أبحاث

عن غرام اليسار الفرنسي بروجافا/ عبدالناصر العايد

نُشرت، الأسبوع الماضي، وعلى نطاق محدود، دراسة لكاتب استخدم اسماً مستعاراً، تحدثت عن علاقة اليسار الراديكالي الفرنسي بالثورة السورية، مركّزةً على الاهتمام بما يُسمى ثورة روجافا، وهو المسمى الذي شاع بين الأوساط اليسارية الفرنسية عامة للعمل العسكري والسياسي الكردي، تحت مظلة حزب العمال الكردستاني وشقه السوري الاتحاد الديمقراطي، في شمال شرقي سوريا، أي المنطقة التي تصفها أدبيات الحزبَين في خطابهما الموجه للكرد بغرب كردستان.

بالعودة إلى الدراسة المُشار إليها، يقول الكاتب أن مشاركة اليسار الفرنسي في النضالات العابرة للحدود، ليست ظاهرة جديدة، ويستشهد بالثورة الروسية والحرب الأهلية الإسبانية، وقد أنعشت الذاكرة الأممية المضمحلة تلك ما وصفته تلك الأوساط بالديموقراطية الجذرية الناشئة في روجافا. يسرد الكاتب بعجالة، السياق، ويقول إن تخلخل نظام الأسد الناجم عن الانتفاضة الشعبية قد مكّن كوادر “العمال الكردستاني” من إيجاد موطئ قدم. ومع أنه يعود في مكان آخر إلى نقل شهادة شاب كردي من عين العرب، يصف فيها الانسحاب المفاجئ لقوات نظام الأسد من كوباني، تاركة لعناصر الحزب حتى سيارات الشرطة، ويلمح إلى اتفاق بين النظام والحزب على ذلك، إلا أنه يتحاشى مد نظره قليلاً إلى الوراء ليكشف التحالف التاريخي بين حزب العمال ونظام الأسد الذي تسبب في أزمة حادة بين سوريا وتركيا وصلت إلى حافة الحرب التي لم يكن ممكناً تلافيها سوى بطرد عبدالله أوجلان من سوريا.

وتجاهل الكاتب بشكل واضح الفرضية التي تقول بأن النظام استدعى الحزب إلى حدوده الشمالية، للضغط على تركيا التي بدأت بدعم المعارضة بشقّيها السياسي والمسلّح. كما يتجاهل فرضية أخرى تحظى بانتشار واسع بين الأكراد أنفسهم، تقول بأن تركيا ذاتها دفعت باتجاه نزوح مقاتلي الحزب وكوادره إلى سوريا وخوض الصراع معهم على أرضها، بدلاً من الاستمرار في تأجيج الحرب على الأراضي التركية.

يثير الكاتب ايضاً نقطة مهمة تتعلق بالانحياز في الأوساط الراديكالية الفرنسية، إلى روجافا، وتجاهل وقائع الثورة السورية الشعبية. ويسهب في وصف تجارب “الإدارة الذاتية” التي نشأت في سياق الثورة السورية، مثل المجالس المحلية وغيرها، كما يلتقي بنشطاء سوريين يؤكدون أن الثورة كما عاشوها لم تكن طائفية أو إثنية. لكن هذا الوجه من وجوه ما حدث في سوريا، طُمس تحت لا مبالاة اليسار الفرنسي عموماً، الذي ذهب أحد رموزه، وهو ميلانشون، إلى حد وصف ثوار غوطة دمشق بأنهم “داعش الغوطة”، وقال أن الرئيس بوتين هو الشخص الذي “سيحلّ كل هذه المشكلة”!

يتساءل الكاتب هنا عن التفسير للحالة التي استطاعت فيها منطقة صغيرة في شمال شرقي سوريا أن تحجب ثورة شعبية كبرى عن أنظار اليسار الفرنسي، ويقدم اقتراحات تتعلق بنمو التنظيمات الراديكالية الإسلامية، مشيراً إلى حالة الإسلاموفوبيا السائدة في أوساط اليسار والتي تدفعه لتأييد ودعم أي حركة تحاربها، كما دفعت ما لا يقل عن خمسين فرنسياً، من اليسار الأكثر تحررية، للانخراط في المعركة كمقاتلين إلى جانب القوات الكردية ضد “داعش”. يضاف إلى ذلك، في الجانب الآخر، الخطاب الذي قدمه “العمال الكردستاني” للغرب، والذي يعتمد على محفزات ثلاثة جاذبة لليسار التحرري هي: النسوية، والبيئة، والديموقراطية المباشرة. وهي الوجوه التي تمكّن من تسويقها جيداً بفضل خبرته مع الوسائل الإعلامية، وبالاعتماد على جالية كردية كبيرة تتبنى أفكاره وتنشط في أوروبا، خصوصاً في فرنسا حيث تزامن ذلك مع تحركات “ثورية” بدأت منذ العام 2016 ضد السلطة، مثل التظاهرات المناهضة لقانون العمل وحركة السترات الصّفر وغيرها، والتي راحت تتطلع للاستفادة من تجربة “الإدارة الذاتية” لروجافا، باعتبارها مرجعية. إذ لعب الحزب الكردستاني دوراً تنظيمياً ودعائياً للمقاتلين العائدين من هناك، وعددهم 12 وفق تقارير المخابرات الفرنسية التي هونت من خطورة نقلهم للخبرات العسكرية! ويتطرق الكاتب إلى عدد من التجارب الناشئة في فرنسا، للإدارة الذاتية، ويصف تأثرها بنموذج روجافا المعاصر القابل للتعميم والتصدير وتكييفها حسب المكان الذي تطبّق فيه.

في سعيه للموضوعية، والتي لا يفتقر إليها البحث على كل حال، يلقي الكاتب الضوء على أصوات يسارية تحررية ترفض الموقف المشار إليه سابقاً، ويتساءل المُستطلعة آراؤهم عن تفسير دعم حركات تدّعي بأنها معادية للسلطوية، لحركة نضالية مؤطرة من قبل حزب هرمي وأيديولوجي حتى النخاع. وتنتقد هذه الأصوات صدقية خطاب حزب “العمال الكردستاني” و”الاتحاد الديموقراطي”، فالخطاب يتناقض مع أفعالهما وأخطائهما التي يتم نكرانها وتبريرها براغماتياً بحجة الحفاظ على “التجربة”. تلك التجربة التي تُخلع عليها صفات غير مُستحقة، وإنما تصدر عن “الصفائية والثقافوية الفرنسية المرتاحة”.

يشير المنتقدون هنا على وجه التحديد إلى قضية مبدئية هي اتخاذ “العمال الكردستاني” وقياداته المحلية السورية، موقفاً مناهضاً للحراك الشعبي السوري، وهي الفكرة التي يؤكدها شاب كردي من حلب يقول إن كوادر “العمال” وصلوا بُعيد اندلاع الاحتجاجات وحاولوا قمعنا، قالوا لنا “إنها ليست مشكلتنا، هي مشكلة العرب في ما بينهم”، وطالبونا بترداد شعارات كرديّة مثل “الحرية لأوجلان”، ثم “قالوا لنا إننا يجب أن نحمي أحياءنا الكردية كالشيخ مقصود والأشرفية، من بقية الأحياء”.

هنا يحيد معد النص عن الموضوعية والشمول. فهو، إذ يبرز البُعد المبدئي القابل للتبرير جزئياً، إلا أنه لا يذكر كلمة واحدة عن النقد السياسي الذي يمكن أن يوجَّه للحزب المهيمن على تجربة روجافا، ليس فقط لناحية تحالفه التاريخي مع نظام الأسد، أو اتفاقه مع ذلك النظام في بداية الثورة أو مستقبلاً، كما توحي المفاوضات الجارية الآن، بل وبشكل بارز لتحالفه مع الولايات المتحدة التي يعتمد عليها من كافة النواحي العسكرية والسياسية، في مقابل خدمات يسديها لها محلياً. لا أحد تساءل: كيف يمكنني أن أثق في حزب يرفع شعار محاربة الامبريالية والسلطوية وأقرب حلفائه وشركائه هي سيدة السلطة الامبريالية في العالم!

لا يسع هذه المقالة أن تتطرق إلى كافة جوانب البحث الثري والفريد من نوعه، فالأدبيات التي تتناول تأثر وتأثير المجتمع اليساري الفرنسي بالثورة السورية، نادرة، إن لم تكن معدومة، وهي لا تقارن بالدراسات والأبحاث التي تناولت ظاهرة الجهاديين الفرنسيين الذين قاتلوا في سوريا، ويحتمل أنهم واجهوا مقاتلين يساريين من مواطنيهم في ساحات المعركة. لكن، يجدر بنا أن نلفت الانتباه إلى أن البحث يؤكد أن الثورة السورية ستتعدى مفاعليها التاريخية، المنطقة التي انفجرت فيها، والحقبة التاريخية التي وقعت فيها. ولا يغير من الأمر شيئاً أن خصومها الكثر قد هزموها. فكومونة باريس الشهيرة هُزمت، والحرب ضد فرانكو الإسباني خسرت. لكن المفاهيم والأفكار والقيم التي انطلقت ما زالت حيّة، ومن الخطأ الظن بأن “ثورة سوريا” سيكون ممكناً حجبها، سواء بإعادة تعويم بشار الأسد، أو بالواجهة الجهادية الطائفية، أو بواجهة روجافا القومية.  

المدن

https://cantinesyrienne.fr/ar/ressources/la-revolution-syrienne/la-revolution-syrienne-et-la-revolution-du-rojava

———————————–

الثورة السورية و ثورة “روجافا

التأثر الثوري ما بين الشرق الأوسط وفرنسا

إن الدعم العابر للحدود للنضالات القائمة في بلدان أخرى ليس ظاهرة جديدة، فمنذ الثورة الروسية والحرب الأهلية الإسبانية مروراً بحركات التحرر في العالم الثالث، كان اليسار الفرنسي دوماً شريكاً في عملية الأخذ والرد من خلال تسهيل انتقال الأشخاص والأفكار والمعدات. وكان حصول تجربة “الديمقراطية الجذرية” في منطقة الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا والتي تعرف في فرنسا بتسميتها الكردية روجافا، على الدعم من قبل بعض الأوساط اليسارية والتحررية قد أعاد إلى الواجهة الأفكار الأممية التي كانت فقدت بريقها في السنوات الأخيرة.

وإذا كانت السيطرة على هذه المنطقة من شمال سوريا قد أصبحت ممكنة فإن ذلك يعود إلى الزعزة التي تعرض لها نظام بشار الأسد بعد الثورة الشعبية في سوريا عام 2011. ومع ذلك فإن هذه الثورة – التي تشكل إدلب آخر معاقلها- تعرضت غالباً إما لعدم الاعتراف بها أو تم فهمها بشكل مغلوط حتى تحولت إلى “ثورة منسية” بحسب رأي مناصريها. ومع عدم القدرة على التفكير بهذين الحدثين بشكل مترابط فإن الصورة الفرنسية عن الأحداث تعكس أيضاً حقيقة الأرض التي تشهد نزاعاً مابين الثوار السوريين والمقاتلين الأكراد. ومع حالة الغليان الشعبي التي حصلت في فرنسا بعد حركات اجتماعية متتابعة (مظاهرات ضد قانون العمل 2016، حركات طلابية 2018، حركة السترات الصفراء 2018-2019، قانون التقاعد 2020 ثم 2023) فقد نالت الدروس المستمدة من هاتين التجربتين الكثير من الاهتمام وتم التعمق بها في الأوساط الراديكالية الفرنسية.

تعرضت الغوطة الشرقية بالقرب من دمشق في آذار/مارس 2018 إلى قصف مروع. إذا كان النظام وبدعم من الحليفين الروسي والإيراني يتهيأ لإعادة السيطرة على آخر معاقل الثورة التي بدأت في عام 2011. وبالرغم من التغطية الإعلامية الواسعة للعملية فإن صمت اليسار الراديكالي الفرنسي كان ثقيلاً، ولكسر هذا الصمت كانت هناك بعض الأصوات التي تحاول إيصال الرسالة: “إن درجة عدم الفهم إن لم نقل اللامبالاة التي يتعامل بها اليسار الفرنسي تجاه ما يحصل منذ عام 2011 قد وضع المسألة الثورية على الطاولة من جديد” [1] وعبثاً كان هذا الطموح، فالتفاؤل بالثورة سقط في غياهب النسيان منذ وقت طويل. ولكن أمل اليسار الفرنسي بالشرق الأوسط مازال حياً وإن كان من أجل منطقة أخرى في سوريا هي الروجافا.

وفي السادس والعشرين من ذات الشهر كانت هناك ثلاثة أعلام تخفق على واجهة جامعة بوردو، إثنين منها باللونين الأصفر والأخضر والثالث لونه أسود وهي أعلام وحدات حماية الشعب الكردي مرفوعة فوق جامعة بوردو التي احتلها الطلاب – كانت الوحدات الفيتنامية أيام نشاطها قد حركت فرنسا في ربيع عام 1968- وكان المنشور يقول: لنبدأ ربيع 2018 بدعم حقيقي لرفاقنا في الروجافا الذين يقاتلون أيضاً ضد الفاشية والامبريالية. [2] هذا المنشور لتجمع “بافيه بر ِولان” “Pavé Brûlant” أتى في سياق الهجوم التركي على منطقة كردستان السورية بعد أيام قليلة من السيطرة التركية على مدينة عفرين التي كانت تحت سيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي. وهذا التعبير عن الدعم لم يكن جديداً أو معزولاً، فبعد الشياباس “Chiapas” أو القضية الفلسطينية أصبحت “ثورة الروجافا” أحد أكثر النضالات العالمية حصولاً على الدعم من قبل اليسار.

كيف يمكن تفسير هذه الحالة التي سمحت لمنطقة صغيرة في شمال شرق سوريا وبفترة زمنية قصيرة من أن تحجب إلى هذه الدرجة الثورة الشعبية الكبرى التي انطلقت في سوريا عام 2011 ؟

روجافا : “ZAD” منطقة تستحق الحماية

لفهم ذلك يجب العودة إلى نهاية صيف 2014. حيث كانت أنظار العالم أجمع تتجه نحو المقاومة التي نهضت في مدينة كردية شمال شرق سوريا تتعرض للهجوم هذه المرة من قبل تنظيم الدولة الإسلامية. “أثناء معركة كوباني، سمعت لأول مرة أن هناك ميليشيات كردية كانت قد سيطرت على بعض المدن. بدأت بالتعرف على افكارهم واكتشفت أنها قريبة من أفكاري” هذا ما قاله لي ألكسندر في إحدى مقاهي مرسيليا، وهو شاب ينتمي إلى تجمع شبابي تأسس بعد الحركة المناهضة لقانون العمل عام 2016، يروي كيف تعرف على تجربة الروجافا، كمنطقة مستقلة بواقع الأمر، تتألف من ثلاث أجزاء ويديرها حزب الاتحاد الديمقراطي وهو التنظيم السوري الشقيق لحزب العمال الكردستاني. ففي نهاية عام 2011 كانت سوريا في حالة مضطربة منذ ما يقارب العام بموجة غير مسبوقة من التظاهرات، سمحت لحزب العمال الكردستاني المتجذر في تركيا بالاستفادة من هذه الأوضاع، حيث قام بإرسال المقاتلين والمقاتلات بالإضافة إلى بعض المناضلين في صفوف الحزب، ومن خلال الاعتماد على الحزب الاتحاد الديمقراطي تمكن في بضعة أشهر من السيطرة على المنطقة الكردية السورية. ولكن يجب الانتظار لبضع سنوات وهجوم داعش على هذه المنطقة حتى تصل إلى فرنسا أصداء هذه الأحداث.

بعد المعركة أصبحت كردستان نبعاً يروي اليسار الراديكالي الفرنسي. وقد حملت الجامعات الفرنسية التي احتلها الطلاب عام 2018 آثار هذه العلاقة: ففي جامعة باريس الثامنة كانت الأحرف التي ترمز إلى اسم حزب العمال الكردستاني (PKK) مطبوعة بالأحمر في أروقة الجامعة، في حين كتب ” بيجي بيجي بيجي روجافا” على جدران المدرسة العليا للمعلمين. أما في عام 2015 فقد كان عدد من الناشطين من قاطني منطقة نوتردام ديلاند المحتلة من قبل مجموعة من المواطنين الرافضين لمشروع بناء مطار عليها، يتظاهرون حاملين لافتة دعم لكردستان. من الناحية المادية تم تنظيم عدة حملات خلال السنوات الماضية لإرسال كتب وضمادات أو إرسال أموال. وسيراً على خطى الألوية الدولية التي شاركت في الحرب الأهلية الإسبانية تطوع العديد من الفرنسيين منذ عام 2015 للقتال إلى جانب الأكراد أو “لمساعدة الثورة” في الجانب المدني. وإذا كانت أجهزة الاستخبارات هي الوحيدة القادرة على إحصاء عددهم بشكل دقيق، فإنه منذ عام 2014 يمكن التقدير بأن هناك مايقارب الألف متطوع غربي (يونانيون، اسبان، أمريكيون، أيطاليون، ألمان) من بينهم على الأقل خمسين فرنسياً من المناصرين للنضال الأممي.

وبالرغم من تنوع مرجعيات قسم كبير من هؤلاء الأشخاص الناشطين في إطار المساندة والتعاضد الأممي فإن أغلبهم ينتمي إلى الأوساط المعارضة التي انتعشت مع حالة الاضطراب الشعبي والسياسي التي شهدتها فرنسا على الأقل منذ عام 2016. وهم كانوا من مؤسسي عدة تجمعات مثل: “اللجنة اللاسلطوية لدعم كوباني”، “الهيئة النسوية لدعم كوباني”، ” تجمع مرسيليا-كوباني”.

وخلال التحركات ضد قانون العمل كان يلتقي الشباب المهتمون بالسياسة أو المقربين من الأوساط الاستقلالية والحركات النسوية مع المناضلين في نقابة سوليدير أو آخرين يأتون من المنظمات الأناركية كالبديل التحرري أو تنسيقية الجماعات اللاسلطوية. وإذا كان اليسار المؤسساتي من حزب فرنسا الأبية إلى الحزب الشيوعي الفرنسي والذين كانوا تاريخياً مقربين من الحركة الكردية، قد اكتفوا بالدعم الدبلوماسي والمرتبط بأحداث معينة من خلال كلمات تم إلقائها في لقاءات عامة أو بخطابات في البرلمان الفرنسي، فإن الأوساط التحررية تميزت سريعاً عن غيرها بدعمها النشط لكردستان سوريا

استيراد الروجافا

إن عملية التبادل مع الروجافا بالنسبة للكثير من الناشطين اليساريين لا تذهب باتجاه واحد، بعكس تصورات الفرع الخارجي للمخابرات الفرنسية والتي عبر عنها تقرير صحفي نشر على موقع ميديابارت في عام 2019.[3]

“ليست الخبرة العسكرية هي التي يحاول نقلها إلى هنا هؤلاء المناضلون الأمميون (والذين لايمكن اختصارهم بهؤلاء “الإثنا عشر عائداً” الذين ذهبوا للقتال هناك) وإنما أفكار سياسية جديدة. ويشهد على ذلك تأسيس المبادرة الكونفيدرالية الديمقراطية في باريس عام 2015 وهو تجمع يسعى إلى نشر هذا المشروع السياسي (…) وذلك من خلال تطبيق هذه السياسة مباشرة في أماكن حياتنا اليومية من خلال أفعال ملموسة” [4]. كرس هذا التجمع في السنوات اللاحقة جهده لنشر الأفكار القادمة من كردستان. ولتقديم هذه التجربة الكردية تم تنظيم لقاءات متعددة في أماكن متنوعة كالجامعات الباريسية أو في أبنية محتلة في تولوز أو في المناطق التي تعيش حالة خلاف مع الحكومة حول طرق التهيئة العمرانية كما في منطقة بور، أو بالقرب منها كما في مقر لجمعية أهلية في مدينة كوميرسي.

في كل لقاء يتم تقديم “الكونفيدرالية الديمقراطية” وهي أيديولوجية جديدة ن ّظر لها عبدالله أوجلان قائد حزب العمال الكردستاني المعتقل في السجون التركية منذ عام 2019.[5] فبعد ابتعاده عن الستالينية والعصبية القومية التي كانت توجهه الأول، وبالتالي ابتعاده عن الرغبة بإقامة دولة كردية اشتراكية مستقلة، كشف أوجلان في أواسط سنوات الألفين عن نظرية سياسية معدلة تماماً، متأثرة بشكل أساسي بأفكار استقلال البلديات التحرري [6]

يتصور من خلال هذه النظرية مجتمع لا يستند إلى فكرة الدولة-الأمة والتي يعتبرها حالياً غير صالحة، وإنما على تنسيقية من المجالس والهيئات، صادرة عن السكان المحليين باختلاف مكوناتهم (نساء، رجال، شباب، أديان، عرقيات) ومتجمعين في مجالس. وهو نوع من التحرر يتم تطويره من خلال مؤسسات بديلة ومحلية يمكنها الاستغناء عن استقلال قانوني تمنحه الدول، وبالتالي تجنب المواجهة مع هذه الدول.[7]

ولكي تصل هذه النظريات إلى سماع المناضلين السياسيين الفرنسيين، اعتمد حزب العمال الكردستاني على ثلاثة محفزات. أولاً، قرر أن يركز على الميزات الثلاثة التي يمكنها جذب الأشخاص المنتمين إلى اليسار التحرري : النسوية، البيئة والديمقراطية المباشرة”. ثانياً، اعتماده على خبرته فيما يتعلق بالتعامل مع الوسائل الإعلامية، مكنه من إيصال هذا الخطاب المحبوك جيداً. أخيراً، تمكن من الاعتماد على جالية كردية كبيرة تتبنى أفكاره ونشطة في التبشير “بالكونفيدرالية الديمقراطية”.

وعليه فقد تم تنفيذ المهمة بنجاح. ثم ومن خلال انخراطه في النزاع السوري، فإن هذه النظريات السياسية انتشرت لدى عدة تكوينات يسارية أممية. فالمفردات المستعملة من قبل الحركات الثورية عرفت كيف ترد الصدى للمخيال وللأهداف السياسية لدى الأوساط التحررية الفرنسية. وبعيداً عن الكلمات، فإن اكتشاف الحركة الكردية “يمنح رؤية صلبة من خلال المواجهة مع الواقع الفعلي. ففي حركة النساء مثلاً هناك الكثير من الأجوبة على تساؤلاتنا” كما تقول لوسي وهي عضو في تجمع لمساندة النساء. فمن خلال بناء قرية للنساء في جينوار أو من خلال مواجهة جرائم الشرف مع متابعة حملهن للسلاح فإن الحركة النسوية الكردية تقدم بحسب رأيها “حالة حقيقية للممارسة المجتمعية للنسوية”. هذه الناشطة التي تعيش بين باريس ومزرعة تشاركية في منطقة لادروم (La Drôme) وسط فرنسا، تقول أنها ترغب بنقل الأدوات التي استخدمها الأكراد والتي يمكنها “أن تحسن تنظيماتنا”. وتضيف أنها اقترحت مثلاً على مجموعتها التي تنشط معها في منطقة لادروم باستخدام “النقد والنقد الذاتي” لتفادي النزاعات وهو نوع من طلب الاعتذار الجماعي قادم من الماوية ويلعب دوراً مركزياً عند المناضلين الأكراد. وزيادة عن هذا التنظيم النضالي الذاتي، فإن ما يثير إعجاب الفرنسيين هو حجم المساحة التي تشكلها روجافا وإستراتيجيتها القائمة على رؤية مبنية على المدى الطويل. فأحد الناشطين (سيمون) وهو من الداعمين للتجربة الكردية كان قد زار المنطقة عدة مرات بين عامي 2016 و 2018 وكان الأمر بالنسبة له كاكتشاف كبير: ” في الحقيقة أن الحياة هناك تحتوي على كل التفاصيل التي نستشعرها بشكل أولي في تجمعاتنا النضالية هنا في فرنسا ولكن على مستوى حركة واسعة متعددة الأشكال تضم ملايين من الأشخاص وتمتد على أراضي عدة بلدان”. كما أن نجاح حزب العمال الكردستاني في الصمود في وجه تنظيم داعش وقدرته على إدارة عدة مناطق وقوة حركته النسوية كلها عوامل ساهمت في مضاعفة إعجاب المناضلين والناشطين الفرنسيين الراديكاليين المتعودين على تنظيمات نضالية أصغر بكثير. ومن خلال هذه الحالة فإن حزب العمال الكردستاني يعيد الحياة إلى فكرة القدرة على النصر.

حالة النجاح هذه أصبحت نادرة أكثر فأكثر في فرنسا منذ سنوات طويلة. فالفشل المتكرر للتحركات الاجتماعية (قانون التقاعد، قانون العمل، قانون إصلاح الجامعات الخ) بالإضافة إلى الشعور بأن الوضع هو “مكانك راوح” كل هذا زاد من حالة الشك والشعور بالفشل والإحباط وهذا مايعبر عنه سيمون الذي تنقل بين عدة تجمعات فرنسية تعيش حالة نضالية* في السنوات الماضية: “بدأ الغضب في عام 2015 ثم مع قانون العمل الجديد عام 2016 كنا في قلب الحركة الاحتجاجية، وفي 2017 كنا فقط نحاول الاستمرار. وعندما كنت أنظر حولي إلى التجارب المختلفة القائمة على الاستقلالية السياسية كنت ألاحظ أننا جيدين من ناحية النشاطات التي ننظمها ولكننا لم نكن فضوليين بما فيه الكفاية، وقطعنا أنفسنا عن جزء كبير من الأفكار السياسية، الكلاسيكية، والتي تتفق عليها أغلب حركاتنا وتنظيماتنا السياسية” إن ظهور حركة السترات الصفراء عام 1122 كان قد خفف من مشاعر التعب والشعور بالانغلاق التي كانت مسيطرة. وإذا كان هناك قسم من اليسار الراديكالي قد تأخر باللحاق بحركة غير واضحة المعالم ويشك بأنها ممتلئة بعناصر اليمين المتطرف، فإن أشخاص مثل سيمون لم يترددوا طويلاً قبل أن يلقوا بأنفسهم داخل المعمعة: “كان هناك من يسأل إذا كان مقبولاً التحالف مع حركة السترات الصفراء في حين أنه من غير الممكن التحالف مع لحظة أو مع انتفاضة… وإنما ننخرط بها”.

إن مشاركة عدد من المناضلين في لقاءات ومظاهرات حركة السترات الصفراء سمح لأفكار روجافا بالانتشار خارج الأوساط الراديكالية. لكن الجانب الأساسي الذي أثار الاهتمام هو طريقة التنظيم الذاتي. ففي حين انتشر المتظاهرون في جميع أنحاء فرنسا مجتمعين حول دوارات الطرق العامة وأعطى ذلك أشكال متنوعة من التنظيم الجماعي، فإن مدينة كومرسي تميزت بمؤتمرها الشعبي وإشارتها إلى أنها تعتمد على أفكار استقلال البلديات التحرري وأيضاً على… أفكار روجافا [8]

بالذهاب إلى كومرسي يبدو واضحاً أنه لايمكن اختصار المدينة إلى جانبها المستلهم من حركة الأكراد. ولكن كريستوف وهو من الناشطين في حركة السترات الصفراء يقول أن أول الذين اقترحوا هذا النوع من التنظيم لم يكن ناشطاً من الداعمين للحركة الكردية وإنما فقط كان قد استمع لمحاضرة ثم قرأ منشوراً صغيراً عن هذا الموضوع. في مناطق أخرى من فرنسا من ضواحي باريس شمالاً إلى تولوز في الجنوب الغربي مروراً بسان نازير (Saint-Nazair) على المحيط أو ساحة ديفيت (Place Des Fêtes) في الدائرة التاسعة عشرة في باريس، قامت الكثير من تجمعات السترات الصفراء في فترة نشاطها بتنظيم عدة نقاشات حول الموضوع. وفي سان نازير خطى تجمع السترات الصفراء هناك خطوة مهمة خلال الجمعية العامة للجمعيات العامة للسترات الصفراء (وهي مبادرة أطلقتها الجمعية العامة لبلدة كومرسي) وقد جمع هذا الحدث أكثر من مئتي مفوضية أتت من جميع أنحاء فرنسا. ففي نهاية الأسبوع قامت إحدى فرق العمل التي حملت أسم الاستقلال البلدي بإطلاق نداء يدعو باق تجمعات السترات الصفراء إلى إعادة تملك السلطة السياسية المحلية والتجمع بشكل فيدرالي.

هذا النجاح لدى بعض مكونات حركة السترات الصفراء له دلالة واضحة: ليست الروجافا أبداً نموذجاً فعلياً ولكنها لعبت دوراً مرجعياً، لا شك بأنه بعيد، ولكنه حقيقي ومعاصر. وفي هذه الأثناء حيث كانت تتراجع كثافة التحركات وفي حين كانت الحركة الصفراء تبحث عن الهيكليات الممكنة وكيفية إطالة عمر الحركة فإن النظر نحو تجربة الروجافا لابد أنه كان عامل مساندة وتشجيع. فمن خلال انتقاله من سياسة استقلالية متعلقة بكردستان إلى نموذج تحرري عالمي متناغم مع تحركات العصيان في العالم أجمع، فإن المشروع السياسي الذي يحمله حزب العمال الكردستاني أصبح أكثر قابلية للدعم وأيضاً للتصدير. وبالنسبة لبيير بانص، وهو مفكر تحرري كتب كثيراً عن الروجافا “الكونفيدرالية الديمقراطية ليست ملكاً للأكراد، فهي ذات رسالة عالمية يمكن أقلمتها بحسب كل مكان” [9]

تنافسات ثورية

ومع ذلك ففي داخل الأوساط التحررية ذاتها ليس هناك إجماع على الموقف تجاه الروجافا. إذ كيف يمكن تفسير أن حركات تدعي بأنها معادية للسلطوية تقوم بدعم حركة نضالية مؤطرة من قبل حزب هرمي وإيديولوجي حتى النخاع؟ وتماماً بهذه الصياغة تساءلت الكثير من الكتابات التي بحثت في هذا الموضوع. [10] وهي انتقادات كانت ت ّوجه غالباً إلى هذا التناقض مابين الواقع والخطاب الذي يقدمه كل من حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي. من جانب الناشطين الأمميين فإن خيبات الأمل المتكررة التي حصلت بعد ثورات القرن العشرين، حيث كان الدعم العابر للحدود وافراً، أصبحت تشكل سداً أمام الدعم الأعمى، ودفعت عدداً من الناشطين الذين تحدثت إليهم إلى التأكيد على الطابع “النقدي” لدعمهم. وعليه فإن أخطاء الثورة الكردية لا يتم نكرانها ولكن يتم تبريرها من خلال البراغماتية الضرورية للحفاظ على التجربة المحصورة بين مطرقة تركيا التي تبحث عن الصراع الدائم معها وسندان النظام السوري الذي يهددها باستمرار. وبرأيهم فإن الخطر والضرورة يبرران الدعم، في حين أن ” النقاش حول أحقية هذه الثورة تكشف عن حالة من الصفائية والثقافوية المرتاحة القادمة من فرنسا” تقول لوسي ساخرةً عندما نسألها عن الموضوع.

عقدة النقاش ومصدر الحساسية الأساسي هي الطريقة التي تصرف بها زعماء حزب العمال وحزب الاتحاد الديمقراطي ضمن الثورة السورية. ” لماذا يتوجب توجيه الدعم لحزب طليعي تصرف بطريقة سيئة جداً تجاه الثورة الشعبية السورية؟” تتسائل كاميي القريبة من بعض اللاجئين السوريين والناشطة مع التجمعات التي تنادي بالإدارة الذاتية هنا في فرنسا، في نقاش يدور داخل كوخ للسترات الصفراء في ضواحي باريس.

إن التوتر هو أقل ما يمكن أن نصف به طبيعة العلاقات التي قامت مابين الثوار السوريين وأنصار حزب العمال الكردستاني والاتحاد الديمقراطي منذ بداية الثورة في سوريا. ولفهم هذا التوتر، يجب بحسب طه وهو لاجئ سوري شارك في الثورة في حلب “التفريق بين الأكراد السوريين وأنصار حزب العمال وحزب الاتحاد الذين أتوا بشكل أساسي من كردستان تركيا” وإذا كان طه ينتقد بشدة دور هؤلاء فإنه يشدد في ذات الوقت على أن الأكراد السوريين شاركوا بشكل واسع في السنوات الأولى من الاحتجاجات ضد نظام بشار الأسد. وبحكم خبرة مكتسبة فيما يتعلق بالاحتجاجات فإن “عدة شخصيات كردية كانت بالغة الأهمية بالنسبة للحراك وأصبحت مثلاً ثورياً يحتذى به” ويؤكد على ذلك طالب سوري شاب في المدرسة العليا للعلوم الاجتماعية والإنسانية في باريس والذي ما زال ناشطاً في الثورة بالرغم من الاغتراب.

ومن ناحية الأهمية فإن حزب الاتحاد الديمقراطي كان مهماً أيضاً ولكن ليس إلى جانب الثوار السوريين هذه المرة. فقد وصل زعماء حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي بعد أشهر من انطلاق الاحتجاجات وعملوا مباشرة على قمع المظاهرات المعادية للنظام السوري”. يقول “لام” وهو شاب كردي من منطقة حلب : “لقد وصلوا بعد بداية الاحتجاجات وكانوا شديدي العنف تجاهنا نحن الأكراد المعاديين للنظام. كانوا يقولون: “إنها ليست مشكلتنا، هي مشكلة العرب فيما بينهم”… كانوا ضد النظام ولكن لم يكونوا مع الثورة. أما نحن فكنا ننظم المظاهرات ولا نفعل ما كانوا يطلبوه مننا كترديد شعارات كردية مثل “الحرية لأوجلان” … هو في تركيا ونحن كنا نقوم بالثورة في سوريا… ثم قالوا لنا أنه علينا حماية أحيائنا الكردية كالشيخ مقصود والأشرفية من بقية الأحياء” [11]

إذا كانت تفاصيل المفاوضات ماتزال مجهولة، فيبدو أنه في بداية عام 2012 استفادت القوى الكردية ممثلة بحزبي العمال والاتحاد الديمقراطي من زعزعة النظام لكي يعودا إلى سوريا [12] وإدارة المناطق الكردية الثلاث على الحدود التركية، عفرين وعين العرب، والجزيرة مقابل حياد المتظاهرين الأكراد والوعد بعدم تشكيل جبهة موحدة مع الجيش السوري الحر. [13] ويستذكر محامي كردي من منطقة كوباني لحظة وصولهم: “في التاسع عشر من تموز/يوليو غادر الجيش المدينة فجأة دون سابق إنذار ودون طلق نار واحد. وعندما خرجت في الصباح كان حزب العمال الكردستاني يسيطر على المباني الرسمية وحتى على سيارات الشرطة التي كان رجال الشرطة قد سلموهم إياها بمفاتيحها قبل أن يغادروا”. بعد أن استقر حزب العمال والحزب الديمقراطي في شمال شرق سوريا، قضت لعبة التحالفات على أي إمكانية تلاقي بين الثوار السوريين والأكراد. فكلاهما يستند إلى الدعم الخارجي ليستمر في البقاء أو للصمود في الحرب مما دفعهما لارتباطات متناقضة. فسريعاً سعى حزب العمال الكردستاني إلى الحصول على الحماية الروسية، حين كانت هذه الأخيرة تقوم بقصف الثوار السوريين. في ذات الوقت كانت عدة فصائل من الجيش السوري الحر قد تلقت الدعم والسلاح من نظام أردوغان، العدو اللدود لحزب العمال الكردستاني، والذي يحاول أن يعزل الأطراف التي يعتبرها التهديد الأساسي لتركيا، تماماً كما يفعل بشار مع الثوار السوريين.

ولكن هذه العوامل الجيوسياسية ليست كافية لتفسير التوترات الحاصلة. ولمحاولة فهم الأمر بشكل أكثر وضوحاً، سنذهب إلى مظاهرة باريسية حيث نلتقي بسوما وهي كردية إيرانية لاجئة في فرنسا وباحثة في جامعة باريس الثامنة. وإذا كانت هذه الباحثة في علم اجتماع النوع تقر بأنها تتفهم ” أن يكون تصرف حزب العمال الكردستاني قد صدم السوريين” ولكنها تعتبر أنه يجب البحث عن تفسير هذا الموضوع في تاريخ الحركة الكردية والنظريات التي تؤمن بها فيما يتعلق بالعمل السياسي” إنها حركة عسكرية، إذ نقوم بالاستعداد في وقت السلم وعندما تندلع الحرب فإننا نستفيد من الوضع ونحاول أخذ مكاننا. ليس هذا غريباً بالنسبة لنا كما هي الحال بالنسبة للسوريين فقد حصل مسبقاً مع حركة كومله [14] خلال الثورة الإيرانية وأيضاً في العراق [15]. هذا ليس بجديد. في أفكار حزب العمال الكردستاني التدخل في الحرب والثورة لا يغيران شيء فهم لا يبحثون عن ثورة على المستوى الوطني”. عدا هذا تشير الباحثة إلى مسؤولية المعارضة السورية المشبعة بالخطاب القومي والتي جعلت من “الاسد والدولة المركزية هدفها الأساسي، في حين أن الأقليات العرقية والدينية لم تكن ذات أهمية بالنسبة لها وبالتالي خلقت حالة من العداء مع عدد كبير من الأقليات بمن فيهم الأكراد الذين لم يكن سقوط النظام يشكل الهدف الأهم بالنسبة إليهم ” هذه الاستراتيجيات المختلفة تعكس “رؤيتين مختلفتين عن التحرر” يجب الحصول على إدارة ذاتية لأكراد سوريا وكذلك لأكراد تركيا. كما كانوا مقتنعين بأنه في حال متابعة الطريق مع الثورة السورية فسيخسرون مرة أخرى المساحة التي يحاولون الحصول عليها” كما تؤكد الباحثة، قبل أن يقطع حديثنا بالقنابل المسيلة للدموع التي أطلقتها قوات مكافحة الشغب.

“تداخلات ثورية” كان عنوان يوم للقاءات والنقاشات تم تنظيمه في المدرسة العليا للعلوم الانسانية والاجتماعية بين ناشطين وناشطات سوريات وناشطين من حركة السترات الصفراء وبهذه المناسبة عدنا للحديث مع طه أحد منظمي هذا الحدث. يقول طه أنه بالنسبة له وللكثير من الثوار السوريين، شكلت الثورة إمكانية نادرة لبناء هوية موحدة جديدة مبنية على “المواطنة السورية” فنتيجةً للسياسة القمعية التي اتبعها النظام وبمنعه الحرية السياسية عن المواطنين ” فهو قد حرم جميع السوريين من المواطنة الحقيقة فعلياً وليس فقط الأكراد”. وكان الثوار من خلال الرسائل المتعددة التي أرسلوها نحو الأقليات، يأملون بمحي الحواجز الطائفية والعرقية دون إنكارها ولكن في جعل مطالبها الخاصة بها في الدور الثاني بعد هذا البناء الجديد للهوية. وهو تماماً عكس مشروع الهوية الذي يتبناه حزب الاتحاد الديمقراطي المبني على نموذج متعدد الأديان والعرقيات حيث يسعى إلى إعطاء الأقليات مساحة واسعة من خلال منحها حقوقاً وسلطات معينة. وبالتالي فهو مجتمع مكون من شعوب غير منظمة حول الدولة والهوية الوطنية المفروضة على الجميع وإنما من خلال نظام فيدرالي مسلح بإيديولوجية ثورية يؤمن الحزب السياسي استمرارها ونشرها.

أين اختفت الثورة السورية؟

تفهم هذه الاختلافات السياسية بشكل مغلوط، هذا إن لم يتم تجاهلها ببساطة، من قبل المناصرين الفرنسيين للروجافا. حيث يعتبر المفكر والثوري اليساري السوري ياسين الحاج صالح أن علامات المساندة للروجافا ماتزال إشكالية لأنها تتجاهل بشكل دائم أخذ المسألة السورية بأكملها بعين الاعتبار. وعلى سبيل المثال يذكر صالح المقيم في المنفى التجربة التي عاشها أثناء محاضرة في برلين حول هذا الموضوع تحمل عنوان ” بعد الرقة: روجافا مابين الاعتداء والتجديد”. “المتحدثين كانوا أكراداً من تركيا ومدير الحوار كان ألمانياً. أياً منهم لم يذهب إلى الرقة أو إلى سوريا أو روجافا (…) الجمهور كان مؤلفاً من الألمان والأكراد. كنت السوري الوحيد والرقاوي الوحيد وربما الروجافي الوحيد لأنهم لم يقوموا بدعوة أي كردي سوري” [16]

ومن خلال تحجيم السوريين إلى دور المتفرج أو الضحية فإن المنظمين ” جعلوا هذه القضية الغائبة أكثر غياباً” كتب حينها ياسين الحاج صالح، الذي يبدوا مندهشاً من هذه الحالة التي بدا فيها للمشاركون الغربيون ” أنه لا يمكن أن يكون هناك قضية غير متوافقة ـأو أن تكون متعارضةـ مع القضية التي اختاروا دعمها”. ولكن أين اختفت فعلياً هذه القضية ؟ فإذا كان بعض الناشطين يميلون إلى إهمال وجهة النظر السياسية للثوار السوريين، ذلك أن صوتهم كانت قد أكلته أصوات القصف وتعقيدات النزاع، حيث أن “الأزمة السورية” ماتزال حاضرة بقوة بصفتها الكارثية، ولكن مقابل اختفاء البعد الثوري لهذا الحدث. إذ أن المستمرين القلائل في دعم الثورة السورية يعتبرون أن قلة عدد المناصرين للثورة هو نتيجة لدور الاعلام الذي “يلعب دور المخدر من خلال الكم الهائل والمستمر من الأخبار والصور التي لا تحمل أي معنى باستثناء المعنى الكارثي الإنساني” [17] وبالتالي ساهموا في نزع البعد السياسي عن هذه الثورة. وبرأي سيسيل بويكس وهي محاضرة في المدرسة العليا للعلوم الإنسانية والاجتماعية فإن “كمية الفيديوهات” التي نشرت على وسائل التواصل الاجتماعي وفي وسائل الاعلام شكلت حاجزاً أمام فهم معمق لثورة هي من أكثر الثورات توثيقاً ربما عبر التاريخ. إن النقص في المعطيات التي تمكن من فهم السياق لهذا الحدث المتعدد الأشكال والأنماط، كالوصول التدريجي والمتصاعد لفاعلين جدد جعل من فهم الأحداث أكثر تعقيداً إن كان على المستوى العام أو على مستوى منطقة معينة. ففي فرنسا أصبحت القراءة الجيوسياسية التعميمية متصدرة أكثر فأكثر لتفسير حدث هو متنوع بطبيعته. وأصبح النقاش مغموراً بالخرائط والتفسيرات الاقتصادية والشكوك حول مؤامرة ما!

وساهمت آلة البروباغندا الموالية لبشار الأسد في زيادة التشويش حول الموضوع كما استطاعت باكراً أن تجد مراكز تصغي إليها لدى شبكات اليمين المتطرف، الذين كانوا مسحورين بدوره كرجل قوي يشكل سدّاً أمام الاسلاميين ويدافع عن استقلال بلده، مما دفع بعضاً منهم دون أي خجل من تقديمه بصفته “حامي الشعب السوري”. [18] وجهة النظر هذه لم تكن فقط آتية من الأحزاب اليمينية، كما يذ ّكر بذلك البروفيسور جوليان سالينغ في رسالته التي حملت عنوان “رسالة إلى رفيق مازال يبرر ما لا يمكن تبريره” [19] وهو أستاذ في العلوم السياسية وعضو الحزب الجديد المعادي للرأسمالية (NPA). حيث ينتقد موقف اليسار الذي كان “يعتبر أنه لا داعي من اتخاذ موقف واضح وصريح ضد مجزرة مبرمجة يرتكبها النظام الديكتاتوري لبشار الأسد وحلفائه” وكمثال على حالة عدم الوضوح هو ماقاله الزعيم اليساري جان لوك ميلانشون يوم الرابع عشر من آذار مارس عام 2018 في تغريدة على حساب تويتر حيث أطلق على آخر الثوار المتواجدين في ضواحي دمشق صفة “داعش الغوطة” والذين كانوا يتعرضون لقصف الجيش الروسي وجيش النظام. وقبل سنة من ذلك كان ميلانشون قد قال عن الرئيس بوتين بأنه الشخص الذي ” سيحل كل هذه المشكلة” [20] وإذا كانت لهجته تغيرت بعض الشيء منذ ذلك الحين، فإن كلامه يعكس ما يؤمن به بعض أطياف اليسار والذين تحت غطاء معاداة الرأسمالية والقلق من المطامع الاقتصادية الأمريكية أنتجوا خطاباً يشبه إلى حد كبير خطاب المدافعين عن بشار وبوتين في الأوساط اليمينية المتطرفة.

ليلى الشامي وهي إحدى المشاركين في الكتاب الذي حمل عنوان البلد المحروق الصادر بالانكليزية ( Burning Country) والذي أصبح مرجعاً فيما يتعلق بالثورة السورية، وخلال لقاء لتقديم الكتاب في قرية في منطقة الليموزين الفرنسية، تشير بأسف إلى أن هذه الرؤية منتشرة أيضاً في الأوساط اليسارية الإنكليزية “لم نكن نتوقع أن نواجه هذه الرؤية لدى أعضاء اليسار الراديكالي الذين ينسون أنه إذا كانت المصالح الغربية تشكل خطراً دائماً، فإن الامبريالية تعمل عملها المدمر في سوريا من خلال التدخل الروسي والإيراني”.

إن الخوف من الحركات الجهادية التي ضربت في قلب العواصم الأوروبية وحالة شك عامة تجاه وسائل الإعلام سمحت لهذه الآراء بالانتشار بشكل واسع حتى وصلت إلى التشكيك بقمع وجرائم النظام (المسؤول حسب مصادر متعددة عن أكثر من 90% من القتلى المدنيين) [21] أو حتى التشكيك بوجود ثورة شعبية في سوريا.

ومنذ عام 2015 كان أهل مدينة كفرنبل الذين عرفوا بقرائتهم الدقيقة للأحداث يسخرون من هذه الحالة بإحدى اللافتات التي ميزتهم حيث كتبوا بالانكليزية :”ليست مشكلتنا أن الأسد يكذب على الملأ ولكن أن العالم يفعل كل ما بوسعه ليصدقه”. بالنسبة لكثير من السوريين الذين عاشوا الثورة في الداخل أو في بلدان الاغتراب فإن استراتيجية النظام في التضليل الإعلامي هي التي صنعت هذه الصورة السلبية. فمنذ بداية الثورة سعى الدكتاتور ووسائله الإعلامية إلى وصف الثوار بأنهم “إرهابيين” و “إسلاميين” وقدم نفسه بأنه حامي الأقليات من مسيحيين وأكراد ودروز وغيرهم. ومن خلال اللعب على هذه التوترات تمكن النظام من توسيع الشرخ بين السنّة الذين يشكلون أكثر من سبعين بالمئة من عدد السكان والعلويين الطائفة التي تنتمي إليها عائلة الأسد التي تحكم منذ عام 1970. ومع تزايد حالة الشعور بالقلق على مصيرهم والتي كان يعاني منها العلويون يوماً بعد يوم مع زيادة الصبغة الطائفية على النزاع فقد وجدوا أنفسهم كرهائن لسياسة تعتمد على تغذية إحساس الاضطهاد والضغينة الذي يشعر به المواطنون تجاههم.

هذا الخوف لم يكن محسوساً تماماً في عام 2011، ففي هذا العام وكصدى للثورات العربية نزل الآلاف في الشوارع بشكل سلمي للمطالبة “بإسقاط النظام” الأسدي. كانت الجموع متحدة فيما بينها للمطالبة بالحرية والكرامة والديمقراطية، بغض النظر عن الاختلافات العرقية والطائفية. وكانت تسميات أيام الجمعة والشعارات تحاول إظهار هذه الحالة فكان شعار آزادي التي تعني حرية بالكردية أو جمعة الشيخ صالح العلي، وكانت هذه الشعارات تردد في جميع أنحاء سوريا أياً كانت التابعية العرقية أو الطائفية. [22]

يتذكر منذر السلال هذه الفترة: ” كنا معتادين على الضحك عندما نسمع برباغندا النظام عن العصابات المسلحة والسلفيين والإمارات الإسلامية. ثم خلق النظام الظروف المواتية لكي تصبح كل هذه الأكاذيب حقيقة” [23] وذروة المكيافلية السياسية التي تميز النظام كانت بتحقيقه ما تنبأ به عن طبيعة الثورة وذلك بإطلاق سراح أكثر من 1500 من الإسلاميين ذوي الخبرة [24] المنتسبين إلى تنظيم القاعدة، حيث قام بعض منهم بتأسيس الكتائب الإسلامية التي كان لها دور أساسي في أسلمة الثورة، كجبهة النصرة التي ماتزال أكثرها شهرة حتى الآن.

هذه الكتائب الإسلامية عرفت كيف تستفيد من عسكرة الصراع، وإذا كان المتظاهرون السوريون استمروا بالنزول إلى الشارع لأكثر من عام صارخين شعار “سلمية” الذي ردده بعدهم الجزائريون في حراكهم فإن قوات النظام ردت عليهم منذ الأيام الأولى بوابل من الرصاص وبموجة طاغية من العنف من خلال عصابات الشبيحة الموالية للنظام. وبهدف حماية المتظاهرين والمناطق المحررة قام جزء من الثوار بتأسيس الجيش السوري الحر والذي كان عبارة عن تكتل لعدد من الكتائب، ولكنه لم يحظى بدعم حقيقي من الغرب مما دفع بعض هذه الكتائب بالتوجه نحو شبكات الدعم الإسلامية (المرتبطة مباشرة بدول أو متعددة الجنسيات) والتي كانت منذ بداية الثورة على أشد الاستعداد لتقديم دعم حقيقي وسريع ولكنه مشروط باستخدام إشارات تدل على المرجعية الإسلامية.

هذا الانتقال من الثورة إلى الحرب شكل نقطة فاصلة بما في ذلك بالنسبة للمتابعين الخارجيين. ففي حين كان الآلاف من الثوار مضطرين إلى مغادرة البلاد، كان الآلاف من الجهاديين الأجانب يدخلون إلى البلد ليساهموا في إكمال الواجهة الطائفية للثورة. وفي جميع أنحاء العالم كان هناك رفض لدعم هؤلاء الذين لا يظهرون بعد كثوار وإنما كإسلاميين يشبهون أولئك الذين يزرعون القنابل في مراكز المدن الغربية.

ولم تكن الأوساط اليسارية الراديكالية استثنا ًء عن هذه القاعدة. فالتعرف على روجافا العلمانية والمقاومة لهجوم داعش والمدافعة عن قيم قريبة من القيم التي يدافع عنها الناشطون هنا جعلها تبدو “كبصيص أمل” في خضم العاصفة. وعند لقائنا مرة ثانية بألكسندر في مرسيليا فإنه يقر بندم: ” من الصعب فهم مايحصل هناك، الأحداث معقدة وبالكاد نستوعب من لديه السلاح، من يقصف، من هو جهادي ومن هو ليس كذلك ؟…” ويتابع الحديث شارحاً من خلال صورة تشبيهية ملتبسة ولكنها واضحة: ” عندما تشاهد مبارة كرة قدم فإنه من الأسهل الاهتمام باللعبة عندما تشجع أحد الفريقين. وهنا تقريباً نفس الحالة، فمن الأسهل الحصول على المعلومات عندما ترتبط بطرف معين، بالإضافة إلى أن الأكراد لديهم إيديولوجية معينة” هذا الموقف نجده عند الكثيرين من الناشطين الداعمين لروجافا، بما في ذلك الذين كانوا سابقاً من الداعمين للثورة السورية. إذ أصبحوا قلائل جداً أولئك الذين استمروا بدعمهم للثورة السورية رغم كل نكساتها. فبعد التعرف على حالة نضالية قابلة للفهم والاستيعاب كحالة روجافا تحولت الثورة السورية إلى زاوية معتمة بالنسبة للكثير من الناشطين.

يقول فرانسوا بورغا الباحث في المركز الوطني للبحوث العلمية والذي كان مديراً للمعهد الفرنسي في الشرق الأدنى ومقره دمشق حتى عام 2011 “لقد تبين أن الثورة الشعبية التي قامت في البداية كانت تخبئ حراكين آخرين، حراك الأكراد وحراك الجهاديين، ولكل منهما أهداف ووسائل مختلفة. (…) ومن المؤكد أن النظام استعمل هذه العوامل ليسحب الثورة السورية إلى المأزق الذي تجد نفسها فيه حالياً. [25] حالياً تشكل إدلب جيب المقاومة الأخير للثوار. حيث تتجاور هناك قوى إسلامية مع آخر الثوار المدنيين الذين لم يغادروا البلد حتى الآن. وبعد أكثر من اثنا عشر عاماً من الحرب وزلزال مريع يتم استغلاله بشكل فاضح من قبل النظام وحلفائه لإعادة تأهيله على المستوى الدولي، يبدو الوضع كارثياً تماماً فهناك مئات الآلاف من القتلى والمفقودين وملايين من المهجرين وحركة مدنية تم تهميشها من قبل جماعات مسلحة غ ّيبت جميع المطالب الشعبية.

ذاكرة المهزومين

إذا كان هذا الإخفاق الثوري سبباً في ابتعاد اليسار الراديكالي الفرنسي عن الثورة فإن بعض مكونات هذا اليسار ما تزال تدافع عنها رغم كل شيء: “بعيداً عن حالة اللامبالاة والخيانات والانكسارات التي تعرضت لها الثورة السورية، فلقد بدا لنا في غاية الأهمية ألا نزيد على ذلك بمواقف تجعلنا نبدو وكأننا نبصق على جثث الضحايا” [26] صرخة اليأس هذه التي أطلقها كتّاب مدونة (En Route) تذ ّكر بأن الأصوات القليلة التي ما تزال تحاول هنا في فرنسا إيصال صوت الثورة السورية الحقيقي تنتمي بشكل أساسي إلى الحزب الجديد المعادي للرأسمالية (NPA) ومجلة .(lundi matin) وموقع (CQFD) وبالرغم من الاعتراف بحالة العجز فإن المشاركين في كتاب “عن الثورة السورية” والمكون من مجموعة حوارات عن الثورة، يحاولون رسم الطرق التي يمكن من خلالها متابعة الدعم من فرنسا: ” في هذه الأيام حيث لا توجد أي قوة اجتماعية ذات طابع دولي ومستقل في مواجهة الدول فإننا لا نملك أفكار عجائبية لدعم الثوار ولكننا نعتقد أنه لا يمكن لأي شيء إيجابي أن يأتي من طرف الحكومات الأوروبية. وما يبقى في متناول يد المواطن الفرنسي أو الأوروبي هو الحصول على المعلومات عما يجري على واقع الأرض في سوريا وما تفعله الدول المشاركة في الصراع وما يفعله الجهاديون (القادمين من أوروبا في بعض الأحيان)، والتواصل مع السوريين في أوروبا ومساعدتهم للتعبير بشكل علني عن نضالهم. [27]

هذا ما عبر عنه مؤخراً تجمع المترجمين الذين عملوا على ترجمة كتاب البلد المحروق (Burning Country) من الانكليزية إلى الفرنسية وهو من تأليف ليلى الشامي وروبين كساب كاتب. يقدم المترجمون أنفسهم في مقدمة الكتاب على أنهم أصدقاء الثورة السورية وأنهم يحاولون عرض وجهة نظر مختلفة عن تلك التي تقدمها وسائل الإعلام في الحديث عن الموضوع وكذلك تعويض نقص الاهتمام في أوساط الناشطين السياسيين : “في مواجهة الغياب المبرمج لحقبة الثورة في السورية يتولد شعور -يتشارك به أغلب اللاجئين السورين الذي التقينا بهم- وهو أنه لا الحرب الشاملة التي يشنها بشار على شعبه ولا إفراغ المحتوى السياسي الذي تمارسه وسائل الإعلام الغربية لما حصل في سوريا ولا حالة التشكيك التي يمارسها جزء من اليسار المعادي للرأسمالية وحلفائه الموضوعيين من اليمين المتطرف، كل هذه العوامل لن تنجح في إطفاء الشعلة التي توقدت في أعماق الكثير من السوريين.

عند الاستماع إلى الأشخاص الذين مازالوا يهتمون بشأن الثورة السورية فإن لقائهم بالثوار اللاجئين كان حاسماً. يقول مارك أحد المشاركين في ترجمة الكتاب : “لقد بدأنا الاهتمام بالشأن السوري من خلال السوريين الذين التقينا بهم هنا أو من خلال أصدقاء زاروا سوريا والتقوا بسوريين في الداخل” هذه اللقاءات مكنت مارك، الذي يعيش في مدينة صغيرة وسط فرنسا والبالغ من العمر أربعين عاماً، من اكتشاف ثورة تستحق الاعجاب والتقدير بحسب قوله، متمنياً أن يكون هذا الاهتمام معدياً للآخرين. فخلال عدة أشهر قام بعدة جولات برفقة ليلى الشامي التي شاركت في تأليف الكتاب بالإضافة إلى تجمع المترجمين الذين عملوا على ترجمة الكتاب إلى الفرنسية. وفي إحدى هذه اللقاءات في باريس تحدثت ليفيا وهي شابة شاركت في تنظيم الحدث: “إن الاهتمام بالثورة السورية وانكساراتها هو ضروري كضرورة الاهتمام بتاريخ كومونة باريس رغم سحقها من قبل السلطة آنذاك، أو الثورة الاسبانية التي انتصر عليها فرانكو بدعم من ستالين”. ولهذه الأهداف تحديداً فإن ليفيا مدرسة اللغة الفرنسية للأجانب والتي تعيش في مرسيليا تذ ّكر في كل اجتماع عام متعلق بالشأن السوري بكلمات الناشط السياسي السوري عمر عزيز الذي كان من ملهمي لجان التنسيق المحلية. الكلمات التي كان قد عبر عنها أيام قبل اعتقاله ووفاته في المعتقل: “لقد فعلنا ما لم تستطع فعله كومونة باريس التي صمدت سبعين يوماً، وها نحن صامدون منذ أكثر من عام ونصف” وبالنسبة لمؤلفي كتاب “عن الثورة السورية” تظل الثورة حدثاً استثنائياً.

ويصفون حالة “اندفاع جماعي نحو الديمقراطية المباشرة” [28] تترجمت على الأرض من خلال تأسيس ما أطلق عليه “المجالس المحلية”. إن امتداد الثورة إلى جميع أنحاء البلد وكذلك الانشقاقات الواسعة عن الجيش وتسلح عدد من الثوار أدت إلى خروج أكثر من ثلثي مساحة الأراضي السورية عن سيطرة نظام بشار الأسد خلال عام 2012. فلجان التنسيق التي نشطت في بداية الحراك وهي شبكة مبنية على المعارف والثقة المتبادلة تحولت فيما بعد إلى “مجالس محلية” وهي مجالس ثورية قامت بإدارة الأحياء والمدن المحررة بشكل مستقل عن الدولة، حيث حاولت تأمين المؤن والمساعدات الإنسانية والحاجات الأولية، كالماء والكهرباء والتربية والصحة وغيرها. ومن خلال تنظيمها كشبكة لمساعدة بعضها البعض والاستفادة من تجارب الآخرين فإن هذه المجالس شكلت ثورة محلية ووطنية في ذات الوقت. فمنها كانت مجالس يتم انتخاب أعضائها من خلال انتخابات حرة، أو من خلال اختيار الأعضاء من ضمن اللجان، ومجالس أخرى تشكلت بتأثير من الأخوان المسلمين أو تم حلها من قبل الكتائب الجهادية، وكل هذه التجارب كانت تتغير بحسب ظروف المنطقة التي تتواجد بها والمشاكل التي كانت تواجهها. إن اختفاء الدولة من هذه المناطق والحلول المحلية التي تم إيجادها من قبل السكان هي التي تثير إعجاب أولئك الذي يجعلون من الإدارة الذاتية مثالاً ثورياً أعلى. مترجمي كتاب البلد المحروق يرون بها لحظة تشكلت خلالها “الإمكانية، في بعض الأماكن ولفترة معينة، لانتفاضة شعبية بدون حزب مسيطر، استطاعت من خلال التجربة أن تجد السبل لاستمرارها. هذه

السبل التي أظهرت قدرة غير متوقعة لدى التجمعات المحلية على إدارة نفسها وتكفلها بحاجاتها المادية والسياسية والعسكرية ضمن حالة غياب الدولة” وغيرهم يذهبون أبعد من ذلك محاولين إيجاد روابط مابين ظهور حركة السترات الصفراء والثورة السورية. ففي ضواحي باريس عقد ناشطي السترات الصفراء اجتماعاً حول هذا الموضوع. وفي المنشور الذي تم توزيعه هناك ليشرح الحدث كان النص يؤكد الرغبة على ” استخلاص الدروس من انتكاسات وانتصارات الثورة، إن كان من الناحية التنظيمية الفعلية على الأرض ومن المخاطر الداخلية التي تهددها أو أساليب السلطة لزعزعتها. إنها عملية تبادل ثورية لتغذية حركتنا هنا” وفي نهاية الأمسية، أشارت شابة سورية فرنسية في حديثها عن الأساليب المشابهة للقوى المعادية للثورة: ” في سوريا استخدم النظام ثلاثة أدوات أساسية : التقسيم، الكذب، القمع. بالتأكيد كان الوضع في سوريا ألف مرة أكثر سو ًء ولكن هنا أيضاً تستخدم السلطة نفس الأدوات لمواجهة الغضب الشعبي: استخدام تواجد العناصر الفاشية وتحركاتهم، كذب الدولة من خلال وزير الداخلية كاستانير بالإضافة إلى الأيادية المهشمة والعيون المقلوعة” من المنظمين لهذه الأمسية كان هناك الشاب كاميي الذي التقيناه على إحدى دوارات المنطقة الباريسية التي يجتمع عليها السترات الصفراء. أراد كاميي التوضيح بأن الدافع لم يكن “مقارنة الحالتين” وإنما محاولة فهم طبيعة الثورات الشعبية، لأنه عندما نعاين حركة السترات الصفراء وكذلك ضعف التنظيمات السياسية هنا، تبدو الحالة أشبه بانتفاضة على الطريقة السورية، أ ّي متعددة العناصر ولا تحكمها إيديولوجية موحدة، وليس على الطريقة الكردية التي تتميز بسيطرة حزب واحد عليها” ثم أضاف “وعلى ما اعتقد بدون سلاح” قبل أن يعود لتوزيع المناشير التي تدعوا إلى جمعية عامة في مدينة سان نازير (Saint-Nazaire).

بالنسبة لكاميي كما بالنسبة لأغلبية المتعاطفين والمعجبين بالثورة السورية فإن الجانب الذي يرغب هؤلاء بالإشارة إليه هو قدرة بعض التجمعات في سوريا على إمساك مصيرها بيدها بمعنى أن هذه الثورة لم تكن منقادة وراء تنظيم سياسي وأنها أعطت أشكال أولى من التجارب في الإدارة الذاتية المحلية والتي لم تكن ثمرة إيديولوجيا موجودة مسبقاً ولكن من تحرك شعبي هائل “لإعادة استملاك السياسة والنقاش الحر” [29] هذه القراءة للثورة يمكنها أن تساعد في إظهار الإضافات والنجاحات التي قدمها الثوار ولكنها تتناسى أحياناً العوامل الداخلية لانتكاسة الثورة، أو تلك المتعلقة بنجاح القوى السابقة التنظيم على الثورة كالتنظيمات الجهادية أو حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني.

محاولة الثورة في القرن الحادي والعشرين

بالمختصر، كانت سوريا مسرحاً لثورة متعددة الوجوه ظهر في داخلها شكلين من التحركات الثورية.أما الخلافات مابين الثوار السوريين والأكراد والاهتمام الذي تحظى به هنا في فرنسا فإنه ليس وليد الصدفة بل يعبر عن طرق مختلفة في “محاولة” الثورة. طريقتين ثوريتين يتواجهان هنا: من الطرف الأول هناك الانتفاضة السورية وهي ثورة شعبية غير محضر لها، سمحت بتسييس عدد هائل من السوريين الذين لم يكن لهم حتى لحظتها أي علاقة بمسائل التنظيم الاجتماعي والسياسي في بلدهم ولكنها أفضت إلى السيطرة العسكرية للمجموعات الإسلامية المسلحة والانكسار أمام نظام الأسد. من الطرف الآخر تشكل ثورة الروجافا حالة نضال ثوري منظم من قبل حزب هو حزب العمال الكردستاني والذي يحمل تجربة أربعين عاماً من

النضال. وقد تمكن هذا الأخير من تحفيز المخيال السياسي التحرري ما بعد الحداثي من خلال محاولاته التجديدية ورفضه لمفهوم الدولة-الأمة. ولكن من الصعب عليه أن يقنع بأن الانتماء الكردي ليس في صلب مشروعه وأنه يستقي قوته دائماً من خلال استراتيجيات نابعة من اللينينية وحركات التحرر في القرن العشرين. وبكونه محصوراً بين تركيا الراغبة بالحرب والنظام السوري الذي يتسامح بوجوده حالياً، فإن مستقبله يظل غير مؤكد. إن نقاط القوة للاعب متهيئ وواضح مثل حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي (PKK-PYD) سمحت له بفرض نفسه في وضع شديد التعقيد كما هو حال النزاع السوري. ولكن نجاحاته لا تعني مسح المحاولات، المنكسرة بطبيعة الحال، للثوار السوريين والتي أصبح من شبه المستحيل إتمامها ليس بسبب غياب التحضير المسبق فقط وإنما أيضاً لعدم وجود أي دعم. ومع عودة الفكرة الثورية إلى الواجهة في فرنسا وفي أماكن أخرى من العالم، فإن الدروس المستخلصة من هذه التجارب الثورية الحديثة العهد أثرت على طريقة التصرف والرؤية التي يحملها أولئك الراغبين بأن تحصل ثورة هنا في فرنسا. “كنت اعتقد أن حركة السترات الصفراء هي بداية الثورة، لقد اخطأنا ولكننا آمنا بذلك” هذه المشاعر التي أحس بها كاميي بعد أحداث العصيان في الأول من كانون الأول/ ديسمبر 2018 لم تكن مشاعراً مقتصرة على الأوساط الراديكالية. فالحواجز المشتعلة في الأحياء الباريسية الغنية ومركز قيادات الشرطة التي تمت مهاجمتها وساحات محتلة من قبل المواطنين في جميع أنحاء البلاد مع رفض شامل لأي وساطة، كل هذه العوامل دفعت بآمال هز النظام القائم إلى أقصاها. وفي السادس عشر من آذار/مارس 2019 على جادة الشانزليزيه في وسط صخب المتظاهرين كانت الحشود الصفراء تردد بصوت واحد : “ثورة ثورة ثورة”. وبعد ثلاثة أعوام وخلال المظاهرات المعادية لقانون نظام التقاعد الجديد عام 2023، فإن كلمة “ثورة” تعود من جديد. والكثير يستعيدون من خلال وسائل التواصل الاجتماعي وعلى جدران المدينة الشعار الأكثر شهرة خلال الثورة السورية والثورات العربية: “الشعب يريد إسقاط النظام”

كما هي الحال دائماً فإن هاتين الحركتين تعرضتا للمقارنة. السترات الصفراء وكذلك الحركة الحالية ضد قانون التقاعد لها مرجعيات تاريخية عديدة كالثورة الفرنسية لعام 1789 وكومونة باريس أو أحداث أيار/مايو 1968. وفي لقاء نظمه نادي السترات الصفراء في مونتروي بالقرب من باريس أكدت مؤرخة الثورة الفرنسية صوفي فانيش على شكلين من أشكال الاستفادة من الإرث الثوري: ” يحاول البعض أن يكون حراً، وأحياناً تنجح هذه المحاولة في التقدم نحو الحرية. ومن الضروري أن نكون على تواصل مع هذه اللحظات التاريخية لأنها تمنحنا الشجاعة وتدفعنا إلى التعامل بذكاء مع الوضع، ليس عن طريق نسخ التجربة السابقة وإنما من خلال محاولة فهم السياق الراهن والعوامل المؤثرة به” وبعيداً عن التاريخ الفرنسي فإن عملية التأثر المتبادل مع الشرق الأوسط، والتي تظل محدودة ومقتصرة على الأوساط الراديكالية، تذكرنا بوضوح أنه وبالرغم من كل الانكسارات وكثرة القوى المعادية للثورة والتي تحاول بشتى الوسائل القضاء على الوعود التي أتت بها الثورات الشعبية، فإن ثورات العشر سنوات الأخيرة لم تكن فرنسية ولا حتى غربية وإنما تونسية وليبية ومصرية وسورية وكردية وبوركينابية وسودانية وجزائرية.

لوكا أميلكار**

**أشكر جزيل الشكر جميع الأشخاص الذي أجابوا على أسئلتي وكذلك الأشخاص الذين شاركوا في كتابة هذا المقال والذي بالرغم من أنه موقع باسم واحد فإنه يعبر عن عمل وكتابة جماعية.

*ملاحظة المترجم: تعبير “منطقة في حالة نضالية” في السياق الفرنسي يشير إلى منطقة جغرافية صغيرة نسبياً يكون فيها الأهالي في حالة خلاف مع الدولة حول مشروع يعتبرونه مسيء للبيئة أو للنظام الحيوي في منطقتهم، ولا يعني ذلك نزاع عسكري مع الدولة وإن كانت الاحتجاجات تأخذ طابع المواجهة أحياناً مع قوات حفظ النظام.

المراجع :

[1] مرجع بالفرنسية :

“ Indifférence, trahison et Défaite… . puis vint le crachat, mise au point sur la situation dans la Ghouta et sur la rébellion syrienne”, par le blog En Route, le 12 mars 2018 dans Lundimatin #137

[2] مرجع بالفرنسية :

Publication de la page Facebook “Pavé Brûlant”, le 28 mars 2019

[3] مرجع بالفرنسية:

”Ces revenants du Rojava qui inquiètent les services de renseignements”, Matthieu Suc et Jacques Massey, Mediapart, 1er septembre 2019

[3] مرجع بالفرنسية:

Voir la page facebook : “Initiative pour un confédéralisme démocratique”

[5] مرجع بالفرنسية:

Sur les évolutions du PKK et son histoire voir l’article de Mathieu Léonard “Le Kurdistan, nouvelle utopie”, numéro 4 de la Revue du crieur

[6] نظرية ولدت في سبعينيات القرن الماضي من كتابات الأناركي الأمريكي موراي بوكشين، مرجع بالفرنسية:

“Pour un municipalisme libertaire”, Murray Bookchin, Atelier de création libertaire, 2003-2018 : www.atelierdecreationlibertaire.com

[7] تبلورت تحولات حزب العمال الكردستاني في تركيا مابين عامي 2000 و 2014 (إدارة بلديات، إنشاء جمعيات، اجتمعات أهلية في الأحياء، تعاونيات نسائية…الخ) قبل أن يضع الجيش التركي حداً لهذه التجربة بهجوم دموي خلال عامي 2014-2015

[8] مرجع بالفرنسية:

Voir CQFD “Gilets Jaunes : Commercy ouvrent la voie du municipalisme”, Janvier °172 ou encore l’appel : “Solidarité des gilets jaunes de Commercy avec la révolution au Rojava” répondant à une vidéo de soutien en provenance du Rojava cette fois-ci : “Message de solidarité des habitants de Rojava aux Gilets jaunes en France”

[9] مرجع بالفرنسية:

BANCE, Pierre, Un autre futur pour le Kurdistan ? Municipalisme libertaire et confédéralisme démocratique, Éditions Noir et Rouge, 2017

[10] مرجع بالفرنسية:

Par exemple : “Le point d’explosion de l’idéologie au Kurdistan” VP et GEH , 3 mai 2018 sur le site de Solitudes intangibles ou encore “Lettre à des amis Rojavistes” 16 mai 2016 sur Paris-luttes.info

[11] مرجع بالفرنسية:

Entretien de L., exilée kurde syrienne, avec En Route : “Les Révolutionnaires n’ont pas eu d’autre choix que de s’armer”, le 28 février 2018, Lundimatin #135

[12] مرجع بالفرنسية:

Tejel, Jordi. « Les paradoxes du printemps kurde en Syrie », Politique étrangère, vol. été, no. 2, 2014, p. 51-61 : “Le pacte non écrit entre Damas et le PYD fut confirmé par Qadri Jamil, vice-Premier ministre syrien, dans un entretien publié par Rûdaw ” : http://rudaw.net/english/interview/21082013

[13] مرجع بالفرنسية:

Baczko Adam, Dorronsoro Gilles et Quesnay Arthur, “Syrie. Anatomie .d’une Guerre civile”, CNRS éditions, 2016, p. 208

[14] كومالا هو حزب ثوري كردي إيراني كان قد شارك في ثورة 1979 ضد الشاه، واستطاع في هذا السياق من السيطرة على عدة مدن، أدى إلى قيام نزاع مسلح مع نظام الجمهورية الإسلامية

[15] استطاعت كردستان العراق الحصول على قدر كبير من الاستقلال الذاتي بعد حربي الخليج.

[16] مقال بالعربية والإنكليزية لياسين الحاج صالح بعنوان “في نقد التضامن”، صحيفة الجمهورية : https://aljumhuriya.net/ar/2018/05/18/%D9%81%D9%8A-%D9%86%D9%82%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B6%D8%A7%D9%85%D9%86/

[17] مقدمة المترجمين للنسخة الفرنسية لكتاب البلد المحروق

[18] مرجع بالفرنسية: كالمنشورات (تم حذفها لاحقاً) لأعضاء تجمع للفاشيين الجدد

[19] مرجع بالفرنسية:

Massacres à Alep : lettre à un « camarade » qui s’obstine à justifier l’injustifiable par Julien Salingue le 15 décembre 2016 sur son blog resisteralairdutemps.blogspot.com

[20] أثناء برنامج “On n’est pas couché” في العشرين من شباط فبراير 1122 على القناة الفرنسية الثانية

[21] بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان (OSDH) وكذلك الشبكة السورية لحقوق الإنسان (SNHR)

[22] مرجع بالفرنسية:

Burgat, François, et al. « 13. La puissance politique des slogans de la révolution », François Burgat éd., Pas de printemps pour la Syrie. Les clés pour comprendre les acteurs et les défis de la crise (2011-2013). La Découverte, 2013

[23] مرجع بالفرنسية والإنكليزية:

cité dans Burning Country, Au coeur de la révolution syrienne, Leila Al-Shami et Robin Kasssab-Keteb, traduit en français aux éditions l’Échappée, mars 2019

[24] مرجع بالفرنسية:

Baczko Adam, Dorronsoro Gilles et Quesnay Arthur, Syrie. Anatomie d’une Guerre civile, CNRS éditions, 2016

[25] في لقاء مع صحيفة اللوموند الفرنسية نشر في 1122/21/12

[26] مرجع بالفرنسية

“ Indifférence, trahison et défaite… puis vint le crachat, mise au point sur la situation dans la Ghouta et sur la rébellion syrienne”, par En Route, le 12 mars 2018 dans Lundimatin #137

[27] مرجع بالفرنسية:

Sur la Révolution syrienne, Témoignage, entretiens, analyses, édition de La Lenteur, introduction, p.23, 2019

[28] المرجع السابق

[29] مرجع بالعربية والفرنسية : ياسين الحاج صالح، المسألة السورية. الصفحة 11 من النسخة الفرنسية، آكت سود.

المائدة السورية

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى