الناس

العقار لم يعد مخزناً للقيمة في سوريا/ إياد الجعفري

الأحد 2024/03/24

يرتبط العقار في أذهان السوريين بكونه مخزناً آمناً للقيمة، على المدى المتوسط والبعيد. وترجع هذه القناعة إلى عقودٍ سبقت العام 2011، كانت فيها قيمة العقار، ترتفع بإضطراد، وبمعدلات لا تتناسب مع الوضع الخدمي، والمكانة العالمية، لهذا البلد، حتى قارعت أسعار شقق في المالكي وأبو رمانة بدمشق، شققاً في عواصم كـ باريس ولندن.

واهتزت هذه القناعة جزئياً، لدى شريحة من السوريين، بعد أن تعرّضت عقاراتهم في المناطق الملتهبة، بعد العام 2011، لتدمير وانتهاكٍ غير مسبوق في ذاكرتهم الممتدة لأكثر من قرن. لكن ذلك لم يؤثر على استقرار تلك القناعة لدى شريحة أخرى، من السوريين، بقيت عقاراتهم في مأمن من آثار الحرب وآلة النظام العسكرية، خاصة في العاصمة دمشق، وفي حلب الغربية. وفي مدنٍ كـ اللاذقية وطرطوس وحماة.

وفيما أخذت العملة السورية تنهار، بعيد العام 2011، أخذ السوريون يبحثون عن ملاذات آمنة لضمان قيمة أموالهم، حافظ فيها العقار، على مكانة راسخة، رغم ما لحق من أضرار بجدواه الائتمانية، جراء التدمير الممنهج الذي مارسته آلة حرب النظام، في بعض ضواحي دمشق، وحلب الشرقية، وحمص، ومدن سورية أخرى. وفيما كان اقتصاد الحرب يُعمل سكينه في كل الأنشطة الاقتصادية في البلاد، بقي العقار، من وجهة نظر شريحة واسعة من السوريين، ملاذاً ائتمانياً جديراً بالثقة. واستمر هذا الواقع الملحوظ، حتى في السنوات الأخيرة التي تلت العام 2020. فهل حافظ العقار في سوريا، بالفعل، على جدواه الائتمانية، على المدى المتوسط والبعيد؟ يجيبك كُثر من السوريين، بـ نعم. وقلّةٌ منهم، يجادلون في التفاصيل. فيما تساعد عناوين إعلامية ضخمة، من قبيل: “أسعار عقارات دمشق تضاهي لندن وباريس!”، “منازل بدمشق يصل سعرها إلى 20 ملياراً”، في تدعيم القناعة التقليدية بجدوى العقار، كمخزن للقيمة.

قبل أيام، مرّر خبير عقاري، مجدداً، رسالة لمن يهمه الأمر في سوريا، بأن العقار لم يعد وسيلة ائتمان مناسبة. وعبر موقع إعلامي موالٍ، قال الدكتور عمار يوسف، إن العقار في سوريا، أصبح يخسر. ومنذ بداية “الأزمة” –يقصد منذ العام 2011- وحتى اليوم، خسر قرابة 60%، من القيمة الفعلية له.

نتفق تماماً مع ما قاله الخبير المشار إليه. إذ أن أسعار العقارات التي تبدو فلكية، -بالمليارات-، في بعض أرقى أحياء دمشق، خاسرة، وفق معيار سعر الصرف، مقارنة بما كانت عليه قبل العام 2011. ومن أشهر الأمثلة، التي يتم الحديث عن غلاء أسعارها بدمشق، منطقة مشروع دمر، التي يتراوح سعر الشقة فيها بين مليار وحتى 5 مليارات ليرة سورية. وفي هذه المنطقة، التي تقطنها الطبقة الوسطى العليا بدمشق، كانت الشقة فيها، قبيل العام 2011، لا تقلّ عن 8 ملايين ليرة. أي ما يعادل، يومها، 160 ألف دولار أمريكي. بينما نجد أن الحد الأدنى للأسعار فيها الآن، يعادل (بسعر صرف 14000 ليرة للدولار)، نحو 72 ألف دولار أمريكي. أي أن العقار خسر ما نسبته 55% من قيمته، وسطياً.

المثال السابق ينطبق على معظم أحياء دمشق. وقد نجد أسعاراً تتناسب مع نسبة تراجع سعر صرف الليرة، في بعض المناطق، لكن عملية بيعها تكون صعبة، ويضطر مُلاكها في نهاية المطاف إلى تخفيض السعر، في معظم الحالات، نتيجة الركود المستديم في سوق العقارات. ورغم الارتفاع المستمر لأسعار مواد البناء، -والذي يشكّل العامل الرئيس المسبب لقفزات أسعار العقارات-، تبقى هذه الأسعار أقل من قيمتها الحقيقية، قبل الـ 2011.

وإن انتقلنا إلى المناطق المتضررة، نجد انهيار ائتمان العقار مضاعفاً. إذ تتضافر القدرة الشرائية المتدنية، مع الأضرار التي لحقت بالعقارات والبنية التحتية للخدمات، مضافاً إليها، الظروف الأمنية التقييدية، التي بقيت تؤثر على جاذبية السكن في مثل تلك المناطق. مثال ذلك، منطقة حرستا، بريف دمشق، التي نجد أن أسعار الشقق المتضررة فيها تتراوح ما بين 7 آلاف إلى 12 ألف دولار. وهي ذات الشقق التي كانت تتراوح، قبل الـ 2011، ما بين 25 ألفاً إلى 35 ألف دولار.

بطبيعة الحال، يدرك كثير من السوريين، التفاصيل السابقة. باستثناء شريحة ما تزال تتعامل بتبسيط مبالغ فيه، حيال حفظ القيمة وجدوى العقار الائتمانية. أما من يدرك التفاصيل آنفة الذكر، يخبرك أن الخيارات البديلة لحفظ القيمة قد لا تكون متاحة، أو تترافق مع مخاطر أمنية. وفي الحالة السورية، يمثّل كلٌ من الدولار والذهب، أبرز الملاذات الآمنة لحفظ القيمة. وفيما يمثّل شراء الدولار من السوق السوداء، مخاطرة أمنية آنية، يمثّل الاحتفاظ بكميات كبيرة من الذهب، مخاطرة أمنية مستدامة، في ظل تراجع منسوب الضبط الأمني، وارتفاع معدلات الجريمة، في عموم البلاد.

وتمثّل قدرة السوريين الشرائية، كلمة السرّ، التي لا تفسّر فقط، انهيار جدوى العقار الائتمانية، بل تفسّر أيضاً، ذاك الركود المستديم في سوق العقارات، حيث العرض أكثر من الطلب. أما بالنسبة لأسطورة العقار، متضخم القيمة بإضطراد، في سوريا، فأصبحت من الماضي. وأصبح الإدخار بالعقار، ضرورة لمن يخشى العواقب الأمنية للإدخار بالدولار والذهب. وخسارة على المدى المتوسط والبعيد.

المدن

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى