجربة والتعلّم، لإدراك أولويات المرحلة المقبلة، بغية إسقاط قطعة الدومينو الأخيرة داخل رقعة الاستبداد العربي، إذ تؤكد القراءة الاستشرافية للمعطيات الحالية أنّ موجة تغيير جارف قادمة ستجتاح البلاد، لا محالة، وعلى المستويات كافة.

العربي الجديد

—————————–

متى نشعر بنتائج القمم العربية؟/ مي عزّام

تركت القيادة الشابة والجريئة لولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، تأثيرها على جميع مناحي الحياة في بلاده، فقد استطاع خلال سنوات قليلة من ولايته العهد أن يستعيد شباب المملكة، في قراراتٍ عديدةٍ بدت حينها ثوريةً إلى حد كبير، فهو ينظر إلى المستقبل ولا يستغرقه الماضي. ويلاحظ المتابع للسياسة الخارجية السعودية أن ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء يرسم خطوطا جديدة لهذه السياسة، إذ يُعاد ترسيم التحالفات الاستراتيجية التقليدية وفقا للمصالح السعودية وأمنها القومي، كما أن المملكة تحاول جاهدة أن تنأى بنفسها عن الانحياز الكامل لقوة عظمى دون القوى الأخرى، بل تبحث عن التوازن في عالم يتشكّل فيه نظام عالمي جديد متعدّد الأقطاب. وفي الوقت نفسه، تسعى المملكة إلى أن تصبح حجر الزاوية في محيطها الإقليمي، بنزع فتيل النزاعات من المنطقة واستعادة الاستقرار. وقد بدأت ذلك بالاتفاق التاريخي مع إيران برعاية صينية، وإذا تحقّقت بنوده، فسيكون وثبة إلى الأمام لعدة دول عربية عانت عواصمها من تمدّد النفوذ الإيراني، ومحاولات استقطاب طائفية كانت لها آثار سلبية عليها.

رفعت قمّة جدة التي عقدت أخيرا شعار “التغيير والتجديد”، وهو عنوان يتماشى مع نهج المملكة في السنوات الأخيرة. وقد خرج الإعلان الختامي للقمة متضمّناً أكثر من 32 بنداً لمختلف القضايا الملحّة في العالم العربي، بدءاً من القضية الفلسطينية والأزمة السورية والوضع اللبناني، مروراً بالملف الإيراني، وقضايا الهوية والبيئة، والملفّات الاقتصادية والاجتماعية، وذكر حزمة من المبادرات السعودية التي تسعى المملكة من خلالها إلى توفير الظروف الملائمة لتحقيق الاستقرار والنمو الاقتصادي للمنطقة العربية، لكن البيان لم يذكر شيئا عن آليات تنفيذ هذه المبادرات، وكيف ستتحوّل من خطط وأفكار مطروحة إلى واقع يشعر به المواطن العربي، ويكون له تأثير على حياته اليومية. ولعلنا نذكر قمّة “لم الشمل” العام الماضى في الجزائر، بعد المصالحة بين الفصائل الفلسطينية، وكانت من أهم بنودها إقامة انتخابات تشريعية ورئاسية فلسطينيتن خلال عام من تاريخ توقيع الاتفاق، وهو ما لم يحصل، رغم الحماس الشديد الذى واكب هذه المصالحة. كما أكّدت قمة الجزائر أنّ القضية الفلسطينية محورية، وأنه لا بديل عن حل الدولتين. وخلال العام المنصرم، ساءت الأوضاع في الداخل الفلسطيني المحتلّ بسبب تعنّت حكومة نتنياهو اليمينية المتعصبة، ولم تتحرّك القضية الفلسطينية نحو الحلّ قيد أنملة.

****

أفكار كثيرة طرحت لتحديث منظمة الأمم المتحدة، منها السماح بحضور ممثلين عن الجمعيات الأهلية اجتماعاتها ليمثلوا الجانب الآخر من الدول. لم تعد الشعوب تثق ثقة تامة بحكوماتها، وهناك شكوك في أخطاء القادة بسبب انفرادهم باتخاذ قرارات سياسية خارجية، قد تؤدّي إلى فقدان الشعب رفاهيته واستقراره، مثل الدخول في حروبٍ خارجية أو الانخراط في صراعاتٍ ليس من ورائها طائل. أصبح الحديث عن هذه الصيحات الشعبية مكرّرا، خصوصا بعد انخراط الغرب في الحرب الروسية الأوكرانية، وما تلا ذلك من تضخّم وارتفاع في أسعار السلع الأساسية.

لا يتابع المواطن العربي مجريات القمم العربية، لأنه لا يتوقع منها نتائج يمكن أن تساهم في تحسين حياته. كانت الشعوب العربية تحلم بوضع استراتيجية تكامل عربي، تعود بالنفع والمصلحة على كل مواطن عربي من الخليج إلى المحيط، تحسّن أوضاعه المعيشية وتساعده على الاستقرار في موطنه، بدلا من الهجرة غير الشرعية في قوارب الموت عبر المتوسط. يحلم المواطن العربي البسيط باتحاد عربي على غرار الاتحاد الأوروبي، يصبح فيه حلم الوطن العربي الأكبر حقيقةً لا مجرد أشعار وأغنيات، حيث يمكنه التنقل عبر حدود الدول العربية ببطاقة الهوية الشخصية من دون تأشيرة دخول. لم يكن هناك تمثيل للشعوب العربية في قمّة جدّة التي رفعت شعار التغيير والتجديد، فهذا هو التغيير الحقيقي أن يستمع القادة العرب لممثلي شعوبهم، وتشعُر الشعوب بأنها تشارك في وضع خطط المستقبل، لأنها في النهاية من سينفّذها. وكان مرجوّا أن تضع القمّة العربية آليات لتنفيذ ما جاء في بيانها الختامي، وأن يكون هناك جدول زمني للتنفيذ وهيئة متابعة لمراجعته ومناقشة العوائق التي قد تعرقله في القمّة العربية التالية، وتقديم مقترحات للتغلب على هذه العوائق، وبهذا تصبح لبيانات القمم العربية قوة ومصداقية، ولا تعود مجرّد حبر على ورق.

****

العالم في طور المخاض، يعاد تشكيله بالدم والدموع. عادت الحرب الباردة لتطل برأسها بين روسيا والغرب، وكذلك يشتعل التنافس بين أميركا والصين، الدول ذات النظرة المستقبلية تبحث لها عن مكانة واضحة ومستقرّة بين الخرائط التي يعاد تشكيلها، والمنطقة العربية مؤهّلة بما لديها من ثروات ومقدّرات لأن تشارك في صنع المستقبل، بشرط أن يكون التضامن العربي حقيقة واقعة تسعى كل الدول إلى تحقيقه أولا لصالحها وثانيا لصالح باقي الدول العربية. الجميع يركب سفينة واحدة، تنجو بجميع ركابها أو تغرق بمعظمهم.

العربي الجديد

————————-

بن سلمان للأسد: نريد رئيساً توافقياً بلبنان قبل 15حزيران/ منير الربيع

في سياق المعلومات الواردة عن التداول في الملف اللبناني خلال اللقاء بين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ورئيس النظام السوري بشار الأسد.. تتوارد روايات مختلفة لدى الأفرقاء اللبنانيين. وكعادتهم، ينقسم اللبنانيون في تفسير هذه الأجواء التي لديهم، كل في صالحه ووفق منظوره. فحزب الله يعتبر أن كل المسار الإقليمي يصب في صالح مرشحه، فيما خصوم الحزب يعتبرون أن مسار التسويات في المنطقة لا بد أن ينعكس على لبنان. حتى الآن لم يرد أي موقف إقليمي أو عربي يشير إلى دعم أو موافقة القوى العربية على ترشيح سليمان فرنجية. ولو توفر ذلك لكان عدد أصوات فرنجية قد ارتفع ووصل إلى 65 صوتاً، فيما بقيت مشكلة النصاب التي يمكن حلّها بأي طريقة.

زيارة قائد الجيش

في السياق، ثمة انتظار لأي حركة أو خطوة سيقوم بها السفير السعودي وليد البخاري، والذي بدأ حركته على الساحة اللبنانية في زيارة إلى قائد الجيش. وهذه لها معان كثيرة، لا سيما أنه لا يمكن تغييب مسألة الاتفاق على قائد الجيش من كل الحسابات. كذلك ينتظر اللبنانيون النتائج التي يمكن أن تتأتى عن لقاء البطريرك الماروني بشارة الراعي بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. وكيف سيكون انعكاس ذلك على الساحة الداخلية. فيما دولياً وإقليمياً، تشير المعلومات إلى أن هناك تفاهماً بين الدول الخمس على إعطاء مهلة للتوافق اللبناني قبل 15 حزيران. وبحال لم يحصل ذلك، فلا بد من تغيير الآلية والمقاربة. باريس كانت قد حصلت على هذه المهلة أيضاً طالما أنها تتعاطى مع ترشيح فرنجية بترحيب وحماسة، وتنظر إليه بنظرة الترشيح الواقعي والقابل للتطبيق. ولكن في حال لم يتحقق أي خرق على هذا الصعيد، فسيكون مطلوباً من فرنسا أن تغيّر مقاربتها.

ما قاله بن سلمان

بالعودة إلى ما يتسّرب تباعاً عن لقاء بين سلمان الأسد، تشير مصادر متابعة إلى أن اللقاء تناول مجمل الملفات في المنطقة، بما فيها الملف اللبناني. وتؤكد المعلومات أن بن سلمان كان واضحاً مع الأسد في أنه يأمل الوصول إلى انتخاب رئيس توافقي في لبنان قبل منتصف شهر حزيران. هنا تتكاثر التحليلات بين من يعتبر أن التفسير العملي لانتخاب الرئيس التوافقي هو الذهاب باتجاه التوافق على فرنجية. وآخرون يعتبرون العكس، أن هذا يهدف إلى السعي للاتفاق على شخصية أخرى تحظى بموافقة غالبية اللبنانيين، ولا تمثّل انتصاراً لطرف على الآخر.

ومما ورد في اللقاء أيضاً، ان بن سلمان كان واضحاً مع الأسد بالقول: “نحن نستعد لفتح صفحة جديدة في كل المنطقة، وبالتالي طي صفحات المرحلة الماضية، وهذا يستوجب مقاربات جديدة وأداء مختلفاً، على قاعدة أن من يعد الثاني عليه بالإلتزام أو الوفاء، وإذا نحن قدّمنا وعداً نلتزم به، وبحال أنت قدّمت وعداً فيفترض بك الإلتزام به أيضاً”. يضاف إلى ذلك أيضاً، أن بن سلمان كان واضحاً في القول: “قررنا الانفتاح على المنطقة ككل، والاستثمار فيها، والاتفاق بيننا وبين الايرانيين عميق وجدي وقابل للتطور، وهذا سيكون له انعكاسات على العراق، سوريا ولبنان”.

رد الثنائي الشيعي

من المبكر حتى الآن تلمّس آفاق هذه الصفحة الجديدة وكيف يمكن أن تنعكس. في التزامن مع هذه التسريبات، وعلى وقع ذهاب قوى المعارضة باتجاه الاتفاق على مرشح لمواجهة فرنجية، خرج موقفان متشابهان لرئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد والمعاون السياسي للرئيس نبيه برّي علي حسن خليل، يشيران فيهما إلى أن ذهاب المعارضة للاتفاق على مرشح هو للمناورة ولإسقاط مرشح الثنائي الشيعي، ويهدف إلى الذهاب للبحث عن مرشح ثالث. وقطع حزب الله الطريق علانية على مثل هذا التفكير. تزامن ذلك مع رسائل واضحة ومباشرة من قبل الحزب تم إيصالها لمن يعنيهم الأمر بهذا الشأن، بأن الحزب يرفض هذا التعاطي، مشدداً على “الحلفاء” ضرورة العودة إلى خيار سليمان فرنجية.

عندما أبلغ السفير السعودي وليد البخاري كل الأفرقاء اللبنانيين بأن المملكة لا تضع فيتو على أي مرشح للرئاسة، هناك من فسّر الموقف في لبنان أن السعودية لا تريد أن تكون في صورة المعرقلة للاتفاق الرئاسي. ولكن كان هناك علم مسبق بأن القوى المسيحية وقوى سياسية أخرى لن توافق. وبالتالي، فإن التعطيل سيكون لبنانياً. هذا ما يدفع بالبعض إلى تفسير الموقف العنيف الذي صدر عن رعد وخليل، على قاعدة أن الذهاب إلى محاولة إيجاد تسوية إقليمية ودولية ترتبط بلبنان، والبحث عن مرشح آخر غير فرنجية، استدعى موقفاً صلباً بالإصرار على التمسك بفرنجية. وبالتالي، أيضاً موقف قوى لبنانية متمسكة بفرنجية هو الذي عرقل الذهاب باتجاه آخر. ما يعني أن مقومات وبوادر التسوية لم تنضج حتى الآن.

المدن

——————————–

قمّة الهزل”:  في أي حُضن سترتمي سوريا- الأسد؟/ أنجل جرجس

لا يرى السوري أفق تغيير ولا رائحة انتصار ولا مرارة هزيمة، ما حدث في القمة، بعد خسارات متتالية، وصدمات غير معالجة، مادة للسخرية تصلح للأدب والفن، لا للنقاش في الشارع أو حتى في البيت.

نُشاهد في واحدة من حلقات مسلسل “ضيعة ضايعة” للكاتب ممدوح حمادة، كيف يتلقى أبو نادر، الشرطي البسيط، طلباً “من فوق”، أو بالأحرى أمراً بتجهيز خطاب لمناسبة وطنية، مع تشديد على أبو نادر بأن يستخدم جُملاً مُعينةً، طُلبَ منه تسجيلها وحفظها بحرص، كرؤوس أقلام لكلمته الافتتاحية. شملت الجمل العبارات التالية: اللحمة الوطنية، الانجازات، الوقوف بوجه، الالتفاف حول… وغيرها من مصطلحات البلاغة الفارغة الخاصة بالمناسبات الرسميّة.

هذا المشهد الساخر، له أصل على أرض الواقع، إذ يستعينُ الكثير من المسؤولين في سوريا برؤوس الأقلام هذه، وكأنها بحر شعري عليهم الالتزام بأوزانه، والانطلاق منه للالتفاف حول المصائب، والوقوف بوجه الحائط، فقط الحائط، دون إشارة إلى ما يحدث.

نكتة الأحضان

أطلق رئيس النظام السوري بشار الأسد في القمة العربيّة في جدّة، نظرية الأحضان، ومفادها أن الأحضان عابرة والانتماء واحد.

 ضحكت بشدة حين سمعت ما قاله، وراودني مُتخيّل بأن سوريا بائعة هوى مسكينة، ترتمي في أحضان الرجال القذرين مقابل القليل، لكنها، أي سوريا، بحسب بشار الأسد تنتمي إلى العروبة، لكن العروبة لا تحميها، بل هي وحدها، إنما لا عروبة من دون سوريا، سوريا التي مرّ عليها العسكر والميليشيات والجهاديين، لم يحبّها واحد يوماً، فلجأت إلى حضن إيران وحضن روسيا وحضن كوريا الشمالية وحضن فنزويلا وغيرها من النزوات على ما يبدو.

أكتفي هنا بهذا القدر من محاولة فهم علاقة سوريا بالعروبة لأن شدة التناقضات لا يمكن لسويّ أن يتتبعها ويحافظ على سلامة عقله.

 بالعودة إلى الأحضان، يكمل الأسد قائلاً، إن الاحضان عابرة وقد ينتقل الإنسان من حضن إلى آخر لسبب ما، فحتى الأحضان نفسها، ليست آمنة، بل تتغير بتغير الأهواء والمصالح.

إن أمعنا النظر في هذه العبارات عن العروبة والأحضان، وعلى رغم غرابتها وسذاجتها، نكتشف أنها أبعد ما يكون عن العبثية والتزيين، إذ يشير الأسد بوضوح إلى مبررات علاقات حكومته مع الدول التي ارتمى في حضنها، شاملاً سوريا أرضاً وشعباً. وكأنه هو سوريا، ولا سوريا بدون عائلته التي ترفع شعار: نحن من بنينا سوريا الحديثة، وعلى الجميع قبول هذا والاحتفال به، وفي حال لم تقدم فروض الطاعة، فيظهر الشعار البديل :”الأسد أو نحرق البلد”.

نسأل هنا مباشرةً: ماذا أراد الأسد فعلاً من هذه الاستعارات الغريبة؟ ولماذا أراد استفزاز الجميع؟ هل فقدت خطاباته سحرها المعتاد أم أن الجميع بات يستفزّهم حضوره فقط عدا كلامه؟

حاولت إنجاز استطلاع رأي “بدائي” بين رفاقي من الشباب “الصامدين في سوريا”، و”المواطنين الشاهدين على ما حدث وما يحدث”، لكن استطلاع الرأي اليوم في سوريا له شكل مميز، خصوصاً إن لم يكن رسمياً، إذ يبدأ الحديث بنكتة أو استهزاء مثل: “يا شباب، هيا قولوا لنا هل عندكم رأي حيال ما حصل؟” أو “هل شاهدتم ذلك وسمعتم عنه بمحض المصادفة مثلاً؟”.

أجزم هنا مبالغةً، أن معظم السوريين أقلعوا عن متابعة الأخبار المحلية، تلك التي يشبه ما يرد فيها الشعارات التي تردد في مدارس البعث.

مصدر الأخبار كما شاهدت، هو الصحف المستقلة، أو القنوات الدوليّة، لكن الأدهى، أو الأكثر تراجيديّةً، هو أن البعض قد لا يتابع  الأخبار البتّة، ويعتمد على ما يسمعه في الشارع مما يسقط سهواً مع نكتة ما. وحين سألت صديقاً لي مباشرة عن رأيه بالقمة أجاب: “نحن نترقب ونتوقع الكثير من السيناريوهات والأسوأ وحده ما يحدث، ويفاجئنا جميعنا، ولا أدري الى متى سنظل نُفاجأ بما نعلمه مسبقاً”.

من الطبيعي جداً أن نحاول التحليل والتنبؤ بمستقبل نعلم جميعاً أنه مشؤوم لا محالة، نتوقع الانفراج -وربما نأمل حدوثه- ولكن ندرك في لا وعينا أن الواقع خارج عن سيطرتنا، طالما أن الأسد على “عرشه”، نحن مسحوقون تحت بلاط هذا العرش، ونحن من نرفعه رغماً عنا.

 المضحك المبكي

يخشى بعض السوريين الحديث عن القمة، خصوصاً الشباب، فالأفرع الأمنية بالمرصاد، وكثيرون لا يعرفون شيئاً عن مجريات الجلسات، ولا عن دلائلها ورموزها، وإن تحدثوا فالكلام عن فلسطين أو أوكرانيا، أو خطاب الرئيس الأسد من دون أي تعليق، كلام رمادي محايد، فأن تكون مؤيداً اليوم جريمة تساوي كونك معارضاً.

وهناك من يقول : لا يهمني… ربما يكون الأذكى بيننا.

لكن هل فعلاً لا يهمنا ما حدث؟ لا أدري، إلا أننا جميعاً ندير نقاشاتنا بالسخرية والضحك، الضحك من حالنا ومن كوننا صمّاً بكماً، وكأننا لا نفهم ما يحصل.

فشلت في الاستطلاع البسيط الذي أجريته فشلاً ذريعاً، لم أحصل على “حق أو باطل” من أي أحد، سقف النقاش كان يصل إلى عبارات مثل: “فخار يكسر بعضه، ما لنا ولهم؟” أو “أصدقاء عادوا بعد عداوة”، و”اللعنة عليهم جميعاً”، بالطبع من دون المساس بالذات الجمهورية، أو بالسيادة أو بالقيم الوطنية، فالسوريون مهمشون تحت حكم الأسد، لا رأي لهم ولا قرار، ولا عقوبات ولا إغاثات تستطيع تغيير الحال.

جملة واحدة قالتها لي صديقتي أثرت فيّ بشكل كبير، إذ نظرت في عيني، وقالت بعدما شغلت أغنية الشيخ إمام “شيد قصورك عالمزارع”: “اسمعي هذه الأغنية، فقط هذه الأغنية، وعندها ستعرفين رأيي بمجريات القمة العربية”.

لا قيمة لأي استطلاع في سوريا بشأن القمة العربيّة، يكفي ما يُلتقط في عيون البسطاء والفقراء، وإن عبروا عن كل شيء بالسخرية التي تعني هنا تحديداً العجز.

“الناجي” الوحيد بالكاد ينجو

يرتفع صوت عقولنا بالسؤال عن الناجي الوحيد، هل سيظل ناجياً؟ وإلى متى؟ وهل ستكون نهايتنا كنهاية شخوص ممدوح حمادة؟

لطالما ردد بشار الأسد وأعوانه، أمثال لونا الشبل، كلمة الصمود، الشعب الصامد، اصمدوا، ولكننا كسوريين كنا نتعامل مع الصمود بسخرية، لا خيار آخر.

هذا الصمود المزعوم ليس إلا عجزاً أمام مواجهة المصير المكتوب علينا كما يقال، لأن لا حيلة لدى البسطاء لمواجهة نظام أمني واستخباراتي متشعب ومتجذر، عمره من عمر آبائهم، فكيف تطلب تحليلاً سياسياً من شخص يؤمن أن للحيطان آذاناً؟

تمر القمة في الشارع السوري كما تمر الريح المحمّلة بالغبار، تصارعها ولكنك تمشي وتخترقها، لا تريد أن تصارع زوبعة رملية، فتعمي عينيك وتخنقك. تستمر بالمشي، وحيلتك نكتة تتشاركها مع أصدقائك همساً، تقولها لجدّك فيضحك، ثم يتوسل إليك ألا تقولها في الشارع، أو أمام أحد غريب، فـ”هم بيننا ويسمعون كل أحاديثنا، ونسأل الله أن يبعدهم”.

 لا يرى السوري أفق تغيير ولا رائحة انتصار ولا مرارة هزيمة، ما حدث في القمة، بعد خسارات متتالية، وصدمات غير معالجة، مادة للسخرية تصلح للأدب والفن، لا للنقاش في الشارع أو حتى في البيت.

 درج

—————————

بين مؤيدين ومعارضين للقمة العربية… السوريون جائعون/ يزن الشامي

فرض النظام السوري على السوريين خلال أربعة عقود رؤية محددة للسياسة، تدور في فلك العائلة الحاكمة وتقديسها وتبجيل مقاومتها للخطر “الصهيوني” والغربي، وجاءت الثورة السورية كوقت مستقطع قال فيه السوريون رأياً سياسياً مختلفاً عما أراده النظام وعوقبوا عليه.

سألتني والدتي ما فائدة الجامعة العربية؟ كانت قد سمعت من نشرات الأخبار عن اجتماع القمة العربية وعودة سوريا إلى الجامعة العربية، لكنها لم تستطع إدراك أهمية ما يحدث أو فائدته، مجرد رؤساء يجتمعون في قاعة فارهة ويلقون خطبهم الواحد تلو الآخر.

 أجبتها أن الجامعة لم تُحدث أي فرق حقيقي على أرض الواقع، لم تحسن حياة الشعوب العربية ولا فائدة ملموسة منها، لم تفعل شيئاً سوى جمع الرؤساء، أو كما قال الرئيس الليبي السابق معمر القذافي: “لا شيء يجمعنا سوى هذه القاعة”. كانت سخريته هذه خلال القمة العربية التي انعقدت في سوريا عام 2008.

 لم تقتنع والدتي بالإجابة، فكيف يمكن لحدث بهذا الحجم، أن يكون مجرد فرصة لاجتماع القادة العرب والتأكيد على “مبادئ وأولويات” ساذجة كالعروبة والانتماء.

القمة العربية لا تفيد السوريين بشيء

“صاحبنا راح ع القمة، بكون أخدلن بإيدو حشيش”، يقول سائق سيارة الأجرة وسط دمشق ثم يضحك بصوتٍ عالٍ. يمثّل سائق التاكسي شريحة واسعة من السوريين في الداخل، الساخرين من عودة سوريا إلى الجامعة العربية. الحدث غير مهم في نظر جميع من التقاهم “درج”، إذ يتساءلون بصدق: “وبعدين؟ وشو رح نستفاد؟. ويبدو السؤال محقاً لأناس يعيشون بأقل من المتاح ويصارعون الانهيار الاقتصادي، بعضهم نازح داخل بلاده وبعضهم لاجئ في بلاد العالم، وعائلات بأكملها تنتظر أبناءها المعتقلين.

استقبل السوريون في الداخل أخبار القمة العربية، التي انعقدت في 19 أيار/ مايو المنصرم، بكثير من الريبة وعدم الاكتراث، وبعد أكثر من عقد من الزمن تلاشى أملهم وحلت مكانه اللامبالاة. يقول عمر (اسم مستعار): “أمور السياسة نحنا براتا، هنن بدن نكون براتا، ليش ايمت تعاملت معنا الحكومة كأننا موجودين!”، مشكلة عمر كما أغلب السوريين، هي في محاولةُ جعل النظام عودته إلى القمة انتصاراً، “كيف يمكن أن يكون انتصاراً والجوع يفتك بالسوريين”، يختم عمر.

فرض النظام السوري على السوريين خلال أربعة عقود رؤية محددة للسياسة، تدور في فلك العائلة الحاكمة وتقديسها وتبجيل مقاومتها للخطر “الصهيوني” والغربي، وجاءت الثورة السورية كوقت مستقطع قال فيه السوريون رأياً سياسياً مختلفاً عما أراده النظام وعوقبوا عليه، يدرك سوريو الداخل أن الحديث عن السياسة لا طائل منه، ليس بسبب الواقع السيئ بل لأنهم جربوا عقوبة أن يمتلكوا رأياً سياسياً، لذلك استخدم من تحدثنا معهم جملاً مقتضبة، وفضّل كثيرون عدم التحدث، لماذا يجب التحدث في أمور لا تعنيهم! في جميع الأحوال لا يمكن أن تسأل سورياً عن رأي سياسي من دون أن يشعر بالتهديد والخوف، حتى الحديث عن القمة العربية بدا كتحدٍّ لكثيرين، وكأن ما يحدث يحصل على كوكب آخر.

ما بعد القمة كما ما قبلها

لم يعلم بعض السوريين أن هناك قمة عربية، ولم يدركوا أن رئيسهم مدعو إلى القمة إلا في يوم انعقاد القمة، ليس جهلاً في السياسة، إنما لغياب الظروف الإنسانية لمتابعة السياسة، وبينما كان الأسد يستعد للقمة العربية، كانت إحدى المحطات التابعة للحكومة، تجري استطلاع رأي عن المبلغ الذي تحتاجه الأسرة السورية لتناول طعام الفطور، وكان متوسط الإجابات نحو 25 ألف ليرة سورية، أي ما يقارب ربع الراتب الشهري لموظف حكومي. وهكذا، الجوع مقابل عودة الأسد الى الجامعة العربية.

في المقابل، ما زال المؤيدون ينتظرون التغيير الذي سيحدثه الأسد في حياتهم، مؤمنين بأن ما حصل خلال السنوات الماضية “مؤامرة”، “ما بفهم كيف واحد ولادو جوعانين وبعدو مصدق الأسد، لا وبيدعموا!”، يقول عمر. لا يفهم عمر وغيره من السوريين لما يجب مدح الأسد أو التهليل لعودة سوريا الى القمة العربية، بينما الواقع المظلم يحاصر الناس من كل جانب؟!

“أعتقد أن المؤيدين يخشون تصديق أن نظامهم لا يكترث بهم وأن آراءهم لا تعنيه”، تقول سارة (اسم مستعار)، التي تعيش اليوم في دمشق وتكاد تقتلها فكرة دفاع المؤيدين المستميت عن الأسد، تؤكد أن بعضهم جائعون ولا يملكون ثمن ثياب لأطفالهم، لكنهم مصرّون على أن الأسد لا حيلة له ولا قوة في كل ما جرى.

“هل هناك أمل بعد القمة العربية؟”، تتابع سارة الطالبة الجامعية: “من يصدق أن نظام الأسد يكترث للسوريين؟ لو أتيحت لهذا النظام فرصةُ قتل ما تبقى من السوريين سيفعلها، لكنه منشغل الآن بالقمة العربية وبخطاب استمر خمس دقائق، ولن يتغير شيئاً بعد هذه القمة”.

“لم أستطع إكمال اجتماع القمة”

عن متابعة السوريين القمة العربية، قالت عبير وهي ربة منزل (اسم مستعار): “شخصياً، لم أستطع إكمال مشاهدة اجتماع القمة، لغته بشعة وتذكرني بمواضيع التعبير والقومية في المدارس والشعارات ذاتها، تبع حافظ مش فاهم”. لكن الإذاعات السورية المؤيدة، أدت دورها على أكمل وجه، فنقلت إذاعات مثل “سما” و”الإخبارية”، خطاب الأسد عشرات المرات، أُتخِم السوريون من قوالب الوطنية الجاهزة، لا يختلف خطاب الأسد عن الخطابات التي كان السوريون يسمعونها في المدارس قبل عقدين وثلاثة، أو في الأعياد الوطنية، لا يختلف عن كل خطاباته التي ألقاها خلال الثورة أو بعد انتخابه “المستحق”، إنه الخطاب ذاته من فم الشخص ذاته، لكن في أماكن وتواريخ مختلفة.

يعوّل بعض السوريون على عودة سوريا إلى الحضن العربي، وبخاصة بسبب الدور الذي لعبته الإمارات العربية في هذه العودة، لكن الأمر بالنسبة الى هؤلاء هو في أمل النجاة ليس في أمل التغيير، إذ إن العمل في الخليج ما زال حلماً لكثر من الشباب السوريين الذين يجدون في السوق الإماراتية فرصتهم الذهبية، بينما يعيش المؤيدون وهم التغيير، من خلال استثمار دول الخليج في سوريا.

وهم الحضور الخليجي في سوريا، يدعو البعض الى التفائل، يقول سمير (اسم مستعار): “يأمل كثر من السوريين، وبخاصة الشباب، بالعمل في الإمارات، وللأسف تذهب أحلام البعض إلى مكان أبعد، يصدقون أن الأوضاع الاقتصادية في سوريا قد تشبه مثيلاتها في الخليج، لكن هذا ما لن يحصل”. الحالمون من المؤيدين يريدون أن تكون كلٌّ من الإمارات والسعودية طوق النجاة، لكن وبعدما فشل الأسد في إنقاذ اقتصاد البلاد، هل ستفعل السعودية والإمارات ذلك؟ يقول عامر (اسم مستعار): “مؤتمر عربي، مؤتمر بطيخي… بدي سافر بدي سافر”.

لا مكان للسياسة في حياة السوريين اليوم، بسبب انشغالهم في الجري خلف لقمة عيشهم، ولأنهم يمشون على المثل القائل “ابعد عن الشر وغنيله”، والابتعاد من شر الأسد هو أفضل ما قد تفعله في بلد الديكتاتور.

———————————

ماذا وراء عودة النظام السوري إلى الجامعة العربية؟

بعد أكثر من عقد على تعليق عضويتها في الجامعة العربية، وافق مجلس وزراء الخارجية العرب في جلسة طارئة عُقدت في القاهرة، يوم 7 مايو/أيار 2023، على استعادة النظام السوري مقعد سوريا الشاغر في الجامعة منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2011. على الأثر، وجهت المملكة العربية السعودية دعوة، نقلها سفيرها في عمَّان، إلى رئيس النظام السوري، بشار الأسد، لحضور القمة العربية الـ32 التي عُقدت في جدة، يوم 19 مايو/أيار الجاري، بصفته ممثلا للجمهورية العربية السورية، لتنفك بذلك عزلة نظام الأسد العربية دون تغيير في الظروف والأسباب التي أدت إلى تعليق عضوية سوريا في الجامعة في المقام الأول، ودون التزامات واضحة بشأن عودة اللاجئين، والكشف عن مصير المعتقلين، وتحريك العملية السياسية المعطلة لحل الأزمة، وهي الشروط التي طالما تمسكت بها الجامعة العربية، إلى جانب القوى الغربية، للتطبيع مع النظام السوري.

رحلة العودة إلى الجامعة

رغم الدعم الذي قدمته دول الخليج العربية، خصوصا، لفصائل المعارضة السورية في محاولاتها الإطاحة بالنظام السوري نتيجة العنف الشديد الذي استخدمه في قمع الاحتجاجات السلمية، ورفضه التجاوب مع أي مبادرة سياسية لحل الأزمة، فإن هذا الهدف (إسقاط النظام) أخذ يبدو غير واقعي بشكل متزايد مع اتضاح عدم جدية الموقف الأميركي في الإطاحة بالأسد، خاصة بعد خرقه الخط الأحمر الذي رسمه الرئيس باراك أوباما بشأن استخدام السلاح الكيماوي في أغسطس/آب 2013، ثم التدخل العسكري الروسي في سبتمبر/أيلول 2015، الذي أنهى تقريبا كل احتمالية لإسقاط النظام في دمشق.

وبين الانكفاء الأميركي والتدخل العسكري الروسي بدأت المقاربة العربية والإقليمية، بشأن الصراع في سوريا، تتغير لتصبح أكثر انسجاما مع الرؤية الأميركية التي باتت تنصب على هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية بعد سيطرته على أجزاء واسعة من سوريا والعراق عام 2014. ومع بلوغ الحرب على تنظيم الدولة نهاياتها عام 2018، وتمكُّن النظام السوري، بدعم روسي/إيراني، من استعادة مناطق واسعة حول دمشق، وفي جنوب ووسط البلاد، من فصائل المعارضة، كانت ديناميات الصراع السوري قد تغيرت كليا، وأخذت دول عربية، بناء عليه، تفكر باستعادة العلاقات مع النظام، مع تأكد استمراره في الحكم.

بدأ الأمر بالأردن الذي قرر إعادة فتح معبر جابر-نصيب الحدودي لاستئناف حركة التجارة التي توقفت منذ عام 2012. جاءت هذه الخطوة بعد أن أوقفت الولايات المتحدة عمل غرفة العمليات العسكرية الموك (Military Operations Center, MOC) التي أنشئت عام 2012 في الأردن لدعم فصائل المعارضة السورية، وتم على إثرها التوصل إلى “اتفاق درعا” بمشاركة أميركية-روسية-أردنية لوقف إطلاق النار، الذي تضمن تسليم قوات المعارضة أسلحتها الثقيلة والمتوسطة، وإجلاء المقاتلين والمدنيين الرافضين للتسوية إلى شمال غرب البلاد.

وفي ديسمبر/كانون الأول من العام نفسه، قامت الإمارات والبحرين بإعادة فتح سفارتيهما في دمشق، ثم قامت سلطنة عمان بتعيين سفير لها في دمشق في أكتوبر/تشرين الأول 2020. وفي يوليو/تموز 2021، طرح الملك عبد الله الثاني، ملك الأردن، خلال القمة التي جمعته بالرئيس الأميركي، جو بايدن، في واشنطن “خريطة طريق” للحل في سوريا “تضمن استعادة سيادتها ووحدتها”. اشتملت الخريطة على تخفيف العقوبات الأميركية على سوريا وإعادتها إلى الجامعة العربية، في مقابل تعاون روسيا في إضعاف النفوذ الإيراني في سوريا الذي كان السبب الرئيس الذي دفع عددا من الدول العربية إلى دعم الثورة السورية في المقام الأول.

ومع نهاية العام 2021، تكثفت التحركات العربية للتطبيع مع دمشق ومحاولة إعادتها إلى الجامعة العربية؛ حيث قام عبد الله بن زايد، وزير خارجية الإمارات، بأول زيارة لوزير خارجية عربي إلى دمشق في نوفمبر/تشرين الثاني 2021. وفي مارس/آذار 2022، قام بشار الأسد بأول زيارة عربية له منذ عام 2011 إلى أبو ظبي، فيما كثفت الجزائر جهودها لإعادة سوريا إلى الجامعة العربية خلال القمة العربية العادية الـ31 التي تم تأخير عقدها في الجزائر من مارس/آذار إلى نوفمبر/تشرين الثاني 2022 في محاولة لتحقيق إجماع عربي بشأن استعادة سوريا مقعدها في الجامعة، لكن هذه الجهود لم تفلح بسبب معارضة السعودية ومصر وقطر خصوصا، نتيجة فشل الأسد في تقديم أي التزامات لحل الأزمة.

تغير الموقف السعودي

مع أن الموقف السعودي تجاه الأزمة السورية أخذ يتغير تدريجيا منذ ما قبل التدخل العسكري الروسي في سبتمبر/أيلول 2015، فإن السعودية بدأت تعطي إشارات واضحة حول استعدادها للانفتاح على نظام الأسد فقط في مطلع 2023، وتولى وزير الخارجية، فيصل بن فرحان، الترويج للموقف الجديد. وأثناء مشاركته في مؤتمر ميونخ للأمن، في 18 فبراير/شباط 2023، قال الوزير السعودي: “إن إجماعا يتزايد ليس فقط بين دول مجلس التعاون الخليجي، بل في العالم العربي بأن الوضع الراهن غير قابل للاستمرار”، وإن هناك نهجا آخر “بدأ يتشكل”، وإن هذا ينبغي أن يمر “عبر حوار مع حكومة دمشق في وقت ما”.

تمحور النهج الجديد الذي أشار إليه ابن فرحان حول أن غياب الدور العربي عن الأزمة السورية قد أضر بالمصالح العربية، وترك مصير سوريا لتقرره دول غير عربية، خاصة في إطار مسار أستانا الذي نشأ بتفاهم روسي/تركي مطلع 2017، قبل أن تنضم إليه إيران. وقد سمح الزلزال الذي ضرب سوريا وتركيا، مطلع فبراير/شباط 2023، بتسهيل إعادة التواصل العربي مع سوريا؛ حيث قام وزراء خارجية الإمارات والأردن ومصر بزيارة دمشق للإعراب عن تضامنهم، فيما تدفقت المساعدات من دول عربية عديدة على سوريا لمساعدة منكوبي الزلزال.

وبعد توصل السعودية وإيران إلى اتفاق لاستئناف العلاقات بينهما بوساطة صينية في العاشر من مارس/آذار 2023، بدا واضحا أن الرياض تستعد لاتخاذ خطوة مماثلة تجاه النظام السوري. وعليه، دعت الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي، بناء على طلب سعودي، إلى اجتماع تشاوري في جدة، في 14 أبريل/نيسان 2023، لمناقشة الأزمة السورية. حضر الاجتماع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي الست إضافة إلى مصر والعراق والأردن. وكانت السعودية دعت قبل ذلك وزير خارجية النظام السوري إلى جدة في محاولة لانتزاع تنازلات منه تساعد في إقناع الدول العربية التي ستجتمع في جدة بعد يومين للقبول بعودة سوريا إلى الجامعة العربية.

وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان (يسار) في زيارة إلى دمشق كانت الأولى لوزير سعودي منذ عام 2011. (رويترز)

صدر عن الاجتماع السعودي-السوري بيان أعلن فيه الطرفان استئناف الخدمات القنصلية والرحلات الجوية بين البلدين، والاتفاق على “تهيئة الظروف اللازمة لعودة اللاجئين والنازحين السوريين إلى مناطقهم، وتعزيز الأمن ومكافحة الإرهاب بكافة أشكاله وتنظيماته، والتعاون بشأن مكافحة تهريب المخدرات والاتجار بها، ودعم مؤسسات الدولة السورية، لبسط سيطرتها على أراضيها لإنهاء وجود الميليشيات المسلحة فيها، والتدخلات الخارجية في الشأن الداخلي السوري”. لكن الاجتماع أخفق في التوصل إلى اتفاق بشأن استعادة سوريا مقعدها في الجامعة العربية ما دعا إلى عقد اجتماع تشاوري آخر في عمَّان، حضره الأردن مصر والعراق والسعودية ووزير خارجية النظام السوري، وبين الاجتماعين، قام وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، بزيارة إلى دمشق كانت الأولى لوزير سعودي منذ عام 2011.

صدر في ختام اجتماع عمَّان بيان وافقت سوريا بموجبه على التعاون في مكافحة تهريب المخدرات وإنتاجها، وعلى تسهيل العودة الطوعية والآمنة للاجئين السوريين. وفي السابع من مايو/أيار 2023، عقد وزراء الخارجية العرب اجتماعا طارئا في القاهرة توافق فيه الوزراء دون تصويت على استعادة سوريا مقعدها في الجامعة العربية، وقامت بعد ذلك السعودية بتوجيه دعوة رسمية إلى رئيس النظام السوري، بشار الأسد، لحضور قمة جدة، لينهي بذلك نحو 12 سنة من غياب سوريا عن الجامعة العربية.

تطبيع مشروط؟

تفاوتت مصالح الدول العربية ومواقفها من مسألة تطبيع وضع النظام السوري بين رافض بدون حصول تغيير في الظروف التي أدت إلى عزله (قطر)، ومتحفظ (الكويت ومصر)، ومتحمس (السعودية والإمارات وإلى حدٍّ ما الأردن). انطلقت سياسة التطبيع من مقاربة نصَّت عليها المبادرة الأردنية التي سميت بمبادرة “خطوة مقابل خطوة”، فكل خطوة يخطوها النظام باتجاه الحل سوف تترتب عليها خطوة من الجانب العربي لفك العزلة عن سوريا وإقناع القوى الغربية، خاصة الولايات المتحدة، بتخفيف العقوبات لإطلاق عملية إعادة الإعمار، أقله في إطار مشاريع التعافي المبكر التي نص عليها قرار مجلس الأمن رقم 2642 لعام 2022.

تقوم المقاربة على أنه في ظل الوضع الاقتصادي المنهار للنظام وعجز حلفائه عن تقديم يد العون (إيران بسبب الحصار والعقوبات الناتجة عن أزمة برنامجها النووي، وروسيا بسبب أوضاعها الاقتصادية المتأزمة بعد حرب أوكرانيا والعقوبات الناشئة عنها) فإن النظام بات مضطرا إلى طلب يد العون من دول الخليج العربية التي باتت تملك الآن فرصة لاستعادة دورها في حل الأزمة، ودفع النظام للإذعان لشروطها.

تتفاوت هذه الشروط بتفاوت مصالح الدول العربية، ففيما يركز الأردن أكثر على قضية إعادة اللاجئين، نظرا لوجود نحو 650 ألف لاجئ سوري على أراضيه، تتشارك السعودية ودول خليجية أخرى مع الأردن المخاوف من ازدياد عمليات تهريب المخدرات بعد أن باتت سوريا مصدرا رئيسا لإنتاجها. وتتهم جهات مختلفة النظام باللجوء إلى إنتاج وتهريب المخدرات وذلك لتأمين مورد مالي يساعده على البقاء في ظل العقوبات المفروضة عليه، لاستخدامها من جهة ثانية أداة ضغط على الدول العربية والمجتمع الدولي للتفاوض معه وتخفيف العقوبات، وهو ما يمكن استنتاجه من التزام النظام السوري بالتعاون على مكافحة إنتاج المخدرات وتهريبها متزامنا بعودته للجامعة العربية، والتزامه بإعادة اللاجئين أمام دول خليجية يتطلع إلى مساهماتها المالية في إعادة الإعمار.

وفيما تبدو الإمارات مهتمة أكثر بطي صفحة الربيع العربي، يحظى موضوع الدفع بالحل السياسي للأزمة السورية بالاهتمام الأكبر من جانب قطر، التي جعلت منه شرطا للتطبيع مع النظام. ويبدو أن السعودية ماضية من جهتها في محاولة “تصفير المشاكل مع دول الإقليم، بما في ذلك مع سوريا، في إطار تركيزها على المشاريع التنموية التي تقع في إطار رؤية 2030 التي يقودها ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان”. وكان اتفاق استعادة العلاقات الدبلوماسية المقطوعة مع إيران منذ مطلع عام 2016 الخطوة الأبرز بهذا الاتجاه.

العقدة الأميركية

شكَّل التوجه العربي للتطبيع مع النظام السوري، أحد تجليات الانكفاء الأميركي عن المنطقة، وأزمة الثقة في العلاقات السعودية-الأميركية التي بدأت مع إدارة أوباما واستمرت مع ترامب وبلغت ذروتها مع بايدن. شكَّل تراجع باراك أوباما عن إنفاذ وعده بمعاقبة النظام السوري على استخدامه أسلحة كيماوية ضد المدنيين في غوطة دمشق، في أغسطس/آب 2013، صدمة في الرياض وغيرها من عواصم الخليج.

كانت العلاقات بين الرياض وواشنطن في حالة تراجع أصلا بسبب ما رأت فيه الرياض تخليا أميركيا عن الحلفاء بعد أن دعا الرئيس أوباما الرئيس مبارك للتنحي استجابة لمطالب ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011. وازدادت أزمة الثقة على نحو أكبر بعد الكشف عن مفاوضات سرية أميركية-إيرانية بدأت في سلطنة عُمان في 2013، وانتهت بتوقيع الاتفاق النووي مع إيران في 2015. ورغم أن العلاقات تحسنت في عهد ترامب، الذي انسحبت إدارته من الاتفاق النووي وأعادت فرض العقوبات على إيران، فإن سياسة ترامب لم تغير الميل الأميركي نحو تقليل انخراطها في المنطقة، بل عمَّقته في واقع الأمر.

وقد اتضح ذلك على نحو خاص في رد فعل ترامب على الهجمات التي تعرضت لها منشآت نفط أرامكو في بقيق وخريص، شرق المملكة، في سبتمبر/أيلول 2019، واتهمت واشنطن والرياض إيران بالوقوف وراءها. ورغم أن ترامب أبدى استعداده للرد على الهجوم أول الأمر، فإنه أكد أن مسؤولية الرد عليه تقع على عاتق السعودية؛ “هذا هجوم على السعودية وليس على الولايات المتحدة”، كما قال ترامب في ردٍّ على سؤال صحفي. وقد أثارت تصريحاته هذه صدمة في الرياض التي أخذت تعيد النظر في سياستها نحو إيران، فوافقت على بدء حوار معها بوساطة عراقية في بغداد. وتعمقت الاستدارة السعودية تجاه إيران بعد وصول إدارة الرئيس بايدن إلى البيت الأبيض. وكان بايدن قد أطلق خلال حملته الانتخابية تصريحات معادية للسعودية، وأبدى رغبته في إعادة إحياء الاتفاق النووي مع إيران. وبمجرد استلام إدارته السلطة، أخرجت الحوثيين من قائمة المنظمات الإرهابية، كما أوقفت تصدير الأسلحة الهجومية إلى السعودية.

دفع الانسحاب الأميركي السعودية نحو تبني سياسة أكثر واقعية في علاقاتها الإقليمية، قامت بموجبها بإطلاق مبادرة لحل الأزمة في اليمن، قبل أن تقبل بفتح حوار مع إيران في بغداد، توج باتفاق بكين في 10 مارس/آذار 2023. وقد ساعد هذا الاتفاق بدوره في الانفتاح على النظام السوري؛ حيث تسارعت بعدها خطوات التطبيع معه، وصولا إلى إعادة عضويته في الجامعة العربية وحضوره قمة جدة. ورغم أن إدارة بايدن كانت شجعت السعودية على الانفتاح على إيران ووقف الحرب في اليمن، فإن واشنطن لم تُبدِ ارتياحا للدور الصيني في إبرام الاتفاق السعودي-الإيراني، كما أبدت تحفظا على الانفتاح السعودي على النظام السوري، الذي تم بناء على جهود وساطة قادتها روسيا التي شهدت علاقتها بالرياض تطورا كبيرا في السنوات الأخيرة، بما في ذلك في مجال إنتاج النفط وضبط أسعاره.

وقد برزت المعارضة الأميركية لخطوات التطبيع العربي مع النظام السوري خصوصا على مستوى الكونغرس الذي مرَّر حزمة من القوانين باتت تُمثِّل عقبة فعلية أمام أي نتائج ملموسة يمكن أن يسفر عنها التطبيع العربي مع النظام السوري، وأبرزها قانون قيصر لعام 2019، وقانون مكافحة الكبتاغون لعام 2022. كما مرر الكونغرس في 11 مايو/أيار الجاري قانونا لمحاربة التطبيع مع النظام السوري، طالب فيه الإدارة الأميركية بعدم الاعتراف بأي حكومة سورية يرأسها الأسد أو تطبيع العلاقات معها، وفرض عقوبات على مَن يفعل ذلك. وبرز فوق ذلك توافق دولي، قادته واشنطن، خلال قمة مجموعة الاقتصادات السبع الكبرى في هيروشيما في اليابان، في 20 مايو/أيار 2023، على ربط التطبيع مع النظام السوري وإعادة الإعمار بحصول تقدم حقيقي في العملية السياسية، والتزمت المجموعة كذلك بمحاسبة المسؤولين عن الهجمات بأسلحة كيماوية في سوريا ومحاكمتهم.

لكن في ضوء غياب أي رغبة لدى إدارة بايدن لتعريض علاقاتها مع السعودية للخطر بسبب التطبيع مع نظام الأسد، خاصة مع تنامي التنافس الأميركي-الصيني في منطقة الخليج وتوجه دول خليجية عديدة إلى تطوير علاقاتها مع الصين في مختلف المجالات بما في ذلك العسكرية والأمنية، قد تحاول إدارة بايدن ربما “ضبط” التطبيع العربي مع نظام الأسد بدلا من منعه، بحيث يكون التطبيع بثمن بدلا من أن يكون مجانيا، ويسفر عن تقدم في معالجة القضايا الإنسانية خصوصا (المعتقلين واللاجئين والمعابر والمساعدات الإغاثية) وكذلك على مستوى إيجاد حل للمسألة السورية.

التداعيات الإقليمية للعودة

منذ استقلالها عن فرنسا عام 1946، لعبت سوريا دورا مركزيا في موازين القوى الإقليمية، وكان موقفها مرجِّحا بين القوى العربية الرئيسة التي نافست على زعامة العالم العربي في الخمسينيات والستينيات (مصر والعراق والسعودية). وقد برز دور سوريا خصوصا في السياسة العربية مع خروج مصر من معادلة الصراع العربي-الإسرائيلي بتوقيعها اتفاقية كامب ديفيد في 1978، ثم اتفاقات السلام مع إسرائيل في 1979، وتعليق عضويتها نتيجة لذلك في الجامعة العربية. كما استفادت سوريا من انشغال العراق في حربه مع إيران (1980-1988) لتعزيز موقعها في النظام الإقليمي العربي. وسمح انضمام سوريا لمصر والسعودية بعد حرب تحرير الكويت (1991) بلعب دور مركزي في السياسة العربية استمر حتى هجمات سبتمبر/أيلول 2001 في الولايات المتحدة.

لكن دور سوريا الإقليمي بدأ يضعف بوضوح بعد الغزو الأميركي للعراق في 2003، وخصوصا بعد انسحاب قواتها من لبنان في 2005، بضغط أميركي/سعودي على خلفية اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري. مع ذلك، تمكنت سوريا -نتيجة العلاقات الوثيقة التي أقامتها مع تركيا في العقد الأول من حكم العدالة والتنمية (2002-2011) إضافة إلى تحالفها الطويل مع إيران- من الاستمرار في لعب دور مهم في موازين القوى الإقليمية حتى اندلاع الثورة عام 2011، وتحول سوريا إلى ساحة صراع إقليمي ودولي.

من غير الواضح كيف ستؤثر عودة سوريا إلى الجامعة العربية في موازين القوى الإقليمية، وفي الاصطفافات الجديدة التي تشهدها المنطقة، في ضوء الضعف الشديد الذي يعتري موقفها بعد 12 سنة من الحرب، وفي ظل وجود خمسة جيوش أجنبية على أراضيها، وفقدان النظام السيطرة على مناطق واسعة من شمال وشمال شرقي البلاد؛ حيث تتركز أكثر ثروات سوريا المائية والطبيعية (النفط والغاز)، فضلا عن انهيار قدراتها العسكرية، وحدوث دمار واسع في بنيتها التحتية، تقدر تكلفة إعادة بنائه وفق أكثر التقديرات تحفظا بـ400 مليار دولار، والأهم من كل ذلك هو فقدان سوريا أكثر من نصف مواردها البشرية، مع اقتلاع نحو 12 مليون سوري من بيوتهم، موزعين بين لاجئ ونازح، فيما يعيش 90% ممن يقيمون في مناطق سيطرة النظام تحت خط الفقر الأدنى.

زيارة الرئيس إبراهيم رئيسي الأخيرة لدمشق التي تأجلت عدة مرات بسبب خلافات حول الاتفاقيات الاقتصادية. (Anadolu)

رغم كل ذلك، تحاول إيران استباق نتائج التطبيع العربي مع دمشق، التي تبدو اليوم بحاجة إلى الاستثمارات العربية وشركات البناء التركية أكثر من حاجتها إلى “الميليشيات” الإيرانية. هذه المخاوف تفسر زيارة الرئيس إبراهيم رئيسي الأخيرة لدمشق التي تأجلت عدة مرات بسبب خلافات حول الاتفاقيات الاقتصادية التي تنشدها إيران لضمان سداد ديونها لسوريا التي تتراوح التقديرات بشأنها بين 30-60 مليار دولار، بما في ذلك المطالبة باستملاك أراضٍ في سوريا مقابل هذه الديون.

ورغم الشكوك المحيطة بقدرة نظام الأسد على الحد من النفوذ الإيراني في سوريا، وهو أحد أهداف التقارب العربي مع دمشق، فإن الدول العربية المتحمسة لمسار التطبيع تجادل بأن عودة الدور العربي إلى سوريا، أقله من بوابة العمل الإنساني ومشاريع التعافي المبكر، سوف يعزز موقف الأسد التفاوضي تجاه الضغوط الإيرانية التي تتعاظم على دمشق لتسديد ديونها. وقد اعتبر بعض المراقبين أن إزالة الأعلام الإيرانية من مواقع تشغلها ميليشيات مؤيدة لطهران في مناطق في دير الزور والبوكمال، شرقي البلاد، ورفع أعلام سوريا مكانها يُعَدُّ مؤشرا على إمكانية حصول ذلك. وفي كل الأحوال، لا يمكن التقليل من أهمية التنافس على مسار إعادة الإعمار، الذي تتطلع دول الخليج العربية إلى لعب دور رئيس فيه، في حسابات التطبيع العربية مع سوريا؛ ذلك أن عملية إعادة الإعمار بمقدار ما تتطلب استثمارات طائلة، فإنها توفر من جهة أخرى فرصا كبيرة في مجالات البنية التحتية والخدمات، والسياحة، والزراعة، وغيرها.

عود على المحك

من الواضح أن فك عزلة سوريا العربية جاء ليعبِّر عن حاجة عربية وإقليمية إلى تسوية الخلافات البينية والانتقال من مرحلة الاستنزاف المتبادل، خصوصا بعد التقارب السعودي-الإيراني، والتقارب التركي-المصري، والتركي-الخليجي، وفي ظل تنامي التنافس الصيني-الأميركي في المنطقة، وأن هذه الحاجة هي التي ستحدد حتما طبيعة الدور الذي ستقوم به سوريا في الإقليم وموقعها في اصطفافاته الجديدة. لكن المُضي في هذا المسار لن يكون سهلا؛ إذ سيتعين على الدول العربية مقاومة الضغوط الغربية، الأميركية خصوصا، الرافضة لمسار التطبيع، وإقناعها بجدوى المقاربة الجديدة، بما يسمح بتجاوز العقوبات أو تخفيفها لإطلاق عملية إعادة الإعمار.

سوف يتعين على الدول العربية أيضا إقناع النظام السوري بتقديم تنازلات لتساعدها في هذا المسعى مع وجود شكوك عميقة حول قدرة هذا النظام أو رغبته في تنفيذ أي تعهدات يقطعها في مقابل مساعدته اقتصاديا وفي إعادة الإعمار. في كل الأحوال، سوف تتضح خلال الأشهر القليلة القادمة جدوى المقاربة العربية الجديدة القائمة على استخدام نظام الحوافز بدل العقوبات لإقناع النظام السوري بتغيير سياساته، وسيكون الاختبار الأول أمامها متصلا بمكافحة المخدرات وتوفير بيئة آمنة لإعادة اللاجئين.

________________________________

هذا التقرير مأخوذ عن مركز الجزيرة للدراسات.

المصدر : مركز الجزيرة للدراسات

—————————-

التطبيع مع الأسد بدلاً من محاسبته/ أحمد عيشة

بالنظر لما جرى يوم الجمعة 19 أيار في جدة من ترحيب بالطاغية بشار الأسد، بمسعى إعادته إلى “حظيرة” الأنظمة العربية بعد اثني عشر عاماً من تعليق عضويته، وترك المقعد شاغراً بدلالة لا تخلو من الخبث، وتنكرها لما دعت إليه هذه “الجامعة” في بداية الثورة وخلال مسيرة مواجهتها الدموية من النظام، بما فيها استخدام الأسلحة الكيمياوية، تبدو اليوم مطالبتها وإدانتها للنظام الأسدي، عندما طالبت بالمساءلة عن هجمات نظامه بالأسلحة الكيماوية، كما وصفت نظامه بأنه مجرم بحق “شعبه”، لا معنى لها بعد أن رحب القادة العرب بالأسد بحرارة وبعودته إلى جامعة الدول العربية، واستمتاعهم بمحاضرته “القيّمة” عن الفروق بين القلب والأحضان.

يتساءل السوريون هل تغيرت الأسباب التي دفعتهم إلى الثورة، وبالتالي لمقاطعة الجامعة العربية لنظام الأسد، أم أنها تعمقت وزادت حدتها، فنظام الأسد هو من قتل مئات الآلاف منهم من خلال أساليب وحشية شملت التعذيب الممنهج للمعتقلين والمختطفين بقصد القتل حيث لا يزال منهم حتى اليوم نحو (150) ألف معتقل، ومارس الحصار والتجويع والقصف المتعمد للمدنيين واستخدام الأسلحة الكيماوية، ولا يزال حتى اليوم مستمر في سلوكه. والأمر الثاني هو فرار نحو نصف سكان البلاد وتوزعهم بين الخيام ودول الجوار، والإعادة تعني بالنسبة لهم تعريضهم للاعتقال وبالتالي الموت بشكل أو بآخر، وهناك كثير من الحالات الموثقة للعائدين الذين تعرضوا لانتهاكات مروعة تشمل الاغتصاب والتعذيب والاعتقال والتجنيد القسري والاختفاء على أيدي النظام، ناهيك عن أن ضياع أملاكهم وسرقتها “قانونياً” من قبل ميليشيات الأسد وإيران.

وإذا أضفنا ما أحدثته المشاركة الإيرانية الواسعة من خلال ميليشياتها والتدخل الروسي إلى ما سبق، وما جرى من نهب لثروات سوريا وحتى شراء أراضيها، وتحويل الأسد البلاد إلى مكان لإنتاج المخدرات التي تدر عليه وعلى أركانه وميليشياته مليارات الدولارات، ناهيك عن ممارسة الفساد والإفساد، مما جعل السوريين يعيشون بأسوأ حال، بل وصلوا إلى حد المجاعة (90 في المئة بحالة الفقر المدقع)، وليس خط الفقر المتعارف عليه دولياً (2 دولار للفرد يومياً) يظهر لنا أن نظام الأسد غير قادر كما أنه غير مستعد لتعزيز الاستقرار في سوريا.

وأخيراً، ورغم الحال الفاجعي الذي وصل إليه السوريون وثورتهم، بعد التدخلات الكبيرة في البلاد وإبعادهم عن المشاركة بصنع مصيرهم، فمن حقهم أن يرفضوا أن يقرر مصيرهم النظام نفسه، وهم من قدّم كثيرا من الضحايا للخلاص منه، وتجلى ذلك الرفض في الاحتجاجات التي عمّت الشمال السوري مؤخراً التي رفضت التطبيع مع نظام الأسد، إضافة لمشاعر الرفض والغضب والإحباط من الجامعة تلك، متسائلين عن أي إمكانية لمحاسبة هذا الطاغية، وهل سيواجه المساءلة والعدالة بعد كل ما ارتكبه بحقهم من جرائم، أم أنه سيعود كما يدعي “منتصراً” على شعبه، يتفاخر بعودة العرب إلى “القلب”، بدلاً من عودته إلى “الحضن”، دافعاً السوريين إلى حالة جديدة من الانفجار. والأمر ببساطة أن كل ما دفع السوريين إلى الثورة لا يزال قائماً، بل زادت حدته، ناهيك عن تسليم البلاد لروسيا وإيران ونهبها بالكامل. 

على الرغم من أن تحركات الدول العربية لتطبيع علاقاتها مع نظام الأسد تجعل من الصعب مساءلة النظام عن الجرائم التي ارتكبها كونها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، لكن لا تزال هناك دواع للأمل في المساءلة، تعتمد على رفض جزء كبير من السوريين للعودة إلى العيش تحت حكم الأسد، والتحركات الأوروبية في هذا المجال، إضافة للقوانين التي أصدرتها الإدارة الأميركية سابقا، والتي تعمل على إصدارها حالياً، وجميعها تعوق عملية التطبيع، وتعرّض من يتعامل مع الأسد لخطر العقوبات.

على الجانب المهم، وهو رفض جزء كبير من السوريين للعيش تحت حكم الأسد، فهم لا يوفرون مناسبة إلا ويعبرون عن ذلك، سواء الذين يعيشون في الشمال، رغم ظروفهم القاسية، لكنهم لا يتخيلون ذلك، إضافة لمن يعيشون في الدول المجاورة، فعودتهم تعادل اعتقالهم، وبالتالي قتلهم، كما جرت مع كثير من الذين عادوا. وثاني تلك الوسائل هي إطار الولاية القضائية العالمية، التي تمكن المحاكم المحلية من محاكمة الجرائم الفظيعة المرتكبة خارج حدودها كونها جرائم تهدد المجتمع الدولي ككل. ويمكن للدول التي تطبق هذا النظام أن توجه الاتهامات ضد نظام الأسد، وأكثر من ذلك أن تقوم بتوقيف من يسافر من أركانه في ظل موجة التطبيع هذه، وحتى محاكمتهم غيابياً، مثلما جرى من رفع دعاوى في فرنسا ضد علي مملوك وجميل حسن وعبد السلام محمود بسبب ارتكابهم جرائم بحق السوريين عموماً والمعتقلين خصوصاً.

وثالث تلك الوسائل، هي القوانين التي أصدرتها الإدارات الأميركية بدءًا من قانون قيصر وصولاً إلى مشروع قانون مكافحة التطبيع الحالي المنوي إصداره، حيث تمثل هذه القوانين وسائل ردع وعقاب لمن يتعامل مع نظام الأسد، إضافة لمن يسعى للتطبيع معه. ومع أن الإدارة الأميركية لم تتعامل حتى اليوم بحزم مع مسألة التطبيع، لكنها تمتلك الأدوات والوسائل وخاصة مع تلك القوانين لممارسة ضغوط على الدول التي تسعى للتطبيع، ومشروع قانون مكافحة المخدرات التي تعد تهديداً للأمن الأميركي، إضافة لما يشكله من مشكلات مقلقة للدول المجاورة، وخاصة العربية، التي دفع بعضها إلى عرض تقديم رشاوى للنظام لمنعها بدلاً من الضغط عليه وتهديده.

إن مصافحة الأسد بدلاً من محاسبته يمثل خيانة كبيرة للسوريين الذين لا يزالون يعانون من إجرام نظامه، ويرسل إشارة إلى كل المستبدين في العالم بأنهم يمكنهم قتل كثيرين وارتكاب مختلف أنواع الجرائم بحق شعوبهم من دون أن يتعرضوا للمساءلة، وهو ما يشكل استهتاراً واضحاً بالقانون الدولي، ويدفع الشعوب حتى إلى الشك بالقيم الديمقراطية التي تقوم عليها كثير من أنظمة العالم. إن تصور بعض الدول العربية أنها يمكن أن تحقق جزءاً من أجندتها ومصالحها السياسية في ظل استمرار الأسد وتوغل إيران على حساب حقوق السوريين في الحياة يشكل ضربة كبرى لحلمهم ووهماً طفولياً، كما أنهم يعطون الأسد الضوء الأخضر لمواصلة ارتكاب الجرائم من دون عقاب.

يشير التطبيع مع الأسد إلى فشل الدول في مساءلته ومحاكمته وتقديم نظامه إلى العدالة، مع أن جرائمه واضحة، وإمكانية المساءلة متاحة. لقد طال انتظار العدالة على الفظائع التي عانى منها ملايين السوريين، الذين يأملون بأن تساعد الجهود المتضافرة التي تبذلها بعض الدول الغربية للسعي لتحقيق العدالة في مواجهة الاتجاه السائد في التطبيع. وهكذا، اعتبارا من الآن، فإن الاختبار الحقيقي للتطبيع مع الأسد هو مدى ابتعاده عن إيران أولاً، وهو ما يناقض الوقائع وطموحات إيران الإقليمية في البلاد، المتمثلة في إضعاف البلاد وتفتيتها.

تلفزيون سوريا

———————————

قمة التناقضات الحادة والمواربة المبطنة/ جمال الشوفي

لم تشكل القمم العربية بتاريخها الطويل موقعًا سياسيًا فاعلًا ينتج عنه مواقف تصب في اتجاه المصلحة العربية على مستوى شعوبها وتطور بناها السياسية والاقتصادية، بقدر تكريس دور زعماء دولها السلطوي في حكم شعوبهم. فيما هي في دورتها الحالية تحاول تغليف مخاوفها والحدة المتسمة بها الاستقطابات والتناقضات الدولية والإقليمية العربية بالفاعلية مع محاولة اتخاذ دور لها في تجنب شتى التناقضات التي تعصف بالمنطقة. مترافق هذا مع مبادرات تشي بتلطيف الأجواء السياسية وتخفيف حدة توجهاتها، لتبدو كأنها تنظر بعين حذرة تجاه أحداث المنطقة والمتغيرات العالمية. فهل تخطو السياسة العربية رويدًا باتجاه التمركز على ذاتها بعيدًا عن الاستقطاب العالمي الحادث بحكم الفورة الروسية الغازية أوكرانيا مهددة أمن أوروبا والسلم العالمي؟ وهل يمكنها الخروج من دائرة الأثر الأميركي المقابل أو الضغوط الروسية القاسية؟

انتهت أعمال القمة العربية منذ أيام، ولم تزل ملفاتها محط تكهن متباين الرؤى، سواء بقدرتها على اتخاذ موقف حيادي من الملفات الدولية، أو إمكانيتها على تنفيذ خطواتها السياسية في حلحلة ملفات المنطقة بشكل سلسل. التحليلات تكتنفها من جهات متعددة ولا تستقر على خط فاصل واضح، فقد حوت القمة بين طياتها العديد من التناقضات الحادة سواء في طبيعة الحضور، أو نوعية المشكلات التي طرحت على جدول أعمالها، أو الطريقة التي أديرت بها.

مؤشرات القمة العربية تبدي في ظاهرها محاولات استيعاب لجملة من التناقضات الدولية الحادة، كان أبرزها حضور الرئيس الأوكراني زيلنيسكي وإلقائه خطابًا منتقدًا بعض الدول العربية لعدم مساندتها لمساعي أوكرانيا في خطتها من أجل السلام في حربها مع موسكو، بمقابل هذا كانت رسالة الرئيس الروسي، بوتين، الموجهة عن بعد، تحمل دلالات مختلفة مؤكدًا على أهمية القمة ودورها الإيجابي في ملفات المنطقة وتجاهل حضور زيلنيسكي.

مفاجأة حضور زيلينسكي للقمة كادت تطغى على حضور رئيس السلطة السورية القمة بعد انقطاع عنها للعام الثاني عشر، منذ أعلن تجميد عضوية سوريا في الجامعة العربية عام 2011، بمقابل عدم قدرة المعارضة السورية على ملء فراغ المقعد السوري. فالتباين الحاد بين حضور حليف موسكو المباشر والمدعوم منها بالبقاء على رأس السلطة السورية، مقابل حضور المستهدف المباشر منها لاحتلال دولته، يحمل دلالات ومؤشرات عربية توحي بتلطيف أجواء السياسة العالمية ومواربة استقطاباتها والخروج من معادلتها. حيث إنه من المعروف جيدًا موقع أوكرانيا التي تحاول روسيا احتلالها وفرض شروطها على العالم من خلالها على خارطة القوى العالمية، بحيث تصبح روسيا دولة قادرة على تشكيل قطب عالمي منفرد بموازاة القطب الأميركي، فيما سوريا دولة حليفة ومساندة لروسيا في الموقع المعاكس تمامًا لأوكرانيا.

موقع الجامعة العربية اليوم كان من الممكن قراءته على أنه يوحي بخروج العرب وقمتهم من دائرة التأثير الأميركي المباشر فيما لو اقتصر الحضور على إتمام المبادرة العربية المعنونة بعودة استيعاب سوريا في حاضنتها وطرح حلول لمشكلات اليمن والسودان وسوريا، بينما أتت دعوة زيلنسكي لتقول خلاف هذا! وإن لم يكن خلافه كلية بقدر إشارتها الواضحة لطرفي الصراع العالمي المحتدم في أوروبا بين روسيا وأوكرانيا ومن خلفها الناتو، وأن موقف الجامعة العربية اليوم متوازن تجاه كل الأطراف الدولية وخارجة عن دوائر الاستقطاب العالمي الحاد وعدم الانجرار لمستنقعاته العسكرية.

قمة العرب مفخخة بالتناقضات، مليئة بالمفاجآت، ومع هذا حافظت على برتوكولات السياسة الدولية في نوعية الخطب التي ألقاها زعماؤها ومدتها وطريقتها. قمة مختلفة عن تلك التي دعت ووافقت على غزو العراق من قبل التحالف الدولي وبمقدمته أميركيا. قمة تحاول الخروج من الدعوات للعسكرة والحرب، تحاول إنهاء ملف اليمن العسكري بعد طول حرب، وإنهاء الملف المستجد السوداني العسكري اليوم، وتحاول إظهار جديتها بأنها مع السلم العالمي ومبادرة أوكرانيا لإحلال السلم وإنهاء الحرب الدائرة على أرضها. كما تحاول إتمام خطواتها في إيجاد خارطة طريق للحل السوري. وتبدو هذه الأخيرة هي النقطة الأبرز والأكثر تعقيدًا في الدائرة العربية. فالمصلحة العربية اليوم تطرح شعارًا ضمنيًا مفاده تلافي أية خطوات تصعيدية عسكرية قد تحدث في المنطقة تهدد أمن الخليج العربي، خاصة إذا ما كانت إيران هي المستهدفة منه، وتلافي المزيد من الانهيارات الاقتصادية المتتالية التي طالت العالم برمته من جراء الحرب الروسية على أوكرانيا وانعكاسها على الأمن الغذائي العالمي والعربي بالضرورة. فيما تدرك السلطة السورية ومن خلفها إيران وروسيا هذه المخاوف العربية وتحاول الاستفادة منها بشتى المجالات، سواء بفك الحصار عن إيران وسوريا، وزيادة التمدد الروسي الجيوسياسي في المنطقة، والأهم من هذا كسر الطوق السياسي عن النظام السوري وفك عزلته السياسية، والمواربة بتنفيذ أية خطوة اشترطتها المبادرة العربية مقابل هذا.

لا يمكن الجزم بالنوايا في السياسة، فالسياسة الدولية ومصالحها المتعارضة لا تأخذ حسنها أو سوءَها، بقدر القدرة على إحداث مبادرات فعلية ترسم من خلالها مسارات وقدرات فاعلة تعكس مصالح الدول القائمة عليها. من هنا يمكن اعتبار القمة العربية، ومن خلفها مبادرتها القائمة لليوم، خطوة باتجاه الفاعلية في الملفات السياسية العربية العالقة، بغية تجنب المزيد من ارتداداتها التي تزايدت منذ بدء ثورات الربيع العربي. ما يطرح بالضرورة سؤال الشارع العربي الذي لم تلتفت له قمم العرب لليوم: إلى متى ستكون مصالح الشعوب في بناء دولها الحديثة والمؤسساتية والمفعلة بالدساتير العصرية وسيادة القانون، هي البازار الأسهل للتخلي عنه مقابل تكريس سلطاتها السياسية القائمة؟ وهل أدركت الدول العربية ضرورة العمل على الاستقرار السياسي بين طياتها؟ وهل يمكنها أن تمتلك الأدوات على إحداث تغيير سياسي ملزم في سوريا وغيرها؟

الساحة العربية شهدت الأشهر الماضية مبادرات متعددة الأوجه، كان أهمها وأبرزها التقارب الخليجي الإيراني مقابل التقارب السعودي المصري التركي، هذا مع دعوات عجولة ومتسارعة لعودة النظام السوري لحاضنتها، في موقف يخالف كلية مجريات أحداث العقد المنصرم. والتي كللت ببيانها المرفق بجملة من الشروط السياسية الواجب تنفيذها سواء باستحقاق تنفيذ القرار 2254 القاضي بمرحلة انتقالية سورية تتقاسمها مناصفة السلطة والمعارضة، مع الالتزام بوحدة الأراضي السورية وضرورة عمل السلطة السورية على وقف غزو المنطقة بالكبتاغون والمخدرات، هذا عدا عن مجمل الملفات التي خلفتها المسألة السورية من مهجرين ونازحين. ونتيجة الحراك العربي اليوم، لا يمكن قراءته خارج مشهد التناقض العالمي، ولا يمكن رؤيته بعين سورية وحسب، فقد باتت سوريا نقطة انطلاق روسية وإيرانية إقليمية ودولية. وحيث لم تُلمس بعد مصلحة الشعوب العربية باستحقاقات الاستقرار والتنمية وبناء الدول العصرية من لقاءات القمة، بقدر أن محددها الأول والأوضح مبادرات سياسية تقف على التوازي من كل ملفات المنطقة والعالم من دون أن تكون جزءًا منها عسكريًا أو ماليًا، ما يخفف من إمكانية التنبؤ بحل للأزمات السورية الداخلية والاقتصادية في المدى المنظور، وبالضرورة إمكانية التنبؤ بحل سياسي قريب لها. وبالنتيجة ستبقى مواقف الجامعة العربية ظاهرية تلطيفية لا يمكن التكهن بما تخفيه حقيقة، ما لم تتضح الخطوات الأميركية الفعلية إزاء ملفات المنطقة برمتها، ما يجعل المبادرة العربية وقمتها على محك الفاعلية والقدرة في تفعيل دورها المفترض بتنفيذ خطواتها وفق بيانها الأخير 8863 المتعلق بسوريا.

تلفزيون سوريا

———————————-

ترسيم الحدود.. تحدي جديد للأسد وفرصة سياسية واقتصادية للعرب

قال موقع “ذا ناشيونال” إن ترسيم الحدود أصبح التحدي الجديد الذي سيواجهه رئيس النظام السوري، بشار الأسد، بعد إعادته للجامعة العربية، وبالتالي فرصة سياسية واقتصادية لدول عربية.

وذكر الموقع أنه يجب على الأسد إثبات “حسن نواياه” مع الدول العربية، بعد المرحلة الانتقالية الأخيرة بإعادته إلى الجامعة العربية.

وأضاف أن عليه أيضاً اتخاذ خطوات داخلية والسماح بعودة اللاجئين، ما سيعزز من الجهود العربية لرفع العقوبات وبدء إعادة الإعمار وترسيم الحدود وتسخير الموارد.

ولكن إذا أضاع الأسد هذه الفرصة “فسيجد نفسه محاصراً في دائرة الفشل”، بحسب الموقع.

عودة مشروطة

في 8 مايو/ أيار الجاري، صوت وزراء الخارجية العرب خلال جلسة استثنائية على إعادة نظام الأسد إلى جامعة الدول العربية.

وكان النظام قد أُبعد عن الجامعة عقب اندلاع الثورة عام 2011، والإجراءات الدامية التي اتخذها بحق السوريين المناهضين له.

وجاء التصويت على إعادة النظام بعد “اجتماعين تشاوريين” في مدينة جدة والعاصمة الأردنية عمّان.

وتستند عودة النظام على مبدأ “خطوة مقابل خطوة”، بحسب ما ورد في البند الثالث من القرار 8914 الصادر عن الجامعة العربية.

لكن وزير خارجية النظام، فيصل المقداد، نفى ذلك في لقاء له مع قناة “روسيا اليوم”.

وقال إن اجتماع عمان لم يتناول الحديث عن “خطوة مقابل خطوة”.

وأضاف: “لم نتحدث عن خطوة مقابل خطوة في عمان، وإنما تحدثنا عن خطوات في الوصول إلى حلول للأوضاع التي مرت بها سورية”.

وبحسب المقداد: “قلنا في بيان عمان إننا يجب أن نجد حلاً تدريجياً للأزمة السورية، ولا يمكن القضاء على الإرهاب في يوم وليلة”.

وتابع: “لا يمكن إنعاش الأوضاع الاقتصادية في يوم وليلة، ولا يمكن للاجئين أن يعودوا مباشرة، وإنما يجب تهيئة الظروف لهم”.

“ترسيم الحدود فرصة للعرب”

تتطلع الدول العربية، وعلى رأسها السعودية، إلى لعب دور رئيسي في عملية ترسيم الحدود لأسباب اقتصادية ودبلوماسية واستراتيجية، حسب الموقع.

إذ تمتلك دول الخليج الخبرة والقدرات الإدارية والموارد المالية لاستخراج النفط والغاز من خلال الشركات العالمية.

وتضم منطقة شرق المتوسط كميات كبيرة من النفط والغاز، ما سيوفر للسعودية فرصة لتأسيس وجود في المنطقة​​، والاستفادة من مواردها الوفيرة من النفط والغاز كوسيلة للتنويع القيّم. 

وبحسب الموقع ستُنفّذ عملية ترسيم الحدود بالتنسيق مع روسيا والولايات المتحدة.

وهو “ما سيعكس نموذج عربي جديد في معالجة المشاكل الإقليمية”.

إذ ستنتقل الدول العربية من كونها لاعباً سلبياً إلى لاعب رئيسي يشكل تطلعات المنطقة، بحسب الموقع.

وأشار إلى أن تركيا لديها أسباب تقلقها من عملية ترسيم الحدود البرية والبحرية مع سورية.

بينما قبرص لديها مصلحة من ترسيم حدودها، وفق “ذا ناشيونال”.

تداخل في الحدود

في أكتوبر/تشرين الأول 2022، حلّ لبنان نزاعه البحري مع إسرائيل بموجب اتفاق توسطت فيه الولايات المتحدة.

ومهد الاتفاق الطريق لعملاق النفط الفرنسي “توتال إنرجي” و”إيني” الإيطالية، لبدء التنقيب عن الغاز الطبيعي في حقل “قانا” في المياه الجنوبية للبلاد.

وقال الموقع إن الشركات ستظل مترددة في الاستثمار بالتنقيب عن الغاز والنفط في باقي مناطق لبنان البحرية.

وذلك إلى أن يجري ترسيم الحدود البحرية للبنان مع قبرص وسورية.

وأضاف أن مناطق لبنان وسورية وقبرص البحرية مرتبطة بنقطة واحدة، ما يستدعي رأي سورية في الأمر.

كما تتداخل المناطق البحرية لسورية ولبنان بنحو 750 كيلومتراً مربعاً، بما في ذلك منطقة منح فيها النظام السوري عقدين لشركتين روسيتين، لبدء التنقيب عن النفط والغاز.

—————————-

المونيتور”: تحركات سعودية – إماراتية بين “قسد” والأسد

نقل موقع “المونيتور” الأمريكي عن مصادر كردية قولها إن السعودية والإمارات تلعبان دوراً بين “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) ونظام الأسد.

وأوضحت المصادر التي لم يسمها الموقع، اليوم الاثنين أن “الإمارات والسعودية شجعتا دمشق على دمج قوات سوريا الديمقراطية في الجيش السوري، كجزء من جهود ردع النفوذ الإيراني”.

وأضافت المصادر أن هذا الأمر “تم بموافقة أمريكية ضمنية”.

وأشار الموقع الأمريكي إلى أن “مثل هذه التحركات تتعارض مع مصالح أنقرة كذلك”.

وكانت المملكة العربية السعودية والإمارات قد أعادتها العلاقات مع نظام الأسد إلى مستوى كبير، خلال الأيام الماضية.

وبينما كانت الإمارات سباقة في عملية التطبيع سارعت الرياض الخطا مؤخراً، وتتجهز الآن إلى إعادة فتح سفارتها في دمشق.

وعلى عكس أبو ظبي تسير الرياض بسياسة “خطوة مقابل خطوة”، حسب تصريحات مسؤوليها، وكانت قد دعت استقبلت بشار الأسد مؤخراً في القمة العربية، بعد توجيه دعوة رسمية له.

ولم يصدر أي تعليق رسمي من جانب الدولتين، وكذلك الأمر بالنسبة لـ”قسد” والنظام السوري.

ونادراً ما يعلق مسؤولو هذه الأطراف على هكذا نوع من القضايا، بينما تبقى في إطار التسريبات على لسان مصادر ترفض ذكر اسمها.

وفي الرابع من مايو/ أيار الحالي كان “المونيتور” قد ذكر أن قائد “قسد”، مظلوم عبدي زار الإمارات العربية المتحدة وطلب مساعدتها في الضغط على نظام الأسد.

ونقل الموقع عن أربعة مصادر مطلعة ومسؤولين في المنطقة، أن عبدي ذهب إلى الإمارات بين أواخر مارس/ آذار وأوائل أبريل/ نيسان الماضيين، والتقى مستشار الأمن القومي الإماراتي، طحنون بن زايد آل نهيان.

وقالت المصادر إن بافل طالباني، زعيم “الاتحاد الوطني الكردستاني” ثاني أكبر حزب في إقليم كردستان العراق، قد سافر معه.

وأضافت أن “عبدي طلب مساعدة أبو ظبي للضغط بملف الأكراد السوريين مع نظام الأسد”.

ونفت الإمارات زيارة مظلوم عبدي لها، وقال مسؤول في رد عبر البريد الإلكتروني على طلب الموقع إن “المزاعم المشار إليها في بريدك الإلكتروني كاذبة ولا أساس لها من الصحة”.

ويعتبر عبدي من أبرز القياديين في شمال وشرق سورية المدعومين من الولايات المتحدة الأمريكية، بينما تعتبره تركيا مع القوات التي يقودها فرعاً لـ”حزب العمال الكردستاني”، المصنف على قوائم الإرهاب.

ويرفض النظام منح الحكم الذاتي للكرد شمال شرقي سورية، وهدد مراراً بعملية عسكرية للسيطرة على الأراضي الواقعة تحت حكم “الإدارة الذاتية”، وتُقدّر مساحتها بنحو 27% من مساحة سورية.

وكان نائب الرئاسة المشتركة الإدارة الذاتية، بدران جيا كرد، قال لـ”المونيتور” في مقابلة أجريت معه أواخر أبريل الماضي، إن “الإمارات العربية المتحدة أعربت عن اهتمامها بمساعدة الأكراد السوريين في إبرام اتفاق مع نظام الأسد”.

وأضاف: “قالوا إنهم مستعدون للمساعدة، لكن حتى الآن ليس لدينا برنامج (خارطة طريق) لهذا”، رافضاً التعليق على زيارة عبدي.

إلا أن مسؤولين إقليميين، لم يكشف “المونيتور” عن هويتهم، حينها، أصروا على أن عبدي ذهب إلى الإمارات بالفعل، وقال أحد المسؤولين “هذا صحيح بنسبة مائة بالمائة”.

——————————-

الافتتاحية: حول المبادرة العربية

خلال السنتين الماضيتين صرحت أنظمة عربية عديدة عن أنها تعاني من أزمات متعددة مع النظام السوري،منها عمليات تهريب المخدرات التي تأتي من الأراضي السورية باتجاه الأردن ودول الخليج،ومنها وجود ميليشيات موالية لايران قرب الحدود السورية- الأردنية،إضافة إلى مشكلة اللاجئين السوريين في الأردن الذين يفوقون المليون لاجىء.

تأتي المبادرة العربية من أجل حل هذه الأزمات مع النظام السوري،وليس من أجل حل الأزمة السورية التي أصبح عمرها أكثر من إثني عشر عاماً،وهي أصبحت أزمة دولية- اقليمية منذ عامها الأول،والدول الفاعلة في الأزمة ليست عربية بل دولية واقليمية وهي بترتيب القوة الولايات المتحدة وروسيا وتركيا وايران،وليس هناك  دول عربية تملك تأثيراً أوامتلكت قوة في الأزمة السورية طوال عمرها المذكور.

صحيح أن قرار الجامعة العربية في 7أيار2023الذي يتضمن مضمون المبادرة يتحدث عن القرار الدولي2254،ولكن من نص المبادرة واضح أن الأولوية هي في مكان آخر.

على الأرجح أن العرب يدركون حدودهم في الأزمة السورية،والتي كانت محركات مبادرات حلها من بيان جنيف1عام2012والقرار2118لعام2013والقرار 2254لعام2015تأتي من لقاء موسكو وواشنطن على تلك النصوص التي أخذت مظلة دولية في نيويورك بقاعة مجلس الأمن الدولي بالنسبة للقرارين المذكورين وبالنسبة لبيان جنيف الذي تبناه كنص كامل القرار2118،والعرب يعرفون الآن بأن هناك مجابهة بين الولايات المتحدة وروسيا تجري على الأرض الأوكرانية وهي تنعكس في معسكرين متجابهين يخوضان الآن مجابهة نطاقها العالم على وقع وتأثير الحرب الأوكرانية البادئة منذ يوم24شباط2022،معسكر حلف الأطلسي- اليابان- كوريا الجنوبية- أوستراليا ضد معسكر الصين- روسيا- ايران،فيماهناك دول تميل للمعسكر الأخير مثل تركيا أردوغان،أودول تقف على حياد حذر مثل الهند.هذه المجابهة العالمية تمنع الآن نشوء أي أفق منظور لحل الأزمة السورية.

على الأرجح أن دول عربية قد قرأت بأن التركيز الأميركي على أوكرانيا وعلى تايوان يتيح مساحة حرة لكي تنهج طريقاً خاصاً نحو حل مشاكلها الخاصة مع طهران ودمشق،وعلى الأرجح أن هذا هو تفكير ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان من خلال انفتاح الرياض على ايران في آذار الماضي ثم الانفتاح على دمشق في أيار.ويجب أن يضاف لذلك تقاربات السعودية مع روسيا والصين في ظرف الحرب الأوكرانية،وهي تقاربات يجب أن تقرأ من خلال استياء الرياض ومخاوفها من اتفاق2015بين واشنطن وطهران حول البرنامج النووي الايراني ثم من محاولات بايدن منذ عام2021احياء هذا الاتفاق بعد أن انسحب ترامب منه عام2018،وأيضاً من خلال التصادم الأميركي- السعودي بسبب قضية خاشقجي عام2018،وأيضاً بسبب عدم دعم واشنطن للرياض في حربها على اليمن البادئة عام2015.

المبادرة العربية تجاه دمشق تأتي من خلال هذه الوضعية.يمكن أن يكون لهذه المبادرة حسنات ،إحداها أنها أعادت بعض الضوء على أمر اسمه (الأزمة السورية)بعد طول تجاهل دولي بسبب الحرب الأوكرانية،كماأنها أعادت أوفتحت نقاشاً كبيراً في وسط المعارضين السوريين حول الطرق المطروحة للحل السوري أوالمعضلات القائمة أمامه ،مثل:هل هناك حل للأزمة السورية بمعزل أوفي غياب التوافق الأميركي- الروسي؟..هل هناك حل خارج مظلة الأمم المتحدة؟..هل هناك حل دولي- اقليمي انفرادي تقوم به روسيا وايران وتركيا كمافي مسار أستانة- سوتشي حتى ولوتظلل وقال بأنه يريد تنفيذ القرار 2254بمعزل عن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وفي ظل قانون قيصر الأميركي الذي يعيق إعادة الإعمار وفي ظل وجود أميركي عسكري بمنطقة شرق الفرات السورية حيث الموارد الاقتصادية الرئيسية في سوريا؟.. وهل هناك حلول مؤقتة أوجزئية على طريقة “الخطوة – خطوة”التي تطرحها المبادرة العربية ؟..ثم وهذا سؤال يجب أن يجاب عليه بكل شفافية وجرأة :هل هناك امكانية راهنة لحل داخلي سوري- سوري للأزمة السورية،وهي مبادرة عرضتها هيئة التنسيق الوطنية في مؤتمر حلبون بيوم17أيلول2011 ورفضتها السلطة والمعارضة التي كانت تراهن على تدخل عسكري خارجي وعلى السلاح لاسقاط السلطة باتجاه انشاء تسوية عبر حكومة انتقالية بين السلطة والمعارضة تقود مرحلة انتقالية باتجاه  السير إلى انتخابات تقود إلى نظام ديمقراطي جديد ، وذلك بعد أحد عشر عاماً من امساك دول كبرى مثل الولايات المتحدة وروسيا ودول اقليمية مثل تركيا وايران بملف الأزمة السورية؟.

كل هذه الأسئلة يجب أن يجيب عليها المعارضون السوريون ومجمل المجتمع السوري في الموالاة والمعارضة والمترددون بينهما.

الحزب الشيوعي السوري -المكتب السياسي-

———————————–

أين الدولة التي يُراد إنقاذها في سورية؟/ غازي دحمان

في محاولة لتبرير إعادة احتضان نظام الأسد عربياً، شاعت تحليلات أن هذا يعني الانتصار للدولة الوطنية واستقرارها ووحدة أراضيها وسلامة مؤسّساتها، في مواجهة مظاهر الفوضى والفاعلين من خارجها، وخصوصاً الجماعات المسلحة، وينطوي ذلك على اعتراف بشرعية آلة القمع باعتبارها مؤسّسة شرعية من مؤسّسات الدولة، والأخطر انتصاراً لخطاب السلطة، باعتباره دولياً مؤسّسياً، على حساب المطالب والحقوق بوصفها خطاباً شعبوياً.

في هذا السياق، يجرى الحديث صراحة عن خطأ المجتمعات العربية في المسارات التي سلكتها لتحقيق مطالبها في الديمقراطية والحياة الكريمة والعدالة الاجتماعية، والأدوات التي استخدمتها لتحقيق أهدافها في ظل حراك الربيع العربي، وتحميل هذه المجتمعات مسؤولية الكوارث التي حصلت، الأمر الذي يستلزم معه تراجعها عن مطالبها وتسليم القيادة للأنظمة الحاكمة وقبول أنماط حكمها، وانتظار ما تجود به من إصلاحات.

وقع في هذا الخطأ المنهجي مثقفون عرب عديدون، والذي يتجلى في فكرة أن الحاكم هو الدولة، ويخرج أهم ركن من المعادلة وهو الشعب، بينما هو العنصر الأول الذي يجب قياس وجود الدولة على أساسه، وخصوصاً في أوقات الأزمات السياسية، في حالاتٍ أخرى ربما يجري التغاضي بحكم الواقعية، طالما أن الأمور تسير بدون اضطراب، إنما في الحالة السورية المضمّخة بالدم فذلك يعني انتصاراً لطرف على حساب طرف.

المفارقة أن هذا التحوّل يوصَف هزيمةً لمشروع الإسلام السياسي الذي حاول أن يهيمن على المشهد في العالم العربي، من دون أي التفاتٍ لرأي وموقف الملايين الذين عبّروا عن أشواقهم للحرية وللعدالة، ومن دون التوقف عند حجم الارتكابات التي قام بها النظام الحاكم، والنتائج الفاضحة. والمفارقة أيضا أنه يتم تصوير الأمر أنه محاولة لتفكيك الأزمات التي صنعها الربيع العربي، ومنها اللاجئون والمخدّرات، وبالتالي، فإن إعادة الاعتبار لمؤسّسات دولة الأسد كفيلة بإنهاء هذه المظاهر!

الأدهى من ذلك كله تصوير الأمر تمرّداً على الهيمنة الدولية، والمقصود بها أميركا، حيث يتم اختبار التطبيع مع النظام المارق في هذا الإطار، بالرغم من اتّكائه على قوّة أكثر بشاعة في الهيمنة، روسيا وإيران… وواضح أن المقصود بذلك وأد مطالب الشعوب العربية في الحرية والعدالة، عبر الانحياز للأنظمة العربية وتضييق الخيارات وحصرها بالحكم السائد وأي تصور للحكم والإدارة يجب أن يكون تحت سقفه. كما يجرى حرف الوقائع بتصوير الحراك الحاصل حراك جماعة، في الغالب، هي جماعة الإخوان المسلمين، ضد الدولة، وبالتالي، يستدعي المنطق الانتصار للدولة التي يمثلها الحاكم والسلطة القائمة، وكذا انتصار للدولة في مواجهة المليشيات التي اختطفتها، لكن السؤال من هي المليشيات التي اختطفت الدولة في المثال السوري؟

الأمر الثاني ماهية الدولة وصحيح تمثيلها، أين هي الدولة في الحالة السورية، هل هي فقط جهاز القمع الذي تستخدمه جماعةٌ معينةٌ ضد الجماعات الأخرى؟ في الحالة السورية، أخلّت هذه الجماعة تماماً بأساسيات الدولة والاجتماع، عبر عبثها بالميزان الديمغرافي ومحاولة إجباره بالقوة على مطابقة رؤى تلك الجماعة، وتدمير مقصود ومنهجي للعمران السوري.

قد تكون للدول العربية مبرّرات للعودة إلى سورية، تنطلق من منظورها للأزمة ومصالحها الذاتية، وقد ترى الدول أن وقف تجارة الكبتاغون والتخلص من عبء اللاجئين قضايا باتت ترهق الدول المعنية، وقد تتسبّب بأزماتٍ مستقبليةٍ للأطراف التي تعاني منها، وأن احتضان الأسد قد يساعد، بطريقة أو أخرى، على تفكيك هذه الأزمات أو جزء منها، ما دامت الدول العربية أصلاً غير معنيةٍ بقضية الديمقراطية وخيارات الشعب السوري التي تعتبر أمام هذه الوقائع مسائل رومانسية غير مهمة.

ذلك كله يمكن تصوّره، لكن من الخطأ وضعه ضمن عناوين أكبر منه، حتى لا يتحوّل تدمير الشعوب إلى أعمال شرعية، والعرب يملكون أوراقاً كثيرة يستطيعون من خلالها إجبار القوى الفاعلة في النظام الدولي على احترامهم وتحقيق مصالحهم السياسية والأمنية، من دون الاضطرار إلى الاتكاء على ورقة إعادة النظام السوري إلى جامعة الدول العربية واحتضانه، فما هو وزن هذا النظام في المعادلات الإقليمية، وأي إضافةٍ يمكن أن يشكلها في مساعي العرب للتأثير بالنظام الدولي لإعادة صياغته لموقفه من العالم العربي، بل السؤال الأهم: أين العمل العربي في هذا الاتجاه، ما هو ملحوظ مواقف متفرقة هنا وهناك بدون تنسيق عربي ورؤية عربية واضحة.

في وقت يرفع بعضهم راية الانتصار للدولة، يفوتهم أن الدول العربية لا تملك القدرة على تغيير معطياتٍ كثيرة، لا تملك الآليات المناسبة والأدوات اللازمة، وعدا عن إمكانية إعادة صناعة دولة في سورية، فإن سورية، جغرافيا وشعباً، مجزّأة في إطار مشاريع إقليمية ودولية، وأن الدولة السورية ابتلعتها إيران وروسيا، ولم يعد ممكناً لحل هذه الأزمة بالنسبة للعرب سوى صناعة دولة موازية أو بديلة، مثلما تفعل دولٌ كثيرة بإقامة عواصم بديلة، حين تصبح العواصم غير مساعدة على تسيير شؤون الإدارة لأسبابٍ تتعلق بالكثافة السكانية ووجود مشكلات مستعصية في شبكات المواصلات والاتصالات تؤثّر على فعالية الأداء الحكومي.

ويبدو أن هذا هو الحل الأسلم لسورية، ذلك أن إعادة تفعيل البنى الموجودة وتحويلها إلى أدواتٍ ومؤسّساتٍ للدولة السورية أمر فات أوانه، ليس بسبب سيطرة نظام الأسد والتحكّم بآليات تشغيلها، ولكن بالنظر للتأثيرات الروسية والإيرانية، والتي من المؤكّد أنها أثرت، بشكل كبير، في صياغتها وتوجّهها ربما إلى سنوات مديدة، تماما كما أثرت الكولونيالية بمؤسّسات الدول التي تم استعمارها، بحيث ظلت هذه المؤسّسات، ورغم عقود من الاستقلال، تعيد إنتاج القيم التي أدخلتها تلك الدول في منظومة هذه المؤسّسات.

العربي الجديد

————————————–

هل يكبح فوز أردوغان التطبيع السياسي مع الأسد؟/ العقيد عبد الجبار العكيدي

ما إن لاحت ملامح الحسم في انتخابات الرئاسة التركية مساء 29 أيار/مايو، وقبل أن تصفو الأجواء من الصخب الإعلامي الموازي لاحتفالات حزب العدالة والتنمية وحلفائه، حتى بدأت تتوارد العديد من الأسئلة عن ماهية السياسة التركية حيال القضايا الساخنة، وفي طليعتها القضية السورية.

ولعل ما زاد بوتيرة تدافع الأسئلة تصريح الناطق باسم رئاسة الجمهورية في تركيا إبراهيم قالن صبيحة 29 أيار، مؤكداً استبعاده لأي لقاء في المدى المنظور بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس النظام السوري بشار الأسد، مشيراً في الوقت ذاته، إلى أن هكذا لقاء ينبغي أن يكون مسبوقاً بلقاءات على المستوى الوزاري واستخبارات الطرفين. والواضح من تصريح السيد قالن هو خفوت نبرة الحماس والترويج لتسارع عودة العلاقات بين أنقرة ودمشق، وذلك خلافاً لما كان عليه الأمر قبل أن تُحسم الانتخابات التركية، إذ سبق لوزير الخارجية التركية مولود تشاووش أوغلو أن صرّح قبل يوم واحد، بأن أنقرة باشرت بالإجراءات العملية لإعادة اللاجئين وذلك بالتشارك والتشاور مع نظام دمشق، الأمر الذي يثير أكثر من تساؤل في المشهد السوري: هل بات موقف تركيا من التطبيع مع الأسد قبل نتائج الانتخابات يختلف عما بعدها؟ وهل كانت سخونة الاستعجال التركي بالحديث عن إعادة العلاقة مع نظام دمشق مسألة ذات صلة بالحملة الانتخابية فحسب، أم أن قرار أنقرة حيال التطبيع مع الأسد كان قراراً إستراتيجياً ولا يمكن ان يعوقه أو يؤثر في سيرورته أي حدث عارض؟

ويتخذ الصراع الدولي من الجغرافية السورية ساحة صراع لم تعد أهدافها محصورة داخل سوريا أو بما يخصها فحسب، بل يصح القول إن حل القضية السورية بات رهينة توافقات حول مسائل دولية أخرى. ومن هنا يمكن القول إن التقارب التركي مع نظام الأسد لم يكن مرهوناً بمصلحة تركية-سورية بقدر ما كان متشابكاً مع العلاقات التركية-الروسية بالدرجة الأولى، ذلك أن ما يجمع بين موسكو وأنقرة من مصالح، وخصوصاً في الجانب الاقتصادي، يكاد يفوق في أهميته المسألة السورية بالنسبة إلى تركيا على الأقل.

وغني عن القول أن أنقرة لم يكن يغيب عنها وعورة المسعى التطبيعي مع نظام الأسد لأسباب عديدة، ليس أقلها الدعم والتنسيق الذي قدمته تركيا لفصائل وقوى سياسية مناوئة للأسد طيلة 12 سنة، فضلاً عن التواجد التركي في العديد من مدن وبلدات الشمال السوري، ولكن مع ذلك فقد أبدت الحكومة التركية حماساً تجاه التقارب مع الأسد حرصاً على استمرار علاقاتها مع روسيا التي أبدت بدورها استعداداً كبيراً لدفع نظام الأسد إلة التقارب مع تركيا، وعلى الرغم من حصول سلسلة من اللقاءات بين الطرفين التركي والسوري، سواءً على المستوى العسكري أو الأمني أو الوزاري، فإن ثمة عقبات يمكن تسميتها بالمفصلية ما زالت تحول دون تقارب حقيقي بين الطرفين، إذ لا يمكن إغفال الدور الإيراني الذي يحرص أن يكون حاضراً بقوة في أي تفاهمات دولية أو إقليمية تطال مصير الأسد، ولعل هذا بات شديد الوضوح من خلال التشدّد الذي تبديه حكومة النظام حيال أي تقارب مع تركيا، إذ لا يزال الشرط الأساسي الذي يتمسك به نظام الأسد قائماً، ونعني مطالبته بانسحاب تركيا من كافة مدن وبلدات الشمال السوري قبل البدء بأي تقارب حقيقي بين الطرفين، فيما تجد تركيا أن خروجها من الأراضي السورية مشروط بخروج أو زوال قوات سوريا الديقراطية من شمال شرق سوريا، وحيال هذين المطلبين التعجيزيين من كلا الطرفين يبدو الجانب الأميركي هو من يمسك بمفصل هذا الخلاف، باعتباره الجهة الوحيدة القادرة على إخراج قسد أو تذويبها، وهكذا يجد الأتراك والروس أنفسهم مدفوعين من جديد إلى ضرورة التفاهم مع الجانب واشنطن التي لا تبدو مستعجلة لتقديم أي مبادرة، ليس بخصوص قسد فحسب بل تجاه القضية السورية برمتها.

الواضح أن قطار التطبيع مع نظام الأسد لن يتوقف، أقله على صعيد المسار الأمني والعسكري الذي تحدد طبيعته وسرعته عدة عوامل من أهمها هاجس التهديدات الإرهابية، وعودة اللاجئين ومناطق النفوذ التركي في شمال سوريا، وهذه الأمور تحتاج إلى تعاون وتنسيق أمنى وعسكري بين البلدين.

أما التطبيع السياسي فلا شك أن الحسابات، بعد الفوز المريح لحزب العدالة والتنمية وتحالفه، على صعيد الانتخابات البرلمانية والرئاسية، سوف تختلف ويتحرر صانع القرار التركي من الضغوط سواء الداخلية أو الخارجية، ولم يعد مضطراً بشكل كبير وليس في عجلة من أمره للمضي قدماً فيه. وربما يصبح هذا المسار مرتبطاً بطبيعة التوجهات التركية في المرحلة القادمة، هل ستكون  مع المحور الشرقي؟ وبهذه الحالة سوف يستمر التطبيع تلبية لاحتياجات تحالفها مع روسيا والصين وإيران، أم أن للعلاقة مع الولايات المتحدة والغرب حسابات ومصالح أخرى لا يمكن إغفالها؟

من غير المستبعد أن يستمر الخطاب التركي حول التقارب مع الأسد قائماً، باعتباره ذا صلة وثيقة بموضوع اللاجئين الذي يدفع الحكومة التركية إلى تحديث أجوبتها باستمرار حيال الشارع التركي، وكذلك حرصاً على استمرار تماسك علاقاتها مع روسيا، ولكن هل سيكون لهذا الخطاب الذي يهدف إلى استمرار التوازن في العلاقات مع الأطراف الإقليمية قادراً على تحقيق نتائج عملية على الأرض؟ هذا ما هو مستبعد على المدى القريب.

المدن

———————————–

بريطانيا: على نظام دمشق الانخراط بنهاية مستدامة للصراع

نبهته لاتخاذ إجراءت بشأن تجارة الكبتاغون

دعت بريطانيا، النظام السوري للانخراط بنهاية مستدامة للصراع وتنفيذ قرار مجلس الأمن 2254 الذي هو إطار العمل لتحقيق ذلك السلام الدائم للشعب السوري.

وفي بيان باسم المملكة المتحدة، أمام مجلس الأمن الدولي، دعت السفيرة باربرا وودوارد إلى وصول المساعدات الضرورية لضمان تلبية احتياجات الشعب السوري الأساسية.

وقالت: يتضح من تصريحات المبعوث الخاص لسوريا، أن الشهر الماضي شهد تطورات مهمة في سوريا. لذا، حان الوقت الآن لمضاعفة جهودنا من أجل إنهاء شامل وخاضع للمساءلة للنزاع حتى يتمتع السوريون بالسلام ، حتى لا تصدر سوريا عدم الاستقرار إلى المنطقة ويمكن للاجئين العودة بأمان وكرامة.

وتابعت السفيرة وودوارد: في الأسبوع الماضي ، اجتمعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للتركيز على حماية المدنيين. ويشمل ذلك 15.1 مليون شخص محتاج بسبب تأثير 12 عامًا من الحرب ، بما في ذلك 4.1 مليون شخص في شمال غرب سوريا واجهوا أزمة على رأس أزمة عندما ضرب الزلزال المدمر في فبراير.

باب السلام والراي

ورحبت بتمديد الوصول إلى باب السلام والراي في وقت سابق من هذا الشهر، كما أشادت بجهود الأمم المتحدة هناك. لكن اتفاقيات اللحظة الأخيرة لفترات قصيرة الأجل غير قابلة للتطبيق.

وقالت السفيرة البريطانية: كما قال الأمين العام ، وذكّرنا المبعوث الخاص اليوم، يحتاج العاملون في المجال الإنساني إلى التخطيط الفعال ، مع إمكانية الوصول التي يمكن التنبؤ بها ، من أجل تقديم ما لا غنى عنه ، كما قالت السيدة مضوي ، “المساعدة الإنسانية التي لا غنى عنها” للأشخاص الذين هم كما قالت ، “في حاجة الحياة والموت”.

لذا ، فإن تمديد ولاية المجلس لباب الهوى لمدة 12 شهرًا على الأقل ، كما قال كل من موجزاتنا الثلاثة اليوم ، أمر بالغ الأهمية. لكن شعب سوريا يستحق أكثر من ذلك، إنه يستحق إجابات بشأن أماكن وجود أحبائهم المحتجزين أو المفقودين.

وكما قال المبعوث الخاص ، هذه قضية أساسية تؤثر على جميع السوريين ، من جميع أطراف النزاع. التقدم في هذه القضية ضروري لإعادة بناء الثقة مع الشعب السوري ، وتهيئة الظروف التي يحتاجها اللاجئون لاختيار العودة إلى ديارهم.

وفي الأخير، قالت المندوبة البريطانية في ييانها: نحتاج أيضًا إلى إجراءات فعالة لوقف تجارة الكبتاغون غير المشروعة ، لإثبات أن الاستقرار الإقليمي يأتي فوق دخل المليار دولار الذي يستمده النظام حاليًا منه.

ايلاف

——————————

لست رئيسهم وليسوا شعبك!/ عدنان علي

وردت في وكالة “سانا” التابعة للنظام في الأيام الأخيرة أخبار متتابعة عن إعلان عدد من البلديات في محافظة اللاذقية، السماح للأهالي بالتسجيل على طلبات إعادة تأهيل منازلهم المتضررة، ليس من جراء الزلزال الأخير، بل بسبب “الإرهاب” في إشارة إلى عمليات قصف محتملة طالت قبل سنوات بعض القرى في ريف اللاذقية الشمالي، ومناطق أخرى من المحافظة، خلال المواجهات العسكرية بين فصائل المعارضة وقوات النظام في تلك المناطق.

ووفق الوكالة فإن عمليات الترميم ستكون مجانية تماما، أي لن يتكلف المتضررون أي نفقات، لأنها تتم بالتعاون بين المحافظة ومنظمة الإسعاف الأولي الدولية بتمويل من المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.

إلى هنا، يبدو الأمر طبيعيا ويشير إلى أننا نعيش في دولة تحترم مواطنيها، وتحرص على عدم تكبدهم أي نفقات لترميم منازلهم التي تضررت نتيجة الحرب، حتى لو اضطرت إلى طلب مساعدة المنظمات الدولية خدمة لهؤلاء المواطنين.

وحيث أننا نتحدث عن سوريا، سوف ندرك بطبيعة الحال أن الواقع لا يمكن أن يكون كذلك، وملخص الحكاية أن النظام يسعى لاستغلال جزء بسيط من المساعدات والأموال التي حصل، ويحصل عليها من الخارج، وخاصة بعد كارثة الزلزال في 6 شباط الماضي، من أجل استرضاء بعض المناطق المحسوبة عليه، لأنه ببساطة “يستخسر” إنفاق هذه الأموال على المناطق الأخرى، (مناطق المعارضة) ويريد في الكشوفات الشكلية التي يرفعها للجهات المانحة أن يسجل أن ثمة مبالغ انفقت (سوف يضاعفها طبعا) في إطار إعادة إعمار المناطق المتضررة نتيجة الحرب.

ووفق الإحصائيات التي أوردتها خلال السنوات الماضية عدة منظمات متخصصة، فقد تهدم أو تضرر نتيجة الحرب في سوريا نحو 3 ملايين منزل، معظمها بطبيعة الحال، في المناطق التي كانت حاضنة للثورة ضد النظام، وجرى تدميرها غالبا بفعل القصف المدفعي والجوي والبراميل المتفجرة، دون مبررات عسكرية حقيقية، بل بهدف معاقبة سكانها، وتهجيرهم منها.

وبالنسبة لجميع هذه المناطق، لم نسمع طوال السنوات الماضية عن أخبار تفيد أن النظام قدم أي مبادرات لمساعدة الأهالي على إعادة ترميم منازلهم، وأكثر ما هنالك أنه قد يعمد فقط إلى إعادة بناء المؤسسات والمقار التي تخص إعادة إحكام سلطته على تلك المناطق مثل مراكز الشرطة والأمن والفرقة الحزبية وربما بعض المرافق العامة مثل مؤسسة المياه والهاتف.. الخ، لكن لم يحصل أبدا أنه ساعد سكان أي مدينة أو بلدة من تلك المناطق على إعادة ترميم منازلهم المهدمة.

والأكثر من ذلك، أنه في العديد من المناطق، خاصة في ريف دمشق (الغوطتين الشرقية والغربية، وجنوبي دمشق حيث كان يعيش نحو 3 ملايين شخص قبل عام 2011) تقوم سياسة النظام على عرقلة عودة سكان تلك المناطق إليها، ومنعهم من إعادة إعمارها ولو على نفقتهم الخاصة، من خلال الاشتراطات الكثيرة التي تضعها مؤسساته وأجهزته الأمنية على الراغبين بالعودة من المهجرين والنازحين داخل سوريا والذين يقدر عددهم اليوم بنحو 6 ملايين شخص. وطبعا يأتي ذلك تتمة لعمليات النهب “التعفيش” التي تولتها قواته والمجموعات التابعة له، ولم تبق طوال السنوات الماضية أي شيء نافع بين حطام تلك المناطق.

وهذا التعامل التمييزي بين المواطنين والمناطق، يعبر بشكل جلي عن طبيعة النظام الحاقد على شرائح واسعة مما يفترض أنهم شعبه، والذي تجلى أيضا خلال السنوات الفائتة من خلال سياسات العقاب الجماعي، حين كانت قواته تفرض حصارا محكما على المدنيين في العديد من المناطق بمن فيهم النساء والشيوخ والأطفال، لمعاقبتهم على “السماح” بوجود مسلحين مناهضين للنظام في مناطقهم.

ولا يحتاج المرء إلى بذل جهود كبيرة ليستدل بأن هذا النظام لم يكن يوما ممثلا لجميع المواطنين، بل هو ليس ممثلا لأي من المواطنين، بمن فيهم حاضنته الشعبية المفترضة، وهو يستخدم أبناء هذه الحاضنة كمتاريس وأكباش فداء لضمان مكوثه فترة أطول على كرسي الحكم، ويعمل على استرضائهم بين الفينة والأخرى، ببعض الأعطيات الشحيحة التي يحصل عليها من الخارج على بند إعادة تأهيل الخدمات في المناطق المدمرة، لتسهيل عودة النازحين واللاجئين السوريين داخل البلاد وخارجها.

والمدهش أن الأمم المتحدة، والعديد من المنظمات الدولية، تعلم كثيرا عن عقلية النظام هذه، وسلوكه التمييزي بين المناطق والمواطنين، لكنها تواصل رغم ذلك التعاون معه، بدعوى عدم إغضابه كي لا يمنع نشاطها في مناطق سيطرته، لكن ربما ما لا تعلمه الأمم المتحدة أن معظم السوريين لا يعولون على هذا النظام بشيء، ويدركون أن خلاصهم جميعا، لن يكون قبل الخلاص منه، ولن تجدي أي محاولات لإطالة عمره، ومده بأوكسجين إضافي، سواء من الأمم المتحدة أم المحيط العربي.

———————————

===================

تحديث 26 أيار 2023

—————————–

خلفيات عودة سوريا إلى الجامعة العربية وانعكاساتها الإقليمية

استعاد النظام السوري مقعده بالجامعة العربية، استجابة لحاجة النظام العربي إلى تسوية النزاعات التي استنزفته، وشكَّلت مدخلًا للتدخلات الخارجية.

لن ينجح هذا المسعى إلا إذا تمكن من تخطي عقبة العقوبات الغربية المفروضة على النظام السوري.

بعد أكثر من عقد على تعليق عضويتها في الجامعة العربية، وافق مجلس وزراء الخارجية العرب في جلسة طارئة عُقدت في القاهرة، يوم 7 مايو/أيار 2023، على استعادة النظام السوري مقعد سوريا الشاغر في الجامعة منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2011. على الأثر، وجهت المملكة العربية السعودية دعوة، نقلها سفيرها في عمَّان، إلى رئيس النظام السوري، بشار الأسد، لحضور القمة العربية الـ 32 التي عقدت في جدة، يوم 19 مايو/أيار الجاري، بصفته ممثلًا للجمهورية العربية السورية، لتنفك بذلك عزلة نظام الأسد العربية دون تغيير في الظروف والأسباب التي أدت إلى تعليق عضوية سوريا في الجامعة في المقام الأول، ودون التزامات واضحة بشأن عودة اللاجئين، والكشف عن مصير المعتقلين، وتحريك العملية السياسية المعطلة لحل الأزمة، وهي الشروط التي طالما تمسكت بها الجامعة العربية، إلى جانب القوى الغربية، للتطبيع مع النظام السوري.

رحلة العودة إلى الجامعة

رغم الدعم الذي قدمته دول الخليج العربية، خصوصًا، لفصائل المعارضة السورية في محاولاتها الإطاحة بالنظام السوري نتيجة العنف الشديد الذي استخدمه في قمع الاحتجاجات السلمية، ورفضه التجاوب مع أي مبادرة سياسية لحل الأزمة، إلا أن هذا الهدف (إسقاط النظام) أخذ يبدو غير واقعي بشكل متزايد مع اتضاح عدم جدية الموقف الأميركي في الإطاحة بالأسد، خاصة بعد خرقه الخط الأحمر الذي رسمه الرئيس باراك أوباما بشأن استخدام السلاح الكيماوي، في أغسطس/آب 2013، ثم التدخل العسكري الروسي، في سبتمبر/أيلول 2015، والذي أنهى تقريبًا كل احتمالية لإسقاط النظام في دمشق. وبين الانكفاء الأميركي والتدخل العسكري الروسي بدأت المقاربة العربية والإقليمية، بشأن الصراع في سوريا، تتغير لتصبح أكثر انسجامًا مع الرؤية الأميركية التي باتت تنصب على هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) بعد سيطرته على أجزاء واسعة من سوريا والعراق، عام 2014. ومع بلوغ الحرب على تنظيم الدولة نهاياتها عام 2018، وتمكن النظام السوري، بدعم روسي/إيراني، من استعادة مناطق واسعة حول دمشق، وفي جنوب ووسط البلاد، من فصائل المعارضة، كانت ديناميات الصراع السوري قد تغيرت كليًّا، وأخذت دول عربية، بناء عليه، تفكر باستعادة العلاقات مع النظام، مع تأكد استمراره في الحكم. بدأ الأمر بالأردن الذي قرر إعادة فتح معبر جابر-نصيب الحدودي لاستئناف حركة التجارة التي توقفت منذ عام 2012. جاءت هذه الخطوة بعد أن أوقفت الولايات المتحدة عمل غرفة العمليات العسكرية الموك(Military Operations Center, MOC)  التي أنشئت عام 2012 في الأردن لدعم فصائل المعارضة السورية، والتي تم على إثرها التوصل إلى “اتفاق درعا” بمشاركة أميركية-روسية-أردنية لوقف إطلاق النار، الذي تضمن تسليم قوات المعارضة أسلحتها الثقيلة والمتوسطة، وإجلاء المقاتلين والمدنيين الرافضين للتسوية إلى شمال غرب البلاد. وفي ديسمبر/كانون الأول من العام نفسه، قامت الإمارات والبحرين بإعادة فتح سفارتيهما في دمشق، ثم قامت سلطنة عمان بتعيين سفير لها في دمشق، في أكتوبر/تشرين الأول 2020. وفي يوليو/تموز 2021، طرح الملك عبد الله الثاني، ملك الأردن، خلال القمة التي جمعته بالرئيس الأميركي، جو بايدن، في واشنطن “خريطة طريق” للحل في سوريا “تضمن استعادة سيادتها ووحدتها”. اشتملت الخريطة على تخفيف العقوبات الأميركية على سوريا وإعادتها إلى الجامعة العربية في مقابل تعاون روسيا في إضعاف النفود الإيراني في سوريا والذي كان السبب الرئيس الذي دفع عددًا من الدول العربية إلى دعم الثورة السورية في المقام الأول. مع نهاية العام 2021، تكثفت التحركات العربية للتطبيع مع دمشق ومحاولة إعادتها إلى الجامعة العربية؛ حيث قام عبد الله بن زايد، وزير خارجية الإمارات، بأول زيارة لوزير خارجية عربي إلى دمشق، في نوفمبر/تشرين الثاني 2021. وفي مارس/آذار 2022، قام بشار الأسد بأول زيارة عربية له منذ عام 2011 إلى أبو ظبي، فيما كثفت الجزائر جهودها لإعادة سوريا إلى الجامعة العربية خلال القمة العربية العادية الـ31 التي تم تأخير عقدها في الجزائر من مارس/آذار إلى نوفمبر/تشرين الثاني 2022 في محاولة لتحقيق إجماع عربي بشأن استعادة سوريا مقعدها في الجامعة، إلا أن هذه الجهود لم تفلح بسبب معارضة السعودية ومصر وقطر خصوصًا، نتيجة فشل الأسد في تقديم أي التزامات لحل الأزمة.

تغير الموقف السعودي

مع أن الموقف السعودي تجاه الأزمة السورية أخذ يتغير تدريجيًّا منذ ما قبل التدخل العسكري الروسي في سبتمبر/أيلول 2015، إلا أن السعودية بدأت تعطي إشارات واضحة حول استعدادها للانفتاح على نظام الأسد فقط في مطلع 2023، وتولى وزير الخارجية، فيصل بن فرحان، الترويج للموقف الجديد. وأثناء مشاركته في مؤتمر ميونخ للأمن، في 18 فبراير/شباط 2023، قال الوزير السعودي: “إن إجماعًا يتزايد ليس فقط بين دول مجلس التعاون الخليجي، بل في العالم العربي بأن الوضع الراهن غير قابل للاستمرار”، وإن هناك نهجًا آخر “بدأ يتشكل”، وإن هذا ينبغي أن يمر “عبر حوار مع حكومة دمشق في وقت ما”.

تمحور النهج الجديد الذي أشار اليه ابن فرحان حول أن غياب الدور العربي عن الأزمة السورية قد أضر بالمصالح العربية، وترك مصير سوريا لتقرره دول غير عربية، خاصة في إطار مسار أستانا الذي نشأ بتفاهم روسي/تركي، مطلع 2017، قبل أن تنضم إليه إيران. وقد سمح الزلزال الذي ضرب سوريا وتركيا، مطلع فبراير/شباط 2023، بتسهيل إعادة التواصل العربي مع سوريا؛ حيث قام وزراء خارجية الإمارات والأردن ومصر بزيارة دمشق للإعراب عن تضامنهم، فيما تدفقت المساعدات من دول عربية عديدة على سوريا لمساعدة منكوبي الزلزال. وبعد توصل السعودية وإيران إلى اتفاق لاستئناف العلاقات بينهما بوساطة صينية في العاشر من مارس/آذار 2023، بدا واضحًا أن الرياض تستعد لاتخاذ خطوة مماثلة تجاه النظام السوري. وعليه، دعت الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي، بناء على طلب سعودي، إلى اجتماع تشاوري في جدة، في 14 أبريل/نيسان 2023، لمناقشة الأزمة السورية. حضر الاجتماع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي الست إضافة إلى مصر والعراق والأردن. وكانت السعودية دعت قبل ذلك وزير خارجية النظام السوري إلى جدة في محاولة لانتزاع تنازلات منه تساعد في إقناع الدول العربية التي ستجتمع في جدة بعد يومين للقبول بعودة سوريا إلى الجامعة العربية. صدر عن الاجتماع السعودي-السوري بيان أعلن فيه الطرفان استئناف الخدمات القنصلية والرحلات الجوية بين البلدين، والاتفاق على “تهيئة الظروف اللازمة لعودة اللاجئين والنازحين السوريين إلى مناطقهم، وتعزيز الأمن ومكافحة الإرهاب بكافة أشكاله وتنظيماته، والتعاون بشأن مكافحة تهريب المخدرات والاتجار بها، ودعم مؤسسات الدولة السورية، لبسط سيطرتها على أراضيها لإنهاء وجود الميليشيات المسلحة فيها، والتدخلات الخارجية في الشأن الداخلي السوري”. لكن فشل اجتماع جدة في التوصل إلى اتفاق بشأن استعادة سوريا مقعدها في الجامعة العربية، دعا إلى عقد اجتماع تشاوري آخر في عمَّان حضره إلى جانب الأردن، مصر والعراق والسعودية ووزير خارجية النظام السوري. وبين الاجتماعين، قام وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، بزيارة إلى دمشق كانت الأولى لوزير سعودي منذ عام 2011. صدر في ختام اجتماع عمَّان بيان وافقت سوريا بموجبه على التعاون في مكافحة تهريب المخدرات وإنتاجها، وعلى تسهيل العودة الطوعية والآمنة للاجئين السوريين. وفي السابع من مايو/أيار 2023، عقد وزراء الخارجية العرب اجتماعًا طارئًا في القاهرة توافق فيه الوزراء دون تصويت على استعادة سوريا مقعدها في الجامعة العربية، وقامت بعد ذلك السعودية بتوجيه دعوة رسمية إلى رئيس النظام السوري، بشار الأسد، لحضور قمة جدة لينهي بذلك نحو 12 سنة من غياب سوريا عن الجامعة العربية.

تطبيع مشروط؟

تفاوتت مصالح الدول العربية ومواقفها من مسألة تطبيع وضع النظام السوري بين رافض بدون حصول تغيير في الظروف التي أدت إلى عزله (قطر) ومتحفظ (الكويت ومصر) ومتحمس (السعودية والإمارات وإلى حدٍّ ما الأردن). انطلقت سياسة التطبيع من مقاربة نصَّت عليها المبادرة الأردنية والتي سميت بمبادرة “خطوة مقابل خطوة”، فكل خطوة يخطوها النظام باتجاه الحل سوف تترتب عليها خطوة من الجانب العربي لفك العزلة عن سوريا وإقناع القوى الغربية، خاصة الولايات المتحدة، بتخفيف العقوبات لإطلاق عملية إعادة الإعمار، أقله في إطار مشاريع التعافي المبكر التي نص عليها قرار مجلس الأمن رقم 2642 لعام 2022. وتقوم المقاربة على أنه وفي ظل الوضع الاقتصادي المنهار للنظام وعجز حلفائه عن تقديم يد العون (إيران بسبب الحصار والعقوبات الناتجة عن أزمة برنامجها النووي وروسيا بسبب أوضاعها الاقتصادية المتأزمة بعد حرب أوكرانيا والعقوبات الناشئة عنها) فإن النظام بات مضطرًّا إلى طلب يد العون من دول الخليج العربية التي باتت تملك الآن فرصة لاستعادة دورها في حل الأزمة، ودفع النظام للإذعان لشروطها.

تتفاوت هذه الشروط بتفاوت مصالح الدول العربية، ففيما يركز الأردن أكثر على قضية إعادة اللاجئين، نظرًا لوجود نحو 650 ألف لاجئ سوري على أراضيه، تتشارك السعودية ودول خليجية أخرى مع الأردن المخاوف من ازدياد عمليات تهريب المخدرات بعد أن باتت سوريا مصدرًا رئيسًا لإنتاجها. وتتهم جهات مختلفة النظام باللجوء إلى إنتاج وتهريب المخدرات وذلك لتأمين مورد مالي يساعده على البقاء في ظل العقوبات المفروضة عليه، لاستخدامها من جهة ثانية أداة ضغط على الدول العربية والمجتمع الدولي للتفاوض معه وتخفيف العقوبات، وهو ما يمكن استنتاجه من التزام النظام السوري بالتعاون على مكافحة إنتاج المخدرات وتهريبها متزامنًا بعودته للجامعة العربية، والتزامه بإعادة اللاجئين أمام دول خليجية يتطلع إلى مساهماتها المالية في إعادة الإعمار. وفيما تبدو الإمارات مهتمة أكثر بطي صفحة الربيع العربي والقضاء على تيارات الإسلام السياسي، لا يحظى موضوع الدفع بالحل السياسي للأزمة السورية إلا باهتمام مباشر من جانب قطر، التي جعلت منه شرطًا للتطبيع مع النظام. ويبدو أن السعودية ماضية من جهتها في محاولة “تصفير المشاكل، مع دول الإقليم، بما في ذلك مع سوريا، في إطار سياسة الانكفاء نحو الداخل للتركيز على المشاريع التنموية التي تقع في إطار رؤية 2030 التي يقودها ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان”. وكان اتفاق استعادة العلاقات الدبلوماسية المقطوعة مع إيران منذ مطلع عام 2016 الخطوة الأبرز بهذا الاتجاه.

العقدة الأميركية

شكَّل التوجه العربي للتطبيع مع النظام السوري، الذي بدأته الإمارات، قبل أن تقود اندفاعته السعودية، أحد تجليات الانكفاء الأميركي عن المنطقة، وأزمة الثقة في العلاقات السعودية-الأميركية التي بدأت مع إدارة أوباما واستمرت مع ترامب وبلغت ذروتها مع بايدن. شكَّل تراجع باراك أوباما عن إنفاذ وعده بمعاقبة النظام السوري على استخدامه أسلحة كيماوية ضد المدنيين في غوطة دمشق، في أغسطس/آب 2013، صدمة في الرياض وغيرها من عواصم الخليج. وكانت العلاقات بين الرياض وواشنطن في حالة تراجع أصلًا بسبب ما رأت فيه الرياض تخليًا أميركيًّا عن الحلفاء بعد أن دعا الرئيس أوباما الرئيس مبارك للتنحي استجابة لمطالب ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011. وازدادت أزمة الثقة على نحو أكبر بعد الكشف عن مفاوضات سرية أميركية-إيرانية بدأت في سلطنة عُمان، في 2013، وانتهت بتوقيع الاتفاق النووي مع إيران، في 2015. ورغم أن العلاقات تحسنت في عهد ترامب، الذي انسحبت إدارته من الاتفاق النووي وأعادت فرض العقوبات على إيران، إلا أن سياسة ترامب لم تغير الميل الأميركي نحو تقليل انخراطها في المنطقة، بل عمَّقته في واقع الأمر. وقد اتضح ذلك على نحو خاص في رد فعل ترامب على الهجمات التي تعرضت لها منشآت نفط أرامكو في بقيق وخريص، شرق المملكة، في سبتمبر/أيلول 2019، واتهمت واشنطن والرياض إيران بالوقوف وراءها.  وعلى الرغم من أن ترامب أبدى استعداده للرد على الهجوم أول الأمر، إلا أنه أكد أن مسؤولية الرد عليه تقع على عاتق السعودية؛ “هذا هجوم على السعودية وليس على الولايات المتحدة”، قال ترامب في ردٍّ على سؤال صحفي. وقد أثارت تصريحاته هذه صدمة في الرياض التي أخذت تعيد النظر في سياستها المتشددة نحو إيران، فوافقت على بدء حوار معها بوساطة عراقية في بغداد. وتعمقت الاستدارة السعودية تجاه إيران بعد وصول إدارة الرئيس بايدن إلى البيت الأبيض. وكان بايدن قد أطلق خلال حملته الانتخابية تصريحات معادية للسعودية، وأبدى رغبته في إعادة إحياء الاتفاق النووي مع إيران. وبمجرد استلام إدارته السلطة، أخرجت الحوثيين من قائمة المنظمات الإرهابية، كما أوقفت تصدير الأسلحة الهجومية إلى السعودية وبدأت بالضغط عليها لوقف الحرب في اليمن.

دفع ما بدا للرياض تخليًا أميركيًّا عنها نحو تبني سياسة أكثر واقعية في علاقاتها الإقليمية قامت بموجبها بإنهاء أزمة حصار قطر، مطلع 2021، ثم أطلقت مبادرة لحل الأزمة في اليمن، قبل أن تقبل بفتح حوار مع إيران في بغداد، توج باتفاق بكين، في 10 مارس/آذار 2023. وقد ساعد هذا الاتفاق بدوره في الانفتاح على النظام السوري؛ حيث تسارعت بعدها خطوات التطبيع معه، وصولًا إلى إعادة عضويته في الجامعة العربية وحضوره قمة جدة. ورغم أن إدارة بايدن كانت شجعت السعودية على الانفتاح على إيران ووقف الحرب في اليمن، إلا أن واشنطن لم تبد ارتياحًا للدور الصيني في إبرام الاتفاق السعودي-الإيراني، كما أبدت تحفظًا على الانفتاح السعودي على النظام السوري، والذي تم بناء على جهود وساطة قادتها روسيا التي شهدت علاقتها بالرياض تطورًا كبيرًا في السنوات الأخيرة، بما في ذلك في مجال إنتاج النفط وضبط أسعاره. وبرزت المعارضة الأميركية لخطوات التطبيع العربي مع النظام السوري خصوصًا على مستوى الكونغرس الذي مرَّر حزمة من القوانين باتت تمثل عقبة فعلية أمام أي نتائج ملموسة يمكن أن يسفر عنها التطبيع العربي مع النظام السوري، وأبرزها قانون قيصر لعام 2019، وقانون مكافحة الكبتاغون لعام 2022. كما مرر الكونغرس في 11 مايو/أيار الجاري قانونًا لمحاربة التطبيع مع النظام السوري، طالب فيه الإدارة الأميركية بعدم الاعتراف بأي حكومة سورية يرأسها الأسد أو تطبيع العلاقات معها، وفرض عقوبات على من يفعل ذلك. وبرز فوق ذلك توافق دولي، قادته واشنطن، خلال قمة مجموعة الاقتصادات السبع الكبرى في هيروشيما في اليابان، في 20 مايو/أيار 2023، على ربط التطبيع مع النظام السوري وإعادة الإعمار بحصول تقدم حقيقي في العملية السياسية، والتزمت المجموعة كذلك بمحاسبة المسؤولين عن الهجمات بأسلحة كيماوية في سوريا ومحاكمتهم.

لكن، وفي ضوء غياب أي رغبة لدى إدارة بايدن لتعريض علاقاتها مع السعودية للخطر بسبب التطبيع مع نظام الأسد، خاصة مع تنامي التنافس الأميركي-الصيني في منطقة الخليج وتوجه دول خليجية عديدة إلى تطوير علاقاتها مع الصين في مختلف المجالات بما في ذلك العسكرية والأمنية، قد تحاول إدارة بايدن ربما “ضبط” التطبيع العربي مع نظام الأسد بدلًا من منعه، بحيث يكون التطبيع بثمن، بدل أن يكون مجانيًّا، ويسفر عن تقدم في معالجة القضايا الإنسانية خصوصًا (المعتقلين واللاجئين والمعابر والمساعدات الإغاثية) وكذلك على مستوى إيجاد حل للمسألة السورية.

التداعيات الإقليمية للعودة

منذ استقلالها عن فرنسا، عام 1946، لعبت سوريا دورًا مركزيًّا في موازين القوى الإقليمية، وكان موقفها مرجِّحًا بين القوى العربية الرئيسة التي نافست على زعامة العالم العربي في الخمسينات والستينات (مصر والعراق والسعودية). وقد برز دور سوريا خصوصًا في السياسة العربية مع خروج مصر من معادلة الصراع العربي-الإسرائيلي بتوقيعها اتفاقية كامب ديفيد، في 1978، ثم اتفاقات السلام مع إسرائيل، في 1979، وتعليق عضويتها نتيجة لذلك في الجامعة العربية. كما استفادت سوريا من انشغال العراق في حربه مع إيران (1980-1988) لتعزيز موقعها في النظام الإقليمي العربي. وسمح انضمام سوريا لمصر والسعودية بعد حرب تحرير الكويت (1991) بلعب دور مركزي في السياسة العربية استمر حتى هجمات سبتمبر/أيلول 2001 في الولايات المتحدة. لكن دور سوريا الإقليمي بدأ يضعف بوضوح بعد الغزو الأميركي للعراق، في 2003، وخصوصًا بعد انسحاب قواتها من لبنان، في 2005، بضغط أميركي/سعودي على خلفية اغتيال رئيس الوزراء الأسبق، رفيق الحريري. مع ذلك، تمكنت سوريا -نتيجة العلاقات الوثيقة التي أقامتها مع تركيا في العقد الأول من حكم العدالة والتنمية (2002-2011) إضافة إلى تحالفها الطويل مع إيران- من الاستمرار في لعب دور مهم في موازين القوى الإقليمية حتى اندلاع الثورة عام 2011، وتحول سوريا إلى ساحة صراع إقليمي ودولي.

من غير الواضح كيف ستؤثر عودة سوريا إلى الجامعة العربية في موازين القوى الإقليمية، وفي الاصطفافات الجديدة التي تشهدها المنطقة، في ضوء الضعف الشديد الذي يعتري موقفها بعد 12 سنة من الحرب، وفي ظل وجود خمسة جيوش أجنبية على أراضيها، وفقدان النظام السيطرة على مناطق واسعة من شمال وشمال شرقي البلاد؛ حيث تتركز أكثر ثروات سوريا المائية والطبيعية (النفط والغاز) فضلًا عن انهيار قدراتها العسكرية، وحدوث دمار واسع في بنيتها التحتية، تقدر تكلفة إعادة بنائه وفق أكثر التقديرات تحفظًا بـ 400 مليار دولار، والأهم من كل ذلك هو فقدان سوريا أكثر من نصف مواردها البشرية، مع اقتلاع نحو 12 مليون سوري من بيوتهم، موزعين بين لاجئ ونازح، فيما يعيش 90 بالمئة ممن يقيمون في مناطق سيطرة النظام تحت خط الفقر الأدنى. رغم كل ذلك، تحاول إيران استباق نتائج التطبيع العربي مع دمشق، التي تبدو اليوم بحاجة للاستثمارات العربية وشركات البناء التركية أكثر من حاجتها للميليشيات الإيرانية، لتأمين مصالحها في سوريا. هذه المخاوف تفسر زيارة الرئيس إبراهيم رئيسي الأخيرة لدمشق والتي تأجلت عدة مرات بسبب خلافات حول الاتفاقيات الاقتصادية التي تنشدها إيران لضمان سداد ديونها لسوريا التي تتراوح التقديرات بشأنها بين 30-60 مليار دولار، بما في ذلك المطالبة باستملاك أراض في سوريا مقابل هذه الديون.

ورغم الشكوك المحيطة بقدرة نظام الأسد على الحد من النفوذ الإيراني في سوريا، وهو أحد أهداف التقارب العربي مع دمشق، إلا أن الدول العربية المتحمسة لمسار التطبيع تجادل بأن عودة الدور العربي إلى سوريا أقله من بوابة العمل الإنساني ومشاريع التعافي المبكر سوف يعزز موقف الأسد التفاوضي تجاه الضغوط الإيرانية التي تتعاظم على دمشق لتسديد ديونها. وقد اعتبر بعض المراقبين أن إزالة الأعلام الإيرانية من مواقع تشغلها ميليشيات مؤيدة لطهران في مناطق في دير الزور والبوكمال، شرقي البلاد، ورفع أعلام سوريا مكانها يعد مؤشرًا على إمكانية حصول ذلك. وفي كل الأحوال لا يمكن التقليل من أهمية التنافس على مسار إعادة الإعمار، الذي تتطلع دول الخليج العربية إلى لعب دور رئيس فيه، في حسابات التطبيع العربية مع سوريا؛ ذلك أن عملية إعادة الإعمار بمقدار ما أنها تتطلب استثمارات طائلة إلا أنها توفر من جهة أخرى فرصًا كبيرة في مجالات البنية التحتية والخدمات، والسياحة، والزراعة، وغيرها.

فيما تشكِّل عودة سوريا العربية انتصارًا للجناح المناهض للتغيير والرافض للإصلاح السياسي في الجامعة العربية وتعزيزًا لموقفه، فإن هذه العودة توفر من ناحية ثانية مدخلًا جديدًا للتعاون الذي يتنامى مع روسيا التي تشارك هذا الجناح الموقف من الثورات العربية، إلى جانب مصالح مشتركة أخرى عديدة تبدأ بالطاقة وتمتد إلى الأمن والموقف من التيارات الإسلامية. وتأمل هذه القوى أن تعزز عودة سوريا موقفها الرامي إلى طي صفحة الثورات العربية نهائيًّا، وبالنسبة للسعودية فإنها تمثل رافعة لتعزيز دورها الدبلوماسي المتنامي على الساحتين الإقليمية والدولية، واختبارًا مهمًّا لجدية إيران في التعاون لحل أزمات المنطقة.

عود على المحك

من الواضح أن فك عزلة سوريا العربية جاء ليعبِّر عن حاجة عربية وإقليمية لتسوية الخلافات البينية والانتقال من مرحلة الاستنزاف المتبادل، خصوصًا بعد التقارب السعودي-الإيراني، والتقارب التركي-المصري، والتركي-الخليجي وفي ظل تنامي التنافس الصيني-الأميركي في المنطقة، وأن هذه الحاجة هي التي ستحدد حتمًا طبيعة الدور الذي ستقوم به سوريا في الإقليم وموقعها في اصطفافاته الجديدة. لكن المضي في هذا المسار لن يكون سهلًا؛ إذ سيترتب على الدول العربية مقاومة الضغوط الغربية، الأميركية خصوصًا، الرافضة لمسار التطبيع، وإقناعها بجدوى المقاربة الجديدة، بما يسمح بتجاوز العقوبات أو تخفيفها لإطلاق عملية إعادة الإعمار. سوف يترتب على الدول العربية أيضًا إقناع النظام السوري بتقديم تنازلات تساعدها في هذا المسعى مع وجود شكوك عميقة حول قدرة هذا النظام أو رغبته في تنفيذ أي تعهدات يقطعها في مقابل مساعدته اقتصاديًّا وفي إعادة الإعمار. في كل الأحوال، سوف تتضح خلال الشهور القليلة القادمة جدوى المقاربة العربية الجديدة القائمة على استخدام نظام الحوافز بدل العقوبات لإقناع النظام السوري بتغيير سياساته، وسيكون الاختبار الأول أمامها متصلًا بمكافحة المخدرات وتوفير بيئة آمنة لإعادة اللاجئين.

—————————–

الأسد في القمة العربية: مشهدية جريمة كاملة الأوصاف/ جمال منصور

لا شكّ في أنّنا كسوريّين، خلال السنوات الاثنتي عشرة الأخيرة، اختبرنا قُدراتنا كأفرادٍ ومجتمعاتٍ على الصبر والتحمّل والجلَد واحتمال «التروما» والصدمات النفسيّة واختبار الأهوال والصِعاب. فمن تجربة تَحمُّل عنف نظام الأسد المُمنهج ضدّ الأفراد والتجمّعات السلميّة في أول أشهر قيام الثورة في 2011؛ إلى اضطرار التعامل مع نتائج شنّه الحرب بكامل عُدّتها وعتادها على مجتمعاتٍ بأكملها؛ إلى الدخول في أتون تجربة الانسلاخ عن المنزل والحيّ والمدينة والوطن، وتكبّد وعثاء التهجير واللجوء وذُلّه عند الإخوة والأشقّاء، وصعوباته عند الغرباء؛ إلى التأقلم، رويداً رويداً، مع فكرة أنّ خسارتنا لم تكن عملاقةً، فحسب، بل وأنّها ستكون طويلة الأمَد، إن لم تكن مؤبّدة. كلّ هذا حاولنا ونحاول يوميّاً، كلٌّ في منافيه داخل سوريا وخارجها، التعامل معه بدرجاتٍ متفاوتةٍ من القدرة والنجاح.

لم يكن ينقص أيّاً منّا صعوباتٌ جديدةٌ تُضاف على مشقّات قَدَرنا كسوريّين، لكي تختبر صَبرنا وقُدرة تحمّلنا. إلا أنّ الأخوة الأشقّاء في جامعة الدول العربيّة أبَوْا، بالكَرَم المعروف عنهم، إلّا أن يفعلوا ذلك. فكان التسارع والهرولة من ممثّلي النظام الرسميّ العربيّ إلى «طيّ صفحة الماضي» و«إعادة سوريا إلى الحضن العربيّ» هما هديّتهما إلى ملايين من السوريّين، والعرب، كانت خاتمةُ مَشهديّتها هي استضافة بشار الأسد لاستعادة مقعد سوريا في الجامعة العربيّة في اجتماع جدّة، مُنهين بذلك عُزلته شبه-التامّة التي استمرّت اثنَيْ عشر عاماً بعد قرار تجميد عضويّة سوريا فيها. ما هي الأسباب التي دعَت النظام الرسميّ العربيّ إلى تَمثُّل هذه المشهديّة بالتحديد؟ لمَ هذه المبالغة في الحفاوة والترحاب وتسليط الأضواء على عودة الأسد إلى الوقوف بين «أشقّائه» الأوتوقراطيّين؟ هل من رسائل من وراء هذا المشهد؟ إلى مَن تتوجّه هذه الرسائل، بالتحديد، وما الذي تعنيه بالنسبة لنا، نحن، المواطنين السوريّين والعرب؟

الزلزال الأوّل: «الربيع العربي» والقطيعة

مرّت مياهٌ كثيرةٌ تحت جسورٍ كثيرةٍ في سوريا والمنطقة العربيّة، بعد فيضان غضب وإحباط الجماهير العربيّة الذي تمثّل في التظاهرات السلميّة لـ «الربيع العربيّ». فما بدأ بثوراتٍ سلميّةٍ جماهيريّةٍ، فتحت لدى قطاعاتٍ واسعةٍ من المجتمعات العربيّة أبواب الأمل باستعادة زمام السيطرة على مصائرها، وإحداث تغييرٍ في الأسلوب الاستبداديّ المغلق الذي حكَمها عقوداً طوالاً، وتحسين إدارة شؤونها وأوضاعها المعيشيّة؛ سرعان ما غَرِقَ وأَغرقَ هذه المجتمعات في وحول الرمال المتحرّكة للعنف المفرِط الذي استخدمته الأنظمة الاستبداديّة، والتدخّلات الخارجيّة التي عقّدت المشهد المعقّد أصلاً، والثورات المضادّة التي أعادت تركيب البُنى الاستبداديّة بصوَرٍ أسوأ من تلك التي ثارت الناس عليها بالأساس.

ولم يكُن مصير أيٍّ من بلدان الثورات العربيّة بأسوأ ممّا كان عليه في سوريا، حيث لجأ نظام الأسد إلى تفخيخ المجتمع السوريّ وتفجيره من الداخل بتأجيج وتحريض الخلافات المذهبيّة والمناطقيّة، وقصفه (بالمعنى الحَرفيّ والمجازيّ) ببراميل متفجّرةٍ وأسلحة تدميرٍ شاملٍ مُحرّمةٍ في كلّ الشرائع. وكانت النتيجة الكارثيّة التي بات العالم يعرفها ونعرفها كسوريّين جميعاً: ما بين 306 ألف و580 ألف شهيدٍ وقتيل؛ ما يرْبوا عن 5.3 مليون لاجئٍ مسجّلين رسميّاً لدى مفوّضيّة الأمم المتّحدة العُليا لشؤون اللاجئين (UNHCR)؛ ونحو 6.9 مليون مشرّدٍ داخليٍّ و14.6 مليون مواطنٍ داخل حدود سوريا بحاجة المساعدات الإنسانيّة بحسب أرقام مكتب الأمم المتّحدة للشؤون الإنسانيّة (OCHA). هذا كلّه، فيما خلا الأضرار الماديّة الملموسة في منظومة الاقتصاد السوريّ، التي دُمِّرَت بسبب التدمير المباشر والمتعمّد على يد النظام وحلفائه الإيرانيّين والروس، بالدرجة الأولى والكبرى، وعلى يد بقيّة المتحاربين على الأرض السوريّة. فثمّة ما يُقارب 110 ألف مبنىً متضرّرٍ (بحسب تقديرات 2017) من الحرب الطاحنة، 27.7 بالمئة منها دُمِّر تدميراً كاملاً بينما تضرّر 35.3 بالمئة منها ضرراً كلّياً (يجعلها غير قابلةٍ للاستخدام). وعليه، فرغم أنّ كلفة إعادة إعمار ما دُمِّر منذ العام 2012 حتى اليوم موضع اختلافٍ ما بين المراقبين والمختصّين، يبقى من المُتّفَق عليه ضخامتُها. وتَنوس قيمة إعادة الإعمار ما بين التوقّعات «المتفائلة» التي تضعها عند عتبة 400 مليار دولارٍ، وما بين التوقّعات الأكثر سوداويّةً (والأكثر واقعيّةً، في تقديري) عند رقمٍ هائلٍ هو 1.2 تريليون دولار؛ أي ما بين تسعة أضعاف و27 ضعفاً للناتج المحلّي السوريّ عام 2012!

وقد كان التوافق، حتى بداية العام الحاليّ، وبما يشبه الإجماع الرسميّ عربيّاً، على تحميل النظام السوريّ مسؤوليّة الأوضاع المأساويّة التي وصلتها البلاد خلال العقد الماضي. فمن تصريحات وزير الخارجيّة الإماراتيّ عبد الله بن زايد أمام مؤتمر «أصدقاء سوريا» في باريس عام 2012، التي اشتكى فيها من قيام «النظام السوري بالضحك على المجتمع الدوليّ»، إلى تصريحات مندوب المملكة العربيّة السعوديّة لدى الأمم المتّحدة عبد الله المعلّمي وخطاب «لا تصدّقوهم» الشهير؛ بقي الموقف العربيّ الرسميّ سلبيّاً في العلن من نظام الأسد ومن أيّة إمكانيّات للتقارب أو للتعامل أو التنسيق معه.

التصدّع: جفاءٌ مع واشنطن، وتقاربٌ مع موسكو وبكين

بدأ التصدّع في الموقف العربيّ الرسميّ تجاه النظام منذ نهاية عهد أوباما في العام 2015. فقد بدأت التشقّقات في التحالف التقليديّ بين الدول الخليجيّة، والسعوديّة والإمارات بالتحديد، من جهة وواشنطن من جهةٍ ثانيةٍ، تَظهر بوضوحٍ ساعتها. فقد اتّهمت الدول العربيّة واشنطن بالتضحية بالتزاماتها التقليديّة على مذبح اتفاقها النوويّ مع إيران، خصوصاً فيما يتعلّق بالتمدّد الإقليميّ لإيران في كلٍ من اليمن وسوريا. وبلغ غضبها من واشنطن إلى درجة مقاطعة قادة السعودية والإمارات قمّة كامب دايفيد في أيّار (مايو) 2015، ثمّ عدم استقبال الملك السعوديّ لأوباما في زيارته الأخيرة للسعوديّة في 2016. وكانت من نتيجة هذا الاهتزاز شعورُ كِلا البلدَيْن بضرورة البحث عن بدائل في تحرّكاتهما الإقليميّة، وتنافُسهما مع إيران، ومع بعضهما، على الهيمنة الإقليميّة وضرورات الأمن. لم تطرأ تغييرات تُذكَر في هذه العلاقات، إلا في الشكل، خلال عهد ترامب، إذ لم يُطمئن منهجه «التعاقديّ» القائم على تبادل المنافع عِوَضاً عن التحالف الإستراتيجيّ هذه الدول. وقد عبّر اللقاء العلَنيّ والأسلوب المستفزّ لتصريحات ترامب بشأن استثماراتٍ سعوديّةٍ بما يقارب 450 مليار دولارٍ إبّان زيارة وليّ العهد السعوديّ، بصورةٍ فجّةٍ عن التغيير والتدهور في نوعيّة العلاقات. وتستمرّ هذه النزعة مع إدارة بايدن الحاليّة. فقد توعّدَ في حملته الانتخابيّة وبداية عهده بـ«معاقبة الإدارة السعوديّة» على خلفيّة انتهاكات حقوق الإنسان في اليمن وجريمة اغتيال الخاشقجي؛ لكنّه سرعان ما تراجع عن هذه التهديدات. إلّا أنّ الضرر في العلاقات كان قد وقع، وقد فرض على كلٍ من السعودية والإمارات مراجعاتٍ كبرى في إستراتيجيتَيْهما تجاه الملفّات الإقليميّة، وأهمّها الملفّ السوريّ.

فالقيادتان، السعوديّة والإماراتيّة، ترَيان الوضع الإقليميّ من موشور الفرصة المحدودة زمنيّاً للبلدَيْن قبل انطواء مرحلتهما النفطيّة. إذ يسعى كلٌّ منهما إلى تنويع مصادر الدخل وتَوسِعة إطار الاقتصاد وتثبيت ريادتهما في الإقليم لما بعد نضوب ثروتَيْهما النفطيّة، كما ورد بصورةٍ واضحةٍ في برنامج «رؤية 2030» السعوديّ، على سبيل المثال. تسعى السعوديّة تحت قيادة وليّ العهد محمد بن سلمان إلى تَولّي الريادة عربيّاً واحتواء الأدوار الأخرى (الإماراتيّ والقطريّ، بالتحديد) تحت عباءة هيمنةٍ سعوديّةٍ متصاعدة. وهو ما يفسّر التبدّلات المفصليّة المتسارعة في سياسة السعوديّة داخليّاً وخارجيّاً، التي يمكن الاستدلال عليها في التغييرات البنيويّة في إدارة ملفّاتٍ متعدّدة. فبدلاً من الاتّكاء التقليديّ على الولايات المتحدة، يجري التقارب المتسارع مع روسيا والصين على مستوياتٍ متعدّدةٍ، أهمّها الاقتصاديّ والسياسيّ.

على الجانب السعوديّ، ففيما يتعلّق بروسيا، يأتي الاتفاق (ضمن إطار «أوبك بلاس») على المحافظة على معدّلات إنتاج النفط دون زيادة، وبالتالي، مخالفة الرغبة الأميركية المعلَنة بزيادة الإنتاج وخفض الأسعار لمساعدة جهود ضبط التضخّم. ومنها الموقف السعوديّ كوسيطٍ بين روسيا وأوكرانيا، وبين روسيا وبعض الدوائر الغربيّة في معرِض الحرب الروسيّة-الأوكرانيّة، حيث تقف على «حيادٍ» أقرب إلى لحظ المصالح الروسيّة منها إلى مصالح الغرب والولايات المتّحدة. وذلك كلّه انعكس، كذلك الأمر، على موقف السعوديّة بالتحديد فيما يتعلّق بالشأن السوري، حيث تلعب روسيا منذ العام 2015 الدور الرئيس؛ إذ بدأت السعوديّة تُهدّئ من حملتها الإعلاميّة على النظام تباعاً، حتى الوصول إلى اللحظة الحاليّة. أما مع الصين، فقد تصاعدت وتيرة تحسّن العلاقات بين الرياض وبكين حتى تُوِّجَت بزيارة الرئيس الصينيّ شيجينغ بين التي وُقِّعَت فيها اتّفاقيات بقيمة 30 مليار دولار تحت عنوان «مواءمة مبادرة الحزام والطريق [الصينيّة] مع رؤية 2030 [السعوديّة]»، وكانت من نتائجها، مؤخّراً، توقيع اتفاق التهدئة بين السعوديّة وإيران في بكين، وبرعايةٍ صينيّةٍ معلَنةٍ، اعتُبِرَت ضربةٍ معنويّةً للولايات المتّحدة.

الزلزال الثاني: «تمنّعٌ» ثمّ «غزَلٌ» ثمّ «لقاء»

لقد أثّرَ هذان المساران، مسارُ تضعضع العلاقات العربية مع واشنطن ومسار «الانفتاح» على روسيا والصين، على الموقف العربيّ من النظام السوريّ. كل هذا، مُضافاً إلى ما آلت إليه الثورة، ثمّ الحرب التي نتجت عنها، على الأرض في سوريا من انكشافٍ للوضع العربيّ، كانت كفيلةً بطرح خياراتٍ مختلفةٍ على الدول العربيّة. فقد غيّر التدخّل الروسيّ في 2015 موازين القوى على الأرض في سوريا لصالح تثبيت موقف النظام، ثمّ استعادة المبادرة، ثم إنهاء بؤر الصراع الأخطر على موقفه (حلب في 2016، ثمّ الغوطة في 2018). وفرضَ ذلك على الكثير من الأنظمة الإقليميّة إعادة النظر في تحالفاتها في سوريا، باتجاه عكس المسار نحو استعادة العلاقات مع نظام الأسد.

كانت الإمارات العربيّة المتّحدة هي أولى المبادرين بإعادة فتح سفارتها في دمشق، وسرعان ما تبِعتها البحرين في نهاية عام 2018؛ لكنّ هاتَيْن الخطوتَيْن بقيَتا مقتصرتَيْن على الاعتراف الدبلوماسيّ البارد وقليلٍ من الشكليّات، دون تطبيعٍ حقيقيٍ للعلاقات. فسيفُ الاعتراض الأميركيّ وعقوباته بقيا ماثلَيْن. أضف إلى أنّ نظام الأسد كان «سامّاً» ولا يمكن مساسه لسببَيْن بارزَيْن: إيغاله في الجريمة في سوريا وعداؤه اللفظيّ والفعليّ مع العرب خلال فترة الحرب، وتوغّل إيران في كل مفاصل ما تبقّى من النظام في سوريا. اعتُبِر النظام جزءاً من «رزمة» ملفّ العلاقات مع إيران، وكانت المقاربات تجاهه تتعلّق بتطوّراته التي كانت تمرّ بفترةٍ عصيبةٍ للغاية، وبالتحديد فترة انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاقية النووية، واغتيال قاسم سليماني وما تبعها من تصعيد. إذ كان يبدو وكأنّ إيران قد تضطرّ إلى دفع ثمنٍ ما في سوريا، ما دفعَ السعوديّة بالتحديد إلى إبداء التشدّد حيال النظام السوريّ. فبقيت العلاقات فاترةً ومحدودةً ومحصورةً بهذين البلدَيْن بسبب «فيتو» سعوديٍّ مُعلَن على إعادة تأهيل النظام. وليس خافياً وجود تنافسٍ بين السعوديّة والإمارات على تبوّءِ الدور الإقليميّ الأبرز، رغم وجود مصالح مشتركةٍ وتنسيقٍ على مستوياتٍ متعدّدة.

لكن يبدو أنّ ظرف الحرب الروسيّة على أوكرانيا، وبالتحديد أَثرها على موقف روسيا في سوريا، وتَمدُّد إيران مرةً ثانية رغم عوامل ضعفها الداخليّة بنتيجة التحرّكات الشعبيّة والاحتجاجات وأثر العقوبات المديد على اقتصادها، غيّرَ البوصلة مرةً أخرى. إذ قام الأسد بزيارة الإمارات في توقيتٍ رمزيٍّ لا يبدو أنّه كان عفويّاً (الذكرى الحادية عشر لقيام الثورة السوريّة)، ولو أنّها كانت تبدو من حيث المظهر «زيارة عمل». لكنّها كانت إيذاناً بكسر العزلة عليه. ويَظهر أنّ السعوديّة، من جهتها، اتّخذت قرارها في منتصف العام 2022 بصورةٍ جدّيةٍ بإنهاء مرحلة التوتّر مع إيران، بهدف تأمين أمنها الإقليميّ وسدّ نزيفها الأمنيّ والماديّ في اليمن، خاصرتها الرخوة. يبدو أن التقييم الإستراتيجيّ السعوديّ مبنيٌّ على تَقبُّل خسارة موقفها بصورةٍ ما في كلٍ من سوريا ولبنان وتركهما للنفوذ الإيرانيّ، مع طلب مقابلٍ في اليمن بالتحديد؛ وشراء «راحة رأسٍ» تسمح بتنفيذ برامج «رؤية 2030» وتكوين منطقة نفوذٍ اقتصاديٍ سعوديٍ ستمنحها، في مقبل الأيّام، قوةً ونفوذاً يغيّر من توازنات القوة تجاه إيران، المُهلهلة اقتصاديّاً بحكم سنواتٍ من العقوبات الدوليّة القاسية وسوء الإدارة الكارثيّ للموارد. وهكذا بدأ التعامل مع ملفّ عودة سوريا إلى «الحضن العربيّ» يُتداوَل في الإعلام العربيّ (والسعوديّ بالتحديد)، وإن بخجلٍ وعلى استحياء.

لكنَّ العام 2023 بدأ بتحرّكٍ إماراتيٍّ مباغتٍ، حين قام وزير الخارجيّة الإماراتيّ عبد الله بن زايد بزيارةٍ رسميّةٍ إلى دمشق التقى فيها رأس النظام؛ إذ يبدو أن «قرون الاستشعار» الإماراتيّة شعرت بتصاعد وتيرة الاتصالات السعوديّة-الإيرانيّة، وأرادت أن تنال قصب السبَق في إرسال الإشارات الإيجابيّة إلى إيران، عن طريق تطبيع وضع نظام الأسد في سوريا. ثمّ بعد شهرٍ من هذه الزيارة، وقع الزلزال في شمال غرب سوريا وجنوب تركيا، ومنحَ جهودَ التطبيع الخجولة دفعةً من الجرأة والعلَنيّة، إذ تسارعت وتائره: فسرعان ما زار الأسد سلطنة عُمان ثمّ الإمارات، حيث مُنِح استقبالاً رسميّاً اتّسم بـ«الحفاوة» وبإطلاق إحدى وعشرين طلقةً ترحيباً بقدومه! وسرعان ما تبِع هذه الزيارات تَقاطُرُ الوفود على سوريا، ورفع وتيرة الحديث عن ضرورة «إنهاء القطيعة» و«إعادة المياه إلى مجاريها»، لتصل إلى زيارة وزير الخارجيّة السعوديّ فيصل بن فرحان إلى دمشق في 18 نيسان (أبريل). هذه الزيارة التي أذِنَت بإعادة النظام السوريّ إلى النظام العربيّ الرسميّ بالصورة التي شاهدناها في قمّة جدّة، وقد تمّ ذلك تحت ذريعةٍ إعلاميّةٍ تتحدّث عن ضروراتٍ واعتباراتٍ إنسانيّة فرضها الزلزال، والحاجة إلى «عون الشعب السوريّ الشقيق» وخلاف ذلك من الأعذار.

«إنّما المُستبدّون في الأرضِ أخوة!»

كل هذا مفهومٌ وممكنُ التبرير باعتبارات الأمن الإقليميّ، أو البراغماتيّة السياسيّة، أو ضرورات التنمية الاقتصاديّة، أو خلافها. فالحقائق على الأرض تقول إنّ نظام الأسد تمكّن من التشبّث بالسلطة بأي ثمنٍ، وبالتضحية بكلّ غالٍ ونفيس: برمي الاستقلال والسيادة الوطنيّة، والارتهان التامّ لأجندات داعمَيْه الرئيسَيْن، روسيا وإيران؛ بتفتيت المجتمع السوريّ طائفيّاً ومناطقيّاً، وتفجير البلاد بالمعنى الفعليّ والمجازيّ؛ وبالإيغال في الجريمة، باستخدام الأسلحة الكيماويّة في حربه على مواطنيه، وباللجوء إلى اقتصاد المخدّرات لمراكمة الثروة وسدّ العجز الماليّ الذي تسبّبت حربه على السوريّين به أساساً. لكنّ الواقع هو أنّه تمكّنَ من التمسّك بالسلطة، وبقي عنواناً لأي طرفٍ يريد التعامل مع الشأن السوريّ بأيّة صورةٍ كانت.

لكنّ المفهوم، والواضح بفجاجةٍ كذلك، هو أنّ الجريمة الموصوفة التي ارتكبها نظام الأسد، والتي امتلأ إعلام «الأشقّاء» العرب الرسميّ بتوصيفاتٍ بالغة الوضوح لها عبر عقدٍ من الزمان، وصمةٌ باقيةٌ لم تتزحزح. وهذا يطرح باب التساؤل: هل كانت هذه الحفاوة والاحتفاء بالنظام حتميّةً؟ هل كانت ضَرباً من ضروب «البراغماتيّة»؟ هل كان لا بدّ من استقبال النظام في محفَلٍ رسميٍّ كهذا، رغم كلّ الانتقادات عن هامشيّة أثره الفعليّ، بهذه الصورة؟ ما هي الرسالة من وراء هذا المشهد، وإلى مَن وُجِّهَت؟أجد أنّ الإجابة على هذه التساؤلات تبدأ بالنفي: نفي أن يكون هذا ضرباً من ضروب «الضرورات تبيحُ المحظورات». إذ كان من الممكن تَفهُّمُ هذه العودة فيما لو تمّت بطريقةٍ مكتومةٍ أو خجولةٍ، مثلاً، وتبريرها بضرورات البراغماتيّة ساعتها؛ إرسال رسالةٍ رمزيّةٍ مفَادُها “«نحن نعلم أنّه مجرم، لكنّنا مضطرّون للتعامل معه.». لكنّ الرسالة الرمزيّة الفعليّة لمشهد القمة العربيّة كانت مُرسلَةً إلى الشعوب العربيّة بالدرجة الأولى: «ها هو ’ربيعكم العربيّ‘ قد تمّ دفنه بصورةٍ نهائيّة. لقد أعدنا عقارب الساعة إلى الخلف، وسنبقى نحكمكم مهما حصل. حتى من يُوغلُ منّا في الجريمة، كما فعل بشار الأسد، مكانه محفوظ بيننا. هذا نادينا، نادي الحُكّام المطلَقين؛ نختلف فيما بيننا، نتصارع، نريد إسقاط واحدنا للآخر؛ لكننا في النهاية متضامنون متكافلون، لأنّ مصالحنا أهمّ من أيّة اعتبارات». كانت هذه الرسالة أشبه بالتمثيل الرمزيّ بالجثّة، تصرّفاً يبدو مستوحىً من ممارسات النظام الأسديّ كما وثّقتها وثائق قيصر الشهيرة. وقد وصلت هذه الرسالة التي كانت أهمّ ما في القمّة، إذ لم ينتج عنها، كعادة القمم العربيّة، أيّة قراراتٍ وازنةٍ أو ذات قيمة. نعم، انتهى «الربيع العربيّ»، لكنّ هذه العودة المُظفَّرة لمجرم حربٍ إلى كنَف «أشقّائه» الشامتين بدماء مئات الآلاف من شعبه هي الدلالة لنا أنّنا، كشعوبٍ، أمام معركةٍ طويلةٍ لنَيْل أبسط حقوقنا من طُغَمٍ تتشبّث بالسلطة بأي ثمن وكُلّ ثمن؛ وأنّ علينا أن نتعلّم من هذه الطُغَم كيف نتكاتف ونتضامن في وقوفنا ضدهم، تماماً كما يفعلون في مواجهتنا.

موقع الجمهورية،

——————————–

الأسد في الجامعة وسورية خارجها/ بشير البكر

صار في وسع رئيس النظام السوري، بشّار الأسد، أن يعتبر نفسه خارج العزلة العربية. وبعد أن طوت قمة جدّة قرار المقاطعة الذي دام نحو 12 عاما، يمكن له أن يتحرّك في الأجواء العربية بحرّية، وصار بمقدور المسؤولين العرب أن يقصدوا دمشق بلا حرج رسمي. ومهما يكن من أمر، ذهبت صفحة الجفاء العلني بين النظام السوري وأغلبية الدول العربية أدراج الرياح، غير أنه بدا من خلال الشكل والمضمون، وما ورد في البيان الذي صدر عن القمّة، أن ما جرى هو عودة الأسد إلى المؤسّسة العربية الرسمية من بوابة القمّة، بينما بقيت المسألة السورية معلقة، تنتظر الحل، الذي يشكل مفتاح العودة الطوعية لملايين اللاجئين، وتسوية ملفّ أكثر من مائة ألف معتقل، وإعادة الإعمار. وعلى هذا الأساس، ستبقى العودة إلى الجامعة بمثابة خطوة لرفع حالة العزلة عن النظام، ولم تذهب بعيدا إلى عمق المشكلة، وهناك أسباب كثيرة، منها أن فتح الباب العربي الرسمي أمام النظام لم يتم في إطار تسوية سياسية للمسألة السورية، وجرى التركيز على إنهاء عزلة الأسد، وإهمال بقية الملفّات، وهذا أمر مقصود من القائمين على العملية الذين يبدون غير قادرين، وعاجزين عن علاج جذور المشكلة، وليس لديهم قابلية لاتخاذ موقف يضعهم في خلاف وخصومة مع النظام وداعميه روسيا وإيران، خصوصا وأن النظام رفض التجاوب مع كل المبادرات التي تقدّمت بها الدول العربية للقبول بتسويةٍ حتى في الحدود الدنيا، بل تصرّف على عكس ما شاع في بعض الأوساط، من أنه سيقابل انفتاح الدول العربية عليه، بخطواتٍ رمزيةٍ توحي بأنه مستعدٌّ لحل سياسي للقضية. وجاء خطاب بشّار الأسد في القمّة تعبيرا صريحا عن غير هذا الموقف.

وبالتالي، تشكل العودة إلى جامعة الدول العربية عملية قفز على القرارات الدولية والعربية، ولها عواقب خطيرة، ليس على مستوى التهرّب من مسؤولية الحلّ فقط، بل على صعيد ما سيترتّب على تمييع القضية، وإدارة الظهر لمطالب الشعب السوري في الحرية والكرامة، وترك ملايين السوريين لاجئين في داخل سورية وخارجها يعيشون أوضاعا مأساوية، بالإضافة إلى ما تعانيه سورية من تقسيم إلى مناطق نفوذ دولية، ووجود قواتٍ أجنبيةٍ على مساحاتٍ واسعةٍ من أراضيها، تمثل صراع المصالح والنفوذ بين كل من الولايات المتحدة، روسيا، إيران، وتركيا.

أخطر ما يترتّب على الوضع الجديد ليس عودة النظام إلى جامعة الدول العربية من دون أن يلتزم بأي خطوة مقابل فتح الأبواب العربية أمامه، بل هو أن يعتبر بعض العرب أنه رفع عن نفسه حرج ومسؤولية مساندة سورية وشعبها من أجل حلٍّ سياسي، وإعادة تعميرها. وهذا أمر لن يضرّ بسورية وقضية شعبها فقط، بل بالعالم العربي غير المحصّن ضد التدخّلات الأجنبية، وخصوصا الإيرانية. وهنا تجدر الإشارة إلى نقطةٍ مهمةٍ تتعلق بدور طهران في عودة الأسد ضمن الاتفاق مع الرياض، الأمر الذي يوحي بتفاهماتٍ على حساب السوريين.

الشعب السوري الذي أحسّ بالخذلان والإهانة من استقبال الأسد في جدّة أعطى بلا حدود من أجل الحرية، ولكنه لم يتلق المساعدة الكافية من أجل تحقيق هذا الهدف. صحيحٌ أنه حصل على دعم كبير، عربي وعالمي، إلا أن المخصّص من أجل الخلاص من النظام القاتل كان محدودا. ولذلك لم يتمكّن من الوصول إلى ما كان يطمح إليه بمواجهة نظام عسكري وأمني لديه عدّة رهيبة، بما فيها الأسلحة الكيماوية التي لم يتردّد في استعمالها رغم أنها محرّمة دوليا، هذا بالإضافة إلى مساندة إيران وروسيا له بكل ما تملكانه من إمكانات عسكرية واقتصادية وسياسية، وهو ما جعله يظلّ على قيد الحياة أكثر من عقد، بعد أن خسر موارده الداخلية.

العربي الجديد

——————————-

ما الذي يبقى من صورة جماعية في جَدّة؟/ صادق عبد الرحمن

ليس مُفاجئاً أن قادة الأنظمة العربية ليست لديهم مشكلة مبدئية مع بشار الأسد، فما الذي فعله رئيس النظام السوري سوى أنه استخدم كل ما في جعبته من أسلحة وتحالفات ومذابح لإخضاع محكوميه؛ ليس هذا ممّا يمكن أن يُفسد الودّ بينهم وبينه. لكن مع ذلك، فإن ثمّة ما يُثير الاستغراب في هذا الإصرار على التطبيع معه، لأنه من مألوف السياسة عدم تقديم مكاسب لأطراف أخرى أو خصوم حاليين أو سابقين دون مُقابل، ويبدو صعباً تَصوُّر المُقابل الذي سيُقدّمه بشار الأسد لقاء هذه الخطوة الكبيرة.

بالاستناد إلى البيانات والخطابات العربية الرسمية وشبه الرسمية، يبدو أن المطلوب من بشار الأسد هو إنجاز خطوات ملموسة في ثلاثة ملفّات: تجارة الكبتاغون وعودة اللاجئين وتهديد الاستقرار الإقليمي انطلاقاً من سوريا. الهدفان الأخيران مُشترَكَان مع دول أخرى غير عربية ترغب في التطبيع مع الأسد، وعلى رأسها تركيا، وإن كان «تهديد الاستقرار» يحمل بالنسبة لتركيا معنىً مختلفاً عن ذلك الذي يحمله بالنسبة للدول العربية.

جرى حَشرُ كل هذه المطالب عربياً في مبادرة أردنية مُبهمة حملت اسم «خطوة مقابل خطوة»، ويجري تقديم الأمر في الإعلام على أنه انتصار دبلوماسي، وعلى أنه خطوة أولى ستتبعها خطوات أخرى تتضمّن «تنازلات» من جانب النظام، ما يوحي أن الدول العربية تنتظر من النظام السوري أن يَشرع فعلاً في تنفيذ خطوات تدريجية نحو تحقيق هذه المطالب.

ويبدو واضحاً من سيرة بشار الأسد أنه ليس لديه أي مشروع سياسي سوى البقاء في السلطة، وإذا كان تنفيذ طلبات الدول العربية يضمن سلطته، فلا شكَّ أنه سيعمل بشكل حثيث على تنفيذها. وما زال هناك أمران اثنان فقط يهددان بقاء النظام السوري؛ الأول ضعف الموارد المالية في ظل العقوبات وانهيار البنى التحتية ودمار البلد، والثاني وجود مئات آلاف السوريين والسوريات المناهضين له على الأرض السوريّة وفي الشتات، وكثيرون منهم يعيشون في مساحات خارجة عن سيطرة مخابراته وجيشه في الشمال السوري وفي الخارج، ما يجعلهم تهديداً مُحتملاً في كل وقت، خاصة إذا ما تقاطعت رغباتهم في الخلاص منه مع مصالح ورغبات دول أخرى. يعني الأمر الثاني أيضاً أن بشار الأسد لا يسعه الاستغناء عن الوجود والدعم الإيراني الميداني المباشر، وهو ما يلعب دوراً بارزاً في مآلات التطبيع العربي إذا افترضنا صحّة ما يُقال عن مقاربة عربية تهدف إلى إبعاد الأسد قليلاً أو كثيراً عن إيران.

أما نقص الموارد المالية، فيُعالجه بشار الأسد اليوم بالكبتاغون، ولا شك أنه سيوافق على تقييد تجارة المخدرات المُنفلتة هذه إذا توافرت له مصادر تمويل أخرى «أكثر شرعية» تضمن لنظامه القدر نفسه من الأموال دون مشكلات مع دول الجوار. غير أنه ليس مؤكداً أنَّ الأموال التي قد تدفعها الدول العربية كافيةٌ، في ظلّ العقوبات، لإقناع بشار الأسد بالكفّ عن رعاية تجارة المخدرات. وأما مشكلة السوريين المناهضين لحكمه، فليس هناك حلٌّ واضحٌ لها وليس في مقدوره التعامل معها اليوم سوى بإبقاء الأمور مفتوحة على المجهول وإبقاء الإصبع على الزناد بدعم إيراني روسي. تتعلّقُ هذه المشكلة باثنين من مطالب الدول العربية المُفترَضَة المُشار إليها أعلاه، وهما الكفّ عن تهديد الاستقرار الإقليمي وعودة اللاجئين.

يقتضي إنهاء تهديد الاستقرار أن يتم حل مشكلة النظام مع المناهضين لحكمه دون معارك ومذابح كبرى، وهو ما يعني مُصالحات حقيقية يَأمنُ فيها المعارضون على حياتهم وسلامتهم وأملاكهم. كذلك تتطلب عودة اللاجئين إجراءات مشابهة، يَأمنُ فيها اللاجئون على حياتهم ويَستعيدون من خلالها ممتلكاتهم وقدرتهم على العيش. لكن تنفيذ هذه الإجراءات يرفع من مستوى التهديد الذي تُواجهه سلطة النظام، لأنه يزيد من أعداد مناهضيه على أراضٍ يحكمها، وهكذا يَسعُنا أن نستنتج أنه ليس في وسع النظام أن يفعل اليوم ما يسمح بعودة آمنة للّاجئين، ولا ما يجعل سوريا بلداً لا يُهدد الاستقرار الإقليمي، سواء كان المقصود بتهديد الاستقرار استمرارَ الوجود العسكري الإيراني والتركي أو الاحتمال المستمر لحدوث معارك وموجات لجوء جديدة أو استمرار وجود جماعات مسلحة تشكل خطراً على استقرار دول إقليمية. لا سبيل إلى إنجاز كلّ ذلك سوى باتخاذ إجراءات جدّية في مسار التحوّل السياسي، وهو الأمر الذي خاض بشار الأسد كلّ هذه الحرب كي لا يفعله.

ثمة عواملُ أخرى تَحولُ دون أن يكون لمسار التطبيع العربي والإقليمي مع النظام السوري ثمارٌ ملموسة، لعلّ أبرزها الموقف الغربي الحازم المناهض للتطبيع حتى الآن، وهو موقفٌ مرتبطٌ بدوره بإدراك الدول الغربية أن بقاء النظام هو الذي يُهدّد الاستقرار الإقليمي ويجعل سوريا بلداً مُصدِّراً للّاجئين، وأن التطبيع معه لن يحلّ هاتين المشكلتين بل لعلّه قد يُفاقم منهما.

في مشهد سيكون كابوساً على بشار الأسد ومخابراته، يمكننا أن نتخيل عودة آمنة لجميع الراغبين بالعودة من أبناء وبنات المناطق التي ثارت على النظام. هذا لا يمكن أن يحدث دون أن يكون بدايةً لتحوّل سياسي في سوريا؛ بشار الأسد يعرف هذا جيداً، ويبدو أن الدول الغربية تعرفه، وسيكون الأمر غريباً جداً إذا كانت الدول العربية لا تعرفه.

ليس لدينا مؤشرات تقول إن بشار الأسد بصدد السير في طريق أي تغيير سياسي، وعلى ذلك فإنه ليس في جعبته ما يُقدّمه للدول العربية اليوم، كما أنه ليس في وسع العرب أن يُقدّموا له الكثير في ظل العقوبات الأميركية المُشدّدة. على ذلك، فإن الأرجح أن الدول العربية لا تتوقع أشياء كثيرة من بشار الأسد، ولعلّه يكفيهم أن يكون حضوره بينهم «تصفيراً للمشاكل» على طريقتهم، حيث المشكلات تكون موجودة بالحديث عنها وتختفي بالتوقف عن الحديث عنها، وحيث يكون التقاط صورة تذكارية جماعية دليلاً رمزياً على ما يعتبرونه دفناً للربيع العربي وطيّاً لصفحته بكل ما فيها.

لن يبقى من قمة جَدّة سوى ذكرى واحدة فقط؛ صورة جماعية لطُغاة يحتضنون واحداً من أكبر مجرمي الحرب وتُجّار الكبتاغون في عالم اليوم.

موقع الجمهورية،

————————-

تعريب الأسد: المطلوب ليس أقل من استقالة الائتلاف/ رشيد الحاج صالح

تعود مشكلة المعارضة السورية إلى بدايات الثورة السورية. وتتمثل في ثلاث نقاط: الأولى أن المعارضة الرسمية (المجلس الوطني ثم الائتلاف بنسخة المتعددة) عوَّل على المجتمع الدولي والدعم العسكري أكثر من تعويله على السوريين والحراك الداخلي. النقطة الثانية أن المعارضة الوطنية لا يجوز لها نهائيا أن تأخذ أموال ورواتب (بشكل دوري) من دول أخرى، لأنه في هذه الحالة ستتحول السياسة، بحسب ماكس فيبر، من موضع للكفاح ونيل الحريات إلى موضوع للتكسّب والتعيّش. النقطة الثالثة أن قياداتها كانت تعيش لعشرات السنوات في الخارج وأنها لم تكن تزور الداخل إلا ساعات قليلة، وشبه خلسة، الأمر الذي أبعدها عن معايشة أحداث الثورة ومعاناة الناس الرهيبة.

كل تلك النقاط أبعدت المعارضة الرسمية عن السوريين وقللت من قناعة السوريين بهكذا معارضة. وبالنتيجة الكلية عانى السوريون خلال أكثر من عشر سنوات من معارضة ضعيفة، ومؤسسة تعاني من المحسوبيات والفاسد وضعف الأداء، والأصعب من ذلك أنها أصبحت متمسكة السلطة ومنشغلة بالبقاء فيها أكثر من انشغالها بالثورة ونجاحها، ولم يعد لها أي قدرة على التأثير في الساحة السياسية، سواء في الداخل، أو في الساحة الدولية.

نقول مثل هكذا كلام لأن خطوة عودة الأسد إلى الجامعة العربية لا يمكن تفسيرها إلا بوصفها دلالة على فشل المعارضة الرسمية الذريع قبل أي تفسير آخر. فشل، دفع السوريون ثمنه كثيرا وقد آن الأوان لأن يتوقفوا عن دفع ثمن أخطاء ليس هم من ارتكبها. وبعد أكثر من أسبوع على زيارة الأسد للسعودية وعدم تحمل الائتلاف أي مسؤولية يمكن القول إن علاقة السوريين بالائتلاف وصلت إلى نقطة الافتراق الذي لا رجعة عنه. فهو مدعو إما أن يستقيل بشكل كامل، أو يحل نفسه لانعدام أي جدوى سياسية له، وفقدان أي قدرة له على التأثر في مجريات الأحداث في سوريا. لا سيما وأن غالبية السوريين شعروا بالإهانة والألم بسبب تلك الزيارة.

أصل السياسة بحسب حنة آرندت وفوكوياما وغيرهم من كبار فلاسفة السياسة هو الكرامة. ولا سياسة بدون كرامة. ولا أهمية لأي مؤسسة لا تضع لنفسها كرامة، ولا تضع في أولوياتها كرامة من تمثلهم. يضاف إلى ذلك أن الائتلاف يمارس السياسة بالمعنى الضيق لها؛ أي وصفها وسيلة للوصول إلى الحكم، وليس السياسة بالمعنى الحقيقي، أي العمل على تحقيق الحرية والحقوق والعدالة، وتحويل تلك الأهداف إلى هدف قائم بحد ذاته. فالسياسة هي التي تخدم النضالات والقضايا الكبرى في نهاية الأمر. ولا معنى للسياسة التي لا تنشغل بمثل هذه القضايا الأساسية.

لنكن واضحين، غالبية الأطراف الدولية الفاعلة تنظر للائتلاف على أنهم مجرد ثلة من “الشحاذين” و”المتطفلين على السياسة”، مثلما أنه بات معروفا لدى الجميع أنه يمكن تجاهل مطالبه وفوده بشكل كامل دون أن يؤثر ذلك على الوضع السياسي قيد أنملة. وأن الائتلاف يرضى في النهاية بأي شيء، لأنه ببساطة ” لا شيء” في نهاية الأمر.  وقد دلت المواقف والتطورات السابقة على صحة ودقة هذا الاستنتاج.

السياسة تقوم على وضع احتمالات والعمل على الدفع بالاحتمال الأفضل للفاعل السياسي. وفي حال ظهور خيارات مضادة عليك أن تجهز نفسك للعمل ضد هذا الخيار. الجامعة العربية بضغط من السعودية طبعت مع النظام. ولكن ما الخطوات التي أعدها الائتلاف لمواجهة هذا الحدث؟ الجواب وببساطة هو “لا شيء”، مجرد “تباك وعويل” وكلام فارغ.

يضاف إلى ذلك، ما الخطوات التي أعدها الائتلاف لمواجهة أي احتمالات أخرى تزيد من تعريب النظام وتدويله؟ الجواب هو “لا شيء”، بكل بساطة. ماذا يستطيع الائتلاف أن يقوم به بعد سنة أو سنتين أو خمس أو عشر..، الجواب هو “لا شيء”. لقد فقد الائتلاف أي قدرة على التأثر لأنه في حالة من “الموت السريري”. سنوات الفساد وتقاسم المناصب والمحسوبيات وشهوة السلطة لا بد من أن تفعل فعلها آخر المطاف.

أي معارضة في العالم لها ما لها وعليها ما عليها. هكذا كان ياسر عرفات ونيلسون مانديلا وغيرهم كثير. ولكن أن تتحول المعارضة إلى عبء على المعارضين، وتجعل من السياسة وسيلة للتكسب والوجاهة، من دون التفكير بالتضحية في سبيل تحقيق الأهداف، فهذا ليس بسياسة على الإطلاق، السياسة أن تصنع احتمالات في أحلك الظروف، وأن تلعب في ميادين أنت تختارها، لا أن تلعب في ملاعب الآخرين.

عندما لا تفكر بالخطة “ب”، ولا بوسائل فعالة لتنفيذها فعليك الجلوس في بيتك. الغالبية العظمى من السوريين يجادلون بأن ليس لدى الائتلاف أي خطط أو استراتيجيات واضحة. الاستراتيجية الواضحة هي “البقاء في السلطة” وانتظار ما تأتي به الأيام. يتهكم السوريون، بأسى وحرقة، ماذا لو طُلب من الائتلاف الصلح مع بشار الأسد دون أي مقابل على الإطلاق؟ وتم تخيير أعضائه بين هكذا خيار مهين أو الذهاب إلى بيوتهم؟ يقول أقل المتشائمين بأنهم سيطلبون ضمانات أمنية لأشخاصهم، وإذا كانت هناك بيوت ورواتب وما إلى ذلك فإنهم سيصالحون بدون تردد. 

لا نقول مثل هذا الكلام إلا خوفا من أن تضيع تضحيات السوريين في دهاليز السياسة وتبادل المصالح وعقد الصفقات السياسية. إن أول مسؤولية تقع على ممثل أي قضية هي جعل قضيته فوق الصفقات والتسويات المؤقتة. تحويلها إلى قضية وجودية، قضية حياة أو موت، ودون ذلك لا معنى للسياسة من أساسها.

تلفزيون سوريا

—————————–

حاشية على قمة جدّة/ سوسن جميل حسن

اختتمت القمة العربية أعمالها ببيان إعلان جدّة الذي أعلن خريطة طريق ومشاريع مستقبلية، ما يميزه عمّا سبق هو آليات تفكير جديدة ونظرة إلى المستقبل مبنية على تفكيك الراهن ونقد الماضي كعتبة دخول إلى الغد، هذا ما قدّمه البيان وركّز عليه وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، في المؤتمر الصحافي الذي عقده مع الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، بطريقة مبسّطة ومحكمة وشاملة للمحاور الرئيسية، تُظهر أن هناك انعطافة في طريقة التعاطي مع المشكلات المتجذرة في واقعنا العربي، والتي كانت انتفاضات الشعوب العربية نتيجة لها بقدر ما كانت مشكلة إضافية فوقها، إذا ما نظرنا إلى مآلات هذه الانتفاضات، وواقع الدول العربية الحالي، إذ ركّزت القمة، أمام المعضلات الكبيرة التي تواجهها في عدة دول عربية، وما يمتد منها إلى بقية الدول، فتصيب الأمن العربي والاقتصاد العربي والاستقرار العربي في باقي الدول، على ضرورة الدخول في العصر بمقدّراتنا ومواردنا وتكاملنا، وذلك بامتلاك أدوات هذا الدخول، وركّزت على المبادرات المستدامة، معالجة التحدّيات عن طريق فكر اقتصادي حديث، وبناء مبادراتٍ مبنيةٍ على تصوّر استثماري من خلال استغلال سلاسل الإمداد بفاعلية أكبر، وإنشاء حاويات فكرية معتمدة على الحوار في فهم كيف نبني اقتصادات أكثر استدامة، ومبادرة البحث والتميز، ومعالجة مشكلة المياه، والتقدّم في تقنيات هذا المجال، من أجل تعزيز الأمن المائي العربي، ما يعني أن نخفّف من الاعتماد على الآخرين، والمثال ما حققته السعودية من تطوير منظومة المياه لديها، عدا دول عربية أخرى، كما التركيز على أهمية الاستدامة الثقافية، هذا إن دلّ على أمر أساسي، فهو الانتقال إلى الفعل المبني على دراسة متأنية وعميقة للواقع العربي، ونقد الماضي بتجاربه السابقة وما آل إليه على صعيد المنطقة العربية، ثم التأسيس للمستقبل على أرضية مدروسة، وهو ما لخّصه الأمين العام للجامعة أيضا في إجابته على بعض الأسئلة، التي اهتمت بشكل أساسي بالعلاقة مع الخارج، إذ قال: ينبغي الاعتراف بأن غالبية المشكلات العربية، في الأعوام العشرة الماضية وربما أكثر، كانت تعالج خارج الإطار العربي، أما اليوم فهناك لجان متخصّصة لكل مشكلة من المشكلات الموجودة من سورية إلى السودان إلى ليبيا وغيرها، ويجب أن نعمل بمعزل عن رؤية القوى الخارجية لهذه الخطوة، ويقصد بها عودة سورية إلى جامعة الدول العربية، فهذا خاص بالشأن العربي، وهي دولة منشئة للجامعة، واستعادة مقعدها شأن عربي، علينا أن (نقنع) القوى الأخرى بصحّة النهج العربي، وهناك اجتماع قادم بين المجموعتين، العربية والأوروبية، أتمنّى ألا تقرر القوى الرافضة لهذه العودة أن تقاطع هذا الاجتماع، فهؤلاء يشكلون ربع عضوية الأمم المتحدة، نرغب بالعلاقة الطيبة مع الجميع.

تفاصيل ما جاء في المؤتمر الصحافي، وقبله في بيان المؤتمر المعقود على إثره، كلها تشير إلى رؤية جديدة للواقع العربي، واستراتيجية جديدة، قائمة على التفكير الاستقصائي والتحليلي والاستقرائي لواقعنا، وهذا كله يُبنى على السؤال، فكل تفكير لا يبنى على السؤال هو مقيّد وغير مثمر، والسؤال كي يكون مجديًا ودافعًا إلى التقدّم في الوصول إلى براهين، يجب أن يكون مبنيّا على أرضية حرّة، مستقلة عن أي إيديولوجيا أو عقيدة أو أجندة سياسية وغير سياسية، السؤال لا ينبني مع القيد والفكر الواحد، وما تشهده السعودية في السنوات الأخيرة، هو تطوّر لافت وانفتاح على العصر في سبيل النهوض بالمملكة ومواكبة المسيرة الإنسانية، وهذا لم يأت من سراب، أو من نبوءة أو حلم، ولم ينزل على النخبة السعودية من فوق، بل هو نتيجة عمل فكري يقوم على السؤال منذ البداية، سؤال الماضي والحاضر، وسؤال الحداثة وما تتطلّب.

لكن، عندما يكون المواطن مقيّدًا، والمجتمع مقيّدًا، والشعب مقيّدًا، بفكر شمولي، وتربية تقوم على تنشئة الأجيال على التلقي السلبي، من دون إتاحة الفرص للعقل كي يعمل بطاقته المكنونة، التي يعمل التقييد والمحاصرة على جعلها في حالة عطالةٍ ممتدّة، وعندما تُحاصر الحريات، ويُقمع الرأي والتعبير، ويُفرض خطابٌ من فوق يخدم سياسة النظام الحاكم، فإن هذا سوف يُغلق الأبواب أمام الطاقات المنتجة، ويقضي على الإبداع بكل أشكاله. ومن الأمثلة الأخيرة ما جرى في المؤتمر الصحافي للقمة العربية، عندما طرحت مندوبة الإخبارية السورية أسئلتها، لوزير الخارجية السعودي والأمين العام للجامعة، على طريقة الخطابات الإيديولوجية ولغتها الخشبية التي صارت مثل حطب البرّية: في ظل مناخ دولي بات يدفع نحو التحرّر من (الإملاءات الخارجية)، التي كانت تحت سقف قراراتها وخياراتها (وتقصد الجامعة)، إلى أي حد ساعد التحرّر من سطوة الإملاءات الخارجية في بناء سياساتها على أساس المصلحة القومية، وليس على أساس مصلحة الخارج وهو ما عجل لم الشمل العربي؟ وفك طوق القيود الغربية وساعد في إيجاد آلية تفاعلية للجامعة العربية؟ ولماذا تمت دعوة زيلينسكي إلى القمة؟ هل هناك مدلول سياسي أرادته المملكة السعودية؟ ثم نطقت بالسؤال الذي لا يمكن لأي شخص نشأ في أقلّ حدّ من الحرية أن يطرحه على شخصية دبلوماسية عتيدة وعريقة كالأمين العام لجامعة الدول العربية: كثير من الشارع العربي لم يعد يتابع قمم الجامعة العربية لاعتبارات كثيرة، اليوم كيف تعيدون إقناع هذا الشارع بأن الجامعة تغيرت وكيف تعيدون الثقة؟ ما اضطر الأمين العام إلى مقاطعتها بتقديم ردّ يدحض سؤالها، وبأنه كان يلهث في الفترة الماضية خلف الإعلام، ليقرأ المزيد والمزيد عن أخبار القمة العربية وانتظارها، وهذا ما يشير إلى الاهتمام الكبير بها، وتابعت مقاطعة إياه: هل ستقدّم نفسك بأنك المخلص؟ وأنهى كلامه وسط تصفيق حاد، تبعه تأكيد الوزير السعودي وموافقته على ما قال، وأن هذا الطرح من الماضي، والجامعة مهتمة بالإنجاز وبالمستقبل، ليتتابع التصفيق.

هذا ما تنتجه الأنظمة الواحدية، التي تقصقص أجنحة العقل والخيال، وتنتج أفرادًا في مختبرات ضخمة، تمتد على مساحة الأوطان، فيصير الخطاب واحدًا من الهرم إلى القاعدة، وتقصي الأفراد عن صناعة المستقبل، بل تسخّر الطاقات كلها لصناعة واقع تمتدّ جذوره نحو الماضي، من دون أن تولي الماضي أي اهتمام أو دراسة، وكأنه خاضع للمحو وإعادة التشكيل بما يخدم فكرها وأجنداتها.

الماضي لا يمكن تجاوزه وتحرير الحاضر والمستقبل منه من دون تفكيكه ونقده وتجاوز عثراته، والبناء فقط على ما تأسّس فيه من بنى تخدم المستقبل، ولا يمكن تجاوزه بإلقاء الكلمات بلا مسؤولية، كما صرّح وزير الخارجية السورية، فيصل المقداد، عشية انعقاد مؤتمر وزراء الخارجية العرب للتحضير للقمة العادية في جدّة: إن مشاركة بلاده في هذه القمة تعتبر “فرصة جديدة حتى تقول دمشق للعرب إنها لا تتطلع إلى الماضي وإنما إلى المستقبل”، وكأنه يقول للأنظمة العربية: لقد سامحناكم، فتعالوا لنرسم المستقبل كما نريد نحن.

ثقافة السؤال أولى لبنات التفكير المنتج الذي يفتح آفاق الرؤية المستقبلية، والسؤال لا ينمو إلّا في جوّ من الحرية، التي من أجلها دفع الشعب السوري الفاتورة الأعظم في التاريخ الحديث للبشرية، والحرية، هذه الجوهرة الثمينة، لا يمكن أن تتحقّق من دون التخلص من تركة الماضي، والتخلص من هذه التركة لا يكون بالقفز فوقه إلى المستقبل، بل بالاعتراف بالارتكابات والأخطاء، كخطوة أولى في تحقيق العدالة الانتقالية، بعدها يمكن الحديث عن مجتمع يمشي في طريق التعافي، ومنها تعافي فكره ليتعلم ويعلّم أبناءه قيمة السؤال وأهميته في استدامة الحياة.

العربي الجديد

——————————-

زرعته المعارضة السورية وجناه النظام/ طارق عزيزة

أثارت عودة النظام السوري إلى جامعة الدول العربية، ومشاركة بشّار الأسد في قمّة جدّة عاصفةً من ردود الفعل الغاضبة والمستنكرة في أوساط السوريين المعارضين، في الإعلام وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، حيث امتزج الغضب بالإحباط ومشاعر الخذلان. في الوقت نفسه، قلّلت أصواتٌ هنا وهناك من أهمية ما جرى، استناداً إلى افتراضٍ من الصعب الركون إلى صحّته أو احتمالية تحقّقه إذا كان صحيحاً، عن مطالب وشروط عربية مرتبطة بالتسوية السياسية، على الأسد تلبيتها في قادم الأيام. وإذ ركّز بعضهم على هجاء جامعة الدول العربية، وخصوصاً الدول التي دعمت جهود النظام الرامية إلى استعادة مقعد سورية فيها، وهيّأت الظروف لتحقيق هذه الخطوة، فإنّ هناك من لم ينسَ التذكير بمسؤولية هيئات المعارضة السورية الرسمية عن المآل الذي انتهت إليه الأمور، في إشارة إلى فشلها السياسي المزمن، وتبعيتها المطلقة للجهات الداعمة والمموّلة، فضلاً عن فسادها وترهّلها.

ليس خافياً أنّ الكيانات السياسية المعارضة التي تشكّلت بعد الثورة السورية، ونالت اعترافاً عربياً ودولياً، لم تنبثق من الشارع المنتفض، ولم تكن هيئاتٍ منتخبةً تحوز شرعيةً تمثيلية، وإنّما فُرضِت على السوريين من بعض دول فاعلة إقليمياً وعالمياً، بدءاً من تجربة المجلس الوطني السوري، مروراً بائتلاف قوى الثورة والمعارضة و”الحكومة المؤقتة” التابعة له، وصولاً إلى الهيئة العليا للمفاوضات، وأخيراً وفد المعارضة في اللجنة الدستورية. وعلى الرغم من وجود من تحلّى بشيءٍ من المصداقية والالتزام الجدّي بالقضية السورية بين المجموعات والشخصيات التي تشكّلت منها تلك الأجسام السياسية، إلا أنها لم تكن، في المحصلة، فرادى أو مجتمعة، على قدر المسؤوليات والتحدّيات الكبرى التي تطلّبتها الثورة السورية، وكثيراً ما أُهدِرت الجهود من أجل مصالح أو خلافات شخصية وحزبية، على حساب المصلحة الوطنية، بل كثيراً ما فاق ولاءُ أصحاب القرار للدول الراعية والتزامُهم أجنداتها ولاءَهم لقضية الشعب السوري وتطلّعاته، على ما يُستشفّ من سلوكهم وحصيلة عملهم.

استطاع ثوّار سورية وثائراتها، في بدايات الثورة، جذْبَ الدعم والتضامن الشعبي قبل الحكومي، على المستويين، العربي والدولي، بصورة فاقت مثيلاتها في أيٍّ من محطّات “الربيع العربي”، وكان من أهم أسباب ذلك مدنية الثورة واتساع نطاقها، والأشكال الإبداعية من النضال السلمي التي انتهجها السوريون في مواجهة العنف المفرط لأجهزة الأمن. ومع تفاقم وحشية النظام وزجّه الجيش للقضاء على الثورة، انحسر الحراك الشعبي، وظهرت المعارضة المسلّحة تحت مسمّى “الجيش السوري الحر”، لتستمرّ حالة التضامن والتعاطف مع الثورة السورية، لكن إلى حين.

خيّمت فوضى السلاح وحالة التناحر الفصائلي على المشهد، وتشكّلت مجموعات إسلامية مقاتلة، ينتمي بعضها إلى تيار الجهاد العالمي، أنكرت المعارضة وجودها بدايةً، ثم اختارت تغطيتها سياسياً عبر بياناتٍ رسمية تعدّها “جزءاً من ثورة الشعب السوري”، بالتزامن مع فشلها في إدارة المناطق التي خرجت عن سيطرة النظام الذي غذّى آلته الدعائية بكلّ هذه المعطيات، وعمل على تضخيمها لتكريس سرديته عن “محاربة الإرهاب”.

تضافرت تلك العوامل وغيرها، لتدفع دولا عديدة دعمت الثورة في البداية إلى إعادة النظر في مقارباتها السياسية والأمنية للملف السوري. على هذا النحو، لم تعد قصة “محاربة الإرهاب” جزءاً من بروباغندا النظام وحلفائه فقط، بل تحوّلت إلى بندٍ ذي أولوية قصوى على جدول أعمال خصومه. وراجت لدى هؤلاء مقولة “غياب البديل”، من أجل تبرير تراخي مواقفهم تجاه الأسد ونظامه، نظراً إلى الحقائق الناشئة على الأرض، والنموذج البائس الذي قدّمته فصائل المعارضة في مناطق سيطرتها.

مؤكّد أنّ بقاء نظام الأسد لم يكن نتيجة صموده اعتماداً على قدراته الذاتية، وإنما بفعل تدخّل إيران وروسيا بكل قوّة لإنقاذه، لكنّ ما ساعدهما على النجاح افتقار المعارضة المسلّحة لغطاء جوي، ومحدودية الدعم العسكري المقدّم لها، لاعتباراتٍ تتعلّق بتفاهمات دولية وإقليمية معقّدة، لم تحسن هيئات المعارضة السياسية فهمها أو التعامل معها. أغلب الظنّ أنّ المآلات كانت ستختلف، سياسياً على الأقلّ، لو أنّ المعارضة حرصت على التمسّك بشيءٍ من الاستقلالية، بحيث تسعى إلى استغلال التناقضات بين مختلف الأطراف، عوضاً عن العمل في خدمتهم والتنكّر لضحايا النظام في المقابر والمعتقلات. كان حريّاً بها أن تحاول التأثير على مصالح القوى الخارجية ميدانياً، بالشكل الذي قد يؤدّي إلى نتائج تصبّ في مصلحة الشعب السوري، أو على الأقلّ يجعل من مسألة التطبيع مع النظام أكثر صعوبة. وبناءً على ما سبق، يمكن القول إنّ بعض ما يجنيه الأسد اليوم هو ما زرعته المعارضة في الأمس.

العربي الجديد

———————

موت النظام العربي/ سمير الزبن

منذ ولادته، صبغت الصفة القومية النظام العربي، وهي سمة تميّزه عن النظم الإقليمية الأخرى، وجعلته يتمتّع بدرجة عالية من التماسك الثقافي واللغوي والاجتماعي، كان من المفترض لهذه السمات أن تمنحه تماسكاً سياسياً واقتصادياً وعسكرياً. لكن التناقض بين سلطات الدول العربية وما يمكن أن يبنى عليه، جعل النظام العربي إطاراً شكلياً أخفى صراعاتٍ وصلت إلى صدامات مسلّحة، وإذا قورِن بتجمّعات أخرى لا جامع لغوياً بينها، ولا تقارب اجتماعياً، نجد أنها استطاعت إنجاز تقدّم على صعيد التعاون السياسي والاقتصادي الذي لا يُقارن بما وصلت إلى العلاقات العربية ـ العربية من صراعات أوصلت الواقع العربي الجماعي إلى نوع من انحلال العلاقة. وعقد القمم العربية لا يجعل هذه الصورة أفضل، خصوصاً أن المواطنين العرب قد فقدوا الأمل بهذه المؤسّسة منذ عقود.

السمات العامة المشتركة التي تتمتع بها كل الدول العربية لا تمنع وجود سمات جهوية ووطنية خاصة تميز بعض بلدانها، لكن هذه السمات تعمل على إثراء الانتماء، لا على إضعافه. وقد تتوافر بعض هذه السمات في نظم أخرى بدرجاتٍ متفاوتة، ولكنها بالتأكيد لا توجد في أي نظام بالدرجة نفسها التي تتوافر بها في النظام العربي، ومنذ حداثة ولادته، وحداثة ولادة أطرافه، حيث لا يمكن الحديث عن نظام إلا بوجود أطرافٍ مستقلّةٍ تعمل داخله. إلا أنها تاريخياً تميّزت بشبكة معقّدة من التنظيمات الحكومية والشعبية السياسية وغير السياسية. ومن بين تلك المنظمات جامعة الدول العربية التي حملت منذ ولادتها ما عانى منه النظام العربي باعتبارها رمزاً للنظام. ومن هنا، جمع النظام العربي بين سمتي القومية والإقليمية. ويمثل هذا الجمع إطاراً مفيداً لفهم شبكة العلاقات المعقدة في المنطقة، التي تتم أحياناً بشكل رسمي بين حكوماتٍ تتنازع وتتصارع ويشكو بعضها بعضاً إلى الهيئات الدولية، وأحياناً أخرى بشكلٍ غير رسمي على مستوى شعوب لها المشاعر والتطلعات والآمال نفسها، وهناك قوى وتيارات تجد مصالحها في تشجيع السيادات القُطرية، وأخرى تؤكّد أن لا مستقبل حقيقياً لنا جميعاً إلا في إطار الوحدة العربية. فعلى مستوى الحكومات وتفاعلاتها، يشكّل النظام العربي إطاراً تفاعلياً مميزاً بين الدول العربية، يفترض أنه يتسم بنمطية وكثافة التفاعلات بما يجعل التغيير في جزء منه يؤثر في بقية الأجزاء (وهذا ما عرفناه بوضوح مع ثورات الربيع العربي التي هزّت المنطقة)، وبما يؤدّي أن يحمل ضمناً داخلياً وخارجياً بهذا النظام كنمط مميّز.

ثنائية النظام العربي تميّزه عن غيره من الأنظمة الإقليمية، لكونه نظامين في الوقت ذاته، أحدهما نظام دولاني، وثانيهما نظام مجتمعي عربي ينبثق من وجود هوية أصلية. لذلك لا يمكن إقامة نظام جماعي في المنطقة يتجاوز هويتها. إذ إن الهوية الأصلية لا تتأسّس على مفاوضاتٍ ولا تنتهي بتغيير بنية القوى في نظام معين وتحوله إلى نظام آخر. فإن التجمّعات التي طُرحت بدائل للمنطقة، لا تستطيع إلغاء هذه الهوية، ولا أن تقيم بديلاً منها في شكل انتماء ثقافي حضاري مزيف. فالتجمعات البديلة التي طُرحت، هي صيغة لتجاوز هذه الهوية القومية، وصياغتها على أسس مصلحية، تربط بين الدول المتجاورة بعيداً عن هويتها القومية، وفي مواجهة هذه الهوية.

فالصفة القومية لا يمكن نكرانها أو تجاوزها بالنسبة إلى النظام العربي، ولكن هذه الصفة لا تعني بالضرورة أن يكون أداء النظام أكثر تماسكاً، سعياً وراء أهداف موحدة. أو أن تعمل هذه الصفة على تخفيف حدة الخلافات بين أطراف النظام، التزاماً بالانتماء الواحد. على العكس من ذلك، فقد عملت هذه الصفة، في ظل مفاهيم الوصاية التي سادت عند بعض الأنظمة التي اعتبرت نفسها حامية القومية إلى تفتيت هذا النظام، وزجّه في صراعات متنوعة، فالقومية العربية، تياراً فكرياً، وحركة سياسية، عاصرت فترات من المدّ والجزر، ولكنها بقيت دائماً منذ تبلورها كقوة كامنة تصارع واقع التجزئة القائم على أساس دويلات قطرية. وهذا الصراع بين تلك القوة الكامنة وواقع التجزئة السائد، الذي حاول تكريس نفسه من خلال مفهومي السيادة والمساواة المعترف بهما للدول في القانون الدولي، يزيد من حدّة التوترات داخل النظام دون أن ينفي وجوده. أي إن النظام العربي… نظام إقليمي قومي، لأنه يتميز بوجود نمط خاص من التفاعلات بين عناصره، ولو كان الطابع الصراعي لهذه التفاعلات غالباً على طابعها التعاوني. ومن هنا يشكّل النظام العربي شبكة معقّدة من التفاعلات تؤثر تأثيراً عميقاً وباتجاهات متباينة على كل طرفٍ من أطرافه. وتفرض هذه الشبكة المعقدة من التفاعلات على أطراف النظام في حالات معينة أن تأخذ بالاعتبار في قرارها الداخلي هذه الاعتبارات، التي تصبح إطاراً عاماً يصعب تجاهله عند وضع السياسات والقرارات الداخلية والخارجية.

فعالية أي نظام ترتبط بالتوجّهات التكاملية التي يسعى لتحقيقها، وإنجازاته محكومة بالتوجّه القصدي لمجموعة من الدول لبناء روابط وثيقة فيما بينها، انطلاقاً من شعور مشترك بمهمة أو مسؤولية متبادَلة حيال إنجاز ما في المجالات الأمنية أو الثقافية أو الاقتصادية أو كلها معاً. ليس النظام العربي حاصلاً لجمع الخصائص الداخلية لنظم الحكم في البلاد التي تشكّل هذا النظام، فهناك آليات خاصة تنشأ بمجرّد اجتماع عدد معين من الدول على تشكيل رابطة في ما بينها، وهذه الآليات مستقلّة إلى حد ما عن الأسس الاجتماعية والطبقية والأيديولوجية للنظم الداخلية في هذه الدول. والنظام العربي تشكّل وتطوّر تحت تأثير طائفة من التحوّلات الأيديولوجية المميزة لنظم حكم معينة، على أن هذا التأثير ظلّ هامشياً إلى حد ما، ومحصوراً بمجمل التمايزات الأيديولوجية التي يدفع إليها العصر نفسه أو ذاتية التفاعلات الإقليمية في سياق دولي بعينه. وظل النظام العربي طوال تاريخه يعترف ضمناً بالتعدّدية السياسية والأيديولوجية التي ميّزت الخريطة السياسية العربية الفعلية منذ نشأة النظام. وإذا كان هذا النظام يعترف بالتعدّدية السياسية على المستوى الرسمي، فإن هذا الاعتراف قام لتبرير التحلّل من الالتزام الذي يخدم الاتجاهات الأخرى، خصوصاً في ظل الصيغة غير الملزمة التي صاغها النظام في إطاره المؤسّسي. وهي ما ساهم في شلل النظام في ظل الانقسامات التي سادت ردحاً طويلاً من عمر النظام. ولكنها في المقابل على المستوى غير الرسمي، أفرزت أشكالاً متعدّدة من التفاعلات، التي يصعب قياسها لعدم تمظهرها بشكل مؤسّسي أغلب الأحيان.

اليوم، وفي ظل حالة الضعف الشامل التي تعاني منها المنطقة، نستطيع القول إن النظام العربي قد مات، رغم كل المحاولات الرسمية الفاشلة في إنعاش جثته الهامدة.

العربي الجديد

—————————-

ترميم الخراب بالخراب/ الياس خوري

الذين أصيبوا بخيبة الأمل والإحباط بسبب عودة سوريا إلى الجامعة العربية، ومشاركة بشار الأسد في قمة جدة، كانوا على خطأ.

عودة الديكتاتور السوري إلى مكانه إلى جانب أقرانه من المستبدين العرب وإلى الكرسي المخصص له على مائدة التردي العربي مسألة طبيعية.

انتهت خدعة أن يدعي مستبدون همهم الأساسي خنق الحرية في بلادهم، دعم انتفاضة الشعب السوري من أجل الحرية.

الخدعة انتهت قبل عقد القمة بسنوات عديدة، عندما تم نحر الانتفاضة الشعبية السورية بأموال النفط، التي مولت الخراب الذي صنعته القاعدة وأشباهها من الأصوليين، فسقطت سوريا في صراع وحشي بين استبدادين، وطُرد الشعب من المعادلة.

طرد النظام السوري من الجامعة العربية كان نتيجة الصراع بين أصوليتين: الأصولية الوهابية وأصولية نظام الملالي، وهو صراع قاد المنطقة إلى هاوية الصراعات الطائفية والمذهبية، التي تم إيقاظها من السبات.

ومع المصالحة السعودية-الإيرانية، التي لا تزال غامضة الملامح، انتهى فصل من اللعبة.

وكانت عودة بشار الأسد هي النتيجة المنطقية لهذه التسوية الإقليمية التي أنهت أوهاماً وأكدت أوهاماً أخرى.

هزيمة الشعوب أمام الاستبداد ووحشية الآلات العسكرية التي قمعتها، يجب ألا تقرأ في كتاب الاستبداد العربي الأسود. إنها تعيدنا إلى الأسئلة الكبرى المؤجلة، حول كيفية الخروج من الانحطاط الذي حوله النفط إلى بنى سياسية وثقافية استولت على الفضاءات العربية.

هناك ربيعان:

ربيع الشعوب الذي طحنه القمع، لكن حلمه سيبقى حياً، وسيتجدد من خلال عمل فكري وسياسي جذري جديد.

وربيع المستبدين الذي مات في جدة. فالذين استعجلوا تثمير الغزو الأمريكي للعراق في حروبهم الصغيرة والكبيرة، فهموا أن محاولاتهم لم تقد إلا إلى الخراب، فاستداروا من أجل الدفاع عن بقائهم بوسائل جديدة.

ربيع الشعوب في مكان آخر. فالشعوب تحول ربيعها إلى دم وخراب، ومن الخطأ قراءة حكايتها المأساوية في سياق تحليل الاحتفال العربي بتتويج محمد بن سلمان ملكاً، أو في سياق الحفاوة بانتصار بشار الأسد على الشعب السوري.

والحق يقال، فإن الأمور بدأت تعود إلى نصابها الطبيعي، وأن ارتدادات غزو العراق التي أفقدت المنظومة السياسية العربية توازنها ودفعت بها إلى التخبط قد انتهت. عاد المستبدون إلى صوابهم، وانتهت الكلامولوجيا التي أوحت بأن أنظمة الاستبداد النفطية تدعم الثورات الديموقراطية! أو أن الخلاف بين مستبد مُطبّع ومستبد مُمانع هو على مقاومة إسرائيل؟ وهمد جنون الصراع العربي-الإيراني، الذي فتح أبواب الهاوية الطائفية والمذهبية، وعاد الجميع إلى حظيرة البؤس والقمع.

أخيراً تصالح المتشابهون، بعد أن تم تدمير المراكز السياسية والثقافية في المشرق، بيروت ماتت روحها، ودمشق ابتلعها الظلام، والقاهرة في يد العسكر، وبغداد عاجزة عن تضميد جراحها.

صارت مصالحات المستبدين ممكنة بعدما زال خطر التغيير، وساد اليأس والفقر والهوان.

وفي الوقت الذي احتفل فيه النظام العربي بمصالحاته، وبرهن عن قدرات تكتيكية كبيرة تمثلت في جمع بشار الأسد وزيلينسكي في قاعة واحدة، كانت الأمور على امتداد القارة العربية تتخذ مسارات أخرى، لا علاقة لها بالقمة العربية.

كان القادة العرب مشغولين بترميم صورتهم وعلاقاتهم، فلم يلاحظوا أن ما اعتبروه إعادة صوغ لصورهم الممزقة وبؤسهم السياسي سيبقى مستحيلاً، لأنهم عاجزون عن معالجة المشكلات الثلاث الكبرى التي يتخبط فيها العالم العربي.

المشكلة الأولى اسمها فلسطين، واللافت أن القمة أعادت تذكيرنا بمبادرة السلام العربية التي مزقتها اتفاقيات «أبراهام»، متناسية الدم الذي سال في غزة قبل أيام قليلة من انعقادها، أو مصير القدس التي غطتها مسيرة الأعلام العنصرية.

هل تمعن القادة العرب في معنى الهتاف المركزي الذي هدر في شوارع القدس العتيقة: «اليهودي هو الروح والعربي ابن عاهرة»، هذا من دون أن نتكلم عن الشعارات الأخرى البذيئة التي كانت عبارة عن شتائم لكل ما هو عربي. ثم جاء تصريح بن غفير في ساحة الأقصى معلناً أنهم أسياد القدس وكل فلسطين التي يطلقون عليها اسم «أرض إسرائيل»، لينتهي الاحتفال بالقمة العربية في اجتماع الحكومة الإسرائيلية في النفق، تحت المسجد الأقصى الذي أكد على تهويد القدس، مزدرياً الكلام العربي الذي هو أحد أشكال البُكم.

المشكلة الثانية هي ترميم الخراب الذي صنعوه في السودان، فتحول الشعب السوداني الذي صنع واحدة من أجمل الثورات الشعبية في العالم إلى ضحية بين مطرقة الجيش وسندان قوات التدخل السريع، وتم فتح الباب أمام تمزيق البلاد طائفياً وإثنياً.

أنظمة الخراب العربي كانت معنية بمسألتين في السودان: دعم الانقلابيين ضد الشعب، والتطبيع مع إسرائيل.

وكان لها ما أرادت، لكن انظروا إلى النتيجة.

أما المشكلة الثالثة فاسمها الانهيارات الاجتماعية والإفقار. نرى ذلك بوضوح في سوريا حيث تحول الشعب السوري إلى شعب من اللاجئين، كما نراه في مصر التي تتخبط في أزماتها الاقتصادية، ويتجلى أخيراً في الخراب اللبناني الذي كان على هامش هوامش القمة.

الطبقة السياسية المافيوية اللبنانية تتحمل المسؤولية الأولى عن خراب لبنان الذي دخل في هاوية الاندثار. غير أن هذا الخراب الذي زيّن للبعض أنه قادر على وراثة دور بيروت، وتم له ذلك على أكثر من صعيد، هو المؤشر الأول لدخول المشرق العربي في دورة انحطاط جديدة.

أمام هذا الهول من المشكلات لم تقدم القمة سوى مشهدية إعلامية، أعلنت أن النظام العربي يداوي انحطاطه بمزيد من الانحطاط، ويرمم خرابه بالخراب.

القدس العربي

——————————

في مديح الديكتاتورية!/ يحيى الكبيسي

في مقالة الأسبوع الماضي أشرنا الى أن العراقيين كانوا، ولا يزالون، ينتقدون بقسوة المجتمعات العربية بسبب دعمها لنظام صدام حسين، ويتهمونها بأنها لم تلتفت إلى مأساة المواطن العراقي الذي كان عرضة لانتهاكات النظام وبطشه، لكن هؤلاء أنفسهم لا يرون في دعمهم لنظام طائفي وشمولي ومجرم مثل النظام السوري، بالمال والسلاح والمقاتلين، أي مشكلة أخلاقية!

ويصرون على أن احتجاجات السوريين وثورتهم لم تكن سوى «مؤامرة كونية» ضد سوريا، ويفرضون أنفسهم أوصياء على السوريين، فيضعونهم بين خيارين زائفين هما الديكتاتورية أو الفوضى انتصارا للديكتاتورية!

في صحيفة «الصباح» الرسمية العراقية نجد مقالا بمناسبة إعادة اعتراف الجامعة العربية بالديكتاتور بشار الأسد مالكا حصريا لسوريا يقول فيه صاحبه: «رفعت القمة العربية في جدة شعار «المصالحة» و «لمّ الشمل» بعد أكثر من عقد دموي عاشته الشعوب العربية منذ انطلاق ما يسمى بـ «الربيع العربي» الذي تحوّل إلى «خريف تكفيري» بامتياز؛ لم تسلم أغلب الدول العربية من ارتداداته «المدمّرة». ومقالا آخر فيه: «اليوم يقف الحكام العرب ومن جاورهم على حقيقة مؤلمة، تتمثل في أنهم جميعا خدعوا وأنهم في تآمرهم على بعضهم مهدوا الطريق لهذا الخراب.. العرب بسبب عدم انضاجهم رؤية موحدة لحفظ أمنهم كأنظمة وأمن شعوبهم من خلالها.. وبعض الدول الإقليمية المؤثرة، لاعتقادها أن بإمكانها الاستحواذ على هذا البلد العربي أو ذاك في خضم فوضى (الربيع العربي) الذي خرج من أقبية المخابرات الدولية لتحقيق هدف بعيد غير معلن، تحقق بعضه، لكنه فشل استراتيجيا، لأسباب عديدة». ومقالا ثالثا يقول: «وعلى الوجه الآخر من الصورة فإن انتصار الجيش السوري في إعادة فرض السيادة على 95٪ من أراضي الدولة وقطع يد الإرهاب وصموده أمام كل طامعٍ أراد تفتيت البلد ونهب مقدراته، هنا يكون لزاماً على الدول التي كانت تراهن على سقوط سوريا بعد خلق حالة الفوضى، والتي سيستفيد منها في المقام الأول العدو الإقليمي الغادر إسرائيل أن تعترف بهذا الانتصار»!

تعكس هذه المقالات الثلاثة، فضلا عن مقالات أخرى، موقفا متسقا مع توجه الصحيفة الرسمية للدولة تجاه الأزمة السورية؛ فالثورة السورية، والربيع العربي عموما، لم يكن بنظر الصحيفة سوى «خريف تكفيري» و «مؤامرة مهدت للخراب» «خرجت من أقبية المخابرات الدولية» بهدف تفتيت سوريا ونهب مقدراتها، لمصلحة الكيان الصهيوني، ولكن «الجيش السوري» انتصر عليها!

لم تكن وسائل التواصل الاجتماعي، تحديدا التي تضم النخب المفترضة في العراق ببعيدة عن هكذا مواقف، فثمة اتجاه عام لتأييد عودة نظام بشار الأسد إلى الجامعة العربية، اتجاه تجاوز الدفاع عن النظام في سوريا إلى إنكار البديهيات المتعلقة بذلك النظام! فنقرأ بوستا يقول: «من عاش في سوريا لم يجد لما يقولونه [المعارضون] عن الطائفية من أثر إلا في أذهان المتشددين من الإخوان [المسلمين] وغيرهم»! فيما يتبرع بوست آخر لتقديم الوعظ للديكتاتور وأن عليه «أن يتعلم الدرس ويعيد بناء «مؤسساته الدستورية» ويفتح صفحة جديدة، وأن لا يبقى يشعر بالانتقام من «المؤامرة» ضد بلاده، بل يتخطى ذلك لأنه نجح في البقاء وعليه أن يهتم ببقاء شعبه وإعادة سوريا إلى «زهوها».

الشعب عانى وما يزال، وعلى النظام أن يضحي بالأبجديات الديكتاتورية من أجل أن يستمر بالانفتاح بكل الوسائل لإعادة البلاد إلى وضع أفضل، سوف لن يخسر شيء، الخاسرون هم الحرس القديم وعلى الرئيس الأسد التخلص منهم وتنحيتهم»! وبهذا تتحول الثورة السورية لدى هؤلاء إلى «مؤامرة» وتتحول دكاكين النظام الكارتونية في ظل الدولة التسلطية إلى «مؤسسات دستورية» ويتحول الديكتاتور إلى «ملاك» لولا «حرسه القديم»!

لا يمكن الركون فقط إلى التحيزات الطائفية والأيديولوجية لفهم هذا الخطاب، فالمسألة أكثر تركيبا وتعقيدا من ذلك، وتتعلق بالبنى العصبوية والسلطوية التي لا تزال حاكمة في العقل السياسي العربي والتي لا تفصل بين الدولة والسلطة، أو الدولة/ الإقطاعية ومالكها. وهذه البنى هي التي تجعل البعض قادرا على الاستدارة بوجهه بكل سلاسة (180 درجة كاملة) كي لا يرى مظاهر هذه العصبوية والسلطوية في سلوك الدولة وسلطاتها ومؤسساتها، ولكنه في الوقت نفسه متحفز للقتال للدفاع عنها بكل قوة!

بعد الانقلاب على مكتسبات الربيع العربي الهشة، سواء في مصر أو في تونس، اندفع الليبراليون المفترضون، للدفاع عن هذه الانقلابات، والدفاع عن مقولة «الزعيم الأوحد القوي» بِعُدّة تنظيريةٍ كاملة، وتحولت عندهم الانقلابات ضد مؤسسات دستورية منتخبة، «دفاعا عن الدولة المدنية» بل وصل الأمر بأحدهم إلى الدفاع عن مجزرة رابعة بكل أريحية لأنها «تنسجم مع المعايير الدولية لفض الاعتصامات»!

في الوقت الذي كان فيه الإسلام السياسي في العراق «يُنظِّر» لجواز الاستعانة بالمحتل لإسقاط الديكتاتور، ثم يتعاون مع هذا المحتل بعدها، انقسم هذا الإسلام السياسي وفق تحيزاته المذهبية والأيديولوجية، ووفق مبدأ «المستبد العادل» المتوهَّم! إلى من «يُنظِّر» للدفاع عن «ديكتاتور» آخر دون أي «إشكال شرعي» و «يناصر» انقلابات قامت بها زمرٌ هي مشاريع ديكتاتوريات، وهم مدركون أن هؤلاء المنقلبين، مناهضون للإسلام السياسي، لكن لا بأس بذلك، لديهم، إن كان إسلاما سياسيا مضادا، فيما يتحسَّر ُ الآخرون على مشاريع ديكتاتورية محتملة سُلبت منهم!

هذا التخبط والتناقض والشيزوفرينيا الجماعية لدي النخبة السياسية، والنخبة المثقفة المفترضتين على السواء، تكشف عن حضور شبح «الدولة السلطانية» بقوة في مخيال هذه النخب، فالجميع يبحث عن «سلطان» بديل عن الدولة والقانون، وعن «رعايا» في حضرة راع يطاع ولا يعصى، هو المالك لهم والقائم في امورهم عليهم كما يصفه ابن خلدون، ليس في الدولة وحسب، بل في البنى الاجتماعية والسياسية والمؤسساتية أيضا، باستثناء الحالات التي تحكمها تحيزات الشخصية تجعلها تخاتل شبحها قليلا!

كاتب عراقي

القدس العربي

—————————–

عن بعض انتصارات قمة جدّة!/ موفق نيربية

في عنوانها لافتتاحيتها حول مؤتمر جدّة، طرحت صحيفة» الوطن» السورية تساؤلا لافتا صباح الخميس الماضي:» قمة النصر» أم» قمة الأسد وابن سلمان»؟ ونشير هنا إلى هذا العنوان، اهتماما بأن يطلع عليه من يهمهم الأمر في جدّة، لأن احتمال رؤيتهم لنا – نحن السوريين – مستبعد. نشير أيضا إلى عناوين كثيرة لصحف مقربة من الرئاسة الجزائرية، عبرت عن الغضب من دعوة الرئيس الأوكراني زيلينسكي كضيف على القمة وامتناع الرئيس تبون عن حضورها، فتحدثت «لوسوار دالجيري» مثلا عن «خصخصة الجامعة العربية». ورغم أن الموضوعين متنافران، إلا أن اجتماعهما يعبر عن الحالة الراهنة للجامعة العربية.

كان أنطوني إيدن وزير الخارجية البريطاني قبيل تأسيس الجامعة العربية، في مثل هذا الشهر من عام 1941، قد قال إن «العالم العربي قد خطا خطوات عظيمة منذ التسوية التي تم التوصل إليها مع نهاية الحرب العالمية الأخيرة – الأولى- ويرغب العديد من المفكرين العرب بتحقيق درجة أعلى من الوحدة لشعوبهم مما هي عليه حاليا. ينبغي ألا نتغافل عن مطالبات أصدقائنا هذه، ويبدو لي طبيعيا وصحيحا في الوقت نفسه، أن الروابط الثقافية والاقتصادية أيضا ينبغي توطيدها. إن حكومة صاحب الجلالة من جهتها سوف تقدم دعمها الكامل لأي مخطط يتطلب الموافقة».

أنجز ذلك المسار بروتوكول الإسكندرية بتوقيع سبع دول عربية، كانت أعمارها كلها لا تزيد عن ربع القرن، ما عدا مصر. واهتم تشرشل، بالتوافق مع روزفلت في طراده العائد من يالطا في البحيرات المرة على قناة السويس، بأن يكون للسعودية بمستقبلها الكامن دور واعد. كأن ذلك الثنائي السعودي/المصري يعود إلى الواجهة الآن بقوة، بقيادة ولي العهد السعودي بالطبع، في خططه الطموحة لمستقبل بلاده ودورها الذي يرتسم خطه الخاص شيئا فشيئا.

في أيام زيارة ذلك الطراد، تم استدعاء الرئيس السوري شكري القوتلي لإدماج بلاده (استراتيجيا) في ذلك السياق، وربما كانت هنالك حاجة حاليا لذلك المثلث، تطلبت من حيث الشكل إعادة نظام الأسد – قانونيا – من عتمته، واستيعابه ضمن الخريطة الجديدة.

قبل ذلك بحرب عظمى، حين تعارضت اتفاقات القاهرة وتعهدات مكماهون للشريف حسين، مع ما اتفق عليه سايكس وبيكو (وسازانوف، ممثل القيصر الروسي الذي ننساه)، كان اختيار بريطانيا للصداقة مع فرنسا، حتى جاءت قرارات الانتداب الفرنسي والبريطاني التي توزعت المشرق في عام 1922. وحين اختلف الوضع، وخرجت بريطانيا منتصرة وفرنسا مهيضة الجناح بعد الحرب الثانية، عادت إلى مكماهون – شكلا- واندفعت لابتكار الجامعة العربية.

حاليا تقوم السعودية بدور مكافئ، تعيد من خلاله إحياء تلك الجامعة، رغم تشوهاتها الخَلقية والطارئة الكبيرة. ما يربط الحالتين ارتكازهما إلى المشرق العربي، مع مصر.

هنالك سعودية مختلفة يجري تشكيلها من قبل ولي عهدها وبرعاية ملكها، وهي تجتاز مرحلة انتقالية حساسة يمكن أن تنعكس ضعفا من بعض النواحي، الأمر الذي يستدعي استحضار كل الطاقات من أجل تجاوز الوضع إلى الحال الجديدة. يكمن التحدي هنا في كون ذلك يحدث، لسوء الحظ أو لحُسنه، والعالم كل في وضع جائش يغلي بالمتغيرات والاحتمالات: في أجواء الحرب الأوكرانية والتوتر الغربي تجاه روسيا، التي ترتبط في حلقة الطاقة وطاقة الطاقة مع الخليج، في السعودية وقطر خصوصا، ومع اتساع ظلال المارد الصيني ودكنتها، والتوتراتٍ التي تولدها في منطقة المحيطين الهادي والهندي، ومع إلحاح مسألة نقل تركيز القوى هناك رغم ما يحدثه ذلك من ضعف نسبي في الشرق الأوسط وأوروبا، وبوجود ضغوط روسيا المتزايدة.

يحتاج الحكم إلى تأمين عملية الانتقال هذه، التي تتطلب استعادة الجامعة العربية تلك ولو بحدودها الدنيا، واحتواء الضغوط الناشئة عن زيادة أسعار النفط، ومواجهة إيران ولو بسياسات الاحتواء والمصالحة والتهدئة، مع تطوير وضبط العلاقات مع إسرائيل بما يخدم ذلك السياق المعقد سلبا وإيجابا. يحتاج خصوصا إلى ضبط التحالف والتعارض مع الولايات المتحدة، ويبدو أنه ينجح في ذلك حتى الان، وليس فقط لأن الأمريكيين يدعمون تلك الآليات في التعامل مع الموضوع والتحكم في توتراته حتى لا تتحول إلى انفجارات أكبر من صغيرة وعابرة.

في صياغة جيدة لما تريده السعودية والأردن وغيرهما من نظام الأسد، إضافة واشتراطا على عودته إلى الجامعة العربية، أكد بيان عمان على مخرجات اللقاء في جدّة بين مجلس التعاون الخليجي ومصر والعراق والأردن، والذي جمع بدوره بين السعودية ومصر والعراق والأردن أيضا بحضور ممثل النظام السوري، على الحل السياسي في سوريا وعودة اللاجئين وتحسين الخدمات في الأماكن المحتمل عودة اللاجئين إليها، ومشاريع التعافي المبكر، وعن ضرورة إيقاف تهريب المخدرات من سوريا والعمل على تحديد أماكن تصنيعها بالتعاون مع الدول المشاركة في الاجتماع، وحل مسألة مخيم الركبان. كذلك أكد البيان على «أولوية إنهاء الأزمة وكل ما سببته من قتل وخراب ودمار ومن معاناة للشعب السوري، ومن انعكاسات سلبية إقليميا ودوليا، عبر حل سياسي يحفظ وحدة سوريا وتماسكها وسيادتها، ويلبي طموحات شعبها، ويخلصها من الإرهاب، ويسهم في تعزيز الظروف المناسبة للعودة الطوعية والآمنة للاجئين». شكل المؤتمر لجنة خماسية لمتابعة القضية السورية، من تلك الأطراف ذاتها، المهمومة باللاجئين والمخدرات… وإيران.

في المقابل، شرح وزير خارجية الأسد موقفه من مسألة عودة اللاجئين على الشكل التالي: تعتمد عودة اللاجئين على مدى التقدم في إعادة الإعمار، وتعتمد إعادة الإعمار على رفع العقوبات الغربية والأممية… والقمحة عند الطحان! وهذا ليس فهما ملتويا لمخرجات لقاء عمان وحسب، بل هو كسر للربط الغربي بين إعادة الإعمار والبدء جديا بمسار التسوية السياسية التي لا تعدو مفهوم الانتقال السياسي. جاء الرد مباشرة من واشنطن/ الكونغرس بالبدء بمسار إصدار قانون يشدد العقوبات – قانون قيصر وملاحقه – ويعاقب من يخرقها بطريقة أكثر حدة وتأثيرا.

يحضر هنا ما أظهرته حنة أرندت في مقالها الرائع حول» الكذب في السياسة» في أوائل السبعينيات من القرن الماضي، وحول أن «كثيرا من الترسانة الحديثة للنظرية السياسية – نظريات اللعبة وتحليلات الأنظمة والسيناريوهات التي تُكتَب للجمهور- المُتَخيل – تقوم بتعداد الخيارات التي غالبا ما تكون ثلاثة: (أ) و(ب) و(ج)، حيث تكون (أ) و(ج) خيارين في الطرفين المتعارضين على الحد الأقصى، ويمثل الخيار(ب) في منتصف الطريق بينهما الخيار «المنطقي» و»حل» المشكلة أو المسألة – (هل خطر على بالكم أحدٌ ما؟!) – يجد مصدره في ذلك النفور المستقر في العمق. تبدأ المغالطة في ذلك النوع من التفكير بقَسر الخيارات ضمن معضلات متعددة حصرية في حين لا تقدم لنا حقائق الواقع أي شيء دقيق يسمح باستنتاجات منطقية. إن نوع التفكير الذي يقدم كلا من (أ) و (ج) على أنهما غير مرغوب فيهما، وبالتالي يستقر على (ب)، لا يخدم أي غرض آخر سوى تشتيت الذهن وإفشال الحكم على العديد من الاحتمالات الحقيقية» المفيدة، التي تنفع المساكين الذين أصبح نصفهم على الطريق برا وبحرا.

على مثل هذا النسق الأعرج يُقال: صحيح أن» الثمن كان باهظا، لكنه كما قال الأسد: أقل بكثير من ثمن الاستسلام وتسليم سوريا للقوى الظلامية التي يطلق عليها «معارضة» بدل «إرهاب»…» والاستسلام المقصود هنا هو الاستجابة لمطالب السوريين الذين دفعوا الثمن والتسليم بها، بدلا من قتل مئات الآلاف وتشريد الملايين.

لو أراد أهل القمة ومهندسوها حلا للقضية السورية، لكان هنالك طرفان متساويان حسب القرارات الدولية، أو ثلاثة على نسق اللجنة الدستورية، موجودين في جدّة… أو لأُعطي للأسد نصف أو ثلث مقعد وحسب!

من الصعب والمؤلم تناول شيء بعنوان الأسد في جدّة، مع التسليم بأن هنالك احتمالا، ولو كان ضئيلا، أن يأتي بعض الخير منه. ويمكن أن نستفيد من بعض الافتتاحية المشار إليها في مطلع هذا المقال، في أنه «في مثل هذه الأحداث التاريخية، لا تنفع الكلمات، وستكون الصور هي التي تعبر عن انتصار سوريا، وقوة شعبها».. وننتظر ألبوم الصور غير الرسمية، وأخبار آلاف المعتقلين والمختفين في سجون النظام!

للنصر كثير من الآباء كما يُقال، اثنان وعشرون في حالتنا ربما، ولكن الهزيمة يتيمة: الربيع والثورة والشعب أيضا!

 كاتب سوري

 القدس العربي

—————————-

مقاربة عربية للحلّ السوري ضمن السياق الأممي/ رانيا مصطفى

حضر الرئيس السوري، بشار الأسد، قمة جدة الأسبوع الماضي، بعد انقطاع 12 عاماً، منذ قرار تجميد مقعد سورية في جامعة الدول العربية في 2011. ليس هذا الحضور مجّانياً كما يتوهم بعضهم، أو كما يسوّقه إعلام النظام السوري عودة العرب إلى سورية، واعترافاً بالهزيمة وبانتصار النظام وحلفه؛ بل يأتي ضمن مقاربةٍ عربيةٍ للحلّ السوري، تقودها السعودية التي استعادت علاقاتها الدبلوماسية مع دمشق لهذا الغرض. لا تأتي المقاربة بجديد، بل تسير ضمن الطرح الأممي للحلّ السوري وفق مبدأ الخطوة مقابل خطوة، وصولاً إلى تطبيق قرار مجلس الأمن 2254. فقد تعهدت دمشق بالتزام مخرجات اجتماع عمّان المنعقد في الأول من مايو/ أيار الحالي، الذي حضره وزراء خارجية الأردن والعراق والسعودية ومصر وسورية، مقابل عودة مقعدها إلى الجامعة، واستئناف حضورها لاجتماعاتها الدورية. وبناءً عليه، جاء القرار في مقر الجامعة في القاهرة بحضور وزراء الخارجية العرب، بإعادة مقعد سورية. وتؤكّد مخرجات لقاء عمّان نصّاً على “اتخاذ خطوات عملية للتدرّج نحو حل الأزمة وفق مبدأ الخطوة مقابل خطوة، وبما ينسجم مع قرار مجلس الأمن 2254”. وتشكّلت لجنة اتصال وزارية من الأردن والسعودية والعراق ولبنان ومصر والأمين العام، للمتابعة وتقديم تقارير دورية لمجلس الجامعة؛ ما يعني أن المقاربة العربية تسير ضمن السياق الأممي للحلّ في سورية.

لا رؤية أميركية متكاملة للحلّ السوري، غير ما يُطرح أممياً؛ لكنّ العقوبات المتلاحقة على سورية، وفي مقدمها قانون قيصر، تمنع إعادة تدوير النظام، “إلا إذا غيّر سلوكه”. وهذا يعني أن المقاربة العربية للحل السوري لا تتعارض مع مصالح واشنطن، رغم التصريحات الأميركية الرافضة للتطبيع العربي. سرّع الكونغرس من عملية التصويت على مشروع مكافحة التطبيع مع نظام الأسد، قبل انعقاد قمّة جدّة بيوم، في رسالة واضحة إلى زعماء العرب، بعدم المغالاة في إعادة العلاقات مع النظام السوري. ويشدّد المشروع الذي سيرسل إلى مجلس الشيوخ للتصديق، ثم إلى مكتب الرئيس بايدن ليصبح نافذاً، على عدم اختراق الأطراف العربية المطبّعة مع نظام الأسد قانون قيصر الذي جرى تمديد العمل به حتى 2032، وعلى تجارة المخدّرات، عبر آلية مراقبة دورية حول التحرّكات الدبلوماسية لتلك الأطراف مع النظام، والانتهاكات الحقوقية والجرائم التي يرتكبها النظام وروسيا وإيران في سورية، ويشدّد الرقابة على عدم استغلال النظام المساعدات الإنسانية، وعلى عمل الأمم المتحدة في سورية، وتقرير حول منظمات “الأمانة السورية للتنمية” التي تشرف عليها أسماء الأسد والهلال الأحمر السوري إن كانت مستحقّة للعقوبات. هذا يعني أنّ مساعي الرياض لم تأتِ بالتنسيق مع واشنطن، لكنّها، في الوقت نفسه، لا تتعارض مع مصالحها، وبالمقابل يبدو أنّ الولايات المتحدة أعطت الرياض ضوءاً برتقالياً لتحريك المياه الراكدة في الملف السوري، لكنّها أرسلت رسائل قوية إليها وإلى بقية العواصم العربية لضبط سلوكها تجاه نظام الأسد، وألّا يتجاوز الأمر حدود العلاقات الدبلوماسية لإقناع الأسد بتقديم خطوة مقابلة، وهذه الخطوة، إن حصلت، سيجرى تقييمها وقبولها في واشنطن، وليس في العواصم العربية.

هل ستنجح المساعي العربية في إقناع النظام السوري لتقديم الخطوة التالية؟ يخلو خطاب الأسد في قمة جدّة من أية إشارات إيجابية بشأن ما طُلب منه في لقاء عمّان وفي الزيارات العربية لدمشق وبالعكس، بدءاً بإيصال المساعدات الإنسانية إلى محتاجيها في سورية، ومروراً بإعادة اللاجئين والكشف عن مصير المفقودين ومكافحة الاتجار السوري الإقليمي بالكبتاغون، وإعادة بناء مؤسّسات الدولة السورية، ووصولاً إلى حكومة انتقالية ودستور جديد، وفق القرارات الأممية؛ بل ويتحدّى القادة المجتمعين بالإشارة إلى تمسّكه بالأحضان الإيرانية العابرة مقابل انتماء للعروبة.

لا تقبل بنية النظام السوري تقديم التنازلات، لأنها ستعني انهياره، وسيظل متمسّكاً بخطابه الخشبي حول الانتصار. يدرك القادة العرب هذه الحقيقة، وأنهم لا يملكون القدرة للضغط عليه وإجباره على الرضوخ، وأنّ أيّ حلول سورية يجب أن تمرّ عبر توافقات أميركية – روسية، وترضي تركيا وإيران، وهي غير متوافرة في ظل المناخ الدولي المتوتر، خصوصاً بسبب الحرب الروسية في أوكرانيا. الممكن عربياً هو دور الوساطة الذي تحاول الرياض القيام به، لكنّ النظام ليس الطرف المهم للبدء بمحاورته، إذ لم تعد المسألة محصورةً بين السوريين.

إذاً، تحاول السعودية قيادة دور عربي فاعل في الإقليم والعالم أيضاً، يخدم طموحات ولي العهد، محمد بن سلمان، في اتباع سياسات جديدة في المنطقة، تقوم على التهدئة؛ هو تقارَبَ مع إيران بدعم من الصين، وينسّق مع روسيا في ما يتعلق بتخفيض إنتاج النفط في “أوبك+”، وأعاد العلاقات مع دمشق وصافح الأسد. لكنّ المملكة ما زالت حليفة للولايات المتحدة. لذلك، دعا الرئيسَ الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، إلى قمّة العرب، لموازنة موقف السعودية المحايد من الصراع الروسي الغربي في أوكرانيا، وتقديم نفسه وسيطاً بين كلّ الأطراف. المهم أنّ السعودية نجحت في قمّة جدّة، بدبلوماسية فائقة، بكسر الجليد وإقناع القادة العرب بقبول الأسد بينهم، رغم كره بعضهم ذلك؛ أما الإنجازات فمرهونة بمسار عمّان، وبألّا تقع اللجنة الوزارية المشَكَّلة عنه، برئاسة أحمد أبو الغيط، كما باقي المسارات الأممية، وأرجّح ذلك، في فخّ التفاصيل الذي سينصُبه لها النظام.

العربي الجديد

————————

قمّة الإفلات من العقاب/ علي أنوزلا

كانت القمّة العربية التي انعقدت في جدّة قمة الإفلات من العقاب بامتياز. ويكفي تأمل الحضور داخل القاعة التي التأم فيها الجمع لإدراك معنى هذا الكلام، فأغلب الحاضرين، إلّا من عفا ربك، ملطّخة أياديهم بدماء ضحاياهم، أو بالأموال التي اختلسوها من قوت يوم شعوبهم، أو مطاردون بدعوات المظلومين في سجونهم. لكنّ العنوان الكبير لهذه القمّة هو تبييض صفحة رئيس النظام السوري الذي أعطته القمّة والحاضرون فيها صكّ براءة من كل الجرائم الفظيعة التي ارتكبها وما زال يرتكبها في حقّ شعبه، فالقمة التي أريد لها أن تكون حدثاً إعلامياً، ولا شيء غير ذلك، لأنّه نادراً ما انتهت قمم عربية إلى مواقف أو قرارات عملية، لم تكن مناسبة فقط لعودة نظام بشّار الأسد إلى “حضن” النظام الرسمي العربي، كما عنونت ذلك فضائيات ومواقع عربية، وإنما كانت إيذاناً بعودة إحياء نادي الدكتاتوريات العربية التي انتفضت ضدها شعوبها عام 2021، فالوحيد من بين الرؤساء الذين حضروا تلك القمة الذي وصل إلى السلطة في بلاده عن طريق انتخابات شفافة ونزيهة هو الرئيس التونسي قيس سعيّد، لكنّه حتى هو سينقلب، سنة بعد انتخابه، على الدستور وعلى القوانين التي بفضلها أصبح رئيساً، وهو حالياً في طريقه إلى تأسيس دكتاتورية منتخبة جديدة، وغريبة في الآن نفسه، عن البيئة العربية التي ألفت استنبات دكتاتوريات سلطوية تفرض نفسها على شعوبها بالانتخابات المزوّرة أو بالحديد والنار.

واعتباراً للوضع العربي الحالي الذي يعيش إحدى أسوأ مراحل تراجع الحرية والديمقراطية أو غيابهما تماماً في أكثر من دولة عربية وعودة القمع والاعتقال والمحاكمات الجائرة، فإنّ عودة الأسد إلى جامعة الدول العربية التي تضم أصلاً في صفوفها أنظمة دكتاتورية وسلطوية ليس حدثاً في حد ذاته، لأنّ استمراره خارجها هو الذي كان يُحدِث التباساً كثيراً عند من يدركون أنّ هذه الجامعة ليست سوى نادٍ لدكتاتورياتٍ تشيخ ولا تموت، ووجود دكتاتور غائب أو مُغيّب قسراً عن اجتماعاتها لم ولن يغيّر شيئا من طبيعتها أو صورتها لدى الرأي العام العربي، لكن ما حملته العودة الجديدة لجزّار سورية إلى أحضانها هو ترسيم عربي وعلى مستوى القمّة، وبشكل رسمي وعلني، لسياسة الإفلات من العقاب. فمن انتصر، بل انتقم في الأخير هو الجلاد، ولا ذكرى للضحايا ولا عزاء للطامحين لتحقيق العدالة والقصاص ممن ارتكب الجرائم في حق بلده وشعبه، المهم أنّ الجلاد نجا بجلده، وثمّة من دعاه إلى الاحتفاء بنجاته، ومن نمّق الكلمات للترحيب به، ومن جلس يستمع إلى خطاب نصره على ضحاياه الأبرياء. والحق أنّ عودة نظام مجرم إلى جامعة الدول العربية، والاستقبال الكبير الذي خُصِّص لرأسه، عنوان آخر يؤكّد، لمن ما زال يرجو خيراً من مثل هذه القمم، فشل هذه الجامعة التي تدّعي دفاعها عن المشترك بين الشعوب العربية، فالدكتاتورية وجرائم القتل والحرق والتعذيب والاعتقالات التعسّفية والمحاكمات الجائرة والظلم بكلّ أشكاله ونهب الثروات ليست مشتركاً إلّا بين الأنظمة التي تمارسها، أما الشعوب العربية فهي إن لم تكن ضحيتها فهي براء منها وممن يرتكبها إلى يوم يبعثون وعند الحق يختصمون.

قمّة جدّة التي استُدعي لها الرئيس الأوكراني، زيلينسكي، على حين غرة، بلا مناسبة تبرّر ظهوره المفاجئ فيها، وخارج أعراف القمم العربية، ومن دون استشارة باقي الأعضاء، ربما للتغطية على فضيحة عودة بشّار الأسد، يمكن اختزالها، في النهاية، وبشكل مكثف، في اجتماع هامشي، على هامشها، لكنّه حمل أكثر من دلالة سياسية، بين دكتاتور سورية الذي قتل وشرّد نصف شعبه عندما انتفض هذا الشعب مطالباً بالحرية والديمقراطية، والرئيس التونسي الذي عرفت بلاده انطلاق شرارة “الربيع العربي”. وفي صور ابتسامات الرجلين ومصافحتهما وكلمات الغزل المتبادلة بينهما تركيز قوي للحالة العربية الحالية. حالة عودة الدكتاتوريات بكل أشكالها المفروضة والمنتخبة والقمعية والشعبوية. لذلك لا غرابة في أن يصف الرئيس التونسي الذي انتخب في لحظةٍ هيمن فيها الخطاب الشعبوي في بلاده لقاءه بدكتاتور سورية بأنه “لقاء تاريخي”! وفي لحظة انتشائه، بنصره، سيختلط الأمر على الدكتاتور السوري، عندما قال إن “الشعب العربي لم يتغيّر”، فهو ربما كان يقصد أن النظام العربي الرسمي هو الذي لم يتغيّر، والدليل عودته هو مزهوّاً ومنتصراً. أما أبناء شعب بلاده الذين دفع نصفَهم إلى الهجرة القسرية هرباً من القتل والاعتقال والحصار، نحو الشتات والتشرّد في الملاجئ، وقتل أكثر من نصف مليون منهم، بعضهم بالكيميائي وبالبراميل المتفجّرة، فهو لم يتغيّر، وإنما غاب، أو بالأحرى، جرى تغييبه، مثل شعوب عربية أخرى، عن قمّة رسمية غاب فيها صوت الشعب وارتفعت في أصوات دكتاتوريين وسلطويين وحاكمين بأمرهم، سرقوا من الشعوب حلمها بالحرية والديمقراطية والكرامة والعدالة الاجتماعية.

وإذا كان كثيرون قد رأوا في تلك القمّة انتصاراً للثورات العربية المضادّة التي عملت 12 سنة على قتل كل أمل في الديمقراطية والحرية في المنطقة العربية، فهو انتصار لحظي وخادع، لأن الأسباب التي أدّت إلى الانتفاضات الشعبية في أكثر من دولة عربية ما زالت قائمة، بل زادت استفحالاً، وعدم خروج الشعوب إلى الشوارع والميادين للمطالبة بالتغيير لا يعني أنها لم تعد تطمح إليه، وإنما لأن آلة القمع في يد الأنظمة التي تحكمها أصبحت متطوّرة وفعالة، وسيأتي اليوم الذي ينفجر فيه الغضب الشعبي العربي كما حدث عام 2011 مثل تسونامي لا يمكن التنبؤ بساعة اجتياحه.

العربي الجديد

—————————-

في نتائج قمّة جدّة/ يقظان التقي

تحتاج قراءة القمّة العربية في جدّة إلى تفكيك في توقيتها، وفي ضوء أي استراتيجيةٍ تعتمدها، ومن خلال ما تتوخّاه من إعادة التطبيع مع النظام في سورية، ولجهة ما تحمله من صور وإشاراتٍ متناقضة، ومن مفاهيم ومبادئ لا تتّصل بواقع أزمات وحروب عاشتها المنطقة، وإن كانت تتصل بتنظيم أوضاع العلاقات العربية. لكن في أزمنة متأخّرة، وفي أحدث نسخة، من أن الرئيس السوري يمكن تأهيله بهدوء، وعودته إلى طاولة نظرائه، رؤساء الدول العربية. قد تكون القمّة جيدة في ظروفها وسط تحوّلات في العلاقة السعودية – الإيرانية، في ظروف حرب أوكرانيا وتداعياتها، أزمة السودان، ما تطلب من القمّة، ومن السعودية تحديداً، أن تحدّد موقعها الإقليمي على ضوء طموحات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، في شأن الإصلاحات الداخلية، والتعامل مع المحيط الإقليمي، فتأتي القمّة رافعة دبلوماسية للسعودية بوصفها قوة نافذة، تلعب دوراً في التغييرات الدولية، من موقع نظام إقليمي يتحكّم بمصيره، وهي تربط الاستقرار والأمن بالتنمية، للتفرغ لمعالجة أزمات الأطراف المتأزمة، والتحوّل من استراتيجية ردع إيران إلى عمل دبلوماسي، وعلاقات اقتصادية وتجارية أوسع مع الصين، وتطوير أدواتٍ سياسةٍ نفطيةٍ باستقلاليةٍ عن واشنطن، علماً أن التحوّلات، ومنها التحوّل نحو الطاقة البديلة في العالم يجري بوتائر أسرع، ثم هامش التحرّك يبقى محلياً أكثر، وتتوقف الأمور على نتائج خطوات لاستمرارية الاندفاعة (بدأتها مع سورية منذ سنة وأكثر)، وسياسات تهدئة مع الولايات المتحدة التي تبدي انزعاجاً من تطبيع العلاقة مع إيران، ومع النظام السوري، وتفرض عقوباتٍ على أي جهة تطبّع معه، ما يعني قراراً ما بإنهائه. ولكن لا يمكن إضفاء المعاني الطبيعية على براغماتية تقبل بالنفوذ الإيراني في سورية، وبعد كل ما جرى من أحداث ومن متغيرات الربيع العربي.

تفسيرات المصلحة العربية غامضة، حين تتجاوز مبادئ القانون الدولي وقواعده، في إعادة تكريس دور سلطة مسؤولة عن كل مآسي الوضع، والانتهاكات القاسية لقوات الأسد في سحق انتفاضة الشعب السوري، وخوض الحرب الأهلية التي تلت، وإعطاء الأسد ما هو بحاجة إليه من أدوات سياسية جديدة تسمح له بالتحرّك على الساحة العربية، ويجدّد فيها إعلان انتصاره على شعبه. هو لم يتبدل، لم يفعل شيئاً مهماً يذكر، ولا يملك القدرة على تغيير سلوكه وتجاوز المرحلة المتوحشة التي أوجدت منها موسكو أسطورة تأسيسية من تاريخ الحرب، لخدمة أهدافها الخاصة، فتدّعي أن الحرب الأهلية كانت صراعاً بين الأسد والجهادية السلفية العنيفة، فيما تتجاهل تعقيدات الصراع الجيوسياسي في هذه الرواية. دمر الجيش الروسي عاصمة الشيشان غروزني في عام 2003، كما فعل في حلب، المدينة الأكثر دماراً (توصيف الأمم المتحدة)، والمصير نفسه في المدن الأوكرانية، ماريوبول وخيرسون وباخموت التي تحمل الجروح المماثلة. رواية تمحو الأفراد وسيادة الشعوب، فتتشخّص أسلبة الصورة بين فولوديمير زيلينسكي وبشار الأسد.

بين هنا وهناك حيث لم يكن هناك متظاهرون، ولا معارضة في عام 2011، عندما خرج مئات الآلاف من السوريين إلى المدن والشوارع مطالبين بالحرية، فيجري محوهم من التاريخ. رؤية للتهديد الذي يشكّله خطر الأساطير والاستنسابات الروسية والإيرانية في مناطق كثيرة. وبهذا المعنى، يبدو التطبيع مع الأسد حتمياً بشكل متزايد، قائم على إدارة قضايا أمنية، تتعلق بتصدير المخدّرات على الحدود الأردنية، وأزمة اللاجئين التي تهدّد أمن المحيط، فالسعودية ترى أن بشّار الأسد “واقع ثابت على الأرض، ويجب التعامل معه في قضايا عديدة”، ليس أقلها مئات الآلاف من اللاجئين السوريين في السعودية، وقضايا إنسانية أخرى.

يقول دبلوماسيون سعوديون إن ولي العهد محمد بن سلمان “يريد التركيز على إصلاحاته الاقتصادية، من دون التهديد بالحرب والاضطرابات الإقليمية، وعلى أن هناك اتجاهاً متزايداً في المنطقة، في الإمارات وعُمان، بأن عزل سورية لا يجدي نفعاً”. أما مصر، فتخلت بشروط عن معارضتها الأسد، لكنها تريد على الأقل إظهار التقدّم في حل سياسي. حتى تركيا، الداعمة الحاسمة للثوار السوريين، أظهرت دلائل على أنها قد تغيّر موقفها. والمسألة هنا غير معيارية، حين يُنظر إلى السوريين كأنهم “يريدون استسلاماً كاملاً، وهناك من يمزحون، حتى إنهم قد يطلبون اعتذراً من الأسد”! أكثر من يستشعر الخذلان هو الشعب السوري من سياسات غير مضمونة النتائج، إذا كان المطلوب الحفاظ على سورية بلداً عربياً مستقلاً وسيّداً، لا ترسيخ شكل من الاستبداد الإقليمي، يستعيد مناخات قمّة سرت 2010، عندما فرض معمّر القذافي طريقته في قيادة العالم العربي، وحضوره في القرن الأفريقي والعالم. دخلت قضايا عديدة منذ “سرت” غير القضية التي قامت عليها جامعة الدول العربية، منذ نشأتها 1945، من أجل فلسطين. انتهى كبار، والعالم العربي يتغيّر، بحضور الرئيس الوحيد الناجي بشار الأسد، عنوان سيمتحن فيه النظام القديم، كأن يجلس الأسد على مقعد سورية، ويخاطب العالم متناسياً أكثر من مليون سوري قتيل ومعتقل ومفقود، وملايين السورين الذين يعيشون في المنافي وفي مخيماتٍ في دول الجوار، وتجاوز خريطة طريق بحثها العاهل الأردني، عبد الله الثاني مع الرئيس الأميركي بايدن، تتعلق بإنتاج دستور جديد لسورية، وتنتهي بتنفيذ قرار مجلس الأمن 2254.

قدّمت المجموعة العربية الكثير من حسن النيات، فيما تعارض دول أخرى التقارب السريع، من بينها قطر والكويت والأردن والمغرب. لقد طلبوا جميعاً (ماذا سنحصل منهم). إحدى نقاط الخلاف هي تجارة الكبتاغون، صعد بها إلى قمّة جدول الأعمال في مناقشات التطبيع وسيلة ضغط. يقول مسؤول عربي “لا يمكننا دفع ثمن ذلك”. فيما يقول مسؤول آخر “إعادة قبول سورية، في حين أن لدى إيران قواعد في البلاد، وتمارس نفوذاً، من شأنه أن يكافئ طهران”. نظرة مفادها بأن موسكو وطهران تفوقتا على واشنطن في ساحة معركة الحرب الباردة الجديدة. تأمل جامعة الدول العربية اجتماعاً عن قضايا مصالحات يجب التركيز عليها، وقد يكون من الصعب على اللجان المقترحة إحراز تقدّم كبير فيها.

يترك البيان النهائي أسئلة كثيرة من دون معالجة، غير واضحة في الملف اليمني، والمليشيات، والحدود، وفي مستوى الردع الأميركي، مراجعة لمواقعه، والقلق من التمدّد الصيني في مياه الخليج … قمّة بطموحات مؤثرة، لكنها تقاس بمخارجها.

العربي الجديد

————————–

الدولة البوليسية في الجامعة العربية/ أيمن الشوفي

حملت رياح السبعينيات حافظ الأسد إلى أعلى هرم السلطة في سورية، كثالث نموذج بعثيّ يحكم البلاد، وقد فعل ذلك بغبطة العسكر ودهائهم، وبصورة علانيّة أيضاً، مجافياً امتداح المواربة في الحكم والإدارة، تلك الصنعة المكثّفة التي اهتدى إليها محمد عمران حين حكم سورية بين 8 مارس/ آذار 1963 و23 فبراير/ شباط 1966، ثم مارسها مجدّداً وبإتقان صلاح جديد في حكمه البلد بين 23 فبراير/ شباط 1966 و16 نوفمبر/ تشرين الثاني 1970.

وبهذا يكون وصول حزب البعث إلى حكم سورية قد مثّل انزياحاً فاضحاً عن صيغة الدولة المدنية، ودولة القانون، لصالح دولة الحزب الواحد المدعّمة بمباهج واستطرادات قانون الطوارئ الذي ظلّ قائماً قرابة نصف قرن، إذ أراد الضباط البعثيّون الحاكمون لسورية أن يحيلوا الحياة السياسية في بلدهم إلى تقاعدٍ مبكّر، وأن يبدأوا الاستيلاء التدريجي على منابع أي حراكٍ محتمل داخل سورية، البلدِ الصاعد بقوة في منطقة الشرق الأوسط قبل عام 1963، فكانوا ثلاثتهم متوجّسين من عدم إمكانية استتباب حكمهم من دون تعويمٍ باذخ للسلطة الأمنية الموازية لسلطتهم الفعلية، وجعلها تسطو بوحشيةٍ على مكونات الفضاء الاجتماعي والسياسي، إلى درجة أن حافظ الأسد، وبمجرّد ظفره بكرسي الرئاسة الأول في البلاد، أعاد ترتيب البيت الداخلي لحزبه، وأجهزته الأمنية، وفي مرّات عديدة أعاد تعريف دورها، وطرق إبقائها متنافسةً في ما بينها لنيل رضاه، خصوصاً في ثمانينيات القرن الماضي، بعدما وضع معايير محدّدة لبلوغ مناصب إدارتها، والتي كانت تعتمد بدايةً على ولاء الضباط العلويين له، ولاحقاً اقتصرت على دوائر عائلية أضيق بعد محاولة شقيقه رفعت الانقلاب عليه عام 1984.

الدولة البوليسية التي صنعها حافظ الأسد، ومكّنها من طرد هياكل الدولة المدنية، يسّرت له احتكار السلطة في سورية، والتحوّل التدريجي إلى نموذج مسخ يهذي بملكية دستورية هجينة وطارئة على حياة السوريين، ومن خلالها عَبَرَ بالحكم من ديكتاتورية الحزب القائد إلى ديكتاتورية الفرد القائد، وصولاً إلى ديكتاتورية الأسرة الحاكمة، والتي باتت اليوم أسرةً مافياويّة التكوين والمنهج، تهجس بالتربّح الريعي الطفيّليّ، وتبتكر طرقاً في النهب العام لتعظيم (وتدعيم) أركان ثروتها، ولعلّ مكتب الأمن القومي هو أول جهاز أمني ارتاح له حافظ الأسد، وأبقاه حيّاً وساري المفاعيل خلال حكمه. وجده قائماً منذ 1966، أي قبل وصوله إلى السلطة بأربعة أعوام، كذراعٍ أمنيّ مرئي لقيادة حزب البعث القطرية، وظلّ هذا الجهاز محتفظاً باسمه حتى تفجير مقرّه عام 2012 في حادثة حملت اسم “تفجير خلية الأزمة” ليصير اسمُه بعدها مكتب الأمن الوطني. لكن الثابت بمكان سطوة هذا الجهاز على منابت كثير من القرارات السياسية الداخلية، تلك التي تتّصل بالتعيينات في المناصب العامة، والمحاسبة أو عدمها، وصناعة القرار الداخلي، لذلك أبقى حافظ الأسد على سلطة مكتب الأمن القومي، وزاد عليها، مثلما فعل ابنه من بعده.

أيضاً، وقبل انقلاب حافظ الأسد بعام على الأقل، كان قد تأسّس جهاز أمن الدولة بفروعه الاثني عشر، والتي تحمل أرقاماً ثلاثية سَمِعَ بها معظم السوريين، وأشهر تلك الفروع هو الفرع 285 أو فرع التحقيق، والفرع 255 أو فرع المعلومات. ذاك الجهاز تمدّدت سلطته في عهد الأب، بحيث بات يراقب كلّ مناشط الحياة العامة داخل سورية، ويتحكّم بها ويديرها عن كثب، وقبل أن يتسلّق حزب البعث السلطة السياسية ويستولي عليها، ثم يحتكرها، كانت القبضة الأمنية في سورية مقتصرةً على ما تسمّى “الشعبة الثانية” وهذه تطوّر عملها، واتسعت سلطاتها في زمن حافظ الأسد ليصير اسمُها إدارة الاستخبارات العسكرية، وباتت جهازاً أمنيّاً شديد البطش، وصارت تتبع له فروع عديدة، ولكلّ منها رقم ثلاثي، ولعلّ أكثرها شهرة الفرع 248 أو فرع التحقيق العسكري، والفرع 227 أو فرع المنطقة، والفرع 216 أو فرع الدوريات، من دون أن ننسى فرع فلسطين الأكثر دمويّةً ورعباً، وصاحب الصيت المفزع لدى كلّ السوريين، وتتعدّى مهامه مراقبة نشاط الأفراد والمنظمات الفلسطينية إلى مراقبة السوريين أنفسهم.

ولم يكن إلحاق أسماء فروع تلك الأجهزة الأمنية بأرقام ثلاثية الخانات من قبيل المصادفة، أو جنوحاً صوب الاختزال والترميز، بل كان مجازاً إيحائيّاً أنذر بولادة دولة التنميط، وفيها فقط تمَّ تحويل البشر إلى نسق حسابي مفهوم الدلالة، تعبّرُ عنه أرقام مجرّدة، في البطاقة الشخصية أو في جواز السفر أو في إخراج القيد، وفي باقي السجلات الحكومية وملفات أجهزة الأمن، وبهذا تكون دولة البعث قد أنجزت نظام المواطن الملف، أو المواطن الرقم، وجعلت الحياة العامة تتكدّس ضمن نمط واضح من الامتثال والتشابه تتكفّل بصياغته بالإضافة إلى الأجهزة الأمنية مؤسساتٌ ومنظّمات كثيرة رديفة لعملها، تبدأ من طلائع البعث، وشبيبة الثورة، وتصل إلى اتحادات خاصة بالطلبة والعمال والفلاحين والرياضيين، ونقابات مهنية وفنية تحوي أطباء ومهندسين ومحامين ورقّاصات وفنانين تشكيليين، وكل ما يمكن أن يحصيه العقل البشريّ من مهن قائمة في سورية، حتى إن الجبهة التقدمية التي اخترعها حافظ الأسد عام 1972 بدت مثل اتحاد مهني، أو نقابة مدرجة القيود تحت وصاية الدولة البوليسية.

وبهذا وصل الإرث كاملاً من الأب إلى ابنه عام 2000، مجتمعٌ خاضع ومُهان يتألف من ملفات وأرقام تحمل مجازاً أسماء مواطنين، مجتمعٌ مقهور مسلوب الإرادة تمارس بحقة السلطة البوليسية كافة أشكال الإلغاء والتحقير، ولأنها سلطة قمعية مجرّدة من القيم إلى هذه الحدّ، فإنها لم تجد ضيراً ليس فقط في قمع كل الاحتجاجات المناوئة لها قبل عام 2011 وبعده، بل وفي إغراق جوارها بتبعات أزمة الحكم القائم فيها، بادئةً بتصدير اللاجئين وبصورة فاقت الوصف، ثم في تصدير الحبوب المخدّرة في مراحل لاحقة لأزمة بقائها الوجودية، وهذه السلطة البوليسية تجد اليوم ترحيباً عربياً بعودتها إلى الجامعة العربية، سواء وفق التوصيات الأردنية (خطوة مقابل خطوة) أو وفق المبادرة السعودية (النسخة المعرّبة لقرار مجلس الأمن 2254).

وبذلك ستجد السلطة البوليسية في سورية نفسها منتشيةً مجدّداً، وقد تعافت نظرياً من مآلات العقاب على ما ارتكبت من جرائم، فهي الآن تعيش ولاءيْن جديديْن، أحدهما لروسيا والآخر لإيران، بالإضافة إلى ولائها النظري لرأس النظام السوري، وسيكون من المُبهر والمستغرب في آن تنامي كلّ هذا الرصيد من التودّد العربي إلى مثل هذه السلطة ورأسها، وسيكون من المفيد والمبهج أيضاً تدريس منهج السلطة البوليسية السورية في مقرّرات جامعة الدول العربية اعتباراً من القمة العربية الثانية والثلاثين التي استضافتها جدّة أخيراً، وهو المنهجُ الرابحُ لأغلب السلطات العربية التي تخشى من انتفاضة شعوبها عليها.

العربي الجديد

——————————-

نظرية الأحضان جديد فلسفة الأسد/ حسين عبد العزيز

كغيري من السوريين والعرب على اختلاف مواقفنا الأخلاقية والسياسية، كنت حريصا على سماع كلمة رئيس النظام السوري بشار الأسد في القمة العربية في جدة، لسماع ما سيقوله بعد 12 عاماً من إبعاده عن جامعة الدول العربية. وفي ذاكرتي وذاكرتنا تلك الخطب المتراكمة على مدار سنوات، والمليئة بالتفلسفات العصية على الفهم، وسرديات سياسية معطاة غير قابلة للتحليل المعرفي، وغير قابلة على إدراجها ضمن أي سياق تاريخي.

يمكن تسجيل الملاحظات التالية: أولاً، خلا خطاب الأسد من الحديث عن المؤامرة الكونية التي استهدفت سورية، أو الحديث عن السياسات العربية التي ناهضته وحاربته خلال السنوات الخمس الأولى من الثورة السورية، ولا يزال بعضها يناهضه، وهذا طبيعي في أجواء المصالحة العربية، فلا المكان ولا الزمان يسمحان بذلك.

ثانياً، غاب عن الخطاب كلياً أيّ حديث عن الوضع السياسي السوري الداخلي، أو معاناة الشعب السوري السياسية والاقتصادية في الداخل، وهذا مفهوم أيضا، فالمصالحة العربية مع الأسد لم تجر على أساس حقّ الشعب السوري بقدر ما كانت لأجل تحقيق المصالح العربية مع النظام السوري، كل لأسبابه الخاصة.

ثالثاً، لجأ الأسد كالعادة إلى تقديم تواشيح فكرية، وقد استوقفتني عبارة “… هي فرصة لترسيخ ثقافتنا في مواجهة الذوبان القادم الليبرالية الحديثة التي تستهدف الانتماءات الفطرية للإنسان وتجرّده من أخلاقه وهويته”. حاولت، وأنا قارئ كتب كثيرة عن الليبرالية بتنوعاتها الكلاسيكية والحديثة والنيوليبرالية، فهم هذه الفقرة من دون جدوى.

رابعاً، تحدّث الأسد عن الهوية العربية، فقال: “… ولتعريف هويتنا العربية ببعدها الحضاري، وهي تتهم زوراً بالعرقية والشوفينية بهدف جعلها في حالة صراع مع المكوّنات الطبيعية القومية والعرقية والدينية، فتموت وتموت معها مجتمعاتنا بصراعها مع ذاتها لا مع غيرها”. ويتنافى هذا الخطاب تماماً مع سياسة النظام على مدار عقود خلت في محاربة المكون الكردي في الشمال السوري، ويتنافى اليوم مع عملية التغيير الديمغرافي التي تحدُث في سورية باسم تقاطع المصالح بين الأقليتين الشيعية والعلوية، وبدعم إيراني.

خامساً، تحدّث الأسد عن المجتمعات النامية، وهو مصطلح كثيراً ما استخدمه في خطاباته، ومع أنّ هذا المصطلح توصيف واقعي، فإنّ استخدامه يأتي وفق أجندة أيديولوجية يُراد منها التأكيد أنّ هذه المجتمعات تحتاج فقط إلى التقدّم المادي ليس إلّا، وهي غير مهيأة للديمقراطية ولليبرالية.

على أنّ أكثر ما تخفيه عبارة “المجتمعات النامية” أنّها لا تعني أنّ هذه المجتمعات غير مهيأة للديمقراطية فحسب، بل إنّها المسؤولة، في إشارة إلى المجتمع السوري، عن الخراب الذي حدث في سورية باعتبارها شعوباً همجية لا تعرف سوى العنف للتعبير عن رأيها، وأنّ “الدولة” كانت مضطرّة إلى محاربة العنف بالعنف، وليس العكس. وتذكّر هذه السردية اليقينية بما قاله الفيلسوف الأميركي إيمانويل فالرشتاين: “إذا ما تحقّق اليقين، فسيكون بمثابة موت أخلاقي، ولن يكون لدينا دافع أخلاقي لفعل شيء، وستكون لدينا الحرية للانغماس في كلّ ما يراودنا من نزعات، وسنسعى إلى إرضاء ما يختلج نفوسنا من نزوات ذاتية أنانية، لأنّ جميع الأفعال تقع آنذاك في حدود اليقين الذي رسمناه لأنفسنا”.

سادساً، قال الأسد: “أما سورية فماضيها وحاضرها ومستقبلها هو العروبة… لكنّها عروبة الانتماء لا عروبة الأحضان… فالأحضان عابرة أم الانتماء فدائم… وربما ينتقل الإنسان من حضن إلى آخر لسبب ما… لكنّه لا يغير انتماءه، أما من يغيره فهو من دون انتماء من الأساس، ومن يقع في القلب لا يقبع في حضن… وسورية قلب العروبة وفي قلبها”… نحن هنا أمام ما يمكن تسميتها نظرية “الأحضان والانتماء” الأولى عابرة فيما الثانية دائمة، بمعنى أن التنقل بين الأحضان لا يعني التخلي عن الانتماء. والرسالة سياسية واضحة جداً للقادة العرب في جدة، مفادها أنّ سورية جزء أصيل من العروبة، وأنّ محاولة عزلها عملية لن تتكلل بالنجاح، وقمة جّدة خير دليل على ذلك. وتتضمن الرسالة، أيضاً، أنّ انتماء سورية العربي لا يخلّ بشرف الارتماء في الحضن الإيراني، فالبلاد لمن دافع عنها، وهذا يعني إذ يعني أنّ أيّ مطالبة بإبعاد سورية عن إيران مسألة غير واردة في القاموس السوري.

العربي الجديد

—————————-

قمّة جدّة … ترسيم نهاية الربيع العربي/ محمد أحمد بنّيس

تبدو قمّة جدّة، التي انعقدت الجمعة المنصرمة، وكأنها نهاية رسمية للربيع العربي، بما يعنيه ذلك من ”إعادة الاعتبار” للنظام العربي الرسمي الذي اهتزّت أركانه قبل أكثر من 12 عاماً، على وقع احتجاجات شعبية لم تشهدها المنطقة من قبل، وبما يعنيه أيضاً من تبخّر أحلام الشعوب العربية في الحرية والديمقراطية والكرامة والعدالة الاجتماعية. ولعلّ ما يجعل هذه القمّة إعلاناً بإغلاق قوس الربيع العربي حضور الرئيس السوري، بشّار الأسد، أشغالها، بعد عزلة طويلة فرضتها الأزمة السورية بكل الأطوار المأساوية التي شهدتها طوال أكثر من عقد، فقد بدا في لحظةٍ أنّ هناك قراراً عربياً رسمياً بتبييض كلّ ما ارتكبه النظام السوري من فظاعات بحقّ شعبه بعد أن تبدّلت الأولويات والاصطفافات في المنطقة، على الرغم من أنّ حضور الأسد كان محطّ اعتراض الدول الغربية الكبرى، وبالأخص الولايات المتحدة، غير أنّ اعتراضها خفّت حدته بعد حضور الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، ليشكّل ذلك نقطة توازنٍ لا تخلو من دلالة في مقابل حضور الرئيس السوري.

لا تنفصل قمّة جدّة عمّا تشهده المنطقة من تحوّلات، يصبّ معظمها في تصفية تركة الربيع العربي، بعد إجهاض المسار الديمقراطي في تونس، وإخفاق الموجة الثانية من الثورات العربية في الجزائر والسودان ولبنان والعراق، وانزلاق السودان إلى حربٍ أهليةٍ مفتوحة، وغياب أي أفق لتسوية الأزمتين اليمنية والليبية. وهو ما يعني، حتماً، صعودَ قوى الثورة المضادّة التي باتت أكثر قدرة على التأثير في التجاذبات التي يشهدها الإقليم على غير صعيد، بعد انكفاء حركات الاحتجاج وانحسار فاعليّتها في دينامية التدافع السياسي والاجتماعي. يبدو هذا الصعود محكوماً، حسب مخرجات قمّة جدّة، بأولوياتٍ لا تحتمل التأخير، يتصدّرُها ”تعزيز العمل العربي المشترك” الذي لا يعني غير إعادة إنتاج نظام عربي رسمي مشلول لا يعكس تطلعات المواطن العربي. ويمكن القول إن تأكيد القمّة على ”مركزية القضية الفلسطينية” لا يعدو كونه نقطة توازن أخرى في هذا الصدد، إذ لا يستقيم هذا التأكيد مع مسار التطبيع الذي تسلكه دول عربية مع الكيان الصهيوني.

لا تنفصل قمّة جدّة، كذلك، عن الاتفاق السعودي الإيراني الموقَّع في بكّين في مارس/ آذار المنصرم، الذي لا شك أن الأزمة اليمنية بكل تعقيداتها السياسية والمذهبية والجيوسياسية تقع ضمن محاوره العريضة. وهو ما يوسّع هامش المناورة أمام السعودية، من خلال التفاوض مع إيران على حدود نفوذها المذهبي والسياسي في اليمن والإقليم عموما، خصوصا أن الرياض لعبت دورا كبيرا في دفع النظام الرسمي العربي إلى القبول بعودة نظام الأسد لشغل المقعد السوري في جامعة الدول العربية. لقد كانت عودة هذا النظام إلى الجامعة مشروطة بمخرجات الاتفاق الذي يبدو أنها لم تكن قد نضجت خلال القمّة العربية التي انعقدت في الجزائر، وكان يُتوقع حضورُ الرئيس السوري أشغالها.

لم يعد التحالف الإيراني السوري يشكّل مصدر قلق للنظام العربي الرسمي، على الأقل بالنسبة للسعودية التي تتطلّع إلى توجيه التحالفات الجديدة في المنطقة واستخلاص عائداتها، مستفيدة من تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، التي ستُفضي، مهما كانت نتائجها على الميدان، إلى تعديل ميزان القوى في العلاقات الدولية بقدرٍ أو بآخر.

اليوم، يغلق قوس الربيع العربي بعد مخاض عسير نجحت فيه الثورة المضادّة في استعادة المبادرة، مستفيدةً من السياقين الإقليمي والدولي المطبوعين بأزمةٍ اقتصاديةٍ عالميةٍ بسبب تداعيات الجائحة والحرب الروسية الأوكرانية وانحسار مدّ الحركات الاحتجاجية في الإقليم والعالم. بيد أن ذلك لن يحول دون استمرار شعوب المنطقة في التطلع إلى القطع مع الاستبداد والفساد والتخلف. قد تكون الموجتان، الأولى والثانية، من الثورات العربية قد أخفقتا لأسبابٍ يطول الخوض فيها، لكن ذلك لا يعني أن الإيمان بحتميّة التغيير سيتوقّف، في ظل استمرار الأسباب التي كانت وراء تفجّر الاحتجاجات الشعبية نهاية 2010 ومطلع 2011.

العربي الجديد

————————-

سورية وأوكرانيا في قمّة جدّة/ مروان قبلان

تحت سقف القمة العربية في جدّة، عادت سورية وأوكرانيا إلى الالتقاء مجددًا، وكأن مصير البلدين، رغم تباعدهما جغرافيا وثقافيا، بات مرتبطا على نحوٍ وثيق. والواقع أن هناك قدرا غير مألوف من التماثل بين بلدين يكاد لا يوجد بينهما رابط. يبدو التماثل جليا في تاريخ النشأة وانقسامات المجتمع وتفاصيل الأزمة التي يعيشانها. حتى عندما نتحدّث عن الفوارق بينهما، وهي كثيرة، نجد أنها ليست سوى حالاتٍ متماثلةٍ إنما بطريقة معكوسة. نشأ البلدان من رحم الحرب العالمية الأولى، أوكرانيا نتيجة انهيار الإمبراطورية الروسية، وسورية نتيجة انهيار الإمبراطورية العثمانية. وفي حين وقعت سورية مباشرة تحت الاحتلال الأوروبي (الفرنسي) بعد خروجها من عباءة الدولة العثمانية، وقعت أوكرانيا تحت الحكم السوفييتي، وظلت جزءا منه حتى سقوطه عام 1991. يتماثل البلدان أيضا في عمق تصدّعاتهما المجتمعية، فأوكرانيا منقسمة بشدّة بين شرق أرثوذكسي يتحدّث الروسية ويتطلع شرقا إلى موسكو ويعتبر نفسه جزءا من العالم الثقافي الروسي، وغرب كاثوليكي يتطلع إلى بروكسل ويعتبر نفسه جزءا من الفضاء الثقافي الأوروبي، ويريد الاندماج في الاتحاد الأوروبي، وحلف الناتو. في سورية، تمحورت الانقسامات في بداية مرحلة الاستقلال بين توجّهات دمشق وحلب الخارجية، حيث كانت الأخيرة، لأسباب جغرافية وتاريخية وتجارية، أكثر ارتباطا بالعراق، فيما كانت دمشق، للأسباب نفسها تقريبا، ترتبط بالقاهرة ثم الرياض مع صعود مكانتها المالية والدينية. ورغم تفاوت التوجّهات، فإن خيارات دمشق وحلب في تلك الفترة ظلت عربية (بغداد، القاهرة، أو الرياض). وكان هذا الصراع ينعكس بوضوح في الانقلابات المموّلة من إحدى تلك العواصم التي كان ينفذها ضباط الجيش السوري أكثر من عقدين بعد الاستقلال. منذ مطلع الألفية، ومع ضعف الأدوار العربية، وبروز أدوار القوى الإقليمية غير العربية، ثم دخول سورية في أزمتها الحالية، تجلّى الانقسام في استعانة النظام بإيران ثم روسيا لسحق فئاتٍ واسعةٍ ثارت عليه من شعبه، واستعانة المعارضة بتركيا في المقابل لإسقاطه، ما حول سورية إلى ساحة حرب وكالة غير مسبوقة في التاريخ المعاصر، حيث أحصى معهد دراسات الحرب وجود 82 جنسية تقاتل في سورية عام 2015. عاشت أوكرانيا أيضا التجربة بخطوطها العريضة، حيث استعان جزؤها الشرقي بروسيا فيما استعان غربها بحلف الناتو. بهذا المعنى، يسجّل للبلدين فشلهما في إنتاج هوية وطنية جامعة، حيث وجد كل طرف من أطراف الصراع المحلي وشائج تربطه بما وراء الحدود أكثر مما تربطه بأبناء بلده، علما أن الفشل في صناعة هوية وطنية سورية أبلغ طبعا، لأن عمر الدولة السورية الحديثة أكبر من عمر الدولة في أوكرانيا إذ يجاوز عمر الأولى المائة عام (1920) فيما يبلغ عمر الثانية نحو ثلاثة عقود (1991).

يتنافس البلدان أيضا في أيهما أكثر فشلا من الآخر في إدارة أزمة وطنية كان يمكن تجنّبها وتجنّب دمار شامل لحق بهما، وما زال. كان يمكن قطعا منع انزلاق الأزمة في سورية إلى حربٍ مدمرة لو تمت ادارتها بطريقة مختلفة منذ أيامها الأولى، حيث كان سقف المطالب منخفضا ورغبة الناس في منع التصعيد وسلوك طريق الانتحار كبيرة. لم ير النظام في سورية الأمر على هذا النحو. لم تكن نظرته إلى مجتمعه لتسمح بأي حوار جدّي معه، فهو يقبع فوقه ويحكمه، وليس منبثقا منه (هل يحاور السيد خادمه مثلا؟). فوق ذلك، ساد اعتقاد بأن أول خطوةٍ على طريق التنازلات سوف تودّي إلى النهاية، وكان الدرس المستخلص من ثورات مصر وتونس وليبيا أن أنظمة هذه البلدان هوت، لأنها لم تستخدم ما يكفي من قوة لقمع التمرّد ضدها. تمثل في أوكرانيا خطأ حكومتها القاتل في الامتناع عن تقديم تنازلاتٍ لا تمسّ بالسيادة، من قبيل الالتزام بفكرة الحياد والتعهّد بعدم الانضمام إلى تحالفات عسكرية تهدّد جيرانها. كان مثل هذا الأمر، على الأرجح، ليمنع الحرب. بدلا من ذلك، قرّر النظام الأوكراني أن يلعب دور البطل، ويركن لتصوّرات غير واقعية عن دفاع الغرب عنه. صحيح أن الغرب مستمرّ في دعم أوكرانيا بقوة، بحيث باتت روسيا عاجزة عن تحقيق النصر، لكن الصحيح أيضا أن أوكرانيا دمّرت في معركة تصفية حسابات بين الغرب وروسيا.

العربي الجديد

—————————-

التطبيع العربي يطلق موجة لجوء سوريّة جديدة إلى أوروبا/ عبدالناصر العايد

بعد انطلاق عمليات التطبيع العربي مع نظام الأسد، ازدادت وتيرة الهجرة النهائية من مناطق عديدة في سوريا باتجاه أوروبا حصراً، إذ فقد الأمل مَن تبقى من الجيل الشاب في “الداخل” على خلفية وضع آمن نسبياً بسبب عدم اتخاذه موقفاً معارضاً للنظام أو وجوده في مناطق خارجة عن سيطرته. فبقاء الأسد يعني بالنسبة إليهم -وهم العارفون بتفاصيل الوضع الداخلي- أن لا شيء في الأفق سوى مزيد من الحرب وسوء الأوضاع المعيشية والحياتية، والمفارقة أن موجة الهجرة الجديدة هذه تأتي بالتزامن مع اطلاق الدعوات الإعلامية لعودة اللاجئين على خلفية تصالح الإقليم مع نظام الأسد.

يسافر طالبو اللجوء اليوم من المناطق الواقعة تحت سيطرة قوات النظام، خصوصاً محافظة السويداء، إلى دير الزور الواقعة تحت سيطرة المليشيات الإيرانية، التي تساعدهم في عبور نهر الفرات إلى مناطق سيطرة “قوات سورية الديموقراطية” مقابل مبالغ مالية مرتفعة، وهناك ينضمون إلى أفواج من الشبان الآخرين من أبناء محافظات أخرى بما فيها دير الزور نفسها، ويتجه الجميع تحت قيادة مهرّبين إلى منطقة رأس العين السورية، حيث يسيطر “الجيش الوطني” المدعوم من تركيا، ليتسلم الفوج مُهرّبٌ ثان مقابل مبلغ آخر، وهذا يسلمهم إلى مُهرّبٍ ثالث يمررهم من الحدود التركية بالتعاون مع قادة في “الجيش الوطني”، ثم يتوجهون إلى إسطنبول ليتولاهم مزيد من المهرّبين حتى يصلوا ألمانيا أو هولندا أو السويد، ليتقدموا بطلبات اللجوء.

يوفر المهاجرون الجدد المبالغ اللازمة لهذه الرحلة، التي تبلغ كلفتها في المتوسط نحو 15 ألف يورو، مما تبقى لهم من أملاك ومدخرات، يذهب قسم منها مبدئياً لنظام الأسد مقابل الحصول على جواز سفر لا بد منه للاجئ رغم اجتيازه الحدود تهريباً، وذلك لإثبات انتمائه لهذا البلد البائس في دولة المقصد وتسريع الحصول على صفة لاجئ. بينما يذهب شطر آخر من المبلغ للمليشيات الإيرانية التي تنقلهم وتهربهم إلى خارج حدود سيطرتها، فيما يحصل أمراء الحرب عند الحدود التركية على نصيبهم أيضاً. ويصل اللاجئ إلى الدولة الأوروبية وهو لا يحوز سوى الأوراق التي تثبت أنه من الدولة التي نكلت به وانتهكت إنسانيته وفرّ منها.

تضحي عائلات المهاجرين الجدد غالباً بآخر مدخراتها، وهو المنزل أو العقار، ولا يشعر المهاجرون بأي ذنب وهم يتخلصون من الحبل السري الذي يربطهم ببلادهم. فالنظام الذي لا يملّ ولا يكلّ من ترداد الشعارات الوطنية، دفعهم إلى الكفر البواح بكل ما يمت لبلادهم بصِلة، والتخلي عنها مقابل الخلاص الأبدي، وهو عين ما يريده النظام وحلفاؤه وشركاؤه. فعلاوة على أن اللاجئين سيبدأون بضخ العملة الصعبة لعائلاتهم (أي إلى البلد وخزينته) ما أن يبلغوا مقصدهم، فإن رحيلهم يضمن عدم تشكل أي قوة معارضة له مستقبلاً، ويفسح مكاناً لمشاريع حلفائه الطموحة.

تفيد الأنباء الواردة من معضمية الشام، مثلاً، أن مُهرّباً من إحدى قرى البوكمال الحدودية، معروف بعمله مع المليشيات الإيرانية منذ زمن طويل، اشترى لصالح الحرس الثوري الإيراني أكثر من 250 منزلاً في تلك البلدة الواقعة في ضواحي دمشق، وتجري الأمور على المنوال ذاته في بلدات أخرى مثل جديدة عرطوز والفضل وغيرها، وهو الأمر الذي يحدث مثله في حلب ودير الزور وسواهما.

لقد عرف عن صيف 2015، انه كان فصل الهجرة السورية الكبرى الى الشمال الأوروبي، وكانت مناسبته بدء التدخل الروسي عسكرياً في سوريا لصالح النظام، وشعور الملايين بأن إسقاطه بات هدفاً شبه مستحيل، فقرروا الهجرة. وبقي مَن بقي، على أمل أن “يحدث الله أمراً”، وبعد انتظار طال لسنوات، حدث أسوأ ما كانوا يتخيلونه، وهو التصالح العربي والتركي مع النظام، فراحوا يهاجرون زرافات وأسراباً، تاركين بلادهم والمنطقة كلها لإيران ولنظام القتل وعاشقيه القدامى والجدد من قادة الإقليم.

سيبقى بمقدور المشككين في روايات السوريين وسردية ثورتهم، أن يواصلوا بث دعايتهم وأكاذيبهم كيفما شاءوا، لكنهم لن يستطيعوا في يوم من الأيام أن يواجهوا السؤال الذي يقود إلى الحقيقة الكاملة: لماذا فرّ نصف السوريين من وطنهم؟ وإذا كانت الثورة والحرب قد تسببت في هجرتهم سابقاً، فلماذا يغادرون الآن وقد انتهى ذلك كله بانتصار النظام كما يزعمون؟

المدن

—————————–

مفاوضات الأميركيين والأسد بالأردن: الرهائن والعقوبات و”التفاهم” مع إسرائيل/ منير الربيع

على الرغم من توقف المفاوضات المباشرة بين الولايات المتحدة الأميركية والنظام السوري في سلطنة عمان، إلا أنها لم تصل إلى حدود القطيعة. يحرص الطرفان على أن تبقى الخيوط متصلة بينهما، وإن عبر مفاوضات غير مباشرة تتولاها سلطنة عمان، والتي تلعب أكثر من دور على ساحة الشرق الأوسط والعلاقات بين الدول، وآخرها زيارة سلطان عمان إلى مصر وبعدها زيارته المرتقبة إلى إيران، وسط معلومات تفيد بالمساعي المبذولة لأجل إعادة احياء العلاقات المصرية الإيرانية. بالتزامن، تستمر سلطنة عمان في إجراء مفاوضات غير مباشرة بين واشنطن ودمشق، ولا تزال هذه المفاوضات قائمة عند النقاط العالقة منذ عقد المفاوضات المباشرة.

بين واشنطن ودمشق

وتشير مصادر متابعة لـ”المدن” إلى أن الأيام الماضية شهدت لقاءً جديداً بين مسؤولين من النظام السوري وآخرين من الإدارة الأميركية في العاصمة الاردنية عمّان. وقد تناول البحث أيضاً النقاط العالقة بين الجانبين، وخصوصاً مسألة الرهائن الأميركيين، فيما طالب النظام السوري بتخفيف العقوبات، ليتمكن من الحصول على مساعدات.

يعلم الطرفان أن هذا المسار يحتاج إلى وقت طويل لتحقيق نتائج، لا سيما في حال استمر السير وفق معادلة الخطوة مقابل خطوة. وهذا مسار أميركي أيضاً وليس فقط مساراً خليجياً عبّرت عنه المملكة العربية السعودية في انفتاحها على دمشق، وتقاربها معها. النقاط العالقة بين سوريا وأميركا أصبحت معروفة، فيما لا يزال الاختلاف قائماً على الأولويات، سواء بما يتعلق بالسعي الأميركي لإطلاق سراح الرهائن، أو بمفاتحة النظام بضرورة تبني بعض الإجراءات السياسية، من دون إغفال العنصر الإسرائيلي والسعي الأميركي الدائم لإعادة إحياء المفاوضات بين دمشق وتل أبيب، وذلك بهدف الوصول إلى حلّ حول الجولان وغيره من الملفات، على أن يأتي فيما بعد النقاش المتعلق برفع العقوبات عن النظام. فيما تختلف أولويات النظام السوري الذي يريد البدء برفع العقوبات للانتقال إلى التفاوض على النقاط الأخرى.

الأسد ونتنياهو في الإمارات

ضمن هذا السياق تندرج دعوة رئيس النظام السوري بشار الأسد إلى المشاركة في قمة المناخ العالمي، في دولة الإمارات. كما يُفترض أن يشارك فيها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. وحسب المعلومات، فإن أحد الأهداف الأساسية لدى الأميركيين في التفاوض مع دمشق يتصل بترتيب تفاهمات مع اسرائيل. وهو مسعى تقوم به جهات متعددة إلى جانب واشنطن. ولكن حسب التقديرات، فإن هذا من أصعب الملفات، نظراً للمواقف العلنية للنظام السوري، وثانياً بسبب العلاقة الجذرية والعميقة مع إيران. وبالتالي، لا يمكن الإقدام على أي خطوة بهذا الصدد في ظل الموقف الإيراني الحال. علماً أن جانباً من المفاوضات الأميركية يتصل بمطالبة إيران بإجراء انسحابات لقطعاتها العسكرية الكبيرة مع حلفائها من سوريا. وهذا أيضاً ما سيحصل بالتدرج. ولكن الانسحاب العسكري لا يعني الخروج الكلي لإيران، الموجودة بقوة في مجالات حيوية أساسية ضمن بنية النظام العميقة، أو في قطاعات اقتصادية واستثمارية ومجالات اجتماعية.

النازحون و”مساعدة” النظام

لا يمكن فصل التفاوض العربي مع دمشق والتقارب معها، عن هذا المسار الأميركي المفتوح منذ فترة، والذي سيتجدد في المرحلة المقبلة. ولكن أيضاً لا يمكن إغفال حالة الانقسام داخل الإدارة الأميركية والكونغرس، الذي لجأ إلى إقرار مشاريع قوانين تتعلق بمنع التطبيع مع الأسد. جزء من الضغوط الأميركية التي تمارس على دمشق كما على دول عربية أخرى، يندرج في سياق أن أميركا تريد أن تكون هي صاحبة اليد العليا في المفاوضات.

وحسب ما تشير مصادر متابعة، فإن الإدارة الأميركية طلبت من الدول العربية التي ذهبت إلى إعادة تطبيع العلاقات مع دمشق، بأن لا تكون مستعجلة في مسارها، وأن لا تمنح النظام الكثير وتغدق عليه المساعدات، كي يبقى قابلاً لتقديم التنازلات، وكي تتمكن واشنطن من إنجاز ما تسعى إليه في النقاط العالقة التي تطالب بها. لا سيما أن بعض المعلومات تفيد بوجود توجه لمنح النظام مساعدات مالية وفق صيغة إنسانية، لتجنب العقوبات، قد تصل إلى حدود الخمسة مليارات دولار.

يشّكل ملف عودة اللاجئين السوريين إلى أراضيهم ومناطقهم ملفاً أساسياً بالنسبة إلى القوى العربية والدولية. وهو يحتل حيزاً أساسياً في هذه المفاوضات. وهنا تشترط دمشق البدء برفع العقوبات، لأن إعادة اللاجئين تحتاج إلى إعادة اعمار، ولا يمكن الشروع في ذلك لأن الشركات ستمتنع عن الدخول إلى سوريا، خوفاً من تعرضها لعقوبات قاسية. في هذا السياق، لا يمكن إغفال مسألة “دولرة المساعدات” للاجئين السوريين في لبنان. وهذه المساعدات مقدمة من المجتمع الدولي، علماً انها كانت سابقاً تُدفع للاجئين بالليرة اللبنانية. حالياً، وبعد ضغوط، رضخت الحكومة اللبنانية إلى معيار الدفع بالدولار. تأتي هذه الخطوة بعد تصاعد الضغوط للعمل على إعادة اللاجئين إلى هناك. وهو ما يعطي إشارة واضحة حول عدم حماسة المجتمع الدولي لذلك. وهذا حتماً له غايات وأهداف سياسية وغير سياسية على المديين المتوسط والبعيد.

المدن

————————————–

كيف تسلل زيلينسكي الى قمة جدة/ بسام مقداد

قيل الكثير في قمة جدة، وكان يمكن أن يقال أكثر لو كانت الجامعة العربية وقممها لا تزال تحظى  بالقليل من ثقة المواطن الشرق أوسطي بها. وحتى الإنقسام العمودي في مجتمعات المنطقة بين موال لطغاة المنطقة وسجانيها ومناهض لهم، لم تضف بالنسبة لهم ما يذكر سوى أسباب إضافية لمزيد من الشتائم المتبادلة. وإذا كان الموالون قد أفاضوا  في الإحتفاء بعودة الأسد “المظفرة” إلى القمة، لم ير الطرف الاخر فيها سوى السخرية من “قمة الكبتاغون ورجعة الأسد” والعتب على التقصير في دعوة “ملك كبتاغون” آخر لبناني مقيم في سوريا، كما يقال، كسواه من “الطفار” اللبنانيين الفارين من وجه بقايا العدالة اللبنانية.

ما وحد الطرفين في تعليقاتهم على القمة، هو عدم الإلتفات، أو قليله، إلى الزيارة المفاجئة للرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي إلى القمة في طريقه إلى قمة G7 مجموعة السبع  في اليابان. ولم يخف البعض دهشته والتساؤل عما دفع زيلينسكي إلى التعريج على “قمة الأسد والكبتاغون” في جدة، وهو في طريقه إلى قمة قادة عالم الحداثة في هيروشيما. ماذا كان ينتظر من الأولى وهو في طريقه إلى الثانية ليطالبها بأحدث الطائرات الحربية والأسلحة؟ هل كان بحاجة، وهو رمز صمود شعبه بوجه الغزو الروسي وفظائعه، إلى أن يشهد إنتزاع سماعات ترجمة كلمته إلى العربية من قبل الأسد، رمز قمع السوريين وقتلهم؟ هل كان يراهن فعلاً على إستمالة القادة العرب إلى جانب قضية الشعب الأوكراني والتعاطف معه؟ وهل هو لا يصدق أن أنظمة هذه المنطقة هي معتقلات وسجون لشعوبها المنقسمة بين سجان وسجين، بين قاتل وقتيل؟ لا القاتل سيتضامن مع القتيل الأوكراني، ولا القتيل يسعه دفنه وإقامة مأتم له.

لن تعود زيارة زيلينسكي لقمة جدة على قضية الشعب الأوكراني بما يوازي جهد ترتيبها والقيام بها. والتخلص من حرج تلبية دعوة السعودية، كان يمكن تحقيقه في وقت آخر لا يتقاطع مع وجود الأسد. وهي لن تبقى في ذاكرة المنطقة أكثر من الدقائق التي دامتها، وسقطت منها مع القمة لحظة اختتامها. لكنها ستدوم أكثر في ذاكرة روسيا بوتين وإعلامها، والأرجح أنها لن تسقط مع سقوط باخموت النهائي إن تحقق. وهي إن حققت شيئاً ما، فقد حققته في روسيا التي لن تغفر لزيلينسكي تطاوله على منطقة تعتبرها جرماً في فلكها منذ العهد السوفياتي البلشفي. ولم تر في الزيارة سوى محاولة من الغرب للتعتيم على عودة الأسد “المظفرة” إلى الجامعة العربية، كما قالت صحيفة الكرملين vz في نصها يوم الزيارة.

نقلت الصحيفة عن البوليتولوغ فلاديمير كارنيلوف قوله بأن الغرب كان بحاجة إلى ثقلٍ موازٍ في قمة الدول العربية ليمسح أثر العودة المظفرة للرئيس السوري إلى الجامعة العربية. وكان الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي هو هذا الثقل. ورأى كارنيلوف أن فكرة الدعوة ولدت في الجامعة العربية نفسها، وذلك بعد أن تفاقمت إنتقادات الغرب بسبب دعوة الأسد، فجاءت فكرة دعوة زيلينسكي الذي يحبه الغرب. فهو، “كما نرى” يحاول الدخول إلى أي حشد جماهيري، وليس إلى قمة “السبعة الكبار” فقط ـــــ مثل مسابقات الموسيقى في سان ريمو أو Eurovision. نظام كييف، برأي كارنيلوف، يحاول إختراق كل تجمعات “الجنوب” في العالم، كما ذكر مؤخراً وزير الخارجية الأوكراني ديمتري كوليبا.

ويقول كارنيلوف أن من المستبعد أن يكون زيلينسكي قد خطط منذ شهر لحضور قمة جامعة الدول العربية، فقد سبق أن حددت كييف موعد هجومها المضاد في نيسان/ابريل ـــــ أيار/مايو. وهدف الزيارات الرئيسي الآن هو طلب السلاح في كل مكان، وتبرير تأخر الهجوم المضاد على الرغم من تدفق كل هذا السلاح.

لم تقتصر على فلاديمير كارنيلوف مقولة موازاة حضور الأسد قمة جدة بدعوة زيلينسكي إليها، وتفادي الغضب الأميركي ومفاعيل قانون “مكافحة التطبيع مع الأسد”. فقد إلتزم المقولة عينها الموقع الإخباري الروسي  Regnum، ونقل عن إثنين من البرلمانيين الأميركيين واضعي القانون قولهما بأن قبول الأسد مرة أخرى في الجامعة العربية، هو خطأ إستراتيجي جدي سيدفع الأسد وروسيا وإيران لمواصلة قتل المدنيين وزعزعة الإستقرار في الشرق الأوسط. وأخذت السعودية في الحسبان هذا الرفض الأميركي لتطبيع وضع الأسد، ومن أجل تفادي المزيد من التدهور في العلاقات المتدهورة أصلاً مع الولايات المتحدة، تم إتخاذ القرار بدعوة زيلينسكي لحضور القمة. وكان على هذه الخطوة، برأي منظمي القمة، أن تلقى الترحيب من الغرب.

موقعabsatz الروسي نقل عن قناة تلفزة عربية قولها بأن حضور زيلينسكي القمة العربية كضيف شرف، هو إستمرار لجهود السعودية في تسوية الصراع الروسي الأوكراني. كما نقل عن الخبير الروسي إيغور يوشكوف قوله بشأن حضور زيلينسكي بأن السعودية تحاول إظهار بعدها عن جميع مراكز القوى. ومن المهم للرياض أن تثبت موقفها المحايد في المسألة الأوكرانية. والولايات المتدة تمارس الآن ضغوطاً على القيادة السعودية، وتتهمها بمحاولة إقامة تحالف ما مع روسيا. وترى أن قرار تخفيض حجم إستخراج النفط الذي إتخذته السعودية كان قراراً سياسياً بإمتياز.

ويرى يوشكوف أن مشاركة أوكرانيا في القمة العربية مستغرب للغاية، إذ أن هذه المشاركة لا تحمل في طياتها أي فائدة إقتصادية لأوكرانيا. أما السعودية فهي تسعى لإثبات وضعها المهيمن في المنطقة، ومن دون أن تفقد في الوقت عينه علاقاتها نهائياً مع الولايات المتحدة. ولذا، فإن قرار دعوة زيلينسكي لحضور القمة، هو قرار رمزي كلياً يهدف لطمأنة الولايات المتحدة وللحضور في الفضاء الإعلامي.

وكالة الأنباء الإتحادية الروسية Fan، العمود الفقري لأمبراطورية يفغيني بريغوجين (طباخ بوتين) الإعلامية، نقلت عن البوليتولوغ والمستشرق يفغيني ساتانوفوسكي قوله في التعليق على كلمة زيلينسكي في قمة جدة بأنه قضى على نفسه بنفسه، وأقنع العالم العربي بصحة موقف روسيا بكلمتين عنها في القمة. ووصف زيارة زيلينسكي إلى القمة العربية في جدة بأنها غريبة، وتظهر تكتيك نظام كييف ورعاته الغربيين. ويطبق هذا التكتيك المثل الروسي القديم “في كل عرس هو العريس، وفي كل مأتم هو الميت”، حيث أن زيلينسكي يحاول حشر نفسه في كل تجمع على أهمية ما، تشارك فيه دول غنية ومتنفذة. ولذا سعى مكتبه بشتى الوسائل لتدبير زيارته إلى الرياض، مستعيناً بكل علاقات رعاته الغربيين.

وكعادته يذهب ساتانوفسكي بعيداً في أحكامه ويغالي في تقييم الأحداث، حيث رأى بأن زيلينسكي، في كلمته أمام قمة الجامعة العربية، إرتكب كل الأخطاء الممكنة في التحدث بقضية على هذا القدر من الحساسية بالنسبة لقادة العالم العربي، ومحا بلاده عن الخريطة السياسية. وبكل بساطة أوكرانيا لم تعد موجودة بالنسبة للشرق الوسط على الأقل. فقد إقتنع السعوديون وحلفاؤهم بصحة وشرعية طموحات موسكو في العملية العسكرية في أوكرانيا.

ويعبر ساتانوفسكي عن قناعته بأن مكتب الرئيس الأوكراني توسل الرعاة الغربيين لتدبير الزيارة، وهؤلاء بدورهم مارسوا ضغوطا على الرياض بهذا الشأن، ورأت الرياض أن من الأسهل إستقبال الضيف اللجوج على الإشتباك مرة أخرى مع لندن ووزارة الخارجية الأميركية.

وقال ساتانوفسكي بأن مستشاري زيلينسكي ورعاته الغربيين أظهروا مرة جديدة عدم فهمهم للتفاصيل الدقيقة في الجيوسياسة الكبيرة. فقد إشتكى زيلينسكي روسيا للقادة العرب الذين يحترمون القوة في الدفاع عن مصالحهم.

المدن

————————–

“قمّة الهزل”:  في أي حُضن سترتمي سوريا- الأسد؟/ أنجل جرجس

لا يرى السوري أفق تغيير ولا رائحة انتصار ولا مرارة هزيمة، ما حدث في القمة، بعد خسارات متتالية، وصدمات غير معالجة، مادة للسخرية تصلح للأدب والفن، لا للنقاش في الشارع أو حتى في البيت.

نُشاهد في واحدة من حلقات مسلسل “ضيعة ضايعة” للكاتب ممدوح حمادة، كيف يتلقى أبو نادر، الشرطي البسيط، طلباً “من فوق”، أو بالأحرى أمراً بتجهيز خطاب لمناسبة وطنية، مع تشديد على أبو نادر بأن يستخدم جُملاً مُعينةً، طُلبَ منه تسجيلها وحفظها بحرص، كرؤوس أقلام لكلمته الافتتاحية. شملت الجمل العبارات التالية: اللحمة الوطنية، الانجازات، الوقوف بوجه، الالتفاف حول… وغيرها من مصطلحات البلاغة الفارغة الخاصة بالمناسبات الرسميّة.

هذا المشهد الساخر، له أصل على أرض الواقع، إذ يستعينُ الكثير من المسؤولين في سوريا برؤوس الأقلام هذه، وكأنها بحر شعري عليهم الالتزام بأوزانه، والانطلاق منه للالتفاف حول المصائب، والوقوف بوجه الحائط، فقط الحائط، دون إشارة إلى ما يحدث.

نكتة الأحضان

أطلق رئيس النظام السوري بشار الأسد في القمة العربيّة في جدّة، نظرية الأحضان، ومفادها أن الأحضان عابرة والانتماء واحد.

 ضحكت بشدة حين سمعت ما قاله، وراودني مُتخيّل بأن سوريا بائعة هوى مسكينة، ترتمي في أحضان الرجال القذرين مقابل القليل، لكنها، أي سوريا، بحسب بشار الأسد تنتمي إلى العروبة، لكن العروبة لا تحميها، بل هي وحدها، إنما لا عروبة من دون سوريا، سوريا التي مرّ عليها العسكر والميليشيات والجهاديين، لم يحبّها واحد يوماً، فلجأت إلى حضن إيران وحضن روسيا وحضن كوريا الشمالية وحضن فنزويلا وغيرها من النزوات على ما يبدو.

أكتفي هنا بهذا القدر من محاولة فهم علاقة سوريا بالعروبة لأن شدة التناقضات لا يمكن لسويّ أن يتتبعها ويحافظ على سلامة عقله.

 بالعودة إلى الأحضان، يكمل الأسد قائلاً، إن الاحضان عابرة وقد ينتقل الإنسان من حضن إلى آخر لسبب ما، فحتى الأحضان نفسها، ليست آمنة، بل تتغير بتغير الأهواء والمصالح.

إن أمعنا النظر في هذه العبارات عن العروبة والأحضان، وعلى رغم غرابتها وسذاجتها، نكتشف أنها أبعد ما يكون عن العبثية والتزيين، إذ يشير الأسد بوضوح إلى مبررات علاقات حكومته مع الدول التي ارتمى في حضنها، شاملاً سوريا أرضاً وشعباً. وكأنه هو سوريا، ولا سوريا بدون عائلته التي ترفع شعار: نحن من بنينا سوريا الحديثة، وعلى الجميع قبول هذا والاحتفال به، وفي حال لم تقدم فروض الطاعة، فيظهر الشعار البديل :”الأسد أو نحرق البلد”.

نسأل هنا مباشرةً: ماذا أراد الأسد فعلاً من هذه الاستعارات الغريبة؟ ولماذا أراد استفزاز الجميع؟ هل فقدت خطاباته سحرها المعتاد أم أن الجميع بات يستفزّهم حضوره فقط عدا كلامه؟

حاولت إنجاز استطلاع رأي “بدائي” بين رفاقي من الشباب “الصامدين في سوريا”، و”المواطنين الشاهدين على ما حدث وما يحدث”، لكن استطلاع الرأي اليوم في سوريا له شكل مميز، خصوصاً إن لم يكن رسمياً، إذ يبدأ الحديث بنكتة أو استهزاء مثل: “يا شباب، هيا قولوا لنا هل عندكم رأي حيال ما حصل؟” أو “هل شاهدتم ذلك وسمعتم عنه بمحض المصادفة مثلاً؟”.

أجزم هنا مبالغةً، أن معظم السوريين أقلعوا عن متابعة الأخبار المحلية، تلك التي يشبه ما يرد فيها الشعارات التي تردد في مدارس البعث.

مصدر الأخبار كما شاهدت، هو الصحف المستقلة، أو القنوات الدوليّة، لكن الأدهى، أو الأكثر تراجيديّةً، هو أن البعض قد لا يتابع  الأخبار البتّة، ويعتمد على ما يسمعه في الشارع مما يسقط سهواً مع نكتة ما. وحين سألت صديقاً لي مباشرة عن رأيه بالقمة أجاب: “نحن نترقب ونتوقع الكثير من السيناريوهات والأسوأ وحده ما يحدث، ويفاجئنا جميعنا، ولا أدري الى متى سنظل نُفاجأ بما نعلمه مسبقاً”.

من الطبيعي جداً أن نحاول التحليل والتنبؤ بمستقبل نعلم جميعاً أنه مشؤوم لا محالة، نتوقع الانفراج -وربما نأمل حدوثه- ولكن ندرك في لا وعينا أن الواقع خارج عن سيطرتنا، طالما أن الأسد على “عرشه”، نحن مسحوقون تحت بلاط هذا العرش، ونحن من نرفعه رغماً عنا.

 المضحك المبكي

يخشى بعض السوريين الحديث عن القمة، خصوصاً الشباب، فالأفرع الأمنية بالمرصاد، وكثيرون لا يعرفون شيئاً عن مجريات الجلسات، ولا عن دلائلها ورموزها، وإن تحدثوا فالكلام عن فلسطين أو أوكرانيا، أو خطاب الرئيس الأسد من دون أي تعليق، كلام رمادي محايد، فأن تكون مؤيداً اليوم جريمة تساوي كونك معارضاً.

وهناك من يقول : لا يهمني… ربما يكون الأذكى بيننا.

لكن هل فعلاً لا يهمنا ما حدث؟ لا أدري، إلا أننا جميعاً ندير نقاشاتنا بالسخرية والضحك، الضحك من حالنا ومن كوننا صمّاً بكماً، وكأننا لا نفهم ما يحصل.

فشلت في الاستطلاع البسيط الذي أجريته فشلاً ذريعاً، لم أحصل على “حق أو باطل” من أي أحد، سقف النقاش كان يصل إلى عبارات مثل: “فخار يكسر بعضه، ما لنا ولهم؟” أو “أصدقاء عادوا بعد عداوة”، و”اللعنة عليهم جميعاً”، بالطبع من دون المساس بالذات الجمهورية، أو بالسيادة أو بالقيم الوطنية، فالسوريون مهمشون تحت حكم الأسد، لا رأي لهم ولا قرار، ولا عقوبات ولا إغاثات تستطيع تغيير الحال.

جملة واحدة قالتها لي صديقتي أثرت فيّ بشكل كبير، إذ نظرت في عيني، وقالت بعدما شغلت أغنية الشيخ إمام “شيد قصورك عالمزارع”: “اسمعي هذه الأغنية، فقط هذه الأغنية، وعندها ستعرفين رأيي بمجريات القمة العربية”.

لا قيمة لأي استطلاع في سوريا بشأن القمة العربيّة، يكفي ما يُلتقط في عيون البسطاء والفقراء، وإن عبروا عن كل شيء بالسخرية التي تعني هنا تحديداً العجز.

“الناجي” الوحيد بالكاد ينجو

يرتفع صوت عقولنا بالسؤال عن الناجي الوحيد، هل سيظل ناجياً؟ وإلى متى؟ وهل ستكون نهايتنا كنهاية شخوص ممدوح حمادة؟

لطالما ردد بشار الأسد وأعوانه، أمثال لونا الشبل، كلمة الصمود، الشعب الصامد، اصمدوا، ولكننا كسوريين كنا نتعامل مع الصمود بسخرية، لا خيار آخر.

هذا الصمود المزعوم ليس إلا عجزاً أمام مواجهة المصير المكتوب علينا كما يقال، لأن لا حيلة لدى البسطاء لمواجهة نظام أمني واستخباراتي متشعب ومتجذر، عمره من عمر آبائهم، فكيف تطلب تحليلاً سياسياً من شخص يؤمن أن للحيطان آذاناً؟

تمر القمة في الشارع السوري كما تمر الريح المحمّلة بالغبار، تصارعها ولكنك تمشي وتخترقها، لا تريد أن تصارع زوبعة رملية، فتعمي عينيك وتخنقك. تستمر بالمشي، وحيلتك نكتة تتشاركها مع أصدقائك همساً، تقولها لجدّك فيضحك، ثم يتوسل إليك ألا تقولها في الشارع، أو أمام أحد غريب، فـ”هم بيننا ويسمعون كل أحاديثنا، ونسأل الله أن يبعدهم”.

 لا يرى السوري أفق تغيير ولا رائحة انتصار ولا مرارة هزيمة، ما حدث في القمة، بعد خسارات متتالية، وصدمات غير معالجة، مادة للسخرية تصلح للأدب والفن، لا للنقاش في الشارع أو حتى في البيت.

 درج

 ————————–

“الأسد الشجاع” ينتهي من قتل شعبه ويعود إلى الجامعة العربيّة/ يزن الشامي

خلال كلمة الأسد، تخيّلت عباراته بطريقة أخرى، كأنه يقول: “ها قد انتهيت من قتل شعبي، ولم أوفر أداة أو طريقة، أنصحكم أيها الأشقاء بالكيماوي كطريقة مدمرة في القتل، كما أن القصف ليلاً فعّال جداً فالعائلات والأطفال يكونون نياماً”

هذا المقال ليس تحليلاً سياسياً أو قراءة للواقع السوري الحالي، هو مجرد أفكار وجب عليَّ كتابتها كي لا يخنقني ضيقُ غياب العدالةِ، لا شيء يمكن فعله وسط هذا الجنون سوى أن نذكّر بأننا هنا، وأن ما يحدث هو مأساة جديدة، فالمآسي لا تقتصر على القتل والتدمير وحسب، فالقاتل وصل إلى حد أن غسل يديه من دمائنا وخرج بربطة عنقه وبكامل أناقته وحضر القمة العربية (رغم أني لا أجد بزة بشار الأسد أنيقة على الإطلاق).

من الأحاديث الطريفة التي تناولها السوريون المؤيدون للنظام خلال السنوات الماضية، أن الأسد خسر بعضاً من وزنه وشحب وجهه وتغيرت ملامحه لكثرة الضغوط والحروب ضده، “العالم كله يحاربه” ردد الداعمون له، حتى المعارضين قالوا إن شكله تغير ونزل وزنه، لكنهم امتلكوا نظريات مختلفة، إذ نسبوا هذه التغييرات الى كونه سفاحاً. ولأتأكد من هذا التغيير، عدت إلى صور قديمة له، قبل 2011، نعم كان مختلفاً قليلاً وكانت لديه كيلوغرامات إضافية، لكن لا أظن أن السبب يكمن في نزول وزنه، بل في كونه قاتلاً. يقال إن الأشخاص يشبهون مع الوقت أفعالهم وأفكارهم، ولو صح ذلك فسيتحول بشار الأسد في يوم ما إلى مسخ، ستظهر دماء الضحايا وصيحات المعتقلين في النهاية على وجهه!

جاءت كلمة الأسد على نمط المثل السوري “الحكي إلك يا كنّة اسمعي يا جارة”، إذ وجه خلال 6 دقائق كماً من الرسائل المبطنة عن خيبة أمله بالعرب، والدور الذي لعبوه خلال العقد الماضي، “يلطش” تركيا من جهة ويسخر من الحضن الإيراني- السعودي من جهة أخرى، من دون أن يأتي على ذكر كلمة تخصّ شعبه المشتت، فالمهم في ذلك كله هو بقاء النظام وحده.

لم ينسَ الأسد بطبيعة الحال أن يتحدث عن العروبة، فـ”سوريا هي قلب العروبة النابض”. وعروبة بشار الأسد مجرد كلام ردده على مدار سنوات، فحياة السوريين خارج مصالحه. العروبة كلمة ثقيلة على مسمع السوريين، تجمع تحت جناحها العرب وخصائصهم ولغتهم لكنها تنفي إنسانيتهم، لا يبدو واضحاً بما ساعدت العروبة السوريين خلال السنوات الماضية! هل أوقفت القصف أو الجوع أو الفقر! عروبة بشار الأسد ليست سوى موازٍ لخدعة الديمقراطية ولكذبة العدو الغربي الذي ينهش مكتسباتٍ لم نرَ منها شيئاً، ماذا سرق الغرب منا إن كانت حكوماتنا فعلت ذلك منذ زمن!

رفع بشار “راية النصر” من جدة، ولم تحتج 12 سنة من القتل والاعتقال والتعذيب الممنهج ضد السوريين، سوى إلى 6 دقائق، يختصر فيها رؤيته وإنسانيته وعتبه على الأشقاء، لم ينسَ خلالها التفريق بين أنواع “الأحضان”، فالأسد شديد الدقة في التفريق بين حضن وآخر: “الأحضان عابرة أما الانتماء فدائم، وربما ينتقل الإنسان من حضن الى آخر لسبب ما، لكنه لا يغير انتماءه”. 6 دقائق كانت كافية لاختصار 12 عاماً من المأساة السورية، لكنها لم تكن كافية لسردية الموت، نعم يستحق الأسد الثناء على قدرته الاستثنائية على اختزال السنين والموت، كان مثالاً يحتذى في الوقاحة حين شكك في فعالية جامعة الدول العربية، مشدداً على ضرورة تطوير آلية عملها، ومراجعة ميثاقها ونظامها الداخلي، وتطوير آلياتها تماشياً مع العصر. يريد القاتل أن يتغير من حوله ليتماهوا مع ديكتاتوريته، ومع آلة القتل التي يديرها.

“شكراً أيها الأشقاء، يعنيني تفهمكم لضرورة قتل السوريين وتشريدهم، يحتاج التغاضي عن هذا كله واستقبالي بحفاوة، دهساً للإنسانية داخلكم، وهذا ما أبدعتم فيه حقاً”.

لطالما كان “الخطر المحدق بالأمة” هو أحد أعمدة بروباغندا نظام الأسد، لم يكن السوريون في مأمن يوماً من هذا الخطر المحدق، الغربي، الغدار والقادر على تدمير هذه الأمة، ولذلك بدأ الأسد كلمته بالأخطار المحدقة لا بل المحققة، والتي لم يصل أيّ منها إلينا، عدا القصف الإسرائيلي الذي ينتظر الأسد منذ سنين الوقت المناسب للرد عليه، من دون أن ننسى أن هذا القصف يستهدف حليفه الإيراني بالدرجة الأولى. 12 عاماً لم تكن كافية لأي تغيير في سياسة أو أفكار النظام السوري الذي زاد وحشية وغطرسة.

لام الأسد الأشقاء على تدخّلهم في شؤون سوريا، إذ قال: “لكن الأهم هو ترك القضايا الداخلية لشعوبها، فهي قادرة على تدبير شؤونها، وما علينا إلا أن نمنع التدخلات الخارجية في بلداننا ونساعدها عند الطلب حصراً”. لكن ما هي القضايا الداخلية؟ هل هي الثورة السورية التي لم يستطع السوريون تدبّر أمرهم فيها لأن نظامهم استخدم كل وسائل الإبادة والقمع بحقهم؟!

خلال كلمة الأسد، تخيّلت عباراته بطريقة أخرى، كأنه يقول: “ها قد انتهيت من قتل شعبي، ولم أوفر أداة أو طريقة، أنصحكم أيها الأشقاء بالكيماوي كطريقة مدمرة في القتل، كما أن القصف ليلاً فعّال جداً فالعائلات والأطفال يكونون نياماً”، تخيلته يقول: “شكراً أيها الأشقاء، يعنيني تفهمكم لضرورة قتل السوريين وتشريدهم، يحتاج التغاضي عن هذا كله واستقبالي بحفاوة، دهساً للإنسانية داخلكم، وهذا ما أبدعتم فيه حقاً”.

لم تعبّر مداخلة الأسد عن أي انتصار، كانت مجرد مداخلة وقحة، أشبه بأداة جديدة يعذب بها معارضيه من بُعد، ففي دقائق الأسد الست، امتلكتني مشاعر الغضب والقرف وفقدان الأمل، أعتقد أن الاستفزازية لم تكن في فكرة حضور الأسد إنما في وقاحته وهيمنته في تلك اللحظة، حين أدركنا أنه أزاحنا جانباً وتكلم باسم قتلاه، وباسم آلاف المعتقلين والمغيبين قسراً، نعم لقد “انتصر” الأسد على نفسه وأثبت أنه المجرم الذي يعود بعد 12 عاماً من الإقصاء ليكون الرئيس المثالي بنظر الأشقاء العرب.

درج

——————————

عودة سوريا إلى جامعة الدول العربيّة… “هزيمتنا” لا تعني انتصار الأسد/ كريم صفي الدين

هزيمتنا لا تعني انتصار الخصم، وفي الساحة السياسية العربية بشكل خاص، تمسّكنا بربيع الأمل ينبع أولاً من إيماننا بأننا نواجه أنظمة عربية مأزومة.

عاد النظام السوري إلى جامعة الدول العربية، على رغم كل ما ارتكبه من قتل وتعذيب بحق مئات آلاف السوريين إضافة إلى تهجير الملايين. عاد النظام إلى الحضن العربي بعد عداوة بينه وبين أنظمة الخليج دامت عقداً تقريباً، واجتمع “الأصدقاء” في دارٍ تجمع دكتاتوريات المنطقة.

التعاطي مع هذا التطور كحدث معزول لا يفسّر خلفية القرار، إذ نعيشُ اليوم مناخاً إقليمياً في جوهره ينقض التقدم الديمقراطي الذي حصل بعد عام 2011 مباشرةً. عادت الأنظمة، وعودتها رسالة للملايين الذين انتفضوا في السنوات الـ13 الأخيرة: “مواردنا أقوى من إرادتكم”، فالشعوب لا تملكُ سوى الإرادة، والأنظمة، بعساكرها ونفطها وميليشياتها، انتصرت في هذه الدورة على مَن استرجع المبادرة في الدورات السابقة.

التحركات العمّالية في مصر عام 2004، ربيع بيروت عام 2005، الربيع العربي عام 2011، انتفاضات لبنان والسودان والعراق والجزائر عام 2019… هذه المحاولات لتكريس “الحقوق” والمؤسسات في أنظمة كرّست العنف والوصفات الاقتصادية النيوليبرالية، قدّمت دروساً لأجيالٍ من الشباب والشابات الذين انخرطوا في هذا التحدي المستحيل. يُقال إنّ الثورات “فشلت”، قتل وهُجر الملايين من السوريين، سيطر العسكر في مصر والميليشيات في العراق ولبنان، اشتدت قوةّ أنظمة النفط والريع، وعززت سلطة الرئاسة على حساب العملية الديمقراطية في تونس…

إنما على رغم هذه الأحداث، نستطيع أن نقول: نعم، حصلت هذه الثورات، نعم، نزل الملايين إلى الشارع لإسقاط النظام. نعم، الديمقراطية ليست قيمة محصورة ببعض الدول والمجتمعات. خسرنا في هذه الدورة، ولكن لا خسارة من دون دروسٍ وتجارب وخبرات تراكم في سبيل مستقبلٍ يختلف في جوهره وتفاصيله عن حاضر الهزيمة.

من رموز الهزيمة إلى أساطير الأمل

تنازلْنا وأكّدنا أننا نعيشُ في زمن الهزيمة، ولكن حتّى هذه الهزيمة أنتجت رموزاً سُجّلتْ تضحياتها في الكتب واللوحات والصور المنشورة على الطرق والصحف والمنصات الإلكترونية.

هذه المواد في الدرجة الأولى هي ذكريات هذا الزمن، ولكنها أيضاً سلاح مناضلي المستقبل. فالحركات الاجتماعية الجديدة، بحسب الدراسات الراهنة في السوسيولوجيا والعلوم السياسية، قائمة على “العواطف” (بالمفهوم الواسع للكلمة) التي تدفع هؤلاء المناضلين إلى التضحية وصرف الطاقة في التنظيم والكتابة والمواجهة.

من علاء أبو فخر ولقمان سليم وسمير قصير (لبنان) إلى علاء عبد الفتاح وسارة حجازي (مصر) إلى علي مصطفى وإبراهيم قاشوش (سوريا) إلى طارق البوعزيزي (تونس)… هذه الأسماء ليست مجرد صورا توضع على حيطان غرفة الاجتماعات، بل أصبحت أساطير توجّه النضال وتثبّت معانيه عبر الأقوال والنصوص والمقابلات والفيديوات.

ولكن هذا الماضي الغني بالتضحيات والبطولات الفردية والجماعية لا معنى له من دون حاضرٍ غني بالفعل المتكيّف مع شروط هذا الزمن، وأحد هذه الشروط التخلّي عن الحزن البائس والمظلومية المهزومة التي تترافق مع تلك الأيقونات. التوجّه نحو بناء حركات اجتماعية جديدة تُراكم الانتصارات بدل الهزائم، عبر التحرر من “عاطفة الهزيمة”، واستبدالها “بعاطفة الأمل” التي حرّكت رجال ونساء التجارب السابقة، رُغم ظروفها الصعبة. على الأقل نستطيع أن نقول إن توجه الأنظمة نحو استخدام العنف والقتل للتخلّص من معارضي الماضي يؤكّد أننا خطرٌ جدّي، وحكّام المنطقة يخافون من الشعوب المنتفضة، وللكلمة العنيدة تداعيات حقيقية في الساحة العربية.

الهزيمة تنتج المعرفة

الانتصار الأول بعد الربيع العربي حصل في مصر، حيث طرد الثوار حسني مبارك، وأجريت انتخابات ديمقراطية أتت بمحمد مرسي رئيساً للجمهورية. كانت أول تجربة ديمقراطية في تاريخ مصر، ولذلك سُجّلت انتصاراً كبيراً للديمقراطيين والمعارضين في البلد.

“النقد الذاتي بعد الهزيمة”، كتاب للمفكّر السوري الماركسي الراحل صادق جلال العظم، تحدّث فيه عن تناقضات الخطاب القومي وأزمة العالم العربي الداخلية من حيث حقوق المرأة والأمور الأخرى التي تتعلق بالتحرر الاجتماعي المباشر. “هذا الكتاب كتب تحت ضغط نفسي سببه الهزيمة المريعة والطريقة المهينة التي حدثت بها”، يقول العظم في مقدمة الكتاب.

فالنقد الذاتي ليس فعلاً مريحاً، ولكنه الفعل الأول قبل الانتقال إلى المرحلة المقبلة. في نقد تجربة الأنظمة العربية العسكرية القومية، ظهرت كتابات سمير قصير التي نادت بأولوية التمسك بالديمقراطية والحرية والعلمنة، في مواجهة الأصولية الدينية والحروب الأميركية واستبداد الأنظمة، وهذه هي روحية الربيع العربي، التي وُلدت بعد النقد. في ظلّ هذه الهزيمة الجديدة، علينا إنتاج المعرفة التي تنقض الحاضر في محاولةٍ للبحثِ عن المستقبل، ويجب أن يبدأ هذا البحث في مجال الحركات الاجتماعية. كيف نجمع بين القيادة والديمقراطية، وبين الفعالية والتشاركية؟ كيف نتعامل مع قوى مجتمعية محافظة ذات مواقف ملتبسة من التعددية السياسية الفعلية؟ كيف يخرج اليسار والقوى التقدمية الجديدة من الفقاعات الإلكترونية ليكونوا جزءاً من التاريخ وليس على هامشه؟ هذه بعض الأسئلة الضرورية وحسب، كي نبدأ بعملية إنتاج المعرفة بخصوص تحديات هذه المرحلة.

الأنظمة دائماً مهزومة

هزيمتنا لا تعني انتصار الخصم، وفي الساحة السياسية العربية بشكل خاص، تمسّكنا بربيع الأمل ينبع أولاً من إيماننا بأننا نواجه أنظمة عربية مأزومة. هؤلاء الحكام لا طموحات مؤسساتية لديهم، وأحلامهم تقاس بالسنوات المتبقية من حكمهم، ويتشاركون هذا الحكم مع طبقة محصورة من العساكر والتجّار الذين أعلنوا الحرب الدائمة على أجيالٍ من الشباب والشابات المضطهدين والمقموعين والعاطلين من العمل. هم في طبيعتهم يصنعون الأعداء نظراً إلى موقعهم في مافيا سلطوية مجرمة تعيش وتعتاش على حساب حقوق أضعف الناس في مجتمعاتهم.

لذلك، عملية الحفاظ على تلك الأنظمة ليست عملية مستدامة، لأنها تقف في وجه طموحات “الآخرين” وتصنع تناقضاتٍ مجتمعية كبيرة بين طوائف وقبائل وطبقات تتنازع على موارد المجتمع. إدارة تلك التناقضات تحتاج أولاً إلى مشروع حكم يهدف إلى القيام بمؤسسات عادلة وديمقراطية وقادرة. قد لا نملكُ الأجوبة النهائية حول طبيعة تلك المؤسسات ونظرية التغيير التي سنتّبعها لتحقيقها، ولكن خصمنا لا يملكُ حتى الإرادة أو الرغبة. على هذا الأساس، إرادتنا للتعلم من الماضي وإنتاج المعرفة، طالما وُجدت، أقوى من مواردهم، وعودتهم اليوم لن تؤخر ربيع المستقبل.

درج

—————————-

عن عودة نظام السارين و”فخر” أوباما/ طارق اسماعيل

بعد تصريح أوباما الذي انتهت مفاعيله مع مجزرة الغوطة، صار “قانون قيصر” هو الحد الأقصى الذي تعوّل عليه الإدارة الأميركية ضد النظام السوري.

صرح رئيس الولايات المتحدة الأميركية السابق باراك أوباما، في 20 آب/ أغسطس 2012، قائلاً إن استعمال النظام السوري الأسلحة الكيمياوية هو “خط أحمر”. بدا أوباما حينها كمن يرسم للأسد حدود  القتل المتاح وكيفيته، وفي مقاربة تبدت حينها معياراً للسقوط السياسي والأخلاقي.

  يوم 21 آب 2013، أي بعد عام من تصريحه المذكور، كانت الغوطة الشرقية في ريف العاصمة السورية دمشق، اختباراً حقيقياً  لذلك الحد المتاح  الذي وضعه أوباما لمجازر النظام السوري.

 فعلها بشار الأسد.  قُصفت الغوطة بغاز السارين. مئات السوريين، وبينهم أطفال ونساء، ماتوا اختناقاً. والعالم حبس أنفاسه بانتظار ما سيؤول إليه تصريح أوباما.

  في عام 2017، نشرت مجلة “أتلانتك” حديثاً لباراك أوباما عبّر فيه عن عدم ندمه، وفخره بقرار عدم ضرب سوريا، لأن ذلك كان سيكلفه ثمناً سياسياً باهظاً، مؤكداً أن القرار كان صائباً، وحسب ما تقتضيه مصلحة الولايات المتحدة الأميركية.

  بين  مجزرة الغوطة في العام 2013، وفخر أوباما في العام 2017، استحال الخط الأحمر للأخير أخضر، وأتاح للأسد مساراً من العنف المفرط بحق الشعب السوري، ووفر له ولحلفائه الانتصار العسكري.

    ترافق إحجام أوباما عن الضربة العسكرية مع عزلة عربية ودولية  لبشار الأسد، وتجميد عضوية نظامه في الجامعة العربية، ثم في توغل عربي- خليجي- تركي، من خلال الاستثمار في الفصائل التي غيرت وجه الثورة السورية.

   راهناً، يستفيق مشرعون أميركيون مجدداً على سوريا تحت تأثير التطبيع العربي مع نظامها.

  في 17 حزيران/ يونيو من عام 2020، دخل “قانون قيصر” حيز التنفيذ، قانون وضعته الإدارة الأميركية لعزل النظام السوري مالياً واقتصادياً، وحرمانه من استثمار النصر العسكري سياسياً.

  بعد تصريح أوباما الذي انتهت مفاعيله مع مجزرة الغوطة، صار “قانون قيصر” هو الحد الأقصى الذي تعوّل عليه الإدارة الأميركية ضد النظام السوري.

  التمعن في مآل القانون المذكور يشي بأمرين. الأول، أن مآلاته انسحبت كتكثيف لبؤس السوريين أكثر بكثير من انعكاسها على نظام هو مؤسس لبؤسهم. الأمر الثاني أن الأسد، ومنذ “صك الغفران” الذي تلا مجزرة الغوطة، يعيش على رهان واقعي لحدود التصرف الأميركي، ويكثف ذلك الرهان وجود روسيا وإيران العسكري. لا شك في أن الأخيرتين منحتا النظام السوري مناعة السقوط ، ومناعة حقيقية لحدود التدخل الأميركي في سوريا. وغالب الظن، أن حديث أوباما لمجلة “أتلانتك” يندرج في هذا السياق.

   راهناً، يستفيق مشرعون أميركيون مجدداً على سوريا تحت تأثير التطبيع العربي مع نظامها.

    راهناً، يشي التطبيع العربي مع النظام السوري باختلال أحد مكتسبات “قانون قيصر”. بشار الأسد يستثمر سياسياً بالنصر العسكري، وهذه المرة باندفاع عربي أكثر مما هو رغبة سورية، إذ عبّر بشار الأسد ووزير خارجية نظامه فيصل المقداد عن “التعفف” عنها على وقع التباين العربي من دعوة سوريا إلى قمة الرياض العربية في 19 أيار الحالي.

   نحن أمام اختلال يفضي إلى مفارقة كان النظام السوري أكثر المحظوظين بسببها.

  تُحجِم الولايات المتحدة الأميركية حين يُقدِم العرب . وتُقدم حين يُحجمون. فكيف الحال وهم يندفعون راهناً نحو نظام استعصى على عقوبات  تشاركتها الإدارة الأميركية مع غالبية الأنظمة العربية؟ وهو ما يستدرج سؤالاً جوهرياً عن مآل أي عقوبات جديدة قد يفضي إليها مشروع القانون الذي يسعى إليه مشرعون أميركيون للجم الاندفاعة العربية للتطبيع مع النظام السوري.

   صارت لحظة سقوط بشار الأسد من الماضي. وغالب الظن أن رهاناً أميركياً على “فرملة” التطبيع العربي معه يعني سياقاً آخر، مختلفاً عن السياق الأميركي الذي يُستحضر راهناً. إنه سياق عربي تتدافع إليه أنظمة عربية بالتلازم مع سياق متسارع لعلاقاتها مع إيران.

   شكلت إيران ماضياً، تقاطعاً أميركياً-عربياً لاستراتيجيّة بدأتها الولايات المتحدة الأميركية منذ عهد بيل كلينتون،  استراتيجيّة قائمة على العزل بينها وبين النظام السوري، وورثها العرب بنظرية احتواء الأخير.

    سقوط الفكرتين ماضياً وراهناً، هو استعصاء آخر أمام السياسة الأميركية تجاه نظام يبدو في لحظته الراهنة كحال النظام المصري بعد توقيعه معاهدة السلام مع إسرائيل.

 حين سُئِلَ الرئيس المصري الراحل حسني مبارك عن شعوره بعودة مصر إلى الجامعة العربية بعد قمة عمان عام 1987، قال: “لم تعد مصر إلى العالم العربي، العالم العربي هو من عاد إلى مصر”.

   كانت عضوية مصر في الجامعة العربية قد جُمدت في قمة الرباط عام 1978، بعد زيارة الرئيس السادات إسرائيل. عبارة مبارك، وبالمآل الذي سلكه كثر من العرب بعد مؤتمر مدريد 1992، بددت كل احتمال عن عدم واقعيتها. كل سلام مع إسرائيل بدا حينها عودة إلى مصر.

  راهناً، تعود سوريا إلى الجامعة العربية، والأنظمة التي سوّقت لفكرة العزل بين نظامها وبين إيران تردم فكرتها على إيقاع علاقاتها المتسارعة مع الأخيرة،  وعلى إيقاع آخر بدا في نجاعته موازياً لإيقاع الحرب والسياسة: الكبتاغون!.

  غالب الظن، أن في نفس بشار الأسد راهناً ما قاله حسني مبارك قبل عقدين ونصف العقد من السنوات.

درج

————————————–

من يدفع ديون سوريا لإيران؟/ فاضل المناصفة

تفاعلنا في الأيام القليلة الماضية مع عودة سوريا إلى الجامعة العربية بعد عقد كامل من الغياب الذي لم يغير شيئا في المعادلة، تماما كما ستفعل العودة التي لا تغني ولا تسمن من جوع، فضعف القرار العربي على الساحة الدولية لا يمكنه أن يصنع شيئا لسوريا أو أن يردع إسرائيل ويمنعها من استهداف دمشق ومحيطها ومطاراتها، أو أن يدفع الغرب للاعتراف بشرعية الرئيس السوري بشار الأسد “المنتصر على شعبه” لا على “المؤامرة الصهيونية الأميركية الإمبريالية الماسونية الشيطانية” كما يحلو للإعلام السوري تسميتها، وإن كنت أؤمن فعلا بوجود مشروع شرق أوسط جديد يعمل على تفكيك الجمهوريات إلى دويلات جديدة إلا أنني أؤمن كذلك بأن غياب العدالة والقانون والحرية والديمقراطية قد كان بمثابة الوقود لذلك المشروع.

تناقلت المعارضة الإيرانية وثيقة مسربة من وزارة الخارجية الإيرانية تكشف أن حجم الديون التي تستحقها طهران من دمشق قد بلغ 50 مليار دولار، وأن ما تم إنفاقه خلال 8 سنوات من الثورة السورية قد بلغ 11 مليار دولار ما بين دعم عسكري وفواتير النفط، وبسرعة خرج المتحدث باسم الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني ليفند صحة تلك التسريبات معتبرا أنها محاولة فاشلة من المعارضة السورية لخلق نوع من البلبلة الإعلامية، وللعلم فإن الرئيس السابق للجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني حشمت الله فلاحت بيشه قد تحدث سابقا عن دين بلغ 30 مليار دولار.

ولكن عندما يعطي النظام في طهران أهمية لتلك الوثائق المسربة ويتجاهل الرد على العديد من الوثائق التي سربها الموساد حول برنامجه النووي مثلا فإنه يزيد من مصداقيتها أو يفتح الباب لفرضية أخرى وهي أن النظام الإيراني في الأساس قد سهل عملية الاختراق أو أرادها أن تقع أصلا ليرسل رسائل مشفرة بعد أن تمكنت سوريا من فك العزلة العربية، وأن طهران هي الأولى بمشاريع إعمار سوريا من منطلق أنها قدمت الكثير من الدعم المالي الذي ساهم بشكل كبير أسوة بالدور الروسي في عدم انهيار النظام في سوريا.

وإن صحت تلك الوثيقة فإنها تكشف بوضوح أن الدعم المالي الضخم في سبيل استمرارية نظام بشار الأسد يوازي أهمية الحفاظ على قطعة الدومينو الأساسية في محور المقاومة والتي من دونها لا يمكن ربط لبنان بفلسطين، وأن هذا المبلغ الثقيل على إيرادات الدولة سيجعل قرارها مرهونا بالقرار الإيراني وهو كفيل بأن يجعل مبنى وزارة الخارجية السورية في طهران وليس في دمشق، يكفي فقط أن نرى كيف يملي صندوق النقد الدولي سياساته على دولة مدانة بمليار واحد لنفهم كيف يمكن أن يتحكم نظام بنظام آخر مدان بـ50 مليار دولار.

زيارة إبراهيم رئيسي إلى دمشق، والتي حشد لها وفدا على مستوى عال من الأهمية ضم وزراء النفط والدفاع والشؤون الخارجية والاتصالات والطرق وبناء المدن، تؤكد أنها لم تكن زيارة لمباركة العودة السورية إلى الحضن العربي أو لتباحث مسائل سياسية وإقليمية فحسب، وإنما فرصة لتذكير النظام السوري بأن مسألة التطبيع العربي – السوري لا ينبغي أن تنسيه الالتزامات المالية تجاه طهران، وهي في نفس الوقت رسالة موجهة إلى دول تريد أن تنافس إيران أو تقتسم معها كعكة “الإعمار السوري”، وما تسريب تلك الوثيقة ما بعد الزيارة إلا خير دليل على أن نظام الملالي يريد حماية مصالحه الاقتصادية في سوريا بالدرجة الأولى.

لا يمكن بأي شكل من الأشكال أن تسمح إيران للدول العربية باقتسام “كعكة الإعمار السوري” وهي تعلم بأن بعض الأنظمة العربية التي أعطت موافقتها على إعادة سوريا إلى الجامعة العربية قد فكرت تفكيرا براغماتيا نابعا من فكرة أن سوريا التي خسرت أكثر من 500 مليار دولار في فترة الربيع العربي هي الآن بعد أن تمكنت من حسم المعركة أرض خصبة للاستثمار في مسألة الإعمار، فضلا عن أن خصخصة الشركات الوطنية المتعثرة أمر لا مفر منه في ظل وضع اقتصادي كارثي، وبالتالي فإن البحث عن الغنيمة من التطبيع مع سوريا أهم من الحديث مع الأسد عن الديمقراطية والعملية السياسية والجرائم والمصالحة السورية وما شابه، فالجميع ينتظر سقوط قانون قيصر الأميركي ضد سوريا ليباشر حصد الغنائم، ولكن طهران لها رأي آخر فهي لا تهتم لمسألة الإعمار بقدر ما تهتم ببقاء سوريا تحت سلطتها وإن تطلب ذلك 50 مليار دولار أخرى.

النظام الإيراني يجيد تسويق أسطوانة دعم الشعب السوري وتعزيز الصمود ومساعدة سوريا في تعمير ما خلفه “الإرهاب” لكنه لا يمكن أن يخدعنا بفكرة أنه يريد الخير لسوريا والسوريين، فالتكنولوجيا تسمح لنا بالحصول على المعلومات وتكشف لنا كيف يعيش سكان إقليم الأهواز في غياب تام للتنمية والإعمار والطرقات المهترئة وشح المياه وضعف شبكة الكهرباء والخدمات الصحية.. هنا يجدر بنا أن نذكر نظام الملالي بأن الإيرانيين هم الأولى بالمعروف والأولى بالمال الإيراني من غيرهم.

كاتب فلسطيني

العرب

——————————–

النظام السوري يستغل مطالب الإصلاح الإقليمي لتوسيع سلطته/ حايد حايد

صعّدت القوات الأمنية للنظام السوري في الأسابيع الأخيرة من حملة الترهيب التي تشنها ضد المجتمعات المحلية في المناطق التي كانت تسيطر عليها المعارضة سابقا في درعا وحمص. وتعرض سكان هذه المناطق لتهديدات خطيرة، بشن هجمات عسكرية ما لم يسلموا طوعا أفرادا مطلوبين من قبل النظام مع أسلحتهم. بالإضافة إلى ذلك، اُضطر بعض الأفراد إلى الخضوع لعملية مصالحة جديدة، أجبروا من خلالها على إفشاء معلومات تجرّم أقاربهم وأصدقاءهم في سبيل الحصول على السماح لهم بالبقاء في مناطقهم.

وفي حين كان التبرير السابق لمثل هذه الإجراءات العدوانية مرتكزا في المقام الأول حول اجتثاث مؤيدي داعش، فقد قام النظام الآن بتأطير أفعاله الأخيرة باعتبارها جزءا من جهد أوسع لمكافحة تهريب المخدرات وتحقيق الاستقرار في المناطق المستهدفة. ويبدو أن النظام يستغل المطالبَ المرتبطة بإعادة قبول سوريا المحتملة في جامعة الدول العربية، ومنها معالجة تجارة المخدرات وتسهيل عودة اللاجئين، باعتبارها أدوات لتعزيز سيطرة الأسد في المناطق التي لا تزال سلطة النظام فيها محل نزاع.

لقد جرت هذه الأحداث جميعها في فترة قصيرة من الزمن، مما يشير إلى وجود تنسيقٍ محتملٍ أو استراتيجية أكبر في هذه اللعبة. وكانت أم المياثين الواقعة شرق درعا أول بلدة تواجه تهديدا من هذا النوع، وذلك حين خيّرت المخابرات العسكرية المعارضين بين خضوعهم التام للنظام عبر عملية مصالحة جديدة، أو إجبارهم على النزوح إلى شمال سوريا. وبعد مفاوضات دارت بين القادة المحليين والجهاز الأمني، وافق 25 فردا من القائمة المطلوبة على الامتثال لمطالب النظام. ومن ثمّ سُلمت 12 بندقية بناء على طلب المخابرات العسكرية كجزء من الاتفاق.

وعلى نحو مشابه، عقدت الأجهزة الأمنية اجتماعا مع شخصيات بارزة من بلدة تلبيسة الواقعة شمالي حمص يوم 19 مايو/أيار، وقدمت لها عدة مطالب، من بينها تسليم الأسلحة والأفراد المطلوبين للنظام، مهددة بشنّ عملية عسكرية محتملة إن لم يُمتثل لتلك الشروط. وبينما ادعى النظام أن المطلوبين متورطون في تهريب المخدرات، أشارت مصادر محلية إلى أن الدافع الحقيقي وراء هذه المطالب هو بسط السيطرة الكاملة على المنطقة. وذكروا كذلك أن المسؤولين عن إنتاج المخدرات في حمص، فضلاً عن مواقع أخرى، يحافظون على علاقات مالية مع النظام ويعملون تحت جنحه.

وفيما تبدو المفاوضات في حمص مستمرة، عقدت المخابرات العسكرية اجتماعا مع شخصيات بارزة من بلدة النعيمة، والتي تقع في درعا يوم 20 مايو/أيار. وطالبت قوات الأمن خلال هذا الاجتماع، بتسليم 50 بندقية آلية و15 مسدسا، بالإضافة إلى بدء عملية مصالحة جديدة لـ48 شخصا من البلدة. وبينما كانت الذريعة لهذه المطالب تحسين الوضع الأمني، حذرت قوات الأمن مباشرة من هجوم وشيك على البلدة في حال لم يُستجب لمطالبها، وذلك ما يفاقم من هشاشة الاستقرار في المنطقة.

وتجدر الإشارة إلى أن النظام قد تعمد تركيز جهوده على المناطق التي استُعيدت من جماعات المعارضة من خلال اتفاقيات الاستسلام قبل عدة سنوات. حيث منحت هذه الاتفاقات نظام الأسد وجودا عسكريا أو أمنيا في هذه المناطق، لكن من دون القدرة على بسط سيطرته الكاملة عليها أو تهدئتها. وفي حين أفادت هذه التسوية الأسد في بداية الأمر من خلال خدمة مصلحته، لكنه أصبح غير راضٍ عن هذه التسوية بسبب قيودهاـ في الوقت الذي تتزايد فيه قوة النظام، وتأثيره السياسي.

مع ذلك كله، يواجه النظام عقبات في تنفيذ المداهمات على هذه المدن. حيث تحتضن هذه المناطق عددا كبيرا من المقاتلين السابقين والمنشقين والأفراد الذين يتم البحث عنهم بسبب تخلفهم عن الخدمة العسكرية. وبالتالي، فإنه من المرجح لأي عمليات عسكرية تشن ضد هذه المناطق أن تواجه مقاومة حازمة من السكان المحليين. ويمكن أن تحمل هذه المقاومة معها تداعيات على الأمن القومي للدول المجاورة، ولا سيما الأردن. لذلك، وبدلا من اختياره شنّ هجوم واسع النطاق يتطلب موارد كبيرة، ويحتمل أن يعطل جهود المصالحة الجارية، يستخدم النظام مزيجا من التهديدات بالعنف والمفاوضات لاستعادة بسط سيطرته بأقل جهد ومن دون جذب انتباهٍ غير مرغوب فيه.

وبالإضافة إلى توسيع سلطته، يمكن أن يكون ثمة دوافع مالية خلف هذه الإجراءات العدوانية. فوفقا للمصادر المحلية، تطالب قوات الأمن في كثير من الأحيان بتسليم الأسلحة من السكان في مناطق المعارضة السابقة، بغض النظر عما إذا ما كانت تلك الأسلحة موجودة فعلا في المواقع المستهدفة، بل إن بعض هذه الأسلحة قد باعتها، في بعض الحالات، قوات الأمن نفسها للسكان المحليين في السابق، عبر وسطاء، لتعود في النهاية إلى نفس القوات التي باعتها للسكان أصلا. وهذا يثير تساؤلات حول تورط قوات الأمن في دائرة من صفقات الأسلحة غير المشروعة، ويؤكد الاستغلال المحتمل للمجتمعات المحلية بقصد الربح.

وإذا واصل النظام السوري جهوده لتشديد قبضته على المناطق التي كانت تحت سيطرة المتمردين سابقا، فهناك خطر كبير من تصاعد الصراعات والاضطرابات في هذه المناطق. لذلك، يجب على الدول المشاركة في المفاوضات مع النظام أن تأخذ جانب اليقظة وتمنعه من استخدام مطالب الإصلاح كذريعة لتبرير التصعيد أو الانتهاكات المستقبلية. وبدلاً من ذلك، يجب تحديد الخطوات المطلوبة بوضوح وتقييمها بعناية وإخضاعها لمراقبة ضامنين مستقلين لضمان مساهمتهم في الاستقرار على المدى الطويل، بدلا من السماح بالتلاعب بتلك الخطوات.

المجلة

——————————–

عودةٌ غير ميمونة/ مروان المعشّر

لسورية تاريخ حضاري عريق، فقد تعاقبت عليها حضارات متعدّدة منذ أقدم العصور، ما أعطى الشعب السوري خلفية ثقافية غنية. لا تدل على ذلك فحسب الآثار الباقية ليومنا من هذه الحضارات، ولكن أيضًا الموروث الثقافي المتراكم عبر العصور، الذي ما زال ينتج أدبًا وفنًّا وعلمًا وشعرًا وفلسفة راقية المستوى.

يستحق الشعب السوري العظيم أن يعيش بأمان في دولة تحترم حقوقه، يشارك فيها في صنع قراره المستقل، ويتفيّأ تحت ظلها الأمان والاستقرار والازدهار، فلا تضيع تضحياته سدى، ويصبح لمقتل أكثر من نصف مليون سوري في الأزمة التي تعيشها سورية اليوم بعض المعنى، لأن أحدًا لا يستطيع التعويض الكامل لما شهده السوريون من قتل وتهجير وتشريد خلال العقد الماضي. في منطوق السياسة، لا تحظى هذه الاعتبارات بما تستحق من الاهتمام، فعودة سورية إلى الجامعة العربية لا علاقة وثيقة لها بالديمقراطية أو التشاركية أو احترام حقوق الإنسان، ولا علاقة لها أيضًا بمسؤولية النظام السوري، مهما تباينت المواقف حول درجتها، عمّا حل بالشعب السوري الذي أصبح أكثر من نصفه إما لاجئًا أو نازحًا أو مقتولاً.

تتركّز المصالح الإقليمية اليوم خلف إعادة سورية حول أمور أخرى، أهمها موضوع اللاجئين السوريين في المنطقة، وإمكانية إعادتهم إلى بلادهم، وإيقاف تهريب المخدرات وحبوب الكبتاغون إلى دول الجوار، والخوف من هيمنة الجماعات الإسلامية المتشدّدة على البلاد، إن سقط النظام السوري، والحد من تأثير الجماعات المسلحة الإيرانية، خاصةً في جنوب البلاد. تبعًا

لذلك، يتبع عددٌ من الدول العربية سياسة الخطوة خطوة نحو سورية، بمعنى أن كل خطوة إيجابية من قبل سورية في المواضيع المذكورة أعلاه ستتبعها خطوة إيجابية مقابلة من بعض الدول العربية على الأقل، في تجاهل شبه تام لعملية سياسية تؤمن بمشاركة كل المكونات السورية في تحديد مستقبل البلاد، وهو ما كانت هذه الدول نفسها تطالب به في السابق.

ولكن هذه المصالح الإقليمية اليوم تصطدم بعقبات عدة. فالممارسة التاريخية للنظام السوري في العقود الماضية تظهر بوضوح نزعة إيديولوجية لا تؤمن بالضرورة بالمرونة والخطوات المتقابلة. ففي موضوع اللاجئين مثلًا، فإن قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، وبالأخص البروتوكول المتعلق باللاجئين للعام 1951، تحرم العودة غير الطوعية للاجئين، ما يتطلب التعاون السوري في هذا المجال ورغبة اللاجئين أنفسهم في العودة، إلا أن الاستعداد السوري لتسهيل هذه العودة مشكوك فيه، فالنظام السوري لا يرغب في عودة اللاجئين الذين يتبنّى معظمهم مواقف معارضة له، كما تظهر استطلاعات الرأي كافة حول ذلك. كذلك، ستظهر أي عودة مدى الدمار الذي حل بممتلكاتهم، ومدى نقص الخدمات الأساسية، ما سيجعلهم أكثر تشدّدًا تجاه النظام. لذا، فإن محاولة دول الجوار إقناع النظام السوري بقبول عودة أعداد كبيرة من اللاجئين تعترضها عقبات سياسية واقتصادية وخدمية كبيرة.

ولا بدّ من الإشارة إلى أن المجتمع الدولي ليس متحمّسًا لإعادة إعمار سورية في ظل الوضع القائم، هذا إن كان ثمة اعتقاد بأن ذلك سيشكل حافزًا لعودة اللاجئين. لا ينطبق ذلك على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي والدول الغربية فحسب، بل أيضًا على روسيا التي لا تملك الموارد الكافية خاصةً بعد حربها مع أوكرانيا، والسعودية المنشغلة بتنميتها الاقتصادية الداخلية، وإيران التي تعطي سورية جلّ ما تستطيع ضمن حصار دولي خانق عليها، والصين التي تملك الموارد، ولكن لا تملك الرغبة في ضخ أي أموال في ظل عدم الاستقرار السياسي لسورية.

يجلب تهريب المخدرات والكبتاغون لسورية اليوم مبالغ هائلة تُقدَّر بعشرات المليارات من الدولارات حتى الآن، ولذا فإن استعداد سورية اليوم للتجاوب الجاد مع متطلبات دول الجوار لوقف التهريب ينتابه الكثير من الشكوك. وقد أُجبر الأردن على القيام بعمليات عسكرية كثيرة داخل سورية للحد من التهريب بعد عدم إظهار الجدية المطلوبة من قبل الدولة السورية لكبح جماح هذه العمليات، حتى لا نقول أكثر من هذا.

هل ستقبل سورية بالحد من نشاط الجماعات الإيرانية المسلحة، خاصة في جنوب البلاد مع الحدود الأردنية؟ وهل يستطيع النظام السوري إملاء شروطه على إيران، وهو المعتمد على وجودها العسكري اعتمادًا مكّنه من الاستمرار حتى الآن؟ وما مصلحته في ذلك؟ هل ستشمل سياسة الخطوة خطوة تقدّم النظام السوري خطوات تجاه المعارضة السورية غير المسلحة، أو المتشددة دينيًا؟ وهل ثمة أمل بحل سياسي يشمل المكونات السورية كافة، بعد أن غاب مثل هذا الحل على الرغم من عشر سنوات من محاولات الأمم المتحدة لتحقيقه، وذلك أساسًا بسبب رفض النظام السوري أي إشراك جدّي للمعارضة في الحكم؟

قد لا تكون الإجابة على كل هذه الأسئلة واضحة، ولكنها تؤشر جميعها إلى درجة التعقيد التي ترافق الجهود الإقليمية لحل الأزمة السورية. ما من شك أن إعادة سورية إلى الجامعة اليوم هي نتيجة مباشرة لحقيقة أن اعتبارات بعض الدول العربية دعم النظام السوري لكبح جماح إيران، أو الجماعات الدينية المتشدّدة تطغى على كل الاعتبارات المذكورة أعلاه، وليس لأي آمال بـ”مرونة” النظام في التجاوب مع مكونات شعبه. وليس من الواضح إن كانت الدول العربية ستخرق قوانين الأمم المتحدة كما القوانين الأميركية التي يفرضها المجتمع الدولي على سورية، أم أن إعادة سورية لشغل مقعدها في الجامعة لن تمتدّ لأكثر من ذلك. مع عودة سورية إلى الجامعة، يبقى الأمل أن تنتهي معاناة الشعب السوري، وألّا نتحدث عن “انتصارات” لا معنى لها، إن لم تشمل أيضًا انتصارًا للشعب السوري.

—————————-

قمة جدة.. عودة الضال وفقدان البوصلة/ يمان زباد

لم يكن قرار مجلس الجامعة العربية بعودة الأسد مُفاجئاً، بل جاءت المفاجأة من تسارع الجهود العربية لفتح مسار سياسي يعتبر عودة التواصل مع الأسد هو بداية عمله ويؤدي إلى وجود حل في سوريا، مع أن ماهية هذا الحل بقيت ضبابية بين تصريحات المسؤولين العرب إلى “أن سوريا يجب أن تعود إلى وضعها الطبيعي” أو إنهاء الأزمة السورية أو حتى الحفاظ على وحدة الأراضي السورية.

كان مؤتمر عمان الذي سبق قمة جدة والتصريحات المرافقة له توحي بعدم وجود رؤية واضحة لخريطة طريق للحل السياسي، ولكن الاتفاق الوحيد المُنجز هو أنه يجب عودة الأسد إلى الجامعة العربية، وأن ورقة تجارة الأسد بالكبتاغون كانت ناجعة في أن تعيده إلى حضن ما سواء كان عربياً أو غربياً، لأن الأوراق المشابهة كانت فاعلة خلال حكم الأسد الأب والابن، ابتداءً من تهديد الأمن القومي التركي عبر دعمه حزب العمال الكردستاني وإعادة الكرة في دعمه لقوات سوريا الديمقراطية حالياً لإجبار تركيا للتواصل معه من جديد، مروراً بصناعته وتمويله للجماعات المتطرفة في العراق التي جرَّت أميركا لإعادة علاقتها معه لضبط تلك الجماعات وتسليم تفاصيلها.

ما قبل قمة جدة.. تجارة بالمعلومات وابتزاز سيستمر

بعد التقارب الأميركي مع الأسد عقب دفعه نحو إيقاف توجه المقاتلين من سوريا إلى العراق بعد الغزو الأميركي، كانت الورقة الأساسية التي قدمها هي معلومات المتطرفين الذين وصلوا إلى العراق، ونفس الأمر بدت ملامحه بعد اجتماع عمان في بداية أيار 2023، حيث كانت نتائجه أن نفذ الأردن أولى ضرباته الجوية ضد أحد تجار المخدرات على الحدود السورية الأردنية، بالتزامن مع عروض سعودية بتقديم 4 مليارات دولار لنظام الأسد على هيئة مساعدات إنسانية، ولكن جوهرها يكمن في تشجيع الأسد على إيقاف تجارة وتصنيع الكبتاغون، وخاصة بعد أن أصبحت شحنات الكبتاغون تُضبط داخل الأردن والسعودية وليس فقط على حدود البلدين، مما يوحي بتوسع شبكة تجارته لتشمل فواعل محلية في كلِّ من الأردن والسعودية تُساهم في إدخاله ثم توزعه في تلك المجتمعات.

وبناءً على ماستُقدمه البلاد العربية من دعم اقتصادي لمؤسسات الأسد بحجة الزلزال أو غيره، ومدى قدرتها على فتح ثغرات غربية لإعادة تعويم الأسد وإن كان على صعيد المؤسسات المدنية التابعة له، سينعكس هذا المساران على المعلومات والتعاون الذي سيقدمه الأسد للحد من صناعة وتجارة الكبتاغون.

قمة جدة.. الأوراق العربية الأخيرة

جاءت قمة جدة بجديدين، أولهما عودة الأسد إلى الجامعة ودعوة زيلينسكي إليها في محاولة سعودية للتأكيد على أن الدور العربي الجديد هو محور ثالث لا ينتمي إلى المعسكرين الروسي أو الأميركي، حيث كانت ردة الفعل الأميركية الباردة عقب ضرب الحوثيين لمنشآت أرامكو في السعودية عام 2019 هي النقطة الفاصلة التي جعلت المملكة تُفكر بشكل أوسع اتجاه علاقتها بالولايات المتحدة الأميركية، فبدأت تعيد حساباتها عبر إعادة العلاقات بشكل مبدئي مع إيران وإعادة قراءتها للمشهد العربي عبر محاولة صنع أدوات تحافظ بها على أمنها القومي بعيداً عن الحليف الأميركي.

كانت خطابات المشاركين في القمة مشتركة في محاور الأزمات الحالية الموجودة في المنطقة العربية، وشملت القضية الفلسطينية والسورية واليمنية والسودانية وأيضاً تفاصيل أخرى متعلقة بالأمن المائي والمناخ، وكان الاتفاق على دعم القضية الفلسطينية مشتركاً، بينما الرؤية للحل السوري جاءت ضمن 3 أنواع من التفاعلات: أولها من أكد على القرارات الأممية ومن ضمنها قرار مجلس الأمن 2254 مثل الكويت ومصر، ثانيها من أكد على مسار عمان متجاهلاً المسارات الأخرى مثل الأردن، وثالثها من أكد على الخطوط العريضة التي يجب من خلالها أن تُحل الأزمة السورية مثل الحل السياسي وعودة اللاجئين مثل ليبيا واليمن.

كل تلك التباينات تُفضي إلى أن حضور الأسد للقمة كان هدفاً لأكثرية البلاد العربية وليس وسيلة أو خطوة أولى ضمن رؤية أو مسار سياسي جديد، وتحقيق  هذا الهدف كان من أجل إعادة الأوضاع إلى ما قبل 2011 في كل البلدان العربية سعياً للتمترس وانتظار نتيجة تجاذبات القوى الروسية والأميركية، وهذا ما أكده خطاب الأسد وتصريحاته الصحفية قبل المؤتمر بعد لقائه مع قيس سعيد وإشارته إلى أن ما حدث في تونس كان عابراً ولم ينجح المخطط بأن يتم استغلال تونس لكي تكون نموذجاً للفوضى، وبالتالي كان توجه أكثرية البلاد إلى الكُفر بالربيع العربي الذي تغيرت أوضاع البلاد التي انطلق منها.

ختاماً، لم يحمل بيان قمة جدة أية قيمة مضافة أو رؤية سياسية للحل، حتى غابت عنه مبادرة خطوة بخطوة أو حتى التأكيد على استمرار مسار عمان، بل كان الجزء السوري من البيان مؤكداً على الإنجاز الذي حدث بعودة الأسد، وأنه يجب أن يكون هناك تكثيف للجهود من أجل المساعدة الإنسانية لسوريا، ولا يُتوقع أن يكون هناك تغير في خريطة القوى على الأرض أو مناطق النفوذ، حيث لا تملك البلاد العربية قدرة على التأثير في المشهد الداخلي من جهة، مع عدم وجود خيارات من أجل الالتفاف على العقوبات الغربية على الأسد من جهة أخرى، خاصة بعد مشروع القرار الأميركي الأخير المتعلق بمنع التطبيع معه، الذي قد يشمل  مراقبة وصول المساعدات لمؤسسات “مدنية” تابعة للأسد وهي الأمانة السورية للتنمية مما يفتح باباً جديداً يتمثل في مراقبة ثم محاسبة ثم فرض عقوبات على أياديه المدنية التي ما زالت تتحرك بِحُرية مثل الهلال الأحمر السوري والاتحاد الوطني لطلبة سوريا، ولكن سيُفتح للأسد نوافذ اقتصادية متمثلة في إعادة التمثيل الدبلوماسي الذي يُفضي إلى فتح السفارات والقنصليات بشكل طبيعي في عدد من البلاد العربية وبالتالي عودة السفارات والقنصليات لكي تكون مصدر تمويل له عبر استمرار ابتزازها للسوريين المغتربين والمهجرين الساعين للحصول على أوراقهم القانونية.

—————————

قمة الكشف والانكشاف/ يحيى العريضي

دأبَ العرب على العيش في غياهب التاريخ والتغني بأمجاد قديمة صنعها الأجداد؛ والتذمر من الحاضر بمواجعه، والخشية من المستقبل بغموضه، والحسرة من حُكم الآخر المجاور لهم لعقود. يُدخلون غياهب الاستعمار الحديث وويلاته، وتقسيمه بلادهم إلى قطع متنافرة، معتمداً سياسة “فرّق، تسد”، وتحكيم سُلطات ترتبط به، وتتحكم بمصير “شعوبهم”، وتكتم على أنفاسهم.

تتشكَّلُ جامعة “عربية” لدولهم بعد “استقلالهم”، لتكون شاهداً على نكبة فلسطين بعد ثلاث سنوات من نشأتها، وعلى هزيمة السبعة والستين في ظل وجودها، وعلى انتفاخ الكيان الصهيوني ثلاثة أضعاف حجمه. يختلط في ظل “جامعتهم” الملكي بالإماراتي بالمشيخي بالجمهوري التوريثي؛ وتتحوّل السلطات المُشَكِّلة لتلك “الجامعة” إلى أجساد متوترة متنافرة تبحث عمن يُبقي أعضاءها في كراسي السلطة بخدمات جليلة، وبأي ثمن يُطلب.

أضحت تلك السلطات تخشى تسلل الحرية، أو الديمقراطية، أو أي احتمالية لحكم رشيد عادل فيه تكافؤ فرص وإطلاق للإمكانيات المعرفية والتقدم. تعيش انفصاماً مرعباً بين المُعلَن والواقع؛ فتسمع بالالتزام بالقضية الفلسطينية، وتحرير الجولان، والمقاومة، والممانعة، وضرورة مقاومة المشروع الصهيوني والفارسي والإمبريالي في كل مرة يلتقون. أما الممارسات الفعلية فتتمثل ببحث صنف منهم عن طريق لإزالة كل تلك المنغصات والتوترات لتجذير سلطة هانئة تنام بالعسل، تغري رعيّتها بالعيش الرغيد بفعل الوفر والبحبوحة؛ وصنفٌ آخر يغري “مواطنيه” بكونهم خارج المعتقل، أو القبر، أو الاقتلاع من “الوطن”.

هبت موجات التغيير على عالمنا، إثر سقوط الاتحاد السوفييتي، وسقوط معسكره الدكتاتوري كأحجار الدومينو بعد انهيار جدار برلين. انطلقت نفحات الحرية والديمقراطية مع الربيع الذي حلَّ في الدول التي كانت تدور في الفلك السوفييتي المظلم. كان لا بد لتلك الاهتزازات والكُتل أن تهدأ وتتموضع حتى يبدأ لهيبها وإشعاعاتها بالانتقال والتأثير في المحيط القريب والبعيد.

استنفر النظام العربي المضاد للحرية، غير القادر على تحمّل الديمقراطية. استشعر احتمالية انتقال عدوى الحرية إلى مزارعه؛ ولكنها تأخرت. وكان لذلك جملة من الأسباب، وعلى رأسها حاجة الغرب (دينمو التغيير) للبحث عن عدو جديد، بعد أن انتهت ذريعة محاربة الشيوعية؛ ليجد وليرتب التطرف الإسلاموي والإرهاب كعدو جديد.

كانت حرب أفغانستان تلملم أشلاءها، ليتبعها الغزو الأميركي لأفغانستان، ولتبدأ بذور الإرهاب تتفتح، ويبدأ العدو الجديد يفَرّخ ويُفرَّخ. دخل في سجل التهيئة للتغيير الحرب العراقية الإيرانية بعد مجيء الخمينية، ثم أتى إرهاب11  أيلول 2001، لتتبعه الحرب على العراق، تحت يافطة وجود السلاح الذري الإرهابي. كل ذلك أعاق الثورات العربية على أنظمة مرتهنة لعلاقات اعتمادية مع الغرب وأحياناً مع الغرب والشرق معاً.

أربكت “النظام العربي الرسمي” وهزّته تلك الانتفاضات العربية التي تأخرت؛ حيث كان أول الغيث في تونس؛ فواجه “بن علي” |أبو عزيزة| بالهرب بعد أن وصلته الرسالة وفهِمَها؛ ليعود إلى تونس اللقاح المضاد، والمتمثل بمخلوق شمعي.

ثم تنتقل الموجة إلى ليبيا، فينتفض القذافي ويستنكر حتى وجود شعب، ويسأل “مَن أنتم”؟؛ ولتبقى ليبياً نهباً لقوى متصارعة إثر امتداد الأيادي الخارجية الخبيثة.

ولتنجح ثورة مصر، وتُرفع اليد عن الدكتاتور، وتحدث معجزة الانتخابات الحرة؛ ثم ليعود الطغيان من النافذة، وينقضّ العسكر على روح الثورة، وتعود الأمور “المباركاتية” إلى ما كانت عليه.

وليشهد اليمن أنظف وأعمق الانتفاضات، التي سرعان ما انقضَّت عليها التدخلات التي حوّلتها إلى ما يشبه الحرب الأهلية، التي بعثرت البلاد، وأججت حرباً غير مباشرة بين الخليج ومشروع ملالي طهران، كادت أن تصل إلى مباشرة بينهما.

وأخيراً، ودون توقع من سلطة الاستبداد الأسدية، تصل الموجة إلى سوريا، رغم أن رأس “النظام”-وفي مقابلة مع صحيفة Wall street Journal ديسمبر2010 – قد استهجن ونفى أي احتمالية لوصول تلك الموجة، مستنداً ربما إلى سجل متجذر حافل بالإرهاب من جنازير الدبابات والمعتقلات لكل سوري تخوّل له نفسه أن يتأثر بهبوب نسائم الحرية والكرامة والانعتاق. وصلت، وانطلقت؛ ولكن قُوبلت بالحديد والنار، مدعومة بسردية الأبواق التي رأت فيما يحدث “مؤامرة كونية”، وإرهاباً إسلامياً، وجراثيم مرتزقة عميلة.

عمل كلُ ما تبقى من منظومات عربية –لم تصلها الموجة- بطريقته على وأد هذا السيل الجارف في المحطة السورية. كان لا بد من حرف بوصلة الموجة عن هدفها، ولكن بوأد الزميل في “الجامعة”، وإخماد الثورة عليه بجهود ازدواجية خبيثة استنزافية قاتلة. فمن جانب تم التركيز على دعم التطرف المتناغم مع سردية “النظام” القائلة بأنه يقاوم الإرهاب؛ ومن جانب آخر تجميد عضوية “الزميل”، والنأي عنه، ومقاطعته على ارتكاباته، والعمل على التلاعب ببديل لا قبول له داخلياً أو خارجياً؛ وإبعاد قوى وطنية مستقلة تحمل مشروعاً نهضوياً يعيد للربيع العربي ألقه عِماده الحرية والديمقراطية والانعتاق والحكم الرشيد.

أتى التدخل الخارجي الجارف لكل الرؤى والمخططات. تفاقمت التعقيدات بتضارب المصالح وتصفيات الحسابات على ملعب سوري مستباح تبعثر سكّانه كلاجئين في أصقاع الأرض، تعج معتقلاته بالأبرياء، تمزقه الميليشيات وصواريخ قوة عظمى وبراميل وكيماوي “الزميل”، وتخدير “أصدقاء الشعب السوري” وشلل الأمم المتحدة. وصلت كل تلك الصور الرهيبة لشعوب “الزملاء” لتُحبِط وتُخمِد أي طموحات أو تطلعات للانعتاق، وإيثار السلامة في ظل سلطاتها.

وهكذا تهيأت الأرضية المناسبة لعودة “الزميل”، والتطبيع معه بحجج وذرائع جمود الملف السوري، ومعاناة الشعب السوري، وأزمة اللاجئين السوريين، وتَمَزُّق سوريا، وتغوّل إيران فيها، و{كما تصوروا} فشل ثورتها ومعارضتها وشعبها بالتغيير أو إيجاد حل. وهنا كان لا بد من مراسم إعادة تعميد مشفوع بحفاوة استقبال للمنتصر على المؤامرة الدولية وعلى شعبه. وضمناً هي عودة قاهر الشعوب، حامي العروش، الزميل العزيز.

الذرائع والحجج التي سيقت لتبرير فعلة التطبيع المكشوفة واضحة حتى لمعدوم البصر والبصيرة. فجمود الملف وراءه تهرّب “الزميل” من أي حل سياسي، والتوترات بين المتدخلين في الشأن السوري. ومعاناة الشعب السوري ليست إلا نتيجة ما مارسه من قتل، وتدمير، واعتقال، وتشريد، واستدعاء ميليشيات واحتلالات، ورهن مقدرات سوريا للمحتلين. واللاجئون لا ولن يعودوا بوجوده، وهو أصلاً لا يريد عودتهم. وإيران تزداد تغولاً. والمعارضة معروف من عمل على تكبيلها، والثورة واضح مَن ساهم بتشويهها، والشعب السوري ربما آخر اهتمامات بعض المطبعين.

وإذا جاز لنا أن نخاطب المطبعين مباشرة، نقول: تتغافلون عن حقيقة الأسباب التي بموجبها جمدتم “زميلكم”، والأسباب لا تزال قائمة؛ وزاد عليها “الكبتاغون” الذي يهدد وجودكم. تنسون أنكم مَن هرَبَ من القضية السورية، ودفَعَ بملفها إلى الأمم المتحدة؛ فعبثاً تحاولون استردادها بعد تدويلها؛ وخاصة أن “بطلها” “المنتصر على شعبه” تحت أحمال قوانين “قيصر” و”الكبتاغون”، و”حفار القبور” و”حضر التطبيع” قادمان. وإن كنتم ترغبون بتصفير المشاكل لتوقي أذى المشروع الإيراني، فصعب أن تجلبوا اللغم الإيراني الأخطر وتضعوه بينكم.

بعد قمة الكشف والانكشاف، وبعد أن أظهر الغريب لا الأخ – أكان في قمة السبع الكبار أو بعض دول العالم- أنه يرفض التطبيع مع منظومة قتلت “شعبها”؛ لم يعد ذر الرماد في عيون السوريين ممكناً؛ وخاصة أن السوريين قد نضجوا في السنوات الماضية نضجاً بحجم آلامهم، وبقدر ما خزّنوه منذ بدء التأريخ.

لقد تكشّف كل شيء أمامهم؛ وتبيّن لهم الكثير مما أحاط بقضيتهم من إحباطات، وانتكاسات وثغرات ومؤامرات. سيراهم هذا العالم يعيدون تنظيم أنفسهم، ورص صفوفهم، وإعادة رسم مشروعهم لاستعادة وطنهم موحداً حراً كريماً مستقلاً.

ومع كل ما جرى، يحدوهم الأمل بأن الأخوَة لا تهون، ومَن ينقل المرأة العربية من حالة حرمان سياقة السيارة إلى السياقة في الفضاء، لا يقبل أن تكون أخته السورية مذلولة.

——————————

إيران ونظام الأسد والقمم العربية/ عمار السمر

مع عودة نظام الأسد إلى الجامعة العربية كثرت التحليلات والقراءات، ومنها الفرضية الفاشلة قديماً وحديثاً بضرورة عدم ترك الأسد في أحضان إيران، وقد فصّلت الحديث عن ذلك في مقالين سابقين بعنوان “سراب الفصل بين نظام الأسد وإيران” (1) و(2). هذه الفرضية التي ما تزال بعض الحكومات العربية تحاول التسويق لها بعدما استسلمت للتراجع أمام المشروع الإيراني في المنطقة، ولجأت إلى المقايضة حفاظاً على مصالحها الآنية أو بقاء أنظمتها. ربما هذا ما دعا بشار الأسد للخروج علينا بنظرية “الانتماء والأحضان” في كلمته أمام الجمع الطيب! وربما قصد طمأنة الحضور إلى أن كونه في أحضان إيران لا يتناقض مع عروبته، خاصة وأن لإيران دوراً كبيراً في عودته تلك.

ماذا نقول، نحن السوريين، عن مشاركة قاتلنا في اجتماع القمة العربية العتيد؟ إذا كان أحد أعضاء الكونغرس الأميركي وصف الاجتماع بالمقزز، واعداً أن العناق الحار الذي حظي به الأسد، القاتل الجماعي، سيقابل بعواقب وخيمة، رغم أن واشنطن طالما تكلمت عن هكذا عواقب ولم نرها. ماذا نقول عن ممثلي أغلب الحكومات والأنظمة الذين انبروا دون خجل للترحيب بعودة قاتل إلى مقعده بينهم؟ عدا قلة منعتهم الشهامة والمروءة والخجل من الجلوس أو الترحيب به، علّهم يخففون من صدمة السوريين المنهكين في كل مكان بعد أن أصبحوا كالأيتام على مائدة اللئام.

إذا كان هذا حال الأنظمة العربية التي كان بعضها يدّعي رفضه لبشار وجرائمه فكيف كان حال جماعة الأسد؟ نبدأ بوزير خارجيته الذي بدا منتفخاً كدمّلة مليئة بدم أطفال سوريا وقيح أبدان المعتقلين وهو يؤكد مشاركة سيده في القمة. أما إيران، وكما ورد في صحفها، فقد اعتبرت دعوة الأسد للسعودية انتصاراً كبيراً. كما وصفت صحيفة “كيهان” الأصولية المصالحة بين إيران والسعودية بالطلقة الأخيرة التي هزمت المحور المعادي لإيران وحلفائها. وغير خاف على أحد أن الإيرانيين يصنفون في هذا المحور كل من يعارضهم وفي مقدمتهم السعودية والثورة السورية، بالإضافة إلى الولايات المتحدة وإسرائيل. ورأت الصحيفة نفسها أن القمة كانت قمتين؛ الأولى عربية، والأخرى بين سوريا وما تمثله وبين السعودية.

أما صحيفة الأخبار اللبنانية “الممانِعة” فقد نشرت ملفاً على صفحتها الأولى بعنوان “عودة رجل شجاع” قاصدة بشار الأسد. ورأت في الكلمات التي ألقيت في القمة نعياً رسمياً للربيع العربي، لكنها لم تقل إن دعوة الأسد تعتبر دليل الأنظمة العربية على تأكيد نعي هذا الربيع، ودرساً واضحاً لشعوبها. وتأكيداً على ما يعتبره الإيرانيون وأدواتهم نصراً ربطت الصحيفة بين تاريخ انعقاد القمة وحضور بشار لها، وبين ذكرى معركة القصير عام 2013 التي جرت في نفس الفترة، “وكانت بداية انتصار الأسد وحزب الله” كما قالت. ولم تنس الصحيفة تذكيرنا بما فعلته ويمكن أن تفعله الحكومات العربية لـ”تطبيع الأوضاع في سوريا”، مذكرةً بمساهمتها في رعاية “المصالحات” سيئة الصيت مع النظام؛ الإمارات في جنوبي سوريا، والسعودية في الغوطة الشرقية. ولمن لا يعرف “المصالحات” فهي اتفاقيات فُرضت على المناطق الثائرة تحت ضغط الحصار والقصف والدمار، ونتج عنها التهجير القسري والتغيير الديمغرافي.

لنترك جانباً كلام صحف “المقاومة والممانعة” التي تؤكد انتصار إيران وأدواتها ولننظر إلى أرض الواقع. النتيجة واضحة للعيان؛ إيران وحدها المنتصرة والعرب كلهم خاسرون. هذه ليست أحجية. فلننظر إلى أهداف العرب (دولهم الفاعلة) خلال العقد الماضي في نقاط المواجهة الساخنة مع إيران (سوريا والعراق واليمن ولبنان). من المسيطر؟ إنها إيران وأدواتها أو بالأحرى امتداداتها الطائفية، لأنها سلكت سبيل التضامن الطائفي داخلياً وخارجياً لتحقيق أهدافها، والتقت في ذلك مع امتداداتها التي سلكت السبل نفسها كنظام الأسد.

تحدث عبد الحليم خدام في كتابه “التحالف السوري الإيراني والمنطقة” كيف سخّر الأسد الدولة السورية بعد نجاح ثورة الخميني للدفاع عن إيران في المحافل الدولية والإقليمية ومنها جامعة الدولة العربية، فكانت صوتها ويدها في العالم العربي. أصبح تحالف الأسد مع إيران سبباً للخلاف في العديد من القمم العربية. ففي عام 1980 حاول الأسد عرقلة انعقاد القمة العربية المقررة آنذاك في الأردن، واقترح عقد اجتماع مصغر بدلاً منها، لأن أغلبية الدول العربية كانت متفقة على تأييد العراق في حربه ضد إيران 1980. وعندما لم يفلح مسعاه تزعم مقاطعة المؤتمر الذي أيد العراق. ولما هاجم الملك حسين موقفه المؤيد لإيران البلد غير العربي رد الأسد باستعراض جيشه قرب الحدود الأردنية، لكنه لم يزعج دول الخليج التي كانت يبتزها بعلاقاته مع إيران. وقبل القمة التالية عام 1981 في فاس ادعى الأسد أن لديه خطة لإنهاء الحرب العراقية الإيرانية وزار السعودية للتنسيق معها في هذا الشأن، لكن وزير خارجية إيران سرعان ما زار دمشق رفضاً للفكرة لأن المعارك كانت تسير لمصلحة إيران، وكان الأسد من أهم الداعمين للمجهود الحربي الإيراني. استمر الأسد وقتئذ بدعم إيران رغم وعوده للسعودية بتخفيف علاقته بها وتخفيف انتقاده للعراق، وعلى الرغم من تلقيه مساعدات مالية سنوية سخية من دول الخليج وفي مقدمتها السعودية. ولم يتراجع عن علاقته تلك على الرغم من حاجة سوريا الماسة إلى وقوف أشقائها العرب معها، مقدماً مصلحة نظامه على البلد حتى في أحلك الظروف، كما كان بعد إصدار إسرائيل قرار ضم الجولان في أواخر 1981.

استمر الأسد بعلاقاته مع إيران ودعمها في حربها ضد العراق رغم ما سبّبه ذلك من انقسام في العالم العربي، وكان سبباً رئيسياً في عرقلة انعقاد القمم العربية لثلاث سنوات (1982-1985). حتى حاولت السعودية رأب الصدع، وخاصةً بين العراق والأردن من جهة وسوريا من جهة، عبر “لجنة تنقية الأجواء العربية السياسية” التي ترأسها ولي العهد السعودي آنذاك الأمير عبد الله. لكن الأسد استمر في المراوغة فقد كان يعتبر علاقته بملالي إيران استراتيجية، ضارباً عرض الحائط بالعرب وبالشعب السوري. فبغض النظر عن واجهة أسباب الحرب العراقية الإيرانية، ما الذي يجمع السوريين بإيران الخميني (الفارسية-الشيعية)؟ فالسوريون وقتها كانوا يؤيدون العراقيين لا لشيء سوى أنهم أشقاؤهم، وما زلت أذكر تحلق بعض الأقارب حول الراديو لسماع الإذاعة العراقية وأخبار الحرب، رغم منعها من نظام الأسد.

بعيداً عما نحب ونكره، شكّلت إيران وامتداداتها محوراً له مشروع وهم ماضون فيه بلا هوادة، وفرضوا واقعاً لا بد من التعامل معه كما هو. لكن المحور المفترض أن يواجه المشروع الإيراني ويمثل الأكثرية في المنطقة منقسم ومشبع بالمشكلات، حتى أن الدول التي تعتبرها إيران على رأس المحور المضاد لها، وأولها السعودية، مشغولة بقضايا أخرى. خلق هذا الحال فجوة في تمثيل مصالح الأكثرية بسبب قصور الأنظمة الحاكمة، وقد أدى ذلك وسيؤدي إلى اضطرابات لا يمكن توقع نتائجها، وظهور جهات وتنظيمات تتصدى لملء فجوة تمثيل الأكثرية.

——————————

ملك الكبتاغون في جدة: فماذا بعد؟!/ أحمد مظهر سعدو

الحسرة والألم ومزيد من الإحساس بالتخلي والخذلان، كان شعور السوريين وهم يتابعون مؤخرا، الاستقبال السياسي، وبعض الترحيب الذي لقيه رأس النظام السوري في جدة، حين تمت دعوته لحضور مؤتمر قمة الدول العربية الواحد والثلاثين المنصرم، لن يستوعب الشعب السوري أو يتقبل ما حدث، رغم كل ما قيل عن واقعية سياسية ما يجري التعاطي معها، ومقاربة جديدة لدى جامعة الدول العربية ودول فاعلة فيها، لن يقبل السوريون إعادة استيعاب وإدماج رجل الاستبداد والقمع، والكيماوي الأول في المنطقة العربية، من قتل ما ينوف عن مليون سوري، ودمر ما يزيد عن 65 بالمئة من البنية التحتية في سوريا، وهجَّر قسريا ما يقرب من 14 مليون إنسان سوري، بين نازح إلى الشمال السوري، ومهجر لاجيء إلى كل بقاع الأرض، نتيجة المقتلة الأسدية التي ما انفكت مستمرة بحق كل السوريين الذين كان ذنبهم الوحيد أنهم خرجوا صبيحة 15 آذار/ مارس 20211، يقولون لا للاستبداد الطغياني البغيض، ونعم للكرامة والحرية المفتقدتين في ربوع سوريا منذ ما ينوف عن خمسين عامًا، عاشها الشعب السوري تحت سطوة ووطأة الجلاد الأول حافظ الأسد ثم وريثه وابنه بشار الأسد.

في السياسة لا ثابت أبدا، وفي العلوم الإنسانية كل شيء يتحرك، وكل حيوات البشر تلفها المتغيرات والانبثاقات، لكن ما جرى مع دعوة بشار الأسد إلى جامعة الدول العربية يدخل في أتون العديد من المتغيرات اللاموضوعية التي تأتي بما يخالف الطبيعة، ويتنافى مع منطق الأشياء، ويدمي القلب والعقل، ويحيل الناس في سوريا إلى حالة من اليأس واللاجدوى طالما عمل السوريون على أن لا يدخلوا في ماهيتها، وأن يكونوا ذاك الطود الشامخ الذي يأبى الذل والهوان ويصر على ما بدأه، من منطلق أن تحركه وتوقه إلى الحرية، هو المنطق الصحيح في الواقع السوري، وهو حق مشروع له ولكل الشعوب التي تتوق عادة إلى الحرية، وتحلم بوطن لا استبداد فيه، تسوده أجواء الديمقراطية النسبية على الأقل. ولعل التجربة والممارسة الديمقراطية التركية/ الجارة التي جرت مؤخرًا، تزيد من حسرة الشعب السوري وآلامه، بينما يقارن حاله الذي وصل إليه مع النظام الرسمي العربي، وأحواله اليومية في ممارسات الاستبداد المشرقي السوري الذي عاناه وما يزال من نظام/ عصابة آثرت على نفسها الارتداد عنفًا إلى كل ما هو لاجم للأفواه فيمنعها من النطق بأي كلمة ترفض الطغيان والقمع الأسديين.

الانشغالات العربية الرسمية خلال مؤتمر جدة المشار إليه كانت ذاهبة إلى كيفية استقبال من جُمدت عضويته منذ 12 عامًا خلت من جراء قمعه وقتله لشعبه، وكذلك نتيجة رفضه المبادرة العربية التي قالت بالحل السلمي، ووقف المقتلة الأسدية الفاجرة التي رفض عبرها بشار الأسد الجلوس إلى أشقائه العرب أو الدخول في الحل السياسي، وهو الذي استمرأ سياسة لجم الكلمة الحرة، وهو من أتى على كل ما قيل أنه نواتج ربيع دمشق بعد موت حافظ الأسد، وحالة الفوران الشعبي والانبثاقات الكثيرة التي تحرك بها وعبرها ناشطو ربيع دمشق في حينه.

لكن هل كانت عودة النظام السوري إلى اجتماعات النظام الرسمي العربي مدخلاً حقيقيًا أو جديًا لإعادة إنتاج علاقة جديدة معه، عبر قبوله بالحل السياسي الذي رفضه منذ نوفمبر/ تشرين ثاني 2011، وهل تغيرت رؤيته للحل السياسي الداخلي، ومن ثم اقتنع بتجاوز الحل العسكري والأمني الذي انتهجه في التعاطي مع السوريين؟ وهل من بوادر ومصداقية أو حتى وعود من قبل هذا النظام تشي بأي حل للمسألة السورية، ضمن مسارات قرارات جنيف المتعلقة بالشعب السوري؟

والجواب واضح وصريح عبر الخطاب الخشبي الذي أفضى به في مؤتمر جدة، والذي لم يعترف بأي خطأ ارتكبه، بل راح يُحمِّل الآخرين ممن جمدوا عضويته في الجامعة العربية، كل المسؤولية، وكأنه الحَمَل الوديع الذي لم يفعل ولم يرتكب كل تلك الارتكابات الشنيعة التي قام بها خلال 12 سنة أفلت أمام سمع وبصر العالم، لم ولن يعترف (هذا النظام المجرم) بأي خطأ ارتكبه، وليس في منظوره ولا في سياساته الآنية ولا المستقبلية القبول بالحل السياسي، وهو يدرك، ويتوهم أنه انتصر على شعبه عسكريًا، وأن الداعم الإيراني كما الداعم الروسي ما برح إلى جانبه، ولعله لولا دعمهما وجملة تغيرات أخرى، ما كان له أن يكون جالسًا اليوم إلى جانب قادة الدول العربية التي وقفت في مواجهته واصطفت في مرحلة سبقت، ولو إلى حين مع الشعب السوري المقهور.

كيف يتراجع النظام السوري عن كل ما اقترفته أيديه من ظلم وقمع وقتل وكيماوي، وهو يدرك أن وجوده اليوم في قلب الجامعة العربية، جاء نتيجة طبيعية للتفاهمات الإيرانية السعودية برعاية صينية التي حصلت في 10 آذار/ مارس المنصرم، وأنه لولا الاستحقاقات التي فرضت عودته هذه لكان مايزال في عزلته، ولا قدرته على الفعل، أو الولوج في القمة نحو الرياض أو سواها.

لا وعود ولا اهتمام من قبل النظام السوري بحل يعالج الإشكالات التي أوصلته إلى هذا الحيز من العزلة، وليس في منظوره أبدًا الولوج بالحل السياسي،  وهو ليس معنيًا به، كما أنه غير معني أيضًا بإنهاء تجارة وصناعة الكبتاغون، وهو المصنف عالميًا بملك الكبتاغون، منتجه ومصدره، واقتصاده وتمويل شبيحته بات يعتمد بنسبة كبيرة فيه على مردود مالي ضخم وكبير جدًا نتيجة التجارة الكبتاغونية البائسة التي باتت تغزو العالم، وليس دول الخليح العربي فحسب، بل تتوجه نحو كل دول الإقليم والعالم.

من هنا فإنه لا تقدم يرجى نحو العملية السياسية التفاوضية معه، ولا إمكانية على الإطلاق لديه لعمل ما يحرك المشهد، ويعيد الأمل لدى السوريين بانتهاء الكابوس الذي طالما هيمن على حيواتهم، مع استمرار الخيار الأسدي بإنهاء الثورة السورية بالأسلوب الوحيد لدى نظام دمشق المدعوم روسيًا وإيرانيًا، في ظل صمت دولي مخيف ورهيب وحمال أوجه، حيث كان يتحدى النظام العربي الرسمي بقصفه الشمال السوري، في لحظة مشاركته في القمة وإلقاء كلمته (الفلسفية العصماء)، ولا يمكن أن تكون عودته هذه مدخلًا موضوعيًا للحل السياسي، الذي لا يؤمن به نظام الأسد ولا داعميه، ولا يمكن المضي به عبر أدوات سابقة، خَبِر العالم لاجدواها ولا فاعليتها، بوجود أصدقاء للشعب السوري كانوا قد خذلوه وتخلوا عنه وذهبوا إلى مصالحهم مع الطغاة فقط. وفي ظل وجود معارضة رسمية سورية متهتكة وغير فاعلة، ولا جود حقيقيا لها بين حاضنة الثورة السورية، وسط تخبط وعدم قدرة هذه المعارضة على الفعل والتأثير، وهي التي ارتضت لنفسها أن تضع البيض كله في سلة الخارج، فراح هذا الخارج يلعب ببيضها وفق وعلى حسب مصالحه، دون حسيب أو رقيب أو سائل.

—————————————

وهم المثالية جامعة الدول العربية وجمهور الثورة/ سليمان الطعان

لا أظن أن أحدا من العرب يعول كثيرا على جامعة الدول العربية، وعلى القرارات التي تصدرها، بمن في ذلك مسؤولو الجامعة أنفسهم. فإذا استثنينا بعض القضايا المعدودة التي نجحت فيها جامعة الدولة العربية، لأنها كانت محل إجماع بين الدول العربية، فهذه المنظمة عبر تاريخها كانت صوت الأنظمة العربية لا صوت الشعوب، ومكانا يستعرض فيه القادة العرب عجزهم اللغوي، وألبستهم الأنيقة، وساعاتهم الثمينة، مثلما كانت أمانتها منصبا يجد فيه وزراء خارجية مصر حسن الختام.

في ضوء ما سبق، لا يمكن أبدا فهم ردود الفعل الغاضبة على عودة النظام السوري إلى الجامعة، ودعوة رئيسه لحضور القمة الأخيرة في جدة، ولاسيما أن تلك الردود والتعليقات تجمع على استحالة قدرة النظام العربي على انتشال النظام السوري من القاع الذي وصل إليه، كما تجمع على عجز هذا الأخير عن الالتزام بالشروط الواجب الالتزام بها لضمان عودته إلى الجامعة العربية.

استعراض ما يكتبه جمهور الثورة على وسائل التواصل الاجتماعي يعزز فكرة عجز الجامعة عن انتشال النظام وإعادة تأهليه، ويشير بوضوح إلى غياب فعالية الجامعة العربية، غير أن المنشورات والتعليقات تسودها لغة تنضح بالألم والحزن، وتشيع فيها مفردات البكاء والخدلان والخسارة. وهذا أمر يمكن فهمه لأن جمهور الثورة كان لديه اعتقاد أن جامعة الدول العربية، وخصوصا الدول المؤثرة والمركزية كالمملكة العربية السعودية ومصر، لا يمكن أن تقترف مثل هذا الخطأ الذي يرقى إلى مرتبة الخطيئة الأخلاقية والسياسية معا. فهذا النظام ارتكب كل الموبقات التي لا تستطيع تلك الدول أن تقبل بها، كالقتل والتهجير والاستعانة بميليشيات طائفية لتهجير الناس وقتلهم. ويمكن استخلاص عنصرين تركز عليهما تلك الكتابات، وهما عنصران يتكرران تقريبا في كل ردود الفعل من قبل جمهور الثورة، أعني: مروءة الجاهلية، وأخلاق الإسلام.

    يقول المحدد الأول: إن النظام أجرم بحق السوريين بحيث لا يمكن لهذه الجرائم أن يغفرها أهل الجاهلية أنفسهم الذين كانوا بلا دين، ولكنهم امتلكوا مروءة هي مقياسهم في الحكم على الأمور، ولهذا لا ينبغي على العرب من هذا المنظور أن يعيدوا النظام

يقول المحدد الأول: إن النظام أجرم بحق السوريين بحيث لا يمكن لهذه الجرائم أن يغفرها أهل الجاهلية أنفسهم الذين كانوا بلا دين، ولكنهم امتلكوا مروءة هي مقياسهم في الحكم على الأمور، ولهذا لا ينبغي على العرب من هذا المنظور أن يعيدوا النظام، فحتى لو كان بعض القادة العرب بعيدين عن الدين، فإنهم أحفاد هؤلاء الجاهليين ذوي الأخلاق العالية. أما المحدد الثاني فهو يخاطب فيهم الوازع الديني الذي يحرم على أي فرد أن يضع يده في يد مجرم اقترف من الجرائم ما لا يمكن قبوله، ناهيك طبعا عن الغمز من الناحية الطائفية، على اعتبار أن النظام مختلف في تركيبته الطائفية عن تركيبة بقية الأنظمة العربية، الأمر الذي يجعل إعادة قبوله خطيئة دينية أيضا.

يبدو، والحال على ما وصفناه، أن المشكلة تكمن في الوعي الذي يحرك جمهور الثورة الذي يتحكم به محددان أساسيان هما العروبة والإسلام، فقد كان هذا الجمهور يتوقع أن تقوم دول أخرى بمهمة تعويم النظام أو محاولة تعويمه، لأن تلك الدول تفتقد إلى مروءة الجاهلية أو أخلاق الإسلام أو كليهما معا.

والحقيقة أن المرء يقف حائرا أمام هذه الرؤية، ولاسيما أن الأديان كلها بلا استثناء لا تقبل هذه الممارسة، فلا الأديان السماوية ولا الأرضية تبيح التعامل مع مجرم أو الوقوف في صفه، ولكن المعضلة تكمن في الرؤية الإيديولوجية التي ينظر من خلالها جمهور الثورة. فبعيدا من أن ردود الفعل المشار إليها لا تنطلق من رؤية علاقات القوة وإدراك التوازنات القائمة، فإنها إضافة إلى ذلك تقع أسيرة وهم المحددين السابقين. وهو وهم ينبغي توضيحه وتحليل مضامينه وإدراك أسباب بقائه حتى الآن.

يخيم على جمهور الثورة وهمان: وهم الأمة المثالية، ووهم الدين المثالي. وكي لا يساء فهمي، فإن ما أقصده بالدين المثالي هو الدين كما جرى تطبيقه لا الدين بما هو نصوص مقدسة. وهذان الوهمان يكادان يسيطران لا على جمهور الثورة وإنما على العقل العربي منذ منتصف القرن العشرين، أي منذ تراجع الحركة العقلانية العربية بصيغتها الليبرالية وظهور تيارات فكرية وسياسية جديدة قائمة على التعبئة الإيديولوجي لا القراءة العقلانية.

مثالية الأمة هي نتاج طبيعي لأي خطاب قومي، فعادة ما يرتكز هذا الخطاب على تفوق الأمة أخلاقيا على ما سواها. لقد تلقى هذا الخطاب طعنات قاتلة في مركزه الأوربي في أعقاب الحرب العالمية الثانية، ولاسيما بعد ظهور الكثير من القوانين التي شذبت هذا الخطاب وضيقت عليه في الفضاء العام، ووصلت إلى حد تجريم بعض  عناصره ومقولاته، نظرا لما خلفه من خراب، ولكن هذا الخطاب لم يتعرض للنقد في عالمنا العربي بغية وضعه في سياقه الصحيح، بل أسهمت المناهج الدراسية بتكريسه وتقديم سردية للتاريخ العربي تقترب من حدود الكمال، فمروءة الجاهلية، بحسب تلك السردية، اندغمت بالإسلام الذي أقام العرب إمبراطورية عظيمة نقلت شعوبا كثيرة من الانحطاط والهمجية إلى عالم الحضارة. هذه هي الصورة التي رسمتها كل كتب التاريخ المدرسي وغرستها في أذهان أجيال من الطلبة، من دون أن تشير هذه السردية على سبيل المثال إلى خطأ أخلاقي واحد ارتكبه العرب عبر تاريخهم الطويل. وهذه الأجيال نراها اليوم في وسائل التواصل الاجتماعي تعبر عن غضبها انطلاقا من الموروث الذي تلقته في المدرسة والإعلام والمسلسلات التاريخية وسواها.

أما الوهم الثاني الذي يقع فيه جمهور الثورة فهو وهم الدين المثالي، وهو وهم مستحدث كسابقه، أسهم في نشوئه الخطاب الإسلامي منذ السبعينيات، حين بدأ بتقديم صورة للتاريخ العربي-الإسلامي تتوافق مع أعلى المعايير الأخلاقية، وذلك عبر تشذيب التاريخ من الصور المظلمة، و السكوت عن الانتهاكات الفظيعة التي تملأ جوانبه، وتقديم سردية قائمة على أن هذا التاريخ يتوافق مع المثل الأخلاقية كما هي في النصوص الإسلامية، وكان للدعاة والوعاظ والكتاب إسهام في ترسيخ هذا الوهم عبر الكتب والمحاضرات والندوات، وكان الإسهام الأكبر من نصيب الفقيه الفضائي الذي دخل كل بيت.

إن معرفة العناصر التي تتحكم بالوعي هي الخطوة الأولى لتشريح تلك العناصر وإظهار ما فيها من عيوب ثقافية، أملا في وضع تلك العيوب والمثالب تحت مجهر النقد ومحاولة تجاوزها لاحقا. لقد آن الأوان للخروج من الأوهام والنظر ببرود العقلانية إلى العالم من حولنا.

——————————

 هل يستطيع العرب مجاراة ألاعيب نظام الأسد؟/ عدنان علي

يشعر كثير من السوريين اليوم بالخذلان إزاء المواقف الرسمية لمعظم الدول من نظام بشار الأسد، والتي توّجت بإعادته إلى الجامعة العربية، وحضور رئيس النظام القمة العربية في جدة، من دون أن يبادر هذا النظام في المقابل إلى اتخاذ أي خطوات أو إجراءات تبرّر هذا التبديل في المواقف.

ومن أجل تفسير سلوكهم، يحاول بعض المسؤولين العرب القول إن انفتاحهم على نظام الأسد، هو جزء من خطة لديهم للحل السياسي في سوريا، تتضمن مطالب رئيسية ينبغي على النظام الامتثال إليها، وفي مقدمتها عودة اللاجئين السوريين ووقف تهريب المخدرات عبر الحدود.

والواقع أن هذه المطالب، وإن كان من المشكوك أن يتعامل معها النظام بجدية، ولاحظنا أن وفده إلى جدة حاول ابتزاز العرب عبر مطالبتهم بتمويل عودة اللاجئين والمساعدة في إعادة إعمار مناطقهم، لكنها لا تدخل في صلب المشكلة في سوريا، لأنّ السوريين حين انتفضوا ضد النظام عام 2011، لم تكن سوريا مركزاً لإنتاج المخدرات، ولم يكن السوريون مهجّرين أو لاجئين، بل جاء تهجيرهم كأحد نتائج هذه الانتفاضة، بينما مطالبهم الأساسية، كانت وما تزال، هي الحرية والكرامة والمساواة، وهي أمور لا تؤخذ في الاعتبار كما يبدو، عند القادة العرب الفرحين بعودة قاهر الشعب السوري إلى أحضانهم.

ومن دون الدخول في حيثيات ودوافع كل دولة عربية للانفتاح على نظام الأسد، الذي يعتبر نفسه اليوم منتصراً، وأن العرب هم مَن عادوا إليه ورجعوا عن “خطأهم”، وليس هو مَن عاد إليهم، فإن الحسابات العربية لا تبدو مبنية على حقائق راسخة، وفهم دقيق للواقع، بل على مجرد أمنيات وتطلعات على أمل أن يتفاعل معها النظام تحت الإغراء المادي والانفتاح السياسي العربي عليه، وهي حسبة ليست صائبة كما تشير تجارب الماضي مع هذا النظام المتمرس في الألاعيب، والذي لا يمكن أن ينخرط في أي مسعى قد يتسبّب في تقويض أركانه، أو يترك مساحة حقيقية لقوى واطراف أخرى، عربية أو محلية، لتشاركه في القرار.

الموقف العربي من نظام الأسد، كما في كل المواقف الأخرى، غير مبني على حسابات سياسية دقيقة، وهو أقرب للعاطفي وليس العقلاني، حيث يخلط بين التعاطف مع محنة الشعب السوري، وحضارة سوريا ومكانتها التاريخية، من جهة ونظام الأسد من جهة أخرى، وهو نظام لا يمثل بطبيعة الحال لا الشعب السوري، ولا البعد الحضاري لسوريا.

ومن المفهوم أيضاً، أن بعض الدول العربية المتضرّرة مما حصل في سوريا طوال السنوات الماضية، تسعى إلى أي حل لـ”المشكلة”، وتريد أن تتعامل مع نظام الأسد كأمر واقع لا يمكنها تجاوزه، على أمل أن يستجيب ولو بالحد الأدنى إلى بعض المطالب، بما يسمح لها تسويغ خطوتها.

وكمثال فقط على استجابة النظام للمطالب العربية في قضية المخدّرات التي بات القاصي والداني يعرف أن أجهزة النظام العسكرية والأمنية، بالتعاون مع ميليشيا حزب الله اللبناني، هي من تديرها إنتاجاً ونقلاً وتهريباً، سمح النظام للأردن بتصفية أحد صغار المهرّبين في جنوبي البلاد، عبر قصف منزله بالطائرات، ما أدى إلى مقتله مع أفراد عائلته.

أمّا الموقع الثاني الذي تم استهدافه في بلدة خراب الشحم غربي درعا، حيث يوجد أحد مصانع الكبتاغون، فقد تم إخلاؤه قبل الغارة بالتنسيق مع أجهزة النظام الأمنية، التي سهّلت هروب مصنعي ومهرّبي المخدرات المعروفين في محافظة درعا، ونفّذت في الوقت نفسه بعض المداهمات الشكلية لأماكن منتجي ومهربي المخدرات بعد الإيعاز لهم بالتخفي خارج المنطقة.

وما يثير السخرية، أنّ المجموعة التي تولّت عمليات المداهمة والتابعة للأمن العسكري، هي مجموعة يقودها (عماد أبو زريق) أحد المتهمين الرئيسيين في تجارة وتهريب المخدرات، وهو من الأسماء الواردة على لوائح العقوبات الأميركية والأوروبية التي صدرت مؤخراً بشأن مكافحة تجارة المخدرات في سوريا.

بطبيعة الحال، فإن المداهمات تخص فقط المواقع التابعة لأشخاص مفضوحين أو تربطهم علاقة متوترة مع أحد أجهزة النظام الأمنية، ولا تشمل عشرات المواقع التي تُشرف عليها هذه الأجهزة، أو حزب الله اللبناني في منطقة اللجاة ومجمع الغزالي وفي أرياف محافظات درعا والسويداء والقنيطرة، والتي يقدّر عددها بنحو 80 مكبساً لإنتاج حبوب الكبتاغون.

وقل مثل ذلك أيضاً بشأن تعامل النظام مع قضية عودة اللاجئين المقدّر عددهم بأكثر من 6 ملايين سوري خارج البلاد، حيث يسعى النظام للحصول على أموال من العرب بدعوى إعادة تأهيل مناطق اللاجئين قبل عودتهم إليها، وهو الذي ما يزال يمنع النازحين الموجودين داخل سوريا نفسها من العودة إلى مناطقهم، كما في جنوبي دمشق وداريا والغوطة، بعد أن دمّر متعمّداً تلك المناطق من دون مبررات عسكرية، في إطار سعيه للتغيير الديمغرافي بمحيط العاصمة دمشق، الذي يُخطّط لأن يكون خالياً من أي تجمعات سكانية كبيرة تنتمي إلى مكوّن طائفي محدّد، معارض له بطبيعته (عرب سنة فقراء).

وبطبيعة الحال، ما لم تُشرف منظمات محايدة على الإنفاق، فإنّ مصير أي مساعدات خارجية قد تصل إلى النظام السوري على بند إعادة تأهيل مناطق اللاجئين، لن يكون مختلفاً عن مصير المساعدات التي تسلّمها النظام بعد زلزال شباط الماضي، والتي توارت في خزائن النظام وجيوب مسؤوليه وأنصاره، ولم يصل منها إلى المستحقين إلا النزر اليسير.

——————————

عن المشهد الأسود/ رشا عمران

إنه يوم أسود للسوريين، علينا أن نعترف بهذا، وإن تضمن هذا الكلام تعميماً ما على كل السوريين، فبالتأكيد ثمة سوريون وجدوا مشهد (سيادته) في قمة الجامعة العربية وفي الرياض تحديداً، إعلان الانتصار الكامل على المؤامرة الكونية على سوريا وعلى (الفكر العروبي) كما تفصح سيادته وقال في مقابلة مع إحدى الإذاعات التونسية بعد لقائه بالرئيس التونسي قيس سعيد، الذي لا يخفي إعجابه بصمود “الأسد”، والذي على ما يبدو، سيكون مثله الأعلى قريباً في التعامل مع الشعب التونسي، وفي تثبيت دعائم سلطته المطلقة كزعيم وحيد وأبدي.

وحين نقول يوم أسود للسوريين (مع استثناء تجار الحرب والمستفيدين من وضع سوريا الحالي وبعض المقتنعين تماماً أن أبناءهم ماتوا دفاعاً عن وحدة الوطن لا عن كرسي سيادته)، فإننا نشمل بذلك الصامتين في قلب سوريا، وأولئك الذين يُطلق عليهم البعض اسم الرماديين، والمهجرين داخل البلاد، والمشرّدين في شوارع المدن السورية، وأولئك الذين يعيشون على أقل من الكفاف، والمحرومين من الدفء والشبع ويعانون من مختلف الأمراض، والذين يعجزون عن تأمين حليب أطفالهم، ويعجزون عن تأمين أبسط الحقوق لهم من المأكل والملبس والتعليم واللعب، وأولئك الذين فقدوا مصادر عيشهم ورزقهم وما زالوا (تحت سقف الوطن) يتلقون الذل والهوان وتركل كراماتهم بأقدام الشبيحة وأثرياء الحرب.

هو يوم أسود على جميع السوريين خارج سوريا وداخلها، فمن هم في الخارج فقدوا أي أمل بالعودة إلى الوطن (الحنون) ولو لمجرد الزيارة، ومن في الداخل ازداد اقتناعهم بأن ما يعانونه لا نهاية قريبة له، فاستقبال سيادته في (الرياض) دون تقديم أي تنازلات لصالح ولو تغيير بسيط في السياسات المعتمدة، تعني أن أتباعه (أمن وشبيحة ولصوص وعصابات متفرقة) سيزدادون شراسة ووحشية، فهم أحد أسباب إيصاله إلى الجامعة العربية بعد كل الجرائم التي ارتكبها بحق البلد.

مَن سيوقف هؤلاء بعد الآن وهم يعيشون نشوة الانتصار ويملكون المال والسلاح، أو بالأحرى يملكون السلطة وقلة الأخلاق المصاحبة لها؛ هو يوم أسود، بالأخص، لعائلات المفقودين والمغيبين والمعتقلين في السجون والمعتقلات السورية، مئات الآلاف ممن لا يعرف عن مصيرهم أي شيء، ممن قد يكونوا ضحايا التعذيب، أو سكان المقابر الجماعية، أو ما زالوا في أقبية المعتقلات، ممن فقدوا منذ عام 2011 وحتى الآن، ممن ما زالت عائلاتهم تنتظر ولو إشارة عن مصائرهم كي ينتهي انتظارهم المضني الذي لا يبدوا أن أحدا معنيا به.

إنه يوم أسود للسوريين، وإعلان هزيمة صريحة للثورة، علينا الاعتراف بذلك دون رومانسيات ثورية لم تعد مجدية، والحال فإن هذا السواد لا يخص السوريين فقط، بل يشمل كل شعوب الربيع العربي وباقي الشعوب العربية التي تعاني جميعها تقريبا من بؤس معيشي وأزمات اقتصادية واجتماعية. قمة الجامعة العربية الأخيرة هي مسمار أخير يدق في نعش الربيع العربي؛ سنكون واهمين إن قلنا غير ذلك، وسنكون واهمين أكثر إن ظننا أن ثمة شعب من الشعوب العربية قد استطاع النجاة من أثر الهزيمة، النماذج واضحة وجلية، مشهد (الزعماء العرب) في الرياض محيطين بمجرم العصر دليل واضح على مصير الشعوب العربية؛ لكن أيضاً لنكن واقعيين، هل تتحمل المنظومة السياسية السلطوية العربية فقط السبب بما حدث، أم هناك دور للشعوب في هذا المشهد المؤسف والمخيب للآمال؟!

كان يمكن للربيع العربي أن يكون بداية حقيقية للتغيير، لا تغيير الرأس الأعلى في السلطة فقط بل تغيير المنظومة الكاملة والدول العميقة بكل أدواتها، المنظومة التي اشتغلت بدأب على تكسير الهويات الوطنية الجامعة لصالح هويات دينية ومذهبية وإثنية وقومية، غالباً ما تكون تحمل في مكوناتها بذور شوفينية كارهة للمختلف ومحاربة له، هذه الهويات الضيقة تقسم المجتمعات إلى مجموعات صغيرة أو كبيرة، لا يهم، طالما هي مجموعات تعيش على الفكر القبلي الذي يغذي الإحساس بالتفوق تجاه الآخرين، ما يعني مجتمعات متعايشه سلبيا لا إيجابيا، والتعايش السلبي هو التعايش الذي يخفي تحت غطائه العام أحقادا أسطورية وفلكلورية، ومبنية علي معطيات تاريخية مزورة أو على أحراث مفبركة، تغذيها المنظومة السلطوية بأساليب خبيثة تضمن سيطرتها التامة على المجتمعات؛ وتضمن في الوقت ذاته تكريسها بوصفها الضامن الوحيد للأمان المجتمعي.

كشف الربيع العربي ركاكة هذا الأمان وكشف معه جهل الشعوب العربية بحقيقة واقعها، ورعبها من التغيير، ظهر هذا في المجموعات الكبرى التي رفضت التغيير، أو التي سارعت لمساندة البدائل رغم رداءتها، أو في الشعوب التي ساندت طغاة آخرين بحجة شعارات شعبوية غوغائية وفارغة.

ظهر هذا أيضاً في التردّي الأخلاقي لدى المعارضات السياسية التقليدية التي كان يفترض بها أن تكون حوامل للتغيير وتشتغل بناء على منهجية تختلف تماما عن منهجية الأنظمة، وتتفوق عليها قيميا وأخلاقيا ووعيا سياسيا واجتماعيا، وأن يتجلى هذا في خطابها السياسي وعلاقاتها مع المجتمع الدولي بوصفها بديلاً حداثياً عن الأنظمة الفاشلة بأدواتها المتخلفة وخطابها الوطني الركيك.

ظهر أيضاً في إصرار شعوب الربيع العربي على انحيازها للفكر القروسطي الذي لم يكن للمعارضات السياسية التقليدية دور أقل من دور الأنظمة في تكريسه عبر مهادنتها للفكر الظلامي وتحالفها معه، هذا الفكر الذي لم يكن، أصلا، ليظهر في بلادنا ومجتمعاتنا لولا تحالفه الخفي والمعلن مع الأنظمة الحاكمة، ما جعل سيطرته على الربيع العربي إنذارا بفشله وانتصارا للمنظومة السياسية القديمة الحاكمة؛ حيث تم استبدال الغايات الوطنية التغييرية من الربيع العربي ومطالب العدالة والحرية والديموقراطية والمدنية، بغايات دينية ومذهبية ورفض لأي حركة تحررية خارجة عن السائد الذي كرسته الأنظمة من قبل من يسمون أنفسهم ثوارا وطالبي تغيير.

ماذا بعد ذلك يمكن أن نقول في هذا اليوم الأسود الذي جعل من ملايين الضحايا السوريين خلال السنوات الماضية أشبه بغبار أثارته زوبعة ما؟ أظن أن الخيبة والخذلان والأسف سيجعلون صراخنا مكتوما وغضبنا وأحقادنا بمنزلة علل لا شفاء منها؛ لكن أيضا علينا أن نسأل أنفسنا السؤال التالي: ما الجديد في هذا المشهد الذي يتكرر دائما بغياب هذه الشخصية أو تلك. الخطابات هي نفسها، واللغة هي نفسها، والشخصيات هي نفسها، والشعارات هي نفسها (لا يقل الحديث عن أولوية القضية الفلسطينية في الوقت الذي تتهافت فيه الأنظمة للتطبيع مع العدو الصهيوني مهزلة عن حديث مجرم العصر وجنرال الكبتاغون عن ضرورة عدم التدخل الدولي في الشؤون الداخلية وكأن روسيا وإيران وحزب الله هم من أهل البيت).

ما كان ينقص فقط هو إقرار خطة التوزيع العادل للكبتاغون السوري على الشعوب العربية، فعلى ما يبدو أن الانتصار الحقيقي هو سيطرة الكبتاغون على القرار العربي، هذا إن استخدمنا حسن النية في تحليل المشهد، أما الحقيقة فهي إنه منذ (خطة بندر) والسعي لتدمير الربيع العربي نهائياً لم يتوقّف من قبل جميع الأنظمة بوجوهها القديمة والحديثة.

—————————-

عن لقاء بشار الأسد بأحبته/ عمر كوش

ذهب بشار الأسد إلى جدة، مزهواً، ليس بنفسه فقط، بل بجرائمه التي ارتكبها بحق ملايين السوريين أيضاً، كي يشارك في القمة العربية في دورتها الثانية والثلاثين، ويلتقي أضرابه من قادة الأنظمة العربية، وذلك بعد أن تراجعت جامعتهم عن قرار تجميد عضوية نظامه، الذي اتخذته قبل نحو 12 عاماً، وقررت إعادته مع جميع المنظمات والأجهزة التابعة له إلى حضنها، اعتباراً من 7 مايو/ أيار الجاري.

إذاً، عاد الأسد إلى حضنهم في عودة تشبه “عودة الحبيب إلى الحبيب”، مثلما وصفها بفرح منقطع النظير وزير خارجية النظام فيصل المقداد، لذلك لم يوفر بشار “الحبيب” فرصة مشاركته في القمة، دون أن يطلق قهقهاته البلهاء في جميع أروقتها، ويوزع ابتساماته الزائفة كلما التقى بأحد “أحبته” من القادة العرب، الذين وصفهم ذات يوم بـ “أنصاف الرجال” أو أشباههم، وكالَ لهم، في أكثر من مناسبة، العديد من الشتائم. وها هو يعود إليهم، كما عاد سواه من قبل، ويُستقبل من طرفهم بعد كل جرائم الإبادة والتعذيب والتهجير، ولم يعد مستغرباً في أن يلتقي بقادة الأنظمة العربية تحت مظلة جامعتهم، ليستمع إلى كلماتهم الترحيبية، “النابعة من القلب”، وهم يعبرون عن سعادتهم لعودة “حبيبهم”، ولمدى الاشتياق إليه، بعد أن أنجز المهمة، وتمكّن من البقاء في السلطة مثلهم، وبات سائر الجاثمين على صدور شعوبهم، الذين لا يكترثون بالثمن الذي تدفعه الشعوب العربية مقابل بقائهم في السلطة.

انعقاد القمة العربية، سواء في جدة أم سواها من المدن العربية، لا يعني كثيرا، لأنه ثَبتُ من خلال القمم العديدة السابقة، التي تجاوزت الثلاثين قمة، بأنها ليست أكثر من حدث صوتي وإعلامي، تزول تأثيرات بمجرد صدور البيان الختامي، لكن اللافت في قمة جدة هو اختفاء الأحاديث الإعلامية والتحليلات السياسية، التي بشّرت بتطبيع عربي مشروط مع نظام الأسد، وحاولت تسويق مبادرة عربية، تقوم على مبدأ “خطوة مقابل خطوة”، وتضع شروطاً عديدة، مقابل التطبيع معه، واتضح أنها مبادرة صوتية أيضاً، إذ لاذ بالصمت أصحاب تلك المقالات والتحليلات، الذين تطوعوا من أجل بيع الأوهام، فلم يعد وارداً الحديث عن تعهد هذا النظام بوقف تصنيع المخدرات وتهريبها إلى البلدان العربية، وخاصة حبوب الكبتاغون، ولا عن تأمين بيئة آمنة، أو مناسبة، لعودة ملايين اللاجئين السوريين إلى ديارهم، التي أجبرهم نظام الأسد على تركها. ولم يكن صحيحاً أن بعض الأنظمة طالبته بـ “وقف أنشطة الجماعات المتطرفة المرتبطة بإيران، ووقف استفزازاتها للسنة والأقليات العرقية في سوريا”، الأمر الذي يشي بأن الثابت الوحيد هو أن التطبيع العربي كان في الأساس تطبيعاً مجانياً، لا شروط له، وولّد لدى النظام إحساسا بالثقة، دفعت أبواقه الإعلامية إلى طلب الاعتذار من الأنظمة على تدخّلها في سوريا. كما أنه ليس صحيحاً ما أشيع عن أن التطبيع العربي مع نظام الأسد هدفه مواجهة خطوات التقارب التركي مع نظام الأسد، وتقوية موقفه حيالها، ولا من أجل أن شدّه إلى الحضن العربي، والدفع نحو انفكاكه عن الحضن الإيراني، الذي شكل على الدوام المأوى الاستراتيجي له. إضافة إلى أن الأنظمة العربية لا تريد الإقرار بأن نظام الأسد الإجرامي هو أساس الأزمة في سوريا، وأن القضية السورية لها مسارات متعددة، يجب النظر بما ينسجم مع القرارات الأممية، ومن غير القفز عليها، وبما يمنح النظام جوائز على جرائمه.

لا تشترط الأنظمة على قادتها أي شروط، كي يمكثوا في الحضن العربي ما استطاعوا إليه سبيلاً، ولا تقيم وزناً للجرائم والمجازر التي يرتكبونها بحق الشعوب، وهي إن اضطرت يوماً إلى إبعاد أحدهم عن حظيرتها تحت ضغوط دولية، فإنها سرعان ما تعيده إليها، والأمثلة كثيرة في هذا السياق، حيث إن قرارها تعليق عضوية مصر، بعد زيارة أنور السادات إلى إسرائيل في 19 نوفمبر/ تشرين الثاني 1977، وتوقيعه اتفاق كامب ديفيد معها في 17 سبتمبر/ أيلول 1978، تراجعت عنه في 26 مايو/ أيار 1989، وبقيت اتفاقيات التطبيع التي وقعها السادات مع إسرائيل إلى يومنا هذا. أما عمر حسن البشير، فقد شارك في قمة عمان 2017، على الرغم من أن المحكمة الجنائية الدولية، أصدرت مذكرة توقيف دولية بحقه في عام 2010، واتهمته بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وجرائم إبادة جماعية، وجرائم حرب. وهي جرائم تشابه الجرائم الكثيرة، التي ارتكبها نظام الأسد ضد غالبية الشعب السوري.

لعل ما يثير السخرية أن الأمين العام لجامعة الأنظمة العربية، أحمد أبو الغيط، الذي سبق أن استقبل البشير في قمة عمان، استقبل كذلك بشار الأسد في جدة، ولم يخجل من نفسه عندما تحدث عن أن “الأسد ربح المعركة في سوريا حين حسمها عسكرياً”، فهو يعتبر وظيفياً، ناطقاً باسم الأنظمة عبر جامعتها، ويُمثل الأسد، كما البشير، أمثولة بالنسبة إليه، وإلى غالبية الأنظمة العربية، يتوجب على الشعوب العربية أن تعتبر لها، كي لا يصيبها ما أصاب الشعب السوري من كوارث وويلات، فضلاً عن أنه يعي تماماً أن من حسم “المعركة”، التي يتغنى بها، ضد الشعب السوري، ليس نظام الأسد، بل التدخل العسكري الروسي، والتدخل الإيراني الميليشياوي، وأن الأسد منذ أن استعان بهما وبميليشيات حزب الله اللبناني، وسواها، بات لا يملك من أمره شيئاً في مناطق سيطرته، وذلك بعد أن حوّل سوريا إلى بلد محتل من طرف خمس قوى احتلالية، ولم يعد “الانتصار” الذي يفاخر به أبو الغيظ سوى ذريعة من أجل تبرير مخادع للتطبيع العربي مع نظام مجرم، ومن أجل القفز على قرارات الأمم المتحدة، وتجاوز الدعوات الدولية إلى حل عادل للقضية السورية، حيث لا توجد أي إشارة على تغيير الأسد سلوكه الإجرامي، كما لم يظهر أيّ ندم على الجرائم التي ارتكبها بحق غالبية السوريين.

 لا شك في أن الإدارة الأميركية تراقب المشهد من قريب، وعلى دراية بالتغيرات الحاصلة، بل إن مستشار الأمن القومي، جاك سوليفان، أكد أن الولايات المتّحدة تلعب دوراً رائدا في “تسهيل التطورات الأخيرة”، ما يشي أنها لا تمانع التطبيع المجاني، لأن ما يهمها هو أن معظم الأنظمة التي تطبع من طاغية سوريا، هي نفسها التي تسابقت في الهرولة نحو التطبيع مع إسرائيل، وأن من لم يركب قطار التطبيع ما يزال ينتظر الفرصة السانحة كي يكمل تطبيعه العلني معها.

———————————

قمة جدة.. معنى أن تكون معارضاً سورياً/ رائد المصري

بهدوء..”وقد عدنا إلى البيت فرحين مسرورين”، هذا ما كان تلامذة المدارس يختِمون موضوعهم الإنشائي والواجب في مادة اللغة العربية، والذي يطلب فيه المعلم وصفَ رحلة الصف والرفاق والأصدقاء في أحضان الطبيعة. وهذا ما أظهرته “قمة جدة”، بعدما حملت تناقضات كبيرة، فهي إن دلَّت على شيء فإنها تتعلَّق بتكبير الحجم والدور الاستراتيجي وتوسُّعه إقليمياً، لكن من دون مفاعيل أو ترجمة واقعية تتعلَّق بقضايا الشعوب وحريتها وكرامتها المهدورة، ومنها وضع الشعب السوري اللاجىء في شتى أصقاع الأرض.

ليس هناك من لا يرغب بقيام دور عربي فاعل وله ثقل إقليمي ودولي تلعبه الجامعة العربية، بعد أن تحوَّلت الدول وتحوَّل النظام الدولي عنه، وسئم من تعقُّد الصراع في الشرق الأوسط، بحيث دخلت الدول الكبرى المهندسة لسياسات العلاقات الدولية، هي نفسها في صراع وإثبات حضور على أكثر من جبهة جيوسياسية، لكن بعد انفضاض عقد القمة العربية في جدة، طوى الإعلام العربي والدولي تغطيته وانبرى لقضايا وأحداث أخرى تدور، وبقي النظام العربي ومأساة الشعوب على حالها بانتظار الــ”خطوة بخطوة”.

وهذا يُعرف من خلال اللازمة المتكررة في “إعلان جدة” والذي أكد أهمية تكثيف الجهود للتوصل لتسوية عادلة للقضية الفلسطينية، والتأكيد على مركزية القضية الفلسطينية عربياً وعلى المبادرة العربية سبيلاً لحلها. وعلى ضرورة وقف التدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية للدول العربية، واحترام قيم وثقافات الآخرين، واحترام سيادة واستقلال الدول وسلامة أراضيها، مؤكداً رفض دعم تشكيل الجماعات والميليشيات المسلحة الخارجة عن نطاق مؤسسات الدولة.

إنها مقدمات لتسويات فضفاضة تخدِم مصالح الدول وبناء استراتيجياتها المستقبلية فقط، ولا علاقة له بحرية الشعوب واحترام وحفظ كراماتها. فتلك هي معاناة السوريين شعباً وقادة نُخب معارضة، رفضت الانصياع والتسليم بحكم استبدادي، في دولة يتجذَّر فيها التسلط عميقاً، محمولاً بالمال والسلاح والأمن والقضاء، ومصادرة الرأي والتمييز الفئوي بين أبناء الشعب الشعب الواحد.

فمعنى أن تكون معارضاً سورياً، فهذا يعني:

أنك اخترت نهايتك الحتمية مع عائلتك وأهلك ومحبيك.

وأنك ستواجه المصير المحتوم وحدك.

وأنك ستقف ضدَّ كلِ العالم في الشرق وفي الغرب.

وأنك كنت وستكون وستبقى نازحاً أو لاجئاً أو مشرَّداً أو مقتولاً على عتبات الطرقات كعداد لضحايا العنف والعنصرية.

ويعني أنك ستكون مادة دسمة للابتزاز في أي انتخابات مستقبلية تجري في لبنان أو تركيا أو الغرب الأوروبي مع تطور نزعته القومية الشوفينية.

أن تكون معارضاً سورياً، يعني أنك ستحمل أوزار وأخطاء وقذارات بعض حكام العرب، وهلوساتهم وأزماتهم الشخصية والمعنوية.

وبأنك مسؤولٌ عن أزمات الِّليرة وسقوطها، وهيمنة الدولار العالمي، وصعود اليوان الصيني، ومعه الانهيارات المالية والجوع الذي أحدثته حروب الدول الكبرى.

معنى أن تكون معارضاً سورياً، يعني أن لا مكان لك فوق هذه الأرض تحطُّ فيه رِحالك، حتى لو أردت نبْذَ السياسة والاستغناء عن المشاركة أو التغيير في الحكم وأنماط السلطة.

وأنك كمعارض سوري، يجب أن تكون أذنيك دوماً على خطِّ الهاتف للاستماع إلى دوائر الأمن العام في بلدان اللُّجوء من أجل الترحيل القسري إلى الخارج، من دون علم من هو الخارج.. هل إلى سوريا “قلب العروبة النابض”..؟ أم السودان، أم مصر..؟ لكن لا تحلم باللجوء إلى الغرب.. فأدوات تشغيل الرأسمال وعمالته فيه التي شاخت قد ملأتها عناصر عربية أفريقية، عانت وكابدت تسلُّط السلطة..  

معنى أن تكون معارضاً سورياً واحداً أحداً، فهذا يساوي في قُدرة التحمُّل والجرأة والصلابة، ما يماثل ألف معارض للسلطة: في لبنان أو تركيا أو مصر أو تونس أو غيرها.. فالمعارض السوري يعني أنه اختار الحتمية التاريخية للهلاك في ظلِ أنظمة القبو والخطف وأسماء الموقوفين المتَّهمين بأقلام الحبر الرصاصي التي تُمحى في أي لحظة..

إنَّها مأساة شعب عربي سوري، ومأساة شعوب عربية حَكَمَها منطق الإنتاج الاقتصادي الفلاحي في موروث لتناسل الاستبداد واستمراريته الأبدية.. في الدين والتسلُّط والقومية والعرق، وهنا الخطأ القاتل في السماح بحكم الأقليات الدينية والمذهبية، تحت ستار “العَلْمنة” المزيَّفة، والتي تتساوى فيها حقوق المواطنين ككل في بوتقة المجتمع، في حين أن هذه الأقليات وفي سبيل الحفاظ على مكوناتها الوجودية بالعقل الجمعي لها، لن تتخذ ولم تتخذْ إلاَّ العنف سبيلاً للحفاظ على امتيازاتها في الحكم والسلطة، فسترفض حتماً أي تغيير أو مشاركة حتى، كي لا تذوب في المجتمعات الكبرى المحيطة بها.. وهنا نتحدث عن نظرية سياسية علمية متكاملة أرساها ميكيافيللي حتى لا تنهار إمارته وحكمه في يوم من الأيام. 

——————————-

القضية السورية ومؤتمر القمة العربية في جدة

مركز حرمون للدراسات المعاصرة

أولًا: مقدمة

عاد النظام السوري ليشغلَ مقعد سورية في جامعة الدول العربية بعد 12 عامًا من تجميد عضوية سورية في الجامعة، في تشرين الثاني/ نوفمبر 2011، على خلفية موقف النظام من مبادرتَي الجامعة العربية الأولى والثانية عام 2011، لوقف العنف الذي مارسه بحقّ الشعب السوري، الذي ثار في آذار/ مارس 2011 مطالبًا بالتغيير بعد 40 عامًا من حكم الأسدَين الأب والابن. وقد عقدت جامعة الدول العربية قمّتها العادية الثانية والثلاثين في مدينة جدة السعودية، بتاريخ 19 أيار/ مايو 2023، بدعوةٍ من المملكة العربية السعودية بصفتها رئيسة القمة لهذه الدورة، وبحضور زعماء وممثلي جميع دول الجامعة الـ 22، ومن بينهم بشار الأسد مترأسًا وفدًا، لأول مرة منذ اثني عشر عامًا.

وجاء حضور سورية مؤتمر القمة، بعد أن ألغى اجتماع وزراء الخارجية العرب الطارئ، الذي عقد في القاهرة بتاريخ 7 أيار/ مايو 2023، تعليق عضوية سورية، بدفع من دول اجتماع عُمَان الخماسي.

ثانيًا: الاندفاعة العربية تجاه النظام السوري

كانت مشاركة الأسد في هذه القمة، تتويجًا لحراك دبلوماسي نشط منذ حدوث الزلزال المدمّر في الخامس من شباط/ فبراير 2023، الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سورية، وأفسح المجال أمام التعاطي العربي مع النظام السوري، على خلفية البعد الإنساني، لكن هذا المسار تتابع بخطى حثيثة بعد الإعلان عن الاتفاق السعودي الإيراني، الذي أنجز برعاية صينية بتاريخ 10 آذار/ مارس 2023، ثم تلاه اجتماع جدّة السداسي بتاريخ 14 نيسان/ أبريل 2023، واجتماع عمان الخماسي ومخرجاته التي وضعت خريطة طريق لمسار التطبيع مع النظام السوري، خطوة خطوة، في الأول من أيار/ مايو 2023، وهي فكرة أطلقها المبعوث الأممي الخاص إلى سورية، غير بيدرسون، وتقوم على مقاربة عربية روسية، لا تشمل دول الغرب.

وكان من اللافت تسارع خطوات التطبيع مع النظام السوري، فما بين شهري شباط/ فبراير، وأيار/ مايو 2023، تحول النظام من سلطة معزولة إلى دولة يرحّب الحاضرون في القمة بعودتها. وهنا يمكن الوقوف على دور دولتَين كان لهما الدور الأبرز في عودة النظام ورئيسه بشار الأسد إلى الجامعة العربية؛ أولاهما الأردن، مدفوعًا بمجموعة مصالحه وبعدد من الضغوط، منها أعداد اللاجئين الكبيرة، وتهريب الكبتاغون بكميات كبيرة جدًا من سورية عبر الأردن باتجاه دول الخليج. وقد بدأ الأردن حراكًا دبلوماسيًا على مستويين عربي ودولي، للترويج لعودة سورية إلى الجامعة العربية والتطبيع مع النظام، وفق سياسة الخطوة خطوة، وثانيتهما المملكة العربية السعودية، التي اندفعت بعد توقيعها الاتفاق مع طهران برعاية صينية، للتحرك على الملفات الأربعة، التي تكون إيران طرفًا فيها وفي حرب وكالة مع المملكة، وقد بدا الموقف السعودي وكأنه تنفيذ لأحد بنود اتفاقها الأخير مع إيران، إضافة إلى سعي السعودية للعب دور قيادي نشط على المستوى العربي الذي ضَعفت فعاليته كثيرًا، ومحاولتها سدّ بعض الفراغ الأمني الناشئ في المنطقة، وتقدّمت كل من إيران وتركيا لملئه. وتسعى السعودية لتحريك ملفات الصراع في المنطقة، بعد أن دفعها إلى الخلف الغزو الروسي لأوكرانيا وانشغال الدول الكبرى بهذه الحرب، إذ ترى السعودية أن من مصلحة جميع الأطراف في المنطقة أن تهدأ الساحات قليلًا، وأن تقف أو تتراجع التداعيات السلبية التي سببتها.

ثالثًا: في مجريات القمة والموقف السوري

اختتم وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان القمة، مؤكدًا أن القادة العرب وافقوا على بيان جدة، بدون تحفظ، الذي أعدّه الاجتماع التحضيري لوزراء الخارجية العرب للقاء القمة، وتضمن 22 بندًا، تطرقت إلى قضايا فلسطين وسورية ولبنان والسودان والتعامل مع إيران وقضايا الأمن القومي العربي والأمن الغذائي والملفات الاقتصادية والاجتماعية، وقد رحّب رئيسُ القمة وأغلب الرؤساء الذين تكلموا بعودة سورية إلى الجامعة، عدا أمير دولة قطر، الذي غادر القمة قبل إلقاء رئيس النظام السوري كلمته، أما في ما يخصّ سورية، فإنه بعد ديباجة بيان الجامعة التي تؤكد على وحدة الأراضي السورية وسيادتها، ورفض التدخلات الخارجية في شؤونها، ومحاولة حل القضايا الإنسانية للشعب السوري، فإنّ البيان يأمل بأن تسهم عودة سورية في دعم الجمهورية العربية السورية واستقرارها، واستئناف دورها الطبيعي في الوطن العربي، ويؤكد أهمية مواصلة تكثيف الجهود العربية الرامية إلى مساعدة سورية على تجاوز أزمتها، وتعزيز الظروف المناسبة لعودة اللاجئين السوريين، والحفاظ على وحدة وسلامة أراضي سورية، اتساقًا مع المصلحة المشتركة والعلاقات الأخوية التي تجمع الشعوب العربية كافة، وكان في البيان بندٌ آخر بخصوص سورية، يشدد على وقف التدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية للدول العربية، والرفض التام لدعم تشكيل الجماعات والميليشيات المسلحة الخارجة عن نطاق مؤسسات الدولة[1]. ولكن البيان لم يأت على ذكر حل الأزمة السورية وفق قرارات الأمم المتحدة.

اتسمت كلمة بشار الأسد في القمة بالحديث عن قضايا عديدة عالمية وإقليمية وعربية، ولم تكن من بينها الأزمة السورية، رغم أن أكثر من نصف مليون سوري قد قُتل، ودمّرت مساكنها وبنيتها التحتية واقتصادها ومجتمعها، وأصبح أكثر من نصف سكان سورية لاجئين في الخارج أو نازحين في الداخل، وتعاني سورية أوضاعًا اقتصادية واجتماعية صعبة جدًا، وأصبحت مقسّمة إلى أربع مناطق سيطرة. ولكن الأسد غمز في كلمته من قرار الجامعة العربية بتجميد عضوية سورية في الجامعة سنة 2011، إذ قال: “أن تكون الجامعة ملجأ من العدوان لا منصّة له، وأن يكون دورها كمرمم للجروح لا كمعمق لها، وأن تترك الجامعة القضايا الداخلية لأعضائها لشعوب هذه الدول، فهي قادرة على تدبير شؤونها، وما عليها إلا أن تمنع التدخلات الخارجية في بلدانها، وأن تساعدها عند الطلب حصرًا”[2]. ولم يتطرق إلى نتائج اجتماع جدة السداسي، واجتماع عمان الخماسي.

وصرّح الأمين العام لجامعة الدول العربية “أحمد أبو الغيط”، في مؤتمره الصحفي بُعيد انتهاء أعمال القمة، بأن “العرب يريدون أن ينخرطوا بقوة لحل الأزمة السورية”، وأضاف: “أتصور أنه يجب أن نعمل بمعزل عن القوى الخارجية في الملف السوري، لأن هذا أمر خاص بالشأن العربي، وعلينا إقناع القوى الأخرى بهذه الإرادة العربية، وألا نسعى للصدام مع هذه القوى”[3]. ولا شكّ أن إقناع الأطراف التي لها قوات على الأرض السورية، بأن القضية السورية هي قضية عربية، هي مهمة صعبة، خاصة أن مخرجات قمة جدة لم تكشف عن رؤية وأدوات عربية قادرة على تحقيق هذا الهدف البعيد.

وبخلاف بيان القمة العربية، جاء بيان مؤتمر الدول السبع الكبار الذي عقد في اليابان بعد يوم واحد من قمة جدة، ليشدد على موقف هذه الدول الرافض للتطبيع مع النظام السوري والمساهمة عملية في إعادة الإعمار ما لم يتم إحراز تقدم حقيقي ودائم نحو حل سياسي، ويؤكد التزام الدول السبع بعملية سياسية شاملة تسهلها الأمم المتحدة بما يتفق مع قرار مجلس الأمن 2254 في سورية.

وكان المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، فيدانت باتيل قال في مؤتمر صحفي تعقيباً على مشاركة الأسد في قمة جدة: “موقفنا واضح.. لن نطبع العلاقات مع نظام الأسد، ونحن بالتأكيد لا ندعم قيام الآخرين بذلك أيضًا”[4].

أما جريدة الفايننشال تايمز اللندنية، فقد وصفت وجود بشار الأسد في القمة العربية بالرسالة المرعبة لضحايا النظام، واعتبرت الغارديان الفرنسية أن محاولة إعادة تأهيل الأسد “أمرٌ مخزٍ تمامًا”.

رابعًا: استنتاجات

–شكّلت القمّة نصرًا سياسيًا لبشار الأسد، ولكن الواقع يقول إنه نصرٌ مؤقّت؛ حيث إن العقوبات الأميركية والأوروبية ما زالت قائمة وفاعلة. ولم تعكس كلمة بشار الأسد تفاؤلًا بأن يكون لهذه القمة أثر يتجاوز الخطابات، فقد اتسم خطابه بالابتعاد عن أيّ موضوع ملموس يتعلق بالحل في سورية، وهاجم تركيا بقوة، مما يشير إلى أن طريق التطبيع مع أنقرة ما زال مغلقًا، وأن موسم الحديث عن التطبيع معها ربما ينقضي بانتهاء الانتخابات التركية.

–يعتبر كثير من المتابعين أن السعودية، باندفاعتها الأخيرة نحو النظام، قد أقدمت على مغامرة جريئة، وهذا يمكن تفهّمه، فعندما وقّعت السعودية على اتفاقها مع إيران، في آذار/ مارس الماضي، والذي ما زال قيد الاختبار، كان لا بد لها من التعاطي مع الملف السوري على الطريقة التي افتتحت فيها هذا المسار غير مضمون النتائج، ذلك أن إيران متدخلة بقوة في الملفّات الأربعة التي تشكل مصدر قلق وتوجس وإشغال من التوجه الإيراني.

–يدرك السعوديون حدود قدرتهم على الإيفاء بما يعدون به، لذلك هم حذرون في اختيار كلماتهم، ففي المؤتمر الصحفي الذي تكلم فيه وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، عقب انتهاء فعاليات القمة، قال: “سوف نُجري حوارًا مع شركائنا في الغرب، ونحن مهتمون بعودة اللاجئين السوريين إلى بلدهم، وشركاؤنا سوف يساعدون بذلك، وهناك قرارات أممية تسمح بجهود التعافي المبكر”. وهو يقصد القرارين الأمميين 2642 و2672[5].

–قد يعوّل الأسد على العلاقات الثنائية مع الدول العربية، بخاصة تلك الدول التي لها قدرة ودور في التأثير على القرار الأميركي ودفعه إلى تعليق العقوبات الواقعة عليه، أو تخفيفها، والمعنيّ هنا بالدرجة الأولى السعودية والأردن، بحكم تحالفهما المديد والراسخ مع الولايات المتحدة الأميركية، أو تقديم المساعدات المالية للتخفيف من شدة أزمته الاقتصادية الخانقة.

–السؤال الذي يطرح نفسه يتعلّق بمدى النجاح الذي قد يصيبه هذا الانفتاح على النظام السوري، وفقًا لما طُلب منه من استحقاقات في مخرجات الاجتماع الخماسي في عمان، وفي مقدمتها التعاون الأمني، وخصوصًا في مجال مكافحة تهريب المخدرات التي تشكّل أحد مصادر القلق لدول الجوار والخليج، وكذلك التنسيق مع هيئات الأمم المتحدة لتسريع تنفيذ مشاريع التعافي المبكر وتحسين البنية التحتية في المناطق التي يتوقع عودة اللاجئين إليها، وأيضًا اتخاذ خطوات فعلية لاستئناف أعمال اللجنة الدستورية في أقرب وقت ممكن، وستقابل الدول المعنية خطوات النظام الإيجابية بخطوات مماثلة، في حال تمّت، ويتم البناء عليها بهدف التدرج للوصول إلى حل سياسي يُنهي معاناة السوريين ويحقق المصالحة، بحسب ما تأمله تلك الدول، ولكن ثمة شكوك كبيرة في نجاح هذا المسار.

–تقف أمام هذا المسار عقبتان، ليس من السهل تجاوزهما؛ الأولى تتوقف على مدى تفاعل النظام السوري مع استحقاقات هذا المسار، ومدى قدرته على تنفيذ التعهدات التي قطعها على نفسه، خاصة مع نفوذ إيران القوي جدًا على النظام السوري، بحكم اعتماده عليها أمنيًا واقتصاديًا. وعلى الرغم من أن إيران باركت عودته للجامعة العربية، فإنها ستعرقل أي تقارب للنظام مع دول الخليج، وستواجه أي دور عربي قد يضعف وجودها في سورية وتأثيرها على النظام، ولديها أدواتها القوية في سورية، ولكنها سترحّب بأي مساعدات مالية خليجية للنظام.

والعقبة الثانية هي مدى تجاوب الإدارة الأميركية والاتحاد الأوروبي مع المحاولات العربية المتوقعة، لإلغاء العقوبات أو تخفيفها، في ظل تشدد واشنطن في مسألة الانفتاح على النظام، واحتمال صدور قانون جديد ضد التطبيع، يُلزم الإدارات الأميركية بعدم الاعتراف ببشار الأسد رئيسًا لسورية، وبعدم الاعتراف بأية حكومة يرأسها الأسد، ويشدد عقوبات قيصر والرقابة المالية على الأموال الواردة إلى مناطق النظام التي تزيد عن 50 ألف دولار للعملية الواحدة، وقد أُقرّ مشروع القانون من قبل لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس، وينتظر التصويت عليه في غرفتي البرلمان الأميركي، وفي حال إقراره، ولو مع بعض التعديلات، فإنه سيقطع الطريق على أي محاولة لإعادة تأهيل النظام، على الرغم من أن بعض التقديرات تفيد باحتمال عدم تمريره. وسيشير عدم تمريره الى أن الإدارة الأميركية موافقة ضمنًا على خطوات التطبيع العربية.

–تأخر العرب كثيرًا للعب دور في سورية، ففي سنوات غيابهم وطّدت كلٌّ من إيران وتركيا وروسيا والولايات المتحدة وجودها العسكري ودورها السياسي في سورية والصراع الدائر فيها، وتبدو الأدوات التي أعلنها مؤتمر القمة غير فاعلة بقوة لتخلق أي تأثير يذكر، خاصة أن البيان الختامي لم يُشر إلى ضرورة الحل في سورية، ولم يشر إلى قرارات الأمم المتحدة، وتمت صياغته بما يرضي الأسد، بينما لم يقدّم الأسد أي تنازل أو وعد سوى إشارته إلى الانتقال من حضن إلى آخر، وهو كلام عامّ لم تفهم غايته بدقة.

–إن تجاهل التحرك العربي، منذ شباط الماضي حتى مداولات مؤتمر جدة، لتطلّعات الشعب السوري، وعدم إجراء اتصالات بهيئات المعارضة السورية، لوضعها في صورة التحركات العربية وحدودها، يستدعي من هذه الهيئات إعادة النظر في وضعها وتموضعها، ويوجب عليها التحرّك بحيث يمكن للشعب السوري أن يستعيد جزءًا من حضوره في قضيته.

–مشكلة الأسد بالأساس هي مع الشعب السوري، وليست مع الدول العربية أو الأجنبية، ولم يبرز في كلمة الأسد في القمة أنه يبحث عن حل مع الشعب السوري، كما لم يبرز في مواقفه السابقة على مدى 12 عاما،  كما أن كل المبادرات التي يجري الحديث عنها، لم تقترب من تقديم حل حقيقي للأزمة السورية، يفتح الطريق لتمثيل إرادة الشعب السوري، وعودة اللاجئين إلى بيوتهم، وإطلاق سراح عشرات آلاف المعتقلين، والكشف عن مصير مئات آلاف المفقودين، وإعادة إعمار سورية ماديًا ومجتمعيًا واقتصاديًا وسياسيًا، وبالتالي فهي قد لا تعدو أن تكون محاولات مدفوعة بضغوط أزمة اللاجئين السوريين، ومخاطر تهريب الكبتاغون، وبمصالح ورؤى أطراف عربية، تبالغ في قدرتها على التأثير على الأسد ونظامه المتحالف عضويًا مع إيران.

[1] ) انظر إعلان جدة، البيان الختامي للقمة العربية 32، موقع وزارة الخارجية السعودية، https://www.mofa.gov.sa/ar/ministry/statements/Pages/%D8%A5%D8%B9%D9%84%D8%A7%D9%86-%D8%AC%D8%AF%D8%A9.aspx

[2] ) كلمة بشار الأسد أمام القمة العربية 32 في جدة، موقع قناة العربية على يوتيوب، https://www.youtube.com/watch?v=_zWM_D2ZEVw

[3] ) بوابة الأسبوع المصرية، تاريخ 19/5/2023 https://www.elaosboa.com/913578/

[4] انظر: بعد “الحدثين اللافتين” في قمة جدة.. ماذا أرادت السعودية إثباته “للعالم”؟، موقع الحرة، 19/5/2023، https://2u.pw/hI6VwE

[5] ) المؤتمر الصحفي الذي عقده وزير الخارجية السعودي وأمين عام الجامعة بتاريخ 19/5/2019، ونقلته صحيفة عكاظ السعودية  https://www.okaz.com.sa/news/politics/2133846

مركز حرمون

——————————–

الأزمة السورية في انتظار تشبيك مسارات الحلّ بعد القمة العربية

البروتوكولات التي شهدتها قمّة جدّة في الحضور والاستقبال خصوصاً بالنسبة للرئيس السوري بشار الأسد الذي كاد يتصدّر حضورُه المشهدَ لولا الاختراق المفاجئ للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي الذي أعاد التوازن إلى معادلة الحياد العربي، لم تحسِّن من رؤية المشهد الذي ظلَّ يرزح تحت الطابع الفضفاض لبنود البيان الختامي، إضافة إلى عدم وضوح مآلات بعض خطوط الاتصالات على هامش القمّة. ومع ذلك، يبدو أن الأوساط السياسية السورية التي لم تَصدُق توقعاتُها وربما

آمالها بأن تكون قمة جدّة “قمة نصر” لا سيما في ظلّ الحضور الأوكراني، لكنها كانت أكثر من راضية نتيجة الاجتماع الثنائي الذي ضمّ الرئيس الأسد ووليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان معتبرة ذلك إنجازاً جوهرياً يمكن أن يُحدث اختراقاً حقيقياً وفعلياً في مسار الأزمة السورية.

لم يقل البيان الختامي الكثير عن الأزمة السورية مكتفياً ببضعة بنود لا تكاد تلامس تعقيدات الملف السوري وامتدادته الإقليمية والدولية، حيث أكد “إعلان جدّة” ضرورة تعزيز الظروف المناسبة لعودة النازحين السوريين، والالتزام بالحفاظ على سيادة سوريا ووحدة أراضيها، كما شدد على ضرورة اتخاذ خطوات عملية فاعلة لحل الأزمة السورية، إلى رفض التدخلات الأجنبية لأي وجود عسكري غير مشروع في سوريا.

والملاحظة الأولى وربما الأهم تتمثّل في أن البيان لم يتطرق من قريب أو بعيد إلى الدور الإيراني في سوريا، بل إن إعرابه عن رفضه “لأي وجود عسكري غير مشروع” جاء متوافقاً إلى حدٍّ بعيد مع أدبيات السياسة السورية التي تعتبر أن تواجد روسيا وإيران جاء بطلب من الحكومة السورية، وما يعتبر تواجداً غير مشروع هو التواجد الأميركي والتركي فقط. ويتناغم ذلك مع التسريبات التي سبقت مسار التقارب السوري – السعودي بوساطة إماراتية والتي تضمنت إشارات واضحة إلى أن المرحلة الراهنة تتطلب وضع أيّ مطالب بخصوص تقليص النفوذ الإيراني في سوريا، على الرفّ ريثما تنضج ظروف إقليمية ودولية مختلفة. ولا يعدّ ذلك بمثابة تسليم عربي عموماً وخليجي خصوصاً بالأمر الواقع الذي فرضته إيران في سوريا، ولكنه قد يكون أقرب إلى تغيير أدوات المنافسة عبر ارتداء قفازات السياسة بعد سنوات من الضغوط والحروب بالوكالة.

ويرى مراقبون للمشهد السوري أن الكفّ عن مواجهة النفوذ الإيراني بالقوّة الخشنة، يأتي تمهيداً لمرحلة سياسية جديدة قد تتطلب من بعض دول الخليج وبخاصة السعودية والإمارات الجلوس إلى جانب إيران على طاولة آستانا لحل الأزمة السورية بصيغة محدثة من شأنها أن تعكس “الدور القيادي العربي” الذي جرى الحديث عنه في اجتماعَي جدّة وعمّان التشاوريين.

كما غاب عن بنود البيان الختامي أيّ ذكر لموضوع تهريب المخدرات الذي شكّل محوراً أساسياً في اجتماع عمّان التشاوري الذي مهّد لقبول سوريا بشروطه لاستئناف مشاركتها في اجتماعات الجامعة العربية.

وكان الغائب الأبرز هو القرار الأممي 2254 الذي يبدو أن استذكاره في بعض المراحل ومن قبل بعض الدول بات يخضع مؤخراً، لآليات ظهور وإخفاء تتسق مع متطلبات دولية أكثر من تعبيره عن قناعات ذاتية. فقد غاب ذكر القرار 2254 في الاجتماع التشاوري الأول في جدة، لكنه ظهر في مقررات اجتماع عمّان وإن على طريقة “مرور الكرام”، ثم اختفى من بنود “إعلان قمة جدةّ” رغم أن مسؤولَين عربيين لم يجدا بدّاً من استذكاره هما الرئيس المصري وولي العهد الكويتي.

ثمّة اعتقاد لدى شخصيات مقربة من السلطة في دمشق أنّ حضور وغياب عناصر في البيان الختامي لاجتماع القمّة، يعكس جزءاً واسعاً من المشهد المستجدّ الذي بات يحيط بالملف السوري والذي تخترقه هو الآخر محاولات جدّية لإعادة تشكيله وفق آلية الظهور والإخفاء ذاتها. ومن هنا يبدو أن توفير منصة تمنح الرئيس السوري حضوراً مشعاً كان في أحد جوانبه يمثل رغبة في إخفاء المعارضة السورية التي كانت ذات يوم تطمح إلى شغل مقعد سوريا في الجامعة العربية. كما أن إخفاء ردود الفعل على النفوذ الإيراني في سوريا أريد به أن يفتح بوابة لعبور بعض الدول العربية إلى مسارات الحل السورية لا سيما مسار آستانا الذي يبدو مرشحاً أكثر من غيره لتولّي مهمة البحث عن حل واقعي للأزمة السورية. وكذلك يمكن النظر إلى حرص بعض القادة العرب على استذكار القرار الأممي 2254 على أنه يعبّر عن طيف أميركي حضر فوق رأس المجتمعين لتذكيرهم بامتلاك واشنطن أدوات ضغط لعرقلة أي مسار لحل الأزمة السورية في حال لم تؤخذ مصالح واشنطن بالحسبان.

وعلى الرغم من الاقتناع السوري بأن “إعلان جدة” يعكس عدم تبلور رؤية موحدة للمسار الذي ينبغي عبوره للوصول إلى محطة الحل النهائي، فإن همساً يدور في صالونات السياسة مفاده أن هندسة المسار ألقيت مهامها على عاتق المملكة العربية السعودية وولي العهد محمد بن سلمان. وأن حرص الأمير الشاب على إضفاء طابع تكريمي على الحضور السوري في القمة ومن ثم حرصه على عقد لقاء ثنائي مع الرئيس الأسد يأتي في إطار تصديه لأعباء مهمته الجديدة.

وكما عَمد ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى تفجير مفاجأة عبر استقبال الرئيس الأوكراني كمراقب في القمة العربية، محاولاً بذلك إعادة التوازن إلى موقفه من الصراع الروسي مع الغرب والولايات المتحدة، يبدو أن هندسته المرتقبة لصيغة الحل السوري لن تخرج عن إطار هذا التوازن، وأنه في سبيل ذلك سيبني جهوده على أساس محاولة التشبيك بين مسارات الحل القائمة من مسار آستانا إلى اللجنة الدستورية والقرار الأممي 2254 مع الأخذ بالاعتبار ضرورة حفظ مصالح جميع الأطراف ولو بالحد الأدنى ومن دون استفزاز أي طرف يحاول وضع العصيّ لعرقلة هندسته المفترضة، وفق ما تتناقله أوساط سياسية سورية.

النهار العربي

————————-

هل تعرقل الشروط الغربية تقارب العرب مع الأسد؟/ محمد أمين

ربط قادة دول مجموعة السبع التطبيع مع النظام السوري وإعادة الإعمار بتحقيق تقدم “حقيقي” في العملية السياسية، في موقف من شأنه الحد من التقارب العربي مع هذا النظام، الذي كان يأمل أن يفضي هذا المسار إلى انفتاح غربي عليه بعد أكثر من عقد على عزلته الدولية.

كما أكدت المجموعة التي تضم الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا واليابان، بعد اجتماعات في مدينة هيروشيما اليابانية في بيان السبت الماضي، على دعمها الكامل والمستمر لعمل منظمة “حظر الأسلحة الكيميائية”، مشددة على التزامها بمحاسبة المسؤولين عن الهجمات الكيميائية في سورية وملاحقتهم.

وبدا موقف المجموعة رداً على تطبيع العديد من الدول العربية مع النظام السوري، وإعادته إلى الجامعة العربية، وحضور رأس النظام السوري بشار الأسد القمة العربية التي عقدت في مدينة جدة الجمعة الماضي، بعد عزلة امتدت على مدى أكثر من عقد.

وفرضت دول من المجموعة منذ عام 2011 عقوبات على النظام السوري أدت إلى تدهور اقتصاده، إلا أنه يرفض التعاطي بشكل إيجابي مع جهود الأمم المتحدة للتوصل لحل سياسي للقضية السورية، وفق مرجعيات دولية أبرزها القرار 2254، الصادر في عام 2015.

عقوبات أميركية على النظام السوري

ووضعت الولايات المتحدة قيوداً “صارمة” على النظام السوري، عبر قوانين عدة أبرزها قانون “قيصر” الذي دخل حيز التنفيذ في يونيو/حزيران 2020، والذي يُحاسب الدول والشركات والأفراد التي تتعامل مع النظام، أو تساعده اقتصادياً.

وصدرت منذ ذلك الحين العديد من حزم العقوبات، التي ضيّقت الخناق الاقتصادي أكثر على النظام، الباحث عن رفع لهذه العقوبات والإسهام في جهود إعادة الإعمار من دون الانخراط في العملية السياسية المتوقفة منذ نحو عام. ويبدو أن الغرب يعوّل على تشديد قبضته الاقتصادية على النظام لدفعه إلى تقديم “تنازلات”، تفتح الباب أمام حل سياسي للقضية السورية ويضع حداً للنزاع.

وكانت واشنطن جددت مطلع شهر مايو/أيار الحالي التأكيد على أنها “لن تطبّع العلاقات مع نظام الأسد”، وأنها لا تدعم تطبيع الآخرين للعلاقات مع دمشق. وقال نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية فيدانت باتيل، في إحاطة إعلامية بتاريخ 3 مايو الحالي إن الولايات المتحدة تعتقد أن الحل السياسي المنصوص عليه في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، هو الحل الوحيد القابل للتطبيق لهذا الصراع في سورية.

وبرأي مدير وحدة تحليل السياسات في مركز “الحوار السوري” للدراسات محمد سالم، فإن الغرب قادر على إيقاف التطبيع والتقارب العربي مع النظام السوري “لو توافرت إرادة حقيقية للدول الغربية، خصوصاً الولايات المتحدة”.

واستدرك في حديثٍ مع “العربي الجديد”، بالقول لكن للأسف، ما يتم التعبير عنه في البيانات السياسية هو أقرب للدعاية السياسية للموقف الغربي، ليتم اعتباره متسقاً مع مبادئ حقوق الانسان والأخلاق، على اعتبار أن المواقف السياسية المعلنة للدول الغربية جزء لا يتجزأ من قوتها الناعمة.

ورأى سالم أن الولايات المتحدة لا تمانع عملياً التطبيع العربي، بل أعطته الضوء الأخضر، مضيفاً أن واشنطن تسعى لضبط إيقاع التطبيع فقط بما يتسق مع مصالحها.

وأبدى اعتقاده أن الولايات المتحدة “شجعت الدول العربية على التقارب مع الأسد إلى حد ما، بهدف إضعاف المبادرة التركية للتطبيع مع نظام الأسد بوساطة روسية”، مضيفاً أنه “مع ذلك، يمكن أن تتغير الموازين لاحقاً، إذا تم إقرار وتفعيل التشريع الأميركي المقترح ضد التطبيع”.

مشروع قانون أميركي ضد التطبيع مع الأسد

في 11 مايو الحالي، تقدم مشرعون أميركيون من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، بمشروع قانون يطالب الإدارة الأميركية بعدم الاعتراف ببشار الأسد رئيساً لسورية، وتوسيع نطاق العقوبات المفروضة على نظامه. ويحمل المشروع تحذيراً واضحاً للدول التي تتقارب مع نظام الأسد، خصوصاً تركيا والدول العربية، بأنها ستواجه عقوبات على خلفية هذا التقارب.

واعتبر رئيس اللجنة الفرعية للشرق الأوسط وشمال أفريقيا وآسيا الوسطى، النائب الأميركي جو ويلسون، في بيان صدر في 12 مايو الحالي، أن “الدول التي تختار التطبيع مع مرتكب القتل الجماعي من دون ندم وتاجر المخدرات بشار الأسد، تسير في الاتجاه الخطأ”.

واعتبر الباحث السياسي في مركز “جسور” للدراسات رشيد حوراني في حديث مع “العربي الجديد”، أن “إعلان مجموعة السبع السبت الماضي، عدم التطبيع مع نظام الأسد، يمكن تفسيره بعدة اتجاهات”.

وأشار إلى أنه يبدو أن المجموعة ككل لا تتجه نحو التطبيع مع النظام، لكنها لا تعارض تطبيع كل دولة بمفردها معه، بدليل ما قاله المبعوث الألماني إلى سورية ستيفان شنيك أخيراً، من أن بلاده ممكن أن تنخرط بمبادرة “خطوة مقابل خطوة”. وبرأي حوراني، فإنّ “الدول العربية وبشكل خاص السعودية وفي ضوء ما تمتلكه من تحكم في مصادر الطاقة، يمكنها فرض أمر واقع جديد، من شأنه التأثير على مواقف دول عدة، في ظل استمرار الحرب الأوكرانية، فضلاً عن نمو التقارب الروسي مع الدول العربية بالتزامن مع تراجع أميركي.

العربي الجديد

—————————-

دمشق تمدّ يدها إلى قطر … لننظر إلى المستقبل

لم تتضحْ حتى الآن الملابسات التي رافقت “المصافحة” بين الرئيس السوري بشار الأسد وأمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، والتي كانت وكالة “سانا” السورية أكدت حدوثها، بينما تركت مغادرة الأمير القطري للقمة العربية قبل انتهائها ظلالاً من الشكّ حولها. غير أن مجرد مبادرة الوكالة السورية وانفرادها بنشر خبر المصافحة شكلا أكثر من مؤشر إلى وجود مقاربة سياسية سورية جديدة تجاه دولة قطر، بعد نحو عقد ونيف من انقطاع شهر العسل بين الدولتين الذي امتد طوال العشرية الأولى من القرن الحالي.

وساد اعتقاد أن المغادرة المفاجئة للأمير القطري للقمة العربية التي عُقدت في مدينة جدّة السعودية يوم الجمعة الماضي، قد أجهضت المبادرة السورية، لاسيما في ظل تشديد قطري على أنّ الأمير تميم غادر جدة من دون أن يعقد لقاءات ثنائية، في إشارة فَهِم منها العديد من المراقبين أنها تقصد نفي ما أوردته وكالة “سانا” حول المصافحة. ومع ذلك كان لافتاً أن خطوة الأمير القطري لم تستدرج أي ردّ فعل سوري إزاءها، وهو ما فُسّر بإما أن دمشق لم تر في الخطوة ما يمسّها ويستهدفها، أو أنها قررت التغاضي عنها لأسباب تصبّ في الجهود التي تبذلها العاصمة السورية لتنقية علاقاتها الثنائية مع الدول العربية.

وما عزّز ذلك، أن وزير الخارجية السوري فيصل المقداد ولدى سؤاله في مقابلة صحافية عن “المصافحة”، لم يؤكد أو ينف حدوثها، لكنه تحدّث بطريقة مرنة للغاية إزاء قطر، معرباً عن رغبته في تجاوز مناخ التوتر والخلافات بين الجانبين. وقال الوزير السوري في مقابلة أجرتها معه قناة RT: “لا يجب أن نعود إلى الماضي، نحن أبناء الحاضر ويجب أن نتطلع إلى المستقبل”. وأشار إلى أنه قد تكون هناك ملاحظات وتقييم مختلف للأوضاع التي تمرّ فيها الأمة العربية والعلاقات بين الدول العربية، مضيفاً أن دمشق تأمل بأن تزول هذه الغيمة كما زالت من الأجواء العربية، وأكد أن الأمور الدبلوماسية يجب أن تأخذ حيزاً من الزمن.

واعتبر بعض المراقبين، أن المقداد من خلال تصريحه بلهجة هادئة والبعيد من أجواء التوتر السابقة، أراد أن يردّ تحية الدوحة التي وجهتها بشكل غير مباشر من خلال عدم خروجها عن الاجماع العربي بخصوص عودة سوريا إلى الجامعة العربية. وبغض النظر عن مدى دقّة ذلك، إلا أنه من الواضح أن مناخاً جديداً بدأ يحيط بملف العلاقة الثنائية بين دمشق والدوحة.

وكان “النهار العربي” قد انفرد في الإشارة إلى وجود علم مسبق لدى دمشق بأن الدوحة لن تعرقل مساعي إعادتها إلى الجامعة العربية، حيث نقل في تقرير منشور بتاريخ 24 آذار (مارس) الماضي “أنه وصلت إلى دمشق من مصادر مختلفة معلومات مؤكدة تفيد أنّ الدوحة لم تعد متمسكة بموقفها الرافض لعودة دمشق إلى الجامعة العربية، وأن ذلك سيشكّل بيئة عربية مناسبة تتيح لسوريا استعادة مقعدها في الجامعة في القمة العربية المزمع عقدها في الرياض”. وأكّد المصدر، أن وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان طمأن المسؤولين السوريين أن الموقف القطري لن يعرقل عودة سوريا إلى الجامعة العربية.

وكانت قطر قد مهّدت لهذا القرار من خلال تصريحات أدلى بها المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية القطرية ماجد الأنصاري منتصف شهر آذار (مارس) الماضي قال فيها، إن “موقف دولة قطر من الأزمة السورية يعتمد على محددين رئيسيين، الأول هو أن يقوم النظام بما يلبي تطلعات الشعب السوري في الحل السياسي وبيان جنيف (1 حزيران/ يونيو 2012)، والمحدد الثاني هو الإجماع العربي حول هذه التحركات”.

واعتُبر تصريح الأنصاري في حينه بمثابة أول إشارة رسمية قطرية إلى اعتماد الدوحة مقاربة مختلفة للملف السوري، تكون فيها أقلّ تشدداً من المقاربة السابقة التي كانت تجعل من السياسة القطرية بمثابة رأس حربة لإسقاط النظام السوري. ويتمثل الاختلاف في أن الدوحة أصبحت تربط سياستها إزاء الملف السوري بمحددين اثنين هما: تلبية تطلعات الشعب السوري وفق بيان جنيف واحد، والإجماع العربي على التحركات حول سوريا.

ولم يكن استذكار بيان “جنيف 1” ليس سوى محاولة من وزارة الخارجية القطرية لذرّ الرماد في عيون المعارضة السورية، للتلميح أمامها في أنّها لا تزال متمسكة بمواقفها المتشددة السابقة. أما الحقيقة التي ثبتت في ما بعد، فهي أنه لم يكن هناك إلا محدّد واحد للسياسة القطرية يتمثل في السياسة العربية الجديدة بخصوص تطبيع العلاقات مع سوريا، والذي قطع أشواطاً واسعة منذ زلزال 6 شباط (فبراير) الماضي.

ومع ذلك ظلّت التصريحات العلنية للمسؤولين القطريين تؤكد ثبات الموقف القطري من النظام السوري، وأعلنت في أعقاب القمة العربية أن تطبيع العلاقات مع دمشق هو قرار سيادي يعود لكل دولة على حدة، وأن قطر لن تطبّع علاقاتها مع النظام السوري.

وجاءت المرونة السورية بالتزامن مع ما كشفه وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو عن دور قطري- سعودي لإعادة اللاجئين السوريين من تركيا إلى مناطق سيطرة الحكومة السورية. وقال في مقابلة تلفزيونية الأحد الماضي، إن “قطر والسعودية ستقدّمان دعماً لإعادة اللاجئين السوريين إلى المناطق التي يسيطر عليها بشار الأسد”، مشيراً إلى أنّ الاتصالات مع الرئيس السوري لإعادة اللاجئين قد بدأت بالفعل.

وكان صندوق قطر للتنمية قد عقد اجتماعاً مع هيئة الكوارث والطوارئ التركية قبل ايام، أسفر عن اتفاق قضى بمساهمة الصندوق في بناء مدينة متكاملة في الشمال السوري، حيث المناطق التي تسيطر عليها تركيا، لصالح اللاجئين السوريين. وذكر البيان الصادر عن الصندوق أنّ المدينة سوف تضم 5000 شقة ومرافق عامة تتضمن مسجداً ومركزاً تجارياً ومدرسة ابتدائية ومدرسة ثانوية إضافة إلى مركز صحي. كما سيتمّ تطويرالبنية التحتية للمدينة عبر إنشاء طرق وحدائق عامة وشبكة كهرباء وخزانات مياه.

وفي وقت سابق من هذا العام، وقّع صندوق قطر للتنمية اتفاقية مع إدارة الكوارث والطوارئ التركية بالتعاون مع جمعية العيش الكريم لتطوير المدينة، لفائدة 50 ألف لاجئ سوري.

النهار العربي

—————————-

ما مصير القرار 2254 بعد تسارع التقارب مع النظام السوري؟/ محمد أمين.

جدّد النظام السوري رفضه تنفيذ مضامين قرار مجلس الأمن الدولي 2254، الصادر عام 2015، والذي وضع خريطة حلّ للقضية السورية تنهض به “هيئة حكم ذات مصداقية”، وهو ما حاول النظام طوال 8 سنوات تفاديه، مستفيداً من الدعم الروسي والإيراني. وجاء الانفتاح التركي والعربي على النظام ليمنحه هامش تحايل أوسع للقفز فوق هذا القرار الذي تصر الولايات المتحدة على أنه الحل الوحيد القابل للتطبيق في سورية.

وقال وزير خارجية النظام السوري، فيصل المقداد، يوم الأحد الماضي، إن النظام سينفذ ما يهمّه من مضامين القرار 2254، مكرراً في حديث لقناة “روسيا اليوم” الإخبارية، الخطاب الذي يعتمده النظام حول الحل السياسي في سورية. ويقوم هذا الخطاب على أنه “يستلزم القضاء على الإرهاب وإعادة إنعاش الأوضاع الاقتصادية وإزالة العقوبات غير الأخلاقية وغير المبررة المفروضة من الدول الغربية”، وفق المقداد.

ولم يتطرق وزير خارجية النظام السوري إلى بقية البنود التي يتضمنها القرار الذي كان صوّت عليه مجلس الأمن الدولي في 18 ديسمبر/كانون الأول 2015، ولم تستطع الأمم المتحدة تنفيذه منذ ذلك الوقت بسبب تعنت النظام.

النظام السوري يقفز فوق القرار 2254

ونصّ قرار مجلس الأمن الدولي 2254، الذي استند إلى بيان جنيف 1 الذي صدر في منتصف عام 2012، بـ”اعتباره الأرضية الأساسية لتحقيق عملية الانتقال السياسي بهدف إنهاء النزاع في سورية”، على “تشكيل هيئة حكم ذات مصداقية، وتشمل الجميع وغير طائفية”، و”اعتماد مسار صياغة دستور جديد لسورية في غضون 6 أشهر”. وجدّد القرار دعم مجلس الأمن الدولي إجراء “انتخابات حرّة ونزيهة على أساس الدستور الجديد في غضون 18 شهراً تحت إشراف الأمم المتحدة”.

ولكن جولات التفاوض التي جرت في مدينة جنيف السويسرية بتسيير من الأمم المتحدة بين وفدي المعارضة والنظام لم تحقق أي نتيجة. وجرى في عام 2019، القفز فوق تراتبية المضامين الواردة في القرار من خلال الضغط على المعارضة السورية للبدء في تفاوض على كتابة دستور جديد للبلاد. إلا أن النظام لم يقابل هذا التنازل بأي مرونة، حيث عقدت لجنة مشتركة من النظام والمعارضة وكذلك المجتمع المدني من كلا الجانبين (النظام والمعارضة)، 8 جولات تفاوض لم تؤد إلى كتابة أي مادة في مشروع الدستور.

وفيما كان النظام السوري يعتمد على دعم روسي وإيراني للتحايل والمناورة على القرار 2254، ظلّت المعارضة السورية متمسكة بالقرار وهي لا تزال تؤكد أنها جاهزة للشروع الفوري بتفاوض يفضي إلى حلّ وفق قرار مجلس الأمن الخاص بسورية.

أسبابٌ جديدة للتعنت

وشهد الملف السوري خلال العام الحالي العديد من التطورات التي ربما تدفع النظام إلى المزيد من التعنت لجهة رفض التقيد بمضامين القرار الدولي 2254، حيث عدلت تركيا من موقفها من نظام دمشق، وشرع الجانبان في خطوات تقارب ربما تؤدي إلى تطبيع وعودة العلاقات الدبلوماسية بين أنقرة ودمشق. وعلى الرغم من أن الجانب التركي يؤكد تمسكه بحلّ سياسي للقضية السورية وفق قرار مجلس الأمن 2254، إلا أن الوقائع تشير إلى أن أنقرة لا تربط عودة الدفء لعلاقتها مع النظام بتنفيذ القرار، بل تعد قضية اللاجئين ومحاربة وحدات حماية الشعب الكردية في شمال شرقي سورية، أولوية لديها.

والتطور الأبرز في المشهد السوري كان الانفتاح العربي الواسع على النظام السوري تحت ذريعة إنسانية، بعد الزلزال الذي ضرب مناطق في شمال سورية فجر 6 فبراير/شباط الماضي. وكان النظام يتعامل باستخفاف سياسي مع القرار الدولي 2254، على الرغم من العزلة العربية المفروضة عليه، لذا من المتوقع أن يتصلب أكثر في موقفه الرافض لأي حلول سياسية يمكن أن تهدد بقاء رأس النظام بشار الأسد في السلطة، مع عودته إلى جامعة الدول العربية.

ودأبت قمم عربية عُقدت بعد صدور القرار 2254 في عام 2015، على تأكيد “ضرورة العمل لإيجاد حل سياسي ينهي الأزمة السورية استناداً إلى القرارات الدولية”، حيث أشار البيان الختامي للقمّة العربية التي عقدت في العاصمة الموريتانية نواكشوط في عام 2016 إلى أن الحل السياسي في سورية يجب أن يكون “وفقاً لبيان جنيف في 20 يونيو/حزيران 2012 وبيانات المجموعة الدولية لدعم سورية وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة”.

وفي قمة الأردن في عام 2017، أشار البيان الختامي بشكل واضح إلى “مخرجات جنيف 1، وبيانات مجموعة الدعم الدولية لسورية، وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، خصوصاً القرار 2254 كمدخل للحل السياسي في سورية”. وشدّد البيان الختامي للقمة العربية التي عقدت في 2018 في الظهران السعودية، على “ضرورة إيجاد حل سياسي ينهي الأزمة السورية، بما يحقق طموحات الشعب السوري الذي يئن تحت وطأة العدوان، وبما يحفظ وحدة سورية، ويحمي سيادتها واستقلالها، وينهي وجود جميع الجماعات الارهابية فيها، استناداً إلى مخرجات جنيف 1 وبيانات مجموعة الدعم الدولية لسورية، وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وخصوصاً القرار 2254”. وتكررت ذات الفقرة في قمة تونس التي عقدت في عام 2019، بينما تمّ إلغاء نسختي 2020 و2021 بسبب كوفيد 19.

ولكن القرار 2254 غاب عن البيان الختامي في القمة العربية التي عقدت في الجزائر عام 2022، حيث دعا البيان الختامي إلى “دور جماعي قيادي للمساهمة في جهود التوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية ومعالجة كل تبعاتها السياسية والأمنية والإنسانية والاقتصادية، بما يضمن وحدة سورية وسيادتها ويحقق طموحات شعبها ويعيد إليها أمنها واستقرارها ومكانتها إقليمياً ودولياً”، وفق البيان.

ولم يتطرق البيان الختامي للقمة العربية 32 والتي عقدت في مدينة جدة في 19 مايو/أيار الحالي بحضور الأسد للمرة الأولى منذ أكثر من عقد، إلى القرار 2254، في إشارة واضحة إلى أن تنفيذ مضامين هذا القرار لتجاوز الأزمة في سورية، ليس في رأس أولويات العديد من الدول العربية. مع العلم أن دولة قطر كرّرت أخيراً أن قرار مجلس الأمن حول أزمة سورية إلى جانب بيان جنيف، هما الطريق المناسب لتحقيق حلّ مستدام في سورية. كما أبدت مصر تمسكها بتطبيق القرار 2254 للحل.

كذلك ترى الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي واليابان أن هذا القرار هو “الحل الوحيد القابل للتطبيق في سورية”، مؤكدة أنها لن ترفع العقوبات المفروضة على النظام أو تشارك في إعادة الإعمار في سورية ما لم يتم تنفيذ هذا القرار. لكن العقوبات المفروضة على النظام لم تدفعه إلى الانخراط في مفاوضات للتوصل إلى حل وفق القرارات الدولية.

ويرفض النظام حتى اللحظة التجاوب مع جهود المبعوث الأممي إلى سورية غير بيدرسن لعقد جولة جديدة من مفاوضات اللجنة الدستورية، ما يؤكد أن النظام وضع القرار الدولي 2254 وراء ظهره، محاولاً خلق وقائع سياسية يأمل أن تعفيه من التعاطي مع القرار.

وبرأي الباحث السياسي فراس تقي، في حديث مع “العربي الجديد”، فإن لـ”القرار 2254 مفاهيم واسعة”، مضيفاً أن “كل طرف ينظر إلى القرار من زاويته”. ويشرح الباحث أنه “ليس هناك مفهوم واضح جازم تجمع عليه الدول الفاعلة في المشهد السوري”. وبرأيه، فإن التقارب التركي مع الأسد، وكذلك تقارب بعض الدول العربية معه، “جاءا تلبية لمصالح هذه الدول، ومن ثم ظهرت تفسيرات (واقعية) جديدة للقرار 2254 كفيلة بحرفه عن مقاصده الأساسية القائمة على فكرة تحقيق انتقال سياسي في سورية”. ولا يعتقد تقي، بناء على ذلك، أن تطبيق القرار أولوية في الوقت الراهن لدى الدول التي تقاربت أو بدّلت موقفها من النظام.

في السياق، يعتبر الباحث السياسي في مركز “الحوار السوري” أحمد القربي، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن مصير القرار 2254 “معلّق في الوقت الراهن”، موضحاً أن القرار صدر في سياق توافق روسي أميركي في عام 2015، لكن هذا السياق تبدّل تماماً اليوم في ظل التطورات الإقليمية والدولية التي حدثت خلال السنوات الماضية. وبرأي القربي، فإن “تطبيق القرار يتطلب توافقاً روسياً وأميركياً، وتوافقاً إقليمياً من تركيا وإيران، وهو أمر بعيد المنال في الوقت الراهن”. كما يلفت الباحث السياسي إلى أن “الأحداث التي جرت تجاوزت القرار، وتطبيقه كما صدر ربما يحتاج إلى معجزة”.

ويعرب القربي عن اعتقاده بأن التقارب التركي والعربي مع النظام السوري “لا تأثير له بشكل مباشر على القرار وتطبيقه”، مضيفاً أن مقاربة “خطوة مقابل خطوة” تنسف فكرة الحل السياسي في سورية وفق القرار المذكور. كما يشير القربي إلى أن التعاطي مع القضية السورية “انحصر في الوقت الراهن في الملفات الأمنية والإنسانية ومكافحة الإرهاب واللاجئين والمخدرات”، مضيفاً أن “أغلب الدول تحاول إيجاد حلول لهذه القضايا من دون التطرق إلى الحل السياسي لأنه يحتاج إلى توافق دولي وإقليمي غير متاح حالياً”.

العربي الجديد

——————————-

واشنطن تحدد سياستها في الشرق الأوسط لمكافحة “كبتاغون الأسد

حدد نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي، إيثان غولدريتش، سياسة بلاده في الشرق الأوسط، والاستراتيجيات التي ستتبعها لمكافحة “كبتاغون الأسد”.

جاء ذلك خلال مؤتمر الكبتاغون السنوي لمعهد “نيو لاينز” الأمريكي، أمس الخميس.

وقال غولدريتش إن السياسة الأمريكية، تشمل دعم أجهزة الشرطة والتنسيق الدولي وفرض عقوبات اقتصادية، وغيرها من الأدوات المالية.

وأضاف أن واشنطن ستركز “بشكل خاص” على مساعدة الأردن، كونه أبرز البلدان المتضررة من تجارة الكبتاغون، القادم من سورية.

كما ستقدم مساعدات للبنان لمكافحة هذه التجارة.

سياسة أمريكية لمكافحة “كبتاغون الأسد”

المسؤول الأمريكي قال إن “التنسيق المستمر بشأن العقوبات مع شركائنا سيساعد في منع عناصر نظام الأسد والمنظمات الإرهابية من استخدام الأنظمة المالية الأمريكية والدولية لغسل عائدات المخدرات”.

ونقل موقع “ذا ناشيونال نيوز” عن نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي قوله إن الولايات المتحدة وأوروبا ستستمران بنهج العقوبات.

وأضاف أن العقوبات الأخيرة التي فرضتها واشنطن ولندن على مهربي المخدرات في سورية ولبنان “أظهر ما يمكن للاستراتيجية تحقيقه”.

ومن بين الشخصيات التي شملتها العقوبات اثنين من أبناء عموم بشار الأسد، بسبب دورهم المشتبه به في إنتاج أو تصدير الكبتاغون.

كما شملت شخصين لبنانيين يُعتقد بأن لهم صلة بـ “حزب الله” اللبناني.

وبحسب المسؤول الأمريكي فإن الكبتاغون أصبح “مصدر تمويل مهم لنظام الأسد،  لدرجة أن الخبراء يقولون إن البلاد أصبحت ولاية مخدرات”.

وبلغت قيمة تجارة المخدارت التي تديرها عائلة الأسد 3.46 مليار دولار عام 2020، بحسب غولدريترش.

وأشار إلى أن القيمة ارتفعت عام 2021 إلى ما يقدر بنحو 5.7 مليار دولار.

وحسب تقديرات الحكومة البريطانية، فإن 80% من إنتاج الكبتاغون عالمياً يأتي من نظام الأسد.

ويشرف ماهر الأسد، شقيق رئيس النظام بشار، شخصياً على هذه التجارة، بحسب تقارير غربية.

وصدرت تحقيقات ودراسات أخرى، حول تحول تجارة المخدرات إلى مصدر اقتصادي أساسي لتمويل نظام الأسد.

وعلى مدى السنوات الماضية، تم ضبط عشرات الشحنات من المواد المخدرة القادمة من سورية وخاصة حبوب “الكبتاغون”.

وطال ذلك العديد من الدول، خاصة المجاورة لسورية مثل الأردن، إضافة إلى الدول الخليجية.

وتجري دول عربية مفاوضات مع نظام الأسد مؤخراً، من أجل حل ملف الكبتاغون، لقاء إعادة تأهيله في الساحة العربية.

وكان وزير خارجية النظام، فيصل المقداد، نفى تسهيل النظام تهريب المخدرات، واعتبر أن “ضعاف النفوس” استغلوا الواقع الأمني وبدأوا بتهريبها.

وقال إن “الدولة السورية مستحيل أن تسهل تهريب المخدرات، لأن هذا خطر عليها وعلى أطفالها”.

مضيفاً في حديثه لموقع “روسيا اليوم”: “نأمل التعاون مع الدول للقضاء على هذه الظاهرة الخطيرة”

———————————-

إيران: ساحاتكم لكم أما سوريا ولبنان فلي ولكم/ عارف العبد

مما لا شك فيه أن الاتفاق السعودي الإيراني برعاية الصين، شكل قفزة نوعية وغير مسبوقة في تطور التحالفات والمواجهات في المنطقة، لجهة كسر حالة التوتر والجمود السياسي والمواجهة الأمنية والسياسية، بين الطرفين المتواجهين سابقاً. حيث انقلبت المواقع والأدوار من الخصومة الشديدة على حافة المواجهة العسكرية، إلى وضعية طرفين يسعيان إلى التقارب والصداقة و”التفاهم”. وكل ذلك نتيجة تبدل في الموقف السعودي، في خطوة جديدة وغير تقليدية، تناقض كل المنهج السابق الذي عرف عنها في العهود الماضية، حيث خرجت فيه عن كل القواعد والخطوات التقليدية التي كانت متبعة ومعروفة عنها في العقود الماضية.

هذا التبدل أو الانقلاب في الأسلوب، لم يظهر فقط في السياسة الخارجية والإقليمية، بل إنه يترافق مع انقلاب وتبدل آخر في السياسة والمقاربة الداخلية على أكثر من مستوى، وليس آخرها ظواهر الانفتاح على المهرجانات الفنية والطربية، وقيادة النساء للسيارات، وتبدلات أخرى على المستوى الاجتماعي والتوجه والمنهج الاقتصادي.

الظاهر والملاحظ أن هذه الاتفاقية في بكين التي أشاعت وتشيع معطيات تدعو إلى الاستقرار وإبعاد التوتر وإحلال التقارب، يتم التعاطي معها إيرانياً بشكل لافت ومنظور، حيث استغلتها إيران وانطلقت منها لتزيد من حراكها وتثبيت وجودها ونفوذها على وجه الخصوص في لبنان وسوريا.

إذ ظهر حتى الآن أن الحراك الإيراني يميل إلى تدعيم وتفعيل مواقع جديدة وبسرعة، للاستفادة من فرصة المناخ الجديد، لكسب وتكديس أوراق ونقاط إضافية يعتبر أنها تصب في مصلحته، وإلى جانب تعظيم نفوذه. وقد ظهر ذلك في سرعة التحرك باتجاه لبنان وسوريا.

الخطوة الأولى سرعان ما ظهرت في لبنان، وتمثلت بزيارة وزير خارجية إيران، حسين أمير عبد اللهيان، إلى لبنان، وجولته على المسؤولين، وتكرار عرضه واستعراضه على لبنان المساعدة الاقتصادية، إضافة إلى تكبير وتوسيع مروحة استقبالاته واجتماعاته المتعددة، وخصوصاً زيارته اللافتة إلى الجنوب، وتحديداً إلى الحدود مع إسرائيل، وعلى الأخص إطلالته على إسرائيل من حديقة مارون الراس، المسماة حديقة إيران. واستطلاع المستوطنات والبلدات الإسرائيلية مقابل الحدود الجنوبية، مما شكل إشارة سياسية وأمنية واضحة وجلية لإسرائيل والولايات المتحدة الأميركية، تقول إن إيران تقف على حدودكم وعلى مرمى حجر منكم. وباستطاعتها من هذا المكان أن تتصرف كما تريد، وساعة تريد. فهي موجودة هنا سلماً، وإذا دعت الحاجة حرباً، عبر حزب الله الممثل لها والناطق باسمها.

الخطوة الإيرانية الثانية التي سجلتها طهران في استثمار مد وتثبيت نفوذها بعد اتفاق بكين، تمثلت في زيارة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي إلى سوريا، والتي استغرقت يومين وسط حفاوة ظاهرة ومنفوخة، تخللها استقبال واحتفال شعبي “عفوي “! حسب تعبير الإعلام الإيراني -السوري في مقام السيدة زينب.

الرئيس الإيراني لم يخف مقاصده وأهدافه، بل صرح قائلاً بأنه جاء للاحتفال بالانتصار على المؤامرة ولدعم حليفه بشار الأسد، الذي صمد وانتصر على المجرمين والإرهابيين الأعداء، أصحاب المؤامرة عليه وعلى سوريا وإيران والمنطقة.

ومن دون أن ننسى توقيع الاتفاقيات الاقتصادية والتعاونية العميقة بين البلدين الحليفين، حيث وُقعت مذكرة تفاهم للتعاون الاستراتيجي الشامل طويل الأمد.

الخطوة الإيرانية الثالثة على مسار الاستثمار والتدعيم للمواقع وإثبات الوجود، تمثلت في المناورة العسكرية بالرصاص الحي والأسلحة المتطورة، وأغلب أنواع الأسلحة الثقيلة لوحدات فرق النخبة العسكرية لحزب الله في لبنان، لمناسبة الذكرى 23 للتحرير، وذلك بعد ساعات من انتهاء القمة العربية في جدة، التي احتفت بعودة الرئيس السوري بشار الأسد إلى صفوفها، بعد استبعاد لأكثر من 12 سنة، وقبل أن تتلاشى أصوات الهتافات الترحيبية بالضيف الإيراني في دمشق.

لم تهدر إيران الوقت، بل انطلقت وبسرعة لكسب وتثبيت نتائج الاتفاق مع العربية السعودية، لتأكيد حقها بالتواجد على الحدود مع إسرائيل سياسياً وأمنياً وإعلامياً، عبر زيارة بيروت ومن ثم مارون الراس وبعدها وبسرعة إلى دمشق عبر إبراهيم رئيسي، ومن ثم عبر إطلاق المناورة العسكرية في بلدة عرمتى. وكل ذلك على أصداء تهديدات أحد مسؤولي حزب الله لإسرائيل بالصواريخ الدقيقة والفعالة، والتي عاد وأكد على أهميتها في هذا التوقيت السيد حسن نصرالله، وعدّها من علامات قوة وتقدم محور المقاومة.

في مجال الحسابات الباردة انتشرت وسيطرت على المنطقة أجواء المودة الإيجابية بين إيران والعربية السعودية، مقابل تسجيل خجول وشكلي لبدايات تراجع التوتر في اليمن، مع تثبيت لوجود إيران في سوريا عبر الاتفاقيات الاستراتيجية طويلة المدى التي وقعت، فيما تقدم وجود حليف ايران الرئيس السوري في الجامعة العربية، مقابل اندفاع لحزب الله إلى إجراء مناورات عسكرية علنية أمام عدسات الكاميرات والتلفزة العالمية، باعتباره جيشاً كامل العدة والجهوزية، فيما الجيش اللبناني الرسمي ينتظر مع عناصره وضباطه قبض مساعدة المئة دولار بالشهر من المحسنين الكرام.

باختصار، إيران تقول من دون أن تعلن، نرحب بالاتفاق مع العربية السعودية التي تنتهج سياسة خارجية جديدة، لكن مواقعنا وثوابتنا راسخة وثابتة، ولن نتخلى عنها ونتمسك بها بالحديد والنار، ولبنان وسوريا باقيان لنا ولكم.

صحافي وأستاذ جامعي لبناني

المدن

——————————

ليبراسيون: قمة جدة.. “ضربة معلم” من زيلينسكي وبن سلمان

تحت عنوان: “قمة جدة.. ضربة معلم من زيلينسكي وبن سلمان!”، قالت صحيفة “ليبراسيون” الفرنسية إن حضور الرئيس الأوكراني، الذي جاء للدفاع عن قضيته أمام دول محايدة إلى حد ما في مواجهة الحرب، أدى، إلى حد ما، إلى محو صدمة عودة رئيس النظام السوري بشار الأسد، وسمح لولي العهد السعودي بالتموقع/ التموضع أكثر بقليل كزعيم إقليمي.

عن مشاركة فولوديمير زيلينسكي في أعمال القمة العربية الـ32 قالت “ليبراسيون” إن صورة وصوله إلى جدة وحضوره القمة كانت مفاجئة بقدر ما كانت غير عادية. فإلى من يتساءل عن المصلحة من وراء حضور قمة الدول العربية للدفاع عن قضية بلاده، أجاب الرئيس الأوكراني بأكثر من حجة، حيث قال في خطابه أمام رؤساء الدول العربية: “للأسف بعض دول العالم وهنا منكم تغض الطرف عن عمليات الضم غير الشرعية هذه”.

وأضافت الصحيفة أن الرئيس الأوكراني أثار مصير التتار المسلمين في شبه جزيرة القرم المحتلة، مستهدفًا عدة نقاط حساسة في البلدان التي تظهر حيادية معينة بين أوكرانيا وروسيا. وذكّر زيلينسكي بالعلاقات بين الدول العربية وأوكرانيا، لا سيما مع وجود آلاف الطلاب العرب من مختلف الدول أو التبادلات التجارية، خاصة توريد القمح لعدة دول في الشرق الأوسط والمغرب العربي. كما شكر الرئيس الأوكراني ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، مستضيف القمة، على “دعمه للسلامة الإقليمية والسيادة الأوكرانية، داعياً إياه لزيارة أوكرانيا، كما جاء في بيان نشره عقب لقائهما الثنائي على هامش القمة.

ونقلت “ليبراسيون” عن حسني عبيدي، مدير مركز الدراسات والبحوث حول العالم العربي والمتوسط، قوله: “بالنسبة لمحمد بن سلمان، الذي يريد تأكيد أن بلده هو صاحب الوزن الثقيل في العالم العربي، فإن دعوة زيلينسكي هي فرصة جميلة […] دعوة الرئيس الأوكراني قد اقترحها الأمريكيون على محمد بن سلمان”.

وأشارت الصحيفة الفرنسية إلى أن الصحافة الجزائرية كانت قد تحدثت قبل ثلاثة أيام من انطلاق قمة جدة. حتى إن إحدى الصحف تحدثت عن “خصخصة محمد بن سلمان للقمة العربية”. وفي مؤشر آخر على أن حضور الرئيس الأوكراني في القمة العربية لم يكن موضع توافق بين المشاركين، أصر مصدر من المنظمة الإقليمية على الإشارة إلى أن الرئيس الأوكراني تلقى دعوة من السعودية وليس من قبل الجامعة”، توضح “ليبراسيون”.

ومضت “ليبراسيون” معتبرة أن ما وصفتها بمفاجأة زيلينسكي أزاحت إلى المرتبة الثانية عودة بشار الأسد، إلى جامعة الدول العربية، مشيرة إلى أن سوريا هي واحدة من الدول القليلة في العالم التي انضمت تمامًا إلى حليفها الروسي منذ بداية الحرب في أوكرانيا، لا سيما من خلال التصويت ضد قرارات مجلس الأمن الدولي التي تطلب من روسيا وقف الأعمال العدائية في أوكرانيا.

وخلصت “ليبراسيون” قائلة إنه مع الحضور المثير للجدل لبشار الأسد ثم الوصول المفاجئ لفولوديمير زيلينسكي، الذي توجه بعد ذلك إلى اليابان حيث تنعقد قمة مجموعة السبع، فإن محمد بن سلمان نجح على أي حال في أن يجعل من قمة جدة حدثاً عالمياً غير مسبوق؛ بينما يجذب عادة (القمة العربية) اهتمامًا محدودًا جدًا من وسائل الإعلام

—————————————

السوريون في مواجهة القادة العرب/ عبدالناصر العايد

كَمُن وراء الأضواء المبهرة المسلطة على القمة العربية في جدة، صوت احتجاج سوري واسع النطاق في وسائل التواصل الاجتماعي. وبموازاة ما تقدمه شاشات التلفزة الرسمية أو المملوكة لبعض الحكومات، انهمر سيل من الكتابات والصور ومقاطع الفيديو، لمئات الآلاف من السوريين الغاضبين من الاستقبال الحافل لرأس النظام وإعادة إدراجه في النظام السياسي العربي، الذي كانت أولى نتائجه إقصاء المعارضة السورية من المشهد بمنتهى الاستخفاف وعدم المبالاة وإسكاتها بشكل تام، بحيث امتنعت كافة القنوات الفضائية العربية عن استضافة أي سوري معارض لطرح وجهة نظر الشعب السوري في التطورات التي تمس مصيره في الصميم، فيما فُتح الهواء لأصوات تدعم النظام واصلت تشبيحها المعهود والتحدث بلهجة المنتصر الذي بلغ أوجه في المؤتمر الصحافي الختامي، عندما تطاولت إعلامية موالية للأسد على الجهة المنظمة، ما دفع أمين عام الجامعة العربية إلى التعبير عن سخطه ونفاد صبره.

لم تقتصر محاولات الكتم على المنابر الرسمية، ففي عالم التواصل الاجتماعي المفتوح، طارد جيش من الذباب الالكتروني المنظم كل تعليق وتغريدة سورية تعبر عن الرفض أو الاستياء من استضافة الشخص الذي قتل مئات الآلاف منهم في هذا المحفل المهم. ويكشف خطاب ما يُدعى بالذباب الالكتروني، استراتيجية مدروسة للهجوم، أهم أبعادها محاولة استدراج السوريين إلى خانة التصادم مع شعوب ومجتمعات الدول التي طبّعت مع النظام، بدلاً من توجيه النقد إلى الحكام الذين اتخذوا هذا القرار، بهدف منع حصول أي تأثير أو صدى شعبي لانتقادات السوريين أو التأثير في صورة هؤلاء الحكام. وطاول الهجوم العنيف، الأشخاص الذين أشادوا أو رحبوا بمواقف بعض الدول والقادة ممن أبدوا تحفظهم على إعادة تأهيل النظام وطالبوا بأخذ مطالب السوريين بعين الاعتبار، وعدّ “الذباب الالكتروني” كل هؤلاء من المرتزقة!

لا يمكن للمرء أن يشط به الخيال إلى درجة اعتبار هذه الظاهرة مؤثرة أو فعالة سياسياً، فوسائل التواصل الاجتماعي تبقى افتراضية، وتبقى على مسافة بعيدة نسبياً من مجرى الحياة الواقعية. لكن أيضاً، لا يجوز أن يغفل، بداعي الموضوعية، عن بديهيتين مهمتين يمكن استنتاجهما من التجربة السورية مع تلك الظاهرة البازغة. فلدينا أولاً أن وسائل التواصل الاجتماعي صوت الأعماق الاجتماعية المسحوقة والمهمشة، وأداتها ونافذتها التي تعبّر من خلالها عن مشاعرها السريّة ورغباتها المقموعة. ولدينا ثانياً أن التحركات في ذلك العالم الموازي يمكنها الانتقال، في شروط تاريخية معينة، إلى الواقع الحقيقي لتعصف به، ومن هذين المنطلقين يمكن التفكير في الظاهرة الحالية وتطوّرها، لا سورياً فحسب، بل في مساحة الاجتماع العربي أيضاً.

لقد كان واضحاً أن الجيش الإلكتروني، الذي حاول إخراس السوريين، حتى في العالم الافتراضي، كان منظماً، سواء لجهة تنسيق استهدافه لأشخاص مؤثرين، أو لجهة نوعية الرسائل التي يبثها. فقد ركز المغردون مثلاً على تصوير أي انتقاد لقائد دولة ما، بسبب تطبيعه مع النظام، كهجوم على أهل تلك الدولة وقيمهم وتاريخهم، ودمج المجتمع بنخبة الحُكم لبناء سور اجتماعي من المدافعين عنها. كما جرى العمل على نسف فكرة الثورة من جذورها فكرياً وسياسياً، باعتبارها تحركاً أهوج قاد السوريين إلى “تخريب” بلادهم. وتم التشكيك في قدرة الشعوب على مواجهة الحكام من خلال القول بأن السوريين ما كان ينبغي لهم الثورة على حاكم أقوى منهم، استطاع أن يهزمهم ويذلّهم وأن يجعل منهم متسولين ولاجئين في شتى بقاع الأرض.

ولم يفُت الذباب الالكتروني، التشكيك في من قاد أو يقود العملية الاحتجاجية، بوصفهم خونة ولصوصاً ومرتزقة وما إلى ذلك. وواضح هنا، بما لا يدعو للشك، أن هذه الرسائل تمرر باتجاهين، الرئيسي منهما داخلي، موجّه لشعوب هؤلاء القادة والحكام ذاتهم، وهي الرسالة المحورية للتوجه “الضد ثوري” الذي ينتهجه عدد من دول المنطقة لتلافي وتدارك ارتدادات وأصداء الربيع العربي في بلدانها.

إن نجاح الاحتجاج السوري في العالم الموازي، يمكنه أن يحصد بعض النتائج إذا استطاع أن يكون أكثر تنظيماً، وأشدّ تركيزاً في استراتيجيته وهدفه الذي لا يجوز له أن يتجه للانحناء باللائمة على الشعوب العربية مثلاً، فهي أيضاً بلا حول ولا قوة، وتتوق إلى الحرية والانعتاق. وإذا كان الاحتجاج السوري قد صار بارزاً متبلوراً وعالي الصوت، بفضل تضحيات غير مسبوقة في التاريخ المعاصر، فإن الأصوات المجتمعية العربية ما زالت قيد التشكل، وصعودها ذات يوم حتمي، وينبغي للسابق في التجربة أن يلاقي اللاحق، لا أن يصب عليه لعنات الضحية على ضحية مثله.

كما أن الرفض في العالم الافتراضي يمكن أن يتحول إلى حركة اجتماعية واقعية، ببعض الجهد والاهتمام. فالسوريون في أوروبا، الذي عايرهم الذباب الالكتروني بالهروب من المعركة ضد النظام، لديهم الفسحة والقدرة على تنظيم احتجاجات أمام سفارات المطبّعين، وأنشطة أخرى لا تطاول التطبيع ببُعده السياسي فقط، وإنما تتعداه إلى المظالم الحقوقية الإنسانية العامة التي ترزح تحتها شعوب المنطقة. وهذا ليس ابتزازاً سياسياً، بل هو جانب من المعركة الاجتماعية والحضارية التي من الأجدى أن يخوضها شعوب المنطقة وسكانها معاً.

لقد أكد معظم زعماء الدول العربية الفاعلة في كلماتهم في القمّة، أن المنطقة إزاء حقبة جديدة، وهم يحاولون أن يشدوا أزر بعضهم البعض والتكاتف لمواجهتها، وهذا حقيقي إلى درجة القسوة. وله جانب آخر يتمثل في كون المجتمعات العربية في حالة انتقال وتغير متسارع، من صعيد إلى آخر، قد لا يكون مشرقاً في المدى المنظور، شأن ما جرى للسوريين. لكن، في المدى البعيد، فإن ما يحدث من تحولات اجتماعية بنيوية هو السبيل الوحيد لأخذ المجتمعات زمام المبادرة وصناعة تاريخها، على عكس ما حاولت الحملات الإعلامية المركّزة الإيحاء به. فالسوريون، على سبيل المثال، الذين وُصفوا في وسائل الإعلام الرسمية والافتراضية العربية بالمهزومين الفارين، هم الشعب العربي الوحيد الذي استطاع أن يهجو على الملأ مَن اعترفت واحتفلت به المؤسسة الرسمية العربية، باعتباره رئيساً لهم، وعبّر بمئات الآلاف، وبالأسماء الحقيقية لا بالحسابات المزيفة. وهذه نقطة فاصلة في التاريخ الاجتماعي والسياسي، بل نقطة “لا عودة” يجدر بمَن ما زال يعتقد بسياسة كمّ الافواه والسيطرة الشاملة.. أن يفكر فيها ملياً.

المدن

—————————–

تناقضات موقف الإدارة الأميركية من مشاركة الأسد في القمة العربية/ فكتور شلهوب

تتعاطى إدارة جو بايدن مع الشرق الأوسط عموماً بمزيج من الغموض والازدواجية، لكنها مع مشاركة رئيس النظام السوري بشار الأسد في القمة العربية بجدة السعودية ضربت الرقم القياسي في مواقفها الملتوية والمتضاربة بصورة فاضحة، ما جعلها تستعصي على الفهم كما على التسويق.

وتشدد واشنطن فوق الطاولة على ضرورة عزل النظام السوري لكنها تحاوره تحت الطاولة، إلى أن اضطرت للاعتراف بذلك بعد انكشاف أمرها. تتمسك بقانون قيصر وعقوباته، لكنها لا تنذر المطبّعين بتطبيقه عليهم. تتعهد بأنها لن تُقدم على التطبيع مع النظام، لكنها لا تدين “الشركاء” الذين طبّعوا. تعترض على القمة التي أعادت الأسد إليها، لكنها لا تعلن مقاطعتها وعدم حضور جلساتها كمراقب، كما في مؤتمرات القمة السابقة.

وقال الناطق باسم الخارجية الأميركية، فيدانت باتيل، الخميس، إنّ الإدارة لن تقاطع القمة، مضيفاً أنّه لا يعرف حتى الآن مستوى الوفد المشارك، والمرجح أن يشارك السفير الأميركي في المملكة مايكل راتني مع بعض معاونيه.

واجتهد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن وفريقه، لشرح حيثيات الموقف، لكن المحاولة أظهرت تناقضاته. ويبدو أنّ انكشاف اللقاء الأميركي السوري في سلطنة عُمان تسبب بالقدر الأهم من التخبّط. وبررت الخارجية الأميركية اللقاء بأنه جاء للعمل على إطلاق سراح الصحافي الأميركي أوستن تايس؛ المفقود في سورية منذ عشر سنوات.

بيد أنّ التفسير بدا أقرب إلى الذريعة، إذ في مثل هذه الحالة كان من المفترض، في ضوء السوابق المماثلة، أن يتم الإفراج عن الموقوف في أعقاب اجتماع من هذا النوع، أو على الأقل صدور بيان واعد عن وضعه، لكن التكتم مع عدم الوضوح فتح الباب للتكهنات عما إذا كان لقاء عُمان بمثابة خطوة أولى لكسر جليد العلاقات أو “بروفة” لتطبيع لاحق، حتى لو كانت قضية تايس الدافع الرئيسي له.

وإذا كانت واشنطن ترى في عودة النظام السوري إلى الجامعة العربية وقمة جدة عملية مؤذية لمصالحها في المنطقة، فلماذا التهاون مع الشركاء الذين وضعوا ثقلهم لتأمين هذه العودة؟ إذ اكتفى بلينكن بالقول إنّ النظام السوري “لا يستحق العودة إلى الجامعة”، مبدياً تفهمه للدول العربية الشريكة “التي يعود لها اتخاذ قراراتها بنفسها”.

وكررت الخارجية الأميركية هذا الموقف، في اليومين الأخيرين، وهو رد غير مألوف من جانب واشنطن على توجهات “لا تؤيدها ولا تؤيد أصحابها” في قضايا ونزاعات جيوسياسية بحجم النزاع في سورية وحولها.

ومن القراءات أنّ مثل هذا التعارض حالة “عضوية” في سياسة بايدن الخارجية إجمالاً وبالشرق الأوسط على وجه الخصوص، حيث انتقل خطاب الإدارة من الساخن إلى البارد أو الفاتر مع الصين، على سبيل المثال، في أقل من شهرين، وتحوّل من لغة التوتير إلى لغة التعايش ومن التهديد باستخدام القوة ضد الصين لو اجتاحت تايوان إلى الحديث عن علاقة “بناءة” بتعبير وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين.

وفي الشرق الأوسط تبدو مواقف الإدارة الأميركية محاطة غالباً بالغموض لحفظ خط الرجعة، كما “تتبدل نماذجها بتأثير التطورات” في المنطقة، وثمة من يربط بين هذا التقلب وبين المحاولات المطروحة منذ زمن باراك أوباما، للتحول نحو الشرق الأقصى بعد الانسحاب من الشرق الأوسط “المتعب”، والتي ما زالت متأرجحة لأنه ليس بوسع الولايات المتحدة ترجمة هذا الانتقال “إذ كلما تحاول الهروب من الشرق الأوسط فإنّ هذا الأخير يلحق بها لإرجاعها”. والحديث الآن عن القمة العربية وعودة النظام السوري دليل آخر في هذا الخصوص، بقدر ما هو مؤشر على مدى الارتباك في مقاربة قضايا المنطقة.

العربي الجديد

——————————–

“رسائل عربية” من الأسد وزيلينسكي إلى الحلفاء… والأعداء/ إبراهيم حميدي

داخل الاجتماعات المغلقة في السنوات الماضية، غالبا ما كان الرئيس السوري بشار الأسد يقول للمسؤولين الروس، إنه قرر القتال إلى آخر رمق، وليس الهرب مثل الرئيس الأوكراني السابق فيكتور يانكوفيتش الذي ترك بلاده سريعاً الى “الحضن الروسي” في العام 2014. أي إن موسكو مدينة للأسد بالبقاء في القصر والقتال، كما هو مدين لها بالتدخل العسكري لـ “إنقاذ النظام”. لكن لم يخطر في بال الرئيس السوري أبدا أن تشاء الأقدار أن يكون مع الرئيس فولوديمير زيلينسكي، خليفة “الروسي” يانكوفيتش، تحت سقف واحد حول طاولة فيها قادة الدول الفاعلة، في قمة عربية تعقد في دولة عربية كبيرة.

هناك تقاطع وتداخل بين الأسد وزيلينسكي. الأول، قرر البقاء والقتال بطريقة فاجأت حتى حلفاءه في طهران وموسكو. كانوا يعتقدون أنه سيترك القصر ويذهب إلى المنفى في إيران أو روسيا أو دولة عربية، لكنه قرر البقاء، والبقاء مما استدرج تدخل إيران ثم روسيا للدفاع عن مصالحهما ونفوذهما.

الثاني، أيضا، فاجأ حلفاءه في أميركا والغرب، بأنه قرر البقاء والقتال. سمعنا كثيرا في بداية الحرب الروسية في أوكرانيا عام 2022، أن أميركا وحلفاءها عرضوا عليه المنفى، لكنه قال إنه يريد السلاح وليس بطاقة سفر. وسمعنا أيضا أن مسؤولين غربيين قالوا إنه لولا قرار زيلينسكي البقاء في كييف والقتال، ما كانت أميركا وحلفاؤها قادرين على دعمه عسكريا واستنزاف روسيا وإيصال “رسائل” إلى الصين التي تضع عينها على تايوان.

الأول، مدين للرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالوجود في هذه القاعة. دمشق، لها رأي آخر، مفاده ان بوتين هو المدين للأسد بالعودة القوية إلى الشرق الأوسط من منصة سوريا. الوجود في منصة عربية، بفضل أسباب بينها الدعم الروسي بما في ذلك الجهود التي قادها بوتين لإقناع دول عربية بالتطبيع مع سوريا. سمع العرب الصوت الروسي، لأسباب كثيرة، بينها “النصر” في سوريا و “التراخي” الأميركي.

الثاني، (زيلينسكي) عدو عنيد لحليف الأول، ذات الشخص (بوتين). الرئيس الأوكراني جاء إلى قمة عربية كي يحشد ضد “الغزاة الروس”. ومن المفارقات، أن الهجوم الدبلوماسي الذي شنه زيلينسكي على الرئيس الروسي من منصة القمة العربية، كان خلال توجهه الى اليابان للحصول على “الدعم العسكري” من “السبع الكبار”. الاطلالة الخطابية، من الرئيس-الممثل، ما كانت لتقابل من الأسد إلا بخيارات صعبة, الانسحاب من أول قمة يحضر فيها منذ 12 سنة، وهو أمر صعب. القبول بعبارات زيلينسكي ضد “القيصر” الروسي، أمر مكلف. يمكن البقاء في القاعة دون الاستماع. حل دبلوماسي.  لابد من القول، ان العلاقات الدبلوماسية بين دمشق وكييف مقطوعة. الاولى تعترف باستقلال “اقاليم” الشرق” الاوكراني. الثانية، حاولت شن هجمات سرية على الخصم الروسي، من “اقليم” الشرق السوري.

واقع الأمر أنه منذ تدخل روسيا في أوكرانيا، هناك تداخلات كثيرة بين “الملفين” السوري والأوكراني. مرتزقة، صفقات، مسيّرات، تفاهمات، اتفاقات، طائرات، منظومات، عقوبات، شراكة روسية– إيرانية، صفقات روسية- تركية، صراعات وتفاهمات أميركية- روسية، اختبارات روسية- إسرائيلية.. بين هذه الحسابات: روسيا بحاجة إلى تركيا في أوكرانيا، وتريد موسكو إرضاء أنقرة في إدلب السورية.

تفصيلا، لا مانع لبوتين من أن تتخلى دمشق عن إدلب وجيوب في شمال سوريا، لصالح أردوغان، مقابل تفاهمات روسية– تركية تخص “حلف شمال الأطلسي” (الناتو) وعضوية السويد والصفقات بين موسكو وأنقرة حول المفاعلات النووية والتجارة والسياحة. ولا مانع أن يطبّع الأسد مع أردوغان ويلتقيا وجها لوجه، طالما هذا يساعد الرئيس التركي حليف “القيصر” الروسي، في الفوز بالانتخابات، حتى لو كان هذا دون انسحاب أو وعد أو جدول زمني بالانسحاب التركي من سوريا. هذا، كان واضحا في كلام أردوغان: مستعد للقاء الأسد والتعاون ضد الإرهاب، لكنه لن ينسحب من سوريا.

من هنا، جاءت رسالة الأسد إلى الدول العربية من منصة قمة جدة. هجوم على أردوغان، إذ حذر من “خطر الفكر العثماني التوسعي المطعم بنكهة إخوانية منحرفة”، في إشارة إلى جماعة “الإخوان المسلمين” التي يُنظر إليها على أنها عدو لدمشق وعدد من الدول العربية الأخرى.

لهذه الكلمات صدى عربي إيجابي. بداية، هناك اعتقاد بأن تقوية “النظام” أو “الدولة” في سوريا، ستشكل سدا أمام تدفق النفوذ التركي من الجبهة الشمالية والتوغل الإيراني من الجبهة الشرقية. وهناك اعتقاد بأن دعم النظام العلماني في دمشق، هو حاجز أمام “الإخوان”. وهناك اعتقاد بأن تقوية “الدولة” ستضعف على المدى الطويل، النفوذ الإيراني والميليشيات التابعة لها.

رسائل الأسد من المنصة العربية، ضد “العثمانيين” و”الاخوان”، مفهومة. لكنه أعقبها برسائل تخص الدور العربي. سوريا هي “قلب العروبة” وبالتالي، فإنها لم تذهب إلى “الحضن العربي” لأن انتماءها “عربي”، ما يعني أن العرب عادوا إلى “القلب” وليس أن سوريا ذهبت إلى “حضن” عربي، لأن المرء، كما الدول والأنظمة، ينتقل من حضن إلى آخر “لسبب ما”. هذه ليست شيمة سورية، ذلك أن “ماضي سوريا وحاضرها ومستقبلها هو العروبة”، في إشارة إلى إيران، التي زار رئيسها إبراهيم رئيسي، قبل أسبوعين دمشق، في محاولة للحصول على تنازلات سيادية من الأسد في العسكر والثروات والنفط في سوريا، التي تضع دول عربية عينها عليها فيما يتعلق بالإعمار والأمور الجيوسياسية. هذه رسالة، مضمرة ثانية.

قد يقال الكثير في تفسير الكلمات والتصريحات، الآتية من الأسد، حليف بوتين وخصم الغرب، وزيلنسكي خصم بوتين وحليف الغرب. في النهاية، عاد الأسد إلى دمشق عاصمة سوريا المقسمة إلى ثلاث “دويلات”: شرقية، وشمال غربية، وغربية جنوبية، التي يعاني أهلها من الخراب واللجوء والنزوح والهجرة والعقوبات، عالقين في مخالب “حرب الوكالة” عبر جيوش قوى دولية وإقليمية كبرى. زيلينسكي ذهب إلى قمة “السبع الكبار” في اليابان، قبل أن يعود إلى كييف، عاصمة دولة قسمت إلى “دولتين”: شرقية، وغربية، يعاني أهلها من الخراب والنزوح واللجوء والهجرة، عالقين في “حرب الوكالة” عبر جيوش وذخائر وأسلحة.

“رسائل عربية” من الأسد و زيلنسكي الى الأعداء والحلفاء على حد سواء.

—————————————

“رهان” العرب على الأسد والأمريكيين على الوقت… والنظام على الإفلات من العقاب/ عاصم الزعبي

في التاسع من الشهر الجاري، صدر بيان مشترك للرئيس الجمهوري للجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأمريكي، مايك ماكول، والعضو الديموقراطي في اللجنة، جورج ميكي، يقولان فيه إن “إعادة سوريا إلى مقعدها في الجامعة العربية خطأ إستراتيجي فادح سيشجع الأسد وروسيا وإيران على الاستمرار في ارتكاب المجازر بحق المدنيين وزعزعة استقرار الشرق الأوسط”.

يوم الجمعة الماضي، في 19 أيار/ مايو الجاري، انعقدت القمة العربية الثانية والثلاثون في جدة في السعودية واختتمت أعمالها بحضور الرئيس السوري بشار الأسد، لأوّل مرة منذ العام 2011، على إثر تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية على خلفية حملة القمع الوحشية التي قادها الأسد ضد الشعب السوري، والتي أدت إلى قتل واعتقال عشرات الآلاف، وتشريد ما يزيد عن 11 مليون سوري بين لاجئ ونازح.

والأسئلة المطروحة اليوم هي: هل من خلاف عربي أمريكي حول مسألة التطبيع مع سوريا؟ وهل تتجه الدول العربية نحو تعقيد علاقتها بأمريكا وتخريبها كرمى لعيني الأسد، أم وراء الأكمة ما وراءها؟

التطبيع في الميزان الأمريكي

في العام الماضي، لم تفلح مساعي الجزائر وبعض الدول في إعادة سوريا إلى الجامعة العربية، لكن خلال الأشهر الأخيرة أخذت الأمور منحى مختلفاً، وذلك من خلال الجهود التي قادتها السعودية لإيجاد توافق حول هذه العودة، وسط خطاب سعودي يتبنى فكرة تفكيك أزمات المنطقة العربية في ظل التغيرات الإقليمية والدولية المتعددة، والتي كانت من أبرزها عودة العلاقات السعودية الإيرانية، التي تركت أثراً واضحاً في الملف السوري، بالإضافة إلى “رغبة السعودية في إيجاد استقرار مستدام يحقق مصالحها ومصالح الدول العربية والإقليمية”، على ما يقول مسؤولوها.

لذا، لم يكن حضور الأسد في قمة جدة هذا العام وليد الصدفة، بل تتويجاً لخطوات تطبيعية من عدد من الدول العربية مع نظامه امتدت إلى نحو عامين، وتكللت مطلع الشهر الحالي باستعادة سوريا مقعدها في الجامعة بعد اجتماع عمّان الخماسي، واجتماع وزراء الخارجية العرب قبل موعد القمة بأيام عدة.

طوال مسيرة التطبيع تلك كان موقف الولايات المتحدة الأمريكية، والمجتمع الغربي بشكل عام، رافضاً لما يجري، لأن التطبيع مع الأسد غير ذي جدوى، ولأن الإدارة الأمريكية تشكك في وجود نية لدى الأسد في تغيير سلوكه أو القبول بالتوصل إلى حلّ سياسي للأزمة السورية وفق القرارات العربية، وخاصةً القرار 2254 الصادر عن مجلس الأمن الدولي.

إنضمّ/ي

وأكدت الولايات المتحدة، على لسان العديد من مسؤوليها، خاصةً بعد قرار وزراء الخارجية العرب إعادة سوريا إلى مقعدها في الجامعة العربية، أن “الأسد لا يستحق أن يتم تطبيع العلاقات معه على إثر النهج الدامي الذي اتّبعه في مواجهة السوريين”.

تقول المتحدثة الإقليمية باسم وزارة الخارجية الأمريكية إليزابيث ستيكني، في حديث خاص إلى رصيف22: “لا نعتقد أن سوريا تستحق استعادة مقعدها في جامعة الدول العربية. لقد أوضحنا هذه النقطة لجميع شركائنا الإقليميين، لكن لديهم الحرية في اتخاذ قراراتهم بأنفسهم. أما نحن فموقفنا واضح، لن نقوم بتطبيع العلاقات مع الأسد ومع ذلك النظام”.

ربطت الإدارة الأميركية، خلال النقاشات الدبلوماسية مع الدول العربية، أي تطبيع بالتوصل إلى حل سياسي في سوريا، وتؤكد ستيكني ذلك بقولها: “لن نقوم بتطبيع العلاقات مع نظام الأسد ما لم يحدث تقدم حقيقي نحو حل سياسي للصراع الأساسي. لقد أكدنا للشركاء الإقليميين المنخرطين مع النظام السوري أن الخطوات الموثوقة لتحسين الوضع الإنساني وحقوق الإنسان والأمن للسوريين يجب أن تكون محور ذلك الانخراط”.

وشددت ستيكني على الموقف الأمريكي القاضي بأنه “لا ينبغي السماح لسوريا باستعادة مقعدها في جامعة الدول العربية، لكن بكل تأكيد فإننا لسنا أعضاء في الجامعة، ومثل هذا القرار هو من اختصاص أعضائها”.

يشير الباحث والمحلل السياسي، الدكتور نصر اليوسف، لرصيف22، إلى أن “الواضح في التوجه الأمريكي، خاصةً من خلال مشروع القرار الذي يجري إعداده حالياً لمنع التطبيع مع النظام السوري، أن الولايات المتحدة جادة في عزل الأسد ومنع التطبيع معه، وستعاقب كل من يتعاون مع النظام، وهذه العقوبات تستهدف الشركات التي تتعامل مع النظام، والكل شاهدوا كيف فرضت الولايات المتحدة والغرب في اجتماع مجموعة السبع الأخير عقوبات إضافيةً على روسيا، وهذا لن يكون صعباً في ما يتعلق بسوريا”.

من جهته، يؤكد الدكتور في العلاقات الدولية والسياسات، خالد العزي، لرصيف22، أن “العقوبات على سوريا سوف تبقى وتستمر ولن تقوم أي شركة بأي عمل في سوريا، لأن السياسة شيء والاقتصاد شيء آخر”.

أهداف مشتركة… ولكن

يرى العرب أن مبادرة الـ”خطوة مقابل خطوة” التي أقرّتها الدول العربية مؤخراً في التعامل مع نظام الأسد، والتي أدت إلى عودته إلى الجامعة العربية، هي الوسيلة الأفضل لإيجاد حل للأزمة السورية من خلال التواصل بشكل مباشر مع النظام، بدلاً من استمرار عزله الذي لم يأتِ بنتيجة تُذكر خلال السنوات الماضية.

هذه المبادرة تم طرحها على الإدارة الأمريكية في العام 2021، وتحمل أهدافاً مشتركةً بين العرب والولايات المتحدة، وسط عدم قناعة أمريكية بأن يكون الأسد قادراً على الإيفاء بالتزاماته.

تقول ستيكني في هذا السياق: “نحن نتشارك في العديد من الأهداف مع شركائنا العرب في ما يتعلق بسوريا، بما في ذلك الوصول إلى حل للأزمة السورية بما يتوافق مع قرار مجلس الأمن رقم 2254 وتوسيع نطاق وصول المساعدات الإنسانية إلى جميع السوريين المحتاجين وبناء الأمن والاستقرار لضمان عدم تمكّن داعش من الظهور مرةً أخرى، وخلق أوضاع آمنة لعودة اللاجئين في نهاية المطاف، وإطلاق سراح المحتجزين ظلماً وتوضيح مصير المفقودين والحد من النفوذ الإيراني ومكافحة تهريب الكبتاغون من سوريا”.

وتضيف: “نحن نتفهم أن شركاءنا يعتزمون استخدام التواصل المباشر مع نظام الأسد للضغط والمطالبة بإحراز تقدم في هذه المجالات، لكننا نشكك في استعداد الأسد لاتخاذ الخطوات اللازمة لحل الأزمة السورية، برغم أننا نتفق مع شركائنا العرب في الأهداف النهائية”.

من جانبه، يوضح المفكر السياسي السوري، الدكتور برهان غليون، خلال حديثه إلى رصيف22، أن “هناك رغبةً عربيةً في العمل على حل الأزمة السورية السياسية، لا على مكافحة المخدرات وإعادة اللاجئين فقط، فسوريا ساحة الحرب الإقليمية اليوم في المنطقة، وبؤرة مشتعلة وليست هناك مصلحة لدول الخليج والعرب عموماً في استمرارها”.

برأيه، “من غير الواضح كيف ستنجح المبادرة العربية، أو ما إذا كانت تملك شروط النجاح مع نظام لا يهتم لمصير السوريين، بل يفضل بقاءهم في المهجر وتحت ضغط الحاجة والمجاعة المستمرة إن أمكن، ليستمر في إطباق الخناق عليهم”.

أيضاً في هذا السياق، يوضح العزي، أن العرب عندما قرروا المصالحة مع الأسد، وضعوا عدداً من الشروط التي توصل في نهاية الأمر إلى حل سياسي يؤمّن انتقالاً سلمياً للسلطة وعودةً للّاجئين السوريين، وفي مقدمة الشروط إقفال باب تجارة الكبتاغون بشكل كامل، والانفتاح على المعارضة السورية وعودة اللاجئين وتأمين سيادة الدولة السورية، والسبب في ذلك، برغم معرفة العرب بالأسد الذي أهانهم يوماً بوصفهم بأشباه الرجال، أن الابتعاد عن سوريا مفيد لإيران والأسد، واستمرار بقاء اللاجئين والمهجرين خارج مناطقهم ومنازلهم يعطي الفرصة لإيران والأسد لإجراء تغيير ديموغرافي وتجنيس الآلاف من الميليشيات التي جلبتها إيران إلى سوريا، وأيضاً هناك سبب دعا العرب للقيام بمبادرتهم وهو أن سوريا لم تعد ضمن أولويات المجتمع الدولي”.

لكن وبحسب العزي أيضاً، فإن الأسد لن يستطيع الإيفاء بتعهداته للدول العربية، فهو لن يستطيع وقف تدفق الكبتاغون، ولن يستطيع إخراج الميليشيات الإيرانية من سوريا، ولن يوفي ببقية الشروط، وإيران لن تسمح له بذلك، وهذا ما يجعله في ورطة لأن العرب لن يقدّموا له أي أموال من دون مقابل، وهناك من جهة ثانية العقوبات الأمريكية وعلى رأسها قانون قيصر.

مكافحة غير جدية للكبتاغون

كانت تجارة الكبتاغون وتهريبه الملف الأبرز خلال الآونة الأخيرة، وأحد المفاتيح الرئيسية التي أدت إلى عودة النظام إلى الجامعة العربية بعد تعهدات منه بمكافحة تهريب الكبتاغون إلى الأردن ودول الخليج، وتمت ترجمة وعود النظام باستهداف أحد مهرّبي المخدرات في الجنوب السوري، وبعض المداهمات الشكلية لمقار بعض المهربين الذين غادر أبرزهم، وهو رافع الرويّس، إلى لبنان، بتنسيق مع الأجهزة الأمنية السورية، بحسب معلومات خاصة حصل عليها رصيف22، ولكن من الواضح أن جهود الأسد في مكافحة تهريب المخدرات قد توقفت بعد ذلك.

تقول ستيكني: “يُعدّ الكبتاغون واحد من العديد من الأنشطة المزعزعة للاستقرار التي يقوم بها نظام الأسد في المنطقة. لم نشهد خطوات عمليةً من قبل النظام لوقف دوره في نشر عدم الاستقرار أو الجدية في دفع العملية السياسية على نحو مبين في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254”.

وتضيف: “بشكل عام، تعمل وزارة الخارجية مع زملائها في الوكالات الحكومية المختلفة لتطوير إستراتيجية مكتوبة لتعطيل وتفكيك شبكات تهريب الكبتاغون، كما هو منصوص عليه في قانون تفويض الدفاع الوطني لعام 2023”.

أيضاً، يرى غليون، أن “الأسد غير مهتم لمصير الدول العربية، أو الأمن والسلام فيها، بل إن تفكيره ينحصر في الاستمرار في السلطة في سوريا بالطريقة نفسها التي ورثها عن والده، ولا يعرف أو يمتلك القدرة على معرفة غيرها”، مشيراً إلى أن من يحكم سوريا اليوم فريق هستيري في تعلقه بالسلطة وكراهيته لشعبه وامتهانه له.

“لا تنازل عن المساءلة”

في سوريا، وعلى الرغم من إقرار المبادرة العربية التي تهدف كما أعلن المسؤولون العرب إلى إيجاد حل للأزمة السورية يشمل النواحي الأمنية والسياسية والتمهيد لعودة اللاجئين، إلا أن الواقع على الأرض لم يتغير، إذ لا تزال الأجهزة الأمنية التابعة للنظام مستمرةً في نهجها الذي تسير عليه منذ العام 2011 بقمع الشعب السوري، خاصةً عمليات الاعتقال التعسفي، والقتل خارج نطاق القانون.

وبالعودة إلى بيان أعضاء الكونغرس الأمريكي، فقد أشار إلى أن “الأسد لم يتغير… وسوف يستمر في ارتكاب هذه الفظائع”، متحدثاً عن “سابقة دولية” على صعيد السماح لـ”ديكتاتوريين عديمي الرحمة” بالإفلات من العقاب بانتهاء مهلة زمنية تنقضي بها مفاعيل ملاحقتهم على جرائمهم.

تؤكد ستيكني في حديثها: “لقد أوضحنا لشركائنا في جميع أنحاء المنطقة أن عقوباتنا، بما في ذلك تلك المنصوص عليها في قانون قيصر أو تلك المفروضة بموجب أوامر تنفيذية مختلفة، لا تزال ساريةً بحزم. سنظل ملتزمين بدعم تطبيق قانون قيصر، والذي تتضمن أحكامه إعفاءات وتراخيص للنشاط الإنساني. ونحن نعمل مع شركائنا العرب لحثهم على عدم القيام بأي نشاط يخرج عن تلك المعايير”.

وتشير إلى أن “الولايات المتحدة لا تزال جادّةً في محاسبة الأسد ونظامه، وستواصل حكومة الولايات المتحدة العمل على محاسبة الأسد ونظامه على فظائعهما ضد الشعب السوري، والتي يرقى بعضها إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وستظل عقوباتنا، بما في ذلك المفروضة بموجب قانون قيصر، سارية المفعول بالكامل، وهي أداة مهمة للضغط من أجل مساءلة نظام الأسد”.

وتختم ستيكني حديثها بالقول: “من دون مساءلة، لن يكون هناك حل دائم للصراع”.

العلاقة العربية الأمريكية أولاً

المصالحة العربية مع النظام السوري لم تجرِ بعيداً عن نظر الولايات المتحدة، كما جرت الأمور بالنسبة إلى العلاقات العربية الصينية، والمصالحة السعودية الإيرانية، لكن الولايات المتحدة تستمر في سياستها تجاه سوريا ومن بينها العقوبات من دون تغيير.

القمة العربية في جدة والتي حضرها الأسد، لم تكن بحسب مختصين سوى تتويج لاجتماع عمّان واجتماع الجامعة العربية في ما يتعلق بسوريا، ولا بد بحسب العزي، من انتظار كيف سيكون تعامل الدول العربية مع بشار الأسد خلال الأشهر الستة القادمة، حتى وإن بدا سقف القمة أقل من سقف اجتماع عمّان.

من جهته، يرى اليوسف أن بيان القمة لا يجب أن يتمّ أخذه على أنه شيء نهائي، فالبيان قال إنه تم تشكيل مجموعة عمل من أربعة دول بالإضافة إلى الجامعة العربية لمتابعة الملف السوري لذلك ليس من الضروري أن يتضمن البيان جميع التفاصيل، كما أن سقف القمة ليس أقل من سقف اجتماع عمّان لأن كل الكلمات والإشارات تدل على أن الدليل والمرتكز الأساسي في البيان هما اجتماعا عمّان والجامعة العربية وقرارهما بعودة سوريا.

وحول ما إذا كان هناك اختلافات بين الدول العربية والولايات المتحدة حول سوريا، يعتقد اليوسف أنه من غير الممكن أن تقدِم الدول العربية على إفساد علاقتها بالولايات المتحدة إكراماً للنظام السوري، فالولايات المتحدة تغض النظر عما تقوم به الدول العربية، لأن الدول العربية تقول دائماً إنها تعمل على الضغط على النظام السوري لتطبيق القرار 2254، وهذا لا يمكن أن يزعج الولايات المتحدة.

برأيه، “الاختلافات العربية الأمريكية حول سوريا، لا يمكن أن تقوم على مبدأ الندية أي أن تكون هذه الدول إما مع النظام السوري أو مع الولايات المتحدة، فهذا أمر مستبعد، فالدول العربية ستسير في الملف السوري إلى الحدود التي لا تغضب الولايات المتحدة ليس أكثر، ولا يمكنها أن تتجاوز أي حد بعد ذلك”.

عودة نظام الأسد بإرادة عربية ووفق مبادرة عربية لم تظهر نتائجها إلى العلن بعد، ولا الأهداف المشتركة بين العرب والولايات المتحدة من هذه المبادرة، وإن كانت الطريقة مختلفةً لدى كل منهما، وتبقى المرحلة القادمة كفيلةً بإظهار مدى نجاح المبادرة ومدى التزام الأسد من عدمه.

رصيف 22

—————————

—————————

قمة الأنظمة العربية… قمة التناقضات/ رياض معسعس

ستبقى قمة الأنظمة العربية الثانية والثلاثون في جدة قمة التناقض. ونعطي هنا صفة “جامعة الأنظمة العربية ” لأنها التسمية الصحيحة لـ”لجامعة الدول العربية” لأن هذه الجامعة التي تم تأسيسها بأياد بريطانية في العام 1946 وبهندسة وزير خارجيتها أنتوني إيدن، وكانت التسميات الأولى المقترحة “التحالف العربي” “الاتحاد العربي” “الجامعة العربية”، وانتهى التوافق في قمة الإسكندرية بين الدول السبع المستقلة آنئذ (مصر، سوريا، الأردن، العراق، السعودية، لبنان، اليمن) على أن تكون “جامعة الدول العربية”.

مفهوم الدولة

وهكذا لم تذكر الشعوب العربية أبدا في التسميات لهذا “التجمع” ومع أن مفهوم الدولة هو (أرض، وشعب، وسلطة)، إلا أن الجامعة وفي قممها لم تحل يوما مشكلات الشعوب العربية (فقر، بطالة، أمية، بنية تحيتة، مواصلات، صحة..) التي هي بالأساس من جراء سياسات وفعل الأنظمة نفسها. مع أن العالم العربي هو ثاني أكبر مساحة في العالم بعد روسيا، وفيه من الثروات المختلفة ما تجعل من الشعوب العربية أكثر الشعوب المرفهة في العالم. لكن الشعوب العربية التي لم تعد تعاني من الاستعمار بعد أن ناضلت ودفعت الدماء لتحقيق الاستقلال، اليوم تعاني من هذه الأنظمة العربية وتبحث عن الحرية والكرامة والديمقراطية والعيش الكريم، بعد أن أصبح العربي مطلوبا أمنيا من أجهزة الأنظمة التي لا تبحث سوى عن استمراريتها بشتى الوسائل حتى لو كلفها ذلك توجيه فوهات المدافع إلى شعوبها المنتفضة ضدها، أو تكديس المعارضين لها في السجون والمعتقلات.

وقد وصل الأمر بالشعوب العربية (عدا دول الخليح)، حتى التي كانت يوما مزدهرة كلبنان وسوريا والعراق يخاطرون بحياتهم وحياة أطفالهم بقوارب النجاة للوصول إلى أوروبا.

التناقض في الجامعة العربية بدأ منذ التأسيس على مستوى النظام السياسي للدول المشاركة بين أنظمة ملكية (مصر، الأردن، العراق، السعودية، اليمن)، وأنظمة جمهورية (سوريا، لبنان)، وتفاقم التناقض والمنافسات والانقسامات بين هذه الأنظمة مباشرة بعد النكبة الكبرى، وبداية الانقلابات العسكرية على الملكيات (مصر، العراق، اليمن، ليبيا)، وصارت الجامعة تضم أنظمة جمهورية تدعي التقدمية، وتعادي أو تجافي الأنظمة الملكية التي تتهم بالرجعية، وفيما بعد انقسمت أيضا بين أنظمة تطبيعية مع إسرائيل، وأنظمة تدعي معاداتها، ورغم أن النكبة الكبرى في فلسطين كانت من أكبر المآسي التي تصيب شعبا بأكمله، وتهديدا للعالم العربي ككل من قبل قوى مغتصبة للأرض إلا أن “جامعة الأنظمة العربية” لم تجتمع لمناقشة هذه النكبة الكبرى، وكل الأحداث والتحديات اللاحقة. فما بين قمة الإسكندرية الأولى في العام 1946 وقمة الإسكندرية الثانية 1964، شهد العالم العربي أحداثا جساما (حرب 48 مع إسرائيل، إنقلابات سوريا العسكرية 1949ـ 1954، سقوط الملكية في مصر 1952، حرب السويس 1956، حرب الجزائر التحريرية، وحرب تونس واستقلالها مع المغرب 1956، الوحدة السورية المصرية، 1958، سقوط الملكية في العراق 1958، الحرب اللبنانيةـ اللبنانية 1958، انفصال الوحدة السورية المصرية 1961، سقوط الإمامة اليمنية1962 وحرب اليمن1962، انقلاب حزب البعث في سوريا 1963) وإنهاء الحكم المدني الديمقراطي.

وجاءت قمة الإسكندرية بعد 18 عاما على تأسيس الجامعة وجاءت القمة بسبب حدث ورغم خطورته لكنه يعد أقل بكثير من كل الأحداث التي سبقته وهو نية إسرائيل في تحويل مياه نهر الأردن حيث جاء في البيان الختامي:

“وبعد أن بحث ما أوشكت عليه إسرائيل من القيام بعدوان خطير جديد على المياه العربية بتحويل مجرى نهر الأردن، والإضرار البالغ بحقوق العرب المنتفعين بهذه المياه، وقياماً بواجب الدفاع المشترك، وإيماناً بحق الشعب العربي الفلسطيني المقدس في تقرير مصيره والتحرر من الاستعمار الصهيوني لوطنه، أن التضامن العربي هو السبيل لدرء المطامع الاستعمارية وتحقيق المصالح العربية العادلة المشتركة، ورفع مستوى العيش للسواد الأعظم وتنفيذ برامج الإنشاء والإعمار”.

بعد 60 عاما جاء في إعلان قمة جدة، وهي القمة الثانية والثلاثون، لا يختلف كثيرا عن الإعلان السابق إذ أكد زعماء الأنظمة العربية:”

“على مركزية القضية الفلسطينية لدولنا باعتبارها أحد العوامل الرئيسية للاستقرار في المنطقة”. وأضاف “ندين بأشد العبارات، الممارسات والانتهاكات التي تستهدف الفلسطينيين في أرواحهم وممتلكاتهم ووجودهم كافة، ونؤكد على أهمية تكثيف الجهود للتوصل إلى تسوية شاملة وعادلة للقضية الفلسطينية”.

واكد الإعلان “على أن التنمية المستدامة، والأمن، والاستقرار، والعيش بسلام، حقوق أصيلة للمواطن العربي” ودعا البيان إلى حل الأزمات في اليمن، ولبنان، والسودان، لكنه لم يتطرق للأزمة السورية ولمعاناة الشعب السوري. وبين هاتين القمتين عقدت ثلاثون قمة لا تختلف بياناتها عن هذا البيان. فخلال هذه الفترة شهد العالم العربي أزمات أخرى ربما أشد وطأة على المواطن العربي من الأزمات السابقة: ثورة ظفار في عمان 1965ـ1975، حرب 67 ضد إسرائيل، سقوط الملكية في ليبيا 1969، الحرب الأردنية الفلسطينية 1970(أيلول الأسود) والانقسامات الفلسطينيةـ الفلسطينية، حرب 73 ضد إسرائيل، الحرب اللبنانية 1975ـ 1990 واجتياح الجيش السوري للبنان وضرب المقاومة الفلسطينية 1976 بتفويض من الجامعة العربية. حرب الصحراء بين المغرب والجزائر 1975ـ1991 اعتراف مصر بإسرائيل وتشكيل جبهة الصمود والتصدي وتجميد عضوية مصر في الجامعة العربية 1979، الحرب العراقية الإيرانية 1980ـ1988، مجزرة حماة الكبرى في سوريا من قبل النظام الأسدي 1982، طرد الفلسطينيين من لبنان ومجازر صبرا وشاتيلا 1982، احتلال الكويت من قبل العراق 1990، الحرب الأمريكية على العراق1991، العشرية السوداء في الجزائر 1992ـ2002، توقيع اتفاق غزة أريحا أولا في أوسلو بين الفلسطينيين وإسرائيل، واعتراف الأردن بإسرائيل 1994، حرب اليمنين 1994، اعتراف موريتانيا بإسرائيل 1999، الحرب الأمريكية على العراق وسقوط بغداد2003، انقسام السودان بين شمال وجنوب ،2011 وانطلاقة الربيع العربي وإسقاط أربعة أنظمة عربية (تونس، مصر، ليبيا، اليمن، وتبعتها انطلاقة الثورات المضادة)، وبداية المأساة السورية ومقتلة الشعب السوري وتهجيره ودمار سوريا واحتلالها من عدة دول بدعوة من النظام الأسدي. حرب اليمن وتدخل السعودية والإمارات 2014ـ حتى الآن. وأخيرا وليس آخرا حرب السودان، والأزمة اللبنانية. (لم نذكر سوى الأحداث الكبرى). وفي كل هذه الأزمات لم تحل الجامعة العربية أزمة واحدة. ولم تحقق مصالح الشعوب العربية التي ازدادت فقرا، وجهلا، وسوء معاملة، وقتلا وتهجيرا، حتى أصبحت شعوب معظم الدول العربية من أفقر شعوب العالم ومهددة بكل أمراض الجوع والتشرد.

تناقض التناقض

في تناقض التناقض لجامعة الأنظمة العربية تجميد عضوية مصر في العام 1979 ونقل مقر الجامعة إلى تونس بعد اعتراف مصر في عهد أنور السادات بإسرائيل، لكن لم يدم طويلا وقررت عودة مصر إليها في 1989، وهذا يعني ببساطة أن الباب أصبح مفتوحا أمام الأنظمة العربية الراغبة بالتطبيع مع إسرائيل دون معاقبتها، وهذا ما حصل لاحقا بتطبيع سبع دول علاقاتها مع إسرائيل.

وفي العام 2013 تم أيضا تجميد عضوية نظام الأسد بسبب وحشيته في التصدي للشعب السوري، واليوم يعود مظفرا إلى قمة جدة والجميع يعلم أن مقتلة الشعب السوري لا تزال مستمرة، ومن التناقضات الصارخة في هذه القمة دعوة الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي

( الرئيس الوحيد في القمة المنتخب ديمقراطيا ماعدا الرئيس قيس سعيد، والوحيد الذي يدافع عن بلاده بشراسة ضد الغزو الروسي) والذي يواجه بشار الأسد (غير المنتخب ديمقراطيا، ويقتل شعبه، ويدعو روسيا لإنقاذه ويبني لها القواعد العسكرية، ويعترف باستقلال الدونباسك وضمها إلى روسيا، ويدعي الممانعة والمقاومة ضد إسرائيل)…ودعوته لحضور القمة تقول بالفم الملآن أيها الأخوة في الجامعة تعالوا جميعا لوأد الربيع العربي وعلى رأسه ربيع سوريا.

كاتب سوري

القدس العربي

————————–

قمة الأسد وزيلنسكي… ومراوحة الأزمات العربية/ د. عبد الله خليفة الشايجي

علّقت في ختام القمة العربية في الجزائر منتقداً فشل مخرجات القمم العربية، مع تفاقهما بتفجر أزمات جديدة، يرسخ واقعا مؤسفا، يضعف النظام العربي.

استضافت المملكة العربية السعودية القمة 32 والخامسة منذ عام 1976! وسط أجواء احتفالية وتفاؤل غير مسبوق بتحقيق بعض التطلعات. وذلك لأننا نقوم في كل قمة بجردة مؤلمة لواقعنا المتراجع، ولأن القمم العربية تكرر مشهدا سيرياليا يستحضر الصراعات والخلافات والتباين بين أنظمتنا، أكثر مما يبطن.

تذكّر القمم العربية منذ قيام الجامعة العربية بحالة الشتات وفشل النظام العربي الاستراتيجي ببلورة مشروع جامع ضمن مفاهيم الأمن الجماعي والتحالفات. يعطي العرب بارقة أمل بأن غدنا أفضل وقدراتنا وأهدافنا موحدة، لكوننا الطرف الأكبر والأقوى والأكثر إمكانيات تؤهلنا على بلورة مشروع عربي جامع يوازن القوى الإقليمية ويردعها عن التدخل في شؤوننا والاعتداء علينا.

غايرت قمة جدة في 19 الشهر الجاري نهج القمم السابقة، وأثارت جدلا وحفلت بمفاجآت، وكرست زعامة السعودية للنظام العربي. سيذكر التاريخ قمة جدة في السعودية ـ كانت قمة إعادة الأسد بعد قطيعة 12 عاماً لجرائمه ضد شعبه المنتفض على نظامه في موجات انتفاضات الربيع العربي. وبالتالي يمكن الإقرار أن عودة نظام الأسد المثيرة للجدل والمفتقدة للإجماع العربي تدشن لحقبة جديدة بانحياز النظام العربي للأنظمة والإعلان الرسمي عن النهاية الرسمية للربيع العربي!

المثير للاستغراب بعودة النظام السوري إلى الحضن العربي أتت ببدعة «الخطوة مقابل خطوة» بلا تنازلات ولا ضمانات للالتزام بتعهدات عودة اللاجئين والانخراط بحوار وطني ومخرجات جنيف1 وقرار مجلس الأمن 2254 ـ وعودة اللاجئين الآمنة ووقف تصدير المخدرات والكبتاغون ـ ووقف دور الميليشيات والجماعات المسلحة والتحالف مع إيران! لكن الأسد كعادته يريد عودة مجانية ـ وألقى خطاباً فوقياً خيالياً شوفينياً أمام القادة والشعوب العربية مؤكداً أن سوريا قلب العروبة وفي قلبها وعن تغيير الأحضان لكن لا تغيير الانتماء! وتجاوز ذلك لينضم لمنتقدي تركيا والإخوان ـ بشن هجوم على «الفكر العثماني التوسعي المطعم بنكهة إخوانية منحرفة»! وكأن 12 عاماً من جرائمه ضد شعبه الذي حول نصفه للاجئين ونازحين، لم يغير من مواقفه وجرائمه ليعلن التوبة وطلب الغفران.

وبقي الموقف القطري المعارض للتطبيع ـ حيث أكد رئيس مجلس الوزراء القطري وزير الخارجية، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، أن الحل الوحيد لتطبيع العلاقات مع النظام السوري هو إيجاد حل شامل وعادل يرضي الشعب السوري، فالمشكلة ليست بين قطر والنظام، وإنما بين النظام وشعب عانى من ويلات الحرب على مدار الـ12 سنة الأخيرة ولا تريد الخروج عن الإجماع العربي حول هذا الموضوع، لكن يُترك لكل دولة قرارها السيادي في تطبيع العلاقات الثنائية. لهذا غادر أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد القمة قبل إلقاء الأسد كلمته ولم يعقد أي اجتماعات ثنائية.

وخطف أجواء القمة مشاركة الرئيس الأوكراني زيلنسكي القمة العربية وأعطى القمة بعداً واهتماماً دولياً، ولكن مشاركة زلينسكي قد تفسرها روسيا تخلي العرب عن موقفهم الحيادي في الحرب على أوكرانيا، وهو ما انتقده زيلنسكي بوقوف البعض على الحياد. وكان ملفتاً وجود أقرب حليف لروسيا وأكبر عدو زيلنسكي في قاعة القمة العربية في جدة، الأسد الذي يدين ببقاء نظامه لبوتين، وصوّت ضد جميع القرارات التي تدين حربه على أوكرانيا في الجمعية العامة ـ وزيلنسكي ـ تقاتل قواته بدعم الناتو الغرب القوات الروسية وجماعة فاغنر منذ 15 شهراً.

منذ قمة الجزائر 2022 ـ شنت حكومة نتنياهو السادسة، والأكثر تطرفاً وفاشية حربا سادسة خاسرة على غزة هذا الشهر. واستمرت بالتنكيل والاعتداءات الوحشية بحق الفلسطينيين في القدس المحتلة ومدن الضفة الغربية الكبرى ومخيماتها بقتل ممنهج بلا رداع ولا موقف عربي جامع وتواطؤ غربي يوقف جرائم الحرب التي يرتكبها الاحتلال في الذكرى الخامسة والسبعين للنكبة التي يطلق عليها الاحتلال الإسرائيلي «حرب الاستقلال»! الاستقلال من ماذا؟ ومعها الذكرى 56 للنكسة الخامس من حزيران/يونيو 1967! واحتلال المسجد الأقصى وتكثيف تهويد القدس وتوسع الاستيطان السرطاني، وتصعيد التنكيل والاعتداءات على الفلسطينيين.

ركزت قمة جدة على أزمات العرب المستعصية وعلى رأسها التأكيد على محورية القضية الفلسطينية وحشد الجهود لتحقيق تسوية عادلة للقضية الفلسطينية التي كرر جميع القادة العرب برغم غياب نصفهم عن حضور القمة على مركزيتها ومحوريتها، والالتزام بالمبادرة العربية لقمة بيروت عام 2002 والانحساب الإسرائيلي الكامل ـ مقابل التطبيع العربي الكامل. وأربع دول عربية خرقت ذلك الإجماع بما عرف بالاتفاق الإبراهيمي بالتطبيع مع إسرائيل بمبادرة وتشجيع إدارة ترامب عام 2020؟

وطالبت قمة جدة بتكثيف الجهود والتعاون لمنع التدخلات في شؤوننا الداخلية، ومواجهة التحديات والتعاون لحماية سيادة دولنا ومقدراتنا ومنع تحول منطقتنا لمنطقة صراعات. لكن كيف يتحقق ذلك مع تفاقم الأزمات المزمنة؟

وانضمت السودان بصراع الجنرالات، لتتراجع أوضاعها وتكبر معاناتها. وتستمر مراوحة أزمات اليمن وليبيا ولبنان وتونس والعراق وغيرها الغارقين بأوضاع سياسية واقتصادية واجتماعية ضاغطة دون حل يلوح في الأفق. ما يؤكد هشاشة الدول والنظام العربي برمته! لذلك تستمر حالة العرب بالتراجع ما يسمح للمشاريع الإقليمية غير العربية للتقدم والتدخل في شؤوننا ـ ثم تطالب القمم العربية بتكثيف الجهود للمواجهة والتصدي للتدخلات الخارجية في شؤوننا! كيف يتحقق ذلك والنظام العربي فشل على مدى ثلاثة أرباع القرن بامتلاك زمام المبادرة لتشكيل قوة بمشروع رادع يرتكز على تنسيق وتعاون جماعي حقيقي؟! ما يجعلنا نستمر بصناعة قوارير جديدة لنضع مياهنا القديمة فيها!

أستاذ في قسم العلوم السياسية ـ جامعة الكويت

القدس العربي

——————————-

القمة الحمراء… بشار في البيت العربي مجددا/ إحسان الفقيه

اعتدنا على مدى عقود أن نرى الخيبات كلون وحيد يصبغ مؤتمرات القمم العربية، التي على تكرار نسخها لم تغادر مربع التنظير وإطلاق الأمنيات الإنشائية في فضاء القاعات، تأبى حتى جدرانها أن تسمعهم صداها.

لكن قمة جدة الأخيرة، التي استضافتها المملكة العربية السعودية، كانت صبغتها حمراء، بعد أن دُعي إليها جزار الشام المسمى بشار الأسد، الذي لم يُر حاكم في عصرنا هذا يفعل بشعبه كما فعل هو، قتلا وتشريدا وقمعا وتدميرا.

وهكذا بكل بساطة، أعيد بشار إلى البيت العربي ليتم طي صفحة الماضي التي امتلأت بأنين سوري لم يزل يقرع آذان كل من لم ينسلخ من مسمى الإنسان.

وكما تم غض البصر عن جرائم هذه العائلة المنتسبة زورا إلى الأسود، حين ارتكبت مجزرة حماة التي راح ضحيتها ما بين 30 إلى 40 ألفا من المعارضين حسب اللجنة السورية لحقوق الإنسان، ودمرت ثلثي أحياء المدينة وحوالي 90 مسجدا، وشطبت عائلات بأسرها من السجلات الرسمية بعد دفنهم في مقابر جماعية، وشلالات الدم التي تدفقت في سجن تدمر تنبئ عن التوجه الدموي لهذه العصابة التي تحكم سوريا حين قتلت قرابة الألفين من الشباب غدرا.

كما تم غض البصر عن جرائم العائلة في السابق، غض البيت العربي الطرف عن جرائم بشار الأسد التي ارتكبها على مدى 12 عاما منذ اندلاع الثورة السورية، والتي فاقت كل حد، خلّف هذا الجزار مئات الآلاف من القتلى، وملايين المشردين، ومدنا منكوبة، وديارا صارت والتراب سواء، وفقرا مدقعا في كل المدن التي لا تقع تحت دائرة نفوذه.

يحتضن المجتمع العربي حاكما جعل بلاده مسرحا لحرب كونية وبالوكالة، وجعلها مرتعا لميلشيات الحرس الإيراني والميلشيات الشيعية الموالية لإيران، التي جاءت لتدافع عن مشروعها التوسعي في المنطقة باعتبار سوريا التي يحكمها الحليف الإيراني بشار، إحدى الحلقات الرئيسية في هذا المشروع، وبناء على ذلك عمل مع الميلشيات على إحداث تغيير ديموغرافي في سوريا لتوطين الموالين لإيران، وبناء المحاضن العلمية التي تعزز التشيّع.

وحتى يضمن إنقاذ عرشه من السقوط، أدخل القوات الروسية الغاشمة -الباحثة عن المياه الدفيئة – إلى سوريا لتقيم فيها قواعدها، وتجعل هذه الأرض كرنفالا دعائيا لآلات الدمار والقتل تروجها روسيا عبر السوق السوري بشكل عملي، ما حدا بنائب رئيس وزراء روسيا يوري بوريسوف بأن يقول إن الدول الأجنبية اصطفت في الطوابير لشراء الطائرات الروسية التي أظهرت قدرتها في سوريا.

على أي أساس يتم تعويم هذا القاتل الذي لا يمثل الشعب السوري، إنما يمثل فقط نظامه وأقليته الحاكمة وهو الذي اتخذ من الشعب عدوا، وآثر إبادة هذا الشعب على التنازل عن عرشه.

إن كانوا يقولون إن هذا الاحتضان لتحقيق المصالح العربية الكلية الكبرى، فإنه يحق لنا أن نتساءل: هل تمت إزالة كل العوائق أمام الوحدة العربية وتوافُق البيت العربي ولم يبق من شيء سوى أن يجلس بشار الأسد على المقعد السوري في القمة العربية؟!

هل كانت دعوة بشار للقمّة هي الثمن الذي يقبضه مقابل السيطرة على تدفق الكبتاغون إلى الأسواق الخليجية والسعودية خاصة، والذي يرعاه نظامه؟

هل هي إحدى مفردات التفاهم وإنهاء الخلافات بين العرب وإيران؟

أستطيع أن أتكهن بأي من ذلك، أو أي تفسير آخر، سوى أنها خطوة على طريق جمع شتات البيت العربي، لأن ذلك لا يمكن أن يكون على جثامين شعب بأسره تحكمة عائلة، تتخطى ممارساتها في سوريا بحق هذا الشعب كونها جرائم حرب. منذ عامين نشر موقع العربية نت تقريرا نقل فيه قول رئيس اللجنة المستقلة من أجل العدالة الدولية والمحاسبة ستيفن راب، إن الأدلة التي بحوزة اللجنة عن مسؤولية نظام الرئيس السوري بشار الأسد عن جرائم الحرب أكثر مما توفر للمدّعين في محاكمة قادة النازية أو محاكمة الزعيم اليوغسلافي السابق سلوبودان ميلوسوفيتش.

أين ذهب الإجماع العربي على ضرورة اقتران التطبيع مع سوريا بإنهاء الصراع المسلح والذهاب إلى حل سياسي يكفل تحقيق إرادة الشعب السوري وتطلعاته؟

تبخّرت كل هذه المفاهيم بعد أن طال أمد حكم بشار في سوريا بتدخل أطراف دولية، جعلت حكومات العرب تعيد النظر في قضية الشعب السوري وفق مصالح وحسابات تلك الحكومات.

ومن نوادر الدهر، أن يحضر القمة بشار والرئيس الأوكراني زيلينسكي في مكان واحد، أقرب أصدقاء بوتين وألد أعدائه تحت سقف واحد، ما جعل علامات الاستفهام تملأ أفق المجال السياسي عن هذه الخطوة الغريبة وعلاقتها بالقضايا العربية الكبرى.

قد نتفهم محاولة القيام بدور الوسيط في النزاعات الإقليمية والدولية، لكن هذه الخطوة غير منطقية بالمرة، فكيف ستحل الأزمة الأوكرانية الروسية في جامعة الدول العربية التي لا تستطيع أن تتخذ خطوة جادة واقعية في حل القضايا العربية المتراصة في طابور الأزمات!

لقد اتخذ الرئيس الأوكراني من القمة العربية منصة لمطالبة العرب بمساندة أوكرانيا، بينما يؤكد بوتين عبر رسالته على تأكيد العلاقات الروسية العربية واهتمام روسيا بقضايا العرب، فما الذي قدمته هذه القمة للأزمة الروسية الأوكرانية!

لذلك يمكن القول إن هذه الدعوة لا تخلو من مجاملة لأمريكا والاتحاد الأوروبي (حلفاء أوكرانيا) لتكون مكافئا لدعوة بشار (حليف روسيا) والذي يتحفظ الغرب على تطبيع الدول العربية معه.

لقد مرّ الأسد على جثامين السوريين في طريقه إلى قمة جدة، التي أطاحت بآمال السوريين في البقية الباقية من النخوة العربية، جاء ليكتب شهادة وفاة الثورة السورية والحقوق السورية بإجماع عربي.

حرص بشار في هذه القمة الحمراء على أن يختصر أزمات العرب في الادعاء بوجود مشروع عثماني مطعم بالفكر الإخواني، في محاولة لخلق اصطفاف عربي ضد تركيا التي تقف في حلقومه وفرضت أوضاعا في الشمال السوري يفرضها أمنها القومي تحول بينه وبين السيطرة على بقية أنحاء البلاد، ودعّمت المعارضة السورية كما فعل العرب في بادئ الأمر.

يتحدث بشار عن مشروع عثماني، رغم أن تركيا ورثة العثمانيين تشهد أنزه تجربة ديمقراطية في المنطقة، ونظامها لا يقتل شعبه، وتقيم علاقات طيبة مع الدول العربية.

يتحدث بشار عن مشروع عثماني ليس له أمارات، بينما يغض الطرف عن مشروع إيراني في العراق وسوريا واليمن ولبنان، ويحتل جزرا إماراتية، وسجله حافل بالقلاقل والفتن والاضطرابات التي أحدثها في المحيط الخليجي خاصة.

سنتذكر جميعا وخاصة الشعب السوري، أن بشار الذي أعيد إلى الحاضنة العربية في قمة جدة، قد خطا إليها على دماء السوريين، وصافح حكام العرب ولم يغسل يده بعد من دم الشعب السوري، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

كاتبة أردنية

القدس العربي

—————————-

قمة جدة: «أخلاق» الأسد ومكاسب العرب!

رأي القدس

عملت الرياض، بشكل حثيث، على جعل القمة العربية الأخيرة، دليلا جديدا على فاعلية «القوة الناعمة» للدبلوماسية السعودية، وإظهارا لمكانتها القيادية في العالم العربي.

أهم مظاهر هذه الفاعلية، حسب منظمي اجتماع القمة، كانت استطاعة السعودية التغلّب على الخلافات العربية حول إعادة مقعد سوريا إلى نظام بشار الأسد، وقد تمكنت الرياض من ذلك، عبر مسار ساهم فيه الأردن، أحد المتضررين الكبار من عمليات تهريب المخدرات القادمة من سوريا، والذي يستضيف قرابة 670 ألف لاجئ سوري، وشاركت فيه مصر، الدولة المقرّ لـ«الجامعة العربية» والعراق، القريب سياسيا من نظام دمشق، وبذلك نجحت فيما لم تستطع فعله الإمارات والجزائر، المتحمستان لعودة نظام بشار الأسد، وكذلك تونس، التي انضم رئيسها قيس سعيّد لهذا المسار لأسباب داخلية وخارجية.

معلوم أن هذه الخطوة كانت في حاجة لإجماع عربي، حسب قوانين الجامعة، وكانت مسألة إشكالية وتواجه معارضة من قبل عدة دول عربية، على رأسها قطر، التي كرّر مسؤولوها، قبل الاجتماع، أنها لن تكون عائقا بوجه الإجماع العربي، لكن موقفها من النظام السوري لم يتغير، وأنها تربط ذلك بالتقدم في الحل السياسي الذي يحقق تطلعات الشعب.

المقصود من ربط الموقف القطري التطبيع مع النظام بـ«معالجة جذور الأزمة التي أدت إلى مقاطعته» هو ألا تكون عودته إلى «الجامعة العربية» مكسبا مجانيا يقوم نظام الأسد بالتعويل عليه، كما فعل دائما، لتوظيف ما يصله، من أموال أو أفعال سياسية، في تدعيم منظومته الأمنيّة ـ العسكرية، وضمان استمرار كرسيّه، وقمعه للسوريين.

خطاب رئيس النظام السوري، في قمة جدّة، أمس، كان دليلا فاقعا على أن الأسد اعتبر ما حصل انتصارا مجانيا، وأنه سيقوم بتوظيفه ضمن المنطق الذي حكم فيه سوريا منذ عام 2000.

أعاد الأسد، على مسمع القادة العرب الحاضرين، خطابا إنشائيا، استخدم فيه سجع «الأمل والعمل» و«الأعراض والأمراض» قاصدا في تكراره لاستعارات الطب والأمراض، تذكير الزعماء الحاضرين بكونه طبيبا. لم يبد على الأسد أي انتباه يذكر بالتناقضات الفظيعة التي عج بها خطابه، الذي انتقد فيه الليبرالية الغربية والفكر «العثماني التوسعي» وطالب بـ«منع التدخلات الخارجية»!

لم يستطع الأسد، بعد 12 عاما من تكرار اتهام العالم والعرب بالتآمر على سوريا، أن يجد خطأ واحدا يستحقّ الذكر وقع فيه نظامه، ولأن الطبع يغلب التطبع، فإن الأسد، الذي شكر السعودية على استضافته، أضاف ما يمكن اعتباره تمنّنا على مستضيفيه، بالتأكيد على أن «سوريا قلب العروبة» وأن «الأحضان عابرة» وهو ما يعني، في عرف الأسد، أنه لا يأبه، في النهاية، بما يسمى «العودة إلى الحضن العربي» لأن العروبة هي ملكيّة خاصة للنظام السوري، يوزعها على من يريد!

مفهوم طبعا، أن ينتقد الأسد، المقيّد بالسلاسل العسكرية والاقتصادية الروسية، «الليبرالية الغربية» وأن يركز المحكوم بنفوذ إيران، على «التوسع العثماني» (وليس التركيّ لأن التاريخ لديه توقف عند السلطنة العثمانية) وأن يتحدث «الرئيس» الذي لا يحكم بلاده، المقسمة بين عدة جيوش وميليشيات، عن «منع التدخلات الخارجية إلا التي نقوم بطلبها» على حد قوله.

محاضرة الأسد على الزعماء العرب عن «الأخلاق والمبادئ» دليل على انفصال تامّ عن الواقع لمسؤول تسبّب في كارثة كبرى لشعبه بمقاييس التاريخ المعاصر، وإذا أخذنا جانبا واحدا منها، وهو عدد اللاجئين والنازحين، سنجد قرابة 7 ملايين نازح داخل البلاد، وقرابة 8 ملايين لاجئ في العالم.

واضح من خطاب الأسد أنه يرى في إعادة تمليكه مقعد سوريا في «الجامعة العربية» أداة جديدة تمكّنه من الاستمرار في المسار نفسه الذي أدى للمقتلة المهولة للسوريين، والشتات الواسع لهم، والدمار الكبير للمدن والبلاد، وبدلا من «احتواء» العرب له، ومحاولة خفض نفوذ إيران، وضبط صناعة المخدرات، وهي المبررات التي استخدمت لإعادته إلى «الجامعة العربية» فإنه سيستخدم اللاجئين والمخدرات، إضافة إلى مقعده في الجامعة، لابتزاز المنظومة العربية، وتمرير الأجندات الروسية والإيرانية.

—————————–

من «القمة» إلى «المناخ»: موسم التطبيع مع الأسد؟

رأي القدس

 بعد 12 عاما من تجميد عضويته، قررت الجامعة العربية إعادة النظام السوري وجميع المنظمات والأجهزة التابعة له إليها اعتبارا من 7 أيار/مايو الماضي، ووجه ملك السعودية، سلمان بن عبد العزيز، دعوة لرئيس النظام بشار الأسد، لحضور القمة العربية التي ستعقد يوم الجمعة المقبل في جدة، وردّ النظام، على لسان وزير خارجيته فيصل المقداد (الذي حضر، أمس، للمرة الأولى منذ اندلاع الثورة السورية، اجتماعا تحضيريا للقمة في السعودية) بالإعلان عن قدوم الأسد لتلك القمة.

تزامنت الضجة التي رافقت إعادة النظام ودعوة رئيسه إلى السعودية، مع دعوة أخرى وجهتها الإمارات للأسد لحضور قمة المناخ للأمم المتحدة «كوب 28»، التي ستعقد في تشرين ثاني/نوفمبر في مدينة دبي. القمّة الأولى، ستكون، بهذا المعنى، تطبيعا للمنظومة العربية مع نظام الأسد، فيما ستكون الثانية محاولة من أبوظبي، للتطبيع العالمي معه.

ردود الفعل الغربية على موجة التطبيع العربية كانت واضحة، فقد أصدرت الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، في آذار/مارس الماضي بيانا أكدت فيه على عدم تطبيع العلاقات مع النظام قبل إحراز تقدم حقيقي ودائم نحو حلّ دبلوماسي يتوافق مع قرار مجلس الأمن 2254، ويستند إلى العدالة والمحاسبة، إضافة إلى عدم تمويل إعادة إعمار الأضرار التي تسبب بها النظام خلال النزاع، وعدم رفض العقوبات المفروضة عليه، وسبق ذلك إعلان الاتحاد الأوروبي رفضه للتطبيع، ولإعادة الإعمار، ولرفع العقوبات.

رغم إعلان قطر عدم رغبتها في «الخروج عن الإجماع العربي» في موضوع تسليم مقعد سوريا للنظام، فإن رئيس مجلس الوزراء، وزير الخارجية، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، أكد أن «الحل الوحيد» للتطبيع مع النظام، هو «إيجاد حلّ عادل وشامل للمسألة في سوريا»، بما يضمن «عودة آمنة للاجئين، وإيجاد حل سياسي وفق قرار الأمم المتحدة 2254».

هل يمكن اعتبار عودة النظام إلى جامعة الدول العربية سببه أن «الأسد ربح المعركة في سوريا حين حسمها عسكريا»، كما قال أحمد أبو الغيط، الأمين العام للجامعة، أم أنها «انتصار» دبلوماسي للسعودية، التي نجح وليّ عهدها، محمد بن سلمان، فيما لم يستطع فعله الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، بالتنسيق مع الرئيس الإماراتي محمد بن زايد، خلال القمة العربية السابقة (تشرين ثاني/نوفمبر الماضي)، وهل يمكن لهذين «الانتصارين» السياسيين أن يسمحا بتجاوز قرارات الأمم المتحدة، والقفز على حل عادل للقضية السورية، وجرّ المنظومة الدولية إلى التطبيع مع النظام؟

الحقيقة أن هناك قضايا كبيرة تهمّ الدول العربية فيما يخص الشأن السوري، وأغلب هذه القضايا لا تذكر في البيانات والتصريحات السياسية والمؤتمرات الصحافية، ومنها قضية صناعة المخدرات وتهريبها من سوريا ولبنان عبر الأردن والعراق نحو الخليج العربي والسعودية، وقضية الميليشيات الإيرانية العاملة على الأراضي السورية، ثم قضية عودة اللاجئين، ولعلّ القضايا الكبرى التي تهم السوريين أنفسهم، وأهمها العمل على إنجاز حل سياسي يؤمن العدالة للشعب السوري، ومحاسبة النظام على جرائمه المهولة التي لا تشغل المنظومة العربية (ما دام أمين الجامعة يتحدث عن «انتصار عسكري» على الشعب)، بل إن أغلبها يعتبر الأسد، ونظامه، أمثولة كبيرة على الشعوب العربية أن تفهمها كي لا تعاود الثورات من جديد!

———————–

========================

تحديث 19 أيار 2023

—————————-

العزلة الشرط الأنسب لنظام الأسد/ راتب شعبو

جرّبت جامعة الدول العربية، في مارس/ أذار 2013، لأول مرة في تاريخها، وتحت تأثير قوة احتجاجات شعبية عربية غير مسبوقة، وتأثير قوة ضغط خارجي، أن “تحتضن” في قمتها تمثيلاً لسورية أخرى، غير التي يمثلها نظام الأسد، فسمع الرؤساء والملوك والأمراء العرب في قمتهم في الدوحة كلاماً ثقيلاً على نفوسهم من الممثل السوري معاذ الخطيب، الذي كان قد استقال من منصب رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية قبل يومين فقط، احتجاجاً على تخاذل العرب أنفسهم والعالم عن دعم الانتفاضة السورية، بحسب تصريحه. وجه الخطيب حديثة للزعماء العرب قائلاً “اتقوا الله فلا خير فيكم إن لم تسمعوها، اتقوا الله في شعوبكم وحصّنوا بلادكم بالعدل”، وطالبهم بالإفراج عن المعتقلين السياسيين في بلدانهم. كان هذا صوتاً نشازاً لم تألفه القمم العربية، وكانت تلك المرّة الأولى والأخيرة التي “تخطئ” فيها الجامعة العربية وتستقبل ممثلاً في القمّة لا يشبه زعماء عديدين في فساده وقمعه، فيمتلك لذلك الجرأة على قول كلامٍ كالذي سمعوه في قاعةٍ تكثر فيها مظاهر الفخامة والأبهة، ويغيب عنها الصدق والضمير. هكذا كان من الأيسر لجامعة الدول العربية، بعد ذلك، أن تواصل عقد مؤتمرات القمة بمقعد سوري شاغر، على أن تضمّ صوتاً “شعبياً” لا غاية لهذه المؤسّسة أصلاً سوى تغييبه.

يوجد ترابط أكيد بين غياب الصوت الشعبي عن جامعة الدول العربية المكوّنة من أنظمة سياسية تقوم على الفساد والقمع والضعف الاقتصادي وقوة حضور وتأثير الصوت غير العربي فيها، فتكون المؤسّسة العربية هذه ضعيفة في وجه الخارج. وقد كان مما يدعو إلى التأمل أن الجامعة التي تريد “احتضان” نظام الأسد لإبعاده عن إيران، كما تقول، راقبت مراقبة العاجز زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى دمشق، الزيارة التي حصلت بين موعد لقاء عمّان لوزراء خارجية عرب يمهدون لعودة كرسي سورية إلى نظام الأسد، وموعد لقاء وزراء الخارجية العرب في القاهرة الذي قرّر، عقب زيارة الرئيس الإيراني، “استئناف مشاركة وفود الحكومة السورية في اجتماعات مجلس جامعة الدول العربية”. أي أن إيران جاءت تعزّز العلاقات السياسية والاقتصادية والأمنية مع نظام الأسد، على الإيقاع المتسارع لخطوات جامعة الدول العربية من أجل عودة “سورية” إلى الجامعة.

لا ينبغي البحث عن أي تنافر في هذا الواقع. جاء الرئيس الإيراني يحتفل بالانتصار، وقد نشرت صحيفة الأخبار اللبنانية القريبة من النظامين الإيراني والسوري، في تغطيتها الزيارة، ملفاً بعنوان (إعلان الانتصار الإيراني – السوري)، معتبرةً أنها بغرض تدشين “شراكة السلم” بعدما شارفت شراكة الحرب على النهاية (هل شارفت فعلاً؟). أما جامعة الدول العربية فإنها تكمل ما أنجزته إيران على الأرض في دعمها العسكري وغير العسكري لنظام الأسد، الدعم الذي ساهم مساهمة كبيرة في حماية طغمة الأسد من السقوط. فتح أبواب الجامعة أمام نظام الأسد لا يبدو، والحال هذه، سوى اعتراف لإيران بصحّة سياستها القائمة على معاكسة تامة ومتواصلة وجدّية للقرار “العربي”. أو بكلام آخر، استطاعت إيران في وقوفها الجدّي والحازم مع الطغمة الأسدية، أن تُظهر للعالم أن القرار العربي بتعليق عضوية سورية في الجامعة قرار ضعيف الأثر والقيمة، وأن تظهر للأنظمة العربية أن قرارها خاطئ، وأن تجعلها تتراجع عن هذا القرار بعد حوالي 12 سنة، ارتكب فيها نظام الأسد ما ينبغي أن يجعل الجامعة، إذا أرادت أن تنسجم مع قرارها الأول، أن تنتقل من تعليق العضوية إلى الطرد وليس إلى العودة عن القرار. غير أن القرار الأول بتعليق عضوية سورية في الجامعة لم يكن في أي لحظة منسجماً مع طبيعة الأنظمة السياسية التي تشكّل هذه الجامعة، والتي تنسجم في الواقع مع طبيعة نظام الأسد القمعية والفاسدة.

الانحياز لصالح الاحتجاجات الشعبية ولصالح الضحايا ضد الجلادين، ليس من طبيعة أعضاء جامعة الدول العربية. هذا ما يفسّر لنا المأزق الذي وجدت الأنظمة العربية نفسها فيه، أي اضطرارها، تحت ضغط قوة احتجاجات السوريين وديمومتها، كما تحت ضغط الموقف الأوروبي والأميركي، للوقوف (حتى لو كان على نحو شكلي فقط) ضد نظامٍ من طينتها، يقمع حركة احتجاج تطالب بالديمقراطية والشراكة السياسية وكسر احتكار الدولة. من يجد نفسه في مأزق سوف يبحث عن مخرج، ولا مخرج من هذا المأزق سوى في العمل على تحويل الحراك الاجتماعي في سورية إلى صيغةٍ غير تحرّرية بحيث تنسجم في طبيعتها هذه مع مضمون الأنظمة العربية، أو في الرجوع عن الموقف.

أنجزت الأنظمة العربية ما تيسّر لها من قتل اللب الديمقراطي في الثورة السورية، ولكن عوامل عديدة كان من بين أهمها تضارب مصالح هذه الأنظمة ولا جدّية الدول التي أعلنت دعمها الثورة السورية، مقابل جدّية الجبهة المساندة للنظام وتماسكها، أدت إلى الواقع الذي وصلت إليه سورية، حيث تمكّن نظام الأسد من البقاء وإن بسيادة وأرض منقوصتيْن. لم يتبق أمام الأنظمة العربية إذن سوى العدول عن “الخطأ” والانسجام مع طبيعتها التي تفرض عليها الإعجاب الضمني بقدرة “شقيقها” السوري على الصمود ولو على جثة البلاد.

مع ذلك، لا نعتقد أن هذا المآل كان في منظور أعضاء جامعة الدول العربية حين اتخذوا قرار تعليق عضوية سورية. نستطيع أن نقول إن هؤلاء كانوا ينتظرون نتيجة أخرى لم تتحقق، لأن هؤلاء متضاربو المصالح والرؤى، فضلاً عن أنهم، بخلاف “حلفاء” النظام الذين يدعمون قوة مستقرّة وموحّدة إلى حدٍّ لا بأس به، يدعمون قوىً مرتجلةً ومتنافرةً تنافر توجهات داعميها. ونعتقد أن السنوات التي فصلت بين تبنّي قرار تعليق العضوية والعودة عنه، غيرت الكثير في بنية النظام السوري وفي طبيعة علاقته بالمجتمع السوري، فقد أصبح من الإجرام والتجاوزات والاستغناء بعوائد الكبتاغون، يجد في العزلة الشرط الأنسب لاستمراره. وهو ما سيجعل من عودته إلى جامعة الدول العربية عبئاً عليه، ذلك أنها ستكون محلاً لتذكيره بالشروط التي وضعتها للعودة، ولا سيما أن الجامعة لم تتجاوز قرار مجلس الأمن 2254 الذي يطالب بكسر احتكار الدولة السورية. وهذا ما يفسّر عدم ترحيب النظام بقرار الجامعة بعودته إلى مقعد سورية، ورفضه تقديم تنازلاتٍ مقابل العودة.

العربي الجديد

—————————-

الأمل الخارج من معاناة/ فايز سارة

ثمة تحركات عربية، تبدو وكأنها خارج المعتاد، إذا اعتبرنا خلاصات العقد العربي الماضي، هي المعتاد بما حملته من وقائع وسياسات ومحن عربية شديدة القسوة، سواء في الواقع الإجمالي للحالة العربية، أو في الواقع الداخلي في أغلب البلدان، وما أصابها، ودفع بسكان بعضها للعيش في ظروف بعضها أكثر مما يستطيع البشر احتماله.

تحركات بعض العرب تتواصل، وهي ما زالت متواضعة في خطواتها، مقارنة بما هو مطلوب، لكنها تلامس الجوهري في الاحتياجات العربية، التي يظهر أبرزها في إعادة ترتيب أوضاع وعلاقات العرب، وتشمل مستويين، أولهما العلاقات مع دول الغير في المستويين الإقليمي والدولي، والثاني، ترتيب العلاقات البينية، التي تصل بين الدول العربية بصورة جماعية أو عبر علاقات ثنائية أو أكثر.

وترتيب العلاقات في المستويين، يتطلب من الحراك العربي الذهاب في سياسات جديدة، جوهرها تواصل مع الجميع على قاعدة تطوير العلاقات وتصفير المشاكل، ووضع ما هو صعب الحل منها على قاعدة البحث المشترك عن حل أو تجزئة المشكلة، وإيجاد حلول لأجزائها، ويضاف إلى تصفير المشاكل، نهج آخر، أساسه الانفتاح المتبادل على البلدان، وخاصة لتطوير مرور الأشخاص والسلع، بما يلبي مصالح مباشرة ومتبادلة للدول والشعوب في الأقل منها الاستفادة من الإمكانات والقدرات المتاحة.

ولا يعني الاعتماد على المصالح المادية المتبادلة سبباً لتقوية العلاقات، تجاهل المشتركات الثقافية والحضارية، التي تقوي وتعزز علاقات العرب مع الآخرين وفيما بينهم. فهذه اليوم صارت بعضاً من بوابات التقارب والتفاعل، التي تشد البشر إلى بعضهم، وتفتح الأبواب على سعتها لمعالجة مشاكل خطرة في عالم شديد الهشاشة.

ولعل نظرة إجمالية للحراك العربي، تبين بعضاً من متغيرات بدأت تظهر في خريطة العلاقات العربية، التي لا شك أنها تحتاج إلى تركيز خاص على سلبيات الواقع العربي، وقد عززت بعضها سنوات العقد الماضية، وجعلتها ظواهر تحتاج إلى علاج جدي لا يمكن تأجيله، أولها ضغوطات ومخاوف أمنية وخنق للحريات وانتهاك لحقوق الإنسان، وقد كانت بين أسباب ثورات الربيع العربي، والثاني ما ترتب على تحول الثورات إلى صراعات داخلية عنيفة، ولها اختلاطات إقليمية دولية في عدد من البلدان العربية، دفعت ملايين النازحين والمهاجرين، وقسمت البلدان العربية قسمين، الأول يصدر لاجئين ومهاجرين، والآخر يستقبل ما استطاع منهم، وهذا ساهم في إذكاء ظواهر الفقر والمشاكل الاقتصادية والاجتماعية في أغلب البلدان بما فيها بلدان البحوحة، التي أصابتها ولو بصورة أقل آثار من نشاطات جماعات التطرف والإرهاب من جهة، ومن تداعيات الصراعات المسلحة، التي اجتاحت بلداناً بينها سوريا والعراق واليمن وليبيا قبل أن تنضم لها السودان.

ولم تكن الوقائع السابقة بعيدة عن ملاحظة الحراك العربي وتدخلاته بصورة ما. فثمة انفتاح محدود على الحريات والحد من انتهاك الحقوق، ومحاولات لوقف الصراعات المسلحة والوصول إلى حلول سياسية، وجهد لعلاج المشاكل والتحديات عبر سياسات تنموية، واستجابات للحاجات الطارئة، ولعل التضامن العربي في مواجهة هجمة تصنيع وتصدير مخدر الكبتاغون السوري مثال حي على حراك عربي، لا يواجه المشكلة فقط، وإنما خلفياتها بطريقة غير مباشرة.

قد يقول البعض، إن الرؤية في الحراك العربي تفاؤلية، وإن الأوضاع تتجه إلى الأسوأ. وإذا كان يمكن رفض الشق الثاني، لأن الذهاب إلى الأسوأ، ليس قدراً مكتوباً، إنما يمكن تغييره إذا رغب العرب، وانخرطوا في عملية التغيير، فإن الشق الأول يحظى بالموافقة جزئياً، لأن الحراك ما زال في مساراته الأولى، ولا حق في تحميله أكثر مما يحتمل، خاصة وأن الخيارات صعبة، وستواجه تحديات داخلية وخارجية كبيرة، ولكن بالإرادة والعمل يمكن الوصول إلى الأهداف والغايات، فقد عانى العرب الكثير، وحان وقت الخروج من المعاناة.

الشرق الأوسط

—————————

التطبيع التركي مع نظام الأسد إلى أين؟/ غسان ياسين

لتقييم مسار العلاقة بين تركيا ونظام الأسد بشكل أفضل، نحتاج إلى أن ننتظر نتيجة الانتخابات التركية، لأن لها أثرا كبيرا على هذا المسار، كما كانت هي سبباً أول وليس وحيدا لأجل أن تسعى تركيا للتطبيع مع النظام، لكن ضمن المعطيات الحالية يمكن لنا أن نستقرئ ما سينتج عن هذا التطبيع في المدى القريب والمنظور.

الحكومة التركية سعت بدايةً للتطبيع مع نظام الأسد لأنها أرادت سحب هذه الورقة الانتخابية من أيدي المعارضة والتي بدأت منذ سنوات تتحدث عن أزمة اللاجئين السوريين وأنها في حال تمكنها من الوصول للسلطة ستقوم فورا بالتواصل مع النظام في دمشق لأجل بحث عودة اللاجئين ولأجل الانسحاب من الأراضي السورية، فكان خطاب المعارضة هذا محفزا للحكومة لأجل إعلان نيتها التواصل مع حكومة النظام، وبالفعل بدأت وساطة روسية توجت بلقاء عسكري أمني نهاية العام الماضي حضره وزراء الدفاع ورؤساء المخابرات لكل من سوريا وتركيا وروسيا في موسكو، لكن هذا اللقاء الثلاثي واجه معارضة وعرقلة إيرانية أفضت لأن تفرض إيران نفسها على هذا المسار الجديد ليصبح رباعياً. هذا التدخل والعرقلة الإيرانية يعطينا فكرة عن تعقيد المشهد السوري لكثرة الفاعلين فيه والتداخلات بين مصالحهم بما فيهم الحلفاء، أعتقد أن تركيا كانت تفضل أن يبقي المسار ثلاثيا وأرجح أنها كانت تريد لاحقاً بأن يصبح التواصل بينها وبين النظام مباشرة دون الوسيط الروسي لأنه يحقق لها مصالحها بشكل فعّال أكثر.

وإذا كانت الحكومة نجحت بسحب هذه الورقة من  يدي المعارضة بمساعدة بوتين الذي يعرف جيدا هو والرئيس التركي رجب طيب أردوغان كيف ومتى يمنحان بعضهما الهدايا القيمة، يحضر سؤال مهم هنا: ماذا تريد الحكومة غير الملف الانتخابي؟

أعتقد أن لتركيا أهدافا كثيرة تسعى لتحقيقها من خلال تطبيع علاقاتها من نظام الأسد، فهي تدرك جيدا نقاط ضعفه وفي مقدمتها بحثه عن شرعية مفقودة ويأتي الجانب الاقتصادي ثانياً، في مقدمة الأهداف التركية يأتي البحث عن شرعية لوجودها في سوريا لأن تركيا لا نية لها للانسحاب من سوريا في الوقت الحالي ولا حتى في المدى المنظور نتيجة لوجود جيوش كثيرة لدول أخرى وما دامت  قسد تسيطر على جزء وازن من سوريا، لكنها تريد من خلال تواصلها مع النظام أن يصبح وجودها بموافقته على التطبيع بمثابة موافقة شرعية على وجودها العسكري، وتريد أن تجد آلية لاحقا لأجل أن تساعد النظام على طرد قسد من منطقة الجزيرة وهذا هو الهدف الثاني، أما الهدف الثالث فهو انخراط النظام في عملية سياسية تفضي إلى إشراك المعارضة التي تدعمها تركيا في الحكم مما سيسهل لاحقا عودة بعض اللاجئين.

في مقابل ما يريده النظام وتركيا من بعضهما نجد أن تلك الرغبات والأهداف صعبة إن لم تكن مستحيلة التحقق، النظام لا زال يصر على أن تضع تركيا جدولا للانسحاب في وقت لا قدرة للنظام على إعطاء تركيا أهم ما تريده وهو محاربة قسد ما دامت أميركا موجودة في منطقة الجزيرة وفي قاعدة التنف بالقرب من الحدود السورية الأردنية العراقية، وبما يتعلق بالمسار السياسي يرفض نظام الأسد الاعتراف بوجود المعارضة وما عزز موقفه مؤخرا هو التطبيع العربي المجاني  والذي شكل صدمة للمعارضة لأن السعودية طبعت مع النظام ثم أعادت له مقعده في الجامعة ووجهت له دعوة لحضور القمة العربية في جدة دون أي اعتبار للمعارضة وكأنها غير موجودة.

وإذا قرأنا بهدوء ما صرح به وزير الخارجية التركي بعد أول لقاء رسمي له مع وزير خارجية نظام الأسد في موسكو قبل أيام نستطيع أن نعرف بأن هذا المسار أكثر من متعثر ولأكثر من سبب ويدعم هذا الافتراض ما قاله وزير الدفاع التركي مؤخراً حينما اجترح مصطلح الديبلوماسية العسكرية وهذا يعني فشل الديبلوماسية السياسية في تحقيق أي تقدم يذكر.

تلفزيون سوريا

—————————-

أبرز الملفات المنتظرة بـ”خريطة الطريق” للتطبيع بين أنقرة ودمشق/ محمد أمين

اختتم وزراء خارجية كل من روسيا سيرغي لافروف، وتركيا مولود جاووش أوغلو، وإيران حسين أمير عبد اللهيان، والنظام السوري فيصل المقداد، اجتماعهم الرباعي حول سورية، أول من أمس الأربعاء في موسكو، بـ”تكليف نواب وزراء الخارجية الأربعة بإعداد خريطة طريق، لتطوير العلاقات بين سورية وتركيا والاتفاق على مواصلة الاتصالات رفيعة المستوى والمفاوضات الفنية بشكل رباعي في الفترة المقبلة بالتنسيق مع وزارات الدفاع والاستخبارات للدول الأربع”.

ويبدو أن الاجتماع الرباعي أسس لمرحلة جديدة في العلاقة ما بين تركيا والنظام السوري بعد قطيعة امتدت لأكثر من عقد تخللتها مناكفات سياسية وصدامات عسكرية، كادت أن تنزلق إلى مواجهة مفتوحة في الربع الأول من عام 2020 لولا التدخل الروسي.

لكن فتح الطريق بين أنقرة ودمشق يواجه الكثير من العراقيل التي تراكمت من عام 2012 وصولاً إلى عام 2023، والتي من الممكن أن تحول دون تطبيق بنود الخريطة التي من المتوقع أن تتمحور حول ملفات أمنية وعسكرية واقتصادية، ضاغطة على الطرفين التركي والسوري.

وتشي التطورات الأخيرة بأن الجانبين حريصان على إنجاح المساعي الروسية لجهة وضع حد للعداء بينهما والانتقال إلى مرحلة جديدة، عنوانها الرئيسي: مواجهة الخطر المشترك وهو “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) والتي تحمل مشروعاً سياسياً في شمال شرقي سورية، يتفق الأتراك والنظام على أنه يشكل خطورة عليهما.

خريطة الطريق بين أنقرة ودمشق

ومن المرجح أن تتضمن خريطة الطريق التي من المتوقع وضع بنودها خلال شهر مايو/أيار الحالي، تنسيقاً أمنياً وعسكرياً بين تركيا والنظام للتعامل مع قوات “قسد”، التي تتلقى دعماً كبيراً من الولايات المتحدة. والأخيرة تبدو حريصة على عدم إنجاح الخطة الروسية باستعادة النظام للشمال الشرقي من سورية.

في موازاة ذلك، تُشكّل عودة نحو 4 ملايين لاجئ سوري في تركيا، هاجساً كبيراً لأنقرة التي تريد تسهيل ضمان عودتهم إلى وطنهم الأم “بشكل طوعي وآمن ومشرف”.

لذا من المتوقع أن تكون آليات عودة هؤلاء اللاجئين أبرز بنود الخريطة. ولكن تحقيق هذا الهدف يبدو صعباً في المدى المنظور، في ظل رفض أغلب اللاجئين السوريين العودة إلى مناطق سيطرة النظام خشية تعرضهم لعمليات انتقامية جسيمة، خصوصاً أن للنظام سوابق في هذا الشأن، بعد تعرض لاجئين عادوا من لبنان إلى انتهاكات واسعة.

كما أن النظام لا يملك الإمكانات الاقتصادية التي تسمح له بعودة الملايين إلى مناطقه المنهكة إلى حد بعيد، خصوصاً أن الغرب أكد أنه لن يرفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على النظام، في حال عدم انخراط جدي في العملية السياسية وفق القرارات الدولية ذات الصلة.

وتؤكد المعطيات المتوافرة أن النظام ليس بصدد اتّباع سياسة “الباب المفتوح” أمام عودة ملايين السوريين الموجودين تحديداً في دول الجوار.

وبرأي الباحث السياسي في مركز “جسور” للدراسات رشيد حوراني، الذي تحدث مع “العربي الجديد”، فإن الهدف الروسي من وراء خريطة الطريق المقرر وضعها “إضعاف النفوذ التركي في سورية وتخفيض حجم قدرته على التأثير، ولو بشكل متدرج يمكن البناء عليه بطريقة تراكمية”.

وتابع: الهدف تقليص الدور التركي في شمال غربي سورية بالتحديد وصولاً لإنهائه من منطلق أنه خال من حزب العمال الكردستاني، أي لا توجد تهديدات للأمن القومي التركي.

وأعرب عن اعتقاده بأن موسكو تدفع باتجاه مواجهة تركية أميركية في منطقة شرقي نهر الفرات حيث قوات “قسد”. ورأى حوراني أن الجانب الروسي “يحاول الحصول على تنازلات تركية في الشمال السوري، من خلال تحقيق مكاسب اقتصادية لأنقرة عبر تأجيل دفع ديون الغاز المترتبة على تركيا لروسيا إلى عام 2024”.

ملفات إضافية ضمن خريطة الطريق

وفي السياق، اعتبر المحلل السياسي المختص بالشأن الروسي طه عبد الواحد في حديث مع “العربي الجديد”، أن “خريطة الطريق التي يدور الحديث عنها ستشمل وضع رؤية لحل معضلة الوجود العسكري التركي على الأراضي السورية”.

وبرأيه فإن تنظيم هذا الوجود وفق صيغة شبيهة باتفاقية أضنة (اتفاقية وقعها النظام مع الجانب التركي في عام 1998 تسمح للجيش التركي في التوغل في الأراضي السورية) من أولويات الجانب التركي.

وأشار عبد الواحد إلى “أن الأطراف حتى الآن لا تملك رؤية موحدة متوافقا عليها حول كيفية تجاوز موضوع قوات قسد”. وقال إن دمشق مستعدة للتفاوض معها (قسد) بهدف ابتلاعها وتركيا تصر على القضاء عليها. أما بالنسبة لروسيا فلا مانع لديها من الاستفادة من هذه التناقضات لتعقيد الموقف الأميركي في شمال شرقي سورية.

ولفت عبد الواحد إلى أن “العودة (الآمنة) للاجئين السوريين ستكون ضمن خريطة الطريق التي جرى الحديث عنها في موسكو الأربعاء”. وبرأيه فإنه من غير المستبعد أن تتوافق أنقرة مع دمشق على رؤية معينة بوساطة روسية، لتنفيذ مشاريع إعادة إعمار ضمن مناطق محددة لعودة لاجئين إليها. وأعرب عن اعتقاده بأن الخريطة “من المفترض أن تتناول ترتيب الوضع في إدلب وريف حلب”.

وأضاف: في البداية لن يتجاوز أي اتفاق فتح الطرق الدولية التي تمر من تلك المناطق، ولاحقاً ربما ستجري جولات مفاوضات بين النظام وقوى المعارضة المسلحة المدعومة من تركيا هناك.

وأوضح عبد الواحد أن الجانب الروسي سيركز في الخريطة على موضوع استئصال “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً)، خصوصاً أنه جرى التأكيد خلال الاجتماع الرباعي على التصدي للإرهاب بكل أشكاله.

وختم بالقول: الوضع معقد، ليس في الإطار العام فحسب، بل في كل تفصيل دقيق. هناك عراقيل كثيرة ستصطدم بها عملية التطبيع بين أنقرة ودمشق، وخريطة الطريق التي تحدث عنها لافروف تبدو مجرد إعلان سياسي لتسجيل نقطة، فكل ملف من الملفات التي يمكن أن يجري بحثها للتطبيع بين البلدين، بحاجة إلى أكثر من خريطة طريق لحله.

إلى ذلك، من المتوقع أن تكون لنتائج الانتخابات التركية التي ستجرى الأحد المقبل وتشهد تنافساً كبيراً بين مختلف الأحزاب التركية تأثير مباشر على خطوات التقارب بين أنقرة ودمشق، بما في ذلك خريطة الطريق التي يدفع الروس باتجاه بلورة بنودها في أسرع وقت.

وفي هذا الصدد، لفت المحلل السياسي التركي هشام جوناي في حديث مع “العربي الجديد” إلى أن الانتخابات التركية: “غير محسومة للطرف المفاوض عن تركيا في موسكو مع نظام الأسد، وهو حزب العدالة والتنمية”.

وبرأيه فإن خريطة الطريق المقرر وضعها ستكون مرهونة بفوز العدالة والتنمية بالانتخابات. وأعرب عن قناعته بأن الاجتماع الوزاري الرباعي الذي عقد أول من أمس الأربعاء في موسكو: “له بعد رمزي لا أكثر”، مشيراً إلى أن موسكو أرادت التأكيد أنها قادرة على جمع الجانب التركي والنظام السوري على طاولة واحدة. ولفت إلى أنه يبدو أن الجانب الروسي يأمل بفوز العدالة والتنمية بالانتخابات لبدء مرحلة جديدة بين تركيا ونظام الأسد، لذا لا يمكن الحديث عن خريطة طريق واضحة إلا بعد الانتخابات التركية.

العربي الجديد

————————————

من «القمة» إلى «المناخ»: موسم التطبيع مع الأسد؟

رأي القدس

 بعد 12 عاما من تجميد عضويته، قررت الجامعة العربية إعادة النظام السوري وجميع المنظمات والأجهزة التابعة له إليها اعتبارا من 7 أيار/مايو الماضي، ووجه ملك السعودية، سلمان بن عبد العزيز، دعوة لرئيس النظام بشار الأسد، لحضور القمة العربية التي ستعقد يوم الجمعة المقبل في جدة، وردّ النظام، على لسان وزير خارجيته فيصل المقداد (الذي حضر، أمس، للمرة الأولى منذ اندلاع الثورة السورية، اجتماعا تحضيريا للقمة في السعودية) بالإعلان عن قدوم الأسد لتلك القمة.

تزامنت الضجة التي رافقت إعادة النظام ودعوة رئيسه إلى السعودية، مع دعوة أخرى وجهتها الإمارات للأسد لحضور قمة المناخ للأمم المتحدة «كوب 28»، التي ستعقد في تشرين ثاني/نوفمبر في مدينة دبي. القمّة الأولى، ستكون، بهذا المعنى، تطبيعا للمنظومة العربية مع نظام الأسد، فيما ستكون الثانية محاولة من أبوظبي، للتطبيع العالمي معه.

ردود الفعل الغربية على موجة التطبيع العربية كانت واضحة، فقد أصدرت الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، في آذار/مارس الماضي بيانا أكدت فيه على عدم تطبيع العلاقات مع النظام قبل إحراز تقدم حقيقي ودائم نحو حلّ دبلوماسي يتوافق مع قرار مجلس الأمن 2254، ويستند إلى العدالة والمحاسبة، إضافة إلى عدم تمويل إعادة إعمار الأضرار التي تسبب بها النظام خلال النزاع، وعدم رفض العقوبات المفروضة عليه، وسبق ذلك إعلان الاتحاد الأوروبي رفضه للتطبيع، ولإعادة الإعمار، ولرفع العقوبات.

رغم إعلان قطر عدم رغبتها في «الخروج عن الإجماع العربي» في موضوع تسليم مقعد سوريا للنظام، فإن رئيس مجلس الوزراء، وزير الخارجية، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، أكد أن «الحل الوحيد» للتطبيع مع النظام، هو «إيجاد حلّ عادل وشامل للمسألة في سوريا»، بما يضمن «عودة آمنة للاجئين، وإيجاد حل سياسي وفق قرار الأمم المتحدة 2254».

هل يمكن اعتبار عودة النظام إلى جامعة الدول العربية سببه أن «الأسد ربح المعركة في سوريا حين حسمها عسكريا»، كما قال أحمد أبو الغيط، الأمين العام للجامعة، أم أنها «انتصار» دبلوماسي للسعودية، التي نجح وليّ عهدها، محمد بن سلمان، فيما لم يستطع فعله الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، بالتنسيق مع الرئيس الإماراتي محمد بن زايد، خلال القمة العربية السابقة (تشرين ثاني/نوفمبر الماضي)، وهل يمكن لهذين «الانتصارين» السياسيين أن يسمحا بتجاوز قرارات الأمم المتحدة، والقفز على حل عادل للقضية السورية، وجرّ المنظومة الدولية إلى التطبيع مع النظام؟

الحقيقة أن هناك قضايا كبيرة تهمّ الدول العربية فيما يخص الشأن السوري، وأغلب هذه القضايا لا تذكر في البيانات والتصريحات السياسية والمؤتمرات الصحافية، ومنها قضية صناعة المخدرات وتهريبها من سوريا ولبنان عبر الأردن والعراق نحو الخليج العربي والسعودية، وقضية الميليشيات الإيرانية العاملة على الأراضي السورية، ثم قضية عودة اللاجئين، ولعلّ القضايا الكبرى التي تهم السوريين أنفسهم، وأهمها العمل على إنجاز حل سياسي يؤمن العدالة للشعب السوري، ومحاسبة النظام على جرائمه المهولة التي لا تشغل المنظومة العربية (ما دام أمين الجامعة يتحدث عن «انتصار عسكري» على الشعب)، بل إن أغلبها يعتبر الأسد، ونظامه، أمثولة كبيرة على الشعوب العربية أن تفهمها كي لا تعاود الثورات من جديد!

القدس العربي

—————————-

فاينانشال تايمز: العودة الضالة للتعامل مع بشار الأسد/ ربى خدام الجامع

عند استضافة السعودية للقمة العربية يوم الجمعة القادم، سيكون هنالك مقعد مخصص لبشار الأسد، ذلك المستبد الذي عذب وسجن وقصف وسمم بالغاز وحاصر الشعب الذي يفترض أنه جاء لخدمته. وفي حال حضور الأسد لتلك القمة، كما هو متوقع، فستكون تلك المرة الأولى التي يتم الترحيب به في محفل سنوي يضم قادة المنطقة منذ أن عُلقت عضوية سوريا في الجامعة العربية قبل 12 عاماً، كما سيكون يوماً حزيناً على الدبلوماسية العربية، لأنه سيوجه رسالة مخيفة لضحايا جرائم النظام مفادها بأنه بوسع الأسد أن يبقى في مكانه بعد أن أفلت من العقاب.

في عام 2011، قررت الدول الأعضاء في الجامعة العربية معاقبة الأسد على قمعه العنيف للانتفاضة الشعبية التي كانت سلمية وقتها ولعدم التزامه بمبادرة السلام العربية، وعندما تسببت محاولة النظام الوحشية في سحق المظاهرات السلمية بقيام حرب في سوريا، أخذت دول الخليج الغنية تدعم المعارضة في حربها للإطاحة بالأسد. ولكن بعد مرور 12 عاماً، ومقتل ما لا يقل عن 300 ألف سوري، ونزوح 12 مليون نسمة من بيوتهم، قررت غالبية الدول العربية إعادة الأسد إلى الجامعة العربية!

بيد أن الجامعة العربية كيان غير مؤثر البتة، ومع ذلك فإن قرارها القاضي بإعادة سوريا والذي اتخذه وزراء الخارجية العرب خلال هذا الشهر، يقدم لمجرم حرب انتصاراً دبلوماسياً لا مبرر له أو حاجة، ولابد لشركائه في الجريمة، اي إيران وروسيا، أن يستفيدوا من هذا الانتصار.

تسارعت وتيرة العودة للتعامل مع الأسد عقب تقلبات سريعة في الدبلوماسية التي ترأسها السعودية، فقد أتى ذلك عقب اتفاق تم بوساطة صينية دفع بالمملكة العربية السعودية للموافقة على إحياء علاقاتها الدبلوماسية مع منافستها التاريخية إيران، ولهذا يرى من يدفعون باتجاه العودة للتعامل مع الأسد بأن تلك الخطوة ما هي إلا مقاربة قائمة على واقعية سياسية تعترف بأن الأسد لا يمكنه أن يحقق أي شيء آخر بعدما استعاد السيطرة على معظم أجزاء بلده بدعم عسكري من موسكو وطهران، ولهذا يتعين على الدول العربية معالجة المشكلات التي وصلت إلى حدودها.

ومن بين ذلك مشكلة اللاجئين، ومشكلة الاتجار غير المشروع بالكبتاغون الذي أصبح شريان الحياة الاقتصادية بالنسبة لدمشق، ومصدر قلق كبير بالنسبة لبعض الدول وعلى رأسها الأردن والسعودية، ولكن إعادة سوريا إلى الجامعة العربية تعتبر مكافأة للأسد قبل تقديمه لأي تنازل يمكن أن يخفف معاناة السوريين.

وهذا ما يجعلنا نسخر مما اقترحته الدول العربية في السابق عبر نهج خطوة بخطوة ومقاربة العصا والجزرة بالنسبة للتعامل مع نظام الأسد، فقد ضغطت دولة الإمارات التي أعادت فتح سفارتها في دمشق عام 2018، من أجل التطبيع، ومضت أبعد من ذلك عندما دعت الأسد لحضور قمة التغير المناخي COP28 في دبي لهذا العام. وبالرغم من كل ذلك، لا توجد أية مؤشرات تدل على أن الأسد قد قرر تغيير سلوكه “البلطجي”، كما أنه لم يبد أي ندم أو أسف على ما ارتكبه من جرائم.

تبددت منذ أمد بعيد الآمال بإرساء حالة استقرار سياسي بوجود معارضة ضعيفة في سوريا، إذ في الوقت الذي لم تعد فيه الولايات المتحدة وأوروبا توليان كبير اهتمام بسوريا، تحولت روسيا وإيران وتركيا لأهم العناصر الفاعلة الأجنبية في البلد على مدار السنين. وتبين بأن فكرة عودة ستة ملايين لاجئ سوري إلى بلدهم زرافات في حال أخذت دول الخليج وغيرها من الدول تغدق الأموال على سوريا لإعادة إعمار المدن التي دمرتها قوات الأسد لم تكن إلا محض خيال، وذلك لأن أغلب اللاجئين يخشون على حياتهم حال عودتهم، كما أن الآلاف من السوريين مايزالون رهن الاعتقال العشوائي أو الإخفاء القسري.

ثم إن النظام حول الإغاثة الإنسانية إلى سلاح بما أن أي دعم مالي يمكن أن يصل إلى سوريا لابد وأن يُجيّر لصالح جهود الأسد في تدعيم سيطرته على البلد، كما أن معظم تلك المساعدات تصل إلى جيوب حاشيته وأعوانه.

وهنا لابد أن تبقى الجهود الأميركية والأوروبية موحدة فيما يتعلق بفرض عقوبات على النظام، مع استخدام كل منهما لنفوذه مع الشركاء العرب وذلك لمنعهم من الانجراف في عملية تطبيع كامل. وذلك لأن الملايين من السوريين يعانون الأمرّين في هذا البلد الذي دمرته الحرب وتعرض اقتصاده للانهيار، ولكن لا توجد حلول بسيطة للتخفيف من معاناتهم طالما بقي الأسد في السلطة، إلا أن مكافأة نظام مسؤول عن هذه المحنة بالمجان ليس هو الحل بكل تأكيد.

تلفزيون سوريا

—————————

الجامعة العربية وسياسة الابتزاز الأسدي/ رياض معسعس

مرة أخرى نعود لمقولة ستالين الشهيرة: “من يقتل نفسا فهذه جريمة، ومن يقتل مليون نفس فهذا إحصاء”. فالأنظمة العربية المطبعة مع نظام الأسد والتي اتخذت قرارا بعودته إلى حضن الجامعة العربية، تغاضت عن جرائم الأسد بحق السوريين واعتبرت المليون شهيد عبارة عن إحصاء يمكن التغاضي عنه. وإعادة نظام كان بالأمس منبوذا بسبب جرائمه بحق سوريا والشعب السوري، تعتبر جريمة أخرى تضاف إلى جرائم النظام بحق الشعب السوري. فمشاهد صور قيصر للقتلى تحت التعذيب، وصور مجزرة حي التضامن، والصورة الكثيرة عن إحراق جثث القتلى تحت التعذيب والتمثيل بها، واختناق الأطفال بغازات الخردل والكلور والسارين، والبراميل المتفجرة التي دمرت بلدات وقرى ومدن سورية منتفضة ضد نظام الأسد صارت من الماضي ويجب تناسيها.

هذا في الوقت الذي ما زالت دول أوروبية تحاكم مجرمي الحرب الذين لجأوا إلى أوربا، أو المتواجدين في سوريا غيابيا.

وقد اعتبر الائتلاف الوطني السوري قرار الجامعة العربية أن القرار” يعني التخلي عن الشعب السوري، وعن دعم مطالبه المحقة، وإهدار تضحياته العظيمة خلال 12 عاما من الثورة على الظلم، والإرهاب، والاستبداد، وانحيازا واضحا لصالح المجرمين”.

الابتزاز بالكبتاغون

تقوم دول العالم أجمع بملاحقة ومعاقبة مصنعي ومهربي المخدرات حول العالم وتخشى من تفشيها وتعاطيها والتي من شأنها ضرب نسيج المجتمعات، وخاصة عندما تنتشر في المدارس والفئة العمرية الصغيرة المعرضة لحالة الإدمان الخطيرة.

والمخدرات بأنواعها المختلفة هي من مستخرجات نباتية لكن أضيف إليها مؤخرا مستخرج كيميائي جديد: الكبتاغون. وهو تسمية لعقار مستخرج من الأمفيتامين المحفّز، والذي بات اليوم المخدّر الأكثر انتشارا في منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي.

وتُعد هذه الحبوب اليوم مصدر دخل كبير للنظام السوري، وتفوق قيمتها كل قيمة صادرات البلاد القانونية، وفق تقديرات وكالة فرانس برس، وباتت سوريا مركزاً أساسياً لشبكة تمتد إلى لبنان والعراق وتركيا وصولاً إلى دول الخليج مروراً بدول إفريقية وأوروبية، وتُعتبر السعودية السوق الأولى للكبتاغون. وأشار أكثر من مصدر أن تصنيع وتصدير الكبتاغون يتم عن طريق الفرقة الرابعة التي يترأسها ماهر الأسد شقيق بشار الأسد، وتمر هذه التجارة عبر بوابتين رئيسيتين الأردن والعراق.

وقد قامت القوات الأردنية مؤخرا بتصفية أحد بارونات المخدرات في منطقة درعا، وأصدر الكونغرس الأمريكي قانون الكبتاغون لمعاقبة النظام السوري وملاحقته.

مع موجة التطبيع مع النظام السوري كان وقف تصدير الكبتاغون مطلبا رئيسيا لدى الأردن والسعودية، لكن المشكلة لدى النظام السوري هي كيف يعوض أموال الكبتاغون ليرفد ميزانية النظام شبه المفلسة، وحسب وكالة رويترز فإن المملكة العربية السعودية عرضت على الأسد مبلغ 4 مليارات دولار كتعويض عن خسارته في تجارة الكبتاغون، وهذه أول مرة يكافأ فيها تاجر المخدرات على جريمته بدل أن يعاقب، مع أن تهريبه للمخدرات التي تدر عليها الأموال الطائلة تفتك بالمجتمع الخليجي.

ويكون الأسد بتصنيعه وتهريبه لهذا المخدر قد امتلك ورقة يبتز فيها سياسيا الأردن ودول الخليج للوصول إلى هدفه الأساسي: فك عقد ونيف من العزلة. ولكن هل سيكافأ بهذا المبلغ كل عام، وهل سيفي هذا النظام بوعوده وقد أخل سابقا بكل الوعود، فشحنات الكبتاغون تصل تباعا إلى السعودية، وفي العام 2013 تعهد بتدمير ترسانته من الأسلحة الكيميائية التي ضرب فيها سكان الغوطة الشرقية، لكنه عاد ليستخدمها في خان شيخون ودوما وخان العسل وسواها بعد عدة سنوات.

وكيلة الأمين العام والممثلة السامية لشؤون نزع السلاح الكيميائي إيزومي ناكاميتسو قالت إن نظام الأسد لا يزال غير متعاون مع لجنة تقصي الحقائق فيما يتعلق بملف الكيميائي في سوريا، عبر تقديمه بيانات ناقصة وتقاعسه عن تسليم الوثائق المطلوبة. وأن التقييم الحالي يرفع هذا الرقم إلى ما يزيد عن 50 هجمة بأسلحة محرمة دولياً.

وقال ممثل الولايات المتحدة إن النظام رفض في 7 مناسبات منفصلة الكشف عن برنامجه للأسلحة الكيميائية وأضاف أن “حماية روسيا الوقحة لسلوك سوريا المتحدي يُمكّن نظام الأسد ويترك الشعب السوري، في مواجهة احتمال المزيد من الهجمات بالأسلحة الكيميائية.

معضلة اللاجئين

طالبت كل الدول التي فتحت باب التطبيع مع النظام السوري، وعلى رأسها تركيا، بعودة طوعية وآمنة للاجئين السوريين وخاصة في تركيا، ولبنان، والأردن حيث توجد تجمعات كبيرة للاجئين السوريين، لكن المعضلة تكمن في أن النظرة إلى اللاجئين وكأنهم متجانسون فهذه نظرة خاطئة لواقع السوريين في الشتات، إذ أن لا يوجد أحد من اللاجئين في الواقع مستعدا للعودة، فعدد كبير من اللاجئين فقدوا منازلهم التي دمرها النظام أو أنها سجلت ملكيتها لأشخاص آخرين بطرق ملتوية، كما أن فئة الشباب التي هي مطلوبة للخدمة العسكرية فإنهم يرفضون رفضا قاطعا الخدمة العسكرية في صفوف جيش النظام الذي يضعهم على الجبهات لمواجهة قوات المعارضة، إضافة إلى ذلك فأن هناك من أنشق عن جيش النظام وهو مطلوب القبض عليه.

أما جيل الثورة أي الذين كانوا أطفالا مع انطلاقة الثورة باتوا اليوم يافعين قد تأقلموا في بلاد اللجوء، واستطاع بعضهم الحصول على شهادات عليا، ولا يوجد لهم أي فرصة عمل في سوريا، وإذا وجدها فما يكسبه لا يتجاوز حفنة دولارات لا تغني ولا تسمن من جوع في ظل تدهور العملة السورية (سعر الدولار الواحد لامس تقريبا 10 آلاف ليرة). ويتظاهر النظام برغبته في عودة اللاجئين للمطالبة بإعادة الإعمار، والاستثمار، ورفع العقوبات في عملية ابتزاز أخرى. ولكن في الواقع هو الرافض الأول لعودة اللاجئين، ذلك أن النظام الطائفي (العلوي) كان يعمل ضمن خطة منهجية لطرد السوريين السنة حتى يتم له تحقيق ما سماه “الشعب السوري الأكثر تجانسا” أي أن الأقلية تصبح الأكثرية وهذا شرط أساسي في تحقيق ديمومة الحكم العلوي.

وكان الأسد رفض عودة لاجئي أوروبا رغم وساطة روسيا. هذا علاوة عن أن كل اللاجئين هم معارضون لنظام الأسد وسيشكلون عليه خطرا عاجلا أم آجلا، وثقلا انتخابيا في حال جرت انتخابات نزيهة تحت رقابة دولية.

المعتقلون

حسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان فإن النظام السوري لا يزال يعتقل ما ينوف عن 100 ألف معتقل، وهناك عشرات الآلاف المختفون قسريا، وهذا الملف المطلوب فتحه والتحقق من مصير المختفين، والإفراج عن جميع المعتقلين. وهذه العملية سوف تفضح مرة أخرى جرائم النظام، فمعظم هؤلاء المعتقلين قضوا في سجون النظام سنوات طويلة يتلقون فيها شتى أنواع التعذيب النفسي والجسدي، ويبتز ذويهم بأموالهم لمعرفة مصير أبنائهم وأقاربهم. ويحاول النظام التملص والالتفاف على قضية المعتقلين، ويقدم أكاذيب واهية عن مصيرهم.

القرار 2254

المبادرة العربية اشترطت وقف إطلاق النار وتنفيذ القرار الدولي 2254، والقاضي بانتقال سياسي عبر تشكيل حكومة مشتركة من النظام والمعارضة، لكن واقع الأمر أن ما قامت به روسيا والنظام الأسدي عبر منصات سوتشي وآستانا هو التهرب من هذا القرار والالتفاف عليه، وتم تسويف كل جولات لجنة صياغة الدستور وإفشال جهود مبعوث الأمم المتحدة غير بيدرسون الذي عبر عن خيبته في الوصول إلى توافق بين وفدي المعارضة والنظام.

طرد الميليشيات

من الشروط أيضا إخراج الميليشيات الإيرانية من سوريا، وهذا مطلب من الصعب جدا على الأسد تنفيذه كون نظامه محميا بهذه الميليشيات واستمراره يعتمد عليها، وبالتالي فإن معظم مطالب الأنظمة العربية المطبعة مع النظام لن تنفذ أو سيجري تحويلها إلى عمليات ابتزاز مستمرة، وتسويف لكسب أطول وقت ممكن وهذه كانت دائما الاستراتيجية التي يعتمد عليها النظام.

وبذلك يستنتج أن الجامعة هي التي عادت إلى النظام الأسدي وليس العكس كما حاول النظام قوله على لسان غيره.

كاتب سوري

القدس العربي

—————————

قَتل أكثر من 300 ألف مدني سوري: أي محاولة لإعادة تأهيل الأسد أمر مخز تماما/ سيمون تيسدال

إن عودة الرئيس السوري بشار الأسد إلى الحظيرة العربية أمر مخزٍ للغاية ، والولايات المتحدة وحلفاؤها يشاطرونها هذا العار.

الأحد 14 مايو 2023

تمت دعوة الرئيس السوري المجرم بحرارة لحضور قمة جامعة الدول العربية هذا الأسبوع في المملكة العربية السعودية. منطق الحكومات العربية المتشائمة هي إنهم يأملون في تقليل اعتماد دمشق على إيران ، وتشجيع اللاجئين على العودة ، ووقف تصدير المخدرات التي ترعاها الدولة، والاستفادة من إعادة الإعمار.

لكن من منظور إنساني ، فإن قرارهم مخجل تمامًا. فقد قتل أكثر من 300 ألف مدني منذ أن وجه الأسد بنادقه إلى انتفاضة الربيع العربي المؤيدة للديمقراطية في سوريا عام 2011. وفر حوالي 14 مليون شخص ، نصف سكان سوريا ، من ديارهم. ومعظم الذين بقوا يعانون من نقص الطعام. ثم جاءت زلازل شباط (فبراير).

الصراع لم ينته بعد. استشهد وجرح المئات من المدنيين في غارات جوية شنتها الحكومة السورية وروسيا وقنابل عنقودية وصواريخ على مخيمات النزوح في شمال غرب إدلب ودرعا وحماة وشمال حلب ، بحسب أحدث تقرير لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة. وقالت إن “هذه الهجمات وغيرها قد ترقى إلى مستوى جرائم الحرب”.

حذرت الأمم المتحدة من أن “الاعتقالات التعسفية والتعذيب والاختفاء القسري والوفيات أثناء الاحتجاز مستمرة”. “رأى العائدون منازلهم تُنهب أو تُصادر ممتلكاتهم … من الواضح تمامًا أن سوريا لا تزال غير آمنة للعودة إليها”. وأضافت أن الميليشيات الإسلامية مذنبة أيضا بارتكاب انتهاكات فظيعة.

جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية ، بما في ذلك استخدام الأسلحة الكيميائية ، موثقة جيدًا في سوريا. ومع ذلك ، لا يوجد احتمال أن يواجه الأسد العدالة. وجهت المحكمة الجنائية الدولية بسرعة إلى زميله الطاغية فلاديمير بوتين لائحة اتهام بشأن أوكرانيا. فلماذا لم توجه إلى جزار دمشق؟ إنه إغفال لا يمكن تفسيره. وبدلاً من ذلك ، يجب تكريم الأسد والعفو عنه ومكافأته من قبل الأثرياء المستبدين في الخليج الذين يبدو أنهم يهتمون أكثر بأسعار النفط والقصور وأندية الدوري الممتاز لكرة القدم أكثر من حياة ورفاهية وحقوق الإنسان للعرب.

ليس فقط الجيران. في سوريا ، هناك الكثير من العار للمشاركة. وضعت الولايات المتحدة وحلفاؤها جانباً تدخلًا مباشرًا في عام 2013 كان من الممكن أن يوقف المذبحة. هذا سمح بدخول إيران والروس ، وضمن بقاء الأسد. وبدلاً من ذلك ، أضرت العقوبات الغربية التي تهدف إلى إسقاط النظام بالمدنيين.

بحثًا عن الاتجاه الصعودي ، يشير المحللون إلى أن عودة الأسد إلى الحظيرة العربية ، إلى جانب التقارب الذي توسطت فيه الصين بين حليفته ، إيران والمملكة العربية السعودية ، قد يفرز نظامًا أمنيًا محليًا في الشرق الأوسط. يمكن أن يؤدي توسيع الانفراج إلى تهدئة اليمن واستقرار لبنان والتخفيف من عبء اللاجئين في الأردن وتركيا.

يجب التعامل مع هذا الاقتراح بعناية. تعمل التطورات الأخيرة على تسريع تهميش أمريكا في منطقة كانت تهيمن عليها ذات يوم ، وترك السياسة الغربية في حالة يرثى لها. إن محاولات إسرائيل غير الوسيطة لـ “التطبيع” – من خلال بناء تحالفات مع الأنظمة الاستبدادية الخليجية لمواجهة إيران والتحالفات مثل حزب الله – معرضة للخطر إن لم يتم الخلط بينها. نفوذ الصين سوف ينمو. يتردد صدى النظرة اللاأخلاقية لبكين في الخليج.

هل حقبة جديدة من الصداقة والوحدة العربية الفارسية احتمال معقول أم مجرد تمنيات؟ ستبقى سوريا الأسد غير مستقرة بشكل عميق مهما حدث – مقسمة بين الشمال الغربي الذي تحتله تركيا جزئياً ، حيث يتجول الجهاديون بحرية. الشمال الشرقي الذي يحكمه الأكراد ، معادي لدمشق ؛ والوسط والجنوب الذي يسيطر عليه النظام في الغالب. يبقى شعبها في خطر دائم.

هذا التطور ، الذي يمثل قطيعة مع النظام العالمي بقيادة الغرب ، بعد عام 1945 ، هو جزء من تحول القوة نحو الشرق

قال تشارلز جلاس ، المراسل الأمريكي المخضرم ، من دمشق: “سوريا اليوم عبارة عن سيرك متعدد الحلقات حيث تدخل القوات المسلحة من تركيا والولايات المتحدة وروسيا وإيران في صراع سري بدون هدف واضح”. يمكن أيضًا إضافة جيش الدفاع الإسرائيلي إلى تلك القائمة.

دعوة جامعة الدول العربية غير المشروطة تتجاهل هذا الواقع المحموم. كرر أنطوني بلينكين ، وزير الخارجية الأمريكي ، وجهة النظر الغربية ، بناءً على قرار الأمم المتحدة لعام 2015 ، بأن الانتقال السلمي الذي يتضمن انتخابات حرة وإلغاء الأسد هو “الحل الوحيد القابل للتطبيق لإنهاء الصراع”. يبدو ذلك جيدًا – إلا أنه تمني أكثر.

الغارديان

——————————

السوريون في تركيا يخشون الترحيل بعد الانتخابات

لا فرق إذا فاز إردوغان أو كليتشدار أوغلو

أنقرة: سعيد عبد الرازق

بات السوريون في تركيا يشعرون بأنه لا مغيث لهم ولا ظهير سيدافع عنهم بعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي تشهدها البلاد، الأحد.

بدأ القلق يتسرب إلى أوساط اللاجئين السوريين في تركيا بعدما أخذت مفاوضات التطبيع مع نظام الرئيس بشار الأسد طابعاً جدياً، بدا فيه أن أنقرة هي الطرف الذي يستعجل النتيجة، لا سيما أن مسألة العودة الآمنة للاجئين هي أحد المبادئ الرئيسية التي يخوض الجانب التركي المفاوضات، التي ترعاها روسيا، على أساسها.

وعلى الجانب الآخر، تبدو المعارضة التركية حازمة في موقفها بشأن إعادة السوريين إلى بلادهم خلال عامين، عبر إعادة العلاقات مع الأسد، وبالتنسيق مع الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، وهو ما لا يختلف كثيراً عما تقول به الحكومة.

المعنى أنه لو كرر إردوغان فوزه برئاسة تركيا، أو فاز مرشح المعارضة كمال كليتشدار أوغلو، فإن الوضع بالنسبة للسوريين لن يختلف.

فقد قال إردوغان في أحدث تصريحاته التي تناول فيها القضية، إن عملية العودة الطوعية للاجئين السوريين إلى بلادهم قد بدأت.

وأضاف، خلال إجابته عن أسئلة مجموعة من الشباب التقاهم بالقصر الرئاسي في أنقرة ليل الخميس – الجمعة، في إطار حملته الانتخابية: «أنشأنا حتى الآن أكثر من 100 ألف منزل في الشمال السوري عبر مؤسساتنا الحكومية ومنظماتنا المدنية، وقد بدأ المهاجرون العودة إلى هذه المنازل».

ولم يفوّت إردوغان الفرصة للهجوم على المعارضة، التي تعهدت بإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم في حال تولت السلطة في تركيا، قائلاً: «لا أؤيد هذا المفهوم، هذا ظلم. لا سيما أن العودة الطوعية للسوريين قد بدأت بالفعل ونحن سنقدم الدعم اللازم لهم».

ونفى أن تكون هناك تسهيلات للطلاب السوريين في الالتحاق بالجامعات، كما تزعم المعارضة، قائلاً: «هناك طلاب حاصلون على الجنسية التركية يجتهدون ويحصلون على درجات جيدة، ويجتازون الامتحانات المؤهلة للالتحاق بالجامعات».

ومنحت السلطات التركية الجنسية الاستثنائية لنحو 300 ألف سوري، بحسب الإحصاءات الرسمية.

ويشكو الأتراك من معاملة تفضيلية للسوريين في الدراسة والعلاج، لا سيما مع انتشار مكاتب لحجز مقاعد الدراسة بالجامعات للسوريين، والعرب عموماً، مقابل مبالغ مالية، ما يقلص فرصهم في الحصول على مقاعد على الرغم من خوض اختبارات صعبة للحصول على فرصة للدراسة بالجامعات.

على الجانب الآخر، لا يخفي السوريون خوفهم من الوضع الذي ستصبح عليه تركيا بعد الانتخابات، مع تبني المعارضة وحزب «العدالة والتنمية» الحاكم نهجاً واحداً تجاههم الآن.

وتزداد المخاوف أكثر، حتى لدى من حصلوا على الجنسية، بشكل استثنائي، بعدما أعلنت المعارضة أنه سيتم مراجعة هذه الحالات، واحدة واحدة، وسيتم إلغاء الجنسية لمن حصل عليها دون استيفاء شروطها.

يقول بعض السوريين، ومنهم أحمد عمر، الذي افتتح محلاً للبقالة في حي أفجلار في إسطنبول لـ«الشرق الأوسط»: «أخشى أن تفوز المعارضة، هؤلاء لن يتركونا نعيش هنا، سيلاحقون من يعملون هنا، بسبب وعودهم للأتراك بمنحهم فرص العمل التي احتلها السوريون».

أما شقيقه محمد، الذي يعمل في مصنع للجلود، فقال إن هناك الكثيرين من السوريين يعملون بشكل غير قانوني، ويحصلون على أقل من الحد الأدنى للأجور (8500 ليرة تركية)، وآخرين لديهم أعمالهم الخاصة في مهن بسيطة مثل النقل والحرف اليدوية وحتى جمع الورق وبيعه، «لكننا كنا نشعر بالأمان وبأن الحياة معنا تسير بشكل جيد حتى رغم المعاناة المادية». وأضاف أنهم «لا يعلمون المصير الذي يواجهونه حال عودتهم. يقولون إنهم سيوفرون لنا عودة آمنة، لكن من أين سنعرف أن هذه الوعود ستتحقق، وكيف سيستعيد الناس أملاكهم عند العودة».

وتقول الحكومة التركية إن نحو نصف مليون سوري عادوا طوعاً إلى بلادهم بعد سيطرة القوات التركية وفصائل ما يعرف بـ«الجيش الوطني السوري»، الموالي لتركيا، على مناطق في شمال سوريا.

نسوة سوريات في حديقة عامة بحي فاتح في إسطنبول في أبريل الماضي (أ.ب)

عبد الله محمود، الذي يعمل في ورشة لتصنيع الأثاث في منطقة الفاتح بإسطنبول، لفت إلى أن الوضع في تركيا تغيّر حتى قبل الانتخابات، ولم يعد هناك قبول للسوريين حتى في الشارع التركي، وتصاعدت نبرة الكراهية في كل مكان مع تراجع الوضع الاقتصادي في تركيا في فترة وباء «كورونا» وما بعدها. أضاف: «يتهمنا الناس بأننا السبب في البطالة وغلاء الأسعار. مع أننا نعمل بأجور أقل مما يحصل عليها الأتراك ونكتوي بنيران الأسعار مثلهم».

ويعيش في تركيا نحو 3.6 مليون سوري، منهم نحو 1.7 مليون شخص في الولايات التركية الحدودية مع سوريا. وفي إسطنبول نفسها يعيش نحو 550 ألفاً من العدد الإجمالي للسوريين. وقد ازدادت وطأة الحياة عليهم مع اتهامهم بأنهم السبب في كل شيء، من البطالة والغلاء وارتفاع إيجارات البيوت إلى مستوى خيالي، كما قال لـ«الشرق الأوسط» أحمد إبراهيم الذي يعمل في مخبز سوري في منطقة أسنيورت في إسطنبول.

الشرق الأوسط»

—————————–

سوريا والصراع السوري ونسيج مفارقاتهما/ ياسين الحاج صالح

كانت الثورة السورية، وما أعقبها من حرب أهلية وحرب عامة حدثاً كلياً، أوسع بكثير مما حصل في أي من البلدان العربية التي شهدت ثورات، بما فيها تلك التي تحقق فيها نجاح جزئي ظهر مؤقتاً في نهاية الأمر (تونس، مصر، وبطريقة مختلفة ليبيا واليمن). تبدو سوريا البلد الذي تعرضت ثورته وتطلعات التغيير السياسي فيه لأشد التحطيم من طرف نظام أشد توحشاً من البلدان العربية الأخرى، كما من داخل طيف الثورة في شكل قوى انقسام وطغيان فئوي أخرى. لقد ظهرت سوريا مثالاً لما يجب اجتنابه، إن من حيث قسوة الصراع وكلفته البشرية والمادية، أو من حيث تماديه فوق 12 عاماً، أو من حيث بقاء النظام الذي قتل محكوميه بالغازات السامة والبراميل المتفجرة وقصفهم بالطائرات الحربية ودفنهم في قبور جماعية معلومة وغير معلومة. وإلى ذلك تضاف واقعتان مستمرتان لا يبعد أن تكونا طويلتا الأمد كذلك: الانقسام الفعلي للبلد إلى أربع مناطق (إن وضعنا جانباً مرتفعات الجولان المحتلة منذ 56 عاماً)، ثم اللجوء الواسع النطاق لما يقارب 30% من السكان، فوق سبعة ملايين نسمة، إلى بلدان قريبة وبعيدة، فيما يمكن تسميته „سوريا الخارجة“ (إن سمينا السوريات الأربع التي تمخض عنها انقسام الجغرافيا السورية بـ»سوريا الداخلة“).

بعض سوريا الخارجة هذه تعيش في بؤس مادي وتتعرض للتمييز العنصري في لبنان وتركيا، وللعزل في الأردن، وتحرم من أن تنتظم أو تبنى مؤسسات تخصها، فتبقى رهينة محبس اللجوء المديد، ومعاملتها كمجرد حالات إنسانية تستمر في عيش نكد بفضل مساعدات الأمم المتحدة. لكن ظهر في بعض سوريا الخارجة هذه، في أوروبا خاصة، وكذلك في تركيا، عدد كبير من الأفراد، نساء ورجالا، ممن حققن وحققوا ثورات في الحياة الشخصية وامتلاك المصير، وهو ما كان متعذراً على أكثرهم في „سوريا الأسد»، ولا فرص لمثله في سوريا الداخلة عموماً. إلا أنهم في الوقت نفسه يواجهون كل ضروب الصعوبات الخاصة بالحياة في مناف قلما تكون كريمة، من تأمين عمل ودخل وسكن، ومن أوراق ثبوتية (جواز سفر، إقامة دائمة أو مديدة، حماية مؤقتة مضمونة…)، فضلاً عن الارتباط الاجتماعي ونيل الاعتراف. هناك عدد أكبر من سوريات وسوريين يتكلمون لغات أجنبية ويتعلمون في الجامعات الغربية، ووراء عدد غير قليل منهم تجارب مشاركة مباشرة في الثورة أو معايشة مكثفة للصراع خلال السنوات الإثنتي عشرة المنقضية.

إلى جانب هذا الظهور الفردي الواسع النطاق، ظهرت في نطاق سوريا الخارجة، في تركيا وأوروبا خاصة، مجلات ومراكز أبحاث ومؤسسات وأجسام سياسية ومجموعات متنوعة، استقطبت أعداداً معقولة من السوريات والسوريين، وإن كانت تعتمد في أنشطتها على دعم مادي غير ذاتي، قطري بقدر لافت، ثم أوروبي متنوع في المقام الثاني. تنتج هذه المراكز والمؤسسات معارف غنية عن سوريا، غير مسبوقة كماً ونوعاً، لكنها لا تتحكم بإعادة إنتاج نفسها بالنظر إلى اعتمادها إلى تمويل غير ذاتي، ثم كذلك وقوعها تحت رحمة شروط سياسية متقلبة، لا يسهل التخطيط في ظلها أو وضع استراتيجيات عمل أطول أمداً.

النظر في واقع سوريا الخارجة هذا من وجوهه الإيجابية والسلبية قد يكون أكثر ما يعطي فكرة عن سوريا لو سقط النظام عام 2012 أو 2013. سوريا الخارجة هذه هي „سوريا الحرة“ بكل مشكلاتها وانقساماتها، بتبعيات سوريين لجهات متنوعة، على نحو يذكر بتاريخ „الصراع على سوريا“ بين الاستقلال والحكم البعثي. لكن كذلك بإبداعية أعداد كبيرة من السوريين والسوريات، بغنى سوريا المهدور، بطاقاتها الفنية والفكرية المبددة.

عند النظر إلى سوريا مقابل البلدان العربية الأخرى التي شهدت ثورات تتلامح مفارقة مثيرة. سوريا تبدو البلد الأكثر كارثية وإخفاقاً في ثورته، لكنها كذلك البلد الذي تغير مجتمعه وتحرر عدد كبير من أناسه، ربما أكثر من البلدان العربية الأخرى. هذا مؤكد بالمقاييس النسبية، أي حين نقارن بين أوضاعنا الفكرية والبحثية والثقافية قبل الثورة واليوم، ولعله كذلك بمقاييس مطلقة من حيث حجم الإنتاج وسوية غير قليل منه. ومن وجه آخر، عرضت سوريا على الصعيد الاجتماعي تقابلاً بين نزعة محافظة مشتطة ومقاتلة، متطرفة ورجعية بالفعل، وبين تحرر وامتلاك للمصير غير مسبوق، خاصة من قبل نساء.

وفي جذر ذلك ما تقدم ذكره من أن تجربة الثورة والحرب بعدها هي تجربة أعمق بكثير مما في البلدان العربية الأخرى، تجربة شكلت قطيعة عميقة في حياة عدد لا يحصى منا، رجّتنا بعمق، وتحدتنا تحدياً جذرياً، لعلنا لم نستجب له إلى اليوم بقدر ما ينبغي. يحمل الصراع السوري طاقة كامنة على إعادة نظر واسعة في بنانا وممارساتنا الفكرية والسياسية والأخلاقية والدينية، من شأنها إن تحققت أن تكون هي الثورة التي أخفقت في رهانها الأولي، تغيير النظام السياسي.

على أنه لا ينبغي لذلك أن يحول دون تبين هشاشات خارجية وداخلية تواكب هذا التحول المحتمل وتهدد وعوده. أهم الهشاشات الخارجية هي أننا لا نتحكم بشروط إعادة إنتاج ما طورنا من مؤسسات وروابط. فنحن جماعات لاجئة منكشفة، لا يقع مصيرها بين أيديها. يقع بقدر كبير في أيدي قوى يصعب التوقع الرشيد لمسالكها، على ما تذكر انعطافة التطبيع العربي العجولة مع النظام في الأسابيع الأخيرة.

اما الهشاشات الداخلية فتتصل بتشكلاتنا النفسية والاجتماعية التقليدية، إذ قلما نتميز بالثقة والدأب، ونتراوح بين الاكتفاء بما لدينا على علاته، وبين الذمية واستعدادات التبعية والاستزلام، فضلاً عن نزعة انقسام نشطة.

الثورة السورية نسيج من المفارقات، سبق للكاتب أن تناول إحدى هذه المفارقات، المتمثلة في الجمع بين تغييرية سياسية ومحافظة اجتماعية، مما يفسره وقوع استمرار الثورة على عاتق البيئات السنية المحافظة في البلدات المتدهورة والأرياف (مفارقة الثورة السورية: في التسنين وجذوره، القدس العربي، 28 ديسمبر 2022). المفارقة التي عملت هذه المقالة على إبرازها تتصل بفشل الثورة السياسي وضرب من تحقق اجتماعي وثقافي جزئي لها، بخاصة في „سوريا الخارجة“.

وفي أساس نسيج المفارقات أن سوريا ذاتها بلد متناقض، غني بشرياً، ذو استعداد انقسامي قوي، لم يطور حلولاً فاعلة لانقساماته وقابليتها للتبعية. الحل الأسدي الذي اختبر تاريخياً هو إلغاء الغنى والتنوع السوري لتجنب الانقسام. لكن هذا الحل كان أساساً لحكم سلالي حرس الانقسام من أجل تبعية الجميع له، وهذا قبل أن يعيد زج البلد في مركب من الانقسامات والتبعيات الإقليمية والدولية من أجل بقائه الخاص، ومع الاستمرار في هدر الغنى والتنوع.

انقسام البلد الحالي هو استمرار للبنية الأسدية، وليس عارضاً أصابها ولا هو في قطيعة معها. والتبعية الأمنية لروسيا وإيران ليست شيئاً عارضاً أو قطيعة مع عوائد الأسدية، إنها وليدة مطلب الأبد الأسدي. واللجوء السوري الواسع هو بالمثل استمرار لأجنبية السوريين في «سوريا الأسد»، وليس عارضاً أصابها وأصابهم، ولا هو بدوره في قطيعة مع هذه الدولة المخصخصة. وإنما لذلك لن يجدي التطبيع العربي (والتركي) في حل مشكلات الانقسام واللجوء لأنها لم تنشأ عن الثورة والحرب، بل عن تلك البنية غير الطبيعية دون غيرها. وإنما لذلك أيضاً لا مكان لغنى سوريا البشري والثقافي في هذه البنية، إنه غنى مغترب، لاجئ.

*كاتب سوري

القدس العربي

—————————

ديون إيران على النظام.. بنود سرية تمنع تصديقها ومخاوف من ضياعها بعد سقوط الأسد/ عبد الرحمن الحاج

أعد قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المجلس الأعلى للأمن القومي (شعام) توصية حول الديون الإيرانية على النظام السوري بدءًا من عام 2011 حيث وقعت اتفاقية مع الإيرانيين بهذا الخصوص (الأطراف الموقعة على هذه الاتفاقية غير واضحة).

ومع تزايد العقوبات الأوروبية أو الأميركية التي استهدفت إضعاف قدرة القمع واستخدام أسلحة الجيش، اتفق الأسد مع الإيرانيين نهاية عام 2011 على تدشين خط ائتماني ووقعت عقود لاستيراد المشتقات النفطية لأول مرة في تموز/ يوليو 2012 في عهد حكومة رياض حجاب. وفي مطلع 2013 وقعت عقود في خط ائتمان قيمته 3.6 مليارات دولار لتوريد المشتقات النفطية.

وبحسب وكالة سانا، فقد وقع الاتفاق حاكم مصرف سورية المركزي، أديب ميالة (في ذلك الوقت)، وعن الجانب الإيراني محمود بهمني محافظ البنك المركزي الإيراني، ويتضمن “تسديد الجانب السوري قيمة النفط المورد عبر الخط الذي يتم توريده من إيران عن طريق استثمارات إيرانية في سوريا في مجالات مختلفة”.

وفي نهاية عام 2015 تم توقيع اتفاقية جديدة للتعاون الاقتصادي المشترك، وبعد سقوط مدينة حلب تم بموجب هذه الاتفاقية توقيع خمس اتفاقيات

فرعية في منتصف شهر كانون الثاني/ يناير عام 2017 في العاصمة الإيرانية طهران، وقعها من الجانب السوري عماد خميس (رئيس وزراء النظام) وإسحاق جهانغيري (النائب الأول للرئيس الإيراني). وبحسب وكالة سانا فقد شملت هذه الاتفاقات مجالات الزراعة والثروة الحيوانية والصناعة والنفط والاتصالات (مشغل خلوي).

ديون إيران

وفي شباط/ فبراير من عام 2017 وقع النظام السوري اتفاقية خطيرة للغاية وهي اتفاقية التعاون الاقتصادي الاستراتيجي وطويل الأمد لسوريا”، مقابل الحصول على النفط من إيران بشكل منتظم، وتضمن الاتفاقية بنودًا سرية تتعلق على الأغلب بديون الإمدادات العسكرية  وطرق السداد، أدت بنظام الأسد -بحسب الوثيقة الإيرانية المسربة- إلى حجبها والمماطلة فيها لأنها تتطلب موافقة مجلس الشعب بحسب الطلب الإيراني وهو ما يعني كشف بنودها، وكذلك فعل المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني.

لم تتضح هذه البنود السرية بعد، ولكن كشفها تصريح مفاجئ (أقرب ما يكون إلى زلة لسان) لوزير الطرق وبناء المدن الإيراني مهرداد بزرباش أثناء رئاسته لجنة فنية للمحادثات مع النظام بشأن سداد الديون الإيرانية وتنفيذ اتفاقية 2017 تمهيدًا لزيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، إذا قال بزرباش إن هناك اتفاقا سابقا يتم بموجبه منحُ الإيرانيين أراضيَ سوريّةً مقابل الديون، ومن الواضح أن هذا أحد البنود السرية في الاتفاق.

ديون

من الوثائق الإيرانية المسربة

تكشف هذه الوثيقة سبب الأزمة في إمدادات الوقود والمشتقات النفطية في عام 2022، فقد كانت توصية لمجلس الأمن القومي يتم تنفيذها للضغط على النظام السوري بهدف سداد ديونه وتنفيذ الاتفاقات. وبيّنت الوثيقة أن مجموع الديون السورية النفطية لإيران بلغت نحو 11 مليار دولار عام 2019، ولكن مجموع مجمل الديون الإيرانية خلال تلك الفترة بلغ نحو 50 ملياراً، تشمل التكاليف العسكرية التي صرفتها إيران لتثبيت ودعم النظام في سوريا بالسلاح والمقاتلين؛ خلافًا لما كانت التخمينات شبه الرسمية التي تصدر عن المسؤولين الإيرانيين بشأن الديون السورية عام 2020 والتي قدرتها بـ33 مليار دولار. وتؤكد الوثيقة أن الأرقام المذكورة فيها غير نهائية وإنما هي أولية ولا يزال العمل عليها جاريًا من قبل شركة الاستثمار الأجنبي الإيرانية الرسمية لتحديد الأرقام النهائية.

أخيرًا، تشتمل الوثيقة على توصيات من الدائرة الثانية في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بشأن كيفية سداد الديون والمخاطر المحيطة بها في حال تم عزل رئيس النظام من منصبه لسبب ما، وإلا فالديون الإيرانية ستضيع ولن يكون بالإمكان استردادها ما لم تتم الموافقة عليها من قبل “مجلس الشعب السوري” والبرلمان الإيراني، وهو أمر لم يحدث حتى تاريخ كتابة الوثيقة.

عشرات المليارات.. وثائق مسربة تكشف حجم ديون النظام السوري لإيران

ما مضمون الوثيقة؟

وفيما يلي نص الوثيقة الإيرانية المذكورة والتي سربتها مجموعة إيرانية تتبع لـ “مجاهدي خلق” وتطلق على نفسها اسم “الانتفاضة حتى الإطاحة” (بالنظام الإيراني)، مع وثائق أخرى:

25-7-1400 (2021/10/17)- مراجعة المطالب السورية في اجتماع المجلس الأعلى للأمن القومي.

“في شباط 2017، وقع رئيس وزراء النظام السوري “اتفاقية التعاون الاقتصادي الاستراتيجي طويل الأمد لسوريا”، من أجل الحصول على النفط بشكل منتظم. ونسي الجانب السوري عن عمد هذه الاتفاقية ولم يتم الانتهاء منها (التصديق عليها) في مجلس الشعب. من جهة أخرى، لم يرسل المجلس الأعلى للأمن القومي أوراق الاتفاقية إلى مجلس الشورى الإيراني للتصديق عليها لكونها تحتوي على بعض البنود السرية.

في الأشهر الستة الأولى من عام 2020، تم إرسال مليون برميل من النفط إلى سوريا شهريًا، ولكن الجانب السوري كان يطلب مليوني برميل شهريًا للنصف الثاني من ذلك العام. وقد اقترح اللواء سلامي على المجلس الأعلى للأمن القومي رقم 1.5 مليون برميل شهريًا بناء على طلب اللواء قاآني (وهذا يكون فعليًا 10.5 ملايين برميل للنصف الثاني من عام 2020). والذي من المفترض أن يوافق عليه مجلس الأمن القومي”.

الاعتبارات:

– “اتفاقية تعاون اقتصادي استراتيجي وطويل الأمد بين إيران وسوريا، التي وقعها النائب الأول لرئيس الجمهورية من جهة ورئيس الوزراء السوري آنذاك من جهة أخرى، في شباط 2017، لغرض إتمام الاتفاقية الأولى (2011) وترتيب الأثر القانوني الكامل عليها وجميع الاتفاقيات الموقعة بين البلدين. ووفقاً للآلية القانونية الدولية الواردة فيها، تجعل من الممكن الدفاع عن حقوق بلدنا في مراكز التقاضي الدولية. وطالما لم تتم الموافقة على هذه الاتفاقية من قبل برلمان البلدين، فلن يكون من الممكن إنفاذها في مراكز التقاضي الدولية”.

– “من عام 2011 إلى عام 2019 أرسل (نبايان) نفطًا بقيمة تزيد على 11 مليار دولار، لهذا البلد على شكل خطة ربيع (مساعدات لسوريا). في الوقت الحالي، وفقًا لتصريحات المدير العام (IFIC) لشركة الاستثمار الأجنبي الإيرانية (المسؤول عن حساب الأرقام)، ومع الأخذ في الاعتبار المساعدات العسكرية والنقدية الأخرى، وما إلى ذلك، يقدر المبلغ الإجمالي للديون السورية بـنحو 50 مليار دولار (ما تزال في طور استخراج الرقم النهائي للديون).

– “يبدو من المناسب ممارسة الضغط على سوريا من خلال عدم إرسال النفط إلى ذلك البلد، كما في سيرة (الشهيد سليماني)، لبعض الأغراض المنشودة، لذلك يشار إلى أن استمرار تزويد سوريا بالنفط مرهون بموافقة الدولة على الاتفاق سالف الذكر مع التنويه إلى أنه يجب الإفراج عن اتفاقية الموافقة على توريد النفط”.

– “الفترة الرئاسية الجديدة للسيد بشار الأسد حساسة للغاية وقد يتم عزله من منصبه لأي سبب من الأسباب، وإذا لم يتم الانتهاء من هذه الاتفاقية المذكورة أعلاه مع سوريا، فستكون مليارات الدولارات التي تعود ملكيتها للبلاد في خطر جسيم”.

– “من أجل الاستفادة بشكل أكبر من سداد ديون الحكومة السورية (وفقًا للخطة الواردة في اتفاقية 2011)، تلقى (خاتم وإفيق) اعتمادًا بقيمة 400 مليون دولار من المرشد الأعلى، ومن المحتمل أن يزداد هذا الطلب إلى 1.6 مليار دولار”.

أعدّ الوثيقة: الدائرة الثانية للشرق الأوسط وشمال إفريقيا- مهر (شهر) 2020.

——————————-

سياسات النظام السوري في ابتزاز المجتمع الدولي

إعداد فراس فحام

رغم حالة العزلة التي فرضها المجتمع الدولي على النظام السوري بعد عام 2011، كان لافتاً انخراط العديد من الدول في مفاوضات معه حتى قبل انطلاق مسار التطبيع نهاية عام 2018.     

منذ عام 2014، بدأت العديد من الدول مفاوضات مع النظام، ما تزال مستمرّة حتى الوقت الراهن، والتي لم تعد تقتصر على القضايا الأمنية بعدما تحوّلت تباعاً إلى تنسيق وتواصل سياسي ودبلوماسي في العلاقات. كان ذلك بسبب سعي دولي واضح لمواجهة التهديدات والمشكلات التي تعترضها مثل مكافحة الإرهاب والحد من الهجرة غير الشرعية ومكافحة التهريب، وهي قضايا لطالما عمد النظام إلى ابتزاز المجتمع الدولي بها، بشكل بات يتعدّى دول الإقليم.     

خُلصت الدراسة إلى وجود سياسة ممنهجة لدى النظام، تقوم على ابتزاز المجتمع الدولي لتحقيق مكاسب سياسية؛ حيث يُشير سلوك النظام في المفاوضات التي خاضها مع الفاعلين الدوليين، ومواقفه وتصريحاته التي يطلقها في أثناء المباحثات إلى وجود توظيف للقضايا الأمنية لدرجة الابتزاز الواضح.     

تحاول الدراسة تحليل طريقة الابتزاز التي يلجأ إليها النظام عبر تلك القضايا، وتبني عليها لمعرفة مدى استعداده أو قدرته على التخلّي عن هذا النهج في ظل خطوات التطبيع القائمة معه. يُساعد هذا التحليل الباحثين وأصحاب المصلحة من الفاعلين في فهم سياسات النظام تجاه القضايا التي تقع في صلب التطبيع ونهج الخطوة مقابل خطوة.     

لقراءة التقرير كاملاً يمكنكم تحميل النسخة الإلكترونية ( اضغط هنا )               

———————————-

لا يزال النظام السوري مصدراً إقليمياً لعدم الاستقرار رغم التطبيع العربي/ تشارلز ليستر

إن مبادرات التطبيع تجاه النظام السوري، التي تقودها بشكل أساسي  السعودية والأردن والإمارات، مشروطة ظاهرياً بالسيطرة على قضية اللاجئين والتهريب عَبْر الحدود والعنف والتطرف.

لكن النظام السوري لا يظهر بوادر تُذكر على استيفاء هذه الشروط.

للمرة الأولى منذ 12 عاماً، سيحضر رئيس النظام السوري بشار الأسد اجتماع جامعة الدول العربية، عندما تجتمع الدول الأعضاء في المنظمة البالغ عدد أعضائها 22 دولة في 19 أيار/ مايو، في مدينة جدة السعودية.

ويأتي حضور الأسد المخطط له بدعوة من السعودية بعد موجة مكثفة من التواصل الإقليمي مع نظام الأسد، بهدف إعادة اندماجه في المنطقة.

وقد وُصفت مبادرات التطبيع هذه، التي تقودها بشكل أساسي السعودية والأردن والإمارات، بأنها مشروطة في المقام الأول بتحقيق عودة كبيرة للاجئين إلى سورية، وكبح تهريب المخدرات المرتبط بالنظام عبر الشرق الأوسط، ومكافحة الإرهاب والتطرف، وتأمين الإفراج عن المعتقلين السياسيين.

ولكن على الرغم من موجة البيانات العامة والمقابلات الإعلامية رفيعة المستوى والبيانات الرسمية متعددة الأطراف، لا يزال لا يوجد أي دليل على توفر ظروف عملية، ناهيك عن آليات موجودة لفرض عقوبات عند عدم تطبيق تلك الشروط.

حتى الآن، كانت الإجراءات الوحيدة التي تم اتخاذها هي تقديم التنازلات لنظام الأسد.

وفي الحقيقة، فإن احتمال أن يكون النظام مستعداً لفعل ما هو ضروري لتنفيذ أي من الشروط المذكورة أعلاه هو احتمال معدوم تقريباً.

وفي غضون ذلك، تصاعد حجم تصدير الكبتاغون، وهو المؤشر الأكثر وضوحاً لعدم الاستقرار الناجم عن سيطرة النظام في سورية، وسط تطورات التطبيع. ففي الأسابيع الأربعة الماضية وحدها، تم ضبط ما يساوي مليار دولار من حبوب الكبتاغون السوري الصنع في السعودية والإمارات والعراق والأردن.

وبالنظر إلى التحول الدراماتيكي في الموقف تجاه المنطقة، من الصعب تصور دول المنطقة التي تغير مسارها – حتى على الرغم من رفض النظام المتوقع لمنح تنازلات ذات مغزى.

فلقد تم تقديم إعلان النظام في 13 أيار/ مايو عن فتح معبري الراعي وباب السلامة الحدوديين من تركيا إلى شمال غرب سورية على أنه تنازل، لكنه لم يكن من هذا القبيل.

فلم يكن لقوات النظام أي نفوذ أو حضور أو سيطرة على أي من المعبرين خلال أكثر من عقد.

وعندما سُئل ممثل الأسد لدى الأمم المتحدة، بسام صباغ، في أعقاب الزلزال من قِبل وسائل الإعلام الدولية، في 14 شباط/ فبراير، لماذا لم يتم فتح المعابر في وقت سابق لوصول المساعدات، انفجر ضاحكاً وصرخ: “لماذا أنت تسألني، حتى نحن لا نتحكم بهم” لذلك لا يمكن للنظام الآن أن يدعي أن هذه بادرة حسن نية.

وبدافع الإرهاق والسياسة الواقعية والإحباط من تقاعس الولايات المتحدة عن العمل، فإن هذا التطبيع الإقليمي لنظام الأسد يتجاوز 12 عاماً من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية ويتستر عليها.

فلقد جمع المدعون الدوليون أدلة لإدانة الأسد بارتكاب مثل هذه الجرائم أكثر من تلك التي قدمها العالم إلى نورمبرغ لإدانة الحزب النازي.

لذلك فإن وضع مثل هذا السلوك الإجرامي الهائل على الرف ليس بالأمر البسيط بالرغم من أن المحاولات العالمية لإعادة تأكيد المعايير الراسخة الآن تبدو وكأنها جهود فارغة.

ولكن من المستبعد حالياً أن تتم ترجمة التطبيع الدبلوماسي إلى أكثر من مجرد رموز حيث تحتفظ مجموعة قوية من العقوبات الغربية بتأثير رادع كبير على التعاملات المالية مع نظام سورية، ولا يوجد أي إشارة إلى أن هذه العقوبات ستُزال في أي وقت قريب.

علاوة على ذلك، قدم الكونغرس الأمريكي تشريعاً يعرف بقانون مكافحة تطبيع الأسد، الذي سيحظر أي تطبيع مستقبلي للنظام السوري من قِبل الولايات المتحدة، ويعزز القانون القائم المعروف بقانون قانون قيصر، ويطلق تحقيقاً حكومياً في صندوق الثقة للتنمية في سورية الذي تديره أسماء الأسد لاستكشاف حالات السرقة والتلاعب بالمساعدات الدولية، بالإضافة إلى فرض عقوبات على المطارات الأجنبية التي تستقبل شركة الطيران السورية شام التي تخضع للعقوبات مسبقاً والتي يزعمون أنها تقوم بإصلاح طائراتها.

بغض النظر عن الاتجاه الذي ستسلكه السياسة الداخلية الأمريكية في السنوات المقبلة، إلا أنه يبدو أن التوافق الواسع للأحزاب في الكونغرس على الحفاظ على سياسة قوية تجاه سورية أمر مضمون تقريباً.

بقلم: تشارلز ليستر / المصدر: معهد الشرق الأوسط/ ترجمة: عبدالحميد فحام

————————–

الأردن يجازف مع «المغامرة السورية»: «تحفيز» وليس «إجبار» الأسد/ بسام البدارين

لا يوجد تحديد وترسيم أردني أو عربي لمقولة “العمل المشترك المتدرج” عندما يتعلق الأمر بما وصفه وزير الخارجية أيمن الصفدي بعد ظهر الخميس بـ “أزمة طالت في سوريا وأنتجت كوارث”.

قبل تصريحه الأخير عشية انعقاد القمة العربية بالرياض، كان الصفدي أحد السياسيين الذين يؤمنون بأن الأزمة السورية تشعبت وبدأت تؤذي الجميع في الإقليم، على أساس القناعة بأن حماية منظومة المصالح الأمنية والاقتصادية الأردنية حصراً تطلبت المبادرة الملكية المعلنة منذ أسابيع قليلة، والتي تقود بالخلاصة إلى رفع الشعار المرتبط بتفكيك الحصار الاقتصادي على الجار السوري.

التدرج في اللغة الدبلوماسية الأردنية يعني أن عمان تفهم مسبقاً بأن الحصار المفروض على سوريا لا يمكن تفكيكه حقاً، لا بمبادرة أردنية ولا بخطة عربية. لكن فهم الأردن يتطور باتجاه عمل منهجي يفكك، على الأقل في المرحلة الأولى وتحت سقف إعادة احتضان النظام السوري ودمجه، التأثيرات التي تنتج عن الحصار على دول الجوار، ومن بينها تركيا ولبنان والأردن بالخصوص.

لذلك، راقب الجميع الصفدي بعد ظهر الخميس وهو يعلن بأن بلاده مثل غيرها؛ لا تستطيع تجاوز العقوبات ضد سوريا، لكن ما يستطيعه النظام العربي ضمناً هنا هو العمل مع المجتمع الدولي لرفع تلك العقوبات ولو بالتدريج. ذلك يؤشر على تصور أو خطة أردنية قيد التنفيذ، من المرجح أنها تغذت على تلك القناعة التي قالها الصفدي شخصياً سابقاً في اجتماعات مع الأمريكيين بصيغة “أسقطوا النظام السوري إن استطعتم”، التي لحقت بها صيغة تقول بأن تداعيات العقوبات على الاقتصاد الأردني لم تعد تحتمل.

بحثت عمان في واشنطن بصراحة ووضوح عن هامش يحررها ولو قليلاً من قانون قيصر الأمريكي. وبعرف خبراء الاقتصاد بمن فيهم النائب الدكتور خير أبو صعليك، أن تطبيقات قانون قيصر ونظام قانون العقوبات تؤذي مصالح الجميع.

وضع كارثي

وفكرة التدرج – برأي الصفدي – تتطلب مرحلة وشيكة من التفاعل، لأن ما سيقدم للأمريكيين والغربيين الذين يواصلون حصار سوريا وتوقفوا عن محاولة إسقاط النظام فيها هو خارطة طريق عربية قائمة على التحفيز، بمعنى استعادة الثقة وتدشين برنامج خطوة مقابل خطوة بغطاء القمة العربية والنظام الرسمي العربي. وضمن المنطق القائل بأن الاستمرار في الوضع الحالي أصبح كارثياً ومستحيلاً ولا يخدم إلا الإرهاب وتجار المخدرات، تفترض الدبلوماسية الأردنية أن قمة الرياض العربية ستقترح وتوصي المجتمع الدولي برفع العقوبات عن سوريا، لكن تحفيز النظام السوري للاشتباك الإيجابي مع طرح من هذا النوع يتطلب ما هو أبعد وأعمق من خطة عربية أو توصية للقمة أو مجرد تحفيز، بل الخوض -على حد تعبير الصفدي- في الاجتماعات بعملية صعبة ومعقدة وتفصيلية لكل ما تراكم في الملف السوري منذ 12 عاماً.

بتقدير المؤسسة الأردنية، تلك عملية مضنية ومجهدة ومعقدة، لكنها ليست مستحيلة. وفي أحد اللقاءات كان الصفدي يشرح “التحرك في الأفق المعقد أفضل من لا شيء”. لذلك، تصدر السؤال وسط الخبراء منذ يومين فقط: تحفيز النظام السوري، من أجل ماذا؟ إقناع المجتمع الغربي الدولي بالتدرج في رفع العقوبات، مقابل ماذا؟ طبعاً، الاجابة عن السؤالين مرهونة بجدية الاشتباك.

وبعض التوقعات تفترض بأن خطة المسار العربي إياها، رغم كل عملية التجميل التي تطالها، قد تصطدم بالخيارات والمصالح الأمريكية في الداخل السوري. وقد تصطدم مرة ثانية بغابة التعقيدات الأمريكية الروسية في النظر إلى المنطقة واصطفافاتها وتحالفاتها.

لكن على الأقل ثمة خطة في ذهن دوائر القرار في عمان، وعلى الأقل ثمة تسريبات لملامح تلك الخطة التي يفترض الأردنيون أنها قد -نقول قد- تقنع الأمريكيين وغيرهم من خصوم نظام دمشق بأن احتضان النظام السوري عربياً قد يكون خطوة في اتجاه إعادة تأهيله ولو بشروط في المجتمع الدولي. الأفكار والتفاصيل هنا تتزاحم، والانطباع مبكر بأن نظام دمشق مثلاً أظهر مرونة في توجيه ضربات أمنية وعسكرية قوية لمجموعات تهريب المخدرات في الجنوب السوري، وأظهر تجاوباً مع مقترح عربي تبنته مشاورات جدة وعمان معاً بنقل مخيم الركبان الصحراوي الشهير من مكانه. والأهم أن دمشق ولأول مرة التزمت وتعهدت بأن تبدأ بعثاتها الدبلوماسية في الخارج بتجديد وثائق وقيود المواطنين السوريين العالقين في الشتات.

ملفات شائكة

لا بل إنه بات لازماً في التصور الأردني اليوم معالجة الكثير من الملفات الشائكة عبر النظام السوري وبواسطة التحدث مباشرة معه. والحديث هنا طبعاً عن آلية متفق عليها وطويلة الأمد تسمح بعودة اللاجئين السوريين إلى بلدهم، وهي خطوة تتطلب في نظر الأردن ليس ضمانات أمنية وسياسية فقط من الحكومة السورية، بل تجهيزات لوجستية تعيد تأهيل مناطق العودة بضمانات تأهيل عربية ودولية. عمان تعتقد بأن عودة مئات اللاجئين من الأردن وتركيا ولبنان إنجاز يمكن البناء عليه في سياق عملية عودة بمظلة عربية ودولية توافق عليها دمشق، وقد يكون ذلك أقرب إلى حلم سياسي. لكن الوزير الصفدي اعتبر مبكراً بأن أي شيء أفضل من لا شيء.

في السياق تحفيزات مرتبطة بأن تطالب الدول العربي نظام دمشق بالصفح والتسامح. وذلك قد يكون أعقد ما في مشروع المسار العربي. والاعتقاد في دوائر العاصمة الأردنية متصدر بأن أفضل معالجة لأزمة الإصلاح أو الحوار السياسي السوري عموماً هي تلك التي تناقش تفاصيلها بوجود النظام السوري، الأمر الذي يظهر نجاعة فلسفة التحفيز المشار إليها.

سألت “القدس العربي” وجهاً لوجه مسؤولاً أردنياً بارزاً عن كيفية إجبار النظام السوري على القبول بالتحفيز ونظام التقسيط الإصلاحي؟

الجواب هنا مباشر ويقضي بأن دولاً مثل الأردن وتركيا، عاجلاً أم آجلاً، ستتحدث مباشرة مع الرئيس الأسد، وأن النظام السوري بعد 12 عاماً من الفوضى والدمار والكوارث يخسر الكثير ولا يعالج مشكلاته رغم الحسم العسكري والانتصار، وأمامه فرصة ينبغي أن يغتنمها، يغازلها الآن النظام العربي برمته.

المسؤول نفسه شرح: في ملف المخدرات مثلاً، أبلغناهم بوضوح أننا سندخل للعمق السوري مراراً وتكراراً إذا لم يقوموا بواجبهم السيادي. وفوق ذلك، بدون تنازلات من النظام السوري، لن يحصل على فلس واحد إذا ما قرر يوماً إعادة الإعمار دولياً، خلافاً لأن دمشق اليوم مفعمة بكل أصناف المشكلات، فالكهرباء مثلاً تشتغل ساعتين في اليوم. والخلاصة أن لـ “أركان النظام السوري” مصلحة في تقديم تنازلات وضمانات. وللعلم، عودتهم إلى الجامعة العربية لا تعني الكثير بالنتيجة إذا لم يلتزموا بالمطلوب، وما نتحدث عنه معهم هو التحفيز وليس الإجبار.

القدس العربي

———————————

“إعلان جدة”: تأكيد على مركزية القضية الفلسطينية واحترام سيادة الدول

أعلن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، عصر اليوم الجمعة، اختتام أعمال القمة العربية الـ32، والتي عُقدت في مدينة جدة السعودية، بمشاركة القادة العرب، من ضمنهم رئيس النظام السوري بشار الأسد، الذي يحضر لأول مرة منذ تعليق عضوية دمشق في الجامعة العربية، بسبب القمع الذي مارسه نظامه ضد الثورة عام 2011، وبحضور الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.

وأعلن بن سلمان في ختام القمة تبنّي المشاركين “إعلان جدة”، والذي أكد أهمية تكثيف الجهود للتوصل لتسوية عادلة للقضية الفلسطينية، والتأكيد على مركزية القضية الفلسطينية عربياً وعلى المبادرة العربية سبيلاً لحلها.

وشدد الإعلان على ضرورة وقف التدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية للدول العربية، واحترام قيم وثقافات الآخرين، واحترام سيادة واستقلال الدول وسلامة أراضيها، مؤكداً رفض دعم تشكيل الجماعات والمليشيات المسلحة الخارجة عن نطاق مؤسسات الدولة.

وعلى صعيد الأزمة السودانية، أكد إعلان جدة رفض أي تدخل خارجي في الشأن السوداني لتفادي تأجيج الصراع، داعياً إلى التهدئة وتغليب لغة الحوار، واعتبار اجتماعات الفرقاء السودانيين في جدة خطوة يمكن البناء عليها لإنهاء الأزمة.

وفي الشأن الليبي، دعا المشاركون إلى ضرورة حل الأزمة في الإطار الليبي، ودعم إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية حلاً للخروج منها، فضلاً عن دعم جهود البعثة الأممية، والتأكيد على ضرورة التوصل لتسوية سياسية شاملة.

التحديثات الحية

اختتام أعمال القمة العربية الـ32 باعتماد “إعلان جدة”

وفي سياق آخر، دعا إعلان جدة لانتخاب رئيس للبنان، وتشكيل الحكومة في أسرع وقت، وإلى تعزيز الظروف المناسبة لعودة اللاجئين السوريين، والحفاظ على وحدة وسلامة أراضي سورية.

إلى ذلك، أكد الإعلان دعم مجلس القيادة الرئاسي في اليمن لإحلال الأمن والاستقرار، ودعم الجهود الأممية والإقليمية الرامية إلى التوصل لحل سياسي شامل للأزمة اليمنية.

وألقى القادة المشاركون في القمة كلمات، عبّروا فيها عن دعم القضية الفلسطينية، وإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس، مندّدين بالانتهاكات الإسرائيلية المستمرّة، ومرحبين في سياق آخر بعودة سورية إلى الجامعة العربية.

وكان بن سلمان قد قال، خلال الجلسة الافتتاحية للقمة، إنّ القضية الفلسطينية كانت وما زالت قضية العرب المحورية، وإنها تأتي على رأس أولويات المملكة السعودية، مشيراً إلى “أننا نعمل معاً من أجل التوصل لحلّها”.

ورحب بن سلمان بعد تسلّمه رئاسة الدورة الحالية للقمة، بحضور رئيس النظام السوري بشار الأسد القمة، معرباً عن أمله في أن تساهم عودة النظام السوري للجامعة العربية في دعم أمن سورية.

———————————-

كوابيس السوريين/ ناصر السهلي

النيّات عادة لا تخضع للمحاسبة. لكنها لخبرة السوريين مع نظامهم منذ 1970، تُطلق عندهم عنان المخيلة الجمعية، وسؤالهم عما إن كانوا “يستحقون” نهاية ما لكوابيسهم المرعبة، كرعب سجون تدمر والمزة وكركون الشيخ حسن، وبقية الباستيلات الأسدية، أو كرعب أمهات تسكنهن آمال بألا يكون مصير أحبتهم كمصير ضحايا حفرة التضامن، وبقية الحفر على امتداد 12 سنة.

حفاوة عودة الأسد الابن إلى جامعة الدول العربية تفرك الملح في جروح لم تندمل بعد. مئات آلاف المكلومين تُغيب صور أحبتهم المخفيين قسراً، ويُغيب مستقبل ملايين المهجرين، تحت خيام العار “الوطنية” والذل في عنصرية وبلادة “الجوار”، وربط انتهازي لـ”حق العودة” بفتح خزائن العرب لتمويل الأسرة الحاكمة في دمشق.

ربما هو زمن حضيض الشعارات، التي ظلت “ماركة مسجلة” عربياً عن اللاجئين الفلسطينيين، وعن “حق العودة” وتقرير المصير وإقامة دولة الحرية والكرامة.

ما هو مؤكد في الروايتين السورية والفلسطينية، أن الثانية على مدار 75 سنة أثبتت لأحفاد العصابات الصهيونية ضراوة الذاكرة ودورها في استحالة المستقبل إلا لأصحابه الأصليين. في الأولى، السورية، وما يجب أصلاً أن تمر 7 عقود لإثباتها، يصعب محو ذاكرة السنوات الماضية، والتي اختزنت لعقود بالوراثة المعنى الأصيل لتسخير “مملكة الأسد” للعصابات والمذابح والقتل الجماعي، لافتعال بدائل عن سورية الأصلية.

فرش السجاد الأحمر لبشار لأسد، هو مسح الدم عن يديه، وتفاخر الهاتفين من الرعية في 2012 بحقيقة سورية النحيفة المتخيلة: “لا عرب ولا عربان… فلتحيا إيران”، وليس سوى مقدمة مأمولة لديه ولدى أمراء حربه بتتويج “حافظ جونيور” مستقبلاً على عرش المملكة الأسدية، وبتعديل “دستوري” بعد بضع سنوات، على مقاس “راعي كل شيء”.

كل آمال النظام الرسمي العربي لتمرير الجمل من ثقب إبرة الحائك الحقيقي لسجادة خدعة “وقف الإغراق بالكبتاغون”، و”إبعاد الإسلاميين عن السلطة”، ستصير كبقية قائمة بوفيه الأوهام، والتي برع حافظ الأول بتوريثها لبشار، والأخير لحافظ الثاني.

العربي الجديد

—————————–

إمبراطور العبث السوري ودراما التطبيع العربي/ عبير نصر

من ناحية المقاربة السياسية والواقعية الاجتماعية، لم يعرف العالم منظومةً حاكمة أغرب ولا أفظع، بكلّ ما عَلِق بها من شوائب، وما أثير حولها من زوابع وأقاويل، من نظام الأسد الذي يجسّد جموعَ الأضداد الكشفية، حين تمشي نحو أقصاها، لتنتهي إلى العبث المطلق، بحكم أنه لا يتقن سوى فنّ التحديق الماكر في جسد العدم. هو المختبئ وراء الدبابات وفيالق المرتزقة والمنافقين، يزيّنون له سوء أعماله، فيجعلون المعاصي قربات، والجرائم طاعات. نظام قمعي قائم على مذابح لا تحمل رموزاً بحاجةٍ لفكّ تشفير، بقدر الحاجة لتفكيك وحشية أسياده أنفسهم ومحاكمتهم عن كلّ مأساة لحقت بالسوريين. بمعنى أوضح .. جاء هذا النظام ليكون التجسّد الحقيقي لعبارة “كاليغولا” الشهيرة مهدداً شعبه: “سأكون لكم بديلاً عن الطاعون”.

وعليه، جاء الخراب السوري اللامتناهي تالياً لبلوغ الأسد الابن أقصى درجات فشله السياسية، بعدما شاء طالعه أن يعيش، طوعاً أو كرهاً، على خطوط النار التي أشعلها والده. وحول مصطلح “النظام المذبحة” يقول أفلاطون في كتابه الفلسفي السياسي “الجمهورية”: “من يذق بلسانٍ وفمٍ دنسين دماء أهله، من المحتّم أن ينتهي به الأمر إلى أن يصبح طاغية ويتحول إلى ذئب”. أدلّ مثال على هذا شهادة الصحافي البريطاني، روبرت فيسك، بعد زيارته حماة المنكوبة خلال ثمانينيات القرن الماضي “في حماة، تمّ قمع الانتفاضة الشعبية بقساوةٍ نادرة في التاريخ الحديث، لقد غزا نظام الأسد المدينة بمثل ما استعاد السوفييت والأميركيون برلين، ثم أُجبر الأحياء على السير في مظاهرة تأييدٍ للقتلة!”. صراحة أو ضمناً، هذه هي عقلية النظام السوري التي تنزلق إلى تطرّفٍ عصابيّ يفضح الذهنية المريضة للطغاة، نظام ما إنْ توفرت له ظروف التمكّن حتّى قدّم درساً للجميع مفاده “لا ضير، إنْ اقتضت المصلحة، من مصافحةِ ديكتاتورٍ يلوّح بسواطيره كما لو كانت دمى مسليّة في مجلس التهريج العالمي”.

بالتساوق مع ما تقدّم، ورغم إظهار وكالة الأنباء الروسية RIA FAN في إبريل/ نيسان 2020 أنّ 31% فقط من السوريين في “مناطق سيطرة النظام” يوافقون على الأسد، نرى اليوم تدافعاً عربياً للتطبيع مع هذا النظام منتهي الصلاحية، في محاولةٍ “لأنسنته” عبر الشقوق التي أحدثتها كارثة زلزال فبراير المنصرم. تحرّكٌ يرتبط بخريطة التموضعات الإقليمية الجديدة، والتنافس بين دولٍ عديدة على أدوار سياسية واقتصادية في مرحلةٍ يستمرّ فيها الانكفاء الأميركي عن بعض ملفّات المنطقة الساخنة. بطبيعة الحال، تبقى الجهود العربية مرهونة بشكل علاقاتها مع كلّ من إيران وروسيا والولايات المتحدة وتركيا. على سبيل المثال، أيّ تحسّن في الاتفاق المبرم بين الرياض وطهران سيكون دافعاً لتحقيق مزيدٍ من التقدّم في الانخراط العربي بالحلّ في سورية. كذلك، رفع العقوبات الغربية عن النظام أو منحه أيّ استثناءاتٍ سيكون مرتبطاً بمدى قناعة واشنطن بجدوى الخطوات المتّخذة إزاء تعديل سلوكه، وسط مطالبة مشرّعين أميركيين الرئيس بايدن برفض إعادة الأسد إلى عباءة المجتمع الدولي، ما لم تحصل إصلاحاتٌ ذات مغزى، مؤكّدين أنّ الموافقة الضمنية على التعامل الدبلوماسي الرسمي مع نظامه الدموي تشكل سابقة خطيرة للمستبدّين الذين يسعون إلى ارتكاب جرائم مماثلة ضد الإنسانية.

في هذا الوقت، نشرت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية مقالاً للكاتبة اللبنانية كيم غطاس، التي أكّدت أنّ “ما يجري في السودان يحمل درساً للمسؤولين العرب الذين يشقّون طريقهم إلى دمشق. إذ إنّ المساومة مع الطغاة، سواء كانوا جالسين في قصر رئاسي أو يرتدون ملابس عسكرية، من دون قوة أو ردع أو محاسبة، هي مسألة محكوم عليها بالفشل”. في السياق، يرى مركز ستراتفورد الأميركي للدراسات الاستراتيجية والأمنية أنّ التطبيع مع الأسد يثبت، بعد المحاولات الفاشلة لإطاحته، صواب الأخير في التعامل مع انتفاضة بلاده، وربما يتحوّل إلى دليلٍ دامغ على أنّ القوة خيارٌ صالح للغاية لقمع التهديدات الشعبية ضد الأنظمة الشمولية في الشرق الأوسط، كما يضع أنموذجاً لكيفية النجاة حتّى في أسوأ سيناريو لانتفاضةٍ شعبية شاملة.

برزت مقولتان تفسّران “حمّى” التطبيع العربي مع طاغية دمشق. تصبّ الأولى في بلورة مبادرة حول سورية تتضمن إحياء المفاوضات المباشرة بين المعارضة السورية والنظام لكتابة دستور جديد، والتمهيد لانتخابات برلمانية ورئاسية، وهذه مثلت لسنوات وجهة النظر السعودية. وتعكس الأخرى مواصلة الإمارات محاولاتها تعويم بشّار الأسد ونظامه، وهذه المرّة من بوابة الزلزال المدمّر. فعلياً، لا أبو ظبي ولا الرياض تملكان قوات عسكرية في سورية، تدعم محاولاتهما لعب أدوار مفصلية فيها، ولا طهران، في المقابل، في وارد التراجع عن نفوذها هناك، ولا الأسد يتجرّأ أصلاً على تحجيم الدور الإيراني الذي يدينُ له جزئياً بالنجاة.

أضف إلى ذلك، لن تقبل تركيا بإخلاء الشمال السوري من دون “تسوية” مُرضية لها للمسألة الكردية، ولا ننسى بالطبع ترسانة العقوبات الأميركية والأوروبية، مضافةً إلى العقوبات المفروضة لأسبابٍ أوكرانية على روسيا ونووية على إيران وتداعياتها السياسية سورياً…، يعرقل ذلك كله مسيرة التطبيع الناجح مع دمشق. على التوازي، تطرح هذه المعطيات المعقدة أمام الأسد تحدّيات كثيرة، لعلّ أبرزها، أنه لن يستفيد مادياً ولا سياسياً من التطبيع، فمادّياً تبدو تجارة الكبتاغون أكثر ربحية له رغم مخاطرها. أما سياسياً، ليست مجازر النظام الموثقة صفحة لتُطوى، فتاريخُه الأسود يشوّه مَن يقترب منه، وحقوق ملايين السوريين المعادين لمنظومةٍ كهذه تجاوزت كلّ حدود الإجرام، تحرمه من أيّ جني سياسي حقيقي.

جديرٌ ذكره، ثمّة فريقٌ يحرص على تصدير بروباغندا إعلامية و”بحثوية”، للتغطية على الهزيمة اللئيمة في سورية. ورغم نعت النظام السوري بالجثة الهامدة سياسياً ولا قيامة لها، يعلّل حماسه لمصافحة الديكتاتور بأنّ السياسة تتطلب القبول بما هو ممكن، وأنّ القبولَ بالمفسدة الأقل في عالم كبير ومجرم أساساً حكمةٌ بالتأكيد. ويؤكّد فريق مناوئ أنّ التطبيع في القاموس العربي كان حكراً على إسرائيل، واليوم يشمل النظام السوري، بحكم أنّ حليفه الإيراني حصد مكاسب كبيرة في المنطقة، ومع الانكفاء الأميركي، يجب التعايش مع الواقع الراهن والتفاعل معه.

ومهما كان من أمر هذا الفريق أو ذاك، لا مبالغة في القول إنّ أول المستفيدين من عزلة الأسد هو الأسد نفسه، الذي وجد نفسه يختلي مع البلاد أخيراً، لا حسيب ولا رقيب، هو الذي عندما سُئِل عن قتل عشرات آلاف الأطفال الأبرياء في بلاده خلال الحرب، أجاب ضاحكاً: “أنام وآكل جيداً وأمارس رياضتي وعملي بشكل معتاد”. لذا يعلم الجميع أنّ بشار الأسد استثناءٌ فارق بين الطغاة، فهو إمبراطور العبث، مستعدٌّ لتجاوز أقصى حدود التطرّف للحفاظ على كرسيه المقدّس. لا لشيءٍ، سوى لإيمانه المطلق بأنّ التسوية السياسية ستؤدّي إلى سقوطه المدوّي، لأنه ببساطة لا يتمتّع بشعبيةٍ كافية لنجاته حتّى داخل حاضنته الموالية. وعليه، لا يجد حرجاً من التلاعب كي ينام بسلام داخل البئر العميقة التي ألقي فيها، بعدما غدا أشبه بـ”كاليغولا”، طالبُ الأضداد والمستحيلات الذي تمنّى يوماً لو أنّ الشعب الروماني برأسٍ مشترك ليقطعه بضربةِ سيفٍ واحدة.

العربي الجديد

——————————–

الشعارات الخاوية لم تنقذ السوريين/ عبد الباسط سيدا

العمل السياسي في جوهره عمل إداري، هدفه تأمين احتياجات المواطنين، وإدارة التنوّع والتباينات في المجتمع، واحترام تطلّعات الناس، اعتماداً على الموارد المادية والبشرية المتاحة؛ ووضع الخطط والبرامج وتنفيذها بهدف تطوير تلك الموارد للتمكّن من تأمين الاحتياجات المتنامية، والارتقاء المستدام بها، وضمان مستقبل أفضل للأجيال المقبلة. ويستوجب هذا العمل وجود مؤسّساتٍ وهيئاتٍ تتولّى مهام التخطيط والتنفيذ في مختلف الميادين، كما تتابع أوجه القصور وتعمل على معالجتها. وذلك بناءً على استراتيجيات (وأولويات) القوى السياسية في الحكومة التي تدير الدولة وتنظّم شؤون المجتمع، وتأخذ على عاتقها مهام تأمين المتطلبات الآنية والمستقبلية. وتعمل، في الوقت ذاته، على ضمان أمن المجتمع والأفراد وسلامتهم في مواجهة المخاطر والتحدّيات الداخلية والخارجية بمختلف أشكالها.

وتتحدّد طبيعة النظام السياسي تبعاً لشكل تعيين هذه الحكومة أو اختيارها، وماهية العلاقة بينها وبين الدولة، ففي الأنظمة الديمقراطية، ينتخب الحكومة الناس المواطنون، عبر الأحزاب المتنافسة التي تمثل ببرامجها مختلف الشرائح والمكونات المجتمعية، وتدعو إلى تأمين احتياجاتها، وتمهّد الطريق أمام تطوّرها وتقدّمها مع مراعاة شروط الاندماج والتفاعل المتناغم الإيجابي في ما بينها. أما في الأنظمة الشمولية والدكتاتورية، بأسمائها المتعددة، فيتم تعيين الحكومة وفق ما تمليه إرادة الحاكم أو المجموعة المتحكّمة بالدولة، مع الحرص على تسويق مثل هذا التعيين بوصفه تجسيدا للصالح العام.

وبين هذين النموذجين تأتي النماذج الهجينة التي تعتمد الآليات الديمقراطية بهدف كسب الشرعية عبر إيجاد انطباع زائف لدى الناس، مفاده أن ما تحقق كان بإرادتهم، واستناداً إلى رغباتهم وتوجهاتهم. في حين أن الأمور هنا تخضع، في نهاية المطاف، لحسابات من هو/ هم في موقع السيطرة الذين يعتمدون على الأجهزة الأمنية والأذرع المسلحة؛ ووسائل الإعلام، والإداريين المتمرّسين الذين يفسّرون النصوص واللوائح، ويستغلون الثغرات، ويخفون المعلومات، أو يتستّرون عليها، بما وينسجم مع مصالح أرباب العمل من الحكام. وقد مدّت التقنيات الحديثة في عالم الاتصالات والتواصل والمراقبة هؤلاء الذين يمثلون، إلى جانب أصحاب المصالح، الدولة العميقة في الأنظمة الشمولية، وحتى في الأنظمة الديمقراطية التي تعاني، هي الأخرى، من نقاط ضعفها، ولا سيما في ظل تنامي التيارات الشعبوية التي تدغدغ المشاعر والنزعات القومية والدينية والعنصرية بأشكالها المختلفة.

وفي منطقتنا، جرى اعتماد شكلين رئيسين من الحكم: الملكي/ الأميري الوراثي؛ والجمهوري الذي تبنّته قيادات الانقلابات العسكرية التي حكمت فترة طويلة باسم “الشرعية الثورية”، ومناهضة الاستعمار والرجعية، ولكنها اضطرت لاحقاً، وتحت وطأة المتغيّرات الإقليمية والدولية، والمطالبات الداخلية إلى اعتماد ديمقراطية شكلية عبر انتخاباتٍ مبرمجةٍ أقرب إلى الاستفتاءات، تلخّصت وظيفتها في إضفاء الشرعية على صلاحيات (وممارسات) المجموعة الحاكمة، أو الحكم الفردي. وثبت، مع الوقت، أن النظام الملكي أو الأميري في منطقتنا كان أكثر استقراراً وطمأنة مقارنة مع الأنظمة الجمهورية؛ وربما نجد تفسيراً لذلك في اعتماد هذه الأنظمة على المجتمع الأهلي، وسعيها، في الوقت ذاته من أجل تأمين متطلبات مواطنيها، اعتماداً على مواردها المادية الضخمة في حالة دول الخليج. ونجد في الأردن والمغرب صيغة من صيغ الحكم الملكي الدستوري، فنلاحظ أن الأمور، رغم الثغرات والسلبيات وضعف الإمكانات المادية، تظلّ أفضل بما لا يُقاس مع الأوضاع التي عاشها الناس، وما زالوا يعيشونها في ظل الأنظمة الجمهورية التي فرضت نفسها على مجتمعاتها بالانقلابات العسكرية، ومن خلال رفع الشعارات القوموية الكبرى؛ وأنشأت الأحزاب السلطوية التي تبنّت بصورة عامة الأيديولوجية القومية، أو مزجت بين هذه الأخيرة والاشتراكية، في محاولةٍ لاستقطاب تأييد الناس وكسبهم، عبر دغدغة عواطفهم القومية، واستغلال حاجاتهم.

واللافت، في هذا السياق، أن معارضة هذه الأنظمة استخدمت الأدوات الدعائية نفسها تقريباً؛ بل زاودت على السلطات التي كانت تنتقدها وتطرح نفسها بديلاً عنها، فكانت تضفي المزيد من المبالغة على أهدافها الشعاراتية. وتلجأ، في أحيانٍ كثيرة، إلى الأيديولوجية الدينية، لتواجه بها أيديولوجية السلطات القومية؛ وتمثلت الحصيلة في هيمنة أحكام التخوين والتكفير على فضاءات العمل السياسي. أما حاجات الناس، بما فيها الأساسية الضرورية، فكانت تغدو من الأمور الصغيرة التي لا تستحقّ الوقوف عندها، لأنها لا تساوي شيئاً قياساً إلى الأهداف التي أعلنتها الأنظمة المعنية مقدّسة، مثل: تحرير فلسطين، وتحقيق الوحدة العربية. في حين أن معارضات تلك الأنظمة من القوى الإسلاموية طالبت بالوحدة الإسلامية، وروّجت أن سائر المشكلات ستزول بتحقّق هذه الأخيرة. هذا بينما كما كان الشيوعيون يقدّمون الوعود الطوباوية التي تمحورت حول الجنة الدنيوية الموعودة.

لفت نظري، وأثار اهتمامي، لدى وصولي إلى السويد لاجئاً قبل نحو ثلاثة عقود، عدم اهتمام الناس بقضايا السياسة الخارجية، أو الإيديولوجيات التعبوية، سواء القومية أم الدينية، وحتى الاشتراكية والشيوعية؛ هذا رغم حصول الناس على معلوماتٍ ومعارف موضوعية موثوقة حيادية بخصوص ما يجري في العالم، من خلال المدارس والجامعات ووسائل الإعلام ومنظمات المجتمع المدني. ففي المدرسة، يزوّد الطلاب بفكرة وافية عن تاريخ جميع الأديان والمذاهب في العالم، يطّلعون على أركانها وكتبها، وتعليماتها، وتاريخها ودائرة انتشارها. ويحصلون على المعارف الموضوعية الخاصة بمختلف المجتمعات، وبأساليب تربوية نقدية بعيدة عن التلقين والحشو والتوجيه الإيديولوجي. والأمر ذاته بالنسبة لقضايا البيئة والمناخ، والمسائل الفلسفية. كما يطّلع الطلاب على طبيعة النظام السياسي الديمقراطي في البلاد، وكيفية توزيع السلطات فيه، ووظيفة كل سلطة، وآلية اتخاذ القرارات، وقواعد إجراء التعديلات الدستورية، وذلك كله مع الحرص المستمر على إفساح المجال أمام الطلاب، لتناول جميع المسائل بعقلية نقدية تعتمد على تقديم الحجج والبراهين. وفي المرحلة الجامعية، هناك متابعة دقيقة متخصّصة في كل ميدان معرفي يختاره الطالب. ورغم ذلك كله، تبقى احتياجات الناس، والقضايا الخاصة بتأمين العيش الكريم، والحرص على مواكبة كل ما هو جديد في عالم البحث والتكنولوجيا في مقدّمة الأولويات.

كنتُ، في بداية الأمر، أمتعض من محاور المناقشات بين السياسيين من مختلف الأطراف السياسية التي تتناول أوضاع المتقاعدين والمسنّين، ورياض الأطفال، إلى جانب المدرسة والقضايا الصحية والخدمية والبيئية والمعيشية بصورة عامة؛ فقد كنت قادماً من مجتمع القضايا الكبرى، مثل الوحدة العربية، وتحرير فلسطين، والاستعداد للتصدّي للمشاريع الإمبريالية والصهيونية والرجعية في المنطقة. وأتذكّر جيداً كيف أن الأحزاب السورية، سواء التي كانت في الجبهة “الوطنية التقدّمية” التي شكّلها حافظ الأسد عام 1972 لتكون إطاراً تدجينياً، أو الأحزاب المعارضة غير المرخّصة التي كانت تطرح شعارات وأهدافا مطلبية وغيرها، تنشغل بالمسائل النظرية الأشبه بالجدل البيزنطي، وتتخندق في مواجهة بعضها بعضاً بناء على مواقفها من القضايا الإقليمية والدولية. وكانت القضايا الداخلية تأتي في نهاية القائمة بالنسبة إلى النظام والمعارضة.

والآن، بعد كل ما حصل في الأنظمة الجمهورية، ولا سيما على أثر إخفاق ثورات الربيع العربي بفعل عوامل ذاتية وموضوعية، وما نشاهده اليوم من تسابق عربي إقليمي في ميدان الانفتاح على سلطة بشّار الأسد وتعويمها، والأوضاع المأساوية التي يعيشها السوريون سواء في المناطق الخاضعة لسيطرة السلطة المعنية أو خارجها، وكذلك في أماكن النزوح والمهاجر، نرى أن ما يحتاجه الناس في سورية (وفي سائر الجمهوريات العربية، خصوصا في لبنان، اليمن، ليبيا، السودان، اليمن، العراق …)، هو قبل كل شيء نظامٌ سياسي يضمن مقوّمات العيش الكريم لمواطنيه، ويفتح الآفاق أمام الشباب والأجيال المقبلة لتجسيد طموحاتهم وطاقاتهم الإبداعية في هيئة إنجازات معرفية وإنتاجية وفنية تساهم في نهضة مجتمعهم ورقيّه. ولتحقيق ذلك في الظروف الحالية التي تعيشها سورية، لا بد من ترميم النسيج المجتمعي الوطني، ولن يتم ذلك كله من دون احترام الخصوصيات والاعتراف بالحقوق على مستوى الجماعات والأفراد ضمن إطار وحدة الشعب والوطن؛ وبعد القطع مع الاستبداد والإرهاب.

وبناءً على ما تقدّم، نرى أن الأهم بالنسبة إلى السوريين يتمثل في إجراءات ونتائج عملية متوازنة لصالح الجميع من دون أي استثناء، إجراءات ونتائج تبشّر الناس بفرج قريب لطالما انتظروه. أما الشعارات الخاوية البرّاقة فقد أنهكتهم، كما أنهكت شعوب منطقتنا التي عانت ولا تزال تعاني من أنظمة الشعارات.

————————————

الائتلاف السوري: استقبال الأسد في القمة العربية مكافأة على جرائمه

محمد كركص

اعتبر الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، في بيانٍ، اليوم الجمعة، استقبال بشار الأسد في القمة العربية “مكافأة على ما اقترفه من جرائم بحق الشعب السوري، وتجاوزاً لتضحيات السوريين لأكثر من 12 عاماً، والضحايا الذين ينتظرون تحقيق العدالة، وتخلياً عن حرية الشعب السوري”.

وقال الائتلاف إنّ “سورية العظيمة لا يمثلها الأسد المجرم، وإن وجود النظام المجرم في مقعد سورية في الجامعة العربية يعني أنّ إيران تحضر القمة عبر مندوبها وحامل أجندتها وإحدى أدواتها في تنفيذ مشروعها التوسعي الحاقد في الدول العربية”، مضيفاً أنّ “العذر بإعطاء فرصة لنظام الأسد هو هدر للوقت ومماطلة لن تفضي إلا إلى مزيد من القتل والاعتقال والمأساة، لأنّ لنظام الأسد سجلاً واسعاً بالخداع والكذب وعرقلة أي عملية سياسية ذات صلة بسورية”.

ولفت الائتلاف إلى أنه “من غير المقبول أن تنظر بعض الدول لهذا النظام المجرم على أنه نظام شرعي بعد ارتكابه مئات الآلاف من جرائم الحرب بحق الشعب السوري”. وقال إنّ “النظام ليس إلا دمية بيد روسيا ونظام الملالي يسيّرانه وفق مصالحهما ومواقفهما وإرادتهما مقابل ما قدموه له من قتل للسوريين ودعم لآلته العسكرية”.

وشدد الائتلاف على أنّ “الشعب السوري لن يتخلى عن طموحاته في الحرية والاستقلال ولو بقي وحيداً، وسيبقى مستمراً في ثورته ومنتفضاً بوجه الأسد حتى انتزاع الحرية المنتظرة وتحقيق العدالة وبناء سورية الديمقراطية”، مبيناً أنه “لا سبيل لذلك سوى بتفعيل المحاسبة من قبل المجتمع الدولي وتحقيق الانتقال السياسي والعمل بشكل فعلي لتطبيق القرارات الدولية المتعلقة بسورية، لا سيما القرار 2254”.

وكان رئيس النظام السوري بشار الأسد قد وصل، مساء أمس الخميس، إلى مطار الملك عبد العزيز في مدينة جدة السعودية، قبل بدء انعقاد القمة العربية بيوم واحد، في مشاركة ستكون الأولى له منذ تعليق عضوية دمشق في الجامعة العربية بسبب القمع الذي مارسه نظامه ضد الثورة عام 2011.  

ويترأس الأسد وفداً من حكومته كان قد وصل قبل أيام إلى جدة، يضم وزير الخارجية فيصل المقداد، والمستشارة بثينة شعبان، والمستشارة لونا الشبل، بالإضافة إلى مندوب سورية في الأمم المتحدة بسام صباغ.

وكانت الخارجية الأميركية قد جددت، أول من أمس الأربعاء، تأكيدها “عدم تطبيع العلاقات مع نظام الأسد”، مُعلنةً أنها “لا تدعم أبداً تطبيع الآخرين مع النظام”.

وشددت الوزارة على أنّ النظام السوري “لا يستحق العودة إلى الجامعة العربية”، موضحة أنّ واشنطن “أثارت هذه النقطة مع الشركاء الإقليميين”.

العربي الجديد

——————————–

الأسد في جدة… دلالات حضوره القمة العربية بعد عقد من العزلة/ محمد أمين

يشارك رأس النظام السوري بشار الأسد في القمة العربية الثانية والثلاثين، والتي تعقد اليوم الجمعة في جدة السعودية، في حدث له العديد من الدلالات السياسية، بعد أكثر من عقد من عزلة عربية لأسباب تؤكد الوقائع أنه لم يطرأ عليها أي تغيير، وخاصة لجهة التعنت الذي يبديه هذا النظام تجاه الجهود المبذولة للتوصل لتسوية سياسية للقضية السورية.

واعتبر النظام السوري مشاركة بشار الأسد في القمة بمثابة “نصر” له و”عودة للعرب عن الخطأ”، وفق صحيفة “الوطن” التابعة لهذا النظام، أمس الخميس، التي عدّت هذا الحضور، ولقاءه المتوقع مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، “الحدث الأهم الذي سيخطف الأضواء السياسية والإعلامية”.

وكانت الجامعة العربية ألغت تجميد عضوية النظام السوري فيها في 7 مايو/أيار الحالي، لتنهي بذلك قطيعة عربية مع النظام منذ أواخر العام 2011 بسبب الطريقة الوحشية التي تعامل بها الأسد مع الثورة السورية، التي كانت بدأت في ربيع ذلك العام.

عودة سورية للجامعة لن تكون من دون ثمن

لكن المعطيات السياسية تشير إلى أن هذه العودة لن تكون بلا ثمن، حيث يطالب العرب النظام السوري بالتعاطي الإيجابي مع عدد من الملفات، أبرزها ملف المخدرات التي ينشط النظام في تصنيعها وتهريبها حتى أغرق عدة دول عربية بها، أبرزها الأردن والسعودية.

كما يطالب العرب بعودة “آمنة” لملايين اللاجئين السوريين إلى بلادهم، والانخراط في مفاوضات مع القوى المعارضة للتوصل إلى تسوية سياسية للقضية السورية. ولطالما استخدم النظام ورقتي المخدرات واللاجئين وسيلة للابتزاز السياسي للدول العربية، وهو ما نجح فيه إلى حد بعيد كما يبدو.

ما هي فرص نجاح الانفتاح العربي على النظام السوري؟

ورغم فك طوق العزلة عنه، إلا أن الأسد ونظامه يبدو مثقلاً بالعديد من الأزمات، التي تسببت بها العقوبات المشددة المفروضة عليه من دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى، والتي سحقت اقتصاد هذا النظام الباحث عن “طوق نجاة” من انفتاح الدول العربية عليه.

ويريد النظام السوري أموالاً واستثمارات عربية لإعادة إعمار المدن والمناطق التي دمرتها قواته، رابطاً عودة اللاجئين السوريين إلى بيوتهم بهذا الأمر، وفق معاون وزير خارجية النظام أيمن سوسان، الذي اشترط، في تصريحات في جدة الثلاثاء الماضي، على الدول العربية البدء بإعادة الإعمار، ورفع العقوبات المفروضة على النظام، قبل اتخاذ أي خطوات في إطار عودة اللاجئين السوريين إلى البلاد.

كما يريد النظام ضغطاً عربياً على الغرب لرفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليه منذ العام 2011، بما فيها قانون “قيصر” الأميركي الذي دخل حيّز التنفيذ منتصف العام 2020، والذي فرض عقوبات “قاسية” على النظام وعلى من يتعامل معه، ما دام هذا النظام لم ينخرط بشكل جدي في مفاوضات تفضي إلى حل سياسي في سورية.

ويبدو أن أغلب الدول العربية غير معنية إلى حد بعيد (على الأقل في المدى المنظور) بحل سياسي للقضية السورية، يستند إلى قرارات الشرعية، وأبرزها القرار 2254، لكنها تريد تعاوناً من النظام بملفي المخدرات واللاجئين، غير مكترثة بمصير عشرات آلاف المعتقلين والقابعين في سجون الأسد، والتي قتل فيها عدد غير معروف منهم تحت التعذيب. إضافة الى أن هذه الدول تريد فتح الباب أمام بشار الأسد لتقليص الوجود الإيراني في سورية، أو على الأقل الحيلولة دون اتساعه.

إلا أن الوقائع تشير إلى أنه لم يعد بإمكان النظام السوري الخروج عن دائرة التأثير الإيراني المتعاظم عسكرياً واقتصادياً في المناطق التي يسيطر عليها هذا النظام، وخاصة في المدن الكبرى، دمشق، وحلب، وحمص، ودير الزور.

حضور الأسد القمة انتكاسة للجامعة العربية

واعتبر المحلل السياسي رضوان زيادة، في حديث مع “العربي الجديد”، أن حضور رأس النظام بشار الأسد القمة العربية “انتكاسة للجامعة العربية”، مضيفاً: افتتاحيات كبريات الصحف العالمية دانت هذه الخطوة.

ورأى أن الأسد يعتبر حضوره القمة “انتصاراً له”، مضيفاً: عودة النظام إلى الجامعة العربية دون أية شروط، أو تنازلات، أو تغييرات في النظام السوري وسياسته الخارجية المعتمدة على روسيا وإيران، فضيحة حقيقية للجامعة، وانعدام للقيم والمعايير.

وتحمل مشاركة الأسد في القمة العربية بعد 13 عاماً من حضوره آخر قمة عربية (قمة سرت في العام 2010)، الكثير من الدلالات السياسية التي من المتوقع أن تخيّم طويلاً على مشهد سوري يزداد تعقيداً مع تراجع فرص التوصل لحل سياسي تشرف عليه الأمم المتحدة، وهو تراجع إلى حد التلاشي. ومن المرجح أن يتشدد النظام أكثر في تعاطيه مع جهود المبعوث الأممي إلى سورية غير بيدرسن لإحياء العملية السياسية، وخاصة أنه بات بمنأى عن أي ضغط عربي.

الأسد يريد من العرب إعادة تأهيله

ورأى الباحث السياسي في مركز “جسور” للدراسات بسام أبو عدنان، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “الدلالة الأهم لحضور الأسد القمة العربية، انفصال منظومة القادة العرب عن الشعوب”، مضيفاً: الأسد يريد من العرب إعادة تأهيله، والمال، والضغط على الولايات المتحدة لرفع العقوبات عنه.

وتابع أبو عدنان: سيعمل العرب بقيادة السعودية على إعادة الشرعية العربية للأسد رغم العقوبات الغربية، كما فعلوا سابقاً مع الرئيس السوداني المعزول عمر البشير، لكن العقوبات الأميركية على الأسد ستحول دون تقديم أموال كثيرة له.

وأعرب عن اعتقاده بأن الأسد “سيتحايل في ملفي المخدرات واللاجئين”، موضحاً أن المخدرات مصدر دخل الأسد الأساسي ولن يتخلى عنها دون تعويض. وتابع: لن يعيد أعداداً كبيرة من اللاجئين حتى لا يشكلوا ضغطاً على اقتصاده المتهالك، فضلاً عن كون أغلب اللاجئين معارضين له، وعاشوا عشر سنوات خارج سجونه الفكرية وتشرب معظمهم أفكار الحرية.

وفي السياق، لا يرى الباحث السياسي ياسين جمول في حضور بشار الأسد للقمة العربية في جدة “أي قيمة تُذكر”، فـ”قطار التطبيع مع نظام الأسد تائه وفي قيادته شركاء متشاكسون، فلا أراه يصل إلى وجهة صحيحة، لا سيما مع القانون الأميركي الجديد لمكافحة التطبيع، فهو أشبه بمكابح تجعل التطبيع مع الأسد محدوداً دون الانتقال للثمرات الحقيقية التي يرجوها نظام الأسد”. وتابع: ليس للدول العربية ذاك القرار المؤثر في المنطقة، مع الأسف، وإن اجتمعوا.

ورأى أن السوريين المعارضين للأسد “لم ينتفعوا من قطيعة الجامعة العربية لنظام بشار الأسد عملياً بشيء”، مضيفاً: ومن ثم لا أرى أن عودتهم إلى بعضهم تضرّنا بشيء.

وأعرب جمول عن اعتقاده أن “نظام الأسد يضحك عليهم (العرب)”، مضيفاً: فقد تعهدوا ودفعوا له الأموال لإيقاف “الكبتاغون”، وما زالت ملايين الحبوب منه تدهم دول الجوار ودول الخليج. وتابع: وزعموا (العرب) أن التقارب مع الأسد لكبح جماح إيران في المنطقة، ورأينا الرئيس الإيراني (إبراهيم رئيسي) زار الأسد في دمشق مؤخراً، وبارك العرب زيارته بإعادته للجامعة العربية وكأنهم يُعيدون إيران إلى جامعتهم.

العربي الجديد

——————————–

سوريا في الجامعة العربية: حجر عثرة إقليمية..لا حجر أساس/ وليد بركسية

من أطرف العبارات التي نشرتها صحيفة “البعث” الرسمية عن عودة سوريا إلى الجامعة العربية، بعد أكثر من عقد على تعليق عضويتها إثر قمع الثورة السلمية في البلاد العام 2011، أن الرئيس بشار الأسد يوحّد العرب اليوم ويعيد لهم أمجادهم التي غابت عنهم “منذ أيام الدولة العباسية” من أجل مكافحة “الهيمنة الأميركية التقليدية”.

يتمدد الوصف في الإعلام الرسمي ككل، ضمن سياق أوسع يعتبر سوريا بأنها دولة مركزية ذات أهمية كبيرة في المنطقة والعالم والكَون، ما يجعل الدول من كل حدب وصوب تتهافت عليها طلباً لرضاها وصداقتها.

لكن ذلك التوصيف، يجافي الواقع، لأن سوريا نفسها بالموازين السياسية والاقتصادية والثقافية ليست دولة مؤثرة كما يصفها الإعلام الموالي، وليست لها فاعلية كبيرة في المتغيرات الإقليمية القائمة. فلا هي تسهم في الاقتصاد العالمي بموارد ضخمة، ولا تقدم مراكز أبحاث علمية متطورة ولا حتى تنتج أفكاراً تنويرية عبر الفنون والآداب والعلوم الإنسانية (إلا على مستوى أفراد وبجهود ذاتية، وغالباً ممن غادروا البلاد واستفادوا من مناخ الحريات الغربية). لكن ثمة من يعتبر، رغم صغر حجمها الجغرافي نسبياً، أنها تتمتع بمزايا استراتيجية لموقعها في الخريطة تمكنها من لعب دور مهم، كمركز لطرق التجارة وإمدادات الغاز والطاقة على البحر المتوسط، لقربها من أوروبا والدول الغنية بالموارد الطبيعية في الشرق الأوسط على حد سواء.

وسوريا، الدولة التي ولدت بعد الحرب العالمية الثانية لم تكن طوال تاريخها القصير، سوى عقبة صغيرة ضمن نظام التجارة العالمي القائم على المبادلة الحرة والعولمة والاقتصاد المفتوح. ومنذ سنوات طويلة أدرك قادتها المحدودون ذلك، ربما، ليحولوا البلاد إلى دولة مُصدّرة للأزمات إلى الجوار، وحولوها بذلك الى ورقة ضغط وحيدة وثمينة من أجل بقائهم كنظام واستمرارهم في السلطة، عبر ديناميكيات مع القوى الإقليمية والدولية، بما في ذلك تجارة الأسلحة والتهريب في الثمانينيات والتسعينيات، أو دعم الجهاديين والتسامح معهم كما كان الحال إبان غزو العراق، وصولاً إلى تجارة المخدرات وتصنيع الكبتاغون اليوم، وغيرها.

وفيما يُطرح موقع سوريا الجغرافي كصِلة وَصل بين الشرق الأوسط وأوروبا، فإن ذلك الموقع ليس مميزاً إلى حد كبير، لأن الولايات المتحدة والدول الغربية عموماً، لها علاقات مع دول أخرى في المنطقة تعطيها نفوذاً وإمكانية للتحرك، حتى عسكرياً. وبالتالي فإن موقع سوريا ليس مميزاً إلا لدولتين اثنتين على صراع مع النظام العالمي. الأولى هي إيران التي تريد “محو إسرائيل من الوجود”، ومازالت ترغب في تصدير ثورتها الإسلامية إلى بقية المنطقة. والثانية، هي روسيا التي، منذ سبعينيات القرن الماضي، أنشأت قاعدة بحرية لها في طرطوس شكلت المنفذ الوحيد لها على العالم بعيداً من حصار حلف شمال الأطلسي “ناتو”. ولم يكن من الغريب بالتالي أن تهب كل من طهران وموسكو، للدفاع عن نظام الأسد بشراسة من أجل بقائه في السلطة، خوفاً من انقلاب في مواقف دمشق تجاههما، مهما كان الثمن باهظاً.

وانفتاح الدول العربية على النظام هذه الأيام، رغم العداء الذي شهده العقد الماضي بينهما بسبب طبيعة النظام العنيفة التي تجلت في قمع الثورة السورية وتصدير أكبر أزمة لاجئين في العالم منذ الحرب العالمية الثانية على هامش انهيار اقتصادي غير مسبوق وأزمة إنسانية مؤسفة، هو تكرار لنمط من الديناميكيات في الشرق الأوسط الباحث عن الاستقرار من أجل لعب دوره ضمن أسواق الطاقة العالمية. لا أحد يبحث عن الحروب ولا أحد يريد الفوضى، بما في ذلك المتنافسون الإقليميون الأبرز كالسعودية وإيران، والثمن لذلك قد يكون باهظاً بصورة تطبيع مع نظام فاقد للشرعية الدولية، وتلاحقه اتهامات بارتكاب جرائم حرب وانتهاكات لحقوق الإنسان.

لا يقدم الإعلام السوري ذلك بالطبع، بل يقدم فقط الخطاب الشوفيني القائم على مفردات

“البعث”. ولا جديد في ذلك لأن الدولة السورية تقدم نفسها إعلامياً ودبلوماسياً منذ عقود على أنها دولة مركزية شديدة الأهمية في العالم. وفي احتفالات العودة الى الجامعة العربية، تصبح سوريا في الوصف الرسمي “دولة مؤسسة تقود الإجماع العربي نحو مستقبل من أجل الوحدة وإزالة الحدود الاستعمارية ومقاومة إسرائيل”.

تصدير هذه النسخة الوهمية من سوريا طوال عقود، عبر الإعلام الموجه والتعليم المؤدلج والعزلة الثقافية، خلق بدوره إحساساً بالتفوق لدى السوريين أنفسهم، جعلهم يرون أنفسهم أهم من بقية البشر. ويلاحظ ذلك بوضوح مثلاً لدى الفنانين السوريين بوصفهم طبقة دائمة الحضور في الفضاء العام بالتصريحات والعمل، حيث يرددون منذ ثمانينيات القرن الماضي بأن الفن السوري أهم من الفن المصري، وبأن الفن لا يتواجد في لبنان لولا دعم سوريا، وبأن الممثل السوري يتفوق على أقرانه العرب بمراحل، وغيرها.

وبالطريقة نفسها، يتمظهر الخطاب ذاته في لغة الشارع اليومية، ومختلف مجالات الحياة، مترافقاً مع ضخ ديني يصوّر سوريا، ودمشق تحديداً، بأنها أرض مباركة. وليس غريباً أن تكون عبارة “أنا سوري آه يا نيالي” واحدة من أشهر العبارات الدارجة التي قدمتها “الثقافة” المحلية.

نزعة التفوق هذه تفسر، إلى حد ما، إحساس السوريين الدائم بالمظلومية، سواء كانوا موالين أم معارضين لنظام الأسد منذ العام 2011. الطرفان يعتقدان بوجود مؤامرة تستهدفهما شخصياً بسبب الخوف من الحضارة السورية في حالت قامت من تحت الرماد! وهي اليوم تشكل أساس التعامل السوري مع العالم، حيث ينظر السوريون لمشكلتهم المتلخصة في الأزمة السياسية المستعصية على الحل والتي أفرزت لاجئين ومشردين ومفقودين ومعتقلين وضحايا ومدناً مدمرة ومليشيات ناشطة واحتلالاً أجنبياً وتنظيمات جهادية، على أنها قضية مركزية للدول الأخرى التي لا ترى ذلك بالضرورة، لأن سوريا نفسها غير مؤثرة كثيراً، بقدر ما هي “مزعجة”.

وإن كان الموالون يُجبَرون اليوم على إخفاء انتقاداتهم للانفتاح على الدول العربية “الشريكة في سفك الدم السوري”، حسبما كان الإعلام السوري يردد طوال سنوات، فإن المعارضين كانوا وما زالوا يتحدثون عن أن المجتمع الدولي تركهم وحيدين من دون دعم، رغم أن المعارضة السياسية في البلاد، ككيان سياسي، لم تقدم للعالم سوى صورة فاقعة لمعنى أن يكون المرء سورياً، من ناحية التفكك والعزلة وتكرار الخطاب الأسدي بطريقة أو بأخرى، إلى حد أن بعض قادة المعارضة مثل أسعد الزعبي عبروا ضمنياً عن رغبة في إبادة انسانية على طريقة الرئيس العراقي السابق صدام حسين، كما أن تلك المعارضة لم تقدم خطاباً متقدماً لصالح النساء والأقليات وغيرهم.

ضمن هذا الجو، لعب النظام السوري على النفس الطويل، ووجد نفسه العام 2010 في منطقة جديدة كلياً عليه، لأن المنطقة ككل غرقت فجأة في الأزمات ولم يعد التهديد بإثارة عدم الاستقرار كافياً من أجل ابتزاز المحيطين به. وعدم أهمية سوريا بالتحديد، هو ما أبقى النظام على قيد الحياة، حيث كان النظام مستعداً للمغامرة عسكرياً ضد شعبه وتجاوز الخطوط الأميركية الحُمر باستخدام الأسلحة الكيماوية، لأن المنطق الواضح يقول إن أحداً لم يكن على استعداد لتدخل عسكري ضده على غرار إطاحة صدام حسين العام 2003، وهو الحدث الذي كان مخيفاً للنظام السوري حينها، إلى حد أنه بعد اغتيال لرئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، اضطر للانسحاب من لبنان والانفتاح قليلاً على الغرب، ولو لم يستمر ذلك طويلاً.

ومع عودة الاستقرار إلى دول الربيع العربي تدريجياً، بصورة ثورات مضادة قتلت أي أمل في الديموقراطية، فإن سوريا عادت لتمثل مصدر التقلبات في المنطقة، وبرزت فيها تجارة المخدرات وحضور الجهاديين وأزمة اللاجئين والتغير الديموغرافي والحضور الإيراني، كنقاط تريد المنطقة تجاوزها. خصوصاً بعد الحرب الروسية في أوكرانيا، وتغير ديناميكية أسواق الطاقة، وازدياد الحاجة لمد أنابيب الغاز نحو أوروبا التي أنهت اعتمادها على موارد الطاقة الروسية، كمشروع أثار نزاعات طويلة في البحر المتوسط.

لكن ذلك الرهان العربي لن يقود إلى نتائج لأنه لا يُعالِج جذور المشكلة في سوريا، وهي أن النظام الحاكم فيها يعيش على الأزمات وتصديرها وابتزاز الآخرين بها. ومهما كانت المشكلة التي يبدو أنه تُحلّ اليوم، فسيتم خلق غيرها أو إعادة تدويرها نفسها بشكل جديد، غداً أو بعد غد.

المدن

———————————-

إعلان جدة:مساعدة سوريا لتجاوز أزمتها

اختتمت في مدينة جدة السعودية أعمال القمة العربية ال32، بإعلان ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان موافقة المشاركين على البيان الختامي للقمة.

وبحثت القمة القضية الفلسطينية والأزمة السودانية إلى جانب ملفات اقتصادية، كما شهدت مشاركة رئيس النظام السوري بشار الأسد للمرة الأولى منذ 12 عاماً.

وأعلن ولي العهد السعودي اعتماد قرارات القمة العربية واستضافة البحرين القمة المقبلة. وكان بن سلمان قد تسلم في مستهل الجلسة الافتتاحية رئاسة القمة من رئيس الوزراء الجزائري أيمن بن عبد الرحمن نيابة عن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون.

إعلان جدة

واعتمد مجلس الجامعة العربية على مستوى القمة “إعلان جدة” في ختام أعمالها، وهذه أهم البنود التي تضمنها:

• القضية الفلسطينية

التأكيد على مركزية القضية الفلسطينية عربيا وعلى المبادرة العربية كسبيل لحلها.

التأكيد على أهمية تكثيف الجهود للتوصل إلى تسوية عادلة للقضية الفلسطينية.

• سوريا

تكثيف الجهود العربية الرامية إلى مساعدة سوريا على تجاوز أزمتها.

تعزيز الظروف المناسبة لعودة اللاجئين السوريين والحفاظ على وحدة وسلامة أراضي سوريا.

• السودان

رفض أي تدخل خارجي في الشأن السوداني لتفادي تأجيج الصراع.

اعتبار اجتماعات الفرقاء السودانيين في جدة خطوة يمكن البناء عليها لإنهاء الأزمة.

التأكيد على ضرورة التهدئة في السودان وتغليب لغة الحوار.

• ليبيا

ضرورة حل الأزمة الليبية في الإطار الليبي، ودعم إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية كحل للخروج منها.

دعم جهود البعثة الأممية في ليبيا، والتأكيد على ضرورة التوصل إلى تسوية سياسية شاملة.

دعم جهود توحيد القوات المسلحة الليبية، وتثبيت وقف إطلاق النار.

• اليمن

دعم الجهود الأممية والإقليمية الرامية إلى التوصل لحل سياسي شامل للأزمة اليمنية.

دعم مجلس القيادة الرئاسي في اليمن لإحلال الأمن والاستقرار.

• لبنان

الدعوة لانتخاب رئيس للبنان، وتشكيل الحكومة في أسرع وقت.

• السعودية

الترحيب بالاتفاق الذي تم بين السعودية وإيران لتفعيل اتفاقية التعاون الأمني والاقتصادي بينهما.

كما تضمن إعلان جدة، التأكيد على وقف التدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية للدول العربية. والتأكيد على احترام قيم وثقافات الآخرين واحترام سيادة واستقلال الدول وسلامة أراضيها.

ورفض الإعلان دعم تشكيل الجماعات والمليشيات المسلحة الخارجة عن نطاق مؤسسات الدولة. كما دعم استدامة سلاسل إمدادات السلع الغذائية الأساسية للدول العربية. وثمن حرص واهتمام السعودية على توفير الظروف الملائمة لتحقيق النمو الاقتصادي في المنطقة.

كلمة بن سلمان

وكان ولي العهد السعودي قد قال في كلمته خلال القمة، إن السعودية لن تسمح بأن تتحول المنطقة العربية ميداناً للصراعات.

وقال: “نؤكد لدول الجوار والأصدقاء في الغرب والشرق أننا ماضون للسلام والخير والتعاون والبناء، بما يحقق مصالح شعوبنا ويصون حقوق أمتنا، ومسيرة التنمية تأثرت نتيجة الصراعات التي عانت منها الشعوب خلال السنوات الماضية”.

ورحب ولي العهد السعودي برئيس النظام السوري، وبالرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي، وأشار إلى موقف المملكة المحايد والداعم لحل الأزمة سياسياً في أوكرانيا.

وأكد بن سلمان على مركزية القضية الفلسطينية وعلى حقوق الشعب الفلسطينى، كما ثمن جهود السعودية في التوسط بين طرفي النزاع في السودان.

وقال: “يسرُّنا اليوم حضور فخامة الرئيس بشار الأسد في هذه القمة، ونتمنى أن تسهم عودة سوريا للجامعة العربية في دعم أمن سوريا وإنهاء الأزمة وتحقيق الرفاه لشعبها”.

وأضاف أن “القضية الفلسطينية هي قضية العرب والمسلمين المحورية وتأتي على رأس أولويات المملكة … ونعمل معاً من أجل التوصل لحلها”.

وفي الشأن اليمني، قال: “نكرس جهودنا لمساعدة الأطراف اليمنية لإيجاد حل للأزمة في بلادهم”.

وفي ما يخص السودان “نأمل أن تكون لغة الحوار هي الأساس للحفاظ على وحدة السودان وأمن شعبه ومقدراته”. وتابع: “نرحب بتوقيع طرفي النزاع في السودان على إعلان جدة، الذي نأمل أن يؤدي إلى وقف فعال لإطلاق النار”.

وعن الموقف السعودي تجاه الحرب في أوكرانيا، قال: “ندعم الجهود الدولية لحل الأزمة الأوكرانية ومستعدون لبذل جهود الوساطة بين روسيا وأوكرانيا، ونحن ندعم كل ما يسهم في خفض حدة الأزمة في أوكرانيا وعدم تدهور الأوضاع الإنسانية”. وأضاف أن المملكة “تدعم الجهود الدولية الرامية لحل الأزمة سياسياً بما يسهم بتحقيق الأمن والسلم”.

——————————–

الائتلاف السوري:الأسد مندوب إيران في الجامعة العربية

اعتبر الائتلاف الوطني السوري أن حضور رئيس النظام السوري بشار الأسد القمة العربية، هو مكافأة له على جرائمه ضد الشعب السوري، وأن وجوده هو حضور لمندوب إيران.

وقال الائتلاف في بيان الجمعة، إنه يعتبر “استقبال مجرم الحرب بشار الأسد لحضور القمة العربية، مكافأة له على ما اقترفه من جرائم بحق الشعب السوري”، و “تجاوزاً لتضحيات السوريين لأكثر من 12 عاماً”، و “تناسياً للضحايا الذين ينتظرون تحقيق العدالة، وتخلياً عن مطالب الشعب السوري الثائر المطالب بالحرية”.

وأكد البيان أن “الأسد المجرم لا يمثل سوريا العظيمة”، وأن وجوده في مقعدها في الجامعة العربية يعني أن “إيران تحضر القمة عبر مندوبها وحامل أجندتها وإحدى أدواتها في تنفيذ مشروعها التوسعي الحاقد في الدول العربية”.

واعتبر الائتلاف أن العُذر المقدم بإعطاء فرصة للأسد، هو “هدر للوقت ومماطلة لن تفضي إلا لمزيد من القتل والمأساة”، معيداً السبب إلى أن النظام السوري يمتلك “سجلاً واسعاً بعرقلة أي عملية سياسية ذات صلة بسوريا”.

وأكد أنه من “غير المقبول” أن تنظر بعض الدول إلى النظام السوري بأنه شرعي، لأنه “ارتكب مئات الآلاف من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية”.

وقال الائتلاف إن النظام هو “دمية بيد روسيا ونظام الملالي في إيران، ويعمل وفق مصالحهما ومواقفهما وإرداتهما، مقابل ما قدموه له من قتل السوريين ودعم آلته العسكرية”.

وشدد على ضرورة أن يفعّل المجتمع الدولي المحاسبة وتحقيق الانتقال السياسي في سوريا، وفق القرارات الدولية ولا سيما قرار مجلس الأمن 2254.

وأكد أن الشعب السوري سيبقى مستمراً في ثورته ضد الأسد حتى لو بقي وحيداً، ولن يتخلى عن مطالبه في انتزاع مطالبه بالحرية والعدالة ومحاسبة المجرمين وبناء سوريا الديمقراطية، وفق تعبيره.

ويحضر الأسد القمة العربية التي افتتحت أعمالها الجمعة في مدينة جدة، للمرة الأولى منذ 13 عاماً، وذلك بعد إعادة النظام لشغل مقعد سوريا في الجامعة العربية قبل أسبوعين، في اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة، قبل أن تُرسل السعودية دعوة للأسد لحضور القمة.

—————————-

عن عودة نظام السارين و”فخر” أوباما/ طارق اسماعيل

بعد تصريح أوباما الذي انتهت مفاعيله مع مجزرة الغوطة، صار “قانون قيصر” هو الحد الأقصى الذي تعوّل عليه الإدارة الأميركية ضد النظام السوري.

صرح رئيس الولايات المتحدة الأميركية السابق باراك أوباما، في 20 آب/ أغسطس 2012، قائلاً إن استعمال النظام السوري الأسلحة الكيمياوية هو “خط أحمر”. بدا أوباما حينها كمن يرسم للأسد حدود  القتل المتاح وكيفيته، وفي مقاربة تبدت حينها معياراً للسقوط السياسي والأخلاقي.

  يوم 21 آب 2013، أي بعد عام من تصريحه المذكور، كانت الغوطة الشرقية في ريف العاصمة السورية دمشق، اختباراً حقيقياً  لذلك الحد المتاح  الذي وضعه أوباما لمجازر النظام السوري.

 فعلها بشار الأسد.  قُصفت الغوطة بغاز السارين. مئات السوريين، وبينهم أطفال ونساء، ماتوا اختناقاً. والعالم حبس أنفاسه بانتظار ما سيؤول إليه تصريح أوباما.

  في عام 2017، نشرت مجلة “أتلانتك” حديثاً لباراك أوباما عبّر فيه عن عدم ندمه، وفخره بقرار عدم ضرب سوريا، لأن ذلك كان سيكلفه ثمناً سياسياً باهظاً، مؤكداً أن القرار كان صائباً، وحسب ما تقتضيه مصلحة الولايات المتحدة الأميركية.

  بين  مجزرة الغوطة في العام 2013، وفخر أوباما في العام 2017، استحال الخط الأحمر للأخير أخضر، وأتاح للأسد مساراً من العنف المفرط بحق الشعب السوري، ووفر له ولحلفائه الانتصار العسكري.

    ترافق إحجام أوباما عن الضربة العسكرية مع عزلة عربية ودولية  لبشار الأسد، وتجميد عضوية نظامه في الجامعة العربية، ثم في توغل عربي- خليجي- تركي، من خلال الاستثمار في الفصائل التي غيرت وجه الثورة السورية.

   راهناً، يستفيق مشرعون أميركيون مجدداً على سوريا تحت تأثير التطبيع العربي مع نظامها.

  في 17 حزيران/ يونيو من عام 2020، دخل “قانون قيصر” حيز التنفيذ، قانون وضعته الإدارة الأميركية لعزل النظام السوري مالياً واقتصادياً، وحرمانه من استثمار النصر العسكري سياسياً.

  بعد تصريح أوباما الذي انتهت مفاعيله مع مجزرة الغوطة، صار “قانون قيصر” هو الحد الأقصى الذي تعوّل عليه الإدارة الأميركية ضد النظام السوري.

  التمعن في مآل القانون المذكور يشي بأمرين. الأول، أن مآلاته انسحبت كتكثيف لبؤس السوريين أكثر بكثير من انعكاسها على نظام هو مؤسس لبؤسهم. الأمر الثاني أن الأسد، ومنذ “صك الغفران” الذي تلا مجزرة الغوطة، يعيش على رهان واقعي لحدود التصرف الأميركي، ويكثف ذلك الرهان وجود روسيا وإيران العسكري. لا شك في أن الأخيرتين منحتا النظام السوري مناعة السقوط ، ومناعة حقيقية لحدود التدخل الأميركي في سوريا. وغالب الظن، أن حديث أوباما لمجلة “أتلانتك” يندرج في هذا السياق.

   راهناً، يستفيق مشرعون أميركيون مجدداً على سوريا تحت تأثير التطبيع العربي مع نظامها.

    راهناً، يشي التطبيع العربي مع النظام السوري باختلال أحد مكتسبات “قانون قيصر”. بشار الأسد يستثمر سياسياً بالنصر العسكري، وهذه المرة باندفاع عربي أكثر مما هو رغبة سورية، إذ عبّر بشار الأسد ووزير خارجية نظامه فيصل المقداد عن “التعفف” عنها على وقع التباين العربي من دعوة سوريا إلى قمة الرياض العربية في 19 أيار الحالي.

   نحن أمام اختلال يفضي إلى مفارقة كان النظام السوري أكثر المحظوظين بسببها.

  تُحجِم الولايات المتحدة الأميركية حين يُقدِم العرب . وتُقدم حين يُحجمون. فكيف الحال وهم يندفعون راهناً نحو نظام استعصى على عقوبات  تشاركتها الإدارة الأميركية مع غالبية الأنظمة العربية؟ وهو ما يستدرج سؤالاً جوهرياً عن مآل أي عقوبات جديدة قد يفضي إليها مشروع القانون الذي يسعى إليه مشرعون أميركيون للجم الاندفاعة العربية للتطبيع مع النظام السوري.

   صارت لحظة سقوط بشار الأسد من الماضي. وغالب الظن أن رهاناً أميركياً على “فرملة” التطبيع العربي معه يعني سياقاً آخر، مختلفاً عن السياق الأميركي الذي يُستحضر راهناً. إنه سياق عربي تتدافع إليه أنظمة عربية بالتلازم مع سياق متسارع لعلاقاتها مع إيران.

   شكلت إيران ماضياً، تقاطعاً أميركياً-عربياً لاستراتيجيّة بدأتها الولايات المتحدة الأميركية منذ عهد بيل كلينتون،  استراتيجيّة قائمة على العزل بينها وبين النظام السوري، وورثها العرب بنظرية احتواء الأخير.

    سقوط الفكرتين ماضياً وراهناً، هو استعصاء آخر أمام السياسة الأميركية تجاه نظام يبدو في لحظته الراهنة كحال النظام المصري بعد توقيعه معاهدة السلام مع إسرائيل.

 حين سُئِلَ الرئيس المصري الراحل حسني مبارك عن شعوره بعودة مصر إلى الجامعة العربية بعد قمة عمان عام 1987، قال: “لم تعد مصر إلى العالم العربي، العالم العربي هو من عاد إلى مصر”.

   كانت عضوية مصر في الجامعة العربية قد جُمدت في قمة الرباط عام 1978، بعد زيارة الرئيس السادات إسرائيل. عبارة مبارك، وبالمآل الذي سلكه كثر من العرب بعد مؤتمر مدريد 1992، بددت كل احتمال عن عدم واقعيتها. كل سلام مع إسرائيل بدا حينها عودة إلى مصر.

  راهناً، تعود سوريا إلى الجامعة العربية، والأنظمة التي سوّقت لفكرة العزل بين نظامها وبين إيران تردم فكرتها على إيقاع علاقاتها المتسارعة مع الأخيرة،  وعلى إيقاع آخر بدا في نجاعته موازياً لإيقاع الحرب والسياسة: الكبتاغون!.

  غالب الظن، أن في نفس بشار الأسد راهناً ما قاله حسني مبارك قبل عقدين ونصف العقد من السنوات.

  درج

——————————-

إعادة الإعمار في سوريا: إقصاء اللاجئين وترسيخٌ لسلطة الأسد/ كارمن كريم

في حال العودة الكثيفة للاجئين من دون وجود بنية سكنية وتحتية ملائمة، سيزيد الضغط على الموارد والاقتصاد، ما سيزيد بدوره الإفقار والجوع كما سيرسخ الحكم الديكتاتوري للنظام السوري.

عودة اللاجئين مقابل تنشيط الاقتصاد وإعادة الإعمار، هكذا بدأت مساومات النظام السوري بالتزامن مع عودته إلى الجامعة العربية، خلال انعقاد اجتماع كبار المسؤولين، للمجلس الاقتصادي والاجتماعي التحضيري لأعمال القمة العربية في جدة.

 أشارت رئيسة الوفد، معاونة وزير الاقتصاد رانيا أحمد، أن سوريا تولي اهتماماً كبيراً لعودة المهجّرين بفعل الحرب إلى مدنهم ومنازلهم، الأمر الذي يتطلب تنشيط الحركة الاقتصادية في مناطق النظام، عبر التشجيع على المشاريع الصغيرة والمتوسطة في مختلف القطاعات، إذ تم سن تشريعات وبرامج لذلك، منها قانون الاستثمار رقم (18)، ووجهتْ إثره الدعوة الى الشركات والمستثمرين الراغبين في الاستثمار في سورية للاستفادة من تسهيلات هذا القانون ومزاياه.

كي لا ننسى التكلفة البشرية

تُبشّر عودة النظام السوري إلى الجامعة العربية وما جاء في الاجتماع التمهيدي، بمرحلة تعزز حضور الأسد عربياً، وبسط المزيد من سلطته وديكتاتوريته داخلياً، فمع الوقت بات التركيز الأكبر على الخسائر الاقتصادية في سوريا، مقابل تقلّص الحديث عن الخسائر البشرية، وكأن النظام لم يساهم في الجزء الأكبر من هذا الدمار.

على مدى السنوات العشر الماضية، قُتل في المتوسّط 84 مدنياً يومياً كنتيجة مباشرة للحرب في سوريا، وفرّ قرابة 5,6 مليون نسمة خارج سوريا، بحسب مفوضيّة الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان. كانت كلفة الحرب السورية باهظة سواء على المستوى البشري أو البنية التحتية والاقتصادية، إذ قُتِل أكثر من 388 ألف شخص على الأقل منذ اندلاع النزاع وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان، ويكافح حوالى 12 مليون ونصف المليون شخص داخل سوريا لإيجاد طعامٍ يسد رمقهم كل يوم، وفق برنامج الأغذية العالمي، وقضى مئة ألف شخص تقريباً جراء التعذيب خلال اعتقالهم في سجون النظام، بحسب المرصد السوري، بينما لا يزال مئة ألف آخرون رهن الاعتقال. أما السلاح الكيماوي فاستخدم 38 مرة في سوريا منذ بدء النزاع، وفق الأمم المتحدة من بين الهجمات 32 منسوبة الى قوات النظام السوري. غيّرت الحرب السورية حياة حوالى عشرين مليون شخص تقريباً داخل سوريا، أكثر من 11 مليون منهم يعيشون في مناطق تحت سيطرة القوات الحكومية بعد استعادتها أكثر من سبعين في المئة من مساحة سوريا، وفق الخبير في الجغرافيا السورية فابريس بالانش. باختصار، أثّرت الحرب السورية في كل سوري حرفياً، ولم تتوقف المعاناة للحظة منذ عام 2011.

 تحتاج عملية إعادة الإعمار في سوريا إلى أموال طائلة قدرتها الجامعة العربية بـ 900 مليار دولار أميركي، وهي أكبر فاتورة إعادة إعمار في التاريخ الحديث.

أتت الحرب على مدار 12 سنة، على ثلث البنية التحتية و70 في المئة من شبكة الكهرباء وإمدادات الوقود والمياه، وخرجت نصف المستشفيات والعيادات والمستوصفات عن العمل، تدمرت 7 في المئة من المنازل، وتضررت 20 في المئة منها، حسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية. تحتاج عملية إعادة الإعمار في سوريا إلى أموال طائلة قدرتها الجامعة العربية بـ 900 مليار دولار أميركي، وهي أكبر فاتورة إعادة إعمار في التاريخ الحديث، بينما وصلت  تقديرات الحكومة السورية والروسية سابقاً إلى 400 مليار دولار. بالطبع، جاء زلزال 6 شباط/ فبراير ليزيد التكلفة البشرية والمادية. هذه بعضٌ من الأرقام والتقارير التي غطت الحرب السورية ونتائجها، لكن من المتوقع أن تكون الأرقام أكبر بكثير في ظل صعوبة الوصول إلى معلومات دقيقة في سوريا.

المشكلة بدأت منذ لحظة توقّف الحرب

سابقاً ورغم الحرب، كان الناس قادرين على تأمين معيشتهم، بخاصة في المناطق الهادئة نسبياً، لكن الوضع الاقتصادي بدأ في التدهور أكثر وأكثر مع توقف المعارك، وكانت “مجموعة الأزمات الدولية” حذرت بالفعل في تقرير نشرته عام 2019، من أنه ومن دون إعادة الإعمار، يمكن أن تتدهور ظروف السوريين المعيشية إلى أجل غير مسمى.

بعد زلزال 6 شباط، قال البنك الدولي إن الزلزالين اللذين ضربا سوريا وتركيا في شباط ربما يتسببان في انكماش الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لسوريا بنسبة 5.5 في المئة عام 2023، وقدّر البنك أن تبلغ تكاليف التعافي وإعادة الإعمار في سوريا 7.9 مليار دولار على مدار 3 سنوات.

بعد التقارب العربي – السوري الأخير واستعادة النظام جزءاً من دوره في المنطقة، علّق كثيرون آمالاً على تحسّن حياة سوريي الداخل وعودة اللاجئين، لكن وبحسب ما قاله الدكتور جوزيف ضاهر لـ “درج”، لا تعني هذه الأحداث الأخيرة أن سوريا ستشهد على المدى القصير أي تحسن لسكانها أو انتعاش اقتصادي محتمل في المستقبل ودعم دولي لها، الأمر الذي سيعتمد على عوامل كثيرة، بما في ذلك تقدم عمليات التطبيع هذه. يتابع ضاهر، الدكتور في العلوم السياسية: “إن تطبيع النظام السوري، الذي يترجم إلى تطبيع دبلوماسي أكثر من التقارب الاقتصادي، لا يعني استثمارات على المدى القصير من ممالك الخليج، والتي تركز على إصلاحاتها الخاصة والتحديات الاقتصادية الوطنية، مثل رؤية السعودية 2030”.

دعاية توقّف الحرب وعودة الأمان إلى سوريا، لا تعني بأي شكل أن عودة اللاجئين باتت متاحة في الواقع أو على المدى القريب، فعودة اللاجئين ستعني بطبيعة الحال ضغطاً اقتصادياً لن يريده النظام، يقول جوزيف ضاهر: “لن يفي النظام بقضايا مثل السماح بعودة جماعية للاجئين أو الإفراج الجماعي عن السجناء السياسيين. لا توجد رغبة في هذه القضايا من النظام السوري. في الوقت نفسه، لا أعتقد أن دول المنطقة ستضغط بشكل كبير على هذه القضايا، فهي ليست نفسها منارات للديمقراطية، بل هي أكثر للاستهلاك العام، بخاصة في ما يتعلق بمواقف الولايات المتحدة والدول الأوروبية”.

عوائق عملية الإعمار

في عام 2016، أُغلق ما يزيد عن 90 في المئة من المشاريع الصناعية في مناطق الحرب الرئيسية مثل حلب، ما دمر الاقتصاد السوري بشكل لا مثيل له سابقاً، ليست هذه هي المشكلة الوحيدة، فبحسب جوزيف ضاهر، تشوب الانتعاش الاقتصادي في سوريا عقبات متعددة ومترابطة، فالعقوبات الدولية تقوّض الاستثمارات المحتملة وقدرات الدولة، يقول: “أوجه القصور في الوضع السياسي في سوريا، عدم وجود وضع اقتصادي آمن ومستقر، نقص القدرة المالية، البنية التحتية المتضررة ونقص العمالة المؤهلة”.

النظام الذي قتل وارتكب المجازر بحق شعبه، لن تعنيه اليوم إعادة الإعمار التي تصب في مصلحة السكان، على العكس، وكما العادة، سيعيد تدوير الاقتصاد بما يخدم مصلحته، يقول جوزيف ضاهر: “يمكن القول ديناميكيات مماثلة حول قضية إعادة الإعمار. ومع ذلك، يجب أن نكون واضحين أن النظام السوري لا يريد عملية إعادة إعمار كبيرة تعود بالفائدة على الشعب السوري ، بل يريد إعادة إعمار خاضعة للسيطرة تخدم مصالح النظام السياسية والاقتصادية والأمنية”.

على سبيل المثال، هناك جملة من القوانين التي تشرّع الانتهاكات التي قام بها نظام الأسد، والتي سيصدر مثلها الكثير تحت مظلة الإعمار، منها المرسوم 66 لعام 2012، وكان هدفه إعادة بناء الأحياء العشوائية في جميع أنحاء دمشق، ثم تبعه القانون 10 ليغدو المرسوم مطبقاً في جميع أنحاء سوريا، لكن بالتعمق في القانون 66، سيدرك المطلع أن هناك مناطق حددها النظام بشكل خاص، من بينها مناطق خرجت منها الثورة وشارك سكانها في الاحتجاجات.

 فبموجب المرسوم رقم 10، سيتم هدم وإعادة بناء حي التضامن في مدينة دمشق، الحي الذي حصلت فيه المجزرة المروعة على يد أمجد يوسف، وكان من المخطط دراسة أوضاع مناطق أخرى في دمشق منها جوبر وبرزة والقابون مطلع عام 2019، من أجل إعادة إعمارها بموجب القانون ذاته، لكن كل هذه المناطق ضمت جزءاً كبيراً من المعارضة السورية، وما زالت عودة سكانها غير واضحة في ظل عدم وجود استراتيجية، حتى قانون تنظيم الأحياء الشعبية يبدو أشبه بالعقاب، بخاصة أن إعادة التنظيم تعني خروج السكان مقابل تعويضهم بمبالغ قد لا تكفي لشراء مسكن جيد في المنطقة نفسها، وأُجبر كثيرون بالفعل على الانتقال الى مناطق خارج دمشق، وفي كثير من الأحيان كانت مناطق عشوائية كذلك.

من جهة أخرى، يتم الحديث منذ سنوات عن إعادة الإعمار، لكن الى الآن لم تعمل أي مشاريع إعمار على تأهيل المناطق السكنية في سوريا بهدف عودة السكان، وتشمل مشاريع إعادة الإعمار المنفذة حتى الآن البنى التحتية والطرق والمستشفيات، وبطبيعة الحال جميع الاستثمارات العائدة إلى شركات خاصة أو بشراكة مع الشركات العامة، تعني ترسيخاً أكبر لسلطة رجال الأعمال المقربين من النظام، وفي هذه الحالة تبدو عملية الإعمار أشبه بإعادة تدوير الممتلكات لصالح النظام السوري.

وظّف النظام السوري “بلاغة” إعادة الإعمار كشكل من أشكال البروباغندا، كما في مدينتي “ماروتا سيتي” و”باسيليا سيتي” اللتين أعلن عنهما بين عامي 2017 و2018، في المناطق التي تعرضت للقصف في حي المزة في ريف دمشق، المساحات التي بُرر تدميرها كالكثير من المناطق بوصفها “عشوائيات”، وكان لا بد من هدمها، ترافق ذلك مع استراتيجيّة نزع الملكيّة من الكثير من السوريين الذين هدمت منازلهم، ما يشير إلى أن إعادة الإعمار ليست إلا استراتيجية فاسدة، لنهب الأموال “الخارجيّة” إن وصلت إلى سوريا.

كل ما سبق يقودنا إلى نتيجة واحدة، وهي أنه في حال العودة الكثيفة للاجئين من دون وجود بنية سكنية وتحتية ملائمة، سيزيد الضغط على الموارد والاقتصاد، ما سيزيد بدوره الإفقار والجوع كما سيرسخ الحكم الديكتاتوري للنظام السوري.

درج

—————————–

براغماتية الأسد تجعله يفضل أردوغان على قليجدار أوغلو

الأسد يراهن على التقاط أنفاسه سياسيا واقتصاديا، لكنه يصطدم بوعد قليجدار أوغلو الذي تعهّد بإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم.

إذا كان ثمة تجسيد للمفارقات السياسية في الشرق الأوسط فلن يقتصر على حضور الرئيس السوري بشار الأسد القمة العربية في جدة؛ فالأسد يفضّل بقاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في سدة الحكم على إزاحته من قبل مرشح المعارضة كمال قليجدار أوغلو.

ويراهن الأسد، الذي أعيد تأهيله إقليميا وتمت دعوته إلى زيارة أكثر من عاصمة عربية ويحضر قمة جدة التي تنعقد اليوم، على التقاط نظامه أنفاسه سياسيا واقتصاديا، لكنه يصطدم بوعد مرشح المعارضة التركية قليجدار أوغلو الذي تعهّد بإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم.

ورغم الخلاف بينه وبين أردوغان يجد الأسد نفسه أقرب إلى الرئيس التركي الذي لم يدل بتصريحات تحث على طرد السوريين دفعة واحدة، ويمكن التفاوض معه بشأن عودة منظمة وعلى مراحل فيما سيقود فوز قليجدار أوغلو إلى أزمة حادة للأسد الذي يسعى للاستفادة من الانفتاح العربي على مستوى جلب الاستثمارات وإعادة الإعمار وتأمين ظروف مقبولة لعودة الملايين من اللاجئين.

◙ قليجدار أوغلو اتهم أردوغان بأنه لم يقم بـ”حماية الحدود وشرف البلاد” ◙ قليجدار أوغلو اتهم أردوغان بأنه لم يقم بـ”حماية الحدود وشرف البلاد”

وتعهّد قليجدار أوغلو الخميس بإعادة الملايين من اللاجئين السوريين وغير السوريين سعيا لكسب أصوات الناخبين الأتراك الذين يرون في بقاء السوريين على أراضي تركيا تعميقا لأزمتهم الاقتصادية.

وأيا كانت مبررات إعادة اللاجئين فإنهم في كل الأحوال سيمثلون مشكلة بالنسبة إلى الأسد؛ فهم إما عبء اقتصادي أو عائدون مسلحون يشعلون حربا أهلية جديدة، أو يمثلون بؤرة تهديد لسوريا وتركيا معا، وهو ما يجعل خيار التفاوض هو الأقرب إلى حل أزمتهم بدلا من عودة إجبارية وبشكل جماعي لا تستطيع دمشق التعامل معها أمنيا وإنسانيا.

ولن تكون هذه العودة القسرية مشكلة للأسد وحده؛ فهي ستمثل تحديا جديا للعرب الذين تحمسوا لعودة سوريا إلى موقعها في الجامعة العربية. وأبرز عنصر من عناصر هذا التحدي هو اضطرارهم إلى ضخ الكثير من الأموال لتأمين هذه العودة، خاصة أن سوريا تعيش وضعا اقتصاديا صعبا.

وقد يكون هذا المآل هو الذي دفع قطر إلى الانكفاء ومعارضة عودة الأسد إلى الصف العربي، وكأنما تتملص من مسألة اللاجئين السوريين وتداعياتها وتستعدّ لاحتمال خسارة أردوغان جولة الإعادة في الثامن والعشرين من مايو الجاري.

وفي خطاب له الخميس اتهم قليجدار أوغلو أردوغان بأنه لم يقم بـ”حماية الحدود وشرف البلاد”، ووجه إليه خطابا مباشرا قال فيه “أدخلت عمدا أكثر من 10 ملايين لاجئ إلى هذا البلد. فور وصولي إلى السلطة سأعيد كل اللاجئين إلى بلدانهم”.

وأدلى زعيم المعارضة العلمانية بأول خطاب له منذ انتخابات الأحد التاريخية التي حلّ فيها متأخرا بخمس نقاط تقريبا عن أردوغان.

وكان أداء قليجدار أوغلو (74 عاما) هو الأفضل للمعارضة منذ تولي أردوغان السلطة قبل عقدين. لكنه لم يرق إلى توقعات الاستطلاعات التي سبقت الانتخابات وخيّب آمال المعارضة.

ومنذ ذلك الحين أجرى زعيم المعارضة تغييرات على فريق حملته وشدد على ضرورة كسب الناخبين اليمينيين في الدورة الثانية المقررة في الثامن والعشرين من هذا الشهر.

كما يخطط لعقد لقاء مع سنان أوغان، وهو يميني متشدد نال 5.2 في المئة من الأصوات ولم يحسم قراره بعد بشأن الشخصية التي سيدعمها.

اقرأ أيضا:

• عودة الأسد إلى الجامعة العربية علامة على تآكل دور قطر في المنطقة

• هيئة تحرير الشام ترتدي قبعة الدولة للمشاركة في حفلة التسويات

• السوريون في السعودية متفائلون وغاضبون من مشاركة الأسد في القمة

وسبق أن أشار أوغان إلى أنه لن يدعم إلا مرشّحا ينفّذ حملة أمنية ضد المهاجرين ويكافح “الإرهاب”، وهو المصطلح المستخدم في تركيا لدى الحديث عن المقاتلين الأكراد.

وباتت تركيا تستضيف أكبر عدد من اللاجئين والمهاجرين في العالم؛ إذ بلغ عددهم خمسة ملايين خلال العقد الأخير.

وساهم اتفاق منفصل عام 2016 بين أنقرة والاتحاد الأوروبي في التخفيف من حدة أزمة الهجرة التي واجهتها أوروبا عبر السماح للأشخاص الساعين للوصول إلى غرب أوروبا بالاستقرار في تركيا. وحصلت تركيا من بروكسل مقابل ذلك على تمويل لصالح اللاجئين قدره 1.4 مليار يورو.

لكن تسارعت الأزمة الاقتصادية مع اقتراب الانتخابات، ما أدى إلى ازدياد حدة المشاعر المعادية للمهاجرين.

وحاولت حكومة أردوغان إيجاد حل وسط. وقال وزير الداخلية سليمان صويلو الخميس إن تركيا أعادت حتى الآن أكثر من نصف مليون سوري.

وأضاف “لن نحوّل تركيا إلى مستودع للاجئين ولم نفعل ذلك حتى الآن. لكن السوريين يعتبرون أشقاء لنا”.

وتابع “لا يمكننا إرسالهم إلى الموت. ولم نقم بذلك. رجب طيب أردوغان لا يريد أن يتم تذكره على أنه الزعيم الذي أرسل السوريين إلى الموت”.

—————————————

المبعوث الأممي إلى سوريا: لحظة فارقة… وعلى دمشق التحرك

بيدرسون قال لـ«الشرق الأوسط» إن هناك إجماعاً على عدم استمرار الوضع الراهن

لندن: إبراهيم حميدي

نوه المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسون، في حديث إلى «الشرق الأوسط»، اليوم (الخميس)، بـ«المبادرة العربية» مع دمشق، مشدداً على أهمية التوفيق بين هذه المبادرة ومسار موسكو الذي يضم روسيا وإيران وتركيا وسوريا والحكومة السورية، والموقفين الأميركي والأوروبي، للمضي قدماً نحو إيجاد حل سياسي.

وقال بيدرسون إن سوريا تمر بـ«لحظة فارقة» وعلى دمشق استثمار «نافذة الفرصة» للتحرك نحو التسوية، مشيراً إلى أن جميع الدول «تدعم» مقاربة «خطوة مقابل خطوة» التي تتضمن اتخاذ جميع الأطراف لإجراءات «متوازية ومتبادلة ويمكن التحقق منها»، إزاء قضايا عدة، بينها المعتقلون والسجناء وعودة اللاجئين والعقوبات.

وفي ما يلي نص الحديث الذي أجري عبر الإنترنت صباح الخميس:

* ستعقد القمة العربية في جدة وسيشارك الرئيس السوري بشار الأسد للمرة الأولى منذ 2010. ماذا يعني هذا بالنسبة إلى المبعوث الأممي؟

– لابد من البدء بالقول إن البحث عن حل سياسي مستمر منذ 12 سنة. ونعرف أن المشاكل عميقة جداً وأنه ليس هناك حل سياسي سهل. لكن في الوقت نفسه، نعرف أن هناك إجماعاً دولياً متفقاً عليه بأن قرار مجلس الأمن 2254 هو قاعدة الوصول إلى حل سياسي للأزمة السورية.

أيضاً، نعرف أنه على رغم أن لدينا اتفاقاً حول القرار 2254، فإن العملية السياسية لم تحقق التقدم المنشود. لنكن صريحين حول ذلك.

ليست هناك طرق مختصرة للحل السياسي للأزمة السورية، لكن في الوقت نفسه، يجب أن نرحب بالاهتمام الدبلوماسي المتجدد بشأن سوريا. هناك مسارات ومبادرات مختلفة. شاهدنا الاجتماع بين أربعة وزراء خارجية عرب ونظيرهم السوري في عمّان واجتماعات عدة في موسكو ضمّت الروس والإيرانيين والأتراك والسوريين، بما فيها لقاء وزاري رباعي وقبله لقاء بين وزراء الدفاع.

بالطبع، يجب أن نتذكر أنه بعد 12 عاماً من الحرب والصراع الدموي، ساهمت الزلازل الكارثية في فبراير (شباط) الماضي في تدهور الأوضاع الإنسانية المتردية أصلاً. الواقع أن الوضع على الأرض نتج عنه اتخاذ خطوات رمزية من الأطراف كافة، إلا أنها لم تؤد إلى تغيير الوضع على الأرض وتحسين وضع السوريين.

* ألا يوجد تحسن؟

– دعني أؤكد، كما قلت سابقاً، أننا بحاجة لتعاون جميع الدول الأطراف في عملية آستانا والعرب والأطراف الرئيسية. إن الحل الشامل للأزمة لم يتحقق حتى الآن، لكن يجب الاستمرار في المحاولة. بالتوازي مع إدراك أن الوضع الراهن غير مقبول أو مستدام، لابد من إيجاد طريقة للمضي قدماً. وما نراه من جميع الأطراف والأطراف المجتمعة في موسكو، أن هناك اتفاقاً على أن استمرار الوضع الراهن غير مقبول. حتى الأطراف الغربية تقول ذلك. هناك إجماع على هذا. السؤال هو: كيف ندفع الأمور للتحرك قدماً؟

«خطوة مقابل خطوة»

* هل يجعل هذا كله تنفيذ مهمتك أسهل أم أصعب؟

– المطلوب أن نبني على الإجماع كي نقوم بخطوات ملموسة لتنفيذ القرار 2254. وكما تعرف أنا اقترحت مقاربة «خطوة مقابل خطوة» بناء على التفاهم الذي ذكرته. كما تعرف أنني انخرطت مع أصدقائي العرب والدول أطراف عملية أستانا، والطرفين الأميركي والأوروبي والأطراف السورية.

* ما هي مقاربة «خطوة مقابل خطوة»؟

– نحاول القيام بما نسميه، خطوات ملموسة ومتدرجة ومتبادلة، تساهم في تحقيق دفع العملية السياسية. هذه الخطوات من المهم جداً أن تكون متوازية وقابلة للتحقق منها. ومن المهم أن تساهم في تغيير الواقع على الأرض.

* ماذا تتضمن الخطوات؟

– حددت بعض الخطوات التي يمكن القيام بها. نعرف جميعاً أن ملف المعتقلين والمخطوفين والمفقودين مهم جداً. وكذلك ضرورة توفير بيئة آمنة وكريمة للعودة الطوعية للاجئين. هذه خطوة مهمة. أيضاً، لابد من مناقشة حقوق الملكية والمنازل والأراضي والتوثيق المدني والخدمة العسكرية الإلزامية. يضاف إلى ذلك، السلم الاجتماعي أو أمور باتت أكثر أهمية بعد الزلزال. ولابد أيضاً من مناقشة العقوبات.

بشكل عام، يجب انخراط الأطراف كافة في عملية سياسية ذات مصداقية ووضع قضايا على الطاولة. بصراحة أرى أنه من خلال النقاشات التي أجريتها مع الأطراف كافة، أن هناك تقاطعات بين المبادرات المختلفة على رغم بعض الاختلافات، وهو أمر طبيعي.

بالتأكيد لاحظت أنني قلت، إن ما نراه في موسكو والمبادرة العربية، قد يخلقان ديناميكية جديدة للتحرك. وأقول إنه من المهم جداً أن تستغل دمشق هذه الفرصة للانخراط بجدية.

لا طرف يمكنه الحل بمفرده

* ذكرت «خطوة مقابل خطوة» وهي جزء من الحل السياسي. وهذه المقاربة ذكرت في بيان عمّان الوزاري الخماسي. هل تعتقد أن هذه المبادرات ستتبلور بشكل جدي أم أن الأمر يقتصر على مجرد بيانات؟

– أجريت مشاورات جيدة مع وزراء خارجية الدول العربية الرئيسية ووزير خارجية سوريا فيصل المقداد. الكل يعرف التحديات الرئيسية لحل الصراع السوري. كما قلت إن الواقع على الأرض لم يتغير، فسوريا مازالت مقسمة. هناك أطراف مختلفة تسيطر على مناطق مختلفة في سوريا، إضافة إلى أزمة اقتصادية وإنسانية خانقة وتحدي الإرهاب والتطرف. وتتحدث الأطراف العربية عن مشكلة إنتاج المخدرات وتهريبها. وكلها أمور تحتاج إلى فهم عميق وتحرك مناسب.

تلقيت رسائل إيجابية من وزراء خارجية عرب عدة للتنسيق مع الأمم المتحدة لمعالجة هذه القضايا. وأتطلع بعد القمة العربية للبحث في كيفية المضي قدماً. كما أنني أتطلع إلى مواصلة التشاور مع مسار موسكو. كما قلت، هناك تقاطعات بين ما يناقشه العرب ومسار موسكو الرباعي. من الأهمية بمكان أن نستمر في التنسيق والتشاور.

لابد من القول، وأكرر، إنه لا يوجد أي طرف من الأطراف يمكنه بمفرده إيجاد حل. لذلك لابد من مشاركة جميع الأطراف. هذا يشمل العرب والأتراك والإيرانيين والروس والولايات المتحدة والأوروبيين والأطراف السورية. أرى أن دوري جمع الأطراف سورياً حول الطاولة لمناقشة كيفية تحريك دفع العملية السياسية وتغيّر الوضع على الأرض بشكل جذري.

* هل صحيح أن هناك برنامجاً زمنياً وضعته بعض الدول العربية، وهي تتوقع أن تقوم دمشق بالتحرك حول بعض القضايا؟

– لا أريد أن أتحدث نيابة عن الدول العربية. كان لدينا نقاش ممتاز وآمل في مواصلة الحوار والتنسيق والمتابعة لتحقيق بعض النجاح على بعض المسارات. هذا يتطلب العمل الجاد المكثف. فالاحتياجات في سوريا لا تزال هائلة وهي أكثر إلحاحاً بعد الزلزال، ولابد من التأكد مما إذا كانت هناك رغبة جدية للمضي قدماً بطريقة متقابلة ومتوازية ويمكن التحقق منها.

* لاحظت فجوة بين التطبيع العربي مع دمشق وبين قيام دول غربية، خصوصاً الكونغرس الأميركي، بفرض إجراءات إضافية ضد سوريا. بالنسبة إليك كمبعوث أممي، هل هذا يسهّل مهمتك أم يعقدها؟

– أنت محق، هناك انقسام في المجتمع الدولي إزاء كيفية التعاطي مع سوريا. هناك جدل في واشنطن وعواصم أوروبية حول كيفية التعامل مع التطورات الأخيرة. انطباعي، أنهم جميعاً يفهمون، بل يدعمون مفهوم «خطوة مقابل خطوة». أعتقد، إذا انخرطت دمشق في هذه العملية، ستكون هناك فرصة لتحقيق تقدم.

استئناف اجتماعات جنيف

* سمعت من مصادر أن المقاربة للحل هي أن نقدم حوافز لدمشق بينها التقارب العربي، ثم على دمشق أن تقدم شيئاً ملموساً في موضوع الكبتاغون وعودة اللاجئين خلال فترة بين 4 و6 أشهر، وأنه إذا لم يتحقق تقدم، فإن الدول الغربية ستعزز إجراءاتها العقابية ضد دمشق؟

– لاشك أن الإجابة على هذا السؤال لدى الدول الغربية. أما بالنسبة لي، فالوصغ كالآتي: بعد 12 سنة من الحرب والصراع، هناك مبادرات من العرب ومن الأتراك ومسار آستانا، تخلق فرصاً جدية للدفع قدماً. ما نريده هو أن تستجيب دمشق بشكل إيجابي لهذا الأمر. إذا لم يحدث ذلك، فإن الوضع الاقتصادي والإنساني، سيستمر في التدهور، وسينهار النسيج الاجتماعي. فنحن بالفعل إزاء لحظة فارقة. لقد صدرت تصريحات من المسؤولين العرب تدعو إلى عقد اجتماع جديد للجنة الدستورية. وقد وردت الإشارة إلى ذلك في بيان عمان. وأشدد من جانبي على ضرورة استئناف عقد اجتماعات اللجنة في جنيف كخطوة أولى.

كما قلت، من المهم أن تقوم اللجنة الوزارية العربية التي شكلت مؤخراً في إطار الجامعة العربية بدورها في المتابعة. ولابد من إجراء مناقشات جدية مع تركيا وإيران وروسيا، والولايات المتحدة والدول الأوروبية بالتنسيق مع الأمم المتحدة كجهة قادرة على التحدث إلى جميع الأطراف ودعوتها إلى الطاولة، وهو ما لا يتسنى لأي طرف آخر.

* البعض يقول إن مسار موسكو الرباعي والمسار العربي هما مساران بديلان عن مسار جنيف الذي ترعاه الأمم المتحدة، وأن الضحية الأكبر لكل ذلك، هي عملية ترعاها الأمم المتحدة إزاء اللجنة الدستورية أو القرار 2254؟

– كما قلت، هناك مساحة للتوفيق بين هذا المسارات. إذا بدأت هذه المسارات في تحقيق تقدم ملموس سيكون هذ الأمر داعماً لما أريد إنجازه، وهو تحريك العملية السياسية للوصول إلى بيئة هادئة وآمنة و محايدة تمكننا من التقدم في العملية السياسية. كما قلت سابقاً، إن جميع المبادرات مهمة، لكن ما يجب أن نراه هو مزيداً من الانخراط الدولي ورؤية شاملة لما هو مطلوب تغييره في سوريا. الأمر ليس سهلاً، لكن هناك بداية وفرصة.

* ما الخطوات المقبلة التي ستعمل عليها؟

– نراقب ما يحصل في مسار موسكو والمبادرة العربية والوضع على الأرض، وبناء على ذلك، سنحدد كيفية التحرك مع الأطراف المختلفة لضمان التنسيق مع السوريين والعرب وموسكو والولايات المتحدة والدول الأوروبية.

نحن أمام تحدٍ كبير، فإذا لم تنخرط الدول الرئيسية بجدية، سنشهد جموداً في العملية، مهمتي هي الحيلولة دون حدوث ذلك. فالرسائل التي تصلني من المسؤولين العرب مشجعة.

محاولة جدية لتغيير الوضع الراهن

* ماذا ستقول للسوريين في دمشق وإدلب والقامشلي وفي سوريا وخارجها، كي يشعروا بأن وضعهم سيتحسن؟ كيف تقنعهم أن الحل قادم؟

– سأكرر ما قلته سابقا، أتفهم احباطهم بعد 12 سنة من الحرب والصراع إزاء عدم التقدم في العملية السياسية. وأتفهم أن هناك شكوكاً وخيبات كثيرة وأن هناك تحركات سياسية لم تغير الوضع على الأرض. دوري ودور فريقي، أن نجعل من هذا بداية للتغيير الحقيقي وتغيير الأمر على أرض الواقع. إذا لم يحصل هذا، فإننا نخاطر بامتداد الحرب والصراع على مدار سنوات ومزيداً من التدهور في الوضع الاقتصادي والإنساني. فالسوريون يستحقون بصيصاً من الأمل، والعيش بأمن وكرامة سواء داخل سوريا أو لمن يرغبون في العودة وتحقيق تطلعاتهم المشروعة. كما يتوجب إعادة اللحمة إلى المجتمع السوري. هناك حديث بين المسؤولين العرب، حول المصالحة الوطنية. دعنا نأمل أنها بداية لشيء لجديد. هل النجاح مضمون؟ المهم هناك محاولة جدية وقناعة أن الوضع الراهن غير مقبول.

* تشعر المعارضة السياسية السورية بأنه تم التخلي عليها… هل شعورهم صحيح؟

– إذا أدت التحركات الدبلوماسية المكثفة التي شاهدناها مؤخراً إلى تغيير الوضع على الأرض فسيكون هذا مصدر ترحيب من قبل الجميع. أتفهم التشكيك في ما إذا كان ذلك ممكناً.

* في بداية 2014 عقد مؤتمر في سويسرا لتطبيق «بيان جنيف»، وفي نهاية 2015 عقد مؤتمر في فيينا أسفر عن صدور القرار 2254 من مجلس الأمن. في 2023، هل سنرى مؤتمراً دولياً، بحضورك، للبحث عن حل سياسي سوري؟

– من المبكر التنبؤ بما سيكون عليه الحال. ما أريد قوله، إنه كي نتحرك إلى الأمام، لابد من أن تعمل جميع هذه المبادرات معاً. أريد العمل على أن تكون جميع الأطراف على الطاولة: الأطراف السورية، دول مسار استانا، الأطراف العربية، والولايات المتحدة والدول الأوروبية. وسأبذل قصارى جهدي لتحقيق ذلك.

الشرق الأوسط

——————————–

كيف رسخت إيران وجودها في سوريا منذ بدء الحرب؟/ هدى رؤوف

عملت طهران على توظيف إستراتيجية سياسية واقتصادية وعسكرية متعددة الأبعاد في دمشق منذ اندلاع الحرب الأهلية

تمر سوريا بمتغيرين متزامنين، الأول عودتها للجامعة العربية بعد 12 عاماً من الغياب، بما تعنيه رمزية تلك الخطوة من فتح آفاق للتطبيع العربي معها، والثاني محادثات تطبيع العلاقات بين سوريا وتركيا.

ويطرح المتغيران تساؤلاً في شأن مستقبل الوجود الإيراني في سوريا، أو بالأحرى التساؤل عما يمكن أن تتنازل عنه طهران أو تتمسك به في دمشق في ظل خروج نظام بشار الأسد من عزلته الإقليمية بعيداً من إيران.

لكن الإجابة عن تلك التساؤلات تتطلب الوقوف على كيف استثمرت إيران وجودها خلال الحرب السورية الممتدة منذ 12 عاماً، ومن ثم إلى أي مدى يمكن أن تكون عقبة أمام مرحلة جديدة لسوريا؟

عملت إيران على توظيف إستراتيجية سياسية واقتصادية وعسكرية متعددة الأبعاد في سوريا منذ اندلاع الحرب الأهلية، فقد تجلى الدعم السياسي والدبلوماسي قبل وبعد الحرب، فقبل الحرب قدمت طهران الدعم لبرامج الأسلحة الكيمياوية السورية، بما في ذلك دعم العلماء الإيرانيين وتوريد المعدات والكيماويات والتدريب الفني، فدمشق أهم شريك إستراتيجي لطهران، إذ احتلت سوريا مكانة محورية في مشروع إيران نحو الهيمنة الإقليمية، فعبرها تضمن طهران استمرار تأثيرها في محور سوريا – لبنان – العراق تحت قيادتها كقوة إقليمية كبرى مؤثرة في الشرق الأوسط.

وكانت بدايات الدعم الدبلوماسي الإيراني بعد الحرب السورية مع تغيير موقف إيران من الحرب، فبينما اعتبرت طهران أن الاحتجاجات العربية التي اندلعت في بعض الدول عام 2011 ضمن حركة الصحوة الإسلامية، وأنها امتداد للثورة الإسلامية الإيرانية، واتبعت موقفاً يدعم انهيار الأنظمة السنيّة، تغير موقفها حينما انتقلت الاحتجاجات إلى سوريا واعتبرتها تحريضاً من الغرب الذي ينوي تقسيم الإسلام.

لكن في بداية الأزمة حرصت طهران على تخفيف الانتقادات الموجهة إليها جراء دعمها نظام بشار الأسد، فوجهت دعوات إلى بدء حوار بين المعارضة والنظام، ثم رحبت بالـ “فيتو” الصيني والروسي في مجلس الأمن الخاص بإدانة النظام السوري واستصدار قرار بفرض عقوبات عليه عام 2012، فضلاً عن تنظيم إيران مؤتمرات عام 2012 بعنوان “لا للعنف ونعم للديمقراطية”، ولم يدعمه سوى روسيا والصين.

كذلك دانت طهران المؤتمر الذي انعقد في قطر في العام ذاته لضمه كل القوى المعارضة لبشار الأسد، واشتركت في “مفاوضات أستانا” مع روسيا وتركيا منذ عام 2016، وقد أدى الوجود وتداخل المصالح بين الأطراف المتدخلة في الحرب السورية مثل روسيا وإيران وتركيا إلى تغيير تركيا موقفها من بقاء نظام الأسد، إذ إنه خلال المراحل الأولى من الحرب السورية اعتبرت تركيا أن الصراع فرصة لتوسيع نفوذها السياسي في المنطقة، فاتبعت إستراتيجية تقوم على توفير التدريب والعتاد والدعم اللوجيستي لمختلف التنظيمات التي تحارب ضد النظام السوري، غير أن المحادثات الثلاثية أسهمت في تغيير السياسة التركية في سوريا التي تحولت من دعم للتنظيمات المسلحة في سوريا إلى التعاون مع روسيا وإيران.

وتعمل إيران حثيثاً لتحقيق كل أهدافها في سوريا وتأكيد أن العملية السياسية يجب أن تنتهي بحكومة سورية تسمح لها باستخدام الأراضي السورية لدعم وتسليح “حزب الله” ووكلائها الإقليميين.

أما على المستوى العسكري فاستخدمت إيران الأداة العسكرية داخل دول الصراعات في مسارين مرتبطين ببعضهما بعضاً، الأول الإسهام في إنشاء ميليشيات عسكرية مؤيدة لها، والآخر التدخل العسكري المباشر بواسطة قوات فيلق القدس التابعة للحرس الثوري الإيراني.

وساعدت العمليات الإيرانية في تعزيز قبضة نظام السوري جغرافياً وسط وجنوب البلاد، كما ضاعفت عمليات النقل الجوي عندما سيطرت الجماعات التي تحارب ضد النظام السوري على الطرق البرية التي كانت تستخدم لشحن المعدات المقدمة إلى النظام السوري من قبل إيران، وتشمل النفط والمساعدات المالية والدعم المخابراتي والنقل الجوي للمعدات العسكرية، بما في ذلك الذخيرة والأسلحة الصغيرة والثقيلة والمدفعية، والمتخصصون الفنيون والضباط لتدريب وقيادة القوات السورية.

كما امتد الدعم العسكري للنظام السوري عبر الوجود الإيراني الميداني، فجرى تنفيذ عمليات عسكرية من خلال وحدات فيلق القدس الموجودة ميدانياً في سوريا، وتدخلت قوات الحرس الثوري ميدانياً بالعمليات البرية التي ساعدت قوات الأسد في تنظيم نفسها، كما قتل قادة رفيعو المستوى من الحرس الثوري داخل سوريا، مثل الجنرال حسين حمداني الذي توفي منتصف عام 2015.

أما عن تأسيس ميليشيات عسكرية فأسست إيران عبر فيلق القدس ميليشيات الدفاع الوطني، وهي على غرار “قوة الباسيج” الإيرانية بهدف مساعدة الجيش السوري، وكذلك تجنيد المقاتلين الشيعة الإقليميين الذين ويقدر عددهم ما بين 7 آلاف من عناصر “حزب الله”، عدا عن تجنيد مقاتلين شيعة من أفغانستان وباكستان.

وتشير التقديرات إلى أن فيلق القدس يجند نحو 50 ألفاً من عناصر الميليشيات الشيعية التي تعمل داخل سوريا، فهناك كتائب “حركة النجباء”، وهي ميليشيات شيعية عراقية، و”كتائب البعث” وهي ميليشيات موالية لحزب البعث.

وتستهدف إيران من تدريب تلك الميليشيات والمجموعات شبه المسلحة ووجودها داخل سوريا تحقيق أكثر من هدف، أولها تعزيز قوات الأسد بتوفير قوات إضافية للحرب، وثانيها ضمان استمرار وجود عسكري إيراني في سوريا في حال خسارة نظام الأسد، وقد تقدمت هذه الميليشيات شرقاً إلى النقطة التي يمكن أن تساعد فيها إيران على تشكيل ممر آمن للإمدادات من إيران إلى لبنان.

وتدرجت إيران في دعمها لنظام الأسد من تدخل قوات فيلق القدس إلى الاستعانة بميليشيات شيعية ثم اللجوء إلى التدخل السوري، وقد تراوحت المبررات الإيرانية للتدخل في سوريا، ففي البداية كان هناك إنكار لوجود أية عناصر عسكرية إيرانية في البلاد، ثم التحجج بالتدخل عبر الميليشيات الشيعية لأن هذا يخص أمن إيران، فضلاً عن استخدام الورقة الطائفية وحماية المزارات والأماكن الشيعية.

وكانت الأداة الاقتصادية أهم أدوات السياسة الإيرانية، فانتعشت الاستثمارات الإيرانية في سوريا حتى بلغت في نهاية عام 2008 نحو 3 مليارات دولار، وانخرطت إيران في المشاريع الزراعية والصناعية في سوريا، بما في ذلك مصانع للسيارات وبناء مصفاة للنفط في حماة وتصدير الغاز الطبيعي الإيراني إلى سوريا عبر تركيا.

وبعد الحرب السورية ضاعفت إيران دعمها الاقتصادي، ففي يونيو (حزيران) 2015 صرح مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا ستفان دي ميستورا بأن المساعدات الإيرانية لسوريا، بما فيها العسكرية والاقتصادية، وصلت إلى نحو 6 مليارات دولار في السنة.

وتشير دراسات صادرة عن الكونغرس الأميركي إلى صعوبة قياس المعونات الإيرانية المقدمة إلى سوريا بدقة، ويعود ذلك جزئياً لأنها تضم مجموعة من المساعدات الاقتصادية، فهناك عمليات لنقل النفط والسلع فضلاً عن المعونة العسكرية، وقد مددت إيران 6.6 مليار دولار في شكل ائتمانات لحكومة الأسد منذ عام 2013.

وتستقبل سوريا واردات إيرانية بما في ذلك النفط الخام والمواد الغذائية، مثل القمح والسلع المعلبة والمدخلات الزراعية والصناعية، كما وافقت على استثمارات إيرانية جديدة في قطاعات الاتصالات والزراعة والتعدين، كما تنافس الوجود الروسي على المصالح الاقتصادية في سوريا، وربما كان انشغال روسيا في الحرب مع أوكرانيا فرصة لتعزيز وجودها وروابطها داخل الاقتصاد السوري.

وفي ظل الاستثمار الإيراني في سوريا على المستوى العسكري والاقتصادي، فهل من الممكن أن تتخلى إيران عن وجودها في سوريا، ليس فقط لجانب رغبتها في جني كلف دعمها النظام منذ عام 2011، إنما لجهة الأهمية الجيوستراتيجية لسوريا في المشرق العربي، ورغبة إيران في استمرار ما تسميه محور المقاومة التي تريد لسوريا استمرار ارتباطها به.

والسؤال: هل يمكن أن تتخلى إيران عن مكاسبها وطموحاتها داخل سوريا لمصلحة العودة السورية للحاضنة العربية من جهة، وتطبيع العلاقات مع تركيا من جهة أخرى؟ الإجابة في مقالة مقبلة.

——————————

الضربات الجوية لن تنهي وحدها تجارة المخدرات في سوريا/ حايد حايد

في 8 مايو/أيار، استهدفت غارتان جويتان مواقع ذات صلة بصناعة المخدرات وتهريبها في المنطقة الحدودية بين سوريا والأردن، فأجهزت على أحد المهربين البارزين الذي قضى هو وعائلته. ورغم استمرار العمليات العسكرية في سوريا لأكثر من عقد من الزمان، كان لهذه الضربات الجوية حصّة أكبر من الاهتمام لكونها الأولى من نوعها التي يتم الكشف عنها. وهي تشير إلى تحول في استراتيجيات المشاركة ضد شبكات الإتجار بالمخدرات في سوريا. سنحتاج إلى بعض الوقت لنرى مدى تأثير هذه الضربات الجوية على حجم تهريب المخدرات من سوريا إلى المنطقة المحيطة.

ومع ذلك، فثمة شكوك حول فعالية التدابير المخصصة في إحداث تغييرات كبيرة، بالنظر إلى مشاركة النظام الكبيرة في تسهيل تجارة المخدرات غير المشروعة.

يبدو أن الهجمات قد رُتِّبت ليكون لرسائلها وقْع أكبر، حيث استهدف منزل مرعي الرمثان في قرية الشعاب جنوب شرقي السويداء، ما أدى إلى مقتله مع زوجته وأولاده الستة. وذكرت مصادر محلية لكاتب هذه السطور أن الجهة المسؤولة كانت على دراية بإمكانية وقوع إصابات بشرية، بمن في ذلك مدنيون.

هذه الرسالة موجهة للمهربين بأن الاختباء بين المدنيين لن يحميهم. أما الغارة الجوية الثانية فأصابت محطة تحلية فارغة غرب درعا كانت تستخدم سابقاً لتسهيل تهريب المخدرات إلى الأردن. والرسالة الواضحة هنا أن من وراء القصف لن يحجموا عن استهداف منشآت المخدرات حيثما وجدت، بما في ذلك تلك المخبأة في المباني الحكومية. وتأتي شهرة مرعي الرمثان المتورط في تهريب المخدرات إلى الأردن بالتنسيق مع النظام لتجعل هذه الرسالة أكثر وضوحا: لن يستطيع النظام حماية مهربي المخدرات، مهما حاول.

وذكرت التقارير أن الأردن هو من قام بالضربات الجوية. والمعروف أن الأردن هو مستقرّ لنشر الكبتاغون وطريق عبور له إلى دول الخليج. ويصنع الكبتاغون في سوريا من مادة أمفيتامين الرخيصة ثمّ يهرب منها إلى كل دول الجوار. سوى أن وزير الخارجية الأردني رفض تأكيد أن بلاده هي من نفّذ الضربتين، مشيرا إلى أن الأردن سوف يعلن عن أي إجراءات يتخذها عند قيامه بذلك.

مع ذلك، من المحتمل أن تكون الغارات الجوية نتيجة التوتر بين الأردن والنظام السوري، فقد وقعت الغارات الجوية بعد أيام فقط من تهديد وزير الخارجية الأردني بالقيام بعمل عسكري داخل سوريا إذا فشلت دمشق في اتخاذ تدابير فعالة لكبح التهريب. وإذا صحّ ذلك، فيمكن اعتبار أن الضربات هدفت إلى إرسال رسالة بصوت عالٍ، وإن تكُ غير رسمية إلى حد ما، إلى دمشق، لفعل المزيد، إذا كانت لا تريد لعمّان أن تلعب دورا أكبر بشكل مباشر. بعبارة أخرى، بدأت المملكة تفقد صبرها مع النظام السوري وما عادت تضع أي وزن لوعود الأسد.

ومع ذلك، فثمة أيضا احتمال ضئيل بأن الضربات الجوية الأخيرة كانت نتاجا لزيادة التعاون بين سوريا والأردن، كجزء من الجهود الإقليمية المستمرة لإعادة سوريا إلى محيطها العربي. وكانت سوريا تعهّدت، في وقت سابق من هذا الشهر، بالتصدي لتهريب المخدرات عبر حدودها مع الأردن والعراق بعد اجتماع لوزراء الخارجية العرب في عمان. كما وافقت دمشق على التعاون مع الأردن والعراق لتشكيل فرق سياسية وأمنية مشتركة لتحديد مصادر إنتاج المخدرات وعمليات التهريب والجهات التي تنظمها وتديرها عبر الحدود.

ولكن حتى لو كانت الغارات الجوية قد تمّت نتيجة لهذا التعاون، فإن حقيقة تنفيذ دولة أجنبية للهجوم بحدّ ذاتها تقول الكثير عن جدية النظام السوري في مكافحة المخدرات، ذلك أن الهدفين يقعان في مناطق يسيطر عليها النظام السوري، الأمر الذي كان سيسهل استخدام العمليات البرية للقضاء على التهديدات دون وقوع إصابات. ولكن يبدو أن دمشق لم تكن على استعداد للقيام بذلك، وهو ما قد يفسر سبب تنفيذ الضربات الجوية من قبل دولة أخرى.

نجح الأردن في جعل عمليات التهريب إلى أراضيه أشدّ خطورة وأكثر صعوبة من خلال زيادة أمن الحدود. ولكنه لم ينجح في ذلك نجاحا كبيرا ولم ينقطع نشاط مجموعات التهريب أبدا. ومن غير المحتمل أيضا أن يكون للضربات الجوية ضد أهداف مرتبطة بالمخدرات داخل سوريا تأثير كبير، ووفق مصادر على الأرض، فإن تجار المخدرات اختبأوا بعد الهجمات، ونقلوا العديد من عمليات التهريب إلى مواقع أكثر أمانا.

قد تدفع جهود المصالحة مع الدول العربية النظام إلى القيام ببعض العمليات البسيطة، كاعتقال بعض الأشخاص غير الأساسيين في عالم المخدرات واعتراض بعض عمليات التهريب لذرّ الرماد في العيون، ولكن الأرجح أنه لن يتوقف عن الاستمرار في تجارة المخدرات. وتقدر قيمة الكبتاغون، الذي يشكل جزءا مربحا من اقتصاد الحرب في سوريا، بنحو 5.7 مليار دولار في السنة. وحتى لو رغبت بعض الدول في تعويض دمشق عن خسارة تجارة المخدرات، فإن العقوبات المفروضة على النظام تجعل مثل هذه الاتفاقية صعبة التنفيذ.

ومن المرجح أن يؤدي التركيز على ضرب أهداف مرتبطة بالمخدرات داخل سوريا إلى خلق لعبة أخرى لا نهاية لها من لعبة القط والفأر، وهو ما سيتعامل معه النظام وحلفاؤه بسرعة لضمان استمرار تدفق المخدرات.

المجلة

———————-

التطبيع مع سوريا في ضوء نظام أمني عربي جديد/ خالد حماده

هل ستنجح المنطقة العربية في تشكيل إطار أمني منظم محلياً في مرحلة ما بعد السلام الأميركي؟

يمثّل قرار وزراء الخارجية العرب المتخذ في القاهرة بتاريخ 7 مايو/أيار، إنهاء تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية بعد اثني عشر عاماً، نقطة تحوّل في منهجية متوترة اعتمدت سابقاً حيال أزمات شابت العلاقات بين الدول العربية.

لقد سبق للجامعة أن اتّخذت في مؤتمرها الاستثنائي الذي عقد في بغداد (من 27 حتى 31 مارس/آذار 1979) قراراً بقطع العلاقات السياسية والدبلوماسية مع مصر وتعليق عضويتها في الجامعة بعد توقيعها معاهدة السلام مع إسرائيل يوم 26 مارس/آذار 1979 ونقل مقر الجامعة من القاهرة إلى تونس، لتعود مصر وتستأنف عضويتها يوم 26 مايو/أيار 1989.

وبالمنهجية عينها عجزت الجامعة في جلستها التي عقدت يوم 2 أغسطس/آب 1990 عن اتّخاذ قرار موحّد حيال غزو الجيش العراقي للكويت، فقد أعلن الأردن واليمن رسمياً تأييدهما للعراق فيما تحفظت الجزائر وتونس ومنظمة التحرير الفلسطينية وموريتانيا والسودان وليبيا، وساند الكويت كل من السعودية والإمارات والبحرين وقطر وعمان ومصر وسوريا والمغرب.

قرار وزراء الخارجية العرب بعودة سوريا إلى الجامعة العربية أتى بمثابة تتويج للقاءات وإجراءات شملت المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتّحدة وسلطنة عمان والأردن والجزائر وتونس. لقد اعتمدت الجامعة العربية هذه المرة منهجية تجريبية مرنة وضعت أمام الرئيس بشار الأسد خيار التطبيع بدلاً من خيار العقوبات كسبيل لتغيير سلوكه الإقليمي. وفي هذا السياق تندرج سياسية “الخطوة مقابل خطوة” التي أُعلنت في البيان الختامي الاستثنائي لاجتماع عمان التشاوري الذي ضمّ وزراء خارجية سوريا ومصر والعراق والسعودية والأردن في الأول من مايو/أيار الحالي.

من المبكر تبلور نتائج ملموسة لخيار التطبيع على الرغم من الضجيج الذي أُثير حوله، ولكن من الخطأ أيضاً اعتبار قرار الجامعة حدثاً صوتياً ليس أكثر؛ فبصرف النظر عما يعنيه التطبيع من اعتراف بنظام الأسد فإنّ عدم إمكانية تغييره تفترض التعامل معه للحدّ من تداعيات استمراره على المنطقة برمّتها.

وبهذا المعنى تصبح عودة الأسد إلى الفناء العربي إطاراً لإدارة الخصومات قد يؤسّس لبنية أمنية إقليمية جديدة. فإلى جانب خطوات أخرى ضيّقت الانقسامات الإقليمية- بين إيران والسعودية، ودولة قطر ونظيراتها في دول مجلس التعاون الخليجي، وبين تركيا ومصر، وإسرائيل ولبنان حول ترسيم الحدود البحرية، وبين إسرائيل والإمارات والبحرين– يأتي التطبيع مع سوريا كخطوة إضافية باتّجاه وقف تصعيد الصراعات الإقليمية المستعصية. وقد تجلّت آثار هذا التحوّل في اليمن، حيث أتاح التقارب السعودي الإيراني أطول وقف لإطلاق النار حتى الآن في مسار الحرب الأهلية المستعرة منذ أكثر من عقد ونيف.

يبدو أن اللاعبين الإقليميين قد قدموا البرغماتية والواقعية على خيار المضي في الانقسامات الجيوسياسية والطائفية المستمرة منذ عقود، لكن هذا لا يعني بدايات لسلام دافئ بين العرب أو بين الأنظمة العربية وإيران، كما أنه لا يشير إلى أن التوترات بين الأسد والأنظمة التي عملت منذ بضع سنوات فقط على الإطاحة بنظامه قد تضاءلت، فقد قصف الطيران الحربي الأردني موقعاً لإنتاج المخدرات في جنوب سوريا قبل أن يجف حبر قرار جامعة الدول العربية لعودة سوريا. وبالطبع لن يخفف أي نظام أمني إقليمي سطحي وتيرة العداء التاريخي بين العرب وإسرائيل بل ربما يؤدي دوراً معاكساً من خلال إظهار المزيد من الضعف والهشاشة في البنيّة الإسرائيلية.

ما يؤشر إليه هذا الهيكل الأمني الناشئ مرتبط بكيفية استجابة الجهات الفاعلة الإقليمية مع التحولات الجيوسياسية الأوسع، لا سيما الدور المتراجع للولايات المتّحدة في الشرق الأوسط وتنامي المؤشرات على قيام نظام دولي متعدد الأقطاب.

لقد ألقت هذه التحولات المزيد من أعباء الأمن الإقليمي على الدول العربية، ودفعتها إلى تعديل أولوياتها في الاعتماد على الولايات المتّحدة في إدارة التهديدات الإقليمية، والنظر إلى ما بعد الولايات المتّحدة، بما في ذلك الصين، لترميم الخلافات الإقليمية. وبالتالي فإذا لم يتمكن هذا الإطار الجديد الذي نشأ في ظلّ هذه الظروف من إنهاء الانقسامات الإقليمية، فقد ينجح في منع حالات العداء القائمة من التحوّل إلى صراع مفتوح.

وبصرف النظر عن مآلات ما يجري فإن المشهد الأمني المتطور يثير أسئلة أساسية حول دور الولايات المتّحدة وموقعها في نظام إقليمي يتحدى كثيرا من ركائز سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط؟ لقد استندت السياسة الأميركية على مدى عقود إلى فرضية التهديد الإيراني للاستقرار الإقليمي سواء لإسرائيل أو للأنظمة العربية الموالية للغرب، وقد استند الاتفاق الإبراهيمي بين بعض الدول العربية وإسرائيل إلى إمكانية توحيد المصالح بين الخصوم السابقين على خلفية تقدم التهديد الإيراني على الالتزامات المتبقية بإقامة دولة فلسطينية.

أما الآن فبالتوازي مع التقارب السعودي الإيراني والتطبيع مع الأسد ومحاولات تجاوز المأزق المتعلق بالرئاسة اللبنانية والزخم الجديد في الدبلوماسية الإقليمية على نطاق أوسع، تتزايد استحالة التعايش بين الافتراضات الكامنة وراء عقود من السياسة الأميركية مع الاتجاهات الإقليمية الجديدة.

تبدو تأثيرات هذا التحوّل واضحة بالفعل، فقد اعتبرت الولايات المتّحدة انخراط العرب مع نظام الأسد فرصة لإضعاف نفوذ إيران في سوريا، وغالباً ما بررت الأنظمة العربية التواصل مع دمشق على هذا الأساس.

لكن هذا الهدف تمّ تحديثه، إذ قبلت الدول العربية على ما يبدو دور إيران كلاعب إقليمي وقيّدته بإلزامات واضحة تتتعلق باحترام سيادة الدول ووقف دعم الميليشيات وتهريب المخدرات، وقد مثّلت زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى سوريا قبل أيام فقط من إعادة عضوية سوريا إلى جامعة الدول العربية مثالاً صارخاً على ذلك. هذه التحولات السريعة في الدبلوماسية الإقليمية جعلت إدارة بايدن تتدافع، إذ زار مدير وكالة المخابرات المركزية وليام بيرنز إلى الرياض للتعبير عن استياء الولايات المتّحدة من إبقائها بعيدة وتولي الصين الوساطة في ترميم العلاقات السعودية الإيرانية، فيما ادّعى مستشار الأمن القومي جاك سوليفان أن الولايات المتّحدة تلعب دوراً رائداّ في تسهيل التطورات الأخيرة دون التطرق إلى مصير الجهود المتعثرة لمحاسبة نظام الأسد على دوره في جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية.

لا شك أن المرحلة المقبلة هي مرحلة ترقب لما ستذهب إليه عملية إعادة التنظيم الإقليمي في ضوء معطيات واضحة، أهمها استمرار الحظر الاقتصادي على سوريا وربما زيادة الضغوط من خلال نظام العقوبات الحالي، وتحوّل إيران إلى لاعب إقليمي أكثر أماناً رغم الحذر العربي وعدم الثقة العربية التي تبدو أعمق من أن يتغلب عليها اتّفاق لتجديد العلاقات مع المملكة العربية السعودية.

وبالتوازي مع ذلك ستثابر الولايات المتّحدة على التأثير في الديناميات الإقليمية من خلال وجودها العسكري في المنطقة، وتحت عنواني مكافحة الإرهاب وكبح برنامج إيران النووي. فهل تسهم البرغماتية والواقعية الأميركة في تحويل التطبيع مع سوريا من نظام لإدارة الخصومات نحو التأسيس لبنية أمنية إقليمية جديدة؟ وهل تقتنع إدارة الرئيس جو بايدن بالإنخراط بشكل أكثر نشاطاً والتزاماً في النظام الإقليمي الجديد بعيداً عن أسلوب التحدي واستنفاز الدول العربية؟ وهل تنجح المنطقة العربية في تسجيل سابقة تاريخية بتشكيل إطار أمني منظم محلياً، في مرحلة ما بعد السلام الأميركي (باكس أميركانا*).

* تزامنت فترة السلام النسبي في الغرب مع الهيمنة العسكرية والاقتصادية للولايات المتحدة.

المجلة

——————————–

النظام اختطف والدي، التطبيع معه محاولة لمحو التاريخ/ وفا مصطفى

قمّة جامعة الدول العربية التي ستُقام هذا الأسبوع، تُشجّعُ نظام الأسد على مواصلة جرائمه، بما في ذلك الإخفاء القسري لمئات الآلاف من السوريات والسوريين الأبرياء.

نُشرت في صحيفة الغارديان البريطانية بتاريخ 18 أيار (مايو) 2023

رابط النصّ الأصلي

https://www.theguardian.com/global-development/2023/may/18/assads-regime-took-my-father-normalising-relations-feels-like-an-attempt-to-rewrite-history

عندما بدأت الاحتجاجات في سوريا عام 2011 ، تغيّر والدي. كان هادئاً جداً، وقال لي: «كنتُ أتمنى أن يحدث هذا طِوال حياتي، لكنني لم أعتقد مُطلقاً أنني سوف أشهده. وحتى لو لم يتسنَّ لي أن أرى الشعب السوري يظفر بالنصر، فإنه يكفي بالنسبة لي أنني شهدت البداية».

لا يسعني إلا أن أُفكرَ بهذه الكلمات اليوم.

مرَّ 3.608 يوماً منذ أن اقتحمَ شبّيحة الأسد شُقتنا في دمشق واختطفوا والدي «علي»، الذي كان مُعارِضاً صريحاً لنظام الأسد ومؤيداً للثورة السورية. كانت تلك آخر مرة رأته فيها والدتي وأخواتي أو سمعنَ صوته.

بينما تتطلّع دول الشرق الأوسط إلى تطبيع العلاقات مع نظام الأسد، بدءاً من قمّة جامعة الدول العربية التي ستقام خلال هذا الأسبوع في الرياض، والتي دُعي إليها بشار الأسد شخصياً، لا يَسعني إلا أن أتأمَّل الجرائم التي اقتُرفت بحق أسرتي، وملايين الأسر الأُخرى مثلها، وهي تُمحى من التاريخ.

في 2 تموز ( يوليو) 2013، اليوم الذي جُرَّ فيه والدي بعيداً، انهار عالم عائلتنا بأكمله في لحظة واحدة. كان الأمر مرعباً. وخوفاً على سلامتنا، وقلقاً من احتمالية تعرُّضنا للاعتقال من قبل النظام، لم يكن لديّ، أنا وأمي وأختي البالغة من العمر 13 عاماً، أي خيار سوى الفرار من سوريا.

تركنا كل شيء وراءنا، وأخذنا جوازات سفرنا فقط، وعبرنا الحدود التركية تحت جنح الظلام. مُنِحتُ آخر المطاف حقَّ اللجوء في ألمانيا عام 2016، ولكني اضطررتُ إلى ترك عائلتي خلفي في تركيا، ومازلنا مُفترقين إلى اليوم؛ أمي وأختي الصغرى في كندا، وأختي الأُخرى في الولايات المتحدة الأميركية.

الأشدُّ حزناً من انقسام عائلتنا، هو فقدان والدنا، ذلك حزننا الأبدي. عدم معرفة ما حدث له أمرٌ لا يُطاق، شيءٌ يُشبه اختبار شكل من أشكال الموت. اتَّخذنا كل الإجراءات المُمكنة لمعرفة مكانه، بِدءاً من تعيين محامين، إلى استخدام أي وسائل اتصال مُتاحة لدينا، وقوبِلنا بصَمت يصمُّ الآذان.

أنا واحدةٌ من الكثيرات والكثيرين الذين فقدوا أحبّاءهم بسبب الأساليب الوحشية لنظام الأسد.

تُشير التقديرات إلى أن أكثر من 154 ألف مدنيٍّ بريء، إما اختفوا قسراً في مراكز الاحتجاز، أو تَعرّضوا للتعذيب أو القتل على أيدي الجماعات المسلَّحة منذ بداية الثورة السورية. غالبية هذه الفظائع ارتكبها نظام الأسد، والشعب السوري يعرف جيداً أن الأرقام الحقيقية أعلى من ذلك بكثير.

أرى في تجربتنا مأساة جماعية يعيشها جميع السوريين-ات. من الصعب أن يتصوّر المرء عائلةً في سوريا لم تشهد اعتقال واحد من أفرادها أو اختطافه أو اختفائه دون أي أثر. لا يهمُّ ما إذا كانت الضحية مؤيدة أو معارضة للثورة؛ قضيتي هي الحرية للجميع.

بالنسبة لنا جميعاً ممّن عانَينا، تُظهِر سرديّة «تخفيف التوتر» و«إعادة دمج نظام الأسد»، أنّ الصراع في سوريا كان يُنظر إليه كأزمة مؤقتة يمكن حلُّها آنيّاً بأقل جهد ممكن. إنها سرديةٌ تتجاهل حقيقة أن نظام الأسد ارتَكب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، بما في ذلك استخدام الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين، واستهداف المستشفيات والمدارس، وتهجير الملايين بشكل قسري.

التطبيع مع نظام الأسد خيانةٌ لجميع السوريين والسوريات، الذين وقَعوا ضحايا فظائعه، ورسالةٌ مَفادها أن مجرمي الحرب لن يواجهوا عواقب أفعالهم. إنها محاولةٌ لإعادة كتابة التاريخ، ومحو معاناة ملايين السوريين على يد هذا النظام.

وبدلاً من تحقيق السلام، لن يؤدي ذلك إلّا إلى تشجيع النظام على مواصلة جرائمه ضد الإنسانية، بما في ذلك الإخفاء القسري لمئات الآلاف من الأبرياء، ومن بينهم والدي.

يأتي قرار إعادة عضوية سوريا إلى جامعة الدول العربية، في وقتٍ لا يزال فيه النظام يرتكب جرائم بَشِعة بحق شعبه. السردية القائلة بأن الوضع في سوريا قد استقر وتحسّن غير صحيحة ببساطة.

أخشى أن يؤدي هذا القرار إلى المزيد من عمليات الترحيل بحق السوريين والسوريات في البلدان المُضيفة مثل تركيا ولبنان، وإلى تَوقُّف البحث عن حلول سياسية وتَوقُّف الضغط على النظام للإفراج عن مئات آلاف المعتقلين.

والدي وأنا، حلُمنا بمستقبل لنا، لكن أحلامنا تحطّمت بفعل الجرائم الوحشية لنظام الأسد. أتمنى مستقبلاً يُعثَرُ فيه على المُختفين قسرياً، ويلتمُّ شملهم مع عوائلهم؛ مستقبلاً يُمكن لجميع السوريين فيه الاحتجاج دون أن يتعرّضوا للإخفاء القسريّ أو تُزهق أرواحهم بسبب ذلك

موقع الجمهورية

————————–

قوة “اللوبي السوري” في أميركا/ رضوان زيادة

أثار قرار جامعة الدول العربية بتسليم مقعد سوريا إلى نظام الأسد حفيظة السوريين في الداخل والخارج، فلا يجب أن يكافأ الأسد على إجرامه بإعادة الاعتبار إليه وإعطائه شرعية الحديث باسم السوريين مجددا داخل أروقة الجامعة العربية.

للأسف لم تبد الدول العربية ممانعة كافية لمنع هذا من الحدوث بدل أن تدعم نظام الأسد رغم إدراكها أن ذلك لن يسهم في حل أزمة السوريين أو إعادة اللاجئين الذين يخافون التعذيب والقتل على يد نظام الأسد في حال قرروا العودة. فالأسد هو المشكلة وليس الحل بأي شكل من الأشكال، وقد أظهر هذا بشكل واضح فشل جامعة الدول العربية كمؤسسة إقليمية في حل المسألة السورية وإنما إعادتها إلى الأسد الذي يزيدها خرابا وتخريبا.

للأسف، الصوت الوحيد الذي ظهر في معارضته لهذه الخطوات لم يأت من الإدارة الأميركية وإنما من الكونغرس الأميركي ذاته وذلك بفضل جهود الجالية الأميركية السورية وعلى رأسها التّحالف الأميركي لأجل سوريا— وهو مِظلّةٌ انضوت تحتها عشر منظّمات أميركية مختصّة بالشّأن السّوريّ وناشطة في العاصمة الأميركية واشنطن.

حيث استطاع هذا التحالف البناء على جهود سنوات من التنظيم واللوبي في واشنطن في تقديم مشروع “قانون محاربة التطبيع مع نظام ‫الأسد لعام 2023” إلى لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النوّاب حيث تم تمرير القرار بأغلبيّة ساحقة للمشروع الذي طُرِح قبل ثلاثة أيام فقط وجاء صوّت واحد فقط معترضاً على القواعد الإجرائيّة لا على نصّ القانون.

لقد مثل مرور تشريع قانون تجريم التطبيع مع الأسد مثل ذروة عمل اللوبي السوري في أميركا وكشف قوة هذا اللوبي الذي استند إلى عقد كامل من الخبرة في واشنطن ونجح في تمرير قانونين خلال أقل من خمس سنوات في الكونغرس هما قانون قيصر ومن ثم قانون الكبتاغون الذي يعاقب الأسد على تحويل سوريا إلى دولة لتجارة المخدرات.

وهو ما يعتبر بالمعايير الأميركية “لوبي” قوياً وفعالاً تماما كما اللوبي الكوبي في ميامي كما يطلق عليه الذي يعارض إعادة العلاقات مع النظام الشيوعي في كوبا، وقد خسر الحزب الديمقراطي ولاية فلوريدا بسبب دعم إدارة أوباما تصحيح العلاقات مع نظام كاسترو مما كلف كلينتون الرئاسة في عام 2016 في أحد تحليلات خسارة كلينتون أمام المرشح ترامب في تلك الفترة.

ينص التشريع الجديد على تمديد قانون قيصر لثماني سنوات أخرى حتّى عام 2023، واحتفظ النصّ بالعقوبات الإلزاميّة على من يقدّم دعماً ماديّاً لنظام الأسد وشركائه، مع منح الرئيس الأميركي صلاحيات جديدة لمعاقبة من يشترك في الاستيلاء على ممتلكات السوريين أو من يقوم بسرقة المساعدات، ولمعاقبة أقربائهم المشتركين معهم في هذه الجرائم. إن تحويل جزء من العقوبات الثانوية من إلزامي إلى صلاحيات للإدارة من شأنه حماية المدنيين السوريين الأبرياء من الوقوع في شَرَكِ العقوبات لا سيما وأن العقوبات تطول أقارب مقدّمي الدّعم للأسد لا مقدّمي الدعم فقط، وذلك لأنّهم عادة ما يسجّلون ثرواتهم بأسماء أقاربهم للتهرّب من العقوبات، وتعطي التعديلات البنودَ المتعلّقة بالأمانة السورية للتنمية التي ترأسها أسماء الأسد وتستولي على كثير من المساعدات الدّوليّة عبرها قوّةً إضافيّة عن طريق تطبيق المرسوم الرّئاسيّ رقم EO13894 وكلّ قوانين العقوبات الأخرى المتعلّقة بسوريا لا بتطبيق قانون قيصر فقط.كما تم تعديل “العقوبات الماليّة” الممنوع تقديمها إلى النظام إلى “المساعدات الماليّة المصرفيّة” وتعريف ذلك بأنّه التعامل مع أي مصرف رأس ماله السّوقي أكثر من 5 ملايين دولار، وذلك لحماية المؤسسات الصغيرة وعدم عرقلة الحوالات المالية الصغيرة التي يرسلها السوريون إلى الداخل.

الخطوة التالية الآن عرض مشروع القانون على مجلس النواب وهناك فرصة كبيرة طبعا لتمريره داخل مجلس النواب لا سيما مع الدعم الكبير الذي حصل عليه القانون بين الحزبين فقد دعم قانون نظام الأسد لمكافحة التطبيع لعام 2023 كل من الجمهوري جو. ويلسون من ولاية ساوث كارلينا والديمقراطي فيسنتي غونزاليس من ولاية تكساس والجمهوري مايك ماكوول من تكساس والديمقراطي بويل من بنسلفانيا .

وقد مثل تمرير القانون في لجنة الشؤون الخارجية رسالة واضحة لجامعة الدول العربية والدول العربية التي قررت إعادة التطبيع مع نظام الأسد فالقانون ينص صراحة على معارضة قاطعة للاعتراف بأي حكومة سورية بقيادة بشار الأسد والتطبيع مع نظام الأسد. كما أنه يكرس في القانون أن نظام الأسد غير شرعي ويجب محاسبته، ويفرض تقارير واستراتيجيات حول تلاعب الأسد بالمساعدات الإنسانية والأمم المتحدة، ويعزز قانون قيصر ويوسع نطاقه لاستهداف أعضاء بشار الأسد. البرلمان وكبار قادة حزب البعث.

فالقانون يمثل قمة جهد اللوبي السوري في أميركا ويعكس قوة هذا اللوبي الذي سيكون له تداعيات كبيرة في المستقبل.

تلفزيون سوريا

————————————

الفرصة الأخيرة قبل الحسم مع تركيا/ صبا مدور

فلنترك جانبا الابتسامات الدبلوماسية التي ظهرت على محيا وزيري خارجية تركيا والنظام عند لقائهما في موسكو، فذلك من المتوقع في مثل هذه الظروف، لكن المهم، هو ما وفره هذا الاجتماع الأول بين وزيري البلدين منذ 2011، على هامش الاجتماع الرباعي في العاصمة الروسية الذي مع وزيري خارجية روسيا وإيران أيضا.

دأبت هذه الرباعية على متابعة الوضع السوري منذ سنوات، وأنجزت بالفعل هدنا طويلة في الشمال السوري، لكن لم تصل أبدا إلى تسوية بين أنقرة ودمشق، في ظل وجود قضايا خلافية كبيرة وجوهرية، حينما كان نظام الأسد منبوذا دوليا وإقليميا، وبحاجة الى أي متنفس خارجي، وهو ما يبدو أنه أصبح أكثر صعوبة الآن بعدما وجد النظام مخرجا واسعا ومريحا ومجانيا من خلال بعض الدول العربية، وأبرزها السعودية التي دعت الأسد لحضور القمة العربية المقبلة في الرياض.

تحاول تركيا بالطبع أن تحمي مصالحها الأمنية في المناطق الحدودية مع سوريا، لا سيما بمواجهة (قسد) و(داعش)، إلى جانب إيجاد مخرج مقبول وعملي لأزمة اللاجئين السوريين في تركيا، وتحديد مصير فصائل المعارضة، بل ومصير إدلب والشمال السوري بكامله.

هذه القضايا المفصلية الصعبة، أصبحت اليوم أكثر صعوبة، فالنظام يجد نفسه دون عجلة من أمره في حل قضايا تشغل تركيا أكثر مما تشغله، ولم يعد حلها السريع والعادل يمثل عنده شيئا ذا مغزى، بعدما حصل على أكثر مما كان يحلم به، من دول عربية، وجدت مصلحتها في التقرب منه، بل وبدا أن أحدها كان يشارك في تمويل الحملات العسكرية الروسية ضد المعارضة، كما أن دولة أخرى عرضت حسب رويترز مليارات الدولارات على النظام مقابل أن يتوقف فقط عن إرسال الكبتاغون إلى أراضيها.

هذا النمط من التطبيع مع النظام لم يعد مجانيا فقط، بل بات مربحا له، وهو في هذه الحالة، لن يقدم على خطوة باتجاه الأتراك يمكن أن يدفع فيها شيئا، فقد خبر عض الأصابع مع الدول العربية، وفاز، فلماذا لا يجرب اللعبة مع تركيا، لا سيما وأنه بات مرتاحا لوضعه، لا تهدده مخاطر حقيقية، وصار له أن يتحدث من موقع (المنتصر) بفضل جائزة عربية لا يستحقها.

والأكثر من هذا أن اجتماع موسكو عقد قبل أيام فقط من الاستحقاق الانتخابي الأهم في تركيا منذ تأسيسها، ونتائجه ستحدد موقف أنقرة من مجمل الوضع السوري ومن قضايا اللاجئين والمعارضة وقسد والعلاقات مع روسيا وإيران والولايات المتحدة، وكل هذه القضايا المحورية، تجعل من النظام غير متحمس للوصول إلى اتفاقات من أي نوع مع سلطة قد تتغير في حال عدم فوز الرئيس أردوغان أو حزب العدالة والتنمية، وذلك أضاف بالطبع زخما لقدرة النظام على المناورة، بل وكان بالأصل أحد الأسباب التي ربما دفعت بعض الدول العربية إلى هذه الهرولة باتجاه النظام.

كل هذه العناصر التي تجمعت لتغير وجه المعادلة السورية خلال أشهر أو حتى أسابيع، تقدم نموذجا للسبب الأهم الذي انحرف بالمسار السوري، من نصر كان وشيكا للثورة، إلى تقدم بات واضحا للنظام، هذا السبب هو السياق الإقليمي الذي تلاعب بالمتغيرات السورية طوال 12 عاما، بطريقة لطالما عبرت عن اتجاهات أصحابها، بدءا من استثمار الوضع لإنجاز مشروع التوسع الإقليمي وهو ما مثلته إيران، أو ما عكسته من انتهازية أو معارضة للنظام وسياساته الإجرامية دون حسم، كما عبرت عنه دول عربية عدة، وصولا إلى تركيا التي كان لها مصالح استراتيجية ومواقف بدت مبدئية، لكنها أيضا فشلت في حسم الوضع حينما كان بمقدروها ذلك.

غير أن كل المنشغلين الإقليميين بالأمر السوري ممن أظهر رفضا للنظام، لم يكن له أن يتدخل ويعبث، لولا حصوله على تعاون طائفة من المعارضة السورية، تسلمت منه الدعم، مقابل الولاء، حتى تحول جزء مهم من المعارضة السياسية إلى معارضات، تتبع كل منها داعما إقليميا، وتتفق فيما بينها أو تتصارع حسب العلاقات البينية بين الداعمين ومصالح كل منهم.

ووسط المعادلات الإقليمية المتنوعة، بدا أن تركيا كانت تخطط من خلال الوسيطين الروسي والإيراني للحصول على مكاسب أمنية في حدودها الجنوبية مع سوريا، من غير أن تتمكن في أي وقت من التنسيق حول الموضوع السوري مع معظم الدول العربية ذات المصلحة المماثلة، ولذلك جاء التسابق العربي نحو النظام، مفاجئا للأتراك، قبل أن يحققوا أي شيء في تكتيكات تقربهم منه.

وفي كل الأحوال فعلى تركيا أن تنتظر نتائج الانتخابات فيها لتحسم أمرها بشأن التعامل مع الملف السوري، وهو قد لا يشكل أولوية قصوى أيا كان الفائز، وربما يكون ذلك هو الفرصة الزمنية الأخيرة أمام المعارضة، لتفعل شيئا لتنقذ ما يمكن إنقاذه، أو لتتمكن من وضع مواقفها على الطاولة، قبل حسم كل القضايا على الطريقة العربية.

—————————

مسرحية مكافحة النظام السوري للكبتاغون!/ عبد القادر المنلا

بث إعلام النظام منذ بضعة أيام، -تحديداً في 14/5/2023- تقريرين تلفزيونيين يتضمن أحدهما استطلاعاً من داخل سجن النساء في عدرا، والآخر يتضمن إحباط قوى الأمن الداخلي لعملية تهريب كبيرة، وهي شحنة مخدرات تتكون من مليون حبة كبتاغون ويصل وزنها إلى 166 كيلوغراماً، وهذه الشحنة -كما ذكر إعلام النظام- قادمة إلى حلب وكانت مخبأة في شاحنة..

الفيديوهات التي تضمنها تقرير سجن النساء تُسيل لعاب أي سوري للعيش في ذلك السجن الحضاري بالغ الأناقة والجمال من حيث تصميمه وبنيانه، فضلاً عن الأثاث الموجود فيه، والذي لا تجده إلا في فنادق سبع نجوم، أما الأهم فهو تلك العناية الفائقة بالسجينات، سواء من حيث المعاملة، أو من حيث الاهتمام بمستقبل السجينة، فلكل منهن مكتب و”لابتوب” خاص، وكل الراغبات بمتابعة الدراسة الجامعية يستطعن فعل ذلك من خلال الانتساب إلى الجامعات الافتراضية والدراسة عن طريق الإنترنت، مما يعني توفر الكهرباء وشبكة الإنترنت بشكل كامل داخل السجن، فضلا عن كل الخدمات الأخرى التي تضمن رفاهية السجينات..

وعلى جدران ردهات السجن تنتشر اللوحات والرسومات كما لو أننا في متحف أو في دار أوبرا، ويطوف على السجينات مشرفون في منتهى الأناقة والرقي والذوق لإعطائهن المشورة والنصائح ومساعدتهن في التغلب على أي عائق، أما إدارة السجن فلا همَّ لها سوى السهر على راحة السجينات ورعايتهن وتلبية مطالبهن وتقديم كل ما يلزمهن لتحقيق مستقبل واعد بعد انتهاء فترة سجنهن..

اللافت في هذا السياق ليس فقط السذاجة المفرطة والاستهتار الكبير بعقول السوريين، بل أيضاً السيناريو المكشوف والحبكة الهشة والإخراج الفاشل، فالحكاية تبدو ملفقة بالكامل منذ اللحظة الأولى حتى نهاية الاستطلاع / التمثيلية، واللغة المتبناة سواء من قبل القناة التي أجرت الاستطلاع أو من قبل إدارة السجن والمسؤولين عنه لتوصيف السجن والسجينات تكشف بوضوح أنها متفق عليها لأنها لا تشابه لغة الواقع في شيء ولا تمت له بصلة.

أما وضع السجينات فيعكس حالة متخيلة ومفترضة، ويرسم الصورة الزاهية، الصورة المثالية، بل المبالغ في مثاليتها، حتى على مستوى ملابسهن، مما يساهم في فضح زيف الصورة التي يحاول النظام إيصالها للخارج دون تدقيق في الخدع الإخراجية المتهالكة والتي تجعل الحكاية برمتها لا تخرج عن نطاق السخرية..

الخلل ذاته سنجده مضخماً وواضحاً وأكثر سطحية في الديكور والإكسسوارات، فإذا ما دققنا في الفيديوهات سنجد الأثاث الجديد والمنتقى بعناية، والكراسي التي لا تزال تحتفظ بغلافها “النايلوني”، مما يؤكد بداية أن كل تلك التجهيزات تم شراؤها، أو ربما استعارتها من إحدى المؤسسات خصيصاً لتسجيل الريبورتاج، فمن يوفر تلك النوعية من الخدمات والتجهيزات والأثاث في سجونه، لا يمكن أن يحرم مواطنيه منها خارج السجن، لا يمكن أن يعاني المواطن خارج السجن من انقطاع الكهرباء والإنترنت فيما يتوفر ذلك بكثرة في السجون، ومن غير المعقول أن تكون حياة المواطنين غير المسجونين أكثر صعوبة من نزلاء السجون، إلا إذا كان النظام يهتم فقط بسجنائه دوناً عن باقي المواطنين.

ورغم كل تلك المتناقضات التي تجعل رواية النظام أضحوكة حتى بالنسبة لأتباعه، إلا أنه لم يتردد في نشرها كما لو أنها حقيقية، لقد اعتاد النظام على كذبه وتأقلم معه باعتباره حقيقته الوحيدة، لا يعير النظام السوريين أي اهتمام، ولا يهمه اكتشافهم لكذبه وتزويره، فسوريو الداخل سيفرض عليهم تصديق الكذبة تحت تهديد السلاح، أما سوريو الخارج فهم بالنسبة له مجرد إرهابيين، وأي انتقاد منهم سيضعهم النظام في ملف الخيانة والكيد والحسد.

كل من شاهد الاستطلاع سيكتشف على الفور أنه صورة معدة للتصدير الخارجي وبشكل رخيص، فالنظام يريد أن ينقل رسالة للخارج عن نوعية سجونه وحرصه على مواطنيه، وكما حاول تشويه صورة الثورة ووسمها بالإرهاب، يريد اليوم أن يغير الصورة المتعارف عليها عن سجونه ومحاولة غسيل عارها، وربما يريد تكذيب صور قيصر عبر التظاهر بذلك الشكل الحضاري الذي يسبق سجون سويسرا.

وفيما يتعلق بشحنة المخدرات فقد وقع النظام بذات الأخطاء الإخراجية التي تكشف هشاشة روايته وركاكة السيناريو وفضائحية التنفيذ، حيث لم يكتف إعلام النظام بخبر إحباط شحنة المخدرات بل أجرى سلسلة لقاءات مع ضباط وعناصر من قوى الأمن الداخلي والذين أكدوا على أنهم العين الساهرة على حماية الوطن، ولكنهم كشفوا لعبة النظام بصورة صارخة من حيث لم يقصدوا حينما تحدثوا عن مصدر الكبتاغون مدعين أن تلك المواد المخدرة قادمة من مناطق “الإرهابيين” الذين فشلت مؤامرتهم وحربهم الكونية العسكرية على سوريا، فراحوا يحاولون إضعاف سوريا من خلال محاولاتهم نشر المخدرات، وكانت الرواية ستكون أقوى وأكثر إقناعاً لولا تلك التصريحات التي كشفت تمثيلية إحباط عملية التهريب والهدف منها ورسالتها..

جاءت تلك الأخبار -سجن النساء وإحباط عملية تهريب المخدرات- بالتزامن مع تركيز إعلام النظام على مشاركة لجانه في برامج الجامعة العربية بعد استعادته مقعده فيها، لتبدو القصة كلها وكأنها رسالة إلى الدول العربية تفيد بأنه بدأ بمكافحة تهريب المخدرات، ورسالة إلى العالم تفيد بأنه بريء من تهمة إنتاج وتهريب المخدرات، وبأن المعارضة هي من يفعل ذلك، وبأنه هو من يكافح تجارة المخدرات ويحمي الشعب من خطر تلك السموم..

تلك الأخبار التي وردت على إعلام النظام ستكون بدورها مادة للإعلام العربي الداعم لعملية التطبيع مع الأسد، وستقوم الأنظمة العربية المطبّعة بتبنيها والاعتماد عليها في صناعة بروباغندا للأسد، فالدول المطبعة لا تلتفت بدورها للحقائق، قدر تركيزها على ما يدعم قرارها السياسي..

مما لا شك فيه أن السجن عاد إلى حقيقته بعد الانتهاء من تسجيل الريبورتاج / التمثيلية، وتمت إعادة اللابتوبات والأثاث الأنيق إلى مكانه الحقيقي، وعادت السجينات إلى الزنازين العفنة، وعادت السجّانات لممارسة الاضطهاد والإذلال بحق السجينات، ومما لا شك فيه أيضاً أن شحنة المخدرات التي صادرها النظام ستعود إلى مخابئها لتواصل طريقها إلى وجهتها التي كانت تقصدها في الأساس، فيقبض النظام الثمن السياسي من دعايته، ويحتفظ بعائدات المخدرات كما هي..

ما فعله النظام منذ بداية الثورة من تزييف وتزوير وتكذيب للحقائق يكرره اليوم كوصفة سحرية مضمونة النتائج، الاختلاف الوحيد ربما هو أن النظام كان يزيف الحقائق وهو يشعر ببعض القلق أما اليوم فيفعل ذلك وهو مطمئن..

——————————-

قانون “محاربة التطبيع مع الأسد” يشق طريقه في “الكونغرس

مسارٌ جديد للعقوبات الأمريكية على الأسد، شق طريقه مؤخراً إلى مجلس النواب الأمريكي، وحمل عنواناً مختلفاً عن العقوبات السابقة، محوره محاربة التطبيع مع الأسد بوصفه “مجرم حرب”، في تحدٍ للمسار العربي الذي أفضى إلى إعادة الأسد للجامعة العربية.

وعلى غرار “قيصر” و”الكبتاغون”، دخل مشروع القانون الأمريكي مرحلة ما قبل الإقرار الرسمي، حين أقرته لجنة العلاقات الخارجية في “مجلس النواب”، بعد حصوله على موافقة الغالبية العظمى من أعضاء اللجنة.

وينص البند الرئيسي لمشروع القانون على حظر الاعتراف بالأسد أو تطبيع العلاقات مع أيّ حكومة يرأسها، وتطبيق قانون قيصر لردع نشاطات إعادة الإعمار في المناطق التي تخضع لسيطرة النظام.

وطُرح المشروع من قل نواب أمريكيين، وبجهود “التحالف الأميركي لأجل سوريا”، وهي مظلة انضوت تحتها عشرة منظمات أميركية مختصة بالشأن السوري، وتنشط في العاصمة الأميركية واشنطن.

“عصا بوجه المطبعين”

رئيس المجلس السوري- الأمريكي، فاروق بلال، يرى أن أهمية قانون محاربة التطبيع مع الأسد تكمن بنقطتين اثنتين، الأولى هي “عدم الاعتراف بأي حكومة سورية حالية أو مستقبلية يترأسها بشار الأسد”.

وقال في حديثه لـ “السورية نت”، إن “هذه النقطة تعني أن الأسد أصبح شخصاً مفلساً من الناحية السياسية، وعلى الدول العربية التي تطبع علاقاتها معه أن تعي ذلك”.

أما الأهمية الثانية للقانون، بحسب بلال، هي التوقيت الذي طُرح فيه، تزامناً مع انعقاد “القمة العربية” في جدة.

وتحدث رئيس المجلس السوري- الأمريكي، عن سرعة “غير مسبوقة” في طرح مشروع قانون محاربة التطبيع مع الأسد، للتصويت عليه من قبل لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس.

مشيراً إلى أن طرح أي مشروع قانون يستغرق عادةً شهرين، لحين التوافق على صيغته النهائية.

ونوه إلى أن سرعة طرحه للتصويت جاءت بهدف المزامنة مع القمة العربية، ولإيصال رسالة لـ”المطبعين أن عصا الكونغرس ستبقى مرفوعة بوجه من يريد التطبيع مع الأسد، حتى لو كانت إدارة بايدن متساهلة بهذا الخصوص”.

“الأقوى” بعد قيصر

وحول التأثير المتوقع للقانون، بعد أن يصبح نافذاً بشكل رسمي، يقول بلال إنه سيشكل أدة ضغط على الدول العربية للتراجع عن فكرة التطبيع مع النظام.

وقد يدفع القانون الدول العربية للضغط على الأسد من أجل تقديم تنازلات جدية في مسار الحل السياسي، بموجب قرار مجلس الأمن “2254”، وإعادة تفعيل عمل اللجنة الدستورية السورية، والتعاون بملف المعتقلين.

ووصف “التحالف الأميركي لأجل سوريا” مشروع القانون، بأنه “الأقوى والأضخم والأهم من نوعه منذ قانون قيصر”، وذلك في بيان للتحالف حصلت “السورية.نت” على نسخة منه.

إذ يشمل مشروع القانون كل القطاعات التي يمكن أن يعمل فيها نظام الأسد الأسد أو يستفيد منها، ومن بينها الخطوط الجوية السورية.

وهذا يعني أنه في حال حطت طائرة سورية تابعة لحكومة النظام في أي مطار دولي حول العالم، فإن ذلك المطار والدولة الموجود فيها، سيخضعان للعقوبات الأمريكية.

وبحسب رئيس المجلس السوري- الأمريكي، فإن العقوبات التي أصدرتها الولايات المتحدة سابقاً ضد الأسد، كانت محدودة فيما يتعلق بشمولية العقوبات.

موضحاً أن قانون الكبتاغون مثلاً، يختص بمكافحة تجارة الكبتاغون التي يرأسها الأسد فقط، وكذلك قانون قيصر يختص بمنع جهود إعادة الإعمار وبملف الدعم العسكري للأسد والملف الكيماوي.

متى يصبح القانون نافذاً؟

حصل مشروع قانون محاربة التطبيع مع الأسد لعام 2023، على موافقة لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس، بعد موافقة 39 عضواً من أصل 40 عليه، خلال جلسة تصويت انعقدت ميساء الثلاثاء الماضي.

وبحسب رئيس المجلس السوري- الأمريكي، فاروق بلال، لم يكن هناك سوى اعتراض واحد فقط من قبل أعضاء لجنة العلاقات الخارجية، موضحاً أن الاعتراض لم يكن على نص القانون، وإنما على سرعة طرحه للتصويت.

وبعد إقراره من قبل لجنة العلاقات الخارجية، سيُطرح مشروع القانون على مجلس النواب  كاملاً، للتصوييت عليه.

وفي حال وافق عليه مجلس النواب سيُطرح مشروع القانون على “الجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ”، ثم يمرر بعدها للتصويت من قبل مجلس الشيوخ الأمريكي، وفي حال حصل على الأصوات المطلوبة سيذهب إلى الرئيس الأمريكي جو بايدن مباشرة للتوقيع عليه، وحينها يُصبح نافذاً.

ولا يمكن للرئيس الأمريكي إجراء أي تعديل على مشروع القانون أو إلغائه، لكن يمكنه تأجيل التوقيع.

يُشار إلى أن قانون قيصر، الذي دخل حيز التنفيذ في يونيو/ حزيران 2020، كان قد طُرح عام 2016، أي في عهد إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما، إلا أن أوباما أجّل المصادقة عليه، ليتم التوقيع عليه رسمياً من قبل الرئيس السابق دونالد ترامب.

وبدأت المنظمات والجهات العاملة في الولايات المتحدة التحرك من أجل الضغط على الكونغرس الأمريكي، لإقرار قانون محاربة التطبيع مع الأسد، بحسب رئيس المجلس السوري- الأمريكي فاروق بلال.

وقال بلال لـ “السورية نت”، إن تلك التحركات تشمل زيارة أعضاء الكونغرس في مدنهم وولاياتهم ومكاتبهم، من أجل إقناعهم بتبني مشروع القانون.

تعديلات “نحو الأفضل”

خلال المراحل السابقة التي تلي إقرار القانون رسمياً، قد تخضع بعض بنوده لتعديلات من قبل أعضاء الكونغرس أو في مجلس الشيوخ الأمريكي.

إلا أن فاروق بلال، يعتقد بإمكانية تمرير مشروع القانون بصيغته الحالية.

وأوضح أن التعديلات التي خضع لها مشروع القانون منذ طرحه لم تكن جوهرية، بل كانت “إيجابية” وتدعم القانون بصورة أكبر.

واعتبر أن أهم ما في القانون هو رأيه ببشار الأسد، ومعاقبة المطبعين معه، وهي نقاط مفصلية لا يمكن إجراء أي تعديل عليها.

وحول التعديلات “الإيجابية” التي خضع لها القانون، قال بلال إنها شملت تسهيل إيصال المساعدات للشعب السوري، وتغيير بعض المصطلحات.

مثلاً: إذا كانت المنظمة التي تقدم المساعدات تعلم بأن النظام قد يسيطر على جزء منها، لا تعاقب بهذه الحالة.

لكن اذا تقصدت تلك المنظمات إيصال المساعدات للسوريين عن طريق النظام، فإنها ستخضع للعقوبات.

وخلال عرض مشروع القانون للتصويت أمام لجنة العلاقات الخارجية، تمت إضافة بعض التعديلات عليه، ومن بينها وضع “الأمانة السورية للتنمية”، التي تترأسها أسماء الأسد، على لائحة العقوبات، بسبب استغلالها للمساعدات الأممية وسرقتها.

كما شملت التعديلات إضافة قياديين في “حزب البعث” للائحة العقوبات، وكذلك جميع أعضاء مجلس الشعب وذويهم، كي لا يتم تحويل الأموال المنقولة وغير المنقولة لأسماء ذويهم.

واعتبر بلال أن كل تلك التعديلات “إيجابية”، ومن شأنها أن تقوي القانون في حال دخل حيز التنفيذ.

وختم بقوله: “القانون سيضيّق الرباط على عنق الأسد ويخنقه سياسياً، وعلى كل من يطبع معه أن يعرف أنه يطبع مع جثة سياسية هامدة، لن تنفعه بشيء”.

—————————-

هل ضاعت الفرصة في سوريا؟/ ريما فليحان

شكل الربيع العربي فرصة حقيقية من أجل تغيير جذري في سوريا المحكومة بنظام ديكتاتوري تأسس بقبضة أمنيه واشتغل بشكل مكثف على سياسة غسيل أدمغة المواطنين بحيث يتحول مفهوم المواطنة الى الموالاة للنظام بل بالأحرى لرأس النظام تحديداً،  وبحيث اختزل مفهوم الوطنية والوطن بشخص الرئيس الذي استولى علي السلطة وحول نظامها الذي كان يجب أن يكون جمهوريا الى نظام عائلي مافيوي يرتكز في سياسته الخارجية على إرهاب دول الجوار وفي سياسته العالمية على الانغلاق وخرق القانون الدولي والتحالف مع كل الدول الخارجة عن القانون والتي تتميز بطبيعة استبدادية تشبه طبيعته، أما داخليا فاعتمد سياسة الافقار و قمع الحريات الشخصية والعامة وتكريس سياسة الحزب الواحد وبالأحرى حكم العائلة والسيطرة على موار البلاد الاقتصادية من قبل تلك العائلة وادواتها، كما منع نهوض مجتمع مدني فعال،  و ارتكاب انتهاكات ممنهجة لحقوق الانسان استمرت لما يزيد عن نصف قرن، وهو ما أوصل الشعب السوري للانفجار في اذار ٢٠١١ بلحظة تاريخيه كان من الممكن أن تغير وجه البلاد  بل المنطقة وتحول المسار في سوريا نحو دولة ديموقراطية منفتحة على العالم، دولة كان يمكن أن تنهض بمواطنيها وتحترم القانون الدولي لو تلقفت تلك الفرصة دول العالم الحر تلك ولو دعمت تلك الدول المؤثرة في العالم القوى الديموقراطية والعلمانية في سوريا بشكل فعال بعيداً عن لغة البيانات الدبلوماسية والادانات الفارغة من التأثير، بينما أدت الاليات المعطلة بمجلس الامن دورها في الوصول الى حالة من الجمود في مسار إيجاد حل حقيقي للسوريين  ضمن جو من تخاذل المجتمع الدولي في إيجاد وسائل ضغط فاعلة  ويقابل كل ذلك شراسة التدخل الروسي والإيراني السافر على الارض السورية والفيتو الروسي في مجلس الأمن . سياسة عالمية فشلت في وضع حد لنظام ارتكب جرائم حرب قد تزيد عما ارتكبته النازية في الحرب العالمية الثانية، وتسبب في خلق أكبر موجة لجوء وكارثة إنسانية في العصر الحالي وفقا للأمم المتحدة، ويمكن القول ان السياسة الامريكية فشلت في سوريا بسبب عدم وجود اهتمام حقيقي في انهاء الصراع، وهو ما فتح الباب على مصراعيه لاستحواذ الروس على سياسة المنطقة وعودتهم كفاعل سياسي دولي قوي ومؤثر على السياسة الدولية،  بل  أن السياسة الدولية والامريكية في سوريا والمتجلية بعوامل كان منها  عدم القدرة على وقف جرائم الحرب ومحاسبة مرتكبيها ، ولا إيجاد أليات فاعلة لإنهاء الصراع مبكراً شجعت بوتين على تجاوز الخطوط الحمراء دولياً،  وهو ما تجلى في حربه على أوكرانيا لاحقاَ ربما لأنه اختبر ردود الفعل الدولية على دوره في سوريا في تثبيت نظام دكتاتوري متهالك وفي إحالة سوريا الى قاعدة عسكرية روسيه ومختبر تجارب للأسلحة الروسية على الشعب السوري وفقا لتصريحات الروس نفسهم حول ثبات فعالية أسلحتهم في سوريا.

ارتكبت الولايات المتحدة والمجتمع الدولي خطيئة كبرى في سوريا بعد استخدام النظام السوري للسلاح الكيماوي في الغوطة عبر تهديدات جوفاء أطلقتها ولم تقم بعدها باي خطوات حقيقة لوقف جرائم النظام السوري، وهو ما شجعه لاحقاً لاستخدام السلاح الكيماوي عشرات المرات والامعان في استخدام أسلحة محرمة دوليا والتعذيب الممنهج وجرائم العنف الجنسي والتهجير والتغيير الديموغرافي والحصار وكم الأفواه،  على الرغم من تقارير لجان تقصي الحقائق والمنظمات الحقوقية و منظمة حظر السلاح الكيماوي التي تثبت تورطه،  فشلت الاليات الدولية حتى الآن في عقاب النظام السوري ومحاسبته وهو ما قد يطلق العنان لكل مجرمي الحرب في العالم ليفعلوا ما يشاؤون للوصول للسلطة او البقاء فيها وفي الامعان قمع الحريات.

لقد كانت السياسة  الدولية عموماً و الامريكية في سوريا والتي تبدو “باستثناء الخطاب الإعلامي والمساعدات الإنسانية والعقوبات الضرورية و غير الفاعلة في ان معاً” وكأنها غير معنية الا بالمراقبة والانتظار قاتلة، قاتلة لفرصة ثمينة لإنجاز تغيير حقيقي في المنطقة كان سيؤدي الى عالم أكثر استقراراً، والى خلق شرق أوسط ديموقراطي منفتح على العالم  يسعى لرفاه شعوبه وتعزيز قيم الديموقراطية في المنطقة، و لسوء الحظ هذا لم يحصل بسبب وحشية النظام السوري، و طول الأمد وسياسية اللا استراتيجية في سوريا، وفشل الاليات الدولية في وقف جرائم الحرب،  بالإضافة الى التدخلات الإقليمية في سوريا، والتي كانت جميعها عوامل تسببت في اضعاف قوى الحراك السلمي، العلماني والليبرالي، فتلقفت قوى الإسلام السياسي بأنواعها الفرصة و قفزت على المشهد السياسي مدعومة من دول اقليميه من جهة ودفعت باتجاه العسكرة مدعومة من ذات القوى وعزز هذا التوجه النظام بسلوكه المتوحش كعامل أساسي في خلق الصراع المسلح،  وتسببت التدخلات الإقليمية في دعم الصراع المسلح علي الطرفين في خلق فوضى استفادت منها قوى متطرفة خطيرة و دخيلة بأجندتها الثالثة  التي تريد السيطرة وتحارب الجميع في سوريا، والنظام السوري كان أكبر المستفيدين من وجودها لأنها تخدم البروبوغندا الخاصة به والتي تحاول تلخيص ما يحصل في سوريا بصراع بين الجيش والإرهاب، وتسقط من حساباتها الفئة الأهم وهي الشعب السوري الراغب بالتغيير والحراك السلمي والمجتمع المدني،  و بينما علي الأرض كان  النظام يحاصر و يقصف المدنيين  ويهجرهم في المناطق المناوئة له، كان النظام السوري يغض الطرف عن تمدد داعش في المناطق السورية  كالبادية السورية المكشوفة لطيرانه والتي اتاحت لداعش التحرك من الرقة باتجاه تدمر مثلاً وارتكاب ابشع المجازر فيها  عام ٢٠١٥ دون أي استهداف  بينما كانوا يتحركون في البادية المكشوفة للطيران السوري وحلفائه دون أي ازعاج ،  بل أنه أفسح المجال لداعش  لتقوم بعملياتها في مناطق كان من المفترض انها تحت سيطرته كما حدث في السويداء ب ٢٥-٧-٢٠١٨ علي سبيل المثال لا الحصر.

 النظام كان مستفيدا من وجود داعش بالمشهد وللأسف استطاع عبر وجودها بان يخلط الأوراق فبات الاهتمام العالمي مركزا على “الحرب على الإرهاب ” على أهميتها، وأهمل المتسبب الرئيسي في وجود تلك القوى وهو سلوك النظام السوري والتراخي الدولي في انهاء معاناة الشعب السوري ووقف جرائم الحرب ومحاسبة الفاعلين من كل الأطراف التي عاثت فسادا في البلاد وارتكبت جرائم ضد الانسانية.

 أما القوى الإقليمية ذاتها على طرفي الصراع والتي بتدخلها ساهمت بتأجيج صراع عسكري ذو عمق سياسي طائفي وفي خنق الحراك السلمي الذي يمثل الثورة السورية الحقيقية، نراها اليوم تقوم بإعادة تعويم النظام السوري والأسد مجرم الحرب دون أي سياسة مواجهة فاعلة من المجتمع الدولي لوقف تلك المهزلة، في وقت بات فيه النظام السوري أكبر مصدر للمخدرات إضافة لكل جرائمه.

نحن نريد حل سياسي حقيقي في سوريا وهناك فرصة لم تمت أمام دول المجتمع الدولي المؤمن بالحريات لإثبات دور أكثر عدالة وفعالية في العالم ان استطاعت وقف هذا التطبيع المجاني مع النظام السوري وفي خلق مسار سياسي فاعل وفقا للقرارات الدولية وتحت المظلة الاممية فهي بذلك قد تعيد خلط الأوراق في التوازنات الدولية الجديدة التي تتم صناعتها بسبب ما قد يبدو ضعفا في السياسة الخارجية الامريكية وتأثيرات الحرب في أوكرانيا.

التطبيع المجاني مع نظام الأسد وتعويمه دولياً هو الباب الذي ستستخدمه قوى الشر في العالم من اجل استمرار سياسة القمع وغسيل الادمغة من جهة، كما الحكومات الديكتاتورية التي ستترفه بالفوضى العالمية وضعف الاليات الدولية الأممية في حفظ السلام العالمي وحماية المدنيين من جهة أخرى.

والأخطر على الاطلاق ان تلك السياسة ستكون بمثابة بطاقة خضراء لدول أخرى لديها أحلامها الخاصة في مناطق أخرى من العالم، يا للأسف إنه المناخ الملائم لبناء تحالفات جديدة تسعى لخلق نظام عالمي جديد بقيادات جديدة تضمحل فيها القيم الليبرالية والديموقراطية لصالح الدول الشمولية، والتيارات المتطرفة، واليمينية، والعنصرية.

المطلوب من المجتمع الدولي المؤمن بقيم الحريات وحقوق الانسان اليوم وأكثر من أي وقت مضى وحتى لا تفوت الفرصة مجدداً، وقف قطار التطبيع المجاني مع النظام السوري بشكل فاعل وتحقيق حل سياسي بجدول زمني واضح يضمن انتقال سياسي حقيقي وفق القرارات الأممية وأهمها القرار ٢٢٥٤ وبيان جينيف وإطلاق اليات المحاسبة لكل مجرمي الحرب وتحقيق العدالة الانتقالية في سوريا وهو ما سيضمن استقرار المنطقة والعودة الامنة للاجئين وإعادة الاعمار وإنعاش الاقتصاد، ويحقق سلام مستدام في سوريا والمنطقة كنتيجة.

ليفانت نيوز

——————————

الأسد يعود إلى العرب والعرب إلى “سورياه”… والسوريون باقون في المنفى/ عمار جلّو

لا يستطيع الصحافي السوري، ياسر العلاوي، كبت ما يشعر به من حزن، عند رؤيته مشاهد استقبال بشار الأسد في مطار جدة، بعد دعوته إلى حضور اجتماع القمة العربية، التي تنعقد في الرياض اليوم الجمعة. وقد جاءت الدعوة بعد مباحثات مع حكومة الأسد، أسفرت عن بيانَي جدة وعمان، اللذين أكدا على ضرورة توفير البيئة الآمنة لعودة اللاجئين السوريين. ويسأل: “بعد أنهار الدماء التي سفكها، عن أي عودة آمنة يتحدث إخواننا العرب، في ظل وجود الأسد في السلطة؟”.

وفي السياق ذاته، مدفوعاً بعوامل عدة، منها عودة اللاجئين، صافح وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، نظيره السوري فيصل المقداد، في العاصمة الروسية موسكو، ضمن مسار تطبيع العلاقات بين البلدين.

توازياً، وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان، في تقريرها لشهر نيسان/ أبريل الفائت، اعتقال مفرزة الأمن العسكري التابعة لقوات النظام السوري في منطقة المصنع الحدودية، شخصين من عائلة واحدة، من بين 168 لاجئاً تم ترحيلهم قسراً من لبنان، ثلثهم من الأطفال والنساء، مشيرةً إلى استمرار عمليات اغتيال المدنيين، من خلال توثيقها مقتل 37 مدنياً، أحدهم الناشط الإعلامي أحمد فاعور الساعدي، بعد تعرضه لإطلاق نار بالقرب من منزله غرب محافظة درعا من قبل مسلحين.

وطالبت منظمة العفو الدولية، السلطات اللبنانية بالكفّ عن ترحيل اللاجئين السوريين قسراً إلى سوريا، وسط المخاوف من تعرضهم لخطر التعذيب أو الاضطهاد على أيدي الحكومة السورية لدى عودتهم.

وفي هذا السياق، تقدّم الشاب السوري الأمريكي، عبادة مزيك، بدعوى ضد “الحكومة السورية”، نتيجة اعتقاله وتعذيبه من قبل جهاز الأمن التابع لها قبل أكثر من عقد من الزمن، بحسب المونيتور، الذي قدر وجود أكثر من 130،000 سوري في عداد المفقودين أو المحتجزين تعسفياً، وأن غالبيتهم العظمى لدى النظام، ويخشى أن يكون كثيرون منهم قد لقوا حتفهم.

وفي الوقت الذي تتحول فيه بعض دول الإقليم عن مواقفها تجاه نظام الأسد، نتيجة حجج ودعاوى عدة، ومنها أزمة اللاجئين، يفضل كثير من السوريين الحياة خارج سوريا على العودة المحفوفة بالمخاطر، نتيجة تصنيفهم من قبل نظام الأسد كأعداء للدولة لدورهم أو لدور أحد أقربائهم في الثورة السورية، أو خشية الاعتقال بدافع التجنيد والابتزاز المالي.

إنضمّ/ي

فالعودة الطوعية تتطلب بيئةً آمنةً، والبيئة الآمنة تتطلب عملية انتقال سياسي، حسب مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني، وجدلية أن “اللاجئين السوريين لن يعودوا إلى ديارهم، والموجودة لدى شرائح من مجتمعات الدول المضيفة، هي جدلية مغلوطة. فهؤلاء اللاجئون يتمنون العودة، لكن هذه العودة قد تؤدي بهم إلى الموت أو الاعتقال والتعذيب والاختفاء، وما يرافق ذلك من دفع لمبالغ طائلة للإفراج عنهم أو لمعرفة مصيرهم. لذا، من دون عملية انتقال سياسي تفضي إلى بيئة آمنة لا يمكن الحديث عن عودة طوعية وإنما إعادة قسرية”.

في جدة، موضوع عودة اللاجئين على رأس أعمال القمّة، وتالياً فإن السؤال المطروح اليوم، أو الأسئلة الكثيرة المطروحة، لا سيما من ناشطين سلميين، مدنيين، تبدأ من صدق الأسد والتشكيك الحتمي فيه، ولا تنتهي بقدرة الدول العربية وجامعتها على فعل الكثير، أو على فعل أكثر من توصيات، ستكون كما يقولون، كما سابقاتها، حبراً على ورق، فهل من شيء تغيّر اليوم ليؤمنوا بغير ذلك؟

يخافون الكلمة وترعبهم الفكرة

يقول العلاوي، الذي يقيم في تركيا-غازي عنتاب: “تفريغ الساحة السورية من الناشطين، بالعزل أو التهجير أو القتل، هي عملية إيقاف لعجلة الثورة. فهم المعبّرون عن أفكارها وأهدافها وتطلعاتها، سواء في الشارع أو في الاجتماعات والمنتديات”، مشيراً إلى أن “نهاية عام 2013 كانت بمثابة نهاية لهؤلاء الناشطين، نتيجة ظهور تنظيمات متطرفة أو انفصالية، لها فكر مؤدلج، وهي بعيدة كل البعد عن الثورة، مع تبعية غالبيتها لأجندات وولاءات دولية”.

ويضيف في حديثه إلى رصيف22: “رأينا خلال هذه السنوات قبول قوات كل من الأسد أو داعش أو قسد أو التنظيمات المشابهة، لشباب من الجيش الحر سلّموا أسلحتهم. وتخشى في الوقت ذاته قبول ذلك من الإعلامي والناشط المدني. فالأول يمكن تأطير عمله، المحصور في السلاح والبندقية، وهو ما يمكن استيعابه، فيما لا يمكن استيعاب الآخرين أو تأطيرهم، وهم الذين يتسلحون بالفكرة. وهم بذلك مصدر قلق لهذه التنظيمات، التي تحارب الفكر قبل السلاح، كونه يشكل مشكلةً لهم، ومحاربته تستنزف طاقاتهم. لذا عملوا على تصفيتهم أو متابعتهم بهدف اعتقالهم أو تهجيرهم”.

بحسب عبد الغني، “كل من تُفرض عليهم العودة معرضون للخطر، وتتركز هذه المخاطر في احتمالات أربعة؛ الاعتقال التعسفي والتعذيب والإخفاء القسري والتجنيد الإجباري، وإلحاقهم بصفوف قوات الجيش ليمارسوا القتل في حق الآخرين”، ويتساءل: “إلى أين سيعود هؤلاء المواطنون؟ وكثير منهم أُخذت بيوتهم أو هُدمت أو تعرضت ممتلكاتهم للنهب، لا سيما القسم المتحدر من مناطق تم الاستيطان فيها من قبل ‘حزب الله’ أو سواه من الميليشيات التابعة لنظام الأسد، والتي استحضرها من مناطق أخرى لتستقر في المناطق التي خرج منها اللاجئون أو النازحون”.

استهداف “تُجّار” المخدرات “مُنسَّق مع النظام”… هل عاد الأسد لبيع “العرب” الأوهام؟

استهداف “تُجّار” المخدرات “مُنسَّق مع النظام”… هل عاد الأسد لبيع “العرب” الأوهام؟

وكان وزير الخارجية السوري قد دعا وزراء الخارجية العرب في جدة في السعودية يوم الأربعاء الماضي، إلى دور عربي في إعادة الإعمار كشرط لعودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، وقال: “نتطلع إلى أن يكون الدور العربي فاعلاً في مساعدة اللاجئين السوريين في العودة إلى بلدهم، ومما لا شك فيه أن عملية إعادة الإعمار ستسهل هذه العودة، ونرحب بأي دور ستقوم به الدول العربية في هذا المجال”.

برأي عبد الغني، فإنه “يجب التنبيه إلى أن الخوف لا ينحصر في الناشطين فحسب، فالمعتقلون الحاليون لدى النظام، غالبيتهم العظمى ليسوا ناشطين، بل تم اعتقالهم على خلفية سياسية، وهم إما مشتبه فيه أو قريب لناشط أو متهم بالخروج في مظاهرة أو بالقيام بأمور بسيطة مرةً أو مرتين، وليسوا ناشطين، بمعنى أنهم إعلاميون أو قياديون في المظاهرات أو فاعلون مستدامون داخل مؤسسة أو تنسيقية. ومن خلال خبرتنا في المجال الحقوقي لم نلحظ معايير محددةً تتم محاكمة المواطنين وفقها لدى النظام، كما أن غياب مذكرات قانونية للاعتقال تعقّد معرفة أسباب الاعتقال والتهم الموجهة”.

تم اعتقال سفيرَي الورود، غياث مطر ويحيى شربجي، في كمين أقامه فرع المخابرات الجويّة التابعة لنظام الأسد، في السادس من أيلول/ سبتمبر 2011، وهما من أصحاب مبادرة توزيع الورود وقوارير المياه على عناصر “الجيش السوري”، ومن أبرز دعاة الحراك السلمي في مدينة دوما.

وفي الوقت ذاته، تم اعتقال معن شربجي، شقيق يحيى، والذي أجبره الفرع المذكور على الاتصال بيحيى طالباً منه إحضار دواء له، ليُقتلا تحت التعذيب في عام 2013. فيما سُلّمت جثة غياث لأهله بعد اعتقاله بأيام.

وصنّفت مجلة فورين بوليسي، باسل خرطبيل، في المرتبة 19 ضمن أبرز مئة شخصية مفكرة في العالم للعام 2012، ومنحته مؤسسة Index on Censorship البريطانية، جائزة الحرية الرقمية للعام 2013، فيما لم تمنحه محاكم القمع الأسدي حق الدفاع أو الاستئناف. وكان باسل قد اعتُقل في منطقة المزة في دمشق خلال حملة اعتقالات قام بها نظام الأسد في 15 آذار/ مارس 2012، في الذكرى الأولى للثورة، وحوكم أمام محكمة ميدانية عسكرية تعقد جلساتها سرّاً، وأُعدم في 3 تشرين الأول/ أكتوبر 2015.

لجان التنسيق مثالاً

صيغة لجان التنسيق المحلية يمكن أن توفر مثالاً حياً على تجمعات الناشطين الأوائل، من وجهة نظر خالد الحاج صالح، وهو مؤسس مشارك للجان التنسيق المحلية وتنسيقة شباب الرقة، وممثل اللجان في المجلس الوطني لاحقاً، ويعيش في فرنسا حالياً.

يقول الحاج صالح لرصيف22: “مصير ناشطي لجان التنسيق المحلية يرمز على الأقل إلى مصائر مجمل الفاعلين في هذا الوسط. فقسم من هؤلاء (لجان التنسيق) اعتقله النظام، وظهر بعضهم في صور قيصر، وثمة بعض آخر لا نعرف مصيرهم حتى هذه اللحظة. واصطدم قسم آخر مع المجموعات الجهادية في بداية ظهورها، فُقتل بعضهم وغُيّب آخرون، واختار بعضهم اللجوء خارج البلاد أو النزوح إلى مناطق أخرى داخل البلاد؛ وبعض هؤلاء اختاروا الصمت والانزواء حفاظاً على حياتهم، فيما تحول الكثير ممن غادروا البلاد سواء بضغط من النظام أو غيره من قوى الأمر الواقع، إلى لاجئين يحاولون بناء حياة جديدة في مغترباتهم بينما يُبقون عيناً على بلدهم، والقليل منهم يواصلون أدواراً في الشأن العام، وأغلبها في إطار العمل المدني والمنظمات غير الحكومية أو في الإطارات الثقافية والبحثية والأكاديمية”.

ويضيف في حديثه إلى رصيف22: “غياب الناشطين المدنيين عن مجريات الثورة هو التغير المتدرج في طبيعة الصراع في سوريا ابتداءً من نهاية العام 2012، وتالياً تغيّر أدواته. وهذه مسألة إستراتيجية يبدو أن النظام كان يطلبها منذ بداية الحراك ونجح عبرها في تحويل الثورة إلى صراع مُسلح. وهذا بطبيعة الحال غيّر تدريجياً التركيبة البشرية لمجتمع الفاعلين باسم الثورة من مدنيين إلى مسلّحين”.

برأيه، “هذا التحول غيّب الشعارات الأولى (الحرية والديمقراطية والكرامة والمواطنة)، التي بدت غير متوافقة مع مجريات الصراع على الأرض. وعام 2013، كان مفصلياً في هذا الجانب، فخلاله، تم استخدام السلاح الكيماوي وظهور داعش وسيطرتها على مناطق في سوريا، مع ظهور دعاوى قومية وإثنية ودعاوى الجهاد من قبل النظام ومن قبل الجماعات الجهادية. وكل هذه العناصر ساهمت في تراجع خطاب الفترة الأولى من الثورة ومطالبها”.

كثرة الأعداء

خلال عامي 2012-2013، اصطدمت لجان التنسيق المحلية، خلال مواكبتها للحراك الشعبي المعارض بشقّيه السياسي والعسكري. ففي الجانب العسكري، عارضت أسلمة الحراك ودعوات إنشاء نظم إسلامية في الجغرافيا السورية. وأما سياسياً، فانسحبت من المجلس الوطني السوري والائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، بعد أن انضمت إليهما سابقاً، نتيجةً لما أسمته حينها بالصراعات على المكاسب، فكان المصير المظلم الذي واجه الناشطين المدنيين، الذين استمروا في مواجهة النظام السوري من جهة، والفصائل المتشدّدة المعارضة من جهة أخرى”.

تستعيد الصحافية والناشطة في مجال حقوق الإنسان، سعاد خبية، محاولة الأجهزة الأمنية لنظام الأسد وأد الحراك الثوري في بدايته، “من خلال تركيز جل اهتمام النظام على استهداف من كان يعتقد أن له تأثيراً إيجابياً في توجيه الثورة، وكان الناشطون السلميون في مقدمة هؤلاء، كونهم أصحاب فكر، وكثيرون منهم أصحاب خبرات أيضاً، ونتيجةً لذلك، صب عليهم كل أصناف الريبة والعدائية”.

وتضيف في حديثها إلى رصيف22: “اعتمد نظام الأسد ثلاثة سبل للقضاء على سلميي الحراك الشعبي؛ أولها الاعتقال لمجرد الشك ولمجرد كلمة أو بناءً على تقرير يشير إلى أن هذا الشخص لديه نشاط سياسي معيّن أو نشاط ثوري. كما أقدم على القتل المباشر أو الاغتيال للبعض الآخر، ومن نجا من الحالتين ضُيّقت أمامه السبل، فهرب خارج سوريا، لتقليص أثره على محيطه، على اعتبار أن الإبعاد عن ساحة الحدث يضعف دور الأشخاص وتأثيرهم. ومن نجا من الناشطين تعرض لاحقاً للملاحقة والاستهداف من قبل بعض الفصائل المحسوبة على “المعارضة”، أو للاغتيال على يد أشخاص “مجهولين” كما كان يقال، ضمن مناطق سيطرة المعارضة، أمثال محمد فريطاني ‘أبو عدنان’، ورزان زيتونة وزملائهما. وغالبية هذه الشخصيات كانت مخالفةً للاتجاه الذي دُفعت إليه الثورة السورية، أي العسكرة والتشدد والأسلمة، مع تأثيرها الواسع في محيطها المجتمعي”.

وكان قد تم اختطاف رزان زيتونة وزوجها وائل حمادة، وزميليها ناظم الحمادي وسميرة الخليل، في كانون الأول/ ديسمبر عام 2013، بعد اقتحام مقر إقامتهم في مدينة دوما في ريف دمشق، حيث عمل الناشطون الأربعة في مجال توثيق الانتهاكات ودعم التنمية المحلية والمشاريع الصغيرة في المدينة. ولا يزال مصيرهم مجهولاً حتى الآن. وحمّلت منظمات حقوقية الفصائل المسلحة مسؤولية ما حدث، وتحديداً “جيش الإسلام”، الفصيل الأقوى في دوما حينها.

وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 2018، أطلق مسلحون ملثمون النار على سيارة الناشط رائد الفارس، مهندس رسوم كفرنبل الشهيرة، ما أدى إلى وفاته وزميله حمود جنيد. وبحسب الشبكة السورية، تتحمل هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة)، الجهة المسيطرة على المدينة، مسؤولية حماية أهلها، وغيرها من حوادث الاغتيال والخطف في حق العديد من الناشطين في مناطق سيطرتها.

وفقاً لمدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، لا توجد منطقة آمنة في الجغرافيا السورية، فالسلطات المسيطرة في جميع الأراضي السورية تحتكم إلى معايير مشابهة لمعايير النظام، ويتعرض الأشخاص فيها للاعتقال والتعذيب وحتى لنهب الممتلكات ولو بنسبة أقل مما هو حاصل في مناطق النظام.

يشير الناشط ومدير مركز نورس للدراسات، إياد حمود، لرصيف22، إلى كلام معاون وزير الخارجية السورية أيمن سوسان، الذي ربط عودة اللاجئين بإعادة الإعمار، “ما يعني أن نظام الأسد غير معني بعودة اللاجئين ولكنه يستخدمها لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية من إعادة إعمار إلى إعادة تدويل وتعويم نفسه”.

ويضيف: “قرار إعادة نظام الأسد المستند إلى مبادرة خطوة مقابل خطوة، قرار متعجل ويفتقد الضمانات، إذا أشار المقداد في مباحثات عمان إلى فتح معبرين داخليين لتسيير المساعدات الإنسانية خلال محنة الزلزال، وإلى إفراج سابق عن معتقلين قبل عامين. وما يحصل اليوم هو عملية شراء للأوهام من قبل العرب، بأغلى الأثمان، والنتيجة ستكون إعادة تدوير الأسد توازياً مع إعادة الإعمار، الأخير في عز تفاؤله، لم يتوقع نصف ما سيحصل عليه اليوم”.

رصيف 22

————————-

=======================

تحديث 16 أيار 2023

—————————

هل يكبح الكونغرس موجة التطبيع مع الأسد؟/ عبدالناصر العايد

أنعش مشروع قرار تقدم به عدد من أعضاء الكونغرس الأميركي لوقف مسار التطبيع مع نظام الأسد، آمال السوريين الذين غرقوا في اليأس جراء تهافت الدول العربية والإقليمية على نظام الأسد. لكن مَن كابَد الخذلان وراء الخذلان، طوال أكثر من عقد من الزمان، صار متطيّراً، وسرعان ما تذكر هؤلاء أن إدارة بايدن لم تفعّل قانون قيصر الشهير الذي أقر فعلاً، فأعادوا النظر في الحدث بحذر متسائلين عما إذا كان القرار لصالحهم أم حيلة أخرى للتلاعب بهم

وبرز سؤال جديد يطرحه السوريون الذين طافوا وتبحروا في سياسات الشرق والغرب، بحثاً عن بصيص أمل، ويتركز حول ما إذا كانت إدارة بايدن ستتجاهل القرار الجديد كما جرى تجاهل خط أوباما الأحمر إبان هجوم الكيمياوي، وقانون قيصر، وغيرها؟

والإجابة على هذا السؤال معقدة وغير يقينية، يخالطها الشك من ناحيتين. في المقام الأول، القرار المُحتمل صدوره عن الجهة التشريعية وهي الكونغرس، عُرضة للنزاع التاريخي بين السلطتين الأميركيتين التنفيذية والتشريعية حول القرار في الشؤون الخارجية، وهو نزاع مستمر منذ تأسيس الدولة، إذ يفتقر هذا الميدان إلى حدود واضحة للسلطات، ويعجز القضاء، كسُلطة الثالثة، عن الفصل فيها كما هو الحال في الشؤون الداخلية.

من حيث المبدأ يستطيع الكونغرس أن يمارس سلطة الرقابة على الرئاسة، وأداته هي حقه في استدعاء المسؤولين والتحقيق معهم، لكن هذا الحق لاقى معارضة شديدة من السلطة التنفيذية، حتى اضطرت المحكمة إلى منح الكونغرس حق استدعاء المسؤولين بقوة السلاح في العام 1821، لكنه لم يضطر للجوء إلى هذه الطريقة منذ العام 1935. ومنذ ذلك الحين صارت السلطة التنفيذية أكثر استقلالاً في السياسات الخارجية، وبلغت تلك الاستقلالية ذروتها خلال العقدين الماضيين، عندما شنت الولايات المتحدة حروباً من دون موافقة الكونغرس، بحجة الأمن القومي أو الامتياز التنفيذي والحفاظ على سرية اتصالات الرئيس. وقد مرت الأمور بسلام نسبي في عهدي جورج دبليو بوش وباراك أوباما، لكن إدارة ترامب رفضت التعاون أو الموافقة على طلبات استدعاء، وأعلنت إن مجلس النواب لا يستطيع حتى الاحتكام إلى السلطة الثالثة وهي القضاء، منكراً شرعية إشراف الكونغرس على الرئاسة كلياً.

تستمد الرئاسة الأميركية قوتها في الشؤون الخارجية، من التشريعات الصريحة التي تمنح الرئيس صفة القائد الأعلى للجيش والبحرية، وسلطة تعيين السفراء وقبولهم، أي إمكانية شن الحرب والاعتراف بالحكومات الأجنبية من عدمه. كما تنص القوانين على حق الرئيس في فرض العقوبات على دول أجنبية، وفي العموم يجادل بعض القانونيين الأميركيين حول كون الرئيس هو “الجهاز الوحيد للحكومة الفيدرالية في مجال العلاقات الدولية”، فهو يتمتع بأفضل معرفة للظروف السائدة في الدول الأجنبية وخاصة في زمن الحرب”. وعندما نظر القضاء في نزاع إدارة أوباما والكونغرس، حول الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على القدس، رأت المحكمة أن “الرئيس وحده هو من يتخذ القرار المحدد بشأن القوة الأجنبية التي سيعترف بأنها شرعية”.

وخلاصة الكلام أن قرار الكونغرس لن يكون كافياً لاتخاذ قرار من الإدارة، ولن يلزمها بمعاقبة المطبّعين، وتالياً يمكن اعتباره بلا مفاعيل سياسية سوى في حالتين اثنتين: نزاع كبير بين البيت الأبيض والكونغرس يسعى فيه المشرعون إلى إنفاذ قراراتهم، وهذا طريق يمتد طويلاً ويقود إلى تعقيدات القضاء والمحاكم التي لا تنتهي عادة قبل انتهاء الولاية الرئاسية وغالباً بعد أن يمضي الحدث السياسي المقصود… أو أن تلوّح الإدارة بهذا القرار غير المُلزم لها فعلياً، للتهديد باتخاذ إجراءات على خلفيته، بمعنى آخر استخدام القرار كرسالة لحلفائها وخصومها معاً، والتفاوض حوله خفضاً أو إنفاذاً، وفق متطلبات اللحظة السياسة.

إن ردود البيت الأبيض على محاولات التطبيع العربي والإقليمي، توحي بأنها على عِلم وصِلة مباشرة بها، بل قد تكون قائدها الفعلي، ويميل المرء وفق هذا الانطباع، الموسوم بالارتياب الذي نعانيه كسوريين، إلى ترجيح الاعتقاد بأن صمتها عن القرار وتمريره ليس إلا دفعة تُمنح لتلك الجهود. فمحاولة التطبيع، العربية تحديداً، تسير على قدم واحدة، فلا عصا وراء الجزرة. وقد يكون هذا القانون الذي يمنع الإدارة من التعامل مع نظام الأسد كحكومة شرعية ويمنع الحلفاء من فعل ذلك، هو الردّ الذي سيحصل عليه النظام إن هو راوغ أو امتنع عن تلبية ما طُلب منه جراء تعويمه. وهنا يبرز السؤال الذي يتوقف على إجابته فَهمُ كامل الأحجية: ماذا طُلب منه؟!

المدن

———————————

عودة الجامعة العربية إلى النظام السوري/ سمير الزبن

من دون أن يتغيّر شيء في سورية، ومن دون تنازل كبير أو صغير من النظام الذي دمر بلده وقتل عشرات آلاف السوريين وشرّد الملايين، قرّر اجتماع وزراء الخارجية العرب المنعقد في القاهرة في السابع من شهر مايو/ أيار الجاري، إعادة النظام السوري إلى “اجتماعات مجلس الجامعة العربية وجميع المنظمات والأجهزة التابعة لها”.

بعد أكثر من 11 عاماً من تعليق عضوية النظام السوري في جامعة الدول العربية، بموافقة 18 عضواً ومعارضة ثلاثة وامتناع عضو واحد، يعود النظام السوري إلى شغل مقعده في الجامعة، بعد جرائم لا تعدّ ولا تُحصى ارتكبها خلال هذه السنوات بحقّ السوريين على امتداد مساحة سورية. وبهذا القرار، لا تعيد الجامعة هذا النظام إلى مؤسّساتها، بل هي التي تعود إليه، في دلالة على تردّي مؤسّسات جامعة الدول العربية، ووصولها إلى درك سفلي بدعوة مجرم حرب بكل معنى الكلمة، ليعود إلى مؤسّساتها. وليس هذا القرار إهانة للضحايا السوريين فحسب، بل هو إهانة لكل عربي تتكلم جامعة الدول العربية باسمه.

بعيداً عن الغضب الذي يشعر المرء به تجاه هذا القرار الذي كان متوقعا، يعطينا تحليله صورة مخزية عن الواقع الرسمي للمنطقة، ليست عن واقع النظام السوري القاتل ونجاحه في تسويق نفسه مدّعياً نصراً مزعوماً على مؤامرة كونية، وأن الآخرين الذين تأمروا عليه عادوا إليه لأنه على حقّ، بل صورة الأنظمة الأخرى التي ترى في عودة النظام السوري إلى جامعة الدول العربية مصلحة سورية، وتساوي بين النظام وسورية، رغم كل الكلام الذي يسوّقه البيان بالحديث عن تسوية وحوار بين السوريين، إلا أن القاصي والداني يعرفان أن النظام السوري لم يقدّم، وليس على استعداد لتقديم، أي تنازل سياسي داخلي للوصول إلى حل سياسي، وهو ما تسبّب بوصول الوضع السوري إلى ما وصل إليه من وضع كارثي بات الخروج منه صعباً، إذا لم نقل مستحيلاً. وهذا الوضع مسؤولية النظام بالكامل، فقد استباح هذا البلد من أجل الحفاظ على سلطة العائلة وامتيازاتها، والتعامل مع البلد على أنه مزرعتهم والسوريين بوصفهم عبيدهم.

ليس جديداً القول إن النظام العربي عاش ويعيش حالة من الضعف وعدم الفعالية، خصوصا بالنسبة للقضايا العربية المتعلقة بالصراعات في المنطقة والمتعلقة بالموقع والنفوذ الإقليمي، الذي لا وزن جدّيا فيه لهذا النظام وأعضائه في تقرير الحيز الجيوسياسي الذي يعيش فيه، وهذا لم يكن يوماً يليق بالدول العربية وبقوّتها الحقيقية، وبدل أن تعمل هذه الدول على تجاوز هذا الضعف، عاشت صراعاتٍ بينية زادت من ضعفه وقدرة الآخرين على التأثير على المنطقة وصناعة تاريخها ومستقبلها. لذلك، ليس من المبالغة القول إن جامعة الدول العربية لم تكن أكثر من إطار شكلي، وهي لم تساهم فعلياً في حل أي من النزاعات العربية ـ العربية، وأن قدرتها على التأثير على أعضائها محدودة جداً، وهذا ما نعرفه من خلال مراجعة كل النزاعات والصراعات العربية ـ العربية التي جرت منذ تأسيس الجامعة، وأن التأثير على هذه الصراعات دائماً ما جاء من أطراف خارج هذه الجامعة. ولم تتورّع أطراف النظام عن الاستعانة بقوى أخرى من أجل حمايتها من أعضاء آخرين في النظام، أو من حمايتها من أطراف إقليمية. ولم تقتصر هذه الاستعانة على أطرافٍ مثل الولايات المتحدة فحسب، بل وفي الزمن الرديء هذا لم يتورّع أطراف من النظام عن الاستعانة بإسرائيل والتحالف معها من أجل حمايتهم من أطرافٍ إقليمية أخرى، رغم كل الجرائم التي ترتكبها إسرائيل بحق الفلسطينيين، والذي يُفترض أنهم عضو فاعل في جامعة الدول العربية.

شكّلت الصراعات العربية ـ العربية جزءاً من صورة النظام العربي ممثلاً بجامعة الدول العربية، وقد وصلت الصراعات بين أطرافه إلى حدّ الحرب، أو حتى احتلال دولة عربية أخرى. ورغم ذلك، حافظت الجامعة على صورة شكلية لتجمّع عربي، لكنه صورة بلا أي فعالية، وهذا ما أثّر بشكل حاسم على مكانة الدول العربية ودورها ليس فقط في تقرير مصير المنطقة، الذي ترك للآخرين، بل وحتى في تقرير مصير عديد من أعضائه. وبدلاً من أن تصنع هذه الدول، بتعاونها الجماعي، مستقبل المنطقة ومستقبلها بتعاون بيْني، بقي التعاون الجماعي في حدّه الأدنى، إذا لم نقل إنه كان معدوماً.

هذا كله عندما كانت الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية تملك استقرارها الداخلي إلى حدّ ما، ولكن مع انطلاق الثورات العربية، أصبح على جامعة الدول العربية التعامل مع أوضاع غير مسبوقة، صراعات مريرة بين أنظمة شرسة وشعوب لم تعد قادرةً على العيش تحت ظل أنظمة فاسدة وقمعية. وهو ما عمّ دولا عربية عديدة، وفي مقدمتها عضوها الأكبر مصر. والمفارقة أن الثورات العربية في البلدان الأخرى استطاعت أن تطيح رأس النظام، بصرف النظر عن المصير الذي آلت إليه هذه الثورات بعد ذلك، وإمكانية عودة النظام نفسه إلى الإمساك بالبلد من دون رأسه، إلا أن النظام الذي استطاع مواجهة ثورة شعبه بوحشية استثنائية والبقاء في السلطة، كان السوري. وقد أربك الواقع الجديد جامعة الدول العربية الهشّة والضعيفة، والتي زادت ضعفاً وهشاشة، مع مزيد من الضعف لأعضائها، وكان الاستنتاج الباطني الذي وصلت إليه أطراف النظام العربي أن الثورات العربية هي التي تسبّبت بالواقع المزري الذي تعيشه المنطقة. ولذلك اتخذت القرارات المعادية الضمنية لهذه الثورات، على مستوى دعم سلطات الدولة العميقة للأنظمة السابقة التي بقيت تُمسك بالسلطة في بلدان الثورات العربية.

واليوم، بالمصالحة مع النظام السوري، تعلن جامعة الدول العربية نفسها طرفاً معادياً للشعوب العربية، وما استعادة العلاقة مع النظام المجرم سوى دلالة رمزية على نظرة أعضاء الجامعة المزدرية للشعوب العربية ولآلام ضحاياها. لكن دم الضحايا السوريين، باستعادة النظام هذه، لن يلاحق النظام ومجرميه، بل سيلاحق من احتضنه بعد كل هذا الدم السوري المسفوح.

العربي الجديد

————————

رهانات بشار الأسد من العودة إلى الصَّفّ العربي/ سهام معط الله

تأكَّدت عودة النظام السوري إلى الصَّفّ العربي باستلام رئيس النظام بشار الأسد دعوة رسمية من الرياض للمشاركة في القمّة العربية المقرر عقدها في مدينة جدة يوم 19 مايو/ أيّار الجاري، وتأتي الدعوة عقب يومين من إعادة دمشق لعضوية الجامعة العربية بعد عزلة استمرَّت لأكثر من عقد، وقبلها قرَّرت السعودية فكّ العزلة السياسية عن سورية واستئناف عمل بعثتها الدبلوماسية هناك تمهيداً لتطوير عمل عربي مشترك، وجاءت هذه التطوُّرات الحاسمة والسريعة بعد جولة من المفاوضات المضنية التي أعقبت الاتِّفاق التاريخي بين السعودية وإيران التي تعدّ الحليف الوثيق لدمشق.

تعتبر عودة سورية إلى النظام العربي نتيجة منطقية تمخَّض عنها الصلح السعودي الإيراني، الذي تمَّ أساساً من أجل التوصُّل إلى تسوية سياسية تخدم كلا الطرفين في المشهد السياسي في المنطقة.

من جانبه، يعلِّق النظام السوري آمالاً كبيرة على التقدُّم الذي أحرزه في مسار ترميم العلاقات مع الدول العربية، ولا سيَّما الخليجية التي يمكن أن تلعب دوراً لا يستهان به في مدّ يد العون للاقتصاد السوري وتوفير الإغاثة الاقتصادية وتقديم المساعدات اللازمة لمرحلة إعادة الإعمار التي قُدِّرت تكلفتها وفقاً للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا “الإسكوا” بنحو 400 مليار دولار.

هذا دون احتساب مبلغ 7.9 مليارات دولار الذي قدَّره البنك الدولي لعملية إعادة إعمار ما دمَّرته زلازل فبراير/ شباط 2023 وخلفت خسائر مادية وصلت إلى 5.2 مليارات دولار، وتسبَّب بأضرار واسعة النطاق شملت أربع محافظات سورية يقطنها نحو 10 ملايين من سكان البلاد.

يبقى التمويل الخليجي الملاذ الأخير للنظام السوري لانتشاله من الأزمات الاقتصادية والمالية العنيفة التي يعاني منها منذ سنوات، ووقف موجة التضخم والغلاء الجامح وتهاوي الليرة السورية وانهيار الاحتياطي الأجنبي لدى البنك المركزي السوري، لكون التمويل الدولي السخيّ لا يزال بعيد المنال دون حلّ الصراع الداخلي، والتوصُّل إلى تسوية سياسية تدعمها الأمم المتّحدة ويباركها الغرب، حيث تُعتبر عودة سورية إلى الجامعة العربية وتَمكُّنها من الحصول على التطبيع السعودي انتصاراً سياسياً رمزياً كبيراً لدمشق، لكن قد لا تلحقه انتصارات اقتصادية تفيد المواطن والاقتصاد.

ولطالما قدَّمت السعودية إلى جانب دول عربية أخرى دعمها لجماعات المعارضة السورية المُسلَّحة، وذلك على مدى سنوات من أجل إطاحة نظام الأسد المدعوم من روسيا وإيران والمليشيات التابعة لطهران، كما يُعدّ الترحيب العربي بالعودة السورية جزءاً من إعادة اصطفاف إقليمي أكبر ومؤشِّراً على تضاؤل دور أميركا في منطقة الشرق الأوسط، مع الإشارة هنا إلى أن واشنطن هاجمت قرار عودة سورية إلى الجامعة العربية.

ولم يعد خافياً التقدُّم المذهل الذي تحرزه الصين في أجندتها الخاصة بالمنطقة العربية، لا سيَّما نتيجة نجاح وساطتها التي مكَّنت السعودية وإيران من استئناف علاقاتهما الدبلوماسية والاقتصادية، الأمر الذي يشجِّعهما على وقف تصعيد الصراعات في سورية واليمن على سبيل المثال، فقد استضافت السعودية اجتماعاً الشهر الماضي لمناقشة موضوع عودة دمشق إلى الجامعة العربية، الأمر الذي بدا ضرباً من المحال قبل التقارب السعودي الإيراني الذي تمَّ بوساطة صينية في 10 مارس/ آذار.

ولكن عند النظر إلى الأمور من زاوية أخرى، يتبيَّن أنّ نظام بشار الأسد قد انتقل من وضع المنبوذ عربياً إلى وضع المُرحَّب به دون تقديم أيّة تنازلات من شأنها وضع حدّ للصراع السوري، إيجاد حلّ سريع وفعّال لملف اللاجئين، كبح تجارة المخدِّرات، وقف إنتاج وتهريب مخدِّر الكبتاغون، تقليص أنشطة التجارة غير المشروعة، وتسهيل عودة ملايين السوريين الذين فرّوا إلى الخارج والخائفين من العودة.

ففي ظلّ غياب مثل تلك التنازلات من الجانب السوري، ليس من المستبعد أن يكون التطبيع السعودي مع النظام السوري مجرَّد شرّ لا بدّ منه لترطيب الأجواء مع إيران، خصوصاً أنّ مقاطعة النظام السوري لم تؤدِّ إلى حلّ في السابق.

بغضّ النظر عن باقي الأمور والنتائج الاقتصادية المتوقعة من التطبيع مع نظام الأسد، يمكن للتطبيع العربي مع دمشق أن يساعد النظام السوري على إغراق المنطقة بالمخدِّرات التي أصبحت الآن مصدراً مهمّاً لا غنى عنه للوصول إلى النقد الأجنبي، خصوصاً بعدما ساهمت العقوبات الدولية على نظام الأسد في تجفيف موارده المالية.

فقد تمكَّنت سورية وفي وقت قياسي من الانضمام لقائمة أكثر الدول المُصدِّرة للمخدِّرات في العالم، حيث قُدِّرت القيمة الإجمالية لشحنات المخدِّرات لنظام الأسد بـ 5.7 مليارات دولار على الأقل خلال عام 2021 مقارنة بـ 1.8 مليار دولار في 2017، وما يتراوح ما بين 2.9 و3.46 مليارات دولار في 2020، وذلك وفقاً لتقرير نشره معهد نيو لاينز للاستراتيجية والسياسة الأميركي New Lines Institute for Strategy and Policy في إبريل/ نيسان 2022 تحت عنوان “تهديد الكبتاغون: لمحة عن التجارة غير المشروعة والاستهلاك والحقائق الإقليمية” “The Captagon Threat: A Profile of Illicit Trade, Consumption, and Regional Realities”.

وتلك الأرقام تفوق بكثير قيمة الصادرات القانونية السورية التي وصلت إلى 879 مليون دولار في عام 2020 و1.01 مليار دولار في 2021 وفقاً لبيانات مرصد التعقيد الاقتصادي The Observatory of Economic Complexity.

غير أنّ الحقيقة المرعبة تتمثَّل في أنّ السعودية، الإمارات، الكويت، البحرين والأردن هي الأسواق الأساسية والوجهات الرئيسية لشحنات الكبتاغون القادمة من سورية، فبحسب تقرير معهد نيو لاينز للاستراتيجية والسياسة لقد أحبطت الموانئ السعودية، لا سيَّما ميناء جدة وميناء الملك عبد العزيز بالدمام، تهريب أكثر من 190 مليون قرص كبتاغون حتى سنة 2021 بفضل أجهزة الكشف الحديثة وتبادل المعلومات الاستخبارية.

لذلك، ستجد تلك الدول العربية نفسها أمام مهمّة صعبة لثني نظام الأسد عن استمراره في تجارة المخدِّرات التي يستحيل عليه الاستغناء عنها، لما تدرُّه عليه من عملات صعبة لا تقوى أي تجارة أخرى على توفير ولو جزء بسيط منها.

خلاصة القول، بالرغم من عودة النظام السوري إلى العصبة العربية، إلا أنّ بناء أواصر الثقة لا سيَّما بين السعودية وسورية سيستغرق وقتاً، نظراً لتوتُّر العلاقات بين البلدين حتى قبل اندلاع شرارة الحرب في سورية، ومن ناحية أخرى ستقف العقوبات الأميركية والأوروبية بالمرصاد للاستثمارات العربية الكبيرة التي قد يتم توجيهها لإعادة إعمار سورية في المدى القريب.

——————————

التطبيع مع الأسد “بنكهة” مسلّحة/ سميرة المسالمة

قد يبدو الخبر المتداول عن تقارير إعلامية عن اجتماع قادة من فصائل مسلحة محسوبة على المعارضة السورية في الشمال مع رئيس مخابرات نظام بشار الأسد اللواء حسام لوقا في حلب الشهر الماضي (إبريل/ نيسان) فجاً لسوريين كثيرين يرون أن أول ضحايا التطبيع التركي والعربي مع النظام السوري ستكون الفصائل المسلحة، التي تحتمي بالوجود التركي في الشمال السوري، وبغض النظر عن أن الاجتماع حسب شهود كان مع فصائل منضوية تحت لواء قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وبحضور ضبّاط روس، حملوا الرسالة نفسها إلى من التقوا بهم من فصائل المعارضة في مدينة الباب تحت الاشراف التركي، فإن أي عملية تطبيع لن يُكتب لها الدوام، أو اكتمال الأركان، من دون إدخال الجانب المسلح في عملية تفكيك الخلافات لإنجاح المصالحات.

لو صحّ الخبر، يمكن أن يكون الاجتماع العملي الذي يدفع عملية التقارب التركي إلى موضع التنفيذ، ويمنح المسلحين السوريين خياراً جديداً يراهنون عليه، إلى جانب خيار الالتحاق بهيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً)، المصنّفة على قوائم الإرهاب الدولية، وهي خطوة ضرورية في حقل تسارع خطوات التطبيع العربية مع النظام السوري، وربما تكون مدعومةً من أطراف التطبيع جميعها، لتهيئة مناخات مستلزمات الشروع بعمليات التعافي المبكّر الذي يفترض أن تنطلق من الشمال لتمكينه من استيعاب أعداد اللاجئين العائدين من الأراضي التركية والجوار العربي.

من المفيد التذكير أنها ليست المرّة الأولى التي يعمد النظام السوري إلى عقد اجتماعات تسوية أو تفاهمات مع المسلحين، فقد حدث ذلك في حمص وفي درعا، وفي ريف دمشق، المناطق التي استعادها النظام إلى سيطرته، بعد سنوات من خروجها عنه. ومن شأن اجتماع رئيس المخابرات أن يمثل خطوة عملية وجادّة ومباشرة، لفرز المناطق في مرحلة مسارات التطبيع الجارية، حيث يعوّل عليها رسم خريطة حدود جديدة، تعيد تشكيل مناطق النفوذ في الشمال، كما تعيد ترتيب أولويات القتال، ووجهات بنادق المسلحين، ما يعني أن اللواء لوقا حرص على تحذير “قسد” من مآلات عدم تسليمها مواقعها للنظام السوري، قبل أن تصبح هدفاً له ولفصائل المعارضة ما بعد التطبيع، حيث خيارات الفصائل المعارضة ستتراوح بين أن تنتقل إلى جانب النظام لقتال قوات “قسد”، أو تنتقل إلى جانب أمير “النصرة”، أبي محمد الجولاني، فتمنحه صفة “المعارضة”، التي نأى عنها خلال سيرته الأولية.

منطقياً، لا يمكن لفصائل مسلحة محسوبة معارضة للنظام السوري الحاكم الاستمرار في عملها، مع إغلاق بوابات تمويلها بشقّيه المالي والعسكري، ما يعني أن واقعها مرهونٌ بما تقرّره الدول الداعمة لها، منذ نشأتها إلى يوم تقرير مصيرها، ومع التفاهمات التي يمكن أن تؤدّي إلى تسليم المساحات التي سمّيت “محرّرة” إلى النظام شرطا رئيسيا في عملية المصالحة المقبلة التركية – السورية، وضمن التطبيع العربي وخروج الدول الخليجية من غرف التمويل المالي للفصائل، ما يعني أن خيار السلاح صار مستبعداً في ظلّ تحوّل أدوار (ومواقع) الدول التي كانت ترعى وجود الفصائل المسلحة في سورية إلى ضفة النظام وحماية مصالحه وتقوية أجهزته، ومنها الأمنية والعسكرية.

مع إدخال الفصائل العسكرية في حلبة التفاوض على تنظيم علاقاتها مع النظام السوري، تكون دائرة التطبيع في طور الاكتمال تقريبا، وهذه ليست الخطوة الأولى أو المباغتة للسوريين، وإنما هي لاحقة لما بدأته سابقاً، عند دخولها بالشراكة مع الكيانات السياسية المعارضة، المتمثلة في الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، وانخراطها في مسار آستانة عام 2017، بعد تسليم حلب للنظام السوري، وفي لجان التفاوض، واللجنة الدستورية. ربما تسارعت عملية التطبيع مع النظام لأسباب عديدة وتطوراتٍ دفعت نحو إيجاد معادلات جديدة في الصراع السوري، وفي الصراع على سورية، أهمها:

أولا، تطورات الحرب في أوكرانيا، والاستقطاب الحاصل من حولها، بين معسكري روسيا والولايات المتحدة، إذ أدّت مآلات تلك الحرب إلى تغيرات في مواقع الدول، ليست لجهة الصراع السوري، ولكن لجهة مفهوم التموضع في معسكرات تلك الدول، وانعكس ذلك على مصير الصراع السوري، أو اتجاهات حسمه.

ثانيا، تموضع الأطراف الإقليمية إزاء الصراع السوري، على ضوء التغيّرات التي قد تحصل فيها، وذلك يشمل تركيا، في انتخاباتها التي بدت مصيرية لأول مرة بسبب تقارب نسب جماهيرية الأطراف المتصارعة على موقع الرئاسة فيها، واستخدامهم ملفّ الصراع السوري وانعكاساته في تركيا، من تورّط الجيش التركي إلى عبء اللاجئين السوريين على اقتصاد تركيا. كما أن إيران التي وجدت أن فكّ حصارها يكون بفتح بواباتها على جوارها العربي، وليس بممارسة عدائها، ما جعلها تتهيّأ لفتح صفحة جديدة مع دول المنطقة، التي تستعد، هي الأخرى، لمرحلة تنموية يعطّلها بقاء الخلافات مع إيران تحت الرماد.

ثالثا، مسار التطبيع العربي مع النظام السوري، وضمن ذلك إعادته إلى جامعة الدول العربية، ودعوته إلى حضور مؤتمر القمة العربي المقبل في الرياض. وهنا لا يمكن أن نتجاهل دور إسرائيل في كيفية تعاطيها مع الواقعين العربي والدولي.

رابعا، انحسار المعارضة السورية، بفصائلها السياسية والعسكرية، وضعف دورها ومكانتها، إضافة إلى ارتهانها للإملاءات السياسية التركية، هذا إضافة إلى الفجوة بينها وبين مجتمعات السوريين في الخارج.

خامسا، افتقاد طرف سوري قادر على استثمار أية تغيرات لصالحه، وهذا ينطبق على النظام وعلى المعارضة، فالاثنان في غاية الضعف والإنهاك وغياب الشرعية، مع تأكيد أن النظام في وضعية أقوى.

تستمدّ كل تلك العوامل قوتها، ونفوذها من حال الضعف والاستنزاف والتشتّت التي يعاني منها الشعب السوري، منذ سنوات، مع افتقاده معارضة حية وفاعلة، تعبّر عنه، وتعمل على تحقيق مشروعه الوطني، كما تستمد قوّتها من التدخلات الخارجية التي باتت مقرّرة في مصير سورية، ومستقبلها، أكثر من الأطراف السورية ذاتها، سواء كانت النظام أو المعارضة، بدليل ارتهان النظام للإملاءات الروسية والإيرانية، وارتهان المعارضة لإملاءات الداعمين الخارجيين، خصوصاً تركيا. ما يعني أن التطبيع مع النظام السوري في حقيقته تطبيعٌ مع روسيا وإيران وما تمثلانه في سورية، وهو ما يجعل من خبر اجتماع اللواء لوقا مع الفصائل المسلحة سواء كانت تابعة لقسد أو لتركيا بحضور ضباط روس، أقرب إلى استقراء المستقبل القادم لطبيعة العلاقات المحتملة، وأسلم للفصائل ذاتها لأنها لن تكون بمأمن من دون أن يكون الحضور الروسي هو الضامن لعملية انتقالها لاحقاً من الحضن الأميركي أوالتركي إلى حضن النظام “السوري”.

العربي الجديد

———————————

هل يدير الأسد ظهره لروسيا؟/ بسام مقداد

الترحيب الروسي بدعوة الأسد لحضور القمة العربية القادمة في السعودية، واعتباره نصراً لروسيا وهزيمة للولايات المتحدة،  كان متوقعاً. فقد نقلت صحيفة RG الناطقة بإسم الحكومة الروسية في 10 الجاري عن رئيس لجنة الإعلام في مجلس الإتحاد الروسي ألكسي بوشكوف قوله بأن الولايات المتحدة خسرت المعركة على سوريا، ولن تكون قادرة على تغيير الواقع المستجد. ورأى أن قرار الجامعة العربية بإعادة سوريا إلى المنظمة يشطب تصريحات عدد من الزعماء الغربيين والعرب عن حتمية إستقالة الأسد. وتأكيدات واشنطن بأن دمشق “لا تستحق” مثل هذه العودة لكنه لا يسعها تغيير الواقع الجديد. وشدد بوشكوف على أن “هذه التصريحات جاءت متأخرة، بعد معركة خسرتها الولايات المتحدة من أجل سوريا. وخلص إلى القول بأنه لا تراجع في التحولات في سوريا بقيادة رئيسها بشار الأسد، فضلاً عن استعادة دمشق السيطرة على الجزء الرئيسي من أراضي البلاد.

الوكالة الإخبارية الروسية Lenta نقلت في 8 الجاري عن الناطقة بإسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا قولها بأن موسكو ترحب بقرار الجامعة العربية إعادة سوريا إلى المنظمة. وقالت بأن هذه الخطوة طال إنتظارها، وأعربت عن ثقتها بأنها ستساعد في تخفيف التوترات في الشرق الأوسط وتجاوز تداعيات الأزمة السورية.

سبق لمواقع الإعلام الروسية أن توقفت عند قمة جدة في الشهر المنصرم، والتي بحثت مسألة إعادة عضوية سوريا في الجامعة. وقد نشر موقع   absatzالإلكتروني الروسي في 14 الشهر المنصرم نصاً بعنوان ” لماذا عودة سوريا المحتملة إلى جامعة الدول العربية تجعل الولايات المتحدة متوترة”. وقدم الموقع للنص بالتساؤل عما يمكن أن تفضي إليه عودة دمشق إلى جامعة الدول العربية، وما هو دور موسكو في هذه العودة. ووصف لقاء وزيري الخارجية السعودي والسوري في جدة بالمفاجئ، وأشار إلى أن الوزير السوري سبق أن إلتقى وزيري الخارجية المصري والأردني. ورأى أن لقاءات الوزير السوري هذه أعلنت نهاية عزلة سوريا الإقليمية. ونقل عن رويتر قولها حينذاك أن إستعادة العلاقات السعودية السورية، هي الخطوة الأبرز للدول العربية في تطبيع علاقاتها مع الأسد. وأشار إلى قول الوكالة بأن الرياض أدركت بأن عزلة دمشق “لا تجدي”.

نقل الموقع عن المحاضر في كلية الإستشراق في المدرسة العليا للإقتصاد أندريه تشوبريغين  قوله بأن الدول العربية أقدمت على التقارب مع دمشق بعد أن إتضح لها أن الأسد “سياسي خبير وقوي”. وأضاف بأنه، مع دعم موسكو للأسد من الخارج، إلا أنه يحظى ب”دعم كبير من السوريين في الداخل.

ورأى المحاضر أن المعارضة السورية لم تتمكن من تقديم مرشح قوي متفق عليه، والزعماء الذين برزوا من المعارضة لم يحظوا برضى السعودية “لا بخطابهم ولا بأهدافهم”.

واعتبر أنه لا شك في فضل موسكو على عملية إستعادة العلاقات الدبلوماسية بين سوريا ودول الشرق الأوسط الأخرى. فلو أن موسكو لم تدعم الأسد، لما تمكن من البقاء في السلطة ، بل ولكان إختفى عن الساحة السياسية السورية. ورأى أن إبعاد سوريا عن الجامعة العربية، لم يحمل سوى الضرر لمن أبعدها. واعتبر أن سوريا هي مركز الشرق الوسط و”قلبه”، وكانت دوماً ذات أهمية كبرى لتطور العلاقات في المنطقة ولنشاط النخب السياسية في سوريا نفسها وفي الدول المجاورة.

المحاضر الذي تشي نظرته إلى سوريا بانتمائه إلى جيل المستشرقين السوفيات، لم يستبعد أن تتيح للأسد عودته إلى الجامعة العربية إمكانية أكبر في إطلاق عملية إستعادة  السيطرة على المناطق الشمالية. ويرى أن الجامعة العربية تتمتع بإمكانيات سياسية وإقتصادية متعددة لتقديم المساعدة للأسد في هذه العملية. “لكن الفاصل شاسع بين بداية العملية  ونهايتها”.

وفي تفسير الفاصل الشاسع الذي أشار إليه، رأى أن الولايات المتحدة في نزاع الآن مع السعودية ـــــ أحد حلفائها الرئيسيين في الشرق الأوسط. ومن المتعذر التنبؤ بما سينتهي إليه هذا النزاع. ومن المحتمل أن تعود كل الأمور إلى مواقعها السابقة، ولا يستبعد إحتمال أن تتغير خريطة الشرق الأوسط السياسية برمتها. فإذا ما تم قبول سوريا في الجامعة العربية ( وهو ما تحقق الآن)، وإذا ما أعلن أعضاؤها إلتزامهم إستعادة سوريا سيادتها في الحدود السابقة، فسوف تفقد الولايات المتحدة مواقعها.

موقع News.ru الروسي نشر في 8 الجاري نصاً بعنوان “هل يدير الأسد ظهره لروسيا”، وأرفقه بآخر ثانوي “سوريا تتقارب مع الأعداء السابقين: دمشق عادت إلى الجامعة العربية وتُجري مفاوضات مع الولايات المتحدة والسعوديين.

لا يشير الموقع إلى أي مصادر في تأكيده بأن مفاوضات بين سوريا الولايات المتحدة في سلطنة عُمان سبقت قرار الدول العربية إعادة عضوية سوريا في الجامعة العربية. ويفترض أن المفاوضات في عُمان بحثت مسألة سحب القوات الأميركية من سوريا. ويرى أن سوريا، وبفعل العودة إلى الجامعة العربية، تعود إلى السياسة العالمية، ويصبح الأسد ودبلوماسيوه ضيوفاً مرحباً بهم في السعودية التي كانت تؤيد المعارضة السورية بشكل لا لبس فيه. وإذا كانت سوريا ستسوي علاقاتها مع العالم، وسيتم تخفيف العقوبات المفروضة عليها، يبرز في هذه الحالة السؤال عن التغير الذي سيلحق بدور روسيا في المنطقة: ما هي مصالح موسكو في سوريا الآن، وماذا ينتظر الأسد من روسيا.

ينقل الموقع عن السياسي السوري علي الأحمد قوله بأن نجاحات روسيا في إخراج سوريا من عزلتها، هي التي دفعت الولايات المتحدة للتفاوض مع سوريا. ويقول بأنه لم يتم الكشف رسمياً عن مضمون المفاوضات الأميركية السورية ولا عن المفاوضين. وينقل عن الخبير العراقي في العلاقات الدولية إبراهيم موسى إفتراضه بأن الولايات المتحدة حاولت في المفاوضات العثور على صيغة مقبولة لسحب قواتها من سوريا.

 لم يتوسع الموقع لاحقاً بالحديث عن المفاوضات السورية الأميركية في عُمان، وبقي الكلام عنها معلقاً عند ما قاله وإفترضه الخبيران السوري والعراقي، ولم يتم ذكر أي مصادر أخرى تدعم ما جاء على لسان الرجلين. 

يسترسل الموقع بعد الإشارة إلى تلك المفاوضات في الحديث عن: لماذا تُخرج روسيا سوريا من عزلتها؛ لماذا تحتاج روسيا إلى سوريا؛ كيف تجني روسيا المال من سوريا؛ لماذا يمكن أن تكون سوريا مثيرة للاهتمام بالنسبة لروسيا.

يختتم الموقع نصه بالتساؤل عما إذا كانت سوريا ستنسى روسيا. وينقل عن السفير السوفياتي والروسي السابق في سوريا ألكسندر زوتوف قوله بأن سوريا تنتظرها مرحلة إعادة إعمار نشط، سوف تلعب فيها روسيا دوراً كبيراً. وسوف تتاح الفرص لمن يرغب بالمشاركة بهذه العملية، وفي شتى الميادين، لكن زوتوف يخشى بان تفقد روسيا دورها الريادي بين تعدد المشاركين. ويشاركه مخاوفه هذه رئيس هيئة “التعاون الروسي” في سوريا نيكولاي سوخوف الذي قال بأن إبتعاد سوريا عن روسيا ممكن كلياً بعد سنوات، حين يفد مستثمرون أغنياء من دول الخليج. وأضاف بأن هذا سيحدث بمجرد ان تشعر القيادة السورية بنوع من الإستقرار في الوضع. لكنه يستدرك بأن ليس بوسع أحد أن يخرج روسيا من هناك، “طالما لم ننسحب نحن”. ويرى أن وجود روسيا في سوريا هو بالنسبة لعرب الخليج عامل أمن وإستقرار، نوع من ضمانة القوة للحفاظ على إستثماراتهم وأعمالهم.

المدن

—————————-

جدة:النظام السوري يدعو الدول العربية للاستثمار في سوريا

شارك وفد من النظام السوري للمرة الأولى منذ 2011، في الاجتماعات التحضيرية للقمة العربية المزمع عقدها في السعودية في 19 أيار/مايو، بعد أيام على قرار إعادة النظام لشغل مقعد سوريا في الجامعة.

ووصل الوفد إلى مدينة جدة السعودية السبت، للمشاركة في اجتماع المجلس الاقتصادي والاجتماعي للجامعة العربية على المستوى الوزاري، وذلك في إطار الاجتماعات التحضيرية للقمة العربية.

وبحسب وكالة أنباء النظام “سانا”، فإن الوفد يترأسه وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية محمد سامر الخليل، كما يضم معاونة وزير الاقتصاد للشؤون الدولية رانيا أحمد، ومدير إدارة الشؤون العربية بوزارة الخارجية السفير رياض عباس، ومدير العلاقات الدولية أنس البقاعي، ومستشاراً من وزارة الخارجية.

وقالت الوكالة إن الخليل دعا الدول العربية في كلمته خلال اجتماع المجلس الاقتصادي والاجتماعي الأحد، للاستثمار في سوريا، مؤكداً أن النظام “جاهز للتباحث في سبل التنمية المشتركة الثنائية ومتعددة الأطراف”.

وذكرت أن الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية حسام زكي رحب في كلمته، بعودة النظام إلى الجامعة وبمشاركة وفدها في الاجتماع، مضيفاً أنه سيقوم باطلاع الوفد على جميع مستجدات العمل العربي المشترك.

وبعد تسليم الجانب الجزائري رئاسة القمة إلى السعودية، أعرب وزير المالية السعودي محمد الجدعان عن ترحيبه بعودة النظام للجامعة العربية، وقال إن بلاده حريصة “على دعم مسيرة العمل العربي المشترك وتنفيذ القرارات التي ستصدر عن القمة”، وفق الوكالة.

وتنطلق الثلاثاء، الاجتماعات التحضيرية على مستوى المندوبين الدائمين في الجامعة، حيث يتم مناقشة التوصيات ومشاريع القرارات، قبل رفعها إلى اجتماع لاحق لوزراء الخارجية الذي سيضع جدول أعمال القمة على مستوى زعماء الدول.

والأربعاء، تلقى رئيس النظام بشار الأسد دعوة رسمية من السعودية للمشاركة في القمة العربية، وذلك بعد نحو أسبوع على قرار وزراء خارجية العرب إعادة النظام لشغل مقعد سوريا في الجامعة العربية، بعدما كانت قد قررت في 2011، تجميد عضويته بسبب قمع المتظاهرين السلميين الثائرين على نظامه.

وليس من المعروف ما إذا كان الأسد سيشارك في القمة أم سينوب عنه وزير خارجيته فيصل المقداد، وذلك لأن عدداً من الدول لا تزال متحفظة على قرار إعادته إلى الجامعة العربية.

المدن

———————————–

الصندوق التركي… والصندوق السوري/ إبراهيم حميدي

الاهتمام العالمي بالانتخابات التركية غير مسبوق، في هذه الدورة. هذا أمر طبيعي. تركيا عضو رسمي في “حلف شمال الأطلسي” ومجموعة العشرين، ووريثة الإمبراطوية العثمانية، ولديها اقتصاد وجيش كبيران.

كما أن تركيا في عهد الرئيس رجب طيب أردوغان، منخرطة في ملفات دولية كثيرة بينها إقليم ناغورنو كراباخ والحرب الروسية–الأوكرانية، ويقيم رئيسها، المرشح في الانتخابات، علاقة خاصة مع روسيا يتداخل فيها التعاون العسكري مع الاقتصادي والسياسي والأمني.

يضاف إلى ذلك، أن الإجراءات الداخلية على صعيد الحريات والاقتصاد والقضاء، التي اتخذها بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة عام 2016، أثارت دولا غربية ومؤسسات مدنية وعقّدت علاقة أردوغان مع دول أوروبية وجمعيات حقوقية.

لهذه الأسباب وغيرها، فإن الاهتمام الغربي بالانتخابات غير مسبوق، بل خرجت وسائل إعلام ومؤسسات غربية عن تقاليدها لتعلن موقفا واضحا في أنها “تصوّت” لصالح منافس أردوغان، كمال كليشدار أوغلو، في انتخابات وصفت بأنها “مصيرية” أو “تاريخية” تدشن المئوية الثانية في عمر الجمهورية التركية.

للعرب، من مسؤولين ومواطنين، أسباب إضافية للاهتمام بالصندوق التركي، تخص مستقبل الإسلام السياسي ومآلات النفوذ التركي في المنطقة. إذ إن حكومة أردوغان، منخرطة في وسائل عسكرية وغير عسكرية في دول وأزمات عربية عدة من ليبيا إلى العراق وسوريا. لكن انخراطها في سوريا، هو الأبرز والأكثر أهمية، لذلك، كان اهتمام السوريين بالاقتراع أكثر من غيرهم.

بداية، تسيطر فصائل مقاتلة وإسلامية والجيش التركي على جيوب في الشريط الشمالي، مساحتها حوالي 10 في المائة من سوريا التي تبلغ كامل مساحتها 185 ألف كلم مربع. عمليا، تسيطر على مساحة توازي ضعفي حجم لبنان. وهناك اعتقاد، بأن حكومة أردوغان هي التي تقف وراء هذه السياسة. بالتالي، فإن خسارته الانتخابات، تعني بداية تقهقر النفوذ التركي في شمال سوريا، وفوزه يعني استمرارية النفوذ والحماية والإقامة المؤقتة لنحو 3.7 مليون لاجئ سوري في تركيا.

أما المسؤولون في دمشق والأكراد في القامشلي، فكان رهانهم ولا يزال قائما، على خسارة أردوغان أمام منافسه كليشدار أوغلو في الجولة الثانية نهاية الشهر الحالي. لذلك، فإن الرئيس السوري بشار الأسد امتنع عن لقاء أردوغان قبل الانتخابات رغم الضغوط الكبيرة التي مارسها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لترتيب قمة بينهما على أمل سحب ورقة اللاجئين السوريين الضاغطة على الناخبين الأتراك، من أيدي المعارضة وكليشدار أوغلو وعدم استخدامها ضد أردوغان وحزبه.

اللافت، أن أحد أسباب التطبيع العربي مع دمشق هو تعزيز موقف الأسد في مواجهة النفوذ التركي ضمن مسار “التطبيع الرباعي” الذي يضم موسكو وطهران وأنقرة ودمشق، أي الدول التي تحظى بوجود عسكري كبير في سوريا. الاعتقاد العربي أن تعزيز “الدولة” السورية أمام النفوذين الإيراني والتركي، يضع سداً جغرافياً أمام تقدم نفوذ هاتين القوتين للتمدد من الشمال والشرق إلى الجنوب العربي.

من هنا جاء الاهتمام بالصندوق السوري. وهذا الصندوق لا علاقة له بالاقتراع في البلاد أو الانتخابات والعملية السياسية وتنفيذ القرار الدولي 2254. انه الصندوق الذي أسسه الرئيس السوري قبل أيام لـ”دعم المتضررين من الزلزال” الذي ضرب سوريا وتركيا في فبراير (شباط) الماضي.

معروف أن هناك عقوبات أميركية وأوروبية تمنع تمويل إعادة إعمار سوريا قبل تحقيق تقدم في العملية السياسية. ومعروف أن الإدارة الأميركية والاتحاد الأوروبي قدما استثناءات لتمويل مساعدات تخص الأضرار الناجمة من الزلزال. لكن العقوبات و”قانون قيصر”، وقفا عقبة أمام ترجمة التطبيع العربي إلى أموال تساهم في إعمار المدارس والمستشفيات ومحطات الكهرباء المدمرة. “الصندوق السوري” يقدم الوصفة والحل. الهدف الحقيقي منه، هو توفير قناة مالية لتدفق الأموال العربية لدعم الإعمار. بعض الدول العربية قدمت ملايين الدولارات وأخرى وعدت بأموال أكثر.

وهذا ما يفسر الاهتمام بـ”الصندوق السوري” أكثر أو بالتزامن مع متابعة “الصندوق التركي”.

المجلة

——————————

خاص.. طرح قانون “منع التطبيع مع الأسد” للتصويت في الكونغرس بعد إجراء التعديلات

أفادت مصادر خاصة لـ موقع تلفزيون سوريا بأنّ أعضاء الكونغرس الأميركي اتفقوا على تعديلات طفيفة في قانون مكافحة التطبيع مع النظام السوري، وأنّه سيُعرض على التصويت في مجلس النواب، اليوم الثلاثاء.

وذكر بيان لـ منظمة “مواطنون لأجل أميركيا آمنة (C4SSA)” اطلع عليه موقع تلفزيون سوريا، بأنّ التعديلات المقترحة على النص الأصلي لـ مشروع قانون محاربة التطبيع مع الأسد (رقم HR3202) بتاريخ 15 أيار 2023، شمِلت:

    تعديل شرط إضافة الأقرباء البالغين للأفراد المُعاقبين، باستثناء إذا ثبت تبرّؤه من قريبه المعاقب وليس لديه تاريخ مساعدة قريبه على إخفاء ثرواتهم.

    الموافقة على إضافة التعاملات المالية مع “الحكومة السورية” إلى قائمة الأفعال المُعاقب عليها في (قانون قيصر)، لكن تخصيصها بالتعاملات التجارية منها، والتي تتجاوز خمسة ملايين دولار.

    تمديد صلاحية (قانون قيصر) إلى آخر عام 2023.

    توسيع دائرة معايير معاقبة “الأمانة السورية للتنمية التابعة” لـ أسماء الأسد (زوجة رئيس النظام السوري)، بإضافة شرط خضوع مالكيها لعقوبات غير قانون قيصر، كتلك الخاصة بالأوامر التنفيذية الرئاسية أو بحسب تحديد وزارة الخزانة.

    تغيير عتبة المبلغ المشترط للمساعدة في إعادة التطبيع مع نظام الأسد، والذي يجب على الخارجية الأميركية مراقبته وإرفاقه في تقاريرها عن مناهضة التطبيع، وذلك من 50 ألف دولار إلى 500 ألف دولار، منفرداً أو بشكل تراكمي في السنة الواحدة.

    إضافة تعريف للتعاملات المطلوب كشفها ضمن استراتيجية حملة محاربة التطبيع لتتضمن أي استثمار أو منحة أو عقد أو تبرّع أو قرض من أشخاص غير سوريين يقطنون في تركيا أو أي من الدول العربية مثل: الإمارات، مصر، الأردن، العراق، عُمان، البحرين، الكويت، السعودية، تونس، الجزائر، المغرب، ليبيا، لبنان، طالما المستفيد موجود داخل مناطق النظام.

وقالت منظمة “مواطنون لأجل أميركا آمنة”، وهي من منظمات المجتمع المدني السوري الأميركي في الولايات المتحدة، والتي تركّز على العمل السياسي بشكل واضح، إنّها “سعيدة بنبأ الوصول إلى صيغة توافقية من مشروع قانون منع التطبيق مع نظام الأسد لطرحه في لجنة العلاقات الخارجية.

وأوضحت أنّ هذه الصيغة قريبة من الصيغة الأولية، حيث تحافظ على مبدأ العقوبات الثانوية والتي هي مصدر قلق كبير للدول المطبّعة وتحافظ على مبدأ عدم الاعتراف بأي حكومة أو نظام يرأسه بشار الأسد، إضافةً إلى طلب تقارير عن تفصيلات عمل الأمم المتحدة في سوريا.

مشروع قانون الكونغرس يحظر “التطبيع مع الأسد”

يحظر مشروع القانون على الحكومة الفيدرالية الأميركية الاعتراف أو تطبيع العلاقات مع أي حكومة في سوريا بقيادة بشار الأسد، الذي يخضع لعقوبات أميركية، كما يوسّع المشروع من “قانون قيصر”.

وبحسب وكالة “رويترز” – نقلاً عن أحد كبار أعضاء الكونغرس الذين عملوا على مشروع القانون – فإنّه بمنزلة “تحذير لتركيا والدول العربية من أنه إذا تعاملوا مع حكومة الأسد، فقد يواجهون عواقب وخيمة”، مضيفاً أن “إعادة قبول النظام السوري في جامعة الدول العربية، أثار حفيظة الأعضاء وأظهر الحاجة إلى التحرك بسرعة لإرسال إشارة”.

————————-

جنبلاط: العرب خذلوا السوريين وأعادوا بشار الأسد بدون شروط

هاجم رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الدول العربية، بسبب إعادة الجامعة العربية مقعد سوريا إلى النظام السوري.

وقال جنبلاط في حديث إعلامي مع قناة المؤسسة اللبنانية للإرسال انترناشيونال مساء يوم الإثنين: العرب خذلوا أنفسهم، وخذلوا الشعب السوري الذي تُرك، ولم يضعوا على بشار الأسد شرطاً، مضيفاً أن نصر بشار كان على شعبه، وهو لن يتغير.

سفينة “التايتنك”

واعتبر جنبلاط أن الجامعة العربية تشبه سفينة “التايتنك”الآخذة بشعوبها إلى الغرق، مؤكداً أن سوريا دمرها بشار، والمغرب العربي قاب قوسين أو أدنى من حرب حول الصحراء، وليبيا تمزقت (اتشقفت)، ومصر مطوقة بالمشكلات، لذلك أنصح الأمير”محمد بن سلمان” وأمراء الخليج أن يعيدو دراسة الموضوع بكل دقة، وبتروٍ، أفضل من أن يبتزهم بشار.

وأردف الزعيم الدرزي في لبنان، أن الأسد يُريد طلب المال من الخليج مقابل وقف تصدير الكبتاغون من سوريا، أما تصدير الكبتاغون من إيران فلا يُمكن وقفه.

وأضاف أن الروس ارتكبوا مجازر في أوكرانيا، وتم تحويل الرئيس الروسي بوتين إلى محكمة الجنايات الدولية، هل تحول بشار إلى محكمة الجنايات الدولية؟ وهل تحول أحد قادته للمحكمة؟؟ أمر غريب! هناك معايير مختلفة، في أوكرانيا جاء أمر العمليات الأميركي.

اقرأ أيضاً

من المتوقع أن يصل بشار الأسد إلى السعوديّة قبل انعقاد القمّة العربية المُقرّرة في 19 من الشّهر الحالي – AFP

وفد النظام السوري يصل لجدة لحضور أولى اجتماعات القمة العربية.. هل سيحضر الأسد؟

بديل عن الجامعة العربية

ونعى جنبلاط في مقابلته الجامعة العربية، مشيراً إلى أن البديل عنها هو القيام بعملية استنهاض للشعوب وهذه عملية تحتاج لوقت طويل ولن تحدث في زماننا.

وتساءل: هل يسمح بشار الأسد للمؤسسات الإعلامية اللبنانية القيام بجولة في سوريا. وفي ضواحي دمشق في داريا والقدم وجوبر وفي حمص لرؤية ما إذا كان ثمّة إمكانية لإعادة اللاجئين السوريين.

وتابع جنبلاط: المطلوب من اللاجئين السوريين في لبنان التنسيق الكامل مع الهيئات الدولية، وإحصاء الولادات الجديدة في لبنان، كما يجب التحقق من الفرق بين اللاجئ والعامل ويُمكن حصر الوجود السوري بشكل حضاري في مخيّمات.

وعن موضوع العودة الآمنة، قال: ما فعله بشار بشعبه هو عملية تطهير عرقي، ولكي تتم إعادتهم لوطنهم بشكل آمن لا بد من تشكيل لجنة عربية أو روسية أو لبنانية تضمن أن هذا المهجر الذي سوف يعود قد بني له بيت، ولن يخطف في مكان ما ويتبخر.

وختم جنبلاط بقوله: “لن أزور دمشق، ولا أعتقد أن تيمور جنبلاط بحاجة للتعرّف على بشار الأسد”.

———————————-

الكبتاغون… الاختبار الأصعب في خطة التقارب العربي مع النظام السوري/ عماد كركص

بدا ملف صناعة وتهريب الكبتاغون رئيسياً في التقارب العربي مع النظام السوري، لا سيما حين دقّ الأردن ناقوس الخطر وأراد التحرك في اتجاه النظام وفق مبدأ “خطوة بخطوة” بشكل ثنائي، بعدما عرض الملك الأردني عبد الله الثاني خريطة طريق عربية على الرئيس الأميركي جو بايدن خلال زيارته لواشنطن في صيف عام 2021، لكن الموافقة جاءت حينها، على ما يبدو، على أن تُختبر خريطة الطريق المقترحة من قبل عمّان بشكل أولي.

كبتاغون النظام ومبادرة الأردن

بعد ذلك، تفاقمت عمليات تهريب المخدرات، ليختار الأردن إشراك العرب معه، لا سيما الدول المتضررة من تهريب الكبتاغون في منطقة الخليج، في عملية التقارب مع النظام السوري، على أمل الضغط على هذا النظام لإيقاف تصنيع وتهريب المخدرات من خلال إيجاد إطار لمراقبة هذا النشاط، في سياق الحلّ السوري. وبدفعٍ من عمّان، تحولت العملية إلى مبادرة إقليمية – عربية بعد اجتماعي جدّة (منتصف إبريل/ نيسان الماضي)، وعمّان (1 مايو/ أيار الحالي)، الوزاريين.

ومن ثم تحولت إلى مبادرة عربية خالصة بعدما ضُمّنت في القرار 8914 الصادر عن جامعة الدول العربية، في 7 مايو الحالي، والذي أعاد النظام إلى مقعد سورية في الجامعة، بعد تعليق عضوية دمشق لحوالي 12 عاماً، بسبب لجوء النظام للعنف المفرط في التعامل مع الاحتجاجات ضد حكم بشار الأسد، ورفض الخطة العربية لحل الأزمة السورية في عام 2011.

الاتصالات الأميركية والأوروبية، لا سيما مع الخارجية الأردنية، سواء قبيل اعتماد المبادرة في الجامعة العربية وما بعده، وحتى التصريحات بعد الذهاب نحو اعتماد القرار، كانت واضحة بالتصويب على حل الأزمة السورية وفق القرار الأممي 2254، والتشديد على مسألة مكافحة “الكبتاغون”، الذي غزا الخليج وأوروبا وأفريقيا ودولاً في شرق آسيا.

وتعتبر واشنطن هذا الملف خطراً على الأمن القومي الأميركي مع الخشية من الوصول إلى شواطئها.

ويلسون في “كابيتول هيل”، مقر الكونغرس، ديسمبر الماضي (بيل كلارك/Getty)

وأصدرت الولايات المتحدة في نهاية العام الماضي قانوناً لمكافحة الكبتاغون (الكبتاغون المرتبط بالنظام – قانون مكافحة اتجار الأسد بالمخدرات وتخزينها). وسيدخل القانون، الذي يطلب تطوير استراتيجية للحكومة الأميركية لتعطيل الاتجار بالكبتاغون، بحلول منتصف يونيو/حزيران 2023، حيّز التنفيذ الفعلي في يونيو المقبل.

وجاءت التصريحات الغربية بالتشكيك بقدرة الأسد وإرادته أساساً على إنهاء ملف الكبتاغون والمخدرات بشكل عام، لسببين رئيسين. الأول يتعلق بمليارات الدولارات التي تدرها هذه الصناعة والتجارة إلى خزانته. أما السبب الثاني فيعود إلى ارتباط الكبتاغون، تصنيعاً وترويجاً وتهريباً، بشبكة معقدة من حلفاء النظام، لا سيما “حزب الله” والمليشيات العراقية وتلك المدعومة من إيران والتي ساعدته ولا تزال في الحرب لتثبيت بقائه في الحكم.

وستكون الأيام والأشهر المقبلة مرحلة اختبار لجدية الأسد بالالتزام بتنفيذ التوافقات التي خرج بها اجتماع عمّان بحضور وزير خارجيته فيصل المقداد، والتي جرى تضمينها في قرار الجامعة العربية، الذي بدا أنه أعطى عودة مشروطة للأسد إلى مقعد الجامعة مقابل تنفيذ الملفات الأمنية والإنسانية والسياسية، في مقدمتها ملف تهريب المخدرات والكبتاغون، الأمر الذي ستراقبه لجنة مشتركة.

ضربة الأردن رسالة جدّية

وإن كانت عمّان، الحليف لواشنطن، لم تنف أو تؤكد، تنفيذ ضربتين جويتين في الثامن من مايو الحالي داخل الأراضي السورية باستهداف مصنعين للمخدرات والكبتاغون تحديداً، ما أدى إلى مقتل تاجر (مرعي الرمثان) مرتبط بمليشيات إيران ومحكوم في الأردن بتهمة ترويج وتهريب المخدرات إلى جانب زوجته و6 من أطفاله، إلا أن وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي كان قد هدد، قبل يومين من الضربة، بها، وبمكافحة تهريب المخدرات بالأدوات العسكرية بدعم من حلفاء الأردن في الخليج والغرب.

وذكر مسؤولان أردنيان رفضا الكشف عن اسميهما، لوكالة “رويترز”، يومها، أن الخطوة الأردنية تعد بمثابة “رسالة إلى دمشق” بألا تخطئ في تقديراتها بشأن عزم عمّان على مواجهة قضية تهريب المخدرات عبر حدودها، في وقت تقود فيه المملكة جهوداً عربية لإنهاء القطيعة مع سورية.

وتُقرأ هذه الضربة على أنها تحذيرية من قبل الأردن، لإثبات جدية عمّان في التعامل مع هذا الملف فعلاً، وليس من قبيل التهديد فقط،. كما أن التعامل الخليجي والعربي، وحتى الأميركي مع هذا الملف، سيكون مرتبطاً بهذا الشأن في المستقبل، في ظل التكهن بعدم انصياع النظام للتعامل مع كل الملفات المطلوبة منه في التفاهمات العربية معه، لا سيما ملف الكبتاغون.

وفي 11 من الشهر الحالي، نفى مسؤول من الخارجية السعودية، لـ”رويترز”، معلومات حول عرض وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان تقديم 4 مليارات دولار للأسد سنوياً على شكل مساعدات، مقابل إنهاء ملف المخدرات وتهريبها بما يوصلها إلى السعودية. وكانت الوكالة قد نقلت عن مصدر إقليمي مقرب من النظام، ومصدر سوري مقرب من الخليج على دراية بالاتصالات الأخيرة مع الأسد، أن السعودية عرضت المليارات الأربعة على الأسد لـ”تعويضه في حال أوقف هذه التجارة”.

ويبقى الموقف السعودي متماشياً مع المبادرة العربية القائمة على مبدأ “خطوة مقابل خطوة”، والذي سيتم تقييمه من قبل أطراف اجتماع عمّان بالاشتراك مع الجامعة العربية، بانتظار التزامات المستقبل.

نظام دمشق رهن العملة الصعبة

وبرأي السياسي والباحث السوري المقيم في واشنطن رضوان زيادة، فإن النظام لن يقوم بأي خطوة من البنود التي تمّ الاتفاق عليها، لا سيما في ملف صناعة وتجارة وتهريب المخدرات، سواء لدول الجوار أو العالم. وعلل ذلك في حديث لـ”العربي الجديد”، بأن هذه الصناعة رئيسية لإدخال العملة الصعبة إلى خزائن النظام، لا سيما بما يساعده على إكمال الحرب.

وحول احتمال توجيه ضربات أميركية لمصانع وطرق تهريب الكبتاغون في حال دخول قانون الكبتاغون حيّز التنفيذ الفعلي في بداية الصيف الحالي، استبعد زيادة أن تلجأ واشنطن بشكل مباشر إلى هذا الخيار، لكنه أوضح أن الأردن لن يتردد بالقيام بهذه المهمة، بحسب رأيه.

واتفق الباحث في الشؤون السياسية والعسكرية موسى القلاب مع زيادة بتولي الأردن هذه المهمة بمفرده. وقال القلاب لـ”العربي الجديد”: “نعم سيتولى الأردن على الأرجح وحده مكافحة تهريب الكبتاغون من سورية إلى الأردن بالوسائل العسكرية والأمنية”.

ولفت الباحث إلى أنه بالنسبة للتعاون الإقليمي الذي يضم السعودية ودول الخليج الأخرى ومصر، فسيكون مُنصباً على الأبعاد القانونية والتشريعية والاستخبارية في إطار مكافحة تهريب وتمرير المخدرات والسلاح وكافة المحظورات. أما الاتفاق المبدئي مع سورية والذي أعلنت عنه مصر أخيراً، فهو “ينطوي على المجالات السياسية والدبلوماسية، وهو طرح مشكوك فيه وقد لا تنتج عنه أي نتائج إيجابية ملموسة لدى الجانب السوري”، وفق اعتقاده.

وبناء على ذلك، رأى القلاب أن “النظام السوري لن يتجاوب مع ملف مكافحة المخدرات لسببين، هما: الأول، لكون بوصلة القرار السوري ليست حرة، فهي محكومة بقرار (فيلق القدس الإيراني)، أما الثاني، فيكمن في حاجة النظام وإيران إلى مصادر تمويل غير مشروعة وفي طليعتها صناعة وتجارة المخدرات”. ولفت القلاب إلى أنّ “السياستين السورية والإيرانية مع الجامعة العربية تسير وفق قاعدة رابح – خاسر على التوالي”.

تشكيك تقابله الوقائع

لكن الدبلوماسي السوري السابق بسام بربندي، والمقيم في واشنطن منذ انشقاقه عن سفارة النظام فيها، طرح فرضيات جديدة حول التعاطي العربي والدولي مع ملف الكبتاغون بالكامل، مرجعاً ذلك إلى بعض الشكوك والأسئلة التي تحتاج إلى إجابات حقيقية عليها.

وأشار بربندي، في حديث لـ”العربي الجديد”، إلى أن “هناك حلقة مفقودة في هذا الملف، لا سيما حين نرى الإعلان عن كميات ضخمة من المخدرات التي تتم مصادرتها على الحدود”. وبرأيه، فإن السؤال هنا: هل ستتحمل أي جهة مصنعة، مهما بلغ وزنها المالي، هذه الخسائر المتتابعة، وثم نسأل حول الأموال التي يتم جنيها، وهي بمليارات الدولارات بحسب التقارير الغربية، وهي مليارات تحتاج إلى مصارف ونظام مصرفي يتحملها ويستوعبها وهو غير موجود؟

كما لفت إلى أن فرضية تحويل هذه الأموال إلى الخارج مستحيلة مع القيود الصعبة في أوروبا وأميركا وحتى في الدول العربية على عمليات تحويل الأموال واستقبالها بأحجام أقل بكثير من المعلن عنه في ما يخص أرباح النظام من الكبتاغون. وأكد أنه “لا يوجد نظام مالي يستوعب الأرقام التي يعلن عنها، لا في سورية ولا في الجوار كلبنان والعراق، إذا ما فرضنا محاولة استيعابها هناك”.

ولا يستبعد بربندي وجود تصنيع وتهريب مخدرات وتحديداً عقار الكبتاغون بالمطلق، لكنه اعتبر أن هذا الملف يتم تهويله وتضخيمه بشكل كبير بفعل فاعل أو فاعلين كثر.

وصيف العام الماضي، كشف تحقيق صحافي مصور مقرون بالأدلة، قام به “التلفزيون العربي”، عن عديد المصانع لإنتاج المخدرات بما فيها الكبتاغون، لا سيما في الساحل والجنوب السوري. وأظهر وجود شبكة واسعة من المشرفين على التصنيع والتهريب أساسها “الفرقة الرابعة” التي بقودها ماهر الأسد، شقيق رأس النظام السوري بشار الأسد، بالإضافة إلى أقارب للأسد لديهم مناصب عسكرية أو مليشياوية مختلفة، كما أشار التحقيق إلى تورط “حزب الله” اللبناني ومليشيات أخرى بتلك التجارة.

كما أكدت دراسة لـ”مركز جسور للدراسات”، صدرت في بداية العام الماضي، وجود حوالي 50 موقعاً لتصنيع المخدرات في سورية. وأشارت الدراسة إلى أن تلك المواقع تتوزع في إنتاجها على 14 موقعاً لتصنيع عقار الكبتاغون، و13 موقعاً لإنتاج مادة “الكريستال ميث” والمعرفة محلياً بـ”شبو” أو “إتش بوز”، و23 موقعاً لزراعة وإنتاج وتصنيع مادة الحشيش.

وكان تقرير لـ”معهد نيولاينز” للأبحاث، ومقره واشنطن، قد قدّر قيمة تجارة الكبتاغون في الشرق الأوسط خلال عام 2021 بحوالي 5.7 مليارات دولار. وأشار التقرير إلى تورط بشار الأسد وأفراد من عائلته ونظامه بهذه التجارة إلى جانب شريكه الرئيسي “حزب الله” اللبناني. وهذ الرقم يشمل فقط قيمة تجارة التجزئة بالاستناد إلى قيمة المضبوطات التي حددها التقرير بـ420 مليون حبة من عقار الكبتاغون فقط.

هذا الرقم أكدته مجلة “دير شبيغل” الألمانية، أي 5.7 مليارات دولار، لكن المجلة أشارت إلى أن هذا الرقم فقط لعوائد تجارة المخدرات من قبل النظام السوري، ما يعني أن تجارة العقار في الشرق الأوسط التي تحدث عنها المعهد الأميركي ممسوكة بشكل كامل من قبل النظام السوري، لتطابق الرقمين.

وفي إبريل من العام الحالي، فرض مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية، عقوبات على 6 أشخاص، بينهم اثنان من أقارب رأس النظام، لدورهم في إنتاج الكبتاغون أو تصديره، فيما فرضت الحكومة البريطانية عقوبات على 11 كياناً مرتبطاً بالنظام، في اليوم ذاته.

وشملت الأسماء كلاً من سامر كمال الأسد، وهو ابن عم رئيس النظام السوري، ويشرف على منشآت إنتاج الكبتاغون الرئيسية في اللاذقية التي يسيطر عليها النظام، ووسيم بديع الأسد، وهو ابن عم آخر للأسد، يقود مليشيا مسلحة ومعروف بترويج وتصدير وصناعة المخدرات، وعماد أبو زريق، وهو قائد سابق في “الجيش السوري الحر”، ويقود الآن مليشيا تابعة للمخابرات العسكرية السورية، وله دور مهم في تمكين إنتاج المخدرات وتهريبها من جنوب سورية إلى الأردن، وخالد قدور، وهو رجل أعمال سوري ومقرب من ماهر الأسد، وشركتين لدورهما في إنتاج وتصدير الكبتاغون.

كما شملت العقوبات نوح زعيتر، وهو تاجر مخدرات مقرب من “حزب الله” و”الفرقة الرابعة” في جيش النظام، ومعروف بتجارته وتهريبه للأسلحة والمخدرات، وكذلك حسن محمد دقو، وهو مواطن لبناني – سوري، أطلقت عليه وسائل الإعلام لقب “ملك الكبتاغون”.

وكان الرئيس الأميركي جو بايدن قد وقع في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، ميزانية الدفاع الأميركية لعام 2023 التي قدمها الكونغرس، وتضمّنت قانوناً لمحاربة الكبتاغون الذي يصنعه النظام السوري. ويتضمن مشروع القانون أن تجارة المخدرات المرتبطة بنظام الأسد تعتبر “تهديداً أمنياً عابراً” للحدود، ويطالب الوكالات الأميركية بوضع استراتيجية مكتوبة خلال مدة أقصاها 180 يوماً، لتعطيل وتفكيك إنتاج المخدرات والاتجار بها، والشبكات المرتبطة بنظام الأسد في سورية والدول المجاورة، من المقرر أن يدخل القانون حيز التنفيذ الفعلي في يونيو المقبل بإجراءات قد يكون من بينها ضرب مصانع وطرق تهريب المخدرات بالوسائل العسكرية.

العربي الجديد

————————————

مشروع القانون الأمريكي لـ”محاربة التطبيع مع الأسد”..متى وكيف يمكن إقراره؟

طرح نواب من الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الولايات المتحدة الأمريكية، مشروع قانون يحارب التطبيع مع نظام الأسد ويحذر الدول والشركات من التعامل معه.

وحمل القانون عنوان “محاربة التطبيع مع نظام ‫الأسد“، ويهدف إلى ردع أي جهة سواء على مستوى أفراد أو مؤسسات من التطبيع مع النظام.

وقال مُقترح المشروع، وهو رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب مايك مكول، إن “الأسد وداعميه الروس والإيرانيين يستمرون في ارتكاب أفعال رهيبة بحق الشعب السوري وتهديد الأمن الإقليمي”.

وأضاف “يجب تحميلهم مسؤولية ارتكاب هذه الجرائم وليس الترحيب بهم مجدداً، ومن دون شروط في المجتمع الدولي”.

ويتضمن القانون منع الإدارات الامريكية من الاعتراف بأي إدارة في سورية يرأسها بشار الأسد، ومعاقبة أي جهة تقدم دعماً مالياً أو مادياً أو تقنياً له.

ويطلب مشروع القانون من وزير الخارجية الأمريكي، تقديم تقرير مفصل سنوي عن مجمل ما يقوم به نظام الأسد من تلاعب وسرقة بالمساعدات.

وكذلك معاقبة المطارات التي تسمح لهبوط خطوط الطيران المملوكة من قبل نظام الأسد، سواء عامة أم خاصة، ما يعني الحد من تحركات بشار الأسد.

مراحل إقرار قانون التطبيع مع الأسد

لم يتم التصويت على القانون بعد، وإنما تم طرحه من قبل أعضاء في مجلس النواب لمناقشته قبل التصويت عليه.

ويشرح لـ”السورية.نت” عضو مجلس الإدارة لتحالف المنظمات السورية الأميركية، زكي لبابيدي، مراحل مشروع القانون حتى إقراره.

ويقول لبابيدي لـ”السورية.نت” إن مشروع القانون بعد طرحه في مجلس النواب تتم دراسته ومناقشته من قبل الأعضاء.

وكل نائب يعقبُ على القانون، فإما يطالب بحذف إحدى المواد أو إضافة مادة، وعقب المناقشة يتم التصويت عليه.

وفي حال إقراره في مجلس النواب ينتقل إلى مجلس الشيوخ لتتم المصادقة عليه، قبل أن يتم توقيعه من قبل الرئيس الأمريكي ويصبح قانوناً نافذاً.

وحول احتمالية تمرير القانون، أكد لبابيدي أنه لا أحد يعرف بتمرير القانون أو لا، حتى آخر لحظة في المجلس.

واعتبر أن هناك صعوبات أبرزها وجود “جماعات ضغط” لنظام الأسد وروسيا وإيران والدول المطبعة معه في أمريكا.

ومهمة “جماعات الضغط” هذه، التواصل مع أعضاء مجلس النواب والعمل على وقف القانون وعرقلته.

وأشار إلى أن القوانين الأمريكية بعد إقرارها ملزمة للإدارة الأمريكية من أجل تطبيقها.

أهمية القانون

ويسعى مشروع القانون إلى تحقيق عدة أغراض أبرزها “حظر أيّ إجراء حكومي أميركي من شأنه الاعتراف بأية حكومة سورية، يرأسها بشّار الأسد أو تطبيع العلاقات معها”.

ويهدف المشروع إلى “سن قوانين جديدة، وتحديث وتمتين وتوسيع قوانين سابقة متعلّقة بالشأن السوري”.

كما يهدف إلى إرسال رسائل سياسية وقانونية إلى الدول التي طبعت مع نظام الأسد، أو التي تسعى لى التطبيع معه

وإرسال رسائل إلى إدارة بايدن أيضاً بأن الحزبين الديمقراطي والجمهوري في أمريكا، مصران على “تطبيق جميع القوانين النافذة بحق الأسد، ولن يسمحا بفرضه أمراً واقعاً”.

ويرى لبابيدي أن أهمية القانون في حال إقراره تكمن في تأثيره على عملية التطبيع بشكل كبير وخاصة الشركات.

وقال إن التطبيع السياسي وفتح السفارات وزيارات دبلوماسية لا يمكن إيقافها فلكل دول نظرتها ومصالحها.

لكن التأثير سيكون على الشركات التي سترفض التعامل مع نظام لأسد خوفاً من العقوبات.

ولا يمكن لأي شركة أن تجازف باستثماراتها في أمريكا وأوروبا، من اجل التعامل مع نظام الأسد، حسب رأيه.

وأضاف أنه بعد إقرار قانون قيصر كان لدى الحكومة اليونانية والبريطانية رغبة بالتواصل مع نظام الأسد.

إلا أن شركات البلدين رفضت العمل في سورية خوفاً من العقوبات، وعدم خسارة استثماراتها في أمريكا.

وضرب لبابيدي مثلا حول شركات الطيران السعودية والإماراتية التي قد تخضع لعقوبات أمريكية في حال سيرت رحلاتها إلى سورية، وهو أمر غير وارد لهذا الشركات.

وينطبق ذلك على شركات الإعمار، حسب لبابيدي، الذي اعتبر أنها لن تخاطر بدفع أموال وفتح استثمارات في بلد مدمر اقتصادياً وتخسر عملها في أوروبا وأمريكا.

وفي حال إقرار مشروع “قانون محاربة التطبيع مع نظام الأسد” سيعتبر من القوانين الثلاثة ضد النظام، التي أقرها الكونغرس بعد قانون قيصر في 2019 وقانون الكبتاغون العام الماضي.

——————————-

ماذا بعد عودة النظام السوري إلى جامعة الدول العربية؟

شارك مسؤولون في النظام السوري، اليوم الاثنين، في أول حدث لهم في جامعة الدول العربية منذ عقد، استعداداً لقمة تستضيفها مدينة جدة في المملكة العربية السعودية، في التاسع عشر من شهر مايو/أيار الحالي.

وكان على رأس المسؤولين وزير الاقتصاد في حكومة نظام الأسد، سامر خليل، إذ حضر مع نائبته وشخصيات أخرى اجتماع المجلس الاقتصادي والاجتماعي بمدينة جدة.

وقال وزير المالية السعودي، محمد الجدعان في الاجتماع: “إنني أغتنم هذه الفرصة للترحيب بالجمهورية العربية السورية في جامعة الدول العربية”.

من جانبه أضاف خليل لصحفية “الوطن” شبه الرسمية أنهم “سيتقدمون بدعوة رسمية ومباشرة للمستثمرين العرب للقدوم والعمل في سورية، مع عرض كل القوانين والتسهيلات التي من الممكن أن تشكل حافزاً من أجل البدء بعملية استثمارية في سورية”.

وكانت التطورات خلال الأسابيع الماضية مرضية للغاية بالنسبة للنظام السوري، الذي يخضع لعقوبات شديدة، من قبل الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية.

ماذا تريد السعودية؟

وقال مسؤول سوري مطلع لموقع “ميدل إيست آي” اليوم الاثنين إن حضور وفد النظام اجتماع جدة “يبعث بالأمل”.

وأضاف أن “عودة سورية الرسمية إلى الحظيرة العربية تعززت ودعمت من خلال دفء العلاقات مع السعودية”، مشيراً إلى أن “الرياض كانت عاملاً حاسماً في القرار الأصلي بطرد سورية”.

وأوضح كمال علم، زميل بارز غير مقيم في المجلس الأطلسي أنه “من المعروف أن هذه الخطوة هي عودة للأسد”.

ويقول: “في الواقع لم يغادر أبداً. بشكل غير رسمي، كانت هناك دائماً روابط شخصية بين الرياض ودمشق من خلال أعلى الوسطاء”.

ويضيف أن “هذه الاتصالات نمت فقط عندما أصبح سلمان ولياً للعهد في عام 2017″، مشيراً إلى أن “مجتمع الأعمال في دمشق وحمص وحلب لديهم علاقات عائلية قديمة وروابط تجارية مع العديد من المكاتب العائلية السعودية”.

ويريد ولي العهد السعودي بن سلمان “صفر مشاكل” وإبعاد أي عقبات يمكن أن تعطل خطط حملته للتنويع الاقتصادي في رؤية 2030.

ووفق علم: “يريد لبنان والعراق مستقرين، وحتى في حالة ضعف الدولة السورية، فإن الرئيس الأسد وشبكته لديهم القدرة على السيطرة على لبنان والتأثير على العراق مثلما فعل بعد أن كسر الملك السعودي السابق عبد الله الجليد بعد اغتيال الحريري”.

ولذلك مع النظام السوري، يحصل السعوديون على أكثر بكثير من مجرد سورية، إذ يرى الباحث أنهم “يحصلون على صفقة إقليمية بما في ذلك الفلسطينيين”.

وحتى الآن لا يعرف ما إذا كان رأس النظام، بشار الأسد سيشارك في اجتماعات القمة العربية، ولاسيما أنه تلقى دعوة رسمية من الملك السعودي، سلمان بن عبد العزيز آل سعود.

في غضون ذلك تحدثت وسائل إعلام مقربة من “حزب الله”، بينها صحيفة “الأخبار” أن رأس النظام قد يزور الرياض قبل انعقاد القمة، وهو ما لم يؤكد بشكل رسمي حتى الآن.

وقال السفير حسام زكي، الأمين العام المساعد المشرف على شؤون مجلس جامعة الدول العربية إنه “من المنتظر أن تعقد القمة العربية الثانية والثلاثون بالمملكة العربية السعودية في 19 مايو المقبل”.

وأضاف الأمين العام المساعد أن “القمة ستسبقها اجتماعات تحضيرية عدة على مستويي كبار المسؤولين والوزراء، تمهد لانعقادها على مدار 5 أيام”.

“استئناف البعثات”

وقبل أيام أعلنت السعودية والنظام السوري استئناف عمل البعثات الدبلوماسية بين البلدين، بعد أيام من الموافقة على إعادة الأسد لمقعد سورية في جامعة الدول العربية.

وقالت وزارة الخارجية السعودية في بيان لها، 10 مايو الحالي، إنها ستستأنف عمل بعثتها الدبلوماسية في دمشق، التزاماً بالقرار الصادر عن اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة الأحد الماضي، القاضي بإلغاء تجميد عضوية سورية.

وأضافت أن استئناف عمل بعثتها في سورية يأتي “انطلاقاً من روابط الأخوة التي تجمع شعبي المملكة العربية السعودية والجمهورية العربية السورية، وحرصاً على الإسهام في تطوير العمل العربي المشترك وتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة”.

وجاء ذلك بعد أيام من إلغاء تجميد عضوية سورية في الجامعة العربية، بعد إجماع عربي على عودة نظام الأسد إلى مقعد سورية في الجامعة.

وكانت خطوات التطبيع بين السعودية ونظام الأسد أخذت منحنى متسارعاً خلال الأيام الماضية، بعد إعلان الخارجية السعودية إجراء مباحثات مع النظام لأول مرة منذ عقد على قطع العلاقات الدبلوماسية.

وتجسد التطبيع رسمياً بزيارة أجراها وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، إلى العاصمة السورية دمشق، الشهر الماضي، وهي الأولى لوزير سعودي رفيع منذ عام 2011.

والتقى الوزير السعودي والوفد المرافق له مع رئيس النظام، بشار الأسد، في سياق استئناف العلاقات بين السعودية والنظام السوري، بعد أكثر من عقد على القطيعة الدبلوماسية بين الجانبين.

—————————–

سورية … تطبيع سياسي أم اقتصادي؟/ فاطمة ياسين

نقلت وسائل إعلام النظام السوري خبر العودة إلى جامعة الدول العربية وهي لا تخفي شعوراً بالنشوة والانتصار، ووصفت المملكة العربية السعودية بالشقيقة، في تبرّؤ واضح من كلّ ما كانت قد كالته المحطّات نفسها وقدمه المذيعون أنفسهم للجامعة والسعودية من اتهامات وشتائم. يقدّم هذا الإعلام لمريديه الخبر كأنّه دليل على أنّ النظام قد خرج من محنته، وبات حرّاً طليقاً مرّة أخرى، وهو لم يوفر أيّ طريقة “معنوية” لمغازلة مشاعر محبّيه. والآن يوحي بأنّه بات مسيطراً، ويمكنه أن يمارس حياة سياسية طبيعية، ومن المفترض أن تُطمئن هذه الأخبار مناصري النظام وترفع معنوياتهم المهزوزة في الوقت الذي تلتهب فيه الأسواق وتتضاعف أسعار السلع، مع الارتفاع المحموم لسعر صرف الدولار أمام الليرة. تمر أخبار “النصر” من دون أي مردودٍ اقتصاديٍّ على أسواق سعر الصرف، ولا يبدو أن هناك مؤشّراً على تحسّن الحالة الاقتصادية للمواطن الذي يعيش في كنف النظام العائد إلى جامعة الدول العربية.

قد ترى مجموعة من الدول العربية أنّ الأسباب التي دفعت الجامعة إلى طرد سورية ما زالت قائمة، وقد ترى مجموعة أخرى أنّ للاقتراب من النظام دوافعه لتعديل بعض سلوكياته وتصحيح العلاقة مع إيران بشكل خاص. وأنّ افتتاح السفارات العربية بكثافة في شوارع دمشق الرئيسية قد يكون مكرِّساً للعمل السياسي، وهو البقاء بقرب النظام وإيصال الرسائل إليه، في حين أنّ النظام بحاجة أكثر لدفعاتٍ اقتصاديةٍ تساهم في تعويمه، واستثمارات ترفع من اقتصاده المنهار، وتفتح أسواق عملٍ لمئات الآلاف. لا تفكّر الدول العربية التي أعادت سفراءها، أو التي تخطّط لإعادتهم إلى سورية، في الاستثمار الاقتصادي، وهي لم توفد مسؤولاً اقتصادياً واحداً من أي درجةٍ، واقتصرت كلّ الاتصالات على الجانب السياسي وحده.

لم تكن البيانات التي صدرت عن الإدارة الأميركية راضيةً عن هذه الخطوة. وقال البيت الأبيض إنه لن يطبّع مع النظام أبداً، في حين أنّ الناطق باسم الخارجية قال إنّ إعادة العلاقات تهدف إلى الحوار للمساهمة في الحل! وتمسّكت الولايات المتحدة بكلّ العقوبات التي أصدرتها بحقّ النظام، وقالت إنها ستظل سارية المفعول من دون إبداء أي تأثّر بهذا التطوّر السياسي. أصرّت البيانات الأميركية على أن سياستها ثابتة تجاه سورية، وهي سياسة العزل والعقوبة. أما من يريد أن يطبّع فعليه تحمّل العواقب. كان الكونغرس أكثر حزماً من الإدارة الأميركية، فسارع، وبمباركة من الحزبين، عبر لجنةٍ من أكثر لجانه أهمية، وهي لجنة الخارجية، باقتراح قانون يزيد من تشديد العقوبة، ويوسّع من طيفها كثيراً، لتشمل كلّ من يتعامل مع حكومة النظام، مع توجيه ضربة قاصمة لأهم أداة لوجستية من أدواته، وهي شركات طيرانه الرسمية الموازية المتمثلة بأجنحة الشام. يمكن تعديل هذا القانون قليلا، ولكن قد يجرى إقراره بسرعة، لكبر حجم الكتلة التي تقف موقفاً رافضاً للنظام في مجلسي النواب والشيوخ.

عودة سورية إلى جامعة الدول العربية علامة سياسية فارقة، كما كان طردها. لكن كما كان قرار الطرد غير كافٍ لردع النظام عن سياسة القتل والتهجير والإمعان في الحرب ضد السوريين، لن يكون قرار الإعادة مؤثّراً في تعافي النظام وإرجاع الزمن إلى ما قبل العام 2011، فما زالت مظلة النظام السياسية يشكّلها كلٌّ من إيران وروسيا، ولن تتوسّع بإضافة الجامعة، لكن الأخيرة قد تخفّف من العبء السياسي على حلفاء النظام الذي ما زال يتضوّر ويعاني من اقتصاد منهار، ولن يتقدّم إلى الأمام بعودة علاقات سياسية صرفة، فالدولتان العربيّتان المعنيّتان بالاستثمارات الخارجية، الإمارات والسعودية، منهمكتان إلى أقصى حد في استثماراتهما الداخلية، وخططهما المستقبلية الطموحة، والتي لن تجد متّسعاً لأيّ اقتطاع يمكن أن يُقدَّم لنظام منهار غير مضمون العائد على المدى القصير ولا الطويل.

——————————

هل يستطيع الأردن التصدي لبؤر المخدرات في جنوب سوريا؟

وسط أرق في الجبهة الشمالية

عمان: «الشرق الأوسط»

بعد فشله في امتحانات شهادة الثانوية العامة، اتجه نديم إلى السهر وارتياد الملاهي الليلية في الأردن. وعندما عَرض عليه أحد مرافقيه تناول حبة من مخدِّر الكبتاغون، لم يرفض. كان نديم يسعى إلى الحفاظ على يقظته، خلال لعب البلياردو مع أصدقائه، طيلة الليل.

وقال نديم، لـ«وكالة أنباء العالم العربي»، إنه كان يتناول حبة واحدة في البداية، وتحولت الحبة إلى 5 حبات، ثم 10 حبات في الليلة الواحدة. عند هذه النقطة عرف نديم أنه انزلق إلى الإدمان.

والكبتاغون مادة منبِّهة تولِّد قدرة على مقاومة النوم والجوع، ويقدِّر بعض التقارير تجارتها بمليارات الدولار.

انتشرت مادة الأمفيتامين، أو الكبتاغون كالنار في الهشيم، في الأردن ودول مجاورة بالمنطقة. ويُعتقد أن سوريا من البلاد الرئيسية المنتِجة لهذا المخدِّر، وأصبح كبح انتشارها على قمة أولويات كثير من الدول العربية.

وأظهرت بيانات «إدارة مكافحة المخدرات» الأردنية أنه خلال أبريل (نيسان) فحسب، جرى ضبط 500 ألف من حبوب الكبتاجون. وتصدرت مكافحة تهريب وإغراق السوق الأردنية بالمخدرات، وعلى رأسها الكبتاجون، من جنوب سوريا، أولويات الأردن، في مباحثات جرت في الآونة الأخيرة في عمّان، بمشاركة وزراء خارجية الأردن والسعودية ومصر وسوريا والعراق. وفي بيان بعد الاجتماع، وافقت سوريا على المساعدة في منع تهريب المخدرات، والعمل على تحديد هوية مهرِّبيها، والتعاون مع الأردن والعراق، لإنهاء عمليات التهريب.

وقال مصدر حكومي، لـ«وكالة أنباء العالم العربي»، إن ثمار التعاون الأمني الأردني السوري ظهرت على أرض الواقع، ووجّه الأردن ضربة جوية استهدفت «أبرز معاقل تهريب وصناعة المخدِّرات في جنوب سوريا»، الأسبوع الماضي، مما أسفر عن مقتل مهرِّب مخدرات سوري، وفق تقارير صحفية. وأضاف المصدر الحكومي: «الضربة الأردنية الأخيرة استهدفت معملاً لصناعة المخدرات في الجنوب السوري، ويُعدّ المسؤول الأول عن تهريبها إلى الأردن»، مشيراً إلى أنها جَرَت بالتنسيق مع سوريا.

ووفق مصادر مطّلعة، فإن هذه الضربة الجوية ليست سوى بداية؛ فالأردن عازم على القضاء على مشكلة أرّقته لسنوات عدة وأغرقت أسواقه بالمخدرات. ورغم أن عمّان لم تعلّق رسمياً على الضربة الأخيرة، فقد قال المصدر إن الأردن قصف «ثلاثة مواقع لتصنيع وتهريب المخدرات على الحدود الأردنية السورية»، مضيفاً أنه جرى اتصال بعد ذلك بين «الخارجية» الأردنية ونظيرتها السورية، للتنسيق فيما يتعلق باستهداف جيوب تهريب المخدرات في جنوب سوريا.

ليونة

عمر الرداد، وهو عميد سابق في المخابرات الأردنية ومحاضِر في الأمن الاستراتيجي، قال، لـ«وكالة أنباء العالم العربي»، إن الأردن كان يتعامل بليونة مع ملف تهريب المخدرات، من خلال اجتماعات أمنية وسياسية مع الجانب السوري، «لكن من الواضح أن النظام السوري لم يستطع إيجاد مقاربة تتضمن الحد من تهريب المخدرات».

وأضاف أن تهريب المخدرات من سوريا يعكس أزمة داخل المؤسسات السورية، تتمثل في وجود تيارين؛ «أحدهما تابع لقوى إيرانية ترعى عمليات التهريب، والآخر متحالف مع روسيا، وهو غير راض عن هذه السيطرة والاختراق الواسع من قِبل ميليشيات مسلَّحة في سوريا».

وأعلنت «جامعة الدول العربية»، هذا الشهر، استعادة سوريا مقعدها في الجامعة، بعد تعليق عضويتها في 2011، ويرغب القادة العرب من سوريا أن تكبح جماح تهريب الكبتاغون وإنتاجه.

وقال الرداد: «الأردن معنيٌّ بالتعامل مع سلطة شرعية في الدولة السورية»، مضيفاً أن الضربة الأردنية الأخيرة «تعبر عن موقف أردني يريد إرسال رسالة صارمة لكل الجهات الموجودة في سوريا، حيث عبَّر السوريون أكثر من مرة عن عدم قدرتهم على مواجهة أو تفكيك هذه الجماعات في الجنوب السوري».

ويرى الرداد أن ضربة الأردن تعطي مؤشراً على دقة معلوماته الاستخباراتية. وقال: «إنهم على علم تام بما يجري داخل الحدود السورية، ويعرفون العصابات بشكل دقيق، وهو ما يعني وجود تنسيق مع الجانب السوري حول تفاصيل عمليات تصنيع وتهريب المخدرات».

وتوقَّع الرداد أن تُتوَّج المباحثات الأمنية والسياسية والعسكرية مع سوريا بالتوصل إلى «اتفاقية أمنية»، يجري بموجبها السماح بضربات من هذا النوع ودخول قوات أردنية، أو قوات مشتركة، إلى بعض المناطق في جنوب سوريا، لاستهداف تجار المخدرات.

وفي الأشهر القليلة الماضية، فرضت الولايات المتحدة و«الاتحاد الأوروبي» عقوبات على أقارب للأسد، بسبب مزاعم حول اشتراكهم في تهريب المخدرات.

موقع جغرافي

ساعدت روسيا الأسد على استعادة السيطرة على أغلب أجزاء سوريا، لكن تقليل حجم قواتها هناك بعد اندلاع حربها مع أوكرانيا، العام الماضي، تسبَّب في فراغ على الحدود الأردنية السورية، التي تمتد حوالي 386 كيلومتراً، ملأته مجموعات مسلَّحة.

وقال الوزير السابق والخبير الأمني الأردني محمود الخرابشة إن هذه المجموعات المسلَّحة «تعيش على التهريب وتجارة السلاح والمخدرات». وأضاف: «الأردن أصبح سوقاً لهذه العصابات وممراً إلى دول أخرى»، ما زاد من العبء المفروض عليه في الحفاظ على أمنه وأمن الدول المجاورة.

ويرى الخرابشة أن مهمة الأردن صعبة في السيطرة على حدوده الشمالية، نظراً لطبيعتها الجغرافية المتعرجة، ويقول إنه بحاجة إلى ثلاثة أمثال عدد قواته المسلَّحة حتى يستطيع ضبط وحماية الحدود.

ومضى قائلاً: «الأردن أرسل رسالة واضحة في اجتماع عمان مع وزراء خارجية المنطقة بأنه لن يسمح باستمرار اختراق حدوده وأمنه، وسيتخذ خطوات لحمايتها، حتى لو كانت خارج أراضيه».

——————————–

عودة سوريا إلى الجامعة العربية/ مروان المعشر

لسوريا تاريخ حضاري عريق، فقد تعاقبت عليها حضارات متعددة منذ أقدم العصور، ما أعطى الشعب السوري خلفية ثقافية غنية، لا تدل على ذلك فحسب، الآثار الباقية ليومنا من هذه الحضارات، ولكن أيضا الموروث الثقافي المتراكم عبر العصور، الذي ما زال ينتج أدبا وفنا وعلما وشعرا وفلسفة راقية المستوى.

يستحق الشعب السوري العظيم أن يعيش بأمان في دولة تحترم حقوقه، يشارك فيها في صنع قراره المستقل، ويتفيأ تحت ظلها الأمان والاستقرار والازدهار، فلا تضيع تضحياته سدى، ويصبح لمقتل أكثر من نصف مليون سوري في الأزمة التي تعيشها سوريا اليوم بعض من معنى، لأن أحدا لا يستطيع التعويض الكامل لما جرى للسوريين من قتل وتهجير وتشريد خلال العقد الماضي. في منطوق السياسة، لا تحظى هذه الاعتبارات بما تستحق من اهتمام، فعودة سوريا للجامعة العربية لا علاقة وثيقة لها بالديمقراطية أو التشاركية أو احترام حقوق الإنسان، ولا علاقة لها أيضا بمسؤولية النظام السوري، مهما تباينت المواقف عن درجتها، بما حل بالشعب السوري الذي أصبح أكثر من نصفه، إما لاجئا أو نازحا أو مقتولا.

تتركز المصالح الإقليمية اليوم لإعادة سوريا حول أمور أخرى، أهمها موضوع اللاجئين السوريين في المنطقة، وإمكانية إعادتهم لسوريا، وإيقاف تهريب المخدرات وحبوب الكبتاغون إلى دول الجوار، والخوف من هيمنة الجماعات الإسلامية المتشددة على البلاد، إن سقط النظام السوري، والحد من تأثير الجماعات المسلحة الإيرانية خاصة في جنوب البلاد. تبعا لذلك، فإن عددا من الدول العربية، يتبع سياسة الخطوة خطوة نحو سوريا، بمعنى أن كل خطوة إيجابية من قبل سوريا في المواضيع المذكورة أعلاه ستتبعها خطوة إيجابية مقابلة من بعض الدول العربية على الأقل، في تجاهل شبه تام لعملية سياسية تؤمن بمشاركة كل المكونات السورية في تحديد مستقبل سوريا، ما كانت هذه الدول نفسها تطالب به في السابق.

ولكن هذه المصالح الإقليمية اليوم تصطدم بعقبات عدة، فالممارسة التاريخية للنظام السوري في العقود الماضية تظهر بوضوح نزعة أيديولوجية لا تؤمن بالضرورة بالمرونة والخطوات المتقابلة، ففي موضوع اللاجئين مثلا، فإن قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، وبالأخص البروتوكول المتعلق باللاجئين لعام 1951، تحرم العودة غير الطوعية للاجئين، ما يتطلب التعاون السوري في هذا المجال ورغبة اللاجئين أنفسهم في العودة، إلا أن الاستعداد السوري لتسهيل هذه العودة مشكوك فيه، فالنظام السوري لا يرغب في عودة اللاجئين الذين يتبنى معظمهم مواقف معارضة له، كما تظهر استطلاعات الرأي كافة حول ذلك. كما أن أي عودة ستظهر مدى الدمار الذي حل بممتلكاتهم، ومدى نقص الخدمات الأساسية، ما سيجعلهم أكثر تشددا تجاه النظام، لذا، فإن محاولة دول الجوار إقناع النظام السوري بقبول عودة أي أعداد كبيرة من اللاجئين تعترضها عقبات سياسية واقتصادية وخدمية كبيرة.

ولا بد من الإشارة هنا أن المجتمع الدولي ليس متحمسا لإعادة إعمار سوريا في ظل الوضع القائم، هذا إن كان هناك اعتقاد بأن ذلك سيشكل حافزا لعودة اللاجئين. لا ينطبق ذلك على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي والدول الغربية فحسب، وإنما ينطبق أيضا على روسيا التي لا تملك الموارد الكافية خاصة بعد حربها مع أوكرانيا، والسعودية المنشغلة بتنميتها الاقتصادية الداخلية، وإيران التي تعطي سوريا جلّ ما تستطيع ضمن حصار دولي خانق عليها، والصين التي تملك الموارد، ولكن لا تملك الرغبة في ضخ أية أموال في ظل عدم الاستقرار السياسي لسوريا.

إن تهريب المخدرات والكبتاغون يجلب لسوريا اليوم مبالغ هائلة تقدر بعشرات المليارات من الدولارات حتى الآن، ولذا فإن استعداد سوريا اليوم للتجاوب الجاد مع متطلبات دول الجوار لوقف التهريب ينتابه العديد من الشكوك. وقد أجبر الأردن على القيام بعمليات عسكرية عديدة داخل سوريا للحد من التهريب بعد عدم إظهار الجدية المطلوبة من قبل الدولة السورية لكبح جماح هذه العمليات، حتى لا نقول اكثر من هذا. هل ستقبل سوريا بالحد من نشاط الجماعات الإيرانية المسلحة، خاصة في جنوب البلاد مع الحدود الأردنية؟ وهل يستطيع النظام السوري إملاء شروطه على إيران، وهو المعتمد على وجودها العسكري اعتمادا مكنه من الاستمرار حتى الآن؟ وما مصلحته في ذلك؟ هل ستشمل سياسة الخطوة خطوة تقدم النظام السوري خطوات تجاه المعارضة السورية غير المسلحة، أو المتشددة دينيا؟ وهل هناك أمل بحل سياسي يشمل المكونات السورية كافة، بعد أن غاب مثل هذا الحل رغم عشر سنوات من محاولات الأمم المتحدة لتحقيقه، وذلك أساسا لرفض النظام السوري أي إشراك جدي للمعارضة في الحكم؟ كل هذه اسئلة قد لا تكون الإجابة واضحة عليها، ولكنها جميعها تؤشر إلى درجة التعقيد التي ترافق الجهود الإقليمية لحل الأزمة السورية. ما من شك أن إعادة سوريا للجامعة اليوم هو نتيجة مباشرة لحقيقة أن اعتبارات بعض الدول العربية دعم النظام السوري لكبح جماح إيران، أو الجماعات الدينية المتشددة تطغى على كل الاعتبارات المذكورة أعلاه، وليس لأية آمال «بمرونة» النظام في التجاوب مع مكونات شعبه. كما أنه ليس من الواضح إن كانت الدول العربية ستخرق قوانين الأمم المتحدة كما القوانين الأمريكية التي يفرضها المجتمع الدولي على سوريا؟ أم أن إعادة سوريا لشغل مقعدها في الجامعة لن تمتد لأكثر من ذلك. مع عودة سوريا للجامعة، يبقى الأمل ان تنتهي معاناة الشعب السوري، وأن لا نتحدث عن «انتصارات» لا معنى لها، إن لم تشمل أيضا انتصارا للشعب السوري.

كاتب أردني

القدس العربي

—————————–

=====================

================

تحديث 11 أيار 2023

————————

بعد عودة نظام الأسد إلى الجامعة العربية/ بكر صدقي

يمكن القول، قبل الدخول في التفاصيل، إن مرحلة جديدة قد بدأت في مسار الصراع في سوريا وعليها، عنوانها الأبرز هو فك عزلته العربية، بعدما صدر قرار بالإجماع عن مجلس الجامعة العربية بشأن إلغاء قرار تعليق عضويته في المنظمة قبل اثني عشر عاماً.

وجاء هذا القرار تتويجاً لجهود بذلتها المملكة السعودية خلال الأشهر الماضية، كان أبرزها اجتماعا جدة وعمان التشاوريان حول سوريا، شارك في ثانيهما وزير خارجية النظام فيصل المقداد على قدم المساواة مع زملائه العرب، وصدر عن الاجتماع بيان حدد نوعاً ما خارطة طريق للتطبيع العربي مع النظام، ظهرت نتيجته بسرعة في قرار الجامعة المشار إليه.

غير أن مفاجأة من العيار الثقيل تلت مباشرةً صدور قرار الجامعة حين قامت طائرات حربية أردنية بقصف منزل تاجر المخدرات مرعي الرمثان في جنوب محافظة السويداء، وموقعاً لتخزين المخدرات في محافظة درعا قرب الحدود الأردنية، بعدما سبق لوزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي أن هدد، في تصريحات إعلامية، بـ«عمل عسكري» محتمل لمواجهة تدفق المخدرات السورية إلى بلاده. وهو أول تدخل عسكري أردني في الأراضي السورية، ما لم نحسب مشاركة طائرات أردنية في قصف مواقع لداعش في العام 2015، رداً على إحراق المنظمة لطيار أردني وقع أسيراً في يدها.

قتلت الغارة على منزل الرمثان، إضافةً إليه، كامل عائلته، زوجته وستة أطفال. ربما هذا ما جعل الأردن يمتنع عن تبني العملية رسمياً. ولكن ماذا عن نظام الأسد وإعلامه الذي اتخذ وضعية المزهرية أمام اختراق «سيادته» التي طالما تبجح بها؟ قال أغلب المراقبين إن هذا الصمت يشير إلى موافقة النظام على الغارة الأردنية. ولكن هذه الموافقة بذاتها في حاجة إلى تفسير، لأن الأردن يقع خارج الحلفاء المعلنين للنظام الذين يوافق على أعمالهم العسكرية على الأراضي السورية، أي روسيا وإيران وحزب الله اللبناني التابع للثاني. قد يمكن طرح عدد من التفسيرات، وهي متكاملة وليست متعارضة فيما بينها: أولها أن النظام محرج أمام العملية، حتى لو تمت بموافقته، لأن لها علاقة بإيران التي لم يمض على زيارة رئيسها رئيسي «التاريخية» لدمشق إلا أيام قليلة. فالرمثان على علاقة وثيقة مع الميليشيات الموالية لإيران في جنوب سوريا حسب عديد التقارير، أو أنه نوع من «رجل عمليات» تلك الميليشيات في تجارة المخدرات عبر الحدود الأردنية، وبتنسيق مع جهاز المخابرات العسكرية الأسدي كما قيل في تلك التقارير. إضافة إلى أن الموقع الثاني الذي تعرض للقصف، مخزن المخدرات، يقع في منطقة سيطرة تلك الميليشيات مباشرةً. أما التفسير الثاني فهو ليقول النظام، ومعه الدول المطبعة معه، أن تجارة المخدرات المذكورة في بيان عمان إنما هي «قطاع خاص» ولا علاقة للنظام بها، بدلالة سماحه للأردن التصرف إزاءها، في محاولة لدفع الاتهام الدولي بهذا الشأن عنه.

يبقى أن توقيت الضربة لافت للنظر. فالأجهزة الأردنية على معرفة بالرمثان وعنوانه ودوره مسبقاً، وكان بوسعها تنفيذ هذه العملية في أي موعد آخر، لكن القرار صدر بعد اجتماع عمان، بدلالة وعيد الصفدي، وتم التنفيذ صبيحة صدور قرار الجامعة العربية، بما يوحي إلى أن الاجتماع المذكور لم يكن سمناً على عسل بين ممثل النظام السوري وزملائه العرب في الاجتماع، بل كان فيه عصا وجزرة معاً.

هذا التفسير شجع عدداً من المعلقين السوريين المعارضين على تقديم تحليلات متفائلة بشأن كامل مسار التطبيع، وربطه بعضهم بضغط أمريكي، وصولاً إلى اعتبار المسار سيفضي إلى بداية حل سياسي في سوريا. بل بالغ البعض في تفاؤلهم بالقفز إلى استنتاجات وصلت حد أن المسار سيؤدي إلى تغيير سياسي!

الواقع أن النظام حقق، في الأسابيع القليلة الماضية، وبخاصة بعد قرار الجامعة العربية، مكسباً لا يحتمل الجدال هو نيل شرعية شاملة من الدول العربية، تلك الشرعية التي شطبت عليها الجامعة قبل اثني عشر عاماً. وهي تتضمن طي صفحة الجرائم المهولة التي ارتكبها النظام، طوال هذه السنوات، بحق ملايين السوريين من مجازر جماعية وتدمير مدن على سكانها وتهجير ملايين السوريين داخل البلاد وإلى الدول المجاورة، إضافة إلى رهن مستقبل سوريا لكل من روسيا وإيران، واستجلاب ميليشيات متعددة الجنسيات لتلافي النقص في عديد القوات الموالية له.

ولكن بالمقابل ما النفع الذي قد يحققه النظام من نيل الشرعية هذا، بالنظر إلى خراب الوضع العام في مناطق سيطرته، من دمار عمراني وفلتان ميليشيات موالية خارج سيطرته وأزمة اقتصادية مستدامة لا فكاك منها في وقت قريب. ربما يأمل، من خلال العلاقات الثنائية مع بعض الدول العربية، في الحصول على هبات مالية. ولكن ليس من الحصافة في شيء توقع استجابة عربية بهذا الخصوص بلا مقابل، وبخاصة في ظل العقوبات الأمريكية والأوروبية الخانقة التي تمنع تلك الدول من مد يد العون له حتى إذا ارادت ذلك.

ما نعرفه حتى الآن، وفقاً للمؤشرات الظاهرة، هو أن موضوع الكبتاغون له الأولوية على كل ما عداه بالنسبة للدول المتحمسة للتطبيع. أما غير ذلك من مواضيع كإعادة اللاجئين أو إنهاء الوجود العسكري الأجنبي متعدد الجنسيات، فهي مرتبطة بإرادات دول أخرى غير الدول العربية، وبخاصة إيران والولايات المتحدة وتركيا.

من المحتمل أن تكون الأسابيع المقبلة حبلى بتطورات مثيرة في الصراع على سوريا وفيها.

كاتب سوري

القدس العربي

——————–

رسالة إلى القمة العربية المقبلة/ عمر قدور

سيكون بشار الأسد بلا منازع نجم مؤتمر القمة العربية المقبل، إذا لم يُنصَح لسبب ما بعدم حضورها. معظم السيناريوهات المتداولة منذ أسابيع ينصّ على أنه سيتلقى دعوة لحضور مؤتمر القمة، وعلى أنه سيحضر إذ ليس من طباعه المعروفة تفويت مثل هذه الفرصة، لا لأهمية المؤتمر نفسه وإنما لرمزية العودة إليه بعد تجميد عضويته. وإذا كان الأسد لم يفوّت أقلّ فرصة للشماتة بمن ثاروا عليه، وبالمعارضين مهما كانت درجة معارضتهم، فهذه مناسبة كبرى للشماتة بهم. ووجه الشماتة ليس في استدعاء المعارضة يوماً إلى مؤتمر للجامعة، وإنما القول أنه يُستقبل في الجامعة ويُرحّب به، بعد كل جرائم الإبادة والاعتقال والتهجير.

في مواجهة ذلك، انتشرت بين المعارضين تلك الأقوال التي سبق أن شاعت بين المؤيدين يوم جُمّدت عضوية الأسد، فهجاء الجامعة العربية انتقل من ضفة إلى أخرى بحذافيره، وهو غير جديد على عموم السوريين لأنه رائج بينهم منذ ما قبل عام 2011، وإن اختلفت الأسباب كل مرة. أما هجاء القادة العرب بوصفهم متماثلين، والقول أن الأسد عاد إلى مكانه الطبيعي بينهم، فهو هجاء يلحظ غياب الديموقراطية في البلدان العربية، لكنه يخدم الأسد إذ يتجاهل تفرّده الساحق بارتكاب جرائم لم يفعلها مجتمعةً خلال مدة مشابهة أي رئيس أو ملك عربي، حتى إذا وجد بينهم مَن لا يتورع عن فعلها.

يحتفل معسكر الأسد بعودته إلى الجامعة، بوصفها على نحو خاص تطبيعاً عربياً مع الجريمة الكبرى، فيكمل معارضون ذلك بالقول أن الأسد عائد إلى أشباهه، أي أن ما يحدث طبيعي جداً وتطبيعٌ بين مجرمين. ولأن ما يحدث طبيعي، وفق المعارضين، فهو ضمناً لا يستحق فعل شيء. وغداً ستكون الكليشيه جاهزة، إذا قرر الغرب التطبيع مع الأسد، فلا أسهل من القول لدى شريحة واسعة أن الغرب هو الذي أبقى على الأسد، وهو منذ عهود بعيدة سلّط الحكام العرب على شعوب المنطقة ليمنع نهضتها، وكالعادة لإسرائيل حصة كبرى لدى من يرون أنها تحرّك القادة الغربيين والعرب. بعبارة جامعة، يكون التطبيع مع الأسد عربياً وغربياً في جوهر الأنظمة العربية والغربية، وليس للسوريين أمام هذه المؤامرة الكونية العظمى سوى التغنّي بمظلوميتهم؛ الكونية العظمى أيضاً عطفاً على المتسببين بها.

بخلاف هذا الاستسلام للمؤامرة الكونية المزعومة، والتطبيع تالياً مع الجريمة، نفترض أن السوريين قادرون على السعي لتثبيت فكرة أن ما يحدث هو تطبيع مع الإبادة والاعتقال والتهجير ومختلف الجرائم ضد الإنسانية، وأن هذا لا ينبغي أن يكون طبيعياً إطلاقاً. ننطلق من أن رسالة السوريين إلى القادة العرب يجب أن تؤكّد على معنى التطبيع، وعلى أنهم يجب ألا يفعلوا ذلك، رغم معرفتنا المسبقة بأنهم يعرفون جرائم الأسد، وليسوا بحاجة لشروحات إضافية عنها.

ليست السياسة ثرثرة على وسائل التواصل الاجتماعي، وعلى نحو يجعل منها استئنافاً لثرثرات الجدات والأجداد في أسواق المدن، أو على البيادر في الأرياف. رسالة السوريين يجب أن تتعدى ذلك، وأن تُوجَّه إلى عناوينها الصحيحة. يجب أن يُقال للقادة العرب أنهم يصافحون يداً غارقة في دماء السوريين، وأنهم يعانقون من أوعز بقصف مدارس الأطفال وأفران الخبز والمستشفيات، وتباهى في حديث علني بعد إبادة وتهجير ما يزيد عن ثلث السكان بأنه حصل على مجتمع أكثر تجانساً.

يجب أن يُقال هذا كله مباشرة، وأن يدعم بتقارير لمنظمات حقوقية دولية، ولا بأس في استرجاع المرات التي انفردت بها روسيا بالفيتو لتمنع إجماعاً دولياً على إدانة الأسد. رغم أننا نعلم، وهم يعلمون، ينبغي تثبيت التطبيع مع الجريمة كما هو حقاً، وكي لا تمرّ هذه اللحظة كأنها من طبائع الأمور والسياسة. ينبغي التأكيد على المعنى الذي يراه معسكر الأسد لعودته إلى الجامعة، واستحضار كل تلك الجرائم ورميها في وجوه الذين سيصافحون اليد التي لوّثت دماء السوريين.

نتحدث عن رسالة تثبّت الجريمة التي تحدث الآن بالتطبيع مع جرائم السنوات الماضية كلها؛ رسالة تُسلّم إلى رئاسة القمة العربية المقبلة، ونحن نعلم أن الدولة المضيفة قد تمنع تسليمها، وهذا خبر يمكن استثماره على الأقل. رسالة تُسلَّم إلى مقر الجامعة العربية، وأيضاً قد تمنع الدولة التي تستضيف المقرّ تسليمها وهذا خبر آخر يفيد في التأكيد على فحوى الرسالة، وعلى إحراج المستهدفين بها من استلامها. هناك قيادتان أو ثلاث هي الأكثر حماساً للتطبيع؛ يمكن التظاهر أمام سفارات هذه البلدان في الغرب، وتسليم الرسالة نفسها إلى القائمين عليها، ومن المستحسن أن يرفضوا استلامها أيضاً.

في سياق متصل، يعلم الجميع أن المتحمسين للتطبيع مع الأسد غير قادرين على اتخاذ قرارات تملكها القوى الموجودة في الميدان السوري، لكن التقليل المطلق من شأن مبادرتهم سيجعل الغرب يستسهل التطبيع. القراءة الحصيفة لموقف واشنطن تحديداً يجدر بها التوقف عند عدم منحها شيكاً على بياض لهؤلاء، ولكون مواقف رافضي التطبيع العرب تحظى أيضاً برضاها. وإذا كان من مصداقية للكلام عن تطبيع مشروط، وعلى مبدأ الخطوة بخطوة، فالمصداقية تأتي من التزام واشنطن وعدم سماحها باستقرار الأمر على تقاليد الجامعة العربية بتبويس اللحى. هنا، مرة أخرى، تحضر أهمية موقف السوريين، وإرسالهم رسالة رافضة للتطبيع مع الجريمة يقوّي من موقف العرب الرافضين أو المتحفظين، ويقوّي في واشنطن أولئك الذين يضغطون على الإدارة كي لا تتهاون مع الأسد.

ليس محتّماً أن تدوس بالمطلق الاعتباراتُ السياسية على نظيرتها الإنسانية، بل إن مراعاة الحد الأدنى من الثانية هو ما منع الغرب في سوابق عديدة من التطبيع المباشر مع قتلة وطغاة، وحتى بالمعنى الشخصي المباشر سيتحاشى معظم قادة الغرب مصافحة الأسد على النحو الذي سيفعله قادة عرب. ورغم أن مصافحة قاتل تعني استهتار أولئك القادة بشعوبهم أيضاً، وتنطوي على استعداد بعضهم على الأقل لفعل المثل، إلا أن تسليط الضوء على ذلك مهمة السوريين أولاً في غياب هذا الفهم الإنساني المشترك.

عودة الأسد إلى الجامعة العربية أدنى من أن تكون نقطة النهاية، لكن يبقى للسوريين خارج معسكر الأسد حصة في تقرير أن لا تكون بداية النهاية. ذلك يتوقف على الرسالة التي ستصدر عنهم في القريب، وعلى ألا ينتظروا صدورها عن معارضة أكثر ركاكة من أن تصدر بياناً يقرأه مَن تدّعي تمثيلهم.

المدن

—————————-

قانون قيصر: ورقة ضغط على الحلفاء والنظام/ روزانا بو منصف

في آخر المواقف الأميركية المتعلقة بإعادة النظام السوري الى مقعده في #الجامعة العربية وإعادة تعويمه، أعلن البيت الأبيض أن “واشنطن لن تطبّع مع رئيس النظام السوري بشار الأسد، وأن العقوبات الأميركية على #سوريا ستظل سارية بالكامل”. وأشار الى أننا “أبلغنا شركاءنا بعدم نيّتنا التطبيع مع الأسد، ولكننا نتفق معهم بشأن الأهداف التي يريدونها من الانفتاح مع سوريا”. وكان المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية فيدانت باتل، في وقت سابق، قد علق على قرار جامعة الدول العربية استئناف مشاركة وفود حكومة النظام السوري في اجتماعاتها، معتبراً أن “الأسد لا يستحق تطبيعاً للعلاقات إثر النزاع الدامي في سوريا”.

ويقول مراقبون ديبلوماسيون إن قرار جامعة الدول العربية أثار خيبة أمل واضحة لدى الولايات المتحدة فيما موقفها لا يبدو صارماً أو حازماً بالكامل استناداً الى أنه تدرّج من الرفض الكلي للتطبيع مع الأسد إلى حض الدول العربية التي كانت صارحت واشنطن بذلك خلال زيارات مسؤوليها للمنطقة أو بالعكس بضرورة الحصول على الأقل على التزامات سورية صارمة مقابل إعادة تعويم الأسد كما جاء على لسان مساعدة وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى باربرا ليف. وقد رأى البعض في الانقسام الحاصل بين الدول العربية إزاء الانفتاح على النظام مجدداً ومن بينهم حلفاء أساسيون لواشنطن التقاءً مع وجهة النظر الأميركية وحتى دعماً لها. الإشكالية في التفهّم الذي أظهرته واشنطن وتأكيدها أن العقوبات ستبقى سارية المفعول تتصل بما إن كان الانفتاح العربي سيكون متاحاً بضخ استثمارات في سوريا أم أن استمرار سريان العقوبات سيؤثر على هذا الانفتاح ويقيّده. فالعقوبات لا تزال تمنح الولايات المتحدة ورقة ضغط قوية يعتبر البعض أنها قد تساعد الدول العربية من أجل تحصيل تنازلات من النظام الذي عبّر وزير خارجيته إبان اجتماع عمان عن شروط من بينها سعي الدول العربية لرفع العقوبات الأميركية والغربية عموماً عنه. وواجهت إدارة الرئيس جو بايدن أخيراً مطالب وضغوطاً من الكونغرس لعدم التساهل بذلك وحتى بالتطبيع مع النظام فيما يرى بعض المراقبين أن لغة التخاطب المتساهلة أو المرنة التي اعتمدتها واشنطن تعود من جهة لتفهّمها ما يجري في المنطقة ولعدم قدرتها على الانخراط مباشرة في أيّ حل في ظل مشاطرتها الدول العربية القلق من أن الستاتيكو المستمر في سوريا يخدم راعيي النظام أي روسيا وإيران فحسب. واضطرارها الى التذكير بالعقوبات وسريانها يرتبط بواقع الضغوط الداخلية ولكن أيضاً بواقع أن رؤيتها للنظام وإدانة أفعاله التي اعتبرتها واشنطن ترقى الى جرائم حرب لا ينبغي أن تُترجم تساهلاً أو ضعفاً أو تجاوزاً لموقف الولايات المتحدة. فأمام عينيها كما أمام أعين دول الاتحاد الأوروبي تجري الحرب الروسية على أوكرانيا فيما ينادي قادة غربيون بمحاسبة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على ما ترتكبه قوّاته في أوكرانيا ومسؤوليته المباشرة عن الجرائم التي تُرتكب فيها. فإرساء قاعدة أو سابقة الإفلات من العقاب في هذا التوقيت يبدو رسالة غير مناسبة توجّهها الولايات المتحدة والدول الأوروبية ولا سيما أن الأسد ترعاه روسيا كذلك وتعتبر الانفتاح عليه انتصاراً لها كما انتصاراً له. وقد اعتبرت الصحف الروسية إعادة الأسد الى الجامعة العربية إنجازاً لروسيا وسياستها الخارجية، فيما بعض الدول الأوروبية كما الولايات المتحدة أعادت التذكير في معرض رفضها التطبيع مع النظام بأنه ارتكب جرائم حرب، وهو ما يُفترض أنه يحرج الدول العربية لتجاوزها هذا الأمر.

يرى بعض المراقبين أن تذكير واشنطن بالعقوبات يثير تحدّياً أمام الدول الخليجية الراغبة في فتح صفحة أكثر انخراطاً في سوريا من العلاقات الديبلوماسية فحسب. ويفترض أن هذه الدول ستراعي الحليف الأميركي ما لم يكن هناك غضّ نظر أميركي غير معلن علماً بأن ثمة من يقول إن التحدّي الإماراتي أو السعودي لقرار العقوبات قد يحرج الولايات المتحدة لأنه يثير إشكالية أمامها لجهة فرض عقوبات على شركات للحكومة الإماراتية أو للحكومة السعودية تخرق #قانون قيصر. ولكن شركات كثيرة ستأخذ في الاعتبار هذا الموقف الأميركي ولا يُعتقد أنها ستتجاوزه لجهة إجراء معاملات أو استثمارات كبيرة مع النظام خشية الخضوع للعقوبات. ولكن هذا يتعلق فعلاً بالرسالة التي وجّهتها واشنطن لحلفائها ومدى حزم مضمونها في هذا الإطار أو ربما مدى توزيع الأدوار بينهم كذلك. وهذا سينتظر الترجمة العملانية في المرحلة المقبلة وأي اتجاه ستسلك الأمور على هذا الصعيد.

وإزاء مسارعة سياسيين وقوى لبنانية الى التهليل لإعادة النظام الى الجامعة العربية ودعوتهم الى إعادة ترتيب العلاقات معه على كل الصعد بذريعة بحث موضوع النازحين السوريين، حتى استباقاً لأي سياسة قد يعتمدها العهد الرئاسي المقبل، يثير المراقبون تساؤلات إزاء إمكان تجاوز لبنان قانون قيصر فيما يلقي أهل السلطة فيه تبعة العجز عن الحصول على إمدادات الغاز من مصر والأردن من أجل الكهرباء على العقوبات الأميركية لا على تقاعسهم عن تلبية شروط البنك الدولي. ولكن في حال التسليم جدلاً بأن العقوبات الأميركية هي العائق، فإن هناك تسرّعاً في استباق المراحل لغايات وأهداف مختلفة بحيث سيضطر لبنان حكماً الى استظلال أي خطوة عربية انفتاحية على النظام لكي يقوم بالمثل. وقد يضطر الى الانتظار طويلاً ربطاً بمدى إصرار الإدارة الأميركية على تأكيد موقفها والضغط من أجل حجب استفادة الأسد من أي تطبيع معه قبل تطبيقه شروط الحل وفقاً للقرار 2254.

النهار العربي

————————–

ماذا وراء الإغارة الأردنية داخل الأراضي السورية؟/ جلبير الأشقر

إن المشرق العربي أقل مناطق العالم احتراماً لمبدئي سيادة الدول وسلامة أراضيها. فالعلّة تبدأ مع وجود دولة قائمة بالأساس على الاحتلال، هي الدولة الصهيونية، سواء أكان الاحتلال الأصلي في عام 1948 أم الاحتلال الذي استكمله في عام 1967، والذي يُعدّ احتلالاً حتى في نظر الشرع الدولي كما نجم عن إجماع الدول الكبرى. وقد اعتدنا على اجتياح الدولة الصهيونية لأراض عربية فضلاً عن تلك التي احتلتها في عام 1967، وأهم حالة حتى الآن اجتياح قسم كبير من الأراضي اللبنانية في عام 1982 مع احتلال بعضها حتى نهاية القرن المنصرم. كما اعتدنا على الغارات الجوّية التي تشنّها الدولة الصهيونية داخل الأراضي العربية غير التي تحتلّها مباشرة، سواء طالت لبنان أو سوريا أو حتى العراق (تدمير المفاعل النووي العراقي في عام 1981) ناهيكم من غزّة الضحيّة.

وعلى المنوال ذاته، رأينا تعدّي إيران على الأراضي العربية، من احتلال حكم الشاه في عام 1971 لثلاث جزر في مياه الخليج كانت تابعة لإمارتي رأس الخيمة والشارقة (طنب الكبرى وطنب الصغرى وجزيرة أبو موسى) وقد احتفظت «الجمهورية الإسلامية» بها مصرّة على أنها إيرانية. كما بسطت إيران الملالي سيطرتها داخل الأراضي اللبنانية ومن بعدها العراقية ومن ثمّ السورية، بحيث أصبحت الساحات الثلاث في قلب المشرق العربي امتداداً عسكرياً لإيران حتى البحر الأبيض المتوسط، تسرح فيه وتمرح «قوات القدس» المتخصصة في العمليات الخارجية لدى «فيلق حرس الثورة الإسلامية» مع القوات المحلّية المعاونة لها.

وقد انتهز الحكم التركي تدمير العراق في عام 1991، ثم تفكّك سوريا بعد ذلك بعشرين عاماً، كي يشنّ غارات متكرّرة في شمال العراق على منوال الغارات الإسرائيلية على لبنان وسوريا، ثم يحتل قسماً من الأراضي السورية. وقد باتت سوريا، بعد أن وقع قسمٌ من أراضيها في هضبة الجولان تحت احتلال إسرائيلي منذ عام 1967، باتت ساحة تخيّم فيها قوات تابعة لأربع دول أخرى متنافسة، هي إيران وروسيا وتركيا وأمريكا، بحيث بلغ المجموع خمسة احتلالات، وهو رقم قياسي في تاريخ المنطقة.

إزاء هذا السجلّ الحافل بانتهاكات السيادة وسلامة الأراضي، فإن الغارتين اللتين نفّذهما يوم الإثنين الماضي الطيران الحربي الأردني داخل الأراضي السورية لجهة الشرق، وقد استهدفت إحداهما زعيم عصابة متخصّصة في تصنيع حبوب المخدّر الكيميائي المعروف بتسمية كبتاغون التجارية وفي تصديرها إلى بلدان الجوار الشرقي، ومنها الأردن والمملكة السعودية، وطالت الثانية مصنعاً للكبتاغون، إن تينك الغارتين قد تبدوان أمراً عادياً جداً في المشرق العربي. والحال أن الحكم الأردني سبق له أن شنّ غارة داخل الأراضي السورية، في منطقة الرقّة تحديداً. كان ذلك في عام 2015 وقد استهدفت الغارة تنظيم داعش، ثأراً للطيّار الأردني معاذ الكساسبة الذي أعدمه التنظيم حرقاً بطريقة فظيعة.

بيد أن الغارة الأردنية تبقى خارجة عن المألوف مع ذلك، إذ إنها لم تطل تنظيماً إرهابياً فالتاً من سيطرة السلطات السورية كما قبل ثماني سنوات، بل مواطناً سورياً عُرف عنه أنه يتعاون مع وكلاء إيران الإقليميين، لاسيما «حزب الله» اللبناني، ومع بعض عصابات «الشبّيحة» التابعة للنظام السوري. وقد ظلّ الحكم الأردني حتى الآن شديد الحذر من التورّط المباشر في الصراع الدائر داخل الأراضي السورية، بما يجعل احتمال قيامه بإغارته بلا تبليغ الحكم السوري مسبقاً احتمالاً ضعيفاً. لا بل التزم الحكم السوري الصمت إزاء الإغارة الأردنية، بما يوحي بقوة أنها تمّت برضاه مع الاتفاق على عدم تبنّي الأردن لها رسمياً حفظاً لماء وجهه. طبعاً، لم يحل عدم تبنّي إسرائيل الرسمي لغاراتها المتكرّرة داخل الأراضي السورية دون استنكار دمشق لها، لكنّها لا تجري بالاتفاق معه، وهو بيت القصيد.

يُضاف إلى ما ذكرنا أن الإغارة الأردنية حصلت بعد أيام قليلة من اللقاء الخماسي الذي جمع في عمّان، في الفاتح من الشهر الجاري، وزراء خارجية الأردن وسوريا والعراق ومصر والسعودية، تمهيداً لإعادة الحكم السوري إلى جامعة الدول العربية، وقد اتفق المجتمعون على «تعزيز التعاون بين سوريا ودول الجوار والدول المتأثرة بعمليات الإتجار بالمخدرات وتهريبها عبر الحدود السورية». هذا وقد تمّت الغارة بعد ساعات من اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة يوم الأحد الماضي، الذي قرّر رسمياً إعادة الحكم السوري إلى الحظيرة. فإن كافة الدلائل تشير إلى أن الإغارة الأردنية إنما تمّت بعد تنبيه الحكم السوري إلى أنها ستقع، الأمر الذي يضفي مصداقية على التكهّنات بأن المسعى السعودي، الذي كان حاسماً في فك عزلة النظام السوري عن الجامعة العربية، مقترنٌ بمسعى سعودي آخر وراء دقّ أسفين بين دمشق وطهران، نظراً لعلاقة وكلاء إيران بما استهدفته الإغارة.

ويعزّز هذه الرواية قيام الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، بزيارة لدمشق هي الأولى منذ اشتعال الأوضاع في سوريا قبل ما يناهز ثلاثة عشر عاماً، وذلك في الثالث من الشهر الجاري، أي بعد الاجتماع الخماسي الذي انعقد في عمّان بيومين فقط. فإن دلّت تلك الزيارة على شيء، فعلى أن طهران لم تعد ترى أن الحكم السوري مرتهن بها إلى حدّ أنها لا تحتاج لمسايرته مثلما كان الحال حتى الأمس القريب. ويضاعف من خطورة ذلك أن روسيا كانت هي أيضاً، على الأرجح، على علم مسبق بالإغارة الأردنية إذ إنها تسيطر على الأجواء السورية بطيرانها وصواريخها أرض-جو وتجري الغارات داخل تلك الأجواء عادة بعد إعلامها، الأمر الذي ينطبق على الغارات الأمريكية على مواقع داعشية مثلما ينطبق على الغارات الإسرائيلية على مواقع تابعة لإيران.

كاتب وأكاديمي من لبنان

القدس العربي

————————–

عودة سوريا إلى الحاضنة العربية … ما لها وما عليها!/ د. خالد محمد باطرفي

لم تكن عودة #سوريا أوّل حالة عودة إلى #الجامعة العربية، فقد سبقتها بأربعة عقود عودة مصر، ومقرّ الجامعة نفسه، إلى القاهرة. 

وفي كلتا الحالتين، كان الخروج نتيجة لخروج حاكم بلد عربي على الإجماع القومي، وعودته بمصالحة تتجاوز عمّا لا عودة عنه، وتقفز من دائرة المشكلة إلى دائرة الحلّ؛ ولأسباب أهمّها تبدّلات كبرى، وتحدّيات جديدة، ومهدّدات أزليّة للأمن القومي.

تباعدت مصر من إسرائيل واقتربت من العرب، واقتربت إيران من العرب، وخفّفت من حضورها في سوريا، وسمحت للأشقاء بحلّ معضلاتها. وفي كلّ حالة، لم يقطع بلد علاقته أو يلغي اتفاقياته أو يمسح صفحته مع الطرف المتسبّب بأزمته مع العرب.

ساعة المصالحة

التوقيت هو نصف السياسة، وبيئة المصالحة التي انطلقت من العلا قبل ثلاثة أعوام، فمرّت بعواصم الخليج، ومصر، وصولاً إلى أنقرة وصنعاء، وانتهاء بطهران والخرطوم، تقودها السعودية اليوم إلى دمشق.

أزيحت العقبات التي عرقلت السكّة، وتبدّلت دوافع المعرقلين؛ فلا تركيا مستعدّة لتحمّل الفاتورة السياسية، والاقتصادية، والانتخابية للاجئين والمعارضين والجماعات المسلّحة، ولا مواصلة النزيف في حلب وإدلب والأراضي الكردية؛ ولا إيران قادرة على تمويل المليشيات العربية والأفغانية والباكستانية، ودعم الجيش السوري، وتزويد الحكومة بالوقود والقمح والدولار؛ ولا روسيا بوارد مواصلة الإنفاق على التدخّل، وتقديم دعم عسكري بات مطلوباً للدفاع عن الوطن الأم.

العوامل العربية والدولية

وفي الجانب الآخر، بات الجار العربي مثقلاً بعبء اللاجئين، وتهريب المخدرات، والمناوشات الحدودية. والأوضاع الاقتصادية والمجتمعية لم تعد تتقبّل مسؤولية ملايين اللاجئين الباحثين عن عمل وتعلّم وطعام وعلاج. وما الاعتداءات الأخيرة على المخيمات السورية في لبنان إلا نذر مواجهة كارثية، أخطر وأوسع نطاقاً من مذبحة المخيمات الفلسطينية في صبرا وشاتيلا، قبل أربعين عاماً. 

ساهم في تقريب  المسافة الاتفاق السعودي – الإيراني، والتفاهم السعودي مع روسيا وتركيا، والزيارات المتبادلة بين دمشق والرياض، واجتماع جدة الرباعي الذي ضمّ، بالإضافة إلى الدولة المستضيفة، مصر والأردن والعراق، وما تلا ذلك من توافق  في عمّان بين هذه الدول وسوريا على التوصل إلى خريطة طريق، تقبّلها السوريون، واعتمدها وزراء الخارجية العرب في اجتماعهم الأحد الماضي في القاهرة.

على خطى العرب

تعتمد الخطة على مبدأ “خطوة مقابل خطوة”. تنفّذ دمشق اتفاقاً أو مطلباً، فتردّ العواصم العربية بخطوة تقارب أو تعاون أو مساعدة. ووضعت آلية متابعة لتنفيذ الاتفاق تديرها لجنة اتصال وزارية مكونة من “الأردن، السعودية، العراق، لبنان، مصر والأمين العام”، لمتابعة تنفيذ بيان عمان، والاستمرار في الحوار المباشر مع الحكومة السورية للتوصل إلى حلّ شامل للأزمة السورية.

تذكّرنا التسمية بسياسة الخطوة فالخطوة التي وضعها وزير الخارجية الأميركي الأسبق، هنري كسنجر، لحلّ الصراع العربي – الإسرائيلي، مع اختلاف مهم، هو أن سياسته تقوم على خطوات صغيرة متتالية على طريق السلام، فيما تنصّ سياسة الجامعة العربية، كما شرحها أمينها العام، أحمد أبو الغيط، على مكافأة ومقابلة الخطى الصحيحة بما تستحقّ.

المعاناة الإنسانية أولاً

نوقشت خلال تلك الاجتماعات أدقّ التفاصيل والمسائل الفنية والإجرائية، وجرى التفاهم على جميع الخلافات، والاتفاق على العمل عاجلاً على حلّها مرحلياً، وكليّاً. ولأن المعاناة الإنسانية هي الأكثر إلحاحاً، فقد تمّ التأكيد على فتح المزيد من المنافذ البرية والبحرية والجوية لوصول المساعدات إلى ضحايا الزلازل والحرب الأهلية.

يلي ذلك تهيئة البيئة المناسبة والآمنة لعودة اللاجئين تدريجياً إلى مدنهم وقراهم، بإلغاء الأحكام ضدهم، وعدم تجنيدهم أو محاسبتهم، وتسهيل وصولهم وإقامتهم، وتقديم العون لهم حتى يعيدوا بناء ما تهدم وإصلاح ما تخرب، وتوفير  الخدمات الأساسية وفرص العمل والتعليم لهم.

مطالب عاجلة

وعلى رأس القائمة أيضاً، مواجهة الجماعات الإرهابية والتفلّت الأمني وعصابات زراعة وتصنيع وتصدير المخدرات وطرد المليشيات الإرهابية ومغادرة القوات الأجنبية وتقليص الهيمنة والتدخّلات الخارجية.

كذلك تمّ الاتفاق على العودة إلى المسار السياسي والتصالحي بناء على المرجعيّات الدولية، وأهمّها مخرجات جنيف – 1، وقرار مجلس  الأمن 2254، بما يضمن عودة المعارضة خارج البلاد، ومشاركة الجميع في عملية الانتقال السلمي للسلطة، حسب معطيات اللجنة الدستورية وبإشراف عربيّ وأمميّ.

المقابل العربي

في المقابل، سيقدّم العرب كلّ العون للحكومة السورية في تنفيذ تعهداتها، ودعم حقها وجهودها لاستعادة وحدة أراضيها؛ وفي الوقت نفسه، تلبية احتياجاتها المؤسّساتية للقيام بواجباتها، ومساندة الاقتصاد السوري، وتوفير ما تحتاجه البلاد عاجلاً من مشتقّات الوقود والغذاء والدواء.

كذلك ستتكاتف هذه البلدان في المحافل الدولية لدعم استعادة دمشق مكانتها الطبيعية، وتشجيع البلدان العربية على تطوير علاقاتها البينية معها، وتشجيع السياحة والاستثمار والمشاركة في مشاريع التعمير وإعادة البناء، إضافة إلى فتح المنافذ والطرق وخطوط الطيران المباشر. 

واعتباراً من تاريخ الاجتماع الوزاري الأحد الماضي، سترحّب الجامعة العربية بمشاركة الوفود السورية بشكل فوريّ في جميع الفعاليات واللجان والاجتماعات، بما فيها قمة الرياض المقبلة. تحفّظت بعض الدول، ولكنها توافقت مع الأغلبية على تنفيذ القرار.

الموقف الغربي والشرقي

عارضت أميركا التوجه العربي لإعادة تأهيل النظام السوري دولياً، واستعادة دمشق في المنظومة العربية، وعودتها إلى مقعدها الخالي منذ 11 عاماً. وأبدت واشنطن شكوكها تجاه جديّة القيادة السورية ومدى التزامها بتنفيذ أيّ اتفاق معها، وأعربت عن عدم تقبّلها لتقديم صكوك الغفران لما تعتبره جرائم حرب وانتهاكات إنسانية قام بها مسؤولون على رأس الهرم، ولا بدّ من محاسبتهم عليها.

ويميل الاتحاد الأوروبي وحلفاء الولايات المتحدة إلى موافقتها، وإن بدرجات متفاوتة وأقلّ حدّة ووضوحاً. ويحظى الموقف العربيّ بدعم القطب الشرقيّ، الذي تقوده روسيا والصين.

غياب الحلّ وحضوره

على أن المعارضين لا يقدّمون حلاً أفضل، وليس لديهم وصفة سحريّة أو واقعية لحلّ الأزمة السورية؛ وبعضهم فاقم المشكلة بالتدخلات المباشرة ودعم جماعات مسلّحة واحتلال مناطق ونهب خيراتها. وبالتالي، لا يحقّ لهم رفض المقاربة العربية. ولعلّ البيان الأميركي أدرك محدودية دور وموقع واشنطن في الحلّ عندما تفهّم وأثنى على الأهداف العربية في هذه المبادرة، وإن شكّك في إمكانية تحقيقها. 

الكرة اليوم في الملعب السوري؛ فإن حسنت النيّة، ونشطت الهمّة، وتحقّقت الوعود، تسارعت خطى العودة إلى الحاضنة العربية والمجتمع الدولي، وإصلاح ما أفسدته الحرب، واستعادة ما تقاسمته القوى الغاصبة.

مرحباً بسوريا ”العربية” في  الجامعة العربية، وأهلاً وسهلاً برئيسها في الرياض “بيت العرب”.

النهار العربي

———————

بعد قرار عودة النظام السوري إلى الجامعة العربية… قراءة في كلمتي الأسد ورئيسي/ رياض معسعس

بعد قرار الجامعة العربية بعودة النظام السوري لاحتلال مقعد سوريا في الجامعة وجميع مؤسساتها، نقوم بقراءة في كلمتي بشار الأسد والرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي بعد زيارته لسوريا لإجراء مباحثات تمحورت حول ترسيخ التحالف الاستراتيجي بين النظامين، وإعادة الإعمار بشكل خاص.

وقد ألقى رئيس النظام بشار الأسد كلمة بهذه المناسبة، ورد رئيسي بكلمة أخرى تعكسان عقلية كل منهما، وتشيران إلى أن الطرفين متمسكان بعلاقتهما بل وتمتينها أكثر.

في قراءة تحليلية للكلمتين واستخدامهما لكلمات معينة مختارة بعناية يمكننا رصد المغزى منها والرسائل التي يريد كل طرف توجيهها للآخرين، والتي لا تتناسب كثيرا مع تمنيات وتطلعات الأنظمة العربية التي أعادت النظام إلى الجامعة العربية.

في علوم الإعلام وتحليل المحتوى النصي، تقول “إن لكل كلمة دلالتها” فاستخدام كلمات معينة لا يأتي مصادفة، أو بطريقة اعتباطية، وفي السياسة، ونصوص الخطابات السياسية فإن كل كلمة تكون محسوبة ومنتقاة بدقة.

اللافتة الترحيبية

في هذا المقال اخترنا بعض المقاطع بعناية للإشارة إلى ما كانت ترمي بدقة، وما الهدف منها. نبدأ أولا بلافتة ترحيبية بالرئيس الإيراني كتب عليها:”23 مليون سوري يرحبون بقدومكم” هذا التضخيم المتعمد يشير إلى أن بشار الأسد مازال يعتقد، أو يريد أن يظهر أنه لا يزال رئيسا لكل السوريين. في حين أن مركز جسور للدراسات أشار في دراسة نشرها مؤخرا يؤكد أن عدد السوريين وصل إلى حوالي 26 مليون نسمة منهم 16 مليونا في سوريا و 9 ملايين خارجها، وحوالي مليون مفقود، وتتوزع أعداد السوريين داخل سوريا إلى حوالي 4.3 مليون في مناطق المعارضة، و2.6 مليون في مناطق قوات سوريا الديمقراطية (قسد).

ولا يتبقى تحت سيطرة النظام سوى حوالي 9 ملايين نسمة معظمهم ضد النظام، وضد إيران لكن لا يتجرأ أحدهم أن يفتح فمه حتى عند طبيب الأسنان.

في كلمة استقبال الرئيس الإيراني قال بشار الأسد: “أنتم تعرفون تماماً العلاقات العريقة بين بلدينا والتي تأسست منذ أكثر من أربعة عقود. هذه العلاقات غنيّة بالمضمون، غنيّة بالتجارب، وغنيّة بالرؤية التي كوّنتها.. أثبتت هذه الرؤية المشتركة أنها مستندة إلى أسس صحيحة وثابتة، مستندة إلى قيم، مستندة إلى مبادئ، مستندة إلى عقائد، ومستندة وهو الأهم إلى مصالح الشعوب وإلى سيادتها واستقلالها.” إن الإشارة إلى بدء هذه العلاقة تعني أنها بدأت مع سقوط حكم الشاه، ونشأة دولة ولاية الفقيه، وأن هذه العلاقة كانت ضمن رؤية مشتركة مستندة إلى “قيم ومبادئ وعقائد ومصالح الشعوب”.. أي بمعني آخر أن البعد الديني (الطائفي) كعقيدة كان في الحسبان رغم أن النظام السوري يقدم دائما نفسه كنظام “ديمقراطي علماني” وسابقا “اشتراكي” ولا ينتمي لعقيدة ما معينة، لكن لم يعد يخفى على أحد أن نظام العائلة الأسدية هو نظام الطائفة العلوية الأقرب إلى الشيعة منها إلى السنة، وتسعى دائما إلى سحق الأكثرية السنية، وتفضل الانتماء عقائديا لإيران. وأن هذه العلاقة “مستندة لمصالح الشعوب” فهذا محض افتراء لأن مصلحة الشعب السوري هي آخر ما يفكر فيه النظام، والدليل على أن السوريين اليوم معظمهم ضد هذا النظام الذي نكل بهم، وكذلك نظام ولاية الفقيه الذي أرسل ميليشياته لقتل السوريين المنتفضين ضد النظام الأسدي. ويتابع الأسد بالقول: “العلاقة بين بلدينا بنيت على الوفاء، عندما شنت حرب ظالمة ضد إيران في عام 1980 لمدة ثماني سنوات، سوريا لم تتردد بالوقوف إلى جانب إيران بالرغم من التهديدات والمغريات في ذلك الوقت” وهذه رسالة واضحة موجهة لرئيسي أن النظام السوري في عهد حافظ الأسد قد وقف مع إيران ضد العراق (كان النظام السوري الوحيد في العالم العربي الذي وقف مع إيران ضد العراق في الحرب العراقية الإيرانية في ثمانينيات القرن الماضي)، أي أن الوجود الإيراني اليوم في سوريا هو رد “الوفاء” القديم للنظام الأسدي، وأن الطرفين يدعمان بعضهما البعض وقت الشدائد.

وتابع الأسد: “عندما شنّت الحرب ضد سوريا منذ اثني عشر عاماً لم تتردد إيران في الوقوف إلى جانب سوريا بالرغم من التهديدات والمغريات أيضاً، ولم تتردد في تقديم كل الدعم السياسي والاقتصادي بل قدّمت دماء، والدماء هي أغلى شيء يمكن أن يقدمه الإنسان لأخيه الإنسان” وهنا يعتبر الأسد أن حربا شنت على سوريا في حين أن من قام بالحرب على الشعب السوري هو ونظامه، ووقوف إيران إلى جانب سوريا وتقديم “الدماء” لم يكن وفاء لمصلحة النظام بل لمصلحة إيران في الهيمنة على سوريا، وتأمين وصولها للبنان، وللبحر المتوسط ليتم لها رسم الهلال الشيعي من طهران إلى بيروت.

المقامرة السّياسية

ويستمر الأسد بالقول: “أما الرؤية المشتركة فقد ميّزت بين الواقعية السياسية وبين المقامرة السّياسية، نحن وأنتم لم نقامر بالسّياسة على الإطلاق، لم نضع مصير دولنا وشعوبنا في يد الأجانب أو الأجنبيّ، وإنما راهنا على انتصار الحق في النهاية وربحنا الرهان، أهمية الزيارة تنطلق من عمق العلاقات بين بلدينا، هذا العمق المنطلق من الماضي والمتجه إلى الأمام بثقة وبثبات باتجاه المستقبل”. في هذا المقطع الرسالة واضحة التي حاول الأسد إيصالها لكل من يفكر بفك الارتباط العضوي بين نظام الملالي ونظام الأسد، ولا يعتبر إيران التي كثفت وجودها في سوريا بـ”الأجنبي” فالنظرة مستقبلية واستراتيجية بعيدة المدى، فلا يظن المطبعون مع النظام أنهم سينجحون في إبعاد النظام عن النفوذ الإيراني الذي قدم “دما” لإنقاذه من الشعب السوري المنتفض. وواقع الأمر أيضا أن الأسد وبمحض إرادته وضع مصير سوريا في يد دول خمس تحتل أجزاء كبيرة من أراضيها (روسيا، إسرائيل، إيران، تركيا، أمريكا).

الرئيس رئيسي في كلمة له أجاب بالقول: “إن العلاقات بين سوريا حكومة وشعباً وبين إيران حكومة وشعباً، هي علاقات عريقة ونابعة من القلب، وهذه العلاقات لن تتأثر بالتغييرات والظروف في العالم والمنطقة” وهنا تأكيد آخر أن إيران لن تتخلى عن علاقتها مع النظام السوري تحت أي ظرف كان…”نحن لطالما أعلنا أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية تدعم جبهة المقاومة، ونؤكد الآن أيضا أننا نحن ندعم ونقف إلى جانب جبهة المقاومة” لكن جبهة المقاومة في الواقع لم تقاوم دولة الاحتلال بل كانت ضد ثورة الشعب السوري، فكل الميليشيات الطائفية بمن فيها حزب الله اللبناني تقتل السوريين وتحتل أراضيهم وبيوتهم، والقواعد الإيرانية وميليشياتها أصبحت عرضة لضربات شبه أسبوعية من قبل إسرائيل، وقد دمرت مطارات وموانئ سورية، وضربات لا تعد ولا تحصى هنا وهناك دون أدنى أي رد من قبل النظامين “الممانعين” وميليشياتهما.

ويتابع رئيسي بالقول:” نحن خلال فترة الحرب وقفنا لجانبكم وأيضاً سنقف لجانبكم خلال هذه الفترة، وهي فترة إعادة الإعمار، ونؤكد على توسيع العلاقات بين البلدين من الجوانب السياسية والاقتصادية والأمنية وأي مستوى آخر” وهذه العبارة كما ذكر أكثر من محلل أن زيارة رئيسي هي للتأكيد على أن الديون السورية لإيران (هناك من يؤكد أنها وصلت إلى 60 مليار دولار) يجب أن تدفع بطريقة أو بأخرى عن طريق عقود إعادة الإعمار، أو التزود باليورانيوم عبر شراء الفوسفات السوري، أو التعويض بالأراضي والعقارات، لبناء قواعد جديدة للميليشيات والحرس الثوري الإيراني.

وهذه الكلمات هي رسالة واضحة أن لإيران مصالح كبيرة في سوريا وعلى كل من يفكر بفك الارتباط العضوي بين النظام السوري ونظام ولاية الفقيه أن يعيد حساباته.

كاتب سوري

القدس العربي

——————————-

زيارة رئيسي والصراع على سوريا من جديد/ موفق نيربية

قال بشار الأسد مخاطباً ضيفه الرئيس الإيراني رئيسي يوم الأربعاء الماضي: «نحن وأنتم لم نضع مصير دولنا وشعوبنا في يد الأجنبي، إنّما راهنّا على انتصار الحق في النهاية، وقد ربحنا الرهان». والكلمتان» الأجنبي» و» ربحنا» هما من بين مفاتيح ما يفكر به الرجلان معاً في الحقيقة. فالأولى تضعهما في مواجهة كلّ ما ومن هو خارج نظاميهما، والثانية تؤشّر إلى ما يريدان إرهاب وإقناع الآخرين به: انتصارهما.

تلك الزيارة جاءت بعد انسداد طريق دمشق على الزيارات الرئاسية منذ 2010، العام الذي انقضّ بعده النظام السوريّ على شعبه حين انتفض مطالباً بحقوقه المشروعة، والذي دخل النظام الإيرانيّ بعده أيضاً من جهته في حرب البرنامج النوويّ، أيضاً مع الآخرين كلّهم، أو العالم بطريقة أخرى. وبمعنى مختلف، دفعا المنطقة والعالم نحو سرداب صراع شيعي – سنّي مظلم الأركان، كارثيٍّ لو تحقق واستشرى.

جاء رئيسي إلى دمشق مصطحباً وفداً كبيراً ومتنوّعاً: سياسياً واقتصادياً ودينياً… وعسكرياً في الخلف. وكانت زيارته في الواقع زيارتين، أولاهما للنظام السوري ورأسه، وثانيتهما إلى دولة الظلّ الإيرانية التي تأسّست في العقد الأخير، وعاصمتها في ضاحية دمشق الجنوبية، حيث زار مقام السيدة زينب، والتقى بالحشود الجماهيرية الكبيرة وألقى فيها كلمته الأساسية في الزيارة. زيارة الظل المهمة تلك لم تحظ بتغطية بحجمها، وكان ذلك غير طبيعي من حيث تعبيره عن الواقع، وطبيعياً من حيث الاستعانة بالكتمان، كما يبدو. لا ينفي هذا أن الزيارة «الرسمية» كانت دسمة ومليئة بالأخبار أيضاً، مع إنجاز حوالي خمسة عشر اتفاقاً يتعلّق بمناحي متنوعة، غطّى الكتمان أيضاً في النهاية نصفها، بعد أن كانت معلنة تقريباً في الأصل بشكل مسبق خلال الزيارة التمهيدية لوزير الطرق الإيراني.

تدلّ طبيعة تلك الزيارة التمهيدية حتماً على بعض ما هو جوهريّ أيضاً: وزير الطرق حين يحضر سيناقش حتماً تأمين طريق إيران نحو شرق المتوسّط، ويؤسّس لتأمين سكك الحديد والطرق السريعة الضرورية لذلك في ما بعد. لكن ذلك الوزير والوفد المتنوع المرافق له بحثوا في كلّ شيء يتعلّق بالعلاقات الثنائية وزيارة الرئيس الإيراني اللاحقة. برزت من ذلك أيضاً إشارة إلى مسألة الديون الإيرانية التي تقارب الثلاثين ملياراً من الدولارات. وكيفية سدادها، الذي أُعلن أن اتفاقاً سابقاً كان قائماً على دفعه على شكل تمليك أراضٍ سورية، حصل اختلاف في ما بعد بسبب تقديم أراضٍ ليس لها صكوك ملكية قانونية قابلة للتسجيل العقاري، كما يريد الطرف الإيراني، كذلك برزت حاجة سوريا الماسّة إلى الكهرباء، وطلب تأمينها بمشاريع توليد يموّلها وينفّذها الإيرانيون عن طريق قروض كالعادة، لكنّ تعديلاً طرأ على العرض، يجعله استثماراً مباشراً بدلاً من أن يكون قرضاً ينضمّ إلى سابقيه مجهول المستقبل. لا ينفي هذا أن عدداً من الاتفاقات المهمة قد أُنجزت في الزيارة وتمّ توقيعها، في المجال الزراعي والسكك الحديدية والطيران المدني والمناطق الحرة والنفط والاتصالات وغيرها، وكلّها لافتة للانتباه، تشي بنوايا لا تخفى على العين السليمة، على صلة بالهيمنة وفرض الوجود – المادي والبشري والعسكري – الذي يُراد له أن يكون صعباً على التراجع عنه في المستقبل، مهما كان مآل النظام ومصيره في ما بعد. هناك أشياء عديدة وكثيرة في هذه الزيارة، لكنّ الجانب السياسي العام الأكثر أهمية وجدارة بالتوقف عنده، بالصورة الفوتوغرافية الساكنة، يلفت الانتباه مباشرة أن الحدث هذا جاء مباشرة بعد اجتماع عمّان الخماسي، لوزراء خارجية الأردن وسوريا والعراق ومصر والسعودية، الذي جاء تنفيذاً للقاء جدّة السابق عليه، بين دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والعراق والأردن، وجاء كلاهما في سياق حركة التطبيع مع نظام الأسد، التي توّجتها أخيراً إعادته إلى الجامعة العربية، بعد تعليق عضويته فيها منذ عام 2011 بعد انقضاضه الدامي على شعبه وحركة احتجاجاته الكبرى آنذاك. وجاء قرار العودة مترابطاً بدقة مع توجّهات اجتماع عمان ومبادرة الأردن، وربّما ساعدت زيارة رئيسي على تسريع صدوره وعلى سلاسة ذلك.

يتنازع النظام الإيراني بوجوهه العديدة اتّجاهان كما يبدو: أولّهما يرى في محاولة التطبيع تلك دعماً لسياسة التطبيع الأخرى، ما بين السعودية وإيران، ومن ثم بين الأخيرة والمحيط الخليجي والعربي؛ وثانيهما لا يرغب بعودة غير مأمونة للنظام السوري – التابع أقل ممّا يريد الإيرانيون وأكثر مما يريد آخرون – إلى الإطار العربي، حتى لا يذهب بعيداً. وفي الحالتين، يرى الحرس الثوري الإيراني خصوصاً في جهود التطبيع العربي، حرماناً محتملاً له من فضاء استراتيجي لازم، أو تقليصاً له كما هو قائم بالفعل على الأقل.

ذلك انعكاس ربّما لصراع جديد على سوريا، وانبعاث لشكل جديد منه مختلف عمّا كان الأمر في القرن العشرين. ويزيد من معالم الشبه كون روسيا وتركيا موجودتان في الرأس الإيراني أثناء السياقات المذكورة، إضافة إلى إسرائيل والولايات المتحدة، وكلّ هذه المحرّكات تعمل بالاتجاهين، وفي ما بينها أيضاً. ومنطلق الصراع القديم والحديث على سوريا واحدٌ يتعلّق بالأهمية الاستراتيجية لهذا البلد، بما يشكّله من عقدة تواصل ما بين الشرق والغرب، والشمال والجنوب. وفي هذا المقال تركيز حالياً على ممرّ إيران إلى البحر المتوسط، مروراً بلبنان أيضاً وما يعنيه، وبالحدود مع إسرائيل بأهميّتها «التجارية» والأيديولوجية؛ وعلى ممرّ التواصل ما بين تركيا والجنوب العربي وفرصه التجارية الاقتصادية الواعدة. قد تعني تلك الصراعات المتداخلة كذلك في ما تعنيه، استباقاً لصراعات أخرى سوف تبدأ ظلالها بالظهور في الأيام والسنوات المقبلة، ومنها ذلك التعارض الحتمي بين المصالح التركية والإيرانية، لذلك يخفي السباق الحالي، تنافساً مهماً بين الاتّجاهين المتعامدين للطريق، حيث يكون السابق بينهما قادراً بسهولة على قطع طريق الآخر. ففتح الخط بين الشمال والجنوب عبر سوريا سيسهم في تقليص حركة الطريق بين الشرق والغرب، والعكس صحيح. ألا يلفت الانتباه كذلك أن أحدهما شيعي والآخر سنّي؟! وأن ذلك السباق ذو طبيعة استراتيجية في كلّ الأحوال، ومن دون تهويل أو تركيز مبالغ فيهما!

تشمل ساحات ذلك الصراع كلاً من العراق وسوريا ولبنان، ومجريات الهيمنة في الأخير تعطي انطباعاً عن المسار كلّه، الذي لا يمكن أن يجري تعبيده وتشغيله بطاقته العظمى إلّا بإطباق اليد نهائيّاً على سوريا. كذلك لا يمكن تأمين طريق التجارة والناس بين الشمال والجنوب إلّا بتقليص تلك الهيمنة الإيرانية، أو قطع نموّها بشكله العنيف المُنذِر على الأقل. وربّما تحتاج الدول العربية جنوباً أيضاً إلى مُتنفّس باتّجاه الشمال يريحها قليلاً من ضغوط الوذمة المتنامية في مياه الخليج. لقد بدأ التفكير في المستقبل كذلك، حين لا يكون بيع النفط مصدر الريع المتحكّم في المستقبل.

ممّا جاءت به تلك الزيارة المهمة من أخبار ودلالات مزعجة للناس السوريين، وما حمله اجتماع عمّان من أخبار أكثر أناةً في قضية التطبيع، من دون أن يخفّ قلقهم على مستقبلهم، الذي أخذوا يتلمّسون بقوة تسّربه من بين أيديهم، هنالك ما يذكّر بالأعوام الثلاثة أو الأربعة بعد عام 1918، حين كانت تلك البلاد على كفّ عفريت لا يبدو لها قرار ولا مسار، وكانت القوى الفاعلة والمؤثّرة نفسها معرّضة لعوامل الحتّ والتعرية أيضاً!

كاتب سوري

القدس العربي

——————————–

الإغارة على الكبتاغون: تجرح النظام السوري أم تداويه؟

رأي القدس

أفادت مواقع إخبارية أن مناطق على الحدود السورية ـ الأردنية وحوض اليرموك تعرضت لغارات من طيران حربي يرجح أن يكون أردنياً، استهدفت قرية خراب الشحم وتل الحارة وتل الجموع حيث يقع واحد من أكبر معامل تصنيع المخدرات وحبوب الكبتاغون. كذلك أفادت معلومات متطابقة أن أحد أبرز بارونات تهريب المخدرات قُتل وأفراد أسرته جراء قصف المنزل الذي كان يسكنه في قرية الشعاب شرق مدينة السويداء السورية.

وترجيح مسؤولية الطيران الحربي الأردني عن الغارات لا يأتي من فراغ أو من دون خلفيات معلنة، إذ كان وزير الخارجية الأردني قد اختار محطة سي إن إن الأمريكية تحديداً كي يطلق وعيداً واضحاً حول اضطرار بلده إلى اعتماد حلول عسكرية. وقال الوزير: «نحن لا نتعامل مع تهديد تهريب المخدرات باستخفاف، إذا لم نشهد إجراءات فعالة للحد من هذا التهديد، فسنقوم بما يلزم لمواجهته، بما في ذلك القيام بعمل عسكري داخل سوريا للقضاء على هذا التهديد الخطير للغاية ليس فقط في الأردن، ولكن عبره نحو دول الخليج والدول العربية الأخرى في العالم».

وكان التصريح لافتاً وغير مألوف لسبب أول هو أن الوزير الأردني تصدّر في الآونة الأخيرة معظم جهود إعادة النظام السوري إلى الجامعة العربية وبشّر مراراً بأن هذه العودة باتت قريبة، كما أن العاصمة الأردنية عمّان احتضنت مؤخراً اللقاء الرباعي لوزراء خارجية الأردن والسعودية والعراق ومصر مع وزير خارجية النظام السوري، وكان موضوع تهريب المخدرات من سوريا على رأس جدول أعمال الاجتماع.

فإذا صحّت مسؤولية الطيران الحربي الأردني عن الغارات الأخيرة ضدّ مواقع داخل الأراضي السورية، فإن الخلاصة المنطقية تشير إلى سلسلة احتمالات، بينها في المقام الأول ما إذا كانت عمليات القصف قد تمت انفراداً أو بتنسيق مع النظام السوري، نظراً للتداخل المعقد بين بعض كبار مراكز القوى والنفوذ في الهرم الأعلى للسلطة في سوريا من جهة، وبين صناعة المخدرات التي درّت على النظام نحو 57 مليار دولار تتجاوز بثلاثة اضعاف مجموع تجارة عصابات المخدرات المكسيكية من جهة ثانية.

ما لا يجوز إغفاله من جهة ثالثة هو أن إنتاج المخدرات وتهريبها ليس «صناعة ثقيلة» تقتصر أطرافها على ضباط الفرقة الرابعة التي يقودها شقيق رأس النظام السوري، وتمرّ بشبكات مافيا الساحل السوري التي يديرها أفراد بيت السلطة من أبناء عمومة وخؤولة، بل تشترك فيها أيضاً مفارز «حزب الله» اللبناني السياسية والعسكرية وحلفائه من الميليشيات والعصائب المذهبية العراقية.

وتبقى المفارقة الصارخة متمثلة في أن الأنظمة العربية، والأردن بصفة خاصة، التي هرولت نحو إعادة النظام السوري إلى الجامعة العربية، هي في طليعة المجتمعات المتضررة من دولة الكبتاغون التي تحول إليها نظام قتل نصف مليون مواطن سوري، وشرّد ثلث أبناء البلد على الأقل، وأسقط أكثر من 80 ألف برميل متفجر على مشافٍ ومدارس ومخيمات ومخابز، وشنّ عشرات الهجمات بأسلحة كيميائية.

ولا عجب أنّ الغارات وقعت بعد ساعات قليلة على قرار استرضاء النظام، فهل كانت تجرح أم تداوي؟

القدس العربي

—————————-

سوريا: حكايات الحضن العربي والدور الإيراني/ مثنى عبد الله

حدثان مهمان برزا في المشهد السوري الأسبوع المنصرم، أولهما اجتماع تشاوري في عمّان بين وزراء خارجية أربع دول عربية، بمشاركة وزراء خارجية السعودية والعراق ومصر وسوريا، لبحث سُبل عودة سوريا إلى الحضن العربي، والجهود المبذولة لإطلاق دور عربي قيادي للتوصل لحل سياسي للأزمة السورية. أما الثاني فكان زيارة الرئيس الإيراني إلى دمشق، وهي الزيارة الأولى لرئيس إيراني منذ عام 2010، تم فيها التوقيع على اتفاقية للتعاون الاستراتيجي وعدد من الاتفاقيات الاقتصادية، فأي حدث يأكل من جرف الآخر؟

لم يعد التطبيع مع النظام السوري مقاربة عربية فردية أو ثنائية أو ثلاثية، بل باتت تمثل عددا كبيرا من الدول العربية. وهذه المبادرة لم تأتِ من فراغ، بل جاءت نتيجة عوامل وتطورات في مقدمتها، بقاء بشار الأسد في السلطة، إعادة فتح سفارات دول عربية في دمشق، زيارات متبادلة توّجت بزيارة الرئيس السوري إلى الإمارات وعُمان، ذوبان الثلوج في العلاقات السعودية الإيرانية، والمحادثات السورية التركية التي تُعقد في موسكو دوريا، لكن جهود التطبيع لا تزال تصطدم بمعارضة عواصم عربية وغربية، في مقدمتها الدوحة وواشنطن، اللتان تقولان أن أي تطبيع مع دمشق، يجب أن يكون مرتبطا بتقدم جهود الحل السياسي للأزمة السورية. بالمقابل تدفع دول عربية في مقدمتها مصر والسعودية والعراق والجزائر وتونس إطار التطبيع مع سوريا إلى الأمام، ما قد يجعل من نجاح المهمة مسألة وقت فقط. لذلك عندما نقرأ البيان الختامي لمشاورات عمّان، يبدو وكأنه خريطة طريق لعودة سوريا الى الجامعة العربية، (وبالفعل فقد أعلن يوم الأحد الماضي عودتها للجامعة العربية). البيان عالج البُعد السياسي والبعد الإنساني والبعد الأمني. وجاء أشبه بإعلان مبادئ ونوايا في الجانب السياسي. وما بين السطور يتضح ولأول مرة أن هنالك مبادرة عربية دون مشاركة دولية ولا إقليمية، فقد سبق هذا الاجتماع اجتماع آخر بخصوص سوريا أيضا، عُقد في جدة حضرته دول مجلس التعاون الخليجي، إضافة إلى مصر والأردن والعراق.

ولعل من أبرز الملفات التي بحثها الاجتماع التشاوري هذا هو ملف اللاجئين السوريين، ومدى استعداد النظام لتوفير البنى التحتية الأساسية، والعفو العام، ودور الأمم المتحدة والمجتمع الدولي في هذه المسألة. كما تم البحث في وضع صيغة لآلية تشاورية بين سوريا والدول المستضيفة للاجئين. وفي هذه النقطة بالذات طالب الأردن بعودة ألف لاجئ من الذين يقيمون على أراضيه. ويبدو أنها عملية اختبار للنظام السوري، لأن هذا العدد صغير أمام مليون وأربعمئة ألف لاجئ سوري في الأردن. كما أنه لا يعني شيئا على الإطلاق أمام العدد الكلي للاجئين السوريين الذين فروا إلى شتى أصقاع العالم. أيضا تقول الدوحة والكويت والرباط بضرورة عودة جميع اللاجئين والنازحين الى قراهم ومدنهم، مقابل ضمانات أمنية قوية من النظام، لكن لا يبدو النظام قادرا على استقبال ملايين اللاجئين، لأنه يعتبرهم الحاضنة الشعبية لما يسميه الإرهاب.

أما زيارة الرئيس الإيراني إلى دمشق، فيبدو أن هدفها هو استكمال مسار التطبيع بين دمشق وأنقرة، حيث أخفقت محاولة إقناع الرئيس السوري بعقد قمة مع الرئيس التركي في موسكو. ويسعى الرئيس الإيراني للعمل على هذا الملف، لأن إيران وروسيا تأملان بعودة الرئيس أردوغان إلى الحكم بعد الانتخابات المقبلة، بينما الجانب السوري يفضل التعامل مع المعارضة التركية، التي يبدو أنها قدمت له عروضا أفضل للتطبيع مع تركيا. كما أن إيران ترغب في تدعيم مواقفها في هذا الوقت بالذات، حيث هناك انشغال روسي بالحرب في أوكرانيا، ووجود استعداد تركي لترتيب العلاقة مع سوريا، كل ذلك دفع إيران لتعتقد وكأن الوضع في سوريا قد انتهى، لذلك تحدث رئيسي في لقائه مع بشار الأسد عما سماه الانتصار الذي تحقق بفضل محور المقاومة، ودور حزب الله، الذراع الإيراني الأبرز، في صنع ما سماه انتصارا. وكأن لسان حاله يقول، كما كانت لإيران حصة في الوصول إلى هذه النتيجة، يجب أن يكون لها حصة في رسم مستقبل سوريا، وحصة في مسألة إعادة الإعمار فيها. لذلك جاءت الاتفاقيات التي تم توقيعها من قبل الطرفين تشير إلى هذا التوجه، كما أنها رسائل إلى جميع الأطراف في المنطقة، بأن النفوذ الإيراني ليس عسكريا وأمنيا وحسب، بل نفوذ ثقافي وديني واقتصادي وسياسي، وإذا كانت سوريا تبدو على أرض الواقع مُقسّمة إلى مناطق نفوذ، حيث ما زالت تركيا ترفض الانسحاب، وأمريكا موجودة إلى جانب إيران وروسيا، وإسرائيل في الجولان. كل هذا يدفع صانع القرار الإيراني للقول بوضوح للرئيس السوري، بأنهم يريدون الحصة الأكبر في سوريا. وعليه فإن تصور البعض من العرب إنهاء الوجود الإيراني في سوريا، يبدو ضربا من الخيال ويتطلب الانتظار طويلا جدا. فحكايات الحضن العربي والدور العربي والإغراء العربي، كلها ليست فاعله مع سوريا في الوقت الحاضر على الأقل، خاصة أن الديون الإيرانية على سوريا تُقدّر بأكثر من 50 مليار دولار، ولذلك كانت من ضمن اللجان التي شُكّلت بين الطرفين، لجنة حول الديون، كما تم التوقيع في زيارة الرئيس الإيراني على اتفاقية لفتح خط ائتمان إيراني جديد، يُستثمر في قطاع توليد الكهرباء، ليضاف هذا القطاع إلى قطاعات النقل والفوسفات والإسمنت وغيرها، التي استحوذت إيران عليها في سوريا، إضافة إلى ما ذكرته بعض الصحف السورية عن منح إيران، حوالي 5 ملايين هكتار من الأراضي الزراعية السورية. فهل بعد كل هذه الهيمنة الإيرانية وقيود الديون، هنالك من شك بأن الحضن العربي قادر على جذب بشار الأسد أكثر من الحضن الإيراني؟

قد يقول البعض بأن العرب يمكن أن يساهموا في إعادة الإعمار في سوريا، وأن هذا المسار قد يأكل من جرف الدور الإيراني، لكن هل يظن أصحاب هذا الرأي بأن العرب لديهم الأموال اللازمة للقيام بذلك؟ إن كان الحديث يُقصد به المال السعودي، فالرياض أعلنتها واضحة بأنها لن تقدم مساعدات مالية بعد اليوم. فالداخل السعودي أحوج إلى المال، خاصة في مجال تحقيق رؤية 2030. قد تلعب الإمارات دورا في هذا المجال مقابل الحصول على مشاريع كُبرى، يمكن ذلك. لكن من دون غطاء غربي وأمريكي، ومن دون حل سياسي واقعي في سوريا، ومن دون تنفيذ القرار 2254، يبقى الحديث عن الإعمار مُعلّقا حتى إشعار آخر. ولو كان الإعمار ممكنا لقامت به روسيا أو إيران أو الصين أو كلها معا؟ لماذا لم يحصل ذلك حتى الآن؟

كاتب عراقي وأستاذ في العلاقات الدولي

القدس العربي

———————–

السعودية وسيطاً/ محمد جميح

خلال سنوات العقد الماضي اتخذت السياسة الخارجية السعودية منحى أكثر مباشرة في مواجهة تحديات داخلية وإقليمية ودولية، ورأى مراقبون أن الرياض تغادر مربعات تقليدية شُهرت بها في التعاطي مع القضايا المختلفة، لتلتحم مباشرة بشبكة معقدة من الإشكالات والقضايا التي تواجه الإقليم والعالم.

كانت هناك تحديات جسيمة واجهتها الرياض بطرق مختلفة، وإن كان يغلب عليها طابع المواجهة المباشرة في العلاقات الدولية، ضمن سلسلة من الظروف والسياقات التي أثرت في مناحي هذه السياسة وتأثرت بها بشكل أو بآخر، مع إشكالات العقد المنصرم الذي شهد اندلاع ثورات «الربيع العربي» وإفرازاته وما تلاه من حروب أهلية دامية أدت لمقتل وجرح وتشريد الملايين، وكانت لها ارتداداتها الدولية في موجات الهجرة، وتوسع دوائر العنف والتطرف، مع ما رافق ذلك من أحداث ونزاعات واستقطابات حادة بلغت الذروة مع تفجر الحرب الحالية المدمرة في أوكرانيا.

كان اليمن هو الشأن الأهم بالنسبة للرياض خلال السنوات الأخيرة، وهو الساحة التي تأثرت وأثرت – بشكل كبير ـ بمدخلات ومخرجات التعاطي السعودي إقليمياً ودولياً، بعد أن وجدت الرياض نفسها محاطة من جهات عدة بميليشيات طائفية مسلحة تبدو في الظاهر منفلتة، ولكنها في الواقع منضبطة بتعليمات من أنشأها ودربها وقدم لها كل أنواع الدعم لتنفيذ أجندات لا علاقة لها بالطموحات الوطنية للبلدان التي تعمل فيها تلك الميليشيات، قدر ما لها علاقة بأهداف من يملك زمام أمورها في طهران.

ومن اليمن إلى سوريا فالعراق وليبيا ولبنان وإيران والسودان والبيت الخليجي، ثم إلى تركيا والحرب في أوكرانيا والعلاقة مع واشنطن وموسكو والتوجه نحو الصين، وإلى أسعار الطاقة العالمية وملفات العلاقات الأوروبية وواقع وسط آسيا، وقضايا البيئة والقضايا الثقافية المختلفة شهدت السياسة الخارجية السعودية مراحل من التحولات الملحوظة عبر سلسلة من الإجراءات والمواقف التي بدت غير متوقعة لدى البعض وجريئة لدى البعض الآخر ومخيبة لآمال آخرين، غير أنها كانت تكشف سلسلة من المراجعات ضمن كواليس هذه السياسة التي تؤثر وتتأثر بمحيطها الإقليمي والدولي، ناهيك عن المتغيرات الداخلية السعودية على المستويات الاجتماعية والاقتصادية والإدارية والثقافية التي يرى الكثيرون أنها بدورها أثرت في صياغة محددات سياسة الرياض الخارجية المنطلقة في جانب منها من مراعاة التغيرات الداخلية الملحوظة على الساحة الوطنية للمملكة، بأبعادها المختلفة التي يبدو أن الطموحات الاقتصادية والتنموية تأتي في مقدمتها، ضمن ما يعرف بخطة 2020-2030 السعودية الطموحة لتحويل المملكة إلى مركز استقطاب اقتصادي واستثماري إقليمي ودولي لا يعتمد على سوق الطاقة وحسب.

وخلال المراحل المختلفة يمكن الإشارة إلى مجموعة من التكتيكات في هذا السياق تتراوح بين أساليب القوة الخشنة والناعمة التي تبدو متناقضة رغم كونها تصدر عن ذات الأهداف.

في الساحة اليمنية كان هناك تدخل سعودي مباشر في الحرب التي نتجت عن انقلاب الحوثيين على سلطة الرئيس اليمني السابق عبدربه منصور هادي، لأسباب متعددة في مقدمتها شعور الرياض بخطورة تطويقها من قبل الميليشيات الإيرانية، وكان هذا التدخل السعودي أحد تجليات أساليب القوة الخشنة التي يبدو أن الرياض بصدد مراجعتها على مستويات متعددة للعودة إلى مرتكزات قوتها الناعمة التي يبدو أنها ستكون سمة السياسة الخارجية للرياض خلال السنوات المقبلة.

وضمن هذا السياق اتخذت الرياض بعض الخطوات التي بدت مفاجئة، فجاء الاتفاق السعودي الإيراني برعاية صينية كأقوى إشارة إلى تحولات السياسة الخارجية التي يمكن رصد إرهاصاتها الأولى بعد إيقاف معركة الحديدة في اليمن، وهي المعركة التي شارفت فيها قوات التحالف والحكومة على السيطرة على المدينة الاستراتيجية بمينائها الحيوي، قبل أن تتدخل قوى دولية «حليفة» لوقف المعركة لدواعٍ «إنسانية» ظاهرياً، ولأخرى سياسية على علاقة بمصالح دولية كانت تهدف لضمان عدم هزيمة الحوثيين، كي يستمر النزيف اليمني والعربي، الأمر الذي يبدو أن الرياض أدركته حينها، والذي أسهم مع عوامل أخرى في إحداث سلسلة من التحولات، ضمن السياسة السعودية الحالية في المراوحة بين قوتيها الخشنة والناعمة، مع رغبة الرياض في التحول من «طرف حرب» إلى «وسيط سلام» وهو ما تجلى في زيارات السفير السعودي لدى اليمن محمد آل جابر إلى كل من صنعاء وعدن، في محاولات سعودية لإغلاق ملف الحرب في البلاد، ضمن السياسة الجديدة في «تصفير المشاكل» للتفرغ لمقتضيات الخطط الاقتصادية الطموحة للمملكة.

ولم تقتصر «سياسة الوسيط» على الساحة اليمنية، بل يبدو أن الرياض تريد أن تكون ملتقى أطراف مختلفة سياسياً واقتصادياً وثقافياً، حيث يمكن تفسير الموقف السعودي الحالي من أزمات كثيرة على هذا الأساس، فالرياض لم تنحُ منحى «الحليف الأمريكي» في الحرب الروسية الأوكرانية، ولم تعد كما تريد واشنطن فيما يخص ملفات الطاقة الدولية، ولم تحقق ما هو مرجو منها غربياً فيما يخص التقارب مع إسرائيل، وجاء التقارب مع طهران مخيباً لآمال كثيرة، ناهيك عن الانفتاح على الصين الذي لا يبدو أن أطرافاً محددة ترغب فيه، وكأن الرياض تريد أن تقول لحلفائها التقليديين إنكم عندما تخلون بمقتضيات الصداقة فلا يمكن أن تتوقعوا استمرارها على ما كانت عليه، الأمر الذي يعكس رغبة في إثبات ندية مستقلة تتوافق مع متطلبات الداخل أكثر مما هي متطابقة مع مقتضيات الخارج.

واستمراراً لهذا النهج الجديد جرى انفتاح سعودي على النظام السوري أفضى إلى عودة النظام لشغل مقعد سوريا في الجامعة العربية، والاتفاق على تطبيع الأوضاع في البلاد التي أنهكتها الحرب، وانخراط أكبر للعرب في ذلك التطبيع، بما يشمله من عودة المهجرين واللاجئين وإعادة الإعمار والحل السياسي، وهذا مظهر من مظاهر تحولات السياسة الخارجية للرياض من «دور الطرف» إلى «دور الوسيط» وهو ما تأمل المملكة من خلاله أن يمكنها من تفعيل دور عربي في معالجة الجرح السوري، مع عدم إغفال صعوبة تحقيق مثل ذلك الهدف، إذا ما أخذنا في الاعتبار طبيعة القوى الأخرى الفاعلة والتي يمكن أن ترى في دور «الوسيط العربي» مهدداً لمصالحها هنا أو هناك.

يمكن كذلك الاستمرار في رصد أدوار «الوسيط السعودي» كمظهر من مظاهر تحولات سياسة الرياض الخارجية، وذلك في دعوة السعودية لأطراف الصراع في السودان إلى حوار جدة، وعرض المملكة الوساطة للإسهام في التوصل لحل في أوكرانيا، وعدم اليأس من لعب الدور ذاته في لبنان وليبيا، دون إغفال دور الرياض في المصالحة التي أفضت إلى طي صفحة «الأزمة الخليجية» وغير ذلك من المواقف والأفكار التي تطرح هنا وهناك، والتي تشير إلى بداية مرحلة لا يمكن أن نقول إنها جديدة كلياً، أو أنها عودة حرفية لممارسة الدور السعودي التقليدي قبل عهد الملك سلمان بن عبدالعزيز، ولكن يمكن الإشارة إلى أن هذا التوجه الجديد سيكون أقرب إلى الدور السعودي التقليدي برؤية مختلفة تتفق مع تطلعات الرياض إقليمياً ودولياً، مع توفر السعودية على مراكز ثقل دينية واقتصادية وجيوسياسية تمكنها من لعب هذا الدور بشكل فاعل، رغم الصعوبات والعراقيل التي لا بد أن تعترضه، وفقاً لمصالح إقليمية ودولية قد لا يروق لها أن تلعب الرياض مثل هذا الدور الجديد.

كاتب يمني

————————–

عشية انتخابات تركيا.. اجتماع رباعي في موسكو قد يعطي دفعة لأردوغان/ محمود علوش

اجتمع وزراء خارجية كل من تركيا وروسيا وإيران وسوريا في موسكو، الأربعاء، للمرة الأولى، في مسعى لدفع عملية المفاوضات بين أنقرة ودمشق قبيل أربعة أيام فقط من انتخابات حاسمة ستشهدها تركيا، الأحد المقبل، وقد يكون لنتائجها آثار عميقة على السياسة التركية في سوريا.

لم تكن هناك دلائل واضحة على حدوث خرق كبير في مسار المفاوضات بين الجانبين التركي والسوري، لكنّ مُجرد عقد الاجتماع يُعطي مؤشراً على رغبة الطرفين في مواصلة الحوار ورفعه إلى مستويات إضافية أخرى.

نجحت موسكو منذ نهاية العام الماضي باستضافة أربعة اجتماعات مُعلنة بحضور تركي وسوري، اثنان منها كانا على مستوى وزراء الدفاع ورؤساء أجهزة الاستخبارات، وآخر على مستوى نواب وزراء الخارجية للدول الأربع، بالإضافة إلى الاجتماع الأخير على مستوى وزراء الخارجية. لم تؤد الاجتماعات إلى اتفاق بين أنقرة ودمشق لأن بعض القضايا الأساسية المعقدة لا تزال عالقة خصوصاً تلك المرتبطة بمستقبل الوجود العسكري التركي في شمال سوريا.

مع ذلك، فتح اجتماع الأربعاء آفاقا جديدة في مسار الحوار عندما قال وزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد إن “سوريا و تركيا لديهما حدود طويلة وأهداف ومصالح مُشتركة، ونرى أنّه رغم كل سلبيات السنوات الماضية، هناك فرصة سانحة للعمل بشكل مُشترك من قِبل الدولتين بمساعدة ودعم الأصدقاء الروس والإيرانيين لتحقيق هذه الأهداف والمصالح بما يخدم تطلعات الشعبين في البلدين”.

بينما تتمسك دمشق بمطلب الانسحاب القوات التركية من سوريا كشرط لإصلاح العلاقات مع تركيا، تُصر أنقرة على أن انسحابها مرهون بتحقيق ثلاثة أمور رئيسية وهي معالجة هواجسها الأمنية المتمثلة بإبعاد “وحدات حماية الشعب الكردية”، التي تُصنفها منظمة إرهابية وتعتبرها ذراعاً سورياً لحزب “العمال الكردستاني” المحظور، عن حدودها، وتأمين إعادة طوعية وآمنة للاجئين السوريين في تركيا إلى بلادهم، فضلاً عن تحقيق تسوية سياسية شاملة للصراع السوري.

    لا يزال من غير الواضح حجم الفوائد الانتخابية التي يُمكن أن يُحققها أردوغان من خلال التحول الذي أحدثه في الموقف من النظام السوري لكنّه على الأقل قد يُساعده في تقليص حجم الفوائد التي تتطلع إليها المعارضة

يبدو جانب أساسي من الاهتمام الحالي في العواصم الأربع المنخرطة في الآلية الرباعية الجديدة (أنقرة، موسكو، دمشق، وطهران) يتركّز على الانتخابات التركية الأحد والآثار المحتملة لها على مستقبل دور تركيا في سوريا. لذلك، يُنظر على نطاق واسع إلى اجتماع وزراء الخارجية على أنه يُساعد الرئيس رجب طيب أردوغان في تعزيز موقفه الانتخابي من خلال إظهاره للناخب التركي على أنه يعمل بالفعل على إحداث تحول جذري في السياسات التركية في سوريا من أجل معالجة قضية اللاجئين السوريين، التي تستخدمها المعارضة التركية كورقة قوية لاستقطاب الناخب التركي.

لا يزال من غير الواضح حجم الفوائد الانتخابية التي يُمكن أن يُحققها الرئيس التركي من خلال التحول الذي أحدثه في الموقف من النظام السوري، لكنّه على الأقل قد يُساعده في تقليص حجم الفوائد التي تتطلع إليها المعارضة. على عكس النظام السوري، الذي بدا متردداً في السابق في رفع الحوار مع تركيا إلى مستويات سياسية رفيعة لأنّه يعتقد أن مثل هذه الخطوة ستُعزز حظوظ أردوغان الانتخابية وستُضعف فرص منافسه القوي كمال كليجدار أوغلو، فإن موسكو قلقة من أن يؤدي فوز محتمل للمعارضة إلى دفع تركيا لإدارة ظهرها لروسيا وإعادة تعزيز علاقاتها مع الغرب.

لقد منح خطاب كليجدار أوغلو مُبرراً قوياً للقلق الروسي عندما وعد أكثر من مرّة بإعادة التأكيد على الهوية الجيوسياسية لتركيا كجزء من حلف شمال الأطلسي وإعادة تشكيل العلاقات مع موسكو على قاعدة مختلفة عن تلك التي شكّلها الرئيس رجب طيب أردوغان.

يقول المحلل السياسي المختص بالشأن الروسي عماد الطفيلي لـ”القدس العربي” إن “روسيا تفضل إعادة انتخاب أردوغان وتسعى لمصالحة بين أنقرة ودمشق لسحب البساط من تحت أقدام المعارضة التركية التي تستخدم ورقة اللاجئين لإضعاف أردوغان”. ويُضيف الطفيلي في حديث عبر الهاتف من موسكو: “الإشارات الإيجابية من موسكو بشأن الاجتماع (الرباعي) تُشير إلى رغبة روسيا في إظهار أن الدول الأربع تعمل بالفعل على التوصل إلى تسوية للخلافات (التركية السورية).

حتى قبل اجتماع موسكو الجديد، كانت هناك بعض المؤشرات على حدوث تقدم في مسار المفاوضات بين أنقرة ودمشق، إذ كشف وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، الثلاثاء، عن اتفاق على إنشاء مركز تنسيق عسكري في سوريا بمشاركة الدول الأربع. وقال في مقابلة تلفزيونية: “قلنا إننا نحترم سيادة جيراننا في عملنا مع محاورينا السوريين… قيل لنا إننا بحاجة للتخلص من الإرهابيين في الحال. طرحنا ضرورة الوقوف معاً ضدهم، واتفقنا في هذا الإطار على إنشاء مركز تنسيق على الأراضي السورية”. سيكون مركز التنسيق الجديد أول إطار للتعاون الأمني والعسكري تشترك فيه أنقرة ودمشق ويمهد لتعاون أمني تسعى إليه أنقرة مع نظام بشار الأسد وحلفائه الروس والإيرانيين من أجل إنهاء “الإدارة الذاتية” لوحدات حماية الشعب الكردية في شمال شرق سوريا.

اقترح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف وضع خارطة طريق لتطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق، وقال إن “خارطة الطريق المقرر رفعها إلى رؤساء الدول (الأربع) ستتضمن مواقيت زمنية لتنفيذ المبادئ التي سيتم الاتفاق عليها في الاجتماع الرباعي”.

أظهرت أنقرة مراراً أنها لا ترغب ببقاء قواتها في سوريا إلى الأبد وأنها حريصة على وحدة الأراضي السورية، لكنّها تُريد قبل الإقدام على أي انسحاب من سوريا التوصل إلى تفاهم مع دمشق يعالج هواجسها الأمنية على المدى البعيد. وتبدو اتفاقية أضنة المبرمة بين البلدين في عام 1998 أرضية مناسبة لأي اتفاق محتمل. في حين أن هذه الاتفاقية تمنح تركيا حق التدخل العسكري في الأراضي السورية بعمق خمسة كيلومترات لمواجهة أي خطر أمني تُشكله الوحدات الكردية عليها، فإنها تسعى لتطوير هذه الاتفاقية بما يُتيح لها في المستقبل الحق في ملاحقة “الإرهابيين” بعمق ثلاثين كيلومتراً إذا تعرّض أمنها القومي للخطر وفشلت الدولة السورية في التعامل مع هذا الخطر.

في المقابل، يُريد النظام السوري اتخاذ المزيد من الخطوات الملموسة على صعيد التطبيع مع تركيا وفق الصورة التي ستظهر بعد الانتخابات التركية. يقول موقع “تي 24” التركي في تحليل له: “حقيقة أن قضية عودة اللاجئين السوريين، الذين يقترب عددهم من 4 ملايين في تركيا، إلى ديارهم يتم طرحها باستمرار على جدول الأعمال خلال الحملات الانتخابية، من بين التقييمات التي دفعت دمشق إلى التصرف بحذر أكثر تجاه المفاوضات مع أنقرة”. رغبة النظام السوري في أن تؤدي الانتخابات التركية إلى هزيمة أردوغان تنبع بشكل أساسي من اعتقاده بأن المعارضة ستكون أكثر اندفاعة في إصلاح العلاقات مع دمشق وبأنها لا تُبدي أولوية للإبقاء على دعم تركيا لفصائل المعارضة السورية التي لا تزال تُسيطر على أجزاء واسعة من شمال غرب البلاد. بمعزل عن النتائج التي ستُفرزها الانتخابات التركية، فإنه سيكون لها أثر على مستقبل الدور التركي في سوريا. وفي حال تمكن أردوغان من الحفاظ على سلطته أو هزمته المعارضة، فإنه من المرجح أن يشهد الحوار التركي السوري بعد الانتخابات تقدماً أكبر.

القدس العربي

—————————

كلهم بشار وكلهم بن غفير/ عبد الوهاب الأفندي

كان من أبرز الشعارات التي مهّدت للثورات العربية المباركة وواكبتها، شعار “كلّنا خالد سعيد”، الذي أطلقه في يونيو/ حزيران 2010 نشطاء مصريون أبرار، صدَمهم ما فعلته فئة من قوات الأمن المصرية، عندما قتلت في الإسكندرية، وفي وضح النهار، شاباً مصرياً فضح إجرام بعض منتسبيها بنشر فيديو أظهر رجال الشرطة وهم يقتسمون كميّة مخدرات ومبالغ مالية صودرت من مجرمين. ولا بد من التنويه هنا بأن من زوّد الناشط بهذا الفيديو لا بد أنه كان من شرفاء رجال الشرطة، هاله ما رأى، فأكثر رجال الشرطة هم من الشرفاء كما هو الحال في كل قطاعات الشعب، ولكن يأتي زمان يعلو فيه الباطل. اختارت القيادات الأمنية في مصر وقتها الانحياز لمجرميها، فلم تتّخذ قراراً باعتقال من افتضحوا، أو على الأقل إبعادهم، بل سمحت لهم باستخدام موارد الدولة الاستخباراتية لتعقّب الناشط، ثم القبض عليه، وضربه حتى الموت على مرأى ومشهد من العامّة. ثم تسترت عليهم حينما كذبوا ودبّروا فرية أنه مات اختناقاً عندما ابتلع مخدّرات.

وبينما اصطفّت الدولة وإداراتها وقياداتها وحزبها وإعلامها خلف المجرمين، فإن فئة مقدّرة من الناشطين انحازت إلى الضحية، وواصلت مهمته في فضح المجرمين، عبر صفحة في “فيسبوك” أنشئت في يونيو/ حزيران 2010، بعد أيام من مقتله. وكان التجاوب الجماهيري، حيث بلغ متابعوها أكثر من مائة ألف في أقلّ من أسبوع، واستمرّ في التصاعد. وكانت هذه الحادثة، وبعدها التزوير الفج للانتخابات البرلمانية في خريف 2010، ثم تفجّر ثورة الياسمين ونجاحها في تونس في ديسمبر/ كانون الأول 2010، شرارة ثورة 25 يناير. وبالقدر نفسه، كان ثوار تونس ثم سورية وليبيا يقولون بلسان حال كلّ منهم: “كلنا البوعزيزي”، أو “كلنا أطفال درعا”، أو “كلنا أسر ضحايا مجزرة سجن أبوسليم”.

كانت هذه الثورات، إذاً، ثورات النبل العربي، ثورات الشهامة والانحياز للضعفاء ضد إجرام الظلمة، فمن تصدّى للثورة، في أول أمرها، لم يكن الضحايا أنفسهم، بل طائفة مهمّة من المثقفين والمهنيين والطلاب من الطبقة الوسطى. صحيح أن قطاعات واسعة من الجماهير انضمت إلى الثورات في ما بعد، ولكن رأس الحربة فيها وجوهرها كان هذا السموّ الأخلاقي والتجرّد، والاستعداد للتضحية دفاعاً عن العدل والحق. وقد جسّدت هذه الانتفاضات بسالة وشجاعة غير عادية، خصوصاً في سورية وليبيا. فمن خرج إلى الشارع كان يعرف النزعة الإجرامية لأنظمة لا تتورّع عن شيء، وقد رأوا ما كانت قادرة عليه في حماة وتل الزعتر وسجن أبوسليم. ولكنهم لم يتراجعوا قيد أنملة.

في المقابل، مارست الأنظمة الكذب والتضليل، وهو سمة الجبناء. لم تعترف عندها بجرائمها المشهودة، وإن كان التنصّل والكذب إدانة ذاتية، ووعياً بفظاعة ما ارتكبوه. ولو كان ما فعلوه كما زعموا إحقاقاً للعدل أو “دفاعاً عن الدولة” كما يدّعي من يبرّر لهم، لكانوا اعترفوا بشجاعة بفعلهم. ولكنهم شهدوا على أنفسهم.

في مقابل ما قامت به وعليه الثورات، فإن ما شهدته الساحة العربية في الأيام الماضية من احتضانٍ شبه جماعيٍّ من الأنظمة العربية لجزّار سورية بشار الأسد، يمثل النقيض من روح النبل التي سادت في تلك اللحظة العربية الأصيلة المشرقة، فقد بطش النظام السوري بأكثر من نصف مليون من مواطني ذلك البلد المنكوب، وتسبّب في إصابة مليوني شخص، وتشريد أكثر من 13 مليون مواطن. دمّر النظام كذلك غالبية مدن سورية الكبرى، مثل حلب وحمص، واستهدف المستشفيات. وتمثل هذه الأعداد أكثر من ثلثي سكان سورية. ولم يكتف بشّار بالفتك بغالب سكان سورية وتدمير مدنها، بل أطاح استقلالها، حيث إنها أصبحت اليوم مستعمرَة روسية – إيرانية، وكلتاهما تعامل بشّار باحتقار يستحقّه.

فما الذي يا ترى يدفع الزعماء العرب إلى التدافع باتجاه حاكم هذا حصادُه، بعد أن خلصنا وخلصهم الله من بقية العصبة (زين العابدين بن علي وعلي عبد الله صالح ومعمر القذافي)، كأنما هو المنقذ للنظام العربي المتهالك من الهوّة التي سقط فيها. ولعل المفارقة أن معظم الأنظمة التي هرولت باتجاه طاغية سورية بشار الأسد هي نفسها التي تسابقت في الهرولة تجاه إسرائيل، وتقبيل يد نتنياهو، والانحناء أمام بن غفير؟ ألم يصموا آذاننا بصراخهم عن تمدّد إيران وتوسّع نفوذها؟ وهل كانت مصادفة أن قرار إعادة سورية إلى الجامعة العربية تزامن مع وصول الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى دمشق في أول زيارة لرئيس إيراني لسورية منذ تفجّر الثورة السورية؟ وهل كانت مصادفة أن القرار جاء بعد تقارب بين دول من الخليج العربي مع إيران، تمثل بإعادة العلاقات السعودية الإيرانية، و”تطبيع” إماراتي مع طهران؟

فكيف تصادف أن الدول التي تقود التطبيع مع سورية هي نفسها التي تولت كبر التطبيع مع إسرائيل؟ وقد كان تبرير التطبيع مع إسرائيل هو التحالف معها ضد إيران، والتصدّي لخطرها. ولهذا السبب، احتضنت الدول العربية الأهم أكثر نظام عنصري متطرّف في تاريخ إسرائيل والمنطقة، فقادة الحكومة الإسرائيلية، وفي مقدمتهم المتطرّف الديني إيتمار بن غفير، هو مزيج بين خليفة دولة داعش أبو بكر البغدادي ورئيس فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني. ولماذا يندمج محور المقاومة في محور التطبيع بهذه السلاسة المدهشة؟

لقد حيّرنا القوم بالفعل. هم يزعمون أنهم يحاربون التطرّف الديني، ولكنهم يحتفلون بالتطرّف الديني في إيران والكيان الصهيوني. ويزعمون إنهم يتصدّون لنفوذ إيران، ويتذرّعون بذلك في هرولتهم تجاه إسرائيل، ولكنهم يثبتون انتصار إيران الأكبر في سورية، كما فعلوا عند خضوعهم لها في العراق واليمن ولبنان. ويدّعون أنهم يمثلون العروبة، ولكنهم يقدّمون كل ما استطاعوا (وزيادة) من الدعم لمن يجتهدون في التهام ما بقي من فلسطين، ويعتدون يومياً على المقدسات. إننا لا بد أن نحمد لزعمائنا الكرام هذه المعجزة الكبيرة، التي دمجت “محور المقاومة” في الكيان الصهيوني، وبالغت في محبّة الطرفين، وهو إنجاز لا يخلو من عبقرية.

ولن نستغرب، إذا شرّدت إسرائيل قريباً مزيداً من الفلسطينيين من قطاع غزّة والضفة الغربية، كما شرّد بشار السوريين والفلسطينيين معاً، أن نسمع من هؤلاء أن الحقّ على الفلسطينيين الذين فرّطوا في أرضهم. هذا في وقت يتهمون فيه الفلسطيني الذي يدافع عن أرضه بالتطرّف، ويبتهجون لبطش إسرائيل به.

أقل ما يمكن أن يقال في ما نشهده، هو غوص عربي في مستنقعٍ يبتعد عن المسلّمات الأخلاقية الأبسط. ففي وقت ترفض فيه حتى الولايات المتحدة وأوروبا إعادة الاعتبار للأسد الذي تمادى في إجرامه، ولم تظهر منه أدنى توبة عن الجرائم التي ارتكب في حق شعبه، وفي وقتٍ تعبّر فيه الدول عن التضامن مع ضحايا الأسد العرب، نجد أن طائفة أكبر من اللازم من الزعماء العرب تهرول باتجاه زعيمٍ من هذا الصنف. ولعلها مفارقة أن أوروبا والغرب فتحا أبوابهما للاجئين السوريين، فيما لم تستقبل البلدان العربية بكاملها عشر ما استقبلته أوروبا من المُبعدين. وبالطبع، نسبة أقل ممن استقبلتهم تركيا، فهل يكون الأباعد أكثر تعاطفاً مع ضحايا الظلم العرب من الزعماء العرب؟

وقد يكون هذا ما يوحّد المهرولين تجاه بشّار، وفي الوقت نفسه تجاه نتنياهو وبن غفير، والآن تجاه إبراهيم رئيسي: عدم وضع اعتبار لكرامة العرب وحقوقهم وحياتهم، مقابل أولوياتٍ أخرى، أهمها السلطة. ويكشف هذا البحث عن السند السياسي من الخارج عند جهاتٍ مفلسةٍ أخلاقياً، مثل إسرائيل نتنياهو وبن غفير، وسورية الأسد الممزّقة والمحتلة، عن مستوى كبير من اليأس، وكفر بالشعوب، وأنها لن تقبل بهم راضية. وهكذا يقول قائلهم: كلّنا بشار، قاتل شعبه، وكل بن غفير، محتقر العرب.

المشكلة التي تواجه القيادات العربية أن هذه الهرولة باتجاه كل كفّار أثيم لن تجدي شيئاً، فمشكلة الأنظمة العربية أنها تدمّر مصادر القوة الذاتية عندها، فهي تطلب العزّة عند دول قد تكون إجرامية، ولكنها تعزّز مصادر قوتها الذاتية. إيران وإسرائيل عزّزتا قدراتهما العسكرية وبنتا اقتصاديهما، واحتضنتا من شعوبهما المتطرّف والمعتدل. أما الدول المهرولة تجاه كل سراب، فهي تدمّر قدراتها الذاتية، وتقهر شعوبها بدلاً من أن تبني قدراتها. وفي اليمن مثلاً، حاربت الإسلاميين المعتدلين الذين كانوا سندها، في وقتٍ دعمت فيه إيران المتطرّفين. ولهذا هزم معسكر الاعتدال في اليمين، لأن دول التحالف كانت تصرف وقتاً أكبر في ضرب حلفائها وقمع شعوبها… نحن في انتظار النصر المبين الذي سيحقّقه بشّار لهذه الدول، فهو فارسهم وقائدهم وهاديهم وزعيمهم. فلعله يتوسّط لهم عند رئيسي وبوتين؟

بعيد انقلاب عمر البشير في السودان، كتبت في نهاية أغسطس/ آب 1989 أعلق على الخيارات المتاحة أمام النظام الجديد في ظل تجارب الانقلابات العربية التي انتهت كلها بكوارث أقول: “الأنظمة دائماً أمام خيارين: التذلّل للخارج، واسمه العمالة، والتذلّل للشعب واسمه الديمقراطية.” ونضيف هنا أن خيارات العمالة كانت دائماً كارثة على من تبنّاها.

العربي الجديد

———————————

السلطوية الظافرة/ حيدر سعيد

ما أكتبه، هنا، ينطلق من رؤيتي بوصفي مثقفًا، ولا علاقة له بالمنطق الذي يتبنّاه السياسيون، الذي قد أفهمه، ولكنني لا أشكّل مواقفي وتفضيلاتي انطلاقًا منه.

لم أكن مع قرار تعليق عضوية سورية في جامعة الدول العربية في العام 2011. لماذا؟ لأن هذه الرابطة السياسية (بغض النظر عن موقفنا منها وتقييمنا لفاعليّتها من عدمها) ليست رابطةً حقوقية، ولا رابطة شعوب، بل هي رابطة دول، أو أنظمة، في حال أننا نرادف بين الدولة والنظام.

وسورية، التي عُلّقت عضويتها، بسبب ما ارتكب نظامُها من جرائم إبّان ثورة الشعب السوري عليه في 2011، لا تختلف عن بلدانٍ عربية أخرى، عرفت أنظمةً قد لا تقل وحشية عن نظام الأسد، وجزء غير قليل من الأنظمة التي اتخذت قرار تعليق عضوية سورية ليس نظيف اليد من دماء شعبه، هذا فضلًا عن أن تاريخ الجامعة هو، بمعنى ما، تاريخ سلطويات دموية. هل أذكّر بصدّام حسين، ومعمّر القذافي، وعلي عبد الله صالح، وعمر البشير، والحسن الثاني، وحسني مبارك؟ ولم تُعلِّق في يوم ما عضوية أي منهم في الجامعة، بل حتى حين غزا صدّام الكويت في العام 1990، لم تعلق عضوية العراق، وكان صدّام قد نفض يديه للتوّ من أكبر مذبحة ارتُكبت بحق مواطنيه من العراقيين الكرد: الأنفال.

الحالة الوحيدة التي عُلقت فيها عضوية دولة عربية هي حالة مصر في 1979، حين وقّع أنور السادات معاهدة سلام مع إسرائيل. ولم يكن الأمر حقوقيًا حينئذ، بل خيانة لموقف مبدئي تتبنّاه الدول العربية. وحتى في هذه الحالة، لم يكن الأمر يخلو من صراع قوى بين بلدان الجامعة، فالعراق الذي قاد حملة مقاطعة مصر هو الذي أعادها إلى الجامعة العربية، سنواتٍ قليلة بعد توقيعها المعاهدة، وأعاد مقرّ الجامعة إلى القاهرة، غير عابئ بأنه بات على مقربة من أول سفارة إسرائيلية في عاصمة عربية. ولم يعد أحد إلى مثل هذه المقاطعة، وقد تكاثرت “خيانة الموقف المبدئي السالف”، الذي يبدو أنه خضع لإعادة تصور.

وكذلك الأمر في حالة تعليق عضوية سورية في 2011. لم يكن الأمر يخلو من صراع قوى داخل الجامعة. ولذلك، لا أجدني متفقًا مع إمكانية المحاججة بأن هذا القرار إنما يشكل منعطفًا وتحولًا في تاريخ الجامعة العربية وفي منطقها ورؤيتها، بإدخال البعد الحقوقي فيها، انسجامًا مع أجواء الثورات العربية لعام 2011 وتزايد الفاعلية الحقوقية في البلدان العربية، فضلًا عن التحوّلات العالمية الكبيرة، فالتحوّل يقتضي نوعًا من التراكم، في حين كان هذا القرار (إذا أردنا أن نفهمه بوصفه تحولًا حقوقيًا) بيضةَ الديك.

ما أريد أن أخلص إليه أن قرار تعليق عضوية سورية في جامعة الدول العربية لم يكن ينسجم مع المنطق الذي قامت عليه هذه المنظمة وتاريخها.

ومع ذلك كله، أجد قرار إعادة سورية إلى الجامعة أسوأ من قرار تعليق عضويتها، لا فقط لأنه ينقُض بالكامل أي ملمح حقوقي في القرار السابق، ولا فقط لأنه يمثل استمرارًا وانسجامًا مع منطق “جامعة السلطويات”، بل لأنه يمثل “اعترافًا” بالنهج السلطوي وترويجًا له: أنه لن يعترف بك أحد إلا حين تبطش، وتقتل، وتهجّر، وتنسف بلدك، وتحوّله إلى معتقل كبير. لن يصفّق لك أحد إلا حين تكون يداك ملطختين بالدماء، وتكون قد وضعت مسدّسك للتوّ في غمده، بعد أن قتلت، وقتلت، وقتلت (ألن يكون هذا مشهد الأسد، حين يلقي كلمة سورية، في أقرب قمة عربية، ويصفق له الزعماء العرب؟ سيصفقّون على ماذا، إذن، إن لم يكن على طريق الدم الذي أعاد الأسد إلى جامعة الدول العربية؟).

ولا بأس، فثمة “نخب” عربية ستروّج لذلك، باسم الوحدة الترابية، ووحدة الدولة، ومقاومة إسرائيل. ولكن، ألا يمكن أن يكون ذلك جزءًا من منطق “واقع الحال de facto”؟: أن الثورة فشلت في تغيير النظام، والجميع مضطرّ إلى التعامل مع هذا النظام نفسه، وقد كان قرار عودة سورية مرفقًا (ولا أقول مشروطًا) بما يبدو أنه “برنامج” لمعالجة الأزمة السورية. قد يكون ذلك ممكنًا، ولكن “واقع الحال” هذا يأتي في إهاب “اعتراف” بجرائم المنتصر، إن لم أقل في إهاب رؤية بأن النظام السياسي العربي ينبغي أن يكون كذلك.

ما الحل إذن؟ أظن أن هذا السؤال سياسي، يفكّر بالإجراءات والترتيبات وخطوات العمل، وأنا لا أبني مواقفي وتفضيلاتي استنادًا إلى المنطق الذي يتبنّاه السياسيون

العربي الجديد

———————————

ماذا وراء التطبيع مع نظام الأسد؟/ علي أنوزلا

مغالطة كبيرة يجري تسويقها للرأي العام، يروّجها المتحمسون لعودة نظام بشار الأسد إلى جامعة الدول العربية. الأمر لا يتعلق بتاتا بعودة سورية وشعبها إلى جامعة الدول العربية، فسورية وشعبها ما كان لهما أبدا أن يغادرا هذه الجامعة، ومن اتخذ قرار طردهما أو اعتقد أن القرار الذي اتخذته الجامعة قبل 12 سنة كان يستهدفهما فهو مخطئ، تماما كمن يعتقد اليوم أن ما يحصل اليوم تصحيح لخطأ سابق إنما يرتكب خطأ مزدوجا، لأن قرار الطرد، وهكذا سُميّ، آنذاك، لم يكن يستهدف سورية البلد والشعب، وإنما كان موجّها ضد النظام السوري بقيادة بشار الأسد. أما القطيعة الدبلوماسية مع الشعب السوري التي تلت قرار جامعة الدول العربية واستمرّت طوال العقد الماضي، فتلك كانت خطأ فادحا، وربما جريمة أخرى في حق الشعب السوري، لأنه ما كان على الدول العربية التخلّي عن الشعب السوري. وحتى تكون الأمور واضحة والمواقف مسجلة، لا مكان لنظام مجرم قاتل في جامعة يفترض فيها أنها تمثل شعوب المنطقة التي تتحدّث باسمها، وما يتم ترويجه اليوم باعتباره انتصارا لهذا النظام الذي قتل نصف مليون شخص وشرّد نصف سكان سورية هو أكبر إهانة للتضحيات الجسيمة التي قدّمها الشعب السوري وخيانة عظمى لدماء شهدائه وخذلان لكل الأصوات التي خرجت تطالب بالحرية والديمقراطية في بلدٍ حوّلته أسرة الأسد إلى جمهورية وراثية يحكمها نظام قمعي بالحديد والنار.

وزراء خارجية الدول العربية الذين اجتمعوا أخيراً في القاهرة، وقرّروا بالإجماع أن قرار طرد هذا النظام من جامعتهم لم يعد مبرّرا، يتعاملون باحتقار كبير مع ذكاء الشعوب العربية عندما يتجاهلون في تصريحاتهم الجرائم الفظيعة التي ارتكبها نظام دمشق في حقّ شعبه عن عمد على مدى السنوات الماضية، بما في ذلك البراميل المتفجّرة التي كان يلقيها جيشُه على المدنيين العزّل، والأسلحة الكيميائية، التي لم يُحاكم بعد من كان وراء استعمالها، والقمع الوحشي الذي ما زال يمارسه النظام نفسه ضد مواطنيه. التطبيع مع نظام يعدّ مسؤولاً عن معاناة إنسانية لا توصَف، وعن حرب أهلية قتل فيها ما لا يقل عن نصف مليون شخص أغلبهم من المدنيين، هو مشاركة لهذا النظام في جرائمه، من دون أن يُنسى أن أغلب الأنظمة العربية تتقاسم معه جزءا من هذه المسؤولية، ليس بعد قرارها التطبيع معه وتبييض جرائمه، وإنما بسبب تواطؤها أو صمتها أو مشاركتها المباشرة في تلك الحرب الأهلية المجنونة من خلال الدعم المباشر بالمال والسلاح للمعارضات المسلحة التي كانت تقاتل باسم الدين، أو بإرسال المقاتلين المؤدلجين لتقتيل أبناء الشعب السوري. ومن المفارقات المأساوية أن بشّار الأسد الذي طُرد من جامعة الدول العربية بسبب جرائم تقتيله آلافاً من أبناء شعبه وتشريده الملايين منهم، يعود إليها على جثث الآلاف من ضحايا الزلزال الذي ضرب بلاده مستغلا التعاطف الإنساني، وخصوصا في المنطقة العربية، مع محنة الشعب السوري المنكوب، لتسريع الاتجاهات التي كانت واضحة بالفعل عند بعض الأنظمة العربية الساعية إلى تطبيع علاقاتها مع نظامه.

لا تعني العودة إلى جامعة عربية ميّتة، شيئاً أصلاً، لأنّ وجودها مثل عدمه لا يغيّر أي شيء، لا أثر لفعلها طوال العشرية الماضية على أرض الواقع، ولم يسجّل لها أن أتت بفعل أو مبادرة واحدة تُحسب لها في كل الحروب المشتعلة في المنطقة من ليبيا إلى اليمن مرورا بسورية والعراق من دون الحديث عن فلسطين التي أصبحت نسيا منسيا في أضابير هذه الجامعة التي تحوّلت مجرد قوقعة فارغة لموظفين لا أحد يعرف ما يقومون به. وتطبيع الأنظمة المنضوية تحتها مع نظام مثل نظام بشّار الأسد يسيء إليها ويُفقدها ما تبقى لها من مصداقية، إن بقي لها فعلاً شيءٌ يمكن أن تصدق القول أو الفعل فيه لدى الشعوب العربية. ويكفي أن نرى اليوم ما هي الأنظمة المتحمسة إلى عودة هذا النظام المارق إلى صفوف هذا المركب الغارق، لتتّضح الصورة.

وبعيداً عن القراءات التي تحاول أن تفسّر ما يجرى بأنه جزء من تحوّل كبير داخل منطقة الشرق الأوسط يعيد بناء الاصطفافات الجديدة في المنطقة بناء على تراجع دور الولايات المتحدة فيها والوجود المتعاظم للدور الصيني داخلها، فإن ما يجري هو تبييض مرفوض لنظام مجرم قتل شعبه وشرّده، وفقد كل شرعية سياسية وأخلاقية وقانونية تسمح له بتمثيل ضحاياه في أكبر مجمع عربي. وأكثر من ذلك، ما يجري هو إعادة ترميم بناء النظام العربي القديم الذي يحاول تضميد جراحه وتبييض سجلاته من الجرائم التي ارتكبها، طوال العشرية الماضية، في حق الشعوب التي يدّعي تمثيلها. وسوف تكون صورة بشّار الأسد، إذا حضر القمّة العربية المرتقبة في السعودية، يجلس على الطاولة نفسها التي يتحلق حولها ملوك الأنظمة العربية وأمراؤها ورؤساؤها أكبر عنوان على انتصار النظام العربي القديم، نظام أنظمة القمع والاستبداد، وإعلان رسمي عن إغلاق آخر قوس للموجة الأولى من “الربيع العربي”، على وقع شبه انتصار للثورات المضادّة، في انتظار الموجات القادمة من الثورات الديمقراطية، لأن الشعوب العربية لم تقل كلمتها الأخيرة بعد، ولأن حتمية التاريخ لا تصنعها الأنظمة المنهزمة، وإنما الشعوب التي ترفض التطبيع مع كل أشكال القمع والاستبداد وتنتصر للحرية والديمقراطية.

العربي الجديد

————————-

عودة النظام السوري إلى النظام العربي وبالعكس/ سميرة المسالمة

بداية يمكن التحفظ على هذا العنوان، لسبب بسيط، مفاده في الإجابة عن سؤال من الذي عاد إلى من؟ الواقع أن النظام السوري لم يطلب هذه العودة، ولم يعمل لأجلها، ولم يتحرّك من مكانه، أو لم، ولن، يقدّم شيئا مما تأمله التصريحات العربية منه، بمعنى أن النظام العربي، عبر منظمته جامعة الدول العربية، هي التي عادت إليه، أو هي التي طبّعت معه. ويمكن القول هي التي اكتشفت خطأ قرارها تجاهه بتجميد عضويته في نوفمبر/ تشرين الثاني 2011، على أساس مراعاتها حقوق الشعب السوري، التي على ما يبدو لم تعد تعنيها. على ذلك ليس ثمّة مفاجأة في ما حصل، إذ هذا هو الوضع الطبيعي لتحالف، أو توافق، الأنظمة مع بعضها، بغض النظر عن علاقاتها مع مجتمعاتها.

ما حصل خطوة مقابلة ومعاكسة لخطواتٍ تتخذها الدول المعنية بحقوق الإنسان، وحريات مواطنيها، كما حدث في وحدة الموقف الأوروبي لمناصرة الشعب الأوكراني ضد الغزو الروسي أراضيه. ورغم أن التحالف العربي في جامعته لا يمكن مقارنته على كل المستويات مع الاتحاد الأوروبي في قدراته وفاعليته، وأدواره في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتشريعية، سواء قبل 2011 أو بعدها، إلا أن رمزية المقاطعة التي لا تنتج فعلا حقيقياً كان يمكن أن تقدّم فقط صورة إعلامية عن تضامن مؤسّسة عربية مع حق الشعوب العربية في التحرّر من استبداد أنظمتها وقمعها.

القطيعة أو العودة عنها بتساويهما هي فضيحة للنظام العربي، بكل معنى الكلمة، إذ إن تلك القطيعة لم تقدّم للسوريين شيئا، والتراجع عنها لن يؤثر في ميزان القوى شيئا، ثم إن النظام العربي هو ذاته الذي اتهم النظام بما فعله في سورية، وأخذ قراره بتعليق عضويته، على أساس أخلاقي، فأين ذهب ذلك كله؟ وبمعنى آخر، فإن هذه “العودة” هي بمثابة كشف حسابٍ سياسيٍّ وأخلاقي للنظام العربي أمام مواطنيه، إذ، وبغض النظر عما حصل من قطيعةٍ جاءت ردّة فعل على قتل النظام السوري بداية الثورة مئات من السوريين السلميين، ورفضه تنفيذ المبادرة العربية، فهل هذه العودة هي مكافأة لنظام شرّد ملايين من شعبه، وقتل وغيّب مئات الألوف من مواطنيه، وهل هذه رسالة الجامعة إلى العالم، عن النظام العربي، وحقيقة علاقته بحقوق المواطنين العرب.

لم يتغير شيء من النظام، أو لن يقدّم شيئا، لمن يبرّر التطبيع معه، هذا لن يحصل مع إصرار النظام على التموضع الإقليمي كحليف لإيران في المنطقة، وهذه نقطة حسّاسة، ولها مدلولاتها السياسية والأمنية والاجتماعية، على الصعيد الداخلي في سورية، وعلى الصعيد الإقليمي ـ العربي، كما على الصعيد الدولي.

على الصعيد الداخلي، سيجد النظام السوري في مراجعة النظام العربي سياساته إزاءه فرصة لتشديد قبضته على السوريين، بما فيه تعزيز سياساته لإيجاد ما يسمّيها سورية المتجانسة، الأمر الذي يعني الاستمرار بسياسته الحالية والسابقة من الاعتقالات إلى تغيير المعالم الديمغرافية في سورية. وعلى الصعيد العربي وما يتعلق بملف الكبتاغون، أيضا، وهو مصدر قلق أطرافٍ عديدة في النظام العربي، لا يبدو أن النظام سيعمل أي شيءٍ للتخفذف منه، أو لتخفيف مخاوف الدول العربية من تبعاته الخطيرة. وعلى الصعيد الإقليمي، سيبقى النظام السوري كجسر بين إيران ولبنان، في سياساته لتعزيز هيمنة ايران عليه، من خلال مليشياته الطائفية المتمثلة بحزب الله، ما يعني الحفاظ على ما تسمّى “وحدة الساحات” من طهران إلى لبنان عبر سورية والعراق (بالإضافة إلى اليمن وغزّة).

في هذا الإطار، ستبىقى مشكلة اللاجئين السوريين مفتوحة، ففي الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية الراهنة، ثمّة صعوباتٌ عديدةٌ تحول دون تمكين اللاجئين السوريين من العودة إلى بلدهم وممتلكاتهم، والنظام لا يبدو مستعدّا للتسهيل في هذا الأمر، وكل ما يريده في هذا الأمر العودة إلى حلب الدول العربية النفطية لاستجلاب الأموال منها، وهي سياسةٌ نجح النظام السوري فيها منذ عقود.

فوق كل ما تقدّم، هذا التحول، أو العود، الطبيعي، من النظام العربي، والذي راجع فيه سياسة غير طبيعية له (القطيعة) انتهجها سابقا، إزاء النظام، ستُحدث له توترا إضافيا مع النظام الدولي، في حال لم يكن في هذه المراجعة حاصل حقيقي لتنفيذ قرار مجلس الأمن 2254، بكل تفاصيله، لتتمكن سورية من النهوض سياسياً واقتصاديا، والأهم لتستعيد قدرتها على لمّ شمل السوريين في وطنهم. إضافة إلى ذلك كله، تبقى المسألة الأساسية معلقة، أيضا، وهي استلاب السيادة السورية، لصالح روسيا وإيران من جهة، ومخترقة من دول أخرى، وتسرح جيوشها في الأراضي السورية من إيران إلى روسيا والولايات المتحدة إلى تركيا (إضافة إلى إسرائيل).

ليست المسألة هنا عودة النظام السوري إلى حظيرة الأنظمة العربية، أو عودة الدول العربية إلى النظام، فهذا تحصيل حاصل لحال الانفصام بين النظام العربي والشعوب العربية، ولحال التوافق بين الأنظمة العربية، بمعنى أن ما حصل لن يقدّم ولن يؤخّر شيئا، في أحوال سورية والسوريين، وبالنسبة لمكانة سورية عربيا، أو مكانة النظام العربي دوليا، فأنظمتنا في أسفل قائمة الدول، من كل النواحي. وعليه، يمكن القول إن عودة الأمور إلى طبيعتها بين الأنظمة ربما أسلم للشعب السوري، وللمجتمعات العربية، لأن اختلافات هذه الأنظمة من الطابع السطحي والشخصي، بينما التوافق هو الحقيقي والعميق، وهذا ما تؤكّده الحالة السورية.

العربي الجديد

—————————

المعارضة وعودة سورية إلى الجامعة العربية/ مالك ونوس

ربما تكون الصورة التي جمعت نائبة وزير الخارجية الأميركية، باربارا ليف، مع الوفد المشترك الذي جمع رئيسي وأعضاء وفدي الائتلاف الوطني لقوى الثورة وهيئة التفاوض لقوى الثورة والمعارضة السورية في واشنطن، نهاية الشهر الماضي (أبريل/ نيسان الماضي) خير دليل على الحال الذي وصلت إليه المعارضة السورية نتيجة مشكلاتها البنيوية، إضافة إلى المعضلة التي وقعت فيها بعد موجة الانفتاح العربي على النّظام، وتبنّي وزراء خارجية بعض الدول العربية قرار عودة سورية لشغل مقعدها في جامعة الدول العربية. وإذ جاءت الصورة بعد لقاء لم يحصل بين الوفد وليف، بل حصل مع مساعدها للشؤون السورية، على الرغم من أنه كان مقرّراً ضمن بروتوكول الزيارة، فإن هذا الأمر يطرح مدى الوهن الذي باتت تعانيه هذه المعارضة، لأنها لم تستطع مراكمة عوامل قوة، يحميها من هزال الطرح، ما يعطي انطباعاً سلبياً عما تمثله، أتمثل ذاتها أعضاء، أم تمثل شعباً انعزلت عنه فازدادت درجة نخبويّتها حتى باتت هنالك هوّة سحيقة بين ما يدور في عقلها وفي أروقة مكاتبها وبين واقعه ومشكلاته؟

ليس هنالك أكثر من الساسة الأميركيين دقّةً في تقدير المواقف وتصنيف الهيئات الاعتبارية والشخصيات الفردية اعتماداً على ما يستند عليه هؤلاء من قدراتٍ معنويةٍ ومادية. لذلك، عرفت باربارا ليف أن وقتها لا يسمح لها بإعادة سماع سردياتٍ قديمة قدّمتها المعارضة السورية يوم فرضت نفسها على الساحة بحكم الأمر الواقع، وبحكم توافق الفرقاء الإقليميين والدوليين عليها، ولم تفرض نفسها بفعل التمثيل الذي تستند عليه أو الشرعية الشعبية التي اكتسبتها. ويبدو أن هذه الجزئية غابت عن ذهن المعارضة، ربما لسوء تقديرٍ لما بين يديها من عوامل قوة عليها إنضاجها وتفعيلها، وربما بسبب نخبويّتها العالية التي منعتها من النظر إلى فئات الشعب السوري باعتبارهم مكمن أي قوة ومصدر أي شرعيةٍ لمن يطرح نفسه ممثلاً لهم بحكم صحة التمثيل وليس بحكم الأمر الواقع.

أحد أسباب مشكلات المعارضة ممارستها السياسة بأدوات النظام الذي عارضته، والذي طرحت نفسها بديلاً عنه، من دون أن تقدّم البديل المتكامل والجاذب. ومن هنا، استمرّت هذه المعارضة بالتعامل مع أبناء الشعب السوري بوصفها وصية عليه، وقد فاتها، في هذا السياق، أن هذا الشعب امتلك وعياً مغايراً للوعي الذي كان عليه قبل سنة 2011، كما أنه امتلك إرادةً تمكّنه من الرؤية المغايرة. وبعد 12 سنة على الحراك السوري، وبعد تراكم ممارساتها السلطوية الخاطئة، اتّضح أن هذه المعارضة تبنّت مبدأ الأبدية والتأبيد الذي تنتهجه الأنظمة في منطقتنا العربية، وغيرها من المناطق. لذلك لم تدرك أنه إذا كان عدم تغيير الوجوه والخطاب من العوارض المَرضية لدى الأنظمة، فإنه بالنسبة لها مصدر المقتل الذي يتربّص بها. وإذ كانت الأنظمة قادرةً على التغلب على هذه العوارض المرضية أو تخطّيها بفضل أدوات الحكم التي تمتلكها، فالمعارضة ستعاني كثيراً بسببها، وستُصاب بالشلل قبل الموت السريري الذي تعتقد أنها محصّنة ضده.

وبحكم المصادفة، وربما لسوء حظ هذه المعارضة، أو ربما بسبب تقصيرها الذي انعكس أهوالاً على من يُفتَرض أنه جمهورها، جاءت آخر التحدّيات التي برزت أمامها وأظهرت سوء إدارتها الملفات التي يجب أن تكون من أولوياتها لكي تحصل على الشرعية الشعبية، التحدّي المتمثل بتفجُّر مشكلة اللاجئين السوريين في لبنان قبل شهر. وظهر أن هذه المعارضة، إضافة إلى إهمالها قضية اللاجئين في دول الجوار السوري، لم تبنِ صلاتٍ مع القوى اللبنانية التي تتقاطع معها في معارضة النظام أو حزب الله، فتبيّن أنها لا تمون على أيٍّ من هذه القوى، لكي تطلب منها الخروج بصوتٍ عقلانيٍّ يخفّف من أثر موجة الكراهية والعنصرية والطائفية التي تجتاح لبنان، وتصبّ نيرانها على رؤوس هؤلاء اللاجئين.

أما ثقلها فقد ظهرت قيمته الفعلية بعد موجة الانفتاح العربي على النظام، والتي بدأت، وفي خطّتها التطبيع الكامل معه في آخر المطاف، بعد تنفيذه المطالب التي تضعها الدول التي تتحاور معه على طاولته، والتي تقول إنها تتوافق والحل السياسي وفق قرار مجلس الأمن 2254. أما مكانة هذه المعارضة ومكانها وسط هذا الحراك فيمكن البتّ به بعدما تأكد أن هذه الدول لم تستشرها في أمر انفتاحها عليه، أو حتى تستمع لنداءاتها في وقف موجة التطبيع، فما بالك في القرار الذي اتخذه وزراء الخارجية العرب، في الاجتماع الاستثنائي الذي عقده مجلس جامعة الدول العربية في القاهرة، في 7 مايو/ أيار الجاري، ووافقوا بموجبه على عودة سورية المشروطة إلى شغل مقعدها في الجامعة؟ وقد لا يقتصر القرار على العودة إلى شغل الموقع، بل قد يكون هذا القرار تمهيداً لرفع العقوبات السياسية والاقتصادية التي فرضتها الدول العربية عليها، حين علقت عضويتها في الجامعة سنة 2011.

بتّ القرار في مسألة عودة سورية، لأن قرارات من هذا النوع تتخذ وفق مبدأ التوافق، لا التصويت الذي يمكن أن يصطدم بمعارضة بعض الأعضاء. ومن الواضح أن مبادرة وزراء الخارجية العرب التي أطلق عليها “خطوة مقابل خطوة” لإنهاء الأزمة في سورية، والتي تنسجم مع القرار 2254، كما قالوا، تمضي بسرعة. وبغض النظر عن الخطوات التي طلبها العرب من النظام في اجتماع عمّان التشاوري الذي عقد قبل أيام، إلا أن العرب ظهروا وكأنهم يسابقون الإيرانيين إلى النظام الذي بدا شديد التوافق مع الإيرانيين خلال زيارة الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، دمشق قبل أيام.

وفي هذا السياق، أفضل ما يمكن أن تقدمه المعارضة السورية وأقطابها ورموزها هو أن تستقيل وأن تبحث عن نخبة جديدة تقطع مع الخطاب الذي خرجت به النخبة التي ظهرت بعد 2011، وتمسك بيدها حتى تتمكّن من السير على المسار الذي يؤدي إلى الحل، عبر الإصغاء لآلام السوريين ورؤية مشكلاتهم الحقيقية، فإن المستجدّات ستساهم في تراجعها وفي فقدانها الشرعية الشعبية بين جمهورها. فهل تفعل المعارضة ذلك؟ يبدو هذا الأمر صعب التحقّق بعد الصورة التي جمعت أقطابها مع باربارا ليف، والتي يبدو أنهم قطعوا المحيط الأطلسي لالتقاطها، وتعليقها على حيطانهم، لا أكثر.

العربي الجديد

——————————

اجتماع موسكو الرباعي:خريطة طريق لتعزيز العلاقات التركية مع النظام

قال البيان الختامي لاجتماع موسكو الرباعي إن وزراء خارجية روسيا وتركيا وإيران والنظام السوري، اتفقوا على تكليف نوابهم بإعداد خريطة طريق لتعزيز العلاقات بين تركيا والنظام.

البيان الختامي

واستضافت موسكو الأربعاء، اجتماعاً دبلوماسياً للوزراء الأربعة، ضمن مسار تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق، حيث التقى وزيرا خارجية تركيا والنظام وأجريا مصافحة هي الأولى الرسمية بينهما منذ قطع العلاقات بين البلدين قبل 11 عاماً.

وقال البيان إن الوزراء “ناقشوا بشكل موضوعي وصريح” قضايا إعادة العلاقات التركية مع النظام السوري في مختلف المجالات، مضيفاً أنهم اتفقوا على تكليف نوابهم بإعداد خريطة طريق للنهوض بالعلاقات بين أنقرة ودمشق، وذلك بالتنسيق مع عمل وزارات الدفاع والاستخبارات للدول الأربع.

وتابع أن الطرفين اتفقا على مواصلة الاتصالات رفيعة المستوى والمفاوضات الفنية في شكل رباعي في الفترة المقبلة، مشيراً إلى أن الوزراء الأربعة “أكدوا التزامهم” بسيادة سوريا وسلامتها الإقليمية، ومحاربة الإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره.

ولفت إلى أن المجتمعين “أكدوا” على المطالبة بزيادة المساعدات الدولية لسوريا بما في ذلك من أجل العودة الطوعية والآمنة والكريمة للسوريين إلى وطنهم وإعادة الإعمار بعد الصراع.

تطبيع العلاقات

وخلال كلمته الافتتاحية للاجتماع، أعرب وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف عن أمله بأن يمهد الاجتماع إلى خريطة طريق لتطبيع العلاقات بين تركيا والنظام. وقال إن دور موسكو لا يقتصر على “تعزيز التقدم الذي تم إحرازه سياسياً”، وإنما أيضاً في “تحديد المبادئ التوجيهية العامة لمزيد من التحرك”.

واتهم لافروف، الولايات المتحدة الأميركية بالعمل على تشكيل جيش بمشاركة تنظيم “الدولة” بهدف “زعزعة استقرار الوضع في البلاد، موضحاً أن هناك معلومات بأن واشنطن بدأت بإنشاء “جيش سوريا الحرة” في محيط مدينة الرقة شمال شرق سوريا بمشاركة من العشائر المحلية ومسلحين من “داعش” ومنظمات أخرى، على حد زعمه.

وزعم الوزير الروسي أن مهمة هذا الجيش، هي “استخدام هؤلاء المسلحين ضد السلطات الشرعية في سوريا لزعزعة استقرار الأوضاع في البلاد”.

انسحاب تركيا

من جهته، طالب وزير خارجية النظام فيصل المقداد خلال كلمته بانسحاب القوات التركية من سوريا، قائلاً إن هدف نظامه هو إنهاء الوجود “غير الشرعي” للقوات الأجنبية بما في ذلك الجيش التركي.

واعتبر المقداد أنه من دون التقدم بانسحاب القوات التركية ” سنبقى نراوح في مكاننا ولن نصل إلى أي نتائج حقيقية، مؤكداً: “سنبقى نعمل ونطالب ونصرّ على موضوع الانسحاب”.

وقال وزير النظام أن مسار أستانة “حقق نتاج إيجابية وحل بعض القضايا، بينما تعثر في أخرى”، مضيفاً: “لكننا الآن بصدد صيغة جديدة مختلفة نأمل بأن تكون أكثر ديناميكية في التعامل مع مختلف القضايا التي تهمنا”.

وذكر المقداد أن تركيا وسوريا، تجمعهما أهداف ومصالح وحدود مشتركة، معتبراً أنه رغم كل السلبيات في السنوات الماضية، إلا أن هناك “فرصة سانحة للعمل بشكل مُشترك من قِبل الدولتين بمساعدة ودعم الأصدقاء الروس والإيرانيين لتحقيق هذه الأهداف والمصالح”.

عودة اللاجئين

من جانبه، ذكر وزير الخارجية التركية مولود تشاووش أوغلو في تغريدة، أن اجتماع موسكو “أكد ضرورة التعاون في مكافحة الإرهاب، وتوفير البنية التحتية لعودة اللاجئين، ودفع العملية السياسية ووحدة أراضي سوريا”.

من جهته، قال وزير الخارجية الإيرانية حسين أمير عبد اللهيان في كلمته، إن الاجتماع سيكون “رسالة قوية لضمان السلام والأمن المستدامين في المنطقة وتعزيز علاقات حسن الجوار بين تركيا وسوريا”، مضيفاً أن “تعزيز مسار أستانة قدر الإمكان لتحقيق السلام في سوريا والمنطقة هو مهمة ثقيلة على عاتقنا هذه الأيام”.

وأعرب عبد اللهيان عن ترحيب بلاده بالمفاوضات بين تركيا والنظام السوري، معتبراً أنها “ستعود بالنفع على الجانبين والمنطقة”.

——————————

الأسد ليس حصيناً.. وحزب الله يعزز معادلة السلاح والسلطة/ منير الربيع

تثبت التجارب التاريخية أن لكل زمن دولة ورجال. وان الرجال أدوار، ينتهون بانتهاء أدوارهم. لا تزال حتى الآن هذه القاعدة غير قائمة على النظام السوري، والذي تعايش مع حقب مختلفة وتحولات متعددة، منذ انقلاب حافظ الأسد (“الحركة التصحيحية”)، إلى اتفاقه مع هنري كيسنجر (وكانت مصر حينها هي قائدة محور العروبة والصراع مع اسرائيل)، للدخول إلى لبنان والتموضع فيه، ربطاً بالتموضع الإسرائيلي بما كان يعرف باتفاقية الخط الأحمر. وتحول دور النظام السوري ما بعد اتفاقية كامب ديفيد. فأراد الأسد الانتقال إلى موقع ريادة الصراع مع اسرائيل والتحالف مع السوفييت، بعدما ذهبت القاهرة إلى السلام مع اسرائيل والتحالف مع الولايات المتحدة الأميركية.

تغيرات وتحول استراتيجي

في خضم ادعاء النظام ريادته للقضية الفلسطينية والعمل المقاوم، وسعيه المستمر للقبض على القرار الفلسطيني، من خلال الصراع المفتوح مع منظمة التحرير ورئيسها ياسر عرفات، نجح بتوجيه ضربات قاصمة لها، لم تنجح بها اسرائيل. فتحول الدور والزمن، وبقي النظام على حاله. استمر التحول إلى ما بعد حرب الخليج الثانية وعودة الأسد إلى الأميركيين على وقع سقوط الاتحاد السوفياتي، وهو ما عززه بدخوله مفاوضات مدريد للسلام، فنال مجدداً الجائزة الأميركية في لبنان، الذي استمر وصياً عليه حتى العام 2005. بعد مرحلة 11 أيلول، واجتياح العراق، اضطر للانسحاب من لبنان، فانخرط أكثر في المحور الإيراني، حتى محاولات السعودية بقيادة الملك عبد الله بن عبد العزيز لم تنجح في استعادته من الحضن الإيراني، وصولاً إلى اندلاع الثورة السورية. ليتحول الأسد إلى حاجة لقوى متعددة، وليس فقط لإيران وروسيا.

حالياً، تدخل المنطقة إلى منعطف جديد، وسط المسار القائم بفعل الاتفاق السعودي الإيراني. ملامح هذا المسار تؤكد أن أولوية السلاح لم تعد هي الأساس، فيما الاتفاق السعودي الإيراني، يفترض أن يزيل كل مقومات المعركة التي قامت سابقاً، وكانت تتغذى بالصراع السني الشيعي. ما يعني أن الاتجاه الإيراني للتقارب مع السعودية هو تحول استراتيجي، تحتاج جدية مقاربته لتغيير في الشكل وفي آلية العمل. طبعاً، يحتاج ذلك إلى مسار طويل. وبالتالي، مسار التغيير هذا يفترض أن يطرح تساؤلات كثيرة حول المعادلات التي يتم تركيبها على صعيد المنطقة، ربطاً بدور الولايات المتحدة الأميركية، الصين، روسيا، وأين موقع السعودية وإيران من كل هذه الأدوار. ثمة خطوط وخرائط سياسية وإستراتيجية قد رسمت، ولا بد من متابعة ملامحها وآلية رسمها، لقراءة كيفية توزع النفوذ الإقليمي والدولي فيها.

الحل السوري والكلفة اللبنانية

بالنظر إلى الإصرار السعودي الإيراني على هذا الاتفاق وتطبيقه وتطويره، لا بد من أن تنجم عنه متغيرات متعددة، ولكن أدوات ترجمة انتصار كل طرف لا تزال غير متوفرة حتى الآن. وهو ما سيظهر بالتحديد في سوريا، التي يفتقد الجميع فيها إلى تصور واضح لما سيكون عليه التغيّر، وفق هذه المرحلة الجديدة التي تمر بها المنطقة، لا سيما بما يتعلق مثلاً بكيفية استيعاب المعارضة، أو استعياب عودة اللاجئين. وبالتالي، فإن أي حلول جدية في سوريا لا يمكن للنظام أن يتماهى معها، لأن الوظيفة التي اضطلع بها مختلفة جداً عن مقتضيات المرحلة الحالية. ثانياً، لا يمكن إدارة الظهر أبداً للواقع السنّي في سوريا، وهو ما يفترض إقامة التوازن، علماً أن النظام لا يمكنه القبول بأي شكل من أشكال التوازن. وبالتالي، لا يمكن الحديث في ظل وجوده عن حل فعلي أو جذري للازمة السورية.

أما بالإنتقال إلى لبنان، فإن كلفة التدخل فيه تبقى أعلى بالنسبة إلى الجميع من أي مردود يمكن أن يوفره. ولذلك، كل طرف يسعى إلى رمي كرة النار هذه على الطرف الآخر. وهو ما تعبر عنه مواقف كل القوى في إلقاء مسؤولية البحث عن حل للأزمة اللبنانية على المسؤولين اللبنانيين، وبعدم وضع فيتو على أي طرف وعدم دعم أي إسم. هذا يعني رفضاً للاستدراج إلى التفاصيل، كي لا يتحمل أي طرف الكلفة القائمة، وتفشل فيما بعد كل المحاولات.

المقاومة والسلطة

لدى حزب الله، لا بد أن يكون هناك تواؤم بين مشروعه للمقاومة ومشروع البقاء في السلطة. وبناء عليه، سيكون هناك حرص أساسي في الحفاظ على كل المعادلات الثابتة، حدودياً وداخلياً. وهو بذلك سيكون حاجة وضرورة للجميع. موقف نعيم قاسم الأخير يوضح بين سطوره الكثير من المؤشرات في هذا الصدد. إذ في معرض تنديده بالاعتداءات الإسرائيلية على غزة واغتيال مسؤولين في الجهاد الإسلامي، ومباركته للعمل المقاوم والعمليات العسكرية ضد العدو الإسرائيلي، عرّج على الملف اللبناني معلناً تمسكه بسليمان فرنجية وعدم التخلي عنه، ومتحدثاً عن تحقيقه تقدم كبير على حساب الآخرين غير القادرين على الاتفاق على أي مرشح. في مثل هذا الموقف يمكن استنتاج المواءمة ما بين “المقاومة” والحاجة للبقاء بالسلطة والتقرير فيها.

يعني ذلك أن استحضار الحاجة للسلاح سيبقى قائماً، وهو ما يتبدى من خلال نقطة أساسية تتعلق بزيارة وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، إلى الجنوب اللبناني والمواقف التي أطلقها من هناك. بالإضافة لإعادة التذكير في مسألة وحدة الجبهات، ولو بالمعنى الإعلاني وليس بالمعنى الفعلي، بغض النظر عن مسألة إطلاق الصواريخ من جنوب لبنان قبل شهر باتجاه الأراضي المحتلة، والتي بقيت في الإطار المرسوم والتذكيري لبقاء معادلة السلاح ووحدة الجبهات. في هذا السياق، جاء الإعتداء الإسرائيلي الجديد على قطاع غزة واستهداف قادة الجهاد الإسلامي، وسط رسائل إسرائيلية واضحة عبر قنوات متعددة إلى حركة حماس وحزب الله بضرورة عدم الانخراط في هذا الصراع، وعدم تطبيق مبدأ وحدة الجبهات.

بحسب ما نقل من معلومات عن هذه الاتصالات، فإن حزب الله أبدى استعداده لتجنيب الجبهة اللبنانية أي تصعيد في هذه المرحلة، أو أي رد إنطلاقاً منها. ولكن في مقابل المحافظة على المعادلة العسكرية المرفوعة، أي ضربة مقابل ضربة، أو أن اي اعتداء سيطاله أو يطال الإيرانيين فإن الردود يمكن أن تنطلق من أي جبهة من هذه الجبهات. هذه القاعدة لا يمكن فصلها عن قاعدة التفاوض السياسي المستمر في سبيل إعادة تكوين السلطة في لبنان، لأن السلاح سيكون خياراً في مواجهة أي محاولة للتقويض، أو رافعاً لمعادلة فرض القوة والوجود والتأثير. ليكون الحزب في حالة مواكبة سياسية للتطورات، من دون التخلي عن مسألة السلاح، ولتبقى الموازنة ما بين الخيارين خاضعة لما تقتضيه الحاجة والمصلحة.

المدني

—————————————-

“الاستقرار”.. لا التغيير ولا الديموقراطية/ يوسف بزي

أسوأ كلمتين في الجغرافيا السياسية الممتدة من أفغانستان إلى سائر شمال إفريقيا، مروراً بإيران والمشرق العربي وشبه الجزيرة العربية، هما: التغيير والديموقراطية.

الملايين التي حملت هاتين العبارتين عوقبت بقسوة فائقة وبعنف فظائعي أغلب الأحيان. وتسببت هاتان العبارتان بتوسع أسطوري للمقابر والسجون في آن معاً، كما بواحدة من أضخم الهجرات الجماعية في التاريخ الحديث.

الكلمتان المخيفتان والمحتقرتان في الوقت نفسه، هما كابوس الأنظمة السياسية الحاكمة بلا استثناء في كل دول الشرق الأوسط الكبير. فالمحرك الأول للسياسة ومساراتها في هذه المنطقة هو العمل على حذف الكلمتين المشؤومتين.

في المقابل، هناك الكلمة السحرية والعزيزة على قلوب أسياد هذه الدول: “الاستقرار”. هذه الكلمة تختصر العقيدة السياسية المتبعة التي تمنح شرعية الحكم والسلطة. كما أنها الأساس في ترتيب العلاقات وإداراتها بين تلك الدول، بوصفها مصلحة مشتركة.

وليس “الاستقرار” على معنى الأمان والطمأنينة، حقاً بديهياً. بل هو هبة يمنحها الحاكم أو يحجبها. أمر مناط به وحده. وغالباً ما يُطرح “الاستقرار” كنقيض أو ثمن لا يطاق مقابل أي مطالبة بالتغيير أو بتداول السلطة أو بالحريات أو بالمشاركة والديموقراطية. وكما أنه ورقة ابتزاز داخلية، يكون في كثير من الأحيان ورقة ابتزاز أو هدفاً تخريبياً في العلاقات البينية للدول المعنية.

بالنظر إلى 12 عاماً المنصرمة، بما فيها من ثورات ومن ثم انقلابات عليها وحروب أهلية، ومعارك إقليمية -معلنة وخفية- عادت كلمة “استقرار” (مهما كان الثمن) لتكون الحجر الأساس في تثبيت الأنظمة القائمة وفي ترتيب التفاهمات فيما بينها.

وعلى الأرجح، فإن روسيا والصين، كدولتين تعتنقان العقيدة نفسها في تقديس الاستقرار واحتقار التغيير والديموقراطية، لعبا دوراً مؤثراً في هذا المسارالذي سيؤدي إلى طيّ آخر الفصول المقلقة المبتدئة منذ 12 عاماً في ساحات العواصم العربية، وقبلها وبعدها في ساحات العاصمة طهران والمدن الإيرانية.

وعليه، يبدو أن الاتفاق السعودي الإيراني مبني بأكمله على تلك الكلمة السحرية: الاستقرار. وعلى الأرجح، فإن الشعوب المنهكة والمدماة والمفقّرة، والجموع المهزومة والمجتمعات المحطمة، باتت لا تطمح إلا لهذه “الهبة”، وقد خسرت أي قدرة على الاعتراض.

هذا الاتفاق الذي يعد بإنقاذ المنطقة من الحروب والفوضى والاضطرابات، يقوم على صيانة وتحصين الأنظمة السياسية القائمة، وتدبير التوازن وتقاسم النفوذ وفق تفاهمات محددة، أصلها وفصلها ديمومة كل نظام قائم. وفي حالات أخرى، التواطؤ لاستعادة نظام ساقط على نحو أو آخر: السودان أو ليبيا مثلاً.

بهذا المعنى، يعود الأسد إلى “الحضن العربي” من دون مغادرة الخندق الإيراني، وبثمن زهيد. وسيستقر العراق ربما أكثر من أي وقت مضى. وسيبدأ اليمن رحلة الشفاء والتعافي، وتطمئن البحرين على أمنها، والسعودية على حدودها، والأردن على أمانه وديمومته، وسترتاح مصر حين يستتب للعسكر الليبي والسوداني الإمساك بالسلطة بلا منغصات “مدنية” أو “نقابية” أو “إسلامية” وما شاكل، وسينام قيس السعيد في قصر قرطاج ملء جفونه هانئاً.. إلخ. والأهم، سيتجدد شباب النظام الإيراني على نحو مدهش، وقد بات شريكاً مقبولاً أو حتى مرغوباً في كل شاردة وواردة بين الخليج والمشرق.. ولتضرب واشنطن رأسها بالجدار.

وهنا في لبنان، لن تكون رئاسة الجمهورية ولا الحكومة المقبلة ولا تركيبة السلطة ومحاصصاتها سوى مرآة أمينة لهذه الصورة الجديدة التي تتوطد في المنطقة.

الحالمون عليهم الاستيقاظ من نومهم.

المدني

——————————

مرعي الرمثان: راعي الماشية والكبتاغون/ كارمن كريم

صعد اسم الرمثان خلال السنوات الأخيرة كحجر أساس في تهريب المخدرات من سوريا إلى الأردن، وكميسّر لعمليات التهريب عبر البادية السورية من خلال شباب من بينهم قصّر يحملون المخدرات في حقائب على ظهورهم ويجتازون بها الحدود.

من راعٍ للماشية في الجنوب السوري إلى مسؤول عن واحدة من أهم شبكات تهريب المخدرات في المنطقة، وعلى رأسها الكبتاغون، المطلوب الأول للأردن في سوريا، مرعي الرمثان، من عشائر البدو في مدينة السويداء السورية (46 سنة)، والملقب بأبو حمزة، ينحدر من قرية الشعاب الصغيرة التي تبعد من الحدود الأردنية نحو 20 كلم، وهو ما جعلها نقطة مثالية لتهريب المخدرات. يقطن القرية حوالى 3000 شخص، غالبيتهم من عشيرة الرمثان التي تنتشر على جانبي الحدود السورية الأردنية.

قُتل الرمثان يوم 8 آيار / مايو في غارة جوية استهدفت منزله، في قرية الشعاب أقصى جنوب شرقي مدينة السويداء السورية، أما المأساة فتكمن في مقتل زوجته وأطفاله الستة في الغارة أيضاً. جاءت الغارة بعد تهديدات أردنية على لسان وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، قال فيها: “نحن لا نأخذ تهديدات تهريب المخدرات باستخفاف، وإذا كنا لا نرى تدابير فعالة لكبح جماح هذا التهديد، سنفعل ما يلزم لمواجهة هذا التهديد بما في ذلك القيام بعمل عسكري داخل سوريا”، وهو ما يعزز فرضية أن الاستهداف تولاه الطيران الحربي الأردني، الذي لم يصدر أي تصريح بهذا الشأن حتى اللحظة.

يُعرف الكبتغون بـ”فينيثيلين” وهو حبوب تعمل على تنشيط الجهاز العصبي، عبارة عن أمفيتامين معزز يحدث تأثيرت نفسية أقوى وأسرع بكثير من الأمفيتامين وحده. وقد أصبحت سوريا دولة مخدرات بسبب تصديرها نوعين رئيسين، هما الحشيش والكبتاغون، لذا كان ملف تجارة المخدرات، واحداً من أهم الملفات التي طُرحت في الاجتماع التشاوري لحل الأزمة السورية الذي عقدته الأردن الأسبوع الماضي، بحضور عراقي وسعودي ومصري، بحسب بيان الإجتماع فإن سوريا ستتعاون مع الأردن والعراق في تشكيل فريقي عمل سياسيين وأمنيين مشتركين منفصلين خلال شهر، لتحديد مصادر إنتاج المخدرات في سوريا وتهريبها، والجهات التي تنظم وتدير وتنفذ عمليات تهريب عبر الحدود مع الأردن والعراق، واتخاذ الخطوات اللازمة لإنهاء عمليات التهريب!

يمكن تفسير قتل الرمثان كبادرة لهذا الاتفاق أو ما سمّاه الجانب الأردني باتفاق “الخطوة مقابل الخطوة”، على رغم حضور الرمثان كاسم بارز في تهريب الكبتاغون، إلا أنه يبقى رقماً في مافيا نظام الأسد لتجارة المخدرات، بخاصة أن سوريا أصبحت مع الوقت أكثر تصنيعاً وتكيفاً وتطوراً في صناعة المخدرات من أي وقت مضى، بحسب تقرير لمركز التحليل والبحوث العملياتية.

يقضّ ملف الكبتاغون السوري مهجع دول الجوار والخليج، وتشكل هذه الصناعة واحدة من أهم مكاسب النظام الاقتصادية وما زالت التنازلات التي سيقدمها النظام بشأن صناعةٍ تدر عليه ملايين الدولارات غامضة، إذ وصلت قيمة شحنات المخدرات إلى 5.7 مليار دولار عام 2021 بحسب بعض التقديرات، فهل ستكون وعود الأسد بمواجهة تجارة المخدرات حقيقية أم أنها مجرد تغييرٍ في خطط وطرق التهريب، ليتنازل عن جزء من الأرباح مقابل الحصول على مكان بين الأشقاء العرب! التضارب بين حقيقة أن نظام الأسد هو الراعي لصناعة الكبتاغون، وبين وعوده في كبح جماح هذه الصناعة وتهريبها، يضع المتابع في حيرة من أمره، كيف يمكن أن يتعامل النظام مع ذلك؟ وهل التصدي لهذه التجارة سيكون جزئياً، من خلال التضحية بالأسماء الصغيرة كما حصل مع أبو حمزة؟

تعود سعة انتشار انتاج الكبتاغون في سوريا، إضافة إلى إشراف الدولة على صناعته، إلى سهولة صنعه، إذ يتطلب تصنيع الدواء القليل من المعدات ومعرفة كيميائية بدائية فقط، كما أن صغر حجم الحبة والقدرة على إخفائها في أي مكان سهّل عمليات التهريب. وتنتشر صناعة المخدرات في كل الأراضي السورية لا سيما في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، وهناك ثلاث وجهات رئيسية للكبتاغون السوري: شمال أفريقيا وشبه الجزيرة العربية وأوروبا. يبلغ سعر الحبة في سوريا بين 50 سنتاً إلى دولار واحد وهناك سوق جيد لها أيضاً داخل البلاد، وبحسب “مركز جسور للدراسات” تضم سوريا 14 معملاً لإنتاج حبوب الكبتاغون، و13 مركزاً لإنتاج “الكريستال ميث” المخدر، و23 معملاً ومزرعة لإنتاج حشيش الكيف (القنب الهندي).

صعد اسم الرمثان خلال السنوات الأخيرة كحجر أساس في تهريب المخدرات من سوريا إلى الأردن، وكميسّر لعمليات التهريب عبر البادية السورية من خلال شباب من بينهم قصّر يحملون المخدرات في حقائب على ظهورهم ويجتازون بها الحدود. كان الرمثان يجند، عبر شبكة منتشرة في محافظة السويداء ودرعا، شباباً لتهريب المخدرات، معظمهم من أبناء العشائر كما علم “درج” من مصدر مقرب من إحدى العشائر.

وبحسب موقع “السويداء 24” المحلي، يمتلك أبو حمزة علاقات مباشرة مع شعبة المخابرات العسكرية التي تسهل عمله كما تربطه شراكة وثيقة بتاجر المخدرات اللبناني الشهير نوح زعيتر، ومن خلال السيطرة على منطقة جغرافية محددة يدير من خلالها عمليات التهريب، امتلك الرمثان بطبيعة الحال ثروة كبيرة من بينها عقارات ومطاعم في دمشق وماشية وإبل.

الغارة التي استهدفت أبو حمزة تشرّع نوعاً جديداً من انتهاك الأجواء السورية، وهي غارات على أهداف مرتبطة بتجارة المخدرات، وهكذا، وإضافة إلى الغارات الإسرائيلية التي تستهدف شحنات أسلحة ومواقع إيرانية في سوريا، بات اليوم هناك نوع جديد من هذه الغارات المرتبط بتجارة المخدرات.

الدور الذي لعبه الرمثان يبقى صغيراً أمام شبكة المخدرات الكبرى التي يديرها أفراد من عائلة الأسد، هو الذي اعتبر أن وسائل الإعلام تضخم دوره، فقال لشبكة “السويداء 24”: “لا أنفي وجود تهريب مخدرات، لكن الإعلام يعمل على تضخيم دوري وكأنني أسامة بن بلادن”، لكن أهمية مقتله تكمن في كونها إشارة إلى بداية لتغيير في تعاطي الأردن مع ملف المخدرات السوري، تغييرٌ يمكن وصفه بالعنيف، إذ لم يكترث القصف لوجود العائلة والأطفال، مقابل إرسال رسالة قاسية إلى النظام وأذرعه، إذ لم ينج من الغارة الجوية على منزل الرمثان سوى طفلة وحيدة، أصيبت بجروح بالغة وتقبع في العناية المشددة بالمستشفى الوطني في السويداء، وابنته الكبيرة المتزوجة.

الضربة  الجويّة رسالة شديدة القسوة، إذ قالت مصادر محلية أنها سببت إرباكاً كبيراً للمتهمين بتجارة المخدرات في البادية والريف الجنوبي، مشيرة إلى أن الكثير من مهربي المخدرات البارزين، اختفوا عن الأنظار بعد الضربة.

“هناك تهريب مخدرات في مناطقنا، لكن كل شيء يتهمونني فيه، أنا شخص لدي الكثير من الأموال ولست بحاجة للعمل”، هذا ما قاله مرعي الرمثان يوماً، لكنه لم يعلم أنه سيكون بيدق الاتفاقات الجديدة، وربما سيتبعه كثيرون مقابل تعويم نظام الأسد وعودته إلى الواجهة العربية.

درج

———————————-

لا خسارة من عودة سوريا… ولا ربح أيضا!/ خيرالله خيرالله

لا خسارة من عودة سوريا إلى احتلال مقعدها في جامعة الدول العربيّة ولا ربح من ذلك أيضا. لا تقدّم الخطوة التي يسعى النظام إلى استغلالها داخليا، لرفع معنويات المحيطين به، ولا تؤخّر.

لا توجد إضافة يستطيع النظام السوري تقديمها في إطار عمل جامعة الدول العربيّة التي يبقى نشاطها محدودا في ظلّ ما تشهده المنطقة والعالم من تطورات لا تستطيع الجامعة التأثير فيها. كلّ ما يستطيع النظام السوري عمله هو التعبير عن وجهة نظر “الجمهوريّة الإسلاميّة” ومواقفها في الاجتماعات التي تعقدها مجالس الجامعة على مختلف المستويات.

ليس في إمكان النظام السوري تقديم أكثر مما عنده على الصعيد العربي وفي الداخل السوري. يتمثّل ما عنده في تحويل الملفّ السوري إلى جزء مهمّ من الملفّ العربي – الإيراني. هذه حال صحيّة تعكس حقيقة الواقع الإقليمي لا أكثر من جهة، وتضع المجتمع الدولي أمام مسؤوليات رفض دائما تحملها من جهة أخرى. رفض المجتمع الدولي، في مقدّمه الولايات المتّحدة، ذلك منذ اندلاع الثورة السوريّة التي تحولت إلى حرب يشنها النظام على شعبه، بدعم إيراني مكشوف. استطاعت إيران، في مرحلة شهدت تراجعا لها وللنظام أمام مقاومة الشعب السوري للظلم، اللجوء إلى روسيا التي ساهمت بدورها، في خريف 2015، في عملية لا هدف لها سوى إبقاء الشعب السوري رهينة لدى نظام قمعي لا يؤمن سوى بإلغاء الآخر.

كان الارتباط بـ”الجمهوريّة الإسلاميّة” سمة النظام السوري منذ نجاح “الثورة” في إيران وقلب نظام الشاه في العام 1979. بقي هناك هامش ضيّق كان يستخدمه حافظ الأسد بذكاء ويتحرّك في إطاره، عربيّا، من منطلق معرفة مدى الحاجة الإيرانيّة إلى سوريا. في هذا المجال، لا يمكن تجاهل أنّ المجموعة الأولى من “الحرس الثوري” الإيراني دخلت إلى الأراضي اللبنانية واستقرت في ثكنة للجيش اللبناني في بعلبك صيف العام 1982 بحجة التصدي للاجتياح الإسرائيلي للبنان وقتذاك.

صارت العلاقة بين طهران ودمشق أكثر عمقا بعدما خلف بشّار الأسد والده وتغوّل “الجمهوريّة الإسلاميّة” في سوريا على مراحل عدة بدءا من اليوم الأوّل لبداية العهد الجديد في العام 2000… وصولا إلى الزيارة الأخيرة التي قام بها لدمشق الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي. جاء رئيسي إلى عاصمة الأمويين ليتأكّد من أنّه صار لـ”الجمهورية الإسلاميّة” وجود ثابت، في كلّ المجالات على الأرض السورية.

أتاحت زيارة رئيسي فرصة ليتحدث بشّار الأسد عن نظرته للعلاقة مع إيران وطبيعتها. هناك شريط قصير تحدث فيه رئيس النظام السوري مرحبا بالرئيس الإيراني. يكشف الشريط مدى الفخر الذي يشعر به بشّار بسبب دعم النظام في سوريا لإيران في حربها مع العراق بين العامين 1980 و1988. ظهر الرجل يقول بالصوت والصورة “العلاقة بين بلدينا بنيت على الوفاء. عندما شُنّت حرب ظالمة على إيران بين 1980 و1988، لم تتردد سوريا في الوقوف إلى جانب إيران رغم التهديدات والمغريات”.

انتقل بشّار بعد ذلك إلى الربط بين الدعم السوري لإيران في حربها مع العراق وبين دعم “الجمهوريّة الإسلاميّة” للنظام في حربه على شعبه ابتداء من آذار – مارس من العام 2011.

هل كانت حرب السنوات الثماني بين العراق وإيران بالفعل حربا “ظالمة” كما يقول بشّار متوددا إلى الرئيس الإيراني. يمكن الدخول في نقاش لا نهاية له في هذا المجال الذي كشف جهل الرئيس العراقي (وقتذاك) صدّام حسين بالسياسة والتوازنات الإقليميّة والدوليّة. أعلن صدّام بدء حرب كان مفترضا به تفاديها بدل الدخول في لعبة استفاد منها النظام الإيراني الجديد الذي كان طموح مؤسسه (آية الله الخميني) إثارة الروح الوطنية الفارسيّة من جهة وإبعاد الجيش إلى جبهات القتال من جهة أخرى.

لكنّ الأهمّ من ذلك كلّه أن الحرب العراقيّة – الإيرانيّة كانت حربا عربيّة – فارسية. وقف النظام السوري مع الفرس في وقت كان الخليج كلّه مهددا من إيران التي رفعت شعار “تصدير الثورة”. كانت إيران وراء افتعال تلك الحرب التي استهدفت العراق بصفة كونه دولة عربيّة، ذات أكثريّة شيعيّة، تمتلك القدرة على التصدي لمحاولات ابتلاعها وابتلاع دول الخليج العربي معها دولة بعد أخرى.

لم يكن المطروح يوما هل الحرب “ظالمة” أم لا. كلّ ما في الأمر أن صدّام حسين، الريفي الهاجم على المدينة، لم يكن يعرف شيئا عن الدهاء السياسي وعن تفوّق حافظ الأسد والإيرانيين عليه في هذا الحقل. الأكيد أنّ النظام السوري قدّم كلّ ما يستطيع كي تستمرّ الحرب العراقيّة – الإيرانية. بلغ به الأمر أن جاء لإيران، من عند معمّر القذافي، بصواريخ قصفت بغداد ومدنا عراقيّة أخرى.

لا تلغي عودة النظام إلى شغل المقعد السوري في مجلس جامعة الدول العربيّة سؤالين محرجين، أوّلهما ما العمل بالاحتلالات الخمسة الجاثمة على أرض هذا البلد؟ هل يستطيع النظام الاعتراف بأنّه محميّ من الاحتلالين الإيراني والروسي؟ الجواب أنّه لا يستطيع ذلك على الرغم من تراجع الدور الروسي بسبب سقوط فلاديمير بوتين في الوحول الأوكرانيّة. أمّا السؤال الثاني فيتعلّق بإعادة إعمار سوريا. من سيعيد إعمار البلد الذي يحتاج إلى عشرات المليارات من الدولارات؟ تقول أرقام لدى الأمم المتحدة أن سوريا تحتاج إلى 120 مليار دولار لإعادة إعمار ما هدمته الحرب. هناك منظمات دولية مختصة تقدر مجمل خسائر سوريا من الحرب بـ300 مليار دولار.

لا وجود لمن هو مستعد لإعادة الإعمار في ظلّ الاحتلال الإيراني، وهو احتلال يستخدم سوريا كورقة، تماما مثلما يستخدم لبنان والعراق وشمال اليمن الذي يحكمه الحوثيون.

عاجلا أم آجلا ستأتي مرحلة يتبيّن فيها كم كانت عودة النظام السوري إلى جامعة الدول العربيّة حدثا هامشيا لا أكثر، مقارنة بالتحديات التي يفرضها المشروع التوسّعي الإيراني على الجميع!

إعلامي لبناني

العرب

————————-

الرسائل السياسية لزيارة رئيسي إلى دمشق/ العقيد عبد الجبار عكيدي

أنهى رئيس إيران إبراهيم رئيسي زيارته إلى دمشق وسط صخبٍ إعلامي كبير سواء من جانب طهران أو من جانب نظام الأسد، وكل طرف منهما يسعى إلى استثمار تلك الزيارة في الوجهة التي يريد، وربما مجيء الزيارة في ظرف إقليمي شهد تحوّلا نوعياً في علاقات الدول العربية مع نظام الأسد، قد أتاح المزيد من الاستثمارات الإعلامية لعلاقة سلطات دمشق بالنظام الإيراني.

ولئن كان بشار الأسد أراد التأكيد بأن استقباله لرئيسي في دمشق جاء تعزيزاً لانتصاراته التي أنجزها على الشعب السوري، كما جاء تتويجاً لانتصاره الإقليمي المتمثل بعودة العديد من الدول العربية إلى احتضانه، وبالتالي هو يريد التأكيد وإظهار مزيد من التحدي للدول العربية التي كانت تراهن على ابتعاده عن إيران، بأن علاقته العضوية مع نظام الملالي عابرة لكل التحديات والمراهنات، وأن عضوية تلك العلاقة هي أقوى من علاقاته مع العرب أنفسهم، بل ربما صح الذهاب إلى أن تعزيز العلاقة مع طهران بات سلاحاً فعّالاً لابتزاز الدول العربية التي طالما عاشت منذ عقود تحت كابوس الخطر الإيراني. أما بالنسبة إلى رئيسي فربما بدت الأمور في وجهة أخرى، خاصة أن زيارته لدمشق كانت على أعقاب التفاهمات الإيرانية السعودية التي رعتها بكين في شهر نيسان الماضي، ولا شك أنه أراد توجيه عدة رسائل سياسية للأطراف جميعها:

1 – لعل أولى تلك الرسائل موجهة لرأس النظام في دمشق، تفيد تلك الرسالة بأن إيران، تلك الدولة الإقليمية العظمى، لم ينحصر دورها في الحفاظ على نظام الأسد من السقوط طيلة أكثر من عقد مضى فحسب، بل هي الوحيدة القادرة على إعادة تعويم حاكم دمشق وتسويقه من جديد، عربياً ودولياً. ولا شك أن هذا التأكيد سيجعل من كف إيران أكثر استحكاماً برقبة الأسد.

2 – ثاني تلك الرسائل يتوجه بها رئيسي للدول العربية، ويفيد مؤداها بأنكم – أيها العرب – إن كنتم تشترطون على الأسد ابتعاده عن إيران لكي تعيدوه إليكم، فها هي إيران هي من أعادتكم إليه صاغرين مرغمين، وربما أراد رئيسي القول للسعودية: لقد كان بشار الأسد ورقة ضاغطة في التفاهمات السعودية الإيرانية فيما يخص التهديد الحوثي في اليمن لأمن المملكة العربية السعودية، وليس صحيحاً ما يقال عن رغبتكم أو غيرتكم القومية التي دفعت بكم لاحتضان نظام دمشق من جديد بعد أن سعيتم للنيل منه وتعليق عضويته في جامعتكم العربية طيلة الفترة الماضية.

3 – ولعل ثالث الرسائل الإيرانية يوجهها رئيسي لإسرائيل، ومفادها أن الجغرافية السورية ستبقى مجالاً حيوياً لإيران التي تملك كامل الأحقية في استخدام المجال السوري لتهديد المصالح الأمنية الإسرائيلية، ووفقاً لذلك، إذا أرادت إسرائيل الحفاظ على أمنها واتقاء شر تهديدات إيران، فعلى تل أبيب الدفع باتجاه التفاهم مع إيران ذاتها أولاً، كما عليها بعدم السعي للضغط على أميركا والاتحاد الأوربي لعرقلة الاتفاق النووي بين إيران والدول العظمى بقيادة واشنطن.

لم تتأخر كثيراً نتائج الزيارة التي كانت أقرب ما يكون لزيارة رئيس دولة إلى إحدى ولاياته والتي لم تخفِ مضامينها الطائفية والسياسية، لتنصاع الجامعة العربية وتقرر عودة نظام الأسد إلى حظيرتها في ختام اجتماع وزراء خارجية دولها يوم الأحد الفائت، وتعطي الأسد صك البراءة من كل الجرائم التي ارتكبها بحق السوريين على مدار اثني عشر عاماً من قتل وتهجير واعتقالات، وهذا ما يجعلنا أمام قراءتين اثنتين للمشهد:

الأولى: هل فعلاً كنا أمام صراع حقيقي طاحن بين الدول العربية وإيران أفضى إلى النتائج التي نحن عليها الآن والتي على ما يبدو اقتنع العرب بانتصار إيران في المعركة، وبالتالي تلافي المزيد من الخسائر وتوقف قطار التراجع والتوجه إلى (سلام الشجعان) مع دولة أثبتت أنها أقوى منهم جميعاً، إلى حين ترتيب أوراقهم وتنظيم أنفسهم والتجهز لذي قار جديدة يستعيدون فيها عزتهم وكرامتهم.

الثانية: هل نحن أمام قراءة أخرى تقول إنه لم يكن هناك أي صراع بين طهران والرياض ومن خلفها الدول العربية الأخرى، وأن كل ما جرى لم يكن سوى إدارة للمشهد من قبل الدولتين المؤثرتين في المسرح الإقليمي، بما يضمن الحفاظ على الوضع في المنطقة على ما هو عليه واحتواء موجة الربيع العربي الجارفة التي اجتاحت بعض الدول عامي 2010- 2011 والتي قد تشكل تهديداً بتغيير منظومات الحكم في بعض دول المنطقة، فكان لابد من إشغال شعوب المنطقة بصراع أيديولوجي مذهبي لا ينتهي.

لكن بغض النظر عن القراءتين أيهما الصحيحة فإن النتائج التي نحن أمامها الآن تفرض علينا القول إن إيران هي المنتصرة، ومن البديهي القول إنها لن تتوقف إلا عندما تحقق كامل أهدافها باستعادة الإمبراطورية الفارسية والهيمنة على العالم الإسلامي والعربي، ولن تكتفي بالهيمنة على العواصم العربية الأربع بل تسعى للتمدد إلى باقي دول الخليج العربي ومصر والسيطرة عليها.

يبقى القول بأن تأكيد إيران ونظام الأسد معاً على أنهم منتصرون، وأن الظرف الراهن يشهد أكبر انتصارات محور المقاومة، فهو كلام صحيح، من جهة أن إيران استطاعت أن تُرغم الدول العربية وعلى رأسها السعودية في العودة إلى الأسد، والانتصار بهذا المعنى هو تفوق البلطجة الإيرانية على السياسات العربية وليس انتصارا لعقلانية السياسة الإيرانية، ومن جهة أخرى يمكن التأكيد على أن النصر الذي حققه محور الممانعة الذي تقوده إيران، وتشهد تجلياته كل من سوريا واليمن ولبنان والعراق، هو بالفعل انتصار على إرادة الشعوب التي تتطلع إلى التحرر من العبودية وإلى مزيد من الحرية والكرامة، إذ إن النصر – وفقاً لمفهوم محور الممانعة – لا يتجلى بتحقيق منجز حضاري أو اقتصادي يعود بالخير للشعوب ويحقق لها مستوى جيدا من التنمية والرخاء، بل هو مزيد من إحكام قبضة التوحش على الشعوب بغية الاستمرار بالسيطرة على مقدراتها، فالانتصار إذاً يعني القدرة على الاستمرار في السلطة قبل أي معيار آخر.

تلفزيون سوريا

———————-

التصاق نظام الأسد بإيران احتراق وفراقها نهاية/ يحيى العريضي

رغم وقوف إسرائيل مع إيران بحربها على العراق، أملاً باستنزاف القوّتين، وخاصة العراق كعمق عربي لسوريا التي تحتل إسرائيل أرضها؛ ورغم غضّها الطرف عن تدخل حزب الله -أداة إيران في لبنان- لدعم نظام الأسد؛ ورغم التناغم الإسرو-إيراني الخفي في الإطباق على المنطقة العربية، فإن لإسرائيل مشروعها ولإيران مشروعها في المنطقة، حيث يلتقي المشروعان في نقاط لمصلحتيهما، ويفترقان ويتناقضان عند مفاصل خطورتها بلا حدود أو ضفاف.

استقوت إسرائيل على كل محيطها بدعم غربي غير محدود، ولكنها استقرت أكثر بكونها القوة النووية الوحيدة في المنطقة. ومن هنا، شكّل ملف إيران النووي هاجساً حقيقياً مقلقاً لإسرائيل، جنّدت ضده العالم الغربي، وخاصة أميركا. لقد كانت كل لحظة تطوير في ذلك الملف لحظات استنفار في تل أبيب.

لم تشفِ غليل إسرائيل كل الاتفاقات الغربية-الإيرانية حول الملف، ليبقى الخيار العسكري الأكثر رواجاً، رغم التكتم عليه والمواربة بذكره في العقيدة الإسرائيلية، التي ما فتئت تبحث عن ظهير داعم لأي عمل عسكري، ربما تقوم به.

في الأشهر القليلة الماضية، ومع توترات داخلية إسرائيلية غير مسبوقة تعكس وتتجاوز الخلافات الحزبية والعقائدية، ترتفع في الكواليس درجة حرارة الملف، ويزداد الحديث عن صيف ساخن في المنطقة؛ ربما تكون زيارة بايدن الأخيرة إلى إسرائيل، وإعطاؤه تعهداً قطعياً حول الملف إحدى إشاراته. وهذا ما دفع السعودية ربما لاستعجال اتفاق بينها وبين إيران لغايات تخصها.

في هذا السياق بالذات تأتي موجات التهدئة في المنطقة على الضفة الأخرى، والتي قد تكتوي بنار تلوح في الأفق. وفي هذا السياق بالذات يمكن تفسير موجة التطبيع الصادمة مع منظومة استبدادية مارقة في دمشق. وفي هذا السياق بالذات تأتي زيارة رئيس إيران إلى سوريا، بعد أن كانت قد أُجّلَت أربع مرات. وكل ذلك أتى كموجات ارتداد معاكسة تستشعر الخطر الداهم.

فإذا كانت دول الخليج العربي المجاور لإيران -وتحديداً السعودية- قد حيّدت أنفسها من أي توتر عسكري إيراني انتقامي كامن؛ إلا أن أذرع إيران في سوريا ولبنان المجاورة لإسرائيل غير مسموح أن يتم تحييدها بالعقيدة الإيرانية؛ وكميات الأسلحة الموجودة فيها لا بد أن يُحسَب حسابها في أي معادلة مواجهة؛ ومن هنا استهدافها الدائم من قبل إسرائيل. إن سحب فتيل التوترات في تلك الأمكنة غير مسموح بالمفهوم وبالفعل الإيراني، حتى ولو توفرت الرغبة الأسدية والعربية. ومن هنا عملية التطبيع مع منظومة إجرامية بائسة وبلا آفاق.

ومن هنا أيضاً، لم يأتِ إبراهيم رئيسي، رئيس إيران، إلى سوريا ليوقف التطبيع مع نظام دمشق؛ ولا أتى ليطوّب آلاف الهكتارات مقابل ديون إيران على سوريا؛ فإيران التي تغلغلت وتغوّلت في سوريا سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، يصعب اقتلاعها أو الفصم بين منظومة الأسد ومنظومة الملالي. ولم يأتِ “رئيسي” ليدنّس الأرض السورية، ويهين علناً السلطة الحاكمة في دمشق بشرعنة امتلاكه وإدارته لمقومات الحياة السورية، بل ليرسل لكل ما يعنيه الأمر أكان إسرائيلياً أو أميركياً أو روسياً أو عربياً أن هذا المكان، ومَن يسيطر عليه شكلياً، وما عليه من شعب، بتصرف دولة “ولاية الفقيه” وحرسها الثوري؛ وما هو إلا قاعدة إيرانية على “الحدود الإسرائيلية”.

إن كل ما قاله وفعله “إبراهيم رئيسي” من تطويب سوريا باسم إيران بكفّة، وما وُضِعَ إيرانياً على لسان بشار الأسد حول وقوف سوريا مع إيران في حربها مع العراق بكفّة أخرى. فهذا ذِكرٌ واستذكار يأتي في سياق التوتر الكامن الخطير الذي تحوم ظلاله فوق المنطقة. وهو إعلان يشبه تماماً سحب ودفع الروس لبشار الأسد، ليعلن تحالفه معهم في حربهم على أوكرانيا. وهذا ما يجعل التطبيع أو العودة للجامعة العربية مسألة شكلية بلا قيمة، لا تعفي ولا تنجي ما يقع تحت سيطرته الشكلية من الوقوع في الجيب والإرادة والتخطيط الإيراني، وبالتالي، تحمُّل تبعات ذلك.

لن يفيد بشار الأسد التطبيع، ولا العودة إلى الجامعة العربية؛ ولن ينجيه أو يخلصه من دم سوريا ودمارها، أو من ضغوطات قوانين الكبتاغون وقيصر والكيماوي أي اصطفافات أو تحالفات أو بهلوانيات؛ والأهم لا نجاة له من الاحتراق بنار الملالي، إذا ما استمر التصاقه بهم، أو فكّر بالانفصال عنهم.

تلفزيون سوريا

—————————-

حول إعادة نظام الأسد للجامعة العربية/ بلال تركية

نتابع عن كثب التحركات الأخيرة حول إعادة النظام السوري إلى الجامعة العربية، والاجتماع الأخير لوزراء الخارجية العرب، والذي نتج عنه الموافقة المشروطة بالسماح لوفود النظام السوري حضور اجتماعات الجامعة، حيث ستبدأ أعمال القمة العربية العادية الـ 32 والتي تستضيفها المملكة العربية السعودية في 19 مايو/أيار المقبل.

لطالما كانت الجامعة العربية حريصة على وحدة الصف العربي، مع محاولاتها لإيقاف كافة أشكال العنف في سوريا وتأمين عودة آمنة للاجئين، في ظل تعنت النظام وعدم التفاته لمقترحات الدول العربية التي طالبته بإيقاف قمع المدنيين والرضوخ لحل سياسي يلبي طموح السوريين، غير أن النظام لم يكتف بتجاهلها، بل استمر في تصعيد سياسته القمعية، مما أدى إلى تجميد عضويته في الجامعة العربية حتى التوصل إلى حل سياسي يوقف معاناة السوريين. في حين يستمر الشعب السوري في ثورته، وفاءً لتضحيات أبنائه، وتحقيقاً لمطالبه بالحرية والكرامة والعدالة.

واليوم، وبعد 12 عاماً من الثورة في سوريا، لا يوجد أي تغير إيجابي في موقف هذا النظام وحلفائه، بل زادت عمليات القتل والتهجير، وارتفعت وتيرة الانتهاكات بحق السوريين، وامتدت إلى الدول المجاورة عبر شحنات المخدرات الهائلة التي يصدرها بشكل يومي. إن هذا النظام فقد شرعيته بالمطلق أمام الشعب السوري. فهو الذي قتل ما يقارب النصف مليون مواطن سوري، وآلاف الأبرياء الذين لقوا حتفهم بسبب التعذيب في سجونه، إضافة إلى تشريد أكثر من نصف الشعب السوري، والدمار الهائل الذي خلفته عملياته العسكرية الإجرامية ضد السوريين. لقد صدرت عدة تقارير عن الأمم المتحدة ومنظماتها تثبتت مسؤولية النظام بشكل دامغ عن الهجمات الكيميائية في سوريا، إلى جانب مئات الآلاف من المعتقلين والمختفين قسرياً الذين ما زال نظام الأسد يخفي مصيرهم حتى اليوم. يأتي هذا القرار تزامناً مع الذكرى الأولى للكشف عن مجزرة التضامن الوحشية على مستوى العالم والتي ارتكبت بحق مواطنين سوريين أبرياء من قبل قوات النظام، ولاقت استهجاناً من العالم أجمع، ولا يزال منتهكو هذه الجريمة في وظائفهم اليومية ضمن هيكلية النظام بدون أي محاسبة أو مساءلة.

لهذا كله، يتساءل السوريون، هل زالت تلك الأسباب التي أدت إلى إيقاف عضوية النظام من الجامعة العربية؟ وهل من الممكن للنظام أي يكون جاداً في تحقيق العملية السياسية التي يطمحون لها؟

لم تتوقف محاولات الدول العربية منذ سنوات عدة في سبيل تحقيق مخرج آمن للأزمة السورية يرضي جميع الأطراف ويلبي طموحات السوريين، ويوقف شلال الدم الذي تسبب به النظام في سوريا، لكنه ما برح يناور شيئا فشيئا في محاولاته لكسب الوقت مع استمراره بعملياته العسكرية ضد المدن والبلدات السورية، والتي حاول من خلالها ثني السوريين عن مطالبهم.

إننا نعتقد أن هذا القرار لن يساهم في أي تقدم في العملية السياسية، والتي نؤمن بأنها الحل الأمثل لخلاص السوريين، ولن يقدم أي شيء في سبيل تنفيذ قرارات الأمم المتحدة المتعلقة في سوريا على رأسها القرار 2254. ولا يمكن مكافأة الإجرام بالإعادة إلى طاولة الدول العربية، بل على العكس، سيكون هذا بمثابة ضوء أخضر لمزيد من الوحشية من قبل هذا النظام الذي لن يتغير سلوكه. إن التطبيع معه الآن يعني تجاهل جرائمه الوحشية وتمريرها بصمت، حيث لا يمكن صياغة الحلول على حساب العدالة وحقوق الإنسان.

بدورنا لن ننسى أن نثمن موقف دولة قطر الحريص على وحدة الصف العربي دائما، مع التزامها بالقانون الدولي الإنساني وقوانين حقوق الإنسان، وقيمها الأخلاقية، وسعيها لتحقيق الحل السياسي في سوريا الذي يضمن مصالح الشعب السوري، الذي وقفت إلى جانبه دائما، وهذا ما جاء دائماً على لسان مسؤوليها، والذين أكدوا باستمرار على أن موقف قطر من التطبيع مع النظام السوري لم يتغير، ذلك الموقف الذي نثق به، والنابع من المبادئ والقيم الإنسانية التي انتهجتها دولة قطر خلال مسيرتها، ونعبر عن شكرنا في كل مناسبة تقف فيه إلى جانب الشعب السوري وقضيته المحقة حيث كانت الأقرب والأصدق مع قضيته، والأوفى في دعمه إنسانياً وحقوقياً وسياسياً. لقد سطرت قطر نماذج إنسانية فريدة، ولن ينسى الشعب السوري أبداً هذه المواقف الشجاعة، وستظل هذه المواقف حاضرة في القلوب والوجدان على امتداد الزمن.

إن نتائج هذا التطبيع ستنعكس على الصعيد الداخلي، حيث سيجد النظام السوري في مراجعة النظام العربي لسياساته إزاءه فرصة لتشديد قبضته على السوريين، بما فيه تعزيز سياساته لإيجاد ما يسمّيها سوريا المتجانسة، الأمر الذي يعني الاستمرار بسياسته من الاعتقالات إلى تغيير التركيبة الديمغرافية في سوريا. وما يتعلق بملف الكبتاغون، والذي يشكل مصدر تهديد للشباب في دول المنطقة، لا يبدو أن النظام جاد في أي تصرف يحد من إنتاجه أو تهريبه. كما ستبقى مشكلة اللاجئين السوريين مفتوحة، حيث كان وجود النظام السبب الرئيسي في تهجيرهم، وما زال يعتقل العائدين منهم. وبالإضافة إلى الأوضاع الاقتصادية والأمنية والاجتماعية الهشّة في سوريا، واستلاب العديد من اللاجئين من ممتلكاتهم، تبدو أنه لا عودة ممكنة في الوقت المنظور.

وختاماً نؤكد على أن وجود النظام السوري يعرقل أي استقرار في سوريا والمنطقة عموماً، ويساهم في تهديد الأمن ليس في سوريا فحسب، بل في كافة دول المنطقة، ونؤكد على مضي الشعب السوري في مسيرته نحو الحرية والعدالة، ورفض الظلم والاستبداد مع استحالة العودة إلى قمقم الخوف والترهيب، ونكرر مطالبنا للمجتمع الدولي للوفاء بالتزاماته الأخلاقية أولا والسياسية والقانونية تجاه الشعب السوري وممارسة جميع أنواع الضغوط على هذا النظام، وعدم إعطائه فرصة لتحسين صورته أمام العالم. كما نطالب المجتمع الدولي بشكل واضح بأن يتخذ خطوات بشكل جدي من شأنها إلزام النظام بالعملية السياسية وتنفيذ القرارات الأممية التي تضمن وحدة وسلامة الأراضي السورية وعودة اللاجئين والكشف عن مصير المعتقلين، وتلبية مطالب الشعب السوري العادلة.

———————————-

بين تنبؤات الفلك ولعب الأوراق السياسية.. الأسد يعود لتمثيل السوريين/ وفاء علوش

في بداية العام توقعت إحدى العرافات ممن يعملون في تنبؤ الأحداث وفقاً للفلك، بأن هذا العام سيكون عاماً ذهبياً مليئاً بالتحركات الدبلوماسية بالنسبة للنظام السوري، وستمتلئ نشرات الأخبار بجمل من قبيل “ودع واستقبل”، لكننا لم نصدق ذلك بالطبع فقد كنا نحاول تغليب صوت العقل على هذه الترهات.

وإذا كان العقل اليوم لا يتخيل أن ذلك يحدث فعلاً، فليس إلا لأننا لم نواكب الحدث كما يستحق، ولم نفهم حقيقة الألعاب السياسية التي تدور في ما وراء عناوين الأخبار التي تعمل على ذر الرماد في العيون وتعتيم الصورة.

مؤخراً تحركت بعض الدول في محاولة لإعادة التوازن في المنطقة المشتعلة منذ عام 2011، فقررت السعودية مثلاً إنهاء عزلة الأسد وإعادة فتح قنوات التواصل له مع المحيط، وبلغته دعوته إلى القمة العربية التي تعتزم الرياض استضافتها في الشهر الجاري.

قبل ذلك وعلى مدى قرابة خمس سنوات كان من الواضح أن الأمر يسير في هذا الاتجاه، وكانت لدى المعارضين تخوفات من تعويم النظام ومحاولة إعادة تأهيله، غير أن ذلك قوبل بالنفي القاطع من القوى العالمية، مشددين على ضرورة محاسبة النظام على ما فعلت يداه من إجرام بحق الشعب السوري.

مرة كانت الإمارات وأخرى سلطنة عمان ومرات السعودية التي تتداول الأخبار أنها تلعب دور العراب لإعادة الأسد إلى مقعد سوريا في الجامعة العربية، مقابل خطة ادعت أميركا أنها ليست على علاقة بها، مشددة على موقفها من عدم الموافقة على التطبيع مع نظام الأسد، وأكدت أن موقفها من دخول المساعدات الإنسانية بسبب الظروف الحالية لا يغير من شكل العلاقات السياسية.

وعلى الرغم من أن الضمانات التي تحاول الدول الراعية تقديمها للمعارضين لا تبدو أنها محل ثقة، ولكن ذلك ليس مهماً في الحقيقة إذا ما اجتمع المزاج الدولي على فكرة التطبيع وإعادة العلاقات.

الآن يصبح الأمر واقعاً، ويعود النظام السوري لشغل مقعده في جامعة الدول العربية بإجماع وزراء خارجية الدول العربية، بعد أن استضاف الأردن في بداية الأسبوع اجتماعاً لوزراء خارجية سوريا والأردن والسعودية والعراق ومصر، اتفقوا خلاله على “دعم سوريا ومؤسساتها في أي جهود مشروعة لبسط سيطرتها على أراضيها”.

جرى تعليق عضوية سوريا إثر قمعها الاحتجاجات التي خرجت لتغيير النظام السوري السياسي ولإحداث نظام ديمقراطي تتداول فيه السلطة، لكن بعد تزايد وتيرة لقاءات المسؤولين في الحكومات العربية مع ممثلين عن النظام السوري بداية بزيارة رئيس النظام السوري لدولة الإمارات، مروراً بزيارة وفد يضم ممثلين عن الحكومات العربية لإعلان التضامن وتقديم واجب التعزية بعد كارثة الزلزال، مروراً بزيارته الأخيرة للقاء سلطان عمان هيثم بن طارق، زاد شك كثيرين بأن وراء الأكمة ما وراءها.

على الرغم من التحركات الكثيفة من أجل إعادة سوريا لشغل مقعدها في جامعة الدول العربية لكنهم تأخروا في إعلان ذلك رسمياً، وبقي في إطار الشائعات التي من هدفها جس نبض الشارع العربي ومحاولات تهيئة الأجواء.

مع الوقت أصبح الأمر عادياً ولم يعد يسبب ردات فعل عنيفة من الرافضين، وربما بات أمراً مسلماً به وسط الوقائع المحيطة بالحدث السوري، وربما سيتحقق التحول السياسي المنشود بالتدرج بعد أن ابتلع السوريون الصدمة بعد أول زيارة دولية.

لقد أثبت النظام السوري أنه يستطيع أن يرقص على آلام السوريين حتى آخر لحظة، كما استفادت الدول الراعية من فاجعة السوريين بحدوث الزلزال وحجة أولوية الأوضاع الإنسانية الحالية وضرورة التعاون لتسهيل وصول المساعدات للمتضررين، فمهدوا للأسد طريقاً للتسلق على فجائع السوريين واحدة تلو الأخرى من دون أدنى شعور بالذنب.

من قال إن السياسة فن الممكن، من كان يتخيل أن ما يحدث اليوم قد يصبح ممكناً في يوم من الأيام؟!

فالأحداث اليوم لا يمكن وصفها إلا بأنها ما لم يكن في حسبان عاقل أن يتخيلها، وما أطلقوا عليه بأنه فن الممكن صار واقعاً بفرض القوة وبأساليب احتيالية تفضح كذب العالم المستمر على السوريين، فالتسوية السياسية التي يزعمون أنهم يتوقون لتحقيقها من أجل مصلحة السوريين، لم تكن سوى إعادة تأهيل واضحة لنظام ارتكب من الجرائم بحق شعبه أكثر مما ارتكب بهم أعداؤهم جميعاً، لكنه بقي متشبثاً بعرش ورثه عن والده معتبراً أنه بات حقاً مكتسباً ليس من حق أحد أن ينازعه فيه.

مبررات كثيرة قد يسوقها الداعمون لتثبيت قواعد النظام السوري من جديد، منها الحد من النفوذ الإيراني في المنطقة أو إعادة توحيد الجغرافيا التي أصبحت ممزقة للحفاظ على وحدة سوريا أو عدم وجود بديل حقيقي يستطيع ملء الفراغ السياسي، أو بهدف حل أزمة اللاجئين، إلا أنها لا يمكن أن تكون سبباً حقيقياً ومقنعاً لجعل الأسد يبدو منتصراً في حربه ضد السوريين.

ربما يفكرون بمنح المعارضة جوائز ترضية ليشاركوا في حكومة يترأسها النظام، وربما سيحاولون خجلين دفع ملف عودة المهجرين كجزء من الحل، لكن ذلك لن يكون سوى إضافة جديدة في مسلسل التطبيع بالتدرج، ولن يعود بالفائدة إلا على النظام الذي لم يتوانَ عن القتل والتهجير ولم يجد من يردعه بل جلب من يعينه.

بالسياسة الممكنة التي لعبها النظام السوري _إذا افترضنا أنه قادرٌ وحده على ذلك ولم يكن مستنداً إلى دعم مستتر_، يبدو أن العالم يلعب ورقة جديدة مدعياً فيها حسن النوايا تجاه السوريين، لكن تعويم الأسد لن تكون تبعاته أن يستمر بابتلاع البلاد مثلما اعتاد منذ عقود فحسب، إنما يعني إفلاته التام من العقاب هو وأعوانه ممن أجرموا بحق السوريين، وإغلاق أي باب لتقديمهم للمحاكمات فيما بعد، وربما يتجاوز ذلك ليثبت صدق ادعائه بأنه كان الرئيس الذي أنقذ سوريا من الإرهاب، وتمتع بالقوة إلى درجة منحه العفو عن أعدائه، وتحقيق المصالحة المجتمعية بين السوريين وتضميد جراحهم وإعادة بناء الدولة التي لا يوجد من يقر بأنه كان سبب انهيارها.

تلفزيون سوريا

——————————

قراءة في مشهديات الفصل الأخير للصراع على المسرح السوري/ غزوان قرنفل

رغم كونه في أحد وجوهه يؤشر لنبرة تصعيدية في مواجهة نظام أسد، فإن تصريح جاويش أوغلو الذي استبق فيه اجتماع موسكو الرباعي الأخير الذي من المفترض انعقاده غدا في العاشر من أيار – مايو الجاري والذي قال فيه إن تركيا لن تنسحب من سوريا قبل أن يصبح النظام قادراً على إحياء وتنفيذ اتفاقية أضنة، إلا أنه في الوجه الآخر له يرسم ملامح مآل الأحوال في مناطق الشمال السوري إذا ما قدم النظام فعلا ضمانات مقنعة لأنقرة بسيطرته على المناطق الحدودية وضمان أمنها بما لا يسمح باختراقها لتهديد الأمن القومي التركي.

ذلك أنه لا يمكن تصور إمكانية ضمان أمن المناطق الحدودية السورية التركية دون سيطرة كاملة لقوات النظام السوري عليها بما يكفل التزامه بمضامين اتفاقية أنقرة التي تطالب تركيا بإحيائها وضمان حسن تنفيذ مترتباتها قبل اتخاذها قرارا بسحب قواتها من الأراضي السورية.

فالمطالبة هنا بتفعيل وحسن تنفيذ اتفاقية أضنة من قبل النظام السوري قبل الحديث عن انسحاب القوات التركية من الأراضي السورية والذي قلنا إنه تصعيد في مواجهة النظام في أحد وجوهه يقصد منه تماما رفضا مؤقتا لمطلب النظام الملّح بتقديم تركيا جدولا زمنيا لانسحاب قواتها من الشمال الغربي لسوريا لا أكثر، بمعنى أنه سيكون هناك التزامات متقابلة تتم صياغتها عبر مسار طويل من المفاوضات يفضي لالتزام النظام السوري بضمان أمن الحدود الجنوبية لتركيا مقابل جدول زمني واضح ومحدد لانسحاب القوات التركية.. واستطرادا فإن تنفيذ الشق الأول من تلك الالتزامات المتقابلة يقتضي بالضرورة تمكين أو عدم ممانعة وصول قوات النظام وسيطرتها على تلك المناطق، والسؤال هنا عن السبيل الذي سيتم به تنفيذ ذلك، هل سيكون بتفكيك الفصائل المختلفة وتسليم سلاحها عبر صفقة شاملة لتجنيب المنطقة مواجهات عسكرية دامية أم سيتم بوسائل قتالية تسمح ببسط سيطرة قوات النظام السوري نهائيا على كل مناطق سيطرة الميليشيات المختلفة، وهل سيكون ذلك مقتصرا على شمال غربي سوريا أم سيكون شاملا لمختلف مناطق الشمال شرقيها وغربيها معا؟!!!.

أعتقد أن الصورة وإن بدت أكثر تعقيدا لكن في الحقيقة أفترض أن الأطراف سيلجؤون لتفكيك الحلول وتجزئتها وهو سلوك لطالما برع فيه النظام وحلفاؤه خلال مراحل إدارة الصراع في مناطق أخرى، حيث شاهدنا ابتداء – بدلا من الوصول لحل شامل على مختلف مناطق السيطرة – كيف تمت صناعة ما سمي بمناطق خفض التصعيد وتم إسقاطها واحدة تلو الأخرى بحسم عسكري أو باتفاقات تسوية أفضت لتصفية الحراك الثوري بكليته وتجويف الصراع العسكري وتخميده، تم ذلك في حلب والغوطة ودرعا وأرياف حمص ولا شيء يمنع تكراره في مناطق الشمال الغربي أولا خصوصا أن جبهات المواجهة باردة وسبطانات الأسلحة لا تسخن إلا في مواجهات بينية لفرض فرص توسيع – مؤقت – لمناطق نفوذ وسيطرة الميليشيات المتنازعة التي تعطلت وظيفتها الوطنية في المواجهة مع النظام – وغالبا  لم تكن لها مثل تلك الوظيفة أصلا – لصالح الاستثمار والإثراء في اقتصاد الحرب بالنظر لإدراك الجميع أن وظيفتهم بالصراع مؤقتة وشارفت على نهاياتها.

لعل في مسعى الجولاني وميليشياته للسيطرة والتحكم في أوسع نطاق جغرافي ممكن ضمن مناطق نفوذ الميليشيات الأخرى في الشمال، محاولة لأن يحجز لنفسه مقعدا على طاولة الحل والتسوية مع النظام، يعزز من ذلك ما يقوم به من تواصل وتنسيق استخباري مع الأميركان والأتراك وحتى مع الروس والنظام لاستئصال شأفة بعض القوى والأدوات الأكثر تطرفا وربما رفضا لمثل تلك التسويات ولعل حملة التصفيات والملاحقات والاعتقالات الأخيرة لعناصر من حزب التحرير ما يعزز هذا الاستنتاج.

أما القوى والفصائل الأخرى كالحمزات والعمشات وغيرها من قوى التهريج العسكري المسيطرة في شمال غربي سوريا، فهي – ومع وجود آلاف ملفات النهب والقتل والإثراء غير المشروع لقادتها – أكثر مطواعية وامتثالا لأي حلول تقررها أنقرة بشأنها.. وبالتالي – وكما أشرت في غير مقال سابق – فأعتقد أن الصفقة ستكون مشابهة تقريبا لصفقة درعا وسيتم إدماج تلك الميليشيات ضمن المنظومة العسكرية والميليشيوية للنظام وسيبسط النظام مجددا سيطرته في تلك المناطق، وأما أولئك القلة من الرافضين فستتم تصفيتهم أو إخراجهم من المشهد بشكل أو بآخر.

لا تنطبق تلك المقاربة بطبيعة الحال عما يمكن الحديث عنه في مناطق شمال شرقي سوريا لأن ثمة فاعلا أميركيا فيها لا بد من قبوله بصفقة تلبي بعض مطامح “قسد” وميليشياتها فيما يشبه حكما محليا موسعا لا يحول دون حضور النظام ورموز أو أدوات سلطته ولا يستعدي تركيا أو يؤسس لحالة انفصالية أو كيانية تفتح شهية بعض أكراد تركيا.. ولا بأس بعد ذلك من التضحية ببعض رموز المذبحة السورية وتغييبهم عن المشهد العام، وإشراك بعض الشخصيات المعارضة في “حكومة وحدة وطنية” تكون العنوان النهائي للحل الذي يقبل به النظام وحلفاؤه من الروس والإيرانيين وبذلك يكون قد قدم للمجتمع الدولي حلا للأزمة مصنوعا بأياد سورية!!!.

سيراهن البعض على رفض أميركي لهذا الحل أو ما يشبهه، واسمح لي سيدي أن أقول إن رهانك خاسر سلفا، فطوال عقد كامل راهن السوريون على موقف أميركي حازم وقطعي ونهائي تجاه النظام ودائما ما خاب فألهم، وسقط رهانهم، فمن يتدثر بلحاف أميركي سيصحو عاريا تصطك أسنانه من البرد بلا لحاف يستر عورته.. ألم يراهن الجمهوريون سابقا في إسبانيا على موقف أميركي مناهض للجنرال فرانكو ديكتاتور إسبانيا الذي رغم دعمه للنازية وهتلر تمت إعادة تأهيله وتبنيه وعندما فتح الجمهوريون قبضاتهم وجدوها خاوية لم تقبض إلا الريح!!!

—————————–

كيف تنظر إيران إلى إعادة نظام الأسد للجامعة العربية؟/ ضياء قدور

بينما تنظر إيران رسمياً بإيجابية إلى إعادة نظام الأسد للجامعة العربية، وتبدو واثقة من تداعيات هذه الخطوة على مستقبل نفوذها الأمني والسياسي والاقتصادي في سوريا، يجادل البعض في أن التحرّك الأخير لن يصب في صالح طهران بنهاية المطاف، رغم الضجة الصاخبة التي تحدثها حول انتصارها المزعوم في دمشق أو امتيازات حصلت عليها من السعودية في سوريا مقابل اليمن.

وفي حين تقر طهران بأن إعادة نظام الأسد للجامعة العربية علانيةً لا تتضمن شروطا مزعجة كتقليص نفوذها في سوريا، وتنظر إلى هذه الشروط على أنها أصبحت ساقطة بالتقادم أو من الماضي، لكنها في نفس الوقت ترسل إشارات منخفضة الصوت توحي بأن إعادة دمشق للحظيرة العربية لا يمكن أن تكون خالية من المخاطر والعواقب السلبية المحتملة على طهران، وأن اللعب الإيراني في الميدان السوري أكثر تعقيداً من النظريات المبسطة التي تروج لها التصريحات الرسمية المعلنة.

“عودة بلا شروط”

في هذا الصدد، كتبت وكالة أنباء “فارس

” الحكومية تحت عنوان (عودة سوريا للجامعة العربية أم عودة الجامعة العربية إلى سوريا): “النقطة المهمة واللافتة هي أن بعض المسؤولين في دمشق قالوا خلال هذه الفترة: إنهم لم يطلبوا العودة للجامعة العربية، لكن الدول العربية أثارت هذا الأمر بنفسها”.

ونقلت “فارس” عن مصدر وصفته بالمطلع قوله: “في العامين الماضيين، عندما أثيرت شائعة عودة سوريا إلى الجامعة العربية، حاولت بعض الدول فرض بعض الشروط على دمشق. وكان جواب النظام السوري هو أنه هل طالبت دمشق بالعودة إلى الجامعة التي تنوي فرض شروط عليها؟”.

وبحسب المصدر، تشير “فارس” إلى أنه “تم سحب كل هذه الشروط تقريبا ولم تقبل دمشق أيا منها، وأكدت على علاقات طبيعية في العالم العربي”.

بيانات عربية تثير الجدل الإيراني

لم تكن التصريحات التي أدلى بها وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، خلال زيارته إلى دمشق، في 18 نيسان الفائت، حول “وحدة أراضي سوريا وهويتها العربية وأمنها”، مثيرة للقلق الإيراني بشدة، حيث اعتبرت وكالة أنباء “مهر

” الإيرانية أن استخدام هذه العبارة من قبل “بن فرحان” هي مؤشر على عودة الرياض إلى التطورات في سوريا، وجهود الدولة العربية لخلق “توازن” مقابل نفوذ إيران وتركيا.

وكانت العبارة الأكثر إثارة للجدل في بيان اجتماع عمان، من وجهة نظر مهر، هي “وقف التدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية لسوريا”، و”تعاون الجهاز العسكري – الأمني ​​السوري مع نظرائه في دول الجوار”.

وشدّدت “مهر” على أن “وجودها مع روسيا في سوريا تم بدعوة رسمية من الحكومة السورية”، وأن “جهودها منعت سقوط الحكومة المركزية في هذه الدولة”، واصفةً الوجود الأميركي والتركي في سوريا بـ”الاحتلال”.

ورأت أن “الفاعل الآخر المؤثر في المعادلات السورية هو الدول العربية التي اختارت الآن بعد فشل مشروع سقوط الأسد خيار التعاون وتحسين العلاقات مع دمشق”، دون أن تخفي قلقها من “أن هذه الكتلة العربية تعتزم تحديد المجموعتين المذكورتين (إيران مع روسيا، وتركيا مع الولايات المتحدة) بنفس الصيغة باستخدام عبارات مثل “انسحاب القوات الأجنبية من الأراضي السورية”.

وادّعت أن “المهمة العسكرية لجبهة المقاومة في سوريا ستتغير بلا شك وستسلم إدارة الشؤون إلى قوات الدفاع والأمن في دمشق مع عودة السلام إليها، لكن (يبدو أن بعض الدول العربية تسعى لتحقيق أهداف مختلفة)” وفق وصفها.

وأوضحت “مهر” أن “البنود الواردة في بيان عمان وجدة حول سوريا يظهر أن الكتلة السنية المحافظة ستؤسس نوعاً من العلاقات الاستشارية الاستخبارية مع دمشق بحجة القتال المشترك ضد الإرهاب، والعودة الآمنة للاجئين السوريين، ومحاربة التهريب غير المشروع و انسحاب القوات الأجنبية من سوريا”.

لكن في نفس الوقت، تؤكّد “مهر” في تحفظ صامت على أن “تحقيق هذا السيناريو لا ينفي بالضرورة مصالح طهران، لكن يجب اتباع هذه السياسة بالتنسيق بين إيران والسعودية واحترام المصالح المشتركة للبلدين”.

أسئلة بلا أجوبة

رغم أن المواقع الإيرانية تتحدّث عن حقبة علاقات جديدة تتشكّل في صالح إيران بالشرق الأوسط بعد الاتفاق السعودي الإيراني، والمصالحة السعودية مع نظام الأسد كانعكاس مباشر له، لا توضّح هذه المواقع كيف ستتصرف إيران، وهي ترحب بهذا التطورات غير المسبوقة برفعها إشارة النصر، مع هذا التغير الكبير في ديناميكيات العلاقات السياسية والاقتصادية وحتى الأمنية التي تتشكل في المنطقة، خاصة في سوريا.

على الجانب الأمني، لم تبد إيران حتى الآن ردة فعل واضحة حيال التطورات الأردنية الحديثة لمكافحة المخدرات في الجنوب السوري، وقصف مواقع محسوبة على حليفها الرئيسي في المنطقة، حزب الله، مؤخراً.

وفي حين تتحدث المواقع الإيرانية عن “عودة الاستقرار والأمن” إلى سوريا، تتجنّب هذه المواقع الحديث عن مصير الوجود العسكري والأمني الإيراني، الذي ما زال يوفر الأرضية والذريعة المناسبة لشن غارات إسرائيلية واسعة النطاق في سوريا.

في تشرين الثاني/ نوفمبر 2021، أوردت بعض المصادر العربية أنباء تتحدث عن طرد جواد غفاري، قائد القوات الإيرانية في سوريا، بسبب مجموعة من الخلافات مع نظام الأسد، ليتبيّن فيما بعد أن التغيير في القيادة الإيرانية روتيني، وأن مقتل قاسم سليماني أخّر انتهاء مهمة غفاري، عام 2020. واليوم يجري الحديث، دون دليل حقيقي على أرض الواقع، عن إزالة الميليشيات الإيرانية لأعلامها في سوريا، في إشارة مبطنة إلى قرب سحب إيران لقواتها من سوريا.

على الجانب الاقتصادي أيضاً، تدّعي وكالة أنباء “تسنيم

” في مقال لها بعنوان: (لماذا تسعى السعودية لإعادة سوريا إلى جامعة الدول العربية؟) أن دمشق ترغب في التعاون مع الرياض، لكونها قادرة على لعب دور مساعد بشكل أفضل من الإمارات أو عُمان بسبب علاقاتها الجيدة مع روسيا والصين.

وكذلك حاجة الولايات المتحدة لها في مختلف المستويات، لكنها لا توضّح موقع إيران من خريطة الطريق هذه، وهل ستكون جزءًا مستفيداً منها أم لا؟ وهل ستقدم الرياض هذه المساعدات بدون مقابل؟!

بعد زيارة رئيسي الأخيرة إلى دمشق، وتوقيع مجموعة ضخمة من الاتفاقيات الاقتصادية مع نظام الأسد، أقر

بهمن صالحي جاويد، أمين جمعية مصدري الخدمات الفنية والهندسية، أن سوريا تنظر للشركات الإيرانية كشركات درجة ثانية، وتوقع ألا تحظى الشركات الإيرانية التي تصدر خدمات فنية وهندسية بنصيب في المشاريع أكثر من قوة إيران في سوريا.

وأشار جاويد إلى أن “نظام الأسد لا يرحب بوجود شركات خدمات فنية وهندسية إيرانية للمشاركة في مشاريع أو تقديم تسهيلات لها بقدر ما يرحب بوجود إيران للحفاظ على أمن سوريا”.

في ظل العقوبات الأميركية والغربية المفروضة على كلا النظامين، وحالة الشلل الاقتصادي الناجمة عنها، يرجح كثير من المراقبين أن الاتفاقيات الـ15 الموقعة بين إيران وسوريا خلال زيارة إبراهيم رئيسي الأخيرة إلى دمشق، ستبقى في الغالب على الورق حتى إشعار آخر.

وفي هذا الصدد، يرى موقع “راديو فردا

” المعارض، في مقال يمكن وصفه بالمتفائل جداً، أن “تطبيع علاقات نظام الأسد مع الدول العربية أو تركيا يعني تنويع إمكاناته والانتقال من الحاجة الأمنية والاقتصادية الهائلة إلى إيران وحتى إلى روسيا.

وزعم المقال أنه “إذا تحرك نظام الأسد في إطار الشروط التي وضعتها جامعة الدول العربية لإعادة العلاقات معها، مثل فتح الهيكل السياسي وفق قرار مجلس الأمن رقم 2254، فسيتم فتح هيكل السلطة، وإن كان بشكل محدود، ليس بالضرورة في صالح إيران”.

كذلك توقّع الموقع أن “مثل هذه الخطوات ستزيد من احتمالات قيام الدول العربية القوية بالمساومة مع الغرب لتقليل أو رفع العقوبات المفروضة على سوريا”، مؤكّداً على أن “تنوع الاحتمالات وأوراق اللعب لنظام الأسد يجعله غير مضطر إلى حد كبير للعلاقات الوثيقة وأحيانًا الإشكالية مع طهران”.

——————————–

خاص: الكونغرس الأميركي يطرح مشروع قانون لمنع التطبيع مع النظام السوري

يعتزم أعضاء في الكونغرس من الحزبين الأميركيين تقديم مشروع قانون يوم الخميس يهدف إلى منع الحكومة الأميركية من الاعتراف ببشار الأسد كرئيس لسوريا وتعزيز قدرة واشنطن على فرض عقوبات تمنع الدول من تطبيع العلاقات مع الأسد.

ويحظر مشروع القانون الذي اطلع على نصه تلفزيون سوريا، الحكومة الفيدرالية الأميركية من الاعتراف أو تطبيع العلاقات مع أي حكومة في سوريا بقيادة الأسد، الذي يخضع لعقوبات أميركية، ويوسع قانون قيصر.

وسيقدم مشروع القانون رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب مايكل ماكول وعضو الكونغرس جو ويلسون ورئيس اللجنة الفرعية للشرق الأوسط وشمال إفريقيا وآسيا الوسطى جو ويلسون. والديمقراطيان ستيف كوهين وفيسنتي جونزاليس، من بين آخرين، بحسب ما قال أحد كبار أعضاء الكونغرس الذين عملوا على مشروع القانون.

وقال الموظف الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، إن التشريع هو تحذير لتركيا والدول العربية من أنه إذا تعاملوا مع حكومة الأسد، فقد يواجهون عواقب وخيمة.

وقالوا “إن إعادة قبول سوريا في جامعة الدول العربية أثار حفيظة الأعضاء وأظهر الحاجة إلى التحرك بسرعة لإرسال إشارة”.

وتتضمن بنود مشروع القانون مطلبًا لاستراتيجية سنوية من وزير الخارجية لمدة خمس سنوات لمواجهة التطبيع مع حكومة الأسد بما في ذلك قائمة الاجتماعات الدبلوماسية التي عقدت بين النظام وتركيا والإمارات العربية المتحدة ومصر وغيرها.

كما سيوضح مشروع القانون قابلية تطبيق العقوبات الأمبركية على الخطوط الجوية العربية السورية وناقلة أخرى، أجنحة الشام. وقال الموظف إنه بموجب القانون المقترح، ستواجه الدول التي تسمح لشركات الطيران بالهبوط عقوبات.

في حالة إقراره ، سيتطلب مشروع القانون أيضًا مراجعة المعاملات ، بما في ذلك التبرعات التي تزيد عن 50.000 دولار في مناطق سوريا التي تسيطر عليها حكومة الأسد من قبل أي شخص في تركيا والإمارات العربية المتحدة ومصر وعدة دول أخرى.

وفي وقت سابق، كشف “التحالف الأميركي لأجل سوريا”، وهو تحالف لعشر منظمات أميركية معنية بالشأن السوري، عن مشروع قانون سيطرح، اليوم الخميس، في الكونغرس، تحت اسم “قانون محاربة التطبيع مع نظام الأسد للعام 2023”.

وفي بيان، وصل “تلفزيون سوريا” نسخة منه، قال التحالف إن الكونغرس الأميركي، وبعد جهود مضنية ويومية وحثيثة استمرت قرابة الخمسة أشهر، سيطرح مشروع قانون سوري، هو الأقوى والأضخم والأهم من نوعه منذ إجازة قانون قيصر نهاية العام 2019، وبمفاعيل بالغة الأهمية للوضع السوري والعربي والدولي”.

وأوضح البيان أن مشروع القانون، سيطرح برعاية الحزبين، الجمهوري والديمقراطي، وتحت اسم “قانون محاربة التطبيع مع نظام الأسد للعام 2023″، لتحقيق عدة أغراض، أبرزها حظر أي إجراء حكومية أميركي من شأنه الاعتراف بأي حكومة سورية يرأسها بشار الأسد أو تطبيع العلاقات معها.

ووفق البيان، “يهدف المشروع إلى سن قوانين جديدة، وتحديث وتمتين وتوسيع قوانين سابقة متعلقة بالشأن السوري، وإرسال رسائل سياسية وقانونية هامة إلى الدول التي طبعت علاقاتها مع نظام الأسد، أو تسعى للتطبيع معه، عن العواقب القانونية والسياسية والاقتصادية الوخيمة التي ستترتب جراء هذا الفعل الشنيع وغير الأخلاقي والمدان الذي يرفضه أصحاب الدم السوريون”.

كما يرسل المشروع رسالة إلى إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، مفادها أن “مسألة بث الحياة مجدداً في الشخص السياسي لمجرم حرب كبشار الأسد أمرٌ مرفوضٌ تماماً من الحزبين، ولا رجعة فيه، وأن الحزبين مصران على تطبيق جميع القوانين النافذة بحق الأسد، ولن يسمحا بفرضه أمراً واقعاً، ليكون الحل الوحيد للخروج بسوريا من أزمتها إلى مستقبل أفضل، هو التقاء السوريين على مشروع مشترك، وفق القرارات الأممية بعيداً عن الأسد، يمكن بعده رفع العقوبات وإعادة بناء سوريا”.

ووفق “التحالف الأميركي لأجل سوريا”، ينص مشروع القانون الجديد على بنود وأقسام عديدة، أبرزها:

حظر الاعتراف بنظام بشار الأسد أو تطبيع العلاقات مع أي حكومة يرأسها

في هذا البند، ينص مشروع القانون على أن

    سياسة الولايات المتحدة هي ألا تعترف أو تطبع علاقاتها مع أية حكومة لسوريا يرأسها بشار الأسد، وذلك جراء جرائم نظام الأسد المستمرة بحق الشعب السوري، ولفشل النظام في تحقيق الشروط التي نص عليها قانون قيصر لرفع العقوبات عنه.

    من سياسة الولايات المتحدة أن تعارض حكومتها اعتراف وتطبيع علاقات الدول الأخرى أيضاً مع أية حكومة سورية يرأسها بشار الأسد معارضةً فاعلة ونشطة، بما في ذلك عن طريق تطبيق العقوبات الإلزامية الأولية والثانوية المنصوص عليها في قانون قيصر بحق المخالفين.

    تستخدم حكومة الولايات المتحدة كافة الصلاحيات المتاحة لها بموجب قانون قيصر، وغيره من القوانين الأميركية، لردع نشاطات إعادة الإعمار في المناطق التي تخضع لسيطرة بشار الأسد.

    يحرّم القانون على أي مسؤولٍ أو موظفٍ فيدرالي اتخاذ أي فعلٍ، أو صرف أي مبلغ مالي من شأنه أن يشكل أي اعتراف من قبل حكومة الولايات المتحدة، صراحةً أو ضمناً، بأي شكل من الأشكال، ببشار الأسد، أو بأية حكومة سورية يرأسها.

    على وزير الخارجية الأميركي، بالتشاور مع وزير الخزانة ومدير هيئة مكافحة المخدرات الأميركية ورؤساء الوزارات والوكالات الأميركية المسماة أصولاً، خلال فترة لا تتجاوز 180 يوماً من تاريخ إقرار هذا القانون، وسنوياً بعدها لمدة خمس سنين، أن يقدم تقريراً واستراتيجية مشتركة إلى اللجان المختصة في الكونغرس، يصف فيهما الأفعال التي اتخذتها الدول الأخرى، أو التي تعد لاتخاذها، للتطبيع، أو الاتصال، أو رفع سوية العلاقات الدبلوماسية، أو السياسية، أو الاقتصادية مع النظام الذي يرأسه بشار الأسد في سوريا.

    على التقرير أن يتضمن لائحةً بانتهاكات حقوق الإنسان والقانون الدولي، والجرائم التي يرتكبها نظام الأسد وحكومة روسيا الاتحادية وحكومة إيران في سوريا، بحق السوريين، وعن التقدم المحرز في مجال تحقيق العدالة والمحاسبة للشعب السوري.

    على التقرير، الذي يجب أن بقدم سنوياً، أن يتضمن أيضاً لائحة كاملة بجميع الاجتماعات الدبلوماسية على مستوى سفير فما فوق بين نظام الأسد وأي ممثل عن حكومات الإمارات، والبحرين، والسعودية، وتركيا، والعراق، والأردن، وعمان، وتونس، والجزائر، والمغرب، وليبيا، ولبنان.

    يجب أن يتضمن التقرير لائحة كاملة بجميع التعاملات، بما فيها الاستثمارات، والمنح، والعقود، والهبات، والقروض التي تتجاوز مبلغ ٥٠ ألف دولار، في المناطق التي تخضع لسيطرة النظام في سوريا، التي تجري على يد أي شخص أو جهة من الدول الآنفة الذكر مع نظام الأسد، مع إدراج تقدير إلى جانبها، فيما إذا كان من قام بذلك قد خالف قانون قيصر أو القوانين الأميركية الأخرى، وصار بموجب ذلك تحت طائلة العقوبات الأميركية.

    يجب أن تقدم الحكومة الأميركية أيضاً تقريراً بالخطوات التي تتخذها لمكافحة اعتراف أية دولة أخرى بنظام الأسد، أو تطبيعها للعلاقات معه، بما في ذلك الاتصالات الدبلوماسية التي تجريها حكومة الولايات المتحدة، والعقوبات الاقتصادية التي تتخذها.

    وعلى التقرير أن يتضمن أيضاً تقديراً بكيفية تأثير التطبيع في الأمن القومي للولايات المتحدة، وفرص تنفيذ قرار مجلس الأمن 2254، وفرص تحقيق العدالة والمحاسبة على جرائم الحرب التي ارتكبت في سوريا، وبالفوائد التي تجنيها حكومتا روسيا وإيران منه.

    على التقارير أن تبدأ جرد كل ما سبق منذ تاريخ 1 كانون الثاني 2021.

العقوبات و”قانون قيصر”

وينص مشروع القرار على تعديل “قانون قيصر” بحيث تطال عقوباته أي جهة أجنبية تقدم دعماً مالياً أو مادياً أو تقنياً لحكومة النظام السوري، بما أي عضو من أعضاء مجلس الشعب السوري، أو أي مسؤول كبير في حزب “البعث”، ويشمل ذلك:

    أي عضو من أعضاء القيادة المركزية، أو اللجنة المركزية، أو أعضاء لجنة الرقابة والتفتيش، أو قيادات الفروع كافة.

    ولا يشمل ذلك الشخص المقدم للدعم فقط، بل أي فرد بالغ من أفراد عائلته.

    إضافة تقديم الخدمات المالية لحكومة النظام السوري للخدمات الهندسية والإنشائية المنصوص عليها سابقاً في قانون قيصر، ومعاقبة من يفعل ذلك.

    معاقبة أي شخص أو جهة تشترك بأي شكل من الأشكال في حرف المساعدات الإنسانية الدولية (كالمنتجات الزراعية، والطعام، والدواء، والأجهزة الطبية) المخصصة للشعب السوري عن هدفها الأصلي، وأي جهة تستفيد من ريع ذلك سواءً بشكل مباشر أو غير مباشر.

    معاقبة جميع من يشرع، بشكل مباشر أو غير مباشر، في الاستيلاء على ممتلكات أي مواطن سوري أو مصادرتها أو سرقتها أو وضع اليد عليها، بغرض المنفعة المادية، أو لأغراض سياسية، بما في ذلك الممتلكات العقارية.

    معاقبة جميع من يشترك أو يحاول الاشتراك في أنشطة الاستيلاء أو الاستفادة من ممتلكات المواطنين السوريين على النحو المذكور آنفاً.

    تشمل مساعدة النظام التي يعاقب عليها القانون أي صفقة غاز طبيعي، أو كهرباء، أو أي مصدرٍ من مصادر الطاقة الأخرى لم تصدر إجازة من وزارة الخزانة الأميركية للسماح بها.

    الأمانة السورية للتنمية: على رئيس الولايات المتحدة، وخلال فترة لا تتجاوز 120 يوماً من تاريخ إقرار هذا القانون، أن يقدم تقديراً بما إذا كانت المنظمة المسماة “الأمانة السورية للتنمية”، التي ترأسها أسماء الأسد، مستحقةً للعقوبات المنصوص عليها في قانون قيصر، وأن يقدم تقريره هذا إلى اللجان المختصة في الكونغرس والمسماة أصولاً في نص القانون.

ويمكن أن تقدم نسخةٌ سريةٌ من هذا التقدير للكونغرس، شريطة أن تقدم نسخٌة علنية للعامة أيضاً، وأن تنشر على مواقع الحكومة الفيدرالية المتاحة للعامة.

التلاعب بمنظومة الأمم المتحدة

وفيما يتعلق بالمساعدات الإنسانية وتلاعب النظام السوري بالمساعدات الأممية، ينص مشروع القانون أن على وزير الخارجية الأميركي، خلال فترة لا تتجاوز 180 يوماً من تاريخ إقرار هذا القانون، وسنوياً بعدها لمدة خمس سنين، أن يقدم تقريراً للجان العلاقات الخارجية في مجلسي الشيوخ والنواب عن تلاعب نظام الأسد بالأمم المتحدة في سوريا، وعلى التقرير أن يتضمن:

    وصفاً للشروط، الصريحة والضمنية، التي وضعها نظام الأسد على عمل الأمم المتحدة في سوريا، ويشمل ذلك ما يتعلق بالشركاء المنفذين، وإجراءات التوظيف، وتخصيص المنح والعقود، وشراء السلع وتقاضي الخدمات.

    وصفاً بمدى رفض أو معارضة الأمم المتحدة لأي من الشروط والقيود التي فرضها النظام على عملها في سوريا.

    كشفاً بمسؤولي أو موظفي الأمم المتحدة الذين تربطهم صلات بنظام الأسد، ويشمل ذلك الروابط الأسرية، أو الأشخاص المدرجين في لوائح العقوبات الأميركية.

    جرداً كاملاً بكل القيود التي فرضها نظام الأسد على مهمة الأمم المتحدة في تقديم الخدمات والمساعدات في سوريا، وتقديراً بمدى تأثير ذلك في مقدرة المنظمة على إيصال المساعدات الإنسانية للسوريين في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري.

    تقريراً بالطرق التي تفيد وتنفع بها الأمم المتحدة نظام الأسد وشركاءه على نحوٍ غير مقبول بما يخالف المبادئ الأساسية للعمل الإنساني.

    تقريراً بآليات الاحتراز الواجب، ووسائل التمحيص التي تتبعها الأمم المتحدة لضمان أن البضائع والمستلزمات والخدمات التي تقدم في سورية لم تورد من نظام الأسد والمرتبطين به، أو من منتهكي حقوق الإنسان المعروفين، أو الأشخاص المدرجين في لوائح عقوبات البلدان المانحة للأمم المتحدة.

    كشفاً بالجهات المرتبطة بنظام الأسد، التي تلقت تمويلاً، أو حصلت على عقود، أو منح، أو دخلت في شراكات رسمية مع الأمم المتحدة، بما فيها الأمانة السورية للتنمية، والهلال الأحمر العربي السوري، والشركات الخاصة التي يمتلكها النظام، أو يتحكم بها بشكل مباشر أو غير مباشر.

    تقديراً بكيفية وضع الأسد لأسعار صرف عملة اعتباطية، أو مجحفة لجني المال من الأمم المتحدة، وتقديراً بالمبالغ الكاملة التي جناها النظام بهذه الطريقة.

    تقديراً بالدرجة التي أخلت بها أشكال التلاعب المختلفة الموصوفة في هذا القسم بمبادئ العمل الإنساني، كالتعامل الإنساني، والحيادية، والنزاهة، واستقلالية الأمم المتحدة.

    استراتيجية لتقليص مقدرة نظام الأسد على التلاعب بمنظومة الأمم المتحدة وعمليات الإغاثة الأخرى، أو التأثير فيها، ولضمان أن المساعدات التي تقدمها الولايات المتحدة والدول الأخرى تقدم على نحو حيادي ونزيه بما يتفق والمبادئ الأساسية للعمل الإنساني.

———————————-

“نظام شرق أوسطي جديد”.. هل يكرس التطبيع مع الأسد تضاؤل الدور الأميركي في المنطقة؟

تمثل عودة سوريا إلى الجامعة العربية نصرا لنظام الأسد وفقا لكثير من المراقبين، خاصة وأن النظام كان قد طرد من الجامعة في الأساس بسبب جرائمه ضد المدنيين السوريين.

وخلال 11 عاما من الإبعاد، لم يتوقف النظام عن ارتكاب الجرائم، بل على العكس، طالت الانتهاكات ملايين السوريين بشكل أو بآخر.

وفي مقال تحليلي لخبير السياسة الخارجية في مركز سياسة الشرق الأوسط، نشر على موقع معهد بروكنغز، يشير الكاتب، ستيفن هايدمان، إلى أن عودة سوريا قد تعني ما هو أكبر من مجرد نصر محلي لنظام قمعي.

عودة سوريا إلى الجامعة العربية اعتبرت انتصارا لنظام الأسد

نظام جديد

وفقا لأسوشيتد برس، فقد لعبت السعودية دورا رئيسيا في الضغط من أجل عودة سوريا إلى الجامعة العربية واستضافت اجتماعا الشهر الماضي لمناقشة الموضوع.

واستضاف الأردن اجتماعا آخر في وقت سابق من هذا الشهر في السياق ذاته.

وظلت قطر أبرز المعترضين، ومع ذلك، بعد قرار يوم الأحد بإعادة قبول دمشق، قالت قطر في بيان إنها “لن تكون عقبة” أمام “إجماع عربي”. كما أن الكويت لم تؤيد التطبيع، كما قال بدر السيف، أستاذ التاريخ المساعد في جامعة الكويت لأسوشيتد برس.

وأضاف للوكالة أن الكويت “تريد أن تعرف ما هي الظروف، وكيف يبدو الحل السياسي، هل ستكون هناك انتخابات، اعتذار، أي شيء”.

وعلى الرغم من هذه الشكوك الرئيسية، قال السيف إن الرياض ستواصل الضغط على دمشق للعمل من أجل “نظام عربي أكثر قوة وتكاملا”.

ويقول هايدمان إن التطبيع مع الأسد قد يشير إلى وجود “نظام شرق أوسطي جديد” لا تسيطر عليه الولايات المتحدة وتحالفاتها كما في السابق.

ويشير إلى أن التطبيع، يمكن أن يمثل بحد ذاته اعترافا من قبل الأنظمة العربية، بأنه لا يمكن التخلص من الأسد وأنه يجب التعامل معه، ولو كان ذلك فقط للحد من قدرته على خلق مشاكل لجيرانه.

السعودية وجهت دعوة إلى الأسد لحضور القمة العربية الأسبوع المقبل

ونقلت وول ستريت جورنل عن وزير الخارجية المصري، سامح شكري، قوله قبل أيام إن “كل مراحل الأزمة السورية أثبتت أنه لا يوجد حل عسكري لها ولا رابح وخاسرون”، وقال إن قرار الأحد سيمثل بداية عملية سياسية متجددة في البلاد.

ويأمل العرب، وفقا لهايدمان أن يكون إغراء التطبيع أكثر فعالية من العقوبات في إقناعه بمعالجة المخاوف الإقليمية، مع وضع اللاجئين والاتجار بالمخدرات على رأس جدول أعمالهم.

لكن الصورة الكبيرة، كما يقول هايدمان، فإن عودة الأسد تمثل شيئا أكبر أهمية من هذه الملفات.

ويقول في مقاله “تمثل عودته إلى الحظيرة العربية التوطيد المستمر لما لا يمكن وصفه إلا بهيكل أمني إقليمي جديد، وهو إطار لإدارة المنافسات” في المنطقة.

ويقول إن “التطبيع، مثّل خطوة إضافية نحو وقف تصعيد الصراعات الإقليمية المستعصية إلى جانب الخطوات الأخرى التي ضيقت الانقسامات الإقليمية – بين إيران والسعودية، وقطر ونظرائها في مجلس التعاون الخليجي، وتركيا والمنافسين الآخرين في المنطقة مثل مصر، وإسرائيل ولبنان حول القضايا البحرية، أو اتفاق إبراهيم بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة والبحرين”.

 ويقول إن “آثار هذا التحول أيضا في اليمن، حيث أتاح التقارب السعودي الإيراني أطول وقف لإطلاق النار حتى الآن في الحرب الأهلية المستمرة منذ عقد من الزمان في البلاد”.

الأردن والإمارات ساهمتا باعادة سوريا إلى الجامعة العربية

واقعية بدلا من الانقسام

وفي مقاله، لا يبشر هايدمان بتضاؤل أو اختفاء الخلافات الإقليمية المعقدة، لكنه يقول إن الجهات الفاعلة عززت كما يبدو “الفلسفة العملية الواقعية” مقابل الانقسامات المزمنة.

ودعمت دول المنطقة – بما في ذلك المملكة العربية السعودية وقطر ودول أخرى – المتمردين المناهضين للأسد لسنوات، لكن الجيش السوري، المدعوم من إيران وروسيا والجماعات شبه العسكرية المتحالفة معه، استعاد معظم البلاد.

وفي السنوات الأخيرة، تحركت العديد من الدول العربية نحو إعادة العلاقات الدبلوماسية، وأبرزها الإمارات العربية المتحدة في عام 2018.

وأعاد الأردن وسوريا فتح حدودهما في عام 2021.

وفي الشهر الماضي، أعلنت المملكة العربية السعودية وسوريا أنهما تتحركان لإعادة فتح السفارات واستئناف الرحلات الجوية.

والأربعاء، وجه الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز دعوة لبشار الأسد لحضور القمة العربية التي ستقام في الرياض في التاسع عشر من مايو الحالي.

ويقول هايدمان إن “هذه البنية الأمنية الناشئة ستختبر كيفية استجابة الجهات الفاعلة الإقليمية للتحولات الجيوسياسية الأوسع، ولا سيما الدور المتضائل للولايات المتحدة في الشرق الأوسط والنظام الدولي متعدد الأقطاب بشكل متزايد”.

ويقول إنه “إذا لم ينه الإطار الذي انبثق عن هذه الظروف الانقسامات الإقليمية، فقد يعمل على منع المنافسات الدائمة من الغليان إلى صراع مفتوح، وإذا حدث ذلك، فقد يشهد الغرب سابقة تاريخية للعالم العربي، هي تشكيل إطار أمني منظم محليا في مرحلة ما بعد الحرب الباردة”.

ويقول إن هذا المشهد الأمني “يثير أسئلة جوهرية حول دور الولايات المتحدة في الشرق الأوسط”، وكيفية تعامل الولايات المتحدة مع النظام الإقليمي الذي يتحدى العديد من ركائز سياستها في الشرق الأوسط.

الحرة

————————–

ما الذي تسعى إليه تركيا من إنشاء “مركز تنسيق أمني” مع النظام السوري؟/ جلال بكور

أعلنت تركيا أخيرا التخطيط لإنشاء “مركز تنسيق ميداني” في سورية بالتعاون مع النظام السوري، وذلك في إطار التقارب التركي مع النظام برعاية روسية، وفي ظل التقارب العربي مع النظام السوري، لتطفو على السطح تساؤلات عن ماهية هذا المركز وأهدافه، وإمكانية تحقيق الفكرة.

وكان وزير الدفاع التركي خلوصي أكار قد قال، الأسبوع الماضي، في تصريحات للصحافيين، إن بلاده تخطط لإنشاء “مركز تنسيق ميداني” في سورية بالتعاون مع النظام السوري، وذلك بعد اجتماع موسكو الرباعي في إطار التقارب التركي مع النظام. وبحسب تصريحات الوزير التركي، يبدو أن هدف هذا المركز بالدرجة الأولى هو مواجهة “قسد”.

ويرى الباحث السوري وائل علوان أن المركز الذي أعلن عنه وزير الدفاع التركي “هو استمرار للخط الساخن الذي كان بين روسيا وتركيا وإيران سابقاً، واليوم سينضم النظام إليه، وهذا تطور عسكري يأتي بين تركيا والنظام بعد الاجتماعات الأخيرة بين هذه الأطراف في موسكو على مستوى وزراء الدفاع ومسؤولي الاستخبارات”.

وأضاف علوان، في حديث مع “العربي الجديد”، أن تركيا تحاول اليوم من خلال هذا المركز أن تضمن التزام النظام بوقف إطلاق النار في إدلب، وعدم استمراره في الخروقات تحت ذريعة مكافحة الإرهاب، وتريد من النظام أن “يستجيب بشكل فعلي للجهود التركية في مكافحة الإرهاب، والمقصود بها المجموعات التابعة لحزب العمال الكردستاني في شمال وشرق سورية”.

ورأى المتحدث أن “تركيا تحاول ضمان واستقرار شمال سورية أمنياً وعسكرياً، لتكون هذه المنطقة مأوى يعود إليه اللاجئون بدل أن تكون طاردة لهم”، وذكر أن “موافقة النظام السوري على الدخول في هذا المركز تعني عدم مطالبته بالانسحاب التركي من شمالي سورية، ولقاء وزراء الخارجية يعني أن تركيا ضمنت أقل مطالبها قبل الدخول في التطبيع السياسي”.

هل يلتزم النظام؟

وفي إطار التقارب العربي مع النظام السوري، صرح وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي بأنه ستكون هناك غرفة أمنية للتعاون مع النظام، وهي تماثل ما أعلن عنه أكار تحت مسمى “مركز تنسيق ميداني”، ومن المتوقع أن لا يلتزم النظام بالتعاون مع الجانبين، ومن المتوقع أن يستمر في تصرفاته.

وأشار علوان إلى أن “دخول النظام في مركز التنسيق يأتي بضغوط من روسيا التي تحاول إنجاح مسار التطبيع التركي مع النظام”، مضيفاً: “لا نتوقع من النظام الكفّ عن خرق وقف إطلاق النار، ولا اتخاذ خطوات ضد وحدات الحماية وحزب العمال، ولا اتخاذ خطوات تتعلق بعودة اللاجئين”.

أخبار

انطلاق الاجتماع الرباعي حول سورية في موسكو

ولا يعتقد الباحث أن تركيا ستلجأ إلى وسيلة ضغط على النظام السوري خارج العلاقات التركية الروسية، لأن طبيعة العلاقات بين الطرفين في العديد من الملفات تتيح لتركيا الضغط من خلال روسيا.

ومن المتوقع أن تؤثر إيران أيضاً على النظام السوري، بحسب علوان، و”تسعى طهران دائماً لعدم رضوخ النظام بشكل كامل للضغوطات الروسية التي تعارض مصالحها”.

يذكر أن العديد من الاتفاقيات التي وقعت بين روسيا وتركيا، بما يخص شمال غربي سورية، تتعرض للخرق بشكل متكرر من قوات النظام السوري والمليشيات التابعة له، وخاصة المليشيات المدعومة من إيران.

العربي الجديد

———————————-

التغيير يبدأ من طهران/ مروان قبلان

لا يمكن لباحثٍ متوازنٍ وموضوعيٍّ أن يقلل من أهمية دور الشعوب في صناعة التغيير وكتابة التاريخ، أيّ محاولةٍ بهذا الاتجاه هي تقليل من احترامنا أنفسنا، وانتقاص من التضحيات الكبيرة التي قدّمتها شعوبنا، خصوصا في السنوات القليلة الماضية، طلباً للحرية والكرامة الإنسانية. لكن ينبغي، في المقابل، وبحسب ما دلّت تجارب الثورات العربية، ألا نستخفّ بدور الظروف الخارجية في مقاومة إرادة الشعوب وافشال سعيها نحو التغيير. الشعوب هي بالتأكيد من يُشعل الثورات، عندما تُصبح تكلفة عدم الثورة بالنسبة إليها أكبر من تكلفة القيام بها، لكنها لا تقرّر في بعض الحالات (إن لم يكن في أكثرها) وحدها نتائج الثورة، على ما تدلّ الشواهد القائمة حاليًا من اليمن إلى تونس مرورًا بسورية وليبيا ومصر والبحرين وغيرها، فالعوامل خارج الحدود تلعب دورًا لا يقلّ أهمية.

في مطلع عام 1989، لم تبدُ هناك بارقة أملٍ حقيقيةٍ لدول أوروبا الشرقية في إسقاط الاستبداد والتحوّل نحو الديمقراطية لولا ضعف القبضة السوفييتية وبداية تصدّع بنية الاستبداد في المركز نفسه، ما أدّى، في نهاية المطاف، إلى انهيار النظام الشمولي المتروبولي وتسرّب الديمقراطية نحو الأطراف. قبل ذلك، زحفت الدبابات السوفييتية مرّتين لقمع الانتقال الديمقراطي في المعسكر الشيوعي، في المجر عام 1956، وفي تشيكوسلوفاكيا عام 1968، بينما عمدت إلى خنقه في بولندا من خلال قمع نضال حركة التضامن (1981-1989).

على مدى العقد الماضي، لعبت إيران (الدولة الثيوقراطية الشمولية ذات طموحات الهيمنة الإقليمية) أدوارًا مهمة في قمع إرادة التغيير في قوس نفوذها الممتدّ في أرجاء المشرق العربي ابتداء بسورية (2011 – 2015) والعراق (2019) ولبنان (2019)، وصولا إلى اليمن، حيث شجّعت الانقلاب على مخرجات الحوار الوطني والتأسيس لانتقال ديمقراطي (2014) من خلال دعمها القوى والمليشيات الحليفة لها، واستغلال الظروف الدولية لصالحها، بما في ذلك إشاحة الولايات المتحدة بوجهها عن المنطقة بعد فشلها في تغييرها (انطلاقا من العراق) وتناقص مصالحها فيها (نتيجة اكتفائها الطاقوي)، ثم استعانتها بروسيا الطامحة بدورها إلى استعادة مكانتها الدولية. وقد نجحت إيران بذلك في منع حركة التغيير الديمقراطي في عموم المشرق العربي، لأسبابٍ بعضُها جيوسياسي، وبعضُها من باب الحرص على منع وصول المدّ إليها، فكان “الدفاع” عن دمشق وبغداد بمثابة دفاع عن طهران. وقد مثلت زيارة الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، إلى دمشق الأسبوع الماضي ما يشبه احتفالا بالانتصار على إرادة شعوب المشرق العربي التي خرجت طلبا للحرّية والعدالة والتغيير.

وبما أن التغيير في الأطراف يتم إجهاضه عبر المركز، تصبح حدود التغيير الممكن حصول تغيير في إيران نفسها التي صارت تمثل مركزا للمحور الممتد من جبال هندوكوش إلى البحر المتوسط. إن تغييرا نحو الديمقراطية في إيران سوف يغيّر كل الديناميات التي نشأت مع فشل الثورات العربية، ويفتح الباب واسعاً على تحوّل ديمقراطي حقيقي في المشرق العربي بطريقةٍ مماثلةٍ تماما لما حصل في المعسكر الشيوعي بين عامي 1989و1991. وهذا يعني أنّ نضال الشعوب العربية بات يرتبط ارتباطا وثيقا بنضال الإيرانيين من أجل الحرية والكرامة الإنسانية. هكذا تصبح ثورات 2011 العربية امتدادا للثورة الخضراء التي أجهضها النظام الإيراني عام 2009، والثورة من أجل الضحية الشابة مهسا أميني امتدادا لثورات المشرق العربي التي أجهضتها مليشيات الحرس الثوري. هكذا تتعامل طهران وحلفاؤها مع هذه الثورات، وكذلك يجب أن نعتبرها نحن، فالصراع يكاد يكون واحدا، والقضية واحدة، وجهاز القمع نفسه (الحرس ومليشياته)، وعوامل الثورة مشتركة (فساد، قمع، استبداد … إلخ).

على مدى القرن الماضي، منذ الثورة الدستورية عام 1906، خرجت حركات احتجاجية كبرى في إيران مرّة كلّ عشر سنوات تقريبا، طلباً للحرية والعيش الكريم، بما في ذلك انتفاضة مصدق (1951) وانتفاضة 1963 وثورة 1979 وانتفاضة 1999 الجامعية، وثورة 2009 الخضراء. لكن الاحتجاجات باتت، في العقد الأخير، تحصل بشكل سنوي ومستمر تقريباً في إيران. وهذا يعني أنّ حصول تغيير في طهران، سواء عبر ثورة أو عبر إصلاحاتٍ يضطر إليها النظام سوف يسري سريعا في دول المشرق العربي، وقد يأتي هذا مفاجئا على نحو ما حصل عام 1989 في المعسكر الشيوعي.

العربي الجديد

—————————

عن تخوف وقلق السوريين المشروع من الانتخابات التركية/ أحمد رحال

ما من شك أن معظم اللاجئين السوريين بات لديهم تخوّف كبير من ارتدادات سلبية قد تعصف بهم مع ضراوة منسوب الصراع السياسي الذي يعم الشارع التركي خلال الانتخابات القادمة التي ستفتح صناديقها في منتصف أيار/مايو الحالي، والتخوف السوري ناجم عن مضمون التصريحات التي ترددها أحزاب المعارضة التركية التي تلتقي معظمها على هدف واحد يتمثل بطرد السوريين وترحيلهم من تركيا، باستثناء الحزب الحاكم الذي يتزعمه الرئيس الحالي أردوغان الذي يستخدم بدلاً من الترحيل مصطلح (العودة الطوعية)، لكن تلك الحملة والتصريحات غير المسبوقة، مع حالات تعدي ومضايقات حصلت لكثير من السوريين في تركيا، يمكن القول حتى الآن أنها فردية، ويبقى التخوف الأكبر لدى السوريين بانتصار زعامات تلك الأحزاب بالانتخابات وما يمكن أن يترتب على تلك النتائج من قرارات حيال اللاجئين السوريين.

بمعرض الحديث عن السوريين لابد من التذكير أن هناك أكثر من 230 ألف لاجئ سوري حصلوا على الجنسية التركية من أصل 3,7 مليون سوري لجؤوا إلى تركيا منذ عام 2011، وأن هناك حوالي 700 ألف ولادة لعائلات سورية في تركيا، وتلك الأرقام وردت بنشرة رسمية لوزارة الداخلية التركية وللوزير سليمان صويلو.

الشيء المؤكد وفق مصادر تركية أن الملف السوري سيكون على طاولة البحث في تركيا بعد الانتخابات وبغض النظر عن الفائز، وأن الوضع الحالي بات مرفوضاً تقريباً من قبل جميع الأحزاب، وهذا الواقع يأتي في ظل غياب أي حل للقضية السورية، كان يمكن أن يشكل أرضية لبيئة آمنة تسمح بعودة اللاجئين من دول الجوار (كما نصت القرارات الصادرة عن مجلس الأمن والأمم المتحدة بشأن عودة اللاجئين السوريين),

في المقابل فإن المناطق التي تُعطى لها صفة “محررة” وتخضع للنفوذ التركي، لا تصلح للعيش الآمن، نتيجة الفوضى والفساد وغياب القانون وتسلط أمراء الحرب، وخاصة بعد أن شهدت الأعوام الأخيرة الكثير من الانتهاكات التي دفعت باللاجئين السوريين في الخارج للإحجام عن التفكير بالعودة لتلك المناطق التي تسيطر عليها إسمياً “الحكومة السورية المؤقتة”، لكن فعلياً مسيطر عليها من قبل مافيات وأمراء حرب، استباحوا المنطقة بعيداً عن تطبيق أي قانون أو مراعاة للنازحين والمهجرين الذين دفع بهم نظام الأسد للشمال السوري نتيجة آلته العسكرية، أو بسبب رفضهم البقاء في مناطق المصالحات الروسية وآثروا الرحيل للحدود التركية.

كذلك يعود سبب ارتباك وقلق اللاجئين السوريين في تركيا بسبب الزج بهم في ملفات تركية داخلية كان من الأفضل إبعادهم عنها، فقد اعتبرت الأحزاب المعارضة التركية أن السوريين باتوا سبباً أساسياً في تردي الأوضاع الاقتصادية في تركيا، ومتسببين في تراجع قيمة الليرة التركية، بل نسبت المعارضة التركية للسوريين الكثير من أسباب اجتماعية وأخلاقية تسببوا بها للمجتمع التركي، وكان يُفترض النأي بالسوريين عن تلك الملفات، لأن الأرقام والتقارير التي تقدّمها وزارة الداخلية التركية من حيث التعداد النسبي لجرائم ومخالفات السوريين، هي أقل بكثير مقارنة مع مثيلاتها في الشارع التركي، أما في الملف الاقتصادي فقد جاهر الكثير من الأتراك وتحدثوا عن مهارة العامل السوري, وعن حرفية ومهنية العمالة السورية ونشاطها ودورها البارز بتحريك عجلة الاقتصاد والصناعة التركية، أضف إلى ذلك أن رؤوس أموال رجال الأعمال السوريين والطبقة السورية المتوسطة في الشمال السوري ووسط البلاد قامت معظمها بنقل أرصدتها المالية وحتى أدوات إنتاجها من الداخل السوري إلى تركيا، وبات القائمون على الاقتصاد التركي يدركون تماماً أن هناك كتلة مالية ضخمة جلبها السوريون وباتوا يستثمرونها في الاقتصاد التركي، لكن تلك الأمور غابت عن معظم الأحزاب التركية وبات هدف ترحيل السوريين يأتي في مقدمة أولويات تلك الأحزاب، بل إن المرشح المعارض للرئيس أردوغان, كمال كالجدار الزعيم السياسي التركي وزعيم المعارضة ، ورئيس حزب الشعب الجمهوري, وضع هدف المصالحة مع بشار الأسد وترحيل السوريين في مقدمة وعوده الانتخابية.

لكن لو بحثنا في العمق لوجدنا أن المعارضة السورية تتحمل معظم المسؤولية عما آلت إليه أمور اللاجئ السوري في تركيا، عندما لم تكن تلك المعارضة حيادية في تعاطيها مع الوضع السياسي والحزبي في تركيا، وكان على متصدّري المشهد القيادي للمعارضة السورية بناء علاقات طيبة مع كل الأحزاب التركية، والوقوف على الحياد اتجاه كامل الملفات الداخلية، وعدم التحزب لطرف ضد طرف آخر في الداخل التركي، لكن مع مرور حوالي 12 عام من الوجود السوري في تركيا، فكل تواصلات وارتباطات المعارضة السورية السياسية كانت تدور في التموضع قرب حزب العدالة والتنمية الذي يقوده الرئيس أردوغان، والأحزاب التي تدور في فلكه أو تتحالف معه، وقد يكون هذا التموضع الخاطئ تسبب بدفع الأحزاب التركية المعارضة لاتخاذ مواقف حادة ضد اللاجئين السوريين، والمعارضة السورية، والوجود السوري في تركيا، وهذا الأمر يشكل قلق وخوف آخر ينتظر المعارضة السورية؛ فما كانت تحظى به تسهيلات من الحزب الحاكم الحالي، ستخسره حتماً إذا ما خسر الانتخابات، وقد يتم طردهم أيضاً من تركيا، أو يمنعون على الأقل من العمل كمعارضة سياسية ضد نظام الأسد على الأراضي التركية.

ومن المؤكد أن المعارضة التركية إذما ربحت الانتخابات ستعمل على ترتيبات سياسية وعسكرية محددة (وقد تكون بالتوافق مع نظام الأسد) تهدف لسحب الجيش التركي من الأراضي السورية، وجملة تلك الخطوات إذا ما تم اتخاذها، قد لا تؤثر على الداخل التركي أو الحكومة التركية الجديدة، لكن تأثيرها الكبير سيكون على السوريين في الشمال الغربي؛ فانسحاب الجيش التركي من داخل سوريا سيضع المنطقة في مهب الريح وتكون عرضة لفلتان أمني محفوف بكثير من الأخطار على النازحين والمهجرين، لأن المنطقة وبرغم كل ما قيل ويقال لا تُدار عبر مؤسسات حقيقية ولا يوجد قانون يحكم وينظم العلاقة بين القيادات الحكومية والعسكرية والمدنيين.

العلاقة مع نظام الأسد كانت في صميم الانتخابات وعمل الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة في تركيا، عندما دخلوا في سباق على من يصل لدمشق أولاً، فعلى إثر موعد حُدد للمعارضة التركية لزيارة الأسد في دمشق، استطاعت روسيا وبضغط من الرئيس أردوغان فرملة وإيقاف تلك الزيارة (عبر الضغط على حليفهم بشار الأسد) والدفع (بدلاً عنها) لمصالحة بين الرئيس أردوغان وبشار الأسد، لكن كانت هناك عوامل كثيرة منعت السير بملف التطبيع بين أنقرة ودمشق وأهمها العامل الإيراني الذي يفضل أن تعبر عملية التطبيع مع الأسد (عربياً وإقليمياً) عبر بوابة طهران وليس عبر بوابة موسكو، وأيضاً دمشق ارتأت تأجيل البت بعلمية التطبيع مع تركيا ريثما ينقشع ضباب الانتخابات فيها ومعرفة هوية الجهة التي يجب التفاوض معها، وإن كانت دمشق أساساً لا ترغب بتقديم هدايا مجانية لحزب العدالة والتنمية، وتفضل فوز المعارضة التركية للانتقام من الرئيس أردوغان وحزبه بسبب دعمهما للمعارضة السورية.

نورث برس

——————————–

كيف يريد النظام السوري أن تنتهي الانتخابات التركية؟

يُنظر إلى الانتخابات التركية، في إطار السياسة الخارجية، على أنها مصيرية في مسار “بناء الحوار” بين تركيا والنظام السوري وإعادة تفعيل العلاقات معه، بحيث ستكون نتائجها النقطة الفاصلة في إكمال هذا المسار ضمن الشروط المطروحة بين الجانبين.

وفيما تشهد العاصمة الروسية موسكو، حالياً، اجتماعاً لوزراء خارجية تركيا والنظام، وهو اللقاء الدبلوماسي الأول من نوعه بعد لقاء وزراء الدفاع، يبدو أن النقاط الخلافية الأساسية لا تزال قائمة بين الجانبين.

إذ يريد النظام من تركيا سحب قواتها بشكل كامل من الأراضي السورية، فيما تشترط تركيا القضاء على انتشار “الإرهاب” قرب حدودها، وتوفير أساس عسكري وسياسي لعودة اللاجئين.

النظام يريد رحيل أردوغان

يقول الباحث في معهد دراسات العالم العربي والإسلامي في فرنسا، توماس بيريت، إن أردوغان يستخدم عملية التطبيع مع النظام كخطوة انتخابية، وإذا بقي في السلطة، فلن يكون لديه سبب لدفع هذه العملية.

وفي حديثه لشبكة “BBC” بنسختها التركية، قال بيريت إن النظام السوري يدعم فوز المعارضة التركية بالانتخابات المقبلة.

وأضاف: “هل تريد الحكومة السورية رحيل أردوغان؟ نعم بالتأكيد. لقد كانت في حالة حرب مع تركيا في أوقات معينة خلال السنوات العشر الماضية. لقد قاموا بحملات منذ سنوات ضد ما يسمى بالغزو التركي لشمال سورية”.

وتابع: “لا جدوى من الاستمرار في التطبيع إذا فاز (أردوغان) في الانتخابات”.

من جانبه، قال مراد الشيشاني من خدمة “BBC” العربية، إن النظام السوري ينظر إلى الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، كشخص يتدخل في بلاده ويدعم “الجماعات الإرهابية” ويقف في صف المعارضة السورية.

واعتبر أن النظام السوري والعديد من دول المنطقة يريدون رحيل أردوغان، وفوز المعارضة التركية.

ومع ذلك، فإن تركيا في وضع قوي للغاية بسبب علاقاتها الجيدة مع روسيا، بحسب الشيشاني، مضيفاً أن العلاقة بين سورية وتركيا ليست ثنائية الاتجاه، بل تتم عبر روسيا.

من ناحية أخرى، ذكر بيريت أن حكومة النظام السوري تعترف بـ”حزب الشعب الجمهوري” ومرشحه كمال كليشدار أوغلو، وسبق أن زارت وفوده النظام السوري عدة مرات وتبنى مسؤولوه خطاباً إيجابياً للغاية نحو النظام.

ومع ذلك يرى الباحث أنه في حال فوز “حزب الشعب الجمهوري”، سيحاول أيضاً تحسين علاقاته مع الغرب، وقد يتطلب ذلك نهجاً شديد الحذر عندما يتعلق الأمر بالمصالحة مع الأسد.

ماذا عن الشمال السوري؟

يرى الباحث في معهد دراسات العالم العربي والإسلامي في فرنسا، توماس بيريت، أن وضع “هيئة تحرير الشام” هو الأكثر تعقيداً، في حال خسرت الحكومة التركية الحالية الانتخابات.

وقال إن الهيئة “لديها اتفاقيات مع تركيا، وفي نفس الوقت لديها علاقات متوترة، خاصة أن للهيئة قادة على القائمة السوداء من قبل تركيا. وإذا فازت المعارضة في الانتخابات، فقد تظل هيئة تحرير الشام في موقف صعب”.

وبالتالي “يمكن أن تتجمع الفصائل السورية الخائفة من فقدان الدعم التركي مع هيئة تحرير الشام باعتبارها آخر قوة معارضة موثوقة”.

وبحسب بيريت، قد يغير بعض القادة السياسيين أو الدينيين أو العسكريين في صفوف قوى المعارضة مواقفهم عبر الانضمام إلى “هيئة تحرير الشام” في إدلب ، مضيفاً: “لقد حدث هذا بالفعل إلى حد محدود”.

ويسود تخوف في الشمال السوري من انسحاب القوات التركية على المدى القصير، في حال فازت المعارضة التركية بالانتخابات، بحسب تقرير “BBC”.

لكن الفوز في الانتخابات لا يعني بالضرورة أن المعارضة الحالية ستسحب قواتها من سورية، بحسب بيريت، معتبراً أنهم سيحتاجون إلى التفكير مرتين قبل سحب القوات، وهناك سببان رئيسيان لذلك.

الأول أن سحب القوات يمكن أن يؤدي لمشاكل، من بينها زيادة تدفق اللاجئين السوريين لتركيا في حال سيطر النظام على الشمال السوري.

والثاني أن مهمة الجيش التركي في سورية هي التعامل مع “وحدات حماية الشعب”، وتنظر أقسام من المعارضة التركية إلى الوحدات على أنها “تهديد وطني”، وبالتالي فإن أي حكومة تركية لا يمكنها سحب قواتها من سورية بين عشية وضحاها.

خطاب “غير واقعي” عن اللاجئين

تضع المعارضة التركية ترحيل اللاجئين السوريين كأبرز الملفات ضمن برنامجها الانتخابي، إذ قال المرشح كمال كلشدار أوغلو إنه في حال الفوز سيعيد جميع السوريين لبلدهم في غضون عامين كأبعد تقدير”.

وأضاف أنه سينسق ذلك بالتعاون مع حكومة النظام السوري.

وبهذا الصدد، قال مراد الشيشاني من خدمة “BBC” العربية، إن السوريين الذين يعيشون في تركيا قلقون من احتمال انتصار المعارضة، مشيراً إلى أن خطاب المعارضة التركية “عملي” لكنه “غير واقعي”.

فيما قال توماس بيريت إنه في حال فوز المعارضة التركية واتخاذها إجراءات لترحيل السوريين، فإن معظم السوريين لن يرغبوا بذلك وبالتالي فإن العودة ستكون قسرية، ما يعد انتهاكاً لحقوق الإنسان.

وأضاف أن ذلك “قد يعرض محاولات حزب الشعب الجمهوري لتحسين العلاقات مع الدول الغربية للخطر، وقد تثير هذه الخطوة رد فعل قوي من اللاجئين السوريين وأعضاء حزب العدالة والتنمية المعارضين آنذاك. كما أنه يخلق توترات شديدة مع قطر، على سبيل المثال”.

————————————-

“رهان كارثي”.. ماذا وراء عودة الأسد للجامعة العربية؟

تتواصل التحليلات حول خلفيات وخفايا عودة النظام السوري لمقعد سورية في الجامعة العربية، بعد إجماع عربي على إلغاء تجميد عضويته خلال السنوات الـ12 الماضية.

وسلطت تقارير غربية الضوء على تلك العودة، التي ستتجسد رسمياً في حال شارك رئيس النظام، بشار الأسد، بالقمة العربية المقبلة المنعقدة في الرياض في 19 مايو/ أيار الجاري، بعد توجيه دعوة رسمية له من قبل العاهل السعودي، سلمان بن عبد العزيز، أمس الأربعاء.

“رهان كارثي” على الأسد

وكالة “بلومبيرغ” الأمريكية اعتبرت أن عودة النظام السوري للحضن العربي ومحاولات تأهيله مجدداً، هي “انتصارٌ للمصلحة على التجربة والأخلاق والحكمة الإستراتيجية”.

وقالت في مقال رأي للكاتب بوبي جوش، أول أمس الثلاثاء، إن العرب يخاطرون بـ “رهان كارثي” على الأسد، الذي لن يستجيب للمطالب والشروط العربية.

وفي تقرير آخر، أمس الأربعاء، قالت الوكالة الأمريكية إن عودة الأسد للحضن العربي تعكس تحولاً أوسع يتجلى في الشرق الأوسط.

واعتبرت أن الحكومات الخليجية خلصت إلى أن عنوان “النفط مقابل الأمن”، الذي حدد علاقاتها مع الولايات المتحدة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، قد انتهى.

وأضافت: “بعد أن فشلوا في التأثير على السياسة الأمريكية بشأن برنامج إيران النووي وانتشار الميليشيات المتحالفة معها من لبنان إلى اليمن، فإنهم يرسمون طريقهم ويبنون علاقات أقوى مع خصوم الولايات المتحدة بما في ذلك روسيا والصين”.

انعطافة لـ”الربيع العربي”

أما صحيفة “بوليتيكن” الدنماركية اعتبرت أن عودة النظام السوري للساحة العربية لن تؤثر على القرار الغربي، الذي لا يزال مصمماً على مقاطعة الأسد وعزله دولياً، حسب قولها.

وأضافت أن عودة الأسد لـ “حرارة الأنظمة العربية” ليست إلا انعطافة أخرى في مسار الربيع العربي، الذي انطلق أواخر عام 2010، وشمل دولاً عدة من بينها تونس ومصر وليبيا، دون أن تتحقق مطالب “الديمقراطية” التي خرجت بها الشعوب هناك.

وبحسب الصحيفة، فإن الأنظمة العربية “المستبدة” التي طالها الربيع العربي، استفادت من تحول الثورات إلى “حروب أهلية”، من اليمن إلى سورية وليبيا، وفي أفضل الأحوال استُبدِلت بمفاوضات سلام مؤخراً.

وتابعت: “رقبة الأسد تحت ضغوط كبيرة رغم العودة إلى الجامعة العربية.. لأن خياره العسكري والقمعي هو المفضّل، بعد أن أصبح مجرم حرب وتاجر مخدرات، وأحال بلده إلى خراب، بدل تبني الديمقراطية لشعبه”.

ماذا وراء العودة؟

وكالة “أسوشيتد برس” اعتبرت أن قرار جامعة الدول العربية بإعادة قبول النظام السوري، هو انتصار “رمزي مهم” لدمشق، وجزء من إعادة الاصطفاف الإقليمي الأكبر، ومؤشر على تراجع دور الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.

وأضافت في تقرير لها، الاثنين الماضي، أنه بعد سنوات من جمود الحرب في سورية، بدا من الواضح أن إسقاط المعارضة السورية للأسد يكاد يكون مستحيلاً، خاصة مع فشل المسارات السياسية بإحداث أي خرق يُذكر لحل الملف السوري.

وبالتالي فإن الحكومات العربية التي ربما كانت تأمل سابقاً بإسقاط النظام، تقرر الآن أنه من الأفضل التواصل معه.

من جانبها، قالت رندا سليم، مديرة برنامج حوارات المسار الثاني وحل النزاعات، للوكالة الأمريكية إن “إلغاء أولوية الولايات المتحدة للشرق الأوسط وخاصة ملف سورية دفع الجهات الفاعلة الإقليمية إلى إبرام صفقات خاصة بها مع دمشق، على الرغم من اعتراضات واشنطن”.

وأضافت أنه على المستوى الرمزي، تشير عودة النظام بالنسبة للمعارضين السوريين إلى أنهم “تركوا وحدهم”، وتؤكد للنظام أن استراتيجية الأرض المحروقة في الحرب قد نجحت.

ومع ذلك اعتبرت سليم أن المعقد العربي في الجامعة العربية “ليس بهذه القوة”.

وبالحديث عن شروط عربية للنظام، حول الحل السياسي ومحاربة تهريب المخدرات وتسهيل عودة اللاجئين، قالت مديرة مركز “كارنيغي” مها يحيى، إنه من غير المرجح أن يلبي النظام مطالب الدول العربية.

وختمت بالقول: “بصراحة، لا أعتقد أن هذه الخطوة (عودة النظام للجامعة العربية) ستفتح أبواب الدعم لسورية”.

————————————

إيكونوميست: سياسة الغرب تجاه الأسد فشلت والتطبيع معه لن يحقق آمال الدول العربية

 قيمت مجلة “إيكونوميست” عودة سوريا إلى الجامعة العربية بقولها إنه بعد 12 عاما من الدم سوريا الأسد تعود إلى البيت العربي، وأن واحدا من أسوأ المجرمين في القرن الحادي والعشرين يعود.

وقالت: “لا أحد يستمتع بلقاءات الجامعة العربية، وكان من المقرر أن تعقد القمة في المغرب عام 2016، لكنه لم يزعج نفسه ووصف المناسبة بأنها مضيعة للوقت. وحصل ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان على تقرير طبي كي لا يحضر القمة في العام الماضي بالجزائر. وعادة ما يتم رصد رؤساء الدول وهم يغطّون بالنوم”.

ولا أحد يستمتع بها باستثناء بشار الأسد، الديكتاتور السوري الذي سيفرح بالقمة العربية المقبلة منذ عام 2011، حيث علقت العضوية، عندما بدأ الأسد بقمع الانتفاضة التي انزلقت نحو الحرب الأهلية.

في 7 أيار/مايو وافقت الجامعة على إعادة مقعد سوريا المعلق وقالت إنها ستوجه دعوة إلى الأسد لحضور القمة المقبلة المقررة في السعودية في 19 أيار/مايو. و”تبدو الدعوة من دكان ممل حافل بالديكتاتوريين يبدو فارغا. وللأسد، فهو تتويج لجهود طويلة لإنهاء عزلته العربية وربما كان يأمل بأنها خطوة أخرى نحو الغرب”. وتقول إن نظامه لم يفعل شيئا يستحق عودته، ولم يقدم تنازلات من أجل الإصلاحات السياسية أو المحاسبة لجرائم الحرب لا ولم يحاول إعادة 6 ملايين لاجئ، معظمهم في دول الجوار. وكان عدد سكان سوريا 22 مليون نسمة فرّ نصفهم إلى الخارج أو أصبحوا نازحين في بلادهم. وهو يحكم نخبة فاسدة تغرق الخليج بالمخدرات غير الشرعية وتقيم علاقات قريبة مع إيران، العدوة اللدودة لعدد من الدول العربية. فضلا عن انتشار الفقر، و “يبدو أن أكثر الديكتاتوريين دموية يستطيع الخلاص لو تسبب بمشاكل كافية للآخرين”.

وهذا هو واحد من دروس عودته إلى المسرح الدولي، أما الدرس الثاني، أن المستبدين وأمراء الحرب الذين يبحثون عن دعم روسيا عادة ما يخيب أملهم. فالأسد بحاجة إلى العالم العربي، وبخاصة دول الخليج الثرية، لأن روسيا لا يمكنها إعادة إعمار البلد. وسيكون من الأفضل له لو استطاع تحقيق التقارب مع الغرب الذي وضع نظامه تحت طائلة العقوبات لمنع الإعمار. والعاملون في قطاع الطاقة، مثلا، يمنعون الشركات من بناء محطات طاقة جديدة أو توفير المعدات له. ويشعر المستثمرون من الخليج بالقلق، حتى في مشاريع صغيرة للطاقة الشمسية، ويخافون من خرق العقوبات. ولهذا فالتقارب مع الغرب ليس محتملا. لكن الحديث عن واحد يثير أسئلة، تردد صدى فنزويلا وزيمبابوي، فلو استمر النظام وفشلت العقوبات، فهل يجب بقاؤها رغم أثرها الضار على المدنيين؟ ولم يكن الأسد منبوذا بالكامل في منطقته، فقد رفضت الجزائر قطع العلاقة مع النظام، وفعلت مصر ولو لفترة قصيرة في أثناء ديمقراطيتها التي لم تعمر طويلا، ولكنها استأنفت العلاقة بعد انقلاب عام 2013. لكن الأسد ظل طوال العقد الماضي وحيدا.

وعندما وصل الأسد إلى الإمارات العام الماضي، كانت أول رحلة له للبلد منذ 11 عاما. وكانت الإمارات أول دولة تكسر عزلة الأسد، وافتتحت سفارتها من جديد في 2018 ثم جاءت الهزة الأرضية التي منحت القادة العرب المبرر للتواصل مع الأسد وتقديم التعازي له وتنسيق الإغاثة.

وترى المجلة أن هناك عدة أسباب دفعتهم إلى التطبيع مع الأسد، الأول هو روح التقارب الأوسع، ففي آذار/مارس توصل السعوديون إلى تسوية مع إيران برعاية صينية. وقرر البلدان استئناف العلاقات الدبلوماسية وفتح السفارات. وبعد سنوات من حروب الوكالة في سوريا واليمن وأماكن أخرى، بات الطرفان راغبين في خفض التوتر وتعزيز موقفهما في الداخل. وتحاول تركيا ومصر اللتان تعيشان وسط أزمة اقتصادية إنهاء عقد من العداء. وأنهت دول الخليج خلافاتها وحصار قطر الذي لم يؤد إلى نتائج. ويحاول الأعداء القدماء حول المنطقة التظاهر بأنها عادت  صديقة. وعندما يتعلق الموضوع بسوريا، فإنها تريد أمرا أكثر جوهرية، فجيرانها يأملون بالتخلص من ملايين اللاجئين السوريين. نحو مليوني لاجئ في لبنان، البلد الذي لا يتجاوز عدد سكانه الـ 5 ملايين نسمة، وينظر إليهم كعبء وحُمّلوا ظلما الانهيار الاقتصادي في البلد. وفي تركيا تحول المزاج إلى عدواني. وتعهد كمال كيليتشدار مرشح المعارضة في الانتخابات المقررة في 14 أيار/مايو بالتخلص من اللاجئين السوريين في عامين لو انتخب.

ويأمل البعض من التطبيع مع الأسد، إبعاده عن إيران التي ساعدته  عسكريا وتحولت سوريا إلى قاعدة للحرس الثوري وحزب الله وبقية الجماعات الموالية لإيران. ويثير وجودها قلقا لدول مثل السعودية والأردن التي ترى في إيران شرا. ولكن لا أحد عليه أن يعول كثيرا. فقد بنى البعض من أبناء الدياسبورا السورية حياة جديدة، مع أن البقية لا يزالون يعيشون في أوضاع بائسة تحت الخيام ويعيشون على المساعدات. وقلة منهم يريدون العودة إلى سوريا، ولن يعودوا لو خيروا إلا حالة قام النظام بإصلاحات سياسية وحصل تقدم في مجال إعادة الإعمار. وبالنسبة إلى إيران فمن الصعب عليها رؤية طرد الأسد القوات التي ساعدته على البقاء في السلطة. وعندما زار الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي تم الترحيب به بموسيقى تمجّد إيران.

 ويشك الكثير من السوريين في قدرة الأسد الذي تحيط بعاصمته الميليشيات الشيعية على طرد الإيرانيين. وربما قامت سوريا ببعض اللفتات، مثل الحد من مادة الكبتاغون التي أصبحت منتشرة في دول الخليج. فقد صادرت السلطات الإماراتية 36 مليون حبة في 2020 تم إخفاؤها في شحنة من الكوابل الكهربائية. وفي العام التالي عثرت الجمارك السعودية على 20 مليون حبة مخبأة في شحنة “غريب فروت”. ويقول الأردن إنه صادر17 مليون حبة في 2022. بزيادة عن 15 مليون حبة عام 2021 وفقط 1.4 مليون حبة في 2020. وقتل حرس الحدود في مواجهة مع مهربي المخدرات.

ويبالَغ في تقدير حجم موارد الكبتاغون، فالحكومة البريطانية تقدرها بنحو 57 مليار دولار وهو مبلغ غريب وأكبر من الناتج المحلي العام للأردن أو الدخل المشترك بين كل عصابات المخدرات في المكسيك. وربما كان الرقم كبيرا ولكنه أقل، ويجعل سوريا مترددة في وقف التصدير. وكانت السنوات الـ 12، جيدة للمتربحين وتجار الحرب حول الرئيس وبائسة للبقية. ووصل سعر الليرة السورية التي كان سعرها قبل الحرب 50 ليرة لكل دولار، إلى 8.700 ليرة لكل دولار.

والمعدل السنوي للتضخم هو 100%، ولم يتعد تصدير البلد عن مليار دولار من المواد المشروعة وأقل من 11 مليار دولار قبل الحرب. ولم تكن الحكومة قادرة على توفير سوى ساعات قليلة من الكهرباء في اليوم. ويدين الأسد في نجاته لروسيا التي أرسلت آلاف الجنود ومئات المقاتلات في عام 2015. وكل ما دمرته لم تقم بإعماره. وفي 2019 و 2020 أعلن المسؤولون الروس عن مشاريع لتحديث محطات الطاقة الكهربائية وبناء مركز حبوب في طرطوس وشبكة سكك حديدية. وبعد سنوات، لا تزال الكهرباء غير متوفرة والناس يعانون نقص الحبوب، أما القطارات فهي ساكنة. وتوقفت روسيا عن تقديم الوعود الفارغة. ولم يعد لديها ما تقدمه، حيث علِقت في الحرب الأوكرانية وتعاني عقوبات قاسية. وأمن فلاديمير بوتين مصالحه الضيقة، قاعدة بحرية في طرطوس ومصالح  التنقيب عن الفوسفات وأمورا أخرى. وهذه لا توفر وظائف وأعمال للسوريين الفقراء. ومن يحلمون بحكم طوال الحياة عليهم الملاحظة، فشركة المرتزقة فاغنر لها حضور في السودان أيضا ومتعاونة مع محمد حمدان دقلو ولها مصالح في مناجم الذهب. وكانت روسيا سعيدة بإرسال جنودها والذخيرة لدعم المقاتلين لكن هذا لا يعني كثيرا في إعادة الإعمار.

من الناحية الرسمية تريد الولايات المتحدة بقاء الأسد منبوذا، واتصل وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن بنظيره الأردني في 4 أيار/مايو وكرر موقف الولايات المتحدة وأنها لا تعترف بالتطبيع.

ولو أرادت سوريا إعادة إعمار المناطق المتضررة، فالمال سيأتي من أطراف أخرى. فالدول الغربية تمقت أن تتحمل الفاتورة، وربما رحبت دول الخليج بالمساعدة في الإعمار لو حصلت بالمقابل على تأثير سياسي واقتصادي.

من الناحية الرسمية تريد الولايات المتحدة بقاء الأسد منبوذا، واتصل وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن بنظيره الأردني في 4 أيار/مايو وكرر موقف الولايات المتحدة وأنها لا تعترف بالتطبيع. وتبنى الاتحاد الأوربي موقفا متشددا مع أن دولا في وسط وجنوب أوروبا تفضل استئناف العلاقات من أجل التخلص من المهاجرين السوريين لديها. وفي أحاديثهم الخاصة يقول الدبلوماسيون العرب إن أمريكا منحتهم “الضوء الأصفر” أي: حاولوا وتأكدوا من حصولكم  على شيء. وتلخص أزمة كبتاغون هذا الوضع المحفوف بالمخاطر. ويقدم المسؤولون الغربيون جدلا واضحا: لأن الأسد خلق المشكلة، فاستئناف العلاقات معه، هو بمثابة مكافأة له لإغراق المنطقة بالمخدرات. ويعترف القادة العرب بهذا التشخيص لكنهم يرون أن الوصفة لعلاج المرض غير صحيحة. فلو كان الأسد يستخدم  المخدرات كورقة ضغط، فالحل هو العمل معه. ولكنهم يواجهون مزيدا من الابتزاز. فربما حد الأسد من تدفقه لكنه قد يعيده عندما  أراد تنازلات منهم. وفي نفس الوقت، فسياسة الغرب تقوم على الأماني، فالأمريكيون يريدون من الأسد الالتزام بقرار مجلس الأمن  2254 الذي يدعو إلى وقف إطلاق النار ودستور جديد وانتخابات  حرة. وربما لم تكن تريد حكومة سورية أقل بغضا تحول البلاد إلى دولة مخدرات، ومن غير المستغرب، مع أن الأسد لم يظهر اهتماما بإصلاح ما بدا وكأنه نظام جمهوري وراثي منذ 1971. وربما كانت الدول العربية متفائلة كثيرا حول ما يمكن أن يتحقق من التواصل مع الأسد، لكن تجاهله فشل

القدس العربي

—————————

نأمل أن يكون الأسد على رأس المهنئين لأردوغان بالفوز في الانتخابات الرئاسية/ رامي الشاعر

صرح وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان لدى وصوله موسكو اليوم الأربعاء لحضور الاجتماع الرباعي لوزراء خارجية روسيا وسوريا وإيران وتركيا، بأن إيران وروسيا جعلتا التسوية الدبلوماسية للقضية السورية ممكنة.

وبعد لقاء وزراء الخارجية للدول الأربعة صباح اليوم الأربعاء، والذي سبقته إجراءات مضنية بذلتها الدوائر الدبلوماسية في الدول الأربعة، يمكننا القول بأن كل الإجراءات قد تم إنجازها تمهيدا للقاء الرئيسين بشار الأسد ورجب طيب أردوغان، لا سيما البيان الذي صدر مؤخرا عن وزراء الخارجية العرب بخصوص المسار الجديد للتعامل مع سوريا وأزمتها، وعودة سوريا إلى أحضان الجامعة العربية، بعد تعليق عضوية سوريا لأحد عشر عاما، وذلك كله يبشر ببدء بذل الجهود في مساعدة سوريا للخروج من محنتها والتعافي في جميع المجالات وعلى رأسها الاقتصادي، والذي شملت تداعياته عامة الشعب السوري الذي لا زال يعاني مأساة إنسانية حقيقية بسبب العقوبات الجماعية المجحفة بحقه من قانون “قيصر” وغيره.

لقد انطلق قرار جامعة الدول العربية التاريخي من حرص الدول الأعضاء على أمن واستقرار الجمهورية العربية السورية، وعروبتها، وسيادتها، ووحدة أراضيها، وسلامتها الإقليمية، وسعيا لإيجاد مخرج للأزمة السورية يرفع المعاناة عن الشعب السوري، ويحقق تطلعاته المشروعة في الانطلاق نحو المستقبل، ويضع حدا للأزمة الممتدة التي تعيشها البلاد، وللتدخلات الخارجية في شؤونها، ويعالج آثارها المتراكمة والمتزايدة من الإرهاب والنزوح واللجوء وغيرها.

اليوم أصبح المطلوب من جميع السوريين التجاوب مع جميع الجهود المخلصة التي تبذل من أجل مساعدة بلدهم المأزوم، وتجاوز كل العقبات التي نتجت خلال 12 عاما، والعمل سويا من خلال الحوار السوري السوري لتجاوز وحل تلك العقبات كافة، وعدم وضع أي شروط مسبقة، فلا يجوز أن يكون بين السوريين، ممن اكتووا بنير الحرب الأهلية أن يضعوا اشتراطات أمام هذه الفرصة لعودة الدور العربي في مساعدتهم وعودة العلاقات السورية التركية.

إن عامة الشعب السوري يريد أن يعيش في أمان واستقرار وازدهار، ولا أعتقد أن تعنيه أي شعارات تطرح بتحميل المسؤولية والمحاسبة وغيرها. دعونا ننسى جراح الماضي، ولنفتح صفحة جديدة، يتم فيها مراعاة مصالح جميع مكونات وأطياف الشعب السوري، ونراعي في الوقت نفسه متطلبات حماية السيادة السورية ووحدة التراب السوري، ولنشرع في عملية تاريخية مهولة للتعافي الاقتصادي الذي يعد حجر الأساس للدولة السورية الجديدة، التي قررت البلدان العربية جنبا إلى جنب مع صيغة أستانا مساعدتها.

لا أعتقد أن بإمكان أي أحد في واشنطن أو تل أبيب اليوم الوقوف أمام إرادة الشعب العربي، في وسطه الشعب السوري، في عودة سوريا إلى حضن الأسرة العربية، أو عودة العلاقات التركية السورية إلى علاقات الجوار الطبيعية، ولا عودة العلاقات الدبلوماسية بين طرفي الخليج المملكة العربية السعودية وإيران، وليكن اسمه من الآن فصاعدا لا الخليج الفارسي أو العربي، بل خليج السلام والأمن والاستقرار.

إن ما نراه الآن هو تبعات الزلزال السياسي الذي نجحت فيه الصين وروسيا بجهودهما الدبلوماسية، ونجحت فيه تركيا وإيران وكذلك سوريا، ولقاء وزراء خارجية الدول الأربعة: روسيا وسوريا وإيران وتركيا هو خطوة شديدة الأهمية ستطال تداعياتها كل السوريين والعرب ومنطقة الشرق الأوسط بأسرها، وهو دعم حقيقي للقرار العربي الذي اتخذ قبل عدة أيام بمساعدة سوريا وشعبها، ودعم للمصالحة السعودية الإيرانية، وربما يكون مؤشرا لمنطقة شرق أوسط خالية من أسلحة الدمار الشامل، وخالية من القواعد الأمريكية، وخالية من الصراعات والأزمات والحروب، وإيذان بالبدء الحقيقي لعالم جديد متعدد القطبية يتخلص من الولايات المتحدة الأمريكية بعقوباتها وتهديداتها وهيمنتها غير المبررة.

نأمل أن يكون الرئيس السوري بشار الأسد هو أول المهنئين للرئيس التركي رجب طيب أردوغان بفوز مستحق في الانتخابات الرئاسية التركية المقبلة.

—————————

====================

تحديث 08 أيار 2023

————————

هل يلتزم النظام السوري بالشروط العربية؟

تقود المملكة العربية السعودية، منذ اتفاقها في شهر أذار/مارس الماضي على إعادة العلاقات الدبلوماسية مع إيران، جهودا سياسية حثيثة على جبهات عديدة ملتهبة، أهمّها اليمن وسوريا، وحاليا السودان، وهو ما يبدو انقلابا على مرحلة كبيرة بدأت مع التدخّل العسكريّ السعودي في اليمن، بعد شهرين من تعيين محمد بن سلمان وزيرا لدفاع المملكة في كانون الثاني/يناير عام 2015، وقد شهدت المرحلة تعزيزا لدوره إثر اختياره وليّا للعهد (حزيران/يونيو 2017) ثم رئيسا للوزراء (نيسان/ ابريل 2022).

ورث بن سلمان ملف مناهضة النظام السوريّ، المشتبك مع الملف اليمني، على خلفيّة الدعم الإيراني لنظام بشار الأسد في سوريا والحوثيين الموالين لإيران في اليمن، حيث قامت السعودية برعاية المعارضة السورية المسلحة والسياسية، وكان طبيعيا، مع التفاهمات السعودية ـ الإيرانية، أن ينعكس الأمر على الملفّين، وهو ما دفع الرياض لقيادة حملة إعادة النظام إلى الجامعة العربية، التي تكللت أمس بإعلان وزراء الخارجية العرب اتفاقهم على «عودة سوريا للجامعة العربية بشروط».

تركزت «الشروط» العربية، التي تمت بلورتها في اجتماع عمّان مطلع الشهر الحالي، الذي شاركت فيه السعودية والأردن ومصر والعراق، وحضرها وزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد، على موضوعين رئيسيين: وقف إنتاج وتهريب المخدرات إلى الدول العربية، وضمان عدم اضطهاد اللاجئين في حال عودتهم لسوريا، ولكن الاجتماع تضمّن أيضا شروطا أخرى منذ قيام النظام السوري بتنفيذ القرار 2254، والإفراج عن السجناء والمعتقلين، وتحديد مصير المفقودين، وإجراء انتخابات تحت إشراف الأمم المتحدة، «بما يؤدي إلى تشكيل حكومة شاملة».

كان لافتا، تزامن إعلان «عودة سوريا إلى الحضن العربي» وهي الجملة البلاغية التي يطيب للبعض استخدامها لوصف الحدث، أن الأردن هدد، قبل يوم واحد من إعلان عودة دمشق للجامعة، بعملية عسكرية داخل الحدود السورية، بدعوى مكافحة تهريب المخدرات القادمة عبر الحدود السورية، لنشرها في الأردن أو لإيصالها إلى دول الخليج العربي، وهو ما يمكن اعتباره إشارة إلى نظام الأسد، بأن ما حصل يعني أن عليه الالتزام بما طلبته منه الدول العربية، وأن عودته للجامعة العربية ليست مكافأة مجانية يمكنه بعدها الاستمرار في حربه على الأردن كممر للمخدرات. من الملفت للنظر أيضا أن سلطنة عُمان، وهي طرف يلعب دورا مهمّا في الوساطة مع النظام السوري، قامت، في اليوم نفسه لإعلان عودة النظام السوري للجامعة العربية، بإدراج شخصيات مقربة من النظام السوري، على قائمتها المحلية لمكافحة الإرهاب.

حسب صحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية فإن الأسد قابل هذه الخطوات للتقارب مع نظامه بإحساس بالثقة دفعته لطلب الاعتذار من الدول العربية على تدخّلها في سوريا، وتشير الوقائع المتزامنة مع هذا التقارب العربي مع دمشق إلى ازدراء النظام السوري لهذه الشروط، فقد أعلنت الأخبار عن قتل الجيش الأردني لأحد المهربين، كما أعلن العراق عن مصادرة 12 مليون حبة من المخدرات، فيما أكدت منظمة العفو الدولية أن اللاجئين الذين تمت إعادتهم من لبنان إلى سوريا اعتقلوا وأن بعضهم تم تجنيده في جيش النظام.

إحدى النقاط التي سجّلت ضمن مسودة بيان عمّان أنه طُلب من الأسد «وقف أنشطة الجماعات المتطرفة المرتبطة بإيران، ووقف استفزازاتها للسنة والأقليات العرقية في سوريا» ويمكن اعتبار زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي لدمشق، التي تبعت إعلان عمّان، ردا واضحا على هذا المطلب.

ما تقوله هذه الوقائع، إن على الدول العربية أن تخفض منسوب آمالها في حصول تغيير حقيقي في سلوك النظام السوري، سواء تعلّق الأمر بإنتاج وتهريب المخدرات، أو العودة الآمنة للاجئين، أو الحد من نشاط إيران في سوريا.

القدس العربي

—————————

سوريا.. التطبيع العربي مقابل التطبيع مع اسرائيل!/ عبدالناصر العايد

توالت في الأيام القليلة الماضية أنباء تفيد بمعرفة وموافقة أميركية على تطبيع الدول العربية لعلاقاتها مع نظام الأسد، لكن تلك الانباء لم تؤكَّد إلا يوم الخميس الماضي، عندما أدلى جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي الأميركي، بخطاب حول سياسات واشنطن تجاه الشرق الأوسط، والذي لم يكتف بوضع النقاط على الحروف حول عمليات التطبيع الجارية سواء مع نظام الأسد أو إيران، بل رسم السياق الذي ستجري فيه الأحداث في المنطقة “خلال العقود الثلاثة أو الأربعة المقبلة”، على حدّ تعبيره.

لقد تناقلت المعارضة السورية، المعزولة بشكل كامل عن مشاورات ومجريات عملية التطبيع مع النظام، خبراً يقول إن مسؤولاً سعودياً التقى برئيس هيئة التفاوض السورية المعارضة، وقال له: “نحن نقوم بالتطبيع بالتنسيق مع واشنطن”. وتأكد جانب من هذا الزعم خلال زيارة وفد من الائتلاف وهيئة التفاوض إلى واشنطن، إذ تم تجاهله وإلغاء مواعيد مبرمجة معه في اللحظة الأخيرة، ثم ردد السفير الأميركي السابق في سوريا جول رايبرون ما يشاع بلغة اتهامية قائلاً أن واشنطن أعطت الضوء الأخضر للدول العربية للتطبيع. وفي الواقع، لم تتردد الخارجية الأميركية في الإعلان عن اتصال بلينكن بنظيره السعودي، عقب كل زيارة ولقاء مع رأس النظام أو وزير خارجيته، ومؤخراً صعد الحديث عن صفقة لإطلاق سراح الصحافي الأميركي أوستن تايس، ويبدو من القراءة الأولى إن الأميركيين لم يقاوموا التطبيع العربي إذا كان سيثمر حصولها على هذه الجائزة من النظام.

لكن الصورة أصبحت أكثر وضوحاً مع الخطاب العجول الذي ألقاه مستشار الأمن القومي الأميركي، جيك سوليفان، في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، ونفى فيه ما يشاع عن تخلي واشنطن عن الشرق الأوسط، لكنه نبّه بلغة مشفرة إلى أنها لا تنظر إليه بمنظور 2003، بل بمنظور 2023، أي ليس من زاوية الحرب على الإرهاب الجهادي، فتلك حقبة طويت وتم تجاوزها، والصفحة الآن هي 2023 وما بعد، المخصصة للصين. سوليفان أعلن أيضاً أنه سيطلق في زيارته، السبت، إلى منطقة الخليج العربي تحالفاً جديداً رباعياً يضم إلى جانب بلاده كلاً من العربية السعودية والإمارات والهند، وهذا طوق آخر حول الصين التي يريد الأميركيون تكبيلها جيداً قبيل المواجهة الكبرى. كما أكد المستشار أن واشنطن ستواصل الردع الاستباقي في منطقة الشرق الاوسط، وأن بلاده لن تسمح لإيران بامتلاك السلاح النووي، وكل الخيارات متاحة لمواجهة ذلك، بما فيها منح إسرائيل حرية التصرف.

وأثار سوليفان نقطة تفصيلية، لا بد أنها ذات مغزى لقادة دول الخليج العربي، عن “تكامل الدفاعات الجوية في الشرق الأوسط”، وهذه تعني وضع اللبنة الأولى لمظلة أمنية تضم إسرائيل وبعض دول المنطقة مع التزام أميركي، أي ما يشبه مظلة حلف الناتو، وهي مطلب سعودي عتيد تسبب رفضه في دوائر القرار الأميركية بالجفوة المعروفة بين البلدين في السنوات الأخيرة. لكنه، من ناحية أخرى، قال إن بلاده شجعت السعودية على التقارب مع إيران لأن ذلك يتماشى مع توجه واشنطن الأساسي لخفض التصعيد، مع استمرار الضغط على طهران.

وكشف أن واشنطن عملت عن كثب مع الرياض في المفاوضات التي جرت في العراق وعمان مع الجانب الإيراني. وأعلن المستشار أن ذروة ما يسعى إليه هذا المسار هو استكمال التطبيع بين دول المنطقة وإسرائيل، وقال بالحرف الواحد إن “الوصول إلى التطبيع الكامل هو مصلحة أمن قومي معلنة للولايات المتحدة، وقد كنا واضحين بشأن ذلك”. واعتبر أن فتح الأجواء السعودية والعمانية في وجه الطيران الإسرائيلي، هو الخطوة الأخيرة التي تسبق التسوية الشاملة بين السعودية واسرائيل. وتابع: “الآن كدليل على جديتي بشأن مدى تركيزنا على هذا، ومدى جديتنا، فإني لن أقول أي شيء آخر كي لا أحبط الجهود التي نبذلها بشأن هذه القضية”.

من منظور العلاقات الدولية، وفي لحظتها الراهنة، يعني الكلام أعلاه أن واشنطن انتهت من ترتيب شؤون أوروبا وأوقفتها على قدميها عسكرياً لتصبح قادرة على الدفاع عن نفسها وعن الولايات المتحدة، ضد الخطر الروسي، الذي جرى استنزافه وامتصاصه في العمق خلال الحرب الجارية في أوكرانيا. وانتقلت واشنطن الآن إلى المربع التالي على رقعة الشطرنج، أي الشرق الأوسط، حيث الجوار القريب للصين، وهي تريد من قادته أمرين رئيسيين هما: المصالحة والاستقرار، والتطبيع مع إسرائيل. أي شرق أوسط لا يثير المتاعب التي لا تنتهي، وقادر على انتزاع أشواكه بيديه شأنه شأن أوروبا، خصوصاً مع الخطر الذي يكمن داخله وهو التطرف الديني، الذين يتوجب على السلطات الإقليمية أن تتعامل معه بنفسها، كما تريد واشنطن أن تضع حداً للصراع العربي الإسرائيلي الذي يولد عدداً كبيراً من التوترات الإقليمية والدولية.

وإذا أردنا استخلاص إيجاز سوري من الخطة الواسعة أعلاه، فإننا يجب أن نبدأ بالتفكير من إيران المدعوة الآن للمصالحة والتعاون في جعل المنطقة أكثر استقراراً، ولا يبدو أن مستشار الأمن القومي متفائل لهذه الناحية. فلا الحكم الديني القائم في إيران يمكنه الانسجام مع هذه الرغبات الأميركية والتكيف معها، ولا تحالفه المتصاعد مع الصين وروسيا يسمح له بانعطافة بهذه الشدة، ولا وضعه الداخلي القلق يسمح له بالتفريط بطموحاته الخارجية التوسعية أو الاحلام النووية. ويبدو أن ما سكت عنه المستشار هو اعتبار إيران جزءاً من المعسكر الصيني المعادي، أو اطرافه وحواشيه التي ستعامل بالردع ما دامت لا تستجيب للدبلوماسية، وسيكون الردع سهلاً على دول الإقليم ذاتها في ما لو حدثت المصالحة الشاملة بين العرب وإسرائيل.

لكن هذا الشمول لن يتحقق، ما لم يطبّع نظام الأسد مع تل ابيب، بل أن دولة مثل السعودية وبمكانتها، لن تستطيع أن تطبّع مع إسرائيل فيما يرفض ذلك نظام متضعضع مثل الذي في دمشق.

وبكلمات قليلة، جوهر العرض الحالي هو تعويم نظام الأسد مقابل تطبيع العلاقات بين سوريا وإسرائيل، ولهذا السبب يتم تجاهل المعارضة التي لا تملك الحق في التوقيع أو التفاوض، فما الردّ الذي يمكننا توقعه من النظام؟

إن قراءة تاريخ نظام الأسد، والتمعن في عقيدته المكرسة لبقائه فقط، والتي تقوم على القفز بين المتناقضات، تفيد بأن رأس النظام يستطيع أن يركل إيران خارجاً، يوم تمنحه الولايات المتحدة وإسرائيل وعداً بحمايته واعتماده حارساً دائماً لاتفاق سلام خلال الحقبة السياسية المقبلة التي تمتد من ثلاثة إلى أربعة عقود، كما ذكر مستشار الأمن القومي الأميركي في خطابه، بل قد يكون نظام الأسد قد عرض بنفسه هذه الورقة، ثمناً لإنهاء التهديدات التي تواجهه داخلياً وخارجياً.

لكن، من جهة أخرى، لا بد أن رأس النظام يفكر في عواقب طرح ورقته الأخيرة والوحيدة تلك من يده، فلا شيء يضمن ألا يثور عليه السوريون مجدداً، وفي ظل تراجع القيمة السوقية لسردية الإرهاب السني والحرب عليه، كيف سيستطيع مواجهة انتفاضة جديدة بل ربما أقوى من سابقتها، من دون يهدد سقوطه أمن إسرائيل ومن دون الحليف المذهبي الإيراني؟

المرجح، إذ صحت قراءتنا السابقة، أن نظام الأسد سينخرط في مفاوضات تطبيع طويلة المدى، تمنحه الاستقرار والأمان في هذه المرحلة، ويحاول تدريجياً استعادة أنفاسه وقوته، وترسيخ شراكات جديدة على أسس جديدة، قبل أن يتخذ قرار التطبيع النهائي، والتخلي عن إيران، وكلاهما لن يحدث في المدى المنظور.    

المدن

—————————-

“نيويورك تايمز”: الظروف التي قادت لتعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية لا تزال قائمة

إبراهيم درويش

علّقت صحيفة “نيويورك تايمز” على عودة سوريا إلى الجامعة العربية، بأن الظروف التي قادت لتعليق عضويتها لا تزال قائمة.

وأشارت فيفيان يي، في تقرير لها، إلى أن قرار وزراء الخارجية العرب، يوم الأحد، بعودة سوريا إلى المشاركة في اجتماعات ومؤتمر الجامعة في هذا الشهر، وربما مشاركة رأس النظام بشار الاسد، خطوة مهمة لنهاية النبذ الدولي، الذي عاشه البلد منذ 12 عاماً.

فعندما قرر جيران وزملاء سوريا تعليق عضويتها في المؤسسة، التي تضم 22 دولة، في تشرين الثاني/نوفمبر 2011، وبعد أشهر من اندلاع انتفاضة الربيع العربي، جرى النظر للخطوة على أنها شجب للحكومة التي قصفت واستخدمت الغاز وعذّبت المحتجين وغيرهم، في النزاع الذي تحور إلى حرب أهلية. والآن، فقد طبعت المنطقة علاقاتها معه، حيث اقتنعت الدول العربية أنها لم تكسب الكثير من عزل سوريا، وبناء على طلب أمريكي.

 فرفضُ التعامل مع سوريا هو إنكار للواقع، وهو أن الحكومة كسبت الحرب تقريباً، وهو ما يقدمه دعاة التطبيع. ما يفتح الباب لعودة منتصرة لسوريا في مؤتمر القمة العربية، هذا الشهر، في الرياض، وربما بقيادة الأسد، الزعيم السوري المتهم بارتكاب جرائم حرب ضد شعبه.

وربما أدى تأهيل سوريا إلى فتح المجال أمام مشاريع إعادة الإعمار بمليارات الدولارات والاستثمارات الأخرى دعماً للاقتصاد المترنح بشكل يدعم الأسد.

 وتضيف الصحيفة أن الظروف التي قادت لتعليق عضوية سوريا لم تتغير، وإذا كان هناك من جديد فقد زاد العنف أثناء الحرب الأهلية التي استمرت 12 عاماً واستنفدت البلاد، بشكل ترك الأسد في السلطة، لكنه كان منبوذاً في كل مكان.

 ومات مئات الآلاف من السوريين منذ اندلاع القتال، وهُجّر ونزح أكثر من 14 مليون البلاد إلى أجزاء أخرى من سوريا ودول الجوار والدول الأوروبية، حسب تقديرات الأمم المتحدة.

وقالت ليلى الكيك، مديرة حملة سوريا، المنظمة غير الربحية التي تقدم الدعم لمنظمات المجتمع المدني في سوريا “اليوم، قررت الدول العربية وضع مصالحها الذاتية من الواقعية السياسية وأجندتها الدبلوماسية وقدمتها على أبسط الحاجيات الإنسانية”. وأضافت أنه “باختيار إعادة عضو النظام السوري إلى الجامعة العربية، فقد خانت الدول الأعضاء عشرات الآلاف من ضحايا النظام، ومنحت الأسد الضوء الأخضر لارتكاب الجرائم الفظيعة من دون خوف من العقاب”. لم يترك الاشمئزاز من تصرفات الأسد، إلى جانب الضغوط من الولايات المتحدة، مجالاً للدول العربية للتواصل مع النظام على مدى عقد. وقد دعم عدد قليل من الدول المعارضة التي كانت تقاتل للإطاحة بنظام الأسد، وهناك عدد من الدول العربية تمقت الترحيب به مرة أخرى.

 إلا أن الحسابات الإقليمية قد تغيّرت، فمع استعادة النظام السوري معظم مناطق البلاد من قوى المعارضة، كان من الواضح أن الأسد موجود ليبقى. وكانت الدول الجارة لسوريا، مثل لبنان والأردن راغبة بالعمل مع سوريا لإعادة اللاجئين الذين فروا من الحرب، فيما رغبت أخرى بالتعاون في جهود وقف التجارة غير المشروعة في مجال الكبتاغون، المنشط الذي يؤدي للإدمان، الذي ينتجه النظام السوري لتخفيف حدة العقوبات التي فرضت عليه وضربت الاقتصاد.

 وكانت السعودية والإمارات تتطلعان لنهج جديد مع إيران التي تمارس تأثيراً على سوريا، بعدما أرسلت مقاتلين ومساعدات أخرى لنظام الأسد وساعدته على التشبث بالسلطة.

وأدت عزلة سوريا إلى وقوعها في أحضان إيران أكثر، لكن الملكيات في الخليج تأمل بعد إعادة مقعد سوريا أن تبعد الأسد بعيداً عن طهران. وكانت أول إشارة أن الأمور تتجه لهذا المسار، عندما طبعت الإمارات علاقاتها مع دمشق، عام 2018، ولكن الحركة البطيئة لإعادة العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع الأسد زاد زخمها في الأشهر الأخيرة، وذلك بعد زلزال ضرب سوريا وتركيا، في شباط/فبراير، ما فتح الباب أمام الدول العربية لكي تتواصل مع نظام الأسد. وبدأت بعد ذلك طائرات محملة بالمواد الإغاثية تصل إلى سوريا، وأرسلت مصر وزير خارجيتها للقاء الأسد، وأعادت تونس في منتصف نيسان/ أبريل علاقاتها الدبلوماسية مع دمشق. ثم رحبت السعودية بوزير خارجية النظام السوري في جدة للتباحث في استئناف العلاقات الدبلوماسية. وتحركت السعودية بسرعة لاستئناف العلاقات الدبلوماسية مع دمشق، وبعد سنوات من القطيعة الدبلوماسية. وبدت وكأنها اللاعب الرئيسي في جهود إعادة تأهيل الأسد، والتطبيع مع نظامه، قبل القمة العربية التي ستعقد في جدة بـ 14 أيار/مايو، مع أن عمان والإمارات العربية المتحدة كانتا تدعوان لنفس الشيء ومنذ سنوات.

وجاء التدافع العربي للترحيب بالأسد، رغم الرفض الأمريكي، حيث فرضت الولايات المتحدة عقوبات على نظام الأسد، وتأمل بعزله ومحاسبته على الوحشية التي مارسها ضد المتظاهرين. ولكن جهود الولايات المتحدة للإطاحة بالأسد واستبداله بنظام ديمقراطي لم تحقق نتائجها، ما ترك الولايات المتحدة متفرجة على الجهود العربية. وعبّر وزير الخارجية الأمريكي، في تغريدة، يوم الجمعة، وقبل قرار الجامعة العربية، عن استمرار الموقف الأمريكي ومعارضة التطبيع مع نظام الأسد، وأن الانتقال السياسي الذي سيحل محل الأسد، والانتخابات، يمكن أن تكون الحل الوحيد لوقف النزاع.

ولأن الولايات المتحدة لم تكن قادرة على وقف التدافع العربي، فقد حث المسؤولون الأمريكيون الدول العربية الحصول على مقابل من الأسد مثل ضمان عودة اللاجئين، ووقف تجارة كبتاغون، أو تخفيف الوجود الإيراني في سوريا.

وقال مساعد الأمين العام للجامعة العربية، حسام زكي، يوم الأحد، إن الجامعة شكلت لجنة لمناقشة هذه الظروف. لكن العضوية الجديدة كانت صفقة متفق عليها على الأقل. وقال المحلل السياسي في دمشق بسام عبدالله: “كان قرار تعليق عضوية سوريا في الجامعة غير مفيد للعرب”. وقال إن جهود أمريكا لإخراج الأسد من السلطة فشلت، و”على النخبة السياسية الأمريكية التخلي عن عقلية تغيير النظام”.

ولم تُعِد دولٌ أعضاء في الجامعة العربية علاقاتها بشكل رسمي علاقاتها مع النظام السوري، ووضعت شروطاً على اسئناف العلاقات، وتضم هذه مصر.

لكن عودة سوريا إلى الجامعة العربية تظل بياناً قوياً يفتح المجال أمام الدول الأعضاء لإعادة العلاقات. وقال الأمين العام للجامعة العربية، أحمد أبو الغيط إن “الدول العربية التي سرعت للأمام بطريقتها، لن يكتمل التطبيع إلا عندما تأتي إلى هذه البناية”، إلى الجامعة العربية.

القدس العربي

—————————

بعد الموافقة على عودة النظام… أمين «الجامعة العربية»: يمكن للأسد المشاركة في قمة الرياض «لو رغب»

هبة محمد

قررت جامعة الدول العربية أمس الأحد عودة سوريا إليها واستئناف مشاركة وفود الحكومة السورية في اجتماعاتها، بعد أكثر من 11 عاماً على تعليق أنشطة دمشق إثر اندلاع الثورة والاحتجاجات التي تحولت إلى نزاعٍ دامٍ قسّم سوريا وأتى على اقتصادها وبنيتها التحتية.

وقال الأمين العام للجامعة أحمد أبو الغيط، أمس، بعد عودة سوريا إلى الجامعة إن رئيس النظام السوري بشار الأسد يمكنه المشاركة في قمة الجامعة هذا الشهر «إذا ما رغب».

وأوضح أن «عودة سوريا إلى شغل المقعد هي بداية حركة وليست نهاية مطاف»، معتبراً أن مسار التسوية سيحتاج وقتاً. وأوضح أن القرار لا يعني استئناف العلاقات بين سوريا والدول العربية إذ أن «هذا قرار سيادي لكل دولة على حدة». وأكدت قطر، مساء الأحد، أن موقفها من التطبيع مع النظام السوري «لم يتغير»، ودعمها «ما يحقق الإجماع العربي». جاء ذلك وفق ما نقلت وكالة الأنباء القطرية، عن ماجد الأنصاري متحدث الخارجية القطرية، بعد وقت قصير من إصدار الجامعة العربية، قرارا بعودة «فورية» لسوريا لشغل مقعدها المجمد، منذ نحو 12 عاما. وقال الأنصاري: «قطر تسعى دائما لدعم ما يحقق الإجماع العربي ولن تكون عائقا في سبيل ذلك»، دون أن يوضح موقف الدوحة من قرار عودة دمشق لمقعدها بالجامعة. واستدرك: «لكن الموقف الرسمي لدولة قطر من التطبيع مع النظام السوري قرار يرتبط في المقام الأول بالتقدم في الحل السياسي الذي يحقق تطلعات الشعب السوري الشقيق».

وقال متحدث باسم الخارجية الأمريكية إن بلاده لا تعتقد أن سوريا تستحق العودة إلى الجامعة العربية في هذه المرحلة، وأنها تتشكك في رغبة الأسد في حل الأزمة السورية «لكنها تتفق مع الشركاء العرب حول الأهداف النهائية». . رئيس هيئة التفاوض السورية بدر جاموس اعتبر قرار إعادة النظام إلى الجامعة العربية «تجاوزا لجرائم النظام وضربة للشعب السوري الثائر، وتجاهلًا لمطالبه بالتغيير». وقال «يبدو أنه تجاهل واضح لإرادة السوريين». وأضاف أن عودة النظام إلى الجامعة العربية دون الإفراج عن أي معتقل، أو عودة أي لاجئ، أو حتى تقديم أي خطوة إيجابية في التعامل مع القرارات العربية أو الأممية ذات الصلة بالعملية السياسية، هو تجاهل خطير لتطلعات الشعب السوري وحقوقه، وسيعمل على تعقيد المشهد السوري أكثر، ولن يساهم في تحقيق الاستقرار والسلام المنشود في سوريا.

وأعرب سوريون في شمال إدلب، إحدى آخر المناطق الخارجة عن سيطرة دمشق، عن غضبهم إزاء القرار العربي. وقال النازح في أحد المخيمات غسان محمّد اليوسف (54 عاماً) لوكالة فرانس برس «تهجرنا من بيوتنا التي دمرها الأسد. أسأل الحكام العرب، إلى أين تأخذوننا؟».واعتبر الخبير في الشأن السوري فابريس بالانش أن قرار الجامعة العربية يُعد «انتصاراً دبلوماسياً». وقال «عزلة سوريا الإقليمية انتهت رسمياً».

رئيس المكتب الإعلامي والمتحدث باسم هيئة التفاوض السورية السابق يحيى العريضي، علق باختصار يقول «الأسباب الموجبة لتجميد عضوية سوريا في الجامعة العربية لا تزال قائمة. ليست سوريا قلب العروبة النابض التي تعود إلى الجامعة اليوم، وإنما منظومة استبداد قتلت واعتقلت وشرّدت الشعب السوري. في إبعادكم سوريا، لم يرَ منكم الشعب السوري خيراً، وفي إعادتكم للنظام أذيتم الشعب السوري أكثر».

——————————

الإدارة الأميركية والتطبيع مع النظام السوري: اعتراض دون تحذير من العواقب/ فكتور شلهوب

سئل مؤخراً نائب الناطق الرسمي في الخارجية الأميركية فيدانت باتيل عما إذا كانت الإدارة تنوي تطبيق العقوبات المنصوص عليها في “قانون قيصر” ضد المطبّعين مع النظام السوري، كترجمة لموقفها المعترض على مثل هذا التوجه. كان جوابه أن واشنطن “لا تدعم هذا التطبيع ولا تؤيد من يُقدم عليه”. تحاشى ذكر هذا القانون ولم يقل شيئاً عن موقف الإدارة من الجهات التي تخالفه. بذلك بدا أن الإدارة منفتحة ضمنياً على مثل هذا الاحتمال وأنها ليست في وارد التصدي الفعال له.

السؤال جاء على خلفية موقف ملتبس اتخذته الإدارة منذ بدايات التطبيع العربي مع النظام، والذي ازداد التباسه في الآونة الأخيرة التي شهدت زيارات رسمية متبادلة بين المسؤولين في النظام والعرب. وبالرغم من اقتراب موعد القمة العربية في جدة السعودية في 19 مايو/أيار الجاري وتوالي الإشارات إلى عودة سورية إلى الجامعة العربية، بقي الموقف على حاله، خاصة في الخارجية، لا تأييد ولا دعم. لكن من دون تحذير من العواقب.

الوزير أنتوني بلينكن كرر ذلك، يوم الجمعة الماضي، في تغريدة جدد فيها عدم الموافقة على التقارب مع النظام السوري، مشدداً على أن الانتقال السلمي للسلطة “هو الحل الحقيقي الوحيد لانهاء النزاع” في سورية.

كلامه الذي جاء عشية اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة، والذي خلا من أي تحذير من الإقدام على التطبيع، بدا وكأنه قبول مبطّن بقرار متوقع بعودة سورية إلى الجامعة. والأرجح أن واشنطن كانت على دراية مسبقة بصدوره، وكان إما أنه من المتعذر عليها إحباطه في هذه اللحظة بعد أن سبقتها الأحداث، وإما أنها وجدت نفسها أمام تطور جديد غير متصادم مع سياستها التي كانت دائما رمادية تعطي إشارات متناقضة. مرة تتحدث عن رفض التطبيع ومرة أخرى تنصح المطبعين بضرورة الحصول “على ثمن” من النظام السوري مقابل عودته إلى الصف العربي، مثل إلزامه “بإعادة النازحين ووقف تصدير الكبتاغون”، كما قالت باربرا ليف مساعدة وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط. وقد أثار هذا التذبذب الكثير من الانتقادات في الكونغرس كما في أوساط المتابعين والمطلعين على الملف السوري، مثل السفير والمبعوث الخاص السابق جيمس جيفري.

لكن في الواقع هذا الموقف ليس غير تعبير عن التوجه العام للإدارة في الشرق الأوسط، ولو جاء بإخراج ضبابي يقول الشيء وعكسه، وهذا ليس بجديد. أحيانا يحصل بقصد إرباك الآخر وأحيانا يعكس ارتباك الإدارة. لكنه يندرج عموماً في إطار خط معتمد في سياسة الإدارة تجاه المنطقة.

مستشار الرئيس الأميركي جو بايدن لشؤون الأمن القومي جيك سوليفان أسهب في شرح هذا الخط خلال محاضرة ألقاها، مساء الجمعة الماضي، في “مؤسسة واشنطن لسياسة الشرق الأدنى”، التي تعتبر بمثابة المركز الفكري المكمل لمؤسسة اللوبي الإسرائيلي في واشنطن. قال سوليفان إن تعامل الإدارة مع المنطقة يتسم “بالواقعية” وينهض على “خمسة أركان”، مع تركيزه على “الدبلوماسية والتهدئة”، إلى جانب الشراكة والردع والتكامل وحقوق الانسان.

في شرحه بندَ الدبلوماسية والتهدئة، عرج على الأوضاع في ليبيا واليمن وإيران، مع تشديده على أن الإدارة ما زالت تفضّل الحل التفاوضي للنووي الإيراني باعتباره الأكثر ضمانة واستمرارية كما قال. من هذا التوجه، يأتي الموقف الملتوي والقابل عملياً وضمنياً بالتطبيع العربي مع النظام السوري، برغم الاستمرار في الخطاب الممانع الذي يبقى من دون ترجمة على الأرض.

قال سوليفان إن زيارته إلى السعودية تأتي للعمل على تعزيز أجواء التهدئة في المنطقة، إذ “ما زال هناك الكثير لإنجازه” في هذا الاتجاه ومن ضمنه “توسيع اتفاقيات أبراهام”، من دون أن يمرّ على الوضع الفلسطيني ولو بإشارة عابرة.

الإدارة تحاول ركب موجة التطبيع في المنطقة. باركت اتفاقيات التطبيع ورحبت، حسب زعمها، بالتطبيع السعودي الإيراني الذي فاجأها، من باب أنه يساهم في “الاستقرار وخفض التوتر” في المنطقة. والآن يأتي التطبيع العربي مع نظام الأسد الذي مرّ بضوء برتقالي أميركي حسب تقديرات العارفين، بصرف النظر عن رفضها المزعوم له. “طموحها” أن تتوصل إلى تطبيع نووي مع إيران.

العربي الجديد

———————————–

نظام الأسد ودبلوماسية الكبتاغون/ حسام كنفاني

تثير حالة الهرولة العربية، وخصوصاً السعودية، للتطبيع مع نظام بشار الأسد علامات استفهام كثيرة، خصوصاً أن الأخير لم يغيّر شيئاً من النهج الذي اتبعه خلال السنوات الـ12 الماضية، والتي أدّت إلى مقاطعته بالأساس من الدول العربية وتجريده من مقعد سورية في جامعة الدول العربية. وقد حمل الاجتماع العربي الذي عقد في عمّان الأسبوع الماضي إجابات قد تفسّر هذا التوجّه من بعض الدول العربية.

كان الاجتماع الذي جمع وزراء خارجية السعودية والأردن والعرق ومصر مع وزير خارجية النظام السوري مخصّصاً بالأساس لبحث عودة سورية إلى الجامعة، ومشاركة رئيس النظام المفترضة في القمّة العربية في الرياض في 19 مايو/ أيار الحالي، غير أن البيان الختامي الطويل الذي صدر بعد الاجتماع لم يتطرّق مباشرة إلى هذه النقطة التي لا تزال تحتاج إلى إجماع عربي غير مؤمّن، ورحّلها إلى اجتماعات لاحقة. إلا أن البيان تحدّث، من ضمن بنوده الكثيرة، عن نقطة أهم قد تكون محوراً أساسياً في التقارب العربي مع نظام بشّار الأسد. فوفقاً للبيان، وافق النظام السوري على بذل جهود إضافية لوقف تهريب المخدّرات من أراضيه إلى الدول العربية، سيما الخليجية، إضافة إلى تشكيل لجنة مشتركة عراقية وأردنية وسورية لضبط الحدود لمنع التهريب.

والمقصود في المخدّرات هنا حبوب مخدّر الكبتاغون الذي بات يدرّ أرباحاً طائلة للنظام السوري وشركائه، وفي مقدمتهم حزب الله، إذ يجري تصنيعه في لبنان وفي الأراضي السورية، قبل أن يُهرّب إلى الدول العربية، خصوصاً السعودية، عبر الأردن، وهو ما تنظر إليه الرياض بأنه مشكلة أساسية في ضوء التحولات الاجتماعية الكثيرة التي تعيشها، والتي تمثل أحد أبرز المعضلات والمعيقات لهذه التحولات.

وبات من المعروف، وفقاً لتقارير غربية، أن نظام الأسد يستخدم ورقة الكبتاغون في إطار مساوماته للتطبيع مع الدول العربية، خصوصاً أنه يمتلك هذه المادّة المخدّرة بشكل شبه حصري. إذ تفيد تقديرات الحكومة البريطانية بأن 80% من إنتاج “الكبتاغون” في العالم يصدُر من سورية، وإن ماهر الأسد شقيق رأس النظام السوري يشرف شخصياً على هذه التجارة في الخارج. وبحسب تقرير للسفارة البريطانية في بيروت، صدر غداة إدراج وزارة الخزانة الأميركية ستة أشخاص على قائمة العقوبات بالتنسيق مع السلطات البريطانية، بينهم اثنان من أبناء عمومة بشّار الأسد على خلفية “دورهم في إنتاج الكبتاغون وتهريبه”، فإن هذه التجارة “تعود على النظام السوري بمردود يبلغ 57 مليار دولار سنوياً”.

هذه الأرقام الضخمة نسبياً، إضافة إلى تعقد الشبكات المرتبطة بعمليات تصنيع الكبتاغون وتهريبه، تطرح تساؤلاتٍ كثيرة بشأن جدّية النظام السوري في الرضوخ للمطالب العربية بالحد من التهريب. فعلى فرض أن النظام كان جادّاً في الوفاء بتعهداته، وهذا أمر مشكوك فيه، فإن ارتباط شقيق وأبناء عمومة بشار الأسد بهذه التجارة، تجعل ضبطها أمراً في غاية التعقيد، ودونه اعتبارات داخلية وعائلية كثيرة بالنسبة إلى العائلة الرئاسية.

وفقاً لهذه المعطيات، النظام السوري غير مسيطر مطلقاً على هذه التجارة، وإنْ كان يستفيد منها في إطار “دبلوماسية الكبتاغون” التي ينتهجها. وبالتالي، قد لا يكون واقعيا التعويل العربي عموماً، والسعودي خصوصاً، على انعكاس التطبيع مع النظام السوري على وقف وصول شحنات المخدّرات إلى الدول العربية. وحتى إن أظهر النظام جدّيته في هذا الأمر، فإنه سيكون مؤقتاً، فبعد أن يجني ثمار دبلوماسيته، مؤكّد أن الأسد وأقرباءه سيعودون إلى هذه التجارة، خصوصاً أن أي تطبيعٍ من الدول العربية لن يوفّر للنظام وأفراد عائلته ما يجنونه حالياً من الكبتاغون.

العربي الجديد

——————————–

الأسد يشكر بن زايد..على دوره بإعادته للجامعة العربية

أجرى رئيس النظام السوري بشار الأسد اتصالاً هاتفياً بالرئيس الإمارتي محمد بن زايد، وذلك بعد قرار الجامعة العربية إعادة النظام لشغل مقعد سوريا، عقب أكثر من 10 سنوات على تجميد عضويته.

وقالت وكالة أنباء النظام “سانا” إن الأسد بحث مع بن زايد خلال الاتصال التطورات الإيجابية على الساحة العربية، مضيفةً أن الأسد عبّر عن تقدير النظام للدور الإماراتي في علاقاته مع الدول العربية.

وذكرت الوكالة أن الاتصال تناول “الحديث العلاقات الثنائية والتعاون المستمر بين سورياٍ والإمارات في العديد من المجالات”.

بدورها، ذكرت وكالة الأنباء الإمارتية أن بن زايد تلقى اتصالاً من الأسد ليل الأحد، بحثا خلاله “علاقات البلدين الشقيقين وسبل تعزيز التعاون المشترك في مختلف المجالات بما يخدم مصالحهما المتبادلة”.

وقالت إن الأسد “عبّر عن تقدير سوريا للدور الذي تقوم به دولة الإمارات من أجل لم الشمل وتحسين العلاقات العربية، بما يعزز التعاون العربي المشترك ويخدم مصالح الدول العربية وشعوبها”.

وجاء الاتصال بُعيد تبنّي مجلس جامعة الدول العربية قراراً يعيد النظام السوري لشغل مقعد سوريا في الجامعة، وذلك خلال اجتماع وزراء خارجية الدول العربية الأحد، على أن تٌشكل لجنة وزارية عربية لمتابعة تنفيذ تعهدات النظام للوصول إلى حل سياسي، والتي قدّمها خلال لقاء عمّان التشاوري.

وأوضح البيان الختامي للاجتماع، أنه تقرر إعادة النظام السوري إلى الجامعة العربية، واستئناف مشاركة وفوده في اجتماعات مجلس الجامعة بدءاً من 7 أيار/مايو، مرحباً باستعداد النظام للتعاون مع الدول العربية لتطبيق الاتفاقات التي تم التوصل إليها في اجتماع عمّان، ومشدداً على ضرورة تنفيذها.

وقبل أسبوع، اجتمع وزراء خارجية العراق والسعودية والأردن ومصر والنظام السوري، في العاصمة الأردنية عمّان، من أجل إيجاد مخرج للأزمة السورية، حيث جرى رسم الخطوط العريضة لعودة النظام للجامعة العربية، مقابل التزامه بتقديم خطوات للتقدم في الحل السياسي، بما في ذلك وقف تهريب المخدرات وعودة اللاجئين، وفق مبدأ “خطوة مقابل خطوة”.

—————————–

الأسد في الجامعة العربية.. بكائية سورية مفتعلة

بدا إعلان الجامعة العربية عن إعادة سوريا لشغل مقعدها في الجامعة، بمثابة إعلان نعي عربي بالكامل للتغيير في سوريا الذي يقاتل السوريون منذ 12 عاماً لتحقيقه، ما دفع معارضين سوريين لانتقاد الجامعة العربية.

    بعد 12 عام من الثورة وتقديم الشعب السوري مليون شهيد ومئات آلاف المعتقلين وأكثر من 13 مليون نازح حول العالم، الجامعة العربية “التي لم تقدم خيراً لإنسانٍ عربي منذ نشأتها” تقدّم هديتها للشعب السوري بإعادة نظام بشار الأسد إلى جامعة الدول العربية.

    — هادي العبدالله Hadi (@HadiAlabdallah) May 7, 2023

والاحباط الذي اعترى الكثيرين من المعارضين، ظهر على أنه مبالغة، كون المسار الذي وصلت اليه الحال، بدأ قبل 5 سنوات، إثر معارك حاسمة دفعت القوات المعارضة الى ادلب، وتحول القرار في دمشق الى عواصم أخرى، كل منها يقبض على مساحة جغرافية مباشرة أو بالوكالة، ولم ينتظر الا الوقت المناسب لاعلان نهاية ثورة، عوّل السوريون وكثيرون من الداعمين على نتائجها، وانتهت بسبب عدم القدرة على استغلال الوقت.

    عودة النظام السوري الى الجامعة العربية نكسة اخلاقيّة قبل ان تكون سياسية نظام قتلً في لبنان و سوريا يجب ان يحاكم في لبنان و سوريا

    — Fares Souaid (@FaresSouaid) May 7, 2023

إثر هذا التطور، تُطرح اليوم جملة اسئلة عن مصائر حراكات أخرى في مصر أو تونس على سبيل المثال لا الحصر، لو لم تُحسم فيها النتائج خلال أيام معدودة.. هل كان سينتهي الحال كما هو الآن في دمشق؟

على الارجح أن عامل الوقت الذي استثمر النظام وحلفاؤه به، أدى الى تلك النتيجة المحبطة، فالثورات تتعرض للاستنزاف والاستثمار مع الوقت. هي أشبه بلعبة عضّ أصابع. وعليه، تحولت الآمال أخيراً الى مندبة، تحتاج فقط الى إعادة اللاجئين الى سوريا كي تكتمل، وهو مسار آخر يتكثف العمل العربي لانجازه، لتثبيت التوازن الديموغرافي في البلاد، بالنظر الى ان الجزء الاكبر من اللاجئين الى دول الجوار، هم من السنّة.

    – قرارات اليوم لا تعني حل الأزمة السورية بل تدخل عربي لحلها

    – عودة سوريا إلى الجامعة العربية ليست قرارا بإعادة علاقات جميع الدول العربية مع سوريا https://t.co/4DGtIKBiEC

    — Abdullah Almousa (@Abu_Orwa91) May 7, 2023

يبالغ اليوم المعارضون في التعامل مع الحدث وكأنه حدث مفاجئ ومستجد. تطلعات الأفراد، غالباً ما تصطدم بمصالح الدول. هذا ما حصل بالضبط في الثورة السورية التي أنهت النظام السوري كنظام مقبول في بلاده، وأعادت تشكيل صورة الاسد في ذاكرة مواليه كرئيس لفئة، وتلطخت يداه بدماء السوريين، ولم يستطع الحكم إلا بإرادة خارجية.

في المقابل، يدعي الموالون الانتصار، وهو انجاز هزيل، لا يأخذ بعين الاعتبار أن الأسد يحكم اليوم مكسوراً. انتظر قراراً عربياً لاعادته الى جامعة يقول الموالون إن دمشق كانت من مؤسسيها. طُرد منها في لحظة دعم عربي للثورة، وشغل مقعده رئيس الائتلاف في العام 2013، واليوم يعود اليها في لحظة دعم بعض الدول العربية له. يثبت ذلك أن النظام لا يحكم، فيما تتخطى خيبة السوريين كل الاعتبارات السياسية، في لحظة مواجهة صور الاحباب المعلقة على الجدران.

    بعد 12 عام ..

    الجامعة العربية تعود إلى الحياة ، بعودة #سورية 🇸🇾 قلب العروبة النابض إليها .

    خرجنا في قمة الشموخ وعُدنا منتصرين وفي قمة الشموخ ، مبروك عودة الجامعة العربية إلى سورية . pic.twitter.com/nhCxsdCnQi

    — Nour Madian Youssef (@NourYoussef111) May 7, 2023

———————————–

قطر لن تطبع العلاقات مع دمشق..وواشنطن تشكك بدوافع الأسد

أكد المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية القطرية ماجد بن محمد الأنصاري الأحد، أن موقف دولة قطر من التطبيع مع النظام السوري لم يتغير، وذلك بعد قرار استئناف مشاركة وفود حكومة النظام السوري في اجتماعات مجلس جامعة الدول العربية وجميع المنظمات والأجهزة التابعة لها.

وقال الأنصاري، في تصريح لوكالة الأنباء القطرية (قنا)، إن “دولة قطر تسعى دائماً لدعم ما يحقق الإجماع العربي، ولن تكون عائقاً في سبيل ذلك، لكن الموقف الرسمي لدولة قطر من التطبيع مع النظام السوري قرار يرتبط في المقام الأول بالتقدم في الحل السياسي الذي يحقق تطلعات الشعب السوري الشقيق”.

وأعرب كذلك عن “تطلع دولة قطر إلى العمل مع الأشقاء العرب في تحقيق تطلعات الشعب السوري الشقيق في الكرامة والسلام والتنمية والازدهار، وأن يكون هذا الإجماع دافعاً للنظام السوري لمعالجة جذور الأزمة التي أدت إلى مقاطعته، وأن يعمل على اتخاذ خطوات إيجابية تجاه معالجة قضايا الشعب السوري وتحسين علاقاته مع محيطه العربي بما يعزز الأمن والاستقرار في المنطقة”.

وكان مجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري، قرر في دورته الاستثنائية التي عقدت الأحد، في مقر الجامعة العربية برئاسة مصر، استئناف مشاركة وفود حكومة النظام السوري، في اجتماعات مجلس جامعة الدول العربية، وجميع المنظمات والأجهزة التابعة لها، اعتباراً من 7 أيار/مايو 2023.

لا تستحق العودة

إلى ذلك، قال متحدث باسم الخارجية الأميركية إن واشنطن لا تعتقد أن سوريا تستحق العودة إلى الجامعة العربية في هذه المرحلة.

وأضاف المتحدث أن الولايات المتحدة تشكك في رغبة الرئيس السوري بشار الأسد في حل الأزمة السورية، لكنها تتفق مع الشركاء العرب بشأن الأهداف النهائية.

وأوضح أن واشنطن تفهم أن الشركاء يسعون للاتصال المباشر مع الرئيس السوري لمزيد من الضغط من أجل حل الأزمة السورية.

وكانت الجامعة العربية جمّدت عضوية سوريا فيها رداً على قمع النظام السوري الاحتجاجات الداعية لإسقاطه التي انطلقت في آذار/مارس 2011.

—————————-

عودة مشروطة لسوريا تجنب الجامعة العربية الوقوع في تناقضات عربية ودولية

مشاركة مرتقبة للأسد في القمة العربية.

باتت عودة سوريا إلى الجامعة العربية أمرا واقعا بعد قرار وزراء الخارجية العرب الأحد استئناف مشاركة وفود الحكومة السورية في اجتماعات الجامعة وإنهاء تعليق عضويتها.

القاهرة – تجاوز وزراء خارجية الدول العربية في اجتماعهم الطارئ بالقاهرة الأحد الوقوع في تناقضات إقليمية ودولية فادحة، حيث اشترطوا لعودة سوريا إلى الجامعة العربية العمل على حل الصراع على أراضيها للخروج من فخ عدم حدوث تغير حقيقي على مدار نحو 12 عاما فصلت بين قراري المقاطعة والعودة.

ونجحت السعودية، بالتعاون مع كل من مصر والعراق والأردن، في تمرير “عملية جراحية” لعودة سوريا من دون حدوث خلافات كبيرة، حيث لم تعد المقاطعة مجدية مع تزايد عدد الدول العربية التي كسرت العزلة علنا في السنوات الماضية، وتراجع ممانعات الولايات المتحدة التي وضعت ما يشبه “الفيتو” على عودة سوريا.

وأعلن وزراء الخارجية في بيان لهم، الأحد، أنه تقرر “استئناف مشاركة وفود حكومة الجمهورية العربية السورية في اجتماعات مجلس جامعة الدول العربية، وجميع المنظمات والأجهزة التابعة لها”، اعتبارا من السابع من مايو الحالي.

وأكدوا الحرص على إطلاق “دور عربي قيادي” في جهود حل الأزمة السورية وانعكاساتها وضمنها “أزمات اللجوء وتهريب المخدرات وخطر الإرهاب”، وشددوا على ضرورة إيصال المساعدات الإنسانية إلى محتاجيها في سوريا، وتشكيل لجنة وزارية تعمل على مواصلة الحوار المباشر مع الحكومة للتوصل إلى حل شامل للأزمة.

يقول متابعون إن العودة “تحصيل حاصل” لجملة من التطورات التي شهدتها العلاقات العربية مع دمشق، بما جعل نظامها الحاكم غير منبوذ كما كان سابقا، حيث انفتحت عليه دول خليجية ناصبته العداء، وبدأت تركيا تتحدث عن تفاهمات معه.

العودة “تحصيل حاصل” لجملة من التطورات التي شهدتها العلاقات العربية مع دمشق، بما جعل نظامها غير منبوذ

ويشير هؤلاء المراقبون إلى أن العودة جاءت في سياق تحركات تقوم بها الرياض على الساحة الإقليمية، فمنذ الحديث عن عودة علاقاتها الدبلوماسية مع طهران أخذ الملف السوري يتحرك بوتيرة سريعة، ويبدو كأنه قاسم مشترك بين السعودية وإيران، والبحث عن صيغة تحوله إلى عنصر إيجابي بعد أن كان أحد عناصر التوتر بينهما.

وأرسل الرئيس السوري بشار الأسد رسالة سياسية قوية عندما استقبل نظيره الإيراني إبراهيم رئيسي في دمشق لأول مرة قبل أيام، مفادها أن عودة سوريا إلى الجامعة العربية لن تكون على حساب التفريط في علاقته الإستراتيجية مع طهران، وأنه عازم على توظيف الأداتين (العربية والإيرانية) لتعظيم مكاسبه الإقليمية وتجاوز المأزق الحاد الذي عاشه على مدار السنوات الماضية.

وعقدت الجامعة العربية على مستوى المندوبين الدائمين لقاء تحضيريا، السبت، تمهيدا لعقد اجتماعين وزاريين، الأحد، لبحث ملفي سوريا والسودان، واحتل الملف الأول اهتماما كبيرا من متابعين توقعوا أن يخلص إلى عودة دمشق، بينما لم يحظ الصراع في السودان بمتابعة توازي سخونته العسكرية الحالية، وجاء تاليا للملف السوري.

وعُلقت عضوية سوريا عام 2011 عقب حملة عنيفة على احتجاجات مناهضة لبشار الأسد أدت إلى حرب أهلية مدمرة كادت تقسم سوريا، وعلى إثر العنف سحبت دول عربية عديدة مبعوثيها من دمشق، ووافقت حينئذ 18 دولة عربية على قرار التعليق، واعتراض سوريا ولبنان واليمن، وامتناع العراق عن التصويت.

قطر أبدت ممانعتها لعودة دمشق، ورأت أن أسباب اندلاع الأزمة لا تزال مستمرة

وأعادت دول عربية، أبرزها السعودية ومصر والإمارات والبحرين وتونس والجزائر، التعامل مع دمشق من خلال زيارات متبادلة استفادت من حدوث تغيرات في بعض المواقف الإقليمية والدولية، بشكل أسهم في الوصول إلى قرار عودة مشروط.

وأبدت قطر ممانعتها لعودة دمشق، ورأت أن أسباب اندلاع الأزمة لا تزال مستمرة، ما دفع إلى التوصل إلى تفاهمات للخروج بموقف توافقي بدلا من التصويت على القرار، واشتراط سعي دمشق لحل سياسي للصراع، واتخاذها خطوات عملية للتدرج في الحل وفق مبدأ “خطوة مقابل خطوة”، بمعنى خطوة إيجابية سورية تقابلها أخرى عربية.

وبقطع النظر عن جدوى هذه المعادلة، فإن عودة سوريا أصبحت أمرا واقعا بموجبه ستعود إلى ممارسة دورها تدريجيا في بعض الملفات التي اعتادت التأثير فيها، ما يمثل عنصر إضافة عربيا إذا أحدثت تحولا في حساباتها السابقة، أو خصما إذا أصرت على طريق المناكفات، لأن هناك تغيرا كبيرا حدث بين المقاطعة والعودة.

واللافت أن سنوات المقاطعة أفضت إلى توثيق علاقات دمشق مع كل من روسيا وإيران، وهما البلدان اللذان يحسب لهما إنقاذ نظام الأسد من السقوط، ما يشي بأن بعض توجهات سوريا السياسية سوف تكون مرهونة بالتنسيق مع كليهما.

عودة دمشق لن يكون لها تأثير قوي في هذه المرحلة على التفاعلات الإقليمية

وألمحت مصادر عربية إلى أن عودة دمشق لن يكون لها تأثير قوي في هذه المرحلة على التفاعلات الإقليمية، وأمامها شوط طويل لترتيب أوضاعها الداخلية أمنيا وسياسيا واقتصاديا، ما يجعلها مرهونة بحجم ما تتلقاه من دعم في الملفات الثلاثة.

وأكدت المصادر ذاتها لـ”العرب” أن النظام السوري لا يملك رفاهية توظيف ما يمكن وصفه بـ”التناقضات الإقليمية والدولية”، فبقدر ما تمثل هذه الحالة مكسبا له قد تنقلب عليه إذا مارس هوايته في تبني مواقف متشددة ضد الولايات المتحدة وإسرائيل.

ومن المتوقع دعوة الرئيس الأسد لحضور القمة العربية بالرياض في التاسع عشر من مايو الجاري بعد غياب استمر نحو 12 عاما، وهو ما يدعم الجهود السعودية التي بُذلت لعودة دمشق في قمة تريدها أن تكون نواة لدور إقليمي جديد لها.

وعقدت الفترة الماضية اجتماعات وزارية عربية مصغرة في كل من السعودية والأردن بهدف تمهيد الطريق أمام عودة سوريا بطريقة توافقية، وتحاشي فتح ملفات جانبية يمكن أن تجهض خطوة كبيرة أخفقت الجزائر في الوصول إليها العام الماضي.

والتقى وزراء خارجية الأردن والسعودية والعراق ومصر وسوريا في عمّان في الأول من مايو الجاري لبحث سبل عودة اللاجئين السوريين من دول الجوار، وبسط السلطات سيطرتها على كامل الأراضي السورية، وحسم مسألة تهريب المخدرات.

كما التقى وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي، بمشاركة مصر والعراق والأردن، في جدة منتصف أبريل الماضي، لبحث ملف عودة سوريا إلى الجامعة العربية، واتفقوا على أهمية وجود دور عربي فاعل لإنهاء الأزمة السورية.

لا مقاعد شاغرة بعد الآن

——————————

عودة دمشق إلى الجامعة… لكنّ الأزمة السورية طويلة جداً/ علي حمادة

حدث ما كان متوقعاً منذ أن جرى تشغيل محركات دول عربية ذات وزن مثل الإمارات والسعودية. ما لم يكن مؤكداً هو موعد إعادة دمشق الى الجامعة العربية. لكننا عندما تابعنا زيارة وزير الخارجية السوري فيصل المقداد للسعودية، ثم اجتماع جدة الوزاري التشاوري الذي ناقش قضية عودة سوريا، وزيارة وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان لدمشق وأخيراً الاجتماع العربي التشاوري في عمان، أيقنّا أن القرار اتخذ لتسريع خطوات العودة قبل قمة الرياض في 19 أيار (مايو) الجاري.

ومن هنا اجتماع القاهرة البارحة الذي حسم المسألة من دون اشتباك بين مؤيدي العودة ومعارضيها، على قاعدة أن من يرفض يغيب عن الاجتماع من دون تعريض العلاقات بين المؤيدين والمعارضين للاختلال. لكن يبدو أن مضمون البيان ثبت مجموعة مرجعيات لإعادة النظام الى “الحضن العربي” أولها القرار الصادر عن مجلس الأمن رقم 2254، والأهم الإصرار على مبدأ “الخطوة مقابل الخطوة” التي تعكس إدراكاً عربياً بأن الأزمة في سوريا حقيقة قائمة، وأن النظام فيها جزء من الأزمة، وأن القضية لها مسارات متعددة يجب النظر فيها بهدوء ومن غير استعجال ومنح جوائز مجانية.

وإذا كان تشكيل لجنة اتصال وزارية عربية مؤلفة من خمس دول معنية بالأزمة السورية، فمعنى هذا أن الكل يعرف مدى صعوبة الملف السوري وتعقيداته. فأمام تعدد الاحتلالات على أرض سوريا من إيرانية، الى روسية فتركية، وأميركية، وإسرائيلية يبقى النظام أضعف الأطراف على الأرض، لا سيما إن لم يسر في طريق حل الأزمة سياسياً وفق مرجعية القرار 2254، ومضمون البيان العربي الذي صدر إثر الاجتماع الوزاري التشاوري العربي الذي يعين عدداً من الملفات المطلوبة من النظام على طريق التطبيع الطويل.

فعلى سبيل المثال هناك قضية الحل السياسي الشامل وفق روحية القرار 2254، وأزمة “عبء اللجوء” الذي يهم دول الجوار، ومكافحة تهريب المخدرات الى دول الجوار والخليج والذي تعرف الدول العربية أن النظام متورط فيه مع الإيرانيين وميليشياتهم الى ابعد الحدود. وللتذكير فإن هذه المشكلة دفعت الأردن، وهو من الدول الأكثر حماسة لاعادة سوريا الى الجامعة العربية، للتهديد بلسان وزير الخارجية بأن الجيش الأردني سوف ينفذ “مطاردات ساخنة” داخل الأراضي السورية لعصابات تهريب المخدرات السورية.

طبعا تشكل عودة دمشق الى الجامعة العربية نقطة في صالح النظام وأخرى في مرمى القوى المعارضة على اختلافها، على قاعدة أن الحرب الإيرانية والروسية المدمرة انقذت نظام الرئيس بشار الأسد من الانهيار، علماً ان أسباباً كثيرة أخرى أسهمت في ذلك مثل تخاذل الأميركيين عام 2013 في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما اثر استخدام الأسد السلاح الكيماوي في غوطة دمشق ضد المدنيين. وقد تواطأ الأميركيون يومها مع روسيا لتجنيب الأسد ضربة أميركية بإخراج رسمته موسكو، فبقي الأسد. لن ندخل الآن في مسألة توزيع المسؤوليات، لكن من المهم بمكان القول إن النظام بقي، لكن الأزمة بقيت أيضاً، وهي أزمة طويلة جداً، لن تبددها العودة التي لا تقدم ولا تؤخر إلى الجامعة العربية، بل إن مفعولها معنوي.

فتطبيع العلاقات العربية مع الأسد سيكون في اطار ثنائي بينه وبين كل دولة عربية على حدة. وليست هناك سياسة عربية مشتركة تجاه سوريا. وحدها المواقف المنصوص عنها في البيانات العربية الأخيرة لها صفة المقاربة المشتركة، لكن طريق الحل السياسي الشامل طويل، ومعه حل أزمة الاحتلالات واللجوء والنزوح السوريين، ومشكلة إعادة الاعمار الهائلة بكلفتها. وبالتالي نحن امام مسار طويل طويل، قد لا يفضي بالضرورة الى أي تغيير على أرض الواقع. والسؤال المطروح الآن لمعرفة مدى رغبة الأسد أو قدرته على احترام تعهداته العربية هو: من يمسك بالقرار السيادي السوري؟

النهار العربي

—————————–

ما الثمن الذي سيدفعه الأسد مقابل العودة للجامعة العربية؟ إليك الشروط التي طُرحت وما سينفذ منها؟

عربي بوست

غموض حول شروط عودة سوريا للجامعة العربية، وما الثمن الذي قدمه نظام الأسد لهذا القرار الذي يصوره للداخل السوري على  أنه عودة مظفرة؟ فما هذه الشروط وما نفذ منها أو الضمانات لتنفيذها؟ وما فرص تحقيق الشرط الأهم للدول العربية المتعلق بمشكلة سيل المخدرات المتدفق من سوريا؟

وصوَّتت الجامعة العربية، أمس، على إعادة مقعد سوريا إلى النظام بعد مرور أكثر من 11 عاماً على الحرب الأهلية السورية، عندما اُتخذ قرار تعليق مشاركة سوريا في اجتماعات الجامعة العربية ومنظماتها في 16 نوفمبر/تشرين الثاني عام 2011، بناء على قرار من مجلس الجامعة على المستوى الوزاري، إثر فشل مهمة بعثة عسكرية تابعة للجامعة العربية أُرسلت لضمان عدم قمع الاحتجاجات في عام 2011.

الأسد يمكنه المشاركة في القمة العربية بالسعودية

قرر وزراء الخارجية العرب، الأحد 7 مايو/أيار 2023، استئناف مشاركة وفود حكومة النظام السوري في اجتماعات مجلس جامعة الدول العربية وجميع المنظمات والأجهزة التابعة لها اعتباراً من يوم صدور القرار، ولكن اللافت أن دمشق لم تبادر بإرسال وفد أو ممثل لها للجامعة العربية، حتى مثول هذا التقرير للنشر.

وقال الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، الأحد 7 مايو/أيار 2023، بعد عودة سوريا إلى الجامعة العربية، إن رئيس النظام السوري بشار الأسد يمكنه المشاركة في القمة العربية المقررة في السعودية خلال شهر مايو/أيار 2023، “إذا ما رغب”.

ما شروط عودة سوريا للجامعة العربية؟

ولكن يبدو هناك غموض واضح، فيما يتعلق بمدى تنفيذ النظام لـ”شروط عودة سوريا للجامعة العربية”، التي كانت مطروحة في السابق من قِبَل الدول العربية والأمين العام للجامعة، وهي شروط يتعلق أغلبها بتطبيق القرار الدولي رقم 2254، بما في ذلك إطلاق عملية سياسية تتضمن الحوار مع المعارضة السورية، وتعديل الدستور السوري، بما يضمن مشاركتها في عملية سياسية مقبولة بالبلاد.

وهناك الشرط الأهم لدول جوار سوريا والدول الأوروبية وهو عودة آمنة لملايين السوريين، وهذه الشروط نفسها طُرحت مراراً عبر مسار أستانة الذي تقوده الدول المنخرطة في الأزمة السورية “روسيا وتركيا وإيران”.

وخلال الجلسة الافتتاحية لاجتماع وزراء الخارجية العرب بشأن عودة سوريا، كان لافتاً أن وزير الخارجية المصري سامح شكري، الذي ترأس الاجتماع بصفته رئيس الدورة الحالية لمجلس الجامعة العربية، أكد في كلمة بدت قوية أن عودة سوريا تأتي في سياسة “خطوة مقابل خطوة”، ملمحاً إلى أن شروط عودة سوريا للجامعة العربية تشمل تسوية سياسية داخلية، وهي مسألة من مسؤوليات النظام والمكونات السورية، في إشارة للمعارضة.

ويفهم من سياسة “خطوة مقابل خطوة” أنها تعني تقديم خطوات تمثل تنازلاً من قِبل النظام مقابل خطوات إيجابية من العرب، منها العودة للجامعة.

الجامعة العربية تلمح لعدم وجود ضمانات لتنفيذ هذه الشروط من قِبل النظام

ولكن في المؤتمر الصحفي الذي عقده شكري مع أبو الغيط، عقب الاجتماع، وعندما سُئلا عما تم تطبيقه من شروط عودة سوريا للجامعة العربية، لمَّح وزير الخارجية المصري بأن نظام الأسد قدم خطوات مسبقة قبل عودته للجامعة العربية، دون أن يشير لمثل هذه الخطوات.

وعندما سئل أبو الغيط هل سيكون هناك مراجعة لالتزام نظام الأسد بتلبية شروط عودة سوريا للجامعة العربية (بما في ذلك احتمال العودة عن القرار)؟.. حملت إجابة أبو الغيط ما معناه أن عودة سوريا خارج شرط الخطوة بخطوة، ولم يشر إلى إمكانية مراجعة مسألة عودة النظام لشغل مقعد دمشق إذا لم تنفذ شروط عودة سوريا للجامعة العربية.

ثم عندما سُئل أبو الغيط من إعلامي لبناني بشأن مسألة عودة اللاجئين السوريين من لبنان، والتي تعد مسألة حساسة للبلد العربي الصغير والمفلس والحساس في توازاته الطائفية.. أكد أبو الغيط أهمية المسألة دون أن يتحدث عن وعود محددة من النظام بشأن أي عودة للاجئين أو المصالحة مع المعارضة.

 الوزراء العرب يتحدثون عن وعود، ولكن النظام يتجاهلها

اللافت أن بيان مجلس وزراء الخارجية العرب لم يشِر إلى شروط عودة سوريا للجامعة العربية، ولكن اكتفى بالترحيب باستعداد سوريا للتعاون مع الدول العربية لتطبيق مخرجات البيانات الصادرة عن اجتماعي جدة وعمان الذي ضم عدداً من وزراء خارجية الدول المعنية بشكل مباشر بأزمة سوريا (مصر والأردن ودول الخليج)، ويمكن القول إن هذين البيانين هما اللذان يتضمنان شروط عودة سوريا للجامعة من وجهة نظر الدول المشاركة.

واتفق الوزراء المشاركون في اجتماع جدة على تهيئة الظروف اللازمة لعودة اللاجئين والنازحين السوريين إلى مناطقهم، وإنهاء معاناتهم، وتمكينهم من العودة بأمان إلى وطنهم، حسبما ورد في وكالة الأنباء السعودية.

ولكن لم يصدر عن النظام السوري ما يفيد بأنه على استعداد لتنفيذ شروط متعلقة بمسار التسوية السياسية أو عودة اللاجئين، بل إن النظام رد بعجرفة على قرار إعادة شغره لمقعد سوريا بالجامعة العربية، بدعوة الدول العربية، الأحد، في المقابل لإظهار ما وصفه بـ”الاحترام المتبادل”.

وقالت وزارة الخارجية السورية في بيان: “المرحلة المقبلة تتطلب نهجاً عربياً فاعلاً.. يستند إلى الحوار والاحترام المتبادل”. وأكد البيان “أهمية الحوار والعمل المشترك لمواجهة التحديات التي تواجه الدول العربية”.

لهذا السبب يصعب قبول النظام لعودة اللاجئين.. فهي تتعلق بمشروعه الطائفي

مسألة عودة اللاجئين يمكن القول إنه يستحيل أن يوافق عليها نظام الأسد؛ بل على العكس اتخذ النظام قرارات لمنع عودتهم وإسقاط الجنسية عنهم، والاستيلاء على ممتلكاتهم عبر قوانين تشبه قوانين مصادرة أملاك الغائبين الذي تنفذه سلطات الاحتلال بحق المهجرين من القدس المحتلة.

وحتى روسيا أكبر داعم لنظام الأسد، سبق أن حاولت طرح صفقة يطبع بها الاتحاد الأوروبي مع نظام الأسد مقابل عودة ولو جزئية للاجئين السوريين من أوروبا، ولكن النظام تجاهل المبادرة الروسية في بادرة تمنع نادرة من الأسد الذي يعتمد بشكل كبير على الدعم العسكري والاقتصادي الروسي، ويسلم له بعض مرافق ومناطق البلاد بالتوازي مع إيران.

بالنسبة لنظام الأسد، فإن عملية التهجير ليست نتاجاً عرضياً للحرب، بل عمل متعمد ومنظم أفضى للمكسب الأكبر والأكثر ديمومة لنظام طائفي يعتمد على حكم منبثق من الأقلية العلوية، في مقابل معارضة جزء كبير من الأغلبية العربية السنية في البلاد (تمثل ما يتراوح بين 65 % و70 % من سكان البلاد).

شروط عودة سوريا للجامعة العربية

فتهجير اللاجئين وأغلبهم من السنة العرب إلى خارج البلاد أو مناطق المعارضة في الشمال، حقق هدفاً تاريخياً للنظام هو الوصول بعدد العرب السنة في المناطق الخاضعة لسيطرته إلى أقل من النصف على الأرجح، وأصبح مجموع الأقليات أغلبية.

 ومع أن العلويين لا يمثلون سوى ما يتراوح بين 10% إلى 12 % من السكان قبل الأزمة، ولكن تحول مجموع الأقليات لأغلبية مفيدٌ للنظام في ظل ميل الأقليات إما للحياد أو التعايش مع النظام أو تأييده، خاصة أن جزءاً من نشطاء الأقليات كان مؤيداً للثورة السورية في بدايتها، ولكن انتابهم الخوف مع ظهور بعض الجماعات المتطرفة، ولاسيما داعش، ونفخ النظام في المخاوف التاريخية من سيطرة العرب السنّة والتطرف.

وتؤيد إيران زعيمة المشروع الطائفي في المنطقة مسلك النظام في هذا الملف.

هل يمكن أن يخرج حزب الله من سوريا؟

أكد الوزراء العرب المشاركون في اجتماع جدة الذي أقر مخرجاته مجلس الجامعة، أمس، أهمية مكافحة الإرهاب بأشكاله كافة وتنظيماته، وأهمية قيام مؤسسات الدولة بالحفاظ على سيادة سوريا على أراضيها لإنهاء تواجد الميليشيات المسلحة فيها، والتدخلات الخارجية في الشأن الداخلي السوري، في إشارة واضحة إلى مطلب عربي بضرورة خروج الميليشيات الموالية لإيران، وعلى رأسها حزب الله.

ولكن مثل قضية اللاجئين، فمسألة خروج الميليشيات الشيعية الموالية لإيران مثل حزب الله، مطلب يصعب على الأسد الموافقة عليه؛ لأن هذه الميليشيات هي التي تحمي النظام في ظل ضعف جيشه.

كما أن وجود هذه الميليشيات سبب رئيسي لأهمية سوريا بالنسبة لإيران ودافع وراء إمداد الأخيرة للنظام المفلس بأسباب الحياة بجانب البعد الطائفي في العلاقة، فضلاً عن أن الأسد في ظل قبضته الضعيفة يعمل على خلق توازن عسكري بين نفوذي إيران وموسكو عبر وجودهما معاً وليس إحداهما فقط.

شروط عودة سوريا للجامعة العربية

وقد يكون النظام راغباً في تخفيف نشاط إيران وحزب الله ضد إسرائيل لتجنب ضربات الأخيرة لسوريا، رغم أنه واقعياً، فإن تل أبيب تتجنب ضرب وحدات النظام العسكري، وتقصف تلك التابعة لحزب الله وإيران أو المرافق المشتركة بين الأسد والقوى الموالية لإيران مثل المطارات.

كما أن المصالحة السعودية مع إيران تقلل الحوافز السعودية للإلحاح في مسألة خروج حزب الله من سوريا، خاصة أنها تعلم أن هذا لن يحدث، فالميليشيات الموالية لإيران أمر واقع في العراق واليمن ولبنان.

هل يمكن أن يطلق الأسد حواراً مع المعارضة؟

أما الحوار مع المعارضة لإطلاق تسوية سياسية، وتعديل الدستور، فالنظام ماطل في التعامل مع هذا المطلب الأساسي في مسارات جنيف وأستانا، رغم دعم الروس له من الناحية الرسمية على الأقل.

كما قد يكون هذا المطلب الأقل إلحاحاً بالنسبة للدول العربية التي تخلت أغلبها عن دعم المعارضة السورية المسلحة في شمال وجنوب البلاد، وأصبحت معارضة الشمال أكثر اعتماداً على تركيا، ومعارضة الجنوب تحت رحمة التسويات الروسية الجزئية.

وفي ظل الطابع الإسلامي والديمقراطي للمعارضة السورية في الشمال، فإنها غير مفضلة للأنظمة العربية.

ويبقى ما يعرف بمعارضة الداخل التي يشكك الكثيرون في كونها معارضة للأسد حقاً، مثل هيئة التنسيق السورية، وهي الجهة المرضيّ عنها من قِبل الروس، ويسمح لها النظام بالعمل في الداخل، ولها علاقة وثيقة مع القاهرة، وقد تشارك في خطوات شديدة الشكلية لإعطاء طابع دستوري للسلطة في البلاد.

المطلب العربي الأهم وقف تهريب المخدرات من سوريا

أما المطلب الأهم بالنسبة للدول العربية فهو مسألة وقف تدفق المخدرات من سوريا إلى الأردن ودول الخليج والسعودية تحديداً، وهو في الأغلب الدافع الرئيسي للتحرك السعودي الأردني لإعادة سوريا للجامعة.

وأكد الوزراء المشاركون في اجتماع جدة أهمية مكافحة تهريب المخدرات والاتجار بها في سوريا.

ولقد جادلت الدول العربية مع واشنطن (المعترضة على التطبيع مع الأسد) بأنَّ الوضع الراهن في سوريا غير محتمل، وتسبب في حدوث صداع لها، خاصة بسبب مسألة المخدرات.

وتحولت سوريا على مدى العقد الماضي إلى دولة مخدرات، حيث تصدر الأمفيتامينات (حبوب الكبتاغون) المسببة للإدمان عبر الحدود إلى الأردن والمملكة العربية السعودية، فيما أصبحت المملكة توصف بأنها عاصمة استهلاك المخدرات في الشرق الأوسط.

وصار مخدرٌ الكبتاغون بمثابة شريان حياة للاقتصاد السوري طوال عقدٍ من العزلة، ثم تحوّل اليوم إلى ورقةٍ للمساومة في يد النظام السوري -بالتزامن مع محاولته تطبيع علاقاته مع الدول المجاورة، حسبما ورد في تقرير سابق لشبكة CNN الأمريكية.

وسبق أن قدّر خبراء في الكبتاغون أن حجم التجارة في هذا العقار المخدر التي يقودها النظام السوري وحلفاؤه بلغ 5.7 مليار دولار عام 2021، فيما قالت الخارجية البريطانية إن 80% من إمدادات العالم من هذا المخدر تُنتَج في سوريا.

شروط عودة سوريا للجامعة العربية

فالسعودية يبدو أنها قد تخلت عن شروطها السابقة للتطبيع مع الأسد ورفع الفيتو عن عودته للجامعة العربية، والتي كان أغلبها يتعلق بخروجه من الفلك الإيراني وتخفيف قبضة حزب الله على لبنان أو الحوار مع المعارضة السورية، لتطرح شرطاً أكثر إلحاحاً بالنسبة لها وهو وقف تدفق المخدرات السورية التي تهدد شبابها.

ورجّح المحللون أن تحظى مسألة الكبتاغون بأولويةٍ كبيرة على جدول الأعمال خلال محاولات التطبيع السعودي مع نظام الأسد، في ظل حديث عن احتمال دعوة الرياض للأسد لحضور القمة العربية القادمة المقررة بالمملكة في شهر مايو/أيار الجاري.

وتخوض السلطات الأردنية معارك يومية عبر مركزي نصيب وجابر وأيضاً عبر الحدود البرية المفتوحة مع سوريا.

وقد يكون هذا الملف الذي سيقدم به الأسد تنازلات جزئية، إذ قد يخفف من تدفق المخدرات من سوريا للأردن ومنها للسعودية، ولكن سيكون تخفيضاً لا منعاً، لأن النظام في ظل عزلة سوريا لا يستطيع الاستغناء عن عائدات المخدرات الضخمة.

كما أن شبكات هذه التجارة غير المشروعة لها مصالح كبيرة متداخلة مع الميليشيات المؤيدة للنظام وبعض وحداته العسكرية، وعشائر البقاع اللبنانية الشيعية الموالية لحزب الله، والمساس بها يزعزع النظام.

قد يحول النظام هذه التجارة من حالتها الفجة الحالية التي لا يخفي أنها وسيلة للانتقام إلى تجارة مخدرات هادفة للربح مع محاولة الحصول على مقابل مالي من الدول المعنية لتقليلها.

وقد يحول جزءاً كبيراً من مساراتها لأوروبا، لربما تفلح كأداة ابتزاز مع الاتحاد الأوروبي مثلما أفلحت مع الدول العربية. 

أما الوقف الكامل أو الكبير لتجارة الكبتاغون التي بأرباح على نظام الأسد تفوق حجم ميزانية سوريا بثلاثة أضعاف، فيبدو أمراً صعباً.

موقف مؤيدي النظام من عودته للجامعة العربية

اللافت أن موالين لنظام أسد استهزأوا من الجامعة العربية بعد إعلان الأخيرة عودته لشغل مقعد سوريا الذي تم تجميده قبل 12 عاماً، حسبما ورد في مواقع محسوبة على المعارضة السورية.

واعتبروا أن الجامعة العربية هي التي عادت إلى سوريا وليس العكس.

وهنأت صفحات وحسابات على مواقع التواصل رأس النظام بشار الأسد بهذا “النصر”.

ومن المعروف أن نظام الأسد الذي طالما كان يتبنى من الناحية الرسمية مفهوم القومية العربية، وبرر عبرها قمعه لعقود للمعارضة والتدخل في لبنان ومحاولة السيطرة على الحركات الفلسطينية، تبنى خلال السنوات الماضية خطاباً يهاجم الجامعة العربية، وأحياناً العرب والعروبة نفسها، في محاولة على ما يبدو لتبرير عزلته ومخاطبة النزعات المعادية للعالم العربي لدى بعض الأقليات، وتبرير تحالفه التام مع إيران الدولة غير العربية.

ويظهر من سلوك النظام أنه يحاول التأكيد أنه لا يحتاج إلى تطبيع عربي أو دولي حتى إنه إما يقبل به النظام العربي والدولي وبلدان الجوار أو إنه ليس لديه مشكلة في بقاء عزلته، خاصة أن البعد الأمني والطائفي سياسة النظام أهم من الجوانب الاقتصادية.

هل يتحسن وضع الأسد بالعودة للجامعة العربية؟

نظراً للنطاق الواسع للعقوبات الغربية المفروضة على نظام الأسد، فمن المرجح أن يمنح التطبيع سوريا شريان حياة سياسياً أكثر منه اقتصادياً، حسبما ورد في تقرير لشبكة CNN الأمريكية.

وعلى الأقل لن يستفيد الأسد من العودة للجامعة العربية، إلى أن تتمكن الدول العربية من إقناع المجتمع الدولي بقبول الرئيس السوري، لكن يقول المحللون إنها خطوة سيصعُب إقناع المجتمع الدولي بها، أو تحديداً الدول الغربية.

وقال تشارلز ليستر، الزميل البارز في معهد الشرق الأوسط في واشنطن العاصمة، لشبكة CNN: “لا أعتقد أننا سنشهد أكثر من مجرد اتصال سياسي. لن نشهد بالتأكيد بعض التحول الكبير نحو الاستثمار في سوريا.. ولن يكون أي من ذلك ممكناً بدون الدعم الدبلوماسي والاقتصادي الغربي. وهذا غير مطروح نهائياً”.

قد يتيح التطبيع العربي مع الأسد المجال لتدفق بعض المساعدات العربية، ولكنها لن تكون كبيرة، فالسعودية على الأرجح لن تدعم بشكل كبير حليف غريمتها إيران، حتى لو تصالحت معه ومع طهران، وقد تكون الإمارات أكثر سخاءً.

وقد يفتح التطبيع العربي مورداً مالياً للنظام عبر السماح للسوريين بتحويل أموالهم لذويهم في البلاد، علماً بأن أغلب المغتربين السوريين من المعارضين أو المحسوبين على التشكيلات المعارضة أو المستهدفة من قِبل النظام.

شروط عودة سوريا للجامعة العربية

ومن الناحية العسكرية والأمنية، فلن يحدث تغيير كبير في وضع النظام، فقد خرجت الدول العربية التي كانت تدعم المعارضة عسكرياً من المعادلة منذ سنوات، واعتماد النظام الأساسي في مسألة البقاء على  الدعم الروسي- الإيراني.

 وروسيا تحديداً مشغولة في أوكرانيا وهي عززت التنسيق مع تركيا في الشأن السوري بشكل أكثر مناسبة لشروط أنقرة في ظل تعاون البلدين في ملفات أهم بكثير، وحاجة موسكو لتركيا في ظل محاصرة الغرب لها.

وهو ما يرجح أن موسكو أصبحت أكثر استعداداً، للضغط على الأسد في مسألة التطبيع مع أنقرة التي طرحها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قبيل حملة الانتخابات الرئاسية، وهو أمر يمكن التوصل عبره لحلول بين أنقرة ودمشق فيما يتعلق بالتنسيق ضد الإدارة الكردية الذاتية بالأساس والإرهاب القادم من سوريا لتركيا.

ولكن الملف الأصعب هو عودة اللاجئين، ولكن تركيا تعطيه أولوية، وهي تريد عودة كريمة وآمنة وطوعية للاجئين، ورغم سعيها للتطبيع مع الأسد، لكن وزير الدفاع التركي خلوصي آكار، ومساعد الرئيس التركي ياسين أقطاي، سبق أن لوَّحا ببدائل أخرى إذا رفض الأسد، بما في ذلك اقتراح مساعد الرئيس التركي بإعادة اللاجئين طوعاً لحلب (باعتبار أغلب اللاجئين منها) على أن تخضع حلب لشكل من الإدارة المستقلة عن النظام من قِبل المعارضة وإشراف دولي ودور تركي.

فرغم أنه يبدو أن الأسد قد عاد مظفراً للجامعة العربية، فإن موقفه بات أضعف منذ انشغال روسيا بأزمة أوكرانيا ومع ترسخ الإدارة التابعة للمعارضة في منطقتين بالشمال خاصة إدلب، ونجاحها بالتعاون مع أنقرة في الدفاع ضد الهجوم الروسي- السوري على إدلب عام 2020، وتأسيس وضع اقتصادي ومؤسسات أفضل مما لدى نظام الأسد (رغم الخلافات الداخلية بين فصائل المعارضة).

وبالتالي، فإن موقف الأسد في الداخل مرتبط بشكل كبير بتوازنات العلاقة بين موسكو وأنقرة، وبكيفية تعامله مع العرض التركي للتطبيع بعد انتخابات الرئاسة وخيارات أنقرة إذا رفض هذا التطبيع.

———————————–

تجارب الأردن تسلّط الضوء على حدود العلاقات المتجدّدة مع سورية/ أرميناك توكماجيان

ملخّص: 

تولّى الأردن مؤخرًا دفة القيادة في التقارب بين الدول العربية وسورية. لكن تجربة عمّان تُظهر أن تطبيع العلاقات الثنائية، من دون تعاون إقليمي، لا يمكن أن يحصد سوى إنجازات محدودة.

صحيحٌ أن سورية والأردن شهدا علاقات طبيعية لفترات متقطعة، إلا أنهما غالبًا ما كانا على خلاف خلال نصف القرن الماضي. وفي صيف العام 2021، حين صرّح العاهل الأردني عبدالله الثاني في مقابلة على شبكة سي إن إن، بأن “حكم [الرئيس السوري] بشار [الأسد] يتمتّع بالاستمرارية”، وأن ثمة حاجة إلى “التواصل مع النظام”، كان يستعّد للانفتاح مجددًا على سورية بعد فترة من العداوة. الجدير بالذكر أن العاهل الأردني كان أول زعيم عربي يدعو الأسد إلى التنحي بعد اندلاع الانتفاضة السورية في العام 2011، وكان من بين أول الساعين إلى إعادة الانخراط مع النظام السوري. لكن بعد مرور عام تقريبًا، لا تزال العلاقات السورية الأردنية باردة والإنجازات المُحققة محدودة.

يتمثّل تحدٍّ أساسي لإعادة الانخراط هذه المرة في أن سورية والأردن على السواء مقيّدان بقرارات حلفائهما الأكثر قوّة. فدمشق تمتلك مجالًا أصغر لاتّخاذ القرارات منفردةً في ما يتعلق بالقضايا السياسية الداخلية والخارجية. وينطبق هذا بشكل خاص على خلفية علاقتها مع إيران. وعلى الرغم من أن الأردن لم يعش الحرب كجارته الشمالية ولم يلحق به دمار كالذي لحق بها، اضطر إلى أخذ آراء حلفائه، ولا سيما الولايات المتحدة، في الاعتبار. وفي الوقت نفسه، لا يزال الصراع السوري من دون حلّ، ما يُبقي النظام في حالة خلاف مع عدد كبير من الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية الرئيسة، ويُخلّف آثارًا جانبية قد تُلحق الضرر بالأردن.

تتجلّى هذه التحديات بصورة أكثر وضوحًا على طول الحدود السورية الأردنية. فمنذ العام 2011، شهدت الحدود السورية كلّها تحولات اجتماعية واقتصادية وسياسية وأمنية جذرية. ولا تختلف الحدود الأردنية عنها في ذلك، إذ باتت المنطقة الحدودية الأوسع نقطة مواجهة إقليمية بين نظام الأسد وحلفائه من جهة، ولا سيما إيران وحزب الله، اللذَين عززا وجودهما ونفوذهما في جنوب سورية، والأردن وإسرائيل ودول الخليج العربي من جهة أخرى. وفي هذا السياق، باتت القضايا الحيوية المرتبطة بالحدود السورية الأردنية، بما فيها القضايا الأمنية وعسكرة إيران للمناطق الحدودية الجنوبية السورية، تشكّل مخاوف إقليمية وتتطلّب حلولًا إقليمية.

تجدر الإشارة إلى أن المجالات التي استطاعت دمشق وعمّان إحراز تقدّم فيها هي تلك التي كانت فيها قادرةً على العمل بصورة مستقلة أو عند وجود اتفاق إقليمي أو في الحالتَين معًا. وتُشكّل العلاقات الاقتصادية عبر الحدود المثال الوحيد على التقدّم الملموس المُحرز، إذ تكشف تجربة الأردن أن قيام دولة صغيرة بإعادة الانخراط مع سورية في إطار العلاقات الثنائية لن يكون له سوى تأثير محدود على تحسين العلاقات، ولن يشكّل حافزًا كبيرًا يدفع دمشق إلى تغيير سلوكها في القضايا الإقليمية الخلافية. من المرجّح إلى حدّ كبير أن يحدث التغيير بعد التقارب بين دمشق والجهات الفاعلة الإقليمية الأكثر قوة، على غرار المملكة العربية السعودية. مع ذلك، مثل هذه النتيجة اليوم لن تلغيَ حقائق ما بعد الحرب في سورية، وخصوصًا تداعيات الوجود الإيراني.

تقارب بإنجازات محدودة

قبل قيام الأردن وسورية بإعادة إحياء علاقاتهما في صيف العام 2021، كان لدى الأردن مجموعة من المخاوف المتعلقة بحدوده الشمالية. فقد عبر مئات الآلاف من اللاجئين السوريين الحدود إلى الأردن، مستبعدين احتمال عودة فورية إلى بلادهم. الواقع أن إرساء الاستقرار في جنوب سورية بعيد المنال، ويُعزى ذلك جزئيًا إلى توسّع وجود إيران وحزب الله هناك، إضافةً إلى عمليات تهريب المخدرات والأسلحة إلى الأردن. وقد كانت علاقات الأردن الاقتصادية مع جارته محدودةً بسبب إغلاق الحدود، ما أثّر سلبًا على اقتصاده. ولم يكن الإبقاء على العزلة السورية يصبّ في مصلحته، إذ فشل في إيجاد حلول لمشاكله العالقة. سعت سورية بدورها إلى الاندماج من جديد في الاقتصاد الإقليمي، وأرادت أن ينأى الأردن بنفسه عن مجموعات المعارضة السورية.

مع ذلك، منذ ذلك الحين وحدها التبادلات التجارية الثنائية شهدت تحسُّنًا فعليًا. فبعد إقفال الحدود في نيسان/أبريل 2015، شهدت الحركة التجارية تراجعًا ملحوظًا، باستثناء الفترة التي أُعيد فيها فتح الحدود بصورة جزئية بين تشرين الأول/أكتوبر 2018 وآذار/مارس 2020. وبعدها بفترة قصيرة، أدّى تفشّي جائحة كوفيد-19 إلى الحدّ من جميع التبادلات من جديد. وفي أعقاب التقارب الأردني السوري، أُعيد فتح معبر جابر-نصيب الحدودي بشكل كامل أمام التبادلات التجارية والمسافرين. ووفقًا لدائرة الإحصاءات العامة الأردنية، لدى مقارنة الفترة بين تموز/يوليو 2020 وحزيران/يونيو 2021 (خلال فرض القيود المتعلقة بجائحة كوفيد-19) بالفترة بين تموز/يوليو 2021 وحزيران/يونيو 2022 (عند إعادة فتح الحدود بعد استئناف العلاقات الثنائية)، نجد أن الواردات الأردنية ارتفعت من 51 مليون دولار إلى 75 مليونًا، والصادرات من 62 مليون دولار إلى 87 مليونًا، والسلع المُعاد تصديرها بأكثر من الضعف من 22.5 مليون دولار إلى 46.5 مليونًا.

ومنذ العام 2019، أخذ الميزان التجاري يميل لصالح عمّان، إذ يمكن أن يكون الأردن استفاد من إقبال سورية على شراء السلع وعزلها عن الاقتصاد العالمي. وفي حين تشابهت قيمة الصادرات الأردنية إلى سورية ووارداتها منها في العاميَن 2017 و2018، تغيّر هذا الواقع خلال السنوات الثلاث الماضية. ففي العام 2019، بلغت قيمة واردات الأردن حوالى 43 مليون دولار، فيما بلغت قيمة الصادرات 95 مليونًا. وفي العام 2020، تراجعت التبادلات التجارية الإجمالية على خلفية القيود المفروضة بسبب جائحة كوفيد-19، لكن قيمة الصادرات الأردنية بلغت 63.8 مليون دولار، بينما بلغت قيمة الوارادات 44.7 مليونًا. وفي العام 2021، بلغت قيمة الصادرات 118 مليون دولار تقريبًا، في حين ناهزت قيمة الواردات 71 مليونًا. وتكشف أحدث البيانات الصادرة عن الفترة بين كانون الثاني/يناير وتموز/يوليو من العام 2022 أن هذا الاتجاه مستمر، إذ يصدّر الأردن أكثر مما يستورد بنحو 40 في المئة. وبحسب قاعدة بيانات الأمم المتحدة لإحصاءات تجارة السلع الأساسية، بلغ حجم التبادلات التجارية الإجمالية (باستثناء السلع المُعاد تصديرها) 190 مليون دولار في العام 2021، مع الإشارة إلى أن هذا الرقم بقي صغيرًا، إذ إنه لا يمثّل سوى 30 في المئة من أعلى رقم سجلته هذه التبادلات على الإطلاق والبالغ 670 مليون دولار في العام 2007. بيد أنه سجّل زيادةً بنسبة 76 في المئة تقريبًا بالمقارنة مع تسجيله 108,000 دولار في العام 2020.

نجم الارتفاع في حجم التبادلات التجارية عن القرارات التي اتّخذتها سورية والأردن بتعديل السياسات الحدودية وبعض الأنظمة الجمركية لتسهيل الحركة التجارية. ولم يكن هذا ليحدث لو لم يحصل الملك عبدالله على الضوء الأخضر من إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن في تموز/يوليو 2021. فقبل ذلك، عمدت إدارة دونالد ترامب إلى عرقلة جهود الأردن لإعادة تفعيل التجارة، إذ إنها توقعت أن يلتزم الأردن باستراتيجيته لعزل سورية.

يستطيع الأردن وسورية المضي قدمًا بخطواتهما إذا ما حظيت بدعم القوى الخارجية النافذة. وتتمثّل إحدى الأمثلة على ذلك في موافقة الولايات المتحدة في العام 2021 على مشروع لتزويد لبنان بالغاز والكهرباء. فقد حاولت إدارة بايدن جزئيًا التصدّي لحزب الله، الذي أراد استيراد النفط الإيراني الخاضع للعقوبات لتخفيف نقص هذه الموارد في بلد يواجه أزمة مالية عميقة. وفي آب/أغسطس 2021، صادقت واشنطن رسميًا على اتفاق مموّل من البنك الدولي لاستجرار الغاز من مصر والكهرباء من الأردن إلى لبنان عبر سورية. ووقّع وزراء هذه الدول الاتفاق في أيلول/سبتمبر من العام 2021.

كان لجميع الجهات الفاعلة المعنية مصلحة في إبرام الاتفاق. فلبنان سيحصل بموجبه على موارد الطاقة التي هو بأمسّ الحاجة إليها، وسورية ستتقدّم خطوة على طريق إعادة الاندماج في الاقتصاد الإقليمي، إضافةً إلى حصولها على مدفوعات عينية لقاء السماح بمرور الغاز والكهرباء عبر أراضيها، ومصر ستصدّر غازها والأردن كهربائه. وفي حين لم تكن إسرائيل جزءًا من الاتفاق رسميًا، وافقت عليه بهدف الحدّ من نفوذ إيران في لبنان وتصدير غازها عبر مصر. وعلى الرغم من هذه التحضيرات كافة، لم يدخل هذا الاتفاق حيز التنفيذ بعد، لأن البنك الدولي يطالب لبنان بإجراء إصلاحات قبل تمويل المشروع. ويُظهر كلّ ذلك أن وجود اتفاق إقليمي وغياب أي عقبات من الجهات الفاعلة الخارجية الرئيسة قد ينعكسان إيجابًا على العلاقات السورية الأردنية، في حين أن العكس صحيح أيضًا.

مع ذلك، لم تتحسّن بعض أبعاد العلاقات السورية الأردنية الثنائية، حتى حين كانت الدولتان تمتلكان حرية التصرّف. فمنذ خمسينيات القرن الماضي، يُجري الأردن وسورية محادثات لتقاسم مياه نهر اليرموك، واستؤنفت هذه المناقشات بعد إعادة إحياء العلاقات، لكن من دون إحراز أي تقدّم يُذكر. فدمشق تتهم عمّان بدعم المجموعات المسلحة في جنوب سورية، ما يعيق جهود النظام الرامية إلى السيطرة على المنطقة بشكل كامل.1 ولأن المجال متاحٌ أمام الطرَفين لاتخاذ القرارات بصورة مستقلة، لا يزال بإمكانهما تحقيق الإنجازات على هذا الصعيد. لكن الوضع ليس كذلك حين يتعلق الأمر بقضايا أكثر حساسية على غرار أمن الحدود.

من حدود ثنائية إلى حدود إقليمية في جنوب سورية

تسببت التغييرات في منطقة الحدود السورية الأردنية بمشاكل لعمّان، مع تبعات خطيرة على أمن المملكة. وتتمثّل المسائل الأكثر إلحاحًا التي تترتب عليها تداعيات إقليمية في تهريب المخدرات والوجود الإيراني في جنوب سورية. ربما يمارس الأسد بعض السيطرة على تهريب المخدرات انطلاقًا من الأراضي السورية، ولكن رأب العلاقات مع الأردن ليس حافزًا له كي يكبح هذه التجارة المربحة. أما في ما يتعلق بمعالجة مسألة انتشار القوات الإيرانية وأذرعتها، فليس لدى الأسد حافز للإقدام على ذلك، فضلًا عن أنه غير قادر على التحرك ضد مصالح طهران. وهاتان المسألتان مرتبطتان ارتباطًا وثيقًا بالديناميكيات عند الحدود السورية الأردنية إنما لا يمكن معالجتهما من خلال صيغة ثنائية.

اتّخذ الاقتصاد غير النظامي عبر الحدود أشكالًا عدّة منذ ظهور الحدود السورية الأردنية في عشرينيات القرن العشرين. طوال سنوات، لم يكن صغار التجّار يدفعون رسومًا جمركية على السجائر التي كانوا يحضرونها إلى الأردن عن طريق المعابر الحدودية مع سورية. بالمثل، كانت شبكات متجذّرة تقوم بتهريب الأغنام السورية إلى الأردن أو عبره. لكن توسّع التجارة غير الشرعية لتشمل الأسلحة والمخدرات المصنّعة في سورية تحوّل إلى مشكلة أمن قومي أردني، ولا سيما في الأعوام الثلاثة الماضية التي شهدت توسّعًا كبيرًا في نطاق تجارة المخدرات، وتسييسًا سوريًا لهذه التجارة، وزيادة استهلاك المخدرات في الأردن.

لقد تحوّل الأردن إلى بلد عبور تمرّ فيها المخدرات المتّجهة إلى الخليج. تشير الإحصاءات الصادرة عن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، استنادًا إلى الأرقام الأردنية الرسمية، إلى أن عدد الحالات المرتبطة بحيازة المواطنين والأجانب للمخدرات والمتاجرة بها في الأردن ارتفع من نحو 6,000 سنويًا في الفترة الممتدة بين 2005 و2012 إلى 119,000 في العام 2020، أي بزيادة نحو 1,900 في المئة. وفي مدينتَي إربد والرمثا الأردنيتَين، بات شائعًا اليوم سماع روايات عن استخدام المخدرات، بخلاف ما كان الحال عليه في الفترة 2018-2020. لقد أصبح السكّان المحليون مطّلعين على أنواع المخدرات المتوافرة، في مؤشّر واضح على أن استهلاك المخدرات يتحوّل إلى مشكلة واسعة النطاق.2

يصعب تقييم حجم اقتصاد الظل هذا. ولكن كمّية المخدرات المصادَرة تكشف عن زيادة مطّردة. على سبيل المثال، أشارت السعودية التي تُعتبَر السوق الرئيسة في الخليج لمادة الكبتاغون، وهو الاسم التجاري لمادة مخدّرة مصنوعة من الأمفيتامين والثيوفيلين، إلى مصادرة نحو 12 إلى 14 مليون حبّة كبتاغون في الأعوام 2007 و2008 و2009. وفي السنوات القليلة الماضية، تضاعفت هذه الأرقام. فقد أوردت تقارير صادرة عن المملكة أنه تمت مصادرة 48.6 مليون حبة كبتاغون في العام 2012. وفي العام 2020، صادرت السعودية نحو 140 مليون حبّة، فيما وصل الرقم إلى نحو 200 مليون حبّة في العام 2021، والعدد الأكبر من الحبوب المصادرة كان مصدره سورية أو لبنان. وفي خارج المنطقة، صادرت بلدان أخرى أيضًا مخدرات مصدرها سورية. في صيف 2020 مثلًا، صادرت الشرطة الإيطالية نحو 14 طنًا من حبوب الأمفيتامين، تساوي قيمتها مليار يورو (ما يعادل نحو 1.18 مليار دولار أميركي في ذلك الوقت).

الأكثر إثارة للقلق هو أن تجارة المخدرات بدأت تستحوذ على جزء كبير من الاقتصاد غير الشرعي في المنطقة. لقد دفعت الحرب في سورية، والأزمة المالية في لبنان، والعقوبات الأميركية بالنظام السوري وحزب الله إلى البحث عن مصادر بديلة للعملة الصعبة. مع مرور الوقت، يمكن أن تصبح تجارة المخدرات متجذّرة في الاقتصادات المحلية السورية. في هذا الصدد، تشير بعض التقديرات إلى أن القيمة السوقية لصادرات الكبتاغون من سورية بلغت في العام 2020 ما لا يقل عن 3.46 مليارات دولار، متخطّيةً بمقدار مليار دولار موازنة الدولة في ذلك العام.

الأردن بلدٌ صغير، ولن تُحدث قراراته، بما في ذلك المصالحة مع سورية، تغييرًا في مسار تجارة المخدرات. لكن، هل يمكن لبشار الأسد وقف تجارة المخدرات في سورية، وفي هذه الحالة، لماذا سيُقدم على ذلك؟ نفى المسؤولون السوريون مرارًا أي تورّط للدولة، على الرغم من أن تصديق فكرة أن الرئيس غير مدرك لضلوع رجال النظام الأقوياء في مثل هذه التجارة المربحة شبه مستحيل. وفي ذلك مؤشر على أن بإمكان النظام، إذا أراد، خفض حجم تجارة المخدرات. ولكنه لم يُظهر حتى الآن رغبة حقيقية في القيام بذلك، لأسباب مالية بصورة أساسية، وأيضًا لأن هذه التجارة تؤمّن للأسد نفوذًا سياسيًا واسعًا. يجب على كل مَن يريد وقف تدفّق المخدرات أن يقدّم في المقابل شيئًا ما لسورية.

يواجه الأردن وضعًا مماثلًا في ما يتعلق بالخصومة الإسرائيلية الإيرانية في سورية، التي تؤثّر مباشرةً على الأردن ولكنه لا يملك سيطرة عليها. في الاتفاق الذي أُبرِم برعاية روسية ونتجت عنه عودة القوات التابعة للنظام السوري إلى الجنوب في العام 2018، أخذت موسكو المصالح الإسرائيلية في الاعتبار، وهي قريبة من المصالح الأميركية والأردنية. منذ ذلك الوقت، وعلى الرغم من صعوبة الحصول على المعلومات، يبدو أن إيران امتنعت عن بناء قدرات هجومية في الجنوب، وهو ما تعتبره إسرائيل خطًا أحمر. والدليل غير المباشر على ذلك أن الهجمات الجوية الإسرائيلية في الجنوب محدودة، في حين أنها تتكثّف أكثر حول دمشق ومناطق أخرى في الداخل السوري.

لكن تقارير كثيرة تشير إلى أن الدور الإيراني في سورية سيستمر في المدى الطويل. يعمد المسؤولون الإيرانيون وحلفاؤهم المحليون إلى توسيع سلطتهم من خلال التخلّص من الخصوم، وتعيين مسؤولين موالين في الأجهزة الأمنية والعسكرية المحلية، وتجنيد أشخاص في تجارة المخدرات، وإنفاق موارد من خلال المنظمات الخيرية، وشراء عقارات. على سبيل المثال، تنشط منظمة الزهراء الخيرية الإيرانية منذ العام 2018، وتتوسّع في درعا. وتبني إيران أيضًا تحالفات محلية. في هذا الإطار، يقيم المسؤولون الإيرانيون علاقات مفتوحة مع نائب ورجل أعمال مستقل من درعا، هو عبد العزيز الرفاعي الذي استقبلوه ويواصلون دعمه.3

لا يمكن الجزم بشأن ما إذا كانت إيران تعتبر الأردن هدفًا للهجمات. لكن الأكيد أن الأردن سيتحمل تبعات وخيمة نتيجةً لعدم الاستقرار في جنوب سورية. إذا كانت إيران تُحضّر على نار هادئة لفتح جبهة أمامية جديدة ضد إسرائيل في جنوب سورية، فقد يشهد الأردن على تجدّد التقلبات في الأوضاع عند حدوده الشمالية. في أفضل الأحوال، تستمر الاضطرابات في جنوب سورية، التي أصبحت الوضع الطبيعي الجديد. وفي أسوأ الأحوال، تقع مواجهة عدوانية بين إسرائيل وإيران. ومثلما هو الحال في تجارة المخدرات، هذا الوضع أكبر من الأردن، وأيضًا أكبر من النظام السوري بحد ذاته، ويرتبط الآن بالموجبات التي تفرضها الأولويات الإقليمية لطهران.

واقع الحال هو أن العلاقات الأردنية مع دمشق باتت منقسمة إلى أجزاء عدّة. يمكن للمراقبين أن يتوقّعوا إحراز تقدّم على الجبهة الاقتصادية، وفي التعاون ما دون الإقليمي، وحتى في مجال المياه. على النقيض، من المرجّح أن يبقى الأمن في المنطقة الحدودية متزعزعًا، ما يتسبب بحالة مستمرة من انعدام الاستقرار. لم يتبقَّ للأردن سوى خيارات محدودة، تتمثل بصورة أساسية بتعبئة حلفائه وشركائه لمساعدة المملكة في رفع التحديات التي تُطلّ من الطرف الآخر لحدودها الشمالية.

ربما أدرك الأردن أن رأب العلاقات الثنائية مع سورية لن يؤدّي إلى استيفاء احتياجاته الأساسية، ولذلك دافع بشدّة، في بداية تقاربه مع سورية، عن وجوبأداء دور عربي أكبر في تسوية النزاع السوري. لقد دعم الأردن، مع الإمارات العربية المتحدة والجزائر، وكذلك روسيا، إلغاء تجميد عضوية سورية في جامعة الدول العربية. ولكن منذ العام 2021، شكّلالرفض السعودي لعودة سورية إلى الجامعة العربية انتكاسة للأردن. تعويضًا عن ذلك، عمدت عمّان إلى تحسين تعاونها الأمني مع الولايات المتحدة عند حدودها الشمالية، واعتمدت على القوات الأميركية وأذرعها المحلية المتمركزة في التنف لتكون بمثابةخط دفاعي ضد أنشطة التهريب من سورية. فضلًا عن ذلك، لا تزال المملكة تسعى إلى تعزيز التنسيق الأمني مع روسيا الموجودة في جنوب سورية. في أفضل الأحوال، عززت هذه الجهود مراقبة الأردن لحدوده إنما من دون توفير حلول مستدامة لمشكلاته.

الدروس المستقاة من تجدّد العلاقات الأردنية مع سورية

يمكن استخلاص درسَين أساسيَّين من القرار الذي اتخذه الأردن بتحسين علاقاته مع سورية منذ العام 2021. أولًا، يُظهر هذا القرار أن التقارب، ولا سيما حين يكون بين بلدان إقليمية صغيرة أو متوسطة الحجم، يولّد نتائج محدودة. وقد تشمل هذه النتائج تحسّن العلاقات الاقتصادية، وإقامة علاقات دبلوماسية وأمنية، وتقديم دعم لفظي، إنما ليس أكثر من ذلك. هذا أمرٌ طبيعي، نظرًا إلى أن ليس لدى الحكومة السورية التي تحكم بلدًا متداعيًا، الكثير لتقدّمه في سياق العلاقات الثنائية. لكن في الوقت نفسه، ليست لدى دمشق مصلحة في التخلّي عمّا تمتلكه من أوراق قيّمة لأنها تسعى إلى التشجيع على حدوث تحوّل في نُهج البلدان الأخرى، ولا سيما البلدان ذات النفوذ الإقليمي، في التعامل مع الشأن السوري.

الدرس الثاني أكثر وضوحًا. حتى لو كان نظام الأسد يسيطر على بعض أبعاد سياسته الخارجية ويحتفظ بأوراق قيّمة للتلويح بها في وجه الأفرقاء الإقليميين الأكثر نفوذًا بهدف انتزاع تنازلات سياسية منهم، تبقى بعض المسائل خارج نطاق سلطته. والنفوذ الإيراني في جنوب سورية، لا بل في سورية بأكملها، هو البرهان الأساسي على ذلك. يصعب أن نتخيّل أن القيادة السورية، حتى لو كانت تمتلك الإرادة اللازمة، قادرة على إنهاء النفوذ الإيراني في المنطقة الحدودية. لقد أصبحت سورية قناةً أساسية تستطيع إيران من خلالها مواجهة أعدائها الإقليميين، فضلًا عن أنها تشكّل حلقة وصل برّية تربط طهران بحليفها الأساسي حزب الله. ومن غير المرجّح أن يؤدّي انفتاح ثنائي محدود يُظهره بلدٌ ما تجاه سورية إلى حدوث تغييرات على تلك الجبهة.

يمكن أن يتطوّر الوجود الإيراني بطرق مختلفة. ربما لا يزال نظام الأسد يمتلك هامش مناورة معيّنًا في ما يتعلق بإيران، ويمكنه حتى معارضتها في سياقات محددة. لكن لا يمكن لنظام الأسد مقايضة الوجود الإيراني باتصالات ثنائية أو حتى بانفتاح إقليمي حيال دمشق. فيداه مكبّلتان وستبقيان كذلك لبعض الوقت.

تم إصدار هذه الدراسة بدعمٍ من برنامج X-Border Local Research Network (شبكة البحث المحلية حول القضايا العابرة للحدود الوطنية) الذي يحظى بتمويل من مشروع UK Aid التابع للحكومة البريطانية. إن الآراء الواردة في هذه الدراسة لا تعبّر بالضرورة عن السياسات الرسمية للحكومة البريطانية.

هوامش

1مقابلة أجراها المؤلّف مع باحث وصحافي بارز مقيم في دمشق وله وصول إلى مسؤولين في الأمن ووزارة الخارجية (عبر واتساب)، 22 تشرين الثاني/نوفمبر 2022.

2 استنادًا إلى زيارات ميدانية منتظمة قام بها المؤلّف إلى أجزاء شمالية من الأردن، ولا سيما إربد والرمثا، بدءًا من العام 2018 وحتى تشرين الأول/أكتوبر من العام 2022.

3 مقابلة أجراها المؤلّف مع صحافي سوري من درعا (عبر واتساب)، 4 تشرين الثاني/نوفمبر 2022، مقابلة أجراها المؤلّف مع باحث وصحافي بارز مقيم في دمشق وله وصول إلى مسؤولين في الأمن ووزارة الخارجية (عبر واتساب)، 22 تشرين الثاني/نوفمبر2022.

أرميناك توكماجيان باحث غير مقيم في مركز مالكوم كير– كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت، حيث تتركّز أبحاثه على قضايا الحدود والصراع، واللاجئين السوريين، والوسطاء المحليين في سورية.

@TokmajyanA

لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.

———————————

زيارة رئيسي لدمشق.. الحلول بعيدة لسوريا ولبنان/ صهيب جوهر

لم تكن زيارة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي إلى دمشق وإجراؤه محادثات سياسية وأمنية واقتصادية مع بشار الأسد، بنت اللحظة. حيث إن الزيارة كانت مقررة منذ أشهر، لكن القيادة الإيرانية آثرت الانتظار ربطاً بمفاوضاتها مع السعوديين والخليجيين على ملفات إقليمية داهمة، ما يعني أن الجانب الإيراني وفق المحللين والمتابعين كان يتوقّع الوصول إلى نهايات سعيدة مع السعودية طوال المرحلة الماضية، وذلك على الرغم من المواقف والسقوف العالية المعلنة والتي كانت تدور بين الجانبين رسمياً وإعلامياً، والتي كانت توحي أن الجانبين لا يمكنهما الجلوس سوياً على طاولة واحدة تحت أي رعاية أو وساطة.

وهذه السياقات توحي بأن الجانب الإيراني كان مرتاحاً إلى مناخات التفاوض مع السعودية في العراق والصين، وإلى التحوّل الجاري على صعيد المنطقة، من خلال القرار السعودي القائم على إيجاد مساحات مستقلة عن سياسات واشنطن والغرب، والإمساك بزمام المبادرة والتحوّل من دولة خصمة إلى مركز جذب إقليمي وشرق أوسطي، لذا فإنّ هذا الانفراج الضمني يفسّر على الأرجح حرص حزب الله وحلفائه في لبنان على عدم تجاوز سقف معيّن في العداء مع المملكة، حتى في أكثر لحظات الصراع حدة وضراوة، وعلى الرغم من قدرة خصومه في السياسة والذين يدورون في فلك الرياض على انتزاع كلمة السر اللبنانية منه وخاصة في ملف الرئاسة.

وكان لافتاً أنّ السعي الإيراني لتتويج الزيارة إلى سوريا في هذه المرحلة، مرده الرئيسي هو أن تكون زيارة الرئيس الإيراني متزامنة مع مناخات التهدئة والحوار مع دول الخليج والمستمرة مع الأردن ومصر، وهذا يثبت فكرة مهمة أن الإيرانيين يحرصون على الإيحاء بعدم رغبتهم في السيطرة الكلية على سوريا بالشكل الفج المتعارف عليه، والتلويح بأنّ طهران تود إشراك السعوديين والقطريين في أي تسوية مستقبلية إلى جانب الأتراك والروس، انطلاقاً من مكاسب تعتبرها طهران نافذة رغم كل الظروف وخاصة بعد حالة الاعتراف العربية الجارية ببشار الأسد ونظامه.

في الشق الاقتصادي للزيارة كان لافتاً حجم التلويح بالحضور القوى لطهران من خلال إنهاء أزمة خطّ الائتمان النّفطي، والذي كانت إيران تُزوّد سوريا بالمشتقّات النّفطيّة على أساسه، وهذا المسار يؤمن للنظام جزءاً من حاجته الرئيسية للمشتقات النفطية، لكنّ أهمّ ما في زيارة رئيسي على الصّعيد الاقتصادي يترجم من خلال الإعلان عن تأسيس بنك مشترك، والتعامل بالعملة الوطنية لكلّ طرف في التعاملات التجارية، وهذا المسار قد يكون الهدف منه دفع الدول العربية للتزاحم الاقتصادي على النظام.

في المقابل سعى رئيسي في زيارته إلى إطلاق النقاش حول إعادة إعمار سوريا من خلال رسائل عن حصص الإعمار ومحاولات حجز حصة في الخطط المحتملة للإعمار، ويبدو جلياً أن طهران تريد أن تحصِدَ ما زرعته عند تدخّلها لحماية النّظام منذ 2011. وهو أهم ما قد تجنيه إيران هو إعادة الإعمار وتشغيل شركاتها في هذه الورشة الكبيرة.

وعلى الرغم من حرص الجانب الإيراني على إشراك الدول الغنية في هذه الورشة بالتمويل والتحضير، إلا أن الجانب الإيراني بات يشعر بخشية لافتة من محاولات إقصائه عن مشاريع إعادة الاعمار، لذا فإن هذا الإعلان السريع مرده الأساسي هو حجزِ الحصة الإيرانية قبيل أي دولة أخرى. فهي لا تُريد أن يكونَ التّقارب السوري مع العرب والأتراك، على حساب حصّتها الاقتصاديّة، إلى جانب نفوذها السّياسيّ والعسكريّ.

ويجمع المراقبون على وجود قلق إيراني من أي دورٍ محتمل في المستقبل للسعودية والإمارات وتركيا في إعادة إعمار المدن السورية. وخاصة أن الخليج يمتلك قدرات مالية ضخمة في ظل الطفرة المالية عقب أزمة الطاقة في العالم، في حين تركيا تمتلك المؤهّلات التّقنيّة والهندسيّة والموقع الجغرافي المُناسب على حدود سوريا للمشاركة في العمليّة مُستقبلاً.

لذا فإن الخيار الأكثر واقعية بالنسبة لطهران يبقى في التعامل مع الرياض وأنقرة وأبو ظبي كمستثمرين مشاركين في سوريا، أفضل الخيارات لتحقيق المكاسب، باعتبار أن الأرض السورية تمس كلاً من روسيا وتركيا، وليس سهلاً التشارك مع هذين الطرفين الطامحين أيضاً إلى تحقيق المكاسب الاستثمارية، وهما أصلاً يعانيان من أزمات اقتصادية لا تقل حدّة عن الأزمة في إيران.

وهنا يبدو أن السعوديين باتوا يفضلون إقامة “توازن إقليمي” مع طهران وهو الأكثر تطميناً لهم، خصوصاً أنه يتكفّل بسد الثغرة الأكثر إزعاجاً لهم في اليمن والجغرافيا الخليجية بشكل عام. ومن هذه الضمانة، يصبح ممكناً الانطلاق للتفاوض أو المساومة حول مسائل أخرى كالعراق ولبنان.

وفي الفترة المقبلة، سيكون الهاجس الأكبر لدى السعودية وإيران بعد قطع شوط مهم في الملف اليمني، هو التوافق حول سوريا وتوازنات القوى فيها. عبر تحديد دور بشار الأسد داخليا وعربياً، والنقاش حول حصص القوى الميدانية وتحديداً الروس والأتراك، لذا فستكون القمة العربية المقرر عقدها في الرياض بعد أيام، بمثابة الإعلان عن الرؤية السعودية للنظام وسوريا إذا ما تقرّر دعوة النظام للحضور على مستوى وزير الخارجية.

في المقابل فإنّ لبنان سيكون فعلاً الملف الأكثر تقدماً في سياقات المرحلة المقبلة، وهذا الأمر يتبدى في العديد من الإشارات الإقليمية الواضحة، أهمها دخول واشنطن الأخير إلى الملف الرئاسي منذ أسابيع قليلة عبر مداولات الكونغرس والرسالة القاسية التي وُجّهت لـ بايدن من قبل زعيمي الديمقراطيين والجمهوريين في مجلس النواب، وتحميل الإدارة مسؤولية تفرد الحزب ونبيه بري في قيادة العملية الانتخابية، مع تلويح مستمر في سلة عقوبات تطول مقربين من رئيس المجلس كرسالة على إمساكه المعهود في فصول اللعبة البرلمانية.

ويبدو أن إصرار بري على فرنجية ليس حبّاً بالحليف فحسب، بل في إطار تأمين خروج آمن له في المستقبل مع تهاوي “الدولة العميقة” مع رياض سلامة في تموز وسابقاً مع إزاحة سعد الحريري وما نتج عنه من رفع الغطاء السني عن المنظومة.

والاندفاعة القطرية في المشهد اللبناني تترجم فعلياً الخطوط العريضة لنظرة القوى الدولية والإقليمية لشكل الرئيس دوره ومواصفات السلطة السياسية المقبلة، باعتبار أن الدوحة هي التي ما تزال تمتاز بعلاقات متقدمة مع الأطراف كلها، على عكس الأطراف الخارجية، ومن هذا المنطلق تنظر الأطراف إلى الدور القطري على أنه يتكامل بشكل لافت مع الرياض وواشنطن، وخاصة أن الجانبين يلتقيان مع القطريين على ضرورة إنتاج طبقة حكم غير متورطة بالفساد والأزمات، وقادرة على خلق مناخ أن لبنان بدأ يتغير بعد توقيع ترسيم الحدود مع إسرائيل.

وانطلاقاً من كل تلك السردية السورية واللبنانية، بات من الصعب أن تصبح اللعبة في الشرق الأوسط محصورة بقدرات قوة إيران وروسيا وحزب الله، وخاصة في ظل العقوبات الاقتصادية المدمرة التي ضربت عمق البنية الاقتصادية لروسيا وإيران، وفي ظل استمرار الجانب الإسرائيلي من توجيه ضربات أمنية وعسكرية للحضور الإيراني والميليشيات في سوريا، وكان واضحاً أنه قبيل زيارة رئيسي لدمشق، تعمّدت إسرائيل توجيه ضربة لمواقع محددة في حلب. في حين لم تترك واشنطن وسيلة للتذكير بأن التسويات الشرق أوسطية إمّا أن تكون برعايتها وإمّا فإنها ستفجرها من الداخل.

لذا فإنه مهما كانت الصفقات الحاصلة، فإن القوى المتصالحة مع بعضها باتت تتعاطى مع تحركاتها على أنها جزء من الاتفاق الكبير الذي ستسعى لعقده مع واشنطن مستقبلاً، وعندما ستتم عملية المقايضة بين هؤلاء، سيحددون مصير سوريا ولبنان معاً دون الالتفات لمصالح اللاعبين الصغار.

تلفزيون سوريا

———————————-

العرب إذ يغذّون سوريا في الحضن الإيراني/ منير الربيع

في الهوامش الكثيرة التي لا بد من تسجيلها على دفاتر النكسة، أو النكسات. ثمة من يريد دس السم في العسل، وتبرير التفاوض مع النظام السوري وإعادة تعويمه ربطاً بالجانب الإنساني. تلك الإنسانية التي تحرّكت بعد وقوع زلزال السادس من شباط، وكأن سوريا لم تعش على فالق الزلازل المتفجرة منذ 12 سنة. ولإضفاء المزيد من الطابع الإنساني يغّلف التعويم السياسي لدمشق بالسعي لحلّ ملف اللاجئين السوريين في دول الجوار ووقف معاناتهم. في حين جلّ ما يجري هو إعادة رميهم في فم الأسد، ومنحه أوراقاً كثيرة يمكن ابتزاز الآخرين بها. فهو الذي كان يبتز الجميع إما بعمليات إرهابية أو أمنية، وإما بعمليات تهريب المخدرات، وصلت إلى يده ورقة التحكم بمصائر اللاجئين الذين ستتم إعادتهم، بداية هو الذي سيتحكم بمناطق تمركزهم، وثانياً سيصبح قابضاً على أعناقهم. وثالثاً سيسطو على المساعدات التي يفترض أن تصل إليهم ليحرّكها ويوظفها كما يشاء.

واللافت أنه بالتزامن مع عملية إعادة التعويم هذه، تتصاعد وتيرة الحملات العنصرية ضد اللاجئين السوريين، ليس في لبنان فقط، بل في تركيا  حيث يتبارى المتنافسون في الانتخابات الرئاسية على تقديم الخطابات التي تشير إلى إعادتهم إلى ما وراء الحدود، ويصل التباري إلى حدود السعي للتطبيع مع النظام السوري واستعجال عقد لقاءات مع مسؤولين فيه. وملف اللاجئين ليس بجديد، غالباً ما ترتفع الحملات العنصرية تجاههم في محطات سياسية متعددة وعند الطلب، وهذا بالتحديد ما يحصل في لبنان، فمنذ العام 2011 كان موضوع اللجوء السوري يحمل ثلاثة هواجس أساسية لبنانية، الأول هو الهاجس الأمني ويتعلق بالتخوف من دخول مجموعات مسلحة كانت ناشطة على الحدود القريبة من لبنان، وأن غالبية الشبان السوريين خضعوا لدورات تدريب عسكرية في مراحل التجنيد الإجباري. الهاجس الثاني ذو طابع ديمغرافي لأن معظم اللاجئين يأتون من مناطق ذات انتماء طائفي معروف وواحد. أما الهاجس الثالث فكان الخوف من المزاحمة على أسواق العمل ما سيكون له تأثير على الواقع الاقتصادي.

لا تزال كل هذه الهواجس قائمة، مع الإشارة إلى أن هناك انخفاضا في نسبة التخوف من الواقع الأمني بفعل توقف العمليات العسكرية. أما معيشياً واقتصادياً، فلا يتحمل السوريون مسؤولية انعدام القدرة على إنتاج الكهرباء، كما ليسوا هم من يتحمل مسؤولية عدم الاستثمار بالبنى التحتية اللبنانية. في حين تبقى المشكلة الأساسية في تحميل السلطة السياسية اللبنانية مسؤولية الانهيار للآخرين وتحديداً للاجئين، بينما الطبقة السياسية ومصالحها المتشعبة هي التي منعت إيجاد الحلول للأزمة الاقتصادية، كما استمرت بدعم المصارف ورياض سلامة، وعدم العمل على وضع قوانين لمعالجة الأزمة مثل الكابيتول كونترول، فهذه كلها أسباب تفشي الأزمة. تحميل مسؤولية الانهيار للاجئين، يشبه إلى حد بعيد حديث أمين عام حزب الله حسن نصر الله الدائم عن الحصار الأميركي للبنان، وأنه هو الذي يتسبب بانهيار البلاد.

وبعيداً عن ملف اللاجئين، والذي كان حاضراً أيضاً في اجتماع عمّان الخماسي لإجراء “اختبار” للنظام السوري. ومجانبة للعاطفة وبالعودة إلى السياسة. يبقى السؤال الأساسي الذي يطرح هو عن نجاعة هذا المسار السياسي الجديد في تحقيق أي تقدم على خطّ حلّ الأزمة السورية، والوصول إلى ما يُطلق عليه البعض عودة سوريا إلى “الحضن العربي”. ذاك الحضن المتشظي بعد سنوات من الخراب، يظن البعض أنه بمسار سياسي بسيط يمكنه إعادة إيران إلى حدودها بمجرد الاتفاق معها وبدون أي مرتكزات سياسية أخرى تستند إلى قوة الأمر الواقع على الأرض وفي السياسة. ففي موازاة كل ما يحكى عن استعادة سوريا للحضن العربي، تسارعت وتيرة العلاقات السورية الإيرانية، من خلال إجراء الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي زيارته الأولى إلى دمشق وهي أول زيارة لرئيس إيراني تجري منذ اندلاع الثورة في العامة 2011. كان رئيسي قد امتنع عن زيارة دمشق من قبل بسبب رفض النظام تقديم الكثير من الالتزامات المرتبطة بتوقيع اتفاقيات استراتيجية وطويلة الأمد. وعليه، شكل الانفتاح العربي على دمشق دافعاً للزيارة الإيرانية ولتوقيع الكثير من الاتفاقيات العسكرية والأمنية والاقتصادية، في إطار تثبيت الحضور، وبذلك تبقى سوريا في الحضن الإيراني، في حين يعود العرب  من بعيد بما يسهم في تغذية القابع في ذلك الحضن.

تلفزيون سوريا

——————————-

ما مصلحة الدول العربية من إعادة النظام السوري إلى “الجامعة

برزت خلال الأيام الماضية جهود عربية لإعادة النظام السوري إلى الجامعة العربية، انتهى أحدثها اليوم، الأحد 7 من أيار، من خلال عقد مؤتمرين بالرياض والقاهرة، عاد بها النظام لشغل مقعد سوريا في الجامعة العربية، ما أثار التساؤلات وراء فائدة بعض الدول العربية من هذا الدفع.

بدأ الدفع الفعلي لإعادة النظام للجامعة العربية منذ تغير لهجة السعودية، التي تستضيف القمة العربية المقبلة في 19 من أيار الحالي، حين صرح وزير خارجيتها، فيصل بن فرحان، خلال مؤتمر “ميونيخ للأمن 2023″، في 18 من شباط الماضي، بوجود “إجماع عربي” على أن الوضع الراهن في سوريا لا يجب أن يستمر.

ومنذ حينها، شهد الملف السوري حالة نشاط وحراك سياسي، تتصدره السعودية، التي حملت على عاتقها مسؤولية إعادة النظام السوري، إلى “الحضن العربي”.

وفي 18 من نيسان، استقبل رئيس النظام السوري، بشار الأسد، وزير الخارجية السعودي، في زيارة رسمية سعودية هي الأولى من نوعها لدمشق منذ بدء الثورة السورية عام 2011، ليخرج بيان الخارجية السعودية قائلًا، إن الجانبين ناقشا ضمن البنود الجهود التي تسهم في “عودة سوريا إلى محيطها العربي، واستئناف دورها الطبيعي في الوطن العربي”.

وبشكل مشابه خرج البيان السوري- السعودي المشترك، خلال زيارة وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، إلى السعودية، في إطار دعوة رسمية تلقاها من نظيره ابن فرحان، في 12 من نيسان الماضي، في زيارة هي الأولى من نوعها منذ 2011، وخلصت إلى الاتفاق على استئناف الخدمات القنصلية والرحلات الجوية بين البلدين.

وكان من أهداف زيارة المقداد لمصر في 1 من نيسان الماضي، “وضع خطوات لعودة سوريا إلى الجامعة العربية بوساطة مصرية وسعودية”، وفق ما قاله مصدر أمني مصري لوكالة “رويترز“.

ولم يخفِ اجتماع عمّان بالأردن أهدافه في بحث إعادة النظام لـ”الحاضنة العربية”، بمشاركة وزراء خارجية الدولة المستضيفة إلى جانب سوريا والسعودية ومصر والعراق، حيث عُقد، مطلع الشهر الحالي، بعد فشل اجتماع الرياض، منتصف نيسان الماضي، في اتفاق وزراء دول الخليج ومصر والأردن والعراق على عودة النظام للجامعة العربية.

إنشاء تحالف عربي

أصدر وزراء خارجية جامعة الدول العربية، عقب اجتماع استثنائي في القاهرة، قرارًا يحمل الرقم “8914”، يقضي بعودة النظام السوري إلى الجامعة، بعد 12 عامًا على تجميد عضويته.

وتضمن القرار الصادر اليوم، “استئناف مشاركة وفود حكومة الجمهورية العربية السورية في اجتماعات مجلس جامعة الدول العربية، وجميع المنظمات والأجهزة التابعة لها، اعتبارًا من اليوم”.

وقرر الوزراء تشكيل لجنة اتصال وزارية مكونة من السعودية والأردن والعراق ولبنان ومصر والأمين العام لجامعة الدول العربية، لمتابعة تنفيذ بيان “عمّان”، والاستمرار في الحوار المباشر مع النظام للتوصل لحل شامل للأزمة السورية، يعالج جميع تبعاتها وفق منهجية “الخطوة مقابل خطوة”، وبما ينسجم مع قرار الأمم المتحدة حول سوريا “2254”.

يعتقد الدبلوماسي السوري السابق بسام بربندي، أن السعودية “تغيرت كثيرًا”، فهي الآن ليست دولة غنية فقط، وإنما تريد أن تثبت أنها دولة صاحبة قرار سياسي مستقل وقادرة على أخذ المبادرة و حل المشكلات وتهدئة الصراعات وإعادة إعمار المنطقة على أسس جديدة تتناسب مع رؤية السعودية لعام 2030، بغض النظر إذا كانت سياستها تناسب شعوب المنطقة أو تحقق مصالحهم أو لا، فشعارها السعودية أولًا.

وهذا يفسر جزئيًا التفكير السعودي بإعادة النظام للجامعة العربية تحت مسمى إيجاد تعاون عربي بقيادتها لحل الملف السوري، وفق ما قاله بربندي لعنب بلدي.

وعلى الرغم من وجهة نظر دول عربية، مثل الأردن ومصر، بألا تكون عودة العلاقات مع النظام دون مقابل، أو وفق جدول عملي ينتهي بإعادة النظام للجامعة العربية، دفعت السعودية لقبول عودة النظام للجامعة العربية دون أي تنازلات مبدئية وفق تصور للحل وضعته مع روسيا والصين، ويتماشى مع رؤيتها المستقبلية لنفسها دون النظر إلى الاستفادة الحالية التي قد تجنيها من علاقتها بالنظام أو عدمها على المدى المنظور، بحسب بربندي.

وبحسب ما قاله الدبلوماسي السوري السابق داني البعاج لعنب بلدي، فإن المنظمات الإقليمية كالجامعة العربية تعمل على مستوى إقليمي للتعاون والتنسيق بين الدول، ما يعني أن دورها يسبق دور الأمم المتحدة لحل الخلافات وحفظ السلام داخل نطاقها.

وفي عام 2011، طرحت الجامعة العربية مبادرة لحل الملف السوري، حين أرسلت بداية مراقبين لمتابعة تنفيذ المبادرة بعد تجميد عضوية النظام في الجامعة، لتطرح في 2012 مبادرة من عدة بنود، أهمها تنحي الأسد عن الحكم لمصلحة نائبه ودعوتها مجلس الأمن الدولي لدعم المبادرة.

ورفض النظام بشكل تام المبادرة، واعتبرها “تدخلًا سافرًا في شؤون سوريا، وانتهاكًا لسيادتها”.

ويرى البعاج أنه بإعادة النظام للجامعة، أصبحت منظومة العمل الإقليمي فاعلة مرة أخرى، وهو ما ينشئ “إطارًا جمعيًا” للعمل في الملف السوري، بعد إعادة الدول الدافعة لعودته علاقاتها مع النظام بشكل ثنائي مباشر، كما ستسهم الدول التي لم تقطع علاقاتها معه في إعطاء دفع أكبر للضغط عليه عبر هذا “الإطار”.

اجتماع استثنائي لوزراء الخارجية العرب في القاهرة لمناقشة الوضع في سوريا- 7 من أيار 2023 (الخارجية المصرية)

اجتماع استثنائي لوزراء الخارجية العرب في القاهرة لمناقشة الوضع في سوريا- 7 من أيار 2023 (الخارجية المصرية)

“انتصار رمزي”

خلال مقابلة أجراها مع قناة “روسيا اليوم”، في 16 من آذار الماضي، قال رئيس النظام السوري، إن الجامعة العربية “ساحة لتصفية الحسابات”، ولا يجب العودة إليها وهي “ساحة للانقسام”، بل عندما تكون “عنوانًا للتوافق”.

وقال الأسد حينها، إن شرط العودة هو بناء العلاقات بشكل ثنائي أولًا، وهو ما أكدته لاحقًا الزيارات السعودية والمصرية المتبادلة.

وأوحت تصريحات الأسد بعدم وجود رغبة قوية لعودة نظامه للجامعة العربية، بينما ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال“، في تقريرها الصادر 3 من أيار الحالي، رغبة النظام تخفيف أو تأخير العقوبات الأمريكية التي تستهدفه جراء دوره في تهريب المخدرات، التي ستدخل حيز التنفيذ في حزيران المقبل، خشية تعرض عودته إلى “الحظيرة العربية” للخطر.

الدبلوماسي السوري السابق بسام بربندي قال إن النظام يعتبر عودته للجامعة العربية كإعلان عن “انتصاره في الحرب”، لذا ليس من المتوقع أن يقدم أي تنازلات مشروطة بعودته للجامعة العربية.

ويكسب النظام عبر عودته للجامعة زيادة في إضفاء الشرعية على مستوى إقليمي، بما للمقعد العربي في الجامعة من “رمزية كبيرة”، بحسب وصف الدبلوماسي السوري السابق داني البعاج، الذي أكمل بأن رمزيته تأتي من “تثبيت خسارة” المقعد الوحيد الذي شغلته “من تصدرت مشهد المعارضة السورية حينها” ممثلة بـ”الائتلاف السوري”.

وبعد اجتماع طارئ عُقد بالعاصمة المصرية، القاهرة، في تشرين الثاني 2011، علّق وزراء الخارجية العرب عضوية النظام السوري في جامعة الدول العربية، جراء تعاطيه بصورة قمعية مع الاحتجاجات.

وإثر صدور القرار الذي وافقت عليه 18 دولة عربية، مقابل رفض سوريا ولبنان واليمن له، أُعلن عن فرض عقوبات اقتصادية وسياسية على النظام.

وظل المقعد السوري شاغرًا في الجامعة العربية منذ تجميد العضوية حتى آذار 2013، حين مُنح المقعد خلال القمة المنعقدة في الدوحة لـ”الائتلاف السوري” كممثل عن المعارضة، حيث ألقى رئيس “الائتلاف” حينها، أحمد معاذ الخطيب، كلمة باسمها، لمرة واحدة في ذلك الوقت والمكان.

عنب بلدي

————————–

النظام في “الجامعة العربية”..ما هو القرار 8914 وما أبرز المواقف حياله؟

بعد 11 عاماً من تجميد عضوية نظام الأسد في الجامعة العربية، تبنى وزراء الخارجية العرب، أمس الأحد، قراراً بعودته إلى الجامعة، بعد اجتماع “غير عادي”، ناقش فيه الوزراء ملفي سورية والسودان، وانتهى بإصدار القرار رقم 8914، الذي تبنى فيه البيان الصادر عن الاجتماع التشاوري الذي عقد في العاصمة الأردنية (عمان) الأسبوع الماضي.

وضم الاجتماع وزراء خارجية النظام ومصر والعراق والسعودية والأردن، وصدر عقبه ما بات يُعرف بـ“بيان عمان”، الذي حدد خطوات لحل “الأزمة السورية” بموافقة النظام.

ويأتي القرار قبل قمة عربية مقررة بالسعودية في 19 مايو/أيار الجاري، والتي يمكن أن يحضرها رأس النظام، بشار الأسد، حسب ما صرح به الأمين العام للجامعة، أحمد أبو الغيط.

وقال أبو الغيط، حول مشاركة الأسد، “عندما تُوجه الدعوة من قبل دولة الضيافة المملكة العربية السعودية، وإذا رغب أن يشارك فسوف يشارك”.

ما هو القرار 8914؟

خلال الاجتماع في الجامعة العربية وافق وزراء الخارجية على عودة النظام إلى الجامعة، بإصدار القرار 8914.

وتضمن القرار ستة بنود، أولها “تجديد الالتزام بالحفاظ على سيادة سورية، ووحدة أراضيها، واستقرارها، وسلامتها الإقليمية، وتكثيف الجهود العربية الرامية إلى مساعدة سورية على الخروج من أزمتها”.

وتحدث البند الثاني حول ضرورة “الحرص على إطلاق دور عربي قيادي في جهود حل الأزمة السورية، يعالج جميع تبعات الأزمة الإنسانية والأمنية والسياسية على سوريا وشعبها، ومعالجة انعكاسات هذه الأزمة على دول الجوار والمنطقة والعالم، خصوصاً عبء اللجوء، وخطر الإرهاب وخطر تهريب المخدرات”.

كما أكد على “الترحيب باستعداد الجمهورية العربية السورية التعاون مع الدول العربية لتطبيق مخرجات البيانات العربية ذات الصلة، وضرورة تنفيذ الالتزامات والتوافقات التي تم التوصل إليها في اجتماع عمان، وكذلك اعتماد الآليات اللازمة لتفعيل الدور العربي”.

وركز البنك الثالث على ضرورة اتخاذ خطوات عملية لحل “الأزمة”، وفق مبدأ “الخطوة مقابل الخطوة” بما ينسجم مع قرار مجلس الأمن رقم 2254.

ونص القرار في بنده الرابع على “تشكيل لجنة اتصال وزارية مكونة من الأردن، السعودية، العراق، لبنان، مصر والأمين العام، لمتابعة تنفيذ بيان عمان، والاستمرار في الحوار المباشر مع الحكومة السورية للتوصل لحل شامل للازمة السورية يعالج جميع تبعاتها وفق منهجية الخطوة مقابل خطوة، وبما ينسجم مع قرار مجلس الأمن رقم 2254”.

وتحدث البند الخامس على عودة نظام الأسد إلى مقعد الجامعة، في حين تضمن البند الأخير الطلب من الأمين العام للجامعة متابعة تنفيذ ما ورد في هذا القرار، وإحاطة مجلس الجامعة بالتطورات.

بيان عمان

اللافت في قرار الجامعة العربية، التأكيد على بيان عمان الصادر بتاريخ 1 مايو/ أيار الحالي، والذي وافق عليه نظام الأسد.

وينص البيان على “أيصال المساعدات الإنسانية والطبية التي تسهم في تلبية الاحتياجات الحياتية للشعب السوري في جميع أماكن تواجده في سورية، بالتعاون والتنسيق بين الحكومة السورية وهيئات الأمم المتحدة”.

كما أكد البيان على ضرورة تنظيم عمليات العودة الطوعية للاجئين السوريين، وفق إجراءات محددة وإطار زمني واضح، وبالتعاون بين النظام والدول المستضيفة للاجئين.

وأكد البيان على التعاون بين النظام والأردن وبالتنسيق مع هيئات الأمم المتحدة، على تنظيم عودة طوعية لألف لاجئ سوري في الأردن، على أن يضمن النظام توفير الظروف والمتطلبات اللازمة لعودتهم.

وطالب البيان النظام باستئناف أعمال اللجنة الدستورية في أقرب وقت ممكن، مشدداً على مقابلة الدول المشاركة خطوات النظام الإيجابية بخطوات إيجابية أيضاً.

مواقف الدول

وتباينت مواقف الدول من عودة نظام الأسد إلى الجامعة العربية، إذ قال متحدث باسم الخارجية الأميركية، أن “أميركا لا تعتقد أن سورية تستحق العودة إلى الجامعة العربية في هذه المرحلة”.

وأضاف المتحدث لوكالة “رويترز”، أن “واشنطن تفهم أن الشركاء يسعون للتواصل المباشر مع الأسد لمزيد من الضغط تجاه حل الأزمة السورية”.

وأكد أن أمريكا “تشكك في رغبة الأسد في حل الأزمة السورية، لكننا تتفق مع الشركاء العرب حول الأهداف النهائية”.

أما قطر، التي تعتبر من الدول المعارضة لعودة النظام للجامعة، فقد جددت موقفها تجاه نظام الأسد.

وقال المتحدث الرسمي للخارجية القطرية، ماجد بن محمد الأنصاري، إن “دولة قطر تسعى دائماً لدعم ما يحقق الإجماع العربي ولن تكون عائقاً في سبيل ذلك”.

وأضاف “لكن الموقف الرسمي لدولة قطر من التطبيع مع الحكومة السورية، قرار يرتبط في المقام الأول بالتقدم في الحل السياسي الذي يحقق تطلعات الشعب السوري الشقيق”.

 أما الموقف البريطاني فقد صدر عبر، وزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، طارق أحمد، الذي أكد أن بريطانيا ما زالت تعارض التعامل مع نظام الأسد.

وقال عبر حسابه في “تويتر”، إن “يجب على سورية الانخراط في العملية السياسية للأمم المتحدة، والتي تظل الطريق الوحيد لتحقيق سلام دائم ومستدام في سورية، يجب أيضًا أن تكون هناك مساءلة لأولئك الذين ارتكبوا انتهاكات وانتهاكات لحقوق الإنسان”.

    (2/2) Syria should engage with the UN political process, which remains the only route to lasting and sustainable peace in Syria. There must also be accountability for those who have committed human right abuses and violations.

    — Lord (Tariq)Ahmad of Wimbledon (@tariqahmadbt) May 7, 2023

بدورها رحبت الإمارات العربية والمتحدة وروسيا بعودة النظام للجامعة، واعتبرها أنها “خطوة إيجابية”.

وقال المستشار الرئاسي للإمارات، أنور قرقاش، إن “عودة سورية إلى الجامعة العربية خطوة إيجابية تعيد تفعيل الدور العربي في هذا الملف الحيوي”.

    عودة سوريا إلى الجامعة العربية خطوة إيجابية تعيد تفعيل الدور العربي في هذا الملف الحيوي. التحديات التي تواجه المنطقة تحتاج إلى تعزيز التواصل والعمل المشترك بما يضمن مصالح الدول العربية وشعوبها.الإمارات مؤمنة بضرورة بناء الجسور وتعظيم المشتركات بما يضمن الازدهار والاستقرار…

    — د. أنور قرقاش (@AnwarGargash) May 7, 2023

من جانبها توقعت المتحدثة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، دعم الدول العربية لنظام الأسد في عملية إعادة الإعمار بعد عودته للجامعة.

وقالت في بيان إن “استئناف مشاركة سورية في أعمال جامعة الدول العربية باعتبارها من الدول المؤسسة لها، سيساعد في تحسين الأوضاع بمنطقة الشرق الأوسط وسرعة تجاوز تداعيات الأزمة السورية”.

أما نظام الأسد، فقد أصدر بياناً لم يرحب بعودته إلى الجامعة بشكل مباشر، وإنما اكتفى بأن “سورية تلقت باهتمام القرار الصادر عن اجتماع مجلس جامعة الدول العربي مستوى وزراء الخارجية”.

وأضاف في بيان صادر عن الخارجية أن “سورية تؤكد أهمية الحوار والعمل المشترك لمواجهة التحديات التي تواجه الدول العربية، سورية تؤكد أن المرحلة القادمة تتطلب نهجا عربياً فاعلاً على الصعيد الثنائي والجماعي يستند على الحوار والاحترام المتبادل”.

في المقابل أصدر “الائتلاف الوطني السوري” بياناً، اعتبر فيه أن “الشعب السوري العظيم عاد اليوم وحيداً دون دعم رسمي عربي”.

 كما اعتبر أن “القرار يعني التخلي عن الشعب السوري ومطالبه المحقة، ويشكل انحيازاً واضحاً لصالح المجرمين”.

———————————

ما أصداء عودة الأسد لـ”الجامعة العربية” دولياً وعربياً وسورياً؟

تمثل إعادة نظام الأسد إلى مقعد سورية في الجامعة العربية خطوة كبيرة في عملية “إعادة تأهيله عربياً”، حسب مراقبين، وبينما انتقدت أطراف سورية ما حصل وأنه يتجاوز الجرائم التي ارتكبها بحق الشعب منذ 2011، كان هناك مواقف دولية وسورية أخرى، تباينت ما بين الانتقاد والترحيب و”المباركة الضمنية” والتشكيك.

وكانت جامعة الدول العربية، قد صوتت الأحد، على إعادة عضوية سورية بعد إبعادها لأكثر من عقد من السنوات عقب اندلاع الثورة، والإجراءات الدامية التي قام بها نظام بشار الأسد بحق السوريين المناهضين له.

وجاء التصويت بعد “اجتماعين تشاوريين” في مدينة جدة والعاصمة الأردنية عمان، فيما اعتبرت عودة النظام “مشروطة” على أن تقوم بموجب مبدأ “الخطوة مقابل خطوة”.

دولياً، انتقدت الولايات المتحدة الأمريكية قرار العودة، وقالت إن “دمشق لا تستحق هذه الخطوة”، كما شككت في رغبة رأس النظام السوري بشار الأسد “في حل الأزمة الناجمة عن الحرب الأهلية في بلاده”.

وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية إن الولايات المتحدة تعتقد، مع ذلك، بأن الشركاء العرب يعتزمون استخدام التواصل المباشر مع الأسد للضغط من أجل حل الأزمة السورية التي طال أمدها، وأن واشنطن تتفق مع حلفائها على “الأهداف النهائية” لهذا القرار.

من جهتها قالت وزارة الخارجية البريطانية في بيان إن “المملكة المتحدة تعارض التعامل مع نظام الأسد الذي يواصل اعتقال السوريين”.

وأوضح البيان أن “المملكة لا تزال تعارض التعامل مع النظام الذي يواصل اعتقال السوريين الأبرياء، وتعذيبهم وقتلهم من دون أن يظهر أي بوادر لتغيير السلوك تجاه الشعب”.

وأكدت وزارة الخارجية القطرية كموقف عربي أنها تسعى دائماً لتحقيق الإجماع العربي، وأن موقف دولة قطر من التطبيع مع النظام السوري لم يتغير.

وقال مستشار رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية المتحدث الرسمي لوزارة الخارجية، الدكتور ماجد بن محمد الأنصاري إن دولة قطر تسعى دائماً لدعم ما يحقق الإجماع العربي ولن تكون عائقا في سبيل ذلك.

لكنه أضاف أن “الموقف الرسمي لدولة قطر من التطبيع مع النظام السوري قرار يرتبط في المقام الأول بالتقدم في الحل السياسي الذي يحقق تطلعات الشعب السوري الشقيق”.

في المقابل اعتبر المستشار الرئاسي في الإمارات، أنور قرقاش، أن “عودة سورية لجامعة الدول العربية خطوة إيجابية في سبيل تفعيل الدور العربي في هذا الملف”.

وقال عبر “تويتر” إن “التحديات التي تواجه المنطقة تحتاج إلى تعزيز التواصل والعمل المشترك بما يضمن مصالح الدول العربية وشعوبها”.

    عودة سوريا إلى الجامعة العربية خطوة إيجابية تعيد تفعيل الدور العربي في هذا الملف الحيوي. التحديات التي تواجه المنطقة تحتاج إلى تعزيز التواصل والعمل المشترك بما يضمن مصالح الدول العربية وشعوبها.الإمارات مؤمنة بضرورة بناء الجسور وتعظيم المشتركات بما يضمن الازدهار والاستقرار…

    — د. أنور قرقاش (@AnwarGargash) May 7, 2023

ما الأصداء سورياً؟

وفي بيان نشرته وزارة خارجية نظام الأسد اعتبرت أن “التوجهات والتفاعلات الإيجابية التي تجري حالياً في المنطقة العربية تصب في مصلحة كل الدول العربية، وفي مصلحة تحقيق الاستقرار والأمن والازدهار لشعوبها”.

وأضاف البيان أن “سورية تلقت باهتمام قرار استئناف مشاركة وفود حكومة الجمهورية العربية السورية في اجتماعات مجلس الجامعة، وجميع المنظمات والأجهزة التابعة لها”.

وأكدت خارجية النظام على “أهمية الحوار والعمل المشترك لمواجهة التحديات التي تواجهها الدول العربية”، وأن “المرحلة القادمة تتطلب نهجاً عربياً فاعلاً وبناءً على الصعيدين الثنائي والجماعي يستند على قاعدة الحوار والاحترام المتبادل والمصالح المشتركة للأمة العربية”.

على الجانب الآخر انتقدت أطراف المعارضة السورية “قرار العودة”، وقالت إنه يتغاضى عن كل الجرائم التي ارتكبها الأسد بحق السوريين، على مدى 12 عاماً.

ويمثل قرار “إعادة النظام إلى الجامعة العربية” تجاوزًا لجرائم النظام وضربة للشعب السوري الثائر، وتجاهلًا لمطالبه بالتغيير، وفق رئيس هيئة التفاوض السورية، بدر جاموس.

وكتب عبر “تويتر”: “لم يتم استشارتنا بشأن هذا القرار، ويبدو أنه تجاهل واضح لإرادة السوريين”.

وأضاف: “نعتقد أن ما حدث هو قتل للعملية السياسية، ودفع للشعب السوري لمواصلة ثورته المحقة حتى تحقيق حقوقه المشروعة، وتجاهل كامل لصوت الشعب السوري لحساب المصالح بين الدول”.

    يمثل قرار “إعادة النظام إلى الجامعة العربية” تجاوزًا لجرائم النظام وضربة للشعب السوري الثائر، وتجاهلًا لمطالبه بالتغيير.

    لم يتم استشارتنا بشأن هذا القرار، ويبدو أنه تجاهل واضح لإرادة السوريين.

    نعتقد أن ما حدث هو قتل للعملية السياسية، ودفع للشعب السوري لمواصلة ثورته المحقة حتى…

    — د بدر جاموس Dr Bader Jamous (@JamousBader) May 7, 2023

وإلى جانبه قال الرئيس المشترك لـ”اللجنة الدستورية السورية”، هادي البحرة إن “تطبيع العلاقات بين الحكومات والنظام، لا يشكل حلاً مستداماً”.

وأوضح أن “الأسباب الجذرية التي دفعت الشعب للثورة تتعلق بمظلوميته وتحقيق تطلعاته، وطالما بقيت وأسبابها دون حل ولم تتحقق تطلعاته، لن يكون من الممكن تحقيق الأمن والاستقرار والسلام المستدامين في سورية. جوهر الثورة سوري وجوهر الحل كذلك”.

    تطبيع العلاقات بين الحكومات والنظام، لا يشكل حلًا مستدامًا، الأسباب الجذرية التي دفعت الشعب للثورة تتعلق بمظلوميته وتحقيق تطلعاته، طالما بقيت وأسبابها دون حل ولم تتحقق تطلعاته، لن يكون من الممكن تحقيق الأمن والاستقرار والسلام المستدامين في سوريا. جوهر الثورة سوري وجوهر الحل كذلك.

    — Hadi Albahra (@hadialbahra) May 7, 2023

“مباركة ضمنية”

في غضون ذلك أعربت شخصيات سياسية وصفت نفسها بـ”القوى الوطنية الديمقراطية السورية المعارضة” عن ترحيبها بقرار وزراء الخارجية العرب، استئناف مشاركة وفود حكومة النظام السوري في اجتماعات مجلس جامعة الدول العربية.

جاء ذلك، في بيان مشترك، مساء الأحد، وقع عليه 10 شخصيات، من أبرزهم قدري جميل الأمين العام لـ”حزب الإرادة الشعبية” المقرب من روسيا، وخالد المحاميد النائب السابق لرئيس “هيئة التفاوض” المقرب من الإمارات، وعبيدة نحاس رئيس حركة التجديد الوطني.

وقال البيان إن قرار وزراء الخارجية العرب بإعادة سورية إلى محيطها العربي، واستئناف مشاركتها في مؤسسات جامعة الدول العربية، “يأتي في سياق عودة دور عربي ذي محصلة إيجابية ضمن الملف السوري، بما يخدم تطلعات الشعب، ويحفظ سيادة البلاد واستقلالها ووحدتها”.

من جهته أصدر “مجلس سوريا الديمقراطية” (مسد) وهو الذراع السياسي لـ”قوات سوريا الديمقراطية” في شمال وشرق سورية بياناً حملت لهجته “مباركة ضمنية لقرار العودة”.

ورحّب “مسد” في بالبيان “بأي تحرك دولي، وبشكل خاص الاهتمام الدولي العربي بالقضية السورية والمتمثل مؤخراً باجتماعي جدة وعمان، وآخرها اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري برئاسة مصر”.

لكنه قال إن “الخطوات العربية يجب أن تراعي مأساة السوريين التي لا يمكن أن تنتهي دون عملية سياسية متكاملة”.

ولتحقيق ذلك اعتبر أنه “لابد أن تشارك الأطراف السورية الوطنية الفاعلة في العملية السياسية دون إقصاء”.

وأضاف أنه “يأمل من المبادرة العربية أن تساهم بشكل حقيقي في تهيئة الأوضاع لتفعيل مسار العملية السياسية وفق قرار مجلس الأمن 2254، وبما يهيئ الظروف المناسبة لعودة آمنة للاجئين وعدم المجازفة بتعريض مصيرهم للخطر”.

وأبدى المجلس “استعداده للتعاون من أجل ذلك وخاصة في قضية اللاجئين”، وأعاد التذكير بـ”مبادرة الإدارة الذاتية التي طرحت في أبريل، وأشارت إلى إمكانية استقبال اللاجئين السوريين”

———————————-

=======================

تحديث 06 أيار 2023

—————————

لقاء عمان:صكوك براءة للأسد/ العقيد عبد الجبار العكيدي

مع صدور البيان النهائي للقاء عمان الذي جمع وزراء خارجية مصر والأردن والعراق والسعودية بالإضافة إلى وزير خارجية نظام الأسد، تتعزّز القناعة لدى الكثيرين ممن كانت تراودهم بعض الشكوك بجدوى الردّة العربية تجاه الأسد، أو ممّن كانت لهم تخمينات توحي بأن تلك الانعطافة العربية لم تكن عبارة عن عملية استعادة الأسد للحضن العربي بقدر ما كانت عودة بعض الحكام العرب إلى الأسد، ليس لزوال الأسباب التي دعت جامعة الدول العربية إلى مقاطعة الأسد، بل لأسباب عديدة، ولكن أبرزها وأهمها على الإطلاق هو أن الأسد قد انتصر على شعبه، كما ذكر ذلك قبل أيام أحمد أبو الغيط الأمين العام لتلك الجامعة البائسة، التي لم تكن يوماً في خدمة قضايا الشعوب العربية.

ليس مهماً لدى القادة العرب ما نتج عن هذا الانتصار من تداعيات، فالذين قُتلوا ويتجاوز عددهم المليون مواطن سوري، يرحمهم الله ولن يعودوا، والذين تهجروا أو نزحوا ويقدر عددهم بثلاثة عشر مليون مواطن، لهم الله فقد وسعت رحمته السموات والأرض، ولكن الأهم من ذلك كله -وفقاً للحكام العرب- هو عروبة سوريا وهويتها القومية وسيادة الدولة السورية، ذلك أن كل قيم العروبة والسيادة بات يختزلها بشار الأسد بشخصه، والحرص على سلامته واستمرار نظام حكمه هو حرص على الهوية القومية للبلاد، تُرى هل بات السوريون يحدثون أنفسهم بالقول: هل باتت العروبة لعنة تحصد أرواحنا ومستقبل أجيالنا القادمة؟

على أية حال فإن ما تضمنه البيان النهائي لاجتماع عمّان يؤكّد مجمل التوقعات التي بدأت إرهاصاتها في الأيام الأولى التي أعقبت زلزال 6 شباط/فبراير، ثم تحولت هذه الإرهاصات إلى أفكار ومساعٍ عملية مع المصالحة السعودية-الإيرانية، حين بدا آنذاك أن نظام الأسد هو ورقة لتثقيل مطالب إيران بالدرجة الأهم، وبهذا تكون المطالب العربية بإبعاد الأسد عن الحضن الإيراني قد انقلبت إلى عكسها، إذ بات نظام الأسد هو بوابة العرب إلى إيران، إلا أن هذه الحقيقة ربما تكون صادمة للمشاعر، على الأقل لمشاعر شعوب الخليج التي تصدّعت آذانها على مدى عقود من الحديث عن الخطر الإيراني وما يمكن أن يشكله من تهديد لاستقرار المنطقة، أما على مستوى المشهد السوري، فيمكن الوقوف بإيجاز شديد عند ثلاث مسائل تضمنها بيان عمّان:

1- يشير البيان بوضوح إلى أن الآليات الإجرائية لإعادة العلاقات بين الأسد وأقرانه العرب تقوم على التفاهمات والحوار بين الأطراف العربية والدولية وكذلك عبر التنسيق مع الجهات الأممية من أجل تمكين نظام الأسد من السيطرة على كامل الجغرافية السورية لتحقيق مفهوم السيادة أولاً، ثم من أجل محاربة الجهات والجماعات الإرهابية، وكذلك لتعقب ومكافحة مصادر المخدرات بأنواعها وعلى رأسها مادة الكبتاغون التي باتت تفيض من البلاد السورية على البلدان العربية الأخرى، وبالتأكيد لن يتحقق ذلك دون التنسيق المباشر مع نظام الأسد باعتباره الطرف المحاور الأبرز، وهذا يعني ببساطة اعتراف واضح وصريح بأن الأسد هو أحد ضحايا الإرهاب أولاً، كما يعني أيضاً -وهو الأهم- أن نظام الأسد ليس سبباً في المشكلة، إن لم يكن سببها الجذري والأساسي، بل هو جزء أساسي من الحل، وهكذا يصبح القاتل والمجرم ومصدر جميع الموبقات في الأمس، رائداً لمكافحة الإرهاب ومصدراً للأمن والاستقرار وحصانة للهوية القومية وسيادة البلاد.

2- يشير البيان في أكثر من موضع إلى التداعيات الإنسانية للحرب السورية، ولعل ابرزها مسألة اللاجئين السوريين وضرورة تأمين عودة آمنة لهم، وفي التفاصيل الإجرائية يشير البيان إلى ضرورة قيام نظام الأسد بإجراءات عملية ذات صفة قانونية، كإصدار مراسيم عفو أو ما إلى ذلك، مقابل أن تساهم الدول العربية بتأمين الاحتياجات التي تتطلبها عودة اللاجئين، من بنى تحتية وإعادة بناء قطاع الخدمات والتعليم وما إلى ذلك، ولعل هذا يعني أن الأسد بريء كل البراءة من وزر تهجير ونزوح السوريين، بل ربما تهجروا بسبب عقوقهم لسيادة سوريا وعروبتها، أو لأنهم إرهابيون وفقاً للأسد، وحين يعفو عنهم الحاكم فهو يكون قد تقدم بخطوة فيها الكثير من المنّة، بل ربما تكون مكرمة قد تفضل بها على من فرّوا بأرواحهم من قصف براميله وسلاحه الكيماوي، ومن حقه حينئذ أن يُكافأ على خطوته تلك بخطوة من جانب العرب، ولن تكون سوى المزيد من الأموال التي لم يخفِ مطالبته بها فيصل المقداد حين صرّح بوضوح أن الحكومة السورية غير قادرة وحدها  على تحمّل الأعباء التي توجبها عودة اللاجئين.

3- ثمة وقفة خجولة في البيان حيال مسألة المعتقلين والمغيبين والمخطوفين، وربما حرصت أطراف لقاء عمان على ألّا تستفز مشاعر الأسد بالحديث عن وجود “135 ألف معتقل ومعتقلة: في سجون النظام، وفقاً للشبكة السورية لحقوق الإنسان، لذا آثرت أن يكون الحديث عن المعتقلين حديثاً عاماً، دون الإشارة إلى مسؤولية جهة بعينها، بل طالب البيان جميع الجهات المتصارعة في سوريا بتبادل الأسرى والمخطوفين، وبهذا يصبح نظام الأسد مثل أي جهة أخرى اعتقلت عدداً من السوريين، وكذلك تتساوى مسؤوليته مع جميع سلطات الأمر الواقع في سوريا، وبالتالي كل ما هو موثق من حالات اعتقال، وكل ما هو موثق من مجازر، كمجزرة التضامن وسواها، يتبين أنه محض افتراء على نظام الأسد.

ربما كانت مصالحة الأسد وإعادة تعويمه عربياً وإقليمياً بمعزل عن صراعه مع شعبه، مبعث خذلان كبير لقضية السوريين، ولكنها لن تكون أشد خذلاناً وإيلاماً من تبرئته ومكافأته على إجرامه، ليس بحق السوريين فحسب، بل بحق الإنسانية جمعاء.

المدن

————————–

الحوار هو الحل إذا صدقت النيّات/ عبد الباسط سيدا

يُقال إن رجلاً كان يعاني من اضطرابات نفسية عميقة، إلى درجة أنها أوصلته إلى حد الاعتقاد بأنه ليس سوى حبّة قمح، فامتنع عن الخروج من البيت خوفاً من أن يلتقطه الدجاج ويأكله. ومع الوقت، تراجعت صحّة الرجل، وباتت سلوكياته تشكل عبئاً على أهله، فأخذوه إلى الأطباء والمصحّات، علّه يشفى من مرضه الصعب. وفي نهاية المطاف، تمكّن طبيبٌ مختصٌّ من تقديم العلاج المطلوب له، وأقنعه بأنه إنسانٌ وليس حبّة قمح، ففرح صاحبنا، وشكر الطبيب، وتوجّه نحو الباب ليتواصل مع العالم الخارجي. وفي لحظة الفرح هذه، عاد صاحبنا مسرعاً إلى طبيبه، ليقول: حسناً نجحت في إقناعي بأنني لست حبّة قمح. ولكن هل أقنعت الدجاج بذلك حتى لا يلتهمني؟ فأدرك الطبيب والأهل بأنهم ما زالوا في المربع الأول.

ما ذكّرني بهذه الحكاية ما يدور راهناً من جدل بين المتفائلين والمتشائمين بالاتفاق السعودي الإيراني، فالنهج الذي اعتمدته إيران، وما زالت تلتزمه، منذ أكثر من أربعة عقود، قديمٌ مستمرٌّ في تاريخ المنطقة. وهو نهج استغلال المذهب ورفع الشعارات الكبرى (تحرير بيت المقدس والوحدة الاسلامية…) في عمليات التجييش، وتسويغ النزعة التوسّعية في الجوار الإقليمي، لإشغال الداخل وتحويل انتباهه نحو الخارج، وقمع أي رأيٍ مخالفٍ، بحجّة أن مستلزمات الاستعداد لمواجهة قوى الاستكبار العالمي لا تتحمّل أي نقد أو تشتت في الطاقات.

كان تعاطف شعوب المنطقة، خصوصا العربي، في ذروته مع بدايات “الثورة الإسلامية” في إيران، وشمل معظم التيارات السياسية، بما فيها اليسارية. وكان الأمل أن المنطقة ستشهد مرحلة جديدة على صعيد التوازنات والاستقرار والنهوض. ولكن سرعان ما تبين أن الآمال المعقودة كانت متفائلة أكثر من اللازم، خصوصا بعد أن تمكّنت التيارات المتشدّدة من السيطرة على الأوضاع في الداخل الإيراني، وغيبت بمختلف الأشكال سائر المنافسين والخصوم المحتملين عن دائرة النفوذ وإمكانية التأثير.

ومع بدايات الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988) توثقت العلاقات بين نظام حافظ الأسد في سورية والنظام الإيراني، وتطوّرت بعد إخراج منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان في ظل الاجتياح الإسرائيلي، وتشكيل حزب الله عام 1982؛ وتسليم الأخير بصورة حصرية “ملفّ المقاومة”، بجهود تنسيقية مباشرة بين أجهزة النظامين. ولكن ما يسجّل لحافظ الأسد، كما هو معروف، أنه كان يعطي التوازنات الإقليمية والدولية الاهتمام المطلوب الذي يستوجبه مشروعه، وهو الأمر الذي أدّى إلى التزام التمدّد الإيراني في لبنان وسورية بالخطوط التي رسمها هو، وبما يتناغم مع  توجّهه نحو القيام بمهام قوة إقليمية مؤثرة؛ سيما بعد إخراج مصر من المعادلة على إثر اتفاقيات كامب ديفيد عام 1980؛ والضربة التي تعرّض لها لاحقاً نظام صدّام حسين في العراق بعد احتلاله الكويت 1990، والحملة الدولية التي أدّت إلى إخراجه منها عام 1991؛ وهي الحملة التي حرص الأسد الأب على الاشتراك فيها بقوات سورية، ليضمن لنظامه موقعاً في لعبة المعادلات الإقليمية  الدولية في مرحلة ما بعد انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991.

ولكن الذي حصل في مرحلة وارث الجمهورية بشّار الأسد عام 2000 أن السياسة التوازنية مع النظام الإيراني تراجعت إلى درجة التلاشي، فبات هذا الأخير هو المهيمن على لبنان، خصوصا بعد جريمة اغتيال رفيق الحريري عام 2005 والتحقيقات الدولية التي كانت (تقرير ميليس مثلا)، والصفقات لتحميل حزب الله المسؤولية من دون سلطة بشار الأسد. وتعمّقت العلاقات بين النظامين في أثناء تعاونها في جهود تفجير الوضع العراقي بعد إسقاط نظام صدام حسين عام 2003، لقطع الطريق أمام نظام وطني عراقي مستقرّ، يطمئن سائر المكونات العراقية، ويضمن الأمان لمواطنيه، ويفتح الآفاق أمام نهضةٍ اقتصاديةٍ تستمد مقوّمات استمراريتها من إمكانات العراق الاقتصادية الكبيرة، الأمر الذي كان من شأنه أن يحوّل العراق إلى نقطة ارتكاز لاستقرار إقليمي، ومقدّمة لتحوّلات إصلاحية في مجتمعات المنطقة ودولها، وفي مقدمتها سورية وإيران بطبيعة الحال. وتواصل التغلغل الإيراني في مفاصل الدولة والمجتمع في كل من العراق وسورية ولبنان واليمن، سيما في مرحلة انطلاقة ثورات الشعوب التي تعرّضت للإجهاض من القوى المتضرّرة وبموجب اعتبارات متباينة.

تسبّب هذا الواقع المضطرب الذي تعيشه منطقتنا منذ عقود طويلة في استنزاف الطاقات والموارد، وزعزعة الأمن والاستقرار. والحل الأفضل لتجاوز هذا الواقع هو الركون إلى عقلية تصالحية منفتحة، تحترم الآخر المختلف على صعيد الانتماء الديني والمذهبي والقومي، وكذلك على صعيد الجنس والفكر والرأي؛ وتركيز الاهتمام على تبادل المنافع لصالح شعوب المنطقة. وسيساعد مثل هذا الأمر على الاستقرار والتقدّم، ويفتح الآفاق أمام إقليمنا ليتحوّل من منطقة مجابهات وتصفية حسابات إلى جزء فاعل من المجتمع الدولي؛ يؤدّي دوره في مواجهة التحدّيات الكبرى التي تهدّد البشرية راهنا، ومنها: تحدّيات المرض والفقر والجهل والمخدّرات والبيئة وغيرها. وحتى تكتسب هذه العقلية المصداقية، وتكون ذات جدوى، لا بد من وجود قرائن ومعطيات ملموسة تؤكّد أن المصالحات والتحوّلات التي يجري ترويجها هي حصيلة المراجعات والاعتراف بالأخطاء، والوصول إلى قناعاتٍ تشكلت بفعل الإحساس بالمسؤولية تجاه حاضر المنطقة ومستقبل أجيالها المقبلة.

لقد أثار الاتفاق السعودي الإيراني موجة من التفاؤل بإمكانية توصل القوى الأساسية في المنطقة إلى مشتركاتٍ تفتح الطريق أمام توافقاتٍ تمهّد الطريق لحل مشكلات المنطقة، وهي المشكلات الناجمة عن خلافات القوى المعنية وصراعاتها ومشاريعها المتناقضة، ولكن هذا الاتفاق أثار، في الوقت ذاته، الهواجس الخاصة باحتمال التوافق الثنائي بين الدولتين بشأن أولويات كل طرف، الأمر الذي من شأنه إتاحة الفرصة أمام الجانب الإيراني للاستمرار في مشاريعه التوسّعية التي ترتكز على إجراء تغييراتٍ في البنية الداخلية لمجتمعات المنطقة من خلال التغلغل إلى مفاصل أجهزة دولها ومؤسساتها. وما يعزّز هذه الاحتمالية هو عدم وجود أوراق عربية قوية ضاغطة، كان من شأنها التأثير على الموقف الإيراني، والحدّ من اندفاعاته. وما يضعف الموقف العربي أكثر عدم وجود استراتيجية عمل عربية مشتركة فاعلة، تقوم على موقف موحّد متماسك، وإنما الذي يظهر لا يتجاوز حدود خطط خاصة بكل دولة، بناء على حساباتها وأولوياتها. ورغم الجهود الساعية من أجل بلورة معالم موقف عربي مشترك في مواجهة التحدّيات، يلاحظ أن الأولوية تبقى للخطط والسياسات الخاصة بكل دولة على حساب العمل العربي العام الجدّي المشترك.

وبناء على ما تقدّم، نرى أن حملة التسابق بين بعض الدول العربية على تطبيع العلاقات مع سلطة بشار الأسد من دون اشتراطات واضحة، وفي غياب أو تغييب لافت للمرجعيات الدولية، وعدم وجود آليات واضحة ملزمة، وخطّة عمل متكاملة تحدّد مراحل الحل، وتبيّن المهام والخطوات التي لا بد أن تتحقق في كل مرحلة قبل الانتقال إلى المرحلة التي تليها، وصولاً إلى الحل الشامل؛ بناء على ذلك كله وغيره، لن يستفيد الشعب السوري، الذي يقول الجميع إنهم يتفهمون مطالبه ويتعاطفون معه في محنته، من عملية تعويم سلطة الأسد.

أما الاكتفاء بجمل عامة توحي بدلالات وتفسيرات كثيرة قد تصل إلى حدّ التناقض، فهذا أمر قد يُستشف منه بأنه إلغاء للأسس الأممية التي وضعت لمشروع حلٍّ في سورية، ومن دون التمكّن من وضع أسس جديدة من المفروض أن تكون أكثر نجاعةً إذا كانت هناك رغبة جادّة في الوصول إلى حل يرتقي إلى مستوى تضحيات السوريين وتطلعاتهم. ولعله من نافل القول التذكير هنا بأن الحلّ الشامل المطلوب، في سورية تحديدا، لن يكون ممكنا بمجرّد التوافق بين قوتين إقليميتين، مثل السعودية وإيران، رغم أهمية هذا التوافق إذا كانت نيات الجانب الإيراني تتوافق مع المعلن؛ وإنما يستوجب هذا الحل توافقا إقليمياً عاماً إلى جانب التوافق الدولي، وذلك بناء على واقع التدخلات الإقليمية والدولية في الشأن السوري، وفي وجود القوات الإقليمية (تركيا وإيران) والدولية (روسيا والتحالف الغربي بقيادة الولايات المتحدّة) على الأرض. هذا إلى جانب تحكّم إسرائيل في السماء السورية في سياق التفاهمات الأمنية مع الجانبين الأميركي والروسي. ولكن الأهم في هذا المجال بالنسبة إلى الجانب السعودي مواقف السوريين المناهضين سلطة بشار الأسد، وهم يمثلون أكثر من نصف الشعب السوري، يعانون الأمرّين في مواقع النزوح التي تفتقر إلى أبسط الضرورات المعيشية، وفي المهاجر القسرية، حيث باتوا عرضةً للحملات العنصرية والحسابات الانتخابية، إلى جانب ما يعانونه من فاقة وظروف سكنية ومعيشية على غاية الصعوبة، ويُضاف إلى ذلك شبه انعدام الخدمات العلاجية الضرورية، وحرمان الأطفال من التعليم، فخسارة ثقة هؤلاء والمتعاطفين معهم في سائر الدول العربية ستكون مكلفة جداً، وذلك في حال عدم ضبط الأمور كما ينبغي مع الإيرانيين، والمطالبة بوضع حدٍّ لتدخلاتهم في كل من اليمن وسورية وبقية الدول العربية، فالنظام الإيراني معروف بتقيّته واستغلاله الفرص، وحرصه على إنجاح مشروعه التوسّعي بمختلف الأساليب، بما فيها الدبلوماسية التي تمكّنه من التقاط الأنفاس، وإعادة ترتيب الأوراق في المفاوضات والقوات على الأرض، وذلك استعداداً لجولاتٍ جديدة من تأجيج النزاعات الداخلية، وتدخّلات مباشرة أو غير مباشرة في شؤون دول المنطقة ومجتمعاتها عبر شبكة علاقات وتأثير واسعة في أوساط المليشيات المرتبطة به، والجماعات الإرهابية المصنّعة، وتجّار آفة المخدرات.

وبالعودة إلى الحكاية التي بدأ بها المقال هذا نتساءل: هل سيقتنع النظام الإيراني بضرورة التطبيع مع مجتمعات المنطقة ودولها، بعيداً عن وهمه الخاص الذي يتخيّلها حبات قمح؟ هذا ما نأمله، ولكن تجارب المنطقة علمتنا ألا نتفاءل كثيراً قبل أن نرى النتائج واقعاً على الأرض.

العربي الجديد

—————————-

رئيسي وحصاد البيدر السوري/ بسام مقداد

لم تستطع أخبار حرب السودان التغطية على الخبر السوري، بل بقي في صدارة الصفحات الأولى في مواقع الإعلام. وتأتي زيارة الرئيس الإيراني في 3 الجاري لترفع عدد الأسئلة التي سبق أن طرحتها رباعية وزراء الدفاع في موسكو، ومن ثم وزراء خارجية دول عربية في العاصمة الأردنية مع زميلهم السوري الذي سبق أن جال على دول عربية أخرى.

هذه الحركة الناشطة بشأن سوريا، والتي تغيب عنها الولايات المتحدة، تترك إنطباعاً بأن ثمة من يصدق فعلاً الإنسحاب الأميركي النهائي من المنطقة، وإكتفاء واشنطن بالتحذير من التطبيع مع نظام الأسد وتحريك أساطيلها في مياه الخليج والبحر المتوسط. وبغض النظر عن الأهداف المعلنة لزيارة الرئيس الإيراني، والتي يقال بأن الهاجس الإقتصادي يغلب عليها، إلا أنها تعزز الإنطباع بأن محاولة تجري لتوظيف “الإنسحاب” الأميركي المزعوم في تثبيت دعائم نظام الأسد في دمشق. وتبدو كل التطورات في المنطقة تعمل لصالح هذه المحاولة: تفعيل الصين دورها في المنطقة، التطبيع التركي السوري الموعود، الهجمة العربية على التطبيع مع الإسد ومحاولة إعادته إلى الجامعة العربية، المصالحة السعودية الإيرانية.

المواجهة الصينية الأميركية المحتدمة قد تجعل البعض ينسب إلى تنشيط الصين دورها في المنطقة الدور الأبرز في تحريك المحاولة الراهنة لتجاوز الولايات المتحدة في ترتيب الوضع السوري. لكن براغماتية الصين وحرصها على مصالحها الإقتصادية الكبيرة لا تقول لصالح هذه الفرضية. فالصين الحريصة على ألا تبدو إلى جانب أي فريق في الصراعات التي تتوسط فيها، وبعد طول إنتظار، عادت هذا الأسبوع إلى التواصل المباشر مع أوكرانيا، وضمنت بذلك عدم إثارة الغضب الأوروبي والحفاظ على السوق الأوروبية الكبيرة مشرعة لبضائعها.

لم يتسن بعد للمحللين والكتاب السياسيين الروس  نشر نصوص تعليقاتهم على زيارة الرئيس الإيراني إلى سوريا، واكتفت المواقع الروسية حتى الآن بتغطية أنباء الزيارة وما يقوله الإيرانيون والسوريون بشأنها. وإذا تحقق مايقال بأن المكون الإقتصادي سيغلب على طابع الزيارة الأولى لرئيس إيراني إلى سوريا منذ العام 2012، فهي تبدو وكأنها جردة حساب إيرانية لمحصول إنخراط إيران في الصراع السوري، أو كما يقال “حساب البيدر السوري”.

وكالة تاس نقلت عن “الوطن” السورية قولها بأن رئيسي سوريا وإيران سيجريان محادثات مكرسة لتعزيز التعاون الإستراتيجي. ونقلت عن نائب رئيس ديوان الرئاسة الإيرانية محمد جمشيدي قوله بأنه سيتم خلال الزيارة الإحتفال بنصر “قوى المقاومة”. وأضاف بأن الإيرانيين عاشوا مرحلة تغيرات جيوسياسية شديدة التوتر، وبالنتيجة أحرزت إيران النصر، ولحقت الهزيمة بالولايات المتحدة. وبعد أن ذكر بمقتل قاسم سليماني على يد الأميركيين، قال بأن سليماني علّم الإيرانيين بأن القوة فقط في ميادين القتال تضمن نجاح الدبلوماسية.

وتنقل الوكالة عن الصحيفة السورية عينها قولها بأن الرئيسين السوري والإيراني سيوقعان في ختام الزيارة على”حزمة كبيرة “من الوثائق. وتنسب إلى الأسد قوله خلال إستقبال وزير الطرق وتطوير المدن الإيراني مهرداد بازرباش بأنه يؤيد توسيع نطاق التعاون الإستثماري وزيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين. ورأى الأسد أن المكون الإقتصادي للعلاقات الثنائية ينبغي أن يتناسب مع مستوى التعاون السياسي بين طهران ودمشق.

الرئيس الإيراني سبق أن أعلن مطلع العام الجاري عن نيته زيارة سوريا وتركيا. فقد ذكرت وكالة الأنباء الأرمنية Armenpress مطلع كانون الثاني/ يناير المنصرم أن المتحدث الرسمي بإسم الخارجية الإيرانية قال بأن رئيسي يخطط لزيارة تركيا وسوريا، من دون أن يحدد موعد الزيارتين ولا برنامجهما,

 ويبدو أن إيران أخذت منذ ذلك الوقت تعد لحساب البيدر وتغيير مقاربتها للتعاون الإقتصادي مع سوريا. فقد نقل موقع وكالة Neftegaz الروسية في 15 من ذلك الشهر عن Wall Street Journal قولها بأن المسؤولين الإيرانيين أبلغوا نظراءهم السوريين بأنه تقرر الحد من إمداد سوريا بالنفط الرخيص. وأشارت إلى أن إيران ضاعفت ثمن برميل النفط ورفعته إلى سعر السوق حينها ـــــ 70 دولاراً للبرميل.

نقلت المطبوعة الأميركية عن ممثل إتحاد مصدري النفط والغاز والمشتقات النفطية قوله بأن  إيران نفسها تتعرض للضغط، وليس من أسباب لبيع سوريا المنتجات بأسعار مخفضة. كما رفضت إيران حينها تزويد سوريا بإمدادات النفط الجديدة بالقروض، وطلبت منها الدفع مقدماً.  وأكدت الوكالة الروسية بأن إجراءات إيران تلك، كانت تعني إصطدام سوريا بأكثر أزمات الطاقة جدية منذ العام 2011. وأشارت إلى أن سوريا تستهلك يومياً حوالي 100 ألف برميل من النفط، تنتج منها 24 ألف برميل.

أشارت الوكالة الروسية إلى أن البنية التحتية للعديد من حقول النفط مدمرة، والحقول الرئيسية تقع في شمال شرق سوريا، خارج سيطرة حكومة دمشق. ومعامل تكرير المنتجات النفطية تقع غرب سوريا على ساحل المتوسط، وتعاني من صعوبة إمدادها بالنفط الخام بسبب العقوبات الغربية. كما أشارت الوكالة إلى قرار سلطات دمشق آخر السنة الماضية بتخفيض أيام العمل الإسبوعي إلى 4 ايام بسبب النقص الحاد بالوقود. ونقلت عن “الوطن” السورية قولها بأن الرئيس الإيراني قرر الخريف المنصرم زيادة إمدادات النفط الإيراني من 2 مليون برميل إلى 3 مليون في الشهر.

وكالة الأناضول التركية نقلت عن الرئيس الإيراني قوله اواخر كانون الثاني/ ينار المنصرم بأن إيران مستعدة للمشاركة في إعادة إعمار سوريا. ونقلت الوكالة عن هيئة الرئاسة الإيرانية قولها حينها بأن الرئيس الإيراني صرح بذلك لوزير الدفاع السوري علي محمود عباس، ووصف علاقات طهران بدمشق بأنها “إستراتيجية”.

وقالت الوكالة بأن الرئيس الإيراني أكد للوزير السوري بأن إيران على إستعداد لتكون قرب نظام الأسد، وتعزيز التعاون متعدد الوجوه في عملية إعادة إعمار سوريا. وعبرت طهران أكثر من مرة على رغبتها بالمشاركة في مختلف الحقول في المستقبل. وتشير إلى أن إيران سبق أن وقعت مع دمشق على إتفاقية في مجال إعادة الإعمار وتطوير البنية التحتية والتبادل التجاري.

حساب البيدر السوري تولاه وزير الطرقات الإيراني، وبقي على الرئيس الإيراني التوقيع على نصوص إتفاقاته مع الأسد. فقد قالت وكالة شينخوا الصينية في 28 الشهر المنصرم أن إيران وسوريا وقعتا على إتفاقية شاملة لتعزيز التعاون الإقتصادي. ونقلت عن وكالة فارس  بأن البلدين وقعا على مذكرة تفاهم شامل بشأن توسيع التعاون في مختلف الميادين. ووقع على المذكرة وزير الطرق وتطوير المدن الإيراني مهرداد بازرباش ووزير الإقتصاد والتجارة الخارجية السوري  محمد سامر الخليل.

وأشارت الوكالة إلى أن الوزير الإيراني إلتقى أيضاً مع وزير النقل السوري زهير حازم ورئيس الوزراء حسين عرنوس والرئيس السوري بشار الأسد. وقال الوزير الإيراني بأنه أكد مع المسؤولين السوريين على تسريع تطوير العلاقات الإقتصادية الثنائية. وأشار أيضاً إلى أن البلدين إتفقا على توسيع التعاون في حقل الطاقة، وتوصلا إلى إتفاقية في حقل الإستثمار في مجالي الطاقة الكهربائية والنفط، وشكلا مجموعات عمل تقنية لتنفيذ الإتفاقات المعقودة.

المدن

———————–

“وثائق سرية” تمهيداً لعودة سوريا إلى الجامعة العربية/ إبراهيم حميدي

“المجلة” تنشر ورقة اردنية وخريطة عربية… وتحديات التطبيع” في سلوك دمشق والعقوبات الغربية

تتسارع الخطوات لاتخاذ قرار عربي بإعادة سوريا إلى الجامعة العربية، قبل انعقاد القمة العربية في السعودية في 19 من الشهر الحالي، واحتمال دعوة الرئيس السوري بشار الأسد إلى القمة، في حال اتخذ قرار في الاجتماع الوزاري العربي الاستثنائي في القاهرة، يوم الأحد 7 مايو/أيار الحالي، خصوصاً وسط تنامي عدد الدول الداعمة لرفع قرار تجميد العضوية في الجامعة، الذي اتخذ نهاية عام 2011.

نعرض هنا مراحل التطبيع العربي، وننشر مسودة الورقة الأردنية، التي حصلت “المجلة” على نسخة منها ومقاربة “خطوة مقابل خطوة”، وبعض ما جرى في الاجتماع الوزاري الخماسي في عمّان واتصالات عربية وغربية أخرى:

استأنفت دول عربية عدة علاقاتها الدبلوماسية مع دمشق نهاية 2018، لأسباب كثيرة، بينها القبول بالأمر الواقع بعد التدخل الروسي في 2015، ومواجهة النفوذين الإيراني والتركي، أو التعاطي مع دمشق بناء على رغبات موسكو أو إشارات الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي ألغى في العام 2017 برنامجا سريا لتسليح المعارضة السورية جنوب سوريا وشمالها، ووافق في منتصف العام 2018 على صفقة أردنية– روسية– أميركية للتخلي عن المعارضة في الجنوب السوري وعودة قوات الحكومة.

الورقة الأردنية

كان الأردن بين الدول التي تتعجل التطبيع مع دمشق، وكان العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني من أوائل القادة العرب الذين تواصلوا مع الأسد، لأسباب كثيرة بينها عبء اللاجئين السوريين والجوار  وتدفق الكبتاغون والمخدرات والسلاح عبر الحدود، إضافة إلى القلق من تنامي الدور الإيراني قرب حدوده. وجرى التعبير عن ذلك في اتفاق اميركي – روسي – اردني في 2018، شمل ايضا فتح الحدود السورية -الاردنية.

بعد خيبات من خطوات التطبيع ازاء ملفي المخدرات والنفوذ الايراني، أعدت الحكومة الأردنية في 2021، ورقة رسمية، تضمنت تصورها للحل السوري، جرت مشاركتها ومناقشتها في اجتماعات منفصلة مع الرئيسين الأميركي بايدن والروسي فلاديمير بوتين. وتضمنت هذه الورقة، التي حصلت “المجلة” على نسخة منها باللغة الانكليزية، قراءة للواقع السوري وقتذاك وتقديم مقاربة “خطوة مقابل خطوة”.  وجرى لاحقا إجراء بعض التعديلات في الورقة للتكيف مع التطورات، لكنها لا تزال تعكس التفكير الأردني ومقاربة بعض الدول العربية إزاء الموضوع السوري.

وتقول الورقة، إنه بعد مرور 12 سنة منذ اندلاع الأزمة السورية “تنعدم الآفاق الحقيقية لحلها. ولا توجد استراتيجية شاملة للتوصل إلى حل سياسي واضح. يتفق الجميع على عدم وجود نهاية عسكرية للأزمة الراهنة. وتغيير النظام السوري الحاكم ليس غرضا مؤثرا في حد ذاته. والهدف المعلن، هو إيجاد حل سياسي على أساس قرار مجلس الأمن رقم 2254. بيد أنه لا يوجد تقدم ذو مغزى على هذا المسار؛ فالوضع الراهن يسفر عن مزيد من المعاناة للشعب السوري وتعزيز مواقف الخصوم”.

وتشير الورقة إلى أن النهج الراهن يزيد معاناة السوريين وتمدد “داعش” كما أنه يسمح بأن “تستمر إيران في فرض نفوذها الاقتصادي والعسكري على النظام السوري، وعلى أجزاء حيوية عدة في سوريا من استغلال معاناة الناس لتجنيد الميليشيات، ويزداد وكلاؤها قوة في المناطق الرئيسية، بما في ذلك جنوب البلاد. وتُدر تجارة المخدرات دخلا معتبرا لهذه الجماعات، كما تُشكل تهديدا متزايدا على المنطقة وخارجها”.

حوافز

وتقترح الورقة “مقاربة تستهدف تغييرا تدريجيا في سلوك دمشق مقابل حوافز يجري تحديدها بعناية لصالح الشعب السوري، مع إتاحة بيئة مواتية للعودة الطوعية للنازحين واللاجئين”، بما يتضمن “وضع نهج تدريجي للتوصل إلى حل سياسي على أساس القرار 2254، وتوفير الدعم المطلوب للنهج الجديد لدى الشركاء الإقليميين والدوليين ذوي التفكير المماثل، والسعى إلى الاتفاق على هذا النهج مع روسيا، والاتفاق على آلية لإشراك النظام (الحكومة) في سوريا”.

وفق هذه المقاربة، سيتم تحديد “العروض” المقدمة إلى دمشق مقابل “المطالب” منه، مع أن ينصب التركيز الأولي على القضايا الإنسانية ثم الأمور السياسية، مع “المشاركة المباشرة من مجموعة دول عربية مما يساهم في رأب التصدعات في الموقف العربي، ومعالجة المخاوف بشأن غياب الدور العربي الجماعي في الجهود الرامية إلى حل الأزمة، والاستفادة من المشاركة العربية من أجل الحصول على الحوافز مع تأطيرها ضمن الجهود الرامية إلى إحداث تغييرات إيجابية”.

الجدول الزمني

تضمنت الورقة جدولا زمنياً لافتاً بالخطوات المطلوبة من دمشق والأخرى المعروضة عربيا، إذ تطالب الحكومة السورية بـ”ضمان وصول المساعدات الإنسانية والاتفاق على تدفق المساعدات الإنسانية عبر الحدود مقابل تسهيل قوافل الأمم المتحدة عبر الخطوط داخل سوريا وتوفير البيئة المواتية للعودة الآمنة للنازحين واللاجئين ومنح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين حق الوصول الكامل إلى المناطق المعنية، بما في ذلك ضمان عدم اضطهاد العائدين وتسهيل عودة النازحين إلى ديارهم”.

وفي المقابل، “تغري” الدول دمشق بمساعدات إضافية وتمويل مشاريع “التعافي المبكر” ومرور المساعدات عبر دمشق.

واقع الحال، أن بعض هذه الأمور تحقق، خصوصاً بعد الزلزال الذي ضرب شمال غربي سوريا وجنوب شرقي تركيا، إذ فتحت دمشق معبرين إضافيين مع تركيا، قبل قيام دول غربية بتقديم استثناءات من العقوبات الأميركية والغربية على تمويل المتضررين من الزلزال.

في هذا السياق أيضا، شكل الاسد صندوقاً لدعم المتضررين من الزالزل، سيسمح بتدفق مساعدات مالية بعيدا من العقوبات أو وفق الاستثناءات الاخيرة من العقوبات وضمن “التفاهمات”. (هناك معلومات ان دولة عربية قدمت للصندوق 15 مليون دولار اميركي واخرى قدمت  50 مليونا. وهناك وعود بمبالغ أكبر).

الى ذلك، يتناول البرنامج التفصيلي للورقة، البعد السياسي الذي يتضمن “المشاركة الإيجابية” من دمشق، بتنفيذ القرار 2254 وعمل اللجنة الدستورية السورية والإفراج عن سجناء ومعتقلين وتحديد مصير مفقودين وإجراء انتخابات “تحت إشراف الأمم المتحدة بما يؤدي إلى تشكيل الحكومة الشاملة”.

وفي المقابل، فان الدول العربية والغربية تعرض “التخفيف التدريجي” للعقوبات ثم رفعها بما في ذلك على المصرف المركزي والمؤسسات الحكومية، واستعادة العلاقات السياسية والدبلوماسية و”تسهيل عودة سوريا إلى المحافل الدولية واستعادة مكانتها في جامعة الدول العربية”.

كما يتناول البرنامج في المرحلة الأخرى، تعاونا ضد “داعش” وتبادل المعلومات الأمنية و”وقف أنشطة الجماعات المتطرفة المرتبطة بإيران واستفزازاتها للطوائف السنية والأقليات العرقية في سوريا”، وصولا إلى المرحلة ما قبل الأخيرة التي تشمل “إعلان وقف إطلاق النار في جميع أنحاء البلاد، وانسحاب جميع العناصر غير السورية من خطوط المواجهة والمناطق الحدودية مع دول الجوار، مما يؤدي إلى إعلان وقف العمليات العسكرية الكبرى وإعلان وقف إطلاق النار في كل أنحاء البلاد ووقف جميع العمليات العسكرية بما في ذلك القصف الجوي والغارات ووقف جميع العمليات الجوية العسكرية الأجنبية فوق سوريا، ما لم يكن ذلك في إطار عملية وقف إطلاق النار، والتزام الشركاء على الأرض في سوريا والحلفاء الإقليميين بوقف إطلاق النار المعلن في جميع أنحاء البلاد”.

أما في المرحلة الأخيرة، التي لم يتم تحدد موعدها في هذه الورقة، فيُتوقع أن يجري “انسحاب جميع القوات الأجنبية، والمشاركة الإيجابية مع البلدان المجاورة والالتزام بالاستقرار والأمن الإقليميين، بما في ذلك الوفاء بالالتزامات بموجب منظمة حظر الأسلحة الكيماوية، والحد من النفوذ الإيراني في أجزاء معينة من سوريا، وانسحاب جميع القوات الأجنبية والمقاتلين الأجانب من سوريا لما قبل العام 2011، وانسحاب القوات الأميركية وقوات التحالف من شمال شرقي سوريا، بما في ذلك من قاعدة التنف”. وفي المقابل يتم “فتح قنوات تنسيق بين الجيش السوري والأجهزة العسكرية والأمنية في دول الجوار لضمان أمن الحدود مع سوريا”.

الدور العربي

تغيرت أمور كثيرة منذ كتابة هذه الورقة، وجرى تعديلها، بحيث تعكس التطورات السورية والإقليمية والدولية، لكنها لا تزال تعكس في بعض جوانبها تفكير بعض الأطراف. وكان من بين التطورات الاتفاق السعودي– الإيراني برعاية صينية وانفجار الأزمة الأوكرانية ومنعكساتها على سوريا والمنطقة العربية وانفجار الوضع في السودان، إضافة إلى إطلاق موسكو مسارا للتطبيع بين دمشق وأنقرة بمشاركة روسية– إيرانية.

الى الآن كان التركيز على المسار الثنائي، تطوير العلاقات بين دمشق وكل عاصمة عربية بانتظار توفر الاجماع العربي للعودة الى الجامعة.

في خضم كل ذلك، حصل تطور لافت تمثل في الدور السعودي. وبعد اتصالات عدة بعضها غير معلن، زار وزير الخارجية السوري فيصل المقداد جدة في 13 ابريل في اول زيارة من نوعها لمسؤول سوري الى السعودية منذ 2011، وأسفرت الزيارة الاتفاق عن استئناف الأعمال القنصلية، ثم عقد اجتماع لوزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي مع مصر والأردن والعراق في 15 ابريل، تضمن نقاشا مفصلا للملف السوري وتبادل الأراء والتجارب بين الوزراء المشاركين والخطوات المتبادلة المتوقعة بين دمشق والعرب والاتجاه لـدعم “الدولة السورية”، قبل أن يقوم وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان بزيارة دمشق للقاء الأسد يوم 18 أبريل/نيسان، في أرفع زيارة سعودية منذ بدء الاحتجاجات والأزمة في سوريا عام 2011.

في هذا اللقاء، جرت مناقشة “الجهود المبذولة للتوصل إلى حلٍ سياسي للأزمة السورية، يحافظ على وحدة سوريا، وأمنها، واستقرارها، وهويتها العربية، وسلامة أراضيها، بما يحقق الخير لشعبها الشقيق”، حسب وكالة الأنباء الرسمية السعودية، إضافة إلى بحث “الخطوات اللازمة لتسوية سياسية شاملة للأزمة السورية تنهي كافة تداعياتها، وتحقق المصالحة الوطنية، وتسهم في عودة سوريا إلى محيطها العربي، واستئناف دورها الطبيعي في الوطن العربي”.

كما جرى تأكيد سعودي على أهمية “توفير البيئة المناسبة لوصول المساعدات لجميع المناطق في سوريا، وتهيئة الظروف اللازمة لعودة اللاجئين والنازحين السوريين إلى مناطقهم، وإنهاء معاناتهم، وتمكينهم من العودة بأمان إلى وطنهم، واتخاذ المزيد من الإجراءات التي من شأنها المساهمة في استقرار الأوضاع في كامل الأراضي السورية”.

خريطة طريق

في موازاة ذلك، كان يجري العمل على “خريطة طريق” عربية– سورية للمرحلة المقبلة، تتضمن سلسلة خطوات مشتركة للمساهمة في حل الأزمة السورية واستئناف العلاقات وعودة سوريا إلى الجامعة ودورها، بما يساهم في توفير الإجماع العربي على عودة دمشق إلى الجامعة العربية وتخفيف الاعتراض الغربي على هذا المسار.

عليه عُقد اجتماع خماسي لوزراء خارجية السعودية ومصر والأردن والعراق وسوريا في العاصمة الأردنية بداية الشهر الجاري لمتابعة نتائج اجتماع جدة. وحسب المعلومات المتوفرة، فإن نقاشات كثيرة جرت حول عناصر مهمة قبل إقرار البيان– الخريطة، بينها الإشارة إلى القرار الدولي 2254 وآلية التنفيذ والدول المشاركة في لجان المتابعة ومستواها، وما إذا كان الأمر يتطلب وضع جدول زمني بين 4 و6 شهور لدمشق كي تنفذ الوارد في هذه الخريطة، قبل العودة إلى الجامعة العربية.

أشار الجانب السوري إلى العفو الخاص عن المعتقلين العام الماضي و”المبادرة” بفتح معبرين للمساعدات الإنسانية بين شمال سوريا وتركيا، فيما تمسك وزراء عرب بضرورة ذكر القرار الدولي 2254 وتشكيل لجان لمكافحة الإرهاب وتهريب المخدرات.

انتهى النقاش الوزاري، الذي تضمن اجتماعا رباعيا ثم خماسيا بمشاركة المقداد، إلى صدور بيان كانت لغته لافتة، وخلاصة تدخل ووساطات عدد من الدول العربية مع دمشق، إذ إنه تضمن كثيراً من العناصر والبنود التي كانت تعترض عليها الحكومة السورية، بينها تأييد مقاربة “خطوة مقابل خطوة”، و”إجراء محادثات تستهدف الوصول إلى حل للأزمة في سوريا ينسجم مع قرار مجلس الأمن 2254 ويعالج جميع تبعات الأزمة الإنسانية والسياسية والأمنية. حل سياسي يحفظ وحدة سوريا وتماسكها وسيادتها، ويلبي طموحات شعبها، ويخلصها من الإرهاب، ويسهم في تعزيز الظروف المناسبة للعودة الطوعية والآمنة للاجئين، يفضي إلى خروج جميع القوات الأجنبية غير المشروعة منها، وبما يحقق المصالحة الوطنية، ويعيد لسوريا أمنها واستقرارها وعافيتها ودورها”.

كما اتفق الوزراء على “تشكيل فريق فني على مستوى الخبراء يضم سوريا والأردن والعراق لمتابعة تنفيذ مخرجات الاجتماع الوزاري، وفق جدول زمني يتفق عليه، وبما يتكامل مع كل الجهود الأممية”، مع التأكيد على أن “العودة الطوعية والآمنة للاجئين إلى بلدهم أولوية قصوى، ويجب اتخاذ الخطوات اللازمة للبدء في تنفيذها فوراً”، و”تعزيز التعاون لدفع جهود تبادل المختطفين والموقوفين والبحث عن المفقودين وفق نهج مدروس”، و”تعزيز التعاون بين سوريا ودول الجوار والدول المتأثرة بعمليات الإتجار بالمخدرات وتهريبها عبر الحدود السورية مع دول الجوار”، و”التوافق على خطوات فاعلة لمعالجة التحديات الأمنية المرتبطة بأمن الحدود، عبر إنشاء آليات تنسيق فعالة بين الأجهزة العسكرية والأمنية السورية ونظيراتها في الدول المجاورة”.

وبعد الاجتماع اتصل وزراء خارجية عرب مع نظرائهم في دول عربية أخرى، لإطلاعهم على نتائج الاجتماع وتوسيع دائرة المؤيدين لعودة سوريا إلى الجامعة، ورفع الاعتراض بدرجات وأسباب مختلفة من قطر والكويت والمغرب خلال مناقشات وزراء الخارجية العرب بعد غد الأحد.

كما استغل وزير الخارجية المصري سامح شكري اتصاله مع نظيره الأميركي أنتوني بلينكن للحديث عن السودان، كي ينقل له مضمون محادثات مؤتمر عمّان، فيما اتصل بلينكن بنظيره الأردني أيمن الصفدي، للقول إن واشنطن “لن تطبّع علاقاتها مع نظام الأسد، كما أنها لا تدعم قيام الدول الأخرى بتطبيع علاقاتها مع النظام قبل تحقيق تقدم سياسي حقيقي تيسره الأمم المتحدة ويتسق مع قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254″، مؤكدا أهمية التنسيق مع المبعوث الأممي غير بيدرسون، لأن القرار 2254 هو “الحل الوحيد القابل للحياة لإنهاء الحرب”.

ويقرأ كثير من الأطراف العربية موقف إدارة الرئيس بايدن على أنها “لم تعد تضع ثقلها السياسي كي تعرقل التطبيع”، لكنها تريد من الدول العربية أن تحصل على “ثمن” من التطبيع، سواء كان يخص أمورا ثنائية مثل المخدرات أو اللاجئين أو الإرهاب، أو جماعية يخص التسوية السياسية والمحاسبة وأن يكون هناك تنسيق مشترك بين “جميع المبادرات” نحو دمشق، يسهل عليها المهمة أمام ضغوط الكونغرس التي تسير باتجاه تمديد “قانون قيصر” العام المقبل، وإقرار “قانون الكبتاغون” بعقوبات شديدة.

ضمن هذا السياق، جرت محاولات عربية مع دمشق سهلت عقد حوار سوري– أميركي في سلطنة عُمان في الأسابيع الماضية تناول مصير الصحافي الأميركي المفقود في سوريا أوستن تايس وأمورا سياسية وعسكرية.

ستكون الأشهر المقبلة، مهمة لتفحص مآلات التطبيع العربي مع دمشق والخطوات المتبادلة المطلوبة والمتوقعة في هذا المسار الطويل، وفق البرنامج الزمني الموضوع وكيفية انعكاس التنفيذ أو عدم التنفيذ، على مواقف الدول الغربية.

المجلة

——————————-

الأسد غير مهتم بالعودة للجامعة العربية..ويريداستسلاماً كاملا من العرب

قالت صحيفة ” فايننشال تايمز” في تقرير، إن رئيس النظام السوري بشار الأسد لم يبدِ أي اهتمام بالتسوية للعودة إلى الجامعة العربية، لافتةً إلى أنه يريد استسلاماً كاملاً من العرب.

ونقلت الصحيفة البريطانية عن مسؤول عربي أن اللقاءات العربية مع النظام ستختبر جدية الأسد، مشيراً إلى أن وجود إجماع عربي حول عدد من القضايا يراد من النظام إنجازها.

وتحدث التقرير عن أن الأسد لم يبدِ اهتماماً بالتسوية خلال اجتماع وزراء خارجية الدول العربية المخصص لبحث عودته إلى الجامعة العربية، فيما أوضح مسؤول عربي للصحيفة أن الأسد يريد استسلاماً كاملاً من العرب، مشيراً إلى أن البعض باتوا يطلقون مزاحاً بأنه “قد يطلب اعتذاراً” أيضاً.

ولذلك السبب، لاتزال بعض الدول مترددة، وسط تصاعد الجدل حول ما إذ كانت إعادة تأهيل الأسد “أمراً معقولاً” بالنظر إلى التنازلات التي سيقدمها، بينما رفضت دول بينها قطر والكويت، خطط السعودية دعوته لحضور القمة العربية التي ستستضيفها الرياض.

وفي الوقت نفسه، بدأ كبار المسؤولين من دول عربية بينها السعودية والعراق والأردن ومصر، العمل على إثارة قضايا مع الأسد، لاختبار جديته بشأن العودة إلى “الدبلوماسية العربية”.

وكانت معظم الدول العربية قد قطعت علاقاتها مع الأسد في 2011، عندما بدأ نظامه بقتل وقصف وتعذيب السوريين بالغاز كجزء من جهوده لهزيمة “التمرد الناشئ”، مشيرةً إلى وجود أكثر من 14 مليون سوري نزحوا داخلياً أو سعوا للجوء في الخارج.

وذلك، قبل أن يستعيد السيطرة على معظم “الدولة الممزقة” بفضل الدعم الروسي والإيراني، حيث بدأت عمليات الضغط لإشراكه بقيادة الإمارات التي أعادت فتح سفارتها في 2018، ثم البحرين.

وقال المسؤول الأميركي السابق والزميل البارز في السياسة العربية في معهد واشنطن للأبحاث، أندرو تابلر إن الضغوط التي مارستها إدارة الرئيس السابق للولايات المتحدة دونالد ترامب، منعت الآخرين من المتابعة، كما لم تكن هناك رغبة كبيرة في التواصل مع الأسد في تلك المرحلة، بسبب المنافسة بين إيران والسعودية، قبل حدوث الاتفاق بين الرياض وطهران، بوساطة صينية.

وعلى النقيض، لم تقابل إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، التحركات الأخيرة برد قوي، كما فعلت إدارة ترامب في 2018، حيث انتقلت إدارة بايدن، من منع التطبيع مع الأسد إلى التأكد من الحصول على شيء منه في المقابل.

وأضاف أن الزلزال الذي ضرب البلاد في شباط/فبراير، بالتزامن مع تخفيف واشنطن لعقوباتها على النظام، خلق لحظة للقادة العرب للاستفادة منها، ما أثار دهشة المسؤولين الأميركيين”.

وقال مسؤول سعودي كبير للصحيفة، إن إشراك الأسد في الجامعة، لم يكن شرطاً في الصفقة بين الرياض وطهران، مضيفاً: “لا أعتقد أننا كنا سنصل إلى سوريا لو لم نقم بذلك”. وأضاف مسؤول سعودي كبير آخر أن “فتح قناة النقاش لا تعني التطبيع الكامل، ومن دون هذه الخطوات لا يمكن التفاوض بشأن ما تحتاجه”.

وأوضح دبلوماسي عربي أن هناك إجماعاً عربياً حول عدد من القضايا يجب التركيز عليها بما في ذلك المخدرات والقضايا الإنسانية واللاجئين، قائلاً: “هذه قضايا نريد من النظام أن ينجزها”.

————————

مؤتمر “سوريون ضد التطبيع”:موقف المعارضة التفاوضي ضعيف

نظّم نشطاء سوريون الاثنين، المؤتمر السوري لرفض التطبيع مع النظام السوري، بمشاركة الائتلاف الوطني المعارض، والحكومة المؤقتة، وهيئة التفاوض السورية، والمجلس الإسلامي السوري، ومجلس العشائر والقبائل السورية، إلى جانب ممثلين عن المجالس المحلية، وهيئات ثورية وشخصيات مدنية.

وحضر المؤتمر الذي أقيم في مدينة الراعي المتاخمة للحدود التركية في الشمال السوري أكثر من ألفي مشارك.

وقال رئيس اللجنة التحضيرية للمؤتمر إبراهيم الحبش ل”المدن”، إن المؤتمر هو مبادرة ثورية بهدف وضع المجتمع الدولي برفض الشارع السوري الانفتاح على النظام السوري.

وأضاف أن المشاركة الواسعة من ممثلي مؤسسات الثورة والهيئات والفعاليات والمدنيين إنما تعكس موقف الشارع الرافض للتطبيع، معتبراً أن “المؤتمر فاتحة لحراك شعبي متواصل عنوانه رفض التطبيع مع النظام”.

وأكد البيان الختامي للمؤتمر، الإصرار على استمرارية الثورةِ كفعل إنساني للتغيير المنشود، واعتبار”نظام بشار الأسد، نظاماً مجرماً يتحمل المسؤولية الكاملة عن تدمير سوريا وقتل أبنائها وتهجير شعبِها ونشر الإرهاب في الشرق الأوسط”.

وقال البيان: “يشدد الشعب السوري على وجوب انطلاق عملية إعادة السلام في سوريا من بدايتها الصحيحة، من العملية السياسية لتطبيقِ بيان جنيف والقرارت الدولية ذات العلاقة ولا سيما القرار 2254”.

وإذ أكد على “حتمية الدور العربي المحوري ومسؤوليته لإنهاء مأساة السوريين”، ناشد البيان “أخواننا القادة والشعوب من الدول العربِية والقادةَ والشعب من  الجمهورية التركية، وحثهم على عدم التطبيعِ مع نظام الإجرام لما يشكله من هدر لحقوق السوريين، من نظام لا يكترث بأمن واستقرار دول الجوار والإقليم، ولا سلامة شعبه ولا شعوبها”.

موقف ضعيف للمعارضة

وأقرّ رئيس هيئة التفاوض بدر جاموس خلال كلمته في المؤتمر، بضعف موقف المعارضة السورية التفاوضي، معتبراً أن “المؤتمرات غير كافية لوقف التطبيع مع النظام السوري”.

ودعا جاموس إلى الوحدة، قائلاً: “لا يمكن مواجهة التطبيع إلا بوحدتنا، وتغيير طريقة عملنا، والمجتمع الدولي لا يعترف إلا بالقوي، وحتى نكون كذلك لا بد أن يكون الجيش الوطني جيشاً حقيقياً، والمؤسسات تحت إشراف الحكومة المؤقتة التابعة للائتلاف، عند ذلك فقط نكون على طاولة المفاوضات أقوياء”.

وتابع: “البقاء في وضعنا الراهن يزيد من وضعنا المأساوي، وهناك جهات عديدة تريد إنهاء قضيتنا”. وقال: “نبذل ما بوسعنا من خلال الحراك على المستويات العربية والأوروبية والأميركية، لإيصال صوت أهلنا الرافض للتطبيع”.

من جانبه، قال رئيس الحكومة المؤقتة عبد الرحمن مصطفى إن الشعب السوري دفع فاتورة كبيرة في سبيل نيل حريته، وتعرض بالمقابل للقتل والتهجير، وعلى الرغم من كل ذلك لا يزال هذا الشعب متمسكاً بأهداف ثورته.

وأِكد مصطفى أن أهداف الثورة لم تتغير، داعياً إلى حل سياسي شامل يضمن حقوق السوريين، وقال: “في ظل حمى التطبيع لا بد من وقفة جادة في المناطق المحررة، للانتقال بواقع المنطقة إلى الأفضل”.

وفد معارض إلى أوروبا

وفي السياق، علمت “المدن” أن وفداً من المعارضة يعتزم إجراء جولة على عواصم أوروبية لمواجهة التطبيع مع النظام السوري، وذلك بعد الانتهاء من زيارة واشنطن  من قبل الوفد الذي يضم رئيس الائتلاف سالم المسلط ورئيس هيئة التفاوض بدر جاموس، وممثل المجلس الوطني الكردي إبراهيم برو.

وفي هذا الإطار قال رئيس الائتلاف سالم المسلط ل”المدن”، إن الجولة ستشمل بروكسل وباريس وبرلين، وتهدف إلى التذكير بالملف السوري.

وبما يخص زيارة واشنطن، تحدث المسلط عن “أجواء إيجابية”، وقال: “سمعنا ما نريد سماعه”.

—————————

النظام السوري وتجارة المخدّرات… المجدية سياسيًّا!/ فارس خشان

أغرق النظام السوري الدول العربيّة والخليجيّة بالمخدرات، من خلال تولّيه والميليشيات الإيرانيّة، تنظيم وإدارة أضخم عمليات التهريب عبر الحدود الأردنيّة والعراقيّة، وها هو في الإجتماع الذي عقده وزراء خارجية مصر والعراق والسعودية والأردن مع نظيرهم السوري فيصل المقداد، أمس في عمّان، يبدي استعداده لـ “اتخاذ الخطوات اللازمة لإنهاء عمليات التهريب والعمل خلال الشهر المقبل على تحديد مصادر إنتاج وتهريب المخدرات إلى الأردن والعراق”، في مقابل التطبيع معه وإعادته، من دون مساءلة ومحاسبة وتغييرات منهجيّة، إلى “الأسرة العربيّة”، ولو من بوّابة العلاقات الثنائية في الوقت الحاضر، في انتظار “جامعة الدول العربية”.

واعترف النظام السوري بمسؤوليته عن هذه الجريمة التي أشعلت حروبًا حدوديّة، هنا وأغرقت الأسواق بالمخدرات هناك، بعدما اطمأنّ، مرّة جديدة، إلى أنّ مخططه أنتج مفاعيله المرجوّة.

وطالما أنكر النظام السوري مسؤوليته وحلفاءه عن عمليات التهريب هذه التي سبق أن أكدتها أجهزة المخابرات والمؤسسات الأمنية والعسكرية في الدول المستهدفة بها أو في المؤسسات المعنية عالميًّا بمكافحة تهريب المخدرات.

وفي مرحلة تنظيم عمليات التهريب، حقق النظام السوري مداخيل مالية كبيرة من صناعة حبوب الكبتاغون وتوزيعها على الأسواق الخليجية من خلال المعابر غير الشرعية التي يقيمها على حدوده المشتركة مع الدول العربية، ليعود، في مرحلة ضبط هذه التجارة الإجرامية، ويتقاضى ثمنًا سياسيًّا غاليًّا.

وما يصح في موضوع تهريب المخدرات، يصح أيضًا في موضوع ملايين السوريّين الذين هربوا من مدنهم وبلداتهم الى الدول المجاورة، فالنظام السوري، وقف في مرحلة معيّنة، وراء هذا “الترحيل الجماعي”، بهدف إغراق الدول المحيطة به، بمشكلات اقتصادية اجتماعية كبرى، وحال دون تتويج أيّ مساع جديّة لإعادة هؤلاء، ولو جزئيًّا، الى سوريا، لأنّ الثمن الذي يطلبه من الدول العربيّة، بداية ومن المجتمع الدولي، لاحقًا، لا يتناسب وتطلعاته، بعدما أنقذته روسيا بالتوافق مع إيران، وب”قبّة باط” أميركيّة، من سقوط كان حتميًّا.

من حق الدول العربيّة والخليجيّة أن تتّخذ ما يناسبها من خطوات لحماية أمنها القومي من مخاطر تهريب المخدرات بكل تداعياتها، ولكنّ الحل الذي ارتأته، وهو مكافأة الجريمة المنظمة بدل معاقبتها، سوف يشكّل خطرًا مستقبليًّا على الجميع، إذ إنّ هذا السلوك الإجرامي يمكن أن يصبح “خطة عسكريّة” من الآن فصاعدًا، بحيث يلجأ جميع من يلهث وراء أهداف سياسيّة الى اعتماد هذا السلوك، آخذين في الإعتبار أنّ الدول المستهدفة بالجريمة، ومن أجل أن ترفع عن كاهلها الأعباء، قد تسارع الى دفع الثمن المرجو.

حتى تاريخه، يقاوم الغرب هذا المسار العربي- الخليجي ولا يشجعه، ولكن، كما أهمل الملف السوري، سنوات طويلة فهو لا يستطيع، حاليًا أن يملي رأيه على الدول التي تفتش عن حلول بأيّ ثمن.

ولكن إذا واظب الغرب على موقفه المعارض لمعادلة “مكافأة الجريمة”، فإنّ العرب سوف يكونون في مكان والغرب في مكان آخر، ولن تستطيع أيّ دولة، مهما كانت مقتنعة بوجوب التطبيع مع النظام السوري، من تقديم مساهمات حقيقية لإعادة إعمار سوريا، لأنّ نظام العقوبات المستمر سوف يحول دون ذلك.

وهذا يعني أنّ النظام السوري الذي يرفض تطبيق قرار مجلس الأمن 2254 لن يكتفي بعرقلة أي مبادرة لإعادة الهاربين والنازحين واللاجئين، فحسب بل سوف يعود، بطرق ملتويّة، من أجل توفير ما يلزمه من مداخيل، إلى صناعة المخدرات وتهريبها، أيضًا.

ووفق مصدر دبلوماسي عربي، فإنّ العواصم العربيّة تدرك هذه الحقيقة، ولذلك هي تعتمد في تعاملها مع النظام السوري سياسة “خطزو مقابل خطوة”، فالمملكة العربيّة السعودية، على سبيل المثال، أسقطت فكرة إعادة العلاقات الدبلوماسية مع دمشق، إلى مرحلة لاحقة، واكتفت، في مرحلة “التدقيق بالنيات”، بإعادة العلاقات القنصلية، الأمر الذي تحتاج إليه، لتبقي سيطرتها الكاملة على العمالة الوافدة من سوريا إليها.

النهار العربي

———————————-

الأسد: إذعان لإيران وروسيا ومطالبة للعرب بالاعتذار!

رأي القدس

تابع الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، أمس، زيارته لسوريا التي بدأت الأربعاء، حيث وقع مع رئيس النظام، بشار الأسد، «مذكرة تفاهم للتعاون الاستراتيجي الشامل طويل الأمد» على حد تعبير وكالة «سانا» التابعة للنظام، ورغم الشعارات السياسية حول «انتصار محور المقاومة» و«القتال ضد الإرهاب» فإن تصريحات الطرفين أشارت، بشكل مباشر أو ضمنيّ، إلى أن الهدف الرئيسي من الزيارة هو الاتفاق على كيفية تسديد النظام السوري للديون الإيرانية الكبيرة عليه.

تعترف حكومة الأسد بفتحها خطين ائتمانيين مع إيران، الأول بقيمة 4 مليارات دولار، عام 2013، والثاني بقيمة مليار دولار، عام 2015، «لتوريد السلع الغذائية والمشتقات النفطية» فيما يقدر اقتصاديون ديون النظام لروسيا بنحو 17 مليار دولار، وكان أكثرها ثمنا لسلاح وذخائر وتحديث طائرات حربية وشحنات نفط وقمح.

تشير الأرقام الآنفة إلى الثمن الاقتصادي الهائل المطلوب دفعه من النظام السوري، وتعتبر الزيارة الأخيرة، التي لم يحصل مثلها من رئيس إيراني منذ 12 عاما، تأكيدا لاشتراط طهران من الأسد تأدية ذلك الثمن عبر صفقات تضمنت، حسب جريدة «الوطن» التابعة للنظام، مشاريع الفوسفات والنفط والكهرباء، وعبر منح إيران عقارات وأراضي في المدن الرئيسية السورية، سواء من أملاك الدولة أو من مصادرات المحجوز على ممتلكاتهم من المعارضين.

في إطار رد «الدين» الروسي، كان الأسد أكثر وضوحا، حين طالب خلال زيارته لموسكو في شهر آذار/مارس الماضي بـ«توسيع القواعد العسكرية والقوات الروسية في سوريا» وأن يكون ذلك الوجود دائما لا مؤقتا!

بلاغة رئيس النظام، التي تقوم بطلب وجود عسكري غير مشروط بزمن محدد، وتوقيع مذكرات «التفاهم» التي تمكّن روسيا وإيران من محاصصة سكان البلاد على المقدرات الاقتصادية، المتهالكة أصلا، لا تستطيع أن تخفف من وطأة إحساس السوريين بأن ما يجري هو احتلال أبدي، عسكري وسياسي واقتصادي.

في مقابل هذا التقبّل التامّ من قبل رئيس النظام للإذعانات السياسية والاقتصادية، بل مطالبة موسكو بالوجود الدائم، والاستقبال الكبير للرئيس الإيراني، قوبلت بعض الدول العربية التي التقت وزير خارجية النظام فيصل المقداد، في العاصمة الأردنية عمّان، قبل أيام، برفض تقديم أي تنازلات مقابل عودة النظام لجامعة الدول العربية، وأنه، حسب تقرير لصحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية، «يريد استسلاما كاملا من العرب»!

حرص الأسد، في الخطاب الذي ألقاه عند استقبال رئيسي بإيصال الرسالة بوضوح للقادة العرب، حيث تحدث عن أن العلاقات بين البلدين تأسست منذ أكثر من أربعة عقود (أي منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية) وأن العلاقات «غنية بالمضمون وغنية بالرؤية» وأنها «مستندة إلى عقائد» وأنه عندما شُنّت «حرب ظالمة ضد إيران في عام 1980» فإن «سوريا لم تتردد بالوقوف إلى جانب إيران» وأن عمق العلاقات بين البلدين «منطلق من الماضي ومتجه إلى الأمام بثقة وثبات نحو المستقبل» وهي جمل يمكن تأويلها بطرق سياسية وطائفية، ولكنّها تؤكد أن رئيس النظام يقوم بإظهار انحيازاته السياسية والعسكرية لصالح إيران وضد العرب.

————————–

واشنطن تصدم وفد المعارضة السورية..ما علاقة السعودية؟/ عقيل حسين

أكدت مصادر في هيئة التفاوض السورية المعارضة أن الزيارة الاخيرة التي أجراها وفد الهيئة إلى الولايات المتحدة لم تكن إيجابية، بينما تباينت التقديرات حول أسباب ذلك، رغم الترجيح بأن السبب هو الموقف الأميركي المؤيد للتطبيع الإقليمي مع النظام.

ورغم حديث رئيس الهيئة بدر جاموس عن نجاح الزيارة التي جرت الأسبوع الماضي، إلا أن مصادر “المدن” كشفت عن برود كبير قابل به الأميركيون الوفد، الذي ضم أيضاً كل من رئيس الائتلاف المعارض سالم المسلط، وأعضاء الهيئة: أنس العبدة وفدوى العجيلي وإبراهيم برو.

تهرب من الوفد!

وأكد أحد أعضاء الوفد ل”المدن”، أنه وعلى عكس تصريحات جاموس فإن أي اجتماع لم يحصل بين الهيئة وبين نائبة وزير الخارجية الأميركية باربارا ليف، رغم أن اللقاء كان مبرمجاً في الزيارة.

وأوضح المصدر أن ليف، وبعد وصول الوفد إلى مبنى الخارجية، طلبت منه الاكتفاء باللقاء مع مساعدها الخاص للملف السوري إيثان غولدريتش، قبل أن تدعوهم لالتقاط صورة جماعية على باب مكتبها، متذرعة بانشغالها بالحرب في السودان.

وعلى الرغم من أن برنامج لقاءات الوفد كان يتضمن الاجتماع مع عدد من أعضاء مجلسي النواب والشيوخ، إلا أنهم جميعاً اعتذروا عن استضافته في اللحظات الأخيرة، باستثناء السيناتور تيد كروز. وقال المصدر إن اللقاءات اقتصرت على موظفين يعملون في مكاتب بقية الأعضاء.

وأشار المصدر إلى أنه وبشكل عام فقد كانت أجواء التعامل مع وفد المعارضة السورية غير مشجعة، مرجحاً أن يكون السبب هو التغيير الكبير في الموقف الأميركي لصالح دعم التطبيع العربي والاقليمي مع النظام.

ولم يستبعد عضو الوفد الذي تحدث ل”المدن”، أن يكون للسعودية دور في ما حصل، خصوصاً وأن حديث مسؤولي المملكة مع بدر جاموس خلال زيارته الآخيرة للرياض، والتي سبقت التوجه إلى الولايات المتحدة، كانت غير ودية أيضاً، حيث تم إبلاغه بضرورة الموافقة على المبادرة العربية وأن الولايات المتحدة موافقة عليها وتدعمها، وأن موقف الدول من المعارضة سيتحدد بناء على ذلك.

تغيّر عام

لكن المعارض السياسي السوري سمير نشار يرى أن إلغاء بعض اللقاءات مع وفد هيئة التفاوض في واشنطن، قد يكون سببه أن الزيارة لم تكن بدعوة رسمية، رغم أنه لا ينفي التغير في المزاج الدولي والإقليمي تجاه المعارضة السورية.

ورجّح نشار ل”المدن”، أن لا تكون “زيارة وفد المعارضة إلى واشنطن بناءً على دعوة مسبقة من وزارة الخارجية الأميركية، وإنما بترتيب من بعض السياسيين السوريين المقيمين في واشنطن”، من دون أن يستبعد أن “واشنطن قد تكون بصدد التحول إلى موقف جديد من الملف السوري”، قائلاً إن الولايات المتحدة مع أغلبية الدول التي كانت مهتمة بالملف، “تعرف أن مختلف مؤسسات المعارضة الرسمية باتت تحت الوصاية التركية، لذلك لم تعد هذه المؤسسات موضع اهتمام”.

ورغم نفي مصدر “المدن”، أن يكون لكل ما سبق ارتباط بالعلاقة السلبية بين المعارضة، وبين الإدارة الذاتية، إلا أن نشار لا يستبعد أن يكون “عدم اكتراث الولايات المتحدة بالوفد، بل وحتى التحول بمجمل موقفها، قد يصل إلى حد تبنى ممثل آخر للمعارضة يضم الإدارة التي تسيطر على أجزاء من شمال شرق سوريا”.

ويقول: “يتم الحديث عن الدعوة إلى مؤتمر للقوى والشخصيات الديموقراطية السورية يرتب له بعيداً عن البيئة الاقليمية، كما تردد أيضا أن هناك بعض الناشطين السوريين المؤثرين في واشنطن، بالإضافة إلى شخصيات من الإدارة الذاتية سيشاركون في هذا المؤتمر، الذي قد يشكل انعطافة كبيرة في الملف السوري اذا اعترفت الولايات المتحدة به كممثل شرعي وحيد للشعب السوري”.

—————————-

كيف ولماذا «يستدير» الأردن في اتجاه بشار الأسد؟/ بسام البدارين

الاستثمار حصراً في المبادرة الأردنية المنتجة دبلوماسياً بخصوص الملف السوري قد لا تكفي لتحقيق الاستدارة المطلوبة، وطنياً وداخلياً، فيما يتعلق بإعادة ترتيب وخلط أوراق الدبلوماسية الأردنية بصيغة تخفف من ضرر المواجهة المفتوحة وحمالة الأوجه مع حكومة اليمين الإسرائيلي وبرنامجها العدائي جداً تجاه حزمة المصالح الحيوية الأردنية.

لاحظ الجميع في عمان هذه الأيام حجم ومستوى التركيز على مسألة إعادة إدماج وتأهيل سوريا في المحيط العربي ومؤسساته. المبادرة نشطة، ومؤخراً بعد لقاء عمان التشاوري، حظيت باسم وغطاء عربي إلى حد ما، وهو “المسار العربي”. وفي التقييم والتشخيص السياسي، تشكل المبادرة الأردنية -كما ذكرت “القدس العربي” في تقرير سابق لها – إحدى الروافع الأساسية لإعادة تنشيط وتنميط الدور الإقليمي الأردني بعدما توفرت الفرصة إثر الزلزال الشهير، فانهمك الأردنيون بخط المساعدات الإغاثية، وزار وزير خارجيتهم أيمن الصفدي دمشق والتقى بالرئيس بشار الأسد قبل استضافة نظيره السوري فيصل مقداد في عمان، لتحقيق قيمة دبلوماسية إضافية فكرتها مناقشة تفاصيل وسيناريو عودة سوريا إلى حضنها العربي، بوجود الشاهد والملتزم السوري نفسه.

تلك قيمة حققتها دبلوماسية عمان، وبدا للمراقبين أن الوزير أيمن الصفدي ينشط في التواصل والشرح ويتحدث مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، وقد يضطر لاحقاً للتحدث أيضاً مع نظيره التركي في بعض التفاصيل، لأن أركان الخارجية التركية مهتمون طوال الوقت بمقاربات في الملف السوري تنطوي على أقل ما يمكن من التنسيق مع الأردن.

بصورة ملحوظة، يحقق الأردن بعض المكاسب الدولية. والعين – وفقاً للوزير السابق والخبير الاقتصادي الدكتور محمد الحلايقة- ينبغي أن تواصل مراقبة المنجز في المسألة الاقتصادية أيضاً وليس السياسية، لأن الانفتاح على الجوار الإقليمي خطوة مهمة في معالجة بعض المشكلات الاقتصادية.

واضح تماماً في سياق الاستدارة الأردنية نحو دمشق، أن تطورين لافتين حصلا مؤخراً بصيغة سمحت باللعب بالهامش السوري أردنياً:

الأول هو تمكن الدبلوماسية الأردنية من إقامة حالة تشبيك أو زواج دبلوماسي مؤقت على الأقل مع الحراك السعودي النشط، الذي يحمل عنوان الرغبة في رؤية الرئيس بشار الأسد جالساً على مقعده في قمة الرياض العربية، حيث حضور وزير الخارجية السعودي للقاء عمان التشاوري وموافقته على ما سمي بخطة المسار العربي هي إشارة إلى أن الرياض وعمان يمكنهما التكامل، ولو جزئياً، في جهودهما بخصوص عودة سوريا للجامعة العربية.

التطور الثاني، هو تحسن مناخ التواصل بين الأردن وإيران مؤخراً، وأعلنت الخارجية الأردنية عن لقاء وشيك لم يحدد زمنه بعد تحت عنوان إعادة العلاقات كاملة مع إيران.

هنا تطوران لافتان عززا نشاط الخلية الدبلوماسية الأردنية يظهران بأن الاستدارة الأردنية نحو دمشق تنجز وتحقق على الطاولة، وهي تعبير عن استجابة في ذهن القرار الأردني لسلسلة ضغوط في الغرف المغلقة اعتبرت طوال الوقت الإفلات، ولو بمساحة قليلة من الالتزام بقانون قيصر الأمريكي، جزءاً من تعافي الاقتصاد الأردني، وإن كانت المحددات الأمنية والسياسية لها دور في التفاصيل دوماً، حتى برأي الخبير الاقتصادي والبرلماني الدكتور خير أبو صعليك وهو يشير إلى مصالح وتوازنات.

لكن ورغم بروز حالة تصفيق لتلك الاستدارة محلياً، فإنها لا تمثل حتى برأي القيادي البارز في المعارضة الشيخ مراد العضايلة، المطلوب في الحد الممكن لمواجهة أجندة يمينية إسرائيلية خبيثة تستهدف الأردن في المصالح والحكم والدولة والشعب.

لا يرحب الإسلاميون لأسباب مفهومة بأي تطور إيجابي في العلاقات مع دمشق، لكنهم لا ينتقدون تحسين العلاقات بين بلادهم والنظام السوري.

ويصر الشيخ المعايطة وهو يتحدث لـ “القدس العربي” في بعض التفصيل عن ملامح الاستدارة المطلوبة، على أن الأردن ينبغي أن يعيد حساباته ويراجعها بعد سقوط كل مفاهيم الشراكة مع الإسرائيليين. وما يطالب به العضايلة ورفاقه هو استدارة وطنية وإقليمية وسياسية وتحالفية على بيكار التحدي الذي تفرضه أطماع وأدبيات ومشاريع واتجاهات اليمين الإسرائيلي المجرم المتشدد.

رغم ذلك، تضج الصالونات والمجالسات السياسية الأردنية بمطالب مرتبطة باستدارات أكثر عمقاً وفعالية وحيوية لا تقف عند حدود مبادرة مبرمجة تنفتح على سوريا فقط، بل تصلح العلاقات مع دول إقليمية مهمة من بينها إيران والسعودية وتركيا وحتى دولة قطر، وتعيد التوازن وتتخلص من استحقاقات مرتبطة أو تتبع أجندة بعض دول ما سمي بالسلام الإبراهيمي.

تبدو المبادرة الأردنية بالاتجاه السوري هنا محفزة وتؤسس حالة يمكن الادعاء فيها بأن الكلف المرتفعة عندما تنظم استدارات معقولة ومتزنة، هي أقرب إلى أوهام. وما يشعر به المراقبون في عمان عموماً أن بعض النخب الأساسية في طبقة رجال الدولة والسياسة تحاول تشجيع بعضها الآن على المزيد من الاستدارات أو ما سمّاه الكاتب الصحافي المخضرم محمد التل، بإعادة بناء أولويات السياق الدبلوماسي ومراجعته.

واحدة أساسية من فضائل الاستدارة نحو النظام السوري هي تلك التي تقول ضمناً بأن الاستدارات ممكنة ومنتجة، وفاتورتها أقل مما يعتقد البيروقراطيون أحياناً، وتؤسس في النتيجة لتموضع وتموقع سياسي يزيد من الوزن النوعي للدور الأردني في مواجهة طاقم يميني إسرائيلي مستحكم، والأهم طامع، على حد التعبير الذي استعمله بحضور “القدس العربي” رئيس الوزراء الأسبق طاهر المصري.

القدس العربي

——————————

الأسد ورئيسي يتفقان على «تعاون استراتيجي طويل الأمد»

الرئيس الإيراني يؤكد وقوف طهران إلى جانب دمشق في مرحلة «إعادة الإعمار»

بدأ الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي أمس (الأربعاء) زيارة لدمشق تدوم يومين واستهلها بجولة محادثات مع نظيره السوري بشار الأسد تناولت تعزيز العلاقات المتينة أصلاً بين البلدين. وفيما تحدث رئيسي عن «انتصارات كبيرة» حققتها سوريا، أشار الأسد إلى أن إيران وقفت إلى جانب الحكومة السورية مثلما وقفت هذه الأخيرة إلى جانب إيران في حرب السنوات الثماني مع إيران في ثمانينات القرن الماضي. ووقع الأسد ورئيسي في نهاية محادثاتهما أمس «مذكرة تفاهم لخطة التعاون الاستراتيجي الشامل الطويل الأمد».

وزيارة رئيسي لدمشق هي الأولى التي يقوم بها رئيس إيراني منذ 13 سنة عندما زارها الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد. في المقابل، زار الأسد طهران مرتين في السنوات الماضية، الأولى عام 2019 خلال حكم الرئيس السابق حسن روحاني، والثانية العام الماضي في عهد الرئيس الحالي رئيسي.

ونقلت وكالة الأنباء السورية «سانا» الرسمية عن الأسد قوله خلال الاجتماع الموسع مع رئيسي، إن العلاقة بين البلدين كانت «علاقة مستقرّة وثابتة رغم العواصف الشديدة السياسية والأمنية التي ضربت منطقة الشرق الأوسط». وتابع أن «الرؤية المشتركة (للبلدين) أثبتت أنها مستندة إلى أسس صحيحة وثابتة، مستندة إلى قيم، مستندة إلى مبادئ، مستندة إلى عقائد، ومستندة وهو الأهم إلى مصالح الشعوب وإلى سيادتها واستقلالها». وتابع: «العلاقة بين بلدينا بنيت على الوفاء، عندما شُنّت حرب ظالمة ضد إيران في عام 1980 لمدة ثماني سنوات، سوريا لم تتردد بالوقوف إلى جانب إيران»، مضيفاً أنه «عندما شُنّت الحرب ضد سوريا منذ اثني عشر عاماً لم تتردد إيران في الوقوف إلى جانب سوريا»، في إشارة إلى الدعم الإيراني لنظامه خلال سنوات النزاع الأهلي ضد فصائل المعارضة. وقال الأسد أيضاً إن «الرؤية المشتركة» للبلدين «ميّزت بين الواقعية السياسية وبين المقامرة السياسية (…) راهنا على انتصار الحق في النهاية وربحنا الرهان».

أما الرئيس الإيراني فقال، من جهته، إنه يبارك «الانتصارات الكبيرة التي حققتموها كسوريا، حكومة وشعباً»، مضيفاً أن «سوريا… اجتازت مصاعب كبيرة وتحملت هذه المصاعب، اليوم نستطيع القول ويجب أن نقول بأنكم قد عبرتم واجتزتم كل هذه المشاكل، واليوم قد حققتم هذا الانتصار رغم التهديدات والعقوبات التي فرضت ضدكم». وأكد أن العلاقة بين البلدين «لن تتأثر بالتغيرات والظروف في العالم والمنطقة»، مضيفاً «أن الظروف كانت صعبة لكن في النهاية شهدنا أن المقاومة أثبتت واتضح للجميع أن الطريق المنتصر هو طريق المقاومة». وتحدث رئيسي عن الدور الذي لعبته إيران في مساعدة العراق وسوريا في محاربة «الجماعات التكفيرية»، بحسب وصفه، مضيفاً: «نحن خلال فترة الحرب وقفنا إلى جانبكم وأيضاً سنقف إلى جانبكم خلال هذه الفترة، وهي فترة إعادة الإعمار، ونؤكد على توسيع العلاقات بين البلدين من الجوانب السياسية والاقتصادية والأمنية وأي مستوى آخر».

ووقع الأسد ورئيسي لاحقاً «مذكرة تفاهم لخطة التعاون الشامل الاستراتيجي طويل الأمد» بين البلدين. وأوضحت «سانا» أن الاتفاقات الموقعة بين سوريا وإيران شملت مذكرات تفاهم للتعاون في المجال الزراعي، والاعتراف المتبادل بالشهادات البحرية، ومحضر اجتماع للتعاون في مجال السكك الحديدية، ومحضر اجتماع للطيران المدني، ومذكرة تفاهم في مجال المناطق الحرة، ومذكرة تفاهم للتعاون في مجال النفط.

وأوضحت «سانا» أن الأسد ورئيسي بحثا في اجتماعهما العلاقات الثنائية وسبل تطويرها، وتطورات الشرق الأوسط و«انعكاس التغيرات العالمية على المنطقة، وتوحيد الجهود من أجل استثمار هذه التغيرات لصالح البلدين وشعوب المنطقة».

وصل رئيسي صباح الأربعاء إلى دمشق على رأس وفد وزاري سياسي واقتصادي رفيع. ويضمّ الوفد الإيراني كلاً من وزراء الخارجية، والطرق وبناء المدن، والدفاع، والنفط والاتصالات.

وتأتي زيارة رئيسي، وفق تصريحات أدلى بها الأخير لدى مغادرته طهران، في سياق «تعزيز وتقوية العلاقات الاقتصادية والسياسية والأمنية»، معتبراً أنه «بات واضحاً للجميع اليوم أن سوريا وحكومتها الشرعية يجب أن تمارس السيادة على كامل الأراضي السورية».

وأشارت وكالة الصحافة الفرنسية إلى أن جدول أعمال رئيسي في دمشق يتضمن زيارة مقامات دينية في ضواحي العاصمة، أبرزها مقام السيدة زينب الذي يحظى بأهمية خاصة لدى الطائفة الشيعية وشكّل الدفاع عنه عامل استقطاب لمقاتلين تدعمهم طهران وقاتلوا إلى جانب القوات الحكومية.

وتابعت الوكالة الفرنسية أن دمشق تشهد إجراءات مشددة وانتشاراً كثيفاً للقوى الأمنية، مشيرة إلى أن الأعلام الإيرانية رُفعت على أعمدة الإضاءة على طريق المطار وطريق آخر يؤدي إلى منطقة السيدة زينب. كما عُلقت صور للرئيسين الإيراني والسوري كتب عليها «أهلاً وسهلاً» باللغتين العربية والفارسية.

وهدأت الجبهات في سوريا نسبياً منذ 2019، وإن كانت الحرب لم تنته فعلياً. وتسيطر القوات الحكومية حالياً على غالبية المناطق التي فقدتها في بداية النزاع. وبات استقطاب أموال مرحلة إعادة الإعمار أولوية لدمشق بعدما أتت الحرب على البنى التحتية والمصانع والإنتاج.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني في طهران الاثنين إنّ «سوريا دخلت مرحلة إعادة الإعمار، والجمهورية الإسلامية في إيران (…) جاهزة لتكون مع الحكومة السورية في هذه المرحلة أيضاً»، كما كانت إلى جانبها «في القتال ضد الإرهاب» والذي اعتبره «مثالاً ناجحاً على التعاون بين الدولتين».

منذ سنوات النزاع الأولى، أرسلت طهران مستشارين عسكريين لمساندة الجيش السوري في معاركه ضدّ المعارضة التي تصنّفها دمشق «إرهابية»، بينما تقاتل مجموعات من جنسيات أخرى موالية لإيران على رأسها «حزب الله» اللبناني إلى جانب القوات الحكومية.

وتُستهدف المجموعات الموالية لطهران غالباً بضربات إسرائيلية منذ سنوات، فيما تكرّر إسرائيل، العدوّ اللدود لإيران، أنّها لن تسمح للأخيرة بترسيخ وجودها على مقربة منها.

الشرق الأوسط

—————————–

اجتماع الأردن.. شروط متبادلة بين العرب والنظام السوري

حمل البيان الختامي للاجتماع التشاوري الذي استضافه الأردن بخصوص سوريا في الأول من أيار الجاري، مضامين عامة وعبارات فضفاضة من قبيل الاتفاق على أهمية العودة الطوعية والآمنة للاجئين السوريين إلى بلدهم، والتنسيق بين النظام السوري والأردن والعراق في مجال مكافحة تهريب المخدرات، مع إشارة إلى ضرورة استكمال مباحثات اللجنة الدستورية.

محاولة لتوحيد الرؤية العربية تجاه النظام السوري

وأفادت مصادر دبلوماسية عربية لموقع “تلفزيون سوريا”، أن الاجتماع العربي في عمان هدفه توحيد الرؤية العربية تجاه النظام السوري، ومحاولة من السعودية لتجاوز التحفظات التي اعترضت جهودها الرامية إلى تسهيل عودة النظام السوري للجامعة العربية.

وأكدت المصادر أن الأردن أبدى تحفظه على السرعة التي تتحرك بها الرياض للتطبيع مع النظام السوري، من دون إلزامه بأي مطالب، خاصة عدم الحصول منه على تعهدات لوقف تهريب المخدرات عبر الأراضي السورية، واستعداده للعمل مع دول الجوار لتسهيل عودة اللاجئين، إذ يعتبر هذان الملفان على رأس أولويات عمان.

ولا يرغب الأردن بالموافقة على عودة النظام السوري للجامعة العربية من دون تقديم خطوات ملموسة فيما يتعلق بالتعاون الفعال في قضية مكافحة المخدرات، خاصة بعد أن تجاهل النظام السوري في وقت سابق مطالبها المتكررة أواخر عام 2022، بعقد اجتماعات أمنية لنقاش مسألة التهريب.

وبحسب المصادر فإن عمان تتبنى فكرة تشكيل لجنة عربية متخصصة بمتابعة مسألة تسهيل عودة اللاجئين، بما يشجعهم على العودة إلى بلادهم بعد ضمان عدم تعرضهم لانتهاكات.

موقف النظام السوري

وأكدت مصادر عربية مطلعة لموقع تلفزيون سوريا، أن النظام السوري يركز على الناحية المعنوية والإعلامية، ويريد من الدول العربية الموافقة على عودته للجامعة العربية من دون الحديث عن شروط، وإنما الإشارة إلى توافقات، في خطوة تهدف إلى اعتراف ضمني بعدم صحة تجميد عضويته.

أيضاً؛ يشترط النظام السوري أن تتحرك الدول العربية أولاً لإيجاد الأرضية المناسبة لعودة اللاجئين السوريين عن طريق توفير حزم دعم لإصلاح البنية التحتية، التي تعرضت لأضرار بالغة بسبب الحرب.

وأفادت المصادر أن النظام السوري في الاجتماع أبدى مرونة نوعاً ما تجاه التعاون في مكافحة الإرهاب، والتصدي لتهريب المخدرات، والعمل مع المجموعة العربية للتخلص من انتشار القوات الأجنبية في سوريا من دون تحديد واضح لهوية تلك القوات، لكنه لم يتعاط بإيجابية مع مطلب الحل السياسي متهماً المعارضة بالعمل على تنفيذ أجندات غير سورية وعربية.

عودة النظام السوري للجامعة العربية

ورجحت المصادر لموقع “تلفزيون سوريا” أن استعادة النظام السوري لمقعده في الجامعة العربية قد لا تتم ضمن قمة الرياض المقبلة، حيث تتمسك بعض الدول العربية ومنها الأردن وقطر بقيام النظام بخطوات ملموسة متعلقة بتسهيل عودة اللاجئين ومكافحة المخدرات وقبول الحل السياسي.

ومن المحتمل أن تشهد قمة الرياض دعوة وزير خارجية النظام كممثل عن سوريا، كمخرج لجميع الأطراف العربية، كما أن هذه الخطوة ستعطي النظام انطباعاً عن الجدية في إعادة إدماجه ضمن المنظومة العربية.

وعلى العموم، فإن الأطراف اتفقت على عقد مزيد من الاجتماعات التشاورية لاحقاً على مستوى وزراء الخارجية، بهدف تقييم ما تم إنجازه من خطوات ملموسة، بهدف تقييم مدى نجاح المسار والبناء عليه، ولكن لا يجب إغفال أن البيان الختامي لاجتماع الأردن تضمن مخرجات يمكن أن تؤدي لاحقاً إلى خلافات حول تفسيرها، مثل الاتفاق على إخراج القوات الأجنبية غير الشرعية،

بالإضافة إلى مقررات قد لا يرغب النظام السوري بتنفيذها والحديث هنا تحديداً عن تسهيل عودة اللاجئين، إذ ينظر النظام إلى شريحة واسعة من اللاجئين على أنهم تهديد لسلطته، كما يعمل دائماً على قرن موافقته على عودة اللاجئين بالحصول على تمويل دولي.

——————————–

التطبيع العربي مع الأسد.. ما لا يقوله المطبّعون/ إبراهيم الجبين

باتت الخطوات المتسارعة للدول العربية الماضية في مسار التطبيع مع نظام الأسد أقرب إلى تطبيق حرفي وممنهج لأجندة معدّة مسبقاً من كونها خيارات سيادية نابعة من رؤية عربية لضرورة وضع حد للتدهور الذي تعاني منه المنطقة العربية بسبب استمرار الأسد في السلطة.

والواقع أن الأسد استطاع خلق ثلاث أزمات كبرى لتحل بديلاً عن أزمته الأساسية وهي مواجهة استحقاقات القرارات الأممية التي تطالبه بالتغيير؛ فخلق أولاً أزمة إرهاب وتطرف عبرت الحدود، وتمكنت من بث الذعر لدى الدول العربية بالدرجة الأولى، وبناء على ذلك قامت هذه الدول بتغييرات جذرية في سياساتها حيال ما تسميه ”الخطر الإسلامي السياسي“، وغدت متوافقة تماماً مع رؤية الأسد التي قالت منذ اللحظة الأولى لاندلاع الانتفاضة الشعبية السلمية ضد نظامه القمعي أن الخطر الإسلامي قادم إلى الحكم.

الأزمة الثانية التي خلقها الأسد كانت أزمة اللاجئين الذين أغرق بهم دول الجوار، وبصبر استراتيجي تمكّن من تحول من هجّرهم بعملياته العسكرية عبر الحدود إلى عبء على الدول المحيطة به، وبدلاً من إعادتهم كضحاياً، أصبح المطلب هو التخلص منهم بأسرع طريقة وبأي ثمن.

أما الأزمة الثالثة المستجدة فهي سيل المخدرات (العرم) الذي تدفق من سوريا نحو الدول العربية، بمعونة من معامل حزب الله والميليشيات الإيرانية، فتحول المصدر إلى باب للحل، عوضاً عن محاسبته على تزويد ملايين المواطنين العرب بالكبتاغون وبشكل غير مسبوق في التاريخ.

أخرجت المقاطعة التي فرضتها الولايات المتحدة على النظام السوري العرب من الساحة السورية، في حين أدخلت تفاهمات واشنطن روسيا وإيران ليعيثوا في سوريا فساداً، ولتصبح إيران على مرمى النيران الإسرائيلية، دون أن يتقدم الصراع إلى الأمام أو يتراجع، في حين استطاعت تركيا المحافظة على حد أدنى من المكاسب لحماية أمنها القومي ودفع حزب العمال الكردستاني نحو منطقة استهداف محددة، في شمال سوريا والعراق، وتنظيم الأمور قدر الإمكان في المناطق الخارجة عن سيطرة الأسد غرب سوريا. وسط هذا كله، وجد العرب أنفسهم خارج طاولة اللعب، دورهم يقتصر على إدارة الوقت بانتظار القرار الأميركي، فكل من اجتمع في الأردن يوم الإثنين، حلفاء لواشنطن لن يتجاوزوا رؤيتها دون ضوء أخضر منها.

المتغير الأبرز الذي سيشكل منعطفاً حاسماً، هو الحرب الروسية على أوكرانيا، والمسار الذي تورط فيه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والهادف إلى إحداث إزاحة في معادلة النظام العالمي الحالي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة، وتحويله إلى نظام غير قطبي تنشطر فيه مناطق النفوذ مجدداً كما كانت الحال أيام الحرب الباردة، مما خلف تحولات في أسواق الطاقة فرضت تحالفات جديدة، وبدأت واشنطن في رحلة قطع الأذرع الروسية والتخلص من كل الاتفاقات الاقتصادية والأمنية التي تجمعها وتجمع حلفاءها حول العالم بالروس، وبقي العرب يحاولون الظهور بمظهر يستعيد حالة دول عدم الانحياز، وتلك تحركات لن تكون أيضاً كما يحاول شخوصها تصويرها، كسراً لعظام الأميركيين الذين غضوا الطرف عن أوبك بلس وعن الانفتاح السعودي على إيران لاحقاً، ليس لأنهم عاجزون عن عرقلته، بل لأنه يخدم استراتيجية طويلة الأمد يؤسسون لها.

ما بقي عالقاً من التفاهمات والاتفاقيات الأميركية الروسية هو الملف السوري وحده، وقد آن أوان كسر هذا التفاهم، لكن العامل الإسرائيلي الذي أبرم تفاهماته مع الروس لا يزال مفعّلاً، وهو ما تمت معالجته بدفع السعوديين نحو إيران، فعلت الأصوات الإسرائيلية التي ستوافق على الاستراتيجية الأميركية الجديدة ومعادلة (العرب بديلاً عن الروس في سوريا).

وعلى ذلك يسير التطبيع العربي الحالي حثيثاً، ولا مقابل يمكن للأسد تقديمه، ليتقدم العرب خطوات نحو الداخل السوري، قبل أن يغادر الروس، ولتصبح المواجهة عربية – إيرانية، مفتاحها التفاهم وجوهرها الصراع.

لا علاقة للتطبيع العربي مع الأسد بكون الأسد قادراً على حكم سوريا أم لا، ولا على قابليته لتطبيق القرارات الأممية وإنهاء حربه على المعارضة السورية بهذا الشكل أم لا، بل بالحلول العربي في الفراغ الذي سينشأ في سوريا قريباً، ولا يعني وجود قواعد عسكرية روسية في سوريا شيئاً في هذه المعادلة، فهو أمر يمكن معالجته في حينه، بل التغلغل الروسي في البلاد، بالتوازي مع التغلغل الإيراني، وتركيا في الشمال التي إن مضت في تطبيعها مع الأسد بعد الانتخابات، فسوف تجد حلولاً كثيرة لمشكلاتها ومشكلات الأسد معاً، لا سيماً في ما يتعلق بثلاث محافظات أساسية يحتلها حزب العمال الكردستاني، عدو تركيا الأول، وحليف الولايات المتحدة التي بوسعها أن تغير له شكله مجدداً ليتخذ صبغة أكثر قبولاً لدى الأطراف المختلفة.

المعارضة السورية بدورها أخذت تشعر أنها خارج اللعبة، ولكنها لا تدرك أن كثيراً من مفاتيح الحل ما تزال بأيديها، وأول تلك المفاتيح هو رفض أي عرض يعرض عليها بالتطبيع مع الأسد، أو التطبيع مع pkk  الذي يطرح التطبيع مع الأسد أيضاً، وهو النهج الذي تسعى إليه بعض الأطراف السورية في مؤسسات المعارضة، متوهمة أنها بذلك يمكن أن تسترضي الأميركيين والروس معاً، غير أنها بذلك تخسر الحليف التركي الذي يعتبر أن حزب العمال الكردستاني خط أحمر لا مجال للدعس عليه لا من تركي ولا من غير تركي. وإن صمتت أنقرة على خطوات في العتمة يقوم بها بعض المعارضين باتجاه ” قسد“ فإنما هي تستدرجهم لإعطائها ذريعة لاتخاذ قرارات قد تشبه ما فعلته تركيا مع الإخوان المسلمين المصريين والمتحالفين معهم الذين تم إبعادهم عن تركيا، وحينذاك ستكون الخسارة السورية كبيرة ويتحمل جريرتها أولئك الذين يعتقدون أنهم براغماتيون من خلال عبثهم بمصير أكثر من سبعة ملايين سوري يعيشون بين تركيا والشمال السوري الذي تديره تركيا.

وهكذا يوجب التطبيع العربي الذي شهدنا فصلاً من فصوله في عمّان مؤخراً، وسنشهد المزيد منه قريباً، على السوريين مقاربة مختلفة لا مفرّ منها، لتحويله إلى ما يخدم القضية السورية لا إلى ما يفتتها تماماً وإلى الأبد.

تلفزيون سوريا

——————

هنيئاً لهم بتصالحهم مع بشّار الأسد!/ جلبير الأشقر

مشهدٌ مسيّل للدموع بفعالية تفوق فعالية القنابل المخصّصة لهذا الغرض في قمع التظاهرات… فيا له من مشهد مؤثر فاقت عاطفيته ما أحرزته المسلسلات المصرية والتركية والهندية معاً! إنه مشهد الخطوات الجبّارة التي تجري على الساحة العربية، بل والإقليمية أيضاً إذ التحقت تركيا بتلك المسيرة، خطوات جبّارة وجسورة نحو التصالح مع نظام بشّار الأسد. أفليس من عظيم التأثير في عواطفنا الإنسانية أن نرى هؤلاء الحكام يتهافتون على زيارة دمشق وعلى دعوة جزّار الشعب السوري لزيارتهم؟

هذا وليس من الصدفة على الإطلاق أن يكون الحكم الرائد في مسيرة التصالح والمحبة المتبادلة مع النظام السوري هو ذاته الحكم الرائد في مسيرة «التطبيع» مع الدولة الصهيونية، بطل «اتفاقيات أبراهام» التي أريد من تسميتها تذكيرنا بأننا وبنيامين نتنياهو ومن لفّ لفّه جميعاً إخوة، أحفاد إسماعيل وإسحاق. فهذا الحكم رائد التصالح مع نظام آل الأسد لم يقطع أبداً شعرة معاوية في تعامله معه، وقد استقبل لديه، تماشياً مع تقاليد الضيافة عند العرب، بعض أفراد العائلة التي باتت تتحكم بشؤون سوريا منذ أكثر من نصف قرن. ثمّ انتظر حتى سنحت له الأجواء أن يبادر إلى جرّ سائر العرب إلى الوفاء لعادتهم في بوس اللحى ختاماً لأشد الخصومات.

بيد أن ثمة من اعترض المساعي التي تدفع بها دولة الإمارات المتحدة مدعومة من قِبَل الدولة المصرية شريكتها في نشر المحبة على وجه الأرض. فقد اعترض أحد جيران سوريا «الشقيقة» مسار التصالح مع حكمها بالاعتراض على الاستكمال الرسمي لذلك المسار بدعوة حكم دمشق للعودة إلى المشاركة في اجتماعات جامعة الدول العربية. أما السبب في ذلك فهو إصرار الجار على مطالبة الدولة السورية بالإيفاء بشرط أساسي. ولا تظنّن أن هذا الشرط هو إسقاط بشّار الأسد من السلطة ومحاكمته للجرائم المروّعة التي أشرف عليها ولتدمير بلده وتهجير أكثر من نصف سكانها، بينهم ما يناهز ربع السكان هاجروا إلى خارج الأراضي السورية. لا، فهذه أمور عادية في الجامعة العربية التي تضمّ بين أعضائها عدداً ملفتاً من الذين تلطّخت أياديهم بالدماء بحيث لا فضل لأحدهم على الآخر إلّا بعدد الضحايا.

بل إن الشرط الأساسي الذي بات يعترض مسار التصالح مع النظام السوري بات أخطر من كل ما ذكرنا في نظر بعض الحكام العرب: إنه تصدير المخدّرات، وهي تجارة تخصّص بها النظام السوري منذ عقود طويلة، أي منذ أن بسط يده على لبنان إثر تدخّله لسحق المقاومة الفلسطينية وحلفائها اللبنانيين في عام 1976، ثم فرض سيطرته على البلد حتى انسحبت قواته منه في عام 2005. وقد أشرف طيلة هذه المدة على زراعة المخدرات في لبنان وتهريبها بطريقة أشبه بنشاطات عصابات المافيا منها بسلوك جيش نظامي، حتى إن كان جيش احتلال. ولم يتغيّر في الأمر مع الزمن سوى طبيعة المخدّرات، إذ انتقل النظام السوري من الإشراف على تجارة الحشيش إلى تصنيع الكبتاغون (وهي إحدى التسميات التجارية لمادة الفينيثايلين الكيميائية) وتصديره إلى شتى أنحاء المنطقة، لاسيما المملكة السعودية. وإنها لحكاية تليق حقاً بأكثر قصص المافيا إثارة: نظامٌ يصدّر المخدّرات ويستخدم سلوكه الإجرامي هذا أداةً لابتزاز جيرانه كي يعيدوه إلى الحظيرة التي سبق أن طردوه منها.

هنيئاً لهم لتصالحهم مع بشّار الأسد وسربه من الذئاب. وليتهم حافظوا دوماً على علاقاتهم بنظامه ولم يتطفّلوا على الثورة السورية لاحتوائها من خلال تمويلهم للجماعات الدينية المتشدّدة. فقد خنقوا ما بدأ ثورةً ديمقراطية نابذة للطائفية، وغمروها بالعصابات الطائفية التي ضاهت عصابات النظام بحيث نجحوا في القضاء على الثورة السورية وإحلال صدام الهمجيات محلّها. إن الثورات هي أول من ينطبق عليهم القول المأثور: «أللهمّ أحمني من أصدقائي، أما أعدائي فأنا كفيلٌ بهم» إذ إن لها أحياناً «أصدقاء» لا يقلّون خطراً عن الأعداء.

كاتب وأكاديمي من لبنان

القدس العربي

—————————–

زيارة رئيسي إلى سوريا… صفقات لسداد الديون؟/ منير الربيع

هل تشهد الأيام المقبلة تغيرات ملموسة على الأرض، في وضعية حزب الله السورية؟ وهل هناك ترابط في الملفين اللبناني والسوري أم أن التفاوض الإقليمي بشأنهما يبقى منفصلاً؟ في الوقت الذي لم تنجح فرنسا بتحقيق خرق على الساحة اللبنانية، ثمة انتظار لما ستؤول إليه المفاوضات الإيرانية السعودية.

ويمكن استشراف المزيد من الوقائع بالاستناد إلى ما سينتج عن زيارة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي إلى سوريا في الأيام المقبلة. لا سيما أن الزيارة تأتي في ظل الانفتاح العربي على دمشق، وتحقيق تقارب سياسي سعودي- سوري، بعد التقارب الأمني. علماً أن السعودية تقول بشكل واضح إن انفتاحها على دمشق يهدف إلى استعادتها إلى الحضن العربي، ويتركز على ضرورة خروج كل القوات الأجنبية من سوريا.

الديون السورية لإيران

قبل أشهر، كان يفترض أن تجري زيارة الرئيس الإيراني إلى سوريا، لكنها لم تحصل. وحسب ما تم تسريبه في تلك الفترة، فإن طهران رفضت حصول هذه الزيارة إلا في حال كان سيتم التوقيع على المزيد من الاتفاقيات ذات الاستثمار الطويل الأجل لصالح إيران، كنوع من سداد الديون السورية المتوجبة على إيران، التي دعمت النظام بالسلاح، والمال والنفط والرجال. ومعلوم أن جزءاً أساسياً من التفاوض العربي مع دمشق حول استعادة العلاقات معها، كان يتركز على عدم منح مثل هذه الاستثمارات الطويلة الأجل لصالح الإيرانيين، لأن ذلك سيعني بقاءً إيرانياً على المدى البعيد في سوريا. وهو ما يتعارض مع مبدأ “عودة سوريا إلى الحضن العربي”.

مخدرات وطائرات

ولكن ما الذي تغيّر حتى يتم تحديد موعد الزيارة؟ وعلى ماذا ستنطوي نتائجها؟ تأتي الزيارة بعد الاتفاق السعودي الإيراني، وبعد التقارب السعودي السوري، وسط معلومات تفيد بأن دمشق كانت قد نسقت مع طهران خطواتها، في سبيل التقارب مع الدول العربية وخصوصاً السعودية. وقد شمل التنسيق تعاوناً امنياً مع الرياض في سبيل وقف عملية تهريب المخدرات. وقد تم الإبلاغ عن الكثير من الشحنات ومن أسماء مهربي المخدرات إلى السعودية. وهنا تقول مصادر متابعة، إن الكلام بين النظام السوري والسعودية حول ملف تهريب المخدرات كان صريحاً للغاية. إذ طلب السعوديون من النظام وقف عمليات التهريب، وهو ما لم ينفه النظام، إنما فاوض بناء عليه، للحصول على مكاسب في المقابل، بدلاً من الأموال التي يدرها هذا القطاع.

استمرت المفاوضات الأمنية بين دمشق والرياض لأشهر طويلة. وكان رئيس المخابرات السورية حسام لوقا يسافر إلى المملكة العربية السعودية عن طريق بيروت. فقبل أشهر وخلال الزيارة ما قبل الأخيرة له إلى الرياض، غادر لوقا من مطار بيروت، إلا أنه لم يمر به للعودة إلى الشام، إنما عاد بطائرة خاصة إلى مطار دمشق الدولي. خلال تلك الزيارة أيضاً، طلبت دمشق مساعدات من السعودية لإصلاح عدد من الطائرات، وللحصول على قطع غيار، فما كان من الرياض إلا أن منحت سوريا ثلاث طائرات مدنية.

عودة اللاجئين ومفاوضة المعارضة

على وقع هذا التفاوض تم الإنتقال إلى مرحلة جديدة من المفاوضات السياسية، وسط تأكيدات سعودية بأن الغاية هي عودة الاستقرار إلى سوريا، وإعادة اللاجئين. ففي مقابل حصول النظام على مساعدات عليه تسهيل عملية إعادة اللاجئين، بالإضافة إلى البحث عن حل سياسي مع المعارضة. كما أن التفاوض يشمل الوصول إلى اتفاق على خروج القوات الأجنبية والميليشيات من سوريا. وهذا موقف يفترض أن يصدر بشكل واضح عن اجتماع القمة العربية في التاسع عشر من أيار المقبل. كإشارة واضحة من الدول العربية بضرورة خروج القوات الإيرانية وحلفائها، بالإضافة إلى القوى الأخرى من سوريا.

ولكن هل ذلك سيتحقق؟

لا تزال المنطقة تترقب نتائج الاتفاق السعودي الإيراني، وإذا كان سيتم تطبيقه والإلتزام به. وهذا لا بد له أن يظهر في نتائج زيارة الرئيس الإيراني إلى سوريا، علماً أن الزيارة تأتي كنوع من تتويج “الانتصار” السوري الإيراني المشترك. وهو ما سيعبر عنه رئيسي بشكل واضح. وهذا الانتصار يعني أن إيران لن تقدم تنازلات، ولن تقدم على خطوات من شأنها أن تشير إلى أنها قد تراجعت. علماً أن مصادر متابعة تؤكد أن العاصمة دمشق ومحيطها قد شهدت في الأيام الماضية بعض الانسحابات من قبل القوات الإيرانية وحزب الله من مناطق أساسية. فلم يعد هناك وجود ظاهر أو حواجز في شوارع العاصمة لهذه القوات، بينما يعمل النظام السوري على تعزيز حضور الجيش السوري، فيما تمت إزالة العديد من الحواجز من الشوارع الرئيسية للعاصمة.

إيران في لبنان

من حيث الشكل، لا تزال إيران تصرّ على الاتفاق، مع تثبيت الحضور من بيروت إلى دمشق، خصوصاً بالنظر إلى زيارة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إلى لبنان، حين التقى المسؤولين، والأمين العام للحزب حسن نصرالله، كما التقى بعدد من النواب. في المضمون ركز عبد اللهيان على ضرورة التوافق بين اللبنانيين على تسوية سياسية، وشدد على التعاون مع السعودية.

من حيث الشكل أيضاً، كانت زيارة عبد اللهيان إلى الجنوب تنطوي على رسالة واضحة، وهي أن إيران وحزب الله في مقدمة قوى المقاومة، ما يعني عدم التخلي عن هذا المعيار. وهذا يعني ضمناً تحييد البحث بمسألة السلاح في أي مفاوضات لاحقة.

بالإرتكاز إلى هذا التصور من حيث الشكل، يمكن النظر إلى زيارة الرئيس الإيراني إلى دمشق، والتي ستنطوي على إشارات متعددة، بعضها يرتبط بالمعايير السياسية في ضوء الانفتاح السوري على السعودية، وهو ما قد تنتج عنها مواقف سياسية متماهية مع هذا التطور. أما في المضمون، فإن حضور رئيسي في دمشق سيعبّر عن تثبيت الوجود والفعالية. 

المدن

——————————

 FT: دول عربية تفكر بالثمن المطلوب من الأسد مقابل التطبيع/ باسل درويش

نشرت صحيفة “فايننشال تايمز” تقريرا أعدته راية الجلبي واندروا إنغلاند وسامر الاطرش قالوا فيه إن الأسد الذي عومل لأكثر من عقد كمنبوذ دولي بسبب وحشيته ضد شعبه، لكنه في الفترة الأخيرة بات يلعب دورا جديدا: استقبال الشخصيات العربية البارزة. فقد شهدت الفترة الأخيرة سلسلة من الزيارات بعد 12 عاما من العزلة الإقليمية التي تقترب من نهايتها بدون معالجة الانتهاكات التي ارتكبتها القوات التابعة له وسحقه للانتفاضة ومواجهة الحرب الأهلية التي تسبب بها.

وتقول الصحيفة إن المسؤولين والمحللين في المنطقة يرون أن النقاش بات يدور حول معقولية إعادة تأهيل الأسد وما يجب أن يقدمه من تنازلات مقابل هذا. ومن هنا يبدو التطبيع مع الأسد محتوما حسب جوزيف ضاهر من معهد الجامعة الأوروبية في إيطاليا “ربما اختلفت الدول العربية بعض الشيء، لكن الاختلاف تلاشى بشكل كبير في وقت زاد فيه الاهتمام المشترك لتعزيز استقرار ديكتاتوري في المنطقة”.

 وبات يقود ركب التطبيع مع الأسد، كل من الإمارات العربية المتحدة والسعودية التي التقى وزير خارجيتها الأسد في نيسان/ إبريل في أول زيارة علنية من مسؤول سعودي منذ 2011. وجاءت الزيارة بعد زيارة وزير الخارجية السوري للتباحث “بعودة سوريا إلى محيطها العربي”. في الوقت نفسه، يشعر الأسد بالثقة، ففي لقاء لوزراء الخارجية لمناقشة عودة سوريا من جديد للجامعة العربية، قال المسؤولون إنه لم يظهر اهتماما بتقديم تنازلات.

وقال مسؤول: “السوريون يريدون تنازلا كاملا” و”يمزح البعض بأنه قد يطلب اعتذارا”. وهناك بعض الدول العربية مترددة بالتطبيع، من بينها قطر والكويت اللتان ترددتا بدعم الخطط التي تقودها السعودية لدعوة سوريا لحضور القمة العربية هذا الشهر. إلا أن مسؤولين بارزين من عدة دول عربية، بمن فيها السعودية والأردن والعراق ومصر بدأوا بالعمل على قضايا لطرحها مع سوريا. وقال دبلوماسي إن المفاوضات هذه ستمتحن فيما إن كان الأسد “جديا أم لا” حول عودته للحظيرة العربية.

وكانت معظم الدول العربية قد قطعت علاقاتها مع الأسد في 2011، عندما بدأ بضرب وقصف وتعذيب واستخدام الغاز ضد السوريين في محاولته لسحق التمرد الناشئ. وشردت الحرب أكثر من 14 مليون شخص في الداخل والخارج. إلا أن الدعم الذي حظي به من روسيا وإيران أدى لإنقاذ نظام الأسد في النهاية واستعاد السيطرة على معظم المنطقة.

وبدأت الدفعة للتواصل مع الأسد بقيادة الإمارات التي أعادت فتح سفارتها في دمشق عام 2018 ثم البحرين. وقال أندرو تابلر، المسؤول السابق والزميل في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى إن الضغط من إدارة ترامب منع الآخرين من التحاور مع الأسد. وعند تلك النقطة كانت المنطقة قد استهلكت بسبب التنافس السعودي- الإيراني ولهذا لم تكن هناك أية شهية للتعامل مع الأسد. ودعمت دول الخليج المعارضة السورية ضد الأسد وعارضت الحضور الإيراني في سوريا. إلا أن المواقف من طهران تغيرت بسبب ما يراه المسؤولون في المنطقة غيابا في الرؤية الأمريكية الواضحة والرغبة السعودية – الإماراتية في خفض التوتر مع إيران والجماعات الوكيلة لها، وهو ما عبد الطريق الشهر الماضي للتقارب السعودي- الإيراني برعاية الصين.

وقال مسؤول سعودي إن التواصل مع سوريا لم يكن “شرطا في الصفقة” لكن “كل واحد ترك تأثيرا على الآخر” و”أعتقد أننا لم نكن لنصل إلى سوريا لو أننا لم نتواصل مع إيران”.

وحتى تركيا الداعم المهم للمعارضة ضد الأسد اتخذت خطوات حذرة لتغيير موقفها. وبعد الهزات الأرضية التي ضربت تركيا وسوريا في شباط/ فبراير خففت الولايات المتحدة العقوبات عن سوريا لتسهيل وصول المساعدات الإنسانية، بشكل دفع الدول العربية لاستغلال الزخم، بطريقة أدهشت الولايات المتحدة حسب تابلر.

وعلى خلاف 2018 لم تلق التحركات الأخيرة بدفعة من الولايات المتحدة، كما قال تابلر. وقال محمد علاء غانم، مدير السياسة للمجلس السوري- الأمريكي: “لم تكن سوريا أولوية لإدارة بايدن”. وقال إن الولايات المتحدة انتقلت من “لا تتجرأوا على التطبيع مع الأسد” إلى “لو طبعتم مع الأسد تأكدوا من الحصول على مقابل”. وأشار إلى تعليقات أخيرة من مسؤولة أمريكية بارزة قالت “يجب التعامل مع الأسد كمنبوذ” ولو تواصلت الدول العربية مع الأسد فعليهم التأكد “من الحصول على شيء”. وبالتأكيد، فالرياض التي قادت التحركات الدبلوماسية الأخيرة نحو دمشق لن تلتزم بالتطبيع الكامل مع الأسد بدون تحرك من الجانب السوري.

وقال مسؤول سعودي بارز: “لا يعني فتح قنوات اتصال أنها كذلك” و”هي ليست مفتوحة بشكل كامل وبدون تواصل لا يمكنك التفاوض حول ما تريد”.

وقال دبلوماسي عربي آخر إن عودة سوريا للجامعة العربية يجب أن تكون نتيجة جهود، وبعد لقاء وزراء خارجية الجامعة العربية، قال الدبلوماسي إن لجنة على مستوى عال من مسؤولي السعودية والأردن والعراق ومصر التقوا لمناقشة الخطوات المقبلة.

وقال الدبلوماسي العربي: “لقد توصلنا إلى إجماع حول الموضوعات التي نريد التركيز عليها”، و”هناك موضوعات نريد من النظام تحقيقها”.

وحظيت المبادرة بزخم يوم الاثنين عندما التقى وزراء الخارجية في عمان لمناقشة الموضوعات، وهذه المرة بحضور فيصل مقداد وزير الخارجية السوري. وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأردنية إن اللقاء هدف لمناقشة مبادرة “والتوصل لحل سياسي للأزمة السورية”. وبعد لقاء الاثنين أعلنت وزارة الخارجية الأردنية أن دمشق وافقت على العمل ووقف “تهريب المخدرات” عبر الحدود إلى الأردن والعراق ومعالجة موضوع اللاجئين والمشردين والمفقودين.

ومن الصعب تحقيق تقدم، ويقول الخبراء إن القادة العرب لن يضغطوا على الأسد فيما يتعلق بالانتهاكات خشية لفت الانتباه لانتهاكاتهم.

وبالنسبة لملايين اللاجئين في الخارج الخائفين من تقارب الدول العربية مع الأسد فهم يخافون من إجبارهم على العودة. ولهذا فقد تم التركيز على الكبتاغون الذي أصبحت التجارة فيه شريان الحياة لاقتصاد سوريا. وتأثرت السعودية والإمارات والأردن بتهريب المخدرات عبر الحدود.

تقول كارولين روز، من معهد نيولاينز: “أصبح الكبتاغون على رأس النقاشات المتعلقة بالتطبيع”. وقالت إن النظام استخدم تجارة الكبتاغون كورقة ضغط ومن “الحماقة التفكير أنهم سيتوقفون”. ولا يعرف في النهاية ما يعنيه التطبيع للمناطق الخارجة عن سيطرة النظام في شمال- غرب وشمال-شرق البلاد.

تقول دارين خليفة من مجموعة الأزمات الدولية إن “استئناف العلاقات السياسية مع الأسد يترك عدة أسئلة بدون جواب”، فقد أثبتت دمشق مرة بعد الأخرى أنها ليست مستعدة للحوار بشأن حل سياسي “وليس بهذه الطريقة يعمل الأسد”

—————————————

زيارة رئيسي للأسد.. إعلان نصر مزعوم وجباية الديون بالاستيلاء على الأرض والاقتصاد/ ضياء قدور

كان يجب على وزير الطرق والتنمية الإيراني مهرداد بذرياش أن يطل من قاعة الشرف في دمشق قبل أيام وهو يقود أكبر وفد اقتصادي إيراني يزور دمشق على الإطلاق، لتمهيد الطريق للزيارة المرتقبة للرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى دمشق الأربعاء المقبل، بحسب ما أعلنت عنه صحيفة الوطن التابعة للنظام.

وبعد الفشل الإيراني في تحقيق تقدم ملموس مع حكومة النظام السوري في المجالات الاقتصادية، نصبت طاولات اللجان الاقتصادية الثمانية التي قادها بذرياش في سوريا، لتحقيق تعاون استراتيجي مترامي الأطراف شمل أغلب المجالات، بما في ذلك الديون والكهرباء والنفط والتحويلات المصرفية والنقل السككي والبحري والاستثمارات الإيرانية والسياحة واستملاك الأراضي السورية.

الملفات التي بحثها الجانبان الإيراني والسوري وما لحقها من تصريحات إيرانية، تظهر سعي طهران لتحصيل الثمن النهائي للجهود الإيرانية العسكرية، وكذلك السياسية التي أفضت مؤخراً إلى انتهاء عزلة النظام عربياً، في انعكاس مباشر للاتفاق السعودي الإيراني الأخير.

زيارة بعد التطبيع السعودي مع النظام

في 18 من أبريل/نيسان الماضي، أشار ابراهيم رئيسي في اتصال هاتفي مع بشار الأسد إلى أن “النظام العالمي والإقليمي يسير في صالحنا”.

من وجهة نظر إيرانية، لا يُنظر للزيارة الفريدة لرئيس إيراني منذ عام 2010، بصفتها انعكاساً لدفء العلاقات السعودية الإيرانية، بقدر ما توحي برغبة إيرانية لإظهار نشوة النصر.

وفي أول زيارة خارجية بعد جولة تخفيض التوتر الإقليمي وتوقيع الاتفاق السعودي الإيراني، آثر الرئيس الإيراني أن يطل من دمشق قبل أن تكتمل شروط الصلح مع السعودية. لا يسعى هنا إبراهيم رئيسي للشهرة الإعلامية بقدر ما يسعى للتفاخر بإعلان النصر المزعوم على العرب. فزيارة السعودية كانت ستكون أول زيارة لرئيس إيراني متشدد على الإطلاق منذ قيام الدولتين، في حين هذه ليست الزيارة الأولى لرئيس إيراني لدمشق.

ورغم أنه من غير المؤكد أن تفضي جملة اتفاقيات التعاون الاقتصادي المكررة وغير المنفذة، بما في ذلك الموانئ البحرية أو الاستثمارات النفطية وتحصيل الديون المتراكمة إلى نتائج محسومة، إلا أن مثل هذه الإجراءات الشكلية مهمة لإنجاح الزيارة، وإظهارها بأفضل صورة.

أراض سورية مقابل الديون الإيرانية ومرفأ تحت تصرف طهران

وكان من اللافت بعد المباحثات الفنية التي عقدتها اللجنة الاقتصادية السورية – الإيرانية المشتركة الأسبوع الفائت في دمشق، ما كشف عنه وزير الطرق وبناء المدن الإيراني مهرداد بزر باش (رئيس الجانب الإيراني في اللجنة المشتركة)، بأن اتفاقاً سابقاً مع النظام السوري يمكّن إيران من الحصول على أراض في سوريا بدل الديون المالية، ولاستكمال الجهود في هذا السياق تمخض عن جلسات اللجنة المشتركة بين النظام وإيران تشكيل لجنة متابعة الديون والمستحقات، “لإجراء التحقيق الدقيق لحجم الديون”.

وقال الوزير الإيراني في مقابلة مع صحيفة الوطن المقربة من النظام: “الجانب الإيراني يشعر بظروف سوريا ولكن يوجد في إيران بعض القوانين يجب الإجابة عن أسئلتها”

وأشار الوزير بزر باش قبل يومين في تصريحاته بعد الاجتماعات في دمشق، إلى النشاط في مجال الاقتصاد البحري، وقال إنه يتم نقل حاويات البضائع إلى سوريا بواسطة السفن، وتقرر أن “يزدهر هذا القطاع أيضًا من خلال زيادة الطاقة الاستيعابية والشحن المنتظم”.

ضمان النجاحات قبل الزيارة

في الحقيقة، لا يكفي أن تقتصر الزيارة الرئاسية “المنتظرة” لرئيسي، والتي تم الإعلان عن تأجيلها مرتين (منذ نهاية ديسمبر 2022، إلى منتصف كانون الثاني 2023) ثم إلى موعدها المقرر الأربعاء المقبل، على تبادل جمل “المحبة والأخوة والعبارات الدبلوماسية المنمقة”، أو التفاخر بالانتصار على “الإرهاب”، بل يجب أن تكلل الزيارة، من وجهة نظر المتشدد رئيسي، بنجاحات منقطعة النظر على صعيد الدبلوماسية الاقتصادية أيضاً، لإظهار الانتصار الإيراني على العرب في سوريا متكامل الأركان، فلذلك لا بد أن يشمل كل الصعد العسكرية والأمنية والسياسية والاقتصادية في أطول حرب خاضتها إيران خارج حدودها الجغرافية.

لن يقبل رئيسي المرشح لخلافة خامنئي والقائد المستقبلي لما يسمى بمحور المقاومة أن يجري بهذه الزيارة أن قبل تكتمل كل تلك الشروط على الأقل.

زيارة الأسد بحد ذاتها ليست مهمة، وإنما المهم إظهار قوة مشروع ولاية الفقيه، والتغطية على الفشل الداخلي المتصاعد لحكومة إبراهيم رئيسي على الصعيد الاقتصادي والمعيشي، في ظل انتفاضة شعبية غير مسبوقة ما تزال مستمرة مع صعود وهبوط منذ أكثر من سبعة أشهر.

في الحقيقة، يتعامل المتشددون في إيران مع الاقتصاد كما يتعاملون مع صاروخ سليماني أو مسيرة شاهد 136، بمجرد وضعها على المنصة يجب أن يحصلوا على نتيجة إطلاق فورية وإصابة محققة، ويدفعهم على ذلك مزيج من حماسهم “الثوري” وشهاداتهم العلمية غير التخصصية.

ويرى المتشددون في إيران أنه يجب إجبار معدلات التبادل التجاري المتدنية بين إيران وسوريا خلال العقد الماضي على الصعود لمستويات تضاهي معدلات الأعداء الإقليميين (السعودية وتركيا) بقوة السلاح، وأنه يجب جعل شعاع تمددهم الاقتصادي مساوي لمديات صواريخهم.

منذ قدوم إبراهيم رئيسي للسلطة في إيران في آب 2021، وهو يحض مسؤوليه ووزراء حكومته على القدوم إلى سوريا وترميم ثغرات التعاون الاقتصادي المنهار. لكن كل هذه الجهود لم تفضِ لنتيجة واضحة المعالم، رغم مرور أكثر من عام ونصف.

بعد عام ونيف كشفت تقارير نشرها موقع تلفزيون سوريا بناء على رصد مستمر لتصريحات إيرانية مسؤولة، عن رحيل جماعي للشركات الإيرانية الخاصة التي تلقت خسائر فادحة في السوق السورية.

وخلافاً لسياسة تعزيز الدبلوماسية الاقتصادية المعلنة مع دول الجوار، خاصة سوريا، لم تنجز حكومة رئيسي أي خطوات اقتصادية واضحة المعالم على الساحة السورية منذ توليها.

وفي أحدث تقرير نشره موقع تلفزيون سوريا، أظهر مدى تراجع التجارة الإيرانية مع سوريا وذكر أن الصادرات الإيرانية خلال العام الإيراني الماضي 1401 (21 من آذار 2022 – 20 من آذار 2023) لم تتجاوز السقف الإيراني المتوقع بـ 300 مليون دولار، لتتربع سوريا مرة أخرى، كما في كل عام من العقد الماضي، في قعر الجدول الاقتصادي للدول المستهدفة إيرانياً.

وفي ظل ندرة الأخبار المبشرة بتحسن العلاقات الاقتصادية، كان تخصيص صحيفة “كيهان” الناطقة بلسان خامنئي لزاوية في كانون الأول 2022 للحديث عن قدرة مؤسسة “بركت” التابعة لهيئة تنفيذ أوامر الإمام “إحياء صناعة القرطاسية الإيرانية” واختيار “سوريا” كأول وجهة للتصدير، بمثابة التضرع بحصول معجزات اقتصادية.

وفي ظل زحمة الاتفاقيات الاقتصادية التي أعدها بذرياش قبل أيام تمهيداً لقدوم رئيسي إلى دمشق، يقر بعض المحللين الاقتصاديين الإيرانيين أن الفراغ الذي خلقه قانون قيصر في السوق السورية لصالح الشركات الإيرانية أكبر من قدرات الإيرانيين على ملئه، وأن الكعكة السورية أكبر حجماً من المقدار الذي يمكن أن تبتلعه طهران بنفسها.

لكن لإظهار النصر الإيراني المزعوم بصورة خالية من العيوب يجب توقيع كم هائل من الاتفاقيات الاقتصادية بين الجانبين، بغض النظر عن جدواها أو مدى قابليتها للتطبيق أو تكرارها، لتغطية الثغرة الخطيرة التي تعاني منها إيران على الصعيد الاقتصادي في سوريا.

———————————–

“سباق” إيراني سعودي على سوريا: طائرات واستثمارات.. مخدرات وانسحابات/ منير الربيع

هل تشهد الأيام المقبلة تغيرات ملموسة على الأرض، في وضعية حزب الله السورية؟ وهل هناك ترابط في الملفين اللبناني والسوري أم أن التفاوض الإقليمي بشأنهما يبقى منفصلاً؟ في الوقت الذي لم تنجح فرنسا بتحقيق خرق على الساحة اللبنانية، ثمة انتظار لما ستؤول إليه المفاوضات الإيرانية السعودية. ويمكن استشراف المزيد من الوقائع بالاستناد إلى ما سينتج عن زيارة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي إلى سوريا في الأيام المقبلة. لا سيما أن الزيارة تأتي في ظل الانفتاح العربي على دمشق، وتحقيق تقارب سياسي سعودي- سوري، بعد التقارب الأمني. علماً أن السعودية تقول بشكل واضح إن انفتاحها على دمشق يهدف إلى استعادتها إلى الحضن العربي، ويتركز على ضرورة خروج كل القوات الأجنبية من سوريا.

الديون السورية لإيران

قبل أشهر، كان يفترض أن تجري زيارة الرئيس الإيراني إلى سوريا، لكنها لم تحصل. وحسب ما تم تسريبه في تلك الفترة، فإن طهران رفضت حصول هذه الزيارة إلا في حال كان سيتم التوقيع على المزيد من الاتفاقيات ذات الاستثمار الطويل الأجل لصالح إيران، كنوع من سداد الديون السورية المتوجبة على إيران، التي دعمت النظام بالسلاح، والمال والنفط والرجال. ومعلوم أن جزءاً أساسياً من التفاوض العربي مع دمشق حول استعادة العلاقات معها، كان يتركز على عدم منح مثل هذه الاستثمارات الطويلة الأجل لصالح الإيرانيين، لأن ذلك سيعني بقاءً إيرانياً على المدى البعيد في سوريا. وهو ما يتعارض مع مبدأ “عودة سوريا إلى الحضن العربي”.

مخدرات وطائرات

ولكن ما الذي تغيّر حتى يتم تحديد موعد الزيارة؟ وعلى ماذا ستنطوي نتائجها؟ تأتي الزيارة بعد الاتفاق السعودي الإيراني، وبعد التقارب السعودي السوري، وسط معلومات تفيد بأن دمشق كانت قد نسقت مع طهران خطواتها، في سبيل التقارب مع الدول العربية وخصوصاً السعودية. وقد شمل التنسيق تعاوناً امنياً مع الرياض في سبيل وقف عملية تهريب المخدرات. وقد تم الإبلاغ عن الكثير من الشحنات ومن أسماء مهربي المخدرات إلى السعودية. وهنا تقول مصادر متابعة، إن الكلام بين النظام السوري والسعودية حول ملف تهريب المخدرات كان صريحاً للغاية. إذ طلب السعوديون من النظام وقف عمليات التهريب، وهو ما لم ينفه النظام، إنما فاوض بناء عليه، للحصول على مكاسب في المقابل، بدلاً من الأموال التي يدرها هذا القطاع.

استمرت المفاوضات الأمنية بين دمشق والرياض لأشهر طويلة. وكان رئيس المخابرات السورية حسام لوقا يسافر إلى المملكة العربية السعودية عن طريق بيروت. فقبل أشهر وخلال الزيارة ما قبل الأخيرة له إلى الرياض، غادر لوقا من مطار بيروت، إلا أنه لم يمر به للعودة إلى الشام، إنما عاد بطائرة خاصة إلى مطار دمشق الدولي. خلال تلك الزيارة أيضاً، طلبت دمشق مساعدات من السعودية لإصلاح عدد من الطائرات، وللحصول على قطع غيار، فما كان من الرياض إلا أن منحت سوريا ثلاث طائرات مدنية.

عودة اللاجئين ومفاوضة المعارضة

على وقع هذا التفاوض تم الإنتقال إلى مرحلة جديدة من المفاوضات السياسية، وسط تأكيدات سعودية بأن الغاية هي عودة الاستقرار إلى سوريا، وإعادة اللاجئين. ففي مقابل حصول النظام على مساعدات عليه تسهيل عملية إعادة اللاجئين، بالإضافة إلى البحث عن حل سياسي مع المعارضة. كما أن التفاوض يشمل الوصول إلى اتفاق على خروج القوات الأجنبية والميليشيات من سوريا. وهذا موقف يفترض أن يصدر بشكل واضح عن اجتماع القمة العربية في التاسع عشر من أيار المقبل. كإشارة واضحة من الدول العربية بضرورة خروج القوات الإيرانية وحلفائها، بالإضافة إلى القوى الأخرى من سوريا.

ولكن هل ذلك سيتحقق؟

لا تزال المنطقة تترقب نتائج الاتفاق السعودي الإيراني، وإذا كان سيتم تطبيقه والإلتزام به. وهذا لا بد له أن يظهر في نتائج زيارة الرئيس الإيراني إلى سوريا، علماً أن الزيارة تأتي كنوع من تتويج “الانتصار” السوري الإيراني المشترك. وهو ما سيعبر عنه رئيسي بشكل واضح. وهذا الانتصار يعني أن إيران لن تقدم تنازلات، ولن تقدم على خطوات من شأنها أن تشير إلى أنها قد تراجعت. علماً أن مصادر متابعة تؤكد أن العاصمة دمشق ومحيطها قد شهدت في الأيام الماضية بعض الانسحابات من قبل القوات الإيرانية وحزب الله من مناطق أساسية. فلم يعد هناك وجود ظاهر أو حواجز في شوارع العاصمة لهذه القوات، بينما يعمل النظام السوري على تعزيز حضور الجيش السوري، فيما تمت إزالة العديد من الحواجز من الشوارع الرئيسية للعاصمة.

إيران في لبنان

من حيث الشكل، لا تزال إيران تصرّ على الاتفاق، مع تثبيت الحضور من بيروت إلى دمشق، خصوصاً بالنظر إلى زيارة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إلى لبنان، حين التقى المسؤولين، والأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله، كما التقى بعدد من النواب. في المضمون ركز عبد اللهيان على ضرورة التوافق بين اللبنانيين على تسوية سياسية، وشدد على التعاون مع السعودية.

من حيث الشكل أيضاً، كانت زيارة عبد اللهيان إلى الجنوب تنطوي على رسالة واضحة، وهي أن إيران وحزب الله في مقدمة قوى المقاومة، ما يعني عدم التخلي عن هذا المعيار. وهذا يعني ضمناً تحييد البحث بمسألة السلاح في أي مفاوضات لاحقة.

بالإرتكاز إلى هذا التصور من حيث الشكل، يمكن النظر إلى زيارة الرئيس الإيراني إلى دمشق، والتي ستنطوي على إشارات متعددة، بعضها يرتبط بالمعايير السياسية في ضوء الانفتاح السوري على السعودية، وهو ما قد تنتج عنها مواقف سياسية متماهية مع هذا التطور. أما في المضمون، فإن حضور رئيسي في دمشق سيعبّر عن تثبيت الوجود والفعالية.

————————————-

ديون الأسد لإيران واتفاقاته السرية/ إياد الجعفري

هي سابقة، تلك التصريحات التي أطلقها وزير الطرق وبناء المدن الإيراني، مهراد بزر باش، من دمشق. إذ أنها استهدفت إحراج النظام السوري، والضغط عليه، علناً، هذه المرة، بخصوص ملفٍ لطالما غلب عليه التكتم بين مسؤولي البلدين، باستثناء تصريحات عابرة، لم يسبق أن وصلت إلى هذا المستوى من الجرأة الرسمية الإيرانية، ومن العاصمة السورية، وليس من طهران.

فالوزير الإيراني تحدث عبر صحيفة “الوطن” المقرّبة من النظام، عن تشكيل لجنة مشتركة لمتابعة الديون، و”المستحقات لإجراء التحقيق الدقيق لحجم الديون”، حسب وصفه. وفي معرض حديثه، قال إنه “كانت هناك اتفاقات سابقة تخص إعطاء أراض بدل هذه الديون”. مضيفاً أن الجانب الإيراني يشعر بظروف سوريا، لكن “يوجد في إيران بعض القوانين يجب الإجابة عن أسئلتها”، حسبما ما ورد في تقرير الصحيفة.

تكشف تلك التصريحات حيثية مثيرة للاهتمام، حينما قال “المستحقات لإجراء التحقيق الدقيق لحجم الديون”. فهل يعني ذلك أن السلطات الإيرانية لا تعرف الحجم الدقيق لهذه الديون؟، أم أن هناك خلافاً بين النظام والسلطات الإيرانية حول هذا “الحجم الدقيق”؟ بطبيعة الحال، لا نجد جواباً، إذ أن التصريحات التي شكّلت صدمة لكثير من السوريين، كانت كفيلة بالكشف –رسمياً هذه المرة- عن وجود اتفاقات سرّية يعقدها النظام السوري مع حلفائه.

والآن، سرّية تلك الاتفاقات، باتت مفهومة. فهي تخالف “الدستور السوري”. “الدستور” ذاته، الذي أعدته لجنة كلّفها بشار الأسد، وصُودِقَ عليه بعد استفتاء في ظل سلطته الأمني، في العام 2012. إذ تنص المادة الأولى منه على أن “الجمهورية العربية السورية دولة ديمقراطية ذات سيادة تامة، غير قابلة للتجزئة، ولا يجوز التنازل عن أي جزء من أراضيها..”.

أما عبارة الوزير بزر باش: “الجانب الإيراني يشعر بظروف سوريا، لكن يوجد في إيران بعض القوانين يجب الإجابة عن أسئلتها”. تكشف في شقها الأول عن أنه “طفح الكيل” بالسلطة الرسمية الإيرانية، حيال تهرّب النظام من الوفاء بالاتفاقات التي وقّعها “سرّاً”. وأن إيران غير مستعدة للانتظار أكثر، في وقتٍ يختبر فيه النظام مساعي التطبيع معه، من جانب تركيا ودول عربية وخليجية. أما الشق الثاني من العبارة، فلا نعرف إن كانت الترجمة لها غير دقيقة، أم أن الوزير أساء التعبير. لكنه، دون شك، يشير إلى الاستياء الإيراني، الذي طفا على السطح أكثر من مرة، بخصوص مصير الأموال الإيرانية التي أُنفقت لإنقاذ نظام الأسد، والتي ما تزال تُنفَق، حتى الساعة. وهو استياء، انتقل إلى المستوى الرسمي، أكثر من مرة، وكان أشهر تعبير عنه، تصريح رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، حشمة الله فلاحت، قبل نحو 3 أعوام، حينما طالب حكومة بشار الأسد بوفاء الديون المترتبة عليها لإيران. وهو التصريح الذي نُقل عبر وكالة “إرنا” الرسمية، حينها.

واليوم تبدو إيران جادة أكثر من أي وقت سبق، في إجبار الأسد على تنفيذ تعهداته السابقة -“السرّية”. وهو ما أشار إليه الوزير الإيراني في معرض تصريحاته، حينما قال: “للوصول إلى علاقات حيوية بين البلدين يجب اتخاذ قرارات كبرى”. وهي المقدمة التي سبقت حديثه عن اللجان التخصصية الثمان التي تم تشكيلها مع المسؤولين السوريين المعنيين، لبحث ما يهم إيران –اقتصادياً- في سوريا.

فأية أراضٍ تريدها إيران في سوريا؟ وأين؟ وكم تبلغ مساحتها؟ بعض الصحافيين الاقتصاديين اختلط عليهم الأمر في قراءتهم لتصريحات الوزير الإيراني، حينما أشاروا إلى الـ 5000 هكتار من الأراضي الزراعية التي قال الوزير إنه تم سابقاً النقاش حول منحها لإيران بهدف زراعتها. إذ أن تصريحات الوزير بهذا الخصوص، تتحدث عن “نقاش” لا “اتفاقات”، وعن نقل خبرات وتجارب إيرانية في حال “تمت الموافقة”، وعن لجنة متخصصة ستعنى بهذا الشأن. فيما ستُخصص لجنة أخرى لبحث ملف الديون، الذي كان حديث الوزير بخصوصه، مباشراً، ويؤكد وجود “اتفاقات” لمبادلة أراضٍ مقابل الديون.

ومع عدم وجود أية معلومة حول حجم ونوعية ومكان الأراضي التي تريدها إيران في سوريا، يصبح التخمين أسهل لو كان من المتاح معرفة “الحجم الدقيق” لديون إيران على سوريا. لكن ذلك أيضاً، غير متاح، وإن كانت التقديرات المتداولة تؤشر إلى حجم ديون مهول، قياساً لقدرة الاقتصاد السوري على الإيفاء. وفيما تقول مصادر رسمية إيرانية إن هذه الديون تتراوح ما بين 20 إلى 30 مليار دولار، تقول مصادر إيرانية معارضة إنها تتراوح ما بين 30 إلى 40 مليار دولار، فيما تقول مصادر سورية معارضة، متخصصة بالشأن الاقتصادي، إنها قد تصل إلى نحو 60 مليار دولار، وفق تقديرات تستند إلى حجم المورَّد من النفط الإيراني والأسلحة والمعدات، على مدى السنوات العشر الماضية. وعدّاد هذه الديون، ما يزال يعدّ. فإيران ما تزال تورّد ناقلات النفط تباعاً إلى سوريا.

وقد سبقت زيارة الوزير الإيراني، وتصريحاته المباشرة، زيارة مرتقبة للرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، إلى دمشق، هي الأولى منذ العام 2011. زيارة، قالت صحيفة “الوطن” ذاتها -التي سبق أن نقلت تصريحات الوزير الإيراني- إنها ستتضمن “تعزيز التعاون الاستراتيجي بين البلدين وخصوصاً في الجانب الاقتصادي”. وأنه سيتم على هامشها، التوقيع على عدد كبير من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم الخاصة بالتعاون الاقتصادي.

وهكذا، تمارس إيران ضغطاً مكثّفاً على الأسد، لمنحها امتيازات اقتصادية غير مسبوقة، تتجاوز تلك الممنوحة لروسيا، التي أجّرها موانئ وموارد طبيعية لنصف قرن. إذ المطلوب منه، إيرانياً، التنازل عن ملكية أراضٍ سورية، في سابقة تتنافى مع “السيادة الوطنية” التي صدع إعلامه الرسمي رؤوسنا بها. وهي سابقة، تبقى في رسم الراغبين الخليجيين بالتطبيع مع الأسد، بغية الحد من النفوذ الإيراني.

———————-

انفتاح السعودية على سوريا لن يُغيِّر «الستاتيكو» وطموح الأسد دعمٌ ماليّ بـ«قنوات ناعمة»/ رلى موفّق

طُويت مسألة عودة سوريا إلى مقعدها في الجامعة العربية مع انعقاد القمة العربية المرتقبة في الرياض في 19 أيار/مايو. هكذا تؤكد أوساط على إطلاع وثيق بمجريات الأمور في دمشق. أعاق اعتراض دول خليجية (قطر والكويت) وعربية (المغرب، ومصر، والأردن) تلك العودة التي رغبت السعودية، ومعها دول خليجية وعربية، أن تكون بغطاء عربي موحَّد وألاَّ تنحصر في «تطبيع ثُنائي» بين دمشق وكل من العواصم التي تنفتح على النظام السوري. كانت الرياض، التي تترأس القمة العربية، وتمضي في سياسة «تصفير المشاكل» تأمل في دعوة الأسد إلى قمة الرياض، بما يُنهي القطيعة التي أقرَّها مجلس وزراء الخارجية العرب في تشرين الثاني/نوفمبر 2011 بعد مماطلة النظام السوري في تنفيذ الخطة العربية لحل الأزمة التي اندلعت في آذار/مارس 2011. كانت الحكومة السورية قد وافقت في مطلع شهر تشرين الثاني/نوفمبر على الخطة العربية التي تقضي بوقف العنف ضد المتظاهرين والذهاب إلى حوار سياسي مع المعارضة. حينها كانت أعداد الشهداء، وفق أرقام الأمم المتحدة، 3500 شخص. سحبت غالبية الدول العربية سفراءها، وبعدها خرج الدبلوماسيون الغربيون ولم يرفّ جفنٌ للنظام الذي اختار قمع الاحتجاجات وإخمادها بالسلاح، ما أدخل سوريا في مسار حرب أوقعت ما يزيد على نصف مليون قتيل، ومحو مدن بأكملها، ودمار بالمليارات، وتهجير ملايين السوريين، وعمليات تطهير مذهبيّ.

التفَّ النظام على اتفاق «جنيف 1» (2012) واتفاق «جنيف 2» (2013) وقرار مجلس الأمن 2254 (كانون الأول/ديسمبر 2015) حول السلام والانتقال السياسي وبناء سوريا الجديدة. دخلت روسيا في أيلول/سبتمبر 2015 الحرب بعدما كان النظام ومعه الحرس الثوري والميليشيات الإيرانية التابعة، ومن بينها حزب الله، على وشك الهزيمة على يد المعارضة المسلحة. استخدمتْ موسكو سلاح الجو لتغيير المعادلات على الأرض ونجحت تباعاً في إعادة بسط نفوذ النظام على رقعٍ واسعة من الأراضي السورية. أدى دخول عوامل عدّة على خط «الثورة السورية» إلى خطفها، ودفَعَ أبناؤها ثمناً باهظاً وتلاشتْ قيادتها وتفكّكتْ. أضحت سوريا، في نهاية المطاف، مُقسَّمة مناطق نفوذ دولية: روسية وإيرانية تدعم النظام، وأمريكية وتركية تدعم المعارضات المختلفة، فيما إسرائيل، الداعمة المستترة والمُعلَنة لبقاء نظام الأسد، حاضرة بغاراتها الجوية. خرج العربُ من المشهد السوري وخَفَتَ تأثيرهم عسكرياً وسياسياً، على الرغم من إقرار الداخل والخارج أنه حين تنتهي الحرب في سوريا، ويصدر القرار بإعادة الإعمار، فإن الدور الرئيسي والفاعل سيكون للخليج، ولا سيما للمملكة العربية السعودية.

وقرار انتهاء الحرب لن يكون سوى قرار أمريكي. الغرب يفرض عقوبات، وأمريكا تخنق سوريا بـ«قانون قيصر» وعلى الطريق يأتي «قانون الكبتاغون» الذي أقرَّه الكونغرس الأمريكي قبل أشهر. لا أحد من الدول المرتبطة بالنظام المالي الدولي يمكنه أن يتجرَّأ علانية على كسر العقوبات الأمريكية، إنْ لم يحصل «غض طرف» من واشنطن. لجأ النظام وحلفاؤه إلى الالتفاف على تلك العقوبات. استخدموا لبنان، فدفع الثمن في اقتصاده، وماليته، ونظامه المصرفيّ، وعيش أبنائه. واستخدموا العراق، فطارت الملايين من خزينته على حساب مواطنيه. حاولت الصين، وروسيا، وإيران، التحايل بما لديها من طرق. كل ذلك ساهم في مدِّ النظام بالأوكسجين، لكن ركيزته الأساسية قامت على صناعة ذلك المُخدّر الرائج والقليل الكلفة الذي غزا به أسواق الخليج عبر شحنات التهريب براً مستخدماً الأردن والعراق، وبحراً عبر مرفأ بيروت. أخذ «محور إيران» السعودية هدفاً للمخدرات. نَظَر إلى تدمير المجتمع السعودي وإغراق شبابه في تلك الآفة كجزء من المعركة المفتوحة على المملكة، وأدرج «حرب الكبتاغون» في إطار قواعد الاشتباك.

سعت روسيا بقوة، منذ أن أنقذت الأسد، إلى إعادة تأمين مظلّة عربية له. كان همُّها الأكبر أن يستعيدَ رجُلها في سوريا العلاقات مع السعودية بوصفها الدولة المحورية عربياً والأكثر تأثيراً وثقلاً، ويمكنها تالياً أن تُشكِّل قاطرة لدول أخرى إنْ خَطَتْ الرياض صوب دمشق. بقيتِ الخطوطُ الأمنية مفتوحة وتعزَّزت بفعل موسكو، لكن باب الانفتاح السياسي بات أكثر ملاءمة بعد التحوّلات الدولية الناجمة عن حرب روسيا على أوكرانيا. كانت موسكو تُعزِّز موقعها في الشرق الأوسط قبل أن تغزو هذا البلد، وتستفيد وبكين من الانسحاب الأمريكي التدريجي من المنطقة في تمتين ارتباطهما مع المملكة التي شاب علاقاتها مع واشنطن الفتور مع وصول الحزب الديموقراطي إلى البيت الأبيض. ذهبت الرياض، رغم أنها حليف استراتيجي للولايات المتحدة، إلى توسيع تعاونها خارج إطار ذلك الحلف. لم تصطفّ مع الغرب في النزاع الروسي – الأوكراني، ولم تُساير جو بايدن في قرارات «أوبك بلس» خدمة له في الانتخابات النصفية أو تضييقاً على روسيا. وفتحت الباب واسعاً أمام الصين، الحليف التجاري الأول للمملكة، لتعلب دوراً سياسياً كدولة ضامنة لفكِّ الاشتباك مع إيران.

من الصعب فصل مدّ الجسور السعودية مع سوريا كحدث منفصل تماماً عن نتائج عودة العلاقات مع إيران. حتى ولو كان الأمر غير معلن، أو كان الأسد يُفضِّل أن يكون له هامشه في التحرُّك، فإن عودة العلاقات السعودية – السورية ما كان يمكن أن تحصل بهذا اليسر لو كان التأزم سيّد الموقف بين طهران والرياض. سبق للإمارات أن أعادت العلاقات الدبلوماسية عام 2018، وعزا مراقبون موقفها إلى رغبتها في مواجهة مبطّنة لتركيا بدعم الأسد. ستذهب البحرين بذات منحى السعودية الإيجابي في اتجاه دمشق، وإنْ كانت تعتبر أن سفارتها في سوريا ما زالت تعمل.

يقول مقرَّبون من النظام أن الرئيس السوري لم يبدِ حماساً لطروحات العودة إلى الجامعة العربية. وهو ليس على استعداد للاستجابة لمتطلبات الحل السياسي أو ما يمكن أن يُفهم منه أنه تنازلات في تركيبة النظام السياسي لبلاده. ويُبدي تالياً ارتياحاً لصوغ علاقات ثنائية، والذهاب إلى تطويرها بالحد الذي يخدمه. هذا يدفع هؤلاء إلى الاستنتاج أنه لن يألو جهداً في توظيف الانفتاح العربي عليه لصالح مزيد من ترسيخ سلطته.

في موضوع العلاقات مع المملكة، ثمة استكمال لترتيب الأمور بين البلدين، فالزيارات مستمرة على المستويات السياسية، والدبلوماسية، والأمنية، بشكل غير مُعلن، منها زيارة لمعاون وزير الخارجية السوري محمد أيمن سوسان إلى السعودية. وأجواء دمشق لا تزال تضع في أجندة الأسد زيارة مرتقبة إلى الرياض، وربما قبل أيار/مايو، تُوصف سورياً بـ«زيارة تعويض» عن عدم دعوته لحضوره القمة العربية. يُدرك الرئيس السوري أن هناك أوراقاً لا بدَّ من أن يُقدّمها مقابل الانفتاح السعودي عليه، وأولها في ملف الكبتاغون. ويسرُّ المقرَّبون من النظام أنه سيتجاوب في هذا الأمر، كما سيتعزَّز التعاون في المسائل الأمنية. ما يُعوِّل عليه الأسد هو تخفيف الطوق الاقتصادي والمالي عنه. يتوق إلى دفق مالي كبير يدخل في خانة إعادة الإعمار الشاملة والاستثمارات الكبرى، لكن المأمول الحصول عليه هو «تمرير ناعم» للأموال تحت عناوين مختلفة لا بأس إذا اتّخذت الشكل الإنساني، أو تهيئة الظروف لإعادة اللاجئين عبر تأهيل مناطق معيّنة بالبنى التحتية وإعادة بناء المساكن لتأمين عودة أصحابها، حتى إن هؤلاء يتحدّثون عن انفتاح الأسد إذا تطوّرت العلاقات نحو إشراك بعض الأسماء المقبولة سعودياً في الحكومة، بما يعطي الجوّ السُّني العام في سوريا قدراً من الاطمئنان.

سبق لوزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان أن تحدَّث في منتدى ميونيخ للأمن في شباط/فبراير الماضي عن غياب السبيل لتحقيق الأهداف القصوى من أجل حل سياسي، وأن معالجة مسألة اللاجئين السوريين في دول الجوار تتطلب حواراً مع حكومة دمشق. لا شك أن تحقيق عودة – ولو تدريجية – للاجئين السوريين إلى قراهم ومدنهم سيكون إنجازاً، لكنه من الصعب توقّع أن يكون الأسد منفتحاً على عودة يمكن أن تُشكِّل تغييراً كبيراً في الخريطة الديموغرافية التي عمل على رسمها في مناطق سيطرته واستدعت تهجيراً جماعياً، فكيف إذا كانت هناك مناطق تغلغلت فيها إيران وميليشياتها وأضحت صاحبة النفوذ فيها، من حمص إلى جوار السيدة زينب في دمشق، إلى جزء كبير من درعا والسويداء، وإلى حلب ودير الزور وغيرها من الجغرافيا السورية؟

لا رهانات لدى الرياض حول إنجاز الحل السياسي المنشود، ولا رهانات لدى دمشق حول إمكان تطبيع كامل. فكل ما يمكن أن يتحقق يندرجُ في إطار «تَرييح الوضع». الزمن ليس زمن انتهاء الحرب في سوريا. فكل الدول الحاضرة بقواتها العسكرية على الساحة السورية لا تزال أياديها على الزناد. الكلام المُسرَّب هو أن أمريكا أوصلت رسالتها، إلى مَن يعنيه الأمر، أنها لن تسمح بتغيير «الستاتيكو» في سوريا.

——————————–

كيف تنظر قوى شمال شرقي سوريا إلى الانفتاح العربي على دمشق؟/ كمال شيخو

تكاد مواقف الأحزاب والجهات السياسية الموجودة في شمال شرقي سوريا (شرقي الفرات) تكون واحدة تجاه الدور العربي، آملةً أن يسهم الانفتاح العربي على النظام السوري في دمشق في التوصل إلى حل للأزمة المستمرة منذ 2011.

ويقول حزب «الاتحاد الديمقراطي» إن الدول العربية تستطيع القيام بدور مهم وفاعل لحل الأزمة السورية والحد من تداعياتها الإنسانية المقلقة، بما يتوافق مع القرار الأممي الدولي 2254، في وقت رأى «المجلس الوطني الكردي» المعارض أن الانفتاح العربي على سوريا يأتي في إطار إعادة العلاقات الدبلوماسية بين هذه الدول، في حين رحب «الحزب التقدمي الكردي» بهذه التحركات العربية لإعادة سوريا إلى محيطها العربي على أن تكون مدخلاً لإطلاق عملية سياسية شاملة تُنهي معاناة السوريين.

وقال سيهانوك ديبو، الرئيس المشترك لمكتب العلاقات العامة لحزب «الاتحاد الديمقراطي»، أبرز الجهات السياسية التي تدير «الإدارة الذاتية لشمال شرقي» سوريا، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إنهم مع كل علاقة طبيعية ومتوازنة بين سوريا ودول محيطها الإقليمي والعربي بشكل خاص، «فعزل سوريا عن محيطها العربي فتح الطريق أمام مشاريع خارجية هددت أمن واستقرار المنطقة، كالتدخل التركي واحتلاله مدن وبلدات شمال غربي البلاد»، مضيفاً أن الانفتاح العربي على دمشق سيقطع الطريق أمام هذه التدخلات الإقليمية، ليزيد: «الإدارة الذاتية وقواتها قاومت هذه المخططات وأفشلتها ومنعت تقسيم سوريا»، على حد تعبيره.

مبادرة سياسية

وتبنّت الإدارة الذاتية نهاية الشهر الماضي مبادرة سياسية تهدف إلى حل سلمي ديمقراطي للأزمة السورية، تضمنت وحدة الأراضي وإقامة نظام سياسي لامركزي اجتماعي جديد في عموم البلاد، وأبدت استعدادها لإجراء لقاءات مباشرة مع الحكومة السورية وجميع الأطراف المعارضة لإيجاد حل شامل للأزمة الدائرة منذ عام 2011.وعن توقيت المبادرة، ذكر ديبو في حديثه أن الدول العربية بإمكانها القيام بدور مهم وفاعل في حل الأزمة السورية، «للحد من تداعيات الأزمة الإنسانية المقلقة ومنع تسييسها وانعكاساتها الأمنية على المنطقة برمّتها بما يتوافق مع القرار الأممي الدولي 2254»، مشيراً إلى أن «قوات سوريا الديمقراطية»، الجناح العسكري للإدارة، «قامت بدور وطني في حماية مكونات شعوب سوريا ضد هجمات (داعش)، ودافعت عن سيادة البلاد».

دوريات روسية وتركية في شمال شرق سوريا (أ.ف.ب)

وشدد على أن هذا النموذج «أفضل صيغة وترجمة فعلية للقرار الأممي 2254، والانتقال إلى سوريا تتسع لجميع أبنائها»، حسب ديبو.وكشف عن أن قادة الإدارة وبعد إعلان مبادرتهم منتصف الشهر الماضي خاطبوا جميع الدول العربية ورئاسة الجامعة لعقد لقاءات لشرح المبادرة والتوسط لحل النزاع السوري، وأخبر ديبو: «ستكون بالخطوة البنّاءة في حال فتح الطريق لممثلي الإدارة، وأُتيحت لهم الفرصة لزيارة عواصم القرار العربي، ولقاء رئاسة الجامعة العربية»، وأن الإدارة الذاتية جزء مهم من الحل السوري «فمن الخطأ تغييبها من أي عملية سياسية تسعى لإنقاذ سوريا من شبح التقسيم».

انفتاح مقابل حل

بدوره، يطالب قادة «المجلس الوطني الكردي» المعارض الممثَّل في «هيئة التفاوض السورية» المعارضة التي شاركت في اجتماعات جنيف برعاية أممية على مدار سنوات؛ بأن يكون الانفتاح العربي على دمشق مقابل حل سياسي للأزمة السورية على أساس القرارات الدولية وتطبيق القرار 2254، وأن أي تقارب مع النظام الحاكم لا يستند إلى هذا القرار لن يفيد الشعب السوري.

أيمن صفدي وزير خارجية الأردن في لقاء مع فيصل مقداد وزير الخارجية السوري (رويترز)

وقال محمد إسماعيل، المسؤول الإداري للمكتب السياسي في «الحزب الديمقراطي الكردستاني» وعضو الهيئة الرئاسية للمجلس «الكردي»، في لقاء تلفزيوني لشبكة «روداوو» الكردية، إن التقارب بين دول عربية وسوريا وإمكانية عودة دمشق لمقعدها بالجامعة العربية، «يدخل في إطار إعادة العلاقات الدبلوماسية بين الدول، ولا علاقة له بإيجاد حل سياسي في سوريا، لأن حل الأزمة السورية مسألة دولية أكبر من عودة سوريا لمقعدها بالجامعة العربية»، مشيراً إلى أهمية تطبيق القرار الدولي 2254، «لأنه الأنسب لأي حل سياسي شامل، لضمانه حقوق كل الأطراف، أما الحلول الجزئية فلن تعود بالفائدة على الشعب الكردي».في حين رحب أحمد سليمان، عضو الهيئة الإدارية للمكتب السياسي بالحزب «الديمقراطي التقدمي الكردي»، بالانفتاح الذي تُبديه الدول العربية لإعادة سوريا إلى جامعة الدول العربية، وإعادة العلاقات الدبلوماسية بينها وبين محيطها العربي، وقال في حديث لـ«الشرق الأوسط» إن هذه التحركات «شكل إيجابي سينعكس على حياة المواطنين السوريين من جهة، وسيكون مدخلاً لإطلاق العملية السياسية في سوريا لإنهاء معاناة السوريين من جهة ثانية»، داعياً الحكومة السورية بالمبادرة من جهتها إلى طرح مشروع رؤية للحل السياسي في سوريا، «عبر إطلاق حوار وطني سوري – سوري يشارك فيه ممثلو جميع المكونات السورية».

المصالحة التركية

وشدّد السياسي الكردي على ضرورة التوافق بين القوى الرئيسية الفاعلة في المشهد السوري، لا سيما الولايات المتحدة الأميركية وروسيا الاتحادية، وقال: «من دون توافقها سيكون من الصعب الوصول إلى حل سياسي مستدام للأزمة السورية». وأكد أن المساعي الروسية لتطبيع العلاقات بين سوريا وتركيا يجب أن تقوم على ثلاثة أسس: «بناء علاقات حسن الجوار، واحترام سيادة سوريا، وانسحاب القوات التركية والفصائل الموالية لها من كامل الأراضي السورية». وختم حديثه قائلاً: «يجب ألا تكون هذه المصالحة على حساب أي مكون من مكونات الشعب السوري، لا سيما المكون الكردي».

————-

الأردن يهدد بشن عملية عسكرية داخل سوريا

لوح وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي باحتمالية شن الأردن عملية عسكرية داخل سوريا في حال الفشل بالإيفاء بتعهداتها بوقف تدفق المخدرات نحو دول المنطقة.

وفي تصريحات أدلى بها لمحطة “سي إن إن” الأمريكية، قال الصفدي إن العديد من الأشخاص عانوا من عواقب الأزمة السورية، بما في ذلك الأردن، وسيحرصون على القيام بكل ما يلزم للتخفيف من أي تهديد لأمن الأردن.

وأضاف “نحن لا نتعامل مع تهديد تهريب المخدرات باستخفاف، إذا لم نشهد إجراءات فعالة للحد من هذا التهديد، فسنقوم بما يلزم لمواجهته، بما في ذلك القيام بعمل عسكري داخل سوريا للقضاء على هذا التهديد الخطير للغاية ليس فقط في الأردن، ولكن عبره نحو دول الخليج والدول العربية الأخرى في العالم”.

وتابع الصفدي أن سياسة وحالة الوضع الراهن “لم تؤدّ إلا إلى المزيد من المشاكل والمزيد من الألم والمعاناة للشعب السوري، وتهديدات متزايدة للمنطقة، بما في ذلك الأردن”.

واعتبر الصفدي أن جل التحرك في العالم العربي لمحاولة إنهاء الأزمة السورية سياسياً حدث على خلفية غياب جهد فعال لحل الأزمة.

وعن مساعي “التطبيع العربي” مع النظام، قال الصفدي إن “الجميع” في الجامعة العربية مستعدون لإنهاء الأزمة السورية، لكن هناك خلافات حول أفضل نهج.

وأضاف: “ستكون العودة إلى جامعة الدول العربية رمزية… ولكن في نهاية المطاف حتى نتمكن من إنهاء الأزمة حقاً، سيتعين علينا التأكد من مشاركة المجتمع الدولي بأسره، لأنه في نهاية المطاف هناك عقوبات أوروبية وعقوبات أمريكية، وستكون هناك حاجة هائلة لجهد عالمي لإعادة الإعمار”.

    “سنفعل ما يلزم لمنع هذا التهديد بما في ذلك إجراء عمل عسكري داخل الأراضي السورية”.. وزير الخارجية الأردني #أيمن_الصفدي يهدد بعمل عسكري في #سوريا إذا لم يتوقف تهريب المخدرات إلى #الأردن pic.twitter.com/xxt73UMLJH

    — Hasan AlHusayean (@Hasanalhusayean) May 5, 2023

وفي 15 من نيسان الماضي، طالب وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن والعراق، نظام الأسد بمكافحة تهريب المخدرات والاتّجار بها، وذلك في البيان الختامي للاجتماع التشاوري حول سوريا والذي استضافته مدينة جدة.

وأكد البيان الختامي أيضا على أن الحل السياسي هو الحل الوحيد للأزمة السورية، مشددا على أهمية أن يكون هناك دور قيادي عربي في الجهود الرامية لإنهاء الأزمة، ووضع الآليات اللازمة لهذا الدور، وتكثيف التشاور بين الدول العربية بما يكفل نجاح هذه الجهود.

كما التقى وزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد في اجتماع عُقد في عمان يوم الاثنين للمرة الأولى بوزراء عرب في إطار مبادرة أردنية لحث دمشق على التفاوض بشأن خطة سلام.

وتصوغ المبادرة خارطة طريق لإنهاء الصراع تشمل معالجة قضايا اللاجئين والمعتقلين المفقودين وتهريب المخدرات والجماعات الإيرانية المسلحة في سوريا.

———————————

ديون رئيسي في دمشق: فاقد الشيء كيف يعطيه؟/ صبحي حديدي

الأرجح أنّ رأس النظام السوري بشار الأسد اشتاق إلى تلك المناسبات السالفة التي أتاحت له أن يتفلسف على هواه، في السياسة والعلاقات الدولية والاقتصاد والثقافة؛ فانتهز فرصة كلمة الترحيب بالرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، زائر دمشق هذه الأيام، فخاض في بعض هواياته الكلامية الأثيرة. ولقد بدأ بإطراء مواقف نظامه ونظام الملالي في إيران، معاً، التي حالت دون أن يكونا «كقطعة خشب ملقاة في البحر تأخذها الأمواج حيث تشاء»؛ ثمّ سارع إلى ذمّ «تقديم المزيد من التنازلات تحت عنوان الانحناء للعاصفة» بوصفه «السبب في تعزيز السياسات الاستعمارية عبر العالم».

وهذا الذي يتشدق حول أخشاب تتقاذفها البحار أو انحناء أمام العواصف، هو نفسه الذي يغتصب رئاسة بلد واقع تحت خمسة احتلالات إسرائيلية وروسية وإيرانية وتركية وأمريكية، فضلاً عن كتائب «حزب الله» اللبناني وعشرات الميليشيات المذهبية المأمورة من «الحرس الثوري» الإيراني و«الحشد الشعبي» العراقي، إضافة إلى جهاديين إسلاميين من كلّ حدب وصوب. ولا يجلس على يساره، خلال إلقاء موعظته الخرقاء، سوى مغتصب للرئاسة في إيران، أتى إلى المنصب من حقول إعدام الآلاف من طلبة المدارس والشبان والناشطين الإيرانيين، خلال حقبة 1988 الدامية الوحشية، الذين لم يكن لهم من ذنب سوى المطالبة بإصلاحات بالغة البساطة.

وإذا كانت وسائل الإعلام، على اختلاف انحيازاتها، قد التقطت سمة أولى طبعت الزيارة، هي كونها الأولى لرئيس إيراني إلى دمشق منذ 13 سنة؛ فإنّ سمة أخرى كانت وتظلّ جديرة بالاستذكار، هي أنّ الأسد سبق أن زار طهران مرّتين، على نحو معلن، في شباط (فبراير) 2019 وكان حسن روحاني رئيساً لإيران، وفي أيار (مايو) 2022 وكان رئيسي قد تولّى الرئاسة؛ كما استقبله، خلال الزيارتَين، المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي. هذا تفصيل أوّل قد يخصّ مؤشر التبعية وأيّ الطرفين يحرص على إرضاء الآخر، بافتراض أنّ نظام آل الأسد «طرف» بأيّ معنى للتناظر مع نظام الملالي؛ لكنّ الشطر الثاني منه، الذي يتصل بزيارة رئيسي إلى دمشق، يكتسب أهمية خاصة من زاوية أولى محددة، لعلها الوحيدة التي تستحق معنى الجديد في ميزان التبعية.

وهذا الشطر هو أنّ رئيسي في مجيئه إلى دمشق، وليس الأسد في هرولته إلى طهران على دفعتين، إنما أتى وجدول أعماله شبه الوحيد هو تحصيل الإيرادات عن سنوات طويلة من الإنفاق المادي على النظام، نفطاً وسلاحاً وعملة صعبة وصيرفة. اللافتة المعلنة، كما نطق بها رئيسي نفسه، هي الحضور الإيراني في صفقات إعادة الإعمار التي قد تكون على وشك الإبرام، على ضوء مقايضات محتملة مع أنظمة مثل الإمارات والسعودية. وأمّا تجسيد ذلك على الأرض فلم يكن خافياً بدوره، ليس على صعيد ما سُمّيت «مذكرة تفاهم لخطة التعاون الشامل الستراتيجي طويل الأمد» فقط، بل كذلك حول سلسلة اتفاقيات في ميادين الطاقة والزراعة والنقل والاتصالات والثقافة (والمقصود هنا: تسهيلات الحجّ الإيراني إلى الأماكن الشيعية المقدسة في سوريا)…

حساب الإيرادات والأرصدة وسداد بعضها ليس، مع ذلك، باليُسر الذي قد يبدو عليه للوهلة الأولى، اتكاء على عوامل عديدة يصحّ الترجيح في أنّ القرار حول الكثير منها ليس في عهدة النظام أصلاً، سوى تلك التي لا يملك بصددها أيّ تخويل. العامل الأوّل، ولعله الحاسم أكثر من سواه، هو ذاك الذي تقول به القاعدة العتيقة الصارمة، في أنّ فاقد الشيء لا يعطيه، وليس في وسعه أن يعطيه أصلاً مهما ادعى وتشدّق. فالمليارات الموعودة في مظاريف إعادة الإعمار رهن قرارات مراكز دولية مثل مؤتمرات الدول المانحة وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، وهذه ليست حتى الساعة على وشك الترخيص بدولار واحد يذهب إلى المصرف المركزي السوري شكلاً؛ ولكنه ينتهي سريعاً إلى خزائن آل الأسد وآل الأخرس، ثمّ الشركاء وصغار الكسبة هنا وهناك في منظومة الفساد المافيوزية.

العامل الثاني هو أنّ أيّ اتفاق بين النظامَين، الملالي في طهران وآل الأسد في دمشق، ليس مضمون الإذن أو القبول أو الترخيص من القوى الأخرى التي تحتل مناطق في سوريا، وتمتلك بالتالي أوراق ضغوط ومساومات واستحقاقات؛ على غرار الوجود الروسي مثلاً، حيث يصعب تخيّل موسكو راضية عن تسليم استثمارات ميناء اللاذقية إلى طهران الراغبة في تحويله إلى منفذ بحري إيراني أوّل على المتوسط، كما يتردد. الحال ذاته يمكن أن تنطبق على استثمارات روسية عديدة في سوريا، أبرزها الفوسفات (ثلاثة مليارات طن من الاحتياطي) الذي تسيطر القوات الروسية على مواقعه، ويسيل لعاب طهران على اقتسام موارده مع موسكو. ثمة درجات أخرى من التنافس حول تطوير مطار دمشق واستثماره، أو إنشاء مطار جديد بطاقة استيعاب أعلى، ومثله مطار حلب والقامشلي وميناء طرطوس؛ وفي أواسط آذار (مارس) الماضي كان الأسد نفسه قد أعلن من موسكو عن أكثر من 40 مشروع استثمار روسي في سوريا.

عامل ثالث يتصل من جانبه بقاعدة قديمة بدورها تخصّ انقلاب السحر على الساحر، إذْ أنّ نظام آل الأسد الذي أقام الحكم والتحكم والتسلط على شبكات الولاء والنهب والتكسّب، لن يفلح بسهولة في تذليل مصاعب (وربما استحالة) عقد شراكات بالتراضي بين كبار أمراء الحرب ضمن العائلتَين الأسدية والمخلوفية، وكبار قادة ميليشيات النظام الطائفية، وكبار المستثمرين والفاسدين من ضباط الأجهزة الأمنية والجيش، من جهة؛ وأيّ، وكلّ، استثمار إيراني يمكن أن يقتسم الكعكة مع هؤلاء، في مناطق الساحل السوري بصفة خاصة، من جهة ثانية. هذه مسألة حياة أو موت على الطرفين، رأس النظام وآل بيته الداخلي واستثماراته، ورؤوس النظام الأدنى مرتبة ولكن ليس الأقلّ استثماراً أو استماتة في الحفاظ على النظام. ولقد مضى زمن كان فيه «حزب الله» يلعب في مناطق الساحل السوري دور المبشّر الطائفي الروحي والميسّر المادي التجنيدي بالنيابة عن ملالي طهران، لكنّ قسطاً غير قليل من تلك الأدوار تذهب اليوم إلى «بو علي بوتين» وضباط الجيش الروسي في قاعدة حميميم.

يبقى عامل رابع يخصّ ما تبقى من قوام دولة في سوريا، على أصعدة البنى التحتية والمؤسسات والمنشآت وكلّ ما يتكفل عادة باحتضان استثمارات لها طابع تحصيل الإيرادات؛ وهذا اعتبار لا يقتصر على مستقبل أموال نظام الملالي في سوريا، بل يشمل أيضاً ما سعى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى انتزاعه من بشار الأسد خلال زيارة مفاجئة إلى دمشق، مطلع 2020، عاد بعدها خالي الوفاض. لقد تكفلت حروب النظام ضدّ سوريا، الدولة والشعب والمؤسسات والتاريخ، بتحويل البلد إلى حال متفاقمة من العطالة والفشل والشلل، فضلاً عن العوز والندرة والتجويع والغلاء الفاحش وهبوط العملة الوطنية إلى أسفل سافلين. وغير مستبعد، إلى هذا، أن يطوّب الأسد آلاف الهكتارات من أراضي سوريا لصالح سلطات الملالي أو شركات استقبال الحجيج الإيراني أو حتى تشييد الحسينيات، وأن تتعالى أكثر فأكثر الهتافات الطائفية «يا علي! يا علي!» التي استقبلت الرئيس الإيراني على دروب مطار دمشق.

وهذا لن يبدّل حقيقة أنّ رئيسي يأتي، اليوم، حاملاً لائحة ديون إلى أجير مفلس وتابع مرتهن؛ ولن يعود، أغلب الظنّ، بما هو أثقل من خفّيْ حنين!

كاتب وباحث سوري يقيم في باريس

القدس العربي

———————-

انتصار إيران في سوريا المهزومة/ نزار السهلي

قبل أن يتوجه الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي لدمشق بـ 24 ساعة، كانت طائرات الاحتلال الإسرائيلي تشن غارات عنيفة على مطار حلب الدولي ومحيطه وعلى مخازن أسلحة إيرانية، والغارات الإسرائيلية التي أصبحت اعتيادية، تستهدف كل مرة مواقع ميليشيا إيران الناشطة في مواقع النظام السوري العسكرية والأمنية، في توقيت الزيارة وعنوانها المرفوع على مواقع إيرانية حملت شعار”الرئيس الإيراني يشارك في حفل انتصار المقاومة في سوريا”

حصر المواقع المستهدفة

وإذا تم حصر المواقع الإيرانية المستهدفة من الاحتلال الإسرائيلي وإحصاء الخسائر البشرية والمادية لطهران، نجد أن الرقم تجاوز الألف غارة منذ ثمانية أعوام، وأن الخسائر البشرية طالت كوادر مهمة من عسكريين ومستشارين يقدمون الدعم والإسناد لقوات النظام السوري في قمع وقتل السوريين، وغارات الاحتلال الاسرائيلي وصلت لكل نقطة تتمركز فيها ميليشيا طهران على الجغرافيا السورية مع مواقع النظام .

العنوان الفضفاض ” للانتصار” الإيراني وإلباسه رداء المقاومة المهترئ بثقوب عرت كل شيء وأظهرت حقيقة المشروع الإيراني المنتصر حقيقةً على الشارع السوري، وهو المقصود بالإسناد والدعم الذي قدمته طهران للنظام السوري بثبيت دعائمه الأمنية والعسكرية الباطشة في المجتمع السوري المُخترق بقوافل التشيع المذهبي والطائفي والتغيير الديموغرافي الذي طال مناطق عدة في سوريا، وأتاح لطهران مقايضة النظام بفاتورة تمويل قمعه للسوريين بإبرام عقود استحواذها على مقدرات اقتصادية بالغة الأهمية، يدفع السوريون ثمنها لمن ساهم بقتلهم وتشريدهم وإفقارهم، وعلى غرار الفاتورة الروسية التي جباها بوتين من النظام السوري في صكوك وعقود السيطرة على مفاصل أساسية من الاقتصاد السوري، وشكلت فجوات هائلة بالمجتمع السوري وانعدام الأمن الغذائي والدوائي والمائي حسب وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارتن غريفيث، أن أعداد السوريين الذين يعيشون تحت خط الفقر بأكثر من 90 في المئة من إجمالي عدد سكان البلاد، وأشار إلى أن كثيرا منهم يضطر إلى اتخاذ خيارات صعبة للغاية لتغطية نفقاتهم.

نزيف الخسائر

مفهوم الانتصار الإيراني، والاحتفاء به من داخل دمشق، هو بحجم المكاسب الذي حققتها طهران باستمرار سلامة نظام بشار الأسد، وربطاً بالشعار المرفوع عن المقاومة ومكاسبها من هذا الانتصار بجوانبه العسكرية والاقتصادية والسياسية، نجد أن نزيف الخسائر والهزائم طالت كل شرائح المجتمع السوري المعني بهذا النصر، تشير إلى أن المعركة أو المواجهة التي تخوضها طهران في سوريا بغرض تحقيق الانتصار، هي مراكمة الإنجازات التي تمكنها من تنفيذ مشروعها بالسيطرة، كما اعتاد مسؤولوها على تذكير الإنسان العربي بسيطرة طهران على أربع عواصم عربية، واليوم يسمع السوري من الرئيس الإيراني العبارة نفسها في دمشق عن انتصار المقاومة المتمثلة في نظام الأسد، وعن فضائل المجرم قاسم سليماني الذي أبدع في طرق قتل السوريين.

نظام يتلقى الغارة تلو الغارة من المحتل الإسرائيلي المستمر باحتلال الجولان، ويهنئ بهدوء جبهته منذ خمسة عقود بفضل وجود النظام “المقاوم” على هرم السلطة في دمشق ولا مشكلة أصلاً لدى المؤسسة الصهيونية أن يسمي النظام نفسه بأي أسماء تفخمه أو تعملقه طالما يحصل منه على الهدوء المطلوب.

التمدد الإيراني

وبالعودة ، للانتصار الإيراني في سوريا، وتحقيق النظام مكاسب هزيمة الثورة السورية الذي يحتفي الإيراني بتحقيقها بمشاركة النظام، نجد أن المحتل الإسرائيلي كما عبر أكثر من مرة في السنوات الـ12 الماضية أن لا مشكلة له مع نظام بشار الأسد، بقدر مخاوفه من التمدد الإيراني في سوريا والذي يعتمل معه وفق الرواية الإسرائيلية بكثير من الدقة والمراقبة والاستهداف والتدمير، أي أن الانتصار تحت السيطرة الإسرائيلية “مفيد” بنتائجه الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والأمنية للاحتلال، وفي البحث عن الفوائد التي خلفها النظام السوري للاحتلال الإسرائيلي، من بطش وتدمير للمجتمع السوري، نجد أيضا مئات من المفارقات المؤسية والمؤلمة والمخزية في معظم المجالات، أصغرها عدم قدرة الاحتلال الإسرائيلي على إحداث هذا التحطيم الواسع الذي طال سوريا بفضل وحشية النظام التي أتاحت ساتراً ضخماً يتلطى خلفه عتاة الصهيونية في تل أبيب، وعبد لهم طرق التطبيع العربي معها ومع النظام في الوقت عينه.

الأنظمة العربية

أخيراً، الانتصار الإيراني في سوريا المهزوم شعبها بالقمع وبإجهاض حريته وقتل إنسانيته ومواطنته، ورسالة مهمة للأنظمة العربية التي تذرعت بقطيعتها اللفظية للأسد لعلاقته مع المشروع الإيراني، أن ثبيت الديكتاتور السوري على دماء الشعب السوري، يترك أثراً واضحاً أن النصر في سوريا المهزومة اليوم هو لمشاريع الاحتلال الإيراني والروسي والإسرائيلي، و من يمتلك دلائل نصر اجتماعي واقتصادي وسياسي وأمني وعسكري، فليرشدنا إليها بعيداً عن يافطة إيران والنفخ بعضلات الأسد على جثث وحطام السوريين وربطها مع فلسطين أو الحفاظ على عروبة سوريا ووحدتها وأمنها.

كاتب فلسطيني

———————————

دبلوماسية الكبتاغون/ بكر صدقي

لن نفاجأ إذا عرفنا، في وقت ما من المستقبل، أن أجهزة المخابرات السورية هي مصدر المعلومات التي أفضت إلى إحباط تهريب شحنتين من الكبتاغون والإمفيتامين في ميناء جدة وعلى الحدود السورية الأردنية، بالتزامن مع انعقاد «الاجتماع التشاوري» الذي جمع وزراء خارجية السعودية ومصر والأردن والعراق إلى زميلهم السوري فيصل المقداد في عمان قبل يومين.

ففي مثل هذه الحالات من مصادرة شحنات المخدرات نادراً ما يتعلق الأمر بمصادفة. فأي مفتش جمارك قد يفتش شاحنات تحمل مواد بناء أو شحنات رمان بشكل دقيق فيكتشف ما خبّئ بداخلها؟ ففي الغالب تحصل أجهزة التفتيش على معلومات من مصادر موثوقة تحدد وسائل الشحن والمخابئ المستخدمة للتمويه وأسماء الأشخاص الذين يقومون بالنقل والاستلام، فيتم كشف الشحنات المهربة وإلقاء القبض على الجناة بالجرم المشهود. كل الناس يعرفون أنه لا يمكن أن تتم عمليات التهريب عموماً إلا بتواطؤ من السلطات المكلفة بأمن الحدود، وكل فترة يشي المهربون بواحدة من شحناتهم عربوناً لاستمرار التعاون، للتغطية على عدد أكبر من الشحنات، وتبييض صفحة المكلفين بأمن الحدود أمام السلطات الأعلى منهم.

في حالة تصدير المخدرات السورية التي بات العالم كله يعرف أن النظام الأسدي هو القائم عليها، وتحولت إلى مشكلة إقليمية وعالمية، نملك كل الأسباب التي تدعو إلى افتراض أن «المهرب السوري» هو الذي وشى بتفاصيل المعلومات التي أفضت إلى إحباط عمليتي التهريب المشار إليهما أعلاه، بالتزامن مع اجتماع عمان التشاوري لتحقيق هدفين، «تجاري» وسياسي. الأول هو ما ذكرناه من التضحية بشحنة مقابل استمرار تدفق الشحنات التالية، أما الهدف السياسي فهو لتحديد أجندة اجتماع عمان لكي ينحصر في وقف تدفق الكبتاغون إلى الأردن والسعودية وغيرها من البلدان. فإذا تم إغراق المجتمعين بهذا الموضوع فقدت المسائل الأخرى (الحل السياسي، إعادة اللاجئين…) أولويتها، وبات السعي للتخلص من كارثة المخدرات، أو الحد منها على الأقل، هو الأولوية القصوى الأكثر إلحاحاً. ومن شأن تعاون النظام في إحباط الشحنتين أن يعطي فيصل المقداد سلاحاً فعالاً في الاجتماع: فقط نحن من يملك مفتاح تجارة المخدرات سماحاً أو وقفاً! عليكم التعاون معنا وأن تعطونا ما نحتاج لنعطيكم هذا التعاون!

وهكذا أعلن البيان الختامي الصادر عن الاجتماع أنه «جرى في أجواء إيجابية للغاية» وأنه سيتم تشكيل لجنتين أمنيتين من المخابرات الأردنية والعراقية مع نظرائهم السوريين للمساعدة على وقف تدفق الكبتاغون. بهذا الإنجاز (!) الكبير تكون خطة «خطوة مقابل خطوة» الأردنية قد وضعت موضع التطبيق العملي. كيف؟ كلما استجابت الأنظمة العربية المعنية لطلبات النظام السوري، أعطاهم هذا معلومات عن شحنة جديدة عبر اللجان الأمنية المشتركة ليتم «إحباطها» وبهذه الطريقة يكون الطرفان رابحين! يا لها من شطارة طالما برع فيها نظام الأسد بإعادة حق لأصحابه مقابل مكاسب!

أما البنود الأخرى في البيان الختامي فهي لزوم ما لا يلزم: ضرورة المضي في الحل السياسي وفقاً للقرار 2254، إحياء عمل اللجنة الدستورية، العمل على توفير الشروط لعودة «طوعية وآمنة» للاجئين السوريين، مصالحة وطنية… إلخ… إلخ… إنها بنود باتت توضع في البيانات الختامية بحكم العادة، مثلها مثل التأكيد الروتيني في اجتماعات القمم العربية أو منحدراتها على حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وفقاً لقرارات الأمم المتحدة، أو ضرورة عودة الجزر الإماراتية الثلاث في الخليج العربي إلى السيادة الإماراتية، أو إعادة مرتفعات الجولان إلى السيادة السورية، أو توحيد جهود الدول العربية لمكافحة الفقر، أو غيرها من الشعارات الجوفاء التي لا تقوم على أي إرادة حقيقية.

في جميع الصور التي ظهر فيها فيصل المقداد في اجتماع عمان التشاوري كانت على وجهه ابتسامة ارتياح عريضة، فهو منتش بتحقيق انتصار دبلوماسي كبير، لا يقتصر على استبعاد مسائل الحل السياسي لمصلحة موضوع الكبتاغون، بل من المحتمل أنه تلقى أيضاً وعوداً سخية من زملائه بشأن ما يمكن أن تقدمه دولهم للنظام من أعطيات غير معلنة مقابل التعاون في وقف تدفق الكبتاغون. ولا بد أن زعيم كارتل المخدرات السوري في قصر المهاجرين يترجم ابتسامة المقداد إلى قهقهة صاخبة يهنئ بها نفسه على بعد نظره «الاستراتيجي» في ابتكار سلاح المخدرات هذا الذي يبيض ذهباً مالياً وسياسياً كيفما استخدمه.

ما هي الطلبات الأسدية المحددة، وغير المحدودة، التي تقدم بها المقداد مقابل تعاون نظامه؟

من حيث الشعارات الجوفاء، وضع المقداد كل الترهات التي يكررها النظام وإعلامه كل يوم، في نص البيان الختامي، كالمساعدة على تحقيق سيادة «الدولة» السورية على جميع الأراضي السورية، ومكافحة الإرهاب بكل أشكاله، وخروج كل القوات الأجنبية الموجودة بشكل غير شرعي (!) على الأراضي السورية (وهذا يعني في لغة النظام استثناء للقوات الإيرانية والروسية، فهذه موجودة بناء على طلبه) والمساعدة على إعادة الإعمار وتمويل مشاريع التعافي المبكر لتوفير شروط عودة اللاجئين… إلخ من هذه المطالب التي لا تتجاوز قيمتها أكثر من الحبر الذي كتبت به.

أما المطالب الحقيقية للنظام فيمكن استشفافها من وسائل إعلامه التي تناقش الأمور وفقاً للمنطق التالي: تريدون إعادة اللاجئين؟ حسناً، مولوا لنا إعادة تأهيل المناطق المدمرة التي سيعودون إليها، وأعطونا استثمارات لإيجاد فرص عمل لهم، وإلا فمن أين تريدوننا أن ننفق على طعامهم وسكنهم وكسائهم؟ وبعد يومين سيزورنا رئيس الجمهورية الإيراني إبراهيم رئيسي ليطالبنا بالديون المتراكمة علينا بسبب الحرب التي شننتموها علينا، ألا تطالبوننا بالحد من الوجود الإيراني في سوريا؟ بأي وجه نطالبهم بذلك ونحن لا نملك غير الأرض سداداً لديوننا؟ سددوها أنتم عنا، فترتاحون ونرتاح من مطالباتهم… وسائل إعلامكم المسمومة واظبت على تحريض السوريين على «دولتهم» طوال السنوات الماضية، فأصبحوا يكرهونها ويتآمرون عليها. كيف تطلبون منا إعادة من هرب منهم إلى الخارج، فهم يحتاجون إلى إعادة تأهيل سيكولوجية مكلفة ليحبوا «وطنهم» مجدداً ويندمجوا في النسيج الاجتماعي المتجانس…

بدلاً من دعوة الأسد لحضور اجتماع القمة العربية في جدة، وقد تم إحباطها، ربما نرى انعقاد الاجتماع القادم لمسار التطبيع هذا في العاصمة السورية. فلطالما كرر الناطقون باسم النظام القول إن العرب هم من سيعودون إلى سوريا وليس العكس.

كاتب سوري

القدس العربي

————————–

اجتماع وزراء الخارجية العرب الأحد سيبحث عودة النظام السوري إلى الجامعة/ عماد كركص

سيناقش وزراء خارجية جامعة الدول العربية، غداً الأحد، مسألة عودة سورية إلى الجامعة، بحسب ما أفاد به المتحدث باسم الأمين العام للجامعة، “العربي الجديد”.

ويعقد وزراء خارجية جامعة الدول العربية، غداً الأحد، اجتماعين طارئين، لمناقشة ملفي سورية والسودان.

وأكد المتحدث باسم الأمين العام للجامعة، المستشار جمال رشدي، لـ”العربي الجديد” اليوم السبت، الدعوة للاجتماع الخاص بسورية، لافتاً إلى أنّ الدعوة له جاءت من قبل الأردن ومصر والعراق والسعودية.

وحول ما إذا كان موضوع عودة سورية إلى الجامعة لشغل مقعدها في القمة العربية المقبلة في جدة سيكون ضمن بنود اجتماع وزراء الخارجية، قال رشدي إنّ “الاجتماع الوزاري يوم الأحد هو ما سيحسم هذه المسألة (أي عودة سورية)”.

وحول الآلية المتبعة لعودة سورية إلى الجامعة وفق القواعد المتبعة فيها، في حال الذهاب نحو هذا الخيار، قال رشدي: “القضايا في الجامعة تتخذ بالتوافق، وإذا تعذر التوافق يتم اللجوء في حالات محدودة للتصويت”، لافتاً إلى أنه في “الأصل هو بلورة توافق، وإذا كانت هناك دولة غير موافقة، تتحفظ”.

وتبقى عودة سورية إلى الجامعة العربية واردة، في ظل حراك عربي للتواصل مع النظام السوري في دمشق، بعد القطيعة التي خلفها تعامل النظام بقوة مفرطة مع الحراك المناهض لحكم نظام بشار الأسد، حين علقت عضوية دمشق فيها في اجتماع طارئ دعت له على مستوى وزراء الخارجية في نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2011، وفرضت عليه عقوبات سياسية واقتصادية.

وكان الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، قد قال، في حوار تلفزيوني، الأربعاء الماضي، رداً على سؤال حول إمكانية عودة سورية إلى الجامعة، إنه تلقّى اتصالاً هاتفياً من وزير خارجية الأردن أيمن الصفدي بشأن الاجتماع الوزاري الذي عقد في عمّان أخيراً، وأطلعه على أهدافه ونتائجه.

وأوضح أنه يحق لمجموعة دول عربية أن تجتمع لمناقشة أمر ما يشغلها، معرباً عن اعتقاده بأنّ شغل المقعد السوري في الجامعة العربية “سيأخذ وقتاً طويلاً، وخطوات متدرجة”.

وأوضح أبو الغيط أنّ آلية عودة سورية إلى الجامعة العربية “لها سياق قانوني محدد في ميثاق الجامعة العربية، وأنه يحق لدولة أو مجموعة دول المطالبة بمناقشة موضوع عودة سورية لشغل مقعدها في الجامعة العربية، خاصة وأنه لم يتم طردها من الجامعة؛ لكن تم تجميد عضويتها، أو تعليق العضوية”.

وكان وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي قد قال، أول أمس الخميس، في حديث تلفزيوني مع شبكة “سي أن أن” الأميركية، إنّ الأردن “توصل منذ مدة إلى ورقة تطورت إلى مبادرة تستند إلى دور عربي رائد، وفق نهج خطوة مقابل خطوة، بالتنسيق مع شركائنا وحلفائنا، بما ينسجم مع القرار 2254 للتقدم نحو الحل في سورية”، مؤكداً مناقشة المبادرة مع واشنطن وعواصم غربية أخرى.

وأكد الصفدي أنّ جامعة الدول العربية سوف تنظر قريباً جداً في عودة سورية إلى شغل مقعدها، ملمحاً إلى أنّ “هناك ما يكفي من الأصوات بين الأعضاء لعودة سورية”.

وأجرى الصفدي اتصالاً هاتفياً، الخميس، مع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، أطلعه خلاله على مخرجات اجتماع عمان التشاوري حول سورية، ووضع الصفدي بلينكن في صورة المسار الذي أطلقه الاجتماع بدور عربي قيادي للتدرج نحو حل الأزمة السورية ومعالجة جميع تبعاتها الإنسانية والأمنية والسياسية، وفق منهجية الخطوة مقابل خطوة، وبما ينسجم مع القرار الأممي 2254.

وفي هذا الإطار، قالت وزارة الخارجية الأميركية، في بيان، إنّ بلينكن تحدث مع الصفدي حول سبل المضي قدماً في سورية، ونقلت الخارجية عنه قوله: “أعدت التأكيد على دعم الولايات المتحدة لقرار مجلس الأمن رقم 2254 باعتباره الحل الوحيد القابل للتطبيق لإنهاء الصراع وأكدت موقفنا ضد التطبيع مع نظام الأسد”.

وكانت الجامعة العربية قد اتخذت القرار بتعليق عضوية النظام في الجامعة في نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2011، بموافقة 18 دولة في حين اعترضت ثلاث دول، هي سورية ولبنان واليمن، وامتنع العراق عن التصويت، وذلك عقب عدم استجابة النظام لخطة عربية لوقف العنف والذهاب للحوار بين المعارضة والنظام، الذي ذهب للمضي والإفراط بالعنف.

——————————-

رئيسي في دمشق لا الرياض/ عمار ديوب

سالَ حبرٌ كثير عن بيان المصالحة في بكين بين الرياض وطهران، وأعلن في 10 مارس/ آذار 2023. وجاء في سياق أنّ المنطقة تتجه نحو خيارٍ آخر، غير خيار اتفاقيات إبراهام ومواجهة تمدّد إيران، وربما الحرب عليها؛ بل جاءت تلك المصالحة لتوقف الخيار “الإبراهيمي”، وقيل إن السعودية قد تَدخُله، وجَهِدَت أبوظبي لإشراك النظام السوري فيه. بعد عدّة أيامٍ يكتمل الشهران، اللذان أعطتهما السعودية لإيران للتقدّم في المصالحة، ولإظهار حسن النية، ولا شك أن هناك تحرّكات إيجابية على الساحة اليمنية، مدفوعة إيرانياً، ولكن الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، بدلاً من تلبية دعوة العاهل السعودي لزيارة الرياض، وجاءت بعد البيان، زار دمشق أمس الأربعاء، 3 مايو/ أيار الجاري. إذاً، لا تسير سكّة المصالحة، كما تشتهي السعودية، وهناك سكّة أخرى، تريد طهران للمصالحة أن تسير عليها؛ إنّها سكّة العلاقات مع المنطقة كما قبل 2011. وبذلك، تريد إيران إعادة التاريخ إلى الوراء، والاستمرار بالسيطرة على أربع عواصم عربية والاستمرار بسياسة التشييع وملء الفراغ الأميركي، وهذا من باب المستحيلات.

إبراهيم رئيسي أوّل رئيس إيراني يزور دمشق منذ 2011، وتأجلت زيارته عدّة مرّات، ولكنّها تحدّدت أخيراً. كان التأجيل، لأسبابٍ تتعلق بتعثر التفاهم بين النظامين، الإيراني والسوري، حيث هناك خلافات على حجم الديون بصورة رئيسية، وأعلى التقديرات تؤكد أنّها ستون مليار دولار، وقد زار وزير الطرق والتنمية الإيراني، مهرداد بذرياش، دمشق قبل أيامٍ، على رأس وفد اقتصادي كبير، وتشكّلت ثماني لجان اقتصادية للتنسيق بين العاصمتين بخصوص الاتفاقيات الاقتصادية الاستراتيجية بينهما، وتشمل استثماراتٍ طويلة الأجل، ولمعالجة الديون، والكهرباء، والنفط، والتحويلات المصرفية، والنقل السككي والبحري، والسياحة واستملاك الأراضي السورية، لا استئجارها، ومرفأ بحريّ، ووقّعها رئيسي في دمشق. وتناقلت وسائل الإعلام جملة للرجل، توضح رؤية طهران للعلاقة مع المنطقة، وضمناً المصالحة أعلاه، وتقول: “النظام العالمي والإقليمي يسير في صالحنا”، أي في صالح إيران والنظام السوري ومحور “المقاومة”، مثل حزب الله وحركة حماس… الزيارة هذه تأتي بعد مبادرة سعودية ناشطة في أيامنا هذه، وجاءت بعد التوافق الأمني الواسع بين النظام والسعودية، وبعد زيارة لوزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، للرياض، وزيارة وزير خارجية السعودية، فيصل بن فرحان، لدمشق. وانعقد اجتماع لوزراء خارجية دول مجلس التعاون والأردن ومصر والعراق في جدّة، وقد صدر عنه بيان يؤكّد ضرورة الحل السياسي في سورية، وكذلك، عقدت المجموعة نفسها، في الأول من مايو/ أيار الجاري، في عمّان اجتماعاً للغاية ذاتها، وبحضور وزير الخارجية السورية، فيصل المقداد، وأكد ضرورة تطبيق قرار مجلس الأمن 2254، وسياسة الخطوة خطوة الأردنية، والعودة الآمنة للاجئين.

لا تلاقي زيارة رئيسي المبادرة السعودية، لا في منتصف الطريق، ولا في بدايتها، حيث يأتي الرجل إلى دمشق ليعلن انتصاره والسلطة السورية على “الإرهاب”، وعادة ما يشار إلى دورٍ خليجي في الوضع السوري الكارثي. الاتفاقيات الاقتصادية هي تكملة للانتصار العسكري، وبالتالي، على المبادرة السعودية أن تغيّر اتجاهها، وتسير على السكّة الإيرانية، وتعترف بالانتصار ذاك، وتساعد في إعادة إعمار سورية بقيادة الشركات الإيرانية، وتدفع لها! لتستمر، وإلّا فهي بحكم المتوفّاة.

لم تتقدّم العلاقات بين السعودية ونظام دمشق كثيراً، وكذلك الأمر بما يخصّ مصر والأردن. أمّا نظام دمشق، فكان يبتغي قضايا أخرى، غير ما أرادت السعودية، وهناك دول عربية لم تستسغ التطبيع معه من الأصل، وظلّت متحفّظة عليه، كقطر والكويت والمغرب. ويضع انتقال إيران إلى علاقات اقتصادية متينة مع نظام دمشق حدوداً نهائية للمبادرة السعودية التي كانت تهدف إلى تخفيف الوجود الإيراني؛ فشكل العلاقة بين دمشق وطهران، علاقة محافظة ضمن الدولة الواحدة، وليست بين نظامين مستقلين، وبينهما اختلافات أو حتّى توافقات! وربما كان التقدّم في العلاقات بين دمشق وطهران بسبب تورّط روسيا في أوكرانيا، وحاجتها إلى إيران، فأعطتها سورية. ولهذا، ستتمحور تفاهمات طهران والرياض حول اليمن، ولن تثمر انكفاءً لإيران عن العراق أو سورية أو لبنان. وبخصوص الأخير، تضمّنت زيارة وزير الخارجية الإيرانية، حسين عبد اللهيان، أخيراً، رسائل سياسية بأن لا تغيير في شكل العلاقة بين الدولتين، وزار الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، والتقى وفوداً من حركتي حماس والجهاد الإسلامي، وزار الحدود مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، ورسالته هنا أن إيران على حدودها في لبنان وفي فلسطين، وبالطبع في سورية، وهي مستعدّة للحرب.

تبدو التصريحات بعد اجتماع عمّان أنّ المبادرة السعودية ما زالت تتحرّك بالاتجاه ذاته، وهذا سيؤدي إلى إدارة الظهر لها من النظام السوري في المستقبل، وأيضاً، وبغياب العودة الآمنة للاجئين، ورفض السير بسياسة الخطوة خطوة، أو مقاربة قرار مجلس الأمن 2254، فإن نظام دمشق لن يستطيع تحصيل مليارات الدولارات من السعودية، ولا أن تتوسط له لدى أميركا وأوروبا لرفع العقوبات عنه؛ ولا سيما أن القرارات الدولية لم تتغيّر بخصوص الموقف من دمشق، بل تزداد العقوبات عليها، وتطاول شخصياتٍ مرتبطة بالنظام بصورة وثيقة. وهناك القانونان الأميركيان، “قيصر” و”الكبتاغون”، اللذان يمنعان شرعنة النظام من جديد. صحيح أن أميركا تدفع تنظيمي قوات سوريا الديمقراطية (قسد) ومجلس سوريا الديمقراطية (مسد) إلى الحوار مع النظام، ولا تمنع الانفتاح الأوّلي للدول العربية عليه، لكن ذلك يتطلّب تغييراً في سلوكه. وترسل الاتفاقيات التي سيضع رئيسي توقيعه عليها رسالة سلبية للغاية للمبادرات العربية، وكذلك للسياسة الأميركية والأوروبية، وقد لا تُعجِب الصين كذلك.

هناك مبادرة إضافية، تقودها تركيا، للتقارب مع النظام، وهذه ستتأثر بالاتفاقيات الاقتصادية أعلاه، التي هي لمصلحة إيران، وستكون لنتائج الانتخابات التركية، وفي حال فوز أردوغان فيها، بداية للبطء في التطبيع، وقد ساهم الزلزال بدوره في ذلك؛ وكذلك، إعادة اجتماع وزراء الدفاع والاستخبارات في روسيا في الأسبوع الماضي، بدلاً من وزراء الخارجية. إن عدم اجتماع وزراء خارجية الرباعية (إيران وروسيا وتركيا والسلطة السورية) في موسكو، وقد كان على قائمة اللقاءات من قبل، يؤكّد الاختلاف الكبير بين الشروط التركية وشروط النظام السوري لتحقيق التقارب.

رؤية إيران والنظام السوري، هي وصل ما انقطع بين 2023 و2011. وإعادة التاريخ إلى الخلف. لا تعي الدولتان أن ذلك غير ممكن، وأنّهما معنيتان بتقديم رؤى وسياسات جديدة كليّاً للدواخل المحليّة وللمنطقة برمّتها، وليس بمقدور الصين أو روسيا مساعدة إيران والنظام السوري، في تلك الإعادة. بخصوص النظام، ليس هناك أيّة إمكانية لتعويمه دوليّاً، وها هي عملية تعويمه عربيّاً تصل إلى طريقٍ مسدودٍ تقريباً، وستقتصر على علاقات دبلوماسية واستخباراتية.

كان على رئيسي أن يتواضع، ويزور الرياض بدلاً من دمشق، وأن يعزّز أواصر الثقة ويلاقي الرياض في مسعاها الإقليمي لإقامة علاقات متوازنة، ليس فيها تبعية لإيران أو تركيا أو إسرائيل. وبتفويته هذه الفرصة، قد تعيد السعودية النظر في بيان المصالحة في بكين. وبالطبع، ستنفتح إزاء أيّة سياسات للحدِّ من النفوذ الإيراني، بما فيها سياسات الولايات المتحدة. وهناك عودة لقوات أميركية إلى المنطقة. وهناك تقارير تؤكّد أن كلاً من أميركا وإسرائيل تتجهزان لحرب خاطفة ضد النظام الإيراني، ولنفترض أنهما في طور التجهيز فقط، فإن السياسة الإيرانية، كما أوضحتها السطور أعلاه، وعدم زيارة للرياض، خاطئة بالكامل.

——————————

عن إعادة العلاقات التونسية السورية وسياقاتها العربية والدولية/ سالم لبيض

بعد طول تماهٍ مع قرارات دولية سالفة، والالتزام بمسارات مماثلة، انتهجتها جامعة الدول العربية منذ موفى سنة 2011، حسم الرئيس التونسي، قيس سعيّد، أمره، واستجمع قواه، وأبان لمريديه ومواليه عزما ترجَمه قراره إعادة العلاقات التونسية السورية. شاءت لعبة المصالح أن يكون هذا القرار متزامنا مع تبدّلات في مواقف قوى عالمية مهيمنة وأخرى إقليمية مؤثّرة، فسارع على أثرها، يوم 27 إبريل/ نيسان 2023، إلى استدعاء الدبلوماسي محمد المهذبي إلى قصر الرئاسة بقرطاج لأداء القسم واستلام أوراق الاعتماد سفيرا فوق العادة مفوّضا للجمهورية التونسية لدى سورية.

وعلى خلاف وعد قطعه الرئيس السابق الباجي قائد السبسي على نفسه، في أثناء الحملة الانتخابية الرئاسية سنة 2014، بإعادة العلاقات الرسمية بين تونس وسورية وتبادل السفراء، ولكنه اكتفى طوال مدّة رئاسته (2014 – 2019) بتعيين قنصل عام بدمشق سنة 2015، وإرسال بعثة قنصلية محدودة التمثيل سنة 2017، فإن الرئيس سعيّد لم يقدّم في أثناء حملته الانتخابية سنة 2019 وعودا مماثلة، وخلت خطاباته وبياناته وتصريحاته من الخوض في العلاقات التونسية السورية التي جرى قطعها سنة 2012، تاريخ مغادرة السفير السوري تونس، بأمر من الرئيس التونسي آنذاك منصف المرزوقي، وسحب سفير تونس بدمشق، على خلفية تعليق عضوية سورية في جامعة الدول العربية.

غابت عن خطاب الرئيس سعيّد يوم 23 أكتوبر/ تشرين الأول 2019 في مجلس النواب (40 دقيقة)، على هامش أداء اليمين الدستورية، أي إشارة إلى موضوع العلاقات التونسية السورية، فلم تكن إعادة تلك العلاقات مدرجة في سلّم أولوياته البتة. وتأكّد هذا سنتين أو يزيد والرئيس التونسي يترأس القمّة العربية التي ارتحلت إلى تونس سنة 2019 ومُنحت رئاستها للرئيس الراحل السبسي، وقد استلمها الرئيس الجزائري مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني 2022. اكتفى سعيّد في جلسة افتتاح القمة العربية بالجزائر في دورتها عدد 31 بإشارة يتيمة عابرة في خطاب دام 35 دقيقة، سلّم على أثره العهدة للرئيس عبد المجيد تبون. جاء فيها “حان الوقت لتوحيد المواقف حتى تستعيد سورية عافيتها ويستعيد اليمن سعادته وليبيا مكانتها”، أما في كلمته، 11 دقيقة، في القمّة العربية الصينية في الرياض يومي 9 و10 ديسمبر/ كانون الأول 2022، فإن الرئيس سعيّد تناول كل قضايا الكون، لكنّه تجنّب إثارة موضوع إعادة العلاقات العربية السورية، وما قد يحدثه من مطبّات دبلوماسية وأزمات سياسية.

أبدى سعيّد براغماتية غير معهودة، وقدرة على التقاط اللحظة السياسية وتوظيفها لتثبيت سلطانه، حين أعلن عن قراره إعادة العلاقات التونسية السورية، ورفع من مستوى التمثيلية، فعيّن سفيرا لتونس بدمشق وفتح السفارة السورية بتونس لاستقبال السفير السوري، مباشرة بعد أن أُعلن يوم 10 مارس/ آذار 2023 من بيجين عن نجاح الوساطة الصينية بين السعودية وإيران، تبعا لمفاوضات مضنية أفضت إلى إعادة العلاقات بين البلدين والاتفاق على فتح سفارتيهما بالرياض وطهران وتوقيع اتفاق في الغرض، وإحياء معاهدة 1998 الاقتصادية واتفاقية 2001 الأمنية. وتُظهر الوقائع والأحداث السياسية المتواترة منذ توقيع الاتفاق أن التفاهمات أفضت إلى ما يمكن تسميته “سورية مقابل اليمن”، أي أن الرياض تعيد علاقاتها مع سورية وتعمل على إعادة إدماجها في جامعة الدول العربية، وإلغاء قرار تعليق العضوية المتخذ من الجامعة سنة 2011 وممارسة ما يستوجبه الأمر من تأثير وضغوط. وكانت من نتائج الاتفاق زيارتا وزيري خارجية البلدين جدّة ودمشق. وفي المقابل، تتولّى إيران المساعدة على إيقاف الحرب اليمنية التي استنزفت الخزينة السعودية بمئات مليارات الدولارات، وأدت إلى إزهاق مئات آلاف الأرواح وملايين المهجّرين والمشرّدين داخليا وخارجيا، وبدء مفاوضات مع الحكومة الحوثية في صنعاء، وهو ما تم الشروع في تحقيقه بعد زيارة أداها السفير السعودي محمد آل جابر إلى صنعاء برفقة الوفد العُماني الذي رعى المفاوضات المباشرة مع الطرف الحوثي في مسقط.

نشرت صحيفة العربي الجديد في 19 إبريل المنقضي أن الولايات المتحدة هي التي أعطت الضوء الأخضر للدول العربية لتطبيع علاقاتها مع السلطات السورية. وأن المبعوث الأميركي السابق إلى سورية، جويل ريبرون، قال إنّ مسؤولين كباراً في الإدارة الأميركية أعطوا دولاً عربية “ضمناً” الضوء الأخضر للتطبيع مع نظام الأسد، وأن هذه الإدارة فضّلت التطبيع مع النظام على أن ترعى روسيا “صفقة” بين دمشق وأنقرة. وكانت واشنطن علّقت العقوبات على سورية بموجب قانون قيصر الأميركي إبان الزلزال المدمّر الذي شهده شمال سورية، وفُهم من هذا الإجراء تغيّر في الموقف الأميركي تجاه النظام السوري.

تسفّه السياسات والقرارات والمبادرات الدولية والإقليمية الرامية إلى إعادة العلاقات العربية السورية وعودة سورية إلى جامعة الدول العربية، ما يروّجه الأنصار والمريدون أن قرار الرئيس سعيّد تعيين سفير تونسي بدمشق سيادي لا دخل فيه للأطراف الخارجية العربية والدولية. فقد أظهرت الأحداث أن القرار التونسي، وما ترتّب عنه من استقبال تونس وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، جاء بعد رحلة الأخير إلى جدّة، بوابة ومنطلق جولته إلى عدّة دول عربية، ومنها مصر والجزائر وتونس. ولو أن القرار كان تونسيا سياديا صرفا وليس إقليميا بموافقة دولية، لكان الرئيس سعيّد قد اتّخذه مباشرة بعد توليه السلطة سنة 2019 أو بعد سنة أو سنتين، ولكنه انتظر أربع سنوات حتى اشتعل أمامه الضوء الأخضر وفُتح له هامش “سيادي” لاستغلاله، هو الهامش نفسه الذي أتيح لغيره من الحكّام العرب.

ولاستغلال الهامش المتاح، اختار سعيّد أن يكون السفير التونسي المعيّن بدمشق موظّفا قديما في وزارة الخارجية التونسية، محمد المهذبي (58 سنة)، حصل على شهادة الأستاذية في الفلسفة سنة 1989 ودبلوم الدراسات المعمّقة في العلوم السياسية، واشتغل بالترجمة لإتقانه اللغة الألمانية. وهو دبلوماسي مخضرم، استطاع في أوج حكم زين العابدين بن علي (1987-2011)، أن ينفذ سنة 1994 إلى وزارة الخارجية التونسية موظّفا بقنصلية تونس في بون، ثمّ قنصلا في ميونخ (2006-2011)، منافحا عن الثقافة السياسية السائدة آنذاك، وذلك قبل أن يختفي اسمه من سجلّات الوزارة سنوات طويلة، ليظهر من جديد بالجريدة الرسمية التونسية في 3 يناير/ كانون الثاني 2020 وزيرا مفوّضا يتولّى مهمّة مدير العلاقات مع روسيا وبلدان وسط أوروبا والقوقاز بالإدارة العامة لأوروبا والاتحاد الأوروبي والمتوسّط، ويصبح سنة 2021 وزيرا مفوّضا خارج الرتبة، وهي أعلى درجة بسلّم التراتب الدبلوماسي بوزارة الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج. وقد يكون من عوامل اختياره توليه الإشراف على إدارة تختصّ بالعلاقات مع روسيا، ما قد يساعده على النجاح في بلدٍ يُلاحظ فيه النفوذ الروسي بالعين المجرّدة.

وباستثناء مطابقة البروفايل للوظيفة، لم تظهر بعد ملامح عقيدة دبلوماسية تستبطن توجّهات سعيّد حتى يتلقّفها السفير الجديد وغيره من السفراء ويجعلوها نبراس عملهم ومعيار تعاملهم مع القضايا التي تعترضهم في أثناء مباشرة وظائفهم ومنهج فهمهم تلك القضايا شديدة التعقيد، وفي طليعتها صعوبات تسويق سلطةٍ اختار رئيسها التراجع عن المكسب الديمقراطي، والعودة إلى الدولة التسلطية التي تجلّت في أبشع مظاهرها من خلال الاعتقالات والمحاكمات السياسية وتكميم الأفواه ومنع الحرّيات بموجب المرسوم عدد 54 وبعث المؤسسات الصورية التي لا تلقى إجماع فرقاء السياسة. قد لا تكون هذه المسائل الجوهرية من أولويات السفير التونسي بدمشق، لكنّ نظراءه في السلك الدبلوماسي من مختلف الدول سيثيرونها، فلا يوجد في سجلّ السياسيين والدبلوماسيين الأحرار ما هو أشرف من الانتماء إلى دولة ديمقراطية يتمّ التداول فيها على السلطة سلميا، ولا يوجد ما هو أنكى وأفظع من الوصم الناتج عن الاستفراد بالسلطة والاستبداد. وصم قد يلاحق أصحابه طوال حياتهم، أينما حلّوا ووطئت أقدامهم، فينغّص عليهم عيشهم ويسبّب لهم الضُرّ والأذى.

————————–

كلٌّ منهم يطالب الأسد بشيء ما/ عمر قدور

يوحي الحراك الأخير المكثّف تجاه بشار الأسد بإقرار الجميع ببقائه، وبتسابقهم نحوه، وكأن كلاً من المتسابقين يخشى أن يقطف المنافسون جائزة اصطفاف الأسد إلى جانبه. عناوين كثيرة حملت في الأسابيع الماضية هذا المعنى، بل نُقِل عن مسؤول عربي مواكب للتطبيع مع الأسد أن الأخير غير مكترث بعودته إلى الجامعة العربية، وهناك نكتة مسرَّبة من أوساط المشتغلين على التطبيع مفادها عدم استغرابهم مطالبته العرب باعتذار لقاء عودته إلى الجامعة.

من الأمثلة المتداولة مؤخراً عن “دلال وتمنّع” الأسد مطالبته واشنطن بتغيير سياسي في موقفها لقاء إفراجه عن الرهينة الأمريكية؛ الصحفي أوستن تايس المختطف منذ صيف عام 2012. في الوقت نفسه تزداد التكهنات التي تنص على وجود رضا أمريكي عن التوجه العربي للتطبيع مع الأسد، بما يوحي بربط بين الرضا الأمريكي والإفراج عن الرهينة. جدير بالذكر أن سلطنة عمان تلعب دور الوساطة بين واشنطن والأسد، في حين تشير الأخبار مؤخراً إلى وساطة إماراتية بينه وبين قسد، مع تأويلها في إطار التنافس أيضاً، إذ يكون في التقارب بين الأسد وقسد ردٌّ على محاولات التطبيع التركي معه على حساب القوات والإدارة الكرديتين. 

وكما هو معلوم برز على نحو أُريد له أن يكون لافتاً مطلب الأسد انسحاب القوات التركية من سوريا، كي يقبل بالتطبيع مع أنقرة التي تريده “وفق ما شاع أيضاً” تطبيعاً غير مشروط سوى بالتعاون ضد قسد. في المقابل، لم يتسرّب أي خبر عن تعهّدات من قبله لأنقره لقاء انسحابها، واقتصر ذلك ضمناً على ما هو متداول من قبل لجهة العودة إلى اتفاقية أضنة بين الجانبين. لا يخرج عن السياق ذاته تصوير الأسد كأنه الناخب الأول في الانتخابات التركية التي ستُجرى بعد أيام، وكأنه موعود بأكثر مما يعرضه أردوغان في حال فوز منافسه.

خفّف التقارب الإيراني-السعودي من فرضية تنافس الطرفين على الأسد، خاصة لمناسبة زيارة “رئيسي”، وهي أول زيارة لرئيس إيراني بعد اندلاع الثورة، وحرص فيها على إعلان النصر، بل لا يُستبعد أن يراه نصراً مضاعفاً على خلفية انحسار الاحتجاجات الشعبية في إيران. عشية وصول رئيسي، نفّذت إسرائيل غارة جديدة على مطار حلب، لتذكّر الضيف اللدود بأن تل أبيب حاضرة، ولها حصة من الأسد “على حساب الحصة الإيرانية” طالما لها نصيب من قرار بقائه. سيكون مغرياً الحديث عن التنافس أيضاً، إذا أخذنا في الحسبان أن العرب الذين تربطهم علاقة أوثق مع تل أبيب هم الأكثر حماساً للتطبيع العربي مع الأسد، من دون حاجة للتذكير بريادتهم في هذا المضمار منفردين.

في الأخبار، وقّع الرئيس الإيراني في دمشق اتفاقيات استراتيجية، منها 15 اتفاقية اقتصادية تشمل المستقبل، فيما إذا تم تخفيف الحصار الدولي على الأسد وسُمح بإعادة الإعمار. الشقّ المتعلق بالكهرباء “الأكثر إلحاحاً” ربما يُدرج ضمن مشاريع التعافي المبكر، وللمفارقة قد تستفيد طهران بموجب الاتفاقيات الجديدة من مُنح خليجية مقدَّمة من أعداء الأمس القريب. وفيما يحمل دلالة، أو رسالة، اجتمع الرئيس الإيراني بوزير خارجية الأسد في دمشق، واستمع منه لشرح عن لقاءاته المتصلة بموضوع التطبيع والعودة إلى الجامعة العربية.

مع وجود الرئيس الإيراني في دمشق، أعلنت أنقرة شروطها للتطبيع مع الأسد، ولخّصها المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالين بأن “تركيا تتوقع موقفاً واضحا من دمشق إزاء مسألة مكافحة الإرهاب وحزب العمال الكردستاني والتنظيمات التابعة له، والعودة الآمنة والكريمة والطوعية للاجئين السوريين إلى بلادهم، والدفع بالعملية السياسية”. أما وزير الخارجية التركي، الذي أعلن في اليوم نفسه “الأربعاء” عن أن اجتماعاً رباعياً سيُعقد بعد أسبوع في موسكو، فقد جدد رفض بلاده مطلب الأسد، ورأى أن الانسحاب التركي هو آخر خطوة في سوريا المجزّأة.

في الغضون، واصلت عمّان العمل على ملف التطبيع، بعد استلامها المبادرة من الرياض، وخرج مسؤولون أردنيون إلى العلن بتفاصيل عن مبادرتهم التي يتصدرها موضوع وقف تهريب المخدرات من مناطق سيطرة الأسد عبر الأردن والعراق. الحديث صار واضحاً عن منهجية الخطوة بخطوة، حيث سيكون الشهر الأول بمثابة اختبار للتقدم في موضوع تصدير المخدرات، على أمل أن يكون التقدّم فيه مدخلاً للانتقال إلى ملف اللاجئين في الأردن ولبنان.

بجمع ما سبق نستطيع الخروج بتصوّر أوفى عن “التنافس على الأسد المنتصر”، فالرئيس الإيراني وقع معه “مذكرة تفاهم لخطة التعاون الاستراتيجي الشامل الطويل الأمد”، فضلاً عن الاتفاقيات الاقتصادية، ولا تخفى دلالات المذكّرة من ناحية التأكيد على بقاء الأسد في المحور الذي تقوده وتسيطر عليه طهران. ما تريده تل أبيب تؤكّد عليه بشكل متواصل الغارات الإسرائيلية على مطارات الأسد، أو على مواقع أخرى تستثمرها طهران، وإذا أراد تجنّب الغارات فعليه الحدّ من النفوذ السياسي والعسكري الإيراني، والذي أكّدت عليه للتو اتفاقياته مع نظيره الإيراني.

تريد واشنطن، كي لا تعرقل التطبيع العربي، إطلاق سراح رهينتها، وإبداء الأسد تجاوباً جدياً مع الجهود العربية في ملفيّ المخدرات واللاجئين. الحديث هنا عن تجارة تُقدّر بمليارات الدولارات، وعن عدد من اللاجئين يقارب الثلاثة ملايين في الأردن ولبنان، نصفهم مسجّل لدى مفوّضية الأمم المتحدة للاجئين. والتخلي عن مليارات الدولارات من تجارة المخدرات، وفوقه قبول عودة ملايين السوريين إلى بلده، شرطان يجدر عدم الاستهانة بهما، حتى إذا بلغ التهاون الدولي والعربي أقصاه إزاء بند “العودة الطوعية الآمنة”.

لا مطالب روسية معلنة من الأسد، فبوتين يرى نفسه في موقع الآمر الناهي لا المُطالِب. وإذا اكتفينا بجمع المطالب الأمريكية والعربية والتركية والإيرانية والإسرائيلية فإننا سنكون على بيّنة أكثر لماهية التنافس على الأسد. العتبة المُتّفق عليها بين هذه الأطراف تُختَزل ببقاء الأسد، ويُبنى عليها مطالبة كل طرف من موقعه بما ينبغي على الأسد فعله بوصفه رئيساً. لسان حال هذه الأطراف: ها قد “انتصرتَ”، بصرف النظر عن كيفية الانتصار وعن مساهمة بعضنا فيه، وبقيتَ رئيساً، وحانت لحظة الوفاء بما يترتب على المنصب من مسؤولية. إطلاق الوعود سهل، وقد سبق قبل نحو عقدين أن حصلت الرياض على وعد بحماية الرئيس رفيق الحريري، وحدث العكس بسحب جزء من مرافقته، لكن تكرار الماضي قد لا يكون متاحاً وهذا ما يفسّر عدم حماس الأسد للتطبيع. أما التمعن جيداً في تلك المطالب فيُستخلص منه أن مسؤولية الرئاسة شاقة وعسيرة حقاً، حتى إذا قورنت بإبادة وتهجير ملايين السوريين.

المدن

—————————

حرب الضحايا على الضحايا/ عارف العبد

بعد اثني عشرة عاماً من اندلاع الثورة السورية، وما تبعها من أحداث جسام وبدء انعكاساتها على لبنان، استفاق المجتمع اللبناني السياسي والأهلي على وجود مشكلة النازحين السوريين في لبنان، لتصبح الشغل الشاغل لمحادثات وسائل التواصل الاجتماعي والمواقف والتحركات السياسية، وحديث ونقاشات المجتمع، مع شحنة عالية في بعض الأحيان من العنصرية الفاقعة والمريضة، في التعبير والتفكير وطرق التصرف في بعض القرى والمناطق والبلدات.

في الواقع، ما من شك أن مسالة وجود النازحين السوريين في لبنان باتت مشكلة متفاقمة، تطرح نفسها بقوة من مختلف النواحي الحياتية، وعلى وجه الخصوص الاقتصادية والاجتماعية والمالية. ولا بد من مقاربتها بعقلانية وتبصر إذا سمحت ظروف الجنون اللبناني والانحلال الإقليمي، لمواجهتها والتعاطي معها كما ينبغي.

عملياً، يدفع الشعب السوري ثمن شجاعته بتمرده على النظام العائلي الوراثي المسيطر في سوريا، والذي اعتبر منذ اللحظة الأولى للحراك أو التململ الشعبي الأول في درعا 2011، أنه بمواجهة أمراض وجراثيم تصيب جسم المجتمع السوري، حسب تعبير الدكتور بشار الأسد آنذاك. وبالتالي، يجب تدميرها والخلاص منها والقضاء عليها بأية طريقة ممكنة.

كان بإمكان النظام الحاكم يومها، أن يستوعب كل الحراك الاجتماعي والسياسي، لو أنه تصرف منذ بداية التململ، انطلاقاً من أن هناك مطالب ومظالم محقة، وأخطاء يجب الاعتراف بها والتعاطي معها ومعالجتها. لكن الذي جرى وباتت معروفة تفاصيله، أن آلة الحكم السورية القائمة على الهيبة والتراتبية العائلية الوراثية والعشائرية والمذهبية والطائفية، لا تحتمل أي خيار يمس بهذه الصورة، القائمة على حق الأمرة والتسلط المتوحش، وعدم تحمل المساومة أو التنازل ولو مقدار شعرة أو أنملة.

تصرف النظام من اللحظة الأولى للحراك الشعبي السياسي والاجتماعي، على أساس أن ما يشهده المجتمع السوري هو عبارة عن مؤامرة أميركية امبريالية غربية، تستهدف النظام الممانع، وهي امتداد للحرب الأميركية الغربية على المنطقة، بعد احتلال الولايات المتحدة العراق ووصولها إلى الحدود السورية الشرقية.

انطلاقاً من هذه الرؤية تصرف النظام بعدوانية ونكران للمشكلات، وبوحشية في التعامل مع الحراك الشعبي. بل وتعمد استدراج الحراك إلى استخدام العنف بعد إطاحته بأي إمكانية للتفاوض والإصلاح ولو الجزئي أو الشكلي.

تصرف النظام العائلي المسيطر بضيق صدره في التعاطي مع الحراك الشعبي السوري، مع تعمده إطلاق شياطين الإرهاب التكفيري من أوكاره في السجون السورية، مما دفع الحراك السوري إلى استخدام العنف المسلح للدفاع عن النفس أولاً، كرد طبيعي، ومن ثم إلى إخراج الإرهاب بطابع مذهبي، مما برر للنظام في المقابل استخدام كل أشكال العنف والتوحش دفاعاً عن سلطته، بعد أن نجح في جعل الحراك المعترض فصائل مسلحة مذهبية متناحرة ومتزاحمة للمواجهة والسيطرة، مروراً باتباع التدمير الممنهج، بأبشع وأعنف الوسائل التي عرفها تاريخ الحروب، وصولاً إلى استحداث أسلوب البراميل المتفجرة المحشوة بالنيترات، التي أبادت ودمرت وسحقت مختلف مناطق المقاومة الشعبية السورية المسلحة والمدنية.

تولى النظام تنفيذ عملية تهجير ممنهجة ومقصودة إزاء مناطق سورية محددة، باتجاه الداخل والخارج، بحثاً عن “المجتمع المتجانس”، حسب تعبير بشار الأسد. وكان من الطبيعي والمنطقي إزاء انفلات هذه الآلة الجهنمية من القتل والتدمير أن يكون الهروب كبيراً وفي كل الاتجاهات للشعب السوري، داخل سوريا وخارجها وعلى وجه التحديد تجاه دول الجوار أو البحار المحيطة، ومنها بطبيعة الحال لبنان.

مع بداية الموجة الأولى من الهروب السوري الشعبي النازح باتجاه لبنان، مورست على السلطة اللبنانية كل أشكال الضغوط والإرهاب الإعلامي والسياسي لمنعها من استقبال النازحين، والبدء بتنظيم أمورهم أو التفكير بالتعاطي معهم.

وقد اشتهرت الحملات والمواقف التي كانت تطلق من شخصيات وأحزاب وقوى محسوبة على النظام، تقول وتردد بكثافة مقولة: ما من أمر جلل في سوريا، ما تكبروا الموضوع “ما في شي في سوريا”. وقد تبارت وسائل إعلام متعددة في استضافة شخصيات مقربة من النظام، تخرج لتقول على سبيل المثال: “أنا بالأمس كنت في سوريا وتجولت في كل المناطق، ولم أجد أي مظاهر مسلحة والأمور طبيعية”.

من جهة أخرى، تولت القوى الموالية للنظام، إنكار أي تطور سلبي في سوريا، مع حملة لتسخيف كل من يتحدث عن حراك ثوري شعبي، في مقابل منع الحكومة اللبنانية، العاجزة أساساً، عن اتخاذ أي مبادرة للتعاطي مع موجات النزوح ومحاولة تنظيمها.

عملياً، استُقبلت موجات النزوح السوري الأولى في مناطق متعددة بتعاطف مع النازحين الهاربين من جور النظام وبطشه. وسرعان ما بدأت موجات النازحين من ضحايا التوحش تكبر وتتسع وتنتشر في كل المناطق اللبنانية.

المجتمع اللبناني استوعب في البداية موجات النزوح، بل واستغل قسماً كبيراً منها على المستوى الاقتصادي والعمراني، حيث كانت الفقاعة المالية اللبنانية التي نفختها عصابة الأشرار المصرفية بالتحالف مع المنظومة الحاكمة في أوجها.

في المقابل، وعلى المستوى الاجتماعي الاقتصادي، مرت أوقات لم يعد فيها صاحب دكان أو متجر لبناني لا يستخدم عاملاً أو طفلاً سورياً في محله للعمل، فيما يجلس هو يراقب ويوزع الأوامر والتوجيهات.

جلس قسم كبير من اللبنانيين على مقاعدهم فيما تولى السوريون العمل والخدمة بنشاط وحركة متزايدة، في كل أوجه الحياة والنشاط الاقتصادي، مع إظهار فائض من التسلط و”المراغة اللبنانية المتضخمة” بأمراض الأنا الفوقية غير المبررة.

الموجة الأولى من النزوح تم استيعابها والتعاطي معها وتأطيرها، وتحول لبنان مصدراً أساسياً لتحصيل العملات الأجنبية الصعبة والدولارات من العمال السوريين النازحين، لتحويل أموالهم وأتعابهم إلى أهاليهم في سوريا.

في هذه الأوقات، ظهر أن المعركة في سوريا تميل لصالح قوى المعارضة والتي باتت على بعد خطوات من إسقاط النظام، فكان أن استنجد بكل القوى الحليفة له قبل السقوط الوشيك. فكان استنفار عظيم تولته إيران وقواتها الموالية انطلاقاً من حزب الله “لكي لا تسبى زينب مرتين”، كما قال الشعار يومها.

لم تتأمن حماية النظام من السقوط إلا بعد دخول موجة عاصفة السوخوي الروسية إلى المعركة، لاستئناف التدمير والحماية.

بداية، لم يظهر على المجتمع اللبناني أي تأثر أو تأفف بما كان يجري، إلى أن وقعت الواقعة وانفجر البالون المالي والاقتصادي اللبناني وبدأ البنيان الكرتوني الاصطناعي والوهمي بالانهيار والتدهور.

هنا، ومع هذه الصدمة المالية النقدية وانكشاف الخدعة التي مررها قائد النظام المصرفي اللبناني المفلس “مادوف لبنان”، والنظام الحاكم، بدأ الضحايا من الشعب اللبناني الذي انقلب حاله من الوفرة إلى الندرة، ومن اليسر إلى الشح، بالانتباه والتلفت حوله والتنبه إلى أعباء النزوح السوري.

النازحون السوريون باقون في لبنان إلى أمد لا أحد يعرفه حتى الآن، وهو ليس بقصير.

الرافضون لعودتهم موزعون بين النظام أولاً، الذي ارتاح من ضغطهم ومطالبهم، ويريد الاستمرار في ترتيب أوضاع الكتل البشرية والتوزيع السكاني في سوريا، بما يخدم استمرار سلطته، الأطراف الحليفة للنظام ليس لها مصلحة بعودة النازحين أيضاً، لرغبتها ببقاء موازين القوى الداخلية كما هي، إضافة إلى الدول الغربية الممولة -والأوروبية تحديداً- لبقاء النازحين في لبنان، للاستقرار والاندماج فيه حتى لا يذهب هؤلاء إليها.

وحدها الدول العربية قد تكون صاحبة مصلحة بعودة أهل سوريا إليها. لكن تحقيق ذلك تنقصه إرادة وتصميم وفعالية، لا تبدو موجودة حتى الآن.

عملياً، أصبح ضحايا الإجرام والتوحش السوري في مواجهة ضحايا الإجرام والتوحش والفشل المالي والاقتصادي والسياسي اللبناني.

ومع اختناق الجميع بدأت تتفجر “حرب الضحايا على الضحايا”، حسب تعبير الرئيس سليم الحص، في عنوان كتابه الصادر عام 1988. على أمل أن يبقى الانفجار والمواجهة محصورة في الكلام الهوائي وليس أكثر.

——————————-

سوريا:تهديد الأردن بعملية عسكرية..ضغط سياسي أم رسالة لرئيسي؟/ مصطفى محمد

في الوقت الذي تتجه فيه الأنظار إلى القاهرة حيث سيعقد الأحد الاجتماع الوزاري العربي لبحث عودة النظام السوري إلى الجامعة العربية، برز تطور مفاجئ بتلويح وزير الخارجية الأردنية أيمن الصفدي باحتمال لجوء بلاده إلى عمل عسكري داخل سوريا في حال استمرار تدفق المخدرات.

ويبدو أن الهدف من تضمين الصفدي لدول الخليج عند حديثه عن خيار العملية العسكرية داخل سوريا في حال عدم اتخاذ النظام السوري “إجراءات فعالة للحد من تهريب المخدرات”، هو توجيه رسالة “عربية” موحدة للنظام السوري وإيران التي أنهى رئيسها إبراهيم رئيسي زيارته إلى سوريا.

كذلك يبرز توقيت هذا التهديد الأردني الذي يأتي بعد أيام من استضافة عمان للاجتماع التشاوري لوزراء خارجية الأردن ومصر والعراق والسعودية والنظام السوري، الذي بحث إمكان عودة الأخير للجامعة العربية، ليبدو أن الاجتماع فشل جراء رفض النظام تقديم أي تنازلات مقابل عودته للجامعة العربية، بحسب ما نقلت صحيفة “فايننشال تايمز”البريطانية عن مسؤول عربي لم تكشف هويته.

زيارة رئيسي

لكن المحلل السياسي الأردني صلاح ملكاوي، لا يتفق مع ذلك، ويقول ل”المدن”: “التهديدات الأخيرة لا تشير إلى فشل اجتماع الأردن، لأن هناك توافقاً عربياً على عودة النظام السوري إلى الجامعة العربية، مع وجود خلافات حول الخطوات والآليات”.

ويستدرك بقوله: “لكن زيارة الرئيس الإيراني إلى دمشق، أضرّت بالتحركات العربية نحو دمشق، وأصلاُ لولا التقارب العربي مع النظام السوري لم تكن لزيارة رئيسي لدمشق كل هذا الصدى، حيث أعطت الزيارة رداً بأن الطريق العربي للوصول إلى دمشق ليس سهلاً”.

في المقابل، يرى الباحث في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” منير الفقير في تصريحات الصفدي دليلاً على فشل اجتماع عمان التشاوري، ويقول ل”المدن”: “يمكن تلمس ذلك من خلال البيان الختامي الفارغ والعمومي، وأيضاَ من تصريحات الصفدي”.

ومن جانب آخر، يقرأ الفقير في حديث الصفدي تهديداً مبطناُ من عمان وبعض العواصم العربية للنظام السوري. ويوضح أنه “في مسار التطبيع التركي مع النظام شكل الوجود العسكري التركي في الشمال السوري ورقة تفاوضية قوية بيد أنقرة”، متسائلاً: “هل تفكر الدول العربية بهذا الخيار لزيادة الضغط على النظام الذي يتعاطى سلباً مع المطالب العربية، ومنها المخدرات؟”.

ضغوط سياسية

لكن العديد من المصادر تستبعد احتمال دخول الأردن عسكرياً إلى سوريا، وترى أنه يتعذر على الجيش الأردني مجاراة الجيش التركي “القوي”.

وفي هذا الاتجاه، يقول صلاح ملكاوي: “لا تخرج التهديدات عن سياق الضغط السياسي على النظام السوري، ومن غير المحتمل أن يدخل الأردن في عملية عسكرية في سوريا، لأن تكاليف تشديد رقابة الحدود أقل كلفة من التدخل العسكري، وأكثر جدوى”.

وحتى لو فكر الأردن بخيار العمل العسكري بدعم من الحلفاء، فالتدخل سيكون محسوباً بدقة، حتى لا تدخل عمّان في استنزاف يزيد من تعقيدات المشهد الاقتصادي والمعيشي الداخلي، كما يؤكد المحلل الأردني، الذي يضيف أن بلاده لا تتكلم عن نفسها فقط، وإنما عن الدول العربية المتضررة أيضاً من المخدرات.

ويرجح ملكاوي أن تواصل بلاده سياسة الضغط على النظام السوري، من غير أن يستبعد أن تقدم بلاده على إغلاق معبر جابر-نصيب، في حال عدم تجاوب النظام السوري، مشيراً إلى قرب توقيت إعلان الولايات المتحدة عن استراتيجية مكافحة المخدرات المرتبطة بنظام الأسد.

والمنتظر أن تعلن الإدارة الأميركية في حزيران/يونيو، عن استراتيجيتها الهادفة إلى محاربة إنتاج المخدرات، وذلك بعد أن أقر مجلس النواب الأميركي في أيلول/سبتمبر 2022 مشروع قانون يطلب من الحكومة ممثلة بأجهزتها الأمنية وضع استراتيجيات لمواجهة وتفكيك شبكات الاتجار بمواد المخدرات المرتبطة بنظام بشار الأسد.

—————————–

“خطوة مقابل خطوة”… استراتيجيّة تعويم نظام الأسد/ كارمن كريم

الترتيبات السياسية جارية لإعلان عودة الابن الضال بشار الأسد إلى منزله وبين زملائه الزعماء العرب.

تنعقد القمة العربية المقبلة في الرياض في 19 أيار/ مايو الحالي، وحتى الآن، لا تزال عضوية سوريا معلّقة رسمياً منذ تشرين الثاني/ نوفمبر 2011.

الترتيبات السياسية جارية لإعلان عودة الابن الضال بشار الأسد إلى منزله وبين زملائه الزعماء العرب. ووسط الفوضى السياسية وإعادة ترتيب الأوراق، يغيب الدم السوري ومعاناة آلاف المعتقلين عن اللقاءات التي تدّعي السعي إلى حلّ الأزمة السورية.

توحي اللقاءات الدبلوماسية النشطة خلال الأسابيع الأخيرة، بأن تعويم نظام الأسد وصل إلى مرحلة “الخطوة مقابل الخطوة”، إذ بدأ استراتيجيّة التعويم كلّ من الإمارات ومصر، وبلغ الشأن ذروته مع زلزال 6 شباط/ فبراير، الذي كان فرصة سياسية ممتازة للنظام.

استراتيجيّة “الخطوة مقابل الخطوة” أساسها تنازلات متبادلة بين نظام الأسد والدول العربية، بما يحقق مصلحة الطرفين، من دون أن يشعر أحدهما بالغبن، اتضح ذلك بصراحة ووضوح  في الاجتماع التشاوري الذي استضافه الأردن بمشاركة سعودية وعراقية ومصرية، يوم الاثنين 1 أيار/ مايو، بهدف إيجاد دور عربي قيادي في جهود حل الأزمة السورية، والذي يعد استكمالاً لاجتماع جدة التشاوري الذي عُقِد قبل أسبوعين.

توحي اللقاءات الدبلوماسية النشطة خلال الأسابيع الأخيرة، بأن تعويم نظام الأسد وصل إلى مرحلة “الخطوة مقابل الخطوة”.

دخل الأردن على خط المصالحة مع نظام الأسد، عبر المساعدات بعد زلزال 6 شباط، حاذياً حذو دول عربية أخرى، وقال وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، في تصريحات صحافية مشتركة مع وزير الخارجية اللبناني عبد الله بوحبيب، نهاية شهر آذار/ مارس المنصرم، “إن المملكة تعمل بالتنسيق مع المجتمع الدولي على التوصل إلى حل سياسي للأزمة السياسية، عبر المبادرة الأردنية القائمة على دور عربي ينخرط بشكل مباشر مع النظام السوري، وفق منهجية الخطوة مقابل الخطوة للتوصل إلى حل متدرج ينهي هذه الأزمة ويعالج كل تبعاتها السياسية والإنسانية والأمنية”.

 كان الصفدي شديد الوضوح بما يخص وضع النظام السوري، إذ قال إن التواصل سيكون مباشراً مع النظام، من دون أن يأتي على ذكر المعارضة السورية، في إشارة إلى أن المعارضة السورية بأطيافها كافة هي خارج حسابات المرحلة الجديدة، ما اتضح أيضاً خلال الاجتماع التشاوري الأخير، حيث وصف بيان وزارة الخارجية الأردنية، نقاشات الاجتماع بـ”المباشرة والصريحة”، و”تهدف للوصول الى قرارات مؤثرة تضعنا على طريق إنهاء الأزمة ومعاناة الشعب السوري الشقيق”.

يبدو للحظة أننا أمام منعطف مهم في أزمة السوريين، لولا أن الاجتماع التشاوري تجاهل وجود المعارضة السورية، في دعم مطلق للنظام السوري على حساب جميع الأطراف، بمن فيها الفئات الأكثر ضعفاً من السوريين كاللاجئين والمعتقلين والمغيبين قسراً.

تتجلى ملامح مرحلة “الخطوة مقابل الخطوة” بإعادة نظام الأسد إلى الحضن العربي مقابل تخلّيه عن جزء من تجارة الكبتاغون وقبوله بإعادة اللاجئين، بخاصة لبلد مثل الأردن تغرق حدوده بالمهربين والكبتاغون السوري، لكنها كذلك فرصة جيدة للبدء بالتفكير بأزمة اللاجئين، من دون أن ننسى أن مرحلة “الخطوة مقابل الخطوة” لا تنحصر بقضيتي اللاجئين والكبتاغون إنما تتعداهما لتشمل مصالح إقليمية للدول المعنية.

بعد 12 عاماً من الحرب والمشادات السياسية، يبدو من الغريب أن يحافظ نظام الأسد على قوة تأثيره على دول المنطقة التي نبذته طوال سنوات، فما الذي يجعل دولة كالسعودية أو الأردن، تقبل بتعويم هذا النظام؟  ترتكز هيمنة نظام الأسد السياسية على ثلاثة محاور، أولاً التوافق الديكتاتوري مع الأنظمة العربية الأخرى، ثانياً سلاح إغراق هذه الأنظمة بالكبتاغون وتهديد حدودها، وثالثاً ورقة اللاجئين وعودتهم وتخفيف وطأة اللجوء عن دول الجوار.

تتجلى ملامح مرحلة “الخطوة مقابل الخطوة” بإعادة نظام الأسد إلى الحضن العربي مقابل تخلّيه عن جزء من تجارة الكبتاغون وقبوله بإعادة اللاجئين.

طرح النظام السوري نفسه كمثال يحتذى به من الأنظمة الديكتاتورية، نُبذ الأسد حين كان مهدداً بالسقوط، لكن وبعد فرض سلطته مجدداً، رحبت به الدول ذاته التي رفضته، ليعود بشكل تلقائي إلى حضن الديكتاتورية العربية، ومن أبرز أطرافها النظام السعودي.

من جهة أخرى، بنى النظام السوري خلال 12 عاماً، إمبراطورية الكبتاغون التي شكلت أحد أهم وأكبر الموارد له، إذ وصلت قيمة شحنات المخدرات إلى 5.7 مليار دولار عام 2021 حسب بعض التقديرات، وتتوجه أكبر هذه الشحنات إلى دول الخليج  وبشكل أساسي إلى دبي والسعودية، إذ يستهلك 40 بالمئة من متعاطي المخدرات في السعودية هذه الحبوب، وهكذا يبدو منطقياً محاولة السعودية مساومة النظام السوري لتخفيف صادراته من الكبتاغون إلى البلاد، مقابل إعادته إلى الحضن العربي، لتبدو كراعية للاستقرار العربي، ما يحقق لها اعترافاً عربياً وعالمياً.

هناك أسباب أخرى غير معلنة، للطرفين السعودي والسوري وحتى الأردني، لكنها تنطوي بالنسبة الى الجانب السعودي، على رغبة في بسط نفوذها وثقلها السياسي، والذي تُرجم من خلال تحسين العلاقات مع إيران.

 يسعى محمد بن سلمان الى خلق ثقل عالمي للسعودية، وتنظيم أوراق المنطقة العربية هو البداية في ذلك. من جانب آخر، يسعى الأسد الى مكاسب مالية في ظل العقوبات الاقتصادية الدولية وانهيار البنية التحتية، وتبدو السعودية مصدراً مثالياً للأرباح المالية تحت ذريعة إعادة الإعمار والمساعدات الإنسانية.

يقابل هذه المصالحات واللقاءات رفض أوروبي وأميركي لنظام الأسد متمثلاً بمزيد من العقوبات والتضييق على شخصياته، الأمر الذي تخالف فيه السعودية رؤية أميركا للمرحلة المقبلة، بخاصة بعد تعهّد مجلس النواب الأميركي في 28 شباط/ فبراير الماضي، بمحاسبة من يطبّع مع النظام السوري، في تصويته على قرار سيمرر من مجلس الشيوخ، قبل إقراره من الرئيس الأميركي جو بايدن.

لا تكاد تظهر المعارضة السورية ضمن كل ما سبق، باستثناء بيانات متواضعة تشذب وتطالب وترفض من دون أن تكون موجودة أصلاً ضمن كل هذه المحادثات والزيارات والبيانات، التي تتحدث عن ميليشيات إرهابية لا عن معارضة للنظام السوري.

 كل ما صدر عن الائتلاف السوري هو بيانان، أحدهما يشجب استقبال السعودية الأسد، بالإضافة إلى زيارة رئيس “الائتلاف” سالم المسلط، إلى الدوحة للقاء السفير التركي في قطر، في 14 نيسان/ إبريل الماضي، ولم تصدر عنه أي تصريحات تُعنى بتطورات الملف. تبقى هذه محاولات يائسة للمعارضة السورية لفرض نفسها كندّ لنظام الأسد، إذ تحوّل وجودها السياسي مجرد وجود شكلي.

 درج

 ———————————–

ابراهيم رئيسي في دمشق: استحقاق “فاتورة” الحرب/ كريم شفيق

صافح الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي حليفه بشار الأسد في دمشق. زيارة هي الأولى لرئيسي الى العاصمة السوريّة، بعد 12 عاماً من الحرب التي شنّها الأسد على شعبه منذ اندلاع التظاهرات في سوريا. صورة الاثنين لا تخلو من الاستفزاز، “مجرما حرب”، يداً بيد، مُستعدان للعودة إلى الساحة العربيّة والدولية.

تتزامن زيارة الرئيس الإيراني مع إعادة توزّع القوى الإقليميّة، التهدئة بين إيران والسعودية برعاية الصين قائمة على قدم وساق، أما سوريا فتعيد فتح سفاراتها في الدول العربيّة، وتعمل على استعادة مقعدها في جامعة الدول العربية على رغم اشتراطات خمس دول، منها مصر والكويت، ناهيك بالتقارب السوريّ التركيّ واجتماعات وزراء الدفاع. باختصار، تؤتي دبلوماسية الكبتاغون السوريّة ثمارها، وأذرع إيران في اليمن وسوريا ولبنان والعراق قادرة على فرض الحوار مع دول الجوار.

لا تهدد عودة الأسد إلى الحاضنة العربيّة ذهنية رئيسي البراغماتية، ولا يرى في ذلك ضرورة سياسية تلح عليه. فهذه الحاضنة لم يكن لها وجود مؤثر سابقاً مع تنامي نفوذ طهران في سوريا، بخاصة في مرحلة “الأسد” الابن، ثم القفزة الهائلة التي حدثت مع انخراط الحرس الثوري في تصفية وتطييف الثورة السورية. الثابت في هذه الزيارة هو التفتيش عن استحقاقات الحرب التي لا يكف المسؤولون الإيرانيون عن المطالبة بها، وتعويض خسائر طهران الاقتصادية.

الاستقبال الذي حظي به رئيسي في دمشق، يحمل رمزية تبدو مقصودة ومتعمدة، يتداخل فيها الدينيّ مع السياسيّ، إذ برزت الأعلام الإيرانية وسط التظاهرات التي رحبت بوصوله، وعلت عبارات دينية طائفية مثل: “يا علي.. يا علي”، في إشارة إلى رابع الخلفاء علي بن أبي طالب. لاحقاً، أعلن رئيسي، أثناء وقوفه عند العتبات المقدسة في مقام السيدة زينب في ريف دمشق، عن “الإرادة الصلبة” لبلاده في دمشق، والتي نجحت في جعل تيار أو “جبهة الممانعة”  قوياً “لا يتقهقر”، إذ ساهمت (المقاومة) في تغيير المعادلات في المنطقة، “وهذا الأمر بات واضحاً للعيان”. وأضاف أنّ “فلسطين المقاومة وقفت ضد الكيان الصهيوني، وغيّرت الوضع بصورة كاملة”، لافتاً إلى أنّ “زمام المبادرة اليوم في أيدي المجاهدين الساعين الى تحرير القدس، وفي يد الشعب المقاوم”، باختصار، رئيسي زعيم ديني وسياسي، وقائد حربة المقاومة التي تخاذل عنها الكثيرون، وطبّعوا مع “الأعداء”.

المظاهر التعبوية والخطابات التجييشية لا تتجاوز حدودها الوظيفية لتأكيد ما هو واضح، سياسياً وميدانياً، وتسويقه إعلامياً كرسالة لأطراف خارجية. غير أنّ الأهداف الاقتصادية ودفع فاتورة الحرب تمثل السياق الأكثر متانة وراهنية، بغض النظر عن السطح المتخم بالاصطفاف والتحالف القوي الذي يحتاج (حتى لا يهتز) إلى تعويض طهران خسائرها البالغة نحو 30 مليار دولار خلال عشرة أعوام في سوريا، وفق تصريح برلماني إيراني.

رافق الرئيس الإيراني “وفد وزاري سياسي واقتصادي رفيع”، على مدار يومين. في طهران، صرح الناطق بلسان الحكومة، علي بهادري جهرمي، بأنّ الزيارة استجابة لدعوة من “الأسد”، ولها “أهمية استراتيجية” للبلدين، وأن هدفها “اقتصادي”.

عرج الناطق بلسان الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، بشكل مباشر، على قضية إعادة إعمار سوريا التي سبق وكانت ضمن ملفات تخضع لاستقطابات سياسية حادة داخل النظام، بعدما سجل القطاع الخاص بإيران إخفاقاً مريراً في تحقيق نتيجة مرضية. وقال كنعناني: “سوريا دخلت مرحلة إعادة الإعمار، والجمهورية الإسلامية في إيران (…) جاهزة لتكون مع الحكومة السورية في هذه المرحلة أيضاً”، مثلما كانت إلى جانبها “في القتال ضد الإرهاب” الذي عدّه “مثالاً ناجحاً على التعاون بين الدولتين”.

سبق لرئيس جمعية الإعمار في إيران، إيرج رهبر، أن صرح لوكالة أنباء “مهر” الإيرانية، قبل عامين، بعدم التقدم في ملف إعادة إعمار سوريا. فضلاً عن فشل تنفيذ الاتفاقيات الموقعة بين البلدين منذ عام 2018. نقلت وكالة الأنباء الإيرانية عن رهبر قوله إنّ تلك الاتفاقيات المرتبطة بالاستثمار الإيراني في قطاعات النقل والمصارف والإسكان بسوريا لم تحظ بأي “ترجمة عملية من الناحية الاقتصادية”.

لا يكاد يختلف موقف رئيس جمعية الإعمار في إيران، والذي كان ضمن وفد إيراني زار سوريا لتدشين اتفاقيات بهذا الشأن، عن مقاربة البرلماني الإيراني السابق ورئيس لجنة الأمن القومي، حشمت الله فلاحت بيشة، إذ اختبر الأخير هجوماً عليه قبل عامين، بخصوص فشل تعويض إيران 30 مليار دولار في سوريا على خلفية الدعم العسكري لـ”الأسد”. عاودت التذكير بهذا الأمر صحيفة “كيهان” الأصولية، بصيغة معدلة وصفت “الخسائر” بأنّها “ديون مستحقة” ينبغي “حلّها” خلال تلك الزيارة.

اللافت أن المستشار العسكري للمرشد الإيراني، الجنرال يحي رحيم صفوي، تخطى أيّ اعتبارات سياسية وديبلوماسية عندما ذكر أن هذا الدعم الإيراني، لإبقاء الرئيس السوري في منصبه “ليس مجانياً”. وينطبق الأمر ذاته، وفق صفوي، على تدخلات إيران بالمنطقة، تحديداً العراق.

تصريحات صفوي وسابقيه جاءت في لحظة ارتباك قصوى سياسياً في إيران على خلفية تفاقم التظاهرات بعد أزمة الوقود، فضلًا عن احتدام التنافس مع موسكو في سوريا وسماح الأولى لإسرائيل أو عبر التنسيق معها استهداف مناطق نفوذ الحرس الثوري بدمشق. الأمر الذي اضطُرَّ أطرافاً عدة في النظام للضغط على الحكومة للحصول على موارد وأموال جراء خدماتها الإقليمية. وقال صفوي: “تم تدشين عقود عدة مع سوريا، وسنحصل على أشياء في المقابل. بيد أنّ الروس يستفيدون من روسيا أكثر مما نستفيد”.

تتراوح تكاليف إعادة إعمار سوريا، وفق الجنرال الإيراني، بين 300 إلى 400 مليار دولار، وقد تستغرق أعواماً عدة. إلا أنّ الأكيد والضروري هو “تعويض (إيران) الخسائر الفادحة في سوريا”. وتابع: “السوريون مستعدون لتعويضها من مناجم النفط والغاز والفوسفات لديهم”.

التقى رئيسي وفدًا اقتصادياً برئاسة وزير الطرق والمدن الإيراني في دمشق. وقال الرئيس السوري إنّ “ترجمة العمق في العلاقة السياسية بين سوريا وإيران إلى حالة مماثلة في العلاقة الاقتصادية، هي مسألة ضرورية ويجب أن تستمر حكومتا البلدين في العمل عليها لتقويتها وزيادة نموها. وقد تم توقيع 15 اتفاقية تعاون بين البلدين. وذكر المساعد السياسي للرئيس الإيراني، أنّ الاستراتيجية الإيرانية تهدف الى تعزيز الوجود الاقتصادي على ساحل البحر المتوسط.

تطلعات إيران الجيواستراتيجية والاقتصادية، وتحديداً في مناطق تأمين وجود الطاقة، على ساحل المتوسط، تلاحق موسكو التي استأجرت مرفأ طرطوس لمدة 49 عاماً تقريباً، مع الأخذ في الحسبان أنّ بناء الأولى “مرفأين مهمّين في شمال طرطوس وفي جزء من مرفأ اللاذقية” تزامن مع الخطوة الأخيرة.

نقلت وكالة أنباء “تسنيم” عن مساعد الرئيس الإيراني، محمد جمشيدي، قوله: “نسعى إلى إيجاد تعاون اقتصادي مستدام في سوريا، بحيث نتمكن في النهاية من الحضور الملموس على سواحل البحر الأبيض المتوسط”.

أخفقت الحكومات الإيرانية السابقة في تحقيق أيّ تقدم مع سوريا، وفق جمشيدي. وقال: “في الفترات الماضية، بعض الحكومات اعتقدت أنّه للحصول على صلاحيات ومصالح اقتصادية، يجب منح صلاحيات جيوسياسية مقابلها، أيّ التنازل عن قوة إيران الإقليمية للحصول على مصالح اقتصادية”. وتابع: “لكنّ حكومة رئيسي لا تعتقد هكذا. فإننا نسعى إلى تعزيز التعاون الاقتصادي إلى جانب حفاظنا والتزامنا بالقدرة الاستراتيجية والإقليمية والمقاومة”.

إثر عودته إلى طهران، اعتبر رئيسي الزيارة لدمشق انعطافة لجهة تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية والسياسية والأمنية. ولمّح إلى القطاعات التي سيتعاون فيها البلدان، منها الطاقة والصناعة والسياحة والزراعة.

خالفت صحيفة “شرق” المحسوبة على التيار الإصلاحي، كل التقديرات السابقة، واعتبرت نتائج الزيارة تشمل الجوانب السياسية والعسكرية والأمنية ولا تتضمن المجالات الاقتصادية والتجارية. وقالت إنّ “إمكانات طهران الاقتصادية نتيجة العقوبات المفروضة عليها باتت معدومة”.

تبقى الصحف الأصولية والمقربة من الحكومة، هي من سعت الى تصدير تغطية تركز على البعد الاقتصادي لهذه الزيارة، في ظل التحديات الماثلة أمام حكومة “رئيسي”، وتحميلها الأزمات المجتمعية المتسببة في تنامي التظاهرات الفئوية والحقوقية. وتبدو هذه الاستدارة القوية نحو استحقاقات الحرب في سوريا مناورة تكتيكية للتغطية على المعضلة الاقتصادية وتخطي التضخم نسباً غير مسبوقة. فصحيفة “جام جم” عنونت صفحتها الأولى بـ “والآن حان وقت جني ثمار المقاومة”، فيما جاء مانشيت “كيهان”: “فصل جديد من العلاقات الاقتصادية بين طهران ودمشق بعد التوقيع على 15 مذكرة تفاهم”، وقالت “خراسان”: “يد غنية في الشام”.

يرى الباحث والمحلل السياسي المتخصص بالشأن الإيراني، مسعود محمد، أنّ إيران باشرت بإعادة تموضعها وفق عنوان الانتقال من مرحلة المواجهات إلى مرحلة تثبيت الحصص والتسويات. ومن هذه الزاوية لا بد من قراءة واقعية لزيارة وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، الى لبنان، حيث سعى “الى رسم حدود نفوذ إيران، سياسياً وعسكرياً، مع إرسال إشارة الموافقة على تعديل المعادلة السياسية الداخلية القائمة، وذلك من خلال منح القوى المعارضة لـ”حزب الله” هامشاً أوسع على مستوى الإدارة السياسية للبلاد. وهذا الهامش سيكون من خلال إعادة التفاهم مع التيار الوطني الحر حول شخصية وسطية”.

في سوريا، تأتي زيارة الرئيس الإيراني وفق المبدأ نفسه، أيّ تحت عنوان البدء في “ترتيب مرحلة التسويات التي بدأت المنطقة تدخلها. ففي سوريا، وقّع الرئيس الإيراني اتفاقات اقتصادية وُصفت بتعاون استراتيجي شامل طويل الأمد، شملت مذكرة تفاهم تخص قطاعات النفط، ستشكل تلك الاتفاقيات الترجمة الاقتصادية للنفوذ العسكري الإيراني، الذي تمّ تكريسه خلال سنوات الحرب الماضية. إنّها زيارة تحصيل الفواتير”. يقول محمد لـ”درج”.

هناك مهمة مطلوبة من إيران و”حزب الله” لم تنته بعد، وهي ترسيم الحدود البرية ما بين لبنان وسوريا وإسرائيل، مثلما لعب “حزب الله” دوراً في عملية ترسيم الحدود البحرية بين إسرائيل ولبنان، وفق الباحث والمحلل السياسي المتخصص بالشأن الإيراني.

درج

—————————-

طرد بالحسنى أو بالقوة… اللاجئون في برامج الأحزاب التركية/ جو حمورة

أربعة مرشحين رئاسيين، يشددون على ضرورة عودة اللاجئين إلى بلادهم، دون أي اكتراث بالبُعد الإنساني لأزمة اللجوء.

بات حوالى 5.5 مليون لاجئ يعيشون في تركيا ولا يحملون جنسيتها، مسرحاً للحملات السياسية والانتخابية المضادة والمستعِرة بين الأحزاب والمرشحين الرئاسيين الأربعة.

يشكّل السوريون العدد الأكبر من اللاجئين في تركيا، بحوالى 3.6 مليون شخص، يتبعهم الأفغان والأفارقة والأوكران والكثير غيرهم من الشعوب الهاربة من الحروب والموت.

وقبيل الانتخابات البرلمانية والرئاسية المزمع إجراؤها في 14 أيار/ مايو، يؤكد المرشحون الرئاسيون جميعاً أنهم سيعيدون السوريين إلى بلادهم إذا ما تم انتخابهم. ومن يتابع الحملات الانتخابية في تركيا، يلاحظ تصاعداً لافتاً في مشاعر كره الأجانب، ومواقف عالية السقف والحدّة تجاه اللاجئين.

موقف الرئيس الحالي رجب طيب إردوغان لا يختلف كثيراً عن موقف خصمه اللدود، رئيس حزب “الشعب الجمهوري”، كمال كيليجدار أوغلو في ما يتعلق بقضايا اللاجئين، إذ يلتقي المرشحان على الهدف العام نفسه، وهو إعادة اللاجئين جميعهم، كل واحد إلى بلاده أو حتى إلى دول مضيفة أخرى.

مرشح المعارضة الأبرز كيليجدار أوغلو يشير أيضاً إلى أنه “سيتفاوض مع النظام السوري من أجل إعادة مواطنيه إليه”، معتبراً أنه “من غير المقبول أن تهتم الدولة بملايين اللاجئين فيما شبابنا عاطل من العمل”، متعهداً في حال وصوله إلى السدّة الرئاسية، بإرسالهم جميعهم إلى بلادهم خلال سنتين فقط. الكلام الحاد من كيليجدار أوغلو ترافق مع إدراج برنامج حزبه الانتخابي تعهداً واضحاً بـ”مراجعة اتفاقية اللاجئين مع الاتحاد الأوروبي، وإبرام اتفاقيات منفصلة لإعادة اللاجئين أو استقبالهم مع دول أخرى”.

بات حوالى 5.5 مليون لاجئ يعيشون في تركيا ولا يحملون جنسيتها، مسرحاً للحملات السياسية والانتخابية المضادة والمستعِرة بين الأحزاب والمرشحين الرئاسيين الأربعة.

هذا الموقف الثابت لكيليجدار أوغلو وحزب “الشعب الجمهوري” يتلاقى مع موقف إردوغان وحزب “العدالة والتنمية” الحاكم المستجد، حتى وإن بدت النبرة أقل حدّة. فحتى عام مضى، كان “العدالة والتنمية” يُحابي اللاجئين السوريين بطريقة أو بأخرى، ويعتبرهم، بشكل أساسي، يداً عاملة رخيصة ضرورية لنمو الاقتصاد التركي. ولكن تضاؤل قبول المجتمع التركي للسوريين بسبب الأزمة الاقتصادية والتضخم ونسب الفقر المرتفعة، عوامل ساهمت في تعديل موقف إردوغان وحزبه، ودفعتهما إلى تضمين برنامجهما الانتخابي فقرة تفيد بـ”ضرورة العودة الطوعية والآمنة للسوريين، ومكافحة الهجرة غير الشرعية بشكل جدّي”.

مع تنامي حدة الاستقطاب بين المرشحين الرئاسيين، يتحوّل موضوع اللاجئين إلى بند أساسي لكسب الأصوات. تعرف الأحزاب التركية الأساسية أن الموقف من اللاجئين يمكنه أن يحسّن نسبة أصواتها أو يؤدي إلى تراجعها، فلا تفوّت فرصة لطرح الموضوع والتجييش وبث المزيد من العنصرية وخطابات الكراهية، في المهرجانات الشعبية وفي الإعلام، بغية استجلاب عاطفة الناخبين وتأييدهم.

مرشح رئاسي ثالث أدلى بدلوه في ما خص موضوع اللاجئين، وراح بعيداً في بث العنصرية تجاه الأجانب. لم يستعمل سنان أوغان الطريقة الحسنى التي غالباً ما يستخدمها إردوغان أو كيليجدار أوغلو عند الحديث عن عودة اللاجئين، إنما استعمل مفردات القوة.

وأوغان هو مرشح “تحالف الأجداد” على الرئاسة التركية، وهو التحالف الذي يضم عدداً من الأحزاب القومية المتطرفة والمعادية للأجانب، وبخاصة حزب “الظَفر”.  يتميّز هذا الحزب كما مرشحه أوغان بحدة المواقف المعادية للسوريين، كما يراهنون عليها في برنامجهم الانتخابي وخطاباتهم السياسية لعلّها تستجلب لهم أصوات الأتراك الناقمين على اللاجئين. يريد هؤلاء طرد كل لاجئ يسكن بلادهم بكل بساطة، ولا يشعرون بحاجة حتى إلى تلطيف الموقف أو نبرة الكلام كما تفعل الأحزاب الأخرى.

“حزب الشعوب الديمقراطي” المؤيد للأكراد مهدد بالحظر في تركيا!

الطرد بالقوة هو شعارهم وفحوى برنامجهم الانتخابي. ففي خطاب في ولاية إزمير جنوب غربي تركيا، كرر رئيس حزب “الظَفر” تعهده بإعادة اللاجئين إلى بلادهم، معتبراً أنه “يجب أن نكون قادرين على طرد اللاجئين بالقوة كما فعل لبنان مؤخراً، لأنهم لن يعودوا بشكل طوعي أبداً”.

وغالباً ما تُصدر الجمعيات غير الحكومية في تركيا بيانات منددة بمواقف أوغان ومواقف حزب “الظَفر” ومجمل الأحزاب القومية، التي غالباً ما تتعمد النزول إلى الشارع وتصوير أعضائها يقومون بشكل استعراضي باستجواب اللاجئين وتوصيتهم بمغادرة البلاد “في أقرب وقت ممكن”، والضغط عليهم بشتى الوسائل الكلامية وحتى العنفية أحياناً.

أما المرشح الرئاسي الرابع، محرم إنجة، فيشدد على ضرورة عودة اللاجئين إلى بلادهم وذلك لأسباب اقتصادية حصراً، وهو كان قد تعهد مراراً، وبشكل علني، بفتح قنوات تواصل ومفاوضات مع النظام السوري لتأمين العودة الآمنة للاجئين بحال انتخابه رئيساً للجمهورية التركية.

يتحوّل موضوع اللجوء إلى أداة للتنافس الانتخابي بين الأحزاب التركية، تعلو حدّة المواقف تباعاً، وتطفو على سطح المواقف السياسية الأخرى. قلة من الأحزاب تتكلم عن قضايا أبعد من قضية اللاجئين، وحتى حين تذكر موضوع الاقتصاد أو السياسة الخارجية للدولة، فلا تغيب عنها قضية اللاجئين بشكل أو بآخر.

أربعة مرشحين رئاسيين، يشددون على ضرورة عودة اللاجئين إلى بلادهم، دون أي اكتراث بالبُعد الإنساني لأزمة اللجوء. مغالاة في المواقف وتصاعد مستمر لنبرة العداء والكره للأجانب قبل الانتخابات النيابية والرئاسية، لا يمكن أن تؤدي إلا إلى المزيد من التنافر بين المجتمعات التركية واللاجئة المتعددة، وإلى مواقف قد تتطور إلى أزمة أمنية في أي لحظة.

درج

——————————-

الإيراني في سوريا… في غياب الروسي/ خيرالله خيرالله

تعطي زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى دمشق فكرة عن ضعف الموقف الروسي في سوريا. لم يعد في سوريا سوى لاعب أساسي واحد يقف إلى جانب النظام. هذا اللاعب هو اللاعب الإيراني وذلك في ضوء انهماك فلاديمير بوتين في الحرب الأوكرانيّة.

ليس تعرّض الكرملين لهجوم بواسطة مسيّرتين سوى دليل على أنّ بوتين خسر الحرب الأوكرانيّة. لن يدفع الثمن في الداخل الروسي فحسب، سيدفعه أيضا في أنحاء مختلفة من العالم، حيثما تعتقد موسكو أنّ لديها وجودا عسكريا أو ثقلا سياسيا. فشل الهجوم بواسطة المسيّرتين على الكرملين، لكن يبقى لهذا الهجوم طابعه الرمزي بغض النظر عن الجهة التي تقف خلفه، أكانت أوكرانيا أم لا.

لا شكّ أن هناك لاعبين آخرين على الأرض السوريّة. يوجد الإسرائيلي الذي قرّر ضرب أهداف قرب مطار حلب قبل يومين من وصول الرئيس الإيراني إلى دمشق. من يضرب مطار حلب كان يستطيع تعطيل مطار دمشق ساعة يشاء من دون خشية من أيّ ردّ فعل. يوجد الأميركي الذي يسيطر على قسم لا بأس به من الثروات السوريّة، بما ذلك قسم من الأراضي الزراعية وحقول النفط والغاز. يوجد أيضا التركي الذي يسيطر على جزء من الشمال السوري…

يسمّي النظام السوري الاحتلالات الإسرائيلية والأميركيّة والتركية بالاحتلالات “غير المشروعة” أو “غير الشرعيّة”. جاء الإيراني ثم جلب الروسي للمساعدة في بقاء النظام، أقلّه في دمشق. فكيف يمكن لنظام لا يمتلك أصلا أيّ شرعيّة من أيّ نوع كان شرعنة الاحتلالين الروسي والإيراني؟

بعيدا عن الجدل الدائر في شأن الاحتلال الشرعي والاحتلال غير الشرعي، تعبّر زيارة الرئيس الإيراني عن تطور في العلاقات بين دمشق وطهران. يتناول هذا التطور طبيعة هذه العلاقة، خصوصا أن “الجمهوريّة الإسلاميّة” تدرك جيدا أنّ الفضل الأوّل لبقاء النظام على قيد الحياة يعود إليها وحدها. بكلام أوضح، لم تعد ايران في حاجة إلى روسيا في سوريا. لدى بشّار الأسد، من دون شكّ الشعور نفسه تجاه فلاديمير بوتين. لو لم يكن الأمر كذلك، لما رفض رئيس النظام السوري الاستجابة لرغبة فلاديمير بوتين في عقد لقاء بينه وبين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قبل موعد الانتخابات الرئاسية التركية في الرابع عشر من أيّار – مايو الجاري.

مثلما ترمز المسيرتان اللتان استهدفتا الكرملين إلى ضعف فلاديمير بوتين، ترمز زيارة إبراهيم رئيسي إلى دمشق إلى إحكام السيطرة الإيرانية على النظام السوري في غياب أيّ منافس على الأرض. في النهاية، لا يستطيع بشّار الأسد الإجابة عن أيّ سؤال يوجهه إليه أيّ مسؤول عربي يلتقيه، خصوصا أن لديه حساسية زائدة على ذكر القرار 2254 الصادر عن مجلس الأمن… أو تجاه العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى المناطق التي أخرجوا منها على يد النظام أو الميليشيات المذهبيّة التابعة لـ”الحرس الثوري” الإيراني.

جاء الرئيس الإيراني إلى دمشق في هذا التوقيت بالذات ليؤكّد أنّ “الجمهوريّة الإسلاميّة” باتت “الاحتلال الشرعي الوحيد” في سوريا. أكثر من ذلك، جاء ليؤكّد أن لدى “الجمهوريّة الإسلاميّة” ما تكرّس به هذا الاحتلال الذي يعني بين ما يعنيه تغيير التركيبة الديموغرافيّة لسوريا.

كيف ذلك؟ يكفي الإيرانيين القيامُ بجردة حساب مع النظام السوري كي يحققوا ما تصبو إليه “الجمهوريّة الإسلاميّة”. ستكشف أيّ جردة حساب حجم الدين المترتب على سوريا من جهة وحجم الاستثمارات والمساعدات الإيرانية للنظام… هذا إذا وضعنا جانبا الميليشيات المذهبيّة ذات المشارب المختلفة التي وضعت في تصرّف بشّار الأسد منذ بداية الثورة الشعبيّة التي استهدفت نظامه الأقلّوي.

يبدو الوجود الإيراني في سوريا أقوى من أيّ وقت في حين ضعف النفوذ الروسي أكثر من أيّ وقت. ما نراه في سوريا اليوم نتيجة من نتائج الحرب الأوكرانيّة التي يرفض فلاديمير بوتين الاعتراف بأنه خرج منها خاسرا… وأنّ مستقبله السياسي صار على المحكّ.

في المقابل، عرف الجانب الإيراني بدهائه المعهود استغلال الرئيس الروسي إلى أبعد حدود منذ خريف العام 2015 وذلك بغية إنقاذ النظام السوري الذي لا غنى عنه لـ”الجمهوريّة الإسلاميّة”. استغلّ الجانب الإيراني فلاديمير بوتين وبات الآن في وضع المستغني عنه في سوريا.

مع مجيء إبراهيم رئيسي إلى دمشق، دخلت الأزمة السوريّة مرحلة جديدة. لا يقتصر الأمر على اضمحلال النفوذ الروسي بمقدار ما أنّ السؤال الأساسي ما ستكون عليه المواقف الأميركية والتركيّة والإسرائيلية؟ الأكيد، بالنسبة إلى تركيا أنه لا بد من انتظار نتائج الانتخابات الرئاسية فيها. إذا فاز أردوغان، لن يتغيّر شيء. إذا فاز منافسه كمال كيليجدار أوغلو، ستكون تركيا أكثر أطلسيّة، أي انتماء إلى حلف شمال الأطلسي وإلى أميركا.

أما أميركا نفسها، فليس هناك ما يشير إلى أنّ في نيتها التخلي عن القرار 2254 وعن إحداث تغيير حقيقي في سوريا. تبقى إسرائيل التي تجد ضمانة في بقاء النظام السوري الحالي الذي أخذ على عاتقه تفتيت سوريا بدعم إيران وميليشياتها. لم يوجد في المنطقة نظام قدّم كلّ هذه الخدمات لإسرائيل تحت شعاري “المقاومة” و”الممانعة” منذ ما قبل سقوط الجولان تحت الاحتلال في العام 1967.

من الواضح أن إيران، حيث يتعرّض النظام إلى تحديات لا سابق لها في ضوء فشله الداخلي على كلّ صعيد، تفكّر في مرحلة ما بعد الحرب الأوكرانية. هذا ما يفسّر إلى حدّ ما المصالحة مع المملكة العربيّة السعوديّة برعاية صينيّة.

جاء إبراهيم رئيسي إلى دمشق في إطار تجميع أوراق “الجمهوريّة الإسلاميّة”. سبقه وزير الخارجية حسين أمير عبداللهيان إلى لبنان ليؤكّد أن هذا البلد مستعمرة إيرانيّة لا أكثر. يبقى الأهمّ، في ما يخص زيارة رئيسي إلى سوريا الثمن المطلوب دفعه مقابل الديون المترتبة على دمشق. كم سيعطي النظام “الجمهوريّة الإسلاميّة” من الأراضي وما هي القطاعات التي سيسمح لها بالسيطرة عليها… ما دام لا منافس روسيا لها بعد الآن؟

إعلامي لبناني

العرب

————————–

رئيسي في دمشق خطأ سياسي قاتل/ فاروق يوسف

على خلفية زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى دمشق فإن بقاء بشار الأسد في الحكم ليس انتصارا إيرانيا. كذلك لا يمكن اعتباره انتصارا لما يُسمّى بمحور المقاومة. فإذا كانت إيران قد اعتبرت الأسد رجلها في الشام فإن الأسد نفسه لا يمكنه استشراف مستقبله إذا ما ارتمى كليا في الحاضنة الإيرانية. غير أنه وبسبب انفصاله عن الواقع اندفع في لعبة خطرة، لا يزال يعتقد أنه سيخرج منها سالما حتى لو ضاعت أجزاء كثيرة من سوريا وبقيت الملايين السورية مشردة ولاجئة ونازحة ومهدورة الكرامة. شيء غامض من اللامعقول يشبه إلى حد كبير مفهوم المقاومة يدفع بالرئيس السوري إلى أن يضع قدما في قارة فيما يضع القدم الأخرى في قارة بعيدة. وهو من خلال ذلك إنما يرجّح فكرة استمراره عالقا بخيارات، ليس من بينها استعادة سوريا وشعبها على أسس وطنية.

لا يملك الأسد ما يؤهله لإدراك حقيقة أن إيران بالنسبة إلى سوريا مشكلة وليست حلا. فهو بعد عزلته عن العالم صار ينظر إلى الخارج من خلال النافذة الإيرانية. وهي نافذة ضيقة وتضيق باستمرار لا بسبب العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران وحسب، بل وأيضا بسبب طريقة تعامل النظام الإيراني مع العالم والتي تنطوي على الكثير من الخداع والتآمر والنفعية المبالغ فيها. وما جناه الإيرانيون عبر سنوات الحرب السورية يؤكد أن سوريا كانت دائما هي الطرف الخاسر في علاقة، أضرت بها عربيا ودوليا. وليست الضربات اليومية التي تتلقاها سوريا من إسرائيل إلا ضريبة لتلك العلاقة التي لا يزال الأسد يتوهم أنها ضرورية لبقاء نظامه.

يضحك الإيرانيون على أتباعهم وحلفائهم بـ”محور المقاومة” في حين أنهم لا يفعلون إلا ما يجدونه مناسبا لمشروعهم القائم على مبدأ نشر الفوضى في المنطقة واستعمار مناطق داخل الدول التي تم استضعافها وهو ما حدث في سوريا والعراق ولبنان بشكل معلن. هناك محميات إيرانية يقيم فيها إيرانيون وبالأخص من القومية الفارسية وربما اكتسبوا المواطنة. ذلك ما أشار إليه الأسد في أحد خطاباته وهو يندد بالسوريين الهاربين من نيران الحرب. صارت المواطنة هبة لمَن يستحقها.

ليس رئيسي هو الشخص المناسب لزيارة دمشق في ظرف يستعد فيه العرب لاحتضان سوريا مرة أخرى

أخطاء الأسد كثيرة ولكن أسوأها ما ورثه عن أبيه وبالأخص علاقته بإيران. فهي علاقة مسمومة تصب في مصلحة إيران في عزل سوريا عربيا عملاَ بمبدأ تفتيت العالم العربي ليكون جزءا منه تحت مظلتها. كان على الأسد أن يتعلم من درس العراق شيئا ينفعه لو كان فكر قليلا بسوريا دولة وشعبا. فالعراق ومنذ أن هيمنت عليه الأحزاب التابعة لإيران هو دولة فاشلة ومعاقة تعجز عن تقديم الخدمات الأساسية لمواطنيها. لا ماء ولا كهرباء وعجز كامل في قطاعي الصحة والتعليم وصُفّرت الزراعة والصناعة كما لو أن البلد لم يكن زراعيا ولا صناعيا وليس له تاريخ مشرف في التنمية.

كانت زيارة رئيسي مناسبة للحديث عن الانتصار. ولكنه انتصار إيراني طائش ومشبع بالغباء وليس انتصارا سورياً. فتحت إيران جبهة قتال مع إسرائيل على الأراضي السورية فصار السوريون يدفعون ثمنا لحرب صار الأسد يتحدث عن موعد خيالي للرد فيها. هل تم استغباء سوريا من قبل إيران؟

ولكن ماذا بعد ذلك؟ لن أستبق الأحداث فأقول إن الأسد خسر فرصة تاريخية حين استقبل رئيسي في هذا الوقت الحرج. أما أن تكون إيران قد ربحت السباق فذلك أمر لا يزال في إمكان الأسد أن يقول رأيه فيه. سيكون عليه أن يعيد اتصاله بالواقع ليفهم أن عودته إلى محيط سوريا العربي لن يتم بشروط إيرانية. عليه أن يتوقف عن تصلب خطابه السياسي. لم تحم إيران نظامه من السقوط، بل روسيا هي مَن قامت بذلك. علاقته بإيران تضعه في الجبهة المعادية للعرب. وهو ما يجعل عودة سوريا إلى محيطها العربي أمرا مستحيلا.

في هذا الظرف الحساس كان على الأسد أن يفكر بطريقة مسؤولة وهو يستقبل رئيسي. ذلك لأن الأخير ليس الضيف المناسب بعد أن صارت سوريا على مقربة من عودتها إلى محيطها العربي. ما سيحدث من ردود أفعال لن يكون في مصلحة سوريا. سيُقال “لينفعه محور المقاومة”، وهي كذبة إيرانية استفادت منها إسرائيل لتأكيد هيمنتها على المنطقة التي ستظل خارج العصر بسبب التحاقها بدولة الملالي.

ليس رئيسي هو الشخص المناسب لزيارة دمشق في ظرف يستعد فيه العرب لاحتضان سوريا مرة أخرى.

كاتب عراقي

العرب

——————————

تركيا: غالبية الدول لن تمنح الأسد «شيكاً على بياض» بالعودة للجامعة العربية

جاويش أوغلو: على النظام السوري أن يدرك استحالة الحل العسكري

سعيد عبد الرازق

أكدت تركيا، السبت، أن غالبية الدول العربية لا ترغب في منح نظام الرئيس السوري بشار الأسد «شيكاً على بياض» بالعودة إلى الجامعة العربية، «وأن الجميع يريد أن يضمن استبعاد الحل العسكري، وضمان العودة الآمنة للاجئين».

وشددت في الوقت ذاته على أن عملياتها العسكرية ستتواصل ضد المسلحين الأكراد في شمالي سوريا والعراق، وأنها «لا ترغب أيضاً في لجوء الأسد إلى الحل العسكري، وأن مفاوضاتها للتطبيع مع دمشق تراعي مصالح شعبها».

وعدّ وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، تواصل عدد من الدول العربية مع نظام الأسد، في الفترة الأخيرة، مهماً، «لجهة إتاحة إمكانية عودة السوريين إلى بلادهم».

وقال جاويش أوغلو، في مقابلة تلفزيونية ليل الجمعة – السبت، إن «غالبية الدول العربية لا تريد تقديم شيك على بياض» لعودة نظام الأسد إلى جامعة الدول العربية وكأن شيئاً لم يحدث».

وأضاف: «تريد الدول من نظام الأسد أن يتخذ خطوة فيما يتعلق بالعملية السياسية، هذا هو السبيل لتوحيد سوريا»، وإلا فإن تنظيم «وحدات حماية الشعب الكردية»، أكبر مكونات سوريا الديمقراطية (قسد)، والتي تعتبرها أنقرة امتداداً لـ«حزب العمال الكردستاني»، «سيصبح أقوى».

وعن مفاوضات مسار التطبيع بين بلاده وسوريا، قال جاويش أوغلو، إن الحكومة الروسية أكدت موعد الاجتماع الأول من نوعه على مستوى وزراء خارجية تركيا وروسيا وسوريا وإيران في موسكو في 10 مايو (أيار) الحالي، ضمن مسار التطبيع بين أنقرة ودمشق، لكنه أشار إلى أنه «من غير الواضح من سيمثل إيران في الاجتماع، وقد يشارك مسؤول إيراني آخر، حال مرافقة وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان، للرئيس إبراهيم رئيسي في جولته الأفريقية».

وأضاف: «نتوقع أن يصبح المشهد في سوريا معقداً وصعباً للغاية في المستقبل، انخرطنا في التعامل مع حكومة النظام لنرى».

وتابع جاويش أوغلو: «لا يمكننا استباق الأمور بشأن ما سنتفق عليه في اجتماعنا في ذلك اليوم… ربما نعقد مؤتمراً صحافياً مشتركاً في ختام الاجتماع».

واستدرك: «على الإدارة السورية الإجابة عن هذا السؤال بوضوح: هل ما زالت تؤمن بالحل العسكري أم بإمكانية الحل السياسي؟ لا يوجد حل وسط بينهما… الحل العسكري مستحيل، إذا اتخذ النظام موقفاً مؤيداً للحل السياسي فستزداد احتمالية إيجاد حل، أما إذا رفض وقرر الاستمرار في محاربة الجميع مهما كلفه الأمر، فإن الحل سيستغرق عقوداً».

وحذر الوزير التركي من «خطر تقسيم سوريا، وحدوث موجة هجرة بسبب الوضع الاقتصادي السيئ في الداخل»، لافتاً إلى أن تركيا «تتحرك في علاقاتها مع جميع الدول بما يراعي مصالحها، وتتخذ خطوات تتماشى مع مصالح شعبها».

في السياق ذاته، أكد الرئيس رجب طيب إردوغان أن العمليات العسكرية التي تنفذها بلاده ما وراء الحدود (في شمالي سوريا والعراق) لم تنته بعد، وأنها تنتظر الوقت المناسب.

وقال إن «تدمير تركيا أوكار إرهابيي العمال الكردستاني فوق رؤوسهم في جبل قنديل بشمال العراق، بات وشيكاً».

بدوره، قال وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، إن قوات بلاده نجحت في تمزيق «الممر الإرهابي المراد إقامته في شمال سوريا، ودفن الإرهابيين في الحفر التي صنعوها بأيديهم».

وأكد أن «الإرهاب لم ينته بعد، ولا يزال الكفاح مستمراً بنفس العزم والتصميم وبوتيرة متزايدة».

وقالت وزارة الدفاع التركية، في بيان السبت، إن قوات «حرس الحدود» ألقت القبض على 4 أشخاص بينهم 3 إرهابيين خلال محاولتهم التسلل من الأراضي السورية إلى تركيا، تبين أن اثنين منهم ينتميان إلى الوحدات الكردية، والثالث لتنظيم «داعش».

الشرق الأوسط

—————————

المعارضة السورية تنتقد “التطبيع العربي” مع نظام الأسد

انتقد رئيس هيئة التفاوض السورية المعارضة بدر جاموس اليوم السبت ما وصفها بـ”جهود التطبيع العربي” مع النظام، مبينا أنها تؤدي إلى “تقويض الانتقال السيادي وتحويل سوريا لنظام ديمقراطي”.

وقال جاموس -في إحاطة للصحفيين تطرق فيها للمستجدات على الساحة السورية، ومنها مساعي التطبيع العربية مع النظام- إن “التطبيع يؤدي إلى تقويض العدالة الانتقالية والانتقال السياسي وتحويل سوريا لنظام ديمقراطي، وعندها أمن سوريا والمنطقة لن يتحقق رغم إعادة النظام للجامعة العربية”.

وأضاف “هناك محاولات إقناع للمجتمع الدولي بأن النظام انتصر، في حين أن 40% من المناطق خارج سيطرته، وليست هناك سيطرة للنظام بل للمليشيات والمافيات وروسيا، وفشلت تعهدات روسيا للأردن، فكيف تنجح الضمانات التي تقدمها بقية الدول؟”

وكشف رئيس هيئة التفاوض عن “جولة قامت بها الهيئة في عدة دول عربية وزيارة لأميركا ولقاءات مع سفراء دول تناولت مسائل عديدة، ومنها التطبيع”.

وحول الموقف الأميركي، أفاد جاموس بأن “الأجوبة التي تلقوها أن واشنطن موقفها ثابت لم يتغير، ربما هناك ضعف في التصرفات ولكن الموقف ثابت، وتم التأكيد أنه سيتم نشر معلومات اللقاءات على وسائل التواصل الاجتماعي”.

وأكمل “الموقف الأميركي جاء فيه أن واشنطن تدعم العملية السياسية وترفض التطبيع مع النظام، والعقوبات مستمرة عليه، وأن الحل عبر الأمم المتحدة وفق القرار الأممي 2254، وسيتم تخفيف الصعوبات الإنسانية على الشعب مما أدى إلى تخفيف العقوبات المفروضة”.

وعن موقف الهيئة، قال جاموس “هيئة التفاوض محور عملها هو الوفاء بالالتزامات الإنسانية والعدالة للضحايا، ولا يمكن أن نسير إلا في عملية سياسية واضحة مبنية على القرارات الأممية، ونركز على بيان جنيف1 (2012) والقرار 2254، ودون ذلك لا حل يقنع السوريين”.

وفي ما يخص التطبيع العربي واللقاءات التي جرت مع الدول العربية، قال جاموس “كانت هناك لقاءات لنا مع بعض الدول العربية؛ إما مع سفرائها بتركيا أو في جنيف أو في الرياض والقاهرة”.

وأضاف “ما قيل لنا إن ما نقوم به (أي الدول العربية) لمصلحة السوريين، ولا يمكن استمرار الأزمة 12 عاما، ولم تنجح محاولات السياسة القديمة بغلق الباب على النظام، ولا توجد قوة ستذهب لإسقاطه، فيجب الحديث معه لإيجاد الحلول”.

وأردف جاموس “قلنا (هيئة التفاوض) لا مشكلة في الحوار مع النظام وجلبه للعملية السياسية وتطبيق القرارات الدولية، وما يخيفنا هو استعجال كبير وإعطاء النظام مشروعية قبل أن يقدم أي شيء، النظام لم يغير سياسته ولم تتغير أسباب فصله من الجامعة العربية، ولم يغير سياسته تجاه قرارات الأمم المتحدة”.

وأكد أن هناك “فرقا بين محاولات إقناع النظام للذهاب للعملية السياسية ومحاولات التطبيع معه، والتطبيع معه مجانا بحجة التعامل معه بطريقة مختلفة. المبادرات العربية غير واضحة ولم يوضع على الطاولة لنا شيء لمناقشته”.

وقال جاموس “نسمع عن مفاوضات، حتى الآن لم يتم التعامل مع من يمثل السوريين، النظام لا يمثل الشعب السوري بل يمثل أقلية فقط، الشعب السوري بإجماله يريد حلا سياسيا ودولة جديدة”.

وأردف “نحن السوريين جزء من الحل وإن لم يكن هناك حل منطقي يقبله الشعب فلن ينجح، المشكلة ليست في هيئة التفاوض، بل أن الشعب السوري إجمالا يرفض النظام والتطبيع معه، ونحن صوت الشعب السوري، ولا يمكن أن يتم تجاوز السوريين في أي مفاوضات”.

يشار إلى أن مصر (رئيس مجلس الجامعة العربية في الدورة الحالية) أعلنت الأحد الماضي عقد اجتماعين وزاريين طارئين لبحث تطورات سوريا والسودان، وفق تصريحات لمصدر دبلوماسي عربي، وإمكانية النظر في عودة دمشق لمقعدها بالجامعة.

المصدر : وكالة الأناضول

——————————-

معضلة الدبلوماسية في الأزمة السورية/ رمزي عز الدين رمزي

المعضلة الدائمة التي تطارد كل دبلوماسي: كيف يمكنه تحقيق التوازن بين المثالية والواقعية… المثالية بمعنى التأكيد على دور المبادئ والقيم الأخلاقية، والتأكيد على أهمية المنظمات الدولية وتبني السبل الدبلوماسية والسلمية في حل النزاعات. أما الواقعية فهي التأكيد على القوة والمصلحة الخاصة والاعتماد على الوسائل العسكرية والاقتصادية والدبلوماسية، سعياً لتحقيق توازن القوى والردع وإقامة التحالفات، والتقليل من دور المنظمات الدولية.

تشحن المثالية الخيال وتساعد على صياغة الرؤية وتفتح آفاقا جديدة للعمل. أما الواقعية فتضمن إمكانية تنفيذ الرؤية، لا في مجملها وإنما على الأقل في تنفيذ أهدافها الأساسية. لكن اسمحوا لي أن أضيف بعجالة أن المثالية تستخدم أحيانا كغطاء لمتابعة أهداف شريرة. كما تستخدم الواقعية لتبرير أعمال وحشية. لذا يغدو تحقيق التوازن بين النقيضين أصعب.

بعد أن تعاملت على نحو مباشر مع المأساة السورية مدة أربع سنوات ونصف السنة، بصفتي نائباً للمبعوث الخاص للأمم المتحدة (2014-2019)، كان لزاماً علي أن أتصارع يومياً مع هذه المعضلة.

وقد استرشدت، وأنا أؤدي مهمتي، بمبدأين.

الأول: مصلحة الشعب السوري في تحقيق تطلعاته إلى الحرية والكرامة الإنسانية والازدهار. وكنت متعاطفا تماما مع هذه التطلعات، وأردت أن أساهم في مساعدة السوريين على تحقيقها. لكنني كنت في الوقت نفسه، على معرفة بالقيود المحلية والإقليمية والدولية التي عقّدت تحقيق رؤيتهم هذه. وأدركت أن مهمتي هي أن أقدم ما هو ممكن في ظل الظروف السائدة. يحدوني الأمل دوما في أن يمضي الأمر إلى الأمام.

والثاني: المساهمة في السلام والأمن في الشرق الأوسط. فهذه المنطقة عالقة في دائرة مفرغة من الأزمات، التي حرمتها من الوصول إلى إمكاناتها الحقيقية. والأسباب كثيرة، بعضها يتعلق بنظام الحكم، والبعض الآخر بسبب التدخل الأجنبي. في هذا السياق كنت وما زلت حتى يومنا هذا مقتنعا بأنه من دون سوريا مستقرة سيبقى السلام والأمن في هذه المنطقة أمرين وهميين. ويذكر عن هنري كيسينجر أنه قال إن من يسيطر على سوريا يسيطر على الشرق الأوسط. ولذا كنت وما زلت مقتنعاً حتى يومنا هذا بأن المصلحة الاستراتيجية لجميع الدول العربية، تقتضي أن تعيش سوريا كدولة وطنية، إنما بعد إصلاحها بما يلبي تطلعات شعبها في حياة أفضل وكريمة.

أنا من أشد المؤمنين بنظام الحكم الديمقراطي. وهذه ليست مثالية. ولكن كما قال ونستون تشرشل فالنظام الديمقراطي مع كل نقاط ضعفه، هو أفضل نظام سياسي. غير أنه لا يمكن ولا ينبغي اختزال الديمقراطية في إجراء انتخابات. إنما هي عملية تترسخ فيها لبِنات البناء التي تشمل القضاء المستقل، وحرية الصحافة، ومجتمعاً مدنيًا ينبض بالحيوية، وسيادة القانون… إلخ.

وإذا أخذنا في الحسبان تاريخ الشرق الأوسط، وعلى الأخص تاريخ الدول العربية، فإن عملية إقامة حكم ديمقراطي ستكون عملية طويلة ومعقدة مع كثير من التقلبات صعوداً وهبوطاً. لكن ينبغي أن يبقى هذا الهدف حيا.

صحيح أن الشعب السوري عانى من القمع قبل عام 2011. أما اليوم فقد تكاثرت عليه المحن، حيث يعاني من انعدام الأمن ومن النزوح وسوء التغذية ونقص التعليم ومن الظروف الاقتصادية المزرية.

لم يتوقع أحد من السوريين، عندما نزلوا إلى الشوارع للمطالبة بالحرية والكرامة، أنهم سيقعون تحت اليد الثقيلة للإجراءات الأمنية والإرهاب والمكائد الخارجية. هذا الثلاثي الذي تغذي بعض أطرافه بعضا مع ما تلقيه من عواقب وخيمة على الشعب السوري.

هذا ما كان عليه الوضع عندما توليت مهمة الأمم المتحدة عام 2014. كان مثال العراق حيا في ذهني. دولة تتمتع بإمكانات كبيرة دمرتها أولاً الإجراءات المتهورة لقيادة وحشية ودمرها ثانيا الغزو الأجنبي الذي حوّل البلد إلى دولة فاشلة بالمعنى الحرفي.

من الواضح أن سوريا ليست العراق. فكل دولة، مهما كان مدى قربها لدولة أخرى، من المنظور التاريخي والاجتماعي والاقتصادي، هي دولة فريدة من نوعها.

غير أني تعلمت بعض الدروس من العراق، وأعتقد أنها تفيدنا في حالة سوريا.

أولاً، بينما كان لدى العراقيين مظالم مشروعة، فمن الواضح أن السعي للحصول على دعم من جهات خارجية لم يؤدِ إلى النتائج المرجوة. بل على العكس تماما، فقد أطلق التدخل الخارجي دوامة من العنف والإرهاب والصراع الطائفي وحتى مزيداً من الفساد.

ثانياً، أدى التدخل العسكري الأميركي إلى إضعاف الدولة الوطنية في العراق. وجاء هذا الإضعاف في البداية عند تفكيك مؤسسات الدولة ثم تالياً بطرح دستور قائم على الطائفية.

ثالثًا، كان غياب الدور العربي الفاعل عاملا يزيد التعقيد تعقيدا. فلم يكن العراق، بغياب الدعم العربي، قادراً على التعامل الفعال مع تدخلات الولايات المتحدة وإيران وتركيا.

باختصار، يمكننا أن نلخص الدروس المستقاة من الغزو الأميركي للعراق كما يلي: لا يمكن فرض الديمقراطية من الخارج، وينبغي أن تأتي فقط من داخل البلد. وأن التدخلات العسكرية الأجنبية لها عواقب وخيمة على المدى الطويل. كما أن غياب الدور العربي في البحث عن تسويات سياسية يؤدي إلى تفاقم النزاعات ويفتح الباب حتى لمزيد من التدخلات الخارجية في الشؤون العربية.

في عام 2010 كانت سوريا دولة واعدة. فقد كانت من بين الدول الأفضل أداءً في تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية التي تبنتها الأمم المتحدة. غير أن هذا لا يعني أنها لم تكن تواجه تحديات سياسية واجتماعية واقتصادية خطيرة. فتحت السطح كانت قوى الانفجار تتخمر، وتعود أسبابها- إلى حد كبير- إلى توزيع الدخل توزيعا جائراً على نحو متزايد، وإلى الانقسام بين الريف والمدينة الذي تفاقم بسبب التدهور البيئي، وإلى ضآلة مساحة الحريات السياسية.

مقاتل من قوات سوريا الديمقراطية (يسار) وجنود أميركيون بالقرب من مدرعتهم في الرميلان بمحافظة الحسكة شمال شرق سوريا

ومنذ عام 2011 مات أكثر من 500 ألف شخص. ويقدر البنك الدولي أن أكثر من نصف سكان سوريا إما أنهم هاجروا أو نزحوا داخليا، كما فقد الناتج المحلي الإجمالي 60 في المئة من قيمته التي كانت قبل عام 2011، ويعيش أكثر من 80 في المئة من السكان تحت خط الفقر مقارنة بـ10 في المئة فقط في عام 2011. ويقدر برنامج الأغذية العالمي أن 14.2 مليون سوري من أصل 16 مليونًا لا يزالون في البلاد، يعانون من نقص الغذاء. كما تشير اليونيسيف إلى أن 40 في المئة من البنية التحتية للتعليم قد دمرت، وأن 2.4 مليون طفل ليس لديهم تعليم رسمي مقارنة بعام 2011 عندما كانت نسبة الالتحاق بالمدارس الابتدائية تبلغ 97 في المئة.

وأمست سوريا أيضاً ميداناً لكثير من التدخلات العسكرية الأجنبية من إيران وإسرائيل وتركيا وروسيا والولايات المتحدة، وملاذاً للإرهابيين القادمين من عشرات الدول.

المفارقة أنه رغم مرور اثني عشر عاما على انحدار سوريا نحو الفوضى والدمار فإن أياً من اللاعبين الرئيسيين ليس اليوم في وضع أفضل مما كان عليه قبيل اندلاع الأزمة.

فإيران لم تطرد من البلاد. وفي الوقت نفسه هي ليست قادرة على ترسيخ موقعها بشكل لا رجعة فيه. كما لم تستطع تركيا تنصيب نظام صديق لها في دمشق ولا التعامل بفعالية مع مشكلة اللاجئين. بالإضافة إلى أنها لا تزال تعاني من غياب الاستقرار على حدودها الجنوبية الممتدة 900 كيلومتر. أما إسرائيل فما زالت عاجزة عن القضاء على التهديد الإيراني.

ومع ذلك، يبدو أن كلاً من روسيا والولايات المتحدة حققتا نجاحاً أفضل من غيرهما نسبياً؛ فقد حققت روسيا حلمها التاريخي بإنشاء قاعدة بحرية على المياه الدافئة للبحر الأبيض المتوسط. لكنها غير قادرة على تحويل مكاسبها العسكرية إلى مكاسب سياسية واضحة. من ناحية أخرى، تمكنت الولايات المتحدة من ضمان أهدافها بإضعاف “داعش” ومواصلة الضغط على دمشق بأقل تكلفة، وذلك باعتمادها على “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) التي يهيمن عليها الأكراد.

في هذه الاثناء، يقود الرئيس الأسد دولة مقسّمة ومدمرة وسكاناً معدمين، كما أمست سوريا موطناً لجماعات إرهابية وساحة صراع بين أربعة جيوش أجنبية وعدد لا حصر له من الميليشيات.

ويضاف إلى المأساة أن الجميع تقريباً مستعد للتعايش مع هذا الوضع. في الواقع، لم يظِهر بلد واحد اهتماما كافيا للتوصل إلى حل سياسي.

بالنظر إلى هذه الصورة القاتمة التي استمرت حتى ديسمبر/كانون الأول الماضي، كنت قلقا من أن يغدو النزاع في سوريا نزاعا مجمدا. ولكن يبدو أن الأمور تقدم اليوم بصيص أمل. فقد حدثت تطورات عدة قد تزيد من احتمالات التسوية السياسية. أخيراً يبدو أن الواقعية قد تسود. أسفي الوحيد أن هذا يحدث متأخرا نوعا ما. وكان من الممكن أن يجنب الشعب السوري كثيراً من المعاناة. فهل نشهد اليوم بداية النهاية للمأساة السورية؟ آمل ذلك بصدق.

أولاً، أسفرت الجهود الروسية الساعية لتحقيق تقارب بين سوريا وتركيا، عن تتويجها باجتماع موسكو في ديسمبر الماضي، بين وزيري الدفاع ورؤساء أجهزة الاستخبارات في البلدين. ورغم الزخم الذي ولّده الاجتماع، إلا أنه تلاشى كما يبدو بسبب إحجام دمشق العنيد عن منح الرئيس أردوغان انتصارا قبيل الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في شهر مايو/أيار، ما لم تنتزع مكاسب ملموسة كبيرة على الأرض في المناطق التي تمارس فيها تركيا سيطرة فعلية شمالي سوريا. إلا أن الأمر الهام هنا أنه جرى اختراق الانسداد الذي منع فيما مضى أي إمكانية للتقارب. وسواء أعيد انتخاب الرئيس أردوغان أم لا، فإن عملية التقارب سوف تتواصل.

من الواضح أن الاختراق الذي حصل في العلاقات السورية التركية سيغير قواعد اللعبة. إلا أنه غير كاف في حد ذاته لتحقيق تسوية سياسية. ولن يؤدي إلا لاستقرار الحدود السورية التركية. كما أنه لن يضع حداً للتدخلات الإسرائيلية والإيرانية، التي تواصل تقويضها للسيادة السورية. ولن يؤدي إلى توفير الأموال اللازمة لإعادة الإعمار، وهو أمر ضروري لاستقرار البلاد على المدى الطويل. وبالتالي ستبقى إعادة بناء سوريا اقتراحا خادعا.

ثانياً، تسارعت عملية التطبيع بين دمشق وعدد من العواصم العربية. وهذا التطور هو الذي قد يغير الوضع برمته. فقد قررت الدول العربية أن تأخذ هذا المنحى انطلاقاً من مصالحها الخاصة. كما جاءت هذه العملية في سياق أوسع يشمل إعادة ترتيب المنطقة. فقد أدركت هذه الدول أن الاعتماد المفرط على الولايات المتحدة لا يخدم مصالحها. كما أن تصاعد التنافس والمواجهة بين الولايات المتحدة وحلفائها من جهة والصين وروسيا من جهة أخرى، دفع هذه الدول إلى استنتاج أن من مصلحتها البقاء على الحياد إزاء ما يبدو أنها حرب باردة آخذة في التشكل، ولا سيما أنها ستنفذ بوسائل غير عسكرية، قد تنطوي على عواقب وخيمة على جنوب الكرة الأرضية.

لقد استُقبل الرئيس الأسد بحفاوة بالغة في أبوظبي شهر مارس/آذار الماضي. وزار وزير الخارجية الإماراتي دمشق مرتين خلال الأشهر القليلة الماضية. كما زار وزيرا الخارجية المصري والأردني دمشق لأول مرة منذ أحد عشر عاما. وزار وزير خارجية سوريا القاهرة أول أبريل/نيسان، مع العلم أن آخر زيارة قام بها وزير خارجية سوري لمصر كانت عام 2009.

وزار وزير الخارجية السعودي دمشق يوم 18 أبريل الحالي، الأمر الذي مهد الطريق لاستعادة العلاقات الدبلوماسية كاملة بين البلدين. وتشير كل هذه التطورات إلى احتمال عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية في قمتها المقبلة، المقرر عقدها في الرياض خلال شهر مايو المقبل.

 كما أن اتفاق كل من الرياض وطهران على إعادة العلاقات الدبلوماسية، ليس أمراً قليل الأهمية. وإذا نُفّذ الاتفاق بسلاسة، فلا شك أن تداعياته على سوريا ستكون مهمة.

في هذا الوقت، قد تلغي جامعة الدول العربية أو لا تلغي تجميد مشاركة سوريا في أنشطتها.

ورغم أن هذا الأمر له قيمة رمزية كبيرة، إلا أنه غير كافٍ لتحقيق الاستقرار في سوريا. والواضح أن عملية التطبيع على المستوى الثنائي سوف تستمر.

المسألة ليست متعلقة فقط بعودة سوريا إلى الأسرة العربية، بل تتصل أكثر باتخاذ الدول العربية قراراً بالانخراط في إعادة إعمار البلد. وجدير بالذكر أن إعادة الإعمار هي أحد عناصر الحزمة الواردة في قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة 2254. وهناك عناصر أخرى تحتاج إلى الاهتمام والمعالجة. ويبدو أن الدول العربية قد انتقت من بين هذه العناصر ما يحتل الأولوية عندها. وجاء كل من البيان الصادر عن الاجتماع الوزاري السعودي- السوري يوم 12 أبريل، والبيان الصادر عن الاجتماع المشترك بين دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن والعراق يوم 15 أبريل ليحدد هذه الأولويات العربية: عودة اللاجئين والنازحين، وضمان وصول المساعدات الإنسانية لجميع السوريين، ومحاربة الإرهاب. ونأمل أن يؤدي تحقيق هذه المبادئ إلى خلق ديناميكية قد تفتح الباب أمام تنفيذ أكثر كمالاً للقرار 2254.

ولكن من دون إعادة الإعمار، ليس هناك فرصة لعودة الاستقرار إلى سوريا، ولا فرصة أيضاً لإنهاء التدخل العسكري الأجنبي. غير أن الأهم من ذلك هو أن الشعب السوري سيظل يعاني من الحرمان والبؤس. ولن يكون قادراً على تحقيق تطلعاته في مستقبل أفضل. وسوف تستمر سوريا كفتيل مشتعل مع كل ما يحمله ذلك من تداعيات إقليمية.

هذا السياق يطرح على الفور سؤالاً: كيف ستدير الدول العربية- والخليجية منها على الأخص- الوضع، إذا أخذنا في الحسبان العقوبات التي فرضتها كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي؟ زد عليها أيضاً قانون قيصر الذي سنه الكونغرس ويفرض عقوبات أساسية على الحكومة السورية والأفراد، كما يفرض عقوبات ثانوية على الشركات التي تتعامل مع دمشق وبعض الأفراد المرتبطين بالحكومة. يضاف إلى ذلك ما فرضه الاتحاد الأوروبي منذ عام 2011، من عقوبات متصاعدة، قيدت دمشق أكثر فأكثر.

يتمتع عدد من الدول العربية بوضع يمكنها من الاستفادة من نفوذها لدى واشنطن والعواصم الأوروبية الكبرى، لتعديل موقفها من قضية إعادة الإعمار في سوريا. وسيكون التحدي في واشنطن مع الكونغرس أكثر منه مع الإدارة. لكنها مهمة ليست مستحيلة إذا جرت إدارتها على نحو مناسب. وقد اتخذت الإدارة الاميركية مؤقتًا- استجابة منها للزلزال المدمر في فبراير/شباط الماضي- قرارا بتعليق تنفيذ بعض العقوبات. وهذا قد يفتح الباب أمام مزيد من الإجراءات في هذا المنحى، ولا سيما إذا استجابت دمشق للمطالب العربية بعودة اللاجئين والنازحين، وتمكين جميع السوريين من الوصول الدائم للمساعدات.

أخيراً، لا يمكن لأي تسوية سياسية دائمة في سوريا أن تتحقق، إلا عندما تكون هناك مصالحة وطنية حقيقية. وهذه عملية عاطفية معقدة وشديدة الحساسية، غير أن هناك كثيرا من الأمثلة التي تبين كيف تعاملت بعض الدول بحكمة مع قضايا حاسمة كهذه.

————————-

“خطوة مقابل خطوة”.. وثائق مسربة تكشف المقاربة الأردنية للحل في سوريا

خلال الأسابيع الأخيرة، تسارعت وتيرة التطبيع العربي مع النظام السوري، وأجرى النظام السوري اجتماعات وزيارات متبادلة مع أطراف عربية، بهدف بحث جهود حل الأزمة السورية، وعودتها إلى جامعة الدول العربية.

وطرح الأردن مبادرة سلام تقوم على دور عربي مباشر ينخرط مع النظام السوري في حوار سياسي يستهدف حل الأزمة ومعالجة تداعياتها الإنسانية والأمنية والسياسية، وفق مبدأ “خطوة مقابل خطوة”.

ونشرت مجلة “المجلة”

وثائق سريّة مسرّبة لمسودة المبادرة الأردنية ومقاربة “خطوة مقابل خطوة”، بما فيها المواضيع الأساسية، والخطوات التي يجب على النظام السوري تنفيذها، ويقابلها العروض التي سيحصل عليها مقابل تنفيذ هذه الخطوات.

وتشير الوثيقة إلى أن الحكومة الأردنية أعدت الورقة في العام 2021 “بعد خيبات من خطوات التطبيع إزاء ملفي المخدرات والنفوذ الإيراني، وتضمنت تصوراً للحل في سوريا، وجرت مناقشتها في اجتماعات منفصلة مع الرئيسين الأميركي جو بايدن، والروسي فلاديمير بوتين”.

وتقدم الوثائق التي نشرتها “المجلة” قراءة للواقع السوري وفق النهج المتابع للتعامل مع الأزمة السورية، وتعكس التفكير الأردني تجاه الموضوع السوري ومقاربة بعض الدول العربية إزاء ذلك.

“النهج الحالي فاشل وتغيير النظام ليس هدفاً فعالاً”

ووفق الورقة المصنفة بأنها “سرية” و”غير رسمية”، فإنه “بعد 10 سنوات من اندلاع الأزمة السورية، لا توجد آفاق حقيقية لحلها، ولا توجد استراتيجية شاملة للتوصل إلى حل سياسي، ولا يمكن للمقاربات الضيقة أن تحقق الحل السياسي الضروري”.

وأكدت الورقة أن “الجميع متفقون على عدم وجود نهاية عسكرية للأزمة، وتغير النظام ليس هدفاً فعالاً، والهدف المعلن هو إيجاد حل سياسي على أساس قرار مجلس الأمن 2254″، مضيفة أنه “مع ذلك، لا يوجد تقدم ملموس على هذا المسار، فيما يؤدي الوضع الراهن إلى مزيد من المعاناة للشعب السوري وتقوية الخصوم”.

وأوضحت الورقة أن “النهج الحالي للتعامل مع الأزمة السورية أثبت فشلاً مكلفاً”، مشيرة إلى أنه وفق بيانات الأمم المتحدة، فإنه في سوريا هناك 6.7 ملايين لاجئ، و6.6 ملايين نازح، و13 مليونا بحاجة إلى مساعدات إنسانية، منهم 6 ملايين في حاجة ماسة، و12.4 مليونا يعانون من انعدام الأمن الغذائي، وأكثر من 80 % من السوريين يعيشون تحت خط الفقر، و2.5 مليون طفل خارج المدرسة، و1.6 مليون معرضون لخطر التسرب.

وفيما يتعلق بمكافحة الإرهاب، قالت الورقة إن “تنظيم داعش هُزم ولكن لم يُقضَ عليه”، موضحاً أن “أعضاء التنظيم يحاولون إعادة تجميع صفوفهم، ويعاودون الظهور في أجزاء من البلاد طُرد منها داعش، مثل جنوب غربي سوريا”.

وأشارت الورقة إلى أن عناصر التنظيم “يحاولون توطيد أنفسهم في مناطق أخرى، مثل الجنوب الشرقي، قيما تواصل مجموعات إرهابية العمل في أجزاء مختلفة من سوريا، وتستفيد من الملاذات الآمنة في الشمال الشرقي”.

المبادرة الأردنية

انتهاء اجتماع عمّان التشاوري حول سوريا.. ما أبرز مخرجاته؟

أما مقاربة “خطوة مقابل خطوة”، فتشير الوثيقة إلى 6 مواضيع، يتعين على النظام السوري القيام بخطوات بشأنها، فيما تعرض المبادرة الأردنية مكاسب يستفيد منها النظام ضمن إطار هذه المواضيع.

المبادرة الأردنية

الحفاظ على المساعدات عبر الحدود وتسهيلها عبر الخطوط

يتضمن البند الأول من مقاربة “خطوة مقابل خطوة” في المبادرة الأردنية “ضمان الوصول الإنساني إلى سوريا”، والذي “يتم الترويج له على أنه من تدابير بناء الثقة لتجنب تسييس المساعدات الإنسانية”.

ووفق الوثيقة المسربة، ستكون خطوة النظام هي “الموافقة على الحفاظ على المساعدات الإنسانية عبر الحدود، وتسهيل قوافل الأمم المتحدة عبر الخطوط داخل سوريا”، فيما تعرض المبادرة على النظام “إرسال مساعدات صحية إلى سوريا، بما في ذلك مناطق سيطرة النظام السوري، للمساعدة على مواجهة فيروس كورونا، ووضع برنامج تطعيم ممول دولياً”.

“تسهيل عودة اللاجئين وضمان المحاسبة والتحقيق في التعذيب”

واشتمل البند الثاني في المقاربة على “خلق بيئة مناسبة لعودة آمنة للنازحين واللاجئين”، ووفق هذا البند، يلتزم النظام السوري بـ “منح المفوضية الأممية حق الوصول الكامل في المناطق المعنية، بما في ذلك ضمان عدم اضطهاد العائدين، وخلق بيئة هادئة ومحايدة لتسهيل العودة الطوعية والآمنة إلى مسقط رأسهم، بما فيهم القاطنون في مخيم الركبان، عبر عملية تدريجية ومنهجية تحت إشراف المفوضية”.

كما يلتزم النظام السوري بـ “المصالحة مع المعارضة، ومختلف مكونات المجتمع السوري، ويعتمد إصلاحات هيكلية لضمان الحكم الرشيد، وضمان المحاسبة ووقف الاضطهاد والتحقيق في التعذيب وانتهاكات حقوق الإنسان”.

وفي مقابل خطوة النظام في هذا البند، نصت المبادرة على “اعتماد خطة مساعدات مرحلية للسوريين الذين يعيشون في مناطق سيطرة النظام، من خلال زيادة المساعدات الإنسانية بالتنسيق مع النظام السوري، وتمويل وتنفيذ مشاريع الإنعاش المبكر والاستقرار”.

بالإضافة إلى ذلك، نصت المبادرة على “تمويل برامج التعافي المبكر المخصصة للمساعدة في عودة النازحين واللاجئين إلى بلدانهم ومدنهم”، و”ابتكار برامج ودعم وكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية التي تساعد على استعادة نوع من الحياة الطبيعية لسبل عيش الشعب السوري بشكل عام”.

“تفعيل الدستورية والإفراج عن المعتقلين مقابل التطبيع وتخفيف العقوبات”

وفيما يتعلق بالمسار السياسي، نص البند الثالث على “تحقيق تقدم في تنفيذ قرار مجلس الأمن 2254″، ويجب على النظام، وفق المبادرة “المشاركة الإيجابية في اللجنة الدستورية التي تؤدي إلى إصلاح دستوري”، و”الإفراج عن المعتقلين والسجناء السياسيين، والكشف عن مصير المفقودين”، و”إجراء انتخابات تحت إشراف الأمم المتحدة تؤدي إلى تشكيل حكومة انتقالية”.

وفي مقابل هذه الخطوة، تنص المبادرة على “تخفيف تدريجي للعقوبات على النظام السوري، بما في ذلك تسهيل تجارة السلع مع أطراف ثالثة، ورفع العقوبات عن القطاعات العامة السورية، بما في ذلك البنك المركزي والجهات الحكومية والمسؤولون، ورفع العقوبات القطاعية”.

كما تقدم المبادرة للنظام السوري “تقاربا دبلوماسيا مرحليا لإعادة العلاقات، وإعادة افتتاح البعثات الدبلوماسية في دمشق”، بالإضافة إلى “تسهيل عودة النظام السوري إلى المحافل الدولية، واستعادة مكانته في جامعة الدول العربية”.

التعاون مع “قسد” لمكافحة “داعش” ووقف أنشطة ميليشيات إيران

وفيما يتعلق بمكافحة الإرهاب، نص البند الرابع في مبادرة “خطوة مقابل خطوة” على “مكافحة داعش والجماعات الإرهابية”، ووفق هذا البند يجب على النظام “التعاون على مكافحة داعش والعناصر الإرهابية، بما في ذلك في شرقي سوريا ومناطق سيطرة النظام جنوبها والبادية السورية”.

كما تلزم المبادرة النظام السوري بـ “التعاون بشأن المقاتلين الأجانب، وتبادل المعلومات الأمنية حول الجماعات الإرهابية، والصلات مع الإرهابيين وشبكات التمويل”.

وعن الميليشيات الإيرانية في سوريا، يجب على النظام السوري “وقف أنشطة الجماعات المتطرفة المرتبطة بإيران واستفزازاتها للطوائف السنية والأقليات العرقية في سوريا”.

أما المقابل الذي سيحصل النظام عليه النظام السوري في مقابل هذا البند، فنصت المبادرة على “التعاون مع النظام وروسيا في مكافحة الإرهاب في شمال غربي سوريا، ومكافحة العناصر الإرهابية في شرقها”، وأشارت إلى “التنسيق مع قوات سوريا الديمقراطية في التعامل مع أهالي مخيم الهول والمقاتلين الإرهابيين، وعناصر داعش المعتقلين”.

كما سيحصل النظام السوري مقابل خطوته هذه على “تمويل مشاريع الاستقرار والإنعاش المبكر في المناطق المحررة من تنظيم داعش، والخاضعة لسيطرة النظام السوري”.

وقف إطلاق النار والأنشطة العسكرية الأجنبية في سوريا

وعن وقف إطلاق النار، نص البند الخامس في وثيقة المبادرة الأردنية على “إعلان وقف إطلاق النار على الصعيد الوطني”، ووفق هذا البند يلتزم النظام السوري بـ “انسحاب جميع العناصر غير السورية من خطوط القتال والمناطق الحدودية مع دول الجوار، بما يؤدي إلى إعلان وقف العمليات العسكرية الكبرى”.

كما يلتزم النظام السوري بـ “إعلان وقف إطلاق النار على مستوى البلاد ووقف جميع العمليات العسكرية، بما في ذلك القصف الجوي والغارات”.

وفي مقابل ذلك، تقدم المبادرة للنظام السوري “وقف جميع الأنشطة الجوية العسكرية الأجنبية فوق سوريا، ما لم تكن جزءاً من عملية مكافحة الإرهاب”، وأشارت المبادرة إلى ضرورة “الاتفاق على شروط واضحة لعمليات مكافحة الإرهاب”.

كما تلزم المبادرة “الشركاء على الأرض في سوريا، والحلفاء الإقليميين، بما فيهم تركيا، الالتزام بوقف إطلاق النار المعلن في جميع أنحاء البلاد”.

تقليص النفوذ الإيراني وانسحاب القوات الأميركية

ونص البند الأخير في مبادرة “خطوة مقابل خطوة” على “انسحاب جميع القوات الأجنبية” من سوريا، ووفق هذا البند يجب على النظام السوري “الالتزام الإيجابي تجاه دول الجوار بالأمن والاستقرار، بما في ذلك الوفاء بالتزاماته لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية”.

كما يلتزم النظام السوري بـ “تقليص النفوذ الإيراني في أجزاء معينة من سوريا”، و”انسحاب جميع القوات الأجنبية والمقاتلين الأجانب من سوريا”.

وفي مقابل ذلك، “تنسحب القوات الأميركية وقوات التحالف الدولي من شمال شرقي سوريا، بما في ذلك من قاعدة التنف”، كما يحصل النظام السوري على امتياز “فتح قنوات التنسيق بين جيشه مع الأجهزة العسكرية والأمنية لدول الجوار، لضمان أمن الحدود السورية”.

——————————

بدر جاموس: الدول العربية تتجاهل وجود معارضة سورية والتطبيع المجاني سيفشل

سامر القطريب

قال بدر جاموس رئيس هيئة التفاوض السورية إن الدول العربية الساعية للتطبيع “تتجاهل” وجود معارضة سورية، وتسعى للتعامل مع النظام السوري كـ “دولة” للتطبيع معه، مشيرا إلى أن “التطبيع المجاني سيفشل”.

وأضاف جاموس لموقع تلفزيون سوريا، خلال إحاطة للهيئة عبر برنامج “زوم” عقب جولتها الدولية والعربية، “التجاهل عربي هم يقولون إنهم يريدون الحديث مع دولة وليس مع طرفين محاولين تغيير سياسة النظام.. نحن موجودون في مسار جنيف وفي الأمم المتحدة.. والاتحاد الأوروبي وبريطانيا يعترفون بنا ويدعموننا.. لذلك المشكلة هي مع الأخوة العرب لأن النظام يرفض وجود أي طرف غيره وهذا المسار لن ينجح.. من دون حلول حقيقية لن يعود اللاجئون ومن دون حل حقيقي مقنع للسوريين وليس للمعارضة لن تنجح هذه المحاولات”.

محوران لمواجهة التطبيع مع النظام السوري

جاموس شدد على أن المعارضة ستعمل على محورين سوري داخلي وآخر دولي لوقف التطبيع مع النظام، ويتثمل الأول بتوحيد جهود السوريين في الداخل والخارج مع الهيئة، واستخدام أوراق القوة التي تملكها المعارضة موضحا “هناك عشرات آلاف المقاتلين في مناطق سيطرة المعارضة يجب توحيد الجهود ووضع خطة لمواجهة الاستحقاقات هذه مهمة سورية ـ سورية”.

أما على المحور الدولي أشار جاموس إلى العقوبات الأميركية والأوروبية التي لا يمكن إزالتها بسهولة، وهي ستعطل إعادة الإعمار، وستجعل عملية التطبيع فارغة من محتواها.

إيران والنظام السوري

جاموس علق موضحا على تغاضي إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن عن التطبيع العربي وتجاهل هيئة التفاوض السورية قائلا “الدول الساعية للتطبيع لا تتجاهل هيئة التفاوض بل تتجاهل المعارضة بشكل عام وكأننا عدنا لما قبل عام 2011، ولكن النظام لا يسيطر على معظم الأراضي السورية وهو غير قابل للتدوير، نحن لدينا حلفاء يعترفون بنا ويدعموننا ولدينا زيارات قادمة لدول أوروبية، كما أن التواصل لم ينقطع مع الدول العربية، هيئة المفاوضات لديها استحقاق كبير لأننا نمثل المعارضة وهذا معترف به أمميا ونحن نملك شرعيتنا كثورة”.

وأشار جاموس إلى أن التطبيع المجاني مع النظام يهدف إلى منحه رصيدا لفرض سيطرته وسلطته على الشعب السوري، والتهرب من المساءلة وتحقيق العدالة الانتقالية.

ما أهمية زياة هيئة التفاوض السورية لـ واشنطن؟

وأشار جاموس إلى أن وفد هيئة التفاوض ختم جولته بزيارة الولايات المتحدة الأميركية ولقاء باربرا ليف نائبة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى، وإيثن غولدريتش المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا، ومحللين سياسيين والجالية السورية الفاعلة في واشنطن والكونغرس وتحالف المنظمات السورية.

وكانت ليف، قد شككت في وقت سابق بأن التطبيع مع النظام السوري لإبعاده عن إيران سيؤدي إلى نتائج، داعية الدول الساعية للتطبيع مع النظام إلى الحصول على شيء في المقابل.

وبحسب جاموس فقد طرحت الهيئة ضرورة وجود موقف أكثر فعالية ووضوح لواشنطن من التطبيع العربي، وتفعيل عقوبات قيصر وقانون الكبتاغون والقرار الأممي (2254) ودعم المعارضة والشعب السوري، وتفعيل ضغط حقيقي على التطبيع المجاني مع النظام السوري، لافتا أن التطبيع وتجاهل القرارات الأممية “سيقتل العملية السياسية”.

مقعد سوريا في جامعة الدول العربية

وتابع “نحن أكبر تمثيل معارض سوري ركزنا خلال جولتنا على تفنيد الادعاءات التي تقول بانتصار النظام، هناك 40 في المئة من الأراضي السورية خارج سلطته.. درعا والسويداء وحتى اللاذقية وغيرها من المناطق هي تحت سيطرة الروس والميليشيات الإيرانية والمافيات، كما أكدنا لهذه الدول أن ضمانات الروس في الجنوب السوري المقدمة للأردن قد فشلت، إذا ما الضمانات التي سيقدمها النظام للدول العربية؟”.

وعن ترحيل السوريين من لبنان، قال رئيس هيئة التفاوض إن “المجتمع الدولي عاجز، والعجز ليس سوريا فقط، نحن قدمنا مبادرة قبل مبادرة الإدارة الذاتية وفي أيلول الماضي اقترحنا في واشنطن إقامة مؤتمر دولي لدعم الحل السياسي وفرض القرار 2254 والتقينا مع الأخوة في قطر ومع الأتراك، واليوم نسعى لإيجاد حلول في لبنان من خلال التواصل مع الأمم المتحدة والسفيرة الأميركية في بيروت والسعوديين للتدخل وحماية اللاجئين السوريين، وطلبنا اتصالا مع الفرنسيين وجميع الدول الفاعلة في لبنان، هناك مليون لاجئ في لبنان واليوم نفس المعاناة يعيشها السوريون في السودان، ولمساعدتهم تحدثنا مع المسؤولين المصريين للسماح بدخولهم إلى مصر ومنع نقلهم إلى مناطق سيطرة النظام السوري”.

الأردن.. ترويج للتطبيع وتهديد للنظام

ينشط الأردن في مسار التطبيع مع النظام السوري، حيث أفادت وزارة الخارجية الأردنية بأن الوزير أيمن الصفدي أطلع وزراء خارجية أوروبيين على مخرجات اجتماع عمان التشاوري الأسبوع الماضي بشأن سوريا، مؤكداً لهم على “أهمية التوافقات التي أنتجها الاجتماع التشاوري”.

وفي بيان لها، قالت الخارجية الأردنية إن الصفدي أطلع وزراء كل من ألمانيا وفنلندا ومالطا واليونان على “مخرجات اجتماع عمان التشاوري حول سوريا، والخطوات القادمة في إطار المسار السياسي العربي الذي أطلقه الاجتماع للتدرج نحو التوصل لحل سياسي للأزمة السورية”.

ووفق البيان، بحث الصفدي مع نظرائه “الآفاق المستقبلية في جهود حل الأزمة، والخطوات اللازمة لمعالجة قضايا رئيسية، وفق منهجية خطوة مقابل خطوة، بما ينسجم مع قرار مجلس الأمن 2254، تشمل إيصال المساعدات الإنسانية إلى جميع فئات الشعب السوري التي تحتاجها، والعودة الطوعية للاجئين، ومحاربة الإرهاب، والتصدي لخطر تهريب المخدرات على طريق معالجة قضايا أمنية وسياسية أشمل”.

وأشار بيان الخارجية الأردنية إلى أن الوزراء الأوروبيين أكدوا على “أهمية الجهود المبذولة للتدرج نحو حل الأزمة السورية بما ينهي جميع تبعاتها”.

لكن الصفدي عاد أمس الجمعة، ليهدد بشن عملية عسكرية في الداخل السوري بهدف وقف عمليات تهريب المخدرات، وقال لشبكة سي إن إن، “نحن لا نتعامل مع تهديد المخدرات باستخفاف”، مشيراً إلى أنه “في حال لم نر إجراءات للحد من هذا التهديد، فسنقوم بما يلزم لمواجهته، بما في ذلك القيام بعمل عسكري داخل سوريا”.

—————————————

زيارة رئيسي إلى سوريا.. قطاعات رابحة مقابل الديون وحجز مسبق لعملية إعادة الإعمار

إسطنبول – محمود الشيخ

ما إن حطت طائرة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي والوفد المرافق له في مطار دمشق الدولي، صباح الأربعاء، حتى تكشفت أجندة الزيارة التي اتخذت طابعاً اقتصادياً بالدرجة الأولى، حاملة عنواناً عريضاً “حان موعد سداد الديون” حتى ولو كانت على شكل اتفاقيات استراتيجية بعيدة المدى، وحجز مقعد في مشاريع إعادة الإعمار المحتملة، التي يأمل النظام السوري بالحصول عليها مدفوعاً بالتطبيع العربي الأخير، في ظل تصاعد التنافس بين طهران وموسكو على تأمين مصالحهما في البلاد التي تشاركتا على تدميرها وتفتيت اقتصادها.

تأتي أهمية زيارة رئيسي، التي بدأت صباح الأربعاء واستمرت حتى الخميس، من كونها الأولى من نوعها لرئيس إيراني منذ بدء الثورة السورية عام 2011، على الرغم من الدعم الكبير الذي قدمته طهران لرئيس النظام بشار الأسد في المجالات العسكرية والسياسية والاقتصادية، لاستعادة السيطرة على مساحات واسعة من البلاد، وهذا ما عبرت عنه صحيفة الأخبار اللبنانية المقربة من طهران، التي اعتبرت أن الزيارة يراد لها أن تكون “احتفالية بنصر محور المقاومة”، واستثماراً لحركة التطبيع العربي مع النظام السوري.

مذكرة تعاون استراتيجي وتذكير بالديون المتراكمة

وقبيل زيارة رئيسي بأيام قليلة، أجرى وزير الاقتصاد في حكومة النظام السوري محمد سامر الخليل مباحثات في دمشق مع وزير الطرق الإيراني مهرداد بزر باش، في إطار “اللجنة الاقتصادية السورية – الإيرانية”، أفضت إلى توقيع عدد من الاتفاقيات بين الطرفين.

وقسمت الاتفاقيات إلى 3 مجموعات، أولها متفق عليها وجاهزة للتوقيع، وخاصة في مجال المناطق الحرة والمشروعات الصغيرة والمتوسطة والمعارض، بحسب ما صرح الخليل لصحيفة الوطن المقربة من النظام السوري.

أما المجموعة الثانية فتشمل مجالات السياحة والكهرباء والسكك الحديد، وهي اتفاقيات بحاجة إلى التفاوض وإلى تأكيد من الجانب الإيراني، بينما تتعلق المجموعة الثالثة باتفاقيات ما زالت قيد الدراسة، خاصة في مجالات الإعلام والمتاحف والآثار والبحث العلمي، وفقاً للخليل.

الرئيس الإيراني

شح في البضائع المستوردة وانهيار متسارع لليرة السوريّة.. ما علاقة رئيس إيران؟

وكان من اللافت بعد المباحثات، ما كشف عنه بزر باش، بأن اتفاقاً سابقاً كان قد أبرم مع النظام السوري يمكّن إيران من الحصول على أراض في سوريا بدل الديون المالية، ولاستكمال الجهود في هذا السياق تمخض عن جلسات اللجنة المشتركة بين النظام وإيران تشكيل لجنة متابعة الديون والمستحقات، “لإجراء التحقيق الدقيق لحجم الديون”.

ويبدو أن الوزير الإيراني مهد الطريق لزيارة رئيسي، والاتفاق مع بشار الأسد، مساء الأربعاء، على توقيع ثماني مذكرات تفاهم لخطة تعاون استراتيجي شامل وطويل الأمد، بقيت نصوصها وموادها سرية، لكنها تشمل عدة مجالات بينها الزراعة والنفط والنقل والمناطق الحرة والاتصالات وعدد من المجالات الأخرى، وفقاً لوكالة أنباء النظام “سانا”.

مساع إيرانية للاستفادة من مشاريع إعادة الإعمار

خلال الـ 12 عاماً الماضية، قتل مئات الآلاف من السوريين، وتشرد أكثر من نصف السكان داخل البلاد وخارجها، وتحولت سوريا إلى ساحة تصفية حسابات بين قوى إقليمية ودولية، وقد ترك كل ذلك أثره على الاقتصاد، ما جعل بشار الأسد عاجزاً عن سداد ديونه لإيران، ومع هيمنة روسيا على معظم المشاريع الاقتصادية والتجارية، توجهت أنظار طهران إلى مشاريع إعادة الإعمار التي يطمح النظام إلى انطلاقها بعد التطبيع العربي.

وكشفت تصريحات الرئيس الإيراني قبيل زيارته هذه، مدى رغبة طهران في لعب الدور الأكبر في إعادة إعمار سوريا، حيث أكد استعداد طهران للتعاون مع النظام السوري بشأن هذا الملف، مشيراً إلى أن إيران “لديها طواقم فنية وشركات ذات كفاءة عالية، قادرة على أن تؤدي دوراً مهماً في إعادة إعمار سوريا”.

لا شك أن الانفتاح الخليجي من شأنه أن يفعل الحركة التجارية والاقتصادية مع النظام السوري إلى حد ما، لكن عقبات عديدة تعيق أي إعمار حقيقي، وبينها، العقوبات الأميركية والغربية المفروضة على النظام والتي ستمنع السعودية والإمارات من تنفيذ مشاريع كبيرة وإنفاذ استثمارات.

وهنا يٌطرح السؤال عن الخيارات المتاحة لبشار الأسد لتسديد فاتورة بقائه في السلطة، الأمر الذي كلف إيران أموالاً طائلة، وصلت إلى 30 مليار دولار، بحسب عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، حشمت الله فلاحت بيشه.

ما خيارات الأسد لسداد الديون؟

وفي حديث مع موقع “تجارت نيوز” الإيراني، دعا بيشه إلى استعادة أموال طهران من الأسد، وحث النظام السوري على تنفيذ العقود السابقة خلال زيارة رئيسي إلى دمشق، وكشف عن وجود “5 عقود رئيسية سابقة لسداد الديون، من بينها استخدام مزارع الأبقار، وأرض زراعية، ومناجم الفوسفات، وآبار النفط، ومشروع اتصالات، لكن لم يُنفذ أي منها، في حين أن روسيا تأخذ ديونها بسهولة من سوريا”.

الاتفاقيات الإيرانية لتسديد الديون بحسب بيشه:

    وقعت حكومة النظام السوري عقداً مع إيران للسيطرة على جزء من مناجم الفوسفات في البلاد لمدة 50 عاماً، لكن إلى الآن لم تستطع طهران استثمار هذه المناجم، فقد واجهت حظراً لاستخراج الفوسفات من روسيا، التي تسيطر على ميناء طرطوس وتمنع إيران من استخدامه، ما دفع النظام لاقتراح تصدير الفوسفات من ميناء اللاذقية، إلا أن الميناء لا يملك البنية التحتية اللازمة، وكان الوزير بزر باش أشار قبل أيام بعد الاجتماعات في دمشق، إلى النشاط في مجال الاقتصاد البحري، متوقعاً ازدهار هذا القطاع، إذ تقرر أن يكون ميناء سوري تحت تصرف الجانب الإيراني، ولدى إيران مخططات طموحة تتعلق بربط شبكة السكك الحديدية لديها التي تمر بالعراق بميناء اللاذقية.

    وافقت حكومة النظام السوري على منح إيران نحو خمسة آلاف هكتار من الأراضي الزراعية لاستغلالها، لكن رفضت طهران استثمارها لأنها من دون سندات ملكية رسمية.

    اتفاق آخر هو آبار النفط المكتشفة حديثاً، التي كان من المفترض أن تستثمرها إيران بالكامل كجزء من استرداد الديون، وتعطي حكومة النظام السوري 12 في المئة منها، لكن لم ينجح هذا الأمر أيضاً، لأن هذه الآبار حديثة ولم تعمل بعد، وتفتقر إلى البنى التحتية وتحتاج لسنوات وأموال كبيرة لتشغيلها.

    كذلك كان من المفترض أن تقدم حكومة النظام السوري مزارع ماشية كبيرة لإيران، لكن اكتشفت طهران أن المنشآت مهجورة ولا يمكن استغلالها.

    العقد الخامس كان في قطاع الاتصالات، عبر منح إيران ترخيصا لمشغل ثالث للهواتف المحمولة في سوريا، لكنه فشل هو الآخر.

زيارة على وقع التطبيع

وتأتي زيارة رئيسي في خضم تقارب بين الرياض وطهران اللتين أعلنتا في آذار استئناف علاقاتهما بعد طول قطيعة على خلفية ملفات عدة بينها الملف السوري، بينما يسجل انفتاح عربي، سعودي خصوصاً، تجاه النظام السوري الذي قاطعته دول عربية عدة منذ العام 2011.

ويرى مراقبون أن إيران تستبق إتمام التطبيع بين تركيا والنظام السوري بشكل كامل، بتحركات تهدف من خلالها إلى تأمين نفوذها وحماية مصالحها التجارية وحصتها من إعادة إعمار سوريا والاستثمارات في قطاع الطاقة رغم أنها باركت خطوات التطبيع بين الجانبين وشاركت في الاجتماعات الأخيرة بالعاصمة الروسية موسكو.

ولا يستبعد أن تكون زيارة رئيسي إلى دمشق بسبب القلق الإيراني من مسار العلاقات السياسية بين تركيا والنظام السوري، خاصة في ظل وجود ضغوطات روسية تمارس على النظام السوري تتعارض مع المصالح الإيرانية في سوريا.

————————————

ولكنّ عينَ السّخطِ تُبدي المَساويا/ حسن النيفي

لقد وقفنا إلى جانب ثورتكم إبان انطلاقتها في آذار 2011، وحشدنا لمعارضاتكم كل أشكال الدعم  العسكري والسياسي والمالي واللوجستي، ولكن في النتيجة نظام الأسد انتصر عليكم، بل سحقكم قتلاً وتشريداً وتهجيراً، وحشر مئات الآلاف منكم في سجونه، عدا عن الذين تمت تصفيتهم في زنازين السجون والفروع الأمنية أو في المجازر التي نفذها النظام في بانياس والتضامن والقصير والعديد من المدن والبلدات السورية، وبعيداً عن قذارة الوسائل والآليات التي استخدمها النظام في حربه عليكم، فإن العبرة في النتائج، والنتيجة الوحيدة الماثلة أمام الجميع هي أن الأسد انتصر، والتاريخ لا يحترم إلا المنتصرين، وإن كان ثمة من خاذل لكم أيها – السوريون – فهو معارضاتكم أولاً وأخيراً، فهي التي تصدّرت المشهد وتوفرت لها من أشكال الدعم ما لم يتوفر لأي معارضة مماثلة في العالم المعاصر، فلا تتوجهوا باللوم علينا – نحن أشقاءكم العرب – وتمطرونا بسرد بكائياتكم ومظلومياتكم فنحن أدرى بتفاصيلها وجميع حيثياتها، ولكن لدينا ما هو أهم، مصالحنا الأمنية، وأمن أنظمتنا حيال ما نواجهه من أخطار هو أهم بكثير من أحلامكم بالتغيير، وحتى من تضحياتكم وجميع تداعيات مأساتكم، فبالتالي لسنا نحن من دفعنا بكم للانتفاضة على حاكمكم ولا يجوز لنا بكل المقاييس والمعايير أن نتدخّل في الشؤون الداخلية لدول الغير، سواء أكانت عربية أم غير عربية.

بشار الأسد لم يخذلكم بل واجهكم وجهر بما يريد فعله بكل وضوح، ولديه حلفاء صدقوا عهدهم معه ولم يتخلّوا عنه على امتداد اثنتي عشرة سنة خلت، بل إنه يدين لهم ببقائه في السلطة حتى الآن، ولا نحتاج لمزيد من التفكير والشرح لنعترف للعالم أجمع أن نظام الأسد لولا التدخل الروسي المباشر لسقط منذ أواخر العام 2015، أما أنتم أيها السوريون المغلوب على أمركم فقد ابتليتم بمعارضة لا هي استطاعت أن تدحر الأسد عسكرياً، ولا أفلحت في الاحتفاظ بأصدقاء كثر كانوا في الأمس القريب من أشدّ المنحازين لثورتكم، وانتهت إلى حالة ارتهان بالمطلق – سياسياً وعسكرياً –  للأطراف الخارجية، واليوم إننا إذ ما نزال نرى قبح نظام الأسد ماثلاً أمامنا ولم يتغيّر من أمره شيء، إلّا أننا في الوقت ذاته لا نرى معارضاتكم أقلّ قبحاً، وفي حسابات المصالح ومعايير الربح والخسارة فإن رجوعنا إلى القبيح الأول لهو أجدى لنا من نظيره في القبح في الطرف الآخر المعارض، إذ ما يزال بشار الأسد – على الأقل – هو الرئيس الشرعي للبلاد وهذا ما تقر وتعترف به جميع المرجعيات الدولية والقانونية، فاذهبوا واقتلعوا شوككم بيديكم وكفّوا عن اللوم والنواح.

هذا باختصار شديد فحوى ما تسوقه الدول العربية اللاهفة تجاه الأسد من مبررات لهفتها وعودتها إليه، وهو في حقيقته لا ينطوي على أي جديد، بل كان هذا لسان حال جميع الحكومات العربية التي وجدت أن ماهيّتها القيمية وبنيتها التكوينية هي إلى الأسد أقرب من كفاح الشعوب وسعيها للتحرر من الظلم والعبودية.

ربما ليس لدى المواطنين السوريين من ضحايا الأسد أو مناهضيه، سواء في داخل البلاد أو خارجها، الكثير مما يمكن قوله، لأنهم هم وحدهم من يعيش مأساة استمرار بقاء الأسد، وهم وحدهم  من يسكن في المخيمات وهم من فقدوا أبناءهم وتشردوا من بيوتهم وركبوا البحار وباتوا لاجئين في جميع أصقاع العالم، وهم وحدهم – كذلك –  من يشعر أن فداحة الوجع والخذلان الذي تُضمره تبريرات الأشقاء العرب لا تقلّ وجعاً عن مأساتهم الكامنة في استمرار نظام الإبادة الأسدي في التسلّط على رقابهم، ولكن ثمة مسألة لا بدّ من الجهر بها عالياً ولا بدّ من أن تبقى ترنّ في أسماع الحكومات العربية وقياداتها ونخبها الذين وجدوا في سوء المعارضات السورية ضالتهم ومنجماً يستمدون منه مبررات لهاثهم نحو قلب الأسد النابض بالإجرام، وتتمثل تلك المسألة في أن الشعب السوري برمته لم يكن له أي دور في اختيار أو تصنيع تلك المعارضات، بل هي مُنتَج خارجي إقليمي ودولي، بل إن الدول التي باتت تعيّر السوريين بمعارضاتهم هي ذاتها من صنّع تلك المعارضة بكل أجنحتها السياسية والعسكرية، وهي ذاتها من فرضها على السوريين عنوةً، وهي ذاتها كذلك من صمّم لها أدوارها وساقها قطيعاً تلو القطيع، تارةً نحو جنيف وتارةً نحو أستانا، وأخرى نحو سوتشي، بل إن نشأة هذه الكيانات المعارِضة في الأصل كانت نتيجة لمبادرات خارجية تلبي مصالح الخارج ولم تكن منبثقة من إرادة وطنية سورية.

من صاحب فكرة حل المجلس الوطني وتشكيل الائتلاف؟ ومن الذي اختار قيادات الائتلاف وأعضاءه على مدى أكثر من عشر سنوات؟ هل هم السوريون؟ ومن استضاف وأشرف على مؤتمر (الرياض واحد واثنان)، وأدخل منصتي موسكو والقاهرة إلى هيئة التفاوض بالتنسيق مع الروس؟ ثم من اختار قيادات وأعضاء هيئة التفاوض، وكذلك من قام باختيار وتعيين اللجنة الدستورية؟ وهذه الدول هي ذاتها من كان لها فصائل وجيوش وأذرع عسكرية داخل سوريا، تمولها وتتحكم بأدق تحركاتها، وتوجهها كما تشاء، ألم يكن جيش الإسلام هو القوة الضاربة في الريف الدمشقي؟ ألم تكن المملكة العربية السعودية هي صاحبة الوصاية عليه، وهل كان زهران علوش يستطيع التحرك شبراً واحداً أو أن يوجه طلقة واحدة بعيداً عن أصحاب الوصاية عليه، ثم لماذا اقتصرت عنجهيّة وتسلط جيش الإسلام على مواطني الغوطة فقط، وبرع في عمليات اختطاف الناشطين وابتزاز المواطنين، في حين أنه امتنع عن الدخول إلى دمشق وتحويل المواجهة مع النظام إلى حالة من العصيان المدني؟ ولم تكن تنقصه كل مقوّمات المعركة، ثم من هي الجهة التي كانت وراء قوة (فيلق الرحمن) في الريف الدمشقي أيضاً؟ ومن أنشأ ودعم لواء التوحيد في الشمال السوري؟ ومن كان وراء أحرار الشام وجبهة النصرة ووووو؟ ألم تكن هي الأطراف العربية التي باتت تعيّر السوريين بمعارضاتهم؟

ربما كان مقبولاً من الحكومات العربية الزاحفة نحو نظام دمشق لو أنها تركت قضية الشعب السوري جانباً وعبرت عن رغبتها باحتضان الأسد انسجاماً مع مصالحها السلطوية وتجسيداً لماهيتها المفارقة بالأصل لتطلعات الشعوب، ربما كان صنيعها حينئذٍ أكثر انسجاماً مع سياساتها المعهودة، لكن أن تستر مسعاها بفجائع السوريين وتجعل من عودة القاتل إلى أحضانها شرطاً لحصانة الأمن القومي العربي وباعثاً لنهضة العرب واستعادة تضامنهم، فتلك جريمة أخرى ليس بحق السوريين فحسب، بل بحق الإنسانية.

———————-

حيثيات زيارة رئيسي إلى دمشق/ عمر كوش

أخيراً، قام رئيس نظام الملالي الإيراني، إبراهيم رئيسي، بزيارة إلى دمشق، هي الأولى من نوعها لرئيس إيراني منذ 13 عاماً، ليكسر بذلك ما كان سائداً لدى رؤساء هذا النظام، الذين امتنعوا عن زيارتها خلال الأعوام الماضية، على الرغم من تولي ثلاثة رؤساء منصب الرئاسة في نظام الملالي، هم أحمدي نجاد، وحسن روحاني في ولايتين متتاليتين، ثم إبراهيم رئيسي بدءاً من العام 2021. وإذا كانت أسباب مختلفة تقف وراء عدم زيارتهم إلى نظام الأسد، إلا أنها تعود في الأساس إلى طبيعة علاقة المرشد الأعلى لنظام الملالي برئيس نظامه، وإلى تحول نوعي طرأ على العلاقة مع نظام الأسد، خاصة بعد أن خاض نظام الملالي المعركة ضد الشعب السوري إلى جانب نظام الأسد من أجل تثبيته، وقدم له – وما يزال – دعماً كبيراً، على المستوى العسكري والميليشياوي والاقتصادي، وبالتالي تغير تعامل نظام الملالي مع نظام الأسد، حيث لم يعد مجرد نظام يدور في فلكه، بل تابع طيّع له، ويقوم باستدعاء وشحن رئيسه، متى أراد كبير الملالي ومرشدهم ذلك.

غير أن الزيارة، التي سبق أن أعلن عنها، تأجلت عدة مرات، ليس كما يشاع بسبب خلافات تتعلق بطرق سداد الديون الإيرانية التي تقارب 60 مليار دولار، ولا بسبب خلافات سياسية مع نظام الأسد، الذي يدين بالكثير لنظام الملالي ولنظام بوتين لبقائه جاثماً على صدور السوريين، بل لاعتبارات تتعلق، من جهة أولى، بالتطورات والتغيرات التي جرت في المنطقة، وحملت معها رياح تطبيع وتقارب مع نظام الأسد على أكثر من محور واتجاه، خصوصاً اجتماع موسكو الثلاثي، الذي عقد بين وزراء دفاع روسيا وتركيا والنظام في 28 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، من دون علم نظام الملالي به، وعدم دعوته للمشاركة فيه. كما تتعلق، من جهة ثانية، بمحاولة إظهار الزيارة وكأنها تأتي كي تتوج مساراً جديداً في العلاقات بين النظامين المارقين، يطاول تدشين علاقات اقتصادية واستراتيجية بينهما، حيث يعول ساسة النظام الإيراني على جني فوائد وعوائد كثيرة منها، فضلاً عن محاولات إرسال إشارات ورسائل إلى الداخل الإيراني، وإلى القوى الخارجية الأخرى الخائضة في الدم السوري، وتوجد قوات لها على الأراضي السورية.

أول الإشارات التي يمكن تسجيلها هو أن النظام الإيراني لم يتغير، سواء على مستوى التفكير والعقلية أم على مستوى السلوك الإقليمي، إذ على الرغم من أنها جاءت بعد قيام السعودية بخطوات عديدة مع أجل تطبيع علاقاتها مع النظام، تكللت بزيارة وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، إلى الرياض، التي أعقبها زيارة وزير خارجية السعودية، فيصل بن فرحان، إلى دمشق، إلى جانب قيادتها جهوداً عربية لإعادة نظام الأسد إلى الجامعة العربية. إضافة إلى انعقاد اجتماع لوزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي والأردن ومصر والعراق في جدّة، تبعه اجتماع ثان في عمان لنفس مجموعة وزراء الخارجية، وحضره وزير خارجية نظام الأسد، فضلاً عن الاجتماعات الأمنية والعسكرية والسياسية التي يرعاها الساسة الروس، وبمشاركة إيران، لاستكمال خطوات التقارب التركي مع النظام.

وتشير وقائع الزيارة وحيثياتها إلى أن نظام الملالي ما يزال يتحدث باللغة نفسها عن انتصار محور المقاومة، الذي صرف عليه كثيراً من أموال الشعب الإيراني، وشيّد شبكته الميليشياوية الأخطبوطية، الممتدة من طهران وصولاً إلى بيروت، ومروراً بكل من بغداد ودمشق. وهو ما تحدث عنه بكل وضوح مساعد الرئيس الإيراني للشؤون السياسية، محمد جمشيدي، الذي اعتبر أن زيارة رئيسي إلى دمشق “تكلل انتصار محور المقاومة، بعدما مرّت منطقة غربي آسيا بمرحلة شديدة التوتر طوال 12 عاماً من التحول الجيوسياسي، كان الفائز فيها هو إيران، والخاسر هو الولايات المتحدة الأميركية، ولقد علّمَ قاسم سليماني الجميع أن القوة هي السبيل الوحيد لنجاح الدبلوماسية”، الأمر يظهر أن توجه نظام الملالي حيال دول الإقليم والمنطقة، لم يتغير قيد أنملة بعد توقيعه اتفاق المصالحة مع المملكة العربية السعودية.

كما أن رئيسي أراد من خلال لقائه الفصائل الفلسطينية خلال زيارته دمشق، إظهار أن النظام الإيراني ما يزال يقود ما يسميه، بشكل زائف، محور المقاومة والممانعة، الذي يشرف على تسليحه وتمويله، ويقوم بتوظيفه خدمة لمشروعه التوسعي في المنطقة، كما أراد أيضاً الإيحاء بأن هذا المحور يتطور بما يضمن قوته واستمراريته عبر وضعه في خدمة مصالح نظام الملالي، وأن الوقت قد حان كي يدخل هذا المحور مرحلة التطور باتجاه تحقيقه منافع اقتصادية، بعد أن صرف كثيراً في الجانب العسكري، لذلك مهد النظام الإيراني للزيارة بإرسال وزير الطرق والتنمية الإيراني، مهرداد بذرياش، إلى دمشق قبلها بأيام، من أجل التمهيد لتوقيع العديد من الاتفاقيات الاقتصادية في قطاعات عديدة، وتضمن استثمارات طويلة الأجل، وتضع أطراً لمعالجة الديون. وتحقق ذلك بالتوقيع على مذكرة تفاهم لخطة تعاون شامل طويل الأمد، شملت التعاون في مجال النفط، والمجال الزراعي، والسكك الحديدية، والطيران المدني، والمناطق الحرة.

غير التوقيع على كل هذه الاتفاقات جرى على الورق فقط، وسيبقى كذلك، بالنظر إلى أن النظامين يخضعان لعقوبات اقتصادية، واقتصادهما متهالك، وخاصة نظام الأسد، الذي يمثل سلطة أمر واقع، وتعاني مناطق سيطرته من تدهور على كل المستويات المعيشية والاقتصادية، فضلاً عن أن النفط خارج مناطق سيطرته، واضطر إلى تخفيض ساعات العمل في دوائره إلى أربعة أيام فقط نتيجة أزمة الوقود التي يعاني منها، وبالتالي فإن النظام الإيراني يعي تماماً بأن نظام الأسد بحاجة ماسة إلى من ينقذه من أزماته الاقتصادية، لكنه مع ذلك أراد توجيه رسالة واهية إلى الداخل الإيراني، تفيد بأنه بدأ بجني ثمار الاستفادة على المستوى الاقتصادي مما صرفه عسكرياً خلال السنوات الماضية، من خلال التوقيع على اتفاقيات مع نظام الأسد، وهو أمر لن ينطلي على الشعب الإيراني، وسيظل يرفع شعاراته الاحتجاجية ضد نهب ثرواته وصرفها على محور المقاومة الزائفة.

——————————

الأسد.. جثة سياسية/ إبراهيم العلوش

تصريحات قائد “القوات اللبنانية”، سمير جعجع، قبل عدة أيام عن اعتبار الأسد جثة سياسية، أثارت ردود فعل مختلفة لدى السوريين، بينما بقيت العواصم العربية مصرة على التعاطي مع الأسد وتبادل الزيارات معه، وسط رفض شامل من السوريين المعارضين.

المقابلة الجريئة لسمير جعجع تداولتها القنوات والتجمعات السورية المعارضة، بالإضافة إلى وسائل الإعلام المختلفة التي تفوقت في نشرها، رغم الأجواء العنصرية التي تطال اللاجئين السوريين من قبل أتباع “حزب الله” ومناصريه الذين يعتبرون إيران أقرب إليهم من سوريا، بالإضافة إلى أيتام “حلف الأقليات” الذين فشلت تحالفاتهم مع الأسد الذي أصبح جثة سياسية كما يقول قائد “القوات اللبنانية”.

إذا اعتبرنا أن آخر فعل سياسي حقيقي وفعّال قام به النظام بعد استدعاء الميليشيات الإيرانية هو استدعاء القوات الفاشية الروسية في العام 2015، فإن نظام الأسد تقاعد عن الفعل السياسي وسلّم راياته ومفاوضاته لإيران وروسيا، وانشغل مؤيدوه بالاصطفاف مع روسيا أو إيران، أو الاهتمام بتغيير محافظ حمص.

جيش الأسد، الذي يعتبره النظام ركيزته الأساسية في دعم المواقف السياسية، انقسم بين المحتلين الإيراني والروسي، إذ التحق جيش “النمر” بروسيا، وفرقة ماهر الأسد بإيران، أما بقية الفرق التي اجتاحت المدن السورية ودمّرتها، فإن وزنها العسكري والوطني صار في الحضيض.

وأجهزة المخابرات بدورها تم تقاسمها بين الإيرانيين والروس، وتنوعت طرق التعذيب التي يمارسونها على المعتقلين السوريين، واعتبارهم مجرد ورقة سياسية مؤجلة تنفع الروس والإيرانيين في مفاوضات الحل، إن حصلت، بالإضافة إلى بروز نوعيات جديدة بالتصفيات الجسدية تجلّت في درعا والسويداء وبقية المدن التي بقيت في مزرعة الأسد.

الجانب الصناعي الرافد لأي موقف سياسي قد يتخذه النظام تحول بدوره تحولًا نوعيًا إلى صناعة “الكبتاجون”، الذي يدرّ المليارات على عائلة الأسد، بالإضافة إلى استعماله من قبل الجانب الإيراني للضغط على الأردن والسعودية، اللتين يتدفق إليهما “الكبتاجون” بقوة سلاح الميليشيات والمخابرات وبحماية الجيش السوري.

أما الجانب الجغرافي الذي يمثّل جزءًا مهمًا من السيادة الوطنية والسياسية، فإن “سوريا الأسد” التي ورّثها الأسد الأب لابنه لم يعد نصفها بحوزته، فقد تم انتزاعها من قبل “الجيش الحر” والأتراك والأمريكيين وميليشيات “قسد”، وخسر النظام المحاصيل الزراعية الاستراتيجية ومعظم حقول البترول.

وفي الجانب الذي لا يزال تحت حكم النظام، فقد استولى الروس على المرافئ والثروات الباطنية، كما استولت إيران على نصف مجرى نهر “الفرات” من البوكمال باتجاه الميادين وحتى ريف الرقة غرب الفرات، بالإضافة إلى استيلائها على بلدات وأحياء في كل المدن السورية، وحسب صحيفة “الوطن” التي نقلت الكلام عن وزير الأشغال الإيراني الذي زار الأسد مؤخرًا، استولت إيران على أراضٍ سورية جديدة مقابل ديونها على النظام.

في الجانب السكاني قُتل أكثر من مليون سوري على أيدي قوات النظام وأعوانه، واعتقل واختفى أكثر من مئتي ألف، بالإضافة إلى أن نصف السوريين إما نازحون في الداخل وإما لاجئون في الخارج.

حصيلة الموات السياسي الذي تسبب به بشار الأسد أوسع من ذلك، فقد انتشرت المحاكم الدولية التي تتوعده وتتوعد مسؤوليه الكبار في مختلف المحافل الدولية من ألمانيا إلى فرنسا إلى هولندا إلى الولايات المتحدة، بالإضافة إلى العزلة الدولية التي شملت معظم دول العالم، ولم تترك لبشار الأسد إلا القدرة على زيارة عدة دول، على رأسها كوريا الشمالية وإيران وروسيا وعدد من الدول الفاشلة التي تتسابق في المواصفات مع نظامه.

الدول العربية، والدول الخليجية خاصة، تحاول الآن التعامل مع بشار الأسد كوضع راهن، وربما كجثة سياسية. وقد شهدنا الزيارة المفاجئة لوزير خارجية السعودية إلى دمشق التي كانت ضمن مشروع التحاور مع إيران، بالإضافة إلى الوفد البرلماني العربي ووزراء عدد من الأنظمة الفاشلة لدمشق، بحجة الزلزال، حيث تضامنوا مع النظام الميؤوس منه، ولم يتعاملوا مع الشعب السوري أو مع ضحايا الزلزال إلا بمساعدات استولى عليها النظام، ووزع معظمها على مؤيديه وميليشياته التي لم تعد الحرب تدرّ عليهم الكثير من المكاسب.

تركيا أيضًا تعلن كل يوم أن رئيسها سيتقابل قريبًا مع الأسد، ولكن إيران لا تزال رافضة لذلك، رغم إرادة روسيا المتهالكة على صنع نوع من الإجراء السياسي الذي يحاكي ما فعلته الصين عندما جمعت السعودية وإيران بعد سنوات من الحرب الكلامية والسياسية بينهما، وأعادت علاقاتهما الدبلوماسية بين ليلة وضحاها.

وكما قال جعجع، فإن النظام عاجز وفي حالة موات، ولم يقم بأي خطوة سياسية يغيّر فيها سياسته الداخلية أو الخارجية، ولم يصدر أي مبادرة حقيقية للمّ شمل السوريين إلا في المعتقلات، ولا يزال الأسد يعتنق سياسة التكبر على الشعب السوري، ويعلن إعلامه الشعارات الطائفية في حكم البلاد، مثل شعار “حلف الأقليات”، وشعار السيطرة الطائفية على المخابرات والجيش، وكأنما بشار الأسد مقيم مع جثة أبيه التي لا تزال تحكم سوريا إلى اليوم.

—————————–

زيارة إبراهيم رئيسي للنظام السوري: الأسد يرهن سوريا لإيران

غادر الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي دمشق بعد زيارة استمرت لمدة يومين، هي الأولى لرئيس إيراني منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011، حيث ساهمت طهران على مدار الأعوام الماضية في دعم قمع النظام الوحشي للثورة السورية.

وأجرى رئيسي محادثات سياسية وأمنية واقتصادية مع رئيس النظام السوري بشار الأسد، انتهت بتوقيع مذكرة تفاهم لخطة “تعاون استراتيجي شامل وطويل الأمد”، تعلن عن بدء مرحلة جديدة في مسار العلاقات بين الطرفين. وشملت الزيارة على توقيع 15 وثيقة شراكة في عدة مجالات، من بينها الزراعة والسكك الحديد والطيران المدني والنفط والمناطق الحرة.

وفي بيان مشترك في ختام الزيارة، أعرب النظام وإيران عن استعدادهما “لتطوير العلاقات التجارية والاقتصادية”، وأكدا على “التعاون القائم بينهما في ما يتعلق بإعادة إعمار سوريا”. ووفق البيان، أجريت مباحثات بين الأسد ورئيسي “ركزت على سبل تطوير وتعزيز العلاقات الثنائية على أساس العلاقات الأخوية والاستراتيجية بين البلدين”.

وكان الرئيس الإيراني قد شارك في منتدى لرجال أعمال بدمشق، مؤكدًا أن زيارته “ستشكّل  نقطة تحول في العلاقات” الإيرانية مع النظام،  مضيفًا و”سيكون لها تأثيرها على المنطقة والعلاقات التجارية والاقتصادية بين البلدين”. وأضاف: “لا نعتبر بأي حال من الأحوال أن مستوى النشاط الاقتصادي بين إيران وسوريا يرقى إلى مستوى العلاقات السياسية بين البلدين، ونعتقد أنه يجب أن تكون هناك قفزة إلى الأمام في العلاقات التجارية”.

بدوره، قال الأسد إن “العلاقات مع إيران كانت خلال الفترات العصيبة علاقة مستقرة وثابتة على الرغم من العواصف السياسية والأمنية الشديدة التي ضربت منطقة الشرق الأوسط”، مشيرًا إلى مساهمة إيران في دعمها نظامه على مدار السنوات الماضية.

وعلى صعيد التقارب الإيراني السعودي الأخير، رحب رئيس النظام السوري “بتطور العلاقات بين طهران والرياض”. كما أكد أيضًا على أهمية اجتماع موسكو الرباعي القادم، الذي يجمع النظام بتركيا، من خلال وساطة روسية وإيرانية. مذكرًا أن الهدف الرئيسي للاجتماع سيكون بحث انسحاب القوات التركية من الشمال السوري، ووقف دعم المعارضة السورية المسلحة.

يشار إلى أن وزارة الخارجية الأمريكية قد حذرت الأربعاء الماضي، من أن توثيق العلاقات بين إيران والنظام السوري ينبغي أن “يكون مبعث قلق شديد للعالم”.

وقال نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية فيدانت باتيل، في إفادة صحفية: “إن استمرار النظام الإيراني ونظام الأسد في تعميق العلاقات بينهما يجب أن يكون مصدر قلق كبير ليس فقط لحلفائنا وشركائنا في المنطقة، ولكن أيضًا للعالم على نطاق واسع”. وأضاف أن “هذين النظامين استمرا في المشاركة في أنشطة خبيثة لزعزعة الاستقرار، ليس فقط في بلديهما، ولكن أيضًا في المنطقة على نطاق واسع”. مؤكدًا على أن الولايات المتحدة تعارض تطبيع العلاقات مع النظام السوري، قائلًا: “نحن لا نؤيد تطبيع الدول الأخرى للعلاقات مع دمشق، وقد أوضحنا ذلك بشكل جليّ لشركائنا”.

وكان الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، قد دعا القوات الأمريكية إلى مغادرة سوريا فورًا، مؤكدًا على أن علاقة بلاده مع النظام “علاقة استراتيجية.. وأن زيارته للنظام في إطار ترسيخها”.

وأظهرت زيارة رئيسي ترسيخًا للوجود الإيراني في سوريا، وأظهرت مدى التأثير والنفوذ السياسي لطهران وسطوتها على نظام الأسد. حيث أكدت الزيارة على أن طهران لا تخطط لسحب قواتها من سوريا، بل ستعمل على تعزيز تواجدها نظرًا للاتفاقيات الاقتصادية التي وقعتها مع النظام.

كما أن الزيارة، بحسب تقديرات إعلامية، تشير إلى أن إيران، التي ترحب في تطبيع بعض الدول العربية مع النظام، لن يتقلص وجودها في سوريا، وهي المزاعم التي استخدمت، من أجل شرعنة عملية التطبيع مع الأسد.

ولمح بشار الأسد للنقطة السابقة، بقوله: “لن نقدم مزيدًا من التنازلات تحت عنوان الانحناء للعاصفة”، مؤكدًا على رسوخ العلاقة مع طهران عبر سنوات طويلة.

واعتبر الرئيس الإيراني، زيارته للنظام بأنها نقطة “تحول في تسويع العلاقات الاقتصادية والتجارية والسياسية والأمنية” مع نظام الأسد، وذلك بعد عودته من دمشق. مشيرًا إلى أنه ركز على مناقشة القضايا الاقتصادية والتجارية، كما أكد على مناقشة قضايا إنتاج وتوزيع الطاقة، وتخفيض التعرفة الجمركية. وأشار إلى أن الأسد طلب من إيران المساعدة في الجانب الاقتصادي.

وأظهر رئيسي اهتمامه بالاتفاقيات مع النظام، من خلال تأكيده على ضرورة الإسراع في تنفيذها من أجل أن تنعكس آثارها في أسرع وقت ممكن.

أصوات من تحت الركام

وانصب تركيز الزيارة على الجانب الاقتصادي، حيث تجمع التحليلات على أن نظام الأسد، قام بـ”رهن” سوريا لإيران، وذلك مع وصول “موعد سداد الديون” التي تمظهرت على شكل اتفاقية استراتيجية، تساهم في حصول إيران على حصتها من إعادة الإعمار، بالإضافة إلى حصولها على مساحات شاسعة من سوريا، بالإضافة لكون بعض الاتفاقية الموقعة سرية، وتشمل مجالات اقتصادية.

—————————-

=====================

تحديث 01 أيار 2023

————————

إعادة العلاقات مع النظام السوري الذي ما زال مستمرا بارتكاب جرائم ضد الإنسانية بحق الشعب السوري انتهاك للقانون الدولي ولحقوق ملايين الضحايا

النظام السوري ما زال يخفي 96 ألف مواطن سوري ويعرضهم للتعذيب وقتل 201 ألف مدني آخرين بينهم قرابة 23 ألف طفل دون أي محاسبة

بيان صحفي:

لاهاي – قالت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في بيان أصدرته اليوم إنَّ إعادة العلاقات مع النظام السوري الذي ما زال مستمراً في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية بحق الشعب السوري انتهاك للقانون الدولي ولحقوق ملايين الضحايا، مشيرةً إلى أن النظام السوري ما زال يخفي 96 ألف مواطن سوري ويعرضهم للتعذيب، كما أنه قتل 201 ألف مدني بينهم قرابة 23 ألف طفل دون أية محاسبة.

تحدث البيان عن أن النظام السوري لم يلتزم بأيٍّ من بنود مبادرات الجامعة العربية التي أعلنت عنها في عامي 2011 و2012 ولن يلتزم بأيّ شروط في عام 2023، وأكّد أنه ما زال يمارس انتهاكات فظيعة بحقِّ الشعب السوري، مذكَّراً بأنَّ النظام السوري جابه الحراك الشعبي الذي خرج في آذار/2011 بإطلاق الرصاص الحي، وبحملة اعتقالات تعسفية واسعة، وتوسعت الانتهاكات التي مارسها حتى بلغ بعضها جرائم ضد الإنسانية منذ الأشهر الأولى لاندلاع الحراك. وقدَّم البيان بشكل موجز عرضاً لمبادرات الجامعة العربية، لافتاً إلى أن مبادرتها الأولى التي أعلنت عنها مطلع أيلول 2011، نصَّت على العديد من النقاط الإيجابية، كما عملت الجامعة العربية على خلق آليات لتنفيذها، لكنَّ النظام السوري لم يلتزم بأيٍ من بنودها، بل إنه استمرَّ في عمليات القتل، والاعتقال.

وطبقاً للبيان فقد قرر مجلس الجامعة العربية في 12/ تشرين الثاني/ 2011 تعليق مشاركة وفود سوريا في اجتماعات الجامعة، ودعا القرار الدول العربية إلى سحب سفرائها من سوريا، وفرض عقوبات سياسية واقتصادية على الحكومة السورية. وفي 22/ كانون الثاني/ 2012 أقرَّ مجلس وزراء الخارجية العرب المبادرة العربية الثانية، والتي تضمنت مطالبة مجلس الأمن لدعمها. وأكد البيان أن النظام السوري لم ينفذ أياً من بنود المبادرة، وأعطى وعوداً زائفة، فيما استمرت قوات الأمن والجيش في ارتكاب المزيد والمزيد من الانتهاكات، ولم تتمكن بعثة المراقبين العرب من منع أو إيقاف أيٍّ منها. ووفقاً للبيان فقد قتل النظام السوري منذ آذار 2011 حتى 12/ شباط/ 2012 (تاريخ تقدُّم الدابي باستقالته) 13923 مدنياً، واعتقل/ أخفى 23526 آخرين.

قال البيان إن النظام السوري مستمر حتى اليوم بمختلف أنماط الانتهاكات، ومن أبرزها إخفاء قرابة 96 ألف مواطن سوري منذ آذار/2011 حتى الآن، وقتل 201 ألف مدني بينهم قرابة 23 ألف طفل، وقد قتل منهم قرابة 15 ألفاً تحت التعذيب، إضافةً إلى العديد من الانتهاكات الأخرى، مثل القصف العشوائي وبشكل خاص بالبراميل المتفجرة واستخدامه الأسلحة الكيميائية، كما إن الانتهاكات التي مارسها هي السبب الرئيس في تشريد قرابة 7 ملايين لاجئ، مؤكداً أنه لن يقبل أحد منهم بالعودة طالما بقي ذات النظام الذي شردهم منذ عام 2011 على رأس الحكم ولم يتحقق انتقال سياسي.

وأكد البيان أنه بناءً على كل ما أورده فإن الأسباب التي أدَّت إلى طرد النظام السوري من الجامعة العربية، ومقاطعة دول العالم الديمقراطية، وفرض عقوبات وعزلة دولية عليه، ما زالت مستمرة منذ عام/2011، بل إنها تراكمت على مدى قرابة 12 عاماً مما زاد من حجمها ومن ضحاياها.

وقال البيان إنَّ ما تقوم به بعض الدول العربية، أو أية دولة أخرى من محاولة إعادة أي شكل من أشكال العلاقات مع النظام السوري يُسيء أولاً للدولة التي تقوم بذلك ويرسل رسالة خاطئة لشعبها في أنها تدعم نظاماً مرتكباً لجرائم ضد الإنسانية، وتقف معه على حساب ملايين الضحايا، إضافةً إلى ذلك، فإنَّ إعادة العلاقات معه يعتبر تشجيعاً له ولأنظمة أخرى مشابهة على الإفلات التام من العقاب، كما يجسد إهانة صارخة لملايين الضحايا من الشعب السوري. وبناءً على ذلك، فهو يعتبر دعماً للانتهاكات التي مارسها ويمارسها النظام السوري بحق الشعب السوري، لأنَّ محاربة الانتهاكات الفظيعة التي تُشكل جرائم ضدَّ الإنسانية وجرائم حرب تعتبر بموجب القانون الدولي من صلب مهام دول العالم كافةً باعتبارها مصادقةً على اتفاقيات جنيف.

وقد أورد التقرير عدداً من التوصيات للدول الراغبة أو المضطرة على إعادة العلاقات مع النظام السوري، تضمنت إفراج النظام السوري الفوري عن قرابة 136 ألف معتقل سياسي، بينهم 96 ألف مختفٍ قسرياً وإلغاء المحاكم الاستثنائية وجميع القرارات التي صدرت عنه وإعادة الأراضي والممتلكات التي نهبها واستولى عليها إلى أصحابها، ومحاسبة مرتكبي الانتهاكات بحق الشعب السوري.

للإطلاع على البيان كاملاً

—————————————

خاص التّدريجية كأساس للتّفاهمات على خريطة طريق لسوريا؟

تكثر الاجتهادات والتأويلات في محاولات فهم الاندفاع العربي لإعادة تأهيل سوريا في أعقاب الاتفاقية السعودية – الإيرانية برعاية وضمانات صينية، علماً أن أولى خطوات الانفتاح الكبير على الرئيس السوري بشار الأسد سبقت الحدث الثلاثي قامت بها الإمارات، فيما سعت مصر منذ فترة وراء تمهيد عودة النظام السوري إلى جامعة الدول العربية. أين تقع علاقة الأسد بكل من روسيا وإيران و”حزب الله” في شروط هذه العودة وظروفها؟ وهل تُصاغ اليوم بنودٌ لخريطة طريق تؤدي الى صفقة متكاملة وليس مجرد احتفائية تجميلية لعودة الأسد إلى الحضن العربي؟

السعودية ستستضيف القمة العربية الشهر المقبل، وقد بدأت بإعداد جدول أعمال القمة بالبراغماتية التي ترافق الرؤيوية، كما تبنتها القيادة السعودية بنهجها الجديد. الذين يعرفون الأداء السعودي يدركون أنه بعيد من الارتجالية، وأن رسائل الرياض متماسكة حتى في اقتضابها أو غموضها. وبحسب دبلوماسي خليجي ضليع في شؤون مجلس التعاون الخليجي، فإن الدبلوماسية الخليجية، وبالذات السعودية، تبني سياساتها ضمن مفهومها لحدود الممكن وحدود المستحيل

رأيه أن الخوف من تقسيم سوريا ومن تزايد النفوذ الإيراني والروسي والتركي هو المحرّك وراء الاندفاع الخليجي نحو إعادة تأهيل الأسد، وأن خريطة الطريق تتضمن الأفكار العمليّة لتحسين الأوضاع الداخلية، وإنقاذ المعارضة السورية، والحد من النفوذ الإيراني “ضمن حدود الممكن، وتدريجياً”

يضيف الدبلوماسي المخضرم أن الدول الخليجية لن تقبل بتعزيز الأسد إذا لم ينفتح على المعارضة ويحسّن الأوضاع الداخلية، وهذه الرسالة واضحة لدمشق. أما لجهة العلاقات مع إيران، فيعتقد الخليجيون أن الفرصة مُتاحة لتقليص نفوذ إيران في سوريا، بالتدريج، وبرضى بشار الأسد، لأن استمرار السيطرة الإيرانية لا يخدم سوريا، ولا يخدم الأسد، ولا يخدم الطائفة العلوية

بكلام آخر، إن بشار الأسد في حاجة للتفلّت تدريجياً من القبضة الإيرانية، لأنه ليس قادراً على السيطرة على سوريا في ظل الهيمنة الإيرانية. وعليه، فإنه قد يجد في استعادة الارتباط عربياً وسيلة إنقاذ له بعدما تورّط في اعتماده الكلّي على إيران وعلى روسيا، لكن تدريجياً، وفي إطار صفقة إقليمية

ما تقدّمه الدول العربية للأسد يشمل التعهد بإعادة إعمار سوريا بأموال عربية، وأن يكون فك العزلة عن سوريا جسراً لسوريا إلى العالم. يشمل أيضاً العمل الجماعي على تطويق النفوذ التركي بالتدريج، وليس فقط النفوذ الإيراني. وفي الرأي الخليجي، فإن الوجود العربي في سوريا يطمئن السوريين، وإن من مصلحة الأسد الانتقال إلى خانة طمأنة شعبه بدلاً من استمرار العداء معه. كل هذا مقابل “الالتزام” المكبّل من قِبل الأسد. فهذه عناصر صفقة وليست مزاج نزهة

المطلوب من الأسد لجهة علاقاته مع “حزب الله” الذي حارب بجانبه ضد المعارضة السورية وبات فاعلاً وشريكاً ميدانياً مع إيران والنظام في دمشق، هو “فك الارتباط” تدريجياً، كجزء من الصفقة. الرأي الخليجي هو أن على سوريا، وليس فقط على إيران، أن تكفل عدم تمكين “حزب الله” من التمدّد في الدول العربية، وأن هذا يقتضي من رئيس النظام السوري “فك الارتباط” بينه وبين “حزب الله” تدريجياً. وبحسب تعبير مسؤول خليجي سابق، إن “حزب الله” “ظاهرة” طال عمرها طويلاً

مصدر روسي مطّلِع على التفكير الإيراني نحو سوريا وتجاه الاتفاقية الثلاثية السعودية – الصينية – الإيرانية، يرى أن إيران ستسمح ببعض التغيير السياسي في سوريا، وأن روسيا لا تمانع لأن موسكو ترى في سوريا عبئاً يُثقلها اليوم وهي في حاجة للتركيز على الحرب الأوكرانية. معلوماته أن إيران ستتنازل عن بعض نفوذها لكن ليس عن وجودها العسكري في سوريا

اللافت في معلومات هذا المصدر، أن إيران تفكّر في كيفية تحويل “حزب الله” إلى “أداة سياسية” بدلاً من بقائها “أداة ثورية عسكرية”. كيف؟ يقول الدبلوماسي الروسي السابق إن النظام في طهران يدرس كيفية تطوير وتعميق “دمج” “حزب الله” وشركائه وأمثاله من أتباع طهران “في الحياة السياسية” للدولة المعنية

هذا وارد إذا تم الاتفاق على الصفقة المتكاملة. فـ”حزب الله” في رأي الدول الخليجية عدو مخرّب لها ولأمنها، ولجمه حاجة أساسية في الصفقة والتفاهمات

لماذا قد تقبل طهران بهذا التغيير الجذري؟ يتفق الرأيان الخليجي والروسي على أن إيران في حاجة للخروج من الوضع الاقتصادي القاتم، ومن الأزمة النووية التي تجعلها معرّضة للمواجهة العسكرية، ومن العزلة السياسية. ولذلك قد تتقبّل التنازلات الضرورية في إطار صفقة التطبيع مع الدول الخليجية وما يترتب عليها من إنقاذ اقتصادي كما من إمكانية انفتاح الولايات المتحدة على رفع العقوبات عنها، إذا نفّذت التزاماتها ولطّفت سلوكها جذرياً

إدارة الرئيس جو بايدن مستاءة جزئياً من هذه التطورات في منطقة الشرق الأوسط، حيث تبدو الصين في القيادة، لكنها في الواقع ليست مستاءة كلياً. والسبب هو أن هذه الإدارة ترحّب بأي ما يمكّنها من تجنب المواجهة العسكرية مع إيران

ثم إن الرعاية الخليجية لتحويل مسار سوريا نحو البيئة العربية بعيداً من النفوذ الروسي والتركي والإيراني أمر لا يثير اعتراض واشنطن، بل العكس. هذا إضافة إلى ترحيب إدارة بايدن بأن تحل الدول العربية مكان عملية “أستانا” التي تضم روسيا وتركيا وإيران، في رعاية الحلول السياسية الداخلية في سوريا، بالذات نحو إقناع الأسد بالتنازلات أمام المعارضة

إسرائيل مهمة لإدارة بايدن في المعادلة السورية إذا نجحت جهود دول عربية طبّعت مع إسرائيل في خلق الأجواء التي تؤدّي إلى التحاق سوريا، تدريجياً، في عملية فك الاشتباك الشامل مع إسرائيل، والوصول إلى مرحلة السلام والتطبيع. ذلك أن العنوان الأوسع والأعمق لاستراتيجية دول خليجية فاعلة هو الابتعاد من المواجهات ومعالجة الخلافات وحل النزاعات في كامل منطقة الشرق الأوسط، تدريجياً وبدبلوماسية جديدة نوعياً

الدبلوماسية السعودية أوضحت تطلّعاتها على مستوى ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، عندما تحدّث في مؤتمر FII عام 2019 عن “حلم” يعتزم تحويله إلى واقع، حلم تحويل منطقة الشرق الأوسط إلى أوروبا جديدة بعيدة من النزاعات الأيديولوجية والسياسات المتطرفة. ثم في اختتام قمة جدّة للأمن والتنمية بمشاركة قادة وزعماء دول مجلس التعاون والولايات المتحدة ومصر والعراق والأردن منذ حوالي سنة، أكّد رؤية تضع في أولوياتها تحقيق الأمن والاستقرار والازدهار، داعياً إيران إلى التعاون مع دول المنطقة لتكون جزءاً من هذه الرؤية. استضافة السعودية للقمة السعودية في مايو (أيار) تشكل موعداً مهماً في إطار التنفيذ البراغماتي للرؤية، لا سيما في أعقاب الاتفاقية السعودية – الإيرانية – الصينية، وسوريا تشكل محطة امتحان

إذا صدقت التوقعات بجهوزية بشار الأسد لاستبدال اعتماده على روسيا وإيران و”حزب الله”، بانفتاحه على الإصلاح الداخلي والتحاور مع المعارضة وفتح أبواب سوريا لعودة المهاجرين السوريين إليها، تكون الدبلوماسية الخليجية قد أحدثت انقلاباً في فكر الأسد واستراتيجيتها. بغضّ النظر إن اندفع الأسد نحو هذا التغيير الجذري، أو إن دُفِعَ إليه، إن نتائجه، في حال اعتماده حقاً وصدقاً، ستكون ذات فوائد لسوريا وللدبلوماسية الخليجية. لكنّ العبرة في التنفيذ

لن يكون سهلاً على الأسد، حتى ولو اقتنع، أن يستأذن الانفصال عن الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي هي شريك استراتيجي له ولأبيه. روسيا قد تعطيه الإذن للاستقلال نسبياً عنها لأن المبادرة العربية نحوه تريدها روسيا وسعت وراءها، ولأن العلاقات الروسية – الخليجية توسّعت والمصالح الروسيا تقتضي التركيز على أسواق النفط بدلاً من التمسك بما بات اليوم عبئاً عليها، فيما بالأمس كان أولوية استراتيجية

إيران أكثر تعقيداً وحذاقة، ثم إن “الحرس الثوري” ليس جاهزاً لفسخ عقده مع النظام في دمشق ولا مع “حزب الله” في لبنان. وهنا تكمن المشكلة. الأمر أكثر تعقيداً لأن السيطرة الإيرانية على سوريا هدف استراتيجي للنظام في طهران، وقادة الحرس الثوري غير متحمّسين للمشاركة في تنفيذ اضمحلال النفوذ الإيراني في سوريا

“تدريجياً”، يقول الذين يقرأون بين سطور الصفقة المتكاملة التي تُدرَس وما زالت قيد الإعداد. حسناً، فليكن التأنّي بوصلة نحو الثقة. ولتكن الثقة بوصلة الامتحان

النهار العربي

———————————–

هل تُشجع واشنطن على تطبيع عربي مع الأسد سراً وتُعارضه علناً؟/ د. باسل معراوي

لم تكن أجواء المنطقة مُهيئة لكل تلك التحولات الكبرى، ولم يكن أكبر المراهنين على استمرار المملكة العربية السعودية بأخذ مسافات عن السياسات الأمريكية في المنطقة (مقتدية بالنموذج التركي الذي سَن تلك السُنة وقطع بها أشواطاً كبيرة قد لا يكون من السهل التراجع عنها).

فوجئ الجميع على حدث تاريخي لا يتمثل باستعداد سعودي/ إيراني لتبريد الأجواء بينهما وبالمنطقة عموماً والشروع بإعادة العلاقات الدبلوماسية الى سابق عهدها بل بمكان الاتفاق وراعي اللقاء، إذ أتى هذا الاختراق الصيني الدبلوماسي تتويجاً لجهوده باستقطاب كل الحانقين على النظام الدولي القائم وبالذات على سياسات الولايات المتحدة باعتباره قطباً عالمياً صاعداً بل وقد يصبح قريباً منافساً للقطب الأوحد بعد أن غرق القطب الروسي في أوهام التاريخ والمستنقعات الأوكرانية وخرج بالتالي من رهانات المستقبل.

كان تتويج الصين كمرجعية دبلوماسية عالمية ترعى وتضمن اتفاقات الخصوم وتنزع فتيل الانفجار عنها، ويؤكد أهلية التنين الصاعد بممارسة تلك الادوار في مناطق أخرى.

وكان طبيعياً أن تشمل التهدئة الإقليمية كل الملفات الساخنة في المنطقة وذلك وفقاً لدرجة اهميتها لكل طرف، ومما لاشك فيه أن الخطر الحوثي يستحوذ على الهم والاهتمام الأكبر في علاقة السعودية مع إيران، وبالمقابل يستحوذ منع انضمام المملكة إلى سلام إبراهيمي مع دولة الاحتلال (مهدت له بل هددت به المملكة) يُنهي حالة الصراع العربي الإسرائيلي بذريعة تشكيل تحالف أمني وعسكري شرق أوسطي عبري/عربي برعاية غربية لمواجهة أخطار الحرس الثوري الإيراني، وهو الأمر الذي سيؤدي بالضرورة الى حل القضية الفلسطينية حلاً واقعياً يقضي على استثمار إيراني بادعاء تحرير فلسطين وقدسها وأقصاها، ويسحب الذريعة والرافعة الأيدلوجية والخطابية لاستمرار النهش بالأجساد العربية على مذبح الشعارات الفارغة والتي تجد لها اذناً صاغية في بعض الدول العربية.

ومن الطبيعي أن تشعر الولايات المتحدة بقلق بالغ من تنامي دور الصين العالمي والدخول القوي للخليج العربي دبلوماسياُ وسياسياً بعد تمدده الاقتصادي فيه، وبذلك تصبح الصين متواجدة على ضفتي الخليج العربية منها والإيرانية، وهو من الحصون الهامة للإستراتيجية الأمريكية (والمضطربة الآن)، لكن السياقات العامة لتهدئة التوتر في البؤرة الخليجية الملتهبة يصب باستراتيجيات ومصالح الولايات المتحدة باستمرار الحرب في أوكرانيا والتركيز الغربي على جبهة وحيدة والحيلولة دون استفادة القيصر الروسي من تفجير مناطق صراع محتقنة لكنها كامدة الآن للتشويش على التركيز الغربي في الجبهة الاوكرانية بما يمكن اعتباره هروباً للأمام.

لكن لا تُنفذ المملكة العربية السعودية سياسة أمريكا بالمنطقة، بل تحاول حماية نفسها وشقيقاتها الأصغر من تداعيات رد إيراني لطالما هدد به الحرس الثوري الإيراني في حال قيام الولايات المتحدة ودولة الاحتلال الإسرائيلي بضربة عسكرية حاسمة أو معيقة لإمكانية امتلاك إيران لسلاح نووي، بمعنى النأي بالنفس على أن تكون ساحة لحرب أو ردود فعل لها او حتى تبادل رسائل بين الخصوم.

وبذلك تضمن المملكة العربية السعودية تحييد أذرع ولاية الفقيه الضاربة والمنفلتة عن أي رادع قانوني أو أخلاقي تلك الاذرع المعروفة وهي الميليشيات والمسيرات والمخدرات، والصواريخ البالستية.

وبما أن مناطق سيطرة الأسد في الجغرافية السورية مرتعا وموقعا لكل تلك الأسلحة وخاصةً المخدرات فإن تحييدها (كما تعتقد المملكة) يُعد مكملاً لسلاسل التهدئة الهشة مع أذرع الحرس في أماكن أخرى مقابل تنازلات تُقدم للأسد أقصاها إقامة علاقات دبلوماسية بين الرياض ودمشق وإصرار المملكة على عدم منح الشرعية الكاملة للأسد بعلاقات طبيعية بل بالاعتراف بحكومة امر واقع وحصر التعامل بالجانب الإنساني فقط مع تمسكها بأولوية الحل السياسي في سورية (سواء تم ذكر القرار 2254 أو لم يذكر)

وكان ملفتاً للنظر التدافع الدبلوماسي وزحمة الواصلين إلى دمشق أو المواسين عبر الإعلام أو المتصلين بالهاتف قُبيل وبعد كارثة الزلزال التي حدثت في بدايات شباط الماضي، وعلى وقع احتدام المعارك في أوكرانيا وانتظار توضح بداية مآلات اتجاه مسار الحرب في الصيف الأوكراني الساخن، كانت الحركة المكبلة في الشرق الأوسط تنتظر هدايا القدر لانطلاقها وأتاها الفرج بالكارثة، فبدأت دبلوماسية الكوارث الناعمة والمغلفة بالطابع الانساني والمنغمسة للعظم بأهداف سياسية بعيدة عن كل الشعارات الإنسانية المرفوعة.

بحجة مواساة الشعب السوري تَم كسر محظورات صمدت لأكثر من عقد من الزمن، فشاهدنا وزير الخارجية المصري في دمشق، وتترجم لين التصريحات السعودية الصادرة عن الأمير فيصل بن فرحان تجاه النظام في دمشق وضرورة تغيير التعاطي مع الملف السوري حيث إن المقاربة السابقة لم تكن ناجحة بنظر العرب فاستمرت إيران بالتواجد بقوة بل تعزيز وتجذير ذلك التواجد في سورية وازداد كل ذلك على حساب تآكل الدور الروسي في سورية و المستمر بالضعف، وتَحول مناطق سيطرة النظام إلى عصابة دولية لإنتاج وترويج المخدرات للجوار أولاً والعالم ثانياً، عندما حطت طائرات الشحن السعودية في مطار حلب (الإيراني) مُحملة بالمساعدات الإنسانية والمبادرات السياسية وتُنذر بعهد جديد قد بدأ.

لم يكن هناك خطة أو مبادرة عربية للتعامل مع النظام الاسدي بل كان هناك اتفاق أو توافق على جَو جديد مُشخص جيداً وتم التفاهم على تحقيقه إما بالتنسيق فيما بينهم أو بتبادل الأدوار أو حتى بالتظاهر بالمعارضة له، فكان المشهد يبدو مُرتبكاً وارتجالياً أحياناً أخرى وغامضاً في أحياناً أخرى.

فعلى وقع القصف الأمريكي الدبلوماسي والتصريحات اللينة عن عدم استعداد واشنطن للتطبيع مع النظام إلا بشروطها المعروفة مع عدم تشجيع أو ممانعة من يرغب بذلك وإن كانت لا تنصح بها، هذا هو الضوء الاخضر الساطع الذي فهمه أحد السياسيين الأمريكيين المنخرطين بملفات المنطقة وآخر مبعوث أمريكي جمهوري للملف السوري في العهد ما قبل الحالي وعبر عنه أمام لجنة فرعية في مجلس النواب وتم نقله للإعلام.

وبالعودة للارتباك العربي كان ينوي وزير خارجية الأسد بزيارته للقاهرة البناء على زيارة وزير الخارجية المصري لدمشق بتجسيد عودة النظام السوري للحضن العربي من أوسع أبوابه عبر تأكيده على اهمية التضامن العربي والعلاقات العربية المشتركة والامن القومي العربي واستحضار تاريخ العلاقات الجيد بين نظام الأسد وجمهورية مصر العربية، إلا أنه واجه موقفاً مصرياً مختلفاً وهو الإصرار المصري على تطبيق مفردات الحل السياسي الدولي في سورية كشرط لإعادة تعويم الأسد.

ومن مشاهد الارتباك أيضاً استدعاء فيصل المقداد على عجل إلى جدة في ظل غياب الوزير السعودي عن المملكة الذي التقاه لاحقاً، وصدر بيان عن الخارجية السعودية بنهاية الزيارة كان يمكن قراءته كل طرف بما يريد، وهلل وطبل إعلام الاسد لاختراق تاريخي، وتم دعوة وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي مع مصر والأردن والعراق إلى اجتماع تشاوري على عجل وتوقع الجميع أن يصدر عن الاجتماع توافقاً عربياً على عودة مبدئية لنظام الأسد لشغل مقعد سورية في الجامعة، لم يحصل ذلك وصدر بيان مُخيب لنظام الأسد يحض فيه النظام على الانخراط الجدي بالحل السياسي دون الإشارة لعودته للجامعة العربية، ومن ثم اورد البيان فقرات أخرى لا تمت للملف السوري بصلة في إشارة من الحضور أن الاجتماع كان روتينياً وليس خاصاً بالشأن السوري.

كان نظام الأسد يتوقع أن يعترف به العرب أنه هو سورية في حين يرى العرب أنه أحد مناطق الامر الواقع وعلى يقين ضمناً أن الأسد هو لب المشكلة وأنه لن يكون جزءاً من أي حل، بمعنى لا عودة لنظام الأسد إلى ما قبل عام 2011.

بدأت التسريبات تتوالى بأن هناك خمس دول عربية رافضة لإعادة الأسد إلى الجامعة وهي (مصر، الكويت، الحكومة الشرعية اليمنية، قطر، المغرب)، مع يقين الجميع أن الحكومة اليمنية لا يمكنها الخروج عن الإرادة السعودية، وأن مصر تتلون أو تتردد في مواقف لا تحتمل الضبابية، وأن القطريين بمواقفهم ذات السقف المرتفع المعلنة من نظام الأسد إلا أنهم يقولون إن قطر لن تقف عائقاً أمام الإجماع العربي إن حصل.

ثم ظهر الارتباك واضحاً (وكأن أمر عمليات قد صدر) بالزيارة المفاجئة لوزير الخارجية السعودي لدمشق حيث يبدو أنه تم ترتيبها في حينها ولم تكن مجدولة وبوجود وزير خارجية الأسد بجولة بين الجزائر وتونس وصل ابن فرحان لدمشق واجتمع مع الأسد وغادر، ولم يُشر بيان الخارجية السعودية عن اللقاء إلى دعوة سعودية تم تسليمها للأسد لحضور قمة الرياض العربية المقبلة وكان البيان يتكلم صراحة عن حل سياسي للقضية السورية مع العبارات التقليدية عن وحدة الأراضي السورية ومحاربة الإرهاب.

وأثناء وجود الوزير السعودي في دمشق، وبجو لدومينو عربي يتدحرج إلى الفيحاء المحتلة أعلنت القبس الكويتية عن مصدر مسؤول في الخارجية عن عزم وزير الخارجية الكويتي زيارة دمشق في آخر أيام شهر رمضان، وذلك الإعلان الذي دام لساعات، أوحى أن العقبة الكويتية تم تذليلها بل إن الكويت مندفعة بهذا المسار ولم تكتف بموافقتها بل بالمساهمة بتعزيز ذلك المسعى، بعد ساعات من إعلان الصحيفة الكويتية العريقة للخبر صدر بيان رسمي عن الخارجية بنفي ما أوردته القبس، في إشارة إلى إلغاء الزيارة بآخر لحظة، ويبدو أن الجهد العربي يعمل بالساعة وليس باليوم أو الأسبوع.

السفيرة الامريكية باربرا ليف ومن موقعها العارف والمطلع على السياسة الأمريكية في سوريا قالت إن واشنطن ترجو الحصول على مكاسب من الأسد لقاء إقامة العلاقات معه كالإفراج عن معتقلين وتسهيلات بعودة لاجئين، بمعنى ألا يكون مجانياً، وأصرت السفيرة على أن الولايات مازالت على موقفها من النظام المجرم والتشدد بعقوبات قيصر وغيره وعدم البدء بإعادة الإعمار قبل تحقيق شروط مطلوبة من النظام ومعروفة منه.

هل الولايات المتحدة مع تعويم الأسد؟

    يحظى المسار العربي للانفتاح على نظام الأسد بدعم أمريكي ضمني ومشروط ولتحقيق غايات منها عرقلة المسار الرباعي الذي ترعاه موسكو وتنخرط فيه أنقرة بجدية ولا تتحمس له إيران ونظام الأسد، وترى الولايات المتحدة أنها المستهدفة بالدرجة الأولى من هذا الطريق والذي لا يخفي أن أهم أولوياته إخراج الولايات المتحدة من سورية وتحالف نظام الأسد وتركيا تجاه عدو واحد هو قسد الحليف المحلي المفضل والوحيد للولايات المتحدة في سورية.

    إن دفع الولايات المتحدة مسد لإعلان مبادرة مكرورة غير جدية، تم تقديمها على عجل موجهة لنظام الأسد، تهدف لزرع الأسافين والحيلولة دون تقارب تركي/أسدي ضدها، وتقديم مسد للعرب وكأنها إحدى القوى السوري الموجودة على الأرض، الجاهزة لدعم خطة سلام عربية تكون على حساب الخطة الرباعية التي جمدها الإيرانيون والأسد، وأثمر الضغط الروسي مؤخراً عن تصريحات إيجابية لبشار الجعفري سفير النظام لدى موسكو عن رغبة دمشق الانخراط بتنقية العلاقات مع أنقرة.

    لا تخفي الولايات المتحدة رغبتها بتبريد الملف السوري وغيره من الملفات الجاهزة للانفجار في المنطقة لعدم استفادة الرئيس الروسي أولاً ونظام الملالي بدرجة أقل من إضعاف التركيز الأمريكي والغربي على الجبهة الأوكرانية، وبالتالي لا ترد على الاستهدافات الإيرانية لقواعدها شرق الفرات بالشكل المطلوب، ومارست ضغوطاً كبيرة لكبح الجموح الإسرائيلي بالتصعيد داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة وبالرد على حملات إطلاق صواريخ لأذرع الحرس الثوري عليها من ثلاث جبهات (سورية ولبنان وقطاع غزة) مع مباركتها الضمنية للخطوة السعودية تجاه إيران بشرط ألا تخرج عن إطارها التكتيكي كهدنة إلى حين ظهور نتائج الحرب في أوكرانيا وقصم ظهر بوتين والذي يشكل حجر الأساس بالتحالف الروسي الإيراني الصيني، وقتها يتم التعامل بقسوة مع التمدد الإيراني.

إن لواشنطن مصالح كبرى في تهدئة في سورية ولن تَجنِ شيئاً دولاً عربية كثيرة من إغضاب واشنطن وتحديها مقابل تعويم نظام مجرم قطع على نفسه كل خطوط الرجعة للعرب والمجتمع الدولي عبر ارتكابه لكميات ونوعيات عنف مُوثقة دولياً وغير مسبوقة تجاه المدنيين السوريين، وتحوله لذراع إيرانية لتهريب المخدرات وتأمين قواعد ومصانع لوجود عسكري نوعي لميلشيات الحرس الثوري الإيراني، مع تماهيه المفرط مع المشروع الروسي واعتبار نفسه أحد مكوناته، وليس آخرها إعلان رأس النظام من موسكو عن استعداد بلاده لإعطاء روسيا ما تحتاجه من القواعد العسكرية في سورية وسعيه ليصبح الوجود العسكري والنفوذ الروسي دائماً وليس مؤقتاً.

————————————

أحمد أبو الغيط: بشار الأسد ربح المعركة وإيران لن تكون في قاعة الجامعة العربية

نسخ الرابط

إسطنبول – متابعات

اعتبر الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط أن رئيس النظام السوري بشار الأسد “ربح المعركة” في سوريا، وأن الجامعة تسرّعت حين جمّدت عضوية سوريا.

وقال أبو الغيط، خلال لقاء مع قناة الجديد اللبنانية، إن بشار الأسد “ربح المعركة حين حسمها عسكرياً، وهذا مضى عليه على الأقل 5 أو 7 سنوات”، مضيفاً: “عندما فشلت المعارضة والمقاومة في دخول دمشق نجح الحكم السوري”.

وأضاف أنه كان ينبغي “عدم التعجل في عملية طرد وتجميد العضوية السورية (في الجامعة العربية) وإتاحة الفرصة وقتئذٍ للمزيد من المفاوضات والحوار”، مبيناً أنه لم يكن موجوداً في الجامعة حينئذ وأنه لم يكن ليوافق على ما حدث في قاعة الجامعة، بحسب تعبيره.

إيران لن تكون في الجامعة

وأشار الأمين العام إلى أن الدول “تتفاهم مع إيران اليوم، لكن لن يُسمح لإيران بالوجود في هذه القاعة”، معتبراً أن “حزب الله له وضعية خاصة لأنه جزء من المكون اللبناني الدستوري الشرعي، هو في الحكومة، هي حقيقة وواقع”.

وحول إمكانية لقائه برئيس النظام بشار الأسد قال أبو الغيط: “لو حصل وعادت سوريا إلى الجامعة سألتقي به، وقبل ذلك لا أستطيع، ممنوع عليّ دستورياً وقانونياً لأن عضويته في الجامعة مجمّدة”.

وكان سياسيون ومثقفون ومعارضون سوريون قد حذّروا في وقت سابق من مساعي استعادة النظام السوري إلى “الحاضنة العربية”، مؤكدين على أن عودته إلى الجامعة العربية “لن يكون لها أي آثار إيجابية، لا على أمن الدول العربية ولا على أحوال السوريين ومصيرهم”.

ولم تنجح حتى اليوم المساعي الرامية إلى إعادة النظام السوري للجامعة العربية من قبل بعض الدول التي سعت خلال الفترة الماضية إلى تطبيع علاقاتها معه.

    الأمين العام للجامعة العربية يقول إن #الأسد

ربح المعركة وعودته حتمية

تقرير: جمال البشاش @jamalhssan9#تلفزيون_سوريا pic.twitter.com/w1dV3sV7lZ — تلفزيون سوريا (@syr_television) April 26, 2023

اجتماع جدة

لن يقدم شيئا والفظائع ستزيد.. سياسيون ومثقفون سوريون يحذرون من التطبيع مع النظام

موقف ثابت للدوحة

وفي وقت سابق، أكدت دولة قطر على أن أسباب تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية ما زالت قائمة، مؤكدة على أنها لن تتخذ أي خطوة من دون تقدم وحل سياسي للأزمة السورية.

وقال رئيس الوزراء القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني آنذاك: “كانت هناك أسباب لتعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية ومقاطعة النظام السوري في ذاك الوقت، وهذه الأسباب ما زالت قائمة بالنسبة لنا على الأقل في دولة قطر”.

وأضاف أنه “صحيح أن الحرب توقفت، لكن الشعب السوري ما زال مهجراً والناس الأبرياء في السجون. نحن لا نريد فرض حلول على الشعب السوري، وهو الذي يجب أن يصل إلى حل ويجب أن يكون هناك حل سياسي للأزمة السورية”.

وأكد رئيس الوزراء القطري أن بلاده “لن تتخذ أي خطوة إذا لم يكن هناك تقدم وحل سياسي للأزمة السورية”، مشدداً على أنه بالنسبة للدول الأخرى “كل دولة لها تقييمها وهذا قرار سيادي يخصها، ولكن دولة قطر هذا موقفها المتمسكة به حتى اليوم، وإلى الآن لا يوجد شيء إلا تكهنات ولا شيء واضحاً مطروح على الطاولة”.

————————————

 الملفات الأمنية والتموضع العسكري على طاولة «التطبيع» السوري ـ التركي/ سعيد عبد الرازق و رائد جبر

عقد وزراء دفاع روسيا وسوريا وتركيا وإيران جولة مشاورات جديدة في موسكو، أمس (الثلاثاء)، ركزت على الملفات الأمنية ومسائل التموضع العسكري لكل من سوريا وتركيا قرب المناطق الحدودية في الشمال السوري. وشكّلت نتائج اللقاء الذي جرى خلف أبواب مغلقة، مقدمة لإنجاح ترتيبات عقد اجتماع مرتقب على مستوى وزراء الخارجية لهذه الدول. وأبلغ مصدر دبلوماسي روسي «الشرق الأوسط» بأنه تم التوافق «بشكل مبدئي» على موعده في الثاني من مايو (أيار) المقبل.

وفي حين أعلنت وزارة الدفاع التركية أن الاجتماع بحث سبل تكثيف الجهود لإعادة اللاجئين السوريين إلى أراضيهم، نقلت صحيفة «الوطن» السورية عن مصدر لم تسمه القول إنه «لا صحة للبيان الذي بثته وزارة الدفاع التركية والذي تحدث عن خطوات ملموسة تتعلق بتطبيع العلاقات بين تركيا وسوريا»، مضيفة أن الاجتماع بحث آلية انسحاب القوات التركية من الأراضي السورية «ولم يتطرق إلى أي خطوات» للتطبيع بين البلدين. وأكد المصدر أن «التطبيع يعني انسحاب القوات التركية من الأراضي السورية، وبغير الانسحاب لا تنشأ ولا تكون هناك علاقات طبيعية»، بحسب ما أوردت «وكالة أنباء العالم العربي».

وتعمدت موسكو فرض نوع من التكتم على مجريات اللقاء «العسكري الأمني»؛ إذ لم يتم الإعلان مسبقاً عن موعد عقده أو أجندته، واكتفت وزارة الدفاع الروسية بإصدار بيان صحافي مقتضب، في ختامه، شدد على «الروح الإيجابية التي سادت النقاشات خلاله». وأوضح البيان أنه «تمت مناقشة قضايا الساعة المتعلقة بالتعاون الثنائي، بالإضافة إلى مختلف جوانب ضمان الأمن العالمي والإقليمي». وتابع أنه «تم عقد محادثات رباعية لوزراء الدفاع في موسكو. وتم خلال الاجتماع بحث الخطوات العملية لتعزيز الأمن في الجمهورية العربية السورية وتطبيع العلاقات السورية – التركية».

ولفت بيان وزارة الدفاع إلى أنه «تم إيلاء اهتمام خاص لقضايا مواجهة جميع مظاهر التهديدات الإرهابية، ومحاربة جميع الجماعات المتطرفة على الأراضي السورية».

وزاد أن «الطرفين (السوري والتركي) أكّدا في ختام اللقاء رغبتهما في الحفاظ على وحدة أراضي سوريا، وضرورة تكثيف الجهود من أجل العودة السريعة للاجئين السوريين إلى وطنهم. وأولى الوزراء الحاضرون اهتماماً خاصاً بالطبيعة البنّاءة للحديث الذي جرى بهذا الشكل، وضرورة استمراره من أجل زيادة استقرار الوضع في الجمهورية العربية السورية والمنطقة ككل».

ويعد هذا الاجتماع الثاني بالمستوى نفسه بعدما كان وزراء الدفاع ورؤساء الأجهزة الأمنية في سوريا وتركيا وروسيا عقدوا اجتماعاً سابقاً في نهاية العام الماضي وضع أساساً للتحرك نحو تطبيع العلاقات السورية – التركية برعاية روسية. وانضمت إيران التي تردد أنها اعترضت على تغييبها عن جولة المشاورات الأولى، إلى هذا المسار لاحقاً. وفي بداية الشهر الحالي، استضافت العاصمة الروسية اجتماعاً لنواب وزراء خارجية روسيا وسوريا وتركيا وإيران، تم في ختامه اتفاق الأطراف على مواصلة التنسيق والبدء بالتحضير لعقد اجتماع على مستوى وزراء الخارجية يمهد لقمة تجمع رؤساء هذه الدول لاحقاً.

وعلى الرغم من أن اجتماع وزراء الدفاع الحالي جاء مفاجئاً لكثيرين؛ كونه لم يتم الإعلان عنه سوى قبل يومين على لسان وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، كما أن ترتيبه تزامن مع ترقب الإعلان عن اجتماع وزراء الخارجية، لكن مصادر دبلوماسية روسية قالت إنه شكّل محطة إضافية ضرورية لاستكمال المناقشات حول ملفات التطبيع بين دمشق وأنقرة التي ما زال فيها الكثير من النقاط العالقة التي تحتاج إلى نقاش أوسع على المستويات الأمنية والعسكرية. وقال لـ«الشرق الأوسط» دبلوماسي روسي مطلع على مضمون النقاشات إن اللقاء بهذا المعنى «لم يكن مفاجئاً وكان قد تم الاتفاق مسبقاً على عقد جولة ثانية من المفاوضات على المستوى العسكري أثناء اللقاء الأول الذي التأم في نهاية العام الماضي».

ووفق المصدر ذاته، نصت التوافقات في حينها على «عقد لقاءات متسلسلة وعلى مستويات عدة من أجل متابعة كل الملفات المطروحة ومواصلة التنسيق حول ما يتم الاتفاق عليه». وقال إن اللقاء الحالي شكّل استمراراً لمواصلة مسار تنفيذ التوافقات التي تم التوصل إليها في اللقاء الأول، وبينها «التوافق على اتخاذ بعض الخطوات لإعادة تموضع الجيش التركي والجيش السوري في بعض المناطق في الشمال السوري». وزاد أن التطورات التي جرت لاحقاً «احتاجت إلى مزيد من الوقت ومزيد من النقاشات وهو ما يجري حالياً».

وأكد المصدر أن اللقاء على المستوى العسكري لا يشكل مساراً منفصلاً عن المسار العام للتطبيع بين دمشق وأنقرة، وهو يأتي «التزاماً بالسياسة التي تم اعتمادها على مستوى قادة الدول الأربع».

ووصف المصدر مضمون اللقاء بأنه «جدي للغاية وإيجابي»، مشيراً إلى أن الحوارات «تجري حول المسائل التي تتطلب مزيداً من التنسيق، خصوصاً في مجالات القضايا الأمنية وملفات مكافحة الإرهاب التي تم إعطاء أولوية لها؛ لأنها مرتبطة بمتطلبات حماية الأمن القومي لكل من سوريا وتركيا». وحملت عبارة الدبلوماسي الروسي حول مناقشة ملف مكافحة الإرهاب إشارة لافتة بسبب تباين التقييمات السورية والتركية حول المنظمات المدرجة على لوائح الإرهاب في البلدين.

وفي إشارة إلى البعد الدبلوماسي السياسي لأهمية اجتماع المستوى الأمني العسكري، أضاف المصدر الروسي أن اللقاء يشكل حلقة إضافية مهمة؛ تحضيراً لاجتماع وزراء الخارجية الذي «تم التوافق بشكل مبدئي على عقده في الثاني من مايو المقبل في العاصمة الروسية».

– الموقف التركي

وفي أنقرة، قالت وزارة الدفاع التركية، في بيان حول الاجتماع الرباعي بالعاصمة الروسية، أمس، إن المجتمعين ناقشوا «الخطوات الملموسة» التي يمكن اتخاذها لتطبيع علاقات أنقرة ودمشق، كما تناولوا سبل تكثيف الجهود لإعادة اللاجئين السوريين إلى أراضيهم. وأضاف البيان أن المجتمعين ناقشوا كذلك سبل مكافحة جميع التنظيمات الإرهابية والمجموعات المتطرفة على الأراضي السورية، وجددوا رغبتهم في الحفاظ على وحدة أراضي سوريا. وتابع أنه تم التأكيد خلال الاجتماع، الذي عُقد في أجواء «إيجابية وبناءة»، على أهمية استمرار الاجتماعات في شكل رباعي من أجل ضمان والحفاظ على الاستقرار في سوريا والمنطقة ككل.

واستبقت أنقرة الاجتماع بالتأكيد أنها لن تسحب قواتها من شمال سوريا، من دون أن تستبعد، في الوقت نفسه، عقد لقاء بين الرئيسين رجب طيب إردوغان وبشار الأسد «وفق خريطة طريق خاصة، ومن دون شروط مسبقة».

وجدد وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، في مقابلة تلفزيونية ليل الاثنين – الثلاثاء، التأكيد على أن قوات بلاده لن تنسحب من شمال سوريا وشمال العراق في الوقت الراهن، قائلاً «انسحابنا من شمال سوريا وشمال العراق يعني توقف عملياتنا العسكرية ضد الإرهاب، واقتراب الإرهابيين من حدودنا، وهذا يشكل تهديداً لأمننا القومي».

وفي إشارة إلى «وحدات حماية الشعب الكردية» التي تعدّ أكبر مكونات «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد)، التي تعدّها تركيا ذراعاً لـ«حزب العمال الكردستاني» الذي تتمركز قياداته في شمال العراق، وتخوض القوات التركية حرباً ضدهما في البلدين، قال جاويش أوغلو إن «المنظمات الإرهابية ستملأ الفراغ الذي سيحدث في حال انسحبت القوات التركية من شمال سوريا، وإن الأمن القومي وأمن الحدود بالغا الأهمية بالنسبة لتركيا». وتابع «لا نطمع في اقتطاع أجزاء من الأراضي السورية، ولا يمكننا الانسحاب من الشمال السوري إلا حين يستتب الأمن، ويعود الاستقرار الكامل إلى تلك المناطق».

وتقول تركيا إن محادثاتها لتطبيع العلاقات مع سوريا تنطلق من 3 مبادئ رئيسية، هي: التعاون والتنسيق في مكافحة الإرهاب، وضمان العودة الكريمة للاجئين، وتنفيذ العملية السياسية الخاصة بالملف السوري. ولا تعتقد أنقرة أن نظام الرئيس السوري بشار الأسد قادر في الوقت الراهن على ضمان أمن الحدود التركية، وإبعاد خطر «الوحدات» الكردية التي تعدّها امتداداً لـ«حزب العمال الكردستاني» في سوريا، وترهن انسحاب قواتها بإبعاد «الوحدات» الكردية إلى عمق 30 كيلومتراً داخل الأراضي السورية، وإنشاء منطقة آمنة تستوعب اللاجئين السوريين، وتمنع نشوء ما تسميه «الممر الإرهابي» على الحدود التركية – السورية.

وتوقع وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، عشية الاجتماع الرباعي في موسكو، أن يسفر الاجتماع عن تطورات إيجابية، لافتاً إلى أن اللقاءات تجري في ظل الاحترام المتبادل بين الأطراف. وأكد أن تركيا تبذل وستواصل بذل ما بوسعها من أجل السلام في المنطقة. وجدد تأكيده أن تركيا ستواصل مطاردة الإرهابيين بكل حزم، كما أنها لا ترغب في موجة لجوء جديدة، وتهدف لتوفير الظروف الملائمة لعودة السوريين إلى ديارهم بشكل آمن وكريم، وأن تركيا لن تتخذ أي خطوات من شأنها أن تضع السوريين لديها أو في الداخل السوري في مأزق.

وعن الاجتماع الرباعي لوزراء الخارجية، الذي كانت أنقرة أعلنت عن انعقاده أوائل مايو المقبل، قبل الإعلان عن اجتماع وزراء الدفاع ورؤساء الاستخبارات واحتمال عقد لقاء بين الرئيسين إردوغان والأسد، قال وزير الخارجية، مولود جاويش أوغلو، إن اجتماع وزراء الخارجية قد يعقد في مطلع مايو، لكنه موعد غير مؤكد، مضيفاً «نعم، احتمال اللقاء بين إردوغان والأسد وباقي القادة الأربعة قائم، لكن يجب أولاً تحضير خريطة طريق لهذا اللقاء تتضمن عدم فرض شروط مسبقة، ودراسة المرحلة السياسية ومكافحة الإرهاب وإحلال الاستقرار في سوريا». وتابع أن «التواصل مع النظام السوري مفيد إذا كنا نريد إعادة اللاجئين السوريين، وإذا كنا نريد مواصلة مكافحة الإرهاب بشكل أكثر فاعلية، وإذا أردنا الحفاظ على وحدة أراضي سوريا». ولفت إلى أنه في حال لم يتم إحلال الاستقرار في سوريا، فإن الآثار السلبية على تركيا ستكون كبيرة، وإن تركيا لا تثق بالولايات المتحدة وفرنسا فيما يخص مكافحة الإرهاب، قائلاً إن «واشنطن تواصل دعم إرهابيي العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب الكردية».

وجاءت تصريحات جاويش أوغلو كتأكيد جديد لموقف تركيا الرافض لمطلب دمشق بالانسحاب من شمال سوريا كشرط لأي محادثات تتعلق بتطبيع العلاقات بين البلدين الجارين بعد 12 عاماً من القطيعة، عشية انطلاق الاجتماع الرباعي في موسكو، في جولة جديدة من محادثات تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق.

وكانت الأيام الماضية شهدت تصعيداً جديداً في شمال سوريا بين القوات التركية وفصائل «الجيش الوطني» السوري الموالي لها، من جهة، وقوات «قسد»، من جهة أخرى، بعد هجوم استهدف قاعدتين عسكريتين تركيتين في حلب، أسفر عن إصابة 4 جنود أتراك، وردت تركيا بقصف لمواقع «قسد» التي توجد جنباً إلى جنب مع قوات النظام السوري، ما أدى إلى مقتل 12 عنصراً من «الوحدات» الكردية، بحسب ما أعلن وزير الدفاع خلوصي أكار.

كما أعلنت الاستخبارات التركية، بالتزامن مع اجتماع موسكو، القضاء على أحد العناصر القيادية في «وحدات حماية الشعب» الكردية، يدعى محمد صاري في «عملية أمنية بمدينة القامشلي» شمال شرقي سوريا.

وبحسب ما نقلت وكالة «الأناضول» عن مصادر أمنية، الثلاثاء، فإن «الإرهابي صاري» الذي كان يحمل الاسم الحركي «باران كورتاي» كان أحد المسؤولين عن محافظة الرقة السورية، وأنه قتل في 14 أبريل (نيسان) الحالي، مشيرة إلى أنه انتقل إلى سوريا عام 2014 بعد «أن شارك في كثير من العمليات الإرهابية داخل تركيا».

————————————-

خلاف بين تركيا وسوريا على ما تناوله اجتماع «تطبيع العلاقات» في موسكو

موسكو: «الشرق الأوسط»

قالت وزارة الدفاع التركية اليوم (الثلاثاء) إن الاجتماع الرباعي بين تركيا وروسيا وسوريا وإيران في موسكو ناقش خطوات تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق، في حين سارعت سوريا إلى نفي بحث أي خطوات ملموسة للتطبيع خلال الاجتماع.

ونقلت وكالة «الأناضول» الرسمية عن وزارة الدفاع التركية قولها إن الاجتماع بحث أيضاً في سبل تكثيف الجهود لإعادة اللاجئين السوريين إلى أراضيهم.

وفي المقابل، نقلت صحيفة «الوطن» السورية عن مصدر لم تسمه القول إنه «لا صحة للبيان الذي بثته وزارة الدفاع التركية، والذي تحدث عن خطوات ملموسة تتعلق بتطبيع العلاقات بين تركيا وسوريا». وأضافت أن الاجتماع ناقش آلية انسحاب القوات التركية من الأراضي السورية، «ولم يتطرق إلى أي خطوات» للتطبيع بين البلدين.

وأكد المصدر أن «التطبيع يعني انسحاب القوات التركية من الأراضي السورية، وبغير الانسحاب لا تنشأ ولا تكون هناك علاقات طبيعية».

من جهتها، أفادت وزارة الدفاع السورية، في بيان نشرته على «فيسبوك» في وقت سابق، بأن الاجتماع بحث «انسحاب القوات التركية من الأراضي السورية».

وكان وزير الدفاع التركي خلوصي أكار قد أعلن، أمس (الاثنين)، عقد اجتماع مع نظرائه من سوريا وروسيا وإيران في موسكو الثلاثاء، للبحث في الملف السوري بحضور رؤساء الاستخبارات من تلك الدول.

وأكد أكار أن الاجتماع هدفه «حل المشكلات العالقة عن طريق الحوار، وإحلال السلام والاستقرار في المنطقة بأقرب وقت ممكن».

وشدد الوزير التركي على أن اللقاءات تُعقد في إطار «الاحترام المتبادل» بين الأطراف، مضيفاً أنه «من المتوقع أن تحدث بعض التطورات الإيجابية عقب الاجتماع».

———————–

واشنطن للمعارضة للسورية:لا تطبيع مع النظام..والحل عبر القرار 2254

أكدت الولايات المتحدة خلال لقاء مع المعارضة السورية أنها لن تطبع العلاقات مع النظام السوري، معربةً عن تمسكها بقرار مجلس الأمن 2254.

جاء ذلك خلال لقاء في واشنطن، جمع مساعدة وزير الخارجية الأميركي باربرا ليف والمبعوث الأميركي إلى سوريا إيثان غولدريتش مع رئيس الائتلاف السوري المعارض سالم المسلط ورئيس هيئة التفاوض المعارضة بدر جاموس.

وبحسب تغريدة للسفارة الأميركية في دمشق، فإن ليف أكدت أن سياسة الولايات المتحدة تجاه سوريا “لم تتغير”، قائلة: “لا تطبيع مع نظام الأسد في ظل غياب تغيير سياسي دائم”. وشددت على دعم واشنطن القوي لقرار مجلس الأمن 2254، وكذلك على دور المعارضة السورية.

من جهته، اعتبر جاموس في تغريدة، أن أي قرار سياسي في سوريا يجب أن يتماشى مع قرارات مجلس الأمن وخصوصاً القرار 2254، لافتاً إلى أنه بغياب الحل السياسي والحكومة الانتقالية، فإن معاناة الشعب السوري سوف “تزداد”.

وقال جاموس إن وفد المعارضة السورية نقل إلى المسؤولين في واشنطن، المطالب العادلة للشعب السوري الرافضة للتطبيع مع نظام الأسد، مؤكداً للمسؤولين الأميركيين أن السوريين ينتظرون محاسبة النظام على “جرائمه التي لا تعد ولا تحصى” بحقهم.

وشدد على ضرورة تحييد اللاجئين السوريين في دول الجوار عن أي ضغوط أو ممارسات تزيد معاناتهم، مشيراً إلى أن ملف اللاجئين هو “ملف إنساني بالدرجة الأولى”.

ولفت المسؤول المعارض إلى خطورة ما يجري في لبنان من انتهاكات خطيرة بحق اللاجئين السوريين والتي قد تودي بحياتهم بعد تسليمهم للنظام”، كما دعا الإدارة الأميركية إلى إيجاد حلول لحماية السوريين في السودان ومساعدتهم في ظل الصراع العسكري القائم هناك.

وكان جاموس قد توجه قبل أيام إلى الولايات المتحدة من أجل عقد لقاءات مع مسؤولين بارزين في الإدارة الأميركية بينهم ممثلون عن الأمن القومي الأميركي ومجلس النواب ومراكز أبحاث على صلة بدوائر صنع القرار في البيت الأبيض، وذلك لمواجهة عملية التطبيع مع النظام السوري من قبل دول مؤثرة مثل السعودية.

تلك اللقاءات هي جزء من حراك دبلوماسي تقوده هيئة التفاوض لمواجهة عملية التطبيع المتسارعة، وفق موقع “تلفزيون سوريا”.

——————–

التطبيع لم ينقذ عمر البشير ولن ينقذ بشار الأسد

قالت صحيفة الفايننشال تايمز البريطانية تعليقاً على زيارات المسؤولين العرب للنظام السوري، بأن مثل هذه الزيارات لم تنقذ عمر البشير ووجوده في الجامعة العربية لم يساعده، وأطاح به الشعب بمساعدة الجيش، والآن جنرالات الجيش الذين أطاحوا بالبشير هم في قتال من أجل السيطرة على البلاد.

وأضافت الكاتبة كيم غطاس أنه حتى الآن، لم تتم دعوة الأسد لحضور قمة جامعة الدول العربية في الرياض في أيار/مايو. ولكن حتى لو تم الترحيب به مرة أخرى، فإن ذلك على الأرجح لن ينقذه.

وتقول الصحيفة إنه لا توجد مؤشرات حول انتفاضة أخرى في سوريا، ولا يوجد جنرالات في سوريا يمكنهم الإطاحة بالأسد ويقاتلوا من أجل السيطرة على البلاد. ومع ذلك، فإن الفترة التي سبقت الأزمة في الخرطوم تحمل درساً للمسؤولين العرب الذين يشقون طريقهم إلى دمشق. المساومة مع الطغاة، سواء كانوا جالسين في قصر رئاسي أو يرتدون ملابس عسكرية، من دون قوة أو ردع أو محاسبة، هي مسألة محكوم عليها بالفشل.

واعتبرت أن زيارة وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان إلى دمشق، وهي أول زيارة لمسؤول سعودي منذ عام 2011، جعلت ملايين السوريين يشعرون بأنهم تعرضوا للخيانة بسبب هذا التقارب السعودي مع الأسد، الذي كان سعيداً بالزيارة.

فلا أحد ينسى ما فعلته السعودية عام 2012، في قمة أصدقاء سوريا في تونس، عندما ضغطت على وزيرة الخارجية الأمريكية آنذاك هيلاري كلينتون لتسليح المعارضة السورية.

وأوضحت الكاتبة أن الأسد  لا يشعر بأي ندم، لذلك فلماذا يزور الوزراء العرب دمشق؟ الجواب هو السياسة الواقعية: لم ينجُ الأسد فحسب، بل تسبب في مشاكل لا يستطيع جيرانه حلها بدونه.

فهناك حاجة لعودة ملايين اللاجئين السوريين، خاصة أنهم يسببون مشكلات في دول مثل الأردن ولبنان، بالإضافة إلى تدفق مخدر الأمفيتامين الاصطناعي المعروف باسم الكبتاغون من سوريا إلى دول عربية أخرى، وخاصة الأردن السعودية. توصف سوريا الآن بأنها دولة مخدرات وتقدر قيمة تجارة الكبتاغون بالمليارات.

وفي وقت سابق من شهر نيسان/أبريل، التقى وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان الرئيس السوري في أول زيارة رسمية لمسؤول سعودي إلى سوريا منذ القطيعة بين البلدين منذ بدء الحرب، بعد أقل من أسبوع على زيارة وزير الخارجية السوري فيصل المقداد للمملكة.

وخلال هذا الشهر أيضاً، اجتمع دبلوماسيون من تسع دول عربية في السعودية للبحث في إنهاء عزلة سوريا على الصعيد الدبلوماسي، فيما قام المقداد بزيارة الجزائر وتونس ومصر كجزء من الجهود الدبلوماسية.

المدن

—————————

التطبيع مع دمشق.. الاستثمار الخاسر/ محمد سرميني

شهدت الآونة الأخيرة تسارعا في وتيرة تطبيع العلاقات مع النظام السوري رغم غياب أي تقدم في بنود المبادرة العربية التي اقترحها الأردن عام 2021، والتي تقوم على نهج خطوة مقابل خطوة، وكانت بالأساس مقترحا للمبعوث الأممي الخاص إلى سوريا غير بيدرسون.

وتكمن الإشكالية الأساسية التي تواجه سياسة التطبيع الأخيرة مع النظام السوري في طبيعة النظام ذاته، إذ فقد مرتكزين أساسيين من المرتكزات الثلاثة للدولة، وهي الأرض والسيادة والشرعية القانونية، فرغم أنه ما زال يمتلك الشرعية بفعل التوازنات الدولية فإنه لا يسيطر على أكثر من ثلث الأرض السورية، ويخضع في مناطق سيطرته لنفوذ دولتين أجنبيتين، وبالمجمل، فإن 4 دول تتقاسم النفوذ على الأرض، فيما تشارك دولة خامسة في النفوذ الجوي.

إن لجوء الدول العربية إلى التطبيع مع دولة فاشلة بالمعايير القانونية والسياسية يمثل فشلا للمنظومة العربية حتى لو كان التطبيع غير مقصود لذاته، وهو الأرجح، إذ يمثل بالأساس محاولة لمنح إيران مقعدا آخر في جامعة الدول العربية، ومكافأة لواحد من أكبر مشاريع تصنيع وتهريب المخدرات في العالم حتى وفقا للمعايير المتعارف عليها في أميركا اللاتينية.

وفي حال تجاوز مفهوم الدولة الغائبة فإن الجمود الذي تشهده سوريا منذ عام 2020 لم يسهم في أي تغيير سياسي وعسكري وأمني واقتصادي لصالح النظام يدعو للقبول بسياسة الأمر الواقع والتعامل معه كطرف استطاع استعادة بعض الأدوات التي يمكن من خلالها الاستجابة لمصالح ومتطلبات الدول المنخرطة في مسار التطبيع.

فسياسيا: لم يفضِ سلوك النظام سوى لتعطيل العملية السياسية في إطار اللجنة الدستورية التي تدعمها روسيا، دون إحراز أي تقدم لصالحه من قبيل فرض “المبادئ الوطنية” كمدخل لصياغة الإصلاح الدستوري، والتي من خلالها يضمن الحفاظ على روح دستور عام 2012.

وأمنيا: لم تؤدِ التسويات التي شهدت زخما خلال عامي 2021 و2022 إلى استعادة النظام السيادة على مناطق جنوب البلاد، حيث تواجه سلطته رفضا مستمرا من السكان المحليين والمجموعات المسلحة التي انخرطت في مسار المصالحة، إضافة إلى عدم قدرته على ضبط نشاط المليشيات الإيرانية المنتشرة في محافظات ريف دمشق ودرعا القنيطرة.

وعسكريا: منذ عام 2020 لا يزال النظام غير قادر على تغيير واقع السيطرة، لا شمالا ولا شرقا، فهو لا يمتلك قرار السلم والحرب الذي باتت تسيطر عليه بشكل رئيسي روسيا ثم إيران، وتؤثر فيه كل من الولايات المتحدة وتركيا.

واقتصاديا: أظهرت كل السياسات والأدوات النقدية وغير التقليدية التي حظي بها النظام عدم قدرته على الحد من تعرض الليرة لمزيد من الانهيارات، كما أصبح اقتصاد الحرب مسيطرا بشكل كامل على الهياكل والمؤسسات ولم يعد مجرد إجراءات طوارئ حتى يكاد يصعب أو يستحيل على النظام أو أي طرف آخر إعادة البلاد لاقتصاد السلم.

إذن، ما سبق يشير بشكل واضح إلى أن الدول التي انخرطت في مسار التطبيع لا تعوّل على قدرة النظام على الاستجابة لمصالحها، فهو غير قادر على فرض الاستقرار السياسي والاقتصادي والعسكري والأمني، إنما قامت بهذه الخطوة من أجل ضمان مصالحها الإقليمية والدولية عبر مزيد من التقارب مع روسيا أو إيران أو كلتيهما، في مشهد إقليمي ودولي متغير.

لا يبدو بأي شكل أن النظام السوري مهم بحد ذاته للدول المنخرطة في مسار التطبيع بقدر ما بات يمثل التواصل معه مساحة لاختبار النوايا وتبادل الرسائل سلبا وإيجابا، فالدول العربية وتركيا تمر بحالة من عدم الثقة مع الولايات المتحدة التي أسهم سلوكها في مزيد من التوجه نحو روسيا وإيران وتبني سياسات تقوم على توسيع هوامش التحرك، ومحاولة تحقيق المصالح بعيدا عن المظلة الأميركية أو ضمن أقصى الهوامش التي تتيحها.

كما أن مسار التطبيع القائم لا يعني إعادة إنتاج النظام بغض النظر عن الصورة التي يحاول التسويق لها، فبنيته غير قابلة لذلك، خاصة بعدما أصبحت رهينة لسيطرة حلفائه الروس والإيرانيين، وأصبحت محاولة العودة إلى وضع ما قبل عام 2011 مستحيلة، بل إن مسارعة النظام في طي صفحة الخلافات بسهولة مع الدول التي وقفت ضده خلال السنوات الماضية ستؤدي لمزيد من انكشافه أمام فاعلين جدد.

بمعنى أن قدرة النظام سابقا على مواجهة سياسات الدول المنخرطة في مسار التطبيع لن تعود متوفرة، بسبب انكشافه مرة أخرى لتدخلات فاعلين جدد، حيث ستصبح قراراته وحساباته أكثر تقييدا وتعقيدا.

وقد تمنح هذه السيولة مجالا للدول المنخرطة في التطبيع أمام تحقيق مزيد من الاختراق لمواقف النظام وبنيته، وربما تأمل بعض العواصم العربية أن يساعدها ذلك على احتوائه وإعادة هيكلته بهذا الشكل.

ومع ذلك، ستكون أمام أي مساعٍ محتملة لتعديل سلوك النظام من داخله تحديات كبيرة، بينها وجود فاعلين آخرين من خصوم ومنافسين، ولا سيما إيران التي لن تعطي أي فرصة لتغيير التوازنات الداخلية في بنية النظام بما يؤثر على مصالحها وسياساتها في المنطقة.

كما أن روسيا حتى وإن أتاحت المجال لبعض الفاعلين كي يملؤوا أي مساحة مكانها في ظل أولوية الصراع في أوكرانيا فإنها لن تتخلى عن دورها الرئيسي في رسم وصياغة القرارات والمواقف السياسية والعسكرية والاقتصادية.

وبالنتيجة، فإن التطبيع مع النظام حتى وإن استمر فإنه سيبقى مستحيلا أمام أي رغبة أو جهود لإعادة إنتاجه وحتى تعديل سلوكه من داخل بنيته، ولا تبدو هذه الخطوات سوى محاولات هامشية في الوقت بدل الضائع الذي تفرضه مرحلة الجمود منذ عام 2020، فالمشهد السوري قد يتغير جذريا بمجرد انهيار جهود التهدئة الإقليمية أو اندلاع تصعيد جديد في المنطقة أو حسم نتائج الصراع في أوكرانيا لصالح الغرب.

المدير العام لمركز جسور للدراسات

————————————

معضلة الدبلوماسية في الأزمة السورية/ رمزي عز الدين رمزي

كيف يمكن تحقيق التوازن بين المثالية والواقعية؟

المعضلة الدائمة التي تطارد كل دبلوماسي: كيف يمكنه تحقيق التوازن بين المثالية والواقعية… المثالية بمعنى التأكيد على دور المبادئ والقيم الأخلاقية، والتأكيد على أهمية المنظمات الدولية وتبني السبل الدبلوماسية والسلمية في حل النزاعات. أما الواقعية فهي التأكيد على القوة والمصلحة الخاصة والاعتماد على الوسائل العسكرية والاقتصادية والدبلوماسية، سعياً لتحقيق توازن القوى والردع وإقامة التحالفات، والتقليل من دور المنظمات الدولية.

تشحن المثالية الخيال وتساعد على صياغة الرؤية وتفتح آفاقا جديدة للعمل. أما الواقعية فتضمن إمكانية تنفيذ الرؤية، لا في مجملها وإنما على الأقل في تنفيذ أهدافها الأساسية. لكن اسمحوا لي أن أضيف بعجالة أن المثالية تستخدم أحيانا كغطاء لمتابعة أهداف شريرة. كما تستخدم الواقعية لتبرير أعمال وحشية. لذا يغدو تحقيق التوازن بين النقيضين أصعب.

بعد أن تعاملت على نحو مباشر مع المأساة السورية مدة أربع سنوات ونصف السنة، بصفتي نائباً للمبعوث الخاص للأمم المتحدة (2014-2019)، كان لزاماً علي أن أتصارع يومياً مع هذه المعضلة.

وقد استرشدت، وأنا أؤدي مهمتي، بمبدأين.

الأول: مصلحة الشعب السوري في تحقيق تطلعاته إلى الحرية والكرامة الإنسانية والازدهار. وكنت متعاطفا تماما مع هذه التطلعات، وأردت أن أساهم في مساعدة السوريين على تحقيقها. لكنني كنت في الوقت نفسه، على معرفة بالقيود المحلية والإقليمية والدولية التي عقّدت تحقيق رؤيتهم هذه. وأدركت أن مهمتي هي أن أقدم ما هو ممكن في ظل الظروف السائدة. يحدوني الأمل دوما في أن يمضي الأمر إلى الأمام.

والثاني: المساهمة في السلام والأمن في الشرق الأوسط. فهذه المنطقة عالقة في دائرة مفرغة من الأزمات، التي حرمتها من الوصول إلى إمكاناتها الحقيقية. والأسباب كثيرة، بعضها يتعلق بنظام الحكم، والبعض الآخر بسبب التدخل الأجنبي. في هذا السياق كنت وما زلت حتى يومنا هذا مقتنعا بأنه من دون سوريا مستقرة سيبقى السلام والأمن في هذه المنطقة أمرين وهميين. ويذكر عن هنري كيسينجر أنه قال إن من يسيطر على سوريا يسيطر على الشرق الأوسط. ولذا كنت وما زلت مقتنعاً حتى يومنا هذا بأن المصلحة الاستراتيجية لجميع الدول العربية، تقتضي أن تعيش سوريا كدولة وطنية، إنما بعد إصلاحها بما يلبي تطلعات شعبها في حياة أفضل وكريمة.

أنا من أشد المؤمنين بنظام الحكم الديمقراطي. وهذه ليست مثالية. ولكن كما قال ونستون تشرشل فالنظام الديمقراطي مع كل نقاط ضعفه، هو أفضل نظام سياسي. غير أنه لا يمكن ولا ينبغي اختزال الديمقراطية في إجراء انتخابات. إنما هي عملية تترسخ فيها لبِنات البناء التي تشمل القضاء المستقل، وحرية الصحافة، ومجتمعاً مدنيًا ينبض بالحيوية، وسيادة القانون… إلخ.

وإذا أخذنا في الحسبان تاريخ الشرق الأوسط، وعلى الأخص تاريخ الدول العربية، فإن عملية إقامة حكم ديمقراطي ستكون عملية طويلة ومعقدة مع كثير من التقلبات صعوداً وهبوطاً. لكن ينبغي أن يبقى هذا الهدف حيا.

صحيح أن الشعب السوري عانى من القمع قبل عام 2011. أما اليوم فقد تكاثرت عليه المحن، حيث يعاني من انعدام الأمن ومن النزوح وسوء التغذية ونقص التعليم ومن الظروف الاقتصادية المزرية.

لم يتوقع أحد من السوريين، عندما نزلوا إلى الشوارع للمطالبة بالحرية والكرامة، أنهم سيقعون تحت اليد الثقيلة للإجراءات الأمنية والإرهاب والمكائد الخارجية. هذا الثلاثي الذي تغذي بعض أطرافه بعضا مع ما تلقيه من عواقب وخيمة على الشعب السوري.

هذا ما كان عليه الوضع عندما توليت مهمة الأمم المتحدة عام 2014. كان مثال العراق حيا في ذهني. دولة تتمتع بإمكانات كبيرة دمرتها أولاً الإجراءات المتهورة لقيادة وحشية ودمرها ثانيا الغزو الأجنبي الذي حوّل البلد إلى دولة فاشلة بالمعنى الحرفي.

من الواضح أن سوريا ليست العراق. فكل دولة، مهما كان مدى قربها لدولة أخرى، من المنظور التاريخي والاجتماعي والاقتصادي، هي دولة فريدة من نوعها.

غير أني تعلمت بعض الدروس من العراق، وأعتقد أنها تفيدنا في حالة سوريا.

أولاً، بينما كان لدى العراقيين مظالم مشروعة، فمن الواضح أن السعي للحصول على دعم من جهات خارجية لم يؤدِ إلى النتائج المرجوة. بل على العكس تماما، فقد أطلق التدخل الخارجي دوامة من العنف والإرهاب والصراع الطائفي وحتى مزيداً من الفساد.

ثانياً، أدى التدخل العسكري الأميركي إلى إضعاف الدولة الوطنية في العراق. وجاء هذا الإضعاف في البداية عند تفكيك مؤسسات الدولة ثم تالياً بطرح دستور قائم على الطائفية.

ثالثًا، كان غياب الدور العربي الفاعل عاملا يزيد التعقيد تعقيدا. فلم يكن العراق، بغياب الدعم العربي، قادراً على التعامل الفعال مع تدخلات الولايات المتحدة وإيران وتركيا.

باختصار، يمكننا أن نلخص الدروس المستقاة من الغزو الأميركي للعراق كما يلي: لا يمكن فرض الديمقراطية من الخارج، وينبغي أن تأتي فقط من داخل البلد. وأن التدخلات العسكرية الأجنبية لها عواقب وخيمة على المدى الطويل. كما أن غياب الدور العربي في البحث عن تسويات سياسية يؤدي إلى تفاقم النزاعات ويفتح الباب حتى لمزيد من التدخلات الخارجية في الشؤون العربية.

في عام 2010 كانت سوريا دولة واعدة. فقد كانت من بين الدول الأفضل أداءً في تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية التي تبنتها الأمم المتحدة. غير أن هذا لا يعني أنها لم تكن تواجه تحديات سياسية واجتماعية واقتصادية خطيرة. فتحت السطح كانت قوى الانفجار تتخمر، وتعود أسبابها- إلى حد كبير- إلى توزيع الدخل توزيعا جائراً على نحو متزايد، وإلى الانقسام بين الريف والمدينة الذي تفاقم بسبب التدهور البيئي، وإلى ضآلة مساحة الحريات السياسية.

ومنذ عام 2011 مات أكثر من 500 ألف شخص. ويقدر البنك الدولي أن أكثر من نصف سكان سوريا إما أنهم هاجروا أو نزحوا داخليا، كما فقد الناتج المحلي الإجمالي 60 في المئة من قيمته التي كانت قبل عام 2011، ويعيش أكثر من 80 في المئة من السكان تحت خط الفقر مقارنة بـ10 في المئة فقط في عام 2011. ويقدر برنامج الأغذية العالمي أن 14.2 مليون سوري من أصل 16 مليونًا لا يزالون في البلاد، يعانون من نقص الغذاء. كما تشير اليونيسيف إلى أن 40 في المئة من البنية التحتية للتعليم قد دمرت، وأن 2.4 مليون طفل ليس لديهم تعليم رسمي مقارنة بعام 2011 عندما كانت نسبة الالتحاق بالمدارس الابتدائية تبلغ 97 في المئة.

وأمست سوريا أيضاً ميداناً لكثير من التدخلات العسكرية الأجنبية من إيران وإسرائيل وتركيا وروسيا والولايات المتحدة، وملاذاً للإرهابيين القادمين من عشرات الدول.

المفارقة أنه رغم مرور اثني عشر عاما على انحدار سوريا نحو الفوضى والدمار فإن أياً من اللاعبين الرئيسيين ليس اليوم في وضع أفضل مما كان عليه قبيل اندلاع الأزمة.

فإيران لم تطرد من البلاد. وفي الوقت نفسه هي ليست قادرة على ترسيخ موقعها بشكل لا رجعة فيه. كما لم تستطع تركيا تنصيب نظام صديق لها في دمشق ولا التعامل بفعالية مع مشكلة اللاجئين. بالإضافة إلى أنها لا تزال تعاني من غياب الاستقرار على حدودها الجنوبية الممتدة 900 كيلومتر. أما إسرائيل فما زالت عاجزة عن القضاء على التهديد الإيراني.

ولم يتمكن الاتحاد الأوروبي من التخلص من شبح موجات أخرى من المهاجرين غير الشرعيين.

ومع ذلك، يبدو أن كلاً من روسيا والولايات المتحدة حققتا نجاحاً أفضل من غيرهما نسبياً؛ فقد حققت روسيا حلمها التاريخي بإنشاء قاعدة بحرية على المياه الدافئة للبحر الأبيض المتوسط. لكنها غير قادرة على تحويل مكاسبها العسكرية إلى مكاسب سياسية واضحة. من ناحية أخرى، تمكنت الولايات المتحدة من ضمان أهدافها بإضعاف “داعش” ومواصلة الضغط على دمشق بأقل تكلفة، وذلك باعتمادها على “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) التي يهيمن عليها الأكراد.

في هذه الاثناء، يقود الرئيس الأسد دولة مقسّمة ومدمرة وسكاناً معدمين، كما أمست سوريا موطناً لجماعات إرهابية وساحة صراع بين أربعة جيوش أجنبية وعدد لا حصر له من الميليشيات.

ويضاف إلى المأساة أن الجميع تقريباً مستعد للتعايش مع هذا الوضع. في الواقع، لم يظِهر بلد واحد اهتماما كافيا للتوصل إلى حل سياسي.

بالنظر إلى هذه الصورة القاتمة التي استمرت حتى ديسمبر/كانون الأول الماضي، كنت قلقا من أن يغدو النزاع في سوريا نزاعا مجمدا. ولكن يبدو أن الأمور تقدم اليوم بصيص أمل. فقد حدثت تطورات عدة قد تزيد من احتمالات التسوية السياسية. أخيراً يبدو أن الواقعية قد تسود. أسفي الوحيد أن هذا يحدث متأخرا نوعا ما. وكان من الممكن أن يجنب الشعب السوري كثيراً من المعاناة. فهل نشهد اليوم بداية النهاية للمأساة السورية؟ آمل ذلك بصدق.

أولاً، أسفرت الجهود الروسية الساعية لتحقيق تقارب بين سوريا وتركيا، عن تتويجها باجتماع موسكو في ديسمبر الماضي، بين وزيري الدفاع ورؤساء أجهزة الاستخبارات في البلدين. ورغم الزخم الذي ولّده الاجتماع، إلا أنه تلاشى كما يبدو بسبب إحجام دمشق العنيد عن منح الرئيس أردوغان انتصارا قبيل الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في شهر مايو/أيار، ما لم تنتزع مكاسب ملموسة كبيرة على الأرض في المناطق التي تمارس فيها تركيا سيطرة فعلية شمالي سوريا. إلا أن الأمر الهام هنا أنه جرى اختراق الانسداد الذي منع فيما مضى أي إمكانية للتقارب. وسواء أعيد انتخاب الرئيس أردوغان أم لا، فإن عملية التقارب سوف تتواصل.

من الواضح أن الاختراق الذي حصل في العلاقات السورية التركية سيغير قواعد اللعبة. إلا أنه غير كاف في حد ذاته لتحقيق تسوية سياسية. ولن يؤدي إلا لاستقرار الحدود السورية التركية. كما أنه لن يضع حداً للتدخلات الإسرائيلية والإيرانية، التي تواصل تقويضها للسيادة السورية. ولن يؤدي إلى توفير الأموال اللازمة لإعادة الإعمار، وهو أمر ضروري لاستقرار البلاد على المدى الطويل. وبالتالي ستبقى إعادة بناء سوريا اقتراحا خادعا.

ثانياً، تسارعت عملية التطبيع بين دمشق وعدد من العواصم العربية. وهذا التطور هو الذي قد يغير الوضع برمته. فقد قررت الدول العربية أن تأخذ هذا المنحى انطلاقاً من مصالحها الخاصة. كما جاءت هذه العملية في سياق أوسع يشمل إعادة ترتيب المنطقة. فقد أدركت هذه الدول أن الاعتماد المفرط على الولايات المتحدة لا يخدم مصالحها. كما أن تصاعد التنافس والمواجهة بين الولايات المتحدة وحلفائها من جهة والصين وروسيا من جهة أخرى، دفع هذه الدول إلى استنتاج أن من مصلحتها البقاء على الحياد إزاء ما يبدو أنها حرب باردة آخذة في التشكل، ولا سيما أنها ستنفذ بوسائل غير عسكرية، قد تنطوي على عواقب وخيمة على جنوب الكرة الأرضية.

لقد استُقبل الرئيس الأسد بحفاوة بالغة في أبوظبي شهر مارس/آذار الماضي. وزار وزير الخارجية الإماراتي دمشق مرتين خلال الأشهر القليلة الماضية. كما زار وزيرا الخارجية المصري والأردني دمشق لأول مرة منذ أحد عشر عاما. وزار وزير خارجية سوريا القاهرة أول أبريل/نيسان، مع العلم أن آخر زيارة قام بها وزير خارجية سوري لمصر كانت عام 2009.

وزار وزير الخارجية السعودي دمشق يوم 18 أبريل الحالي، الأمر الذي مهد الطريق لاستعادة العلاقات الدبلوماسية كاملة بين البلدين. وتشير كل هذه التطورات إلى احتمال عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية في قمتها المقبلة، المقرر عقدها في الرياض خلال شهر مايو المقبل.

 كما أن اتفاق كل من الرياض وطهران على إعادة العلاقات الدبلوماسية، ليس أمراً قليل الأهمية. وإذا نُفّذ الاتفاق بسلاسة، فلا شك أن تداعياته على سوريا ستكون مهمة.

في هذا الوقت، قد تلغي جامعة الدول العربية أو لا تلغي تجميد مشاركة سوريا في أنشطتها.

ورغم أن هذا الأمر له قيمة رمزية كبيرة، إلا أنه غير كافٍ لتحقيق الاستقرار في سوريا. والواضح أن عملية التطبيع على المستوى الثنائي سوف تستمر.

المسألة ليست متعلقة فقط بعودة سوريا إلى الأسرة العربية، بل تتصل أكثر باتخاذ الدول العربية قراراً بالانخراط في إعادة إعمار البلد. وجدير بالذكر أن إعادة الإعمار هي أحد عناصر الحزمة الواردة في قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة 2254. وهناك عناصر أخرى تحتاج إلى الاهتمام والمعالجة. ويبدو أن الدول العربية قد انتقت من بين هذه العناصر ما يحتل الأولوية عندها. وجاء كل من البيان الصادر عن الاجتماع الوزاري السعودي- السوري يوم 12 أبريل، والبيان الصادر عن الاجتماع المشترك بين دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن والعراق يوم 15 أبريل ليحدد هذه الأولويات العربية: عودة اللاجئين والنازحين، وضمان وصول المساعدات الإنسانية لجميع السوريين، ومحاربة الإرهاب. ونأمل أن يؤدي تحقيق هذه المبادئ إلى خلق ديناميكية قد تفتح الباب أمام تنفيذ أكثر كمالاً للقرار 2254.

ولكن من دون إعادة الإعمار، ليس هناك فرصة لعودة الاستقرار إلى سوريا، ولا فرصة أيضاً لإنهاء التدخل العسكري الأجنبي. غير أن الأهم من ذلك هو أن الشعب السوري سيظل يعاني من الحرمان والبؤس. ولن يكون قادراً على تحقيق تطلعاته في مستقبل أفضل. وسوف تستمر سوريا كفتيل مشتعل مع كل ما يحمله ذلك من تداعيات إقليمية.

هذا السياق يطرح على الفور سؤالاً: كيف ستدير الدول العربية- والخليجية منها على الأخص- الوضع، إذا أخذنا في الحسبان العقوبات التي فرضتها كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي؟ زد عليها أيضاً قانون قيصر الذي سنه الكونغرس ويفرض عقوبات أساسية على الحكومة السورية والأفراد، كما يفرض عقوبات ثانوية على الشركات التي تتعامل مع دمشق وبعض الأفراد المرتبطين بالحكومة. يضاف إلى ذلك ما فرضه الاتحاد الأوروبي منذ عام 2011، من عقوبات متصاعدة، قيدت دمشق أكثر فأكثر.

يتمتع عدد من الدول العربية بوضع يمكنها من الاستفادة من نفوذها لدى واشنطن والعواصم الأوروبية الكبرى، لتعديل موقفها من قضية إعادة الإعمار في سوريا. وسيكون التحدي في واشنطن مع الكونغرس أكثر منه مع الإدارة. لكنها مهمة ليست مستحيلة إذا جرت إدارتها على نحو مناسب. وقد اتخذت الإدارة الاميركية مؤقتًا- استجابة منها للزلزال المدمر في فبراير/شباط الماضي- قرارا بتعليق تنفيذ بعض العقوبات. وهذا قد يفتح الباب أمام مزيد من الإجراءات في هذا المنحى، ولا سيما إذا استجابت دمشق للمطالب العربية بعودة اللاجئين والنازحين، وتمكين جميع السوريين من الوصول الدائم للمساعدات.

أخيراً، لا يمكن لأي تسوية سياسية دائمة في سوريا أن تتحقق، إلا عندما تكون هناك مصالحة وطنية حقيقية. وهذه عملية عاطفية معقدة وشديدة الحساسية، غير أن هناك كثيرا من الأمثلة التي تبين كيف تعاملت بعض الدول بحكمة مع قضايا حاسمة كهذه.

المجلة

———————

الأسد يرفع شروطه بوجه أنقرة.. هل ينتظر الانتخابات؟/ عماد الشدياق

في حين تطالب تركيا بضمانات لبلوغ حلّ سياسيّ واضح المعالم في سوريا، يشترط نظام الأسد تحديد موعد للانسحاب التركي الكامل من الأراضي السورية.. وهو ما يعرقل حتى الآن انعقاد الاجتماع الرباعي المقبل على مستوى وزراء خارجية روسيا والنظام السوري وإيران وتركيا في مسار تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق.

روسيا تقول إنّ الاجتماع كان مقرراً منتصف شهر نيسان (أبريل) لكنّ انعقاده تعثّر. لا تكشف موسكو أسباب التأجيل، لكن الأوساط التركية تعتبر أنّ الانفتاح العربي المستجدّ على النظام السوري، أعطى الأسد جرعة أمل في كسر عزلته، ولهذا لم يعد النظام متحمساً إلى عقد هذا الاجتماع إلاّ بشروطه.

على رأس الشروط التي يضعها نظام الأسد، انسحاب الجيش التركي من الأراضي السورية، وهو ما ترفضه أنقرة، ولا تعترض عليه موسكو في ذلك، باعتباره شرطاً مسبقاً قد ينسف محادثات التطبيع أو يأخذها إلى زواريب غير مستحبّة.

أمّا تركيا، فردّت على “شرط الأسد” الذي يبدو تعجيزياً في هذا التوقيت، بالإعلان أنّ عملياتها العسكرية ستتواصل داخل الحدود وخارجها إلى حين القضاء على آخر تهديد إرهابي لها، كاشفة أنّها تتبنى 3 قضايا رئيسية في سبيل نجاح محادثات التطبيع مع الأسد، وهي:

1. التنسيق مع النظام في الحرب على الإرهاب: تقول أوساط دبلوماسية تركية إنّ الوجود العسكري التركي شمال سوريا ليس احتلالاً. بداية الأزمة السورية، كان هدف تركيا إيجاد حلّ شامل للأزمة، وكان نداء أنقرة أن يكون هذا الحلّ سياسيا لا عسكرياً.. لكن ما الذي استجد لتحوّل تلك الدعوة إلى حملة عسكرية داخل سوريا؟

تردّ المصادر الدبلوماسية بالقول، إنّ بعد العام 2015 لم يعد النظام مسيطراً على شمال سوريا، ودخلت تنظيمات إرهابية مثل (حزب العمال الكردستاني) وفرعه السوري وحدات حماية الشعب أو مثل “داعش” إلى المشهد السوري، وهذا ما اضطر الجيش التركي إلى دخول الأراضي السورية.

بناء عليه، أجرت أنقرة أكثر من عملية عسكرية للقضاء على هذه المجموعات القابعة على حدودها. ومنذ العام 2013 وحتى العام 2019 نفذت أنقرة 3 عمليات عسكرية كبيرة، وكان الهدف منها “منع تلك المجموعات من العودة إلى المناطق المحررة”، وهذا ما اضطرّها أيضاً إلى التمركز عند نقاط محددة في الداخل السوري.

لا ترفض أنقرة فكرة الانسحاب كلياً، لكنّها تشترط لنجاح ذلك “زوال هذا الخطر”، لأنّها لا تملك ترف بقاء جيشها خارج الحدود وتكبّد تكاليف هذا الوجود، على رغم تحصّنه بموجب المادة 51 من شرعة الأمم المتحدة التي تجيز للدول حماية حدودها.

فبموجب تلك المادة، تعتبر أنقرة أنّ وجودها العسكري في سوريا هو حماية الداخلي التركي وهذا مُتّفق عليه بموجب “محادثات أستانة”.

2. دفع العملية السياسية من خلال محادثات أستانة: تعتبر أنقرة أنّ “محادثات أستانة” هي المسار الحيّ الوحيد لأيّ حلّ سياسي في سوريا. في نظرها، فإنّ تلك المحادثات غير متوقفة، بل مستمرة لكن ببطء. وهي تعوّل عليها كثيراً برغم تقارب الدول العربية مع نظام الأسد مؤخراً، وبرغم هذا التقارب فإنّ إصرار تركيا مستمر ولن يُترجم بأيّ شكل من الأشكال تخلياً عن “محادثات أستانة” لأنّها أساسية من أجل الوصول إلى حلّ للأزمة السورية.

وفي هذا الصدد تكشف المصادر التركية أنّ الحرب الأوكرانية “كانت سبب تراجع تلك المحادثات”، التي كانت “قاب قوسين أو أدنى من إعادة صياغة دستور جديد” للجمهورية السورية، لكن الحرب أدت إلى تجميد كل شيء، خصوصاً أنّ روسيا أوقفت مشاركتها في المحادثات، وحوّلت اهتمامها إلى سير المعارك في أوكرانيا.

في موازاة ذلك، كان منسوب “الخطر الإرهابي” يرتفع على الحدود التركية – السورية ويهدد الأراضي التركية، خصوصاً أنّ أنقرة لم تجد أيّ دعم من حلفائها في حلف شمال الأطلسي “الناتو”. حتى الولايات المتحدة الموجودة في شمال سوريا وهي حليفة كبيرة لتركيا (هكذا يُفترض)، كانت تدعم المجموعات الكردية بالسلاح بحجة محاربة تنظيم “داعش”.

هذا ما أوجد لأنقرة سبباً جوهرياً للانفتاح على النظام. وجدت تركيا قاسماً مشتركاً مع النظام هو “دفع خطر الإرهاب”، وحماية سوريا من التقسيم. تعتبر أنقرة أنّ “محاربة داعش”، حوّلت المجموعات المسلحة الكردية إلى قوة كبيرة مدعومة من واشنطن بالأسلحة المتطورة، وبالتالي ستكون تهديدا مباشرا للأمن الداخلي التركي.

بداية الأزمة، أعلن نظام الأسد أنّه “يكافح” الإرهاب، وبالتالي أمسى كل من يدعم المعارضة بمنزلة “الداعم للإرهاب”، وبالتالي فإنّ هذا ما دفع نظام الأسد إلى اتهام القوات التركية بأنّها قوات احتلال، ولهذا أيضاً يطالب اليوم بانسحاب الجيش التركي من شمال سوريا.

وتضيف المصادر أنّ بدء المحادثات بين تركيا والجانب السوري لا يعني أبداً أن أنقرة غيّرت سياستها أو نظرتها إلى النظام السوري، لكنّ جلّ ما تصبو إليه اليوم، هو الحوار مع النظام من أجل مكافحة الإرهاب ومتابعة المسار السياسي المرسوم لسوريا عبر الأمم المتحدة، “فلا يظن أحد أنّ أيّ لقاء مع النظام السوري هو لنسف المسار السياسي السابق أو تخلٍ عنه”.

3. ضمان العودة الآمنة والكريمة للاجئين السوريين: تعتبر أنقرة أنّ ملف اللاجئين السوريين هو ملف سيؤثر على مسار العملية الديمقراطية في تركيا، وتحديداً على الانتخابات الرئاسية المنتظرة.

الوجود السوري داخل تركيا يشكّل مادة دسمة للرأي العام التركي، ووسيلة فعالة من أجل تسلّق المعارضة على حساب الحزب الحاكم، واقترابها من هزيمة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في السباق الرئاسي، وربّما هزيمة حزب “العدالة والتنمية” في الانتخابات النيابية المقبلة.

تعتبر أنقرة أنّ الحوار مع النظام في هذا الملف قد يقطع الطريق أمّام المعارضة التركية المندفعة إلى الانفتاح بلا حدود مع نظام الأسد بحجة اللاجئين، وكان لا بدّ من إعطاء إشارات إيجابية إلى المواطنين الأتراك بأنّ هذا الملف غير مهمل من الرئاسة التركية، بخلاف ما تحاول المعارضة الإيحاء به.

وفي هذا الصدد ترى أنقرة أنّ خطوة النظام في إصدار “مراسيم عفو” هي خطوة دافعة نحو عودة اللاجئين، لكنّها غير كافية. وبرغم ذلك فإنها في المقابل ستظهر بعض المرونة في إيصال المساعدات إلى جميع المناطق السورية عبر معابرها الحدودية من دون انقطاع.

لكن يبدو أنّ نظام الأسد يفضل قذف هذا الملف إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية، خصوصاً أنّ الاجتماع الرباعي، إذا عُقد بداية شهر أيار (مايو) بحسب ترجيحات موسكو، سيسبق الانتخابات الرئاسية بنحو أسبوعين، وهي مهلة يستحيل من خلالها التقدم بملف اللاجئين، مع العلم أنّ نظام الأسد يراهن في ما يبدو، على تغيّر المشهد الداخلي التركي بشكل دراماتيكي، نتيجة “الرمادية” التي يتّسم بها مشهد الانتخابات الرئاسية المقبلة.

تلفزيون سوريا

————————

انتحار الحاكم العربي الأخير/ مضر رياض الدبس

صارت العروبة الأخيرة هُويةً أيديولوجية يمتطيها الحاكم إلى حيث يشاء! كأن هذا الحاكم العربي الأخير الذي عمَّر طويلًا لا يزال يستأنف مَصادرَ ذاتِه من دون تغييرٍ منذ بداية الدولة السلطانية. ولا يزال الحُكم السلطوي مفهومًا يعمل بثباتٍ ويمزج باقتدارٍ الهُويةَ والسلطة والوطن والكرسي: إنه بهذا المعنى الحاكم “الهُووي” الأخير وقد جَثَمَ طويلًا. واليوم، ثمة خوفٌ حقيقي يتسلل إلى قلوب الذين يُفكِّرون بمستقبل المنطقة العربية، خوفٌ من مآلات تراكم الإخفاق العربي الناتج من السياسات العربية الركيكة التي راكمها هذا الحاكم الأخير منذ البداية، وفي العقد الأخير بوجهٍ خاص. وكأنه خوفٌ من “بَرملة العرب جميعهم”، والبرملة من برميل، ولكن ليس أي برميل، إنه البرميل المُتفجِّر، ذلك العلامة المسجلة بحقوق ملكية حصرية للنظام السوري، والذي يحتاج استخدامه إلى ترخيصٍ من مطوِّره وتدريب. ميزة هذه البراميل، التي يرميها النظام السوري خبط عشواء، أنها تحرق الأرض تحتها وتقتل “أيَّ أحد”، من دون أي تسديدٍ أو تدقيق، إنها القتلُ لأجل القتل، الشرُ لأجل الشر، وإنها أداة الحرب للدمار والقتل فحسب، لا الحرب لتحقيق أهدافٍ استراتيجية يقاس بوساطتها النصر، إنها القتل لأجل السلطة، ونوعٌ أكثر توحشًا من سياسة الجثث (The Necropolitics): إنها نيكروسياسة البراميل (Necropolitics of Barrels). وليس البرميل أداة قتلٍ فحسب، لكنه فائضُ أدرينالين الحاكم العربي “الهووي” الأخير، فائضٌ من نوع “الأسد أو نحرق البلد”، أو فائضٌ من لا إنسانيةٍ مٌمنهجة تراكمت طبقاتها منذ سنوات. بَرمَلَةُ العرب، هي فائضُ أدرينالينٍ من النوع نفسه، فعندما لا تتعين البرملة في صورة برميلٍ متفجر، قد تتعين في تطوير جهاز دولة لا يصلح إلا للتدمير، أو في آلة “حربقة” وتذاكٍ سياسي مبتذلة، أو في تطبيعٍ مع الإجرام ومد اليد للمجرمين المُؤسسين مثل الطغمة الحاكمة في سوريا؛ فتعريب سوريا الأسد يعادل موضوعيًا “بَرمَلَة العرب كلهم”. والبرملة هي الصيغة المنحطَّة لآلة الحرب، وهي آخر ما وصل إليه الحاكم “الهووي” الأخير، وآخر السرديات التي تقدمها إلينا الدولة السلطانية المعاصرة التي تعمل باسم الهوية المقدسة التي “تخلقها الواقعة الوطنية المزيفة”.

أصَّلَ الحاكم “الهووي” الأخير الركاكةَ في الحكم، ثم صان الركاكة بالقوة، وبانحطاط الدولة الأمنية القيمي، واحتال على الديمقراطية باسم “الوطنية” بعد الثورات العربية، وعلى المَلكيِة باسم الرفاه والتطوير. وثمة بعض استثناءات لهذه القاعدة الراهنة من طرائق التفكير في الحكم العربي، ولكنها قليلة جدًا، ويبدو أنها متعبة وباتت متوحدة في وسطها العربي، بل بات ينبغي أن تفكر في حماية نفسها من الغدر “الهووي”.

ومع هذه التوجهات الكارثية كلها، تحوّلت الجامعة العربية من واقعة مثيرة للضحك، إلى واقعة مثيرة للخوف، ولكن، ثمة شيء إيجابي في كل شيء، حتى الكوارث الكبرى لا تخلو من شيءٍ إيجابي؛ فمع أن الألم، ونتيجة الركاكة، يطغى على كل شيء عربي آخر، ومع أن المرء العربي يشهد متحسرًا مجروحًا في القلب هذا الانهيار الأخلاقي الكبير عندما يهرول العرب إلى السفاح السوري مثلًا، وعلى الرغم من خيبة الأمل، والإخفاقات السياسية العربية المتكررة منذ منتصف القرن الماضي في أقل التقديرات، إلا أن شيئًا إيجابيًا يمكن رؤيته في كل ذلك، وهو أن الحاكم “الهووي” الأخير ينتحر مُعلنًا انتهاء حقبة الحاكم الكلاسيكي الذي عرفناه منذ فجر الدولة السلطانية.

ثمة شيء إيجابي في أن يذهب الحاكم العربي إلى العصابة الحاكمة في سوريا مُصافحًا، مع أنه ذهابٌ قاسٍ على الوجدان العربي الحي، وعلى وجدان السوريين غير العرب أيضًا الذين يأملون بموقفٍ أخلاقي إنساني من الجامعة العربية إزاء مآسيهم، الإيجابي هو أنه بهذا الذهاب لا يفعل شيئًا إلا الانتحار. إنهم ينتحرون بوصفهم حكامًا لا يزالون يحكمون بالأيديولوجيا وبالهُوية المغلقة الخائفة المتكورة على ذاتها. وليس كبتاغون النظام السوري أداةَ هذا الانتحار، ولا الكيماوي، أو التعذيب، أو البرميل، أو حفار القبور، أو حفلات قتلٍ مثل التي حصلت في التضامن، أو غيرها من وسائل قتل السوريين التي تهدد وجود العرب الأخلاقي ومن ثم الحيوي؛ بل أداته الذات الحاكمة نفسها: إنه انتحارٌ بالمآل الحتمي لاكتمال الدولة الشمولية التي يتمثل تحققها داخل دولة انتحارية، كما حددها دولوز وغاتاري. قد نطرح أن هذه الانتحارية في الحالة العربية نوعٌ من انتحار الحاكم “الهووي” الأخير. ما نريد أن نقوله بصورة مباشرة وواضحة هو الآتي: يعني انفتاح بعض الحكام العرب على النظام السوري أنهم ينتحرون، وهذا الأمر إيجابي، ليس لأنهم ينتحرون، فليس للمرء أن يرى في الانتحار نفسه شيئًا إيجابيًا، بل هو شيءٌ يحزن المرء لوقوعه حزنًا شديدًا، ولكن الإيجابية هي أن هذا الانتحار قد يفتح أمام الشعوب العربية أفقًا لحياةٍ أفضل. إن الحاكم العربي الأخير لا ينتحر بالنظام السوري إذا هرول إليه – فالنظام أجبن من أن يقتله لأنه لا يستقوي إلا على السوريين السلميين العزل – لكنَّه ينتحر بذاته: بجرعةٍ قاتلة من الأدرينالين الذي لم تنجح محاولات تفريغه بعد.

التطبيع مع النظام السوري ليس سلوكًا سياسيًا، وليس ظاهرةً سياسية تخضع للعلوم السياسية، لكنَّه ظاهرةٌ أدريناليَّة تؤدي إلى تصرفاتٍ تبدو منطقيةٍ، ولكنها من دون تفكير؛ فالأدرينالين لا يعطي للمرء فرصةً للتفكير البارد. ولذلك إن هذا التطبيع منطقٌ من دون عقل: يعني ذلك أن هذا التطبيع مثل الانتحار، له أسبابه المنطقية التي يدركها الأطباء والمراقبون، ولكن يجهلها المنتحرون الذين يسيرون بمنطقيةٍ إلى حتفهم من دون عقلٍ يُفكِّر بما يفعلون. ويبدو غياب التفكير المتزامن مع صدمة أدرينالينٍ سلطوي عند الحاكم العربي الأخير هو الأمر المنطقي جدًا في هذه المعادلة. التطبيع نتيجةٌ من نتائج فائض الأدرينالين الذي طوَّره الحاكم العربي الأخير في رد فعلٍ غير واعٍ على دفق الحرية العظيم، دفق التنوع والتفكير الذي أتى مع الثورات العربية منذ 2011، الذي دشن عصرًا جديدًا للواقعة الوطنية أعلى منزلةً من عصر الأيديولوجيا والهوية الثابتة المُقدسة وطاعة الحاكم. وبهذا المعنى، كانت لحظة 2011 لحظةَ إبداعٍ من إبداعات الإنسان الأعلى (der Übermensch) – بتعبيرات نيتشه – إنها لحظة إبداعِ العربي العادي، بوصفه العربي الأعلى الذي يرى العروبة فضاءً روحيًا وثقافيًا، أوسعَ من هوية مغلقة ثابتة، ومن أيديولوجيا قومية “هووية”. ولذلك كله، نطرح على الراكضين إلى البرميل بشكل جماعي سؤالًا قد صاغه نيتشه أيضًا ذات مرة: ماذا فعلتم كي تتجاوزوا ذواتكم ولو مرةً واحدة؟ هل حقًا لا تزالون تريدون أن تكونوا الجَزر في هذا الدفق العظيم؟

—————————-

الانفصال عن الواقع شراكة في الجريمة/ يحيى العريضي

داء الانفصام ما زال يضرب أطنابه في منظومة الاستبداد وأبواقها، إذ رأوا في كارثة الزلزال بوابة خلاص انعكست على ملامحهم وسلوكياتهم إثر تدفق المساعدات والتواصلات؛ لتزداد نشوتهم مع موجة التطبيع التركية والعربية مترافقة برفع مؤقت لبعض العقوبات، فتصل الأمور برأس المنظومة أن يفرض شروطاً على التطبيع المُغري مع تركيا، لإحساسه بالاندفاع العربي تجاهه.

يقابل نشوة نظام الأسد وانفصامه هذا واقعٌ طالما دأب على القفز فوقه؛ فالبلد ممزق بجملة من الاحتلالات، وما دمّره يحتاج مئات مليارات الدولارات لترميمه، ومعتقلاته تعج بآلاف المعتقلين والمغيبين قسرياً، وأكثر من نصف سكان سوريا لاجئين داخلاً وخارجاً، واقتصاد البلد وبنيتها التحتية في حالة دمار شبه شامل، والعقوبات مثبّتة بقوانين قيصر والكبتاغون، والديون للمحتل (كثمن للبقاء) تحتاج ميزانية الدولة لقرن كامل، ومنظومة السلطة ليست أكثر من عصابة تعيش على عائدات الكبتاغون، والفقر يضرب أطنابه في سوريا.

طالما كان وما يزال هاجس منظومة الاستبداد البقاء في السلطة، راقها وَهْمُ استنفاع القضية السورية، حيث تجد نفسها بأمان تعيش على ريع الكبتاغون، وحاضنتها تزداد خضوعاً، والبلد يفرغ من قاطنيه؛ وإيران وروسيا وميليشياتهما تتغول بالديموغرافيا والمصير السوري؛ وقادة الكيان الصهيوني بغاية السرور فهناك مَن يفعل بسوريا وشعبها ما عجزت إسرائيل عن إنجازه لعقود.

زاد في مكابرة المنظومة وتوهمها وانفصامها ما بدا عزوفاً لقوى سياسية عالمية عن القضية السورية، وانشغال العالم بالحرب الأوكرانية، ابتداءً من الأمم المتحدة التي يعمل مبعوثها على هوى المنظومة وحُماتِها بعدم تسمية الأمور بمسمياتها وعدم إفصاحه عن مسؤولية النظام السوري عن عرقلة العملية السياسية. وهذا حال لن يدوم، لأنه قد ينهي المنظمة الدولية ذاتها.

زد على ذلك توهم المنظومة بأن أميركا التي اكتفت بتحريك خيوط مسرح العرائس الدامي من الخلف، وتطلب منها فقط “تغيير سلوكها”، قد أدارت الظهر للقضية السورية. وهذا وهم إضافي، فأميركا قد تدير ظهرها لأية جغرافيا إلا لتلك المنطقة الحساسة استراتيجياً..

أما بخصوص وهم منظومة الاستبداد تجاه عدوها الأساس: الثورة واللاجئين والمعارضة والمعتقلين، حيث لا ترى فيهم إلا حالة خيانة وارتزاق وعَمَالة؛ معتبرة المعارضة مبعثرة ومنشغلة بالتوترات البينية والاعتماد على الخارج (وربما تكون محقّةً بذلك)؛ والثورة فورة عابرة سرعان ما ستخمد، والنازحون مجرد هاربين، خرجوا بسبب إرهاب “داعش” أو بسبب الارتزاق، والمعتقلون ليسوا إلا خونة أو إرهابيين؛ فهذا “الوهم” -لا غيره- سيكون سر نهاية هذه المنظومة.

فجأة حالة استنفاع القضية السورية، التي راقت لمنظومة الاستبداد تتبدد، وتحضر القضية بقوة على المسرح الإقليمي والدولي؛ ولكن انفصام النظام يستمر ليرى ويفسر أن كل ما يتم من انفتاحات وزيارات وتخفيف عقوبات على أنه مجرد رضوخ؛ وبأنه على حق؛ وانتصر؛ والعرب والعالم يعودون صاغرين إليه.

أخذ السائرون إلى التطبيع من حالة الجمود هذه؛ ومن استباحة البلد وتبعثره؛ ومن مأزوميات إيران في داخلها، وروسيا في أوكرانيا؛ ومن فتور العلاقة مع واشنطن (وربما نكاية بها)؛ ومن تعثر المعارضة والثورة السورية أسباباً ودوافع وذرائع للولوج في القضية السورية. ومن هنا، وبعد أن ساقوا كل أنواع الحجج والذرائع اعتقدوا أن المواجهة المباشرة مع مَن يأخذ سوريا رهينة، وهو في أضعف حالاته تحت وطأة قوانين قيصر والكبتاغون والفقر والاستلاب للحامي، هي النهج الصحيح.

لا يهم السوريين – معارضةً وثورةً وشعباً – استمرار انفصام منظومة الاستبداد؛ فهذا أمر تعودوا عليه؛ ولكن يعنيهم وقوع الساعين للتطبيع في الداء ذاته، لأن لذلك نتائج مدمرة تزهق حقوق السوريين، وتجعل الساعين للتطبيع شركاء في الجريمة، حتى وإن لم يقصدوا. الواقع و”الواقعية السياسية” تقول باستحالة عودة سوريا إلى ما قبل ٢٠١١، ومنظومة الأسد ليست الحل بل المشكلة، وما التطبيع معها قدر لا بد منه، وصنبور الكبتاغون سيُقفَل حال البدء بتفعيل القانون خلال أسابيع قليلة.

هناك انفصال عن الواقع في اختصار الشعب السوري ومعاناته لسنين بمعارضة فشلت في إزاحة الأسد ومنظومته الإجرامية. ذاك الفشل ليس مقتصراً على بؤس المعارضة وتعثر أدائها، بل بتدخل أيدٍ عابثة خذلتها وخنقتها وسدت الآفاق في وجهها؛ ولا يستطيع المطبعون استثناء أنفسهم من ذلك.  لم تقد السوريين معارضة وما كان الأسد بوضعه الحالي الهش عندما انطلقت ثورتهم. ومن هنا، فإن اعتباره أمراً واقعاً، ولا بد من التعامل معه، ليس إلا استبدال قاتل بشعب.

هناك انفصال عن الواقع بألاّ ترى استحالة فصل أو فصم منظومة الاستبداد عن منظومة ملالي طهران؛ فالواحدة منهما شرط وجود الآخر؛ ولا يمكنك إبعاد أحدهم بالالتصاق بالآخر، بل ببتر واحد، لينتهي الآخر. أضف إلى ذلك أن القرارات الدولية بين يديك والقوانين الخانقة موجودة؛ فلا يجوز أن تكون تلك القرارات إلا خارطة الطريق وشرط التطبيع، إذا أردت النجاح عبر “الواقعية السياسية”. فالواقعية تستلزم استراتيجة بعيدة عن الأوهام ومخادعة الذات والآخرين.

هناك انفصال عن الواقع إن لم يكن هناك معالجة حقيقية صادقة فاعلة لتبعثر سوريا تحت جملة احتلالات وميليشيات، ولقضية المعتقلين والمغيبين قسراً في معتقلات العصابة، ولدمار سوريا الذي يحتاج لمئات المليارات لإعادة بنائه، ولقوانين العقوبات والديون التي ترزح سوريا تحتها، ولعودة أكثر من نصف سكان سوريا إلى بيوتهم؛ والأهم من كل ذلك الانطلاق من حقيقة أن مَن تسبب بكل المآسي أعلاه هو منظومة الاستبداد الأسدية.

وغير ذلك فإن مَن يطبّع ليس فقط منفصماً وبعيداً عن الواقع، بل يفعل ما يفعل عن سابق إصرار وتصميم، وبذا يكون شريكاً في جرائم المنظومة باعتبار أن التطبيع يشرعنها ويساعدها على التهرّب من المسؤوليّة القانونيّة عن تلك الجرائم، ويمكِّنهُا من الإفلات من العقاب، ويوصد الباب على أي إمكانية للمحاسبة. وإذا كانت أول ثمار خطوات التطبيع الاقتلاع القسري للاجئين سوريين في لبنان كانت ميليشيات حزب الله قد احتلت منازلهم في سوريا؛ فبئس هكذا خطوات مسمومة.

معروف أن المطبعين واقعيون جداً تجاه مصالح بلادهم، وهذا ممتاز، وحق طبيعي لهم؛ ولا نسمح لأنفسنا التدخل بذلك؛ ولكن عندما تتضمن مقارباتهم لقضيتنا أمراً يؤذي السوريين بالصميم، ويزهق حقوقهم، فليسمحوا لنا بإيضاح ذلك، ورفضه، وهذا حقنا. خارطة الطريق يحملها “القرار ٢٢٥٤”، وهو بيدهم؛ فليعلن نظام الأسد التزامه بتطبيقه الحرفي، أو على الأقل، ومن باب الاختبار، ليسمح بلجنة تفتيش دولية – حتى مِن الدول الساعية للتطبيع – أن تزور معتقلاته، وتقدم تقريراً عن حالهم وعددهم؛ وسنرحب بخطواتهم.

————————-

السوريون والشعور العام بالخذلان/ عبد الناصر الجاسم

لعل القاسم المشترك الأسوأ بين السوريين اليوم هو شعورهم العام بالخذلان وبأنهم باتوا منسيين من حسابات العالم بأسره، حيث لم يعد يفكّر أحد في إيجاد حل لقضيتهم الكبرى إلا من خلال مشاريع دولية وإقليمية أو طائفية أو حزبية أو إيديولوجية نفعية، والسؤال الذي يطوف على شفاه السوريين ويختمون أو يفتتحون به حواراتهم هو: لماذا نواجه كل هذا التخلي، حتى من أبناء جلدتنا؟ من الذي خذل السوريين وكيف؟

إن أوّل من خذل السوريين هو سقف توقعاتهم من النظام الحاكم، حيث اعتقدوا بأنهم يعيشون في ظل دولة وسيتم التعامل مع انتفاضتهم كيفما تتعامل الدول بأدواتها مع شعوبها عبر الاستماع والتفاوض والحوار، وكان كلما استخدم النظام أداة من أدواته بالقمع والتهديد والتخويف ينزاح جزء من القناع، وما إن انقضى العام 2012 حتى سقطت ورقة التوت وتبيّن للسوريين عامة بأنهم محكومون من قبل عصابة أشرار ولا مكان لمفهوم الدولة في منظومتهم.

وثاني من خذل السوريين هي منظومة المجتمع الدولي التي تسوّق وجودها تحت شعارات القيّم الإنسانية البرّاقة مما جعل السوريين يعتقدون بأن قضيتهم العادلة أصبحت قضية عالمية بعد إراقة أول قطرة دم على مذبح المطالبة بالحرية، وبعد أن أصبح عدّاد القتلى في سوريا يُحسب بالآلاف منذ إطلاق قوات النظام النار على المتظاهرين لأول مرة في شهر آذار عام 2011، فضلاً عن مقتل أكثر من 1300 شخص منذ بدء مهمة مراقبي الأمم المتحدة في 14 نيسان 2012، وكانت أحد أبرز نقاط الضعف الرئيسية في مهمة المراقبين الدوليين عدم وجود تفويض للمراقبين لرصد انتهاكات حقوق الإنسان والتحقيق فيها، بما في ذلك جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.

وفشل المجتمع الدولي في تحمّل مسؤوليته في اتخاذ إجراءات سريعة وحاسمة لحماية الشعب السوري من الفظائع الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وانتهاكات حقوق الإنسان واسعة النطاق التي ارتكبها نظام الأسد وبدعم من روسيا وإيران، وقُتل مَن قُتل ونزحَ مَن نزح وهاجر مَن هاجر، وبدا واضحاً للعيان عجز مجلس الأمن الدولي في الحصول على تفويض استخدام القوة لحماية السكان السوريين، وذلك بسبب الانقسامات العميقة بين روسيا والغرب، والمصالح الجيوسياسية للدول القوية والتوافق الروسي والصيني على استخدام حق النقض ضد أي مشروع قرار في هذا السياق، وغاب البعد الأخلاقي عن التأثير بحجة البعد القانوني و التنظيمي لصناعة القرار.

بعد فشل المجتمع الدولي في حماية السوريين اختاروا طريق الفرار من الموت عبر النزوح أو اللجوء، وأصبحت أزمة اللاجئين السوريين تمثل أكبر أزمة لاجئين في العالم، إذ يعيش 13.1 مليون سوري في حالة تهجير بين نازح داخلياً وطالب لجوء ولاجئ، وإلى جانب الظروف المعيشية القاسية ونقص الموارد المالية والخدمات الأساسية يواجه اللاجئون السوريون قوانين تمييزية ومعايير مزدوجة في البلدان المستقبلة ولاسيما في المحيط الإقليمي.

كان المجتمع الدولي متردداً في التدخل خوفاً من أن تكون عواقب العمل أسوأ من عواقب التقاعس عن العمل نظراً لتعقيد الوضع داخل سوريا وخارجها، والعواقب غير المقصودة المفترضة التي ربما تظهر، لا سيما عندما يكون هناك خلاف حول تكاليف وفوائد الاستجابة القسرية سواء كان للتصرف أم عدم التصرف، والصراع الدائر في سوريا كان له تداعيات دولية وإقليمية: إقليمياً من خلال زعزعة استقرار الشرق الأوسط، دولياً من خلال خلق مشكلات في أوروبا وخارجها، وداخلياً من خلال التسبب في خسائر فادحة من الأرواح وبعض الأضرار الجانبية غير المقصودة الناتجة عن الفشل في الحماية في سوريا مثل تقليل احترام حقوق الإنسان بشكل عام في المستقبل، فضلاً عن التحديات التي تواجه استقرار الشرق الأوسط وأوروبا وسياسات اللجوء وسياسات مكافحة الإرهاب.

وثالث مَن خذل السوريين هو محيطهم العربي والإقليمي، حيث ساهمت دول هذا المحيط بتشتيت قوى المعارضة وإضعاف دورها من خلال دعم بعض الفصائل والجهات التي تخدم اتجاهاتها مما جعل من سوريا دولة مشتتة جغرافياً ومنقسمة سياسياً، واستمرت هذه الأنظمة بلعب دورها الجديد في مواجهة وتطويق الثورة وقيادة مبادرات التطبيع مع النظام ومحاولة إعادة إنعاشه وتعويمه على بحر من مظالم السوريين ومواقفهم وكرامتهم وجراحاتهم.

ورابع مَن خذل السوريين هي المعارضة السياسية والمتمثلة في بعض مؤسساتها كالائتلاف الوطني والحكومة السورية المؤقتة وهيئة التفاوض واللجنة الدستورية وبعض الأجهزة التنفيذية في شمال غربي وشمال شرقي سوريا، حيث أنّ جميع هذه الجهات أثبتت فشلها الذريع في تمثيل مصالح السوريين الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.

وخامس مَن خذل السوريين هم أولياء المال في منظمات العمل الإنساني والإغاثي، إذ تشير إحصاءات بعض الناشطين السوريين بأن عدد المنظمات العاملة في سياق الشأن السوري تُقدر بالمئات، غالبيتها أسست قبل عام 2017، وتتوزّع بنسب مختلفة من حيث جبهات عملها ومشاريعها: 44٪ منها يعمل في مناطق المعارضة، 19٪ في مناطق “الإدارة الذاتية”، 14٪ في مناطق سيطرة النظام السوري، 23٪ خارج سوريا، وجميعها تعمل بصفة وكلاء أو شركاء محليين للداعمين بمختلف فئاتهم، وتجري عبر أوعيتها المالية والإدارية مئات الملايين من الدولارات، ومع ذلك لا يبدو واضحاً أين تذهب كل هذه الملايين لأن الاحتياجات ما زالت كبيرة في مناطق الاستهداف، ابتداءً من مستوى معيشة الناس والأمن الغذائي لهم ومروراً بالوضع الصحي والتعليمي وانتهاءً بالسكن والمأوى والتدفئة.

في الحقيقة لدى السوريين مبررات عديدة للاعتقاد بأنّ العالم خذلهم وخان قضيتهم عندما كانوا في أمس الحاجة إليه، حيث أدار لهم  ظهره منتهكاً معايير الحماية الإنسانية الدولية، وظهر لدى السوريين أن العالم يرى الكارثة الإنسانية في سوريا بعين واحدة، وظل صامتاً حتى بعد رؤية صور أطفال بأجساد عارية ترتجف ويختنقون بالأسلحة الكيماوية، ومن خلال اختيار عدم التحرك شرّع المجتمع الدولي استخدام الأسلحة الكيماوية ووافق أيضاً على قتل الشعب السوري وأظهر فشل مجلس الأمن والمنظمات الإقليمية في الدعوة إلى اتخاذ إجراءات متماسكة في سوريا.

ختاماً نقول هل سينعكس شعور السوريين بالخذلان إلى حقيقة أن لا أحد للسوري إلا مواطنه السوري، وأنهم قادرون على خلق القاسم المشترك الأمثل بينهم وهو التكامل والتعاون والتعاضد للوصول إلى حقهم العادل في الحياة.

————————-

ما الذي دفع الدول العربية لمقاطعة نظام الأسد؟/ إبراهيم الزبيبي

لم يكن يتوقع نظام الأسد أن تشتعل أي ثورة ضده في آذار 2011 مع انطلاق الثورات في العالم العربي، إلا أنه اتخذ قرار الحرب ضد السوريين، وارتكب بحقهم جرائم وصلت إلى “إرهاب دولة” وسجل ممتلئ بانتهاكات حقوق الإنسان.

في تشرين الثاني 2011 انطلقت المبادرة العربية “لحل الأزمة السورية”، في حين رد عليها نظام الأسد بتعنّت ومماطلة وتهرّب كحاله في التعامل مع جميع المبادرات التي كانت تطرح لوقف شلال الدم المراق في شوارع سوريا.

تجميد عضوية سوريا

جُمّدت حينذاك عضوية سوريا في الجامعة العربية بأغلبية ساحقة من دول الجامعة، إلى حين قبول النظام وتوقيعه على بروتوكول إرسال مراقبين عرب إلى البلاد، غضب النظام من ذلك وأوعز إلى شبيحته ومؤيديه باقتحام سفارات قطر والسعودية في دمشق، وأصرّ على عدم التوقيع مما دفع الدول العربية لفرض عقوبات اقتصادية عليه.

دعت الدول العربية لمبادرة جديدة لإجراء حوار سياسي مع المعارضة بهدف تشكيل حكومة وحدة وطنية، وطالبت رئيس النظام بتفويض نائبه للتفاوض مع الحكومة الوطنية ثم إقامة انتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة. رفض نظام الأسد ذلك بالطبع واعتبره تدخلاً في شؤونه وانتهاكاً لسيادته.

سحبت المملكة العربية السعودية بعثتها من لجنة المراقبين العرب، وأعلن وزير الخارجية السعودي يومها سعود الفيصل قائلاً: “نحن لن نقبل بأي حال من الأحوال أن نكون شهود زور، أو أن يستخدمنا أحد لتبرير الجرائم المرتكبة بحق الشعب السوري”.

وفي شباط 2012 قررت السعودية ومعها دول الخليح طرد سفراء نظام الأسد وسحب سفرائهم من دمشق احتجاجا على تصاعد الحملات الأمنية والعسكرية التي يشنها النظام على الشعب السوري، وصولا إلى إغلاق سفارتها في دمشق وسحب كافة الدبلوماسيين والعاملين فيها.

وفي آذار 2013 شغل معاذ الخطيب رئيس الائتلاف الوطني السوري حينذاك مقعد سوريا في اجتماع القمة العربية بعد دعوة أمير قطر المعارضة السورية لشغل المقعد، وكان الاجتماع الأوحد قبل أن يبقى مقعد سوريا شاغراً طوال تلك السنين وحتى اليوم.

توالت بعدها المؤتمرات الدولية والمبادرات والمقترحات، وازداد نظام الأسد في تعنّته وعدم استجابته لأي طروحات أو قبوله بأية مبادرات، بل ورد عليها جميعا بمزيد من عمليات الاعتقال والقتل والتدمير.

وفي تشرين الثاني 2021 قال المندوب السعودي الدائم لدى الأمم المتحدة عبد الله المعلمي في كلمته أمام الجمعية العمومية: “لا تصدقوهم إن قالوا أن الحرب قد انتهت ولا حاجة لقرارات الأمم المتحدة، لا تصدقوهم فالحرب لم تنته بالنسبة لـ 2000 شهيد أضيفوا هذا العام لقائمة الشهداء الذين يزيد عددهم على 350 ألف شهيد”.

وأضاف المعلمي: “لا تصدقوهم إن وقف زعيمهم فوق هرم من جماجم الأبرياء مدعياً النصر العظيم، فكيف يمكن لنصر أن يُعلن بين أشلاء الأبرياء وأنقاض المساكن.. وأي نصر هذا الذي يكون لقائد على رفات شعبه ومواطنيه؟”

وأكّد على أن نظام الأسد هو “أول من فتح للإرهاب أوسع الأبواب عندما أدخلوا إلى بلادهم حزب الله الإرهابي زعيم الإرهاب في المنطقة والمنظمات الطائفية القادمة من الشرق”.

التهديد الإيراني للعرب

في وقت مبكر بُعيد انطلاق الثورة السورية تدخلت إيران وميليشياتها الطائفية متعددة الجنسيات، وميليشيا حزب الله اللبنانية واصطفوا مع نظام الأسد في حربه على المناهضين لحكمه. وتمركزت هذه الميليشيات أو حاولت في المناطق الحدودية وسهّل لها نظام الأسد ذلك، وعملت حثيثاً على تغيير تركيبة السكان الديموغرافية، لصالحه وصالح إيران وميليشياتها.

دعم نظام الأسد ميليشيات الحوثي في اليمن، درّب بعضاً منهم، ووقف معهم سياسياً وعسكرياً على اعتبار أنهما (نظام الأسد وميليشيا الحوثي) امتداد لمشروع واحد كاره للعرب وتاريخهم ترعاه إيران منذ سنوات.

 تلك الميليشيات التي قصفت دولا عديدة من الخليج العربي واحتلت بعضا من جزره سابقاً، وعملت وتعمل دائماً على إثارة الفتن والقلاقل في دوله محاولة إيجاد نفوذ دائم لها.

لم تكن إيران تهادن في معركتها مع العرب في سوريا أو اليمن أو الخليج، حيث غزت تلك الدول انطلاقاً من سوريا ولبنان بالمخدرات.

يوجد مئات مصانع الكبتاغون في سوريا، برعاية مباشرة من النظام وإيران وحزب الله وتهرب براً وبحراً وجواً إلى دول الجوار والخليج بشكل خاص وبقية دول العالم عموماً محققين أرباحاً مهولة وأموالاً لا تحصى.

ومع كل الجرائم والفظائع التي ارتكبها ويرتكبها نظام الأسد حتى اليوم، وتهديده الأمن والسلم الدوليين بل ودعمه لروسيا في حربها على أوكرانيا، أو دعمه لجبهة البوليساريو الانفصالية في المغرب، وإغراقه العالم بالمخدرات، ما زالت تخرج أصوات وصيحات تنادي بضرورة إعادة الأسد للجامعة العربية والتطبيع معه، أو إقامة حلول جزئية مع نظامه متجاوزين كل القرارت الدولية التي نصّت بصراحة على حق الشعب السوري بتقرير مصيره واختياره هو لمن يرأسه.

وتأتي زيارة المقداد وزير خارجية النظام إلى السعودية، وزيارة وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان إلى دمشق، في ذات السياق الذي مازال السوريون حتى اليوم يقولون بأنه مسار عبثي لا يمكن أن يفضي لنتيجة، وأن التطبيع المجاني مع نظام الأسد لن يزيد الأوضاع إلا سوءاً وتدميراً في سوريا ودول الجوار، وأنه لن يعيد اللاجئين المنتشرين في كل دول العالم إلى بيوتهم أو مناطقهم التي يسيطر عليها النظام، بل ويُمعن في فقدانهم لأي أمل بالخلاص أو الاستقرار.

أين تكمن المشكلة؟

وفي الجواب عن السبب الذي دفع العرب للقطيعة مع النظام السوري؟ يكون الأمر بسيطاً بالعودة إلى البيانات اليومية والإحصاءات الحقوقية لمنظمات دولية مرموقة. النظام ارتكب جرائم حرب، وعمليات إبادة جماعية، وصنف بأنه نظام مارق، واستخدم أسلحة محرمة دولياً، وأكبر تاجر مخدرات في العالم.

لهذا السبب قطعت الدول العربية والغربية العلاقات معه، فلا يمكن أن تمر تلك الجرائم دون محاسبة أو تحقيق العدالة للضحايا الذي قدروا بمئات الآلاف، وأن تعود المياه لمجاريها في خضم حسابات ضيقة أو حسن نية للتقارب مع نظام اعتاد العالم والسوريون على كذبه في نشرات الطقس.

مؤخراً أكّد رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني أن “الأسباب التي دفعتنا لدعم تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية لا تزال قائمة”، ما يقصده رئيس الوزراء القطري أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتم تجاهلها أو نسيانها، وخصوصاً أن قصف نظام الأسد وجرائمه الكثيرة لم تتوقف إلى الآن حتى بعد كارثة الزلازال الأخيرة في 6 شباط بسبب طبيعته الإجرامية متعاوناً مع حلفائه من الدول المارقة والميليشيات الإرهابية.

والمصيبة أن الدول اللاهثة للتطبيع مع النظام السوري لن تستفيد بل ستعطي سوريا للإيرانيين والروس على طبق من ذهب دون أي فائدة تذكر، خصوصاً في خضم العقوبات الغربية والأميركية المفروضة عليه.

من ناحية السوريين، يعد ذلك اختراقاً للموقف العربي لصالح إيران، إلا أن اللاجئين والمهجرين ومن بقي في المناطق المحررة ما زالوا على موقفهم ضد التطبيع ومساراته، وأن عقارب الساعة لا ولن تعود إلى الوراء.

————————-

على الجهة الأخرى من مجرى التطبيع مع نظام الأسد/ أحمد عيشة

في الوقت الذي يتسارع فيه مجرى التطبيع مع نظام الأسد من قبل عدة دول عربية إضافة إلى تركيا، لأسباب مصلحية وتحت مزاعم يصعب تحقيقها، ثمة عمليات معلنة وغير معلنة، وخاصة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، بموازاة مساعي التطبيع تلك.

وأساس مسعى جماعة التطبيع “الانسحاب” الأميركي السياسي من المنطقة، وعدم التعامل الجدي مع مشكلاتها التي تشكّل إيران جزءاً مهمّاً منها، هذا الانسحاب الذي وفّر فراغاً لكل من روسيا وإيران ومؤخراً الصين لشغله، وهو ما جعل الولايات المتحدة تعيد النظر بسياستها في المنطقة، وخاصة بعد تنامي الدور الإيراني وما يشكّله من تهديد لمصالحها ومصالح أصدقائها في المنطقة.

كان تعامل الإدارة الأميركية في عهد أوباما، مع استخدام نظام الأسد للأسلحة الكيمياوية عام 2013 وتجاوزه “الخط الأحمر”، نقطة التحول والتراجع الأميركي في المنطقة وبعملية التحول الديمقراطي فيها، هذا السلوك الذي لم تبتعد عنه الإدارات اللاحقة إلا بأمور جزئية، وهو ما كان إشارة واضحة لروسيا للتصرف في سوريا ولتدخلها العسكري المباشر اللاحق عام 2015، الذي عمل مع إيران على استعادة كثير من الأراضي التي خسرها نظام الأسد، وألحق هزيمة بقوى المعارضة وجعل من فكرة إطاحة نظام الأسد أمراً منسياً. ونتيجة لذلك، أعادت روسيا تشكيل العملية الدبلوماسية كبديل عن القرار (2254) بطريقة تتفق مع أهدافها السياسية والعسكرية، فكان سوق المبادرات.

أولى المبادرات التي خرجت بضغط من روسيا ونتيجة الوقائع التي فرضتها على الأرض، كانت مبادرة أستانا، مع كل من تركيا وإيران، هذه المبادرة التي دخلت بجولات مكوكية كان من نتيجتها الواضحة تثبيت مناطق النفوذ الحالية. وكونها لم تحقّق ما أرادته روسيا منها، سعى بوتين في اجتماع عقد في 5 آب/ أغسطس 2022 مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في منتجع سوتشي، إلى إقناع ضيفه بإعادة الاتصالات المباشرة مع الأسد. ورغم معارضة أردوغان لمثل هذه الخطوة في البداية، فإنه رضخ تدريجياً لهذا الطلب، وأعلن بدء مسيرة التطبيع مع سوريا، التي بدأت بلقاءات أمنية وعسكرية ومؤخراً سياسية، لكن سرعان ما كشفت عن تباعد في الرؤى والغايات من التطبيع.

لا تريد الدول العربية، وخاصة الخليجية حتى بعد تحسن علاقاتها مع تركيا، أن تبقى بعيدة عن مجرى التطبيع هذا، فعدا استئناف العلاقات الثنائية التي بدأتها الإمارات، سارعت السعودية إلى طرح مبادرة لإعادة نظام الأسد لجامعة الدول العربية، من خلال إيجاد حل ما للوضع الكارثي في سوريا.

وتنطلق المملكة في مبادرتها من عوامل عديدة أهمها العلاقة المتوترة نسبياً مع الولايات المتحدة وخاصة مع الإدارة الحالية التي تعهدت بنبذ المملكة وولي عهدها، وموقفها تجاه اليمن وضربات الحوثيين، والأهم من ذلك رغبة المملكة بلعب دور إقليمي وسط التقلبات في النظام الدولي، وخاصة بعد تنامي الدور الروسي والصيني في المنطقة كحليفين لعموم أنظمة الاستبداد، هذا الدور الذي يشجع على ابتعاد المملكة عن الغرب كهدف رئيسي له.

تدرك كل من تركيا والدول العربية أن إيران هي العائق الأساسي أمام أي عملية تسوية، مهما كان شكلها، في سوريا، وذلك نتيجة اختلاف المصالح البينية من جهة، ولطبيعة مشروع نظام الملالي في سوريا الذي يريد تحويلها إلى منطقة نفوذ خاصة به، بعد تغلغلها إلى عمق المجالات السياسية والثقافية والاقتصادية في سوريا، بالإضافة إلى التسلل إلى الأجهزة العسكرية والأمنية السورية، وخلق ميليشيات طائفية كقوى موازية وحاكمة في بعض المناطق السوريّة. فبعد تراجع حدة القتال في الأعوام الأخيرة، باشرت طهران في استراتيجية تشييع منهجية للمجتمع السوري، وذلك لدمج البلاد في “الهلال الشيعي” الذي يمتد من إيران عبر العراق وسوريا ولبنان وصولاً إلى البحر الأبيض، كمقدمة لانتزاع سوريا من انتمائها العربي وإلحاقها بمشروع الملالي.

على الجهة الأخرى من مجرى التطبيع، وهي جهة مهمة وحاسمة، الولايات المتحدة وإسرائيل، فرغم “الانسحاب” المؤقت من المنطقة فإنها ما تزال منطقة نفوذ تقليدية لها، فنظام المنطقة الدفاعي أميركي، إضافة للعلاقة المتشعبة على كل المستويات مع دول المنطقة. والأهم من ذلك السعي الإيراني إلى الحصول على سلاح نووي، هذا الأمر الذي ترفضه بالمطلق إسرائيل، التي لا توفر أي فرصة لتوجيه ضربات للوجود الإيراني في سوريا.

وتشير الوثائق المسربة حديثاً من البنتاغون إلى أن إسرائيل طلبت “دعماً أميركياً موسعاً للأنشطة الإسرائيلية المضادة لإيران مقابل المساعدات الفتاكة لأوكرانيا”. وسبق أن أجرت الولايات المتحدة وإسرائيل، في كانون الثاني من هذا العام، أكبر مناورة عسكرية مشتركة بينهما في التاريخ، وهي مناورة قيل إنها تحاكي غارات جوية على مواقع نووية إيرانية.

والأمر الآخر هو توافد حاملة الطائرات جورج دبليو بوش إلى البحر المتوسط في بداية هذا الشهر، تلتها بعد أيام الغواصة “فلوريدا”، حيث توفر تلك الأسلحة، في حال نشوب صراع بين إسرائيل وإيران، الإمكانية للوصول إلى كل الأهداف الإيرانية في عموم إيران، إضافة إلى أن حاملة الطائرات “بوش” توفر إمكانية الوصول لأهداف إيرانية شرقي سوريا، خاصة بعد العمليات التي وقعت بينهما مؤخراً في سوريا، وتصريح وزير الدفاع بأن ما جرى من ضربات لمواقع إيرانية ليست الرد الأميركي، ولنا الحق في الرد. وبالطبع يندرج قرار نقل إسرائيل من القيادة الأوروبية للجيش الأميركي إلى القيادة المركزية في الشرق الأوسط، ومركزها الخليج، بما يسهل التعاون العسكري ضد إيران، ضمن هذا التحضيرات والرسائل.

في ضوء هذا التصعيد والتحضيرات الأميركية الإسرائيلية في المنطقة، خاصة مع أزمة روسيا في أوكرانيا بعد مرور أكثر من عام على غزوها، ناهيك عن اختلافها مع إيران على تقاسم سوريا، يطرح السؤال: هل يمكن لأي مبادرة، أيّاً كانت، أن تنجح في سوريا، ولو بالحد الأدنى، من دون إضعاف النفوذ الإيراني فيها، وبالتالي يكون مصيرها مثل مصير القرار الدولي (2254) وبعدها أستانا، وخطوة بخطوة، تمرير الوقت والفشل في النهاية، أم هي مجرد تبادل رسائل بين الأطراف، لتحسين مواقعها التفاوضية ضمن عملية إعادة ترتيب النظام الإقليمي والدولي الجارية؟

بصرف النظر عن السماح لنظام الملالي بترسيخ وجودهم في سوريا أم لا، تبقى القضية الأهم هي أن سنوات من عدم إعطاء الولايات المتحدة الأولوية لسوريا والإذعان لروسيا في دعم نظام الأسد، الذي سمح لهذا الديكتاتور، الذي ارتكب أبشع جرائم الحرب، وحليفيه المارقين بالخروج “منتصرين”. وقد يفسر هذا موقف أصدقاء الولايات المتحدة، ما لم تغير من سياستها بشكل جدي تجاه المنطقة، وأولها تجاه نظام الأسد.

—————————–

“نضغط عليه بعد إعادته”.. أين وصل مسار التطبيع العربي مع الأسد؟

إسطنبول – خاص

انطلق قطار التطبيع العربي مع النظام السوري بشكل مباشر عام 2019، إلا أن خطورته بدأت الآن مع إقبال دول عربية كبيرة ومؤثرة عليه مثل السعودية، لتعويم بشار الأسد من جديد وإعادة شرعنة نظامه رغم كل الجرائم التي ارتكبها.

وخلال السنوات الماضية فشلت كل جهود إعادة النظام السوري إلى الجامعة العربية، بسبب عدم وجود إجماع عربي، وإصرار عدة دول على رأسها قطر والكويت والمغرب وحتى مصر و(السعودية سابقاً) على تنفيذ قرار مجلس الأمن 2254 الذي يعد مرجعية سياسية للتفاوض مع النظام بهدف التوصل إلى حل سياسي في سوريا برعاية أممية.

فاجأت المملكة العربية السعودية الجميع بخطوة التطبيع مع النظام السوري بعد قطيعة استمرت نحو 12 عاماً، وقفت الرياض خلالها إلى جانب المعارضة السورية ودعمتها ثم أوقفت كل ذلك بشكل كامل عام 2015، ودعمت نهاية العام نفسه جهود تأسيس هيئة عليا للتفاوض (مقرها الرياض) تضم جميع الفرقاء السوريين للتفاوض مع النظام في جنيف بغية الوصول إلى حل ينهي المأساة السورية.

الموقف الجديد للسعودية جاء بعد إعادة علاقاتها مع إيران برعاية صينية، في اتفاق يؤسس لمرحلة جديدة بين أكبر متنافسين إقليميين في المنطقة العربية والتي بدأت بالتطبيع مع النظام السوري ومفاوضات متقدمة بين الرياض وجماعة الحوثي في اليمن، إلى جانب ملفات عالقة مثل الملف اللبناني وما يخص الوضع العراقي والعلاقة التنافسية مع تركيا القوة الإقليمية الثالثة الصاعدة في المنطقة.

التطبيع لأجل التطبيع

وعلى الرغم من سعي دول عربية للتطبيع مع النظام السوري، إلا أن تلك الدول تريد ذلك مقابل العديد من الملفات العالقة مع النظام وفي مقدمتها الملف الأمني وضبط الحدود وإيقاف “تصدير الكبتاغون” الذي يغزو به النظام السوري وإيران دول الجوار والخليج العربي، وبالأخص السعودية، إضافة إلى فك ارتباط النظام مع إيران وعودته إلى الحضن العربي!

في حين أن التطبيع وتشابك المصالح واختلاف الرؤى بين الدول العربية المطبعة مع النظام فتحت خلافات حادة فيما بينهم، اتضحت معالمها عقب اجتماع وزراء الخارجية العرب الذي عُقد في 16 نيسان في مدينة جدة السعودية، لمناقشة إعادة مقعد “سوريا” في جامعة الدول العربية للنظام.

وقالت مصادر لتلفزيون سوريا، إن التطبيع السعودي مع النظام السوري لم يأخذ وقتاً طويلاً مع الرياض، حيث يوجد توجه في المملكة لتحقيق ذلك، يشمل إعادة مقعد الجامعة العربية للنظام.

وأضافت المصادر أن السعودية تريد التطبيع حتى من دون وجود خطة عمل استراتيجية واضحة المعالم أو شرط خطوة مقابل خطوة، لكيفية التصرف مع النظام السوري بعد التطبيع بما يخص شحنات المخدرات وضبط الحدود، خصوصاً أنه تم الإعلان عن ضبط عمليات تهريب مخدرات جديدة إلى المملكة مصدرها مناطق سيطرة النظام السوري، في الوقت الذي كان فيصل المقداد وزير خارجية النظام يزور جدة، والحال نفسه خلال زيارة وزير الخارجية السعودية فيصل بن فرحان إلى دمشق.

وأشارت المصادر إلى أن الأردن الذي سبق أن قاد التطبيع مع النظام السوري منذ عام 2019 غير مرتاح من الخطوة السعودية لإعادة النظام إلى الجامعة العربية دون أي مقابل يذكر يحقق للجارة الأردن بعضاً من مطالبها بما يخص أمن الحدود وإيقاف تصدير الكبتاغون.

ويرى مصدر مطلع أن التطبيع السعودي مع النظام السوري دون أي مقابل ملموس من النظام السوري الذي يتحكم به من قبل روسيا وإيران هو مكافأة لإيران التي لم تكن ستفضل أكثر من هكذا اتفاق يحفظ لها جميع مكتسباتها في سوريا ويقوي من موقفها أمام موسكو.

ويبدو أن ما ترغب به السعودية وتصر عليه عربياً، هو إعادة النظام إلى الجامعة العربية ثم بدء التفاهم معه، وهذا ما ترفضه دول عربية تقود التطبيع منذ سنوات وعلى رأسها الأردن.

ويأتي ذلك في ظل كشف صحيفة “البيان” الإماراتية عن لجنة رباعية تضم وزراء مجلس التعاون الخليجي وكل من الأردن والعراق ومصر لبحث حل سياسي حقيقي وشامل في سوريا من المرجح أن تلتقي في العاصمة الأردنية عمان خلال الأيام المقبلة.

وفي ظل الحديث عن مبادرات عربية منذ عدة أشهر لم تسرب أي وكالة استخبارية أو إعلامية حتى نصاً لمبادرة عربية تنهي الأزمة السورية، وهذا إن دل فهو يزيد من احتمالية الخلافات العربية في التعاطي مع ملف تعويم النظام السوري دون وجود رؤية استراتيجية توافقية.

تهميش المرجعية السياسية

والأخطر من ذلك، أن هناك حراكاً عربياً تقوده الدول المطبعة لتهميش الهيئة السورية للتفاوض التي من المفترض أن تتخذ من العاصمة السعودية الرياض مقراً لها بما يخدم التوجهات الجديدة.

ويعد إضعاف دور الهيئة العليا للتفاوض إلغاء لمرجعية الحل في سوريا، والعودة بالسوريين إلى المربع الأول، حيث يعد ذلك تجاوزاً لقرارات دولية تم التوافق عليها أممياً عبر القرار 2254 ومقررات مؤتمر جنيف 2.

وقالت مصادر مطلعة لموقع “تلفزيون سوريا” إن خطورة التطبيع دون مقابل مع النظام السوري قد يدفع بالدول المطبعة إلى الوقوف وجه عثرة أمام أي جولات تفاوضية مستقبلية مع النظام السوري واستبدالها بحل جديد يعطي للنظام وداعميه ما لم يكونوا يحلمون به بخلاف ما تسعى الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة لتحقيق تقدم به قبل الانفتاح على نظام الأسد.

ضمن هذا السياق، يربط مراقبون دفع الولايات المتحدة ودول في المنطقة لإجراء لقاءات مع المعارضة السورية ممثلة في الهيئة العليا للتفاوض والائتلاف الوطني السوري، خصوصاً أن مقر هيئة التفاوض هو في الرياض ونشاطه معلق منذ عدة سنوات.

وترى المصادر أن الدول الغربية التي وضعت لاءاتها الثلاث – (لا للتطبيع، لا لإعادة الإعمار، لا لرفع العقوبات عن النظام) – في وجه النظام السوري لدفعه إلى طاولة مفاوضات جادة من غير المعقول أن تقبل بإلغاء قرار 2254.

ولفتت المصادر أن المعارضة السورية ستلتقي مع مساعدة وزير الخارجية الأميركية باربرا ليف، ومع ممثلين من الأمن القومي الأميركي ومع الكونغرس ومراكز أبحاث على صلة بدوائر القرار بالولايات المتحدة.

خلاف على التطبيع دون مقابل

وفي 16 نيسان الجاري، كشف تقرير أوردته صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية، أن الاجتماع الوزاري قد انتهى من دون اتفاق، لتبرز انقسامات عميقة في جميع أنحاء المنطقة.

وجاءت محادثات جدة بعد أيام من زيارة وزير خارجية النظام السوري للمملكة العربية السعودية التي تدرس دعوة بشار الأسد لحضور قمة جامعة الدول العربية الشهر المقبل.

وقالت وزارة الخارجية السعودية، إن الوزراء اتفقوا على مواصلة النقاش بشأن حل سياسي للصراع في سوريا وشروط للسماح بإعادة ملايين اللاجئين السوريين.

ونقل التقرير عن مسؤولَين مطلعَين على الاجتماع أن هناك معارضة حادة للتقارب السعودي من دول، من بينها قطر والكويت والأردن، التي تساءلت جميعها عن المقابل الذي يمكن أن يمنحه النظام السوري لقاء ذلك التقارب، بحسب أحد المسؤولَين.

مكافأة إيران

إحدى نقاط الخلاف كانت حبوب “الكبتاغون”، إذ أصبحت تجارته شريان الحياة الاقتصادي لنظام بشار الأسد، وفق المسؤول الذي قال: “لقد أصبحت (سوريا) دولة مخدرات، بتجارة تصل إلى أربعة أو خمسة مليارات (دولار) سنوياً.. لا يمكننا دفع (ثمن) ذلك”.

أما المسؤول الثاني، فقد أفاد بدوره بأن إعادة قبول النظام السوري في الوقت الذي تنتشر فيه القوات الإيرانية وميليشياتها في البلاد، وتمارس نفوذاً على الأسد، من شأنه أن يكافئ طهران. وقال: “نحن نخلع الملابس للإيرانيين”، على حد وصفه.

من جهته، قال علي الشهابي، المعلّق والسياسي السعودي المقرّب من الديوان الملكي: “السعودية ترى بشار على أنه واقع مفروض الآن على الأرض، ويجب التعامل معه في العديد من القضايا، ليس أقلها مئات الآلاف من اللاجئين السوريين في السعودية، والذين يريدون العودة إلى ديارهم، بالإضافة إلى المخدرات وقضايا أخرى”.

مسؤولون مطلعون آخرون، قالوا إن مصر التي تضمّ مقر جامعة الدول العربية، تخلت بشروط عن معارضتها للأسد لكنها تريد على الأقل إظهار التقدم في حل سياسي.

وبحسب التقرير، فإن ذوبان الجليد في العلاقات العربية مع النظام السوري، قد يؤدي إلى إثارة غضب الولايات المتحدة، التي فرضت عقوبات على ذلك النظام، على الرغم من أن واشنطن لم تتخذ إجراءات ضد حليفتها الإمارات لاستضافتها بشار الأسد هذا العام وكذلك في عام 2022.

تلفزيون سوريا

————————-

ساسة وصواريخ وقطارات: دبلوماسية إيران ومعادلات المنطقة

رأي القدس

توصّل مقال للصحافي الإيراني، كاظم زاده، منشور في صحيفة «خراسان» الأصولية، إلى أن «معادلات المنطقة تغيّرت» بحيث تحوّل مشروع التطبيع العربيّ هذه الأيام عن تل أبيب واتجه نحو دمشق. ورأى زاده أن اجتماع جامعة الدول العربية المقبل سيصدر، لأول مرة، حسب قوله، بيانا للدفاع عن وحدة أراضي سوريا، مما يمكن «أن يضع حدا للمغامرات الإسرائيلية في هذا البلد» مؤكدا أن التقارب بين طهران والدول العربية «سينهي مشروع رهاب إيران ويسبب كابوسا للإسرائيليين».

في تحليله للعلاقة بين تحسّن علاقات إيران بالدول العربية والتصعيد المتواصل مع إسرائيل، توصّل بحث عنوانه: «إيران: هجمة مصالحة على الدول العربية وتهديدات متزايدة لإسرائيل» لخلاصة مقاربة من وجهة نظر إسرائيلية (نُشرت ترجمته في «القدس العربي» في 20 من الشهر الجاري) حيث قال إنه ليس مستبعدا أن تستفيد إيران من تبديد التوتر مع جيرانها العرب «كفرصة لزيادة جهودها في تحسين الرد على إسرائيل وتعزيز ردعها الاستراتيجي».

رأى سفير إيران في دمشق، حسين أكبري، في زيارة رئيسه إبراهيم رئيسي إلى سوريا، الأربعاء المقبل، «منعطفا على الصعيد الإقليمي» فرغم العلاقات الاستراتيجية الوثيقة بين البلدين، فإن هذه الزيارة التي يقوم بها رئيس إيراني منذ اندلاع الثورة في سوريا عام 2011، والتي كان لطهران فيها دور مرجّح في بقاء نظام بشار الأسد، عبر التدخّل العسكري المباشر، أو عبر الدعم الذي تلقاه النظام من الميليشيات العديدة الموالية لإيران، من العراق ولبنان وباكستان وأفغانستان.

تجيء هذه الزيارة بعد لقاء علي خامنئي، المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، السبت الماضي، بالرئيس العراقي عبد اللطيف رشيد، الذي يقوم بأول زيارة رسمية له إلى طهران، والذي طالب خامنئي فيها رشيد بطرد القوات الأمريكية من بلاده، وبالتزامن مع زيارة لوزير الخارجية الإيرانية، حسين أمير عبد اللهيان، إلى بيروت، وإعلانه قرب فتح سفارة بلاده مع السعودية، وبالعكس، وكذلك إعلانه عن «تطورات مهمة» في العلاقات بين إيران والأردن ومصر قريبا.

انعكس التطبيع العربي المتزايد مع إيران على الملفّين اليمني والسوري، فشهدنا تقدما ملحوظا في اللقاءات بين الأطراف الإقليمية والمحلية المتنازعة في اليمن، وكان تبادل مئات الأسرى، ووصول وفد سعودي إلى صنعاء، أحد مظاهر هذا التقدّم المهم، وهو ما حصل أيضا، بنجاح أقلّ، في مجال التطبيع مع النظام السوري، وستكون الجولة المقررة، في عمّان، اليوم الاثنين، بين وزراء خارجية السعودية والأردن ومصر والعراق، مع وزير خارجية النظام السوري، أحد آخر تعبيراته.

تتزامن هذه الهجمة الدبلوماسية الإيرانية، مع تصعيد مستمر مع الولايات المتحدة الأمريكية، وكان احتجاز طهران لناقلة نفط تحمل علم جزر مارشال، أحد أشكال هذا التصعيد، في الوقت الذي تستمر فيه المواجهة العسكرية الإيرانية مع إسرائيل، فبالتزامن مع هجمات المستوطنين المتطرفين المدعومين من حكومة بنيامين نتنياهو وبن غفير، شهدنا تطوّرا جديدا تمثل بسقوط صواريخ من لبنان، وإسقاط مسيّرة قادمة من سوريا، إضافة إلى الصواريخ من غزة، وكان الرد على ذلك بقصف في سوريا قتل فيه ضابطان من «الحرس الثوري» وأشارت صحف إيران، حينها، عن فشل إسرائيل في الرد على «توحيد الساحات».

إحدى العناصر التي لا تلتفت إليها وسائل الإعلام عادة كانت زيارة وفد إيراني كبير برئاسة وزير الطرق الإيراني لدمشق، للإعلان عن تفعيل مشروع ربط سكك حديد بين مدينة الشلامجة الإيرانية، في محافظة خوزستان (المعروفة في الأدبيات التاريخية العربية بعربستان) بمدينة البصرة العراقية، ودراسة مد هذه الخطوط عبر الحدود السورية في اتجاه دمشق أو حمص وطرطوس، للوصول إلى البحر المتوسط. بانتظار تحقيق هذا المشروع فإن الوزير أشار إلى أهداف ممكنة التحقيق، ومنها تعزيز السياحة والحج بطاقة 50 ألف مسافر سنويا.

يكشف تحريك هذه المسارات كلّها عن جهد إيراني حثيث في استثمار إمكانياتها المتعددة، تقابله محاولات عربية، وسعودية، بشكل رئيسي، لزحزحة الأوضاع الإقليمية الراكدة، ورغم أن النتائج المتحصّلة، حتى الآن، تبدو جيدة نسبيا في اليمن، ومتباطئة في سوريا ولبنان، فإن تحرّك ديناميّات التطبيع والحرب سيفتح احتمالات جديدة لا يمكن التغاضي عن تأثيراتها، الإقليمية، والعالمية.

القدس العربي

————————————

إيران.. هجمة مصالحة على الدول العربية وتهديدات متزايدة على إسرائيل

في الأشهر الأخيرة، وفي الأسابيع الأخيرة بقوة أكبر، تعمل إيران على الدفع قدماً بشبكة العلاقات الثنائية بينها وبين الدول العربية السُنية، وعلى رأسها دول الخليج. ويبرز على نحو خاص في هذا السياق استئناف العلاقات مع السعودية، الذي تقرر برعاية الصين قبل نحو شهر. بعد وقت قصير من الإعلان عن الاتفاق، عقد لقاء بين وزيري خارجية الدولتين في بكين، ودعي الرئيس الإيراني في أعقابه لزيارة الرياض في موعد لم يتقرر بعد. ومؤخراً تجري زيارات متبادلة لوفود فنية من إيران والسعودية، غايتها الإعداد لإعادة فتح الممثلية الدبلوماسية. عقب الاتفاق الإيراني السعودي، استؤنفت محادثات بوساطة عُمانية بين وفود من السعودية والحوثيين في اليمن في محاولة لتحقيق تسوية في اليمن تسمح بإنهاء المعركة العسكرية السعودية طويلة السنين في الدولة. وبالتوازي، تجري إيران محادثات عمل مع البحرين، على جدول أعمالها استئناف العلاقات معها أيضاً. وهكذا تستكمل عملية استئناف العلاقات بين إيران وعموم دول الخليج.

إن ميل تحسين العلاقات بين إيران والعالم العربي لا ينحصر بدول الخليج فقط. ففي الأشهر الأخيرة، علم عن جهود إيرانية لتحسين العلاقات أيضاً مع مصر والأردن، التي تجرى منذ سنين على مستوى منخفض: عقب الاتفاق على استئناف العلاقات بين إيران والسعودية، أعلن الناطق بلسان الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني بأنه سيكون للاتفاق تأثير إيجابي أيضاً مع علاقات إيران مع مصر والأردن والبحرين. كما أن وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، أعلن عن تطورات مهمة في العلاقات بين إيران والأردن ومصر قريباً، في إطار جهود حكومة الرئيس إبراهيم رئيسي لتبديد التوترات في المنطقة. في كانون الأول 2022 التقى عبد اللهيان ملك الأردن عبد الله، ورئيس مصر عبد الفتاح السيسي، على هامش مؤتمر دولي في موضوع العراق عقد في عمان. كما علم من مصادر في العالم العربي ببذل جهود وساطة عراقية بين إيران ومصر والأردن. في بداية نيسان، أفادت وكالة “رويترز” للأنباء عن مصادر في وزارة السياحة المصرية بأن مصر ستسمح قريباً للإيرانيين المسافرين في مجموعات منظمة الحصول على تأشيرة مع وصولهم إلى شبه جزيرة سيناء، والنية هي توسيع النهج إلى مناطق أخرى في الدولة. ورحب الأردن ومصر من جانبهما بالاتفاق الإيراني السعودي، وأعربا عن الأمل في أن يساهم في تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة.

على خلفية تبديد التوتر بين إيران والدول العربية، يبرز تصعيد متزايد بالمواجهة المتواصلة بين إيران وإسرائيل، وبخاصة في ضوء الهجمات الإسرائيلية المكثفة في سوريا رداً على العملية التي وقعت في مفترق مجدو في 13 آذار. في الهجوم الذي وقع في الليلة بين 30 و31 آذار في منطقة دمشق، والذي نسب إلى إسرائيل، قتل ضابطان من الحرس الثوري. ورداً على ذلك، هددت إيران بالانتقام. وفي كتاب إلى الأمين العام للأمم المتحدة، شدد مندوبها الدائم على أن القوات الإيرانية في سوريا موجودة في أراضي الدولة بناء على طلب صريح من النظام السوري، لذا فمن حقها الدفاع عنها ولا تعتزم إخراجها من سوريا. في 2 نيسان، أسقط الجيش الإسرائيلي مُسيرة إيرانية تسللت من جهة سوريا إلى أراضي إسرائيل. ومع ذلك، يمكن الافتراض بأن إطلاق المُسيرة من سوريا لا يشكل رداً كافياً في نظر طهران. في هذا السياق، ينبغي أن نرى أيضاً تحذيرات نقلتها واشنطن إلى سفن في بحر العرب وخليج عُمان وقرار الإعلان عن إطلاق الغواصة النووية “فلوريدا”، إلى الخليج الفارسي.

على هذه الخلفية، استقبل التصعيد الأمني في إسرائيل حول الحرم والهجمات من لبنان وسوريا، برضى كبير في إيران. وإن الرد الإسرائيلي في قطاع غزة ولبنان، عرضته وسائل الإعلام الرسمية في إيران كدليل على عدم قدرة إسرائيل على التصدي في المستقبل لسيناريو إطلاق صواريخ في وقت واحد من عدة جبهات، بخاصة في ضوء الأزمة السياسية الداخلية في الدولة. هكذا مثلاً أثنت الصحيفة اليومية المحافظة “وطن أمروز” على نجاح “المقاومة الفلسطينية” في المبادرة إلى معركة ضد إسرائيل من عدة جبهات في آن واحد، وشددت على أن التضامن العملياتي والإعلامي لعناصر “جبهة المقاومة” في الوضع الحساس الذي توجد فيه إسرائيل في عيد الفصح، خلق معادلة جديدة تثير الخوف في إسرائيل. وادعت وكالة الأنباء “تسنين”، المتماثلة مع الحرس الثوري، بأن سلوك حكومة نتنياهو وأجهزة الأمن الإسرائيلية في أحداث التصعيد تشهد على أنها تخاف حتى من مواجهة متزامنة في جبهتين، واضح أنها قلقة من أن دخول باقي “جماعات المقاومة” إلى حرب توحيد الساحات، قد يؤدي إلى تصفية إسرائيل. وتناول الناطق بلسان الحرس الثوري رمضان شريف، في مؤتمر صحافي بمناسبة يوم القدس العالمي في 14 نيسان الموضوع فقال إن وجود “جبهة موحدة ضد الصهيونية من جنوب لبنان والجولان السوري وحتى غزة والضفة الغربية” يضع إسرائيل أمام تحدٍ هائل في غضون فترة زمنية قصيرة، بخاصة في ظل الأزمة السياسية الداخلية فيها.

إضافة إلى ذلك، أجرى الرئيس الإيراني رئيسي مكالمات هاتفية مع زعماء سوريا، وتركيا، والجزائر، وتركمانستان شدد فيها على الحاجة إلى تشكيل جبهة مشتركة حيال إسرائيل لتحرير فلسطين. في حديثه مع الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان دعا إلى عقد اجتماع طارئ لمنظمة التعاون الإسلامي لفحص السبل للتصدي لإجراءات إسرائيل في الحرم. وكان للحديث مع الرئيس السوري بشار الأسد أهمية خاصة على خلفية تزايد الهجمات على الأراضي السورية مؤخراً، وكذا إطلاق ثلاثة صواريخ من جنوب هضبة الجولان نحو إسرائيل (في 8 نيسان) أغلب الظن من منظمات فلسطينية. وقال رئيسي للأسد إن “النظام العالمي يتغير في صالح محور المقاومة، وإن جرائم النظام الصهيوني تشهد على ضعفه ويأسه، وعلى المستقبل المضمون واللامع لتيار المقاومة. كما أن زيارة قائد “فيلق القدس” إسماعيل قاآني إلى سوريا في 8 نيسان، جاءت لتعزز الرئيس السوري وتحسن التنسيق بين الدولتين، بينما على جدول الأعمال تقارير متزايدة حول توريد منظومات دفاع جوي إيرانية لسوريا.

جملة الأحداث في إطار التصعيد على حدود إسرائيل، والتي يقع في مركزها الحرم وتفعيل حماس لساحات غزة ولبنان وهضبة الجولان، استمراراً لهجمات إسرائيل في سوريا ضد أهداف إيرانية، تطرح السؤال حول مدى تنسيق الخطوات في الساحات المختلفة بين عموم عناصر “جبهة المقاومة” مع التشديد على “حزب الله” وإيران.

في السنوات الأخيرة، شددت إيران جهودها لتثبيت قدرات استراتيجية تجاه إسرائيل، بما في ذلك من خلال فروعها في المنطقة لأجل توفير جواب محسن في ضوء النشاطات الإسرائيلية المتزايدة على أهداف إيرانية في سوريا وفي إيران نفسها. رغم الهجمات الإسرائيلية، تواصل إيران نقل السلاح إلى سوريا و”حزب الله” في جملة متنوعة من الطرق، ومؤخراً أيضاً من خلال استغلال الخدمات الإنسانية المنقولة إلى سوريا إثر الهزة الأرضية التي وقعت في شباط. كما أن إيران تواصل تعزيز وتسليح الميليشيات المؤيدة لها العاملة في سوريا وعلى الحدود السورية العراقية، وواضح أنها زادت مشاركتها في الساحة الفلسطينية بعامة وفي الضفة الغربية بخاصة. كل هذا في محاولة لزيادة التنسيق بين عناصر “جبهة المقاومة”. وفي هذه المعركة، هناك دور مركزي لـ ”حزب الله” وأمينه العام حسن نصر الله شخصياً، سواء بفضل تجربته ومعرفته الطويلة لإسرائيل أم بسبب مكانته المركزية ونفوذه في طهران، واللذين تعززا منذ تصفية قاسم سليماني في كانون الثاني 2020. وتتيح طريقة العمل الإيرانية من خلال الفروع في المنطقة مجال حصانة ونفي، في ظل الحفاظ على نفوذها وزيادة قوة شركائها الإقليميين من خلال توريد السلاح والتكنولوجيا، بما في ذلك القدرة على الإنتاج الذاتي.

إضافة إلى ذلك، حتى لو كان واضحاً أن المبادرة إلى جولة التصعيد الأخيرة لا ترتبط بشكل مباشر بإيران بل بالتطورات في الساحة الفلسطينية، وبخاصة بأحداث الحرم، وعلى أساس التنسيق المسبق وطويل المدى الجاري بين عناصر “جبهة المقاومة”، فإن إيران وفروعها يستغلون الوضع كفرصة لتثبيت ميزان ردع تجاه إسرائيل. في هذا السياق، ينبغي أن نرى حضور رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية والأمين العام لـ”الجهاد الإسلامي” زيادة النخالة في بيروت، ولقائهما مع نصر الله، وكذا زيارة قائد “فيلق القدس” في دمشق ويحتمل إلى بيروت أيضاً. وحتى لو لم تقع أحداث التصعيد بناء على مبادرة أمريكية ولم تدرها طهران، فإن إيران ترى فيها تطورات إيجابية كفيلة بأن تسمح باتساع مواجهة مستقبلية محتملة مع إسرائيل إلى مواجهة متعددة الجبهات سيصعب على إسرائيل التصدي لها. من شأن هذا التقدير الإيراني أن يعزز إحساس الثقة في طهران بالنسبة لإمكانية التصدي بنجاح أكبر لإسرائيل ويعزز بذلك استعداد طهران وفروعها لتبني خط استفزازي أكثر تجاه إسرائيل، غير المعنية بتقديرهم في مواجهة شاملة في الوقت الحالي.

وختاماً، بينما تعمل إيران على تحسين علاقاتها مع الدول العربية وبخاصة في الخليج، يمكن الإشارة إلى تصعيد متواصل بين إسرائيل وإيران وشركائها في محور المقاومة. بينما في الخلفية تنسيق متزايد بين عناصر هذا المحور. كان التنسيق واضحاً في أحداث “حارس الأسوار” في أيار 2021 حيث عملت غرفة مشتركة في بيروت بين إسرائيل، و“حزب الله”، وحماس، والجهاد الإسلامي.

على إسرائيل أن تأخذ بالحسبان بأن طهران ترى في “جبهة المقاومة” بمعناها الأوسع وفي سياق اشتعال إقليمي واسع، تشمل أيضاً الميليشيات الإيرانية في العراق والحوثيين في اليمن المزودين بقدرات عسكرية متطورة. ليس مستبعداً أن تبديد التوتر بين إيران وجيرانها العرب قد تستخدمه كفرصة لزيادة جهودها في تحسين الرد على إسرائيل وتعزيز ردعها الاستراتيجي.

سيما شاين وراز تسيمت

نظرة عليا 20/4/2023

القدس العربي

——————————

هل الحل في سوريا مستحيل؟/ د. فيصل القاسم

لا شك أن النظام يعرف والسوريين يعرفون والعرب يعرفون وحلفاء النظام يعرفون ومعارضي النظام وداعميهم في الخارج يعرفون أن لا حل دائماً في سوريا من دون توافق كامل بين كل الأطراف المتورطة في القضية السورية. وأي كلام عن حلول في غياب ذلك التوافق هو مضيعة للوقت، وفي أحسن الأحول هو ربع حل يزيد الأمور تعقيداً بدل أن يحلها.

ولو نظرنا إلى القضايا الشائكة التي تم حلها بعد جهد جهيد في العقود الماضية لوجدنا أن الحل كان عبارة عن توافق عام بين كل الأطراف المتشابكة والمشتبكة في تلك القضايا، وبالتالي كان الحل يأتي كتسويات وانفراج في العلاقات والنزاعات بين القوى المتصارعة حول تلك القضية أو تلك. وقبل أن نتحدث عن الحل تعالوا نلق نظرة على الصراعات المتشابكة والمعقدة في المسألة السورية، مما يجعلها من أعقد القضايا في المنطقة منذ عقود وعقود.

اليوم على الأرض السورية هناك صراع أمريكي روسي يزداد حدة بعد الغزو الروسي لأوكرانيا. صحيح أن الروس دخلوا سوريا بتنسيق وضوء أخضر أمريكي بشهادة أندرو أكسوم مساعد نائب وزير الدفاع الأمريكي، لكن الوضع اليوم اختلف كثيراً بين روسيا والغرب بعد الغزو الروسي لأوكرانيا فيما يخص القضية السورية. صحيح أن واشنطن وموسكو حافظتا على نوع من التهدئة والتنسيق في سوريا، لكن هذا لا ينفي أن التوتر بات اليوم سيد الموقف بين الطرفين على الأرض السورية، وهناك احتكاكات عسكرية متواصلة بين الأمريكيين والروس، مما يزيد الأمور تعقيداً فيما يخص الحل السوري. بعبارة أخرى، فقد ألقى الوضع الأوكراني بظلال قاتمة على الحل في سوريا، لأن الغربيين باتوا اليوم يعتبرون الوجود الروسي في سوريا ضد مصالحهم. وحتى لو وافق الغرب على الوجود الروسي من أجل حماية إسرائيل، إلا أن ما قبل الغزو الروسي لأوكرانيا ليس كما بعده فيما يخص الوضع السوري. إذاً نحن في حاجة ماسة لتوافق غربي روسي في سوريا قبل الحديث عن أي حل، وهذا ليس متوفراً لا اليوم ولا غداً.

ولو انتقلنا الآن إلى الصراع التركي الإيراني في سوريا لوجدنا أنه يزداد حدة، فالأتراك رغم تقاربهم مع الإيرانيين إلا أنهم يخشونهم في سوريا. ولا ننسى أن إيران ترعى العديد من الفصائل الكردية التي تهدد الأمن القومي التركي من سوريا. وجدير بالذكر أن الإيراني والأمريكي أقرب إلى بعض فيما يخص دعم الفصائل الكردية في سوريا، مما يجعل طهران وواشنطن في مركب واحد ضد تركيا.

ولإنجاز أي حل في سوريا فلا بد من تسوية الصراع التركي الإيراني الأمريكي حيال المسألة الكردية في سوريا. هل هو متوفر اليوم؟ بالتأكيد لا. وحدث ولا حرج عن الصراع التركي العربي في سوريا، فالعرب لا يخشون النفوذ الإيراني في سوريا، كما يزعمون في إعلامهم، بقدر ما يخشون النفوذ التركي، ويقال إن التقارب العربي مع دمشق في بعض جوانبه هدفه التصدي للنفوذ التركي في سوريا. وهذا الأمر ربما يزداد حدة مع تحسن العلاقات بين دمشق والعرب. وحتى داخل الصف العربي هناك تمايزات فيما يخص النفوذ التركي في سوريا، فقطر مثلاً تتوافق مع تركيا بخصوص الحل السوري، بينما بقية الأطراف العربية تعارض المخططات التركية في سوريا. وكيف ننسى الخلاف بين التركي والسوري، فالنظام لا يمكن أن يدخل في حل حقيقي إذا لم يسوِّ مشاكله مع الأتراك. وقد شاهدنا كيف رفض الرئيس السوري اللقاء بالرئيس التركي قبل الانسحاب من الأراضي السورية في الشمال، فخرج وزير الخارجية التركي ليزيد الطين بلة، فقال: «لن ننسحب من الأراضي السورية قبل تسوية مشكلة قسد وبقية الميليشيات الكردية التي تهدد الأمن القومي التركي من سوريا». أضف إلى ذلك أيضاً أن التوافق التركي السوري ليس مصلحة أمريكية، لأنه سيتصدى للمشروع الكردي المدعوم أمريكياً وإسرائيلياً في سوريا.

صحيح أن العرب اليوم في ظل هزائمهم وفشلهم وتورطهم وغرقهم في أكثر من قضية أصبحوا أقل إصراراً على إخراج الإيراني وميليشياته الطائفية من سوريا، لكن هذا لا يعني أنهم نسوا الأمر تماماً وأصبحوا موافقين على الاحتلال الإيراني لسوريا. لا أبداً، فهم على المدى البعيد يفضلون تحرير سوريا من النفوذ الإيراني المتصاعد، وقد لا يقبلون بأي حل دائم في سوريا من دون ضمانات بتخفيف الوجود الإيراني على أراضيها.

ولا ننسى الصراع الإسرائيلي الإيراني على الأرض السورية، فكل الغارات الإسرائيلية المتواصلة منذ سنوات تستهدف مواقع إيرانية في سوريا. وفي بعض الفترات لم يمر أسبوع إلا وشاهدنا قصفاً إسرائيلياً للأراضي السورية يستهدف ميليشيات إيران ومواقعها على الأرض السورية، بما فيها المطارات المدنية. ولا يمكن لأي حل للقضية السورية أن يمر من دون تسوية الصراع الإسرائيلي الإيراني في سوريا، بينما على أرض الواقع تزداد الأمور سوءاً بين الإسرائيليين والإيرانيين بسبب المشروع النووي الإيراني. أضف إلى ذلك الصراع بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية المدعومة إيرانياً، فهو بدوره يلقي بظلاله أيضاً على الحل السوري.

وبعيداً عن كل تلك الصراعات المتشابكة والمعقدة على الأرض السورية، ماذا عن الصراع الأخطر بين النظام والشعب السوري؟ ما مدى إمكانية تفكيكه وتسويته؟ قد يقول البعض إن تسوية الخلافات بين الأطراف المتصارعة على الأرض السورية سيؤدي بالضرورة إلى تسوية بين النظام وقوى المعارضة السورية على اعتبار أن السوريين نظاماً ومعارضة ليسوا سوى أدوات أصلاً في أيدي أطراف خارجية تفرض عليها ما تشاء، وعندما تتفق تلك الأطراف الخارجية الداعمة للنظام والمعارضة، فسيأتي الحل بين الطرفين بشكل أوتوماتيكي. وهذا صحيح من الناحية النظرية، لكن هل يمكن لنصف الشعب السوري المشرد بين الشمال السوري وتركيا والأردن ولبنان وأوروبا أن يقبل بالعودة إلى حضن النظام بشكله الحالي؟ بالتأكيد لا، مستحيل إلا إذا نجحت الأطراف الدولية والعربية والإقليمية بفرض حل يؤدي إلى تغيير شامل في تركيبة النظام وعقليته، وهذا للأسف يبدو مستحيلاً اليوم، مما يجعل إعادة إعمار البلاد شبه مستحيلة، لأن الأوروبيين والأمريكيين وحتى العرب يرفضون تقديم قرش واحد قبل أن يكون هناك حل سياسي يرضي السوريين جميعاً ويؤمن مصالحهم في سوريا. وهذا بدوره أيضاً يبدو شبه مستحيل اليوم، مما يعني بالضرورة التفكير بتقسيم البلاد أو فدرلتها أو أقلمتها. فهل هذا هو الحل الذي كان يريده السوريون؟

كاتب واعلامي سوري

القدس العربي

—————————–

عودة سورية إلى الحضن العربي … ولكن/ رانيا مصطفى

عاد الملفّ السوري إلى واجهة الصراعات الإقليمية والدولية، خصوصاً بعد زيارة وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان دمشق، وتبنّي بلاده سياسة الدفع باتجاه إلغاء تجميد المقعد السوري في اجتماعات جامعة الدول العربية، وذلك نتيجة للمصالحة السعودية الإيرانية برعاية صينية. وسيعقد بعد أيام لقاء آخر لوزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي والأردن ومصر والعراق لبحث الملف السوري. ويترافق ذلك كله مع تقارب سوري تركي برعاية روسية ومشاركة إيرانية.

وكان وزراء الخارجية العرب قد قرّروا، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2011، في اجتماع طارئ في القاهرة، تجميد عضوية سورية في الجامعة، بسبب اعتماد النظام الخيار العسكري لقمع الاحتجاجات الشعبية. ومن الصعب تصديق أن هذا الموقف العربي الرسمي جاء دعماً للديمقراطية وحرية التعبير وكرامة الشعب السوري، فتلك الأنظمة قمعية وتخشى من انتقال عدوى الثورات إليها، خصوصا بعد إطاحة رئيسي تونس ومصر، واندلاع الاحتجاجات في ليبيا واليمن وسورية؛ ولكن الانتفاضة السورية حينها كانت في أوج قوتها، وكان الموقف الغربي يدين انتهاكات النظام، ويتحدث الأميركيون عن “أيام معدودة” للأسد، هذا دفع العرب إلى الاستعداد لمرحلة ما بعد سقوط النظام، وتمت القطيعة الدبلوماسية معه من عدة دول عربية.

التدخلان الإيراني المليشياوي والروسي العسكري منعا سقوط النظام، فيما ساهمت العسكرة الكلية والتمويل وانتشار الجهادية بأشكالها، إلى جانب العنف المُفرط من القوات الحكومية، في انتهاء الثورة باكراً، وتصدّرت تمثيلَ الثورة معارضةٌ هزيلة، وضعت كل بيضها في السلة التركية، وانتهى الحال إلى تسليم مناطق واسعة للنظام وفق اتفاقات تركية روسية، وسيطرة “الإدارة الذاتية” على شرق الفرات بدعم أميركي، وبالتالي تقسيم سورية إلى مناطق نفوذ دولية تحكمها قوى الأمر الواقع، والدخول في حالة استنقاع مع الرفض الأميركي والأوروبي لإعادة تعويم نظام الأسد. وفي ظل هذا الوضع، كانت الإمارات سبّاقة إلى إعلان إعادة علاقاتها مع النظام، وأبدت مصر رغبة، وقدّم ملك الأردن عبد الله الثاني، إلى إدارة الرئيس الأميركي بايدن، مبادرة لإعادةٍ حذرةٍ للعلاقات مع دمشق، وفق مبدأ “خطوة مقابل خطوة”، فيما ظلّت قطر والمغرب والسعودية على موقف مبدئي رافض تعويمَ النظام من دون حل سياسي، ويتلاقى مع الاستراتيجية الأميركية؛ ولكن هاجساً كان حاضراً، خصوصاً لدى السعودية والإمارات، بعدم ترك الساحة السورية لتركيا وإيران. المتغير الذي جعل السعودية تقفز باتجاه دمشق هو الاتفاق مع إيران، برعاية الصين، والذي ما كان ليتم لولا الظرف الدولي الجديد بسبب الحرب الروسية على أوكرانيا، وحالة الاستقطاب العالمي، وانشغال أميركا بمعاقبة روسيا وبتحسين قدراتها العسكرية في البحر الهادئ، ومعالجة مشكلاتها الاقتصادية. وقد شكّل هذا التراخي الأميركي فرصة لولي العهد السعودي محمد بن سلمان لتحقيق استقلالية أكبر عن القرار الأميركي، واستعادة نفوذ المملكة في المنطقة بوصفها دولة إقليمية، بعد محاولة إدارة بايدن إضعاف مكانتها عبر إدانتها بملفات حقوق الإنسان، وخلاف بسبب عدم إيفاء واشنطن بالتزاماتها بحماية أمن حلفائها من هجمات الحوثيين، وحول قرار “أوبك بلس” تخفيض إنتاج النفط؛ وبالتالي، استجابت الرياض لمبادرة بكين، وأعادت علاقاتها مع طهران ودمشق، في تحدٍّ واضح للتحذيرات الأميركية.

الحكومات الأوروبية والإدارات الأميركية غير مهتمتين بتحقيق تطلعات الشعب السوري، وحرّيته وكرامته، أو تحقيق العدالة والقصاص من مرتكبي جرائم الحرب؛ لكن عقوبات قانون قيصر واضحةٌ وصارمةٌ وموجّهة إلى كل من يدعم النظام عسكرياً أو في ما يتعلق بتجارة النفط وإعادة الإعمار، ويُضاف إليها قانون “مكافحة المخدّرات” وعقوبات أوروبية متجدّدة، كان جديدها أخيراً الأسبوع الماضي. وهذا التشدّد في العقوبات كفيل بإيقاف تعويم نظام الأسد. يتخوّف تنظيم “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) من أن تفضي اللقاءات الرباعية الروسية التركية السورية الإيرانية إلى عملية عسكرية للسيطرة على شرق الفرات. وفي هذا السياق، تُمكن قراءة مبادرة الإدارة الذاتية للحل السياسي في سورية، التي وجّهتها إلى النظام، والتزمت فيها بوحدة سورية، وقدّمت أوراق حسن نية بأن توزّع الثروات النفطية والموارد الاقتصادية والزراعية، الواقعة تحت سيطرتها، بشكلٍ عادلٍ على كل المناطق السورية، مع التمسّك بطرح نظام حكم لامركزي. ما زال النظام يرفض أية استقلالية إدارية للإدراة الذاتية. وفي كل الأحوال، كانت واشنطن تدفع “قسد” إلى التوافق مع الروس والنظام، وقد تكون مبادرة الإدارة الذاتية للحل السوري مدفوعة أميركياً بغرض خلط الأوراق على مخطط روسيا وتركيا بإعادة العلاقات مع النظام من جهة، ومن جهة أخرى، مدخلاً لإقحام “قسد” ومن خلفها واشنطن في المبادرات العربية الجارية تجاه النظام، بغرض تعطيل بعضها، أو توجيهه بما يخدم المصالح الأميركية والإسرائيلية.

ما زال الأميركيون يملكون القدرة على تعطيل المبادرات التي لا تروق لهم بشأن سورية، بقوة وجودهم العسكري في قواعد قرب آبار النفط في شمال شرق سورية، وفي التنف، ودعمهم تنظيم “قسد” الذي يواجه فلول تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، ولديه سجون لآلاف من عناصر التنظيم، ويسيطر على ثلث الأراضي السورية، الغني بالثروات الباطنية والزراعية. وليس في مقدور إدارة بايدن، والإدارات اللاحقة، أن تلغي العقوبات على مسؤولي النظام، حيث يجمع عليها الديمقراطيون والجمهوريون في الكونغرس ومجلس الشيوخ والبيت الأبيض وكذلك الرأي العام الأميركي. وهذا يعني أن إعادة العلاقات، سواء العربية أو التركية، مع حكومة دمشق، ستحمل دفعاً معنوياً للأخيرة، ولا يمكن أن تحقّق تقدّماً في الحل السياسي أو إخراج المعتقلين أو عودة المهجّرين في المدى المنظور، لأن أي تنازلٍ من النظام في هذه الاتجاهات يعني انهياره. وبالتالي، ستستمر حالة الاستنقاع السوري في ظل غياب أي دور سياسي للمعارضة، التي تكتفي ببيانات الرفض “الأخلاقي” للتطبيع العربي مع النظام، من دون استغلال لفرصة المتغيرات الجديدة، وطرح برامج وطنية تجدّد الأمل لدى الشعب في كل المناطق السورية وفي الخارج، لإعادته إلى انتفاضة جديدة، وهو الوحيد القادر على قلب كل الموازين.

العربي الجديد

————————–

ديون الأسد لإيران واتفاقاته السرية/ إياد الجعفري

هي سابقة، تلك التصريحات التي أطلقها وزير الطرق وبناء المدن الإيراني، مهراد بزر باش، من دمشق. إذ أنها استهدفت إحراج النظام السوري، والضغط عليه، علناً، هذه المرة، بخصوص ملفٍ لطالما غلب عليه التكتم بين مسؤولي البلدين، باستثناء تصريحات عابرة، لم يسبق أن وصلت إلى هذا المستوى من الجرأة الرسمية الإيرانية، ومن العاصمة السورية، وليس من طهران.

فالوزير الإيراني تحدث عبر صحيفة “الوطن” المقرّبة من النظام، عن تشكيل لجنة مشتركة لمتابعة الديون، و”المستحقات لإجراء التحقيق الدقيق لحجم الديون”، حسب وصفه. وفي معرض حديثه، قال إنه “كانت هناك اتفاقات سابقة تخص إعطاء أراض بدل هذه الديون”. مضيفاً أن الجانب الإيراني يشعر بظروف سوريا، لكن “يوجد في إيران بعض القوانين يجب الإجابة عن أسئلتها”، حسبما ما ورد في تقرير الصحيفة.

تكشف تلك التصريحات حيثية مثيرة للاهتمام، حينما قال “المستحقات لإجراء التحقيق الدقيق لحجم الديون”. فهل يعني ذلك أن السلطات الإيرانية لا تعرف الحجم الدقيق لهذه الديون؟، أم أن هناك خلافاً بين النظام والسلطات الإيرانية حول هذا “الحجم الدقيق”؟ بطبيعة الحال، لا نجد جواباً، إذ أن التصريحات التي شكّلت صدمة لكثير من السوريين، كانت كفيلة بالكشف –رسمياً هذه المرة- عن وجود اتفاقات سرّية يعقدها النظام السوري مع حلفائه.

والآن، سرّية تلك الاتفاقات، باتت مفهومة. فهي تخالف “الدستور السوري”. “الدستور” ذاته، الذي أعدته لجنة كلّفها بشار الأسد، وصُودِقَ عليه بعد استفتاء في ظل سلطته الأمني، في العام 2012. إذ تنص المادة الأولى منه على أن “الجمهورية العربية السورية دولة ديمقراطية ذات سيادة تامة، غير قابلة للتجزئة، ولا يجوز التنازل عن أي جزء من أراضيها..”.

أما عبارة الوزير بزر باش: “الجانب الإيراني يشعر بظروف سوريا، لكن يوجد في إيران بعض القوانين يجب الإجابة عن أسئلتها”. تكشف في شقها الأول عن أنه “طفح الكيل” بالسلطة الرسمية الإيرانية، حيال تهرّب النظام من الوفاء بالاتفاقات التي وقّعها “سرّاً”. وأن إيران غير مستعدة للانتظار أكثر، في وقتٍ يختبر فيه النظام مساعي التطبيع معه، من جانب تركيا ودول عربية وخليجية. أما الشق الثاني من العبارة، فلا نعرف إن كانت الترجمة لها غير دقيقة، أم أن الوزير أساء التعبير. لكنه، دون شك، يشير إلى الاستياء الإيراني، الذي طفا على السطح أكثر من مرة، بخصوص مصير الأموال الإيرانية التي أُنفقت لإنقاذ نظام الأسد، والتي ما تزال تُنفَق، حتى الساعة. وهو استياء، انتقل إلى المستوى الرسمي، أكثر من مرة، وكان أشهر تعبير عنه، تصريح رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، حشمة الله فلاحت، قبل نحو 3 أعوام، حينما طالب حكومة بشار الأسد بوفاء الديون المترتبة عليها لإيران. وهو التصريح الذي نُقل عبر وكالة “إرنا” الرسمية، حينها.

واليوم تبدو إيران جادة أكثر من أي وقت سبق، في إجبار الأسد على تنفيذ تعهداته السابقة -“السرّية”. وهو ما أشار إليه الوزير الإيراني في معرض تصريحاته، حينما قال: “للوصول إلى علاقات حيوية بين البلدين يجب اتخاذ قرارات كبرى”. وهي المقدمة التي سبقت حديثه عن اللجان التخصصية الثمان التي تم تشكيلها مع المسؤولين السوريين المعنيين، لبحث ما يهم إيران –اقتصادياً- في سوريا.

فأية أراضٍ تريدها إيران في سوريا؟ وأين؟ وكم تبلغ مساحتها؟ بعض الصحافيين الاقتصاديين اختلط عليهم الأمر في قراءتهم لتصريحات الوزير الإيراني، حينما أشاروا إلى الـ 5000 هكتار من الأراضي الزراعية التي قال الوزير إنه تم سابقاً النقاش حول منحها لإيران بهدف زراعتها. إذ أن تصريحات الوزير بهذا الخصوص، تتحدث عن “نقاش” لا “اتفاقات”، وعن نقل خبرات وتجارب إيرانية في حال “تمت الموافقة”، وعن لجنة متخصصة ستعنى بهذا الشأن. فيما ستُخصص لجنة أخرى لبحث ملف الديون، الذي كان حديث الوزير بخصوصه، مباشراً، ويؤكد وجود “اتفاقات” لمبادلة أراضٍ مقابل الديون.

ومع عدم وجود أية معلومة حول حجم ونوعية ومكان الأراضي التي تريدها إيران في سوريا، يصبح التخمين أسهل لو كان من المتاح معرفة “الحجم الدقيق” لديون إيران على سوريا. لكن ذلك أيضاً، غير متاح، وإن كانت التقديرات المتداولة تؤشر إلى حجم ديون مهول، قياساً لقدرة الاقتصاد السوري على الإيفاء. وفيما تقول مصادر رسمية إيرانية إن هذه الديون تتراوح ما بين 20 إلى 30 مليار دولار، تقول مصادر إيرانية معارضة إنها تتراوح ما بين 30 إلى 40 مليار دولار، فيما تقول مصادر سورية معارضة، متخصصة بالشأن الاقتصادي، إنها قد تصل إلى نحو 60 مليار دولار، وفق تقديرات تستند إلى حجم المورَّد من النفط الإيراني والأسلحة والمعدات، على مدى السنوات العشر الماضية. وعدّاد هذه الديون، ما يزال يعدّ. فإيران ما تزال تورّد ناقلات النفط تباعاً إلى سوريا.

وقد سبقت زيارة الوزير الإيراني، وتصريحاته المباشرة، زيارة مرتقبة للرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، إلى دمشق، هي الأولى منذ العام 2011. زيارة، قالت صحيفة “الوطن” ذاتها -التي سبق أن نقلت تصريحات الوزير الإيراني- إنها ستتضمن “تعزيز التعاون الاستراتيجي بين البلدين وخصوصاً في الجانب الاقتصادي”. وأنه سيتم على هامشها، التوقيع على عدد كبير من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم الخاصة بالتعاون الاقتصادي.

وهكذا، تمارس إيران ضغطاً مكثّفاً على الأسد، لمنحها امتيازات اقتصادية غير مسبوقة، تتجاوز تلك الممنوحة لروسيا، التي أجّرها موانئ وموارد طبيعية لنصف قرن. إذ المطلوب منه، إيرانياً، التنازل عن ملكية أراضٍ سورية، في سابقة تتنافى مع “السيادة الوطنية” التي صدع إعلامه الرسمي رؤوسنا بها. وهي سابقة، تبقى في رسم الراغبين الخليجيين بالتطبيع مع الأسد، بغية الحد من النفوذ الإيراني.

المدن

—————————-

جيوش الظل.. الحرب بدماء رخيصة/ عبدالناصر العايد

أطلق المركز السوري للإعلام وحرية التعبير تقريراً تحت عنوان جيوش الظل، تناول ظاهرة المرتزقة العسكريين التي بدأت بالتطور خلال السنوات الماضية على ضفتي الصراع في سوريا. ويتخذ التقرير الحقوقي من واقعة تجنيد سوريين على طرفي الصراع في كل من ليبيا وناغورني كراباخ، موضوعاً محدداً له، ويثير سؤالاً مهماً يتعدى المعالجة الحقوقية التقليدية للصراعات الأهلية المسلحة، أي زاوية تحدي إعادة دمج المقاتلين اجتماعياً. فهو يوميء إلى نشوء ظاهرة استخدام جزء من المقاتلين في الحروب المحلية لتحقيق الغايات الاستراتيجية لبعض الدول، وتحويل القتال بأجر إلى مهنة ثابتة لفئة واسعة من ذوي الخبرة العسكرية بتخطيط وإدارة من دول فاعلة وقوية.

يُستخدم تعبير “جيوش الظل” أحياناً بمعنى “جيوش الأشباح”، وهو مصطلح فضفاض، يشير إلى حالات غير محددة بدقّة، منها: قتال أفراد أو مجموعات إلى جانب طرف في صراع ما مقابل أجر مادي، من دون أن تكون للمرتزقة صِلة أو مصلحة مباشرة في ذلك الصراع، وليس لهذا النوع من الارتزاق أي ضوابط سوى الاتفاق المالي الذي قد يكون شفهياً. أما المعنى الثاني للمصطلح فيتضمن حالة الشركات الأمنية والعسكرية الخاصة، وهذه لها إطار قانوني في دولة المنشأ، ومهام محددة تنفذها، لكن الالتزام بكلا القاعدتين محل شك كبير. ولدينا أيضاً الجماعات ذات البُنية العقائدية أو السياسية المدعومة من جانب طرف يستخدم تلك الجماعات في صراعاته الخاصة التي قد تكون غير ذات صِلة بأيديولوجيا تلك الجماعات أو أهدافها السياسية، بل أحياناً مناقضة لها. ولدينا ظاهرة حرب الوكيل، التي تعني تجنيد وعسكرة جهة محلية لتخوض صراعاً ما نيابة عن طرف آخر لا يستطيع التدخل مباشرة لأسباب سياسية على الأغلب، وفي بعض الأحيان نرى توليفة من عدد من تلك العناصر، مثل حالة الجيش الوطني السوري التي تحدث عنها التقرير المشار إليه.

يُعزى ميل عدد من الدول للاعتماد مؤخراً على جيوش الظل، رغم امتلاكها جيوشاً نظامية، إلى أسباب عديدة، من بينها سد الفجوة في القدرات ما بين جيشين متنافسين، مثل الفجوة بين روسيا والولايات المتحدة. فبينما تستطيع واشنطن نشر قواتها بسهولة وسرعة عبر العالم، وجدت موسكو أنها لا تستطيع أن تمدّ نفوذها سوى من طريق ما يسمى بالشركات العسكرية والأمنية مثل “فاغنر” التي تنكر ارتباطها بالحكومة الروسية أو بأهدافها الاستراتيجية، مع أن تقارير ذات مصداقية تؤكد أن هذه الشركة تأسست في هيئة الأركان الروسية، وهي تستغل الثغرات الكبيرة في البنية القانونية الدولية الضابطة لعمل وأنشطة الشركات الأمنية والعسكرية. ويلجأ بعض الدول إلى تلك الجيوش لتنفيذ “المهمات القذرة” التي تنطوي على انتهاكات، مستفيدة من إمكانية “الانكار المعقول” لصِلتها بالمجموعات المقاتلة أو صعوبة إثبات مسؤوليتها عنها. كما تلجأ دول إلى تلك الجيوش بسبب كلفتها الاقتصادية المنخفضة مقارنة بالجيوش النظامية، أو بسبب قدرتها على الاستجابة لبعض الظروف بأسرع مما تستطيع الجيوش الرسمية بطيئة الحركة والمثقلة بالبيروقراطية والتسلسل الهرمي.

كما يشير مصطلح “جيوش الأشباح” إلى التأثير المعنوي والرعب الذي يثيره استخدام هذه الجيوش لدى الخصم، فتلك الجيوش تتمتع بدعاية عالية ومبالغ فيها أحياناً لقدراتها ووحشيتها، وقد يكفي ذيوع خبر نشرها في صراع ما للتأثير في نتائجه. وفي بعض الحالات، يُجبر استخدام “جيوش الظل” في مكان ما، جهات أخرى على استحداث جيوشها الخاصة، فأساليب حرب العصابات لا يمكن للجيوش النظامية مواجهتها سوى بأساليب حرب عصابات مشابهة. كما يطرح التطور التقني في العصر الحالي تحدي الحرب الهجينة، الذي يتضمن المعلومات والدعاية والعمليات الخاصة، أو الحرب بوسائل أخرى، وهو ما يقتضي امتلاك الدول لعنصر “جيوش الظل” لتحقيق أهدافها الاستراتيجية.

في وقتنا الحالي، يُعتبر الشرق الأوسط مركز ظاهرة جيوش الظل عالمياً، ويعود ذلك بشكل رئيسي إلى تجذر الصراعات بين دوله وداخل جماعاته التي تكوّنه، لكن عدداً من الباحثين يشير إلى دور روسيا البوتينية في قيادة الظاهرة قدماً من خلال اعتبارها أن الشرق الأوسط هو “قعر روسيا” الذي لا يجوز الانسحاب منه، وفق المبدأ الشهير للدبلوماسي السوفياتي السابق بريماكوف. ولما كانت روسيا عاجزة عن منافسة واشنطن هناك بالوسائل التقليدية، فقد اعتمدت هذه الوسيلة لشق الطريق لنفوذها المتصاعد في تلك المنطقة الحيوية، ونحن نعثر بالفعل على حضور متصاعد وصلب للشركات الأمنية والعسكرية الروسية في سوريا وليبيا والسودان، وحضور غير معلن عنه في دول أخرى مثل الإمارات العربية المتحدة.

يستطيع المرء اليوم أن يصنف تحت عنوان جيوش الظل، عدداً كبيراً من المليشيات والجماعات المسلحة الأهلية والأيديولوجية والسياسية التي تحولت إلى مرتزقة أو في طريقها إلى ذلك، بدفع من تنافس محموم بين عدد من دول المنطقة لكسب المزيد من الوكلاء العسكريين الجاهزين للعمل مقابل دعم مالي وغطاء سياسي وقانوني.

وفق معدلات النمو الحالي والاستخدام المتصاعد لجيوش الظل، وفي ظل ركاكة وهزال الاتفاقيات الدولية الناظمة لعمل الشركات الأمنية والعسكرية، ومع التطور التقني المتوالي، يحتمل أن يشهد العالم، والشرق الأوسط خصوصاً، حالة عدم استقرار متصاعدة، عنوانها الحروب الصغيرة القذرة، التي ستخفض احتمالية اندلاع حروب كونية، لكنها لن تؤدي الى خفض معدلات العنف والقتل، بل ربما تزيدها.

من ناحية أخرى، سيؤدي تنامي هذه الظاهرة إلى مزيد من تآكل سلطة الدولة، وتبدل شكل النظام العالمي كما نعرفه، والمعتمد على وحدات محددة هي الدول، وسيتحول بعض جيوش الظل إلى دول داخل الدول، ودول عابرة للدول، وقد يستقل بعضها مع مرور الزمن ويكف عن الاعتماد على الدول الراعية. وربما نشهد حالات تصبح فيها جيوش الظل راعية لبعض الدول، وستخلط هذه الظاهرة الأوراق، وتقطع الطريق على الحركات الاجتماعية التي تناضل من أجل أهداف سياسية مشروعة، لتحولها جميعاً إلى جماعات أهلية متقاتلة تحترف صناعة النزاعات وتعمد إلى تشويه الدول التي تنشط فيها، ليجري الانتقال من حالة التنظيمات التي تشبه الدول، إلى الدول التي تسلك سلوك التنظيمات، وربما نستطيع أن نتلمس وجوه بعض هذه المخاطر المحتملة في الواقع السياسي الشرق أوسطي الحالي.

المدن

—————————-

السوري الذي صار يهودياً/ عمر قدور

وثّقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في تقرير لها إبعاداً قسرياً إلى داخل الحدود السورية لما لا يقل عن 168 لاجئاً سورياً في لبنان، منذ مطلع الشهر الحالي، وتراوحت أشكال إبعاد هؤلاء، بين رميهم خلف الحدود أو تسليمهم بلا وثائق يمكن على أساسها السعي إلى معرفة مصائرهم. في معظم الحالات هناك حديث عن تلقّي الضحايا إهانات، أو ضرب وتعذيب، قبل رميهم خارج الحدود كيفما كان، أو تسليمهم إلى قوات الأسد في الجهة المقابلة.

يوم الاثنين الفائت قُتل لاجئ سوري، في ولاية كلس التركية طعناً بالسكاكين، بأيدي مجموعة من الشبان الأتراك، وهي ليست الحادثة الأولى التي ينهال فيها شبان أتراك طعناً بالسكاكين على ضحية سورية. حرس الحدود التركي يطلق النار عشوائياً على أي سوري يقترب من الحدود، من دون أن يشكّل خطراً على الحرس. ويؤكد تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش صدر يوم الخميس الروايات المتداولة سابقاً عن قيام أفراد من الحرس بالقبض على الذين يحاولون التسلل، والقيام بتعذيبهم واستخدام القوة المفرطة، وهناك روايات لضحايا تم اقتيادهم إلى مراكز للجندرمة والتنكيل بهم فيها، ثم أعيد رميهم داخل الحدود السورية.

أما عن السعار العنصري اللبناني تجاه السوريين مؤخراً فقد تجاوز كل حدود الحياء، وحتى المنطق السياسي. مثلاً، قال المرشح الأقوى للرئاسة سليمان فرنجية في حديث إلى تلفزيون الجديد: “لستُ مستعداً للتآمر على لبنان من أجل سورية، بل سأتآمر على سوريا من أجل لبنان، ولا يمكن أن أقبل ببقاء النازحين إذا لم يوافق الرئيس الأسد على عودتهم، رغم أنه يقبل بذلك”. في الواقع لا يوجد طريقة لعدم قبول بقاء اللاجئين السوريين، إذا لم يوافق الأسد على عودتهم، سوى رميهم على النحو الذي تعرض له العشرات خلال هذا الشهر فقط. أما ما دون المرشح الرئاسي العتيد، فقد صدرت مؤخراً دعوات عنصرية فاجرة من لبنانيين آخرين، وتفاخرَ بها أصحابها في غياب فعلي تام للروادع القانونية والأخلاقية.

ما يحدث اليوم من جرائم مباشرة وغير مباشرة ضد السوريين لا يُحتسب على جرائم سابقة مشابهة، حتى إذا كانت تلك بدوافع عنصرية أيضاً. المختلف اليوم هو حجم المواكبة والتحريض الجماعي على ارتكاب الجريمة، والاستقواء العلني البذيء بأن الجريمة ضد السوري هي بلا عقاب. الإفلات من العقاب يتغذّى أولاً من بقاء الأسد في السلطة، فإذا كان الذي ارتكب جرائم إبادة وجرائم ضد الإنسانية لم يتعرّض للمساءلة الدولية فإن من يرتكب جريمة إبادة أصغر لا يجد نفسه في موقع التجريم، واستخدام تعبير “جريمة الإبادة” هو توصيف يقارب المُشتهى من قبل أولئك العنصريين، ولو لم يوضع تحريضهم بأكمله قيد التنفيذ.

بقاء الأسد لا يغذّي الجرائم أو التحريض عليها من جهة إفلاته من العقاب فقط، فبقاؤه يعيد طرح مشكلة اللاجئين على النحو الذي لم يكن مطروحاً من قبل. لقد كانت قضية اللاجئين طوال سنوات في إطار المؤقت، والذي يمكن احتماله ولو على مضض أو كره بما أنه مؤقت، والمؤقت مرتبط هنا بتسوية ما في سوريا تتكفل بإيجاد مناخ سلمي لعودة اللاجئين، أو ما كان يُسمى طوال الوقت “عودة طوعية آمنة”. مع الإقرار ببقاء الأسد تبخّرَ وعدُ العودة الطوعية الآمنة المؤجّل، وفقدَ بعض المدافعين عن اللاجئين “من أبناء بلدان اللجوء” حجتهم التي تنص على أن استضافتهم مؤقتة، لتبقى المراهنة الضعيفة على العوامل الإنسانية في غياب القوانين التي تحمي اللاجئين، وتحمي مَن يدافع عنهم.

السُعار العنصري الأخير مسنود ومدفوع بمواقف دول هي الأكثر تأثيراً في المنطقة، فالتطبيع السعودي مع الأسد وضع في الواجهة السعي إلى حل مجموعة من القضايا منها قضية اللاجئين. انعطافة أردوغان في اتجاه الأسد تلطّت أيضاً وراء عبء اللاجئين على بلاده، وقوبلت من معارضيه بمزايدات، إذ تعهد بعضهم بإعادة اللاجئين إلى سوريا خلال سنتين بالاتفاق مع الأسد، والأكثر مغالاة يعدُ اليوم بإعادة اللاجئين فوراً وباستخدام القوة “ضدهم بالطبع”. وكان ملك الأردن، الذي أطلق أول مبادرة عربية للتطبيع مع الأسد، قد وضع إعادة اللاجئين في طليعة الأهداف، مع المطالبة بوقف الأسد تصدير الكبتاغون.

أيضاً ما يقوله مجمل المواقف الإقليمية أن الأسد باقٍ كما هو، وينبغي البحث عن حل المشكلات التي كانت معلّقة في انتظار رحيله أو انتظار تسوية تغيّر من سلوكه وتسمح بعودة آمنة للاجئين، حتى إذا لم تكن طوعية تماماً. ترجمةُ القبول بالأسد كما هو تنعكس بدفع اللاجئين بالقوة كي يعودوا إلى سوريا، حتى إذا كان احتمال تعرّضهم للقتل مرتفعاً جداً أو أكيداً. وكي يصلوا هم إلى هذه القناعة لا بأس بالتضييق عليهم إلى حد لا يُطاق، ولا بأس بقتل البعض منهم بطريقة وحشية لا يعود فيها مصيرهم إذا عادوا هو الأشد سوءاً.

ترجمة ما يحدث، بلا تزويق، هي: تعالوا نعيد بشتّى الطرق وأحطّها اللاجئين إلى الهولوكست الذي هربوا منه. واستعارتنا المحرقة النازية ليست على سبيل المبالغة أو الشتيمة، بل هي استعادة الأجواء التي لقي فيها هتلر تشجيعاً صريحاً أو خفيّاً، أو تعاوناً أو تجاهلاً، في التعامل العنصري مع اليهود وصولاً لحرق الملايين منهم. نذكّر هنا بالأجواء المسمومة تجاه اليهود منذ القرن التاسع عشر، واشتُهرت في أواخره قضية الضابط دريفوس لأن القضاء الفرنسي آنذاك كان معادياً لليهود. لكن قبل تلك القضية وبعدها، وعلى نحو أشد منذ الكساد الكبير الذي بدأ عام 1929، راحت التعبئة ضد اليهود تستخدم ذرائع اقتصادية، وتصوّر سيطرة الأثرياء منهم في أسواق المال سبباً أساسياً أو وحيداً للأزمات الاقتصادية الأوروبية.

بمؤازرة قوية وحثيثة من هذه الدعاية تم سوق اليهود الفرنسيين، ومن دول أوروبية عديدة، ليُقتلوا في محرقة هتلر. واليوم يُعامل السوري كيهودي ذلك الزمن، أي بوصفه سبباً أساسياً أو وحيداً للأزمات المعيشية في دول الجوار، والحل من أجل التخلص من لعنته هو إرساله إلى هتلر. كانت دعاية الحزب سبّاقة في وصف السوريين باليهود، عندما كانت الآلة العسكرية للحزب تقتل السوريين في يبرود والقصير وسواهما من مدن وبلدات سورية. أما البشرية عموماً فلم تتعلم من درس المحرقة الأول، أو أنها تملك من الفراسة ما يجعلها مطمئنة إلى أن السوريين الذين يُعاملون اليوم كيهود لن تكون لهم فرصة التشبّه بقاتلهم كما حدث بعد المحرقة الأولى.

المدن

——————————

“سباق” إيراني سعودي على سوريا: طائرات واستثمارات.. مخدرات وانسحابات/ منير الربيع

هل تشهد الأيام المقبلة تغيرات ملموسة على الأرض، في وضعية حزب الله السورية؟ وهل هناك ترابط في الملفين اللبناني والسوري أم أن التفاوض الإقليمي بشأنهما يبقى منفصلاً؟ في الوقت الذي لم تنجح فرنسا بتحقيق خرق على الساحة اللبنانية، ثمة انتظار لما ستؤول إليه المفاوضات الإيرانية السعودية. ويمكن استشراف المزيد من الوقائع بالاستناد إلى ما سينتج عن زيارة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي إلى سوريا في الأيام المقبلة. لا سيما أن الزيارة تأتي في ظل الانفتاح العربي على دمشق، وتحقيق تقارب سياسي سعودي- سوري، بعد التقارب الأمني. علماً أن السعودية تقول بشكل واضح إن انفتاحها على دمشق يهدف إلى استعادتها إلى الحضن العربي، ويتركز على ضرورة خروج كل القوات الأجنبية من سوريا.

الديون السورية لإيران

قبل أشهر، كان يفترض أن تجري زيارة الرئيس الإيراني إلى سوريا، لكنها لم تحصل. وحسب ما تم تسريبه في تلك الفترة، فإن طهران رفضت حصول هذه الزيارة إلا في حال كان سيتم التوقيع على المزيد من الاتفاقيات ذات الاستثمار الطويل الأجل لصالح إيران، كنوع من سداد الديون السورية المتوجبة على إيران، التي دعمت النظام بالسلاح، والمال والنفط والرجال. ومعلوم أن جزءاً أساسياً من التفاوض العربي مع دمشق حول استعادة العلاقات معها، كان يتركز على عدم منح مثل هذه الاستثمارات الطويلة الأجل لصالح الإيرانيين، لأن ذلك سيعني بقاءً إيرانياً على المدى البعيد في سوريا. وهو ما يتعارض مع مبدأ “عودة سوريا إلى الحضن العربي”.

مخدرات وطائرات

ولكن ما الذي تغيّر حتى يتم تحديد موعد الزيارة؟ وعلى ماذا ستنطوي نتائجها؟ تأتي الزيارة بعد الاتفاق السعودي الإيراني، وبعد التقارب السعودي السوري، وسط معلومات تفيد بأن دمشق كانت قد نسقت مع طهران خطواتها، في سبيل التقارب مع الدول العربية وخصوصاً السعودية. وقد شمل التنسيق تعاوناً امنياً مع الرياض في سبيل وقف عملية تهريب المخدرات. وقد تم الإبلاغ عن الكثير من الشحنات ومن أسماء مهربي المخدرات إلى السعودية. وهنا تقول مصادر متابعة، إن الكلام بين النظام السوري والسعودية حول ملف تهريب المخدرات كان صريحاً للغاية. إذ طلب السعوديون من النظام وقف عمليات التهريب، وهو ما لم ينفه النظام، إنما فاوض بناء عليه، للحصول على مكاسب في المقابل، بدلاً من الأموال التي يدرها هذا القطاع.

استمرت المفاوضات الأمنية بين دمشق والرياض لأشهر طويلة. وكان رئيس المخابرات السورية حسام لوقا يسافر إلى المملكة العربية السعودية عن طريق بيروت. فقبل أشهر وخلال الزيارة ما قبل الأخيرة له إلى الرياض، غادر لوقا من مطار بيروت، إلا أنه لم يمر به للعودة إلى الشام، إنما عاد بطائرة خاصة إلى مطار دمشق الدولي. خلال تلك الزيارة أيضاً، طلبت دمشق مساعدات من السعودية لإصلاح عدد من الطائرات، وللحصول على قطع غيار، فما كان من الرياض إلا أن منحت سوريا ثلاث طائرات مدنية.

عودة اللاجئين ومفاوضة المعارضة

على وقع هذا التفاوض تم الإنتقال إلى مرحلة جديدة من المفاوضات السياسية، وسط تأكيدات سعودية بأن الغاية هي عودة الاستقرار إلى سوريا، وإعادة اللاجئين. ففي مقابل حصول النظام على مساعدات عليه تسهيل عملية إعادة اللاجئين، بالإضافة إلى البحث عن حل سياسي مع المعارضة. كما أن التفاوض يشمل الوصول إلى اتفاق على خروج القوات الأجنبية والميليشيات من سوريا. وهذا موقف يفترض أن يصدر بشكل واضح عن اجتماع القمة العربية في التاسع عشر من أيار المقبل. كإشارة واضحة من الدول العربية بضرورة خروج القوات الإيرانية وحلفائها، بالإضافة إلى القوى الأخرى من سوريا.

ولكن هل ذلك سيتحقق؟

لا تزال المنطقة تترقب نتائج الاتفاق السعودي الإيراني، وإذا كان سيتم تطبيقه والإلتزام به. وهذا لا بد له أن يظهر في نتائج زيارة الرئيس الإيراني إلى سوريا، علماً أن الزيارة تأتي كنوع من تتويج “الانتصار” السوري الإيراني المشترك. وهو ما سيعبر عنه رئيسي بشكل واضح. وهذا الانتصار يعني أن إيران لن تقدم تنازلات، ولن تقدم على خطوات من شأنها أن تشير إلى أنها قد تراجعت. علماً أن مصادر متابعة تؤكد أن العاصمة دمشق ومحيطها قد شهدت في الأيام الماضية بعض الانسحابات من قبل القوات الإيرانية وحزب الله من مناطق أساسية. فلم يعد هناك وجود ظاهر أو حواجز في شوارع العاصمة لهذه القوات، بينما يعمل النظام السوري على تعزيز حضور الجيش السوري، فيما تمت إزالة العديد من الحواجز من الشوارع الرئيسية للعاصمة.

إيران في لبنان

من حيث الشكل، لا تزال إيران تصرّ على الاتفاق، مع تثبيت الحضور من بيروت إلى دمشق، خصوصاً بالنظر إلى زيارة وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إلى لبنان، حين التقى المسؤولين، والأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله، كما التقى بعدد من النواب. في المضمون ركز عبد اللهيان على ضرورة التوافق بين اللبنانيين على تسوية سياسية، وشدد على التعاون مع السعودية.

من حيث الشكل أيضاً، كانت زيارة عبد اللهيان إلى الجنوب تنطوي على رسالة واضحة، وهي أن إيران وحزب الله في مقدمة قوى المقاومة، ما يعني عدم التخلي عن هذا المعيار. وهذا يعني ضمناً تحييد البحث بمسألة السلاح في أي مفاوضات لاحقة.

بالإرتكاز إلى هذا التصور من حيث الشكل، يمكن النظر إلى زيارة الرئيس الإيراني إلى دمشق، والتي ستنطوي على إشارات متعددة، بعضها يرتبط بالمعايير السياسية في ضوء الانفتاح السوري على السعودية، وهو ما قد تنتج عنها مواقف سياسية متماهية مع هذا التطور. أما في المضمون، فإن حضور رئيسي في دمشق سيعبّر عن تثبيت الوجود والفعالية.

المدن

——————————

التطبيع مع دمشق.. الاستثمار الخاسر/ محمد سرميني

شهدت الآونة الأخيرة تسارعا في وتيرة تطبيع العلاقات مع النظام السوري رغم غياب أي تقدم في بنود المبادرة العربية التي اقترحها الأردن عام 2021، والتي تقوم على نهج خطوة مقابل خطوة، وكانت بالأساس مقترحا للمبعوث الأممي الخاص إلى سوريا غير بيدرسون.

وتكمن الإشكالية الأساسية التي تواجه سياسة التطبيع الأخيرة مع النظام السوري في طبيعة النظام ذاته، إذ فقد مرتكزين أساسيين من المرتكزات الثلاثة للدولة، وهي الأرض والسيادة والشرعية القانونية، فرغم أنه ما زال يمتلك الشرعية بفعل التوازنات الدولية فإنه لا يسيطر على أكثر من ثلث الأرض السورية، ويخضع في مناطق سيطرته لنفوذ دولتين أجنبيتين، وبالمجمل، فإن 4 دول تتقاسم النفوذ على الأرض، فيما تشارك دولة خامسة في النفوذ الجوي.

إن لجوء الدول العربية إلى التطبيع مع دولة فاشلة بالمعايير القانونية والسياسية يمثل فشلا للمنظومة العربية حتى لو كان التطبيع غير مقصود لذاته، وهو الأرجح، إذ يمثل بالأساس محاولة لمنح إيران مقعدا آخر في جامعة الدول العربية، ومكافأة لواحد من أكبر مشاريع تصنيع وتهريب المخدرات في العالم حتى وفقا للمعايير المتعارف عليها في أميركا اللاتينية.

وفي حال تجاوز مفهوم الدولة الغائبة فإن الجمود الذي تشهده سوريا منذ عام 2020 لم يسهم في أي تغيير سياسي وعسكري وأمني واقتصادي لصالح النظام يدعو للقبول بسياسة الأمر الواقع والتعامل معه كطرف استطاع استعادة بعض الأدوات التي يمكن من خلالها الاستجابة لمصالح ومتطلبات الدول المنخرطة في مسار التطبيع.

فسياسيا: لم يفضِ سلوك النظام سوى لتعطيل العملية السياسية في إطار اللجنة الدستورية التي تدعمها روسيا، دون إحراز أي تقدم لصالحه من قبيل فرض “المبادئ الوطنية” كمدخل لصياغة الإصلاح الدستوري، والتي من خلالها يضمن الحفاظ على روح دستور عام 2012.

وأمنيا: لم تؤدِ التسويات التي شهدت زخما خلال عامي 2021 و2022 إلى استعادة النظام السيادة على مناطق جنوب البلاد، حيث تواجه سلطته رفضا مستمرا من السكان المحليين والمجموعات المسلحة التي انخرطت في مسار المصالحة، إضافة إلى عدم قدرته على ضبط نشاط المليشيات الإيرانية المنتشرة في محافظات ريف دمشق ودرعا القنيطرة.

وعسكريا: منذ عام 2020 لا يزال النظام غير قادر على تغيير واقع السيطرة، لا شمالا ولا شرقا، فهو لا يمتلك قرار السلم والحرب الذي باتت تسيطر عليه بشكل رئيسي روسيا ثم إيران، وتؤثر فيه كل من الولايات المتحدة وتركيا.

واقتصاديا: أظهرت كل السياسات والأدوات النقدية وغير التقليدية التي حظي بها النظام عدم قدرته على الحد من تعرض الليرة لمزيد من الانهيارات، كما أصبح اقتصاد الحرب مسيطرا بشكل كامل على الهياكل والمؤسسات ولم يعد مجرد إجراءات طوارئ حتى يكاد يصعب أو يستحيل على النظام أو أي طرف آخر إعادة البلاد لاقتصاد السلم.

إذن، ما سبق يشير بشكل واضح إلى أن الدول التي انخرطت في مسار التطبيع لا تعوّل على قدرة النظام على الاستجابة لمصالحها، فهو غير قادر على فرض الاستقرار السياسي والاقتصادي والعسكري والأمني، إنما قامت بهذه الخطوة من أجل ضمان مصالحها الإقليمية والدولية عبر مزيد من التقارب مع روسيا أو إيران أو كلتيهما، في مشهد إقليمي ودولي متغير.

لا يبدو بأي شكل أن النظام السوري مهم بحد ذاته للدول المنخرطة في مسار التطبيع بقدر ما بات يمثل التواصل معه مساحة لاختبار النوايا وتبادل الرسائل سلبا وإيجابا، فالدول العربية وتركيا تمر بحالة من عدم الثقة مع الولايات المتحدة التي أسهم سلوكها في مزيد من التوجه نحو روسيا وإيران وتبني سياسات تقوم على توسيع هوامش التحرك، ومحاولة تحقيق المصالح بعيدا عن المظلة الأميركية أو ضمن أقصى الهوامش التي تتيحها.

كما أن مسار التطبيع القائم لا يعني إعادة إنتاج النظام بغض النظر عن الصورة التي يحاول التسويق لها، فبنيته غير قابلة لذلك، خاصة بعدما أصبحت رهينة لسيطرة حلفائه الروس والإيرانيين، وأصبحت محاولة العودة إلى وضع ما قبل عام 2011 مستحيلة، بل إن مسارعة النظام في طي صفحة الخلافات بسهولة مع الدول التي وقفت ضده خلال السنوات الماضية ستؤدي لمزيد من انكشافه أمام فاعلين جدد.

بمعنى أن قدرة النظام سابقا على مواجهة سياسات الدول المنخرطة في مسار التطبيع لن تعود متوفرة، بسبب انكشافه مرة أخرى لتدخلات فاعلين جدد، حيث ستصبح قراراته وحساباته أكثر تقييدا وتعقيدا.

وقد تمنح هذه السيولة مجالا للدول المنخرطة في التطبيع أمام تحقيق مزيد من الاختراق لمواقف النظام وبنيته، وربما تأمل بعض العواصم العربية أن يساعدها ذلك على احتوائه وإعادة هيكلته بهذا الشكل.

ومع ذلك، ستكون أمام أي مساعٍ محتملة لتعديل سلوك النظام من داخله تحديات كبيرة، بينها وجود فاعلين آخرين من خصوم ومنافسين، ولا سيما إيران التي لن تعطي أي فرصة لتغيير التوازنات الداخلية في بنية النظام بما يؤثر على مصالحها وسياساتها في المنطقة.

كما أن روسيا حتى وإن أتاحت المجال لبعض الفاعلين كي يملؤوا أي مساحة مكانها في ظل أولوية الصراع في أوكرانيا فإنها لن تتخلى عن دورها الرئيسي في رسم وصياغة القرارات والمواقف السياسية والعسكرية والاقتصادية.

وبالنتيجة، فإن التطبيع مع النظام حتى وإن استمر فإنه سيبقى مستحيلا أمام أي رغبة أو جهود لإعادة إنتاجه وحتى تعديل سلوكه من داخل بنيته، ولا تبدو هذه الخطوات سوى محاولات هامشية في الوقت بدل الضائع الذي تفرضه مرحلة الجمود منذ عام 2020، فالمشهد السوري قد يتغير جذريا بمجرد انهيار جهود التهدئة الإقليمية أو اندلاع تصعيد جديد في المنطقة أو حسم نتائج الصراع في أوكرانيا لصالح الغرب.

المدير العام لمركز جسور للدراسات

—————————

إيران ترسّخ نفوذها في سورية… احتواء التقارب العربي مع الأسد؟/ محمد أمين

اختتمت اللجنة الاقتصادية المشتركة بين إيران والنظام السوري اجتماعات في العاصمة السورية دمشق، في خطوة تتزامن مع انفتاح عربي على هذا النظام، من أهدافه إبعاد سورية عن دائرة النفوذ والتأثير الإيراني المتعاظم.

ونقلت صحيفة “الوطن” السورية شبه الرسمية، عن وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية في حكومة النظام محمد سامر خليل، قوله إن الاجتماعات، التي انتهت أول من أمس الأربعاء، تناولت “وثائق ستُوقّع خلال الفترة المقبلة، أولاها وثائق متفق عليها وجرت مطابقتها من قبل الطرفين وهي جاهزة للتوقيع، خصوصاً في مجال المناطق الحرة والمشاريع الصغيرة والمتوسطة والمعارض”.

وبيّن خليل أن “المجموعة الثانية هي اتفاقيات بحاجة إلى التفاوض، وخصوصاً في مجال السياحة والكهرباء والسكك الحديدية”. وأضاف: “أما المجموعة الثالثة، فهي اتفاقيات تدرس حالياً في مجال الإعلام والمتاحف والآثار والبحث العلمي”، مشيراً إلى وجود “مجموعة من التفاهمات في مجالات للتعاون خارج إطار الاتفاقيات، كالتعاون لتنمية التبادل التجاري، وفي المجال المصرفي والنقل”.

من جهته، بيّن وزير الطرق وبناء المدن الإيراني مهرداد بذرباش، الذي رأس وفد بلاده في الاجتماعات، أن محضر الاجتماع الذي تمّ توقيعه “تطرق إلى تعزيز القدرات في القطاعين البحري والسككي”، كاشفاً عن اتفاق لـ”تأسيس شركة تأمين مشتركة ومصرف مشترك، كي يجرى تحويل الأموال بشكل مباشر وانسيابي بين البلدين”. ونقلت وسائل إعلام النظام عن رئيس النظام بشار الأسد قوله، خلال استقباله بذرباش والوفد المرافق (الأربعاء)، إن “ترجمة العمق في العلاقة السياسية بين سورية وإيران إلى حالة مماثلة في العلاقة الاقتصادية هي مسألة ضرورية”.

وجاءت هذه الاجتماعات قبيل زيارة مرتقبة للرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى العاصمة السورية دمشق خلال شهر مايو/أيار المقبل، في خطوة هي الأولى من نوعها منذ اندلاع الثورة السورية في عام 2011.

حراك اقتصادي إيراني تجاه سورية

ويتزامن التحرك الإيراني الاقتصادي الجديد في اتجاه النظام السوري مع تقارب وانفتاح عربي على الأسد، يبدو أن أحد أهم أهدافه إبعاد سورية عن دائرة النفوذ الإيراني. بيد أن الحقائق التي خلقتها إيران في سورية، خصوصاً في المجالين العسكري والثقافي، تؤكد أن الهدف العربي بعيد المنال. وكبّلت طهران النظام السوري بالعديد من الاتفاقيات الاقتصادية، فضلاً عن اعتماده على المليشيات الإيرانية في الكثير من الجبهات “الساخنة” مع فصائل المعارضة السورية.

وأشار الباحث السياسي أحمد القربي، في حديث مع “العربي الجديد”، إلى أن “الجانب الإيراني غير راض عن تطور العلاقات الاقتصادية مع نظام الأسد”، مضيفاً أن “المسؤولين الإيرانيين عبّروا أكثر من مرة عن عدم الرضا هذا”.

وفصّل القربي بقوله إنه “منذ عام 2016، جرى الحديث عن دخول الجانب الإيراني إلى قطاع الاتصالات في سورية من خلال مشغل ثالث للهواتف المحمولة والأمر لم يتحقق”، مشيراً إلى أن “الجانب الروسي استولى على الفوسفات السوري، والقطاع الوحيد الذي نالت فيه إيران استثمارات هو محطات الكهرباء”.

وبرأي الباحث، فإن إيران “لم تستطع ترجمة مكاسبها العسكرية والثقافية في سورية إلى أرباح اقتصادية واضحة”، مضيفاً أن “اجتماعات اللجنة الاقتصادية تأتي كمحاولة متكررة لتحقيق تقدم في الملف الاقتصادي”. كما أعرب القربي عن اعتقاده بأن اجتماعات الأربعاء في دمشق “ربما هي رسالة إيرانية إلى الجانب العربي، مفادها أن النظام السوري بات غير قادر على فكّ ارتباطه مع طهران”.

وتُعَد طهران الداعم الرئيسي لنظام الأسد في الصراع الدائر في البلاد، إذ قدمت له عوناً اقتصادياً وعسكرياً وأمنياً مكّنه من البقاء. وتنتشر اليوم عشرات المليشيات الإيرانية في عموم المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام السوري، وخصوصاً في العاصمة دمشق وفي حلب ودير الزور.

عوائق أمام مشروع الربط البرّي

ويبدو أن المشروع الإيراني في المنطقة يضع على رأس أولوياته ربط سورية بالجغرافيّة الإيرانية برّياً، من خلال الممر الذي يبدأ من طهران شرقاً ويمر بالعراق وسورية ويصل إلى لبنان غرباً، والذي دخل عملياً حيّز التنفيذ.

ويمدّ الحرس الثوري الإيراني المليشيات التابعة له في سورية بالسلاح والذخيرة والعناصر عبر قوافل تدخل من معابر يسيطر عليها على الحدود السورية – العراقية، أبرزها معبر البوكمال. كما تعمل إيران منذ سنوات على مشروع ربط سككي بينها وبين العراق وسورية لنقل البضائع والمسافرين في سياق ترسيخ الوجود الإيراني في البلدين.

وتعليقاً على نيّة الجانب الإيراني المضي في هذا المشروع، رأى رئيس تحرير شبكة “الشرق نيوز” فراس علاوي، في حديث مع “العربي الجديد”، أنه “من الناحية النظرية تنفيذه ممكن”، مضيفاً أنه “قبل الثورة (2011)، كانت هناك شركات إيرانية تعمل على هذا المشروع”.

لكنه لفت إلى أنه “من الناحية الأمنية، تعتبر منطقة غرب العراق وشرق سورية منطقة معادية لإيران، وقد تتعرض السكة الحديدية للتخريب أو للاستهداف من قبل بقايا التنظيم أو حتى من قبل الأهالي”. وأشار إلى “أن جزءاً من الخط السككي يمر بمناطق قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وهذا يجب استبداله”، متحدثاً أيضاً عن “وجوب عدم إغفال الموقف الإسرائيلي الذي ربما لا يقبل بمشروع كهذا، وبالتالي سيعرقله من خلال استهداف الخط أو القوافل التي تسير عليه”.

——————————

حقيقة ما تم بحثه اثناء لقاء وزراء دفاع روسيا وسوريا وتركيا وإيران مؤخراً في موسكو/ رامي الشاعر

صدرت عناوين على بعض المواقع الإلكترونية، بعضها شبه رسمي، بأن وزراء دفاع سوريا وروسيا وإيران وتركيا بحثوا انسحاب القوات التركية من الأراضي السورية.

وعلى الرغم مما جاء في متن تلك الأخبار بشأن إعلان وزارة الدفاع السورية عن مناقشة قضية “انسحاب القوات التركية من الأراضي السورية”، إلا أن بيان وزارة الدفاع الروسية لم يتطرق إلى هذه القضية مطلقاً، وجاء فيه أن المحادثات تناولت “تعزيز الأمن في سوريا وتطبيع العلاقات السورية التركية”، مضيفة أن الأطراف أكدت رغبتها في الحفاظ على وحدة الأراضي السورية وضرورة تكثيف الجهود لإعادة اللاجئين.

كذلك ذكر بيان الدفاع الروسية إيلاء اهتمام خاص لمواجهة التهديدات الإرهابية ومحاربة الجماعات المتطرفة في سوريا، وأكد البيان على “الطابع البناء للحوار الجاري بهذه الصيغة، وضرورة مواصلته من أجل تعزيز استقرار الوضع في سوريا والمنطقة ككل”.

لا بد من الإشارة في هذا السياق إلى ما أكد عليه وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو من أن قوات بلاده لن تنسحب في الوقت الراهن من شمالي العراق وسوريا، مشيراً إلى أن انسحاباً تركياً من تلك المناطق يعني “توقف العمليات العسكرية ضد الإرهاب واقتراب الإرهابيين من الحدود التركية، وهو ما يشكل تهديدا للأمن القومي التركي”. واعتبر تشاووش أوغلو أن الفراغ الذي سيحدث حال انسحبت القوات التركية من شمال سوريا ستشغله التنظيمات التي تعتبرها تركيا إرهابية، لكنه شدد في الوقت نفسه على أن “تركيا لا تطمع في اقتطاع أجزاء من الأراضي السورية، ولا يمكنها الانسحاب من الشمال السوري إلا حين يستتب الأمن ويعود الاستقرار الكامل إلى تلك المناطق”.

وجاءت تلك التصريحات من قبل الوزير التركي عشية اجتماع وزراء دفاع واستخبارات سوريا وروسيا وتركيا وإيران في موسكو.

إذن، ليس هناك ذكر من قريب أو بعيد لما سمي بـ “مناقشة انسحاب القوات التركية من الأراضي السورية” في موسكو، على افتراض أن وزارة الدفاع السورية تعلن ذلك بغرض الاستهلاك المحلي، وهو ما قد يحمل بعض المنطق. إلا أن ذلك يدفعنا للتساؤل عن النوايا وراء تلك العناوين “البراقة”، والتي قد تكون بسبب بعض الجهل الإعلامي وربما السذاجة في تقدير الجوهر الحقيقي لمثل هذه العناوين ومآلاتها، أو رغبة في إحداث “سبق صحفي” أو صخب إعلامي يرفع من أعداد المشاهدات. أما إذا ما كانت النوايا خبيثة، فإن ذلك يستهدف ببساطة إفشال أي جهود لتطبيع العلاقات بين سوريا وتركيا، وبالتالي أيضاً إعاقة أي جهود للبدء في تسوية سياسية في سوريا تنهي معاناة الشعب السوري.

أود التوضيح بهذا الصدد أن مجموعة دول أستانا تعتبر الوجود العسكري التركي تواجداً مؤقتاً يساهم مع مجموعة أستانا في الحفاظ على نظام التهدئة ووقف الاقتتال بين السوريين. إضافة إلى الدور الذي يقوم به في محاربة الجماعات المتطرفة والإرهابية، كما يستند هذا التواجد أيضاً إلى اتفاقية أضنة الموقعة بين تركيا وسوريا والتي تنص على أن بإمكان الجيش التركي دخول الأراضي السورية إلى عمق معين، حال ما اضطرته الحاجة عند وجود تهديد للأمن القومي التركي أو قضايا تتعلق بأمن الحدود، وعندما تزول هذه المخاوف، فسوف تغادر القوات التركية الأراضي السورية وتعود إلى مواقعها.

أما بخصوص ما وردني من تساؤلات بشأن مباحثات وزراء الدفاع للبلدان الأربعة سوريا وروسيا وتركيا وإيران، فقد تناولت كثيرا من القضايا، لعل أهمها كيفية مساعدة سوريا أمنياً وعسكرياً لتهيئة الظروف التي تسمح للسوريين الاتفاق على وضع يضمن ألا تجري صدامات عسكرية بين الجيش العربي السوري والجيش السوري الحر وباقي فصائل المعارضة المسلحة، كي يتم تأمين التنقلات على طريق M4، إضافة إلى تأمين مواقع عبور حدودية أخرى، وتهيئة مناطق معينة لعودة اللاجئين من تركيا إلى سوريا.

كما ناقش وزراء الدفاع كذلك الوضع المعقد جدا للأوضاع في الشمال الشرقي والشمال الغربي، وهم مكلفين بمساعدة سلطات دمشق حتى تبدأ هي بالمبادرة للتفاوض مع المعارضة المتواجدة في هذه المناطق، والتي تمثل ما لا يقل عن 8 مليون مواطن سوري، والتي لا يمكن ضمان وحدة أراضي سوريا وسيادتها الكاملة على أراضيها كافة دون التوصل لصيغة تفاهم مع هذه الفئة من الشعب السوري، ودمجها في النسيج السوري والتوصل إلى مصالحات وطنية، وصيغ لمشاركة ممثلي فئات الشعب في النظام الجديد، الذي ستسفر عنه عملية الانتقال السياسي السلمي، وفقا لمخرجات مؤتمر الحوار الوطني السوري السوري في سوتشي عام 2018.

بعد ذلك تنتهي المظاهر المسلحة في الشمال السوري بشكل عام، ويتم إيجاد حل لمشاركتهم ضمن الجيش السوري والأجهزة الأمنية ويتسلمون مواقع ومهام محددة حفاظاً على الأمن والاستقرار متمتعين الاحترام والتأييد الشعبي.

تلك هي المهام الموضوعة أمام وزراء الدفاع وقادة الأجهزة الأمنية للدول الأربعة، والتي يتعين عليهم تقديم مقترحات وخطط على مراحل، لهذا يتم اعتماد خطوات سياسية على مستوى وزراء الخارجية، ويعتمد كل ذلك فيما بعد من قبل الرؤساء. وأكرر أن هذا العمل هو لمساعدة سوريا والشعب السوري في تجاوز أزمته الداخلية والإعداد لانتخابات وتعديل دستوري، وفقط بهذا الشكل يمكننا استعادة السيادة الكاملة على الأراضي السورية وضمان وحدتها. وأنا على ثقة من أن اجتماع وزراء الخارجية للدول الأربعة، حتى ولو تأخر قليلاً، إلا أن واقع الأمر أن المهام المنوطة بهذا اللقاء تقتضي ضرورة انعقاد هذا اللقاء، وسوف يعقد منتصف الشهر القادم، استعداداً للقاء الرؤساء في وقت لاحق.

كاتب ومحلل سياسي فلسطيني

—————————–

الصراع على سوريا… الجديدة/ إبراهيم حميدي

معركة سياسية ودبلوماسية واقتصادية بعد حروب النار في العقد الأخير

“الصراع على سوريا”، إحدى العبارات التي أسسها الصحافي والكاتب البريطاني الراحل باتريك سيل، إضافة إلى: “الأسد والصراع على الشرق الأوسط”، و”الصراع على السلام في الشرق الأوسط”.

اختصر سيل التاريخ السوري المعاصر في مرحلتين: ما قبل الأسد، وما بعده. كانت سوريا ونظامها السياسي مسرحا لصراع إقليمي ودولي قبل تسلم الرئيس الراحل حافظ الأسد وجعلها لاعبا إقليميا بامتدادات ونفوذ في الدول المجاورة والإقليم، قبل أن يدخل في “صراع” تحقيق السلام عبر مفاوضات مباشرة وغير مباشرة مع إسرائيل.

جنازة الأسد قبل 23 سنة، عبّرت عن التحالفات والعلاقات المتناقضة التي كان قد نسجها. حضر الأميركيون والروس والأوروبيون. حضر الإيرانيون والأتراك والعرب. حضر ممثلو أنظمة عربية ومعارضوهم. صحيح أن الجنازة دلت على الدور الخارجي لسوريا، لكنها أيضا دلت على الرهانات. كل فريق كان يريد سحب سوريا إلى ضفته. كل فريق كان يريد ضم الرئيس الجديد بشار الأسد إلى حلفه.

أين سوريا من هاتين الحقبتين حاليا؟ وما موقع سوريا الجديدة؟

تغير الإقليم والعالم كثيرا في العقدين الماضيين. وتغيرت سوريا أكثر، خصوصا في العقد الأخير. حاليا، هي مقسمة لثلاث “دويلات”: منطقة الحكومة بدعم روسي وإيراني، منطقة سيطرة كردية بدعم أميركي وغربي، جيوب معارضة بدعم تركي.

سوريا و”دويلاتها” حاليا ساحة لتنافس أو تفاهم أميركي- روسي، صراع عسكري إيراني– إسرائيلي، ضربات غامضة وواضحة أميركية– إيرانية، طاولة لتفاهمات روسية– تركية، وروسية– تركية– إيرانية، صندوق بريد لتبادل رسائل المتحاربين في ساحات الصراع الأخرى، من ليبيا إلى أوكرانيا.

ثلاث فعاليات واجتماعات سياسية رفيعة تجري هذه الأيام، هي أوضح تعبير عن واقع الحال السوري في الوقت الراهن. اجتماع نواب وزراء خارجية سوريا وتركيا وإيران وروسيا في موسكو الأسبوع الماضي، زيارة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي إلى دمشق يوم الأربعاء، اجتماع وزراء خارجية السعودية ومصر والأردن والعراق وسوريا في عمان، اليوم الاثنين.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يضغط بقوة على الرئيس الأسد لعقد لقاء مع أردوغان قبل الانتخابات التركية منتصف الشهر الجاري. الأسد، اشترط للقاء واحدا من ثلاثة: الانسحاب التركي من سوريا، وعدا بالانسحاب، برنامجا للانسحاب.

أمام الشروط والشروط المسبقة، ذهبت موسكو إلى ترتيب لقاءات أمنية وعسكرية وسياسية لوضع خريطة طريق تنتهي بلقاء الأسد- أردوغان. لكن الصراع الحقيقي، هو مستقبل النفوذ التركي في سوريا ودور دمشق في تعبيد الطريق أمامه للتوغل عربيا أو وقفه لتتحول الأراضي السورية إلى “الجبهة الشمالية” مع تركيا، كما كان العراق “الجبهة الشرقية” ضد إيران.

أما زيارة الرئيس الإيراني، وهي الأولى منذ 13 سنة عندما زار دمشق الرئيس محمود أحمدي نجاد في 2010، فإنها ترمي إلى قطف ثمار دور طهران في “إنقاذ النظام السوري” بعد تدخلها عبر الميليشيات والسلاح والذخيرة والمال اعتبارا من 2012. زيارة رئيسي، إن تمت تكون المحاولة الرابعة له كي يزور دمشق. ألغيت زياراته السابقة ثلاث مرات بسبب الخلاف بين دمشق وطهران حول نتائج الزيارة. إيران تريد تنازلات سيادية في سوريا. تريد مصالح وقواعد وامتيازات عسكرية واقتصادية واجتماعية.

من هنا تأتي أهمية الطريق الثالث، اجتماع الوزراء الخماسي في العاصمة الأردنية اليوم. هناك رهان عربي على فتح نوافذ لدمشق كي تدخلها رياح عربية. رهان على أن استعادة العلاقة والحوار بين دول عربية ودمشق، قد يخفف من اعتماد الأخيرة على الحليف الإيراني ويعزز من عزيمتها للوقوف في وجه الغريم التركي. رهان على ان تكون  تقوية “الدولة السورية” سدا وحاجزا امام تدفق هذا وسيول ذاك، بين انتشار الميليشيات هنا ووجود القوات الأجنبية هناك.

روسيا الموجودة بثقلها العسكري والاستراتيجي في سوريا، والمشغولة بحربها الأوكرانية ورهاناتها السودانية والأفريقية، وغيرها، تحاول ضبط الإيقاع في سوريا بين الخيارات الثلاثة: التركي، الإيراني، العربي. لموسكو مفتاح، لكن ليس جميع المفاتيح. لدمشق مفتاح لكن ليس جميع المفاتيح. كذلك، حال اللاعبين والمتصارعين والمتنافسين في سوريا.

الصراع يحتدم على سوريا الجديدة. معركة سياسية ودبلوماسية واقتصادية بعد حروب النار في العقد

المجلة

————————————

انتهاء اجتماع عمّان التشاوري حول سوريا.. ما أبرز مخرجاته؟

أصدرت وزارة الخارجية الأردنية، الإثنين، بياناً عقب ختام الاجتماع التشاوري، بين وزراء خارجية السعودية ومصر والعراق والأردن مع وزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد بالعاصمة عمان.

وقال البيان إن الاجتماع جاء استكمالاً للاجتماع الذي استضافته المملكة العربية السعودية، لوزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي والأردن والعراق ومصر، مشيراً إلى أنّ الاجتماع بداية للقاءات ستتابع لإجراء محادثات تستهدف الوصول إلى حل الأزمة السورية، بشكل ينسجم مع قرار مجلس الأمن 2254، ويعالج جميع تبعات الأزمة الإنسانية والسياسية والأمنية.

وأكد البيان على “أولوية إنهاء الأزمة وكل ما سببته من قتل وخراب ودمار ومن معاناة للشعب السوري، ومن انعكاسات سلبية إقليمياً ودولياً، عبر حل سياسي يحفظ وحدة سوريا وتماسكها وسيادتها، ويلبي طموحات شعبها، ويخلصها من الإرهاب، ويسهم في تعزيز الظروف المناسبة للعودة الطوعية والآمنة للاجئين”.

واتفق الوزراء على أجندة المحادثات التي ستتواصل وفق جدول زمني يتفق عليه، وبما يتكامل مع كافة الجهود الأممية وغيرها ذات الصلة وتشمل مناقشة الوضع الإنساني والوضع الأمني والوضع السياسي في سوريا.

وبحسب البيان فقد اتفق الوزراء على أن إيصال المساعدات الإنسانية والطبية التى تسهم في تلبية الاحتياجات الحياتية، لكل من يحتاجها من السوريين في جميع أماكن تواجدهم في سوريا، ضرورة يجب تكاتف كل الجهود لتلبيتها، بالتعاون والتنسيق بين حكومة النظام السوري وهيئات الأمم المتحدة ذات العلاقة، بما ينسجم مع قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، بما فيها القرارين

2642، 2672.

——————————

زيارة رئيسي للأسد.. إعلان نصر مزعوم وجباية الديون بالاستيلاء على الأرض والاقتصاد/ ضياء قدور

كان يجب على وزير الطرق والتنمية الإيراني مهرداد بذرياش أن يطل من قاعة الشرف في دمشق قبل أيام وهو يقود أكبر وفد اقتصادي إيراني يزور دمشق على الإطلاق، لتمهيد الطريق للزيارة المرتقبة للرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى دمشق الأربعاء المقبل، بحسب ما أعلنت عنه صحيفة الوطن التابعة للنظام.

وبعد الفشل الإيراني في تحقيق تقدم ملموس مع حكومة النظام السوري في المجالات الاقتصادية، نصبت طاولات اللجان الاقتصادية الثمانية التي قادها بذرياش في سوريا، لتحقيق تعاون استراتيجي مترامي الأطراف شمل أغلب المجالات، بما في ذلك الديون والكهرباء والنفط والتحويلات المصرفية والنقل السككي والبحري والاستثمارات الإيرانية والسياحة واستملاك الأراضي السورية.

الملفات التي بحثها الجانبان الإيراني والسوري وما لحقها من تصريحات إيرانية، تظهر سعي طهران لتحصيل الثمن النهائي للجهود الإيرانية العسكرية، وكذلك السياسية التي أفضت مؤخراً إلى انتهاء عزلة النظام عربياً، في انعكاس مباشر للاتفاق السعودي الإيراني الأخير.

زيارة بعد التطبيع السعودي مع النظام

في 18 من أبريل/نيسان الماضي، أشار ابراهيم رئيسي في اتصال هاتفي مع بشار الأسد إلى أن “النظام العالمي والإقليمي يسير في صالحنا”.

من وجهة نظر إيرانية، لا يُنظر للزيارة الفريدة لرئيس إيراني منذ عام 2010، بصفتها انعكاساً لدفء العلاقات السعودية الإيرانية، بقدر ما توحي برغبة إيرانية لإظهار نشوة النصر.

وفي أول زيارة خارجية بعد جولة تخفيض التوتر الإقليمي وتوقيع الاتفاق السعودي الإيراني، آثر الرئيس الإيراني أن يطل من دمشق قبل أن تكتمل شروط الصلح مع السعودية. لا يسعى هنا إبراهيم رئيسي للشهرة الإعلامية بقدر ما يسعى للتفاخر بإعلان النصر المزعوم على العرب. فزيارة السعودية كانت ستكون أول زيارة لرئيس إيراني متشدد على الإطلاق منذ قيام الدولتين، في حين هذه ليست الزيارة الأولى لرئيس إيراني لدمشق.

ورغم أنه من غير المؤكد أن تفضي جملة اتفاقيات التعاون الاقتصادي المكررة وغير المنفذة، بما في ذلك الموانئ البحرية أو الاستثمارات النفطية وتحصيل الديون المتراكمة إلى نتائج محسومة، إلا أن مثل هذه الإجراءات الشكلية مهمة لإنجاح الزيارة، وإظهارها بأفضل صورة.

أراض سورية مقابل الديون الإيرانية ومرفأ تحت تصرف طهران

وكان من اللافت بعد المباحثات الفنية التي عقدتها اللجنة الاقتصادية السورية – الإيرانية المشتركة الأسبوع الفائت في دمشق، ما كشف عنه وزير الطرق وبناء المدن الإيراني مهرداد بزر باش (رئيس الجانب الإيراني في اللجنة المشتركة)، بأن اتفاقاً سابقاً مع النظام السوري يمكّن إيران من الحصول على أراض في سوريا بدل الديون المالية، ولاستكمال الجهود في هذا السياق تمخض عن جلسات اللجنة المشتركة بين النظام وإيران تشكيل لجنة متابعة الديون والمستحقات، “لإجراء التحقيق الدقيق لحجم الديون”.

وقال الوزير الإيراني في مقابلة مع صحيفة الوطن المقربة من النظام: “الجانب الإيراني يشعر بظروف سوريا ولكن يوجد في إيران بعض القوانين يجب الإجابة عن أسئلتها”

وأشار الوزير بزر باش قبل يومين في تصريحاته بعد الاجتماعات في دمشق، إلى النشاط في مجال الاقتصاد البحري، وقال إنه يتم نقل حاويات البضائع إلى سوريا بواسطة السفن، وتقرر أن “يزدهر هذا القطاع أيضًا من خلال زيادة الطاقة الاستيعابية والشحن المنتظم”.

وأضاف بحسب ما نقلته وكالة “ارنا

” الإيرانية: “تقرر أن يكون ميناء سوري تحت تصرف الجانب الإيراني، الأمر الذي سيوفر لنا فرصة فريدة للاستثمار في موانئ البلاد”.

ضمان النجاحات قبل الزيارة

في الحقيقة، لا يكفي أن تقتصر الزيارة الرئاسية “المنتظرة” لرئيسي، والتي تم الإعلان عن تأجيلها مرتين (منذ نهاية ديسمبر 2022، إلى منتصف كانون الثاني 2023) ثم إلى موعدها المقرر الأربعاء المقبل، على تبادل جمل “المحبة والأخوة والعبارات الدبلوماسية المنمقة”، أو التفاخر بالانتصار على “الإرهاب”، بل يجب أن تكلل الزيارة، من وجهة نظر المتشدد رئيسي، بنجاحات منقطعة النظر على صعيد الدبلوماسية الاقتصادية أيضاً، لإظهار الانتصار الإيراني على العرب في سوريا متكامل الأركان، فلذلك لا بد أن يشمل كل الصعد العسكرية والأمنية والسياسية والاقتصادية في أطول حرب خاضتها إيران خارج حدودها الجغرافية.

لن يقبل رئيسي المرشح لخلافة خامنئي والقائد المستقبلي لما يسمى بمحور المقاومة أن يجري بهذه الزيارة أن قبل تكتمل كل تلك الشروط على الأقل.

زيارة الأسد بحد ذاتها ليست مهمة، وإنما المهم إظهار قوة مشروع ولاية الفقيه، والتغطية على الفشل الداخلي المتصاعد لحكومة إبراهيم رئيسي على الصعيد الاقتصادي والمعيشي، في ظل انتفاضة شعبية غير مسبوقة ما تزال مستمرة مع صعود وهبوط منذ أكثر من سبعة أشهر.

في الحقيقة، يتعامل المتشددون في إيران مع الاقتصاد كما يتعاملون مع صاروخ سليماني أو مسيرة شاهد 136، بمجرد وضعها على المنصة يجب أن يحصلوا على نتيجة إطلاق فورية وإصابة محققة، ويدفعهم على ذلك مزيج من حماسهم “الثوري” وشهاداتهم العلمية غير التخصصية.

ويرى المتشددون في إيران أنه يجب إجبار معدلات التبادل التجاري المتدنية بين إيران وسوريا خلال العقد الماضي على الصعود لمستويات تضاهي معدلات الأعداء الإقليميين (السعودية وتركيا) بقوة السلاح، وأنه يجب جعل شعاع تمددهم الاقتصادي مساوي لمديات صواريخهم.

منذ قدوم إبراهيم رئيسي للسلطة في إيران في آب 2021، وهو يحض مسؤوليه ووزراء حكومته على القدوم إلى سوريا وترميم ثغرات التعاون الاقتصادي المنهار. لكن كل هذه الجهود لم تفضِ لنتيجة واضحة المعالم، رغم مرور أكثر من عام ونصف.

بعد عام ونيف كشفت تقارير نشرها موقع تلفزيون سوريا بناء على رصد مستمر لتصريحات إيرانية مسؤولة، عن رحيل جماعي للشركات الإيرانية الخاصة التي تلقت خسائر فادحة في السوق السورية.

وخلافاً لسياسة تعزيز الدبلوماسية الاقتصادية المعلنة مع دول الجوار، خاصة سوريا، لم تنجز حكومة رئيسي أي خطوات اقتصادية واضحة المعالم على الساحة السورية منذ توليها.

وفي أحدث تقرير نشره موقع تلفزيون سوريا، أظهر مدى تراجع التجارة الإيرانية مع سوريا وذكر أن الصادرات الإيرانية خلال العام الإيراني الماضي 1401 (21 من آذار 2022 – 20 من آذار 2023) لم تتجاوز السقف الإيراني المتوقع بـ 300 مليون دولار، لتتربع سوريا مرة أخرى، كما في كل عام من العقد الماضي، في قعر الجدول الاقتصادي للدول المستهدفة إيرانياً.

وفي ظل ندرة الأخبار المبشرة بتحسن العلاقات الاقتصادية، كان تخصيص صحيفة “كيهان” الناطقة بلسان خامنئي لزاوية في كانون الأول 2022 للحديث عن قدرة مؤسسة “بركت” التابعة لهيئة تنفيذ أوامر الإمام “إحياء صناعة القرطاسية الإيرانية” واختيار “سوريا” كأول وجهة للتصدير، بمثابة التضرع بحصول معجزات اقتصادية.

وفي ظل زحمة الاتفاقيات الاقتصادية التي أعدها بذرياش قبل أيام تمهيداً لقدوم رئيسي إلى دمشق، يقر بعض المحللين الاقتصاديين الإيرانيين أن الفراغ الذي خلقه قانون قيصر في السوق السورية لصالح الشركات الإيرانية أكبر من قدرات الإيرانيين على ملئه، وأن الكعكة السورية أكبر حجماً من المقدار الذي يمكن أن تبتلعه طهران بنفسها.

لكن لإظهار النصر الإيراني المزعوم بصورة خالية من العيوب يجب توقيع كم هائل من الاتفاقيات الاقتصادية بين الجانبين، بغض النظر عن جدواها أو مدى قابليتها للتطبيق أو تكرارها، لتغطية الثغرة الخطيرة التي تعاني منها إيران على الصعيد الاقتصادي في سوريا.

——————————-

لقاء أردوغان – الأسد: بين المعجل والمؤجل؟/ سمير صالحة

أعرب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن رغبته في لقاء بشار الأسد إن تمكن من حضور قمة سمرقند، في أيلول المنصرم. كان عنده الكثير من الأمور التي سيبلغه بها كما قال أردوغان لاحقا. لكن الأسد لم يحضر.

عاد أردوغان ليكشف في منتصف كانون الأول المنصرم وفي طريق عودته من قمة ثلاثية في مدينة أفازا بين زعماء تركيا وأذربيجان وتركمانستان، عن عرض قدمه لنظيره الروسي فلاديمير بوتين بشأن إجراء لقاء ثلاثي يجمعهما بحضور الأسد. تحركت موسكو بهذا الاتجاه لتسهيل اللقاء لكن دون أي نتيجة حتى الآن.

في منتصف أذار المنصرم بدأنا نقاشا استكماليا حول الموضوع بعدما اعتبرت أنقرة أن محاولة الأسد ربط اللقاء بتعهد تركي واضح للخروج من الأراضي السورية لا تتلاءم مع المسارات الجديدة مرفقة موقفها هذا بجملة من الشروط المضادة الواجب التعامل معها بجدية قبل بحث مسألة الانسحابات العسكرية التركية من شمال سوريا.

ما الذي سيجنيه أردوغان وبلاده ذاهبة إلى انتخابات برلمانية ورئاسية مصيرية بعد أسبوعين، من عقد “لقاء مستعجل” مع بشار الأسد؟ وهل يصل ملف الأزمة السورية إلى نهايته عند المصافحة المرتقبة بين الرئيس التركي، ورأس النظام السوري؟ ألن يكون هناك لقاء تحضيري رباعي على مستوى وزراء الخارجية كما أعلن أكثر من مرة؟ وهل من مصلحة روسيا حدوث اللقاء بين الرجلين قبل الانتخابات التركية؟ ثم هل هناك ضغوطات إيرانية على الأسد للتخلي عما وصف بشروط مسبقة لأي لقاء أم هي تفعل العكس؟ ولماذا تتمسك طهران بتحقيق إنجاز ما على خط أنقرة دمشق وتحاول جني ثمار مفاجأة حدوث قمة تركية سورية في شهر أيار المقبل وقبل موعد الانتخابات التركية؟ هل هي تخدم أردوغان هنا أم تحاول توريطه شعبيا بسبب خطوة من هذا النوع؟ ثم لماذا الإصرار على الربط بين لقاء أردوغان – الأسد بلقاء أردوغان – السيسي في الدوحة كخطوة لا بد منها لرسم مسار خريطة طريق جديدة من التفاوض بين الطرفين؟

عندما يقول المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم كالن، إن بلاده أبلغت وزراء دفاع النظام السوري وروسيا وإيران عن نيتها عقد الاجتماع الرباعي المقبل بعد الانتخابات التركية المزمع عقدها في 14 أيار المقبل، فهذا يتطابق مع استحالة عقد لقاء بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورأس النظام في سوريا بشار الأسد. ويتطابق أيضا مع ما قاله وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو قبل يومين، ردا على سؤال يتعلق بعقد اللقاء “نعم احتمال اللقاء قائم، لكن يجب أولا تحضير خريطة طريق تتضمن عدم فرض شروط مسبقة ودراسة المرحلة السياسية ومكافحة الإرهاب وإحلال الاستقرار في سوريا”.

عبارة “لدينا انتخابات” التي تتردد على لسان القيادات التركية تعني الجميع وكل قنوات التواصل مع دمشق. ومن سيلتقي بشار الأسد من المسؤولين الأتراك مسألة سنتعرف إليها صباح الخامس عشر من أيار المقبل.

لا يمكن لأنقرة أن تبتعد كثيرا عن القرارات الأممية والمواقف العربية حيال الملف السوري حتى ولو كانت تنسق مع روسيا وإيران أمام طاولة موسكو الرباعية. وهي لن تتبنى سياسة مغايرة لما تتبناه الأمم المتحدة وتعمل من أجله، والتي أوجزها المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا غير بيدرسن في إحاطته الأخيرة أمام مجلس الأمن الدولي بقوله إن “الاهتمام الدبلوماسي المتزايد بسوريا خلال الفترة الحالية قد يدفع بالحل السياسي إلى الأمام”. لكنه اعتبر أن الطريق الأفضل خلال التعامل مع “نقطة فارقة ومهمة” تنتظر سوريا في المرحلة القادمة هو تسهيل “تقدم سياسي وفقا للقرار 2254”.

خلافاً للكثير من التوقعات:

– لم تسهم زيارة الأسد الأخيرة لموسكو في دفعه إلى إبداء أي مرونة أو ليونة في مواقفه حيال اللقاء بل تمسك بشروطه المسبقة قبل أي طاولة تفاوض من هذا النوع.

– ولم تتحقق تطلعات المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية عمر شليك في مطلع كانون الثاني المنصرم وهو يعلن “أن الوقت قد حان لمد الجسور بين البلدين، وحان الوقت للحوار السياسي.. الخطوة التالية على جدول الأعمال ستكون بحث إمكانية عقد اجتماع قمة”.

– ولم تتخلّ أنقرة عن التذكير بأسباب وجودها العسكري في شمال سوريا معلنة أنها لن تغادر قبل التعامل مع مطالبها وأن ترى النتائج الميدانية والعملية وأن هذه المطالب ينبغي أن تؤخذ بعين الاعتبار قبل أي لقاء مع بشار الأسد.

– وما زالت طهران تواجه الصعوبات والعراقيل الكثيرة من الجانب التركي والسوري والروسي رغم رهانها على اختراق تسجله على خط علاقاتها بأنقرة ودمشق، وتجيير ذلك إلى مكسب سياسي يعزز موقعها ودورها الإقليمي، ويسهل فرص انفتاح بعض العواصم العربية على سياستها السورية.

الجميع يعرف أن ما يدفع أنقرة لفتح الأبواب أمام لقاء قمة مع بشار الأسد هو:

 الانسداد الحاصل في سياسة تركيا السورية وفي الحراك الإقليمي والدولي حيال الملف.

والمواقف الأميركية والأوروبية الداعمة لمجموعات “قسد” وتنفيذ سياسة غربية معارضة لما تقوله وتريده تركيا في شرق الفرات.

والتقارب التركي الروسي الواسع في ملفات ثنائية وإقليمية. والاستفادة من فرصة التحرك العربي الجديد حيال الملف.

صحيح أن “الكثير من المياه مرت تحت الجسر” والكثير من التحولات والمواقف تعصف اليوم في مسار الملف داخل سوريا وخارجها، وهو  ما يدفع أردوغان وحزبه نحو سياسة سورية مغايرة اعتبارا من صباح الخامس عشر من أيار في حال بقائهما على رأس السلطة في تركيا. وصحيح أيضا أن أردوغان سيخرج بعد الانتخابات أكثر قوة مما هو عليه اليوم. وسيلقى دعما أكثر من الناحيتين السياسية والشعبية باتجاه الإقدام على خطوة اللقاء بالأسد وتسريعها بقدر ما يريد. لكن ما ينبغي قبوله كذلك هو أن اللقاء ببشار الأسد ينبغي أن تسبقه وتواكبه جملة من الخطوات السياسية المعلنة بهدف الحؤول دون استقواء النظام على الشعب السوري أكثر مما فعل حتى الآن، وعدم منحه فرصة الإفلات من المساءلة القانونية والسياسية والأخلاقية بسبب ما ارتكب من جرائم ضد الإنسانية وانتهاكات ضد الشعب السوري منذ عقود أولا. وعدم توجيه رسائل خاطئة للأتراك والسوريين حول أسباب ودوافع وأهداف الإقدام على خطوة بهذا الاتجاه ثانيا. التحرك التركي نحو عقد لقاء قمة من هذا النوع ينبغي أن تسبقه تعهدات معلنة وملزمة من قبل النظام تشمل الالتزام بالقرارات الدولية والعربية التي تحمله مسؤولية إيصال سوريا إلى ما هي عليه اليوم، وتسهيل المرحلة الانتقالية السياسية في البلاد، وإنهاء سياسة المراوغة التي يتمسك بها لتحسين موقعه وتحصين نفسه في مواجهة الشعب السوري وقرارات المجتمع الدولي. حصر الموضوع بملف اللجوء وتسهيل عودة السوريين أو الأمن الحدودي لتركيا والبناء على هاتين المسألتين لن يعطي أنقرة ما تريده من ضمانات، ويتعارض كليا مع كل ما طرحته خلال عقد ونيف من مواقف في سياستها السورية.

تلفزيون سوريا

—————————–

لعبة المصطلحات ومدلولاتها في الملف السوري/ محمد الصطوف

يشار على نطاق واسع إلى أن عالم اليوم هو عالم المصطلحات التي تتولد وتتداول باستمرار في شتى مناحي الحياة؛ إلا أن تلك الحالة الهلامية الطابع لا يمكن أن يتم سحبها على حالات وميادين معينة، ومن أبرزها المصطلحات القانونية، كتلك المصطلحات في حقل القانون الدولي، التي تبدو ذات مدلولات متفق عليها غالباً؛ وكذلك في ميدان التفاعل السياسي الدولي، إذ يتم انتقاؤها بعناية وروية على لسان الدبلوماسيين والدول.

يقصد بالمصطلح عموماً بأنه “وصف ثابت لتعريف يوضح المعنى” وأنه “يركِّز على الدلالة اللفظية للمفهوم” وعلى هذا النحو، بات هنالك مجموعة من المصطلحات الثابتة في العلوم الإنسانية لها مدلولات واضحة ومنها (الأوتوقراطية، الأزمة الدستورية، الاستفتاء، البراغماتية.. إلخ)، بل، أصبحت تصنّف وتقدم ضمن معاجم ودراسات.

في الحالة السورية وبعد أن دخلت قضية الشعب السوري في دهاليز الحل السياسي الدولي رسمياً منذ عام 2012 على الأقل، مُورست لعبة مستمرة على صعيد المصطلحات، وما بني عليها من نتائج ومسارات انحرفت في كل مرة باتجاه رؤية نظام الأسد وحلفائه.

مع بداية المسار الأممي عبر بيان جنيف 1 تم بناء رؤية تحت مصطلح عام هو الحل السياسي في سوريا برعاية دولية، كنقيض واضح للحسم العسكري على الأقل، وحاملاً في جوهره فكرة مصطلح الانتقال السياسي الذي يتطلب بالضرورة هيئة حكم انتقالية، تقود هذا الانتقال مع تفسيرات ومواقف تمسّكت بعدم وجود نظام الأسد في هذه الهيئة.

في المرحلة اللاحقة، بقي مصطلح الحل السياسي وبرعاية دولية، صامداً مع تراجعات في كيفيته، ليتوسع معنى الانتقال السياسي من كونه تسليم نظام الأسد للسلطة عبر هيئة حكم انتقالية إلى هيئة حكم ذات مصداقية وشاملة للجميع وغير طائفية، ليفتح المصطلح الجديد منذ القرار 2254، فكرة وجود الأسد في مرحلة انتقالية وولوج نظامه كشريك في الهيئة الشاملة للجميع بمعنى أو بآخر.

لتأتي حقبة مسار أستانا التي أُعلنت كمسار أمني وعسكري، لتصبح مدخلاً لإنشاء اللجنة الدستورية ولتكسر عملياً دلالة الحل السياسي برعاية دولية أممية، إلى الرعاية السياسية والعسكرية لإنتاج الحلول خارج المسار الأممي.

استمر التمسك بمصطلح الحل السياسي والمرجعية الدولية شكلياً على الأقل، من غالبية الفاعلين المحليين والدوليين، باستثناء نظام الأسد وحلفائه، والذي كان يركز من اليوم على مصطلح بديل هو “المصالحة الوطنية”، الذي ارتكز في جوهره على فكرة “الحوار تحت سقف الوطن” والقضاء على الإرهاب المتمثل بجميع قوى الثورة والمعارضة، وعلى وجود “معارضة وطنية شريفة”.. وجاءت باكورة تطبيقاتها من خلال مؤتمر الحوار الوطني في دمشق ونسخه الفرعية في المحافظات منذ منتصف عام 2011، ومن ثم تشكيل وزارة خاصة تحت ذات المسمى بالمرسوم التشريعي رقم 210 لعام 2012، والتي عملت على إعادة تدجين الأفراد والقوى في المناطق المحاصرة أو التي تم اجتياحها عسكرياً.

بقي هذا المصطلح يقظاً رغم مرور السنين، إذ تم استحضاره في مؤتمر سوتشي والذي سمي بمؤتمر الحوار الوطني السوري في 2018، وكذلك استمر نظام الأسد في تقديم مصطلحه بين الحين والآخر كرؤية شاملة “بديلة” لفكرة الحل السياسي، وعبر تطبيقات عملية في المدن والبلدات التي تم اجتياحها، وتطبيق ما يعرف بنموذج “المصالحات الوطنية” في حمص وحلب والقلمون.. وآخرها بعد اجتياح الجنوب السوري، والتي تتضمن نهجاً واحداً هو قتل وتشريد ونهب ممتلكات الرافضين وإجراءات تسوية تضمن العفو لمن يقبل بالنموذج من حيث النص، أما من حيث التطبيق فتشير بالطبع لعمليات الاعتقال والقتل والاغتيال والنهب التي أشارت إليها مئات التقارير الحقوقية.

لنعيش اليوم في ظل مرحلة جديدة، تظهر صراع المصطلحات ومدلولاتها؛ إذ جاء البيان الأخير المشترك الصادر عن المملكة العربية السعودية ونظام الأسد، خاليا من الإشارة إلى المرجعية الدولية أو قرار مجلس الأمن عند ذكره للحل السياسي في سوريا، تمهيداً لإيلاج مصطلح “المصالحة الوطنية” في متن الأهداف والغايات القادمة، في مؤشر خطير على كيفية وخطوات هذا الحل بالرعاية العربية.

تكرر ذلك المصطلح الذي يتم استخدامه إلى جانب مصطلحات أخرى، كحل سياسي وتسوية وتحقيق السلام، في عملية تستهدف تمريره أمام الرأي العام، وصناعة مزاج عام قابل له؛ في تصريحات وزير الخارجية السعودية في أثناء زيارته مؤخراً إلى دمشق.

ما يؤكد أن المصطلحات السياسية ليست خطيرة فقط، وأنها كانت وماتزال إحدى أهم الوسائل لتشويش الرأي العام وخاصة المعني بالقضية السورية، هو ما يظهره البيان الختامي لمؤتمر جدة التشاوري بين مجلس التعاون +3، إذ أدت الخلافات حول الملف السوري نتيجة وجود دول رافضة للمقاربة الجديدة وفي مقدمتها قطر إلى زوال مصطلح “المصالحة الوطنية” وتثبيت مصطلح الحل السياسي رغم عدم إسناده إلى القرارات الدولية ذات الصلة، وهو ما يشير بوضوح إلى حجم التفاوض حول كل كلمة ومصطلح يتم إدراجه.

وبناءً على ما سبق فمن واجب السوريين وخاصة النخب رفض الانجرار وراء موجة هي الأخطر من لعبة المصطلحات، ولا بد من وجود وعي حول مدلولاتها ونتائجها التي ستكشف عنها مهما تم تغليفها أو محاذاتها بعبارات أخرى، ساحرة ورنانة.

———————————

أي عقلية تحكم تصريحات أبو الغيط عن الأسد ومعركته/ علي سفر

لا يمكن في أي سياق سياسي أو عسكري أو إنساني التعاطي ببراءة مع تصريح أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية قبل أيام حول “ربح” بشار الأسد “المعركة”!

وقبل هذا، من غير المقبول أن تأتي شخصية ذات منصب رفيع في مؤسسة إقليمية كبيرة على مناقشة قضية حارة مطروحة على الطاولة بهذا الأسلوب “الرخيص” وكأنها تتحدث مع شلّتها في المقهى وسط ضباب الأراجيل واصطدام حجارة طاولة الزهر بالخشب.

الرجل يبدو جاهلاً، فهو يشطب السياق الذي نشأت فيه القضية وما زالت، ويهرب بمفردة واحدة، يظن أنه يستخدمها بذكاء.

فإذا كانت الهيئة التي يتولى أرفع مناصبها، تصدر قراراتها، بناء على دراسة الأعضاء للحيثيات، وبناء على التهديدات التي تتضمنها، فإنه من المتوقّع أن التغيير لا بد من أن يأتي من الزاوية ذاتها، أي أن مراجعة الأسباب الموجبة لطرد النظام من الجامعة ما زالت قائمة، على الأقل بالنسبة لعدد من الأعضاء، الذين يرون بأن الأسد ما زال على ما هو عليه؛ ديكتاتورا قاتلا، يرفض المضي في عملية سياسية تعيد بلده إلى سكة السلامة، وبالإضافة إلى هذا يقوم بالعمل مع شركاء يهددون سلامة الدولة العربية الأخرى والمقصود طبعاً هي إيران.

في هذا المنحى، يفترض مَن هو مستأمن على روح عمل الشركاء في المؤسسة ألا يبرز رأيه الشخصي، في أي وسيلة إعلامية، لأن من شأن هذا أن يزيد الشقاق الحاصل بينهم حول المشكلة! ولكن هل هذا هو الأمر الذي يجب التركيز عليه في ظل تداعي المواقف العربية، والانبطاح الواضح أمام القاتل، بعد كل ما فعله بحق السوريين والعرب من فظائع؟

إجراءات إعادة مقعد الجامعة للنظام، ورغم كل ما أثير حولها من نقاش في اللقاءات العربية البينية مؤخراً ليست ذات أهمية، لا سيما أن بعض الدول لم تلتزم أصلاً بمقاطعته، وكانت تراقب ما يرتكبه من جرائم دون أن يرف لقادتها جفن، ولم يحتج هؤلاء لإذن أحد كي يصرحوا علناً بوقوفهم معه، وما الموجة الراهنة من التطبيعات المنفردة، إلا نهاية مطاف لمرحلة النفاق الطويلة، وفيها لا ينفع أبداً الادعاء بأن الاحتضان يمكن أن يؤدي إلى تغيير السلوك، فمع نظام إجرامي مافيوي، على الجميع أن يتحسسوا أيديهم بعد كل سلام، إذا قيض لمن يفعلون النجاة دون خسائر فادحة.

في واقع الأمر، تُعيدنا تصريحات أبو الغيط إلى عتبة يبدو أننا تجاهلناها كثيراً، ألا وهي قدرتنا على إقناع شريحة كبيرة من الإخوة العرب بعدالة قضيتنا، وبعيداً عن التعاطف الطائفي، بعد افتراض أن المجازر التي ارتكبت في سوريا ذات منشأ ديني عقائدي.

هنا سيستغرب بعضهم من ضرورة الالتفات نحو هذه الفكرة، لكن واقع الحال سيوضح لهم بأننا وبعد كل ما جرى بحاجة إلى إعادة صياغة لسرديتنا، أو على الأقل تحديث نوابضها.

لنترك أبو الغيط في مستنقع جهله، فهو جزء من النظام الرسمي، الذي لم تُغيّر سنوات الربيع العربي من عقليته شيئاً، عندما يفهم الأشياء من شكلها الخارجي، ولا يجد نفسه مضطراً لبذل الجهد لتحري ما يقف خلفها، فالقصة كلها مجرد معركة عسكرية بين الأسد ومعارضيه، انتهت عند تخوم العاصمة دمشق.

ولنلتفت إلى فئات واسعة من النخب العربية، ومن ورائها جزء كبير من شرائح التكنوقراط، ولنسأل عن الديناميات التي تتحكم بتوجهاتها تجاه النظام، وهل ثمة أرضية أخلاقية ما تمنعهم من مد اليد للقاتل، رغم كل ما يروج أمامهم عن أن سوريا ستشكّل فرصة استثمارية مهمة في حال مضت الخطط الرسمية لإعادتها إلى الساحة العربية مع بقاء الأسد في منصبه.

هناك مخاتلة واضحة في تعاطي شريحة غير قليلة من المثقفين العرب مع النظام، وبعض هؤلاء لا يكتفي بعدم الوضوح بل يذهب أكثر فأكثر إلى بناء علاقة مع مؤسسات النظام، مع القدرة العالية على إبراز حجج تبرّر أفعالهم، كفصل الثقافة عن السياسة، وعدم ترك المثقفين السوريين وحدهم، رغم ما يظهر من اختراق واسع لثقافة الملالي لمناحٍ عديدة في البلاد وأولها الثقافة والفن.

لا يشعر كثير من هؤلاء بحاجة السوريين للكرامة والحرية والعدالة، فظروفهم الشخصية لا تعزز عندهم ضرورة الشعور بالشقيق المقموع، الفاقد لمقدرات الوجود الإنساني، إذ لم يحدث في بلد عربي أن استبيح البشر كما حصل في سوريا، كما أن تصوراتهم عما حدث منقولة لهم عبر وسائل إعلامية غير محايدة ومناصرة فعلياً للنظام أو داعمة ضمنياً لبعض التنظيمات الجهادية، ما رسّخ لديهم صورة منمطة للصراع.

وإذا كان لا بد من تحرّي الحقيقة والبحث في المدونات لكشف ما يجري، فسيكتشف الباحث المدقق أن هؤلاء لا يقرؤون! وبالتالي فإنه من الطبيعي أن يجد نوم الأنظمة العربية مع شقيقهم الأسدي في غرفة واحدة ترحيباً واسعاً من هؤلاء.

عجزت مؤسسات المعارضة الرسمية عن بناء علاقة راسخة مع شرائح فاعلة في المجتمعات العربية، لا لعطب تاريخي في مكاتب العلاقات العامة لديها فقط، بل لأنّ الجهل والفراغ يحكم رؤوس من تولوا قياداتها، حين لم يروا حاجة لبناء مثل هذه العلاقات، وخاصة مع المثقفين الفاعلين، بعد أن حكم عقولهم الشعور بأن عدالة القضية تكفي، ولكن الحقيقة التي لا تقبل الشك أن هذه المؤسسات لم تبن في الأصل علاقة احترام وتقدير وتعاون مع المثقف السوري المعارض كي تلتفت للعرب أو الأجانب.

وحتى الآن لا يبدو أنّ الأوان قد فات من أجل خلق تعهد أخلاقي ملزم يتفق عليه السوريون مع إخوتهم العرب وغير العرب، يبنى على الأساسيات الملحة؛ إطلاق سراح المعتقلين وكشف مصير المفقودين، وعودة اللاجئين، والمضي في العملية السياسية وفق المحددات التي ينطوي عليها قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 2254.

وفي المحصلة يمكن لمن يراهنون على خطوات النظام الرسمي العربي تجاه النظام، أن يكسبوا بعضاً من مؤيديه، لكنهم سيبقون في نظر غالبية السوريين وداعمي قضيتهم، مجرد متكسّبين على فتات الموائد.

——————————-

بوادر التطبيع مع الأسد تنعش مساعي بيدرسن/ حسن النيفي

لا يمكن النظر إلى ما يجري بحق اللاجئين السوريين في لبنان على أنه فصل معزول عن جذر المأساة السورية، إذ يبدو أن السلطات اللبنانية المحكومة بتوجهات حزب الله وحزب ميشيل عون تجاوزت مرحلة الحاجة إلى شعارات الأمم المتحدة لتستر ممارساتها وسلوكها العدواني بحق اللاجئين، بل ربما إن الظروف باتت مناسبة أكثر من أي وقت مضى للتعبير عن تماهيها المطلق مع السلطات الأمنية للأسد من جهة استهداف المواطنين السوريين.

فما يقوم به جهاز المخابرات اللبنانية من مداهمات لمخيمات اللاجئين السوريين واعتقال الشباب من البيوت تحت التهديد بالسلاح، ومن ثم زجهم بالسجون لسوقهم وتسليمهم للسلطات الأسدية، إنما هو أمر في جوهره لا يختلف عن سلوك سلطات النظام في مداهماتها لبيوت السوريين في أي مدينة أو بلدة سورية، ولئن كان من الصحيح أن هذا الانفلات الأمني المتوحش لم يكن مباغتاً وإنما جاء مكمّلاً لممارسات سابقة لم تكن خافية الدلالات، ولكن في الوقت ذاته وجد في الظرف السياسي الراهن ما يمكن أن يجسّد فضاء أكثر ملاءمةً لهذا النزوع العدواني حيال المواطنين السوريين في لبنان، ونعني بذلك رواج نبرة التطبيع وإعادة العلاقات مع نظام الأسد التي بدأت تتعالى على أعقاب تداعيات زلزال السادس من شباط الماضي.

إذ يمكن الذهاب ببساطة إلى أن السلطات اللبنانية لا ترى في سخونة أحاديث التطبيع العربي مع الأسد سوى غطاء سياسي مناسب لممارسة المزيد من الاضطهاد بحق اللاجئين، يدفعها ويحفزها إلى ذلك تجاهل أممي لما يجري، والاكتفاء بتصريحات خجولة لا ترقى إلى مستوى الجريمة، بل حتى التصريحات التي صدرت عن جهات أممية بدت آنية أو ربما جاءت لدفع العتب لا أكثر كما يقال، بدليل أن تلك الإدانات على وجلها وبهاتتها، قد غابت نهائياً عن لسان المبعوث الأممي السيد بيدرسن خلال إحاطته التي قدمها أمام مجلس الأمن يوم السابع والعشرين من نيسان الماضي، بل يمكن الذهاب إلى أن بيدرسن – كعادته –  لا يرى في المشهد من معاناة السوريين سوى ما يسمّيه من

(خروقات الفصائل العسكرية على خطوط التماس مع قوات الحكومة السورية)، وكذلك (استهداف القوات التركية وفصائل المعارضة التي تنسق معها لقوات سوريا الديمقراطية)، في حين تغيب عنه تماماً الاستهدافات اليومية لمدفعية الأسد وطائراته للبلدات والقرى والمخيمات في ريف إدلب الجنوبي والشرقي.

وبالمجمل لا يبدو السيد بيدرسن معنياً بمعاناة المواطن السوري بأي شكل من تداعياتها، فهي شأن ربما بات معتاداً ولا يجب أن يكون مُنغِّصاً لبوادر السلام والانفراج التي تلوح في الأفق محمولةً في حقائب السفراء الجدد الذين ترسلهم حكوماتهم إلى دمشق من جديد.

لم يُخفِ بيدرسن – خلال إحاطته المشار إليها – حفاوته واغتباطه الشديد بما قامت به بعض الحكومات العربية من مبادرات تطبيعية مع نظام الأسد، بل يجد فيها مساهمات فعلية رافدة لمشروع (خطوة مقابل خطوة) الذي أطلقه ملك الأردن بتشجيع روسي منذ عامين، وكلّما فقد هذا المشروع مقوّماته وانفضح زيفه، يبادر بيدرسن للبحث عن مقومات جديدة له، ولا شك أنه وجد في المسعى العربي لاحتضان الأسد بداية موفقة لفصل جديد يتيح له المضي في مرحلة ماراتونية جديدة مع القضية السورية، ولهذا لم يتوان بيدرسن عن تقديم الشكر للخارجيات المصرية والسعودية والأردنية، لقاء ما وفره وزراؤها من اهتمام جديد بالقضية السورية يتيح له مدخلاً أكثر جدوى من ذي قبل.

لا ينسى السيد بيدرسن، كما في إحاطاته السابقة، التعريج العابر والسريع على قضية المعتقلين والمغيّبين، لكن بأسلوب وعبارات فيها الكثير من التعميم، تتيح له التخلّص من تسمية الأمور بمسمياتها، وتنجيه من الحرج، إذ إن هؤلاء المعتقلين والمغيبين – من وجهة نظره – هم مجهولو الإقامة، كما هي مجهولة الجهة التي اعتقلتهم، وإن كان لا بدّ من تحديد المسؤوليات، فالأنسب توزيعها على جميع سلطات الأمر الواقع، لا لشيء، سوى ليبقى الجميع متساوين في المسؤولية عن الجريمة، ولا يكون نظام الأسد سوى طرف كبقية الأطراف العابثة بدماء السوريين ومصائرهم، وكذلك ليس سوى إحدى السلطات الأربع التي تتحمّل وزر المعاناة السورية، وبهذا تكون المأساة السورية ذات أفرع لا جذر لها، ولكنّ سعيَ بيدرسن لتعميم الجريمة والمساواة في المسؤوليات لا يطول الاعتبار الذي يحظى به الأسد – وفقاً لبيدرسن – وهو الشرعية التي ما تزال بحوزته بالمطلق.

وربما لهذا السبب كان بيدرسن حريصاً على ربط الحديث عن المعتقلين بمسألة (إعادة الإعمار والتعافي المبكر) ربما كقرينة تحفزيزية، أو تبشير مسبق بالإرهاصات العملية لمشروع (خطوة مقابل خطوة)، إذ يمكن لنظام الأسد، إنْ هو أفرج عن عدد من المعتقلين، يكون عندئذٍ تقدّم خطوة إلى الأمام، وعلى الأمم المتحدة والمجتمع الدولي أن يتقدّم بخطوة مقابل ذلك، لعلها تتمثّل بالموافقة على إعادة إعمار ما خرّبه الأسد خلال حربه على السوريين منذ العام 2011، وربما أيضاً يتقدم الأسد بخطوة أخرى تتجسّد بالسماح بعودة (مجهولة العواقب) لعدد من اللاجئين والنازحين الذين شرّدهم من بيوتهم منذ سنوات، مقابل خطوة مماثلة للمجتمع الدولي تتجسّد بمُنحٍ مالية ضخمة لتجديد البنى التحتية السورية (شبكات الماء والكهرباء والصرف الصحي وإصلاح قطاع التعليم وسوى ذلك)، وبهذا يكون المضمون الفعلي لمسعى بيدرسن في (خطوة مقابل خطوة) هو مكافأة نظام الأسد لقاء مَنْحه صكوك العفو عن قسم من المعتقلين واللاجئين السوريين.

كما ينبغي ألّا يغيب عن البال الحرص الشديد الذي يبديه بيدرسن في كل إحاطاته على إشادته وتمسّكه بالدور المنوط بالنساء المشاركات بوفد المجتمع المدني فقط، ما يدعو للتساؤل: وما حال باقي النساء السوريات؟ هل يصنّفهنّ بيدرسن في صفوف الإرهاب؟

التأكيد الذي يبديه بيدرسن – خلال إحاطته – على ضرورة تعاون كل الأطراف الإقليمية والدولية، مشيراً – كذلك – إلى عدم جدوى القرار (2254) في حال غياب التعاون المشار إليه، يكشف إلى حد بعيد مساحة التوافقات القائمة بين مسعى بيدرسن ومسعى التطبيع العربي مع الأسد، تلك التوافقات التي تجد مقوّمات وجودها وشرعنتها على أمرين اثنين: فشل المرجعيات الأممية وعجزها التام عن التعاطي مع قضايا الشعوب بحدّ معقول من العدالة، وذلك أمام نزعات البلطجة للدول العابرة للقوانين والنواظم الإنسانية، وكذلك في تحلّل تام وتنصّل عربي من أي مسؤولية أخلاقية ليس حيال حاكم طاغية استباح دماء شعبه فحسب، بل حيال مقتلة فظيعة للشعب السوري قل نظيرها في العصر الحديث.

تلفزيون سوريا

————————–

لماذا تتعثر عودة النظام السوري إلى الجامعة العربية؟/ أحمد مظهر سعدو

تتوالى عمليات التطبيع الرسمي العربي تباعًا مع نظام الأسد، وتهرول الكثير من الدول العربية نحو إنجاز عملية التطبيع، وإعادة رسم ملامح العلاقة الجديدة بينها وبين النظام السوري، ضمن حالة تسارع غير مسبوقة، وخطوات تطبيعية متواصلة، تشي بأن هذه الدول قد اتخذت القرار المتعجل نتيجة مستجدات إقليمية ما صيغت على عجل، نحو إعادة العلاقات الدبلوماسية وعودة السفراء إلى دمشق وهي التي كانت قد انسحبت منها وقطعت العلاقة معه إبان اتخاذ الخيار العسكري لدى بشار الأسد لقتل شعبه، وارتكاب المذابح تلو المذابح بحق السوريين، واليوم إذ تتمثل هذه الهرولة بالسرعة الملتبسة والتصميم على إقناع العديد من الأنظمة العربية التي ما تزال متمنعة عن ذلك، لإقناعها بالموافقة على إعادة النظام السوري إلى مقعده الشاغر في جامعة الدول العربية، قبل مؤتمر القمة المزمع قريبًا جدًا في الرياض، والذي أضحى على الأبواب.

لكن المؤشرات جميعها تنبيء بأن لاعودة سريعة إلى حضن النظام العربي الرسمي، ولا إمكانية آنية وسريعة لعودة النظام السوري إلى جامعة الدول العربية، وهو الذي سبق وأن أُخرج منها نتيجة أفعاله التي لم تتغير بعد، ولا يبدو أنه بصدد تغييرها، ولا تخطيها كلية، من قبل بعض الدول التي مابرحت ترى فيه ذلك الطاغية الذي فعل ما فعل بشعبه، وهو يُصر على عدم الولوج في الحل السياسي، بل هو ما انفك يمارس عمليات القتل والقصف ضد أبناء الشعب السوري، ويوغل في الدم السوري واعتقال مئات آلاف السوريين في سجونه، وتغييب أرواح وأجساد السوريين في أسوأ عمليات قمع وتعذيب شهدتها البشرية على مدى العصر الحديث، وهو الذي ما زال يمارس حالة تهجير قسري متتابعة ضد ملايين السوريين، بين نازخ إلى الشمال السوري، ولاجيء في بلاد الله الواسعة.

بعض الدول العربية التي ما زالت تصر على عدم عودته حاليًا إلى اجتماعات الجامعة العربية تزيد في عددها على الخمسة أعضاء، وهو ما يحول دون توافق عربي جدي على عودته، في ظل إصراره على عدم تلبية المتطلبات، وعدم تحقيق الشروط العربية، لتكون العودة آمنة ومتوفرة وسلسة، ومن هذه الدول الكويت وقطر واليمن ومصر والمغرب، وحيث لكل دولة منها أسبابها الخاصة، بالإضافة إلى العامة التي تمنع العودة، بينما تلعب المملكة العربية السعودية اليوم دورًا ما لإقناع العرب بمثل هذه العودة قبل مؤتمر الرياض للقمة، وهي في ذلك تفي بوعدها الذي قطعته على نفسها، كما يقال، نتيجة اتفاق السعودية مع إيران وتفاهمها معها بعد لقاءات الصين التي أفضت إلى حل الكثير من الخلافات بينهما، ويجري إنجاز وتطبيق العديد من البنود المواكبة لذاك التفاهم، ليس آخرها ما حصل ويحصل في اليمن، من تبادل للأسرى والمعتقلين بقضهم وقضيضهم، في وقت كان يشعر البعض أن ذلك كان عسيرًا جدًا قبل حين، في ظل التصعيد العسكري الكبير بين الحوثيين والسعودية.

تتعثر عودة النظام السوري إلى مدارج الجامعة العربية، ويبدو أنها قد أضحت مستحيلة قبل موعد عقد مؤتمر القمة القريب جدًا، ويعود ذلك لأسباب عديدة منها:

    عدم قدرة النظام السوري على الإيفاء بأية وعود يمكن أن تؤدي إلى القضاء على تصنيع وتصدير الكبتاغون إلى الدول العربية والإقليمية المحيطة، في ظل تحوله إلى ملك الكبتاغون العالمي، واعتماده على أموال الكبتاغون، وهو المنهار اقتصاديًا ومعيشيًا، وليرته السورية تزداد تدهورًا يومًا إثر يوم.

    إصرار النظام السوري الدائم على عدم الولوج في الحل السياسي، وهو الذي أفشل مسار جنيف بكليته، وأنهى مسار اللجنة الدستورية بعد ثماني جولات، دون تحقيق أي خطوة إيجابية على طريق إنجاز الدستور. وهو الذي ما زال يلعب في مسار أستانا برعاية روسية، وحالات خفض التصعيد، ليتم قضم الأراضي تباعًا دون أي تحقيق جدي لأية عملية تسويات حقيقية مع السوريين الذين خرجوا في أواسط شهر آذار/مارس 20211 من أجل الحرية والكرامة حيث لم تتحقق بعد.

    وإذا كانت بعض الدول تضع أمام النظام السوري موضوع عودة اللاجئين السوريين إلى وطنهم وأهميتها مقابل عودته إلى الجامعة العربية فإنه غير معني بذلك، وهو لايريد عودة الملايين ممن هجرهم، لأنهم يعارضونه، أو أنهم حاضنة للمعارضة على أقل تقدير، ويدرك النظام أن عودتهم قد لاتنفعه كثيرًا، ناهيك عن عدم ثقة السوريين بوعود النظام الذي يعتقل كل من يعود إلى الوطن، وتجربة عودة بعض السوريين من لبنان تؤكد ذلك، بل وتفقأ العين.

    أما عن شرط المملكة المغربية عليه للعودة إلى الجامعة العربية، وهو قطع العلاقة مع جبهة البوليساريو والامتناع على اعتبار الصحراء الغربية دولة مستقلة عن المملكة المغربية، فإن ذلك أيضًا لن يحصل، لأن هذا النظام السوري كان وما يزال يمارس هذا الموقف وهذه العلاقة اتكاءً على الموقف الإيراني، ولا يمكنه اليوم اتخاذ أي موقف يتعارض مع السياسات الإيرانية وهو من يدرك كيف أعادت إيران قيامته بعد أن أوشك على الوصول إلى حافة الانهيار عام 2013

    إصراره على عدم الولوج في الحل السياسي والتحاور الجدي مع المعارضة الذي سيفضي إلى الحل، مرده إلى قناعته الراسخة بأنه انتصر على المعارضة

    إطلاق سراح المعتقلين السياسيين لن يحصل قريبًا، لأنه هو الذي غيب معظمهم بالموت وفضائح قيصر تؤكد ذلك، ومن بقي منهم على قيد الحياة فإنه لن يطلق سراحهم من منطلق إصراره على كم الأفواه، واستمرار سياسات الاعتقال، حيث يعتقد أن خروجهم من السجون ليس من مصلحته كنظام آثر المضي قدمًا في زج كل من يعارضه في دهاليز المعتقلات، وهي أفضل سياسة بنظره لإسكات صوت المعارضة السورية عبر خمسة عقود متوالية خطف فيها البلد وألغى السياسة من المجتمع السوري.

    ولعل إصراره على عدم الولوج في الحل السياسي والتحاور الجدي مع المعارضة الذي سيفضي إلى الحل، مرده إلى قناعته الراسخة بأنه انتصر على المعارضة، وهو اليوم يرى أن فتح الباب أمام المعارضة لإنجاز الحل السياسي، قد يؤدي بل إنه سيؤدي إلى انهيار النظام الهش بنيويًا، وغير القادر على سماع صوت الحق ولا مسار الديمقراطية، ولا قدرة لديه على تقبل أي نقد يفضح سياساته، ويهدم ما بناه من دولة أو عصابة أمنية طغيانية فاشيستية حكمت البلد بالحديد والنار، واختارت الحل الأمني والعسكري بديلاً عن أي حل سياسي، يراه البعض مدخلًا للحل وتراه إيران ومعها نظام الأسد مدخلًا لإنهاء وجود النظام كلية.

ليس هناك اليوم من إمكانية سريعة لإعادة النظام السوري إلى جامعة الدول العربية، وهو لن يستطيع أن يفي بأية وعود قطعها على نفسه، وهو ما دعا وزير خارجيته /المقداد ليؤكد استحالة عودته للجامعة إبان جولته على كل من تونس والجزائر، من منطلق أنه يعرف نفسه جيدًا بعدم قدرة النظام ولا قناعته بتنفيذ أي من الشروط العربية للعودة، كما يدرك أن التطبيع معه مستمر ولن يتوقف، بعد الضوء الأميركي الأخضر بذلك، مهما صدرت من تصريحات أميركية علنية تخالف ذلك.

—————————-

«اجتماع عمّان» اليوم لتلقي ردود سوريا على «مقترحات عربية»

عمان: محمد خير الرواشدة

تستضيف العاصمة الأردنية عمّان، اليوم، اجتماعات لوزراء خارجية الأردن، والمملكة العربية السعودية، والعراق، ومصر مع وزير الخارجية السوري. ووصف مصدر أردني الاجتماعات بأنها تحمل ردود سوريا على مقترحات عربية، بما يضمن «التوصل إلى حل سياسي يكفل وحدة أراضيها واستمرار عمل مؤسساتها، وملف العودة الآمنة للاجئين السوريين»، وأن تلبية تلك الشروط وغيرها ستكون كفيلة بعودة دمشق للجامعة العربية.

وأضاف المصدر لـ«الشرق الأوسط» أن الاجتماعات قد تشهد «توافقاً على سيناريو سياسي يجري العمل على بلورته بما يضمن عدم استفزاز المجتمع الدولي، والتمسك بربط العودة بعملية سياسية في سوريا». وحول ما ستقدمه دمشق خلال الاجتماع، قال المصدر «الأمر لا يزال غير معلوم».

وكان وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، قد التقى نظيره السوري فيصل المقداد في عمّان «في زيارات متعددة لم يُعلن عنها» بحسب مصادر قالت إن سوريا بحثت في تلك الزيارات بشكل جدي فرص الخروج من الحصار المفروض عليها، عبر شفاعة جامعة الدول العربية وانفتاحها على عواصم فاعلة كالرياض وبغداد والقاهرة.

—————————-

«اجتماع عمّان» اليوم يتوقع جواب دمشق على مقترحات عربية

مصدر أردني لـ«الشرق الأوسط»: العودة ترتبط بعملية سياسية في سوريا

عمان – محمد خير الرواشدة

قد يبدو أن خطوات عودة سوريا للجامعة العربية باتت قريبة، فتسارع لقاءات وزراء خارجية الأردن والسعودية ومصر والعراق مع وزير الخارجية السوري في النسخة الثانية من الاجتماعات التي ستنعقد في عمان، اليوم، استكمالاً للاجتماع التشاوري لدول مجلس التعاون الخليجي والأردن والعراق ومصر، الذي استضافته جدة منتصف أبريل (نيسان) الماضي، ترك انطباعاً لدى المتابعين بتوفر عنصر المرونة لدى النظام السوري في شروطه، بعد حديث عن «فرصة قدمتها دول عربية قد لا تتكرر».

وإذ استثمرت دمشق «دبلوماسية كارثة الزلزال» بعد كسر دول عربية الحصار عليها، واستقرار طائرات وزراء خارجية عرب على مدارج مطارها، فقد أصغت لتطابق النصائح التي جاءت في سياق لقاءات مطولة، جمعت الرئيس بشار الأسد مع «مبعوثي» دولهم، لتخرق الرياض حاجز الصمت مستقبلة وزير خارجية النظام السوري، وترد الزيارة بمثلها، دون إسقاط فرضية تقول إن الرياض تسعى إلى عقد قمة عربية، موعدها الثلث الأخير من الشهر الحالي، بنصاب مكتمل وبدعوة جادة لتطويق الأزمات عبر حلول توافقية.

وفي عمان التي ستشهد اجتماعات لوزراء خارجية الأردن، والمملكة العربية السعودية، والعراق، ومصر، مع وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، وصف مصدر أردني اجتماعات اليوم بأنها «تحمل جواباً سورياً على مقترحات عربية تضمن التوصل لحل سياسي يكفل وحدة أراضيها واستمرار عمل مؤسساتها، إضافة إلى ملف العودة الآمنة للاجئين السوريين»، وأن تلك الشروط وغيرها ستكون كفيلة بعودة دمشق للجامعة العربية، لكن بعيداً عن «حسابات أن يكون التقارب مع سوريا على حساب توتر العلاقات العربية مع المجتمع الدولي، وتحديداً الولايات المتحدة الأمريكية والغرب».

في الأثناء، اعتبر المصدر الأردني أن حضور الوزير السوري «يُرسل إشارة قوية على دعوة دمشق للقمة العربية المقبلة في الرياض». وأكد نفس المصدر أن اجتماعات عمان قد تشهد «توافقاً على إعداد سيناريو سياسي يجري العمل على بلورته خلال الاجتماع، بما يضمن عدم استفزاز المجتمع الدولي، والتمسك بربط العودة بعملية سياسية في سوريا». ورداً على سؤال ما الذي ستقدمه دمشق خلال الاجتماع؟ ردّ المصدر بأنه «لا يزال الأمر ليس معلوماً».

ومع بدء وصول وزراء خارجية الدول التي ستحضر الاجتماعات، فقد ظلت المبادرة الأردنية للحل السياسي في سوريا مطوية في جيب وزير الخارجية أيمن الصفدي، الذي التقى نظيره السوري المقداد في عمان في زيارات متعددة لم يتم الإعلان عنها، بحسب مصادر تحدثت إلى «الشرق الأوسط».

وأضافت المصادر، أن سوريا بحثت في تلك الزيارات بشكل جدي، فرص الخروج من الحصار المفروض عليها، عبر شفاعة جامعة الدول العربية، وانفتاحها على عواصم عربية فاعلة، كالرياض وبغداد والقاهرة.

وأن عمان قد تكون الوسيط للقيام بالمهمة، مع استماع المقداد لشرط أردني، وهو أن «يقدم الرئيس السوري بشار الأسد خطوات عملية على طريق الحل السياسي المتفق عليه دولياً».

وكان وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي قد أعلن نهاية مارس (آذار) الماضي، خلال لقائه المبعوث الخاص للأمم المتحدة لسوريا غير بيدرسن في عمّان، عن مبادرة أردنية لإيجاد «حل سياسي للأزمة في سوريا، وأنَّ المبادرة تنطلق من دور عربي مباشر (…) وحوار سياسي لحل الأزمة وتفرعاتها الأمنية والسياسية»، من زاوية «التنسيق مع الأشقاء العرب، وتفاصيلها، بهدف التحرك العربي الجاد لحل الأزمة السورية، والتحرك وفق مبدأ خطوة مقابل خطوة».

وكانت وزارة الخارجية أصدرت بياناً صحافياً على لسان الناطق الرسمي باسمها، السفير سنان المجالي، أعلن فيه استضافة الأردن اجتماع وزراء خارجية الأردن والمملكة العربية السعودية والعراق ومصر مع وزير الخارجية السوري، وأن الاجتماع يأتي استكمالاً للاجتماع التشاوري لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية والأردن والعراق ومصر، الذي استضافته السعودية في جدة يوم 14 أبريل الحالي، وللبناء على الاتصالات التي قامت بها هذه الدول مع الحكومة السورية، وفي سياق طروحاتها، والمبادرة الأردنية، للتوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية.

——————————–

رئيسي في دمشق بدلاً من الرّياض… الأولويّة لمَن؟/ يوسف بدر

تبدو السياسة الخارجية لإيران متجهة عملياً نحو التغيير، لكن واقعياً، ليس تجاه آمال المنطقة العربية وطموحاتها من المصالحة مع نظام الجمهورية الإسلامية؛ بل يسير ذلك وفق تفسير هذا النظام بما يحافظ على السياسة التي رسمها لمنطقتنا العربية.

والسبب يتلخص في أن هذا النظام ما زالت تحكمه العقلية نفسها التي تستغل الشعارات الدينية والمثالية في خدمة أهدافه القومية التوسعية. فبدلاً من أن يكون الحديث عن المحور الشيعي الإيراني من طهران إلى بيروت، يحدثنا عن محور المقاومة، الذي لا نعرف مَن المستفيد منه سوى طرفي اللعبة (إيران وإسرائيل)!

وتكشف لنا الخلافات داخل أروقة السياسة في إيران، أن سلوكها الخارجي ما زال أسيراً للرؤية المحافظة التي تبدأ من بيت المرشد الأعلى علي خامنئي، وصولاً إلى مصالح الجناح المتشدد والحرس الثوري الإيراني، إذ نجد وزير الخارجية حسين عبد اللهيان، يحاول إحراز أي تقدم خارجي يُجمّل به مسيرته الدبلوماسية؛ لكنه يصطدم بمعسكر الصقور الذي يخترق السياسة الخارجية. فداخل البرلمان كان نواب المدن المحاذية لأفغانستان يجمعون التوقيعات لاستجواب عبد اللهيان بخصوص إدارة ملف المياه مع حركة “طالبان”. لكن الحقيقة أن إدارة السياسة الخارجية ليست بيد وزير الخارجية! وأن هناك تنازعاً بين القوى الخفية والمعلنة على إدارة هذه السياسة.

حتى أن الإعلام الإيراني تناول خلافات بين عبد اللهيان ورئيسه إبراهيم رئيسي، إلى درجة بعثه برسالة إلى المرشد خامنئي، محاولاً كسب دعمه لتحقيق نجاح على مستوى الملف النووي، الذي يمثل المفتاح الحقيقي لحل أزمات إيران الداخلية، إذ يشعر عبد اللهيان بمحاصرة عمل وزارته من جانب فريق الرئيس وأمين المجلس الأعلى للأمن القومي علي شمخاني.

وبينما يرغب عبد اللهيان أيضاً في الخروج من مراوحة المفاوضات النووية، بالدفع بعودة كبير المفاوضين السابق عباس عراقتشي، الذي أوصل هذه المفاوضات إلى شط الاتفاق خلال حكومة حسن روحاني السابقة، يصر الرئيس الإيراني على استمرار كبير المفاوضين الحالي علي باقري كني. بل تم اقتراح سفير إيران في إسلام آباد محمد علي حسيني، بديلاً لعبد اللهيان إذا ما قرر مغادرة الخارجية، بخاصة أن حسيني يعبر عن احتياجات إيران في هذه المرحلة، بخبرته في المنطقة العربية والآسيوية وعلاقاته القوية مع المحافظين ومعسكر الحرس الثوري.

ولذلك عندما خرج علي شمخاني علينا من بكيّن بدلاً من عبد اللهيان، ليعلن اتفاق المصالحة مع السعودية برعاية صينية؛ لم يعبر هذا عن اتفاق قوي، لأنه تحت إشراف الأمن القومي الإيراني؛ بل عبر عن وجه النظام الإيراني عملياً، الذي أراد أن يقول: سنحدث تغييراً في سلوكنا الخارجي بما يخدم مصالحنا بطريقة أخرى!

هناك تغيير ولكن!

خرج عبد اللهيان في جولة إقليمية، التقى في مسقط، 25 نيسان (أبريل)، رئيس وفد الحوثيين محمد عبد السلام، مؤكداً وحدة تراب اليمن. ثم بعدها في بيروت، 28 نيسان، أوحى بأنه جاء ليضع حلاً لتحسين وضع لبنان، مؤكداً في كلامه “أنّ محور المقاومة مصمّم على قلب المعادلة”!

وهنا يبدو أن إيران تسعى لأن تُعلن عن استراتيجيتها الخارجية الجديدة بطريقة عملية، فبينما حدد بيان المصالحة، 10 آذار (مارس)، مدة شهرين لعودة العلاقات الدبلوماسية بين إيران والسعودية – وكأنها فترة اختبار لمدى جدية طهران في الالتزام بالاتفاق ومبدأ “احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية” – أعلن عبد اللهيان من بيروت أنه اتفق مع نظيره السعودي، فيصل بن فرحان، على تبادل فتح السفارات خلال الأيام المقبلة، وكأن الوزير الإيراني أراد أن يقول لقد التزمنا بالفعل اتفاقنا مع الرياض، بأن دعمنا الحل في اليمن. ولكن أيضاً بالنسبة إلى وجودنا في الهلال الشيعي (من طهران إلى بيروت) فإننا سنديره وفق سياستنا ومصالحنا.

كانت رسالة طهران من بيروت واضحة في الإعلان عن هذه الاستراتيجية الجديدة، فلم تكن زيارة من أجل وضع حل لهذا البلد الذي طحنته الأزمة الاقتصادية، بقدر ما كانت السفارة الإيرانية في بيروت منبراً أعلن منه عبد اللهيان “مانفيستو” السياسة الجديدة لبلاده تجاه المنطقة.

فإيران وفق مُصالحتها مع السعودية، لن تفرض رئيساً على لبنان؛ لكنها أيضاً لن تفلتْ يدها من يد ميليشياتها ومواليها، فقد التقى عبد اللهيان الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصر الله، والتقى أيضاً مسؤولين من حركتي “حماس” و”الجهاد” الفلسطينيتين. بل ذهب إلى الحدود اللبنانية في قرية مارون الراس، وغرس شجرة زيتون، وتحدث عن دعم طهران المقاومة في وجه إسرائيل، وأعاد الحديث عن مقترح إيراني قديم، اقترحه خامنئي قبل أكثر من عشرين عاماً يرى حل القضية الفلسطينية في إقامة استفتاء شعبي على حق تقرير المصير.

والرسالة من ذلك: أن طهران إن كانت قد حيّدت تهديدات ميليشياتها عن المنطقة الخليجية؛ لكنها لن تتراجع عن الدعم الذي تقدمه لهذه الميليشيات ما دام هناك كيان اسمه إسرائيل، وهو ما تكرر في خطابات المرشد خامنئي، خلال الأيام الماضية، بتأكيده أنّ سرعة زوال “إسرائيل” تزداد يوماً بعد آخر.

في دمشق بدلاً من الرياض

أيضاً، الرئيس الإيراني الذي الأولى به أن يذهب إلى الرياض لتلبية دعوة العاهل السعودي، قرر الذهاب إلى دمشق، الأربعاء المقبل، حسبما تداولت وسائل الإعلام الإيرانية.

وهذه الزيارة هي تأكيد من جانب طهران لبوصلتها بعد اتفاق المصالحة، فرسالتها منها، أنه قد حان وقت الحصاد وجني ثمار الاستفادة من القوة الصلبة؛ حيث سيتم التوقيع على اتفاقيات استراتيجية بين طهران ودمشق، تجني إيران منها مكاسبها الاقتصادية من الدعم العسكري الذي قدمته لسوريا خلال السنوات الماضية.

أي إن إيران تريد القول إن محور المقاومة دخل مرحلة التكامل والتطور ليشمل ملفات اقتصادية إلى جانب شقه العسكري. وهو ما أفصح عنه صراحة مساعد الرئيس الإيراني للشؤون السياسية محمد جمشيدي، الذي قال، 29 نيسان (أبريل)، إن “زيارة رئيسي لدمشق تمثل تكليلاً لانتصار محور المقاومة، بعدما مرت منطقة غرب آسيا بفترة شديدة من التوتر على مدى 12 عاماً من التحول الجيوسياسي، كان الفائز فيها هو الجمهورية الإسلامية الإيرانية، والخاسر هو الولايات المتحدة الأميركية، ولقد علّمَ قاسم سليماني الجميع، أن القوة هي السبيل الوحيد لنجاح الدبلوماسية”.

المحصّلة

إن اتفاق المصالحة بين إيران والسعودية، لا يعني تعديل إيران سلوكها الخارجي كلياً، وإنما بالشكل الذي يحمي علاقاتها ومصالحها مع دول جوارها في الجنوب، بخاصة أن دول الخليج هي طريق مهم لوضع إيران على خريطة التجارة بين الشمال والجنوب.

لم يذهب وزير الخارجية الإيراني إلى فيينا لدعم استئناف المحادثات النووية، وذهب بدلاً منها إلى بيروت، وهناك اجتمع مع القادة السياسيين؛ ليوحي للعالم بأن ثمة سياسة إيرانية جديدة قد تشكلت بعد اتفاق المصالحة؛ بينما واقعياً كانت بيروت منبراً إيرانياً بامتياز، وجه من خلاله رسائل بأن طهران لن تتراجع عن محورها الشيعي الذي يمتد من طهران إلى بيروت.

ثم تأتي زيارة الرئيس الإيراني دمشق بدلاً من الرياض، لتأكيد أن ما تسميه إيران محور المقاومة قد توسع من مرحلة حمل السلاح إلى مرحلة المصالح الاقتصادية التي تضمن القوة والاستمرارية لهذا المحور، وأن التغيير الذي قد يقع في هذا المحور يجب أن يكون أولاً في خدمة المصالح الإيرانية، تحت شعار دعم محور المقاومة. كما أن المصالحة المنتظرة بين دمشق والدول العربية من جانب، ودمشق وأنقرة من جانب آخر، تستوجب من طهران الانتقال إلى شكل جديد في علاقاتها مع دمشق.

وإذا نجحت إيران بالفعل في تحقيق المكاسب الاقتصادية من خلال دعمها هذا المحور؛ فإنها ستمثل نقطة قوية لحكومة المحافظين، بخاصة أن الداخل لطالما رفع شعارات احتجاجية (لا غزة ولا لبنان)؛ انتقد فيها السياسة الخارجية تجاه هذا المحور التي لم تحقق لإيران أي عوائد اقتصادية مقابل هذا الدعم.

النهار العربي

——————————

هل يفتح “ذوبان الجليد” أبواب الجامعة العربية أمام الأسد؟

كانت التحركات العربية اتجاه النظام السوري خلال الأسابيع الماضية أكثر ما تصدّر عنه الحديث بين أوساط السوريين وعلى مستوى الإقليم والعالم، ورغم مؤشرات “ذوبان الجليد” التي سادت على نحو واضح اعتبر خبراء أن الأمر لا يعني بالضرورة إعادة فتح أبواب الجامعة بالكامل أمام الأسد.

وعلى رأس التحركات تلك التي أقدمت عليها المملكة العربية السعودية، إذ استضافت وزير خارجية الأسد فيصل المقداد في الرياض، بينما زار وزير خارجيتها فيصل بن فرحان العاصمة دمشق.

وما بين هذين التحركين استضافت مدينة جدة السعودية اجتماعاً تشاورياً لبحث الملف السوري، و”إمكانية إعادة النظام السوري إلى الجامعة العربية”.

يشير تقرير نشره موقع “المونيتور” الأمريكي، اليوم السبت، إلى أنه “من غير المؤكد حتى الآن ما إذا كان الأسد سيحضر قمة جامعة الدول العربية في السعودية، أو ما إذا كان ذوبان الجليد سيقتصر على العلاقات الثنائية بين دمشق ودول المنطقة المختلفة”.

وتمثل جهود الرياض للتهيئة لنظام الأسد، والتي تميزت بزيارة بن فرحان إلى دمشق هذا الشهر تحولاً بالنسبة للدولة الخليجية القوية، التي كانت سابقاً أحد الرعاة الرئيسيين لجماعات المعارضة في الانتفاضة السورية.

وكانت أيضاً قد شاركت بإصرار بإصرار في الدعوة طويلاً إلى الإطاحة بالأسد من السلطة.

ويقول ستيفن هايدمان، كبير الزملاء غير المقيمين في مركز سياسات الشرق الأوسط التابع لمعهد بروكينغز إن الوضع الراهن أصبح غير مستدام.

ويضيف: “هناك إحساس بنوع من النظام السياسي الإقليمي الجديد الذي بدأ يتشكل، حيث أصبح من غير المقبول على نحو متزايد أن تستمر دول المنطقة في استبعاد سورية”.

وأوضح هايدمان أن “عودة سورية إلى جامعة الدول العربية المكونة من 22 دولة من شأنها أن تعزز صورة الأسد وتوفر الغطاء الدبلوماسي الإقليمي للدول لتقترب أكثر من النظام، خاصة تلك التي أحجمت عن التطبيع”.

ومع ذلك، أشار الباحث إلى أن “عودة سورية إلى الدوري ستظل مقصورة على الدبلوماسية، ومن غير المرجح أن تؤدي إلى تغيير كبير على الأرض”.

“لم تعد قضية عربية”

وفي غياب حل سياسي للأزمة السورية، من المرجح أن تستمر العقوبات على النظام وستستمر في عرقلة محاولات الأسد لتجديد العلاقات الاقتصادية الإقليمية.

ومع ترسيخ القوى الدولية في البلاد، سيكون لجامعة الدول العربية نفوذ ضئيل في تحريك الصراع نحو حل.

ويرى أستاذ العلوم السياسية الأردني والخبير الجيوسياسي عامر السبايلة أن القضية السورية أصبحت قضية دولية “ولم تعد قضية عربية بعد الآن”.

وتأتي جهود السعوديين لإعادة الأسد إلى الحظيرة العربية كجزء من استراتيجيتهم الجديدة لكسب المنطقة بسخاء اقتصادي، وهي خطة تتطلب “أبواباً مفتوحة ومشهد خالٍ من الصراع” ، كما يضيف السبايلة.

ويوضح: “السعوديون يظهرون أنهم صناع القرار الحقيقيون في الشؤون العربية. إذا كنت تريد رؤية سياسات وإجراءات حقيقية، فعليك أن تأتي إلى هنا”.

وسبق وأن تحدثت صحيفة “وول ستريت جورنال” في مارس / آذار الماضي عن المنافسة العميقة بين المملكة العربية السعودية وحليفها المقرب السابق الإمارات العربية المتحدة على القيادة الإقليمية.

وكانت الإمارات من أوائل الدول العربية التي احتضنت الأسد، بما في ذلك حفل استقبال على السجادة الحمراء مع زوجته أسماء، الشهر الماضي.

وفي اجتماع آخر استضافته السعودية هذا الشهر، حاولت الدولة الخليجية التأثير على جيرانها العرب المترددين لقبول عودة سورية إلى جامعة الدول العربية، ومع ذلك، لم يتم التوصل إلى توافق في الآراء.

ووفقاً لصحيفة “وول ستريت”، يرفض ما لا يقل عن خمسة أعضاء في جامعة الدول العربية إعادة قبول النظام السوري، بما في ذلك المغرب والكويت ومصر واليمن وقطر.

وذكرت الصحيفة أن تلك الدول تدعو الأسد إلى الانخراط أولاً مع المعارضة السياسية في سورية، وسن قدر من الإصلاح السياسي، إلى جانب المطالب المتعلقة بشؤونهم الداخلية.

وتتصدر قطر قائمة الدول الرافضة، ولم تحذو حذو السعوديين حتى الآن، مشيرة إلى أن “التغيير على الأرض في سورية والإجماع العربي هو الوحيد الذي يغير موقفها”.

“تسوية سياسية غير مرجحة”

واستعادت قوات الأسد السيطرة على جزء كبير من سورية، باستثناء الجيب الذي يسيطر عليه الأكراد في الشمال الشرقي ومحافظة إدلب التي تسيطر عليها “هيئة تحرير الشام” وفصائل أخرى.

وعلى الرغم من ضغوط الدول الغربية ودول الخليج وتركيا وحتى روسيا المقربة من النظام على مدى العقد الماضي، فقد رفض الأسد مراراً وتكراراً فتح حوار مع جماعات المعارضة في البلاد أو قبول أي نوع من التسوية السياسية.

ويخشى الأسد أن تؤدي التسوية في نهاية المطاف إلى الإطاحة به، وتحميه رئاسته الآن إلى حد كبير من المثول أمام المحكمة على جرائم الحرب، وفقاً للاقتصادي السياسي السوري، كرم شعار.

وقال الشعار لـ “المونيتور”: “لهذا السبب، أعتقد أن نظام الأسد على استعداد فقط لتقديم تنازلات تجميلية”، مثل تشكيل حكومة وحدة وطنية تضم عناصر من المعارضة.

وقال: “لكن أي إصلاح سياسي حقيقي سيؤدي في الواقع إلى إخراج النظام من السلطة”.

في غضون ذلك، تخلت المملكة العربية السعودية بشكل أساسي عن فكرة الإصلاح السياسي التفاوضي كشرط مسبق للتطبيع مع سورية.

وقال الباحث الأردني السبايلة إن جيران سورية الإقليميين ربما يستخدمون الدعوات للتوصل إلى تسوية سياسية كغطاء لتجنب انتقادات الغرب.

وأضاف: “لا أعتقد أن أي دولة عربية مهتمة حقاً بالمطالبة بإصلاح سياسي جاد”.

بدوره قال هايدمان إنه بدون تسوية سياسية مشروعة، فإن الرفع التام للعقوبات المفروضة على نظام الأسد أمر غير مرجح.

وقد أعاقت العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وخاصة قانون قيصر الأمريكي، قدرة الأسد على الحفاظ على العلاقات الاقتصادية مع المنطقة وإعادة البناء بعد الحرب التي استمرت عقداً من الزمان.

لكن القيود الحالية على الأعمال التجارية ربما يتم اختبارها على الأرجح مع تقارب الدول العربية مع النظام. وأضاف هايدمان: “بصراحة، لن أتفاجأ إذا رأينا الحدود [للعقوبات] تتراجع بمرور الوقت”.

وحتى قبل التحركات الأخيرة، سعى المستثمرون الإماراتيون بالفعل إلى إيجاد طرق لضخ الملايين في مشاريع سورية، كما شرع الأردن، المدفوع بسياسات الإمارات العربية المتحدة، في مناقشات حول كيفية تعزيز التجارة والاستثمار.

الآن، مع تآكل حدود التواصل مع الأسد، فإن المنطقة “تعيد تأكيد دورها كلاعب في الصراع السوري على أساس التطبيع، على أمل أن هذا قد يمنحها فرصة لزعزعة شروط النتيجة، أكثر مما تمكنوا من الوصول إليه من خلال القنوات أو الوسائل الأخرى”، وفق هايدمان.

——————————–

==================

تحديث 25 نيسان 2023

————————-

“مبادرة” مشروطة أم توجهات فردية.. باب عربي “موارب” أمام الأسد/ خالد الجرعتلي

ينتظر المراقبون باهتمام ما ستفضي إليه مساعٍ علنية وأخرى خلف الأبواب، بشأن ما تسمى “مبادرة الأردن” أو “المبادرة العربية”، وشروطها، خصوصًا مع ازدياد عدد المدرَجين على جداول التقارب مع النظام السوري، بدءًا من الإمارات وانتهاء بالسعودية، مرورًا بمصر.

مطلع العام الحالي، انضمت دول عربية أخرى إلى ركب المطبّعين، من بينها السعودية التي سبق ورفع سفيرها في الأمم المتحدة شعار “لا تصدقوهم” قاصدًا النظام السوري.

التسريبات والأخبار الواردة عن مصادر ليست مكشوفة في أغلبيتها، تشير إلى ما يشبه سياسة “الباب الموارب”، إذ لا يمكن الجزم بظروف المصالحة أو التقارب بين دول عربية والنظام السوري، وخصوصًا عودة سوريا إلى الجامعة العربية ومشاركتها في القمة المزمع عقدها منتصف أيار المقبل، دون إعلان رسمي من السعودية، الدولة المضيفة للقمة، وهو ما يجعل من تحركات الرياض مؤشرًا لما يدور في الكواليس.

تناقش عنب بلدي في هذا الملف مع باحثين ومختصين موجة التقارب العربي الأحدث مع النظام السوري، وأثرها المحتمل في وقف الصراع المستمر لأكثر من 12 عامًا بدعم ذات الأطراف الساعية للتقارب اليوم.

حقيقة المبادرة وخلفياتها

في أحدث بيان أصدرته وزارة الخارجية القطرية حول موقفها من الملف السوري، في 23 من آذار الماضي، ورد مصطلح “المبادرة الأردنية” في إشارة إلى دور عربي ينخرط مع النظام السوري في حوار سياسي بغرض الوصول إلى حل لـ”الأزمة السورية”.

ويعود إطلاق هذا المصطلح إلى عام 2016، عندما حاول الأردن طرح حلول لتسوية الملف السوري، ونجح في الحصول على استثناء أمريكي من منع التبادل التجاري مع سوريا، ليعيد، في تشرين الأول 2018، فتح معبر “نصيب” بين البلدين، إلا أن مبادرته توقفت عند هذا الحد، ولم تنعكس على واقع المنطقة.

وقال الخبير الأردني في الأمن الاستراتيجي عمر الرداد لعنب بلدي، إن “المبادرة الأردنية” كما وصفها وزير الخارجية الأردني، لم تكن جديدة، إذ طرحها الملك الأردني مع الرئيس الأمريكي قبل عامين بسبب ازدياد تهريب المخدرات والتهديدات الأمنية التي واجهها الأردن من جهة، وتزامنت مع رغبة الأردن بالانفتاح الاقتصادي ومشروع تمرير الغاز والكهرباء إلى لبنان عبر الأردن من جهة أخرى.

ولم ترَ المبادرة الأردنية حينها النور، وفشلت لأسباب مختلفة، وفق الرداد.

ومع التقارب السعودي والزيارة المصرية الرسمية إلى سوريا في شباط الماضي، بات من الضروري الإجابة عما إذا كانت المبادرة هي نفسها التي أُطلقت عام 2016، أو أن ما يجري الحديث عنه هو مبادرة جديدة.

الباحث في مركز “الحوار السوري” محمد سالم، قال لعنب بلدي، إنه وبحسب معلومات وتقارير اطلع عليها، لا توجد مبادرة عربية موحدة ومتبلورة، وإنما هي “خطوط عريضة غامضة تتمحور حول التقارب مع النظام”.

وذكر الباحث أن التقارب السعودي- السوري مرتبط بالتحرك على المستوى العربي، وأن ضعف ثقة العرب بالنظام دفعهم للتعامل معه بأسلوب “خطوة مقابل خطوة”، وهو ما لمسه دبلوماسيون غربيون اجتمعوا مع مسؤولين عرب مؤخرًا في عمّان، وفق سالم.

وبالنظر إلى التصريحات المتواترة والتسريبات عن تقارب سوري- سعودي، والزيارات المتكررة لمسؤولين عرب، بينهم وزيرا الخارجية الإماراتي والمصري إلى دمشق، ورغبة الأردن بخلق مسارات تفاوضية، لا يمكن القول إن ما يجري وصفه اليوم بـ”المبادرة الأردنية” أو “المبادرة العربية” هو وليد اللحظة، بل جاء مرتبطًا بمبادرات سابقة لم تلقَ آذانًا صاغية في دمشق.

توجه غير مكتمل الملامح

الباحث في مركز “عمران للدراسات” معن طلاع، يرى أن “المبادرة الأردنية” أو “المبادرة العربية” إن صحت تسميتها بذلك، هي انعكاس لتوجه في المنطقة وخصوصًا الدول العربية، لكنه فعليًا لم يكتمل بعد.

الملامح الأولية لهذا التوجه، بحسب طلاع، تظهر على أنه يهدف إلى إيجاد تسوية للملف السوري، دون وجود دور مركزي للولايات المتحدة، وفي الوقت نفسه يتطلب عدم معارضة واشنطن، إلى جانب ضمان موافقة روسيا.

ومن أهم المتطلبات للمضي بهذا التوجه، وضع استحقاق ملف اللاجئين على الطاولة، وأيضًا مجموعة الإجراءات المطلوبة من النظام السوري، بالإضافة إلى إيجاد تعريف أوسع لمفهوم “المصالحة” فيما يتعلق بالقوات العسكرية المنتشرة على الجغرافيا السورية والمدعومة من قبل دول أخرى، بحسب طلاع.

ويرى طلاع أن هذا التوجه قد يضع النظام أمام استحقاقات لتشجيع عوامل الاستقرار، والتكيف مع نتائج الواقع الراهن.

الباحث في مؤسسة “القرن الدولية للبحوث والسياسات الدولية”، والمتخصص بالشأن السوري سام هيلر، يرى في هذا الصدد أنه ليس من الصحيح أو الضروري وجود مبادرة عربية، ورجح أن تكون التوجهات الجديدة تشكلت نتيجة لمجموعة مبادرات غير منسقة وأحادية الجانب.

وبالنظر إلى كون الأردن سوّى علاقاته بالنظام السوري وفقًا لمقاربة “خطوة بخطوة”، اختلف الأمر بالنسبة للإمارات التي سوّت علاقاتها بالنظام بشكل غير مشروط، بحسب ما قاله هيلر لعنب بلدي.

وأضاف أن “السؤال الكبير” الآن هو إلى أي مدى تختار المملكة العربية السعودية أن تمضي في تسويتها مع النظام، خصوصًا أن الرياض قادرة فعلًا على حشد دول عربية أخرى خلفها بشكل ممنهج وجماعي، وهو ما يختلف عن المبادرات السابقة، وما لا يستطيع الأردن فعله.

السعودية أحدث الواصلين

في 24 من آذار الماضي، نشرت صحيفة “عكاظ” السعودية، مراحل نقلتها عن مسؤول في وزارة الخارجية السعودية لم تسمِّه، لتطبيع علاقات الرياض مع النظام السوري.

وركّزت مراحل التطبيع على تبادل التمثيل القنصلي بين العاصمتين، وعودة العلاقات بين البلدين، مقابل تعهد دمشق بحزمة إصلاحات للوضع الداخلي والعلاقة مع المعارضة، وثلاث خطوات أخرى متعلقة بضبط النظام عمليات تهريب المخدرات من الأراضي السورية نحو الأردن.

سبق ذلك ببضعة أيام تسريبات صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية عن أن الدول العربية تسعى لإخراج سوريا من عزلتها مقابل الامتثال لمجموعة طلبات.

المطالب العربية تركزت حول الحد من النفوذ الإيراني، وتطويق عمليات تهريب المخدرات نحو الأردن، إلى جانب السماح بحماية عربية للاجئين السوريين، حال عودتهم إلى البلاد، بحسب الصحيفة.

ونقلت الصحيفة عن مستشار لدى النظام السوري ومسؤولين أوروبيين وعرب لم تسمِّهم، أن الأسد لم يُظهر أي اهتمام بتقديم أي إصلاح سياسي، أو السماح بدخول قوات عربية لحماية اللاجئين.

المملكة العربية السعودية غابت منذ سنوات عن الساحة السورية، إذ لم تعد تدعم فصيلًا أو جهة عسكرية معيّنة، واقتصرت مشاركتها في الملف السوري على التصريحات السياسية، وبعض التحركات الدبلوماسية.

عودة السعودية حديثًا عقب قمة “بكين” في الصين، أظهرت بوادر لحل خلافاتها العالقة مع إيران، مقرّبة إياها من حدود التطبيع مع النظام السوري، وهو ما ظهر إلى العلن في حديث “رويترز” نقلًا عن مسؤولين لم تسمِّهم، أن وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، سيتوجه إلى دمشق خلال الأسابيع المقبلة، لتسليم الأسد دعوة رسمية لحضور القمة العربية المقرر انعقادها في 19 من أيار المقبل، بالعاصمة السعودية الرياض.

الباحث الزميل في مركز “عمران للدراسات” نادر خليل، قال لعنب بلدي، إن للسعودية عدة أهداف محتملة من محاولة الدخول على خط الملف السوري، ربما يكون أحدها تلمّس وساطة النظام السوري بين طهران والرياض بطريقة ما، بما يخص ملف “الحوثي” في اليمن الذي بات طوله أمده يؤرّق السعودية.

وعلى الأغلب، تسعى السعودية ودول أخرى كالإمارات لاستكشاف فرص أو إمكانيات الدخول على ساحة استثمار النفوذ في سوريا مقابل تمويل اقتصادي، بحسب الباحث.

وبالنظر إلى عدم وجود قطيعة بين إيران والسعودية بعد اليوم، يمكن وصف ما طرحته إيران على السعودية بأنه يسير ضمن مبدأ “أدعم حليفي في دمشق، مقابل تقليم أظافر حليفي باليمن”، في إشارة إلى تنازلات تقدمها السعودية في الملف السوري، مقابل تنازلات تقدمها إيران في الملف اليمني، بحسب خليل.

الباحث والمحلل السياسي السعودي مبارك العاتي، قال لعنب بلدي، إن خطوة السعودية الأحدث في تسوية علاقاتها مع سوريا تهدف إلى تحقيق اختراق بحالة “الجمود” في العلاقات السعودية- السورية، والعلاقات العربية- العربية.

وأضاف أن منافع كثيرة يمكن أن تتحقق إثر هذا التقارب، أهمها إيقاف الخلاف بين الرياض ودمشق، وإيجاد مخارج في عدد من القضايا العالقة، وكسر حالة الجليد بين العاصمتين.

ويرى العاتي أن من أبرز المنافع التي قد تلتفت إليها الرياض اليوم، هي إيجاد حلول للقضية الأمنية المتعلقة بتهريب المخدرات إلى المملكة، وقضايا الإرهاب العابر للحدود، إذ ستأخذها السعودية على عاتقها لإيجاد حلول لها خلال المحادثات المقبلة.

الباحث السعودي يرى جازمًا أن التقارب الحاصل بين إيران والسعودية مؤخرًا كان اتفاقًا مهمًا ومفصليًا في تاريخ علاقات المنطقة ككل، نظرًا إلى تأثير الدولتين على عدد من الأحداث والملفات في المنطقة، بدءًا من الملف السوري.

وأضاف أن التقارب السعودي- الإيراني كان ذا “تأثير إيجابي” على عدد من الملفات، من بينها سوريا.

وبحسب ما نقلته صحيفة “عكاظ” السعودية، في 26 من آذار الماضي، عن الأمين العام المساعد والمشرف على شؤون مجلس الجامعة العربية، حسام زكي، من المنتظر أن تعقد القمة العربية الـ32 بالسعودية في 19 من أيار المقبل.

سبق ذلك، مطلع آذار، حديث الأمين العام للجامعة العربية، أحمد أبو الغيط، عن عدم وجود توافق عربي على عودة سوريا إلى الجامعة.

وأشار إلى أنه لا توجد خارطة طريق، أو رؤية واضحة بشأن كيفية التعامل مع الملف السوري في إطار الجامعة العربية.

ماذا عن قطر؟

ومن أبرز الدول التي طالبت بإسقاط النظام السوري على مدار السنوات الـ12 الماضية، كانت السعودية وتركيا وقطر، وخلال النصف الثاني من عام 2022، بانت نُذُر تغير في موقف تركيا، وصولًا إلى لقاء جمع نائبي وزيري خارجية تركيا والنظام السوري بموسكو، في 4 من نيسان الحالي، ضمن اجتماعات “الرباعية” التي دعمتها ومهّدت لها موسكو.

الانعطافة التركية تبعتها أخرى سعودية، مع إعلان بدء التقارب مع النظام السوري نهاية شباط الماضي.

وحافظ الموقف القطري على ثباته منفردًا إلى جانب دول عربية ذات تأثير أقل في الملف كالمغرب والكويت، إذ رسمت الدوحة محددات وشروطًا لإحداث أي تغيير في سياستها بالملف السوري.

وجاء على لسان المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية القطرية، ماجد الأنصاري، في 23 من آذار الماضي، “لن يكون هناك أي تغير بالموقف القطري (…) ما لم توجد تطورات حقيقية داخل سوريا بشكل يرضي تطلعات الشعب السوري، أو يكون هناك إجماع عربي مبني على هذه التطورات الإيجابية في الداخل السوري”.

مصر.. خطوات هادئة

في 1 من نيسان الحالي، التقى وزير الخارجية في حكومة النظام السوري، فيصل المقداد، مع وزير الخارجية المصري، سامح شكري، في أول زيارة رسمية لمصر منذ بدء الثورة عام 2011.

وحول أسباب الزيارة قال مصدر أمني مصري لوكالة “رويترز“، إنها “تهدف إلى وضع خطوات لعودة سوريا إلى الجامعة العربية بوساطة مصرية وسعودية”.

الزيارة جاءت، بحسب الإعلام السوري الرسمي، بناء على دعوة من وزير الخارجية المصري، لإجراء مباحثات تتعلق بتعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، ومناقشة آخر التطورات في المنطقة والعالم، دون ذكر تفاصيل أخرى.

سبق ذلك ببضعة أيام زيارة شكري الأولى منذ عشر سنوات إلى سوريا للقاء المقداد، لـ”إيصال رسالة تضامن”، عقب الزلزال الذي ضرب سوريا وتركيا، إذ كانت هذه الزيارة نقطة انطلاق لبوادر علاقات عربية مع النظام، تحت مظلة الوضع الإنساني الذي خلّفه الزلزال.

الباحث السياسي والاستراتيجي بمركز “الأهرام للدراسات” كرم سعيد، قال لعنب بلدي، إن ميل الدول العربية باتجاه إعادة سوريا إلى محيطها العربي، ترتبط بالسعي العربي لتحييد ما أسماه “الضغوط الغربية” عليها.

وأضاف أن ضغوطًا كثيرة تمارسها الولايات المتحدة ودول غربية على القوى العربية فيما يتعلق بالملفات الحقوقية الداخلية، وأخرى متعلقة بتسوية “الملفات الشائكة” المتعلقة بالإقليم العربي.

ويرى سعيد أن مصر تحاول اليوم لعب دور في التسوية السورية، لاستعادة دورها السياسي في العالم العربي، ويمكن رؤية ذلك من خلال رصد التحركات المصرية لتعزيز دورها في الملف الليبي، أو بقية الصراعات العربية الأخرى.

وأشار إلى أن الزيارة الأولى التي أجراها سامح شكري إلى سوريا، مطلع شباط الماضي، جاءت تأكيدًا على أن مصر يمكن أن تلعب دورًا مهمًا في الملف السوري، بدءًا من التقارب مع السعودية، وحتى في ملف التقارب السوري- التركي.

الزيارات المصرية- السورية المتبادلة فسرها سعيد على أنها رغبة من الجانبين في إعادة العلاقات ورفع فرص التقارب بينهما في الفترة المقبلة.

ويرى سعيد أن لمصر رؤية في سياق الحل السياسي في سوريا، ترتكز على مشاركة جميع الأطراف المحلية في أي حلول مقبلة، ووحدة أراضي البلاد التي اعتبرها مستهدفة من قبل مجموعة من الدول الإقليمية.

لماذا الآن؟

اليوم وبعد مرور سنوات على عمر الثورة السورية، لطالما رأت معظم الدول المهتمة بالشأن السوري، أن النظام بأذرعه العسكرية والأمنية ارتكب “جرائم حرب” بحق الشعب السوري.

تمحورت المواقف العربية، باستثناء العراق ولبنان والجزائر، حول دعم الشعب السوري ومطالبه التي نادى بها منذ عام 2011، لكن تبدل المواقف دفعت به جملة من التغييرات السياسية، أبرزها مرور 12 عامًا دون تغيير في الملف السوري.

الباحث المتخصص بالشأن السوري سام هيلر، يرى أن أبرز المعطيات التي غيّرت صيغة التعامل مع الملف السوري اليوم، هي مرور 12 عامًا على الملف الذي تحول إلى أزمة في المنطقة.

وأضاف هيلر لعنب بلدي، أن زلزال شباط كان “نقطة تحول”، واللحظة التي قررت فيها دول كانت تميل بالفعل إلى إعادة العلاقات مع دمشق للقول إن هذا يكفي، وأن الوقت المناسب للمضي قدمًا في التطبيع قد حل.

الملف السوري يعرقل مشاريع المنطقة

لا يمكن الحديث عن الملف السوري اليوم دون التطرق إلى مجموعة من الدول، والمسارات السياسية، وحتى ملفات أخرى تتبادل التأثير مع الوضع في سوريا، كالملف الاقتصادي في لبنان، وصولًا إلى الملف الأمني في الأردن، والعسكري في اليمن، وتقاسم النفوذ في العراق.

ويعتبر تداخل التأثير في هذه الدول، بسبب أن الدول المؤثرة فيها تملك نفوذًا سياسيًا وعسكريًا في كثير من الأحيان يجعل من تقاربها أو تباعدها معكوسًا في هذه الملفات.

الباحث في مركز “عمران للدراسات” معن طلاع، قال لعنب بلدي، إن الملف السوري بات يُنظر إليه على أنه “معرقل لعدة ملفات ومشاريع تنموية في المنطقة”، ويمتد هذا التأثير حتى متطلبات التنمية في الأردن مثلًا.

ومن أبرز هذه الملفات ما هو متعلق بتمديد خط الغاز نحو لبنان مرورًا بسوريا، إلى جانب الخطة الأولية لإعادة الإعمار، وهو ما دفع بالأردن لطرح مبادرة بهذا الخصوص، بحسب طلاع.

ويرى الباحث أن الاصطفافات الدولية والإقليمية التي شكّلتها الحرب الأوكرانية، جعلت من إمكانية إيجاد حل للملف السوري عن طريق “جنيف” غير ممكنة، وبالتالي فإن السيناريو المحتمل هو “التمترس الجغرافي” (الحفاظ على الوضع الراهن)، بالتالي فإن هذا الشكل سيبقى معرقلًا لملفات تهم المنطقة.

يضاف إلى ذلك عمليات تهريب المخدرات نحو الأردن على الصعيد الأمني، وتهريب الأسلحة نحو لبنان، في سياق النشاط الإيراني في سوريا، يقابله نفوذ سعودي في اليمن ضد مجموعات “الحوثي” التي تدعمها إيران.

وتتنافس أيضًا إيران والسعودية في لبنان من خلال دعمهما أطرافًا عدة، كما هي الحال في العراق.

“ترهل” الموقف الأمريكي

عقب يوم واحد من خروج أخبار التقارب السعودي مع النظام إلى العلن، علّقت وزارة الخارجية الأمريكية أن الموقف الأمريكي من التطبيع مع النظام لم يتغير.

وجاء في تصريح نقلته قناة “الحرة” عن متحدث باسم الخارجية، “لن نطبّع مع نظام الأسد، ولن نشجع الآخرين على التطبيع في غياب تقدم حقيقي ودائم نحو حل سياسي يتماشى مع قرار مجلس الأمن رقم “2254”.

سبقه رد أوروبي على استفسارات وجهتها عنب بلدي في مراسلة إلكترونية، على لسان المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي، لويس ميغيل بوينو، قائلًا، إن الاتحاد لن يقبل تهميش المسار السياسي، ولن يتلخص موقفه بعدم إمكانية التطبيع، قبل انخراط النظام السوري في عملية انتقال سياسي، وتنفيذ كامل لقرار مجلس الأمن رقم “2254”.

المعارض السوري، والرئيس السابق لـ”الائتلاف الوطني”، نصر الحريري، قال لعنب بلدي، إن غياب الفاعلية الأمريكية في الملف السوري خلال السنوات الماضية جعل من التلويح بالتقارب مع النظام السوري عبارة عن “رسائل توجه إلى أمريكا”.

وأضاف أن بعض الدول العربية اليوم تنظر إلى الملف السوري على أنه مشكلة في المنطقة، مع عدم وجود أي محاولة أمريكية فاعلة لإيجاد حل في الملف دفعًا للخروج بمسارات لإعادة العلاقات مع النظام.

وأضاف أن حالة التململ من التجاهل الأمريكي لقضية السوريين، لم تعد محصورة بالشعب السوري وحسب، وإنما تسربت ظلالها إلى مطابخ السياسة العربية.

الباحث السياسي معن طلاع، يرى أيضًا أن ما وصفه بـ”الترهل الأمريكي في إدارة ملفات المنطقة”، يعتبر العامل الأهم في إحداث تغييرات بمواقف دولية من النظام السوري.

وتابع أن التطورات المتعلقة بالملف النووي الإيراني، والملفات الأمنية الإسرائيلية، خلقت هامشًا تستغله الصين وروسيا.

ويعتبر التقارب السعودي- السوري من نتائج تحسّن العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران مؤخرًا، التي جرت بوساطة من الصين في العاصمة بكين، إذ سبق واجتمع سياسيون إيرانيون مع آخرين سعوديين بحضور السفير السوري في بغداد نهاية آذار الماضي.

 ماذا عن “2254”

فيما يخص القرار”2254″، الذي لا يزال يرد في تصريحات من المنابر الأوروبية والأمريكية، قال الباحث نادر الخليل، إن القرار الدولي ينص على انتقال سياسي وانتخابات برعاية أممية، ويبقى تطبيقه أمرًا واردًا إذا حصل تفاهم مسبق على أن يبقى الأسد ونظامه داخل تركيبة الحكم، وفق ما يمكن تسميته “اتفاق طائف سوري”، ولكن ليس طائفية سياسية كالحالة اللبنانية.

وأضاف خليل أن المشكلة الكبرى تبقى في أمريكا التي تتعامل مع الملف السوري وفق مبدأ “إدارة الأزمة وديمومتها”، ولا يبدو أنها تريد حتى الآن إيجاد حل لها.

الباحث يرى أن حل الأزمة السورية لا يخدم المصالح الأمريكية بشكل مباشر، فهو يعني تسوية إقليمية طرفاها إيران والخليج، وهو ما لا يخدم مصالح واشنطن التي تراهن على استمرار التأزم بالمنطقة، بهدف إبقاء جميع الأطراف تحت نفوذها غير المباشر، مع اضطرارهم لتقبل وجودها أو البقاء بحاجة إليها.

وهكذا تبدو أمريكا هي من تضع “فيتو” على تسوية في سوريا حتى الآن، بحسب خليل.

وأضاف أن السياسة ومصالح الدول لا تحمل ثوابت، فالسياسة الأمريكية غير ثابتة وقابلة للتغيير حسب المعطيات ومصالحها، وخاصة إذا أُدخلت في التفاهمات بصورة تخدم مصالحها.

فرصة نجاح “ضئيلة”

الباحث في مركز “الحوار السوري” محمد سالم، قال لعنب بلدي، إنه لا يرى فرصًا لنجاح أي مبادرة متكاملة، وإنما قد يحدث بعض تبادل المصالح بشكل محدود، مثل ملف المعتقلين السعوديين لدى النظام، وتبادل القنصليات.

وعن سبب طرح الحديث عن المبادرة، قال سالم، إن الموضوع مرتبط “بمناخ التردد وضعف الالتزام” الأمريكي بالشرق الأوسط، حيث باتت الدول ترى أن “الزمن الأمريكي بدأ يولي ظهره”، متيحًا الفرصة لصعود لاعبين دوليين وإقليميين جدد كروسيا والصين وإيران، ممن باتوا يفرضون “واقعًا يجب التعامل معه”.

واستند الباحث إلى ضعف التوجه العربي للغرب عندما لم تستجب السعودية للطلب الأمريكي بزيادة إنتاج النفط، وهو ما مثّل موقفًا أقرب لروسيا عمليًا، في ظل الصراع الغربي مع روسيا في أوكرانيا.

الخبير الأردني في الأمن الاستراتيجي عمر الرداد، يرى أن ما يجمع بين المبادرة العربية وغيرها من المبادرات المشابهة السابقة هو إعادة النظام إلى الجامعة العربية مقابل إبعاده عن إيران، وبحسب علاقة النظام التحالفية مع إيران، يعتقد الرداد أن دمشق لن تتنازل بهذه السهولة عن هذه العلاقة.

هل يستجيب النظام؟

مبادرات عديدة أُطلقت خلال السنوات الماضية وانتهت دون أثر، أو أفشلتها شروط الأطراف المؤثرة.

الدكتور نصر الحريري، اعتبر أن مبادرة متكاملة لم تتشكل حتى الآن، ورجّح أن تكون التغييرات الأخيرة عبارة عن تحركات دون بنود مسبقة محددة على شكل مبادرة.

وأضاف أن هذه “الموجة” من التحركات السياسية لا يمكن أن تختلف عن سابقاتها، ومن المرجح أن تلاقي المصير نفسه، خصوصًا مع تمسك النظام بحلول الطرف الواحد.

الباحث معن طلاع يرى أن إدارة النظام السوري وإرادته غير موجودة فيما يتعلق بأي استحقاق خارج إطار “التحديات الحكومية”، وبالتالي لا يمكن للنظام التعامل مع أي من ملفات عودة اللاجئين، أو الإصلاحات القضائية، أو إعادة الهيكلة، أو ملف المعتقلين، خارج إطار كونها ملفات تديرها حكومة النظام، لا على أساس “استحقاق وطني”، بحسب طلاع.

الباحث أشار أيضًا إلى أن سلوك النظام يوضح أنه مقبل على إعادة سلسلة مراسيم العفو عن بعض المعتقلين، وهو ما يؤكد أنها إجراءات “شكلية” متصلة بملف التفاوض، ولا تعكس ما يحدث على الأرض فعلًا.

أما عن عودة اللاجئين فيرى طلاع أن النظام غير مستعد لمثل هذه الخطوة، خصوصًا أنه يرى اللاجئين السوريين كمعارضين له، وقد اعتبر مغادرتهم البلاد بمنزلة “تنظيف ذاتي”.

وبالنظر إلى الدول المنخرطة في التوجه الجديد نحو التقارب مع النظام، فإن ملف السلاح الإيراني في الجغرافيا السورية سيكون حاضرًا، وهو ما لا يمكن للنظام التعامل معه بشكل فعلي.

وعلى الرغم من أن النظام يملك صلاحية جزئية للحديث في هذا الملف، يبقى الوجود الإيراني في سوريا متجذرًا في عدة مسارات سياسية، واقتصادية، وعقارية، وأمنية داخل منظومة النظام.

وبالنظر إلى المعطيات السابقة، فإن إمكانية إبعاد النظام عن إيران بعد السنوات الـ12 الأخيرة باتت شبه مستحيلة، بحسب طلاع.

وخلال زيارته إلى روسيا، منتصف آذار الماضي، قال رئيس النظام السوري، بشار الأسد لقناة “روسيا اليوم”، إن الحديث عن أن هناك علاقة سورية- إيرانية يجب أن تنقطع “لم يعد يثار مع سوريا”، مضيفًا أن هناك “وفاء بين سوريا وإيران عمره أربعة عقود، وأن هذا الموضوع لم يعد مشكلة على الساحة العربية”.

الباحث السعودي مبارك العاتي يرى في هذا الصدد أن فرصة تقارب النظام مع الدول العربية، وخصوصًا السعودية، يمكن أن تفتح له إمكانية العودة إلى محيطه العربي عبر “البوابة الكبرى”، في إشارة إلى المملكة.

وفي الوقت نفسه، لا يمكن التقدم بأي خطوة في هذا التقارب في حال لم يخطُ النظام بشكل إيجابي ويبدي “حسن نيّته” وجديته تجاه الدول الأخرى، بحسب الباحث.

العاتي قال أيضًا، إن النظام السوري بات اليوم أمام فرصة “تاريخية” أتاحتها له الرياض، وعليه أن يتفاعل إيجابيًا وسريعًا معها حتى لا يخسر هذا الملف.

عنب بلدي

———————————-

الرياض ودمشق.. خطوة بخطوة: الأسد تحت العباءة السعودية/ حسام المحمود | جنى العيسى | يامن المغربي

بدا شهر نيسان 2023 سعوديًا بامتياز في الملف السوري، على مستوى كثافة التحركات التي أجرتها الرياض، والخطوات التي اتخذتها لفتح أبواب العالم العربي أمام رئيس النظام السوري، بشار الأسد، المنبوذ من جامعة الدول العربية منذ عام 2011، بعد التعاطي القمعي مع الاحتجاجات الشعبية التي طالبت برحيله حينها.

لقاءات وتصريحات ومؤتمر وزاري وبيانات ختامية شكّلت محرّك أحداث كثيفة جاءت متزاحمة في أسبوع لبحث الملف السوري الذي يرواح مكانه منذ 12 عامًا، رغم محاولات تنشيط متكررة يتبعها الركود السياسي ذاته، والفاتورة من جيوب السوريين.

وإذا كانت المسارات السياسية الراكدة، والقرارات الأممية التي لم تخطُ أبعد من التصويت، قاموسًا للحل السياسي المستعصي في سوريا طوال سنوات، فالرياض تتولى اليوم دفعًا عربيًا لتأهيل الأسد، في ظل موقف أوروبي وأمريكي لا يبارك هذه الخطوات، وتمسك دول عربية أخرى بموقفها الرافض للتقارب مع النظام، قبل تفعيل مسار الحل السياسي.

تناقش عنب بلدي في هذا الملف مع مجموعة باحثين ومختصين، التقارب السعودي مع النظام السوري، ومساعي الرياض لإعادة النظام إلى “الحضن العربي”، إلى جانب موقف المعارضة السورية، والموقفين، الأمريكي والأوروبي، من هذه الخطوات، مع قراءة الآثار السياسية والاقتصادية التي قد تنجم عنها.

“تحيات” سعودية للأسد

بعد سنوات طويلة تخللتها إلى جانب القطيعة تصريحات كثيرة هاجم خلالها النظام السوري المملكة وحكّامها، وتأكيد سعودي أواخر 2021 أن الحرب في سوريا لم تنتهِ، وأن الأسد يقف على “هرم من الجثث”، غيّرت الرياض لهجتها تجاه النظام بوضوح بعد الزلزال المدمر في 6 من شباط الماضي، وصولًا إلى لقاءات رفيعة المستوى، والحديث عن لقاءات على مستوى أكبر على المدى المنظور.

في 18 من نيسان الحالي، استقبل الأسد وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، في زيارة سعودية هي الأولى من نوعها إلى دمشق، منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011.

الزيارة التي استمرت لساعات فقط، تبعها بيان للخارجية السعودية، جاء فيه أن الوزير نقل تحيات الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي العهد، محمد بن سلمان، للأسد.

وجرى خلال اللقاء مناقشة الجهود المبذولة للتوصل إلى حل سياسي لـ”الأزمة السورية”، وبحث للخطوات اللازمة لتحقيق تسوية سياسية شاملة تنهي جميع تداعيات “الأزمة” وتحقق المصالحة الوطنية، وتسهم في عودة سوريا إلى محيطها العربي، واستئناف دورها الطبيعي في الوطن العربي، بحسب البيان.

سبقت هذه الزيارة بأقل من أسبوع زيارة مماثلة لوزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، إلى مدينة جدة السعودية، بدعوة من نظيره السعودي في 12 من نيسان الحالي.

وجاء في بيان صحفي مشترك في ختام الزيارة، أن الجانبين اتفقا على أهمية حل الصعوبات الإنسانية، توفير البيئة المناسبة لوصول المساعدات إلى جميع مناطق سوريا، وتهيئة الظروف المناسبة لعودة اللاجئين والنازحين السوريين إلى مناطقهم، وتمكينهم من العودة بأمان إلى وطنهم.

كما أكد الجانبان أهمية تعزيز الأمن ومكافحة الإرهاب بأشكاله وتنظيماته، وتعزيز التعاون بشأن مكافحة تهريب المخدرات والاتجار بها، وضرورة دعم مؤسسات الدولة لبسط سيطرتها على أراضيها، لإنهاء وجود “الميليشيات المسلحة” فيها، والتدخلات الخارجية في الشأن السوري.

وتطرق البيان للخطوات اللازمة للتسوية السياسية الشاملة بما ينهي تداعيات “الأزمة”، ويحقق المصالحة الوطنية، ويسهم في عودة سوريا إلى محيطها العربي، وهي قضايا ناقشها أيضًا ابن فرحان في لقائه مع الأسد.

وكان وزير الخارجية السعودي صرح، في 18 من شباط الماضي، على هامش مؤتمر “ميونيخ للأمن 2023″، أن هناك “إجماعًا عربيًا على أن الوضع في سوريا يجب ألا يستمر على ما هو عليه”.

وخلال المؤتمر نفسه، أكد وزير الخارجية الكويتي، سالم عبد الله الجابر الصباح، أن موقف الكويت ثابت من النظام، ولا خطط للتطبيع بعد الزلزال، ما شكّل مؤشرًا لغياب صيغة مشتركة حول التعاطي العربي المستقبلي مع النظام.

“إذا صدقت النيات”

الخطوات نحو دمشق، التي جاءت سريعة نسبيًا، قسمت آراء الباحثين حيالها، إذ شكّك اللواء السعودي المتقاعد والباحث في الدراسات الاستراتيجية والأمنية عبد الله بن غانم القحطاني، بإمكانية تطبيق ما ورد في البيان المشترك لوزيري الخارجية، موضحًا أن مكافحة الإرهاب لا تتحقق من جانب واحد، مستبعدًا قدرة النظام السوري على التخلص من الميليشيات الداعمة له، ومنها “حزب الله” الذي تصنفه الولايات المتحدة وبريطانيا ودول عربية وأجنبية كمنظمة “إرهابية”.

وقال القحطاني، في حديث إلى عنب بلدي، إن ابتعاد النظام عن هذه المنظمات لن يحصل في وقت قريب، كما هو مأمول، لكنه سيجد نفسه مضطرًا مع الوقت للابتعاد عنها، بالإضافة إلى وقوف إيران في “منطقة رمادية”، وليس واضحًا ما إذا كانت ستقلص حضورها في الملف السوري أم لا، وفق التفاهمات السياسية مؤخرًا.

وحول مسألة بسط النظام نفوذه على الأراضي السورية بالكامل، أوضح القحطاني أن خطوة من هذا النوع تتطلب إنهاء دور الميليشيات الأجنبية وإخراجها، وإقامة علاقات جيدة مع دول الجوار، وحلًا للأزمة الداخلية، وقناعة واطمئنان الشعب السوري لحكومة، سواء الموجودة في دمشق أو أخرى تليها، وهذا يتطلب نهجًا سياسيًا مختلفًا على مستوى حكومة النظام والشعب والمعارضة.

وأضاف أن بنود البيان الوزاري قابلة للتحقق إذا صدقت النيات، لكن بعضها يتطلب وقتًا طويلًا، كالمصالحة، وعودة اللاجئين والمهجرين، وإخراج الميليشيات الأجنبية، وقد يكون هناك ما هو مستبعد أصلًا، ولا سيما بالحديث عن أنظمة شمولية لديها تاريخ طويل من عدم التصالح مع شعبها وجوارها، وفق تعبيره.

وحول موقع العقوبات الغربية من هذا التقارب، يرى الباحث أنه يمكن التوصل إلى ما يمنعها، كتصالح النظام السوري مع الشعب، وعلاقات جيدة مع الجوار، وحسن نيات حقيقي، وحل لقضايا أخرى سياسية وأمنية عالقة، كل ذلك سيمهد لرفع العقوبات، مع ضرورة التساؤل حول مدى قدرة النظام أصلًا على التصالح مع نفسه وشعبه، على اعتبار أن البيئة الاستراتيجية الدولية معقدة، وليست في مصلحة النظام، أو المنطقة ككل، والرياض لا تريد أن تبقى المنطقة مُدارة بتدخلات وانتهازيات لم تحقق تقدمًا أو فائدة.

في الوقت نفسه، أشار القحطاني إلى تغيرات في الموقف الإيراني مع السعودية، دون إمكانية تحديد ما إذا كانت خطوات تكتيكية أم قناعة، وما إذا كان هناك ضمانات دولية لتغيير المواقف هذا.

بينما عبّر الصحفي السعودي نواف القديمي، مدير “الشبكة العربية للأبحاث والنشر”، عن دهشته من القرار، موضحًا عبر “تويتر“، أن الرياض التي أجبرت الرئيس الأمريكي، جو بايدن، على التراجع عن موقفه الرافض لزيارتها، تستجيب لإعادة علاقات مع “نظام وضيع لا يسيطر على ربع سوريا، وقتل نصف مليون، وهجّر نصف الشعب، وكال عشرات الشتائم للسعودية، ويصدّر لها المخدرات”.

وفي 13 من نيسان الحالي، أعلنت السلطات السعودية ضبط شحنة من الحبوب المخدرة، تبلغ 3.6 مليون حبة من مادة “الإمفيتامين” المخدر، مخبأة في شحنة بطاطا، وجرى القبض على مستقبليها في الرياض، وهم ثلاثة مقيمين ووافدان بتأشيرة زيارة، وفق ما نقتله وكالة الأنباء السعودية (واس).

ولم يتناول تصريح المتحدث الرسمي للمديرية العامة لمكافحة المخدرات، محمد النجيدي، جنسيات الضالعين في العملية، لكن عملية أخرى سبقتها، في 2 من آذار الماضي، ضبطت خلالها السلطات 4.9 مليون حبة من مادة “الإمفيتامين”، مخبأة في شحنة “كابلات”، كان مقررًا أن يستقبلها “مخالف لأمن الحدود من الجنسية السورية”، وفق “واس“.

الغرب ينتقد لكن لا يتحرك

أكد المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي، لويس ميغيل بوينو، أن الموقف الأوروبي حيال التطبيع مع النظام السوري لن يتبدّل، قبل انخراطه فعليًا في حل سياسي وفق القرار الأممي “2254”، وهو ما جرى التأكيد عليه مجددًا في اجتماع وزراء خارجية مجموعة السبع في اليابان (16- 18 من نيسان الحالي).

ولفت المتحدث، في مراسلة مع عنب بلدي، إلى أن المجتمع الدولي لا يمكنه النظر في مسألة إعادة الإعمار إلا بعد إحراز تقدّم نحو الحل السياسي، لكن العقوبات الأوروبية بحق أفراد وكيانات النظام ليست ذات تأثير خارجي، وهي ملزمة لمؤسسات ومواطني الاتحاد، ولا تطال دولًا تتخذ قراراتها السيادية بناء على مصالحها الوطنية وتشريعاتها، وفق بوينو.

وشدد المتحدث على أن الاتحاد لا يرى بديلًا عن القرار “2254” للتوصل إلى حل في سوريا، مؤكدًا الالتزام الأوروبي بمواصلة الوقوف إلى جانب الشعب السوري على الجبهتين السياسية والإنسانية، مضيفًا، “سيسعدنا أن نشهد مستوى مماثلًا من الالتزام لدى شركاء دوليين آخرين أيضًا”.

تدرج أمريكي

جاء الموقف الأمريكي مترنحًا بين “صدمة” و”توقع” للخطوة السعودية، رغم التلويح سلفًا بمعاقبة من يطبّع مع الأسد.

في 28 من شباط الماضي، تعهد مجلس النواب الأمريكي بمحاسبة من يطبّع مع النظام السوري، في تصويته على قرار ينبغي تمريره من مجلس الشيوخ، قبل إقراره من الرئيس الأمريكي، جو بايدن.

التهديد الأمريكي المفتوح هذا، لم يؤخر الخطوة التالية بالنسبة للرياض، عبر تتويج التصريحات بلقاءات تؤكدها، ما قابلته واشنطن برد فعل جاء متتابعًا وغير خارج عن سياق المتوقع.

في 6 من نيسان الحالي، ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، أن مدير وكالة الاستخبارات المركزية، وليام بيرنز، وخلال زيارة غير معلَنة إلى الرياض، أخبر ولي العهد السعودي، أن واشنطن شعرت بالصدمة من تقارب الرياض مع طهران ودمشق.

كما نشر المستشار الأول للممثل الأمريكي الخاص إلى سوريا، وليام روبوك، في 11 من نيسان، تقريرًا مطولًا، اعتبر التقارير حول قرار سعودي لعلاقات مع النظام غير مفاجئة، وخاصة مع تحركات السعودية الأخيرة، بل يسير في نفس الاتجاه على أنه ترسيخ للإجماع العربي والإقليمي، وفق التقرير.

وفي 15 من نيسان، التقى وزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي، ومصر والأردن والعراق، في الرياض، لبحث مسألة إعادة النظام إلى الجامعة العربية، وانتهى اللقاء دون التوصل إلى قرار، بينما تحدثت صحيفة “فاينانشال تايمز” عن معارضة قطر والكويت والمغرب واليمن لهذه الإعادة، مع الحديث عن تخلي مصر عن معارضتها للنظام، لكنها تريد إظهار تقدّم في المسار السياسي.

في اليوم نفسه، انتقد رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي، بوب مينينديز، جهود التطبيع العربية مع النظام، لافتًا إلى أنها تتجاوز انتهاكاته، كون استمرار تهريب المخدرات يهدد مجتمعات المنطقة.

التصريح الأمريكي سبقه آخر، في 13 من نيسان، على لسان رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأمريكي، مايكل ماكول، الذي اعتبر التطبيع مع الأسد إضفاء شرعية عليه كرئيس دولة مخدرات إرهابية، وترسيخًا لنفوذ إيران.

وقال ماكول عبر “تويتر” حينها، “الأسد يقصف السوريين ويقوّض الاستقرار الإقليمي (…) إن إعادته إلى الجامعة العربية خطأ استراتيجي”، داعيًا الدول العربية للتراجع الفوري عن الخطوات التي تصب في هذا الإطار.

لا يقترب من الطموحات..قراءة في البيان الوزاري

مع تركيز البيان الوزاري السعودي- السوري على قضايا لم تغطِّ جوانب الملف السوري ككل (منها ملف المعتقلين)، لكنها حساسة في الوقت نفسه، ولا سيما بالحديث عن استعادة النظام السيطرة على الأرض، وتهريب المخدرات، طريق النظام السوري لجني المليارات، وفق تقارير وتصريحات على مستوى دولي، يرى عبد الوهاب عاصي، الباحث في مركز “جسور للدراسات”، أن العقوبات الغربية تعتبر عائقًا أمام أي دعم تفكر به الدول العربية للنظام، خارج استثناءات الجوانب الإنسانية.

واعتبر عاصي تركيز البيان على “المصالحة الوطنية” دون التطرق للقرار الأممي “2254” مؤشرًا على استعداد المملكة قبول عمليات التسوية كبديل عن العملية السياسية برعاية أممية، وهو ما يصطدم بغياب إجماع عربي، إذ تشدد بعض الدول العربية على تطبيق الحل وفق قرارات الأمم المتحدة.

وبحسب الباحث، فإن سيطرة النظام على الأراضي السورية وإخراج القوات الأجنبية، لا تتعدى كونها استحضارًا بروتوكوليًا، بالنظر إلى التغطية العسكرية الكبيرة التي تتطلبها في ظل انشغال الروس في أوكرانيا، وعدم استعداد إيراني للانزلاق نحو مواجهة عسكرية، وعدم رغبة عربية بصناعة توتر أمني وعسكري على الأرض.

وحول مسألة مكافحة المخدرات، التي تعتبر أكثر أهمية للرياض، قد تتجه السعودية لتقديم دعم أكبر للأردن (الدولة الحدودية مع سوريا) لتعزيز حربه على المخدرات، كون النظام غير قادر أو راغب بإيقاف مصدر تمويل ضخم بالنسبة له.

وأمام عدم قابلية التطبيق لحد بعيد، اعتبر عبد الوهاب عاصي أن البيان يوحي بتوجه السعودية لإعادة الفاعلية العربية في الملف السوري، استجابة لسياسة مقايضة مع إيران ربما، ما يعني أن أي جهود أو خطوات إيرانية في اليمن ستقابلها الرياض بخطوات في سوريا.

من جانبه، لفت الأكاديمي السوري- الكندي د. فيصل عباس محمد، الحاصل على دكتوراه في الدراسات الشرق أوسطية من كندا، إلى “عمومية وعدم جديّة” في البيان، على اعتبار أن بعض الملفات التي تناولها مرهونة بموافقة دول أخرى لن تقدّم تنازلًا مجانيًا بهذا الحجم للنظام السوري.

كما أن البيان السعودي- السوري لم يتطرق إلى موضوع المعتقلين والمختفين قسرًا في سجون النظام، ولا يبدو أن حلًا حقيقيًا على الأجندة السعودية يقترب من طموحات الشعب السوري المشروعة، وفق رأي الدكتور فيصل عباس محمد.

وفيما يتعلق بمكافحة تهريب المخدرات، استبعد الدكتور فيصل عباس محمد قدرة النظام على التأثير في الملف المقترن بماهر الأسد، شقيق بشار الأسد، والإيرانيين من خلفه، فالتخلي عن هذا “السلاح” ليس سهلًا، لكن دون ما يمنع الأسد من تقديم الوعود أو استعراض “حسن النيات” عبر تغييرات “مسرحية” في قيادة الجمارك، لن تبدّل من جوهر القضية.

وزير الخارجية السوري فيصل المقداد في جدة للمرة الأولى منذ 2011 مع وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان- 12 من نيسان 2023 (الخارجية السعودية / تويتر)

أين المعارضة السورية مما يجري؟

تفتح التحركات السعودية والعربية باب التساؤل عن قدرة مؤسسات المعارضة السورية على التعامل مع التطورات الحالية، ومدى قدرتها على حفظ حالة التوازن على الأقل في المرحلة الحالية.

وفي 13 من نيسان الحالي، أصدر “الائتلاف السوري المعارض” بيانًا اعتبر استقبال الرياض للمقداد تعقيدًا إضافيًا للعملية السياسية، مشددًا على أن التقارب مع النظام ليس خيارًا للحل في سوريا، داعيًا المملكة لمراجعة موقفها، كما طالب، في 3 من نيسان، بعدم السماح للنظام السوري بالعودة إلى الجامعة العربية.

وباستثناء البيانين وزيارة رئيس “الائتلاف”، سالم المسلط، إلى الدوحة للقاء السفير التركي بقطر، في 14 من نيسان، لم تصدر أي تصريحات تعنى بتطورات الملف، سوى تغريدة للمسلط، في 14 من الشهر نفسه، عبر حسابه في “تويتر”، أثنى فيها على الموقف القطري من النظام السوري.

رئيس المجلس السوري للعلاقات الدولية، حسام الحافظ، أوضح لعنب بلدي أن مؤسسات المعارضة “غائبة ومغيّبة”، فيما يرى رئيس الحزب “الليبرالي السوري” (أحرار)، بسام القوتلي، أن “المعارضة الرسمية انتهت ولم يبقَ سوى أن توقف الدول الداعمة لها التمويل المالي ليصبح موتها رسميًا”، بحسب رأيه.

وأشار الحافظ إلى أن “المعارضة الغائبة على صعيد المؤسسات حاضرة كأساس شعبي رافض لمسيرة التطبيع مع النظام، ومستمر بالرغبة بإحداث تغيير أساسي في بنية النظام والدولة تمهيدًا لمرحلة جديدة”.

وعلى مدار السنوات الماضية، أقامت المعارضة السورية علاقات سياسية مع دول عدة (تركيا والسعودية وقطر ومصر)، استضافت لقاءات واجتماعات سياسية، ودعمت المعارضة لوجستيًا، لكن متغيرات كثيرة قلّصت قدرة المعارضة على التأثير وإحداث فارق في الملف السوري، إذ أشار القوتلي إلى غياب المعارضة عن اللقاءات التي جمعت تركيا بالنظام السوري، برعاية روسية، وحضور إيراني أيضًا.

وعزا حسام الحافظ أسباب هذا التراجع إلى أن مؤسسات المعارضة المحسوبة على دول معيّنة لا تملك هامشًا للتحاور حول قرارات اتخذتها تلك الدول بما يخص الملف السوري، ما يفقدها تأثيرها، كما أن بعض مؤسسات المعارضة تنسجم مع قرارات داعميها دون محاولة الضغط لتعديل أو تغيير موقف الداعم، أو ثنيه عن خطوة قد لا تلائم المعارضة مثلًا.

ويرى الحافظ أن المعارضة السورية خلال السنوات الماضية، منحت كل مفاتيحها للدول الحليفة، فلم تنتج حكومة قوية قادرة على إدارة وضبط المناطق خارج سيطرة النظام، وهو ما أسهم أيضًا في إضعاف موقفها أكثر، بينما ركّز بسام القوتلي على فشل طريقة تعاطي المعارضة مع الشعب السوري، وعدم طرح نموذج مقنع كبديل عن الأسد.

وفي سبيل كسر حالة الركود السياسي لدى المعارضة السورية، اقترح الحافظ حل “الائتلاف السوري” وإنشاء جسم سياسي بديل بأعضاء مختلفين ووجوه جديدة، بعيدة عن المشكلات الداخلية التي عاشها “الائتلاف” من قبل، فهو “قوّة معطّلة لا تملك أمرها، وتعوق الفعل السياسي، ولا سيما بعدما حظي سابقًا بوزن دولي منع وجود أجسام سياسية سورية معارضة أخرى”.

وأشار الحافظ إلى أن شخصيات معارضة تطالب بالعمل على جسم جديد يملك مقومات البقاء والصمود لفترة طويلة، أو نقل “الائتلاف” إلى دولة أوروبية وإعادة مأسسته وهيكلته، وهو ما اعتبره بسام القوتلي “الخيار الوحيد المتبقي”.

رئيس الحكومة المؤقتة عبد الرحمن المصطفى (يمين) ورئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة السورية (وسط) ورئيس هيئة التفاوض السورية بدر جاموس (يسار) 24 من شباط 2023 (صفحة هيئة التفاوض في فيس بوك)

مصالح مشتركة تخدمها عودة العلاقات

خلق توقيت عودة العلاقات بين النظام السوري والسعودية عديدًا من التساؤلات، حول أسبابها، خاصة أن زيارة المقداد سبقت بأسابيع قليلة القمة العربية المزمع انعقادها بالرياض، في 19 من أيار المقبل.

كما أن تغير الموقف السعودي جذريًا من النظام فرض وجود أهداف غير معلَنة لدى الطرفين، دفعت لتعجيل التقارب خدمة لتلك الأهداف.

أيمن الدسوقي، الباحث في مجال الاقتصاد السياسي والإدارة المحلية بمركز “عمران للدراسات الاستراتيجية”، يرى أنه للطرفين حساباتهما الخاصة في عودة العلاقات، إذ يبحث النظام عن غطاء سياسي ودعم اقتصادي، لمساعدته في كسر عزلته السياسية، ومواجهة الاستحقاقات الاقتصادية والخدمية لمرحلة ما بعد الحرب، والسعودية قادرة على ذلك إن شاءت.

كما أن تحسين العلاقة مع الرياض سيمنح النظام هامش مناورة سياسية لموزانة علاقاته مع حليفيه، الروسي والإيراني، وتحسين موقفه التفاوضي مع تركيا، وفق الدسوقي.

وتندرج هذه المساعي السعودية برأي الباحث، ضمن سياسة أشمل تتعلق بنظرة المملكة للإقليم ودورها فيه، واستجابتها للتطورات الدولية القائمة، وإنجاز متطلبات استقرارها الداخلي، إذ تتبنى سياسة تهدئة لتبريد الأزمات الإقليمية مخافة تطورها في ظل الاستقطاب الدولي القائم، وانعكاساته المحتملة على أمنها.

الأكاديمي السوري- الكندي فيصل عباس محمد، أشار إلى ضعف بنية النظام الاقتصادية والمالية، التي تجعله بحاجة إلى المال السعودي والخليجي، كما أن التطبيع مع الدول العربية يعني للنظام استعادة “شرعية” عربية سُحبت منه عام 2011، ويريد استغلالها لدعم مزاعمه بالانتصار على “المؤامرة الكونية”.

بالمقابل، تشكّل العلاقات مع النظام بالنسبة للسعودية محورًا مهمًا ضمن ملف أكبر وأهم، هو العلاقة مع إيران، والتوجه الجديد لولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، المتمثل بتخفيض التوتر مع إيران، بحسب رأي فيصل محمد، معتبرًا أن الرياض تعي تمامًا ضعف موقف النظام الإيراني في ظل عقوبات اقتصادية خانقة يعانيها، وحالة عدم استقرار داخلية بسبب استمرار الاحتجاجات الشعبية، ما يدفع الرياض لاستغلال الوضع، في سبيل انتزاع تنازلات إيرانية في الملفات الساخنة، ومنها اليمن وسوريا.

وبحسب تقرير تحليلي صادر عن “المركز العربي في واشنطن”، في 28 من آذار الماضي، لا تريد الدول العربية المنخرطة في مفاوضات مع النظام السوري مؤخرًا، أن ترى سوريا دولة فاشلة، إذ تخشى هذه الدول من اندلاع معارضة جديدة للأسد داخل سوريا، قد يكون لها تأثير معدٍ على تلك الدول.

تأثير قد يصطدم بالواقع

يحمل مسار التقارب الحالي تساؤلات عن تأثيراته على المستقبل القريب لسوريا ودول المنطقة.

وبحسب ورقة تقدير موقف صادرة عن مركز “الفكر الاستراتيجي للدراسات”، في 9 من آذار الماضي، فإن التغيرات الإقليمية واستمرار حالة الفوضى في كثير من الدول العربية، تجعل من الضرورة بمكان محاولة تقريب وجهات النظر، وتخفيف حدة الخلافات البينية لتجنب مزيد من الصراعات، التي قد تفضي إلى مزيد من التدخلات الخارجية، وعليه فإن تقارب السعودية مع النظام السوري أصبح ملحًا أكثر من أي وقت مضى، خاصة أن دولًا كالإمارات وسلطنة عمان والأردن ومصر اتخذت هذه الخطوة.

ويرى الدكتور فيصل عباس محمد، أن تعمق التقارب السوري- السعودي هذا سيحقق، ولو جزئيًا، ما يأمله النظام من الدعم المالي والسياسي السعوديين، وبذلك يكسب المزيد من التعويم العربي له و”مصداقية” أكبر تصب في طاحونة الدعاية المألوفة عن انتصار “نهجه النضالي وصموده وممانعته”، وفيما يخص السعودية، سيعتبر تطور العلاقات إضافة مهمة لجهودها الرامية إلى إعادة ترتيب “البيت العربي” تحت عباءتها.

وبموجب عودة العلاقات بين السعودية والنظام، قد يحصل الأخير بدرجة أساسية على دعم اقتصادي ما، موجه لدعم أنشطة التعافي الاقتصادي وعودة اللاجئين، بالإضافة إلى غطاء سياسي يساعده في مواصلة دمجه بالمنظومة الإقليمية والدولية، وفق الباحث أيمن الدسوقي.

ويعتقد الباحث أن طبيعة هذا المسار المندرج ضمن سياسة “خطوة- خطوة”، وعقلية النظام وأسلوبه في المماطلة عبر الإغراق في التفاصيل والتهرب من تنفيذ الالتزامات الواجبة عليه وتقديم تنازلات جوهرية، ستؤدي بالمحصلة إلى فرملة جهود التطبيع معه، وعدم إحداث تغيرات نوعية تسهم في تسوية سياسية، والاكتفاء بتنازلات هامشية وحركة سياسية دونما أثر فعلي على مسار التسوية، وإنما احتواء ارتداداتها السلبية فقط.

————————————

حقائب أموال في دمشق:ماذا تشتري؟/ عمر قدور

أُخِذ على محمل الفشل تصريحُ فيصل مقداد الذي أقرّ بعدم إمكانية العودة إلى الجامعة العربية، وفيه اكتفى حالياً وزير خارجية الأسد بالعلاقات الثنائية المستعادة مع بعض الدول؛ أهمها بالطبع السعودية. لكن هذا التصريح، المتلطي وراء الحرص على وحدة الجامعة العربية من الخلاف على التطبيع، يعكس فشل الرياض في فرض رؤيتها لإعادة الأسد إلى الجامعة بقدر ما يعكس ارتياح الأسد إلى ما كسبه حتى الآن، وبالتأكيد تفضيله علاقات ثنائية غير مشروطة على عودة مشروطة إلى الجامعة.

هناك خسارة معنوية بفشل عودة الأسد إلى الجامعة العربية كما أرادتها الرياض، ومن المرجح أن الشعور بالخيبة موجود لدى الأخيرة أكثر مما هو لديه. مبعث الخيبة الأهم فشلُ الرياض في تمرير رؤيتها على الدول العربية التي تمانع التطبيع، والأمر يتعلق بمكانة الرياض خليجياً وعربياً أكثر مما بالأسد نفسه، ما يفتح الاحتمالات على إثبات الرياض مكانتها وتأثيرها في ملفات أو بلدان أخرى غير بعيدة عن التنافس الإقليمي.

من جهتها، تدرك سلطة الأسد مكانة الرياض “منفردةً”، وهي مكتفية بها مؤقتاً، مع عدم استبعاد نجاح الجهود السعودية في جرّ قطار التطبيع لاحقاً. ليس في المكسب المعنوي “بالعودة إلى الجامعة العربية” ما يغري، وفي العديد من المناسبات عبّر الأسد شخصياً عن استهانته بالجامعة، حتى قبل اندلاع الثورة. لكن بالعودة إلى عقود حكم الأسدين من السهل ملاحظة الاهتمام الذي لم ينقطع بالعلاقة مع دول الخليج، ومن السهل على أي سوري فهمُ هذا الاهتمام من خلال المساعدات الخليجية التي لم تتوقف إلا قليلاً خلال تلك العقود. حتى مصر بوصفها الشقيق العربي الأكبر لا تحظى بهذه المكانة، بل حضر غالباً التنافس الأسدي-المصري في الاتجاه ذاته، وربما يكون حاضراً في قلة الحماس المصرية للتطبيع مع الأسد.

أما التحفظ الأمريكي على التطبيع مع الأسد فسيجعله مقتصراً على حقائب النقود الذاهبة إلى دمشق، ويبدو أن الإشارات المرسلة من واشنطن لا تُلتقَط جيداً في العواصم المعنية، أو أن واشنطن “وهذا معتاد جداً” ترسل إشارات متناقضة بحيث يجب استخلاص هامش المسموح بملاحظتها جميعاً. بمعنى أن واشنطن لا تمانع، بل تريد، تطبيعاً ضمن حدود دنيا مع الأسد، لإنقاذه من انهياره الاقتصادي، من دون اتخاذ خطوات تجاهه ذات طابع مستدام.

من المعلوم أن سلاح العقوبات الأمريكية، بموجب قانون قيصر، بالمرصاد لأية حكومة أو شركة تقرر التعامل مع الأسد في مجالات خارج إطار المسموح به من غذاء ودواء واستثناءات أخرى قليلة. ترجمة ذلك هي أن المساعدات العينية، من غذاء ودواء وما في حكمهما، مسموح بها، وقد تدفق بعضها فعلاً من دول الخليج بعد الزلزال، وبما يفوق المساعدات المعهودة بين الدول في مثل هذه المناسبة. ومن المفهوم أن حجم المساعدات يلحظ التدهور المعيشي تحت سلطة الأسد، ومن المفترض ذهابها إلى المتضررين من الزلزال وإلى الفئات الأشد فقراً، وعلى الأرجح هذا ما أرادته الرياض بالإشارة في البيان المشترك مع وزير خارجية الأسد إلى وصول المساعدات إلى مستحقيها، فلم تكن المساعدات الأممية تحت إشراف مجلس الأمن هي المقصودة.

في الشق الثاني المتعلق بالأموال، يعطي النظام المصرفي العالمي واشنطن إمكانية تعقّب معظم المعاملات البنكية، والقدرة على فرض العقوبات من خلاله، وهناك في العالم من يعتبرون النظام الذي تهمين عليه واشنطن من أشد أدوات قوتها الناعمة تأثيراً. بعبارة أخرى، من غير الممكن عبر هذا النظام إرسال مساعدات نقدية إلى سلطة الأسد، فهو مُعاقَب ومحاصَر على هذا الصعيد، وأية جهة تخترق الحصار معرّضة للعقوبات الأمريكية أيضاً، إذا لم يكن فوراً ففي الوقت الذي تقرره واشنطن. ذلك جعل ويجعل المساعدات المالية الذاهبة إلى دمشق تسلك طريق الحقائب، وقد يبدو هذا مدهشاً ما لم نتذكر أن المليارات الآتية من تجارة الكبتاغون تسلك الطريق نفسه، وجزء ضئيل منها قد يسلك سبلاً أطول وأكثر تعرّجاً ليصبّ في أرصدة خارجية سرية.

كانت الضجة قد ثارت غداة وصول المساعدات “الخليجية خاصة” التي يُفترض توزيعها على منكوبي الزلزال، إلا أنها ذهبت إلى غير مستحقيها، وشوهدت المواد الغذائية مثلاً تُباع لدى باعة لا صلة لهم بعمليات توزيعها، ما يدل على وجود مافيا تسيطر على التوزيع، وتجني أرباحاً ضخمة من بيع المساعدات الآتية مجاناً. تأقلمَ السوريون “كعادتهم” مع استمرار وصول المساعدات واستمرار المتاجرة بها، والفائدة الملموسة هي توفر السلع أكثر مما كان عليه الحال قبل الزلزال، ما حدَّ من ارتفاع إضافي فاحش للأسعار، فوق الارتفاع الأصلي الذي يفوق القدرة الشرائية لغالبيتهم أيضاً.

يؤشّر تعاطي سلطة الأسد مع المساعدات العربية، ومن قبلها مع المساعدات الدولية، إلى أن طبيعتها لا تتوافق مع ما هو منتظر من سلطة تتصرف بمسؤولية إزاء رعاياها، أو إزاء مواليها الذين ضحوا من أجل بقائها. هذا ليس بجديد، أو بغريب عمّن قتل ما لا يقل عن نصف مليون سوري، والتذكير به فقط من ضمن سياق تفهُّم ارتياح هذه السلطة إلى الأرباح التي تجنيها حلقتها الضيقة من بيع المساعدات إلى مستحقيها، وارتياحها تالياً إلى أي مكسب لا يترتّب عليها التزامات أو مسؤوليات.

إذا كان هذا هو حال المساعدات العينية فمن المؤكد أن حقائب النقود تحظى بترحيب أكبر، لأن أرباحها سريعة مباشرة بخلاف التجارة المذكورة سابقاً، ومن المؤكد أن وصولها خارج القنوات الرسمية المعتادة محلّ ترحيب إضافي رغم أن الغَرْف من التحويلات البنكية الرسمية لا يستعصي على الحلقة الضيقة إياها. ولم يكن عفوياً أو اعتباطياً تشبيهنا هذه الحقائب بتلك الواردة من تجارة الكبتاغون، فواحدة من الركائز التي تقوم عليها فكرة التطبيع مع سلطة الأسد هي تخلّي الأخيرة عن تجارة الكبتاغون المضرّة بالعديد من دول المنطقة والعالم، ما يقتضي تعويض أموال الكبتاغون بأموال تغني عنها، ولسخرية القدر تمنع العقوبات الأمريكية وصول التعويض في الأقنية العلنية الشفافة، فيأخذ طريقاً شبيهاً بما يسلكه الإيراد الأصلي. ربما، ليُكمِل الواقع سخريته، تبقى إشارة لا تخلو من إنصاف؛ فإذا كان إيقاف تجارة الكبتاغون في رأس مطالب التطبيع فمن المنطقي ذهاب التعويض إلى تجّاره، وهو ما يحدث حقاً.

المدن

——————————-

الحلّ السوري المستحيل بوجود الأسد/ بشير البكر

تفشل المحاولات لإعادة النظام السوري إلى جامعة الدول العربية، الواحدة تلو الأخرى. وقد تسارعت المساعي على هذا الصعيد منذ أكثر من عام، وترتفع وتيرتها كلما اقترب موعد انعقاد القمة العربية. وكما حصل حينما انعقدت في الجزائر في الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، جرت محاولة ثانية في الأيام الماضية على أبواب انعقادها في السعودية في التاسع عشر من مايو/ أيار المقبل. وفي المرّتين، تحرك البلد المستضيف للقمة من أجل تشكيل إجماع حول المسألة قبل انعقاد المؤتمر، ولكن جهوده لم تحقّق الهدف المنشود بالحصول على موافقة كل البلدان العربية. وفي هذه المرّة، البلدان التي عارضت، حسب صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية، هي قطر، المغرب، اليمن، الكويت، بينما تحفّظت مصر. وسبب الاعتراض متفاوت بين دولة وأخرى، ولكن عبّر عنه رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، بوضوح وصراحة في قوله “كانت هناك أسباب لتعليق عضوية سورية في الجامعة العربية، ومقاطعة النظام السوري في ذاك الوقت، وهذه الأسباب ما زالت قائمة بالنسبة لنا على الأقل في دولة قطر”. وجاء هذا التصريح قبيل اجتماع جدّة في الأسبوع الماضي لبحث القضية، والذي ضم وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي، بالإضافة إلى مصر والأردن والعراق، وانتهى من دون اتخاذ قرار حول عودة النظام السوري للجامعة.

لا يكفي توقّف الحرب وحده من أجل عودة النظام إلى الجامعة، وهذا واضحٌ منذ أكثر من خمسة أعوام، عندما حصل الاتفاق بين روسيا وإيران وتركيا على وقف إطلاق النار. وبات راسخا أن ما يشكّل عقدة الوضع السوري هو الحلّ السياسي، الذي يمكن أن يعيد توحيد سورية المقسّمة إلى عدة مناطق نفوذ، ومن المستحيل أن يتقدّم ما لم يتم التفاهم بشأن وضع الفصائل العسكرية المتحالفة مع تركيا، والتي تسيطر على شمال غرب سورية، ولديها قرابة مائة ألف مقاتل، ومع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي يفوق جيشها مائة ألف، وتسيطر على ثلاث محافظات، الرقّة ودير الزور والحسكة، تشكّل أكثر من ثلث مساحة سورية، وتضع يدها على النفط والغاز وأغلبية إنتاج القمح والقطن. وفوق ذلك هي على تحالف مع الولايات المتحدة، التي تحتفظ بحضور عسكري يتمركز في ثلاث قواعد عسكرية، هذا بالإضافة إلى رفض النظام تأمين عودة طوعية لحوالي ستة ملايين لاجئ سوري، يتوزّع القسم الأكبر منهم بين تركيا ولبنان والأردن، والإفراج عن قرابة 150 ألف معتقل، والكشف عن مصير حوالي مائة ألف مفقود.

في السابق، كانت هناك حجّة تقوم على أن عودة النظام تبعده خطوة عن إيران، والمفارقة اليوم أن مساعي السعودية لعودة النظام تأتي في إطار التفاهم مع إيران التي يشكّل دعمها، إلى جانب روسيا، السبب الرئيسي لتعنّت رئيس النظام السوري بشار الأسد، وتعطيله كل مشاريع الحلول التي تقدّمت بها الأمم المتحدة وأطراف دولية وإقليمية. ومؤكّد أن ما تهدف له طهران وموسكو من تأهيل للنظام عربيا، ليس من أجل حلّ المسألة السورية من كل جوانبها، أي تطبيق قرار الأمم المتحدة 2254، الذي يحتاج إلى توافق روسي أميركي، بل تحقيق هدفين. الأول، تأمين مظلة عربية تحمي النظام ورموزه من المساءلة عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها منذ عام 2011، وتجاوز عدد ضحاياها نصف مليون، بالإضافة إلى تهجير قرابة نصف الشعب السوري. والثاني، البحث عن دعم اقتصادي عربي للنظام الذي بات يشكّل عبئا ثقيلا على إيران وروسيا بسبب انهيار الاقتصاد السوري، وعدم وجود موارد فعلية تمكّنه من الاستمرار.

—————————-

عن عودة سوريا/ عبد الحليم قنديل

قبل أكثر من عام ونصف العام، وقبل بدء حرب أوكرانيا بأربعة شهور ونصف الشهر، كتبت مقالا بعنوان «العودة إلى سوريا»، نشر في هذا المكان بتاريخ 9 أكتوبر2021، وكان المقال كعنوانه، يدعم فكرة إعادة العلاقات العربية المقطوعة مع سوريا، وعودة سوريا الرسمية إلى مقعدها الشاغر في اجتماعات جامعة الدول العربية، ولأسباب بدت وقتها ظاهرة، تراكمت وتأكدت أكثر بعد حرب أوكرانيا ومضاعفاتها، فقد تبدلت بيئات السياسة، ولم يعد الوضع كما كان عليه أواخر عام 2011، حين قرر اجتماع رسمي عربي طارئ بالقاهرة، تعليق عضوية سوريا الدولة في الجامعة العربية، ثم إحلال جماعة «معارضة» في المقعد الشاغر بديلا للحكومة السورية، ثم إجلاء هذه الجماعة عن المقعد بقمة عربية لاحقة في «شرم الشيخ» عام 2015، ثم السعي الذي تواتر بعدها من حكومات عربية، تفاوت حماسها لإعادة النظام السوري إلى مقعده، وإلى أن أصبحت المواقف العربية الرسمية متناغمة أكثر، ومؤيدة على نحو غالب لعودة سوريا، التي قد يرجح أن تشارك حكومتها في القمة العربية المقبلة بالعاصمة السعودية «الرياض».

ولا تخلو القصة طبعا من تحفظات واعتراضات جهيرة وخافتة الصوت، قد يتساءل بعضها عن مصير الثورة السورية، وعن مآلات التغيير السياسي، الذي كان منشودا في البدايات، والحق المرئي رغم صدماته، أن الثورة الشعبية السورية المطالبة بالحرية، قد وئدت مبكرا، وفي غضون شهور قليلة من ولادتها في «درعا»، وتوارى صوت الشعب، ليحل صوت الرصاص، وهو ما سعت إليه جماعة النظام، وساندتها في المسعى نفسه للمفارقة، جماعات نسبت نفسها زورا إلى معنى الثورة والحرية، بينما كانت تبادل طائفية النظام بطائفية معاكسة، استترت تحت شعارات «عسكرة الثورة»، وأفسحت المجال واسعا لتدخلات أجنبية مدمرة، حولت بها قصة الثورة في سوريا إلى انتقام وثورة على سوريا، وتبارى الكل في تحطيم سوريا بشرا وحجرا، في حرب كافرة دارت على أراضي البلد العربى الأجمل، أكلت الأخضر واليابس، وضربت أغلب مدن وقرى سوريا بما يشبه الدمار النووي، وشردت نصف سكانها بين نازحين ولاجئين، وقتلت نحو المليون سوري وسورية، وأزاحت إلى الهامش بشعارات الحرية والديمقراطية، وجعلت بقاء سوريا في ذاته على المحك الدموي، وساد نفوذ جماعات الإرهاب من «داعش» إلى «النصرة» وأخواتها، بينما وجدها النظام فرصة سانحة للبقاء قسرا، وبدعوى محاربة الإرهاب وداعميه، فاستعان هو الآخر بتدخلات أجنبية كثيفة، من التدخل الإيراني وجماعاته، إلى التدخل الروسي، ودارت الحرب بين الأجانب وملحقاتهم السورية بالوكالة وبالأصالة، وإلى حد أنه لم يعد من طرف سوري خالص على الساحة، فحلفاء النظام استعادوا باسمه نحو سبعين في المئة من مساحة سوريا في الجنوب والوسط والغرب وبعض مناطق الشرق، فيما ظل الشمال الشرقى بغالبه حكرا على الجماعات الكردية و»قسد» المحمية بالقوات الأمريكية، وصار الشمال الغربي بيد القوات التركية، وبمعية «جبهة النصرة»، التي غيرت اسمها إلى «هيئة تحرير الشام»، وصارت لها الكلمة الفصل في «إدلب» وجوارها «الحلبي»، مع حضور باهت لجماعات تركمانية، وأخرى تنسب نفسها لما كان يسمى بالمعارضة المسلحة، وتحظى بدعم تركي تقليدي يتراجع اليوم، بعد أن قررت القيادة التركية تطبيع علاقاتها مع النظام السوري، ومن دون أن تصل القصة بعد إلى نهاياتها، ربما في انتظار نتائج الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية المنتظرة، وبين الحين والآخر، تدور مفاوضات بلا معنى، توقفت في «جنيف» من سنوات، وتواترت في «الأستانة» برعاية موسكو، أو في حوار تجمد لما يسمى «اللجنة الدستورية»، وفي تفسيرات متناقضة للقرار الدولي 2254، أو في مكوكيات مبعوث دولي صار بلا وظيفة فعلية، ويتلقى راتبه دونما عمل، وفي سياق مفجع، تحولت فيه خريطة سوريا إلى مناطق احتلال وانتداب أجنبي، وإلى أشلاء لمقتلة مفزعة، وإلى سقوط بالجملة لكل الادعاءات من كل الأطراف تقريبا، فقد ولغت كلها في دم السوريين كما فعل النظام، ومن دون اكتراث بسعي إلى «ديمقراطية» ولا إلى «وطنية سورية»، اللهم إلا باستثناء جماعات متناثرة في المعارضة، قد يعتد بنقاء أصواتها ورفضها «العسكرة» و»التدخل الأجنبي» من البداية، برزت بينها «هيئة التنسيق لقوى التغيير الوطني الديمقراطي»، إضافة لمجموعات أخرى وطيف واسع من الشخصيات الوطنية المستقلة، بدت كلها عرضة لاتهامات وحصار النظام وجماعات اليمين الديني معا، ومعارضات مسلحة تلقت عشرات مليارات الدولارات، وأنفقتها في مجاري فساد طافح، وفي تخريب الصورة الذهنية لثورة الشعب السوري، وفي دعم جماعات إرهاب دهست سوريا وشعبها، وجعلت اسم الثورة مرادفا للخراب وضياع الأوطان، وتكبيد سوريا وأهلها خسائر كلية، قد تصل لنحو 800 مليار دولار.

والخلاصة هنا، وكما قلنا بالنص في صدر مقالنا المنشور قبل عام ونصف العام، إنه «ربما لا يوجد منطق مقبول وراء وضع العربة أمام الحصان في قصة سوريا، ففرص تغيير النظام السوري لا تبدو واردة في المدى المنظور، والثورة السورية المطالبة بالحرية قمعت بعنف همجي، واختفت ملامحها السلمية الشعبية في صورتها الأولى، التي لم تستمر سوى لتسعة شهور، بدءا بصيحة «درعا»، ثم كان الخطأ القاتل بعسكرة الثورة واستدعاء التدخل الأجنبي، وهو ما صادف هوى غريزيا عند النظام، تحول بالثورة في سوريا إلى ثورة على سوريا»، ولا يزال الوضع على ما هو عليه إلى اليوم، فقد تكون المدافع سكتت، إلا من قليل متقطع، لكن الظروف صارت أسوأ بمراحل، فملايين الشعب السوري اللاجئ للخارج لم تعد، ولا تتوافر شروط مسهلة ولا مطمئنة للعودة، والزلازل الأخيرة أضافت لمحنة وعذاب السوريين، والحملات العنصرية ضدهم تفاقمت في المنافي، والمآسي تضاعفت في حياة الباقين والنازحين على أرضهم، والعقوبات المفروضة تعتصر الشعب السوري لا جماعة النظام، وسوريا تحولت إلى أبشع سوق ومصنع للمخدرات و»الكبتاغون» وغيرها، فوق التمزيق الفعلي المزمن لخرائط سوريا، وهذه تراكمات مأساة لا عواقب ثورة، فلا يصح تخيل ثورة مع غياب وتفتيت وطحن عظام الشعب، ولا يصح تخيل فرصة لإقامة ديمقراطية ولا حرية في غيبة وطن موحد آمن، فالديمقراطية لا تبنى في فراغ، ولا في ظل استيلاء الأجانب على الوطن ومقدراته، وهو ما دلت عليه تجارب توالت في منطقتنا، بدءا من كارثة العراق وإلى ما يجري في السودان، ولا يمكن القفز على حرية الوطن بدعوى أولوية حرية الناس، وهو ما يذهب بحرية الأوطان ويستذل الشعوب معا، ومعارضة عودة سوريا إلى مقعدها بالجامعة العربية باسم الثورة، يعوزها المعنى والحس السليم في ما نظن، فالحكومة السورية عضو عامل في الأمم المتحدة، وفي روابط دولية عديدة، وعضويتها في الجامعة العربية أمر طبيعي، فالجامعة للحكومات لا للشعوب، وحكومات عربية كثيرة توصف بالديكتاتورية والفساد، كما النظام السوري، ومن دون أن يبادر أحد بإخراجها كما جرى مع النظام السوري، وهو في رأينا نظام ديكتاتوري وطائفي ودموي بلا شبهة، ومعارضاته المسلحة كذلك وأنكى، ومن حق الشعب السوري وحده أن يصوغ مصير نظامه، وعزل سوريا لا يفيد شعبها، ويخصم من قابلية الوطن السوري للحياة، وتجربة العزل على مدى عقد من الزمان، كانت نتائجها مريرة، وحجبت كل دور عربي وكل صوت عربي عن التأثير إيجابا في الحوادث السورية، وصارت سوريا مرتعا لتحكم الأجانب البعيدين والأقربين، بينما عودة سوريا إلى النظام الإقليمي العربي، حتى لو كان هشا، قد تفتح الأبواب والفرص لحضور عربي، ربما ينافس ويزاحم الحضور الأجنبي، ويساعد بقدر على استعادة وحدة التراب السوري، وينعش الاقتصاد المنهار، ويمول ويضمن عودة ملايين من اللاجئين السوريين، خصوصا أن العودة العربية تجري في سياق مستجد، تتحول به الحركة الدولية إلى عالم متعدد الأقطاب، تتدافع فيه صور التمرد على الهيمنة الأمريكية المحطمة لأوطاننا، وتتساقط فيه صدقية وجدوى التدخلات والعقوبات باسم الحرية المكذوبة، ويزيد وعى الحكام والمحكومين بأولوية الحفاظ على الأوطان وهياكل الحكم المستقل، وهو ما يفسر تزايد التأييد الرسمي العربي لمبدأ عودة سوريا للجامعة، رغم معارضة الأمريكيين والمعسكر الغربي، فعودة سوريا إلى الجامعة تصحيح لأخطاء، لم يثبت أنها أفادت أبدا ثورة الشعب السوري في شيء، بل فاقمت المآسي والمحن، ثم إن الوجود في الجامعة لا يمنح شهادة إبراء ذمة للنظام السوري ولا لغيره، فكلنا في الهم شرق.. وعرب مبتلون.

كاتب مصري

القدس العربي

—————————–

عصر الردّة العربية عن التحوّلات الديمقراطية/ محمود علوش

أعاد صراع السلطة بين الجنرالين السودانيين، عبد الفتاح البرهان ومحمد حمدان دقلو، تسليط الضوء على مخاطر انزلاق دول عربية، مرّة أخرى، نحو حكم الاستبداديين الذين لا يرحمون. عندما أطاحت ثورة شعبية الرئيس السابق عمر البشير في عام 2019، انقلب البرهان ودقلو عليه، ووعدا بدعم عملية التحوّل نحو الحكم المدني، لكن كل ما فعلاه منذ تلك الفترة هو إفشال التحوّل الديمقراطي، وتعزيز دورهما المحوري في عمليةٍ يُفترض أن تؤدّي إلى انتقال السلطة من الجيش إلى المدنيين. السودان نموذج من نماذج أخرى تُشير إلى الردّة عن مشاريع التحوّل الديمقراطي في دول عربية طاولتها رياح التغيير منذ عام 2011. في تونس، التي كانت تُوصف بأنها مثال على التحوّل الديمقراطي السلمي بعد إطاحة نظام الرئيس زين العابدين بن علي، يواصل الرئيس قيس سعيّد خنق معارضيه وتعزيز حكم الرجل الواحد. اعتقلت السلطات، أخيرا، رئيس البرلمان المُنحل راشد الغنوشي الذي يتزعم حركة النهضة الإسلامية، وأغلقت مقارّ جبهة الخلاص المعارضة. لا أحد يستطيع التكهّن بالحدود التي يُمكن أن يصل إليها سعيّد في إرجاع تونس إلى حقبة ما قبل 2011، لكنّه مُصمّم على فعل ذلك.

في حين أن صراع البرهان وحميدتي يتمحور في الظاهر على السلطة، إلآّ أنّه إحدى نتائج مكائد الجنرالات لإفشال مشروع تسليم السلطة إلى حكومة مدنية. في تونس، يختلف الأمر بعض الشيء. ليست لدى سعيّد خلفية عسكرية، وقد جاء إلى السلطة في انتخاباتٍ نزيهة، لكنّه بعد فترة وجيزة من ذلك، بدأ يُشكّك علناً في النظام السياسي الذي أنتجته الثورة ويُطالب بالتحوّل إلى نظام رئاسي مُطلق بذريعة مكافحة الفساد. لدى كثيرين من معارضي سعيّد هواجس مشروعة من عودة البلاد إلى حكم الرجل الواحد. مع ذلك، الانتكاسة التي مُني بها مشروعا التحوّل الديمقراطي في تونس والسودان جزء من تحوّل عربي أوسع، يُعيد الاعتبار لحكم الاستبداديين.

في سورية، التي لم تنجح الثورة في إيجاد آفاق للتحوّل الديمقراطي فيها على غرار تونس والسودان، بدأ الديكتاتور بشّار الأسد يخرُج من عزلته العربية والإقليمية. لا تزال شكوكٌ كثيرة تدور حول المنافع التي يُمكن أن تحصل عليها الدول العربية وتركيا من إعادة الاعتراف بالأسد رئيسا لسورية، لكنّ المؤكّد أن الأسد لم يعد منبوذاً في محيطه الإقليمي بأي حال، ويبدو بالنسبة لكثيرين من القادة الإقليميين الذين نبذوه في سنوات الحرب أنّه أثبت قدرته على الاحتفاظ بالسلطة. مثل هذا الامتياز علامة في المنطقة على ديكتاتور استطاع توظيف كل شيءٍ من أجل البقاء في السلطة والنجاة من الربيع العربي. مع أن الأسد قد يتمكّن، في نهاية المطاف، من جعل دول المنطقة تنظر إليه على أنه الوحيد القادر على إنهاء هذه الحرب، ومعالجة تبعاتها السلبية على المنطقة، إلآّ أن مثل هذه النظرة منفصلةٌ عن الواقع تماماً. لن تكون سورية في ظل حكم الأسد قادرةً على ترميم الشرخ المجتمعي والطائفي الذي أحدثته الحرب، وستتحول إلى عبء على دول المنطقة لا يُمكن تحمّله إلى أمد طويل.

قد يبدو التطور الأكثر إيجابية الذي طرأ على الشرق الأوسط في الآونة الأخيرة اتفاق إيران والسعودية على إعادة تطبيع العلاقات بينهما، لأن مثل هذا التطبيع، المفترض أنّه سيطوي صفحة عقود من الاضطراب الإقليمي الذي أخذ، في غالب الأحيان، طابعاً طائفياً ومذهبياً، سيُساعد في تهدئة حدّة الاضطرابات بين أكبر قوتين إقليميتين، فإنه سينعكس تهدئةً، وربما انفراجةً، في بعض صراعات المنطقة المزمنة. في اليمن، وهو ساحة حرب بالوكالة بين الرياض وطهران خلال السنوات الثماني الماضية، بدأت الرياض وجماعة الحوثي محادثاتٍ من أجل التوصل إلى اتفاق سلام. وفي لبنان، الذي يُعاني من شلل سياسي وانهيار اقتصادي خطير، يأمل اللبنانيون أن يُساعد التقارب الإيراني السعودي في حل أزمتهم. مع ذلك، لا ينبغي الإفراط في الرهانات الإيجابية. من المستبعد بأي حال أن يُعالج التقارب السعودي الإيراني العداء الطويل بين البلدين بشكل نهائي. ومن غير المرجّح على وجه الخصوص أن يجعل طهران تتصرّف بطريقة مختلفة في المنطقة العربية.

مع ذلك، يعزّز الوجه الآخر للتقارب السعودي الإيراني، في الواقع، المستقبل القاتم في المنطقة العربية، فالحوثيون، الذين دعمتهم إيران بعد اندلاع الحرب واستخدمتهم ورقة في صراعها الإقليمي مع السعودية، يتطلّعون الآن من أي اتفاق سلامٍ مع السعودية إلى تعزيز دورهم الجديد المؤثر في اليمن. مثل هذا المكسب سيكون انتكاسة كبيرة على وجه الخصوص لطموح اليمنيين في إعادة بناء بلدهم بعد الحرب وإنتاج نظام سياسي ديمقراطي وتقليص دور المليشيا المسلحة، التي استغلت الثورة الشعبية على نظام الرئيس الراحل علي عبد الله صالح من أجل مشروعها الديني. وفي لبنان أيضاً، تبدو النتيجة الوحيدة التي يُمكن توقّعها من التحول الإيراني السعودي هي إعادة الرعاية الإقليمية والدولية لنظام سياسي فاسد أوصل البلاد إلى الخراب. في سورية، لا داعي لسرد الكثير من النتائج المأساوية لإعادة تأهيل نظام الأسد.

النتيجة الواضحة التي تفرزها التحوّلات في كل من السودان وتونس وسورية والحالة الإقليمية الجديدة التي يخلقها التقارب الإيراني السعودي أن حقبة جديدة في المنطقة العربية تظهر وتتمحور حول إعادة إنتاج كل العوامل التي أدّت إلى انهيار المنطقة في عام 2011. كنتيجة لإعادة تأهيل الأسد وتعزيز سعيّد قبضته على تونس وتأكيد الجنرالات قبضتهم على السودان، قد لا نشهد اضطراباً عربياً واسعاً على غرار 2011 في المستقبل المنظور أو في غضون عقود طويلة، لكنّ المؤكّد أن هذا الوضع لن يُفرز استقراراً طويل الأمد في الدول العربية التي طاولتها عاصفة 2011. لم تكن هذه التحوّلات في الواقع نتيجة للانتكاسة التي مُني بها الربيع العربي فحسب، بل نتيجة أيضاً لقوة الدولة العميقة. لأن نتائج الربيع العربي غالباً ما يُنظر إليها على أنها فكّكت الدولة العربية وأشعلت الصراعات المجتمعية والطائفية، وأفسحت المجال أمام الفكر الديني الراديكالي للبروز، فإن إعادة تمكين الدولة العميقة تبدو خياراً لإعادة الاستقرار إلى الدول التي تشهد اضطراباتٍ وصراعاتٍ على السلطة. يُمكن المجادلة في بعض جوانب هذه النظرة، لكن الاستبداديين ساهموا على نحو كبير في تحقيقها، فضلاً عن أن الحالة السياسية التي أفرزها الربيع العربي لم تكن على كفاءة كما ينبغي لإظهار قدرتها على تقديم بديل للاستبداد. أهمل المتظاهرون الشباب، الذين انخرطوا في ثورات الربيع العربي، التفاصيل الجوهرية للديمقراطية، وكانت لديهم توقّعات غير واقعيةٍ عن مكاسب اقتصادية فورية من الديمقراطية. عندما لم تتحقّق الوظائف والفرص التي أرادوها على الفور، فقدوا الثقة في النظام السياسي الجديد.

تُعيد بعض الديكتاتوريات، كما في حالة سورية، إنتاج نفسها مستفيدة من رغبة المنطقة في طي صفحة الربيع العربي وإعادة التطبيع مع حالة ما قبل 2011، فيما يجنح حكم قيس سعيّد في تونس نحو مزيد من قبضة الرجل الواحد مع فارق أن بن علي لم يعد رئيساً لتونس. كما أن صراع البرهان ودقلو يُعيد السودان إلى ما كان عليه قبل عام 2019 مع فارق أن البشير لم يعد في السلطة.

العربي الجديد

——————————

آثار «الربيع العربي» بعد قيس سعيد/ وسام سعادة

ما بين انهماكات «التطبيع العربي» مع نظام آل الأسد، واشتباكات داحس والغبراء بين عبد الفتاح برهان والجنجويد في السودان، واعتقال نظام أستاذ القانون الدستوري المنتخب للإجهاز على المؤسسات قيس سعيد لرئيس البرلمان المنتخب هو الآخر راشد الغنوشي، يكون الابتعاد عن مرحلة التفاؤل بآفاق الزرع الديمقراطي في البلدان العربية قد بلغ قدراً زمنياً وتجريبياً كافياً للابتعاد عنه بالكلّية.

يفرض نفسه في المقابل التشاؤم. فقد بات هو الشرط الأوّل لوزن الأشياء واستشراف المرحلة. المفارقة أنه يقود الى تفاؤل معرفي : إذ ثمّة مجال للرؤية بشكل أفضل بعد تلاشي المبالغات وانقشاع ما بثّته الحماسة للأحداث الجماهيرية – الانتفاضية من أوهام.

فلا أحد بعد اليوم بات يمكنه الحديث عن «استثناء تونسي» يحافظ فيه هذا البلد الذي افتتح ثورات 2011 على حصته من الربيع العربي رغم انكسار الربيع في البلدان الأخرى، ويمضي قدماً في استكمال عقده الاجتماعي وبلورة مؤسساته الدستورية وتطوير انتفاعه من التداول على السلطة داخلها والفصل بين سلطاتها. قديماً كان السجال ضمن الحركة الاشتراكية العالمية إن كان ثمة مجال لقيام الاشتراكية في بلد واحد دوناً عن سائر البلدان. على غرار ذلك يمكن القول اليوم أنّ التجربة تعلّمنا أن لا قيام للديمقراطية في بلد عربيّ واحد.

لم يعد ميسّراً طمأنة الذات بأن للطغاة جولة وللشعوب جولة، وإن هي إلا عملية تداول على الزمن بين الطغاة وبين الشعوب، وليس هناك من ثمّ ما يمكن فعله سوى تطليق جولة والتأهب لأخرى.

فمثل هذا النَفَس الملحمي سارع للاستنجاد بانتفاضات السودان والجزائر والعراق ولبنان 2018-2019 على أنّها الراوند الثاني لربيع الشعوب. الفكرة التحررية – على ما حسبه أهل الاندفاع – حين تُدهَس في بلد تعود فتنبت في بلد عربي آخر، والحياة كرّ وفرّ.

هذا النفس الملحمي يقوم على المكابرة. فما الذي يمنع الربيع الذي أطيح به في بلدان موجة 2011 بأن لا يُطاح به في بلدان موجة 2018 إن كانت أحابيل وأدوات وشبكات حماية الطغم العسكرية والأمنية والميليشياوية والمالية هي هي، والقوى التي تسعى إلى التفلت من ربقة هذه الطغم وصولاً إلى ابتغاء تفكيكها هي قوى فجّة وهشّة، قليلة الرغبة في أن تبني وعيها السياسي على الوعي التاريخي، ولا تكاد تنتشر بين الملايين حتى تعود وتنزوي في مئات من الكوادر المصدومين بهجران الجماهير لهم، والمستمرين بالنطق باسمها على أمل أن ترجع؟!

والعطب هنا في الامتداح الذاتي لعناصر الوهن وتمجيدها على أنها نسائم حياة. كمثل اندفاع أهل «الثورات» هذه للتفاخر بأن لا حاجة فيهم إلى قادة كاريزميين وتنظيمات هرمية. بدعوى أنّهم سيقعون حينذاك في شرك التماهي مع أنظمة حكم الفرد الواحد الأبدي والحزب الحديديّ.

وقد غاب عنهم هنا أنّ القائد الكاريزمي – الجماهيري لم يعد منذ وقت طويل سمة لقادة الأنظمة. هيهات. الحكم نفسه بات في غنى عن أي شرعية كاريزمية، وعن أي شرعية أيديولوجية. كل ما يلزمه قاعدة اجتماعية «من تحت» مقتنعة أنها ستفتقد للقليل الذي تقتات عليه إن سقط هذا النظام، ونخب «من فوق» خائفة على الكثير الذي لها، ومقتنعة تارة بأنها «عقل» هذا النظام وتارة بأنها «قلبه» أو «ضميره». وما بين الفوق والتحت يتكفل النظام بتأمين الحلقة الوسيطة، بمعية أجهزته الاخضاعية للمجتمع.

أساس الفكرة الشعبوية، أي الزعيم الذي ينجح في تقديم نفسه على أنه «تجسيد» للشعب غير قائم هنا. هل يمكن القول إن قيس سعيد يقدّم مثالاً مضاداً على هذا الصعيد؟ لغته العربية القشيبة لا تكفي وحدها لتقليده صفة الزعيم الكاريزمي. فهذه الشخصية تجد ماهيتها في برودتها. فيما الزعيم الكاريزمي من دم ولحم وعصب… وكهرباء. لكن ظاهرته هي بالفعل تجسيد لحلم أراده الكثيرون عام 2011. الحلم بوصول رئيس مدني، وغير إسلامي في الوقت نفسه، وليست له علاقة عضوية بالنظم السابقة. فكان ما كان، والنتيجة انقضاض على تجربة دستورية بحجة هشاشتها، واستخدام الكثير من الرطانة ضد الفساد والمفسدين، إنما من دون أي مضمون اجتماعي – اقتصادي منحاز على نحو من الجدية والمثابرة الى جانب الطبقات الشعبية.

لا يسع القوى المضادة للأنظمة التسلطية مواجهة أخصامها الشرسين من دون قادة كاريزميين. من دون ابتعاد عن سردية «موت الأيديولوجيات». من دون أفكار تتجاوز النطاق المجتمعي الداخلي الصرف. ومن دون إدراك أن لأي نظام قاعدة اجتماعية من تحت ونخب تسنده من فوق، وأن الإسناد له يقوم على أسباب وحيثيات موضوعية فعلية ولا يختصر بأن هؤلاء «مغرّر بهم» أو «باعوا أنفسهم».

لقد أعتقد معارضون كثر للأنظمة أنهم لعبوا الدور الحاسم في خروج الناس عام 2011. لكن ما جعل الناس تخرج على الطغاة لم يكن وليد النضالات التراكمية. إلا فيما قلّ ودلّ. كان وليد الكبوة الطويلة، ونجاح الأنظمة في عزل الحالات المناوئة لها وشيطنتها في مقابل عدم تمكن معظم هذه الأنظمة من تنظيم عملية تجديد النخبة الحاكمة فيها، ونقلها الى جيل جديد.

ما كانت المشكلة مطروحة عندما كانت وفرة في الانقلابات العسكرية، أو عندما كانت الأحزاب الحاكمة «الثورية» لا تزال تحتفظ ببعض حيوية ونوستالجيا جدية مع فترة البدايات النضالية.

لكن، عندما ضمرت الحيوية في الأحزاب الحاكمة، وتقدّم العمر بالماريشالات، وندرت الانقلابات العسكرية، وبخاصة تلك التي كان يقودها ضباط شبان من صغار الرتب، لم يعد هناك قابلية لتجديد «شباب» هذه الأنظمة إلا بانفجار أزماتها في الشارع، ليظهر من ثمّ أن أزمات الشارع نفسها، فضلا عن التوازن الكارثي لسنوات بين أهل النظام وأهل الثورة عليه هنا، وبين الإسلاميين وبين أخصامهم هناك، كل هذا أعاد منح هذه الأنظمة صعقات كهربائية جديدة.

فقط في سوريا نجح النظام في توريث الابن طغيان أبيه. وهذا ما فتح في الجمهوريات الأخرى شهوة التوريث دون امتلاك الشروط نفسها. بخاصة في مصر، البلد الذي احتار فيه العسكر بين «أبوية» حسني مبارك عليهم وبين إيثاره توريث أحد ولديه الحكم. وابن العسكري «مدني». في سوريا، السمة الممليشة والحزبية كما الطائفية للنظام سمحت بعسكرة سريعة للطبيب ابن الرئيس. في البلدان العربية الأخرى، تأمن عنصر من هذا وغابت العناصر الأخرى. بما في ذلك في الحالة اليمنية، الذي كان ابن الرئيس فيها على رأس الحرس الجمهوري. وقريبة منها الحالة الليبية. في الوقت نفسه، هذا الاختلاف بين سوريا وبقية البلدان له حدوده أيضاً. فالمسألة لا تتصل بتوريث شخص واحد فحسب، بل بتجديد النخبة الحاكمة، وهذا لم يحصل في سوريا عام 2000، وانما في إثر الانسحاب من لبنان وتداعياته، ثم الثورة والحرب الأهلية وما إليهما.

لقد تمكن التسلّط العربي من خنق ليس فقط «براعم» ديمقراطية، وإنما حركات جماهيرية مليونية هادرة.

ولا يمكن التقليل هنا من أهمية الدعم الذي تلقته عملية إعادة ترميم الأنظمة التسلطية الجمهورية العربية من الخارج، من اليمين العربي الملكي. لكن على الأقل، هذا اليمين الملكيّ كان واضحاً من الأساس: إنه غير مقتنع بالديمقراطية أصلا وفصلاً، ويعاملها معاملته في السابق لشعارات الاشتراكية. كذلك لا يجدر إهمال تزامن الخيبة العربية الحالية من انتظارات الربيع، مع خفوت سحر الفكرة الديمقراطية على الصعيد العالمي، بما في ذلك سحبها من التداول الغربي عندما يتعلق الأمر بالبلدان العربية، وطمسها تحت سابع أرض في تقارير المنظمات الدولية حول المنطقة العربية، هذا بعد أن جرى التطرف في ابتذالها والترويج لها بشكل «تربوي» مفتعل، وخلعها على أي كان، وسحب صفتها من أي كان، وبعد أن تصدعت، في بلدان الغرب نفسها عقود المزاوجة القائمة بين الديمقراطية (المصدر الشعبي للحكم وتجديد من يتولاه ومراقبته، لكن كذلك الرصيد الاقتصادي – الاجتماعي لأي حياة ديمقراطية) وبين الليبرالية (حقوق الفرد المقوننة، على قاعدة أن المساواة القانونية هي وحدها الممكنة وكل مساواة أخرى مجرد لغو).

التشاؤم السياسي يمكنه أن يفتح المجال للتفاؤل معرفة ومناقشة بما كانت الحماسة والعنجهية تستبعدانه عندما كان المدّ الجماهيري خلاقاً وحيوياً. في الوقت نفسه لهذا التفاؤل المعرفي المقرون بالتشاؤم السياسي قيمة عملية، سياسية في نهاية المطاف: ذلك أنه في مقابل كل الأوهام التي تبدّدت حول ما «يستطيعه الشعب»، فإن ما تعتاش عليه أنظمة التسلّط في المنطقة العربية اليوم، هو وهم الرجعة بالزمن الى ما قبل 2011. الزمن لا يسير في خطوط مستقيمة، أبداً. لكنه، لا يرجع الى الوراء إلا في سرابه. ما لم تحله الأنظمة العربية قبل 2011 من مشكلات لا يمكنها أن تحله اليوم. ما حصل ان الانتفاضات عليها أعطتها – حين لم تتمكن من حسم الصراع – مادة لإعادة تجديد نخبها كأنظمة ولم تعطها القدرة على أن تكون معاصرة لزمان هذا الكوكب وتحدياته المعاصرة.

كاتب لبناني

القدس العربي

—————————————

واشنطن: النظام السوري لا يستحق العودة للجامعة العربية

اعتبرت الولايات المتحدة أن النظام السوري لا يستحق العودة إلى الجامعة العربية، مشيرةً إلى أنها لم تمارس ضغوطاً على حلفائها لمنعهم من التطبيع معه.

وقال نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية فيدانت باتل للصحافيين إن موقف بلاده من التطبيع مع النظام السوري “لن يتغير”، وذلك في ظل “غياب تقدم واضح نحو حل سياسي للصراع” في سوريا، مضيفاً: “نواصل توضيح ذلك بشكل سرّي وعلني مع شركائنا”.

وأكد باتل على أن الولايات المتحدة لن تطبع العلاقات مع النظام السوري، موضحاً أن واشنطن “شددت” على من يتعامل مع النظام من شركائها الإقليميين بأن “أي خطوة ذات مصداقية لتحسين الوضع الإنساني للسوريين يجب أن تكون أولوية، ومركز أي مشاركة”.

ورداً على سؤال حول تطبيع دول عربية مع النظام السوري وسعيها لأجل عودته إلى الجامعة العربية، قال المسؤول الأميركي إن واشنطن “لا تعتقد أن سوريا تستحق إعادة القبول في جامعة الدول العربية في هذا الوقت”.

وقال باتل: “هناك خطوات ملموسة نعتقد أنها يجب أن تحدث، وتشمل وصول المساعدات الإنسانية بشكل مستدام ويمكن التنبؤ به ومستقل، وتقليص دور الحرس الثوري الإيراني في سوريا، وإنهاء تجارة مخدرات الكبتاغون المدمرة، وتقدم حقيقي على المسار السياسي”.

وحول موقف واشطن من تطبيع الدول مع النظام السوري، اعتبر المتحدث الأميركي أن تلك البلدان ستتخذ في نهاية المطاف قرارتها “السيادية في ما يتعلق بعلاقتها الخاصة”، موضحاً أن ما يتحدث به هو خلاصة وجهة نظر واشنطن ونتاج ما انخرطت به بعمق مع شركائها وحلفائها، بحسب تعبيره.

وأوضح أن وجهة نظر الولايات المتحدة وخلاصة المشاورات مع حلفائها وشركائها هي أن “أي خطوات لديهم مع النظام السوري نحو التطبيع يجب أن تتضمن كيفية تحسين الوضع الإنساني والأمني للشعب السوري”.

وقال باتل رداً على سؤال حول ما إذا كانت واشنطن قد مارست ضغوطاً على الدول التي استقبلت الأسد أو لثنيها عن التطبيع معه: “للبلدان قراراتها السيادية لاتخاذ الخطوات بهذا الشأن، لكن الولايات المتحدة ضد التطبيع مع نظام الأسد، ولديها حلفاء وشركاء يعارضون ذلك أيضاً”.

والأربعاء، قال المبعوث الأميركي السابق إلى سوريا جويل ريبرون إن مسؤولين كباراً في الإدارة الأميركية الحالية أعطوا دولاً عربية “ضمناً” الضوء الأخضر للتطبيع مع نظام بشار الأسد، مشيراً إلى أن إدارة بايدن فضّلت التطبيع مع النظام على أن ترعى روسيا “صفقة” بين دمشق وأنقرة.

لكن كبير النواب الجمهوريين في مجلس الشيوخ الأميركي ليندسي غراهام قال إنه أبلغ السعودية والرياض أن واشنطن ستعارض أي جهود من أجل إعادة رئيس النظام السوري بشار الأسد إلى الجامعة العربية، وذلك خلال مقابلة متلفزة مع قناة “العربية”.

وكان غراهام قد التقى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في مدينة جدة قبل أسبوع، بالتزامن مع رغبة ودفع سعوديين من أجل إعادة الأسد إلى الجامعة، بعد اتفاق الجانبين على إعادة العلاقات القنصلية، تلته زيارة من وزير خارجية النظام فيصل المقداد إلى السعودية، قبل أن يقابلها وزير الخارجية السعودية فيصل بن فرحان بزيارة مماثلة إلى دمشق.

——————————

التفاهم مع إيران والتطبيع مع الأسد: أتخذل السعودية حلفاءها؟/ منير الربيع

هل يمكن أن تتخلى السعودية عن حلفائها في لبنان والمنطقة، بانتهاج سياسة جديدة ومسار مختلف عن السابق؟ إنه السؤال الأكثر طرحاً في هذه المرحلة، خصوصاً بعد التحول السعودي باتجاه طهران وباتجاه النظام السوري. ليست المرّة الأولى التي يطرح فيها هذا النوع من الأسئلة، وخصوصاً على مستوى القوى اللبنانية.

طوال السنوات الماضية، كان حزب الله، وعلى لسان أمينه العام السيد حسن نصرالله، يؤكد أنه شريك طهران في اتخاذ القرارات، وأن إيران لا تملي عليه ما يتوجب فعله، كما أنها تضعه في تطورات مساراتها السياسية. وكان نصرالله يهاجم خصومه باعتبار أنهم غير شركاء في قرارات حلفائهم الإقليميين. ولطالما لمّح الرجل إلى أنه بتغير سياسات هذه الدول غالباً ما تكون النتائج على حساب حلفائها.

المعارضتان اللبنانية والسورية

على مراحل متعددة، كرر نصرالله تخلي خصوم إيران الدوليين والإقليميين عن حلفائهم، منذ تخلي واشنطن عن زين العابدين بن علي، وعن حسني مبارك، إلى التخلي عن حماية دول الخليج ومقومات التحالف بعد الاعتداءات على أرامكو وغيرها. وكان يستند إلى مثل الإشارات للتوجه إلى خصومه في لبنان، داعياً إياهم للذهاب إلى حوار وتفاهم معه، لأن الرهان على الخارج قد لا يفيد، بسبب احتمال تغير مواقف هذا الخارج. حالياً، يتجدد هذا النوع من السجالات لبنانياً، وعلى صعيد المنطقة أيضاً، خصوصاً في ظل التقارب السعودي مع النظام السوري.

كان هذا النوع من الأسئلة بدأ يُطرح بعد الإعلان عن الاتفاق السعودي الإيراني، وإذا كانت انعكاساته ستكون لصالح إيران وحلفائها. وما عزز هذه التساؤلات هو الملف السوري، خصوصاً بعد الانفتاح السعودي على دمشق. ما ترك المعارضتين السورية واللبنانية في حالة يُتم وترقب وانتظار لما ستؤول إليه التطورات، لا سيما أنه بنظر البعض فإن الرياض تسلك طريقاً مستعجلاً جداً للتطبيع مع النظام السوري، قبل الوصول إلى تحقيق أي تنازلات سياسية جدية منه. وهو ما دفع القوى الحليفة للرياض إلى التخوف، تحسباً لما سيكون هناك من نتائج لهذا التقارب. وفي موازاة هذا المسار، تستمر أجواء حزب الله وحلفاء طهران ودمشق بتسريب أجواء تشير إلى أن الرياض بتحولها الجديد تتخلى عن اعتبارات حلفائها.

“الحضن العربي”

من هنا يعطي المقربون من أجواء حزب الله الكثير من الأمثلة اللبنانية على ذلك، وتحديداً في العام 2008، عندما لجأت الرياض إلى مصالحة بشار الأسد في القمة الاقتصادية بالكويت، بمبادرة قام بها الملك عبد الله بن عبد العزيز، تحت شعار استعادة سوريا إلى الحضن العربي، فقام بمصافحة الأسد. ومنذ تلك المصافحة فتح مسار جديد في العلاقات أوصل إلى تسوية “السين- سين”، والتي توجت بزيارة أجراها الملك السعودي إلى دمشق، ومنها انتقل مع الرئيس السوري بشار الأسد إلى بيروت. وهو مسار دفع برئيس تيار المستقبل سعد الحريري إلى زيارة دمشق أيضاً ومصافحة الأسد، بالإضافة إلى موقف وليد جنبلاط في حينها بالذهاب إلى دمشق أيضاً. لم تستمر معادلة السين سين طويلاً. إذ حصل الانقلاب على حكومة سعد الحريري، ودخل لبنان وسوريا في مسار جديد زاد من ابتعادهما على “الحضن العربي” باتجاه طهران، وهو ما استمر إلى اليوم.

حالياً، تعود السعودية إلى مصالحة خصومها، من طهران إلى دمشق، وحركة حماس وغيرهما. وفيما هي تشدد على مسألة الاستقرار والتفاهمات السياسية، فإن أكثر ما يزدهر على الضفة الإيرانية هو منطق توحيد الجبهات، من خلال التكامل بين حماس، الجهاد الإسلامي، حزب الله، الحرس الثوري، والنظام السوري. وقد كان المثال الأبرز على ذلك هو عملية إطلاق الصواريخ الأخيرة من جنوب لبنان، بالتزامن مع المصالحة الإيرانية السعودية.

في مقابل هذه القراءة لدى حلفاء طهران، والتي يحاولون فيها إلحاق الوهن في عزيمة الخصوم، ثمة من يعتبر أنه لا بد من انتظار مسار التطورات ونتائجها وانعكاساتها، والتي تحتاج إلى مزيد من الوقت كي تظهر في مسار استعادة التوازن ومن دون التخلي عن الحلفاء.

——————————-

محاولة لتفسير الخلافات العربية- الأميركية/ ماجد كيالي

لا يوجد ما يفضي إلى نزعة استقلالية، أو تمردية، لدى الأنظمة العربية المعنية، خصوصاً أنها ترتبط بألف خيط وخيط بالولايات المتحدة (سياسياً وأمنياً واقتصادياً ومالياً)، وهي تعرف تماماً الهوامش المتاحة لها.

يميل بعض المحلّلين السياسيين المؤدلجين، من خلفيات قومية ويسارية وإسلامية، إلى الاستسهال والتسرّع والمبالغة، لإضفاء رغباتهم أو قناعاتهم على الأحداث أو التطورات السياسية، أي تحوير التاريخ ليتناسب مع أهوائهم وسردياتهم.

وربما من أهم المسائل المطروحة للنقاش اليوم تلك المتعلقة بتفسير قيام بعض الأنظمة العربية، بالتملّص من السياسات التي تطلبها الولايات المتحدة، بل والتمرّد عليها، علماً أنها معروفة تاريخياً كتابعة لها، أو كمرتبطة بسياساتها.

بيد أن ذلك الاستنتاج يغفل واقعاً مفاده أن العلاقات بين الدول لا تسير وفق ثنائية التابع والمتبوع، بشكل مطلق، أو ميكانيكي، ولعل أكبر مثال على ذلك هو علاقة إسرائيل بالولايات المتحدة. فهذا العلاقة الوطيدة، وغير المسبوقة، ومع ذلك فقد شهدت محطات من التوتر بين الطرفين، ليس في عهد الرؤساء الديمقراطيين، وحسب، إنما شمل ذلك عهد الرؤساء الجمهوريين، أيضاً. ففي عهد الرئيس بوش (الأب) تمردت إسرائيل (في ظل حكومة اسحق شامير الليكودية)، على مسعى الولايات المتحدة عقد “مؤتمر مدريد للسلام” (1991)، فاضطرت تلك الإدارة إلى الضغط عليها وجرها إلى المؤتمر، لكن مع ذلك ظلت إسرائيل تتمنع من السير في عملية التسوية، وضمنها اتفاق أوسلو (رغم الإجحاف بحق الفلسطينيين).

وفي السياق ذاته، فإن المملكة العربية السعودية استخدمت سلاح النفط إبان حرب تشرين الأول/ أكتوبر (1973)، على خلاف مصلحة الدول الغربية، ما أدى إلى تضاعف أسعاره، بالقياس لما قبل.

في تفسير التوتر الحالي، في العلاقات العربية – الأميركية، يمكن تعيين الافتراق الأول بطرح الرئيس بوش (الابن) مشروع “نشر الديمقراطية”، و”الشرق الأوسط الكبير” (2002 – 2003)، المحمول، هذه المرة، بإرادة التدخل الخارجي العسكري، في بعض البلدان، لفرض الديمقراطية، باعتبار ذلك جزءاً من “استراتيجية الأمن القومي الأميركي”، على خلفية الهجوم الإرهابي في نيويورك وواشنطن (2001)، وهو ما تم ترجمته في غزو الولايات المتحدة لأفغانستان (2002)، والعراق (2003).

هكذا، فإن طرح ذلك المشروع عبر عن نهج أميركي جديد، يقوم على إحداث تغييرات في بنية الأنظمة العربية، في حين كان أحد أهم بنود الاستراتيجية الأميركية السابقة في الشرق الأوسط يتمثل في الدفاع عن الأنظمة الصديقة (مع الحفاظ على أمن إسرائيل وتفوقها، وحماية منابع وممرات النفط، وعدم تمكين أي دولة أخرى من السيطرة على الشرق الأوسط). والمعنى أن ذلك التحول بات في صلب السياسة الأميركية الجديدة في الشرق الأوسط، بغض النظر عن هوية ساكن البيت الأبيض، وإن كان جمهورياً أم ديمقراطياً، فالفلسفة الأميركية من وراء ذلك هي إحالة أسباب الفقر والتخلف والإحباط والغضب في العالم العربي ليس إلى إسرائيل، أو إلى الصراع العربي- الإسرائيلي، وإنما إلى من طبيعة الأنظمة العربية، الاستبدادية والفاسدة.

في المحصلة فإن ذلك الانقلاب الأميركي رن جرس الإنذار لدى الأنظمة “الصديقة” للولايات المتحدة، إذ حاولت، في البداية، التكيف معه عبر فكرة ترشيد أو إصلاح النظم السياسية (صدرت وقتها تقارير التنمية الإنسانية العربية)، مع تهربها عملياً من ذلك الاستحقاق، مع تركيزها على دعوة الغرب إلى احترام خصائص المجتمعات العربية، ومراعاة عدم فرض نموذج غربي عليها. وفي السياق أيضاً، أتى حبل النجاة من إسرائيل، التي قوضت اتفاق أوسلو، وقوضت بعده مشروع “الشرق الأوسط الجديد”، والمفاوضات متعددة الطرف، ومؤتمرات التنمية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ما ساهم بتغيير المعادلات.

الافتراق الثاني تمثل ببروز تحد آخر أمام الأنظمة العربية، لا سيما في المشرق العربي، واليمن، فازداد نفوذ إيران التي باتت تهيمن فعلياً على بلدان عربية عدة (العراق وسوريا ولبنان واليمن)، بحيث شكلت تهديداً حقيقياً للأنظمة السياسية العربية، وكعامل تقويض للاستقرار في المنطقة العربية، إن بتفكيكها المجتمعات العربية، على أسس طائفية مذهبية، أو بامتلاكها أذرعاً ميليشياوية مسلحة، كما بمحاولاتها الاستحواذ على قوة نووية.

المشكلة أن سياسة الولايات المتحدة إزاء إيران كانت تنطوي على تلاعب، ومراوغة، فهي فضلت الاستثمار في السياسة الإيرانية في المنطقة، بدل كبحها، من أجل الحفاظ على أمن إسرائيل، من خلال تمكين إيران من تصديع بني الدولة والمجتمع في دول المشرق العربي من العراق إلى سوريا وصولاً إلى لبنان، ولابتزاز بعض الأنظمة العربية، التي فهمت من هذه السياسة تخلياً أميركياً عنها، وتركها تحت التهديد الإيراني، لا سيما أن الأمر ترافق مع فرض الولايات المتحدة عقبات، ومعايير، على بعض صفقات التسلح العربية.

في الغضون، فإن اندلاع ثورات الربيع العربي، أدى إلى تضافر تخوّف الأنظمة العربية من التدخلات الأميركية في بلدانها، بحجة حقوق الإنسان، ولفرض الديمقراطية، مع التهديدات التي يمثلها تزايد النفوذ الإيراني في المنطقة، واحتمال حيازتها قوة نووية، لا سيما مع الاتفاق الأميركي-  الإيراني (عهد باراك أوباما)، فاستنفرت الأنظمة العربية، من التخلي الأميركي والتهديد الإيراني.

أما الافتراق الثالث فتجلى بشكل أكبر بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، مع أنه سبقه، وهو يتعلق بسعي الغرب للتحرر من الطاقة الأحفورية، والتوجه نحو الطاقة الخضراء، أو النظيفة، إذ بدت الدول الغربية، وهي الأكثر استهلاكاً للغاز والنفط، وكأنها تريد حرمان بعض الأنظمة العربية النفطية من كنزها، أو ثروتها الاستراتيجية، التي تبني عليها مكانتها، ونفوذها.

والخلاصة، أنه لا يوجد ما يفضي إلى نزعة استقلالية، أو تمردية، لدى الأنظمة العربية المعنية، خصوصاً أنها ترتبط بألف خيط وخيط بالولايات المتحدة (سياسياً وأمنياً واقتصادياً ومالياً)، وهي تعرف تماماً الهوامش المتاحة لها، والتي تتحرك فيها في إطار السياسة الأميركية، وكل ما هنالك انها تعمل على استثمار التباينات في الداخل الأميركي، والوضع الحرج لإدارة الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن، في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية، كما تحاول درء الضغوط الأميركية عنها، بالتداعيات الناجمة عن الغزو الروسي لأوكرانيا، والعلاقات الواعدة مع الصين، علماً أن روسيا والصين، لا تملكان ما تقدمانه لتلك الأنظمة، سوى اختلافهما عن الغرب بأنهما لا تطرحان أسئلة بخصوص طبيعة الأنظمة أو سياساتها إزاء شعوبها.

درج

——————————–

عاد النظام السوري… أم لم يعد!/ خيرالله خيرالله

عاد النظام السوري إلى جامعة الدول العربيّة أو لم يعد. لن يصنع ذلك أي فارق من أي نوع. ما هو مهم أمران. أولهما مصير الشعب السوري ومستقبل سوريا الواقعة تحت خمسة احتلالات طبعا، والآخر هل يطرأ تغيير على السلوك الإيراني في دول المنطقة، خصوصا في ما يخص العراق وسوريا ولبنان.

ثمّة أسئلة في غاية الأهمّية تتجاوز الانفتاح العربي على النظام السوري وعودته إلى جامعة الدول العربيّة وحضور بشّار الأسد، بشخصه الكريم، القمة العربيّة المتوقعة في الرياض بعد أسابيع قليلة… أو حضور من يمثله للقمّة. لن يقدّم ذلك ولن يؤخّر ما دام القرار في دمشق قرارا تتخذه “الجمهوريّة الإسلاميّة” في إيران ولا أحد غيرها، خصوصا في ضوء الغرق الروسي في الوحول الأوكرانيّة.

في مقدّم الأسئلة المهمّة التي يفترض طرحها هل يقتنع النظام السوري بأنه لم ينتصر سوى على الشعب السوري؟ إنّه الانتصار الوحيد المسموح له به، تماما مثلما أنّه ليس مسموحا لـ”حزب الله” سوى بتحقيق الانتصار تلو الآخر على لبنان واللبنانيين فقط.

ما الذي يستطيع بشّار الأسد عمله بهذا الانتصار على الشعب السوري؟ في النهاية، لن يستطيع النظام السوري المحافظة على وحدة سوريا، كما يتمنّى ذلك العرب المخلصون الذين هبوا لمساعدة الشعب السوري بعد الزلزال الذي تعرّض له في الأسبوع الأوّل من شباط – فبراير الماضي.

ثمّة واقع سوري يرفض النظام الاعتراف به. ليس متوقعا أصلا اعترافه بهذا الواقع نظرا إلى أنّه لم يكن في يوم من الأيام مهتما بالتخلص من الاحتلال الإسرائيلي. منذ احتلت إسرائيل الجولان في حزيران – يونيو 1967، وكان حافظ الأسد لا يزال وزيرا للدفاع، انحصر همّ النظام في كيفية المتاجرة بالجولان المحتل وليس باسترجاعه. اهتم النظام، بعدما صار حافظ الأسد رئيسا للجمهوريّة، بكيفية استمرار حال اللاحرب واللاسلم التي تعني، بين ما تعنيه، بقاءه في دمشق بغض النظر عن ثمن هذا البقاء. هذا ما يفسّر إلى حد كبير لماذا لم تقدم إسرائيل على أي خطوة تستهدف النظام منذ بداية الثورة الشعبيّة في آذار – مارس من العام 2011. كشفت التصرفات الإسرائيلية اهتماما واضحا ببقاء نظام لعب دوره في تفتيت لبنان وتدمير مؤسساته وأدّى في الوقت ذاته كلّ المطلوب منه من أجل ألّا تقوم لسوريا قيامة في يوم من الأيّام.

لم يعد مهمّا انفتاح العرب على النظام السوري وعدم انفتاحهم عليه. تجاوزت الأحداث هذا الانفتاح. على سبيل المثال وليس الحصر، ما العمل بالوجود التركي في الشمال السوري، وهو وجود فرضته عوامل عدة من بينها الثورة السوريّة وقبلها اتفاق أضنة للعام 1998 الذي أعطى الجيش التركي حرّية التدخل في العمق السوري؟

احتلت تركيا نحو 35 في المئة من جزيرة قبرص صيف العام 1974، أي منذ نصف قرن تقريبا. ما الذي تغيّر منذ الاحتلال التركي لجزء من قبرص باستثناء أن الجيش التركي ما زال موجودا في الجزيرة؟ لم يتغيّر شيء. سيكون مستبعدا خروج الجيش التركي من الشمال السوري، فاز رجب طيب أردوغان أم لم يفز في الانتخابات المقررة في الرابع عشر من أيّار – مايو المقبل. يوجد عقل تركي يقوم على فكرة أن البلد ظلم وعليه استعادة أمجاده عن طريق التوسّع!

يوجد الاحتلال الإسرائيلي، والاحتلال التركي، والاحتلال الروسي، والاحتلال الأميركي، والاحتلال الإيراني. هذا هو الواقع السوري الذي يهرب منه النظام. النظام يهرب أيضا من القرار رقم 2254 الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في أواخر العام 2015. يرفض النظام السماع بهذا القرار كونه يعرف جيدا أنّه نهايته. القرار، الذي اتخذ بإجماع أعضاء مجلس الأمن، واضح كلّ الوضوح. يركز على “فترة انتقالية” وعلى انتخابات “حرة” بإشراف الأمم المتحدة بعد الفترة الانتقالية التي مدتها 18 شهرا.

مثلما يرفض بشّار الأسد السماع بالقرار 2254، يرفض السماع بعودة اللاجئين السوريين إلى المناطق التي أخرجهم منها مستعينا بالميليشيات المذهبيّة التابعة لإيران وبالقوات الروسيّة التي قصفت مواقع وأحياء مدنيّة مع تركيز خاص على المدارس والمستشفيات. هذه هي سوريا التي صار نصف شعبها خارج أراضيها… هذا إذا تجاهلنا الذين نزحوا من منطقة سورية إلى منطقة أخرى.

باختصار شديد، إننا أمام نظام يرفض شعبه كما أنّه مرفوض من شعبه وأكثريته السنّية التي عانت الأمرّين من نظام أقلّوي حاقد على كلّ مواطن يرفض أن يكون عبدا لديه.

تبدو المسألة السوريّة في غاية التعقيد. لا ينفع معها التعاطي مع النظام، لا لشيء سوى لأنّ لدى النظام أجندة خاصة به من جهة ولأن المطروح في نهاية المطاف مستقبل إيران في سوريا من جهة أخرى. من سيتولى إعادة إعمار سوريا في حال بقي قسم كبير منها، بما في ذلك دمشق والمناطق المحيطة بها، تحت السيطرة الإيرانية المباشرة وغير المباشرة؟

بعد ثورة شعبيّة مستمرّة منذ اثني عشر عاما، من حق العرب التركيز على إنقاذ ما يمكن إنقاذه من سوريا وعلى السعي إلى مساعدة الشعب السوري من زاوية إنسانيّة في انتظار اليوم الذي ستقرّر فيه “الجمهوريّة الإسلاميّة” في إيران ما الذي تريده من الاتفاق الذي عقدته مع المملكة العربيّة السعوديّة برعاية الصين. سيظل السؤال المهيمن هل تستطيع “الجمهوريّة الإسلاميّة” ممارسة مزيد من المناورة والفصل بين الشق اليمني في الاتفاق والشق الآخر المتعلّق بسلوكها خارج حدودها، خصوصا في سوريا ولبنان والعراق؟ في انتظار معرفة الجواب الإيراني عن هذا السؤال، يصعب القول هل يمكن عمل شيء لسوريا في عالم يزداد وضعه تعقيدا في كلّ يوم، بل في كلّ ساعة.

تعطي الحرب الأوكرانيّة التي دخلت سنتها الثانية فكرة عن هذه التعقيدات التي باتت العلاقات الأميركيّة – الصينية جزءا لا يتجزّأ منها…

إعلامي لبناني

العرب

——————————-

بعد خطوات التطبيع مع الأسد.. سوريون يطلقون حملة و”حفار القبور” يتحدث للكونغرس

بينما تتجه دول عربية نحو التطبيع مع نظام الرئيس السوري، بشار الأسد، أعلن ناشطون في مناطق المعارضة بشمال غرب سوريا رفضهم لاستعادة العلاقات الطبيعية مع نظام يتهمونه بالقتل والتدمير، فيما دعا الناشط السوري “حفار القبور” في شهادته أمام الكونغرس الأميركي واشنطن إلى الضغط على هذه الدول.

وعلى تويتر، أطلق ناشطون حملة تحت عنوان #لا_للتطبيع_مع_الأسد_المجرم. وقالت الناشطة السورية، التي اكتفت باسمها الأول “ياسمين” لموقع الحرة إن الحملة تهدف إلى التأكيد على “استمرار ثورتنا وعلى مبادئها وثوابتها حتى إسقاط النظام، ولن نتنازل عنها ولا أحد من دول العالم له الحق في تقرير مصيرنا أو لهم الوصاية علينا”.

وأضافت: “نحن فقط من يقرر ذلك، فنحن من دفعنا الثمن وقدمنا مليون شهيد ومئات الآلاف من المعتقلين والمعتقلات في سجون الأسد و13 مليون مغترب”.

وأكدت هي وآخرون رفضهم القاطع “الحملة العربية القائمة على التطبيع مع الأسد وإعادته إلى جامعة الدول العربية دون الاكتراث للمجازر التي ارتكبها بحق ملايين السوريين”.

وقال الناشط السوري، مهند السعيد، لموقع الحرة: “بعد 12 عاما من القتل والاعتقالات والمجازر والتهجير والقصف بالكيماوي وقتل الأطفال واغتصاب النساء من قبل عصابة الأسد، بدأ حكام العرب والعالم التطبيع مع الأسد وتخلوا عنا”.

وأضاف الناشط المقيم في شمال سوريا أنهم سيخرجون في تظاهرات لتوجيه رسالة إلى العالم من أجل من أجل عدم التطبيع  مع الأسد، ودعا شعوب الدول العربية إلى الوقوف ضد هذه المحاولات لأن نظام الأسد لن يجلب لهم سوى “تهريب المخدرات والكبتاغون”.

وتداول ناشطون مقطعا لمسيرة خرجت للتنديد بمساعي التطبيع، وفيه، يسمع صوت هتاف: “يادولنا العربية، إحنا اللي بنمثل سوريا”:

    مدينة الباب قبل قليل #التطبيع_مع_الأسد_خيانة

    يا مصر والإمارات أسمعوا منا العبارات..

    واسمعي يا السعودية صوت الشعب بسورية.. pic.twitter.com/gmQLjwYYKp

    — أبو صبحي الغريب (@Sophe_Syria) April 16, 2023

    #لا_للتطبيع_مع_الأسد_المجرم

    A new campaign launched by Syrian Activists inside and outside Syria to affirm refusing normalization with Criminal Assad who killed and dislaced more than 10 million Syrians

    It will start on Sunday April 23.#NoNormalizationWithCriminalAssad pic.twitter.com/LVWynnSCEm

    — @Mr.Alhamdo (@Mr_Alhamdo) April 17, 2023

وأضافت “ياسمين” في تصريحاتها لموقع الحرة أنه “لو طبع معه العالم بأسره لن نتنازل عن إسقاطه”.

وتشير إلى أن هذه الحملة ستستمر أياما بالتزامن مع مظاهرات في مدن الشمال السوري والخارج، يوم الأحد 23 أبريل. وأشارت في حسابها على تويتر إلى التحضير “لمظاهرات ثورية حاشدة”:

    حملة أطلقها ناشطون سوريون رفضاً لتطبيع الدول مع نظام الأسد المجرم.

    مؤكدين استمرار الثورة حتى إسقاطه ومحاسبته.

    الحملة تستمر لأيام، تحضيراً لمظاهرات ثورية حاشدة متزامنة يوم الأحد 23 نيسان،في كل مدن الشمال السوري المحرر،وعدد كبير من دول المهجر (أوربا)#لا_للتطبيع_مع_الأسد_المجرم pic.twitter.com/b65EFRbpUi

    — Yassmin (@Yassmin_ya1) April 17, 2023

كانت الحكومات العربية نبذت نظام الرئيس السوري على نطاق واسع بسبب قمعه المتظاهرين، عام 2011. وبلغ الانهيار في العلاقات ذروته بعد تعليق عضوية سوريا في جامعة الدول العربية.

ومع ذلك، وخلال السنوات الأخيرة، مع تعزيز الأسد سيطرته على مناطق واسعة في البلاد، بدأ جيران سوريا في اتخاذ خطوات نحو التقارب.

وتعهدت مجموعة من قادة المنطقة خلال اجتماع في جدة بمواصلة المحادثات للتوصل إلى حل سياسي للصراع السوري، لكنها لم تصل إلى حد تأييد عودة دمشق إلى الجامعة العربية.

وفي غضون أسبوعين، وصل وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، إلى الرياض، وتبع الزيارة إعلان البلدين عن تحركهما نحو إعادة فتح السفارتين واستئناف الرحلات الجوية للمرة الأولى منذ أكثر من عقد.

ووصل وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، الثلاثاء الماضي، إلى دمشق، والتقى الأسد، وكانت تلك أول زيارة له إلى دمشق منذ أكثر من عقد.

فيصل بن فرحان مع الأسد في دمشق

خطوة بعد خطوة.. لماذا تسارعت وتيرة التطبيع بين الرياض ونظام الأسد؟

يكسر وصول وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، إلى العاصمة السورية دمشق، الثلاثاء، حاجزا جديدا على طريق التطبيع بين الرياض والنظام السوري، ورغم أن الرواية الرسمية للمملكة تشير إلى أن الانعطافة تأتي في إطار “استئناف الخدمات القنصلية”، تذهب جملة من المعطيات المفروضة إلى خلاف ذلك.

وفي إطار الحملة الرافضة للتطبيع، تحدث ناشطون سوريون من مدن مختلفة في هذا المقطع عن رفضهم للتطبيع:

    #لا_للتطبيع_مع_الأسد_المجرم pic.twitter.com/RbmmOO4XLI

    — د.عبد المنعم زين الدين (@DrZaineddin) April 20, 2023

ونشر نشاطون مقاطع سابقة تذكر بالانتفاضة التي خرجت ضد النظام  في 2011:

    ” الشعب يريد إسقاط النظام “

    حمص اعتصام الساعة

    18/4/2011#مجزرة_الساعة #لا_للتطبيع_مع_الأسد_المجرم pic.twitter.com/RDm9HJM76o

    — Yassmin (@Yassmin_ya1) April 18, 2023

    في مثل هذا اليوم ١٨/٤/٢٠١١ كانت مجزرة الساعة في حمص التي أعلنت نقطة اللاعودة في الثورة السورية pic.twitter.com/b7vtpjouGW

    — محمود الحموي (@mahmod1989512) April 18, 2023

وبالتزامن مع الحملة الأخيرة على الإنترنت، طالب الناشط السوري الذي يعرف باسم “حفار القبور” أمام اللجنة الفرعية لشؤون الشرق الأوسط في مجلس النواب الأميركي، الثلاثاء الماضي، بتشديد العقوبات الأميركية على الأسد.

ودعا “حفار القبور”، وهو سوري شهد مقابر جماعية وقال إنه أجبر على حفرها بناء على أوامر من نظام الأسد، إلى المساعدة في الضغط على الدول التي ترغب في التطبيع، كما دعا واشنطن إلى التعهد بعدم إعادة العلاقات مع النظام، وزيادة العقوبات المفروضة عليه.

وتسارعت وتيرة مبادرات التطبيع منذ الزلزال القوي الذي ضرب تركيا وسوريا في السادس من فبراير الماضي، ثم إعادة العلاقات التي توسطت فيها الصين بين السعودية وإيران، والتي دعمت أطرافا متعارضة في الصراع السوري.

وتجري مصر وسوريا مفاوضات “متقدمة” لاستعادة العلاقات الدبلوماسية بشكل كامل، وفق تقرير لصحيفة وول ستريت جورنال، بعد أكثر من عقد على قطعها. وجاءت هذه الأنباء بعد زيارة وزير الخارجية المصري، سامح شكري، إلى دمشق في أواخر فبراير الماضي، وكانت تلك أول زيارة لمسؤول مصري إلى سوريا منذ أكثر من عشر سنوات. وتبع ذلك زيارة المقداد إلى القاهرة.

وفي نهاية عام 2018، أعادت الإمارات فتح سفارتها في دمشق، وزار الأسد أبوظبي، في مارس 2022، في أول زيارة له إلى دولة عربية منذ الحرب. وخلال استقباله الأسد في مارس 2023، اعتبر الرئيس الإماراتي، محمد بن زايد، أنه حان الوقت كي تعود دمشق إلى الحاضنة العربية.

وتستضيف السعودية القمة العربية القادمة، في مايو، حيث من المتوقع على نطاق واسع أن تكون عضوية سوريا على طاولة النقاشات.

وعارض بعض أعضاء الجامعة، وخاصة قطر، عودة دمشق.

أما الولايات المتحدة فقد أقرت استثناءات للعقوبات الاقتصادية من أجل إيصال المساعدات الإنسانية عقب الزلزال المدمر، إلا أنها أكدت أنها لن تطبع علاقاتها مع نظام الأسد.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، نيد برايس، في فبراير، بعد وقوع الزلزال مباشرة: “قد نشجع التطبيع” فقط في حال قدم نظام الأسد خارطة طريق نحو إجراء انتخابات حرة.

وقال المتحدث باسم الخارجية الأميركية، فيدانت باتيل،: “لن نطبّع العلاقات مع نظام الأسد”، مشددا على أن الإدارة الأميركية لا تشجّع أحدا على هذا التطبيع بغياب أي تقدّم حقيقي نحو حل سياسي.

الحرة / خاص – واشنطن

الحرة

——————————–

لن يقدم شيئا والفظائع ستزيد.. سياسيون ومثقفون سوريون يحذرون من التطبيع مع النظام

إسطنبول – تلفزيون سوريا

حذّر سياسيون ومثقفون ومعارضون سوريون من مساعي استعادة النظام السوري إلى “الحاضنة العربية”، مؤكدين على أن عودته إلى الجامعة العربية “لن يكون لها أي آثار إيجابية، لا على أمن الدول العربية ولا على أحوال السوريين ومصيرهم”.

جاء ذلك في بيان، صدر أمس الجمعة، وقّع عليه مجموعة من الشخصيات السياسية والثقافية والمدنية السورية المعارضة، بينهم: برهان غليون ورياض حجاب ومعاذ الخطيب وحسن عبد العظيم وعبد الحكيم قطيفان وجمال سليمان وهند قبوات وآمنة خولاني وسمير سعيفان ورائد الصالح ومحمد يحيى مكتبي، وآخرون.

وقال البيان إن “مخاطر تفكك سوريا وضياع هويتها دون أفق واضح لحل سياسي وعادل، سببه الرئيس تعنّت النظام، ورفضه التعاطي مع مقتضياته”، مضيفاً أن “بقاء الجرح السوري نازفاً، وارتهان الوضع السوري لأجندات قوى خارجية، ومصادرة إرادة الشعب السوري، لا يمكن أن تؤدي إلا إلى استمرار المعاناة السورية وزعزعة الاستقرار الإقليمي والدولي، وتغذية التطرف المحلي والإقليمي”.

النظام السوري غير قادر على الوفاء بأي التزامات

وأوضح البيان أنه “بالرغم من التغيرات العميقة التي جرت وتجري في الإقليم والعالم، وحاجة العديد من دول المنطقة للتكيف معها، لم يطرأ أي تغيير على الظروف والأسباب التي دعت إلى عزل النظام وتعليق عضويته في جامعة الدول العربية”، مؤكداً على أنه “لا يجوز أن يستعيد نظام أعلن الحرب على شعبه وقصفه بالبراميل المتفجرة والسلاح الكيماوي الشرعية التي فقدها بأفعاله”.

وأشار إلى أنه “لا يوجد أي سبب يدعو للاعتقاد بأن النظام قادر على الوفاء بأي التزامات أو تعهدات لقاء إعادته الى الصف العربي، فهو لا يملك الرغبة ولا الامكانية للحد من سلطة المليشيات الطائفية التي تتلقى أوامرها من وراء الحدود، ولا لاحتواء الفساد الذي تغرق فيه جميع مؤسساته ودوائره، ولن يصل من المساعدات المالية التي يسعى للحصول عليها حتى النذر اليسير لتحسين أوضاع السوريين المعيشية، ولا من تلك المتصلة بإعادة الاعمار”.

وأضاف أن “النظام الذي لم يقدم شيئا طوال سنوات من التفاوض الصوري، سوف يستمر في التهرب من القيام بأية إصلاحات جوهرية على مؤسساته الأمنية والعسكرية، وفي تجنب إحداث أي تغيير في بنيته القائمة منذ 60 عاماً، ولم يتعامل بجدية مع عملية سياسية تسفر عن حل شامل وعادل للمسألة السورية، ورفض إجراء انتخابات حرة ونزيهة بإشراف عربي وأممي، ويسري الأمر نفسه على التعامل مع ملف المعتقلين والمختفين قسرياً”.

لا آثار إيجابية للدول العربية أو للسوريين

ووفق بيان الشخصيات السورية، فإنه “لا يمكن لنظام طرد، عن سابق تصميم، ملايين المهجرين السوريين أن يقنعهم بطي صفحة الماضي، ولا أن يسعى إلى توفير بيئة آمنة لعودتهم، ولا يستطيع حتى الحد من إنتاج المخدرات، وخاصة الكبتاغون، بعد أن تحولت سوريا إلى دولة مخدرات، ولا في السيطرة على أمراء الحرب الذين تحولوا الى زعماء مافيات”.

وأكد البيان أنه “مهما سعت الدول العربية إلى إغرائه لم يعد يملك، بعد ما أصابه من فساد وترهل وإنهاك، وسائل ضبط حدوده مع دول الجوار، كما لا يمكنه التغلب على العقوبات الغربية المفروضة عليه”.

ولفت إلى أنه “لن يكون لعودة النظام إلى الجامعة العربية أي آثار إيجابية، لا على أمن الدول العربية، ولا على أحوال السوريين ومصيرهم، ولكنه سيفسره النظام كانتصار له، فالعرب، كما يرى، هم الذين عادوا إليه دون أن يتغير، ولم يعد هو إليهم، وهو ما يدفع به إلى المزيد من الغطرسة والاعتقاد أن القوة وحدها هي التي تنفع”.

وختم البيان بالقول إن “أي مدخل لمعالجة القضية السورية يجب أن يكون مرتبطاً بالحل السياسي المستند إلى القرارات الدولية، خاصة القرار 2254، والذي بدونه لا يمكن تحقيق الاستقرار في سوريا، واستعادة سيادتها على كامل أراضيها، وإخراج القوات والمليشيات الأجنبية المقيمة فيها، وإطلاق عملية إعادة الاعمار، وعودة اللاجئين إلى أماكن سكناهم الأصلية، ونبذ العنف، والقضاء على التطرف والإرهاب، ورفض الطائفية بكافة أشكالها، بحيث تكون المواطنة وحدها هي التي تنظم علاقة الإنسان بالدولة”.

وشدد بيان الشخصيات السورية على أنه “في جميع الأحوال، من أجل استقرار سوريا والمنطقة، لا يجوز أن يكون التطبيع مجانياً مع النظام الذي ألحق بالغ الضرر بأمن شعبه وأمن الدول العربية”.

لقراءة البيان كاملاً: هنا

والباب مفتوح للتوقيع على البيان عبر الهاتف هنا،

وعبر البريد الإلكتروني هنا.

————————————–

عن الأسد.. والتطبيع والثقب الأسود/ طارق بلال

التحول المفاجئ الذي طرأ على سياسات ومواقف عواصم مختلفة، عربية وإقليمية، ليس مفاجئاً تماماً، والعودة لجامعة الدول العربية لن تكون كذلك أيضاً، فالأسباب المعلنة صبيحة تجميد عضوية النظام في الجامعة لم تكن مقنعة في الأساس، البطش الذي قابل به الأسد معارضيه صدر عن عقلية بوليسية تحكم شعوب المنطقة برمتها، بل إن انتصار الأسد في معركته ضد الإرادة الشعبية كان رغبة كل النظم العربية ومطلب كل الثورات المضادة، ولكن قرار تجميد العضوية آنذاك كان خليطاً من النزول عند رغبة شارع عربي يغلي وفرصة عزيزة لتصفية حسابات قديمة على مائدة التراشق بين الاعتدال والمقاومة.

ولأن المشهد السوري لا يمكن اختزاله بملف اللاجئين والعودة الآمنة كما يجري الترويج له مؤخراً، لن يجد الأسد في قطار التطبيع طوق نجاة، لكن قطار التطبيع سيمضي بمن فيه نحو الهاوية. ذلك أن الملف السوري لم يعد قابلاً للإغلاق على المدى القريب، إنه كمون متجدد لأزمات داخلية وإقليمية غير منتهية، كما أن المنطقة بالأساس غير مستقرة، وعودة اللاجئين بحد ذاتها تحدٍ اقتصادي وأمني يصعب اجتيازه، وحتى لو بدا الأسد اليوم منتصراً لكنه بكل تأكيد أضعف بما لا يقارن مع ما كان عليه قبل الثورة، والتحديات أكثر تعقيداً بما لا يقارن أيضاً، وأما الحكم بالخوف فقد ذهب بلا رجعة، ليس على يد الأسد على أية حال.

مصالحة أم استسلام

في البيانات الصحفية الصادرة عن خارجية المملكة العربية السعودية عقب تبادل الزيارات على مستوى وزراء الخارجية، تلخيص وتأكيد، تلخيص لما تراه المملكة معالم أساسية لخارطة طريق التطبيع مع الأسد، وتأكيد على انزلاق المملكة نحو المزيد من السمعة السيئة في ملفي الحقوق وإدارة النزاعات.

وأما عن تفعيل عضوية سوريا في الجامعة العربية، فلا تزال جهود المملكة تصطدم ببعض الأصوات الرافضة، بيد أن المملكة قادرة بما لديها من موقع ودور وأدوات على تذليل الصعوبات أمام دخول بشار الأسد أبواب الجامعة العربية وطي صفحة قطيعة استمرت عشر سنوات ولا تزال أسبابها “المعلنة” مستمرة.

ربما لا يحظى هذا الحدث باهتمام الكثيرين، فالجامعة العربية لا تمتلك رصيداً معتبراً لدى غالبية جمهورها من شعوب المنطقة، ولكن في واقع الأمر من شأن هذا التطور أن يلقي بظلاله بشكل واضح على الموقف الدولي من نظام الأسد، حيث إن الأعراف الدبلوماسية تنظر لموقف الجامعة العربية بوصفه إجراءً سياسياً عاماً وفاعلاً، لا مجرد إعلان ذي طبيعة رمزية كالدعم الإنساني لمتضرري الزلزال.

التراجع الأميركي

لم يعد هذا التراجع حديثاً وتكهنات، بعد ما تسرب من وثائق سرية صادرة عن وكالة المخابرات الأميركية، وما أعقب التسريب من ظهور للسيد وليام بيرنز مدير الوكالة المذكورة مؤكداً أن أميركا قوية بأحلافها. ورغم أنه أراد بقوله هذا رد الاعتبار لحلفاء أميركا الذين شعروا بالإهانة نتيجة تعرضهم للتجسس من حليفهم الأميركي، لكن الرسالة التي جاءت بين السطور هي أن أميركا لم تعد الأقوى إلا بوصفها الأوسع حلفاً، إنها صيغة إقرار بتراجع النفوذ الأميركي العالمي.

وفي الحديث عن الحلفاء نرى الرئيس الفرنسي ماكرون مبتعداً نحو أقصى الشرق خاطباً ود الصين وصداقتها وصفقات تجارية بمئات المليارات، ونرى القوات التركية تقصف موكب زعيم ميليشيات قوات سوريا الديمقراطية رغم الحماية الأميركية للموكب، ونرى المملكة العربية السعودية تلتفت نحو الصين ناشدةً التقارب مع إيران، عدوها وعدو الولايات المتحدة الأميركية، ونرى مصر وتركيا والسعودية يهرولون صوب الانضمام لمجموعة بريكس المناوئة لمصالح الولايات المتحدة الأميركية.

في النظام العالمي الجديد جاري التشكل لم تعد الغلبة للمنتصر في الحرب العسكرية الكلاسيكية، بل إن لكل من الاقتصاد والغذاء والتكنولوجيا دوراً متقدماً وهو ما جعل النظام القطبي ينكفئ تدريجياً.

يجري هذا كله بينما لم تجد الإدارة الأميركية اليوم من واجب اتجاه تطورات الملف السوري سوى الإعلان عن تصعيد جديد يستهدف زعيم جماعة مسلحة في مناطق سيطرة المعارضة، بوصفها جماعة متشددة اختارت لنفسها اسم حراس الدين.

وفي الموقف من نظام الأسد، أظهرت إدارة بايدن موقفاً أقل صرامة في فرض عزلة عربية ودولية على دمشق، بالمقارنة مع الإدارة الأميركية السابقة، التي استطاعت عبر قانون قيصر تعطيل سكة إعادة الإعمار ووقف عمليات الدعم النقدي الكبيرة.

ومن المرجح أن ترحيباً من جامعة الدول العربية بعودة نظام الأسد سيجعل الموقف الأميركي أكثر ليونة ويضع مسارات جنيف وأستانا في مهب الريح، ليصبح المنطلق هو واقع انتصار الأسد على خصومه، ويبدأ الحديث عن مصالحة أهلية بعيدة عن ما تقرر حتى الآن من قرارات الأمم المتحدة وعلى رأسها القرار ٢٢٥٤.

صنع في الصين

من صنعاء إلى دمشق، تسير الرياض بخطوات مسرعة نحو طهران، بدافع من المصلحة ما لم يكن بدافع الثقة المتبادلة. وحيث بناء الثقة بحاجة –إلى جانب تقاطع المصالح_ إلى وقائع وضمانات، فإن من المبكر الحديث عن الكفاءة الدبلوماسية لبكين كضامن في حل النزاعات، رغم أن كفاءتها الاقتصادية المشهودة مصدر جذب وطمأنينة.

وبينما تجد المملكة في الصين طوق نجاة للخروج من حالة الاشتباك واستبدالها بواقع مستقر يدعم الاستثمار ويحمي طموحها في التنمية، فهي أيضاً على المدى البعيد ترى في الصين صمام أمان تعالج به مخاوفها من تراجع القدرة الأميركية واضطراب الدولار وسيطرة أجواء الحرب العالمية كما تلخصه البارجات في البحر الأحمر ومضيق باب المندب والمحيط الهادي ومياه المتوسط.

على الصعيد الآخر، تأمل طهران من الصين ما يتجاوز التبادل التجاري، إلى دعم استراتيجيتها في التوسع بالنفود مكان التراجع الأميركي والروسي في سوريا والمنطقة العربية، بوصفها قوة إقليمية قادرة على حفظ الهدوء، مستفيدة من وجودها إلى جانب روسيا والصين في خندق العقوبات الاقتصادية الغربية.

حيث كشفت مجلة بوليتيكو في عددها الصادر الأربعاء ١٢ أبريل/نيسان عن محادثات سرية تجريها إيران مع كل من روسيا والصين للحصول على مواد كيميائية خاضعة للعقوبات الغربية، تستخدم كوقود للصواريخ الباليستية، وهو ما سيضمن لنظام الملالي تطوير الصناعات العسكرية وزيادة القدرات القتالية.

هذه المقابلة تظهر جانباً من العجز لدى قيادة المملكة العربية السعودية، فالمساعي التوسعية لطهران لم تتوقف، ما يعني أن الكلفة الباهظة لحرب المملكة ضد أذرع إيران ووجودها في المنطقة العربية هي كلفة ضائعة، وبدلاً من الاستناد لما راكمته سياسة المواجهة من فاتورة مالية وأخلاقية باهظة، جرى التحول لسياسة المصالحة استناداً لاعتبارات اقتصادية وأمنية مهمة لكنها ظرفية، وخطوات متتالية تفتقد للمقابلة بالمثل.

قطار التطبيع

يحلو للصحافة الرسمية لدى بعض أنظمة الحكم العربية الإشارة إلى التهافت المحموم على التطبيع مع نظام الأسد بوصفه “انفراجة كبيرة”، والأصل من كلمة “الفرج”، يسرٌ بعد عسر، خيرٌ يحمله القدر على غير ميعاد، نسعد به ونصيح: جاء الفرج.

وهو ما يصلح ليكون أصدق التعبير عن لسان حال الأسد في دمشق، الضعيف المنهك المعزول، الفاقد للسيادة المغرق بالديون المهدد بالمحاكم المكبل بالعقوبات مستباح الحمى صباح مساء من كل الجهات، إنه عصيٌ على الإنقاذِ والرهانُ عليه خاسر، يتهافت عليه المسؤولون من شتى العواصم مهنئين مباركين التئام الشمل، ويا له من “لؤم”.

والحق أن التسمية جرت هندستها بعناية، كي تخفي خلفها ما لا يخفيه التطبيع مع دمشق، من العبثية وغياب الثوابت وضياع الجهود، لكنها لا تفشي سراً حين تجعل زعماء عرب وإقليمين على صعيدٍ واحدٍ والأسد، فالطغيان ملة واحدة.

خلاصة

في سوريا، عجلة الصراع تغيرت، والجديد الذي رافق دخول الثورة عامها الثاني عشر لا يقتصر على تبدل موقف أنقرة والرياض، بل على انزياح واضح في الخارطة الجيوسياسية في الشرق الأوسط، حاولت المملكة العربية السعودية مجاراة الواقع المتبدل، لكنها أخطأت في القراءة حتى من منظور براغماتي يقدم المصلحة المجردة، فالخطوة الواسعة التي أراد ولي العهد إنجازها قد توصف بالطيش أكثر من وصفها بالديناميكية، والفيصل في ذلك هو مآلات المشهد الجديد، رغم أن المأمول هو مشهد يقترب بالمملكة من رؤيتها الطموحة ٢٠٣٠، إنما المؤكد أنه مشهد سيعكس ما تعانيه المملكة اليوم في سياساتها، من سيطرة المزاجية وبعثرة الجهود.

—————————————-

تآمر الأسد-داعش تهديد للولايات المتحدة وحلفائها

منذ أن اعترف أحد قادة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في مقطع فيديو في كانون الثاني/يناير 2023 بتتبع أهداف مدرجة على قائمة اغتيالات أنشأتها أجهزة الأمن التابعة للرئيس السوري بشار الأسد، انتشرت المخاوف في جميع أنحاء شمال سوريا من قيام النظام بتجنيد أكبر جماعة إرهابية في المنطقة للقضاء على أعدائه المتبقين.

وأحد الأهداف المحتملة هي قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي يقودها الغالبية الكردية، وهي القوة القتالية الرئيسية في التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد داعش والذي يسيطر على معسكرين رئيسيين لمقاتلي داعش. وهناك المئات من أفراد القوات الأمريكية في شمال شرقي سوريا ويعملون بشكل أساسي إلى جانب قوات سوريا الديمقراطية ويقدمون المشورة.

كان ولا زال الدعم الأمريكي لقوات سوريا الديمقراطية نقطة توتر بين واشنطن وتركيا حليفها في الناتو. وتعتبر أنقرة قسد امتداداً لحزب العمال الكردستاني الذي يعمل داخل تركيا والذي تعتبره كل من الولايات المتحدة وتركيا منظمة إرهابية.

لكن العلاقة بين الولايات المتحدة وقسد تراجعت في السنوات الأخيرة. ففي عام 2019، سحب الرئيس الأمريكي آنذاك دونالد ترامب القوات الأمريكية من الحدود السورية، مما أعطى الضوء الأخضر للعمليات العسكرية التركية ضد القوات الكردية في شمال شرقي سوريا.

وفي السنوات الأخيرة، قوبلت الضربات الجوية التركية المتكررة والهجمات بالطائرات المسيرة على المنطقة بصمت من قبل واشنطن. ما دفع  قسد إلى التوجه نحو روسيا والنظام السوري للحصول على ضمانات أمنية. وبحسب قائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي، فإن جهود الوساطة التي تتم بوساطة روسية بين قوات سوريا الديمقراطية ودمشق مستمرة. وقد تحركت قوات النظام بالفعل إلى مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية في الشمال الشرقي لتعزيز الأمن.

العلاقات التركية السورية

في الوقت نفسه، تتطلع تركيا أيضاً إلى عقد صفقة مع الأسد. ويمثل هذا تحولاً كبيراً في السياسة الخارجية التركية نظراً لدعم أنقرة الطويل للمعارضة السورية خلال الحرب الأهلية.

وفي الوقت الذي جرت فيه محادثات منخفضة المستوى في السنوات الأخيرة، من المحتمل أن تكون الاعتبارات المحلية الملحة وتغيير الجغرافيا السياسية، بما في ذلك انتخابات أيار المحورية في تركيا، وراء المبادرات العامة الأخيرة.

ويواجه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ضغوطاً متزايدة وسط تصاعد المشاعر المناهضة للاجئين وسنوات من الاضطرابات الاقتصادية، بينما يظل مسألة إخراج قوات سوريا الديمقراطية من المنطقة المتاخمة لتركيا هدفاً إقليمياً رئيسياً.

وقال جيمس رايان، مدير الأبحاث وبرنامج الشرق الأوسط في معهد أبحاث السياسة الخارجية: “أعتقد أن الرغبة في السير في طريق التطبيع مع الأسد من أجل تقييد قوات سوريا الديمقراطية هي تكتيك قد تلجأ إليه تركيا بسبب انخفاض القدرة على الضغط على قوات سوريا الديمقراطية عسكريا بمفردها”.

ويرجع ذلك إلى زلزال السادس من شباط، الذي قوض الشهية العامة في تركيا لمزيد من العمليات العسكرية في سوريا، وكذلك بسبب عدم استعداد مماثل من جانب روسيا والولايات المتحدة للتعاون مع الرغبات التركية في احتلال المزيد من الأراضي السورية.

وقال رايان: “أشك في حدوث أي من هذا قبل انتخابات أيار، لكن إذا حدث ذلك، فمن المرجح أن يوصف بأنه بادرة إيثارية من جانب أردوغان، الذي يريد إظهار نفسه عالمياً على أنه صانع سلام.” مضيفاً: “والذي بدلاً من ذلك يشير إلى انخفاض رغبة تركيا وقدرتها على القيام بأي عملية عسكرية في سوريا”.

تسليح داعش

اذا ساومت تركيا الأسد وسمحت له باستعادة السيطرة على شمالي سوريا، فقد تكون النتيجة مماثلة لما جرى في درعا. يمكن لنظام الأسد أن يتطلع إلى تسليح مقاتلي داعش في الشمال الشرقي لمهاجمة قوات التحالف الدولي وقسد، مما يرضي تركيا ويوثق تلك الصداقة من خلال صد قوات سوريا الديمقراطية وربما تحفيز الانسحاب الأمريكي.

ومما يثير القلق أيضاً احتمال خضوع آلاف مقاتلي داعش لسيطرة النظام السوري. وهذا الأسبوع فقط، وصف قائد أمريكي بارز في الشرق الأوسط معتقلي داعش بأنهم “جيش حقيقي رهن الاعتقال”.

وأشار تشارلز ليستر، زميل سابق في معهد الشرق الأوسط ، إلى أن الأسد لديه سجل في استغلال الجهات المشكوك فيها أخلاقياً لتحقيق غاياته الخاصة، وقد مكّن الجماعات الجهادية السنية منذ الثمانينيات. وبعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق في عام 2003، شجع الأسد تدفق المقاتلين الأجانب إلى العراق للانضمام إلى القاعدة، مما ساعد على تشكيل داعش.

وفي عام 2011، وسط تنامي حركة الاحتجاج، أطلق نظام الأسد سراح العديد من الجهاديين من السجن، بمن فيهم عمرو العبسي، الذي أصبح فيما بعد مسؤولاً بارزاً في داعش. وأطلق النظام سراح العديد من الشخصيات الرئيسية في داعش في السنوات التي تلت ذلك.

النفوذ السوري

الآن، ومع اقتراب الحرب من نهايتها، ما الذي يمنع الأسد من استخدام خطوة مماثلة لهزيمة خصومه؟ وقال المحلل السوري مالك العبدة: “إذا تم استغلال داعش كوسيلة، فستكون المصالح الأمريكية على رأس قائمة الأهداف”.

وقالت ناتاشا هول، الزميلة البارزة في برنامج الشرق الأوسط في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، إن الانسحاب الأمريكي من شمال شرقي سوريا سيحفز على الهجرة الجماعية لجميع أولئك الذين لا يستطيعون العيش تحت سيطرة النظام أو السيطرة الروسية.

ومن المرجح أن يؤدي هذا إلى مزيد من زعزعة الاستقرار في جنوب شرق تركيا الذي لا يزال يعاني من الزلازل المدمرة الذي أودى بحياة ما يقرب من 50 ألف شخص.

في غضون ذلك، سيحكم “النظام” سيطرته كاملة على موارد البلاد النفطية والزراعية وعلى ما يقدر بـ 10 آلاف من أنصار داعش في المخيمات التي تديرها قوات سوريا الديمقراطية.

وأضافت هول: “السيطرة على الآلاف من أعضاء داعش والمتعاطفين معه من شأنه أن يزيد بشكل كبير من نفوذ النظام السوري على العالم، وليس فقط على الدول المجاورة، وسيكون هذا مصدر قلق بالغ”.

كتبه حنا واليس لصحيفة ديفينس بوست وترجمته نورث برس

نورث برس

———————————-

التّدريجية كأساس للتّفاهمات على خريطة طريق لسوريا؟/ راغدة درغام

تكثر الاجتهادات والتأويلات في محاولات فهم الاندفاع العربي لإعادة تأهيل سوريا في أعقاب الاتفاقية السعودية – الإيرانية برعاية وضمانات صينية، علماً أن أولى خطوات الانفتاح الكبير على الرئيس السوري بشار الأسد سبقت الحدث الثلاثي قامت بها الإمارات، فيما سعت مصر منذ فترة وراء تمهيد عودة النظام السوري إلى جامعة الدول العربية. أين تقع علاقة الأسد بكل من روسيا وإيران و”حزب الله” في شروط هذه العودة وظروفها؟ وهل تُصاغ اليوم بنودٌ لخريطة طريق تؤدي الى صفقة متكاملة وليس مجرد احتفائية تجميلية لعودة الأسد إلى الحضن العربي؟

السعودية ستستضيف القمة العربية الشهر المقبل، وقد بدأت بإعداد جدول أعمال القمة بالبراغماتية التي ترافق الرؤيوية، كما تبنتها القيادة السعودية بنهجها الجديد. الذين يعرفون الأداء السعودي يدركون أنه بعيد من الارتجالية، وأن رسائل الرياض متماسكة حتى في اقتضابها أو غموضها. وبحسب دبلوماسي خليجي ضليع في شؤون مجلس التعاون الخليجي، فإن الدبلوماسية الخليجية، وبالذات السعودية، تبني سياساتها ضمن مفهومها لحدود الممكن وحدود المستحيل.

رأيه أن الخوف من تقسيم سوريا ومن تزايد النفوذ الإيراني والروسي والتركي هو المحرّك وراء الاندفاع الخليجي نحو إعادة تأهيل الأسد، وأن خريطة الطريق تتضمن الأفكار العمليّة لتحسين الأوضاع الداخلية، وإنقاذ المعارضة السورية، والحد من النفوذ الإيراني “ضمن حدود الممكن، وتدريجياً”.

يضيف الدبلوماسي المخضرم أن الدول الخليجية لن تقبل بتعزيز الأسد إذا لم ينفتح على المعارضة ويحسّن الأوضاع الداخلية، وهذه الرسالة واضحة لدمشق. أما لجهة العلاقات مع إيران، فيعتقد الخليجيون أن الفرصة مُتاحة لتقليص نفوذ إيران في سوريا، بالتدريج، وبرضى بشار الأسد، لأن استمرار السيطرة الإيرانية لا يخدم سوريا، ولا يخدم الأسد، ولا يخدم الطائفة العلوية.

بكلام آخر، إن بشار الأسد في حاجة للتفلّت تدريجياً من القبضة الإيرانية، لأنه ليس قادراً على السيطرة على سوريا في ظل الهيمنة الإيرانية. وعليه، فإنه قد يجد في استعادة الارتباط عربياً وسيلة إنقاذ له بعدما تورّط في اعتماده الكلّي على إيران وعلى روسيا، لكن تدريجياً، وفي إطار صفقة إقليمية.

ما تقدّمه الدول العربية للأسد يشمل التعهد بإعادة إعمار سوريا بأموال عربية، وأن يكون فك العزلة عن سوريا جسراً لسوريا إلى العالم. يشمل أيضاً العمل الجماعي على تطويق النفوذ التركي بالتدريج، وليس فقط النفوذ الإيراني. وفي الرأي الخليجي، فإن الوجود العربي في سوريا يطمئن السوريين، وإن من مصلحة الأسد الانتقال إلى خانة طمأنة شعبه بدلاً من استمرار العداء معه. كل هذا مقابل “الالتزام” المكبّل من قِبل الأسد. فهذه عناصر صفقة وليست مزاج نزهة.

المطلوب من الأسد لجهة علاقاته مع “حزب الله” الذي حارب بجانبه ضد المعارضة السورية وبات فاعلاً وشريكاً ميدانياً مع إيران والنظام في دمشق، هو “فك الارتباط” تدريجياً، كجزء من الصفقة. الرأي الخليجي هو أن على سوريا، وليس فقط على إيران، أن تكفل عدم تمكين “حزب الله” من التمدّد في الدول العربية، وأن هذا يقتضي من رئيس النظام السوري “فك الارتباط” بينه وبين “حزب الله” تدريجياً. وبحسب تعبير مسؤول خليجي سابق، إن “حزب الله” “ظاهرة” طال عمرها طويلاً.

مصدر روسي مطّلِع على التفكير الإيراني نحو سوريا وتجاه الاتفاقية الثلاثية السعودية – الصينية – الإيرانية، يرى أن إيران ستسمح ببعض التغيير السياسي في سوريا، وأن روسيا لا تمانع لأن موسكو ترى في سوريا عبئاً يُثقلها اليوم وهي في حاجة للتركيز على الحرب الأوكرانية. معلوماته أن إيران ستتنازل عن بعض نفوذها لكن ليس عن وجودها العسكري في سوريا.

اللافت في معلومات هذا المصدر، أن إيران تفكّر في كيفية تحويل “حزب الله” إلى “أداة سياسية” بدلاً من بقائها “أداة ثورية عسكرية”. كيف؟ يقول الدبلوماسي الروسي السابق إن النظام في طهران يدرس كيفية تطوير وتعميق “دمج” “حزب الله” وشركائه وأمثاله من أتباع طهران “في الحياة السياسية” للدولة المعنية.

هذا وارد إذا تم الاتفاق على الصفقة المتكاملة. فـ”حزب الله” في رأي الدول الخليجية عدو مخرّب لها ولأمنها، ولجمه حاجة أساسية في الصفقة والتفاهمات.

لماذا قد تقبل طهران بهذا التغيير الجذري؟ يتفق الرأيان الخليجي والروسي على أن إيران في حاجة للخروج من الوضع الاقتصادي القاتم، ومن الأزمة النووية التي تجعلها معرّضة للمواجهة العسكرية، ومن العزلة السياسية. ولذلك قد تتقبّل التنازلات الضرورية في إطار صفقة التطبيع مع الدول الخليجية وما يترتب عليها من إنقاذ اقتصادي كما من إمكانية انفتاح الولايات المتحدة على رفع العقوبات عنها، إذا نفّذت التزاماتها ولطّفت سلوكها جذرياً.

إدارة الرئيس جو بايدن مستاءة جزئياً من هذه التطورات في منطقة الشرق الأوسط، حيث تبدو الصين في القيادة، لكنها في الواقع ليست مستاءة كلياً. والسبب هو أن هذه الإدارة ترحّب بأي ما يمكّنها من تجنب المواجهة العسكرية مع إيران.

ثم إن الرعاية الخليجية لتحويل مسار سوريا نحو البيئة العربية بعيداً من النفوذ الروسي والتركي والإيراني أمر لا يثير اعتراض واشنطن، بل العكس. هذا إضافة إلى ترحيب إدارة بايدن بأن تحل الدول العربية مكان عملية “أستانا” التي تضم روسيا وتركيا وإيران، في رعاية الحلول السياسية الداخلية في سوريا، بالذات نحو إقناع الأسد بالتنازلات أمام المعارضة.

إسرائيل مهمة لإدارة بايدن في المعادلة السورية إذا نجحت جهود دول عربية طبّعت مع إسرائيل في خلق الأجواء التي تؤدّي إلى التحاق سوريا، تدريجياً، في عملية فك الاشتباك الشامل مع إسرائيل، والوصول إلى مرحلة السلام والتطبيع. ذلك أن العنوان الأوسع والأعمق لاستراتيجية دول خليجية فاعلة هو الابتعاد من المواجهات ومعالجة الخلافات وحل النزاعات في كامل منطقة الشرق الأوسط، تدريجياً وبدبلوماسية جديدة نوعياً.

الدبلوماسية السعودية أوضحت تطلّعاتها على مستوى ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، عندما تحدّث في مؤتمر FII عام 2019 عن “حلم” يعتزم تحويله إلى واقع، حلم تحويل منطقة الشرق الأوسط إلى أوروبا جديدة بعيدة من النزاعات الأيديولوجية والسياسات المتطرفة. ثم في اختتام قمة جدّة للأمن والتنمية بمشاركة قادة وزعماء دول مجلس التعاون والولايات المتحدة ومصر والعراق والأردن منذ حوالي سنة، أكّد رؤية تضع في أولوياتها تحقيق الأمن والاستقرار والازدهار، داعياً إيران إلى التعاون مع دول المنطقة لتكون جزءاً من هذه الرؤية. استضافة السعودية للقمة السعودية في مايو (أيار) تشكل موعداً مهماً في إطار التنفيذ البراغماتي للرؤية، لا سيما في أعقاب الاتفاقية السعودية – الإيرانية – الصينية، وسوريا تشكل محطة امتحان.

إذا صدقت التوقعات بجهوزية بشار الأسد لاستبدال اعتماده على روسيا وإيران و”حزب الله”، بانفتاحه على الإصلاح الداخلي والتحاور مع المعارضة وفتح أبواب سوريا لعودة المهاجرين السوريين إليها، تكون الدبلوماسية الخليجية قد أحدثت انقلاباً في فكر الأسد واستراتيجيتها. بغضّ النظر إن اندفع الأسد نحو هذا التغيير الجذري، أو إن دُفِعَ إليه، إن نتائجه، في حال اعتماده حقاً وصدقاً، ستكون ذات فوائد لسوريا وللدبلوماسية الخليجية. لكنّ العبرة في التنفيذ.

لن يكون سهلاً على الأسد، حتى ولو اقتنع، أن يستأذن الانفصال عن الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي هي شريك استراتيجي له ولأبيه. روسيا قد تعطيه الإذن للاستقلال نسبياً عنها لأن المبادرة العربية نحوه تريدها روسيا وسعت وراءها، ولأن العلاقات الروسية – الخليجية توسّعت والمصالح الروسيا تقتضي التركيز على أسواق النفط بدلاً من التمسك بما بات اليوم عبئاً عليها، فيما بالأمس كان أولوية استراتيجية.

إيران أكثر تعقيداً وحذاقة، ثم إن “الحرس الثوري” ليس جاهزاً لفسخ عقده مع النظام في دمشق ولا مع “حزب الله” في لبنان. وهنا تكمن المشكلة. الأمر أكثر تعقيداً لأن السيطرة الإيرانية على سوريا هدف استراتيجي للنظام في طهران، وقادة الحرس الثوري غير متحمّسين للمشاركة في تنفيذ اضمحلال النفوذ الإيراني في سوريا.

“تدريجياً”، يقول الذين يقرأون بين سطور الصفقة المتكاملة التي تُدرَس وما زالت قيد الإعداد. حسناً، فليكن التأنّي بوصلة نحو الثقة. ولتكن الثقة بوصلة الامتحان.

النهار العربي

—————————

عن ابتزاز العرب للسوريين بالتطبيع مع الأسد/ إبراهيم الجبين

لم تتوقف محاولات تغيير الذهنية السورية لحظة واحدة، منذ أن رفض السوريون الاعتراف بحدود “سايكس بيكو”، وهي خطوط الزلازل الاستعمارية التي كان ولا يزال العالم يريد أن يفرض عليهم قسراً اعتمادها كمدخل لهُويَّة وطنية أرادها هو أن تكون هكذا، بالقوة، لا بفعل فهم المجتمعات وطبيعتها وتوجُّهاتها وخدمة لمصالحه الإستراتيجية المختلفة.

وبعد أن قَبِلَ السوريون على مَضَض أن يكتفوا بهذا القدر من الخرائط، مُبقِين على نهجيْنِ؛ رسمي متوافق مع ما يريده الأقوياء من حولهم، وآخر وجداني وقِيَمي تمسكوا به في ضمائرهم وطموحاتهم وحتى إنتاجهم الفكري، عاد الغرب ليفرض عليهم مجدداً خارطة جديدة مثّلتها الحالة الإسرائيلية التي لم تنفك تؤثر في ما حولها، عرقياً ودينياً – طائفياً. ليتواصل صراع تم استثماره من كل حَدَب وصَوْب وبكافة السبل، وكان السوريون وحدهم مَن يدفع الثمن دوماً، عَبْر ابتزازهم كل مرة بشأن ما هم مؤمنون به.

أنتج ذلك نمطاً من الحياة والعلاقة ما بين الحاكم والمحكوم، قائماً على القسر والقهرية لا من أجل الخرائط هذه المرة، بل حول الحياة نفسها، شكلها ومستواها، والمدى المسموح للسوريين بأن يتحركوا ضمن نطاقه، وذاك المحظور عليهم.

في الاقتصاد والثقافة والعلاقات بالجوار، كما في التعليم والتنمية والصناعة، في المجتمع السوري ومركّباته وشرائحه، مثلما هي الحال في عالم الفكر والتحليل والنقد واجتراح الحلول المستقبلية لأي مشكلة تظهر، وهكذا تم وضع الحد الذي لا يحق للسوريين كسره أو حتى الاقتراب من حوافه. إلا أنهم حطّموا ذلك الخط في عام 2011 وإلى الأبد.

قصة “إلى الأبد” هذه، هي ما يختلف عليه غير السوريين مع أبناء هذا الشعب الذي واجه صنوف النكبات خلال العشرية الماضية (والتي يُراد لها أن تشبه العشرية الدامية في الجزائر للقول إن أسباب الاثنتين واحدة وهي مواجهة التطرف الإسلامي) وما قبلها دون أن يرف له جفن أو يفكر حتى بالتراجع عما مضى فيه.

يعتقد الملوحون بالتطبيع مع الأسد، بعد كل ما ارتكبه من جرائم بحق الإنسانية والقوانين الدولية وبحق شعوب المنطقة لا الشعب السوري وحده، عبر إغراقها بالكبتاغون، أن الزمن لا بد وأنه تكفّل بالأمر، واستطاع إقناع السوريين بغض أنظارهم عن تلك المطالب والشعارات التي رفعوها ليس ضد الأشخاص في البداية، بل ضد شكل حياة ونمط عيش وتفاعل وإنتاج لم يعد قابلاً للاستمرار.

الأنظمة العربية التي تمضي اليوم في التطبيع مع الأسد، لا تمتلك ذاكرة ولا خبرات كافية للتعامل مع نظام أكثر قدماً منها في المنطقة، بحكم كونه امتداداً لنظام الأسد الأب، بينما سعودية بن فرحان هي ليست سعودية سعود الفيصل، وقد تغير الكثير منذ ذلك الحين، في الداخل والخارج، ولا مصر السيسي هي مصر مبارك، ولا الجيش المصري هو جيش العبور وحرب تشرين التي شارك فيها جيش سوري آخر غير هذا الذي قتل السوريين وهدم المدن السورية فوق رؤوس الأبرياء، ويختلط ذلك مع العديد من الأوهام والتصورات التي لا تمتّ لعالم الواقعية بصلة، بقدر ما تعتمد على القفز في الفراغ والخطوات غير المحسوبة وغير المستندة إلى وثائق ووقائع على الأقل في العلاقات الثنائية، إذ لطالما نكل نظام الأسد بالسعوديين وبارزهم وهدد أمنهم، ولكنهم يطوون صفحة هذا كله بذريعة طيّ سجل “الصحوة” والعهود القديمة، والحقيقة أن تاريخ السعودية لا يقتصر على الدعاة والمتشددين، فقد كان لثبات السعودية في مفاصل مهمة وحساسة من التاريخ العربي المعاصر بالغ الأثر، وكان ذلك بفضل الطبقة السياسية التي تصنع القرار وتدير العلاقات الخارجية للرياض حول العالم.

إذاً نحن أمام بداية جديدة لعلاقات تتلمس طريقها في الظلام، تعيد تصفير عداد الأسد، ولكن أكثر ما يشوب هذه الرؤية من خلل، هو اعتمادها على السذاجة السياسية في التعاطي مع فكرة أن الأسد لم يتغير هو الآخر. نعم بقي في السلطة، ولكنه لم يَعُدْ رئيس دولة، ونعم بقيت مؤسساته، لكن لم تعد مؤسسات دولة أو شبه مؤسسات دولة كما كانت، فسورية ما بعد الحرب ليست كسورية ما قبلها، وسرعان ما سيتضح ذلك مع التقلص الكبير للدور الإقليمي والعالمي الذي كان يقوم به الأسد الأب وبقية سنوات حكمه ميتاً حتى اندلاع ثورة الشعب على ابنه. وإيران التي ابتلعت النظام السوري كاملاً بدهنه وعظامه وما تبقى من لحمه لن تعطيه لأحد من أعدائها لقمة سائغة، وبناء على ذلك فإن صراعاً جديداً ينفتح بالتطبيع العربي مع الأسد، لن يؤثر على مسار الثورة السورية سلباً إذا تم فهمه بشكل معمق، ولن يتوقف حتى على مواقف هياكل المعارضة السورية المهتزة والتي لا تجرؤ على قول  (لا) في وقتها المناسب، ولا النطق بـ (نعم) حين تكون الفرصة سانحة.

التمهيد الطويل المتلعثم لما أسموه تطبيعاً مع الأسد، ومن ثَمّ الخطوات اللاهثة وراءه، والتي بدت (نكاية بالطهارة) أكثر من كونها إستراتيجية دول، لا يجب أن يتعامل معه السوريون الرافضون لبقاء الأسد على أنه قادر على ابتزازهم عاطفياً، ومحاولة تغيير وجدانهم العميق عبثاً، فهم لن يتغيروا لا اليوم ولا غداً، ولا يجب أيضاً نسيان أن اللحظة التي قامت فيها ثورتهم كان الأسد يتمتع فيها بعلاقات كاملة مع العالم كله، بما فيه العالم العربي، وأن قطع العلاقات لم يغير شيئاً سوى أنه ترك الأسد المتوحش المجنون مع الأبرياء في غرفة مغلقة يفعل بهم ما يشاء، فقاطعوه بذريعة رفض سلوكه، ولكنهم كانوا في حقيقة الأمر، يخلّون بينه وبين الضحايا دون أن يتدخلوا جدياً لإنقاذ السوريين من براثنه، ويفسحون له المجال ليحافظ على بقائه مهما كان الثمن.

المعادلة باختصار تقول للسوريين: إما أن تتخلوا عن كونكم مصدر إشعاع فكري وحضاري وتحرُّري للعالم العربي والعالم كله وإلا فسوف نستبدلكم بقاتلكم. وهذا المطلب يعني تخلي السوريين عن دورهم الذي لا يملكون غيره عبر تاريخهم الذي يعود إلى عشرة آلاف عام مضت قبل ظهور كل هذه الكيانات التي لن تصمد أمام عاصفة رملية قد تهب من هذه الجهة أو تلك.

إلا إن كان للتطبيع العربي مع الأسد سيناريو آخر لا يعلمه حتى المطبّعون معه، وهذا مقام آخر لحديث آخر.

 إعلامي وكاتب سوري يقيم في ألمانيا – مدير تحرير نداء بوست، صدر له العديد من الكتب والأفلام الوثائقية والبرامج الحوارية

———————————–

مبادرة “قسد” للحل في سياق التطبيع مع النظام السوري/ بشير البكر

تقدمت “الإدارة الذاتية” التابعة لـ”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) بمبادرة للحل في سورية، بضوء أخضر أميركي، وبالتزامن مع الانفتاح الإقليمي على النظام السوري، الأمر الذي يشكل مصدر أهميتها، والمدخل للاهتمام بها من قبل الأطراف المعنية بالمسألة السورية.

تتضمن المبادرة، التي أعلنت عنها “الإدارة الذاتية” في 18 إبريل/نيسان الحالي خلال مؤتمر صحافي في مدينة الرقة، تسع نقاط، منها الاعتراف بوحدة سورية، مع ضرورة الاعتراف بالحقوق المشروعة لمكونات المجتمع السوري، واعتماد نموذج الإدارة الذاتية في كل البلاد، وتوزيع عادل للثروات بين كل المناطق السورية.

ومن النقاط التي جاءت عليها المبادرة، التأكيد على استعداد الإدارة لاستضافة النازحين واللاجئين في مناطق سيطرتها، ومكافحة الإرهاب. ومقابل تأكيد “الإدارة الذاتية” على خروج القوات التركية من الأراضي السورية، دعت الدول العربية والأمم المتحدة وجميع القوى الفاعلة في سورية إلى تأدية “دور إيجابي وفعال”، يضمن حلاً مشتركاً بينها وبين النظام والقوى الوطنية الديمقراطية (المعارضة).

هذه ليست المرة الأولى التي تتقدم فيها “قسد” بمبادرة للحل، ولكنها الأولى التي تطرح بعض الاقتراحات القابلة للدرس والتطبيق، في ظل الوضع السوري الذي يعيش جموداً تاماً ويفتقر إلى مساعي جادة للحل.

أهداف مبادرة “قسد”

أهداف “قسد” من المبادرة متعددة، يأتي في الصدارة منها حجز مكان على طاولة مفاوضات الحل عندما يأتي أوانها، فهي لا تريد أن يتحرك قطار التسوية من دون أن يكون لها مقعد محجوز سلفاً.

وهي بذلك تتقدم إلى حجز المقعد بنفسها، ولا تنتظر من أحد أن يقوم بذلك. والهدف الثاني هو أنها تحاول أن تظهر بمظهر من يبدي قدراً من “البراغماتية” والتعامل مع التطورات على نحو استباقي، من خلال طرح رؤيتها التي تخولها أن تكون شريكاً في الحل، قبل أن يُفرض الحل عليها، وذلك بعد بدء خطوات الانفتاح عربياً على النظام، وعدم وجود ممانعة أميركية فعلية.

والهدف الثالث هو أن “قسد” تعمل على اعتراض طريق أي اتفاق مستقبلي من قبل أطراف الحل السوري تكون فيه مستبعدة أو ضحية، فبدلاً من أن تتفق الأطراف ضدها، تعمل على تعطيل هذا الاحتمال، ولا سبيل أمامها سوى أن تكون طرفاً أساسياً في الحل.

تكمن خلفية المبادرة في مخاوف “قسد” من أن يكون الانفتاح الإقليمي على النظام على حسابها، وهذا يعبّر عن استشعار الطرف الكردي ببداية توافق روسي إيراني تركي على إعادة تأهيل النظام. ويأتي تحرك “قسد” ليؤكد أن التوافق الثلاثي هو الوحيد المطروح سبيلاً للحل، في ظل استقالة الولايات المتحدة وأوروبا من أي دور جدي.

التوافق الذي يجرى العمل عليه بإدارة روسية يتقدم ببطء حتى الآن، ولكنه قطع شوطاً على طريق بناء تفاهمات بين النظام السوري وتركيا، ونجحت موسكو في عقد عدة لقاءات أمنية وسياسية بين مسؤولين أتراك ونظرائهم من ممثلي النظام وإيران وروسيا.

وهناك مخاوف فعلية لدى “قسد” من أن تتوحد مواقف روسيا وإيران وتركيا ضدها، وتدرك أن التنازلات التركية للتطبيع مع النظام السوري هدفها الحصول على مقابل وهو تفكيك مشروع “قسد” للإدارة الذاتية، وهو ما لم تنجح فيه أنقرة عسكرياً، بسبب الدعم الأميركي الذي تتلقاه هذه الإدارة.

شهادة جويل ريبورن

وكشفت شهادة المبعوث الأميركي الخاص السابق إلى سورية جويل ريبورن أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي، في 18 إبريل الحالي، عن عدة مؤشرات حول موقف إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن من التطبيع مع النظام السوري، تجعل الأطراف المعنية بالمسألة السورية تراجع مواقفها.

المؤشر الأول هو، حسب ريبورن، أن مسؤولي إدارة بايدن، شجعوا العواصم العربية على تطبيع علاقاتها مع نظام بشار الأسد، وشجعوا جيران سورية على ضم الأسد إلى صفقة طاقة إقليمية، وأكدوا للعواصم العربية والأوروبية والبنك الدولي أن “قانون قيصر” لا يجب أن يكون عائقاً.

المؤشر الثاني هو أن مسؤولين كباراً في إدارة بايدن أبلغوا نظراءهم العرب أنهم يفضلون رؤية الأسد يستعيد العلاقات الطبيعية مع العواصم العربية، بدلاً من رؤية روسيا تتوسط في صفقة تطبيع بين الأسد وتركيا، لأن الأخيرة ستزيد من خطر هجوم تركي جديد ضد الولايات المتحدة و”قوات سوريا الديمقراطية” المتحالفة معها.

أما المؤشر الثالث فهو أن مسؤولي إدارة بايدن لم يحذروا أي طرف من أن استعادة العلاقات الطبيعية مع الأسد قد تؤدي إلى تعرضهم لعقوبات أميركية، إذا كان الأمر يتعلق بعلاقات اقتصادية من أي نوع.

ونقل ريبورن كل هذا الكلام عن مسؤولين عرب، وليس من الإدارة الأميركية، وقاله في الكونغرس، الأمر الذي ولّد انطباعاً بأن مسؤولي الادارة يرغبون في تنفيذ استراتيجية تطبيع تجاه الأسد، ولكن عبر القيام بذلك خلسة، وتشجيع الآخرين على الذهاب في هذا الاتجاه وخلق وضع يمكن تقديمه في واشنطن على أنه أمر واقع.

الواضح من الشهادة هو أن وضع “قسد” مهم بالنسبة للإدارة الأميركية، فهي شريك أساسي في الحرب على “داعش”، خصوصاً في ما يتعلق باحتجاز مئات من مقاتلي التنظيم الذين جرى اعتقالهم بعد معركة الرقة.

وتعد حراسة “قسد” سجنَ الحسكة الذي يضم مئات الدواعش، ومعسكر الهول الذي يستقبل آلافاً من عائلات التنظيم من سوريين وغير سوريين، مسألة ذات حساسية عالية بالنسبة لواشنطن، خصوصاً أنها لم تحاكم هؤلاء أو تقنع بلدانهم باستقبالهم.

وتطمح “قسد” لأن تكون طرفاً فاعلاً في الحل، ولذلك قدمت ما يشبه الحلول الوسط لمشاكل تعد صعبة، مثل قضية اللاجئين السوريين في تركيا، الذين ترغب أنقرة في عودتهم إلى بلدهم ويرفض النظام ذلك.

تطرح “قسد” استقبال هؤلاء في المحافظات الثلاث التي تسيطر عليها في شمال شرق سورية، وهي الرقة، دير الزور، والحسكة. وترى “الإدارة الذاتية” أن هذه المنطقة يمكن أن تستقبل عدة ملايين، لكونها تشكل أكثر من ثلث مساحة سورية ومصادر ثرواتها من النفط والحبوب والقطن.

وقد يشكّل ذلك مخرجاً لـ”قسد” نفسها ويجنبها الصدام مع تركيا، ولكنه يمكن أن يصبح طريقاً لاستدراجها على الطريقة الروسية، كما حصل مع فصائل المعارضة المسلحة في مسار أستانة، الذي انتهى بتهميشها بعد أن تنازلت عن مناطق خفض التصعيد في مقابل إغراءات وهمية.

تدرك “قسد” أن الإدارة الأميركية لن تتخلى عنها، وهي تشجعها على حل مباشر مع النظام كي تحمي من خلاله نفسها، غير أنها لن تتدخل في حال تعرضت إلى هجوم من تركيا بمفردها أو من الأطراف الثلاثة معاً: روسيا، إيران، تركيا. وهذا وارد في ظل اتجاه إعادة تأهيل النظام.

ويسود انطباع لدى قيادة “قسد” أنها قادرة على إيجاد صيغة تفاهم مع النظام، وأحد أسباب ذلك هو الصلات الجيدة بينها وبينه، والتي تعود إلى بدايات الثورة السورية في عام 2011، عندما حصل اتفاق بين النظام وحزب “الاتحاد الديمقراطي”، الجناح السوري لحزب “العمال الكردستاني”.

ويعزز من قناعة “قسد” أنه بالإضافة إلى أن صلاتها بالنظام لم تنقطع طيلة الأعوام الماضية، توجد مصالح مشتركة بين الطرفين، خصوصاً أن النظام لا يمتلك الأدوات الكافية لبسط نفوذه مباشرة على المحافظات الثلاث، وسيعتمد على “قسد” من أجل ذلك، ليتمكن من الأمر بطريقة تدريجية.

وهناك إشارة مهمة تسترعي الانتباه، وردت في بيان “قسد”، هي إعلان “الإدارة الذاتية” عن استعدادها للحوار مع جميع الأطراف السورية، النظام والمعارضة. وهذا جديد على مستوى موقفها من المعارضة، وخاصة المتحالفة مع تركيا.

“قسد” والتطبيع مع النظام

وفي كل الأحوال، لم يكن في وسع “قسد” أن تسترسل في رؤيتها للحل من دون وجود سياق جديد للوضع السوري، أملته تطورات تطبيع العلاقات العربية مع النظام، وعلى نحو خاص زيارة وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان إلى دمشق، التي أعطت النظام جرعة دعم مهمة.

بعيداً عن تصور “قسد” للحل في سورية، هناك مصاعب كثيرة تحول دون اللقاء بينها وبين النظام في منتصف الطريق. وعلى مستوى النظام، لا يمكن أن تكون بورصة التنازلات مفتوحة، وما في وسعه أن يقدمه لا يلبي السقف العالي لمطالب “قسد” الخاصة بالإبقاء على “الإدارة الذاتية”.

قد يقوم النظام بتحسين العروض التي قدمها في بداية الثورة لحل المشكلة الكردية المزمنة في سورية، لجهة تسوية أوضاع الجنسية لأكثر من 100 ألف كردي، والسماح ببعض الحقوق الثقافية، ولا يمكن للأسد أن يذهب بعيداً في هذا الموضوع، وسبق له أن اعتبر القضية الكردية “وهم كاذب”.

أما بالنسبة إلى “قسد”، فهي بحاجة إلى مواءمة نفسها مع احتمال استعادة النظام المحافظات الثلاث، وهذا يتطلب عملية التفاف صعبة تفرض عليها التفكير بمصير جيشها الكبير الذي يتجاوز 100 ألف مقاتل، بما في ذلك إدماجه بقوات النظام، وهذا أمر يحتاج إلى وقت.

يبقى أن قبول النظام مبادرة “قسد” من عدمه ليس هو العامل الحاسم، ويتوقف الأمر على روسيا وإيران، ومدى استعدادهما لاستيعاب “الإدارة الكردية” ضمن ترتيبات إعادة تشكيل النظام السوري من جديد.

العربي الجديد

—————–

سورية في قمّة الرياض والرهانات العربية المتنافسة/ محمد أبو رمان

من الواضح أنّ العنوان الرئيس لقمّة الرياض العربية المرتقبة يتمثل بوقف قرار تجميد مشاركة النظام السوري في اجتماعات جامعة الدول العربية، بما في ذلك دعوة رئيس النظام نفسه، بشّار الأسد، إلى القمة، وهو التوجّه الذي استغرق اهتمامات حكومات عربية عديدة، في اجتماع وزراء دول مجلس التعاون الخليجي والأردن والعراق ومصر في جدة، في إبريل/ نيسان الجاري، أو حتى زيارة وزير الخارجية السعودية، فيصل بن فرحان، دمشق، في محاولة ترتيب الأمور تمهيداً للخطوة المتوقعة.

ثمّة ثلاث مقاربات عربية بهذا الخصوص: الأولى التي باتت السعودية تقودها اليوم، وتتمثل بالحديث عن دعوة الأسد وتطبيع العلاقات وطيّ صفحة الخلافات التي حدثت منذ الربيع العربي 2011. وتتصدّر السعودية هذا التوجّه بعدما كانت الجزائر تحاول قيادته خلال القمة العربية هناك العام الماضي، وتسير بالخط نفسه دول عربية أخرى. الثانية التي ترفض ذلك قبل تسوية الملفّات العالقة، بما فيها الأوضاع في سورية، وفي مقدّمتها قطر التي صرّح رئيس الوزراء وزير الخارجية، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، بموقفها بأن أسباب تعليق عضوية المشاركة ما تزال قائمة. الاتجاه الثالث أطّره الأردن، قبل أعوام، وعمل عليه في اجتماعات دولية وعربية، في ما سمّي دبلوماسية “الخطوة بخطوة”، بمعنى ربط عودة سورية بحلّ الأزمة السياسية هناك، بما في ذلك فكفكة ملفات حيوية عديدة.

على الطرف الأول، ثمة إصرار سعودي على أن يكون هنالك عنوان مميز للقمّة في الرياض الشهر المقبل (مايو/أيار)، وهو حضور الأسد، وذلك يأتي في سياقٍ متصل بالاتفاق السعودي – الإيراني، والدور “القيادي” الذي تسعى السعودية إلى تعزيزه، بوصفها القادرة على تأطير مواقف عربية جديدة، وهو دورٌ يتباين مع المواقف الأميركية والغربية عموماً تجاه الملف السوري. ويبدو أنّ هنالك رسائل متكرّرة ومتتالية سعودية إلى الإدارة الأميركية نحو إعادة ترسيم قواعد جديدة للعلاقة، خاصة مع التطوّر الملحوظ في العلاقات السعودية – الصينية.

لا ينفصل الحراك السعودي، بالضرورة، عن الحراكات الإقليمية الجارية، ومحاولة النظام الإقليمي العربي إعادة تصميم قواعده، بعد الهزّات العنيفة التي تعرّض لها خلال العقد الأخير، وما ترتب عليه من تراجع الدور الأميركي مقابل صعود قوى إقليمية رئيسية، إيران وتركيا، وبروز الصراعات البينية العربية على تحديد القوى المهيمنة أو الرئيسية في النظام الإقليمي الجديد. وهنا يبرز السؤال ليس فقط في ما يتعلّق بوقف تجميد العضوية السورية، بل بمن يوقف قرار التجميد، بمعنى صاحب المفتاح في تقرير الموقف.

على الجهة المقابلة، يرتبط إصرار اتجاه رسمي عربي على عدم وقف تجميد العضوية باستمرار الأزمة السورية وما أنجبته من كوارث إنسانية وسياسية، وباستمرار الأوضاع المأساوية هناك، مع تهجير ونزوح أكثر من السكان من دون وجود حلّ سياسي، بل بشعور النظام السوري اليوم بالتفوّق والانتصار وهزيمة رهانات المعارضة المسلّحة والرهانات الدولية والإقليمية عليها. وبالتالي، فإنّ تعليق التجميد اليوم يعني، وفقاً لهذه المقاربة، وضع الخيوط كافّة بيد النظام الذي لا توجد مؤشّرات على نيّته إيجاد حلول سياسية توافقية سلمية للأزمة، طالما أنّه يشعر بالانتصار الداخلي.

بين المقاربتين، تقع المقاربة الدبلوماسية الأردنية (الخطوة خطوة). ومعروف أنّ الأردن كان من أوائل الدول التي عملت على إيجاد قنوات سياسية لحلحلة المشكلة السورية، منذ أعوام، وتمت صياغة المبادرة، ومحاولة الحصول على تأييد عربي لها، لإيجاد طريقٍ مقبولٍ ما بين إيجاد حلول سياسية داخلية تحدّ من الآثار الكارثية الإنسانية للأزمة والموقف العربي والمواقف الغربية والأميركية، خاصة أنّ هنالك قرارات أممية في ما يتعلق بالعقوبات على سورية، من بينها قانون قيصر.

في متن المقاربة الأردنية التي تنطلق من أهمية عودة سورية إلى الحاضنة العربية، ومن خطورة الفراغ الراهن في النظام الإقليمي العربي، الذي أضعف الحالة العربية ومنح إسرائيل مساحة استراتيجية للمضي في إنهاء أي أمل بحل القضية الفلسطينية والقضاء تماماً على حلّ الدولتين، وهو الأمر الذي كان ملحوظاً في الموقف الأردني الرافض، ضمناً، صفقة القرن، وعلناً لنقل السفارة الأميركية للقدس، والمؤكِّد على أن أي تطبيع عربي إسرائيلي لا بد أن يرتبط بحلّ القضية الفلسطينية.

إلى جانب الاعتبارات السابقة، ثمّة اعتبار لا يقل أهمية في بناء المقاربة الأردنية، ويتمثّل بملفي اللاجئين السوريين، والحدود الشمالية للمملكة، فهنالك ما يزيد على 600 ألف لاجئ سوري في الأردن، بما يحمّل الأردن أعباء اقتصادية وإنسانية كبيرة، ولا إشارات واضحة من النظام، حتى بعد السيطرة على المناطق الجنوبية، في إعادتهم. وهنالك تفصيلات مهمة في الملف، تمنع عودة اللاجئين طوعياً، من دون ضماناتٍ إنسانية وقانونية وسياسية، برعاية دولية وإقليمية، حقيقية.

أما الحدود الشمالية فقد تحوّلت خلال العامين الماضيين إلى مصدرٍ من مصادر تهديد الأمن الوطني الأردني، عبر شبكات إقليمية للتجارة بالمخدّرات، بما يشكّل عبئاً عسكرياً وأمنياً كبيراً، مع حضورٍ لافت لما يطلق عليها السياسيون الأردنيون “مليشيات طائفية” ترتبط بالمصالح الإيرانية. فوق هذا وذاك؛ وبالرغم من أهمية المصالح الاقتصادية المتبادلة الأردنية السورية، إلاّ أنّ أي خطوات أردنية لن تكون مجديةً من دون وجود موافقة أو توافق مع الدول الغربية والولايات المتحدة على ذلك، لأنّ هنالك قوانين وعقوبات ستُفرض على القطاع الخاص الأردني الذي يخرق تلك القرارات الأممية.

السؤال، في ظل التسارع نحو التطبيع العربي مع سورية، ما إذا كان ذلك قد تجاوز المبادرة الأردنية ومحاولة تطوير خريطة طريق مع النظام السوري تربط أي خطواتٍ بهذا الخصوص مع حل الأزمة الداخلية؟ والجواب: أنّه بالرغم من الاجتماعات المتكرّرة والتأكيد المتكرّر من دول عربية على ضرورة تهيئة البيئة الداخلية السورية لتلك المرحلة، فإنّ الوقت القصير المتبقي على قمة الرياض قد لا يسعف إلّا في وعود عامة فضفاضة، من دون إجراءات واضحة مرسومة، في ظل الرغبة الشديدة لدى دول عربية عديدة بدعوة الأسد إلى قمة الرياض، وعدم وجود تنسيق أو تفاهم مع الأميركيين والغربيين على هذا التوجّه.

لا تبدو كلمة السرّ اليوم في عودة النظام السوري أم لا، بقدر ما ترتبط بمن يقود النظام الرسمي العربي الإقليمي الجديد، ومن يملك على بناء المواقف والقرارات، أو بعبارات الغربيين البراغماتية: Who delivers؟ وهو سؤال ليس برسم الإجابة في ما يتعلق بالسوريين، بل في الإيرانيين والإسرائيليين اليوم.

العربي الجديد

—————————-

لقاء أردوغان والأسد المرتقب.. لنهاية القطيعة أم خطوة انتخابية؟/ محمد أمين

رجّح وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو، الإثنين، عقد لقاء بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس النظام السوري بشار الأسد، ما سيعني وضع حدّ لقطيعة سياسية بدأت في 2012، عقب رفض الأسد التجاوب مع الجهود التركية لتطويق الأزمة السورية التي كانت لها تبعات سلبية.

وفي تصريحات تلفزيونية له، مساء الاثنين، لم يستبعد جاووش أوغلو عقد اللقاء، مشيراً إلى أنه “يجب أولاً تحضير خريطة طريق لهذا اللقاء، تتضمن عدم فرض شروط مسبقة، ودراسة المرحلة السياسية، ومكافحة الإرهاب، وإحلال الاستقرار في سورية”.

ولم يحدد المسؤول التركي موعدا دقيقا للقاء المحتمل بين أردوغان والأسد، لكنه أشار إلى أنه “اقتُرحت مواعيد، أحدها مطلع مايو/ أيار المقبل، وهو قريب جدًا من موعد الانتخابات، لكنه لم يحدث، لأن الرئيس الإيراني (إبراهيم) رئيسي سيذهب إلى سورية في هذا التوقيت”.

وأوضح وزير الخارجية التركي أن بلاده ترى أن التواصل مع النظام السوري “مفيد إذا كنا نريد إعادة اللاجئين السوريين، وإذا كنا نريد مواصلة مكافحة الإرهاب بشكل أكثر فاعلية، وإذا أردنا الحفاظ على وحدة أراضي سورية”، مضيفاً: “في حال لم يتم إحلال الاستقرار في سورية، فإن الآثار السلبية على تركيا ستكون كبيرة”.

غير أن جاووش أوغلو أكد أن قوات بلاده لن تنسحب في الوقت الراهن من شمال سورية، لأن هذا الانسحاب “يعني توقف عملياتنا العسكرية ضد الإرهاب، واقتراب الإرهابيين من حدودنا، وهذا يشكل تهديداً لأمننا القومي”، كما شدد على أنه “لا مطامع لتركيا في الأراضي السورية، ولكن لا يمكننا الانسحاب من الشمال السوري إلا حين يستتب الأمن ويعود الاستقرار الكامل إلى تلك المناطق”.

ويبدو أن الاجتماع الأمني والعسكري في موسكو، اليوم الثلاثاء، والذي يضمّ وزراء دفاع ورؤساء استخبارات تركيا وروسيا وإيران والنظام السوري، يندرج في سياق “تنقية الأجواء” لتهيئة الظروف أمام اجتماع ثنائي بين أردوغان والأسد، ورباعي بين رؤساء تركيا وإيران وروسيا والنظام السوري، للدفع أكثر في اتجاه “تطبيع سياسي” بين أنقرة ودمشق.

ولا يمكن عزل اللقاء المرتقب عن الأوضاع الداخلية التركية قبيل انتخابات برلمانية ورئاسية حاسمة، فالتفاهم المبدئي مع الأسد من شأنه سحب الورقة السورية من يد المعارضة التركية. كما أن للنظام السوري مصلحة في تغيّر موقف أنقرة تجاهه، كونها الطرف الرئيسي الداعم للمعارضة السورية بشقيها السياسي والعسكري، ما يعني اضطرار هذه المعارضة ربما إلى تقديم تنازلات، وخاصة لجهة استمرار الأسد في السلطة.

جدية تركية

ويضع المحلل السياسي التركي فراس رضوان أوغلو، في حديث مع “العربي الجديد”، تصريحات جاووش أوغلو في سياق “النهج الدبلوماسي التركي حيال النظام في دمشق”، مضيفاً: “إذا كان هناك توجه نحو المصالحة، فلا بد أن يكون هناك لقاء بين أردوغان والأسد في النهاية، كما حدث مع الجانب المصري”، معتبراً أن “هذه خطوة انتخابية للحصول على مكاسب من خلال سحب الورقة السورية من الائتلاف المعارض”.

ويعتقد رضوان أوغلو أن لدى الجانب التركي “جدية لوضع حلول للقضية السورية”، لافتاً إلى أن “استمرار الأوضاع في سورية على ما هي عليه ليس في مصلحة تركيا”.

من جانبه، يرى مدير وحدة تحليل السياسات في مركز “الحوار السوري” محمد سالم، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “السباق الانتخابي في تركيا هو أحد دوافع التطبيع التركي مع نظام الأسد”، لافتاً إلى أن “جاووش اوغلو يحاول تسويق الجهود الحكومية لجهة أنها يمكن أن تذهب إلى أبعد ما يمكن لحلّ القضية السورية المؤرقة للناخب التركي”، ويعتقد أن تصريحات الوزير التركي حول اللقاء بين أردوغان والأسد “قابلة للتحقق”، مستدركاً بالقول: “لكنني أرى أن اللقاء مستبعد قبل الانتخابات التركية”.

وأعرب سالم عن قناعته بأن النظام السوري “يقاوم الضغوط الروسية للتوفيق بين الطرفين، بهدف عدم منح هذه الورقة لحكومة العدالة والتنمية”، ويرى أن النظام “يريد انتظار نتائج الانتخابات التركية التي يمكن أن تؤدي إلى مجيء تحالف المعارضة، وهو غالباً سيكون أكثر مرونة مع نظام الأسد”. ويضيف: “بعد الانتخابات التركية، لقاء أردوغان والأسد ممكن، لكن قياساً على الحالة المصرية، هذا الأمر قد يأخذ وقتاً طويلاً. حتى الآن، لم يلتقِ أردوغان بالسيسي لقاء رسمياً، باستثناء لقاء عابر قصير بوساطة قطرية”.

ومنذ عام 2012، اتبعت تركيا سياسة الباب المفتوح أمام اللاجئين السوريين، الذين يصل عددهم اليوم إلى نحو 4 ملايين، يعتبر مراقبون أنهم تحولوا إلى “عبء اقتصادي وسياسي” على حكومة “حزب العدالة والتنمية”.

وشهد الموقف التركي من القضية السورية منعرجات متعددة، وصلت إلى حدّ التدخل العسكري المباشر عدة مرات، الأولى في عام 2016، حين شنّ الجيش التركي عملية “درع الفرات”، وأنهى وجود تنظيم “داعش” في ريف حلب الشمالي. وفي مطلع عام 2018، طرد الجيش التركي “وحدات حماية الشعب” الكردية من منطقة عفرين، شمال غربي حلب، وفي عام 2019 سيطر على منطقتي تل أبيض ورأس العين في شمال شرقي سورية. ونشرت تركيا آلاف الجنود في ريف محافظة إدلب، شمال غربي سورية.

العربي الجديد،

—————————-

السوريون أمام استحقاقاتٍ جديدة/ حسان الأسود

لم تأتِ التحرّكات العربية أخيرا بشأن سورية من فراغ، بل كانت نتيجة منطقيّة لسياق الأحداث الدولية والإقليمية والداخلية السورية. ومهما ظنّ السوريون أو أهل دول الجوار أنّ هذه الأزمة باتت على الرفّ أو في أدراج الانتظار، يذكّرهم الواقع، بشكل مستمر، بخلاف ذلك. لقد ثبت أنّ موقع سورية الجيوسياسي من جهة، وتشابك الملفات الإقليمية والدولية من جهة ثانية، وارتباطات النظام السوري والخدمات التي برع في تقديمها على مدار عقود سابقة طويلة من جهة ثالثة، تجعل من الصعب تجاهل سورية وتركها في مستنقعها الراهن من دون التدخل فيه باتجاه إيجاد حلّ ما للصراع فيها وعليها.

شهد العقدُ الأخير تحوّلاتٍ جذرية على صعيد توازنات القوى الدولية، فالصعود الصيني المتسارع اقتصاديًا جرّ، بطبيعة الحال، تصاعدًا في أدوارها السياسية، وربّما لاحقًا الأمنية والعسكرية. كذلك كان لاستقرار حكم الأوليغارشية الروسية التي ورثت الدولة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي دورٌ واضح في إعادة التطلّع نحو المحيط البعيد الخارج تقليديًا عن حسابات الأمن القومي الروسي المباشر، فكان التدخل في سورية، بعد احتلال القرم، جزءًا من رؤية واسعة ترى فيها القيادة الروسية نفسها في مواجهةٍ مفتوحةٍ مع القوى الغربية في أكثر من قارّة، ولهذا رأينا تحرّكاتها في أميركا الجنوبية وأفريقيا. ولا تغيب عن المشهد بكل تأكيدٍ تلك الأحلافُ الاقتصادية الصاعدة، التي تشي بأنّ عصر القطب الواحد بدأ نهايتَه التي تتوافق مع طبيعة التاريخ البشري.

انعكست هذه التطوّرات الدولية على رؤية دول المنطقة بشكل مباشر، فلم يعد بالإمكان تجاهل آثار هبّة الشعوب، أو على الأقلّ فئاتٍ منها، في مواجهة نمطٍ ساد بتواتر مختلف، حسب كل دولة على حدة وظروفها الخاصة، منذ استقلالها عن الاستعمار، ولا القفز عن خلخلة البنى الاجتماعية فيها جرّاء هذا النمط السياسي المدعوم عسكريًا وأمنيًا، والذي بات له طابع اقتصادي يتميّز باستئثار فئات قليلة بالثروات، بينما تعاني باقي فئات مجتمعات هذه الدول باستمرار. ورغم التفاوت في حالات الاحتجاج الشعبي وأسبابها، بدا واضحًا أنّ زلزالها أصاب بقوّة شديدة دولًا كانت أنظمة الحكم فيها جمهورية، جاءت قياداتها من خلفيات عسكرية، بينما كان تأثيرها طفيفًا نوعًا ما على الدول التي كانت أنظمة الحكم فيها ملكيّة وراثية. هذا مؤشّرٌ واضحٌ على إدراك الشعوب تعارض فكرة الاستيلاء على الحكم بالانقلابات من جهة، وفكرة توريثها من جهة ثانية، مع أساسيات الشرعية التي بدأت تعرفها مع تطوّر الفكر السياسي والممارسة الديمقراطية الليبرالية في العالم.

قدحت هذه التغيرات كلها زناد التفكير بالمستقبل عند الفئات الحاكمة في المنطقة، فلم يعد من المنطقي ربط مصالح هذه الدول بمصالح الدول العظمى التي كانت في مرحلة سابقة الضامن الأكبر لاستقرارها واستمرارها في الحكم. لقد استقرّت أغلب أنظمة الحكم العائلية في المََلكيات العربية، وبات من الصعب الانتقال فيها إلى نمط جمهوري، وقد ساعدت الوفرة الاقتصادية عند أغلبها على تعزيز شرعية خاصّة نابعة من تقديم الدولة الخدمات مجانًا للمواطنين، فكانت الدول ذات الاقتصاد الريعي تُنفق على مواطنيها، وهذا بدأ يتغيّر بطبيعة الحال في بعضها، بعد أن استقرّت جزئيًا، وبعد أن شارفت على استكمال بناها المؤسّسية.

بعد حرب طويلة بين محاور مختلفة في المنطقة، يمكن القول إنّ العودة إلى سياسة تصفير المشكلات البينيّة، أو على الأقلّ إخماد الحرائق المشتعلة، أصبحت أكثر قبولًا ونفعًا. لقد أدرك زعماء الدول المحوريّة في المنطقة أنّ صراعهم لن يسفر عن غالبٍ أو مغلوب، لكنّه سيُبقي دولهم في أتون صراعٍ مستعرٍ لا يفيد بشيء، يل يعزز الخراب بدل التنمية والازدهار. وتكاد أعمار دول المنطقة الكبرى تتقارب، فتركيا والسعودية ومصر وإيران أصبحت على مشارف إتمام قرنٍ من عمرها أو اقتربت منه، وهذه الفترة كفيلةٌ بتراكم بيروقراطيّة مؤسسيّة معينة، بغضّ النظر عن طبيعة أنظمة الحكم فيها. يعني هذا من حيث الخلاصة نشوء فئاتٍ تفكّر بمنطق الدول الحديثة، أي الدول ذات السيادة، وهذا سيفرز، بشكل أو بآخر، أدوات جديدة للتعامل مع الواقع. ومن هنا، كانت القفزة باتجاه المصالحات السائدة الآن بين هذه المحاور نتيجة طبيعية، وليست أمرًا خارج السياق.

ماذا يعني هذا بالنسبة للسوريين، وأين يمكن أن يصل بهم الحال مع هذا الحراك العربي تجاه سورية، وهل سيكون في قدرة المحاور الإقليمية أن تصنع التغيير رغم تضارب المصالح بين الأقطاب الدولية؟ وهل سيكون الموقف الأميركي والأوروبي المواجه للصين وروسيا معطّلًا لهذا الحراك أم حياديًا؟ وهل سيأتي الحراكُ أُكُله مع القفز على ما دفع السوريون ثمنَه باهظًا من دماء وأموال وتغيير ديمغرافي وخراب مجتمعي؟ وهل تسمح بنية النظام السوري ذاتها لهذا الحراك بأن يثمر؟ وهل من السهل توقّع سلوك المحورين الإيراني والإسرائيلي؟ وما أدرانا أنّ هذا التوجّه استراتيجي عند جميع المحاور، وليس مؤقتًا يتعلّق بحسابات الانتخابات في تركيا أو تأجيل الانفجار السياسي في إسرائيل أو الوضع الداخلي في إيران؟ كلّ هذه الأسئلة بحاجة لأجوبة لا يقدّمها إلا الزمن. لكن ماذا على السوريين أن يفعلوا؟ وهل يكفي أن يراقبوا المشهد من بعيد، أم يمكنهم القيام بشيء ما؟

على مستوى القوى التي انحازت لمبدأ التغيير والانتقال السياسي في سورية، وعلى اختلاف مرجعياتها وأهدافها، يمكن القول إنّ الساحة شبه فارغة، ولأنّ السياسة لا تقبل الفراغ، لا بدّ من مقاربات جديدة في طرائق التفكير وآليات العمل. ولكن من أين يبدأ السوريون، هل من تشكيل بدائل للواجهة السياسية التي تصدّرت المشهد، وهذا بالمناسبة حراكٌ جارٍ منذ فترة يتمثّل بالدعوة إلى الحوار واللقاء التي بدأتها قوى سياسية مختلفة ومراكز بحثية وأفرادٌ مهتمون بالشأن العام، ويمكن تسميته بصحوة الضمير السوري التي لم تكتمل مظاهره بعد. أم يبدأون بإعلان ثورة جديدة على هذه الواجهة السياسية التي أثخنت في حلمهم كما أثخن النظام في جسدهم؟ وهل هناك قدرة على الثورة أيضًا بعد أن طحنت الحرب عظام السوريين جميعًا بمعارضيهم ومواليهم؟ ألم يفقد السوريون، من جميع الأطراف، حماستهم التي كانت واضحة بداية الثورة عام 2011؟ ألم يأت الزلزال الطبيعي على ما تبقّى من حلمهم هذا؟

ليس من مهمّة الكُتّاب تقديم إجابات عن الأسئلة السياسية، وتُقبل منهم عادة إثارة النقاشات التي من شأنها تقديم التصوّرات عما يمكن أن يحدُث. لكنّ الأسئلة لا تروي الظمأ، وهي قطبٌ يحتاج ضدّه، والإجاباتُ كما النصوصُ عزيزة، ونحن في زمنِ الحيرة والذهول، لا نجد أمامنا في تسارع الأحداث إلا أن نقرن العمل بالتفكير، فهل ننتقل إلى هذه الساحة قريبًا ما دمنا أمام استحقاقات هائلة، أم نبقى في حيّز الأحلام والأمنيات؟

العربي الجديد

—————————-

ماذا تخبّئ طبخة موسكو الرباعية؟/ عمر قدور

لا يُنتظر من اجتماع موسكو الرباعي الإعلان عن نتائج دراماتيكية مفاجئة، لكن اجتماع وزراء الدفاع ورؤساء أجهزة المخابرات لن يكون أيضاً على سبيل النزهة أو السياحة. كان وزير الدفاع التركي خلوصي أكار قد أعلن عن انعقاد الاجتماع اليوم “الثلاثاء”، وسبق لوزير الخارجية مولود تشاووش أوغلو أن أعلن عن اجتماع رباعي لوزراء الخارجية في مطلع الشهر المقبل. ورغم أن أوغلو أشار إلى أن الهدف “هو إعادة إحياء المسار السياسي الذي لم يسفر عن أية نتيجة حتى اليوم”، إلا أنه صرّح أيضاً بأن المسار يمضي خطوة خطوة “وفق خريطة طريق محددة”.

في الحديث عن لقاء موسكو الحالي، وربما المقبل، من المستحسن قراءة تصريح أوغلو من طرفيه؛ فهو يتحدث عن عدم الخروج بنتائج سياسية، وفي الوقت نفسه ينوّه بمضي المسار حسبما هو مرسوم. والتنويه لا تنبغي قراءته على محمل إجرائي فقط، لأن الجوانب الإجرائية تم تجاوزها منذ الاجتماعات المخابراتية الأولى بين هاكان فيدان وعلي مملوك، والتي مهّدت لانطلاق المسار الثلاثي مع موسكو، قبل انضمام طهران برغبة تركية لتحاشي التعارض بين الوصيين الروسي والإيراني.

هناك تقدّمٌ ما في المفاوضات، وبما يخالف تصريحاتٍ لمسؤولي الأسد أو إعلامه، وبما يخالف التسريبات التي توحي بأنه يعارض الرغبة الروسية في دفع هذا المسار، ويفضّل عليه مسار التطبيع العربي، وكأن المسارين في متناوله بمطلق الحرية. ولئن كانت الحصافة تدحض التهويل من تأثير المسار الرباعي على صعيد تقرير مستقبل سوريا، فهي أيضاً يجب أن تدحض الاستخفاف المطلق بالمسار ذاته، وبما قد ينجم عنه من تفاهمات غير معلنة يدفع ثمنها سوريون في مناطق سيطرة الأسد ومناطق النفوذ التركي.

للتوقيت أهمية كبيرة، على مقربة ثلاثة أسابيع من الانتخابات التركية، ومفاتيح فوز أردوغان فيها ليست في جيب الأسد، لكن الأول سيكون مسروراً إذا حصل على هدية تقوّي من حظوظه، والهدية محددة بانتصار ما على وحدات الحماية الكردية المنضوية ضمن قسد. أما الثمن الذي يدفعه لقاء ذلك فلن يكون منظوراً من قبَل الناخب التركي، لأن المقايضة برمتها في سوريا، وجزء مما يقبضه الأسد قد يكون على حساب سيطرة الجولاني في إدلب، وجزء آخر قد يتعلق بتأمين الطرق الرئيسية، فضلاً عن تنشيط المنافذ الحدودية المباشرة بين تركيا والأسد.

بخلاف علاقته التي ساءت مع بشار الأسد، تربط أردوغان علاقات وثيقة بكل من بوتين وحكّام طهران، والعلاقة مع الجانبين صمدت وأثبتت متانتها رغم تباين التوجهات في سوريا، ورغم التنافس على مناطق نفوذ بعيدة عن سوريا. وإذا كانت لموسكو وطهران دوافع لاستغلال التوقيت، والضغط على أردوغان لانتزاع تنازلات في سوريا، فقد يكون فوزه في الانتخابات أهم لهما من كسب سوريٍّ زهيد بطبيعة الحال.

تضع السياسة الأمريكية سقفاً للتفاهمات التي يمكن إبرامها بين أنقرة والأسد، وهو غير منخفض جداً فضلاً عن أنه متحرك، وليس من ضمانة في أن لا يتأثر لاحقاً بما يفعله آخرون في سوريا. المظلة الأمريكية لا تغطّي قسد في كافة أماكن توجدها، لذا قد تدفع الأخيرة ثمناً حيث تتواجد بموافقة الأسد أو موسكو. قد يكون ريف حلب الشمالي من الأماكن المحتملة، فأنقرة طالبت مراراً بالسيطرة على تل رفعت ومحيطها، ومن بين الاعتبارات إبعاد قسد عن عفرين نهائياً، ما له دلالة معنوية أكثر منها ميدانية.

على العموم لا تُظهر واشنطن اكتراثاً ملموساً بالجغرافيا الواقعة خارج مظلتها العسكرية شرق الفرات، ولا تُظهر اكتراثاً بالتحركات الدبلوماسية المتعلقة بالشأن السوري، لأنها إذا تجاوزت الحد ستصطدم بالعقوبات الاقتصادية وبالوجود العسكري الأمريكيين. الركيزة الأساسية لاطمئنان المعارضة السورية واطمئنان قسد، رغم العداء المتبادل، هي في الموقف الأمريكي لا في الركون إلى مواقف حلفاء آخرين. طبّاخو المسار الرباعي يعرفون هذا جيداً، وهم أيضاً مطمئنون إلى الهامش الواسع المتروك أمريكياً.

السلبية الأمريكية تجاه الشأن السوري قد تفسّر الكثير من التحركات الدولية والإقليمية، فتوقف الفعالية الأمريكية سياسياً دفع القوى الأخرى إلى النشاط، لا حباً بالأسد أو قبولاً به، بل لأن حالة الجمود والتعفن لا تناسبها مثلما تناسب واشنطن. من هذه الزاوية، قد لا يكون تحرك بعض الدول العربية للتطبيع مع الأسد منافساً للتحرك التركي، أو على الضد منه، فتحرك بعض العرب مدفوع أيضاً بسلبية واشنطن، وبأن سلاح العقوبات لا يردع مثلاً تجارة الكبتاغون على المدى القصير. أما أنقرة فقد يئست بسبب عدم تجاوب واشنطن معها وعدم وضع قسد على لائحة الإرهاب الأمريكية، وهي تحاول عزلها في نطاق المظلة الأمريكية ما يقوّض مكانتها كورقة متعددة الوجهات.

إن السؤال عما تخبئه طبخة موسكو يقع في المنطق السياسي، لا ضمن تحرّي مؤامرة ما. في السياق ذاته، يمكن توقع ظهور نتائج لتفاهمات موسكو مع اقتراب الموسم الانتخابي التركي وصولاً إلى أواخر الشهر المقبل، لأن استطلاعات الرأي ترجح عدم فوز أحد من مرشّحي الرئاسة في الجولة الأولى، والاضطرار إلى جولة الحسم بعد أسبوعين من الجولة الأولى المقرَّرة في 14 أيار.

لا تستطيع واشنطن فرملة المسار الرباعي، على نحو الدور الذي كان لها في مواجهة الاندفاعة السعودية للتطبيع، ولا استعداد لديها لتقدّم لأردوغان ما يبعده عن الأسد. أما سياسة واشنطن بعدم التحرك الدبلوماسي المباشر بالشأن السوري، وعدم الانخراط في أي مسعى من أي نوع، فهي خدمت وتخدم أنقرة إذ تظهر الفعالية التركية الوحيدة المتاحة أمام الأسد وحلفائه. بل تُملي عليهم الواقعية السياسية التعامل مع “الممكن” التركي، طالما أن واشنطن ممتنعة عن الخوض فيما تريد حقاً وراء ربط وجودها بهدف لا تبدو له خاتمة هو القضاء “نهائياً” على الإرهاب.

ستحتدم المعركة الانتخابية في تركيا، ومن شبه المؤكد ألا تكون الساحة السورية بعيدة عن سخونة جارتها. ستكون الأسابيع الثلاثة أو الخمسة المقبلة عصيبة على ملايين اللاجئين السوريين في تركيا، إذ يُستخدمون في التجاذبات الانتخابية، وستكون عصبية أيضاً “وربما دموية” على سوريين داخل سوريا سيُرغمون على دفع الثمن كما فعلوا من قبل، وكما سيفعلون لاحقاً، وكأن قدرتهم على ذلك لا تنضب!

المدن

————————

سوريا في “الزمكان” الحرج/ عبدالناصر العايد

كشفت تقارير أميركية، الأسبوع الفائت، أن القوات الروسية في شرق سوريا أطلقت، في نهاية العام الماضي، صاروخاً من منظومة “بانتسير” متموضعة في مطار القامشلي، على طائرة أميركية مسيّرة من نوع MQ-9 Reaper المتطورة، لكن الصاروخ فشل في إسقاط الطائرة.

الوثائق الأميركية المسربة التي كشفت الحادث، كشفت أيضاً تقريراً آخر يتحدث عن تخطيط المخابرات العسكرية الأوكرانية، خلال الفترة الزمنية ذاتها، لشن هجمات سريّة على القوات الروسيّة في سوريا باستخدام طائرات بلا طيار بالتعاون مع قوات سوريا الديموقراطية المدعومة من واشنطن، ونقلت صحيفة “واشنطن بوست” عن وثيقة استخباراتية أميركية وصَفتها بالسريّة للغاية، قولها أن “قسد” كانت تأمل الحصول في مقابل ذلك على منظومات دفاع جوي من أوكرانيا. ويعلم مراقبو الوضع في شمال شرقي سوريا، مدى حاجة القوات التي يقودها أكراد إلى منظومة من هذا النوع للردّ على الهجمات الجويّة التركية على قواعدها وقادتها، سواء في سوريا أو مناطق أخرى. وذلك إضافة إلى القيمة الاستراتيجية لهذا السلاح لضمان وجود طويل الأمد لتلك القوات التي تعاني انكشافاً جوياً كاملاً بعد رفض واشنطن بشكل قاطع تسليمها أي أسلحة من هذا النوع، خشية ردّ الفعل التركي من ناحية، ومن ناحية ثانية لكون مهمة تلك القوات محصورة في قتال تنظيم داعش على الأرض، وهو ما لا يحتاج أسلحة دفاع جوي.

إن الربط بين الحادثتين أعلاه ممكن جداً. فالقوات الروسيّة يمكن أن تكون قد أبُلغت بهجمات جوية محتملة بطائرات مسيرة وأطلقت الصاروخ آنف الذكر لدى اقتراب الطائرة الأميركية من قاعدتها في مطار القامشلي التي تضم حوامات قتالية وطائرات حربية نفاثة، خصوصاً أن تركيا كانت على علم بتلك الصفقة، وفق الوثيقة المسربة، وكانت تأمل في صِدام بين روسيا و”قسد”. ويبدو من تحليل السياق أن الخطة الأوكرانية قد طرقت أولاً أبواب فصائل سورية معارضة تسيطر عليها أنقرة، لكن الأخيرة وجهتها نحو “قسد” على أمل توريطها في هذه المغامرة الخطرة التي ألغاها الرئيس الأوكراني زيلينسكي لأسباب مجهولة.

إن هذا الاحتكاك الروسي الأميركي في شرق سوريا، عبر أو بسبب حلفاء للطرفين، ليس الأول ولا الأخير. على سبيل المثال، حدث صدام حقيقي بين الطيران الأميركي ومقاتلين من مليشيا “فاغنر”، في منطقة خشام شرقي دير الزور العام 2018، عندما حاولت تلك المليشيا الاستيلاء على معمل غاز كونيكو، واستجلبت العملية رداً قاسياً من القوات الأميركية نجم عنه مقتل نحو 280 عنصراً من المرتزقة الروس، وفق تقارير أميركية. وفي أوائل شهر نيسان الحالي، اندلع اشتباك عنيف بين “قسد”، والفيلق الخامس المدعوم من روسيا، في ريف دير الزور الشرقي، وأسقط قتلى وجرحى من الطرفين، وأرسلت القوات الروسية رتلاً لمؤازرة حلفائها، فيما أرسلت القوات الأميركية طائرات لدعم حلفائها، لكن الصِّدام التصعيدي لم يحدث وتمت تسوية المشكلة بين الطرفين.

تُسفر المعطيات السابقة عن حقائق لطالما توارت خلف صراعات قوى أقل شأناً في سوريا. فحضور القوتين العظميين على الأرض السورية، والمدعوم بالسلاح الثقيل، هو أبرز الوقائع وأكثرها صلابة. والتّماس والاحتكاك المباشر بينهما، هو الوحيد والأقرب، منذ أزمة الصواريخ الكوبية إبان الحرب الباردة، لكن أحداً لا يدري على وجه اليقين لماذا يتم تجاهل ذلك في الحسابات والتصورات لمستقبل سوريا وحل مسألتها العويصة.

إذا أخرج المرء رأسه من تيار الأحداث الجارية وضجيجها الإعلامي، ونظر في الخريطة السورية بعيداً من التشويش وحسابات القوى الصغرى، فإنه لا بد أن يتساءل كيف لأي من أطراف النزاع الإقليمية أو العربية أو المحلية السورية أن تقترح حلاً لا يبدأ من واشنطن وموسكو، أو ينتهي إليهما، في ظل كل ذلك الوجود الراسخ، بحيث تسيطر روسيا على مراكز الرموز السيادية في غرب سوريا، بينما تسيطر واشنطن على مراكز الثروات السورية في شرقها؟ ولا يسع الناظر أن يتصور ما يجري إلا بوصفه استمراراً للصراع بين هاتين القوتين عبر وسطاء، سواء عبر حروب الوكالة (proxy war) بالنسبة للصراع العسكري، أو تدخلات الحلفاء بالنسبة للمبادرات السياسية. ومن هذا المنظور ما قيمة الطرح العربي مثلاً، ما دام لا يحوز موافقة ورضا سوى طرف واحد هو موسكو. وما مصيره ما دام تدخلاً لصالحها بالضد من الإرادة الأميركية؟ وأخيراً، لا بد من التفكير: هل أن حسم المسألة السورية أولوية بحد ذاتها للطرفين، أم مجرد امتداد للصراع الذي لا ينتهي بينهما؟

إن ادراك حقيقة الصراع في سوريا، يجب أن يقود المعارضة السورية إلى جعل أولويتها البحث عن مصالحها مع الجانب الأميركي، كما يفعل خصمها الذي يدرك تماماً أن بقاءه رهن بروسيا وحدها، ويبني استراتيجيته من منطلق أن علاقته بها هي الثابت الوحيد في معركته الوجودية، بينما تدور علاقاته بكافة الأطراف الأخرى في فلكها. ويكفي أن نفكر بتروٍّ في موجة التطبيع العربية والتركية، لندرك أن موسكو هي النقطة ولادتها، وأن ذلك ليس في سياق سوري بحت، ولا كُرمى لعين رأس نظامها، بل في إطار صراع محتدم بين معسكرين متواجهين في عالمنا المعاصر، في جانبه الغربي كل من أميركا وأوروبا، وفي جانبه الشرقي الصين وروسيا، بينما تقع سوريا المتنازع فيها وعليها، في المكان والتوقيت الحرج.

المدن

—————————————-

حراك داخل هيئة التفاوض..المعارضة السورية تستعد لمرحلة حاسمة/ عقيل حسين

على وقع التطورات المتسارعة التي يعيشيها الملف السوري، وخاصة على صعيد حركة التطبيع التركي-العربي مع النظام، شهدت هيئة التفاوض حراكاً على الصعيدين الداخلي والخارجي، بهدف إصلاح الهيئة وتحضيرها لخوض أي مفاوضات تتطلبها المرحلة.

وبينما يجري رئيس الهيئة جولة تشمل واشنطن وعواصم عربية، أطلقت “هيئة التنسيق الوطنية”، أحد مكونات هيئة التفاوض، مبادرة لحل الخلافات بين كتلها، التي عطلت عمل الهيئة على مدى أربع سنوات.

جاموس إلى واشنطن

وبعد زيارته السابقة قبل نحو أسبوعين إلى العاصمة السعودية الرياض، ولقائه غير المعلن مع ممثلين عن مخابرات المملكة، أجرى رئيس هيئة التفاوض بدر جاموس جولة خلال عطلة العيد، شملت الرياض والدوحة، التقى خلالها مسؤولين من وزارتي خارجية البلدين.

وصباح الثلاثاء، وصل جاموس إلى العاصمة الأميركية واشنطن، التي يزورها وفد من الائتلاف أيضاً على رأسه سالم المسلط، حيث سيلتقي رئيس الهيئة مع نائبة وزير الخارجية الأميركية باربارا ليف، كما سيلتقي أعضاء من الكونغرس ويعقد ندوة بالتشارك مع المبعوث الأميركي السابق ألى سوريا جويل ريبورن.

وعلمت “المدن” أن هذه الزيارات كانت بدعوة من مسؤولي البلدان الثلاثة التي حطّ فيها جاموس “بهدف بحث المبادرة العربية وموقف هيئة التفاوض من التطورات التي يعيشها الملف السوري”.

وقالت مصادر مطلعة على أجواء الزيارة ل”المدن”، إن السعودية طلبت من الهيئة التفاعل الإيجابي مع المبادرة، والسير فيها حتى النهاية التي ستكون “مرضية لجميع الأطراف” على حد قول السعوديين، الذين نبهوا إلى “ضرورة أن يكون حديث جاموس مع الأميركيين في واشنطن مؤيداً لجهود الحل العربي”.

مبادرة لرأب الصدع

بالتزامن مع ذلك، بدأت بعض كتل الهيئة مناقشة سبل حل الخلافات داخلها، لانهاء الانقسام الذي تعيشه منذ أربع سنوات. ولاقت المبادرة التي اقترحها المكتب التنفيذي لهيئة التنسيق، قبولاً مبدئياً وتفاعلاً إيجابياً من الأطراف الأخرى، خصوصاً وأن المقترح ينصّ على الإقرار بسلامة عضوية كتلة المستقلين، وهي المسألة التي تسببت بالخلاف عام 2019، بين كتلة الائتلاف والفصائل العسكرية من جهة، وبين ممثلي منصتي موسكو والقاهرة بالإضافة إلى هيئة التنسيق من جهة أخرى.

وهو ما جعل النقاش في بقية الملفات أقل حساسية بين المكونات، باستثناء منصة موسكو التي يبدو أنها متحفظة في ما يخص قضية “المستقلين”، حيث وجهت هيئة التنسيق رسالة إلى الكتل الأخرى اقترحت فيها تجاوز إشكالية “كتلة التنسيق” وإعادة النظر بآلية التصويت وبالقرارات التي اتخذتها الهيئة خلال السنوات الأربع الماضية.

ولاقت مقترحات “التنسيق الوطنية”، حسب مصادر “المدن”، قبولاً مبدئياً من كتلتي المستقلين والائتلاف، اللتين شكلت كل منهما لجنة للحوار من أجل إصلاح الهيئة، بينما لم يتبين بعد موقف كتلة الفصائل ومنصة القاهرة.

وتنصّ المبادرة على أن تتخذ القرارات بالتوافق، وفي حال تعذر ذلك يحق للمكونات المعترضة إصدار بيان يوضح موقفها من أي قرار لا توافق عليه، كما تطالب بمناقشة القرارات التي اتخذتها الهيئة خلال فترة الانقسام وتعليق بعض المكونات المشاركة في أعمال المؤسسة.

وبينما وافقت كل من كتلة الائتلاف والمستقلين على الانخراط بالمبادرة، وشكلت كل منهما لجنة حوار حولها، علمت “المدن” أن منصة القاهرة المنقسمة على نفسها هي الأخرى، تعمل على حل الخلافات الداخلية فيها من أجل الانخراط مجدداً في أعمال هيئة التفاوض، بينما نفت منصة موسكو علمها بالمبادرة.

لا جديد

ورغم عدم تضمين ذلك رسمياً في المبادرة، إلا أن هيئة التنسيق تقترح تراجع هيئة التفاوض عن قرار فصل القيادي في منصة موسكو مهند دليقان، والذي كان سبب تعليق المنصة عملها.

لكن دليقان قال إنه لا علم له بالمفاوضات الجارية بين مكونات الهيئة، معتبراً أن أسباب “الشلل” الذي تعيشه المؤسسة ما زالت قائمة، متهماً الائتلاف بتعطيل عملها واتخاذ مواقف معادية للحل السياسي.

وأضاف ل”المدن”، أن “حالة الشلل التي تعيشها الهيئة، تتمثل بمسألتين أساسيتين: أولاً، الاحتكار والهيمنة والتفرد الذي يقوم به الائتلاف مكرراً عقلية الحزب القائد، وثانياً، عبر الاحتكار، يقوم الائتلاف بفرض مواقفه السياسية المعادية في جوهرها للحل السياسي باسم هيئة التفاوض، مما أعاق ويعيق الهيئة عن لعب دورها المطلوب منها كأداة لتنفيذ القرار 2254”.

إلا أن دليقان كان متفقاً مع جوهر مبادرة هيئة التنسيق، باستثناء الموقف من كتلة المستقلين، حيث اعتبر أن “الطريق الوحيد لتعود الهيئة من موتها السريري يكون من خلال إقرار التوافق كمبدأ وحيد لإصدار القرارات والمواقف، والتراجع عن القرارات التعسفية التي اتخذها الائتلاف بحق المكونات الأخرى في الهيئة”، وبعد الاتفاق على ذلك يتم عقد اجتماع للهيئة بكل مكوناتها من دون مشاركة كتلة المستقلين، سواء بأعضائها الجدد أو القدامى.

رغم خصوصية المرحلة التي استدعت إطلاق مبادرة لإعادة توحيد هيئة التفاوض، إلا أن تجديد دليقان تهجمه على كتلة الائتلاف واتهامه مكونات أخرى بالتبعية لها، قد يقلل من فرص نجاح المبادرة، في وقت يبدو أنه مطلوب من الهيئة أن تكون جاهزة لمفاوضات حاسمة مع النظام.

——————————–

تقارب متأن بين سوريا وتركيا بانتظار تجاوز الخلافات

سوريا تميل إلى التحفظ تجاه الرئيس التركي الذي تتسم مواقفه بالمزاجية والتقلب، وهو ما يعكس حالة من انعدام الثقة.

إسطنبول- تستضيف موسكو الثلاثاء جولة جديدة من المحادثات بين مسؤولين سوريين وأتراك بحضور إيران، وفق ما أعلن وزير الدفاع التركي خلوصي أكار الاثنين، في خطوة تتنزل في إطار المساعي الروسية لإصلاح العلاقات بين دمشق وأنقرة.

يأتي هذا في وقت يقول فيه المراقبون إن دمشق وأنقرة تميلان إلى تقارب متأن بانتظار إذابة الخلافات حول الكثير من التفاصيل الميدانية التي تعوق اللقاءات المباشرة وعلى رأسها الوجود العسكري التركي شمال سوريا.

وقال أكار “خططنا لعقد اجتماع رباعي في العاصمة الروسية” الثلاثاء، على أن يحضره “وزراء دفاع ورؤساء استخبارات” تركيا وروسيا وسوريا وإيران.

وأضاف “هدفنا هو حلّ المشاكل من خلال المفاوضات وإحلال السلام في المنطقة في أقرب وقت ممكن”.

أيمن سوسان: إذا كان الجانب التركي جادا فعلا في تصحيح العلاقة مع سوريا فلا أعتقد أنه ستكون هناك صعوبة في التجاوب مع ما نطرحه أيمن سوسان: إذا كان الجانب التركي جادا فعلا في تصحيح العلاقة مع سوريا فلا أعتقد أنه ستكون هناك صعوبة في التجاوب مع ما نطرحه

وأعلنت وزارة الدفاع السورية في وقت لاحق عقد الاجتماع الثلاثاء بين وزراء دفاع الدول الأربع في موسكو “استكمالاً للمباحثات السابقة”.

ويرى المراقبون أن سوريا تميل إلى التحفظ تجاه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي تتسم مواقفه بالمزاجية والتقلب، وهو ما يعكس حالة من انعدام الثقة، وهذا ما يفسر استمرار دمشق في الرهان على الوساطة الروسية أو الآلية الرباعية بمشاركة إيران.

وفيما تسعى أنقرة للاستفادة من عودة سوريا إلى محيطها العربي من أجل تأمين انفتاحها على دمشق، إلا أن نظام الرئيس السوري بشار الأسد يميل إلى الفصل بين المسارات، خاصة أن العمق العربي مهم بالنسبة إليه، ويمكن أن يتغاضى عن حيثيات أيّ دعم عربي لقوى المعارضة في بداية الحرب السورية – السورية.

ويُعقد الاجتماع الثلاثاء على وقع تغيرات دبلوماسية في خارطة المنطقة مع استعادة العلاقات الدبلوماسية بين إيران والسعودية برعاية بكين، وانفتاح عربي متسارع تجاه دمشق، عززته الأسبوع الماضي زيارة أجراها وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان إلى دمشق، هي الأولى لمسؤول سعودي إثر القطيعة الدبلوماسية بين البلدين منذ بدء الحرب.

لكن الوضع مختلف بالنسبة إلى التقارب مع تركيا. ففيما تراجعت الدول العربية عن دعم المعارضة أو تمويلها وتسليحها منذ فترة طويلة، فإن تركيا ما تزال تدعم المعارضة السورية وتحميها وتوظفها في خدمة أجندتها في فرض منطقة عازلة على طول الحدود السورية، أو في المعارك مع الأكراد.

ولتركيا قوات كثيرة داخل الأراضي السورية، في محافظة إدلب وريف حلب ومناطق أخرى في شمال سوريا وشرقها، ضمن تل أبيض ورأس العين، كما أنها تدعم عسكريا تحالفا مناهضا للأسد هو “الجيش الوطني السوري”.

وتعمل موسكو على رأب الصدع في العلاقة بين دمشق التي تعد أبرز داعميها وأنقرة التي تعد أبرز داعمي المعارضة السياسية والعسكرية منذ اندلاع النزاع في سوريا قبل 12 عاماً.

وفي نهاية ديسمبر، التقى وزيرا الدفاع التركي والسوري في أول لقاء رسمي على هذا المستوى بين الدولتين منذ بدء النزاع.

خلوصي أكار: هدفنا هو حلّ المشاكل من خلال المفاوضات وإحلال السلام في المنطقة خلوصي أكار: هدفنا هو حلّ المشاكل من خلال المفاوضات وإحلال السلام في المنطقة

وجاء عقد اللقاء بعد بروز مؤشرات عدة خلال الأشهر الأخيرة على تقارب بين دمشق وأنقرة.

ولم يستبعد الرئيس التركي، الذي كان دعا نظيره السوري مراراً إلى التنحي عند اندلاع النزاع ووصفه بـ”القاتل”، إمكانية عقد لقاء معه.

لكن الأسد أعلن في تصريحات مؤخراً أنه لن يلتقي أردوغان إلا إذا سحبت تركيا قواتها من شمال سوريا.

وكان نائب وزير الخارجية السوري أيمن سوسان قد قال عقب اجتماع مع نظيره التركي في موسكو بحضور إيراني وروسي “لم نرَ حتى الآن أيّ مؤشرات إيجابية بخصوص انسحاب القوات التركية من سوريا، أو بخصوص محاربة الإرهاب والقضاء عليه في شمال غرب سوريا وبالأخص في إدلب”.

وأضاف “إذا كان الجانب التركي جاداً فعلاً في تصحيح العلاقة مع سوريا، وفي احترام سيادتها ووحدتها وسلامة أراضيها وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، فلا أعتقد أنه ستكون هناك صعوبة في التجاوب مع ما نطرحه”.

وتدعم موسكو جهود تحقيق مصالحة بين تركيا وسوريا، خصوصاً أن من شأن إحراز أيّ تقدّم أن يظهر ثقلها الدبلوماسي رغم العزلة التي تواجهها من الدول الغربية منذ بدئها الحرب على أوكرانيا.

وتعتبر تركيا وجودها العسكري في سوريا ضرورياً لحماية حدودها وإبعاد المقاتلين الأكراد، الذين تصنفهم “إرهابيين” رغم أنهم تصدوا بشراسة لتنظيم الدولة الإسلامية.

واستضافت موسكو في وقت سابق من الشهر الحالي اجتماعاً رباعياً، ضمّ دبلوماسيين من تركيا وسوريا وروسيا وإيران، في إطار الإعداد لاجتماع رباعي على مستوى وزراء الخارجية.

العرب

——————————-

فرض عقوبات على اثنين من آل الأسد يهرّبان الكبتاغون

الاتحاد الأوروبي: النظام السوري يتاجر بالمخدرات

 أ. ف. ب.

لوكسمبورغ: فرض الاتحاد الاوروبي الاثنين عقوبات على اثنين من أبناء عمومة الرئيس السوري بشار الأسد بتهمة تهريب الكبتاغون، مصدر الدخل الرئيسي للنظام.

وبحسب تحقيق أجرته وكالة فرانس برس في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي فإنّه خلال عشر سنوات من حرب مدمّرة، تغيّرت خارطة سوريا، فرُسمت خطوط جديدة ومعابر داخلية تفصل بين المناطق، لكنّ شيئاً واحداً هو الكبتاغون بدا كأنه عابر للتقسيم ولخطوط التماس وتحوّل إلى تجارة مربحة تفوق قيمتها عشرة مليارات دولار.

وفي الخطوة الأخيرة حذي الاتحاد الأوروبي حذو الحليفين الغربيين، الولايات المتحدة وبريطانيا، في تجميد الأصول وحظر منح تأشيرات لسامر كمال الأسد ووسيم بديع الأسد.

وقال الاتحاد الأوروبي “أصبحت تجارة الأمفيتامين نموذجًا تجاريًا يقوده النظام وهذا يؤدي إلى إثراء الدائرة المقربة من النظام ويزوده بعائدات تساهم في قدرته على الاستمرار في تطبيق سياساته القمعية بحق المدنيين”.

كما أدرج ابن عم ثالث للرئيس هو مضر رفعت الأسد على القائمة السوداء رغم عدم تقديم سبب واضح لذلك.

ذكرت وزارة الخزانة الاميركية ان سامر كمال الأسد يملك مصنعاً في مدينة اللاذقية الساحلية أنتج 84 مليون حبّة كبتاغون في 2020.

ومن الأشخاص الآخرين المستهدفين في عقوبات الاتحاد الأوروبي نوح زعيتر، أشهر تاجر مخدرات في لبنان وهو فار من وجه العدالة، وحسن دقو، تاجر مخدرات لبناني سوري له علاقات رفيعة المستوى في كلا البلدين.

أصبحت السعودية أكبر سوق للكبتاغون المهرب، وهي حبوب أساسها الأمفيتامين المحفّز، وباتت اليوم المخدّر الأول على صعيد التصنيع والتهريب وحتى الاستهلاك في منطقة الشرق الأوسط.

وهذه المخدرات الرخيصة تجذب الأثرياء والعمال الفقراء في بلد إسلامي حيث يحظر استهلاك الكحول.

كما فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على شركات أمن خاصة لمساعدتها النظام السوري على تجنيد مقاتلين، وشركة الهندسة والبناء الروسية Stroytransgaz لسيطرتها على أكبر مناجم الفوسفات في البلاد.

—————————

التطبيع العربي مع الأسد.. جدار فولاذي أميركي/ صهيب جوهر

مع اقتراب موعد القمة العربية، المقرّر عقدها في المملكة العربية السعودية منتصف الشهر المقبل، يرتفع منسوب التحدي لدى الدول العربية الساعية خلف التطبيع مع نظام بشار الأسد. وعلى الرغم من أن التطبيع بعد كارثة الزلزال المدمر بَدا محسوماً، فإن تلك السرعة والاندفاعة تباطأت نسبياً خلال الأيام الأخيرة، على الرغم من زيارة وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان لدمشق ولقائه بشار ومجموعته، فإن الحديث المفتوح عن تلميع الأسد أو إعادة تدوير نظامه يبدو أنه تراجع أمام رفض عواصم عربية وفيتو أميركي.

وعندما باشرت السعودية بإدارتها الجديدة بقيادة ولي العهد محمد بن سلمان، مسارات التطبيع مع الأسد، كان الحديث أن الرياض لا تكترث للاعتراضات الأميركية المحتملة. وفي تقديرها أن المصلحة السعودية تكمن في الانفتاح شرقا وغربا وتنويع مصادر الدعم والتبادل والتحالفات الدولية والإقليمية. ولذلك، أحدثت الرياض في الأشهر الأخيرة خروقات واسعة في جدران العلاقات مع الصين وإيران، بالإضافة لمصالحة الأتراك وإعادة تقوية التنسيق مع القطريين، والسبب الرئيسي هو العلاقات المتوترة بين الرياض وإدارة الرئيس جو بايدن.

ويبدو جلياً أن دول الخليج وتحديداً السعودية والإمارات تميل بشكل صريح إلى مساحات أكبر وأعمق في التفرد والاستقلالية عن الحليف التاريخي الأميركي وذلك في مقاربة العديد من الملفات المتوترة والشائكة. وترجم ذلك بالجنوح نحو النأي بالنفس عن الصراع في أوكرانيا من حيث التموضع مع طرف دون آخر، ورفض مشاركة واشنطن للحصار النفطي لموسكو عقب اندلاع الحرب المدمرة. كذلك فإن الرياض ذهبت نحو الانفتاح على الصين وعقد صفقات بمئات المليارات مع بكين، ما سهل الدور الصيني في رعاية الاتفاق الكبير بين طهران والرياض، وهذا المسار فتح الباب أمام مسار التطبيع مع الأسد.

وفي هذ الإطار ظهرت الاختلافات والانزلاقات العربية، حيث “وعلى مدى سنوات” أخذت التحركات تجاه التطبيع مع نظام الأسد شكلا مخلا بالتوازنات العربية والإقليمية، وكذلك كان مقرراً إنهاء العزلة العربية عن الأسد في قمة الجزائر العام الماضي، ولكن تبين أنّ الخطوة لم تكن جاهزة عربياً في ظل التشدد القطري والكويتي والمغربي والممانعة المصرية من خطوة التطبيع دون تنازلات من النظام، كما أنها لم تلق الترحيب الأميركي والغربي.

لكن الواقع أن الغزو الروسي لأوكرانيا جاء ليفرض تحولات سياسية كبيرة. وثمة من يعتبر أن الحرب قلبت الموازين وبدّلت في طبيعة العلاقات والتحالفات بين القوى الإقليمية والدولية، وكان أبرزها استفادة الصين من الانشغال الأميركي والأوروبي لتوسيع دورها، خصوصا في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وفي هذا الإطار، استطاعت بكين  دفع السعودية إلى الانفتاح والتطبيع مع إيران.

وعليه فإن هذا الواقع استفز الأميركيين عقب شعورهم أن قواعد اللعبة تغيرت في الشرق الأوسط، وأنهم على وشك فقدان الأحادية الذي تمتعوا به طويلاً، أي احتكار النفوذ على هذه البقعة الجغرافية البالغة الأهمية براً وبحراً. ومع ذلك فإن هذا التوتر الأميركي لم يؤد إلى تغير في استراتيجية محمد بن سلمان في المضي في النهج الجديد، القائم على الانفتاح وحلحلة الأزمات باستخدام البراغماتية بدلاً من المواجهة.

وفي هذا السياق، يأتي انفتاحها على نظام الأسد، والذي استكمل بمعالجة أزمة اليمن وحوارات في العراق مع الحشد الشعبي وأذرع إيران الرسمية، بالإضافة لحوار جرى بعيداً عن الإعلام بين الرياض وحماس، عبر الإفراج عن معتقلين للحركة ومن ثم السماح للحركة بزيارة دينية، توجت بلقاء مع مسؤولين في المخابرات والخارجية ووزارة الدفاع، كذلك فإنه جرت جولة حوار منذ أيام بين مسؤولين في السعودية وحزب الله في بغداد.

وأمام تلك التحولات لم تنجح واشنطن في دفع الرياض وأبوظبي لوقف التطبيع مع الأسد. لكن عوامل مساعدة ساهمت في عرقلة تعويم الأسد في اجتماع جدة التشاوري، عبر الفيتو القطري-المغربي، وفقدان الحماسة من الجانب المصري والأردني للانفتاح على الأسد، وهذا قد يكون نتيجة دخول واشنطن على الخط، وسعيها إلى وقف اندفاعة التطبيع بين الأسد والقوى العربية والإقليمية.

وحتى اللحظة، لم يمنع الرفض الأميركي  لمسار التطبيع على الخط السعودي-السوري وقوفه. ولكن، كان لافتاً بيان وزراء الخارجية العرب الذين عقدوا مؤتمرهم أخيراً في جدة، إذ خلا من الكلام عن عودة دمشق إلى الجامعة العربية، وفي المقابل استفاضَ في الدعوة إلى تسوية سياسية في سوريا برعاية عربية – إقليمية، والحديث عن دور سلبي تضطلع به طهران وأذرعها وهذا الموقف له معان سياسية لافتة.

وثمة من يعتقد أن إدارة جو بايدن تدخلت في مسار التطبيع، عبر تذكير الأطراف المتحمسة بأن أي علاقة مع الأسد لاتزال خاضعة لقانون قيصر، ما يعني إمكانية أن يخضع أي مسار تطبيعي مع النظام للعقوبات الأميركية والغربية. وهذا التحذير كان أساسياً في التزام العديد من الدول العربية جانب التريث ووقف اندفاعة الانفتاح على ساكن قصر المهاجرين.

والأكيد أن الأسد وخلال زيارته الأخيرة لسلطنة عمان ولقائه سلطان عمان، سمع موقفاً واضحاً بضرورة أن يذهب باتجاه فتح حوار جانبي مع الأميركيين، عبر إعادة تنشيط التّواصل الأمني مع الأميركيين. بعد أن استضافت مسقط سابقاً بعض جولات هذا التواصل قبل عام بين مسؤولين في الاستخبارات الأميركية (CIA) وضباط من مخابرات النّظام السّوريّ، والتي تمحورت حول مصير مفقودين أميركيين على رأسهم الصحفي أوستن تايس.

وهذا الأمر وصل لمسامع المسؤولين في العواصم العربية، والذين أثيرت حفيظتهم، باعتبار أن الإدارة الأميركية تريد أن تعطي لنفسها الامتياز برعاية التطبيع مع الأسد والتوافق مع طهران، وأن تحافظ على هذا الدور وليس الصين ولا روسيا. ولهذا السبب أيضا، يرجع بعض المسؤولين العرب أسباب تراجع تركيا عن تقاربها مع دمشق، بعدما بلغ شوطا متقدما، برعاية موسكو.

تلفزيون سوريا

———————————

هل بات مفهوم السيادة لعنةً على السوريين؟/ حسن النيفي

شغل مفهوم (السيادة) حيّزاً مهماً في الأيديولوجيا القومية التقليدية، إذ غالباً ما ينطوي على مضمون قيمي رمزي، فضلاً عن إحالته إلى معاني القوّة والمِنعة، إذ إن سيادة الأمة إنما تعني سلامتها وحصانتها من أي تطاول خارجي، ولكن على الرغم من شيوع وتجذّر مفهوم السيادة في الفكر السياسي القومي، ومن ثم لدى السلطات الحاكمة في جميع البلدان العربية، فإنه غالباً ما كان يعني مسألتين اثنتين هما (السلطة والجغرافيا)، وقلما انزاح هذا المفهوم ليشمل المواطنين أو ممتلكاتهم أو كرامتهم أو معيشتهم أو أي جانب من جوانب الحياة البشرية للمواطنين بكل انتماءاتهم واعتباراتهم، بل يمكن التأكيد على أن المواطن في تلك البلدان هو على الدوام منذور دمه وماله للحفاظ على تلك السيادة متى تعرّضت للخطر.

ولئن كان هذا النزوع السيادي للسياسات العربية قد وجد مبرراته ومقوّمات وجوده في معارك الاستقلال الوطني في أربعينيات القرن المنصرم، إلّا أنه ما يزال يحتفظ بتأثيره وحضوره الطاغي حتى الوقت الراهن، بل ما يزال يجسّد المعين الذي تستمد منه السلطات الحاكمة الفحوى الرمزي في دفاعها عن كينونتها ليس في مواجهة أي تطاول أو اعتداء خارجي، بل في مواجهة محكوميها إذا ما اعترضوا يوماً ما على سياسات الحاكم وممارساته، فحينها يصبح احتجاج المحكوم جزءًا من اعتداء الخارج، ويصبح مطلوباً من الحاكم بل من دواعي الشرف عنده أن يواجه بكل ما لديه من قوة مصادر الخطر الذي يهدد سيادة البلاد وأمنها.

بالنظر إلى معظم أدبيات الفكر القومي التقليدي يمكن للمرء أن يدرك بيسر الأولويات التي حظيت بالجهد الأكبر من النشاط الفكري القومي، وأعني مسألة وحدة الجغرافية والسياسة، ولم تكن المسائل الأخرى كالتنمية والاقتصاد والديمقراطية توازي في طرحها الأولويات الكبرى، فالأهم هو (العام – مصلحة الأمة) واللاحق هو (المحلّي)، بل غالباً ما انطوى الاهتمام الزائد بالشأن المحلي اتهاماً مباشراً أو خفياً بالنزعة (القطرية) طالما أن الكيانات (الدول العربية الراهنة) هي حالة مؤقته يجب أن تفضي إلى كيان واحد.

منذ مرحلة ما بعد الاستقلال وحتى الوقت الراهن لم يتخلَّ الحكام العرب عن سلاح (مفهوم السيادة) في أي معركة أو مواجهة، سواء أكانت خارجية أم داخلية، حتى حين يقوم ضابط عسكري بانقلاب على قرين له فإنه يبدأ بيانه العسكري الأول بالقول: (حفاظاً على سيادة البلاد) في إشارة واضحة إلى مبررات انقلابه الذي قام به، ما يعني أن سيادة البلاد تكون بخير فقط حين تكون السلطة بحوزته، وتغيب السيادة وتصبح البلاد عرضة لكل أشكال الشر حين لا يكون قابضاً على السلطة، ولعل هذا النموذج لمفهوم (القائد الأمين المؤتمن الحافظ والعاصم للبلاد من جميع الشرور) لم يعد يجسّد إشكالية محلّية بين الحاكم والمحكوم في بلد محدد، بل بات نمطاً من أنماط التفكير السلطوي العام في أقذر أشكاله البراغماتية، إذ لا يتيح هذا النمط من التفكير لأصحابه التحرر من الشرائع والقوانين والقيم البشرية السائدة فحسب، بل من أي قيمة أخلاقية أو أي نزوع إنساني يعير شيئاً من الاعتبار لكرامة الكائن البشري، ولعل هذه المشكله، ممثّلةً بجذرها الأخلاقي، هي المضمون الجوهري لقضية السوريين في مواجهتهم الدامية للحرب التي أعلنها عليهم بكل ضراوة نظام الإبادة الأسدي منذ أعلنوا احتجاجهم مطالبين باسترداد شروط آدميتهم المغتَصبة في آذار 2011، إذ منذ الأيام الأولى للمواجهة أعلنت السلطة الأسدية أنها تحارب متآمرين على البلاد حتى ولو كانت نسبة هؤلاء المتآمرين تتجاوز نصف سكان سوريا، طالما أن مفهوم البلاد وسيادتها إنما يتجسدان بشخص الحاكم وأمنه فحسب، بدلالة أن البلاد بات اسمها ( سوريا الأسد).

على مدى خمس سنوات ( 2017 – 2022 ) أي تزامناً مع استمرار مسار أستانا واجه المواطنون السوريون شتى أنواع التوحّش والإبادة، بما في ذلك التهجير القسري واستئصال المواطنين من بيوتهم وبلداتهم كما عليه الحال في حلب الشرقية والغوطة ودرعا والعديد من المدن والبلدات، وإعادة سيطرة قوات الأسد على ما يسمى مناطق خفض التصعيد، وفي نهاية كل لقاء للدول الراعية لأستانا يصدّرون بيانهم الختامي بعبارة (الحفاظ على سيادة وأمن الدولة السورية)، في نزوع واضح إلى أن سيادة سوريا إنما تعني استمرار سيادة الحاكم وسلامته واستمرار تمكينه من السيطرة على البلاد، أمّا من يموتون بوابل قصف الطائرات الروسية والذين ينزحون ويُطردون من ديارهم فلا علاقة لهم بمفهوم السيادة ولا الأمن، وحين أعلنت الحكومة التركية توجهها بالتقارب مع الأسد في شهر آب من العام الفائت كان الحفاظ على وحدة وسيادة سوريا هو الشعار الذي يجبّ جميع ما ارتكِبَ بحق السوريين من فظائع، ولن تكون الأنظمة العربية الزاحفة لإعادة احتضان الأسد أقل تمسّكاً وبراعة في استثمار مفهوم السيادة كسبيلٍ ليس لتلبية مصالحها السلطوية فحسب، بل لتعزيز مأساة الشعب السوري وتأبيد معاناته، علماً أن تلك الحكومات العربية هي ذاتها من نعتت الأسد بالمجرم والقاتل حين قاطعته، وكل ممارسات وسلوك (مجرم الأمس) بعد القطيعة تؤكّد التصاقه الوثيق وعدم مفارقته بالمطلق لنهجه الإجرامي، فما الذي جعله اليوم (فخامة الرئيس)؟ إنه مفهوم السيادة والحرص على سلامة وأمن البلاد السورية، ومن الذي يهدد سلامة الدولة السورية وأمنها؟ هل هي إسرائيل؟ لم يسبق لأي دولة عربية من الساعية نحو التطبيع مع الأسد أن احتجت أو أعلنت رفضها وإدانتها للاستهداف الإسرائيلي المتكرر الذي جعل من الجغرافية السورية ساحة للعبة (القط والفأر) بين طهران وتل أبيب، وكذلك لم تجد أيٌّ من تلك الدول في الاحتلال الروسي المطبق على مقدرات الدولة السورية، ولا في التوغل الإيراني المخيف، أي مظهر من مظاهر انتهاك السيادة السورية، ولا هي في وارد حسبانها أكثر من مليوني شهيد وإفراغ البلاد من  نصف سكانها بين مهجّر ونازح، ولا مئات الآلاف من المعتقلين والمعتقلات في السجون، نعم إن جميع تداعيات المقتلة السورية التي جسّدت أكبر المآسي فداحةً في العصر الحديث لا علاقة لها من قريب أو بعيد بمفهوم السيادة كما هو لدى الحكومات العربية، بل لعل السوريين الذين ناهضوا الطغيان وطالبوا باسترداد حقوقهم وحريتهم هم وحدهم ليس الخطر الداهم لسيادة البلاد السورية فحسب، بل للأمن القومي برمته!

ربما كانت الحكومات اللاهثة نحو الأسد أكثر انسجاماً مع لهاثها لو أفصحت بصدق عن مسعاها بتحقيق مصالحها الأمنية والسلطوية كأولوية قيمية لديها تتقدّم على أي اعتبار أخلاقي أو إنساني تجاه الشعوب، ولن يكون للسوريين – حينئذٍ – أو لسواهم أي قدرة على الاعتراض ولن يكونوا أوصياء على سياسات الدول الأخرى، أمّا أن يكون مفهوم السيادة الزائف سبيلاً لتعويم المجرم وتأبيد الجريمة، فذلك هو الوباء الأخلاقي الذي أُسست عليه السياسات العربية حيال شعوبها.

تلفزيون سوريا

—————————-

الحل العربي للمسألة السورية/ رضوان زيادة

بعد أن انتهى اجتماع جدة في السعودية من دون أن يثمر عن أي نتائج، يصح القول عن مدى جدوى هذه الاجتماعات في ظل هذا الانقسام العربي حول القضية السورية، لكن الطريف في الأمر هو التصور العربي ذاته للحل في سوريا واختصار هذا التصور في إعادة تأهيل الأسد وإعادته إلى مقعد الجامعة العربية التي يبدو أن الأسد ذاته غير مهتم بها.

دون أن يدرك هذا التصور أن هذا لا يشكل أي حل للمسألة السورية المتشعبة والمعقدة فإعادة الأسد لن يقنع ملايين اللاجئين بالعودة إلى وطنهم ما دام الأسد في الحكم، وتأهيل الأسد لن يقنع ملايين النازحين بالعودة إلى مدنهم وقراهم وخاصة أولئك الملايين على الحدود السورية التركية الذين لا يرغبون بأي شكل بالعودة إلى “حضن الأسد” حيث القتل والتعذيب والإبادة.

كما أن عودة الأسد إلى مقعد جامعة الدول العربية لن يطلق سراح مئات الألوف من المعتقلين السياسيين الذين ينتظرون طريقهم في التعذيب والقتل، ولذلك أقل ما يوصف بهذا التصور العربي أنه أقرب للسذاجة منه إلى حل للمسألة السورية، فعودة الأسد لحضن الجامعة لا يمثل بأي شكل حلا لأي من قضايا المسألة السورية المتشعبة بالعكس تماما عودة الأسد يعني تقويته ضد الشعب السوري كي يستمر في التعذيب والقتل كي يستمر في مصادرة أملاك النازحين واللاجئين كي يستمر في حلفه مع إيران ضد رغبات الشعب السوري في الحرية وبناء دولة ديمقراطية.

عودة الأسد للجامعة تمثل إهانة للشعب السوري ولملايين السوريين الذين تعرضوا للتعذيب والتهجير والتشريد، ولذلك وجدنا رفضا شعبيا لمثل هذه الخطوات العربية السعودية والإماراتية وغيرها من الدول العربية التي تتبنى هذا التصور الساذج في اعتقادها لإنهاء المسألة السورية عبر مجرد مد السجادة الحمراء للأسد الذي تفنن في قتل آلاف السوريين عبر البراميل المتفجرة والسلاح الكيماوي والحصار وغيرها من أدوات القتل والتعذيب. الذين على ما يبدو تناسوا كل ذلك وما حصل للشعب السوري على مدى 12 عاما وقرروا مصافحته مجددا.

لم يشهد التاريخ العربي المعاصر قاتلا أثخن بشعبه كما فعل الأسد وإذا سمح العرب بعودته يعني انهيارا كاملا للمنظومة العربية أخلاقيا وسياسيا مما سيعني بشكل أو بآخر مدى خواء هذه المنظومة العربية على المستوى الحقوقي والأخلاقي وكيف أن هذه المنظومة العربية سياسيا تعتمد على معايير عربية مغرقة في انتهاكات حقوق الإنسان ومغرقة في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، عودة الأسد تعني السماح العربي لقاتل من طراز الأسد أن يصبح جزءاً من المنظومة العربية وجزءاً من المنظومة السياسية العربية.

عودة الأسد للجامعة العربية يعني تداعيات كبيرة على مستوى الجامعة العربية صورتها ومصداقيتها على مستوى العالم، كيف سينظر لها العالم والولايات المتحدة وأوروبا وغيرها من الدول ينظر لها كمنظومة إقليمية تضم مجرما من حجم الأسد الذي امتلأت خزائن الأمم المتحدة بتقارير تصف طرق شرطته وأجهزته الأمنية بالتعذيب والقتل وارتكاب أكبر الفظائع بالشعب السوري الذي يحكمه بالقوة والقتل والنار.

شكرا للدول العربية التي عارضت عودة الأسد للجامعة العربية كقطر والكويت والأردن والمغرب، فهي الأقل تدرك حجم التداعيات الخطيرة على عودة مجرم بحجم الأسد إلى الحظيرة العربية التي نأمل دوما أن تكون انعكاسا للقيم العربية في التضامن واحترام حقوق الإنسان والعدالة ، هذه هي القيم التي يجب أن تعكسها الثقافة العربية وليست قيم القتل والتعذيب والتشريد.

تلفزيون سوريا

—————————

النظام السوري يكذب بيان الدفاع التركية: لا تطبيع قبل الانسحاب من سوريا

نفى مصدر في النظام السوري، مساء اليوم الثلاثاء، صحة المعلومات التي وردت في البيان الذي نشرته وزارة الدفاع التركية، والتي تحدثت عن خطوات ملموسة تتعلق بتطبيع العلاقات بين أنقرة والنظام.

وقال المصدر لصحيفة الوطن المقربة من النظام السوري، إن ما حصل في الاجتماع بين وزراء دفاع تركيا وروسيا وإيران والنظام “كان للبحث في آلية انسحاب القوات التركية من الأراضي السورية ولم يتطرق الاجتماع إلى أي خطوات تطبيعية بين الجانبين”.

وأضاف أن التطبيع أو العلاقة الطبيعية بين تركيا والنظام السوري تعني انسحاب القوات التركية من الأراضي السورية، وبغير الانسحاب لا تنشأ ولا تكون هناك علاقات طبيعية.

وأشار إلى أن الانسحاب هو أول مسألة يجب أن يجري حسمها في مباحثات عملية التطبيع.

لا جديد في الاجتماع الرباعي

وانتهى الاجتماع الرباعي في موسكو على مستوى وزراء دفاع روسيا وتركيا وإيران والنظام السوري، اليوم الثلاثاء، بتأكيدات تركية على وحدة الأراضي السورية وتكثيف العمل على إعادة اللاجئين السوريين، في حين قالت وزارة دفاع النظام السوري إن الاجتماع بحث موضوع انسحاب القوات التركية من سوريا إضافة إلى موضوع تطبيق الاتفاق الخاص بالطريق الدولي المعروف باسم طريق إم فور.

وذكرت وزارة الدفاع التركية، في بيان، إن أطراف الاجتماع الرباعي أكدوا على أهمية وحدة الأراضي السورية، إضافة إلى تكثيف جهود إعادة اللاجئين.

وبينت الوزارة أن الاجتماع ناقش الخطوات الملموسة التي يمكن اتخاذها في مجال تطبيع العلاقات التركية السورية خلال الاجتماع الرباعي في موسكو، مشيرة إلى أنّ الاجتماع مع وزراء دفاع سوريا (النظام) وروسيا وإيران كان بنّاءً.

وتابعت أنّ الأطراف ناقشت محاربة المنظمات الإرهابية وجميع الجماعات المتطرفة في سوريا، وتم التأكيد على أهمية استمرار الاجتماعات الرباعية من أجل الحفاظ على الاستقرار في سوريا.

الاجتماع الرباعي في موسكو

وعقد الاجتماع بحضور وزراء الدفاع التركي خلوصي أكار، والروسي سيرغي شويغو، والإيراني محمد رضا أشتيان، ووزير دفاع النظام السوري علي محمود عباس، كما سيشارك فيه أيضاً رؤساء استخبارات الأطراف الأربعة.

ويأتي الاجتماع “استمراراً للمحادثات التي جرت بين الأطراف الأربعة في الـ 28 من كانون الثاني في العاصمة موسكو”، بحسب بيان صادر عن وزارة الدفاع الروسية.

وكان أكار قد أعلن عن الاجتماع خلال لقاء تلفزيوني، أمس الإثنين، معرباً عن “أمله” في تحقيق تطورات إيجابية.

—————————————

بيث فان شاك: التطبيع مع الأسد يجب ألا يكون مجاناً

حاورتها من لندن: ديمة ونوس

بعد اثني عشر عاماً على انطلاق الثورة السورية، لا يزال الطريق إلى العدالة طويلاً وشاقاً بالنسبة إلى ملايين السوريين المشرّدين في أصقاع الأرض.

حتى اللحظة، لم تشهد معظم عائلات الضحايا محاسبة المسؤولين عن تلك الأهوال، ولم تقتف أثر المفقودين من أبنائها، وسط مؤشرات إلى قرب عودة رئيس النظام السوري بشار الأسد إلى محيطه العربي. وما دامت أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعد عام فقط على غزوه أوكرانيا، فلماذا لم تصدر مذكرة مشابهة بحق الأسد، رغم أكثر من 12 سنة من إراقة الدماء والاعتقال والترهيب والتهجير؟

وما هو موقف الغرب من التطبيع العربي مع الأسد؟ وهل سيمتلك السوريون “مفاتيح” العيش المشترك بعد كل الأهوال التي اختبروها؟ للإجابة على بعض الأسئلة المطروحة اليوم في الملف السوري، التقت “العربي الجديد” السفيرة الأميركية للعدالة الجنائية العالمية بيث فان شاك.

*السؤال الأول الذي يتبادر إلى الذهن، لماذا أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ولم تصدر مذكّرة مشابهة بحق بشار الأسد؟

جزء من الإجابة على هذا السؤال يتعلق بالسلطة القضائية وبالطريقة التي جرت عبرها صياغة المعاهدة في تسعينيات القرن الماضي، عندما اتّفق المجتمع الدولي على إنشاء المحكمة الجنائية الدولية. حيث اقتصرت السلطة القضائية على الدول التي صادقت على المعاهدة، وسورية لم تصادق عليها بالطبع.

*ولا أوكرانيا صادقت على المعاهدة؟

نعم، لكنها قبلت بالولاية القضائية، لذا يمكنها القيام بذلك في حالات معينة. أما المسار الآخر فهو مجلس الأمن، وهو مسار مغلق لكل من سورية وأوكرانيا بسبب الفيتو الروسي. لذلك كانت هنالك مساعٍ في العام 2014، بقيادة سويسرية ومشاركة ما يقارب 50 دولة، للحصول على موافقة مجلس الأمن لإحالة ملف سورية إلى المحكمة الجنائية الدولية، لكن روسيا اعترضت على ذلك، ومثلها فعلت الصين لاحقاً. لهذا السبب، يبدو الأمر وكأنه عدالة انتقائية وغير متكافئة.

*هل يمكن لبوتين أن يعتقل في يوم من الأيام؟

لدي ثقة بأنه لن يفلت من العقاب ولن يبقى في السلطة إلى الأبد. إنها لعبة طويلة الأمد إن كان بالنسبة لي أو بالنسبة لباقي العاملين في هذا المجال. إنه ماراثون وليس مجرّد سباق قصير. وإن كنت لا أعلم ما الذي سيحدث بدقة، إلا أن شخصيات مثل سلوبودان ميلوسيفيتش أو أوغستو بينوشيه أو حسين حبري، لم تكن تعبر أذهانهم بكل تأكيد فكرة الوجود داخل قاعة المحكمة، إلا أنهم جميعهم وجدوا أنفسهم داخلها.

حالياً، بوتين محاصر في بلده، لننتظر ونرى كيف ستتعاطى معه مختلف الدول في حال قرّر أن يغادر حدود بلده. الرحلة الأولى التي نعرف عنها، ومن المقرر أن يقوم بها إلى دولة عضو في المحكمة الجنائية الدولية، هي للمشاركة في مؤتمر مجموعة بريكس في جنوب أفريقيا في شهر أغسطس/آب القادم، والتي تحدّث القضاة عنها قائلين إنهم ملزمون باعتقاله قانونياً في حال قرّر الذهاب. فهل سيلتزمون بتعهّداتهم؟ لذا فإن الإجابة المختصرة على سؤالك هي أنه علينا الانتظار لمعرفة مصيره، ولكن ليس هناك أي شك في أن عالمه تقلص بعد مذكرة الاعتقال هذه.

*قبل عامين، نشرتِ كتاب “تخيّل العدالة من أجل سورية”، ما الذي تغير منذ ذلك الحين؟

الجزء الأول من عملي على الكتاب كان حزيناً ومحبطاً في ما يتعلق بالسؤال عن العدالة. ولكن بعد تجاوز تلك اللحظة والمضي في البحث عن مسارات أخرى، تبدأ تلك الضبابية بالانقشاع، فتتضح الرؤيا أكثر فأكثر.

لدينا اليوم عشرات القضايا التي أحرزت تقدماً، بما في ذلك الإدانات التي شهدناها في المحاكم الوطنية. صحيح أن عجلة العدالة بطيئة في محكمة العدل الدولية، إلا أنها ليست معطّلة. لدينا الآلية الدولية المحايدة والمستقلة، والتي تمتلك مخزوناً هائلاً من الأدلة، ما يمهّد الطريق أمام المدّعين العامين للقيام بعملهم ورفع القضايا المكلّفين بها. كما أن المدّعين العامين متحدون اليوم بشكل أكبر، ويجتمعون بانتظام ويتشاركون الاستراتيجيات وما إلى ذلك. لذا فقد مُهّدت الطريق أمام كل المسارات الضبابية التي ذكرتها في كتابي، ونحن نمضي اليوم في طريق أكثر رحابة وإشراقاً.

*تؤيدين نموذج المحاكم المحلية، ما هي طرق دعمك لها؟

أجد أن تلك المحاكمات والقضايا المرفوعة هي واجب أساسي على جميع دول العالم لفرض القانون الدولي. نحن جزء من الأسرة الدولية، وقد صادقنا على الالتزام بالتحقيق في الجرائم الدولية وبمقاضاة مرتكبيها، بموجب الانضمام إلى المعاهدات الدولية التي تحدد بوضوح شديد تلك الالتزامات. وهذا يتطلب منا إدراج تلك المحظورات في قوانين العقوبات لدينا، ثم نشر محقّقينا في حال توفّر أي دليل محتمل على انتهاك تلك المعاهدات.

لا يمكننا الاعتماد على المؤسسات الدولية للقيام بهذا العمل. حتى المحكمة الجنائية الدولية لا تستطيع أن تتبنّى سوى عدد قليل من قضايا أي دولة. وبالتالي، فإن أي مساءلة شاملة ستتطلب من المحاكم الوطنية أن تكون هي محركات العدالة، وهذا ما نراه الآن في الكثير من القضايا السورية.

* كيف تقيّمين قرار القضاء الفرنسي محاكمة 3 مسؤولين سوريين كبار، بمن فيهم المدير السابق للاستخبارات العامة السورية التابعة للنظام علي مملوك؟

أعتقد أنه مهم للغاية. حتى وإن كانت كل حالة فريدة وعرضية ولا تتناول سوى عدد قليل من الناجين والضحايا، إلا أن تأثيرها كبير جداً برأيي. أولاً، لأن ناجين آخرين سيرون العدالة تتحقق عبر تلك القضايا، حتى وإن لم تكن قضاياهم. ثانياً، لأن هذا الأمر يشكّل سابقة قانونية يمكن للمحاكم الأخرى الاعتماد عليها. ثالثاً، أعتقد أن قضية كهذه ستحفّز العدالة في مكان آخر، وستدفع المدّعين العامين في بلدان أخرى للقيام بالجهد ذاته.

*الصورة العامة قاتمة، نشهد حالياً “انتصار” النموذج الآخر. الصين تبني تحالفات جديدة بما يكرّس نموذجها، روسيا كذلك، والنظام السوري “انتصر” بشكل أو بآخر. ما تعليقك؟

أحد أسباب استضافتنا قمّة الديمقراطية الثانية هو محاولة إثبات الحالة التي تقدمها الديمقراطيات، وطرح الأسئلة حول الجدوى من السير في طريق الاستبداد والانحياز للأنظمة الاستبدادية. لكن ليس هناك شك في أن الصين تحاول عبر مبادرة الحزام والطريق جذب التحالفات إلى مدارها بشتى الطرق، بما فيها توزيع القطارات المجانية، إلا أن ذلك لا يعني أن الرخاء الاقتصادي الذي تعد به قد تحقق، فالقطارات تتعطّل بعد سنوات قليلة. وأعتقد أن بعض الدول التي جذبتها مبادرة الحزام والطريق تلك أدركت لاحقاً أنها كانت مخطئة. إنه تحدّ عالمي وعلينا أن نثبت أن الديمقراطية هي أفضل شكل من أشكال الحكومات التي قمنا بتطويرها.

*من موقعك كسفيرة للعدالة الجنائية، كيف تنظرين إلى التطبيع العربي مع بشار الأسد؟

سياسة الولايات المتحدة في عدم التشجيع على التطبيع واضحة. نريد أن نرى المساءلة والمحاسبة عن الانتهاكات التي أدرجت على أنها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ارتكبها الأسد ضد شعبه بمشاركة روسيا. كما أن التطبيع يجب ألا يكون هدية مجانية، بل فرصة لانتزاع بعض التنازلات الإنسانية وغيرها من نظام الأسد، كالإفراج عن المعتقلين والمغيّبين قسراً، والتواصل مع عائلات الضحايا والسماح بعودة اللاجئين وباستعادتهم ممتلكاتهم. هذا ما آمل أن تطلبه بعض دول المنطقة كبادرة حسن نية.

*لكن هل من خطوات ستتّخذها الإدارة الأميركية ضدّ الدول العربية المطبّعة؟

نراقب الوضع عن كثب ونشجع الدول على عدم التطبيع المجاني.

*ما الذي يميّز الصراع السوري عن غيره من الصراعات؟

كل الصراعات فظيعة، وعندما نتحدث إلى الناجين، وهذا ما أحاول فعله دائماً، نرى قصصهم متشابهة. كانت لديهم مسارات مختلفة في الحياة، منهم من كان يريد أن يصبح طبيباً، ومنهم من كان يحلم بالوقوع في الحب والزواج والإنجاب، إلا أن كل تلك المسارات تعطّلت بسبب الاستبداد أو العنف أو الصراع أو الجرائم ضد الإنسانية. إنها مأساة إنسانية، ولهذا الغرض وُجد القانون الدولي وحقوق الإنسان الدولية في محاولة لمنع ذلك.

وفي الحالة السورية، كان الأمر مفجعاً، وما رأيناه هو انتهاكات خطيرة لم تنج منها حتى المدن التاريخية التي تحولت إلى ركام، مثل حلب، التي أشعر بندم كبير لأنني لم أزرها من قبل. هذا عدا ملايين النازحين ممن يعيشون في ظروف غامضة للغاية. الاقتصاد يعيش أيضاً حالة من الفوضى، على عتبة الانهيار. لذا فهي مأساة إنسانية. كانت الفرصة ملائمة بداية “الربيع العربي” لكي يخوض بشار الأسد حواراً مع كافة الأطراف، إلا أنه سلك طريق الاستبداد مستخدماً العنف ضد المتظاهرين السلميين، بمن فيهم الأطفال. ولم ننس بعد قصة الطفل الصغير الذي جرى اختطافه وتسليمه إلى عائلته جثة مشوهة.

*من وجهة نظر العدالة، أو غياب العدالة في الحالة السورية، كيف سيؤثر ذلك على قدرة السوريين على التعايش مجدّداً في المستقبل؟

ما نراه وما نعرفه من خلال الأبحاث الأكاديمية هو أن المجتمعات التي لا تعالج هذه المظالم ستكون محكومة بعدم الاستقرار، وبالعودة مجدّداً إلى استخدام العنف، حتى لو بعد جيل، عبر الناجين من الأطفال، لأن مطلب العدالة والمحاسبة لا يختفي بمرور الوقت. لذا أعتقد أن الرغبة في إحلال السلام في بلد ما تنطلق من معالجة تاريخ العنف.

سيرة ذاتية:

بيث فان شاك محامية وباحثة أميركية مُتخصّصة في القانون الجنائي الدولي وحقوق الإنسان. عينت في 17 مارس/آذار 2022 في منصب السفيرة الأميركية للعدالة الجنائية العالمية. وتتمحور مهمتها في تقديم المشورة لوزارة الخارجية الأميركية بشأن القضايا المتعلقة بمنع الجرائم الفظيعة والرد عليها، بما في ذلك جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية.

وكانت فان شاك قد شغلت منصب نائب السفير الأميركي للعدالة الجنائية العالمية بين 2012 و2013. وقبل تسلمها منصبها الحالي، عملت فان شاك أستاذةً في حقوق الإنسان في كلية الحقوق بجامعة ستانفورد، حيث درّست القانون الجنائي الدولي، وحقوق الإنسان، والاتجار بالبشر، والأدوات القانونية والسياسية لمنع الفظائع. كما عملت في مكتب المدعي العام للمحكمتين الجنائيتين الدوليتين لرواندا ويوغوسلافيا السابقة في لاهاي.

ونشرت فان شاك العديد من المقالات حول قضايا حقوق الإنسان والعدالة الدولية، بالإضافة إلى كتاب “تخيّل العدالة من أجل سورية” في العام 2020. وكانت قد شغلت، بين العامين 2014 و2022، منصب المحرر التنفيذي لـ”Just Security”، وهو منتدى عبر الإنترنت لتحليل الأمن القومي والسياسة الخارجية والحقوق.

العربي الجديد

—————————–

أنور البني: القضايا ضد النظام بالخارج تساهم بعرقلة إعادة تأهيله

شهدت دول أوروبية عدة محاكمات لشخصيات من النظام السوري متهمة بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، بفضل جهود حقوقية من منظمات سورية في الخارج، من بينها المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية.

تحدثت “عربي21” مع رئيس المركز أنور البني، لتسليط الضوء على الجهود السورية في الدول الأوروبية في ملاحقة من يثبت اقترافه جرائم في سوريا ضد المدنيين، ودورها في عرقلة إعادة تأهيل نظام بشار الأسد عربيا ودوليا.

أنور رسلان وإياد غريب وعلاء موسى وغيرهم، شخصيات من النظام السوري جرت محاكمتهم في دول أوروبية، بمحاكمات وصفت بـ”التاريخية”، بعد ملاحقتهم من المركز الذي يترأسه البني بشراكات مع منظمات حقوقية سورية وأوروبية.

البني محامي سوري وناشط حقوقي يعيش في ألمانيا، يرأس المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية، الذي كان له دور في القضايا ضد مسؤولين بارزين في النظام السوري في دول أوروبية، ويعد المسؤول عن جمع شهادات ضحايا التعذيب من السوريين.

عن جهود المركز السوري، أوضح أنها في كل من ألمانيا (على وجه التحديد) وفرنسا والسويد وبلجيكا وغيرها.

تناول البني في معرض المقابلة، الحملة الإلكترونية التي شارك في إطلاقها، وهي “لا لإعادة تأهيل المجرمين”، موضحا أن الهدف منها، الضغط باتجاه عدم تطبيع العلاقات العربية مع النظام السوري، وإعادته إلى جامعة الدول العربية.

وأشار إلى أن القضايا التي يشارك مركزه في رفعها ضد مسؤولي النظام السوري في الدول الأوروبية، تساهم في عرقلة إعادة تأهيل النظام، لا سيما أنهم متهمون بجرائم حرب وضد الإنسانية، ما يسبب حرجا في تطبيع العلاقات معهم.

وشدد على خطورة إعادة تأهيل النظام السوري عربيا ودوليا، مؤكدا أن جهود مقاضاة مجرميه ستستمر، وأنها تساهم في عرقلة تطبيع العلاقات مع نظام الأسد.

وتاليا النص الكامل لمقابلة “عربي21” مع المحامي أنور البني:

في البداية، حدثنا عنكم، وعن عملكم كمحام سوري نشط في أوروبا وتحديدا في ألمانيا، وقد عُرف عنكم ملاحقتكم لمرتكبي جرائم الحرب في سوريا؟

منذ صولي إلى أوروبا في نهاية عام 2014، كان الهاجس عندي أن ألاحق المجرمين، وأن لا أسمح بأن يفلتوا من العقاب، لا سيما أولئك الذين ارتكبوا جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب في سوريا.

سعيت إلى أن أجد طريقة نستطيع من خلالها ملاحقتهم، وأن تصل لهم الرسالة بأنهم لن يفلتوا من العقاب، باعتبار أن القوانين والدستور في سوريا يمنحهم حصانة كاملة من الجرائم التي يرتكبونها في سوريا.

فكان الدافع عندي بأن نجد طريقة لنكسر هذا الحاجز الذي يمنع ملاحقتهم ومحاكمتهم، بالإضافة إلى أن محكمة الجنايات الدولية محكمة غير مختصة، لأن سوريا غير عضو فيها.

كذلك، فإن مجلس الأمن فشل مرات عدة في ملاحقة هذه الجرائم بسبب الفيتو الصيني والروسي، بالتالي كانت الأبواب مغلقة أمام تحقيق العدالة بالنسبة للضحايا السوريين.

وهذا ما دفعنا إلى التحرك في بلدان أوروبية عدة بجهود جماعية لمجموعة من المحامين ومنظمات حقوقية دولية ومحلية، لملاحقة مجرمي الحرب خارج سوريا.

من هم المسؤولون الكبار في النظام السوري الذين تمكنتم من ملاحقتهم في أوروبا، ومن الذين لا تزالون تقاضونهم بتهم تتعلق بجرائم ضد الإنسانية في سوريا؟

تمكنا في عام 2017، بتقديم أربعة ملفات أمام القضاء الألماني بمساعدة المركز الأوروبي للدستور وحقوق الإنسان، ومنظمات سورية أخرى مثل مجموعة ملفات “قيصر” والمركز السوري لحرية الإعلام، والأرشيف السوري، وعدد آخر من المنظمات مثل الشبكة السورية لحقوق الإنسان.

قدمنا الملفات الأربعة أمام المدعي العام الألماني عام 2014، وتختص في فروع الأمن العسكري في دمشق، وفروع الأمن الجوي، ولاحقنا المسؤولين عن سجن صيدنايا والمشافي العسكرية.

استهدفنا 27 شخصية عالية المستوى من النظام السوري، بما فيهم بشار الأسد وشقيقه ماهر الأسد قائد الفرقة الرابعة، وعلي مملوك رئيس مكتب الأمن القومي، ونائبه عبد الفتاح قدسية الذي يعد مستشارا للأسد أيضا، وديب زيتون المسؤول الأمني الكبير، ومسؤولين آخرين عن أجهزة الأمن العسكري والأمن الجوي، وجميعهم مرتكبون لجرائم تعذيب واعتقال تعسفي وإخفاء قسري، وبعضهم متهمون بتعذيب معتقلين، وقتلهم تحت التعذيب.

وتم إصدار مذكرات توقيف عام 2018، بحق عدد من المسؤولين الكبار، منهم مملوك، وجميل الحسن رئيس إدارة المخابرات الجوية، وعبد السلام محمود رئيس قسم التحقيق بفرع الأمن الجوي.

تابعنا أيضا تقديم ملفات أمام الادعاء العام في كل من النمسا والسويد والنرويج وألمانيا، وشملت الملفات 60 شخصية عالية المستوى في فروع الأمن في دمشق وحلب وإدلب والرقا وحمص وحماة وطرطوس.

هذا بالإضافة للملف الموجود في فرنسا ضد الأمن الجوي، بسبب وجود ضحيتين فرنسيتين سوريتين.

وصدرت مذكرتا توقيف من مدعي عام النمسا، بحق عدد من المسؤولين، منهم مملوك والحسن وعبد السلام محمود، ولا يعني أن هذه المذكرات التي صدرت وأُعلن عنها ستكون الأخيرة، أو أننا سنكتفي بها فقط، بل ربما تكون هناك مذكرات توقيف أخرى بحق عدد كبير من مسؤولي النظام، ومنهم بشار الأسد نفسه، باعتبار كلهم موضوع تحقيقات مفتوحة أمام القضاء الأوروبي.

هل هناك تفاعل إيجابي معكم من السلطات الرسمية في الدول الأوروبية وفي ألمانيا تحديدا، في ما يتعلق بملاحقة مجرمي النظام السوري؟

أكيد، هناك ردود فعل إيجابية من السلطات القضائية أو جهات الادعاء العام، مع جهود السوريين لإحقاق العدالة. وكان هناك تجاوب مع هذه الجهود، ما أدى إلى قبول مساعدة السوريين لتحضير الملفات وقبول الأدلة بعد تمحيصها، والتأكد من صحتها ومصداقيتها، وإلى التجاوب الذي حدث من خلال تهيئة الملفات، حتى تكون جاهزة أمام القضاء الألماني.

كذلك المحاكم الألمانية لقينا منها تجاوبا، فقد اتخذت إجراءات تضمن ألا تأخذ المحاكمة وقتا طويلا جدا دون مبرر، أو أن تتأخر العدالة، بالإضافة إلى التجاوب السياسي الذي يتجلى بالتصريحات السياسية المؤيدة لمحاسبة النظام، والمؤيدة لإجراءات ملاحقة المجرمين الموجودين في أوروبا.

سعينا إلى جمع الأدلة وشهادات السوريين، وتوفير الفرصة للضحايا لتحقيق العدالة.

حدثنا عن الحملة التي أطلقتموها “لا لإعادة تأهيل المجرمين”، وما الهدف منها، وما الذي ستحدثه من فرق، خاصة إن كانت هناك خطوات عملية بعدها؟

الحملة أطلقت بمناسبة قيام بعض الدول العربية بإجراءات لزيارة المجرمين في سوريا، وتفكير البعض بإعادة العلاقات مع النظام السوري أو إعادة تأهيله.

الحملة ربما لا يكون لها القدرة على إيقاف مثل هكذا أنواع من الممارسات الإجرامية، لكن بشكل أكيد، فإن لها قدرة على التوضيح للرأي العام في هذه الدول وفي العالم كله، كم أن هذه المحاولات هي مجرّمة، باعتبار أن من يحاولون إعادة تأهيلهم هم مجرمون ومتهمون أمام القضاء الأوروبي، وأصبحوا متهمين بجرائم ضد الإنسانية.

نسعى إلى أن نوضح، بأن الإجراءات التي اتخذت على الصعيد القضائي ستكون مانعا قانونيا حتميا لمواجهة أي عمليات تطبيع، لأنه لا يمكن لهؤلاء المجرمين أن يعاد تأهيلهم أوروبيا أو غربيا بشكل قانوني، لأنهم متهمون بجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب.

لكن الحملة، وإن كانت لا تستطيع وقف التأهيل، إلا أنها تمثل تبيانا لموقف السوريين من ذلك، وتوضيحا للرأي العام لمدى خطورة إعادة تأهيل هؤلاء المجرمين، والسماح لهم بأن يكونوا جزءا من المجتمع العربي.

في اعتقادي، لن يقف المجرمون ضد بعضهم، ودائما يشدون أزر بعضهم، ولا يمكن أن يسمحوا بسقوط واحد منهم، لأنهم يدركون في حال سقوط أحدهم فإن الدائرة كلها مهددة، بالتالي فإن المجرمين دائما في كل الدول يمسكون بأيدي بعضهم، ويشجعون العالم ليتعامل معهم، لأنهم بنفس الآلية، يريدون عدم فقد علاقاتهم مع العالم إذا ارتكبوا جرائم سابقا أو مستقبلا.

إعادة التطبيع مع النظام السوري تأتي إظهارا للعلاقات التي كانت تحت الطاولة لتظهر فوقها لا أكثر، ولا أقل، لكن لا يمكن أن يعاد تأهيل هؤلاء المجرمين دوليا، لأن هناك قضايا كثيرة ضدهم، ولا يمكن حلها باستمرار وجود هؤلاء المجرمين في السلطة.

هل تمكن عدد من عناصر النظام السوري من الهروب من المحاسبة في دول أوروبية؟ من يتحمل مسؤولية ذلك؟

الكثير من المجرمين وصلوا إلى أوروبا، وهم تابعون للنظام السوري، وغالبيتهم أو بعضهم ينتمون لمنظمات إرهابية في سوريا، ونحن نقدّر عددهم بحدود ألف مجرم ارتكبوا جرائم حرب تمكنوا من الدخول إلى أوروبا. لكن هذا لا يعني أننا سنلاحق أي شخص إلا من خلال الأدلة والشهود.

يجب أن يتوفر هناك ضحايا للشهادة ضد أي شخص يتهم بالتورط بجرائم ضد الإنسانية، وأن يحددوا المكان والزمان المرتبط بالجريمة، وبشكل حتمي وليس بشكل افتراضي نسبي.

نحن نسعى لملاحقة أي مجرم نعرفه، ونستطيع إثبات الجريمة التي ارتكبها، وبالتأكيد فإننا لن نقصّر في ملاحقتهم.

أخبرنا عن الصعوبات التي تواجهكم في ملاحقة أي شخصية من النظام السوري متهمة بجرائم في سوريا؟

أمامنا صعوبات في العمل تتعلق بإثبات الجرائم والأدلة والشهود. والضحايا هم الأبطال الحقيقيون بكل هذا العمل، لأنهم من يحمل الهم الأكبر، والمعاناة التي تعرضوا لها، ويضطرون لعيش الذكرى مرة ثانية، وبالمخاطرة بتهديد حياتهم أو حياة أهلهم أو أقاربهم الموجودين في سوريا.

في الواقع، هذه هي الصعوبات الأساسية، لا سيما خوف الضحايا من الشهادة بسبب احتمالية الانتقام من عائلاتهم في سوريا.

يضاف إلى ذلك، صعوبات الترجمة غير السهلة، التي تتم من خلال ترجمة الوثائق للتعامل مع لغة مختلفة، والتعامل مع نظام قضائي مختلف، لكن هذه الصعوبات تم تجاوز معظمها.

وتمر علينا حالات نكون أمام شهود إما مزيفين يحاولون أن يسيئوا للتحقيق، أو أن يسيئوا للملف ككل، أو يأتينا شهود يدّعون أنهم كانوا ضحايا، وهناك من تختلط عليه الأمور في ذهنه، ويمكن أن يبالغ في وصف التعذيب، معتقدا أنه يفيد التحقيق، بينما في الواقع الحقيقة وحدها هي التي تفيد أي قضية.

ما دور مؤسستكم التي ترأسونها في ملاحقة النظام السوري وإعادة تأهيله، لا سيما عربيا؟

كان لنا دور في محاكمة ضابط الاستخبارات السوري السابق أنور رسلان التي تمت بالفعل في محكمة كوبلنز في ألمانيا، وإياد غريب العنصر السابق في الاستخبارات السورية أيضا، وفي محاكمة علاء موسى الطبيب الذي عذب المعتقلين في مشفى حمص العسكري.

شاركنا في بناء الملفات المتعلقة بهذه القضايا، بالإضافة لقيامنا ببناء الملف الخاص بموفق دواه، المجرم في مليشيات “فلسطين الحرة” الذي قتل مدنيين في مخيم اليرموك، وشارك في حصار المخيم.

ونعمل على ملفات أخرى مع المدعين العامين في فرنسا وبلجيكا والنمسا والسويد، لملاحقة المجرمين الموجودين في هذه البلدان، ونساعد ببناء ملفات ضدهم، ليتم توقيفهم ومحاكمتهم.

وتم توقيف شخص في هولندا منذ أربعة أشهر، كان منتميا للواء القدس، الذي شكلته إيران في مخيم النيرب في حلب، ونعمل على قضيته.

هل هناك تفاعل حقوقي دولي معكم في ما يتعلق بجهودكم لملاحقة مجرمي النظام السوري؟ وما هي الشراكات التي عقدتموها بهذا الإطار؟

لدينا شراكات وتعاون مع منظمات سورية ذكرتها، بالإضافة إلى منظمات أوروبية مثل المركز الأوروبي للدستور وحقوق الإنسان في ألمانيا، ومركز أنفاس قانون لحقوق الإنسان في فيينا، ومركز الدفاع عن الحقوق المدنية في السويد، وجمعية هيليسنكي بالنرويج، بالإضافة للفيدرالية الفرنسية في فرنسا، ومنظمة العفو الدولية، ومنظمة هيومن رايتس ووتش.

لدينا كل هذه العلاقات مع الذين ساعدوا أو دعموا جهود العدالة بالنسبة لسوريا.

ما هي رسالتكم إلى الدول العربية والمجتمع الدولي في ما يتعلق بإعادة التطبيع مع نظام بشار الأسد؟

رسالتي إلى الحكومات العربية، بأنه لن تنفعها حمايتهم لبعضهم، أما إلى الشعوب العربية والمجتمع الدولي أقول لهم إن إعادة تأهيل المجرم يعطي الضوء الأخضر لكل مجرمي العالم بأنه يمكن لكم الفرار من العقاب عند ارتكابهم جرائم تجاه شعوبكم، وبأن ما ينتظرهم هو إعادة الاعتراف بهم والتعامل معهم رغم ما اقترفوه.

هذا يؤدي إلى أن يصبح هناك ملايين الضحايا في العالم، وأن يحظى المجرمون بالمساعدة الدولية، وبمكافأتهم بأن تعود الدول إلى التعامل معهم وضمهم للمجتمع الدولي، وهذه ستكون أكبر جريمة ترتكب بحق الإنسانية كلها، بأن نكافئ المجرمين الذين ارتكبوا كل هذه الفظائع.

هذا يعطي إشارة إيجابية للمجرمين في كل العالم، بأنه يمكن أن ترتكبوا الجرائم، وإشارة خطيرة جدا تعود بنا لقانون الغاب، وتقوض كل أسس المجتمع الدولي، وكل القوانين الدولية التي اشتغل عليها العالم عليها لعشرات السنين، لتأسيس قانون دولي ومجتمع دولي متضامن.

والقوانين الدولية ستصبح بلا قيمة أو معنى وبلا أي هدف، عند إعادة تأهيل المجرمين على المستوى العربي والدولي.

هل تعتقدون أن الأمور يمكن أن تتجه إلى الأفضل بالنسبة للشعب السوري الذي ما زال يعاني الويلات؟ وكيف يمكن تحقيق ذلك؟

الأمور تتجه لمصلحة الشعب السوري، وأنا متفائل لا سيما بالعودة إلى التاريخ. الأمور ستكون لمصلحة الشعب السوري في النهاية، لكن هناك ثمن غال دفعه الشعب السوري، وهناك تضحيات ومعاناة لا يمكن تصورها، لكن هذه التضحيات وهذه المعاناة لن تؤدي إلا إلى انتصار ساحق يحقق آمال وتطلعات الشعب السوري.

مهما حاول البعض إخفاء أو طمس هذه التضحيات أو تجاوزها، فإن الانتصار قادم لا محالة.

للأسف فإن بعض المعارضة السياسية هم أول من تجاوز وطمس وتجاهل تضحيات الشعب السوري، ودخلوا في متاهات لا قدرة لها بها، وهناك انتقادات لعلاقاتها مع الدول.

لكنني مؤمن ولا أحلم، بأن النهاية ستكون لصالح الشعب السوري، ومؤمن بأن هذا الشعب سيصل إلى نهاية جيدة، ومؤمن بأن أجيالنا القادمة ستنعم ببلد آمن مستقر ديمقراطيا، يحترمهم ويحترم حقوقهم، وهذه المسألة لا أشك بها أبدا.

هل تعتقد أنه يتم التجهيز لعودة النظام السوري إلى جامعة الدول العربية، وما الذي يعنيه ذلك بالنسبة للشعب السوري؟

من يرغب بعودة النظام السوري إلى الجامعة العربية شريك في الجريمة، ومتضامن مع الجاني.

ولكنني أعتقد بأن الموقف الأوروبي والأمريكي له قرار الفصل والحسم، بمنع عودة النظام لجامعة الدول العربية.

وكما ذكرت سابقا، فإن هذا النظام أصبح نفايات سامة غير قابلة لإعادة التدوير، بالتالي من يحاول إعادة تدويره سيتعرض للتسمم أكثر مما يعيد تأهيله، وتشكيله، وضبطه، وإعادته إلى الطاولة.

سيتأذى كل من يحاول إعادة تأهيل النظام السوري، وسيتعاقب، بسبب الموقف الأوروبي والأمريكي. هذا بالإضافة إلى أن عملنا بموضوع المحاكمات يلزم أوروبا وأمريكا بعدم المساومة سياسيا بهذا الموضوع.

ولهذا أنا لا أتوقع إعادة انضمام النظام إلى جامعة الدول العربية، لأنه أصبح نفايات سامة بكل معنى الكلمة.

يشار إلى أن المحاكم في ألمانيا ودول أوروبية، تستجيب لقضايا يرفعها ضحايا ضد رجالات النظام السوري، الذين يثبت قيامهم بجرائم حرب ضد المدنيين، ويتواجدون على أراضيها بعد مغادرتهم سوريا.

عربي 21

———————————

العوائد السياسية لتقارب الرياض مع دمشق/ أحمد رحال

كثيراً من التسريبات والتخمينات طالت ملف العلاقات بين الرياض ودمشق خلال السنوات الخمس الأخيرة، وكثيراً من تلك التسريبات المتعلقة بلقاءات الجانبين، وإن كان نظام الأسد يقف خلفها، كانت تتأكد حقيقتها فيما بعد بأنها حصلت.

منذ ثلاث سنوات جرى الحديث عن لقاء استخباراتي، تم بمساعدة عاصمة عربية، حيث التقى اللواء علي مملوك، مستشار الرئاسة السوري الخاص لشؤون الأمن ومدير مكتب الأمن الوطني، بمسؤولين سعوديين بالعاصمة الرياض، ورغم النفي حينها من قبل البعض، لكن اللقاء عُقد وثبت حصوله فيما بعد، لكن يبدو أن نتائج اللقاء المتوقعة من الرياض لم تعكس الأهداف والتوقعات، ثم عقدت لقاءات أخرى كان إحداها في اجتماع عربي علني بين اللواء حسام لوقا الذي أصبح مسؤولاً عن ملف العلاقة بين المملكة العربية السعودية وسوريا (بإشراف من اللواء علي مملوك) والفريق خالد بن علي بن عبد الله الحميدان الذي يرأس الاستخبارات السعودية العامة واللقاء جاء على هامش “المنتدى العربي الاستخباري” في العاصمة المصرية، ثم في بداية ديسمبر/كانون الأول 2022 كانت هناك زيارة أخرى للواء لوقا إلى العاصمة الرياض عبر مطار بيروت، واستمرت لأكثر من ثلاثة أيام، ويبدو أنها أحدثت خرقاً في تقدم عملية المصالحة أو التطبيع أو التيسير بمختلف الصفات التي تريد الرياض إسباغها على العملية.

لكن كل المحاولات لم ترسم طريقاً خالصاً لمصالحة سعودية سورية، أو عربية سورية، لأن التدخل الإيراني بمفاصل الملف السوري كان يُشكل نقطة ارتكاز متخالف عليها بين المتحاورين، وبنفس الوقت كانت ما تزال ورقة ضغوط العقوبات الأمريكية تُرخي بظلالها على أية نتائج محتملة لتلك اللقاءات.

مع التخلي الجزئي الولايات المتحدة عن حلفائها في الخليج، ومع سحب واشنطن لمنظومات الدفاع الجوي العاملة بالخليج (منظومة ثاد ومنظومة باتريوت)، والخلافات الأمريكية-  الخليجية- السعودية حول ملف إيران وحرب اليمن وحول الحرب الروسية_ الأوكرانية، والأزمة التي تفجرت بين واشنطن والرياض بشأن أسعار النفط في منظومة أوبك، واتهام واشنطن للرياض باتخاذ إجراءات من شأنها دعم الموقف الروسي، ومن ثم رفض ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الرد على أكثر من اتصال هاتفي من الرئيس الأمريكي جو بايدن، بدأنا نتلمس تغيراً استراتيجياً بمنحى السياسة الخارجية للمملكة، توّجت بالإعلان من العاصمة بكين، مطلع آذار/مارس الفائت، عن ورقة تفاهم سعودية_ إيرانية، توضع موضع التنفيذ بعد ستين يوماً من إعلانها.

اللقاء السعودي الإيراني يعني النقاش والتفاوض والتفاهم على عدة ملفات سياسية وعسكرية, صحيح أنها ليست على مستوى واحد من الاهتمام لكلا الطرفين لكنها بالتأكيد كانت جميعها على طاولة النقاش، من الملف اليمني إلى الملف السوري إلى ما يحدث في لبنان وقد يكون ملف العراق حاضراً في تلك النقاشات، ولن يغيب عن النقاش أيضاً الوضع الأمني في مياه الخليج وبحر العرب وخطوط التجارة العالمية وتموضع القواعد الأمريكية في الخليج. كلها ملفات هامة تهم طرفي التفاوض السعودي والإيراني وكانت حاضرة بمفرداتها العامة وببعض التفصيل بين المتفاوضين.

معروف تماماً أنه لا يمكن وضع الملف السوري بمرتبة الملف اليمني بالنسبة للسعودية، نظراً لما تمثله الحرب الدائرة فصولها على الأرض اليمنية من تهديدات للأمن القومي السعودي وما انعكست مجرياته من آثار على المنطقة، خاصة عندما تعرضت منشآن أرامكو لهجمات صاروخية عرضت أجزاء منها للعطل والضرر وتوقف الإنتاج، الهجوم الذي أشارت كل أصابع الاتهام فيه لإيران، لكنه نُسب إعلامياً للحوثيين.

في عملية التبرير، تقول الرياض، حتى الآن، إن ما يحصل بخصوص التقارب السعودي_ الأسدي ما هو إلا عملية تيسير لفتح قنصلية وتقارب دبلوماسي خدماتي إنساني، وقد تكون فيه إعادة عمل للسفارتين في البلدين بقصد تيسير أمور أكثر من 2.7 مليون سوري يتواجدون على الأراضي السعودية ما بين مقيم وزائر، وهؤلاء حُرموا من كل الوثائق التي يحتاجونها بدول اللجوء أو الإقامة نظراً لغياب البعثة الدبلوماسية السورية عن الرياض، أو لتعذّر الوصول لبقية البعثات بالخليج نظراً لارتفاع كلفتها المادية أو للاستغلال الذي تمارسه بعض تلك البعثات لجني مزيد من الأموال من السوريين المرهقين أصلاً من الناحية المادية، وبشق آخر يخدم هذا التقارب موضوع إيصال المساعدات الإنسانية لمستحقيها من الشعب السوري.

لكن المتابع للسياسة السعودية مؤخراً يلحظ أمرين اثنين: الأول أن المملكة لم تعد تأخذ الموقف الأمريكي بعين الاعتبار إزاء أي ملف سياسي أو عسكري، بل باتت تعالج الأمر من منظور خليجي_ سعودي، وهذا التفرّد السعودي يأتي بعد سلسلة خيبات عانى منها الخليج العربي والمملكة من قرارات أمريكية وتصرفات عكست مصلحة أمريكية خالصة بعيداً عن أي اهتمام بمصالح الحلفاء، ووجدنا هذا الأمر بالاتفاق النووي الموقع بين إدارة أوباما وإيران الذي أبطله الرئيس ترامب، ووجدناه في رفع الحوثيين عن لوائح الإرهاب من قبل إدارة الرئيس بايدن، ووجدناه بشكل أوضح في عملية وقف الدعم العسكري الأمريكي للجيش السعودي لبعض الأنواع من الذخائر أثناء الحرب مع الحوثيين، وكان واضحاً بوصف واشنطن لكل ما يحصل باليمن على أنها حرب أهلية وحرب بالوكالة، دون أي اكتراث لوضع الحليف السعودي، إضافة لملفات أخرى تعاملت معها واشنطن بمنتهى الاستخفاف بأمن المملكة ما أغضب الأخيرة.

الأمر الآخر، أن المملكة وانطلاقاً من مشروع “نيوم” 2030 الذي وضع أسسه الأمير محمد بن سلمان ولي العهد، والذي يرسم استراتيجية سعودية اقتصادية تجعل من المملكة نداً أو بديلاً عن مركز “جبل علي” في الإمارات المتحدة وكامل موانئ الإمارات، ويجعل من المملكة العربية السعودية مركزاً تجارياً يحتل المرتبة الأولى بالشرق الأوسط وبالخليج العربي، ولتحقيق تلك الأهداف فالاقتصاد بحاجة لاستقرار وهدوء وأن تكون المنطقة بعيدة عن الحروب, فرأس المال جبان يغادر المناطق الساخنة، ولتأمين ذلك الاستقرار لابد من اللقاء والتفاهم مع طهران برغم خطورته.

الملف السوري يشكل اهتماماً ثانياً أو ثالثاً بسلم أولويات السعودية، لكن يأتي على رأس قائمة الاهتمام الإيراني، نظراً لما تشكله سوريا من أهمية لمشروع ولاية الفقيه من الناحية السياسية، ونظراً للموقع الجغرافي الذي يمنح سوريا مكانة درة التاج بعقد الهلال الفارسي الذي ترسّخه إيران على الجغرافية العربية من طهران إلى بغداد إلى دمشق فبيروت، وقد يلتف ليعبر عمان ويحط رحاله في صنعاء، بتطويق لكامل المنطقة ووضع أقدام إيرانية راسخة على أكثر من جبهة وأهمها الجبهات القريبة من إسرائيل.

أيضاً، المملكة العربية السعودية وإيران كانتا ترقبان ملف المصالحة التركية_ الأسدية وكلاهما يريد لهذا الملف أن يتم عبرهما لا من خارج إرادتهما، لذلك اعتبرت عملية تعطيل وإفشال اللقاء بين الأسد وأردوغان تمت بأصابع إيرانية خفيه لم تغضب الرياض، وبتلك الأجواء وجدنا محاولة عربية أرادت جس نبض دمشق من جملة مطالب عربية تنتظر بعض العواصم العربية استجابة دمشق لها لتأمين عودتها للحضن العربي ولمقعدها في الجامعة العربية الذي حُرم منه نظام الأسد منذ بداية الثورة السورية بعد رفضه تطبيق بنود المبادرة العربية للحل في سوريا.

الزيارات واللقاءات التي عقدت بين وزراء خارجية الأردن ومصر مع نظيرهما السوري فيصل المقداد لم تأت بنتيجة، والزيارة التي قام بها الأسد لكل من عُمان والإمارات لم تصل لنتائج ملموسة، ومع اقتراب القمة العربية المقررة بالرياض خلال الأشهر القليلة القادمة، كان لابد من جس نبض عربي أخير لمزاج دمشق، لكن الجلسة الأولى من عملية جس النبض العربي التي حصلت بالقاهرة التي استقبلت وزير خارجية الأسد فيصل المقداد لم تحقق المطلوب بل انعكست موقفاً مصرياً رافضاً لعودة الأسد لمقعده بالجامعة العربية، ويبدو أن الإجماع العربي أراد منح نظام الأسد فرصة أخرى؛ فتقرر عقد لقاء غير رسمي تشاوري لوزراء دول الخليج على مائدة سحور سعودية في مدينة جدة، يرعاه الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية وبحضور وزراء كلّ من مصر والعراق والأردن، واتفق أن يسبق اللقاء منح فرصة جديدة للأسد عبر دعوة المقداد للرياض، ورغم أن البيان الختامي لزيارة المقداد حمل من العبارات الدبلوماسية الكثير من المفردات، لكنه عكس جواً رافضاً لعودة نظام الأسد للجامعة العربية، والسبب المحتمل يعود لرفض دمشق تنفيذ المطالب العربية بعد أن اعتبرتها دمشق تدخلاً بالشؤون الداخلية لسوريا، ناسياً أو متناسياً (نظام الأسد) أن إدخال إيران على سوريا ونشرها لميليشياتها وإنتاجها للمخدرات قد ضرب كل الأمن العربي بمقتل، وتسبب باضطرابات وأدى لعدم استقرار الدول العربية وكامل منطقة الشرق الأوسط.

زيارة وزير الخارجية السعودية فيصل بن فرحان السريعة لدمشق والتي تأخذ طابعاً بروتوكولياً كرد لزيارة نظيره المقداد للرياض، قد لا تكون مهمة من حيث النتائج، لكنها حاولت أن تضفي جواً من الهدوء تريده الرياض التي تنتظر انقضاء الستين يوماً التي منحتها السعودية لإيران كمرحلة انتظار لاتخاذ طهران إجراءات تطمئن المملكة, وبالتالي ليس من صالح المملكة تعكير الأجواء بصدام جديد مع دمشق، بل أرادت جعل بيانات تلك اللقاءات مظلة لعودة التمثيل الدبلوماسي بين البلدين كخدمة للسوريين ولترك قناة اتصال قد تحتاجها الرياض يوماً مع دمشق.

بشكل عام لا يمكن وصف ما يحصل من انفتاح سعودي على أنه انفراجة للقضية السورية، ولا يمكن وصفه بالتطبيع السعودي – الأسدي، لأكثر من سبب، منها عدم قدرة الرياض على تجاوز العقوبات الأمريكية المفروضة على دمشق، فيما يقابل ذلك رغبة سعودية بعدم تعكير الأجواء مع إيران، وبالتالي قد يكون التقارب من عدمه مرهوناً بنهاية فترة الاختبار لورقة التفاهم السعودي – الإيراني، ومرهوناً من جانب آخر بقدرة الأسد على الاستجابة للطلبات العربية فيما خص خروج الميليشيات المسلحة من أراضيه ووقف تدفق المخدرات عبر حدوده، وقد يكون للأمريكان والغرب دور لاحق فيما لو صعدت واشنطن من لهجتها الرافضة لأي عملية تطبيع مع الأسد.

نورث برس

————————-

كيف أسهمت إدارة بايدن “الفاشلة” بفتح باب التطبيع العربي مع الأسد؟

عقب موجات التطبيع العربي مع النظام السوري، اتجهت الأنظار نحو الموقف الأمريكي من محاولة تعويم الأسد وإعادته للساحة العربية، في ظل عقوبات أمريكية مفروضة على النظام وداعميه منذ سنوات.

وكانت الزيارة التي أجراها وزير الخارجية السعودي إلى دمشق ولقائه الأسد، الفتيل الذي أشعل الجدل حول السياسة الأمريكية “المتقاعسة” تجاه الشرق الأوسط، عكس إدارتي أوباما وترامب السابقتين، اللتين انتهجتا موقفاً “أكثر صرامة”، بحسب محللين.

بايدن والملف السوري

شبكة “فوكس نيوز” الأمريكية، نقلت عن خبير الشرق الأوسط في معهد “أميريكان إنتربرايز”، مايكل روبين، قوله إن سوء إدارة بايدن للعلاقات في الشرق الأوسط، وبالتحديد العلاقات العربية، تجلى عبر قطع سد التطبيع العربي مع الأسد.

وأضاف أن بايدن غائب سياسياً ودبلوماسياً عن الملف السوري، بدلاً من المساومة أو فرض التطبيع.

وأشار روبين إلى أن “المطالب العربية السابقة فيما يتعلق بالإصلاحات والعدالة تراجعت”، مضيفاً أن “هجوم بايدن الجنوني على السعودية بسبب مقتل عميل مخابرات سابق يأتي الآن على حساب إنكار العدالة لملايين السوريين”.

واعتبر الخبير الأمريكي أن الرئيس جو بايدن خسر معركة الاعتراف بسورية، مضيفاً أن فريق بايدن “أعمى عما سيأتي بعد ذلك: هل ستعارض الكتلة العربية الولايات المتحدة وتعطي الضوء الأخضر للأمم المتحدة لتوجيه أموال إعادة الإعمار ليد الأسد؟ وقد تكون واشنطن شريكة بذلك بشكل غير مباشر من خلال دعمها للأمم المتحدة، ما يسمح للأسد بالربح من القتل بما يصل إلى مليارات الدولارات”.

وأضاف: “هناك مأساة ساخرة لبايدن. لقد دخل منصبه وهو يتحدث عن حقوق الإنسان، لكن سذاجة وغطرسة وغباء كبار مستشاريه ضمنت أن إرثه سيكون أكبر كارثة لحقوق الإنسان”.

“تعويم خالي من التكاليف”

من جانبه، قال متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية لشبكة “فوكس نيوز”، اليوم الثلاثاء، “موقفنا واضح، لن نقوم بتطبيع العلاقات مع نظام الأسد في غياب التقدم الحقيقي نحو حل سياسي للصراع الأساسي. نواصل توضيح هذا بشكل علني وسري مع الشركاء”.

وأضاف حول سبب التطبيع العربي مع النظام: “أعربت العديد من العواصم العربية عن رأي مفاده أنه من مصلحتها كدول عربية إعادة الوجود العربي إلى دمشق وعدم ترك فراغ لإيران تملأه”.

وتابع: “لقد ركزنا على استقرار الوضع في سورية من خلال سياسة استباقية للحفاظ على وقف إطلاق النار، وضمان عدم عودة داعش، وإبعاد التهديدات عن إسرائيل وتوسيع وصول المساعدات الإنسانية، بالإضافة إلى اتباع إجراءات المساءلة”.

من جانبه، قال جويل روبين، نائب مساعد وزير الخارجية السابق الذي خدم في إدارتي أوباما وبوش، لـ”فوكس نيوز”، “يتم إعادة سورية ببطء إلى الحظيرة في الشرق الأوسط، لكنها لا تستحق ذلك لأن الأسد لم يفعل شيئاً ثميناً لكسب علاقات أكبر في المنطقة”.

وأضاف أن على واشنطن أن تميل بقوة دبلوماسية أكبر مع حلفائها في الشرق الأوسط لإيجاد طرق جديدة ومبتكرة للضغط على خصومها، مثل الأسد، “حتى لا تكون أي إعادة تأهيل إضافية لهذا الطاغية خالية من التكلفة”.

ويأتي ما سبق في الوقت الذي تتجه فيه دول عربية إلى إعادة العلاقات مع نظام الأسد، وتحريك ملف عودته إلى الجامعة العربية، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية والإمارات وتونس.

———————————–

======================

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى