تحقيقات

معتقلات “سورية الديمقراطية”… المال مقابل الحرية

محمد حردان

يكشف تحقيق “العربي الجديد” عن ابتزاز مجموعات تابعة لمليشيات قوات “سورية الديمقراطية” (قسد)، للأهالي في المناطق الواقعة تحت سيطرتها، عبر توقيفهم واحتجازهم بلا تهم أو تلفيق ادعاءات، سرعان ما يتم التراجع عنها بعد دفع فدى.

وتكررت وقائع ابتزاز عائلة الحسن مع 23 حالة موثقة، منذ بداية العام الماضي وحتى النصف الأول من العام الجاري، بحسب نور الخطيب، مديرة قسم المعتقلين في الشبكة السورية لحقوق الإنسان، والتي أكدت لـ”العربي الجديد” أن قوات قسد (تحالف بين مقاتلين أكراد وعرب وأقليات أخرى يحظون بدعم الولايات المتحدة)، اعتقلت خلال الفترة من عام 2011 وحتى يونيو/حزيران الماضي 3796 شخصا، بينهم 659 طفلا و176 امرأة.

المال مقابل الحرية

تركز قوات سورية الديمقراطية على الأغنياء من أبناء المنطقة لابتزاز عائلاتهم، بحسب ما رصده أنس شواخ الباحث في مركز جسور للدراسات (بحثي مستقل).

ووثق معد التحقيق وقائع ابتزاز عائلات خمسة معتقلين في مناطق دير الزور والرقة ومنبج، ومن بينهم يوسف الصالح (يعيش حاليا في مناطق المعارضة بشمال سورية) والذي عرف بعد خروجه من سجن عايد جنوب مدينة الطبقة في ريف الرقة التابع لقوات سورية الديمقراطية أن أهله تعرضوا للابتزاز من قبل ما يعرف بالأمن العام في الرقة والذي اعتقله في أبريل/نيسان 2019، إذ دفعوا 2500 دولار عن طريق وسطاء من شيوخ العشائر المرتبطين بـالإدارة الذاتية في مقابل الإفراج عنه، مضيفا، :”كان يغمى علي من التعذيب والضرب بالعصا وكابل كهربائي”.

ما حدث للصالح، تكرر مع السبعيني صالح إسماعيل الجلود (يعيش حاليا بمناطق المعارضة شمال سورية)، والذي دفعت عائلته 1600 دولار، مقابل الإفراج عنه بعد ثلاثة أيام من اعتقاله في ديسمبر/كانون الأول 2017 على يد مسؤول في مكتب العلاقات العامة التابع للإدارة الذاتية، يسمى أحمد الحمدو وملقب بأبو طارق، كان معه ثلاثة عناصر من وحدات حماية الشعب، أوقفوه أثناء عودته إلى قريته الريحانية جنوب رأس العين بمحافظة الحسكة شمال شرق سورية، كما يقول لـ”العربي الجديد”، مضيفا :”العائلة تفاوضت مع أبو طارق بشكل مباشر حتى خرجت بعد الدفع”.

وتمول المليشيات أنشطتها عبر استخرج وبيع النفط وعائدات المعابر والضرائب، بحسب شواخ، والذي يوضح أن: “قيادات أمنية تبتز الأهالي لتحقيق مكاسب مالية وثراء شخصي”، مفسرا عدم ملاحقة القادة المتورطين في ابتزاز أهالي المعتقلين أو ممارسة أنشطة إجرامية، بكون تلك الوقائع أوراق ضغط تستخدمها إدارة “قسد” وقت الحاجة لإدانتهم وتفرض من خلالها سطوتها عليهم، وبالتالي لا تعترف بوجود انتهاكات من قبل عناصرها في مناطق سيطرتها.

ويتم التواصل مع أهالي المعتقلين عبر وسطاء مقربين من قادة مجموعات في مليشيا “سورية الديمقراطية” يتحدرون من المناطق ذاتها التي تتم فيها الاعتقالات، وفق شواخ، والذي قال لـ”العربي الجديد”، المبالغ التي تحصل عليها مجموعات عسكرية وأمنية تابعة لقوات سورية الديمقراطية تختلف حسب حالة المعتقل وأسرته المادية، ونوع التهمة والمجموعة المسؤولة عن الاعتقال.

ويُطلب من بعض الوسطاء أو ذوي النفوذ من وجهاء العشائر دعم وتأييد قوات سورية الديمقراطية، مقابل الإفراج عن معتقلين ينتمون لعشيرتهم، بحسب إفادة الخطيب، والتي تقول إن عمليات الابتزاز قد تكون مقابل وعود بإطلاق سراح المعتقل أو وضعه في سجن قريب من مكان إقامة العائلة أو تحويل ملفه إلى القضاء والبت في قضيته وإخراجه مقابل غرامة أو تعهد بتحسين ظروف احتجازه ومراعاته داخل السجن بعدم التعرض له ومنحه امتيازات في الطعام والاتصالات.

https://www.youtube.com/watch?v=S8vLEi8kfNc

ومن خلال تلك المصالحات العشائرية، يتم الإفراج عن معتقلين متهمين بانتمائهم لتنظيم الدولة الإسلامية دون دليل، مقابل دفع المال، وفق ما يؤكده ساشا العلو، الباحث في مركز عمران للدراسات (بحثي مستقل) والذي أعد دراسة “الإدارة الذاتية: مدخل قضائي في فَهم النموذج والتجربة” وصدرت في 11 مايو/أيار الماضي، مؤكدا لـ”العربي الجديد”، أن البحث رصد ووثق ودرس 450 حالة اعتقال تعسفي جرت خلال فترات زمنية متقطعة في عامي 2019 و2020، بالمناطق التي تقع تحت سيطرة الإدارة الذاتية، ضمن حملات مكافحة الإرهاب، شاركت أجهزة أمنية متعددة فيها، ومنها قوات مكافحة الإرهاب، وقوى الأمن الداخلي “الأسايش”.

تحقيق صناعة التطرف

سلطة قضائية غير مفعلة

تشرف قوات سورية الديمقراطية على 18 سجناً في مناطق الحسكة والرقة ودير الزور والقامشلي ومنبج، وفق مصادر التحقيق ومن بينهم شواخ، والذي يؤكد أن المجموعات الأمنية تبقي المعتقل بالسجن وتتعمد عدم احالته إلى الجهاز القضائي رغم تبعيته للإدارة الذاتية، بهدف ابتزاز ذوي المعتقلين والحصول على الأموال في هدوء، مشيرا إلى أن الاعتقالات تتم دون مذكرات توقيف من القضاء التابع للإدارة الذاتية في مناطق سيطرتها، وهو ما جرى لضحايا الابتزاز الذين وثق التحقيق ما وقع لهم، ومن بينهم محمد فايز (اسم مستعار لدواع أمنية) والذي اُعتقل في 20 يناير/كانون الثاني 2018 على حاجز عون الدادات (يفصل مناطق سيطرة “الجيش الوطني السوري” (مدعوم من تركيا) في جرابلس عن منبج شمال شرق محافظة حلب)، من قبل ضابط في الاستخبارات التابع لمليشيات سورية الديمقراطية يدعى رشيد مامو، بتهمة الإرهاب، دون وجود مذكرة قضائية، وفق روايته لـ”العربي الجديد”.

ويتم إصدار مذكرات قضائية في أمور حياتية مختلفة بشكل سلس، على العكس من القضايا الأمنية والسياسية، إذ يتم الاعتقال تعسفيا دون مذكرات توقيف أو إخطار قضائي، حسبما يقول العلو، مضيفا لـ”العربي الجديد”، السلطة التنفيذية في الإدارة الذاتية ممثلة بالأجهزة الأمنية والعسكرية تعتبر نفسها أعلى من القضائية، وبالتالي لا تخضع للمحاسبة، وتم رصد عدم تنفيذ بعض الأحكام القضائية.

ولا يتمتع العاملون بالسلطة القضائية بتأهيل كاف، باستثناء قاض واحد منشقّ عن النظام، كما يقول العلو، مضيفا: يوجد لدى الإدارة الذاتية 326 قاضيا في مؤسسات العدالة شمال وشرق سورية، تشكل نسبة المحامين بينهم 65% نصفهم أصحاب خبرة سابقة في العمل الحقوقي والنصف الآخر من حديثي التخرج، و30% من حملة الشهادة الثانوية، و5% من خريجي كليات العلوم الإنسانية الأخرى، وفق دراسة “الإدارة الذاتية: مدخل قضائي في فَهم النموذج والتجربة”.

رد الإدارة الذاتية

عرض معد التحقيق أسماء القيادات الأمنية الواردة بالتحقيق، على رياض درار  الرئيس المشارك لمجلس سوريا الديمقراطية المعروف اختصاراً بـ”مسد”، لكنه رفض الرد، وتواصل مع ليلوى العبد الله الناطقة باسم مجلس دير الزور العسكري، وآينور زيد باشا الرئيسة المشتركة لمجلس العدالة الاجتماعية عبر أرقام هواتفهما، غير أنهما اطلعتا على الرسالة ولم تجيبا، فيما أجابت الرئيسة المشتركة للمجلس التنفيذي في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سورية بيريفان خالد، على تساؤلات معد التحقيق بالقول: “الإدارة الذاتية تتابع وتتقصى من خلال الجهاز الإداري والقضائي وقائع الانتهاكات ونتخذ القرارات بشأنها”، مستدركة: “أبواب محاكمنا مفتوحة على مصاريعها ومن لديه شكوى بإمكانه مراجعة هذه المحاكم، وتوكيل محام للدفاع عنه”. ولدى مواجهتها بأن القضايا الأمنية أساساً لا تمر على الجهاز القضائي والاعتقالات تتم بطريقة تعسفية دون مذكرة توقيف، رفضت الرد.

وعن كيفية التعامل مع الانتهاكات التي يقوم بها عناصر وقيادات من الأجهزة الأمنية التابعة لقسد، يرد عماد الكراف، الرئيس المشترك لمجلس العدالة في الإدارة الذاتية بأنه لا يوجد لدى الجهاز القضائي التابع للإدارة الذاتية ملفات مِشابهة ولا يوجد ابتزاز.

في المقابل يؤكد ضحايا الاعتقال والابتزاز بأنهم لم يعرضوا على أي جهة قضائية، ومنهم السوري أحمد الحامد (اسم مستعار لدواع أمنية)، والذي تعرض للاعتقال في يونيو/حزيران عام 2015 في قرية الأربعين بريف رأس العين والتي سيطرت عليها وحدات حماية الشعب في عام 2015 وطردت أهلها منها، وحولت محال تجارية بالقرية إلى أماكن احتجاز، حسبما يقول، مضيفا أنه لم يتم محاكمته، ما دعاه إلى التواصل مع حسين كوجر رئيس مكتب العلاقات العامة في رأس العين عبر عائلته وطلب الإفراج عنه من أجل العودة إلى منزله، لكن كوجر رفض في البداية بحجة أن المعارك ضد داعش لم تنته بعد، فأعاد الحامد التواصل معه مرة أخرى في مايو/أيار 2015 وحصل على موافقة لإطلاق سراحه من أجل حصاد أرضه، وبالفعل خرج لمدة ثلاثة أيام قبل أن يتم اعتقاله مجددا من قبل دورية عسكرية مكونة من ست عناصر من وحدات حماية الشعب بحجة دخوله المنطقة بلا موافقة. لاحقا تم إبلاغ الحامد عن طريق أحد أقاربه أن عليه دفع فدية مقابل الإفراج عنه. وبالفعل باع شقيقه سيارته من نوع (هيونداي H100) ودفع 12 ألف دولار مقابل الإفراج عنه

العربي الجديد

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى