واقع وكواليس الاتفاق بين “قسد” وحكومة الجمهورية العربية السورية مقالات وتحليلات تتحدث يوميا تحديث 01 أيار 2025

لمتابعة تفاصيل هذا الملف اتبع الرابط التالي
دوافع وكواليس الاتفاق بين “قسد” وأحمد الشرع
——————————-
سوريا: هل اتفاق العاشر من آذار مع الأكراد مهدد بالانهيار؟/ بكر صدقي
تحديث 01 ايار 2025
تفاءل السوريون خيراً من الإجراء العملي الأول في إطار اتفاق العاشر من آذار الذي كان قد وقعه كل من أحمد الشرع، بوصفه رئيس الجمهورية، ومظلوم عبدي قائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وذلك بانسحاب وحدات حماية الشعب التابعة لقسد من حيي الأشرفية والشيخ مقصود في مدينة حلب، ونقل تأمينهما إلى إدارة الأمن العام بوحدات مطعمة بعناصر كردية، إضافة إلى تبادل الأسرى والمعتقلين بين الجانبين. تبع ذلك تحييد سد تشرين قرب مدينة منبج من الصراع الذي كان دائراً بين قسد وفصائل تابعة لتركيا (ما كان يسمى بالجيش الوطني) ووقف إطلاق النار بين الجانبين بدون إعلان رسمي. وكان من المفترض استمرار المفاوضات بين طرفي الاتفاق من خلال تشكيل لجان نوعية لتطبيق البنود الأخرى من الاتفاق تباعاً على أن ينتهي هذا المسار مع نهاية العام الجاري.
ولكن، يبدو أن ثمة أموراً تجري بعيداً عن متناول الرأي العام غيّرت تلك الأجواء الباعثة على التفاؤل وغيّرت نبرة الأطراف نحو التوتر. ترى هل يتعلق الأمر بقراءات مختلفة لبنود اتفاق الشرع ـ عبدي ترجمها كل طرف من زاوية نظره فظهرت الخلافات؟ أم أن تدخلات من خارج الطرفين، بل من خارج سوريا ككل هي التي دفعتهما إلى التصلب المتبادل؟ أم أن أحداثاً أخرى متصلة بالشؤون السورية ولا علاقة مباشرة لها بالطرفين هي التي تسببت بذلك؟
لا أحد يملك أجوبة حاسمة على هذه الأسئلة بسبب غياب المعطيات، يمكننا فقط أن نتحدث عن تفسيرات محتملة قد تتأكد لاحقاً أو يتم نقضها.
لا شك أن اتفاق العاشر من آذار لم يبن على مجرد النيات الطيبة للطرفين، بل كانا مضطرين لعقده تحت ضغط ضرورات لا مفر منها. فقد كانت إدارة أحمد الشرع في حاجة ماسة لإنجاز كبير في ذلك الوقت على أمل أن يغطي على المجازر التي ارتكبت في الساحل قبل أيام وفشلت الإدارة في منع وقوعها ووقف استمرارها (إلى الآن). كذلك كانت تأمل أن يفتح الاتفاق بارقة ضوء في نهاية نفق الوضع الاقتصادي الاجتماعي الكارثي، على الأقل فيما يتعلق بالثروة النفطية التي من المفترض أن تنتقل إدارتها وعائداتها من قسد إلى السلطة في دمشق (بعد اقتطاع حصة لمنطقة الجزيرة وفق أحد بنود الاتفاق) لكن الأهم من هذا وذاك أن الاتفاق قد نص صراحة على إدماج قسد في جسم الجيش الجديد الذي من المفترض أنه في طور التشكيل. الواقع أن هذا الإدماج يعني، ولو نظرياً، توحيد معظم الأراضي السورية تحت سلطة مركزية واحدة، وهو أمر بالغ الحيوية بالنسبة لتوطيد شرعية إدارة الشرع. وقد كان الخلاف حول شكل هذا الاندماج في الأشهر السابقة على الاتفاق هو العقبة الرئيسية أمامه، وقد تم تذليله بنوع من الالتفاف عليه من خلال ما قد يسمى بـ«الغموض البنّاء».
من جهتها كانت قوات سوريا الديمقراطية مضطرة لعقد الاتفاق تحت ضغط حرب فصائل «الجيش الوطني» ضدها حول سد تشرين المعززة بالضربات الجوية والمدفعية التركية من جهة أولى؛ واتجاه حزب العمال الكردستاني في تركيا، من جهة ثانية، إلى حل نفسه والتخلي عن السلاح بدعوة من قائده التاريخي عبد الله أوجلان الذي أطلق نداء بهذا الخصوص من السجن الذي مازال فيه منذ ربع قرن؛ والضغوط التي تأتيها من واشنطن وباريس وعواصم إقليمية أخرى مدفوعة برغبتها في إنجاح المرحلة الانتقالية في سوريا بعيداً عن أي صراعات جديدة أو مستجدة لا تريدها.
لم يكن خافياً على أحد دورا كل من واشنطن وباريس الداعمتين لقسد في دفعها لتوقيع اتفاق العاشر من آذار، كما في دفعها لتشكيل وفد كردي مشترك يمثل جميع القوى السياسية الكردية للتفاوض مع سلطة دمشق حول المطالب الكردية من جهة، وحول رؤية كل من الطرفين لسوريا المستقبل بصورة عامة. إنما في هذا السياق تم عقد المؤتمر الكردي العام، بعد فترة طويلة من التجاذبات، في مدينة القامشلي في 26 نيسان.
بدت مخرجات المؤتمر عالية السقف بالقياس إلى بنود اتفاق آذار، وبخاصة فيما يتعلق ببند «لامركزية الدولة» المرتبط بـ«توحيد المناطق الكردية إدارياً» في إطارها. فكانت ردة فعل سلطة دمشق متشنجة في رفضها ما اعتبرته مطالبة بشكل فيدرالي للدولة مرفوض من قبلها. كذلك طالب المؤتمر بالاعتراف الدستوري بكل المكونات السورية، في حين واظب الشرع وأركان إدارته طوال الأشهر السابقة على رفض أي تصورات للدولة الجديدة قائمة على فكرة المكونات أو المحاصصة في السلطة على أساسها.
يمكن القول إن المؤتمر قد عبر عن رؤية معينة، بصرف النظر عن مقبوليتها سواء لدى السلطة أو عموم السوريين، وهذا حق لكل كيان سياسي من غير أن يعني السعي إلى فرضها. بل هي عبارة عن مطالب مطروحة للتفاوض حولها، قد يتم التفاهم على قسم منها أو إيجاد حلول وسط. مع الأخذ بعين الاعتبار أنها مسنودة بقوة قادرة على موازنة قوة سلطة دمشق التي بدورها لا يمكن اعتبارها ممثلة لدولة عمومية تمثل جميع السوريين.
لقد وجدت إدارة الشرع نفسها في اجتماع مجلس الأمن الأخير في مواجهة وضع غير مريح لأن الدول الفاعلة جميعاً لم تظهر ارتياحاً للخط الذي تمضي فيه إلى الآن، فما زالت تلك الدول تطالبها بتشكيل حكومة تمثل التنوع السوري، إضافة إلى وجوب تخلصها من المجاهدين الأجانب وغيرها من المطالب. وعلى رغم إعلانها أنها لا ترفض تلك المطالب لكنها مازالت تخفق في تحقيقها. فربما كان «بيان رئاسة الجمهورية» الذي صدر بلهجة متشنجة تجاه مخرجات المؤتمر الكردي تعبيراً عن ضيقها الشديد من هذه الضغوط الغربية.
على الجانب الآخر من الحدود بدا شيء من التباطؤ في «المسار السلمي» الذي أطلقه كل من دولت بهجلي وأوجلان، في ظل النزاع السياسي الصاخب بين السلطة والمعارضة العلمانية، وفي الوقت الذي كان الرأي العام في تركيا ينتظر انعقاد مؤتمر حل حزب العمال الكردستاني أصدر الأخير بياناً طالب فيه مجدداً بتأمين الشروط المناسبة لأوجلان ليتمكن من إدارة عمل المؤتمر وتوجيهه حتى ولو من داخل السجن.
هذه العوامل مجتمعة قد تفسر جو التوتر الذي أعقب انعقاد المؤتمر الكردي في القامشلي، ومن المستبعد أن يؤدي ذلك إلى انهيار اتفاق آذار لأن جميع القوى ما زالت في حاجة للتمسك به. مع ذلك من الحصافة حسبان الحساب لهشاشة الوضع العام في سوريا الذي لا يمكن التكهن بمآلاته.
كاتب سوري
القدس العربي
———————-
دمشق و”قسد”… أكثر من خطوة إلى الوراء/ بشير البكر
01 مايو 2025
واجه اتفاق العاشر من مارس/ آذار الماضي، الذي وقعه الرئيس السوري أحمد الشرع مع رئيس قوات سوريا الديمقراطية (قسد) مظلوم عبدي، الأسبوع الماضي، أول امتحان جدي بين دمشق و”قسد” وضعه على محك التطورات. وبدأ الموقف بالعودة إلى ما كان عليه لجهة الاستنفار العسكري في مناطق التماس بين قوات الطرفين وخاصة في منطقة سد تشرين بريف حلب، الذي كان من المقرر أن تتسلمه الدولة، لكن “قسد” أصرت على الشراكة الأمنية والإدارية، الأمر الذي انعكس سلباً على تنفيذ بقية بنود التفاهمات الخاصة بحيي الشيخ مقصود والأشرفية بحلب، والخاصة بالإفراج عن محتجزين لدى الطرفين، وانسحاب “قسد” وعناصر الأمن التابعة لها باتجاه محافظة الرقة. يتمثل الامتحان الذي واجهه الاتفاق بين دمشق و”قسد” والتفاهمات بين الطرفين بالمؤتمر الذي عقده حزب الاتحاد الديمقراطي والمجلس الوطني الكردي تحت عنوان “وحدة الموقف والصف الكردي”، والذي انتهى إلى مخرجات ملخصها “صياغة رؤية سياسية كردية مشتركة، تُعبّر عن إرادة جماعية ومشروع واقعي لحل عادل للقضية الكردية في سورية، كدولة ديمقراطية لامركزية”، حسب ما جاء في البيان الختامي السبت الماضي.
واجهت الدولة البيان الصادر عن الاجتماع برد سريع جاء في عدة نقاط. ويبدو من قراءة ما بين السطور أن دمشق ترى في البيان الكردي، نقطة الماء التي أفاضت الكأس، حيث اعتبرت أنه محاولة لتعطيل اتفاق 10 مارس الماضي، الذي تم بوساطة ورعاية أميركية. وتحدث بيان رئاسة الجمهورية عن انقلاب على اتفاق مارس، وأن المؤتمر الكردي قوضه، كونه اعتبر الرؤية التي خرج بها “أساساً للحوار الوطني” بين القوى الكردية ومع الإدارة الجديدة في دمشق.
وحسب القراءة الرسمية، فإن البيان وضع سقفاً للحوار أعلى من تفاهمات بيان 10 مارس الماضي، ويتجاوزها إلى المطالبة بعدة نقاط تعد من الخطوط الحمراء بالنسبة للدولة السورية، ومنها اللامركزية، التي فسرها بيان الرئاسة بأنها تعني الفيدرالية التي “تُكرّس واقعاً منفصلاً على الأرض، تتعارض بشكل صريح مع مضمون الاتفاق وتهدد وحدة البلاد وسلامة ترابها”، والتقسيم الإداري الذي يشكل “محاولات لفرض واقع تقسيمي أو إنشاء كيانات منفصلة”، وتفكيك ما يسمى بـ”الحزام العربي”، في المنطقة الحدودية مع تركيا، والخاص بإعادة إسكان أهالي القرى التي غمرها سد الفرات خلال فترة إنشائه مطلع سبعينيات القرن الماضي. ورأت الرئاسة أن هذه الدعوة تعبر عن “توجهات خطيرة نحو تغيير ديمغرافي في بعض المناطق، بما يهدد النسيج الاجتماعي السوري، ويُضعف فرص الحل الوطني الشامل”.
بيان الرئاسة يلغي ما جاء في اتفاق دمشق و”قسد”
الخلفية الفعلية لتحرك الدولة هي أن البيان يلغي ما جاء في اتفاق دمشق و”قسد” في مارس الماضي، ولا يبني عليه، وقد كانت حسابات الدولة تقوم على أساس أن ذلك الاتفاق هو الحل النهائي للمسألة الكردية في سورية، في حين أن “قسد” ترى فيه حلاً يخصها، ذلك الذي يتعلق بوضعها وحدها، ولا يشمل بقية تعقيدات القضية، التي تتوجب توحيد رؤية الأكراد من حولها، وعلى هذا ذهبت نحو عقد المؤتمر المذكور، الذي يجمع بعض القوى الحزبية الكردية، ويسقط من الحساب أطرافاً حزبية أخرى وقوى المستقلين الأكراد الذين يمثلون الأغلبية العظمى. والملاحظ أن طرفي المؤتمر لم يوجها الدعوة لهذه الأطراف، التي تتبنى وجهات نظر أخرى للحل ضمن إطار الدولة السورية، وليس على أساس الدعوة إلى “روج آفا”، التي تعتبر الجزيرة السورية غرب كردستان.
وتفيد أوساط قريبة من الحكومة بأن أطراف البيان الكردي تلعب ورقة كسب الوقت، وتراهن على متغيرات تضعف الدولة، وتعزز من موقف الأكراد للحصول على تنازلات أكبر، تتعلق بالقضايا الرئيسية، وفي المقدمة منها الحكم الفيدرالي، ولذلك حددت لتنفيذ اتفاق الشيخ مقصود ما بين ستة إلى سبعة أشهر، في حين أنه يمكن إنجازه بحدود أسبوعين على أقصى تقدير، فهو لا يتجاوز تبادل المحتجزين، وانسحاب “قسد”، وتسليم المقرات للدولة والمشاركة في الإدارة الأمنية. وكذلك الأمر بالنسبة الى دمج “قسد” بالجيش السوري، الذي تم تقييده بمهلة زمنية هي نهاية العام الحالي، وبالتالي لن يتم تبييض السجون وتسليم المقرات الأمنية في حلب، وكذلك لن تنسحب “قسد” من محيط سد تشرين، ولن تسلم آبار النفط والغاز للدولة، بل تراجعت حتى عن تسليم كميات من النفط الخام إلى النصف، وعادت للعمل بسياسة القبضة الحديدية في منطقة الجزيرة، وهذا يعني أنها تطالب بمقابل سياسي لكل خطوة من هذا القبيل، الأمر الذي يعقد الحل أكثر فأكثر كلما تم التقدم إلى الأمام، وذلك بالقياس إلى العدد الكبير من القضايا المعلقة، والتي تتطلب أن ترفع “قسد” يدها عنها، كالمعابر الحدودية ومطار القامشلي، ومؤسسات الدولة وإداراتها، بما في ذلك المدارس والمشافي واحتكار محاصيل الحبوب للتحكم بالأمن الغذائي.
المسألة معقدة
جولات المفاوضات بين دمشق و”قسد” في الحسكة، كشفت أن المسألة معقدة أكثر مما كانت تحسب أوساط رسمية، كانت تظن أن الوساطة الأميركية الفرنسية، بالإضافة الى التفاهمات بين الشرع وعبدي تكفي للذهاب إلى الأمام نحو تفكيك “قسد”. ويذكر هنا أن هناك طرفاً في “الجيش الوطني”، كان يرى أن الحل الممكن الوحيد مع “قسد” هو خيار السلاح، الذي لوحت به تركيا، وعطله الشرع لصالح المفاوضات. ويبدو أن الحشد العسكري الذي تلا صدور البيان الكردي باتجاه سد تشرين هو تمهيد للتفاوض بالنار مع “قسد”.
الأوساط القريبة من قوات سوريا الديمقراطية ترى أن اتفاق دمشق و”قسد” لا يزال ساري المفعول، لكنه يواجه عقبات. وترمي المسؤولية على التفسير الحكومي له. وتضرب مثالاً على ذلك الترتيبات التي حصلت بخصوص تسليم سد تشرين. وتقول إن اتفاق دمشق و”قسد” لا ينص على تسليم السد كلياً لقوات الحكومة، بل لإدارة مدنية تشارك فيها “قسد” على قدم المساواة، وأن تبقى قوات الطرفين بعيدة عنه بمسافة واحدة، تبلغ سبعة كيلومترات، وكل منهما تقف عند ضفة. وتضيف أن الخلل الذي حصل ناجم عن تقدم قوات “الجيش الوطني” إلى نقاط غير متفق عليها مما استدعى عودة “قسد”، في حين أن عمليات إدارة السد وتسييره وصيانته تسير بشكل جيد وتفاهم بين الطرفين. ورغم الخلافات عادت اللجان المشتركة للاجتماع في مدينة الطبقة، بهدف المتابعة وتصفية التوترات.
وتعتبر هذه الأوساط أن الحكومة تسرعت بإصدار البيان، وكان في وسعها أن تستقبل الوفد وتستمع لوجهة نظره، ومن بعد ذلك تحدد موقفها، خاصة أن طرفي اجتماع القامشلي اتفقا على مسألة الحوار مع دمشق سبيلاً للحل. وعلى هذا أكد عبدي أن “المؤتمر لا يهدف، كما يقول البعض، إلى التقسيم، لا بل على العكس تماماً، (يُعقد) من أجل وحدة سورية”.
إلى ذلك، هناك عدة نقاط بمثابة علامات تميز الوضع الكردي في سورية، وهي: أولاً، ضرورة أن تفصل الدولة بين “قسد” وحقوق الأكراد السوريين، لأن قوات سوريا الديمقراطية تأسست على فكرة عابرة للقوميات، وباتت اليوم تتبنى طرح الزعيم الكردي رئيس إقليم كردستان العراق السابق مسعود البارزاني القائم على الفيدرالية، كما أنها طرف كردي هجين لا يمثل الأكراد جميعاً، وتركيبتها مختلطة من عرب وأكراد من الجزيرة، لكن أغلب قياداتها الفعلية كوادر في حزب العمال الكردستاني، ذي النفوذ على جزء من أكراد سورية، ويمثله في ذلك حزب الاتحاد الديمقراطي.
أطراف في “قسد” متضررة من الاتفاق
ثانياً، هناك أطراف من “قسد” متضررة من الاتفاق مع الدولة السورية، وهي تعمل بشتى الوسائل لإفشاله، وتطمح الى تفجير الموقف عسكرياً، لأن ذلك يخدم مصالحها، ويبعد إمكانية التوصل لحل سياسي، وهذه الأطراف هي القيادات التركية القادمة من الخارج، التي دخلت سورية على أساس اتفاق مع نظام بشار الأسد يقوم على محاربة الحراك الثوري السوري وتركيا. وهؤلاء يرفضون مغادرة سورية.
ثالثاً، الدولة تتفاوض حتى الآن مع “قسد” لوحدها، في حين أن الوضع يوجب عليها أن تنفتح على بقية الأطراف، في وقت يشكل فيه المستقلون الأكراد النسبة الأكبر من الحركة الكردية السورية، وقد تم إقصاء هؤلاء من قبل دمشق و”قسد” فلا الدولة الجديدة قبلت الالتقاء بهم، أو السماح لهم بعقد مؤتمرات يعلنون فيه مواقفهم، ولا حزب الاتحاد الديمقراطي والمجلس الكردي وجهوا لهم الدعوة لحضور اجتماع القامشلي، وقد آن الأوان أن تنظم هذه الكتلة نفسها وتعلن عن موقفها من الحل، وهو ما يمكن أن يضع حل المسألة الكردية على طريق مستقيم وفي صورة نهائية.
رابعاً، مظلوم عبدي ليس الرجل الأقوى داخل “قسد”، وهو يعمل على لم شمل جميع الأطراف تحت خيمة قوات سوريا الديمقراطية، وقد ظهر في الآونة الأخيرة وهو يحاول إرضاء البارزاني، الذي يقف وراء المجلس الوطني الكردي، وكسب ود السلطات السورية الجديدة، وتجنب الصدام مع تركيا.
خامساً، القضية الكردية تمثل تراكمات كثيرة من الحكم السوري السابق، منذ تسلم حزب البعث للسلطة عام 1963، وحلها يحتاج إلى رؤية وطنية واحدة تقوم على القواسم المشتركة ضمن سورية موحدة، ولكن ليس على أساس إقصاء الأكراد، ولا منحهم حقوقاً لا يستحقونها، خصوصاً السيطرة على أراض عربية في محافظات أخرى، بعيداً عن مناطقهم التاريخية. ثم إن اثارة قضية ما يسمى بالحزام العربي تفتح ملفات الهجرات الكردية التي جاءت من الخارج، وخصوصاً من تركيا.
العربي الجديد
——————————
مؤتمر القامشلي وتعزيز تضارب المصالح مع دمشق/ عمر اونهون
آخر تحديث 30 أبريل 2025
اندلاع صراع جديد سيقود إلى مزيد من الدمار في سوريا
في 26 أبريل/نيسان، انعقد المؤتمر الوطني الكردي، الأول من نوعه، بتنظيم فصيلين كرديين متنافسين ومتخاصمين منذ زمن طويل، هما “المجلس الوطني الكردي في سوريا” وحزب “الاتحاد الديمقراطي” (PYD).
عُقدت الاجتماعات في القامشلي، المدينة الرئيسة في المنطقة الشمالية الشرقية من سوريا، التي يطلق عليها الكرد ومعظم المجتمع الدولي اسم “روج آفا”.
يشكل الكرد السوريون مكونا رئيسا في سوريا الجديدة الآخذة في التشكل، وقد تلعب مواقفهم دورا حاسما في صياغة مستقبل البلاد، بل وقد تكون عاملا مفصليا في تحديد ما إذا كانت سوريا ستنزلق نحو صراع جديد.
كان هدف المؤتمر، الذي حمل اسم “مؤتمر وحدة الصف والموقف الكردي في روج آفا كردستان”، تشكيلَ وفد كردي موحد بموقف سياسي واحد للتفاوض مع دمشق. غير أن آثار المؤتمر تخطت حدود سوريا، إذ وصف مسعود بارزاني، في رسالة تليت على منصة المؤتمر، الاجتماع بأنه نقطة تحول تاريخية للشعب الكردي.
شهد اللقاء حضور نحو 400 شخص، مثلوا جماعات كردية من داخل سوريا وخارجها، كان الكثير منها في صراع أو خلافات جدية مع بعضها البعض، إلى جانب ممثلين عن منظمات غير حكومية ودبلوماسيين أجانب، وكذلك مسؤولين في أجهزة المخابرات.
وخلال الكلمة الافتتاحية للمؤتمر، صرح مظلوم عبدي، قائد “قوات سوريا الديمقراطية/وحدات حماية الشعب”، الجناح المسلح لـ”حزب الاتحاد الديمقراطي”، بأن الكرد لا ينوون تقسيم سوريا، مؤكدا التزامهم بوحدة أراضيها.
وأضاف عبدي أن منح الكرد حقوقهم سيجعل سوريا أكثر قوة، مشيرا بإيجابية إلى جميع الشرائح العرقية والدينية والطائفية في المجتمع السوري. وقد جاءت هذه الإشارات لطمأنة مختلف الأطراف المعنية.
ويبدو أن عبدي ومستشاريه الأجانب، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة وفرنسا، حرصوا على تجنب أي خطوات قد تزيد من توجس الإدارة السورية الجديدة في دمشق، أو تؤجج قلق المكونات الأخرى للمجتمع السوري ودول الجوار مثل تركيا والعراق وإيران.
ولخص عبدي في خطابه، وفي تصريحاته السابقة للاجتماع، المطالب والمبادئ الكردية التي اعتمدها المؤتمر كموقف موحد، وأبرز هذه المبادئ:
*الاعتراف بسوريا دولةً متعددة الأعراق والأديان والثقافات، تقوم على نظام اتحادي ولا مركزي.
* الاعتراف بالمناطق الكردية كوحدة سياسية وإدارية واحدة وموحدة داخل سوريا اتحادية.
* إعادة إعمار البنية التحتية في المنطقة الكردية وضمان التوزيع العادل للموارد الطبيعية.
* الاعتراف باللغة الكردية لغةً رسمية ثانية.
* ضمان تمثيل الكرد في جميع مؤسسات الدولة.
* التراجع عن سياسات مشروع الحزام العربي وإلغاء جميع القرارات المتعلقة بالهندسة الديموغرافية.
* ضمان الحقوق الدستورية للكرد، بما يشمل اللغة والتعليم وسواهما.
ومع نهاية اليوم، تلا مسؤولون من “حزب الاتحاد الديمقراطي” البيان الختامي الذي أعلن أن المؤتمر توصل إلى موقف كردي مشترك، مع قرار بتشكيل وفد كردي موحد بشكل فوري.
لم يتأخر رد الرئيس أحمد الشرع على نتائج المؤتمر، إذ أصدرت الرئاسة السورية بيانًا مكتوبا أشار في بدايته إلى أن الاتفاق الأخير بين الرئيس الشرع وقيادة قوات سوريا الديمقراطية “شكل خطوة إيجابية نحو التهدئة والانفتاح على حل وطني شامل”، لكنه اعتبر أن التصريحات والتحركات الأخيرة لقيادة “قسد”، الداعية إلى الفيدرالية، تتعارض مع مضمون الاتفاق وتهدد وحدة البلاد وسلامة أراضيها.
وأكد البيان أن “أي محاولة لفرض واقع تقسيمي أو إنشاء كيانات منفصلة تحت ستار الفيدرالية أو الإدارة الذاتية دون توافق وطني شامل مرفوضة، وأن وحدة سوريا، أرضا وشعبا، خط أحمر.”
كما أكد البيان أن “الممارسات التي توحي بتوجهات خطيرة نحو تغيير ديموغرافي في بعض المناطق” تهدد النسيج الاجتماعي السوري وتضعف فرص التوصل إلى حل وطني شامل.
ودعا البيان الرئاسي، الذي رفض محاولات “قوات سوريا الديمقراطية” لاحتكار كل ما يتعلق بـ”روج آفا”، دعا الكرد إلى الالتزام الصادق باتفاق 10 مارس/آذار، وإعطاء الأولوية للمصالح الوطنية العليا على المصالح الضيقة أو الوصاية الأجنبية.
وتشير نتائج مؤتمر القامشلي وردّ دمشق عليه إلى تضارب خطير في المصالح داخل سوريا. وبينما لم تصدر تركيا بيانا رسميا، فإنها تشارك دمشق مخاوفها بالكامل، إذ تتعارض العناصر التي أُعلنت في ختام مؤتمر القامشلي، لا سيما الرؤية المتعلقة بالهيكل الإداري المستقبلي لسوريا، مع “الخطوط الحمراء” التي أعلنها وزير الخارجية التركي وكبار المسؤولين الأتراك علنا في الأسابيع الأخيرة.
وفي المقابل، تتعاطف الولايات المتحدة وفرنسا مع وحدات حماية الشعب، وتسعيان إلى إبقائها حليفا محليا في منطقة مليئة بالخصوم والخصوم المحتملين. وقد شاركت الدولتان بنشاط في التوسط بين الجماعات الكردية المتناحرة، السورية وغير السورية، لإقناعها بتسوية خلافاتها. ويمكن القول بأمان إنهما كانتا من بين رعاة مؤتمر القامشلي.
كما تشارك الولايات المتحدة في جهود التقريب بين دمشق و”قوات سوريا الديمقراطية” على طاولة المفاوضات، وتسعى إلى تخفيف حدة التوترات بين تركيا وهذه القوات. ومن الطبيعي أن لا ترغب واشنطن، التي تستعد لتقليل عدد قواتها العسكرية في سوريا وتخطط للانسحاب الكامل في المستقبل القريب، في رؤية تعقيدات قد تعرقل هذه الخطط.
ومن غير المرجح أن تظل تركيا صامتة إزاء التطورات في سوريا، خاصة في ظل مواجهتها لقضايا داخلية خطيرة. إلا أن أنقرة مطالبة باختيار أفضل الطرق للتعامل مع هذه المشكلات. وعلى الرغم من أن الخيار العسكري يبقى مطروحا، فإن اللجوء إليه قد يضع تركيا في مواجهة مع إدارة ترمب، لذا من المرجح أن تعتمد مزيجا من الدبلوماسية والقوة الصلبة في هذه المرحلة.
ولا بد من الإشارة إلى أن لتركيا عمليتها الخاصة تجاه الكرد، المعروفة باسم “مبادرة تركيا بلا إرهاب،” التي ترتبط ارتباطا وثيقا بالتطورات الجارية في سوريا.
النتيجة أن إصرار الكرد السوريين على مطالب لن تقبلها دمشق ولا الدول المجاورة يفتح الباب أمام احتمالية تجدد الصراع، ولكن اندلاع صراع جديد سيقود إلى مزيد من الدمار في سوريا، وقد يشعل نزاعات محلية أخرى، بل وربما يستدرج دولا إضافية إلى أتون الأزمة.
لذلك، لا يسعنا إلا أن نأمل أن تتحلى جميع الأطراف في سوريا والجهات الفاعلة الأجنبية بالذكاء والحكمة والواقعية الكافية لعدم دفع الأوضاع إلى هذا المصير المظلم.
المجلة
——————–
ما علاقة إسرائيل بالأقليات في سوريا؟/ حسين جلعاد
1/5/2025
في واحد من أقسى مشاهد الخزي الوطني والقومي، انتهكت الطائرات الإسرائيلية أمس سماء سوريا، وهذا امر ليس جديدا، لكن المفارقة الأشد حرجا أن حكومة الاحتلال زعمت أنها تدافع عن الدروز الطائفة السورية التي عرفت طوال تاريخها بأنها من أشد المدافعين عن عروبة سوريا واستقلالها.
إن ما جرى يعكس مفارقة قاسية في تاريخ سوريا الحديث. ولعل هذا يذكر بخزي قديم، ففي صيف عام 1982، اجتاحت القوات الإسرائيلية جنوب لبنان تحت غطاء عملية “سلامة الجليل”، لكن الهدف لم يكن فقط طرد منظمة التحرير الفلسطينية، بل التأسيس لتحالف استراتيجي مع الطائفة المارونية، بوصفها الحليف الأكثر قابلية للتموضع في “شرق أوسط جديد” قائم على كيانات طائفية متناثرة. وقد دعمت إسرائيل حينها صعود بشير الجميل إلى رئاسة الجمهورية، ونسّقت عسكريًا مع ميليشيات “القوات اللبنانية”، التي سرعان ما ارتكبت مجزرتي صبرا وشاتيلا تحت أنظار الجيش الإسرائيلي. لقد مثّلت تلك اللحظة الذروة العلنية لاستراتيجية إسرائيل الأمنية العميقة: تفتيت الكيانات العربية المركزية عبر بوابة الأقليات، وتحويل الطائفة إلى شريك سياسي وظيفي يخدم توازنات الهيمنة.
ورغم أن المشروع الماروني-الإسرائيلي انهار سريعًا تحت ثقل المقاومة والرفض الشعبي، إلا أن أثره ظل حاضرًا في الذاكرة الإسرائيلية كدرس استراتيجي، يُستدعى كلما احتدمت الفوضى في بلد عربي متعدد الطوائف.
وهكذا، تعود هذه الرؤية اليوم – في خضم الحالة السورية – بثوب مختلف، لتعيد إنتاج السؤال: ما علاقة إسرائيل بالأقليات في سوريا؟ وهل نحن أمام إعادة تدوير لتحالف الأقليات على نمط لبناني قديم، ولكن بأدوات سورية جديدة؟
“تحالف الأقليات”.. الفرضية الأمنية لإسرائيل
منذ بداية الثورة السورية في عام 2011، لم تُخفِ إسرائيل اهتمامها المتزايد بمآلات الصراع السوري، خاصة فيما يتعلق بوضع الأقليات الدينية والإثنية داخل البلاد. ومع تصاعد الفوضى، وانهيار مركزية الدولة، وانكفاء النظام السابق إلى جيوب طائفية ضيقة، بدأت تتبلور استراتيجية إسرائيلية أكثر جرأة تجاه الداخل السوري، عُرفت إعلاميًا واستخباراتيًا باسم “تحالف الأقليات”. هذه الاستراتيجية، وإن كانت غير معلنة رسميًا، إلا أنها باتت تتجلى في سلسلة من المبادرات الميدانية، السياسية والإنسانية التي اتخذتها تل أبيب حيال المكونات الأقلوية في سوريا.
منذ بداية الثورة السورية، لم تُخفِ إسرائيل اهتمامها المتزايد بمآلات الصراع السوري، خاصة فيما يتعلق بوضع الأقليات داخل البلاد (الفرنسية)
تروج الاستراتيجية الإسرائيلية مجموعة من المقولات أبرزها أن الأقليات في المشرق العربي (الدروز، العلويون، المسيحيون، الأكراد، والإسماعيليون) تعيش في ظل قلق وجودي مستمر، خاصة في ظل ما تعتبره تل أبيب “تهديد الأغلبية السنية ذات التوجهات الإسلامية”. ومن هنا، ترى إسرائيل في هذه الأقليات شركاء محتملين، أو على الأقل أطرافًا قابلة للاستثمار في الصراع طويل الأمد الذي يدور في جوارها. لكن العلاقة ليست متساوية، ولا تُبنى على أسس تحالف صريح، بل غالبًا ما تُدار عبر رسائل غير مباشرة، دعم إنساني انتقائي، وتنسيق لوجستي محدود في مناطق النفوذ. كما أن هذه الطوائف جزء أصيل من مكونات الشعب السوري تاريخيا. فيكف تسعى إسرائيل إلى خلخلة هذا النسيج؟
الدروز.. العلاقات الشائكة
يُعرف الدروز تاريخيا بأنهم حاملو لواء استقلال الدولة السورية من خلال رمزهم التاريخي سلطان باشا الأطرش الذي يوصف بأنه قائد الثورة السورية الكبرى التي قاتلت الاحتلال الفرنسي.
لكن الأزمة السورية الحالية تباعد بين بعض قياداتها وبين القيادة الجديدة التي تتولى السلطة منذ سقوط نظام الأسد، علاوة على انقسام الدروز أنفسهم بين تيارات وفئات تؤيد التقارب مع السلطة الجديدة بوصفها رمزا للدولة السورية وبين فئات أخرى تناوئ دمشق لاعتبارات فكرية وسياسية معقدة.
ولعل وجود جزء من الطائفة الدرزية المنضوية تحت سلطة إسرائيل في الأراضي المحتلة، يخلق نوعا شائكا من العلاقة بين الدروز وإسرائيل من جهة، وبين الدروز والدولة السورية من جهة أخرى.
ولعل واحدة من أكبر الإشكاليات أن إسرائيل، التي تضم داخلها أقلية درزية واسعة ومندمجة في مؤسسات دولة الاحتلال، تنظر إلى دروز جبل العرب (السويداء) والدروز المنتشرين في جنوب سوريا كامتداد مجتمعي وثقافي. وقد شهد العام 2025 تدخلًا إسرائيليًا غير مسبوق حين شنت غارة جوية في محيط صحنايا قرب دمشق، معلنةً أنها استهدفت مجموعة متطرفة كانت تخطط لمهاجمة مواقع درزية. سبق هذه الضربة إرسال مساعدات إنسانية إلى السويداء شملت 10 آلاف طرد غذائي، في خطوة وُصفت بأنها رسالة مزدوجة: دعم وحماية.
ورغم أن بعض الزعامات الدرزية السورية أعربت عن قلقها من هذا التقارب العلني، خشية أن يُنظر إليهم كعملاء، فإن إسرائيل لا تزال تستثمر في خطاب “الحماية”، وتروّج لنفسها كضامن لوجود الدروز في منطقة تشهد تمدد الجماعات السلفي، حسب الزعم الإسرائيلي.
هناك حرج تاريخي يعاني منه الدروز في المنطقة العربية، فزعيم الدروز في إسرائيل الشيخ موفق طريف يروج سردية نتنياهو، وطائفته نفسها هناك ترتبط مع الإسرائيليين بحلف تاريخي يسمى “حلف الدم”. وفيما كانت إسرائيل أمس تقصف أحياء في دمشق، كان طريف يتفاخر أن ثمة تغييرا كبيرا سيحدث في المنطقة.
العلويون.. من النظام إلى القلق
الطائفة العلوية، التي ارتبطت بمجملها لعقود بالنظام البعثي وبالعائلة الأسدية، وجدت نفسها في موقع هش بعد سقوط النظام. وتشير تقارير إسرائيلية إلى تلقيها رسائل غير رسمية من بعض أبناء الطائفة يطلبون فيها “الدعم أو الحماية”. ورغم غياب أي تنسيق علني، فإن مصادر استخباراتية إسرائيلية تتحدث عن استعداد لتقديم مساعدات “غير مباشرة”، تشمل الدعم الإنساني أو المعلوماتي، في حال اندلاع تهديد واسع قد يؤدي إلى إبادة الطائفة في الساحل السوري.
قطعا لا توجد معلومات مؤكدة عن تنسيق رسمي وواسع النطاق بين العلويين وإسرائيل، وتشير مواقع وصحف إلى وجود اتصالات ومناشدات من بعض الأفراد أو المجموعات العلوية تنشد الدعم والحماية. لكن تظل هذه الاتصالات محدودة وغير معلنة رسميًا، وتعكس تعقيدات المشهد السوري الحالي وتعدد الأطراف الفاعلة فيه.
وفي الأشهر الأخيرة، ظهرت مناشدات من بعض أفراد الطائفة العلوية تدعو إسرائيل إلى التدخل لحمايتهم مما وصفوه بالاضطهاد والتهديدات التي يتعرضون لها. على سبيل المثال، نشرت صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية تقارير عن رسائل استغاثة من علويين يطلبون فيها المساعدة من إسرائيل. كما تداولت وسائل التواصل الاجتماعي مناشدات مماثلة تطالب بحماية دولية للعلويين في الساحل السوري.
ويظهر أفراد يصفون أنفسهم بأنهم علويون من الساحل ويدخلون في نقاشات علنية مع رموز إعلامية إسرائيلية في مساحات منصة إكس والتواصل الاجتماعي ويخوضون نقاشات مطولة تدعو إلى تدخل إسرائيلي فوري لحماية العلويين، لكن ذلك لا يقاس عليه ولا يعد أمرا رسميا يعبر عن عموم العلويين.
ووفقًا لتقارير إعلامية، هناك اقتراحات داخل الأوساط الإسرائيلية لدعم العلويين بشكل سري، بهدف تمكينهم من الدفاع عن مناطقهم واستنزاف خصوم مشتركين، مثل “الجماعات الإسلامية المتطرفة”. وتؤكد هذه التقارير على أهمية السرية في أي تنسيق محتمل، لتجنب ردود فعل سلبية من الأطراف الأخرى في المنطقة.
المسيحيون.. الحياد المضطرب
لا توجد مؤشرات على وجود علاقات أو تنسيق مباشر بين المسيحيين في سوريا وإسرائيل. وخلال السنوات الماضية، حافظ المسيحيون على موقف محايد نسبيًا، مع ميل إلى دعم النظام السابق بقيادة بشار الأسد، الذي قدم نفسه كحامٍ للأقليات. وبعد سقوط نظام الأسد وتولي هيئة تحرير الشام مقاليد السلطة بقيادة أحمد الشرع، أبدى المسيحيون مخاوفهم من النظام الجديد، رغم تطمينات القادة الجدد بحماية الأقليات. وتشير تقارير إلى أن بعض المسيحيين في حلب شعروا بالخوف في الأيام الأولى بعد استيلاء هيئة تحرير الشام، لكنهم لاحقًا أفادوا بأنهم لا يشعرون بقلق كبير، وأن الكنائس تعمل بشكل طبيعة.
ورغم أن إسرائيل تسعى إلى بناء علاقات مع الأقليات في سوريا، بما في ذلك المسيحيين، إلا أن المسيحيين السوريين لم يُظهروا اهتمامًا علنيًا بالتعاون مع إسرائيل.
الطائفة المسيحية في سوريا، والتي تضم تقليديًا الأرثوذكس والكاثوليك والآشوريين والسريان، فضلت غالبًا النأي بنفسها عن كل الاستقطابات. ولا توجد علاقات رسمية أو تنسيق معلن بين المسيحيين في سوريا وإسرائيل. ورغم محاولات إسرائيل لاستمالة الأقليات ضمن استراتيجيتها الإقليمية، يبدو أن المسيحيين السوريين يفضلون الحفاظ على موقف داخل الدولة السورية، مع التركيز على حماية وجودهم الثقافي والديني في ظل التغيرات السياسية والأمنية المتسارعة في البلاد.
أما إسرائيل، من جهتها، فإنها تحاول توظيف خطاب حماية المسيحيين إقليميًا، خاصة في المحافل الغربية، لكنها لا تجد فيهم شريكًا مباشرًا. وتُبدي تل أبيب اهتمامًا ضمنيًا بالمسيحيين في سوريا، بوصفهم جزءًا من تراث الشرق، وكمجموعة يمكن استخدامها دبلوماسيًا للضغط على الغرب بشأن الاضطهاد الديني، لكنها لم تتجاوز حدود الخطاب الرمزي والدبلوماسية الإعلامية، دون الدخول في علاقة وظيفية كما تفعل مع الدروز أو كما تدرس مع العلويين.
الإسماعيليون: الحضور الرمزي
الطائفة الإسماعيلية، المتمركزة في مدينة السلمية وبعض نواحي حماة، عُرفت باعتدالها الفكري. واتسمت الطائفة تاريخيًا بموقفها المعارض للنظام السوري، حيث شارك العديد من أبنائها في الاحتجاجات السلمية التي اندلعت في عام 2011. ومع ذلك، تعرضت الطائفة لضغوط من مختلف الأطراف، بما في ذلك النظام السوري والجماعات المسلحة، مما أدى إلى انقسام داخل الطائفة بين مؤيدين ومعارضين للنظام.
مؤخراً، قام زعيمها الروحي الأمير كريم آغا خان بتقديم دعم مالي للحكومة السورية الجديدة، في خطوة فُسرت كمحاولة لضمان حماية الطائفة، وليس تعبيرًا عن اصطفاف سياسي. ولم يُسجل أي مؤشرات على تقارب أو تواصل مع إسرائيل، ما يجعل الإسماعيليين خارج دائرة “التحالف الوظيفي” الذي تحاول تل أبيب بناؤه في سوريا.
ورغم محاولات إسرائيل للتقرب من الأقليات في سوريا ضمن استراتيجيتها الإقليمية، إلا أن الطائفة الإسماعيلية لم تُظهر أي اهتمام بالتعاون مع إسرائيل. ويظهر أن الطائفة الإسماعيلية تفضل الحفاظ على موقف تحت مظلة الدولة السورية، مع التركيز على حماية وجودها الثقافي والديني في ظل التغيرات السياسية والأمنية المتسارعة في البلاد.
إسرائيل والأكراد.. استراتيجية التفكيك الإقليمي
منذ ستينيات القرن الماضي، سعت إسرائيل إلى بناء علاقات سرية مع القوى الكردية، خاصة في شمال العراق بقيادة مصطفى البرزاني، وذلك في إطار هدفها الاستراتيجي بإضعاف الدول العربية المركزية. ودعمت تل أبيب الأكراد عسكريًا ولوجستيًا، عبر وساطة إيرانية آنذاك، بهدف استنزاف العراق ومنعه من التحول إلى قوة إقليمية تهدد أمنها. هذه العلاقة لم تكن قائمة على دعم “حق تقرير المصير” بمفهومه التحرري، بل على توظيف الأقليات القومية في خدمة مشروع إسرائيل الأمني، الذي يقوم على تفتيت الدول المحيطة إلى وحدات إثنية قابلة للضبط.
ومع اندلاع الثورة السورية عام 2011، رأت إسرائيل في تمدد القوى الكردية المسلحة مثل وحدات حماية الشعب فرصة نادرة لإضعاف سوريا وإزاحة مركزيتها، وربما دعم قيام كيان كردي مستقل بحكم الأمر الواقع. وبالرغم من أن الدعم العلني للأكراد جاء من الولايات المتحدة، فإن إسرائيل رأت فيهم حليفًا “وظيفيًا” في وجه خصومها الإقليميين، دون أن تترجم ذلك إلى اعتراف دبلوماسي أو سياسي. فالأكراد في نظرها “شريك دون دولة”، يمكن الاستفادة منه ما دام يتقاطع مع أهدافها، والتخلي عنه عند تبدّل الظروف. وهكذا، تشكل العلاقة بين الطرفين نموذجًا حيًا لتحالف الأقليات، حيث تُمنح الهوية مقابل الوظيفة، وتُقدّم الحماية مقابل الاستثمار في الفوضى.
تدعم إسرائيل الأكراد كـ”وظيفة استراتيجية”، لا كمبدأ سياسي. فكلما تصادمت مصالحهم مع خصوم إسرائيل، يصبح الأكراد ورقة دعم. وإذا تغيّر السياق، يمكن غضّ الطرف عنهم.
محددات الأمن القومي الإسرائيلي.. الطائفة والتجزئة شرط البقاء
إن فهم الديناميكيات المعقدة داخل سوريا يتطلب إلقاء نظرة معمقة على الأسس النظرية التي توجه تفكير إسرائيل. إذ أن فهم العقل النظري الإسرائيلي شرط أساس لفهم السلوك العدواني والانتهاكات المستمرة التي تقوم بها إسرائيل بحق الدولة السورية.
يستند الأمن القومي الإسرائيلي، منذ تأسيس الدولة، إلى مبدأ جوهري يتمثل في تفتيت المحيط العربي إلى كيانات طائفية وإثنية أصغر من إسرائيل ديموغرافيًا وجغرافيًا، لضمان تفوقها الاستراتيجي والسيطرة على المجال الإقليمي. هذا المبدأ، الذي تكرس بوضوح في “استراتيجية يينون” في ثمانينيات القرن الماضي، يفترض أن استقرار إسرائيل لا يتحقق في ظل دول قومية قوية، بل في بيئة مفككة تتنازعها هويات دينية وعرقية، يسهل التحكم بها عبر الدعم أو الإخضاع أو التحييد. ومن هنا، تنظر إسرائيل إلى الأقليات لا كمجرد مكونات اجتماعية، بل كوكلاء محتملين في معركة الهيمنة على الجوار العربي.
ويمكن القول إن إسرائيل ومنذ تأسيسها عام 1948 قد بنت استراتيجيتها الأمنية على جملة من المحددات النظرية والعملية التي لا تتعامل مع الأمن فقط بوصفه مسألة دفاعية، بل بوصفه مشروعًا بنيويًا لتشكيل المجال الجيوسياسي المحيط بها على نحو يخدم وجودها كدولة يهودية في قلب منطقة عربية وإسلامية معادية بطبيعتها التاريخية والثقافية.
وقد تمحورت إحدى هذه المحددات الجوهرية حول ضرورة تفتيت المجتمعات المحيطة إلى كيانات إثنية وطائفية صغيرة، بما يجعل إسرائيل، رغم كونها “دولة أقليّة يهودية”، تبدو “منسجمة” مع محيطٍ ممزّق عرقيًا ودينيًا، ويُسهل عليها إدارة التهديدات واحتواء الطموحات القومية العربية أو الإسلامية.
تفكيك الدولة العربية
يتجلى هذا المنظور بوضوح في الورقة التي نشرها الصحفي الإسرائيلي عوديد يينون عام 1982 بعنوان: “استراتيجية إسرائيل في الثمانينيات”، وهي وثيقة شهيرة ترسم خريطة طريق لمستقبل الشرق الأوسط من وجهة نظر الأمن القومي الإسرائيلي.
وترى هذه الوثيقة أن بقاء إسرائيل مرهون بتحول العالم العربي من دول قومية قوية إلى كيانات طائفية متصارعة، على غرار ما حدث في لبنان، باعتباره نموذجًا قابلًا للتكرار في العراق، وسوريا، ومصر، والسودان.
يقول يينون: “يجب على إسرائيل أن تُعيد رسم الخريطة السياسية للعالم العربي من خلال تفكيك كياناته إلى طوائف دينية ومجموعات إثنية، لأنه لا يمكن التعايش مع دول عربية قوية ومتماسكة”.
هذه الرؤية لم تكن معزولة أو هامشية، بل تجد أصداءها في وثائق رسمية وتقارير لمراكز الأبحاث الإسرائيلية الكبرى مثل مركز بيغن-السادات للدراسات الاستراتيجية، ومعهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي INSS.
دولة الطائفة مقابل الطوائف
بما أن إسرائيل تأسست على أساس ديني وإثني (دولة يهودية للشعب اليهودي)، فهي تجد في الدولة الوطنية العربية الحديثة القائمة على الانتماء القومي والهوية الجامعة تهديدًا وجوديًا. ولذلك، فإن خلق محيط مماثل لها، أي ممزّق إلى “هويات فرعية” (دروز، سنة، علويون، أكراد، شيعة، مسيحيون، إسماعيليون…)، يسمح لإسرائيل ألا تبدو استثناءً، بل نموذجًا آخر من “دولة الطائفة”، وسط طوائف متجاورة.
وقد سعت إسرائيل، في تطبيق هذا التصور، إلى بناء تحالفات مع الأقليات التي تشعر بالتهديد من محيطها السني، مثلما فعلت مع الميليشيات المارونية في لبنان، ومع الأكراد في العراق، والدروز أيضا. هذه التحالفات لم تكن مبنية على روابط قيمية، بل على وظيفة الأقليات كرافعة لإضعاف الدولة المركزية وتفكيك المجتمعات من داخلها.
لقد شكّل التحالف مع الموارنة في الثمانينيات النموذج التطبيقي الأول، بينما برز التنسيق مع الأكراد في العراق بعد عام 2003، ومع فصائل درزية محلية في جنوب سوريا خلال العقد الأخير، كاستراتيجيات متكاملة تصب في مشروع الإضعاف البنيوي للجوار.
ويرى معظم المنظّرين الإسرائيليين أن التهديد الوجودي لا يتمثل فقط في الجيوش، بل في إمكانية وجود “دولة قومية عربية قوية ومتماسكة وديمقراطية”. فمثل هذه الدولة، حتى لو لم تكن معادية، تُفكك من الداخل السردية الصهيونية التي تبرر “خصوصية” إسرائيل، وتشكل منافسًا أخلاقيًا وسياسيًا لها أمام المجتمع الدولي.
ولذلك، فإن تفكيك العراق إلى شيعة وسنة وأكراد، وتفكيك سوريا إلى علويين ودروز وسنة، وإضعاف مصر عبر حصارها بالملفات الإقليمية، كلها تدخل في تعريف موسّع للأمن القومي الإسرائيلي.
الهدف النهائي ليس فقط تفكيك الدول، بل خلق بيئة شرق أوسطية يسهل ضبطها. إسرائيل لا تطمح إلى احتلال مباشر، بل إلى محيط يمكنها فيه أن تلعب دور “الضامن الأمني”، أو “العرّاب الطائفي” الذي يوازن بين الفرقاء، ويضرب هذا الطرف أو يرضي ذاك وفقًا لمصالحها.
وفي هذا السياق، يصبح وجود دويلات أو كيانات صغيرة مثل دولة علوية، أو منطقة كردية، أو حكم ذاتي درزي، أكثر ملاءمة من سوريا موحدة، أو عراق مركزي.
إن استراتيجية الأمن القومي الإسرائيلي، كما تتجلى في كتابات المنظّرين والسياسيين والواقع العملي، تقوم على تفكيك المحيط العربي إلى وحدات إثنية وطائفية أصغر منها، بهدف التخلص من الكيانات الكبيرة التي قد تشكل خطرًا سياسيًا أو ثقافيًا أو ديمغرافيًا.
فكلما صغرت الجغرافيا، وكلما تشظّت الهويات، ازدادت قدرة إسرائيل على البقاء بوصفها “الدولة اليهودية الوحيدة”، منسجمة مع محيط طائفي لا يُحرجها سياسيًا، ولا ينافسها استراتيجيًا.
ما بعد التحالف.. ما بعد الدولة
لا تبني إسرائيل علاقاتها مع الأقليات السورية على أسس دبلوماسية أو اعتراف متبادل، بل على معادلات أمنية عابرة، تُستخدم بحسب الحاجة. وهي لا ترى في هذه المجموعات “أقليات” فقط، بل أدوات توازن، وصمامات أمان محتملة في صراع طويل على شكل الدولة والسلطة في سوريا. لكن الرهان على الطائفة قد يكون خادعًا: فالأقليات ليست حلفاء طبيعيين ولا أدوات وظيفية، بل مجتمعات ذات إرادة وتاريخ، يمكنها أن تقاوم أو أن تنسحب، وقد تقلب الطاولة حين يُظن أنها مجرّد تفصيل.
المصدر : الجزيرة
—————————————–
باريس تعود إلى المشهد السوري: رهان استراتيجي على قسد لزيادة النفوذ
2025.04.30
أظهرت فرنسا للمرة الأولى الرغبة بمشاركة فاعلة في المرحلة الانتقالية السورية منتصف شهر شباط/ فبراير الماضي عندما استضافت باريس مؤتمراً خاصاً بسوريا، الذي تبنى إقامة سوريا موحدة، وعقد مؤتمر وطني يفضي إلى إصلاح دستوري وانتخابات.
لاحقاً امتد الدور الفرنسي حيث رعت باريس وساطة لتقريب وجهات النظر بين المجلس الوطني الكردي وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، مما أعطى انطباعاً واضحاً عن رغبة باريس بأن تكون فاعلاً مؤثراً في الملف السوري.
تعيين مسؤول فرنسي للملف السوري
علم موقع تلفزيون سوريا من مصادر دبلوماسية أن فرنسا أوكلت الملف السوري بعيد سقوط بشار الأسد إلى وزارة الخارجية بعد أن كان ملفا أمنياً بامتياز، مع متابعة محدودة من مبعوث الرئاسة الفرنسي.
ووفقاً للمصادر فإن الخارجية الفرنسية عينت مسؤولاً للملف بمسمى قائم بالأعمال، وهو السفير الفرنسي في قطر جان باتيست فافر، وسيباشر مهامه من العاصمة السورية دمشق قريباً بهدف زيادة الفاعلة الفرنسية.
وتعكس عملية تعيين مسؤول لسوريا تزايد أهمية الملف في قائمة أولويات السياسة الخارجية الفرنسية، خاصة أن باريس تعتبر سوريا جزءاً من نفوذها الدولي التقليدي، والفرصة باتت مواتية اليوم لممارسة سياسة نشطة بعد سقوط الأسد وانتهاء حالة الجمود التي سادت لسنوات طويلة بالملف.
الاعتماد الفرنسي على الأكراد لزيادة النفوذ في سوريا
أكدت المصادر الدبلوماسية لموقع تلفزيون سوريا أن باريس تتجه بشكل واضح للاعتماد على الأكراد لزيادة النفوذ في سوريا، لأن باريس غير مرتاحة لسياسات الإدارة السورية الجديدة، خاصة فيما يتعلق بتقاربها الكبير مع الجانب التركي.
وتتخوف فرنسا من حصول أنقرة على امتيازات كبيرة خاصة في مجالات الطاقة والموانئ في سوريا، وبالتالي تكرار ما حصل في ليبيا عندما فقدت باريس الكثير من نفوذها نتيجة هيمنة روسيا على شرق ليبيا نظراً للدعم الذي تقدمه لخليفة حفتر، مقابل النفوذ التركي الكبير غرب البلاد بموجب الاتفاقيات التي وقعتها مع حكومة الوفاق عام 2021.
ومما يزيد المخاوف الفرنسية في سوريا هو بقاء القواعد العسكرية الروسية، والمؤشرات التي ظهرت مؤخراً على وجود تفاهمات بين دمشق وموسكو في المجالات الاقتصادية والعسكرية.
وتحاول فرنسا الحصول على نفوذ مهم في حوض شرق المتوسط، مما يتيح لها المساهمة في خطوط نقل الطاقة إلى أوروبا، وتتنافس مع تركيا على الهدف ذاته، ولذا دعمت عام 2020 تأسيس منتدى غاز شرق المتوسط الذي ضم دولاً عديدة أبرزها مصر واليونان وإيطاليا واستثنى تركيا.
وفي إطار تعزيز العلاقات مع المكون الكردي السوري والاعتماد عليه ليكون نقطة ارتكاز فرنسية في الملف السوري، رعت الخارجية الفرنسية بشكل غير معلن مؤتمر الحوار الكردي الذي انعقد شمال شرق سوريا آواخر نيسان/ أبريل الجاري، وجمع قسد والمجلس الوطني الكردي وأحزاب سياسية أخرى، وتبنى مطلب تأسيس سوريا الاتحادية، كما تشير المعلومات إلى أن الجانب الفرنسي يجري اتصالات مكثفة مع قسد للعمل على ملأ الفراغ الذي سيخلفه تقليص الوجود العسكري الأميركي في سوريا.
وتفيد المعلومات بأن باريس تدفع باتجاه امتلاك المكون الكردي التأثير في المشهد السوري، والدخول في مختلف مؤسسات الدولة لتضمن عن طريقه تحقيق مصالحها.
وعلى الأرجح ستعمل باريس على استثمار مخاوف دول أخرى مثل إسرائيل من تنامي النفوذ التركي في سوريا، وتسعى لزيادة دورها بتنسيق مع هذه الدول لزيادة قدرتها على التأثير، بالإضافة إلى كونها دولة بارزة في الاتحاد الأوروبي الذي يحتفظ بالعقوبات على سوريا، في ظل حاجة دمشق لتخفيف أو إزالة هذه العقوبات من أجل ضمان تعافي الاقتصاد.
——————————-
الإدارة الكردية تناشد دمشق التدخل لوقف الاعتداءات التركية على سد تشرين
«هيئة الطاقة» بالإدارة خفضت توليد الكهرباء بنسبة 40 في المائة
القامشلي: كمال شيخو
1 مايو 2025 م
في الوقت الذي حذرت فيه «الإدارة الذاتية لشمال شرقي» سوريا خروج سد تشرين عن الخدمة جراء استمرار الأعمال القتالية في محيطه منذ أشهر؛ كشف مسؤول بارز في هيئة الطاقة عن أن قلة المياه الواردة من الجانب التركي والأضرار الجسيمة التي لحقت بالمحطة، تسببت في عجز ربط السد بالشبكة العامة جراء الأعطال في شبكات التوتر العالي وخروج هذه المنشأة الحيوية عن الخدمة بعدما توصلت الأطراف العسكرية إلى اتفاق يقضي بتولي الحكومة السورية إدارتها.
يقول زياد رستم، رئيس هيئة الطاقة بالإدارة الذاتية، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إن كمية المياه المقبلة من الجانب التركي وتدخل الأراضي السورية تقدر بنحو 250 متراً مكعباً في الثانية مثل حصة لسوريا والعراق، لافتاً إلى أن «هذه النسبة تشكل ربع الكمية المخصصة لهذا السد الحيوي المتفق عليها دولياً».
وأكد رستم أن هذا الانخفاض يتزامن مع تعرض المنطقة لموسم جفاف استثنائي رافقه زيادة التبخر في البحيرات، ما عرض بحيرة الفرات المجاورة في الطبقة للضغط والاستنزاف، «فالقصف والهجمات المستمرة قد تؤدي لحدوث تصدعات واهتزازات في بنية السد، واحتمالية انهياره في المستقبل القريب وشيكة».
وناشدت الإدارة الذاتية الحكومة في دمشق للتدخل الفوري والإيجابي وعبر قنواتها الرسمية، للضغط على تركيا لوقف اعتداءاتها. وقالت في بيان، (الأربعاء)، على معرفاتها الرسمية: «نطالب دمشق بالضغط على تركيا لتمرير كمية المياه المتفق عليها عبر اتفاقيات رسمية سابقة بين كل من سوريا وتركيا والعراق، والبالغة 500 متر مكعب في الثانية»، وتأمين مصادر طاقة بديلة لتخفيض ضغط الطلب على الطاقة من سدود الفرات.
تأتي هذه التصريحات بعد مؤتمر للأحزاب الكرية السياسية بمدينة القامشلي في 26 أبريل (نيسان)، وبلور موقف كردي موحد للتفاوض مع دمشق تصدرها الدعوة لنظام لامركزي سياسي، ما أثار انتقادات وردود فعل غاضبة من دمشق وأنقرة.
وأوضح المسؤول الكردي، أن خروج سد تشرين عن الخدمة يزيد استنزاف مخزوننا الاستراتيجي، ولفت رستم إلى أن كمية مخزون البحيرة اليوم 298 متراً فوق سطح البحر، في حين كان يبلغ مستواها الطبيعي بنحو 304 أمتار». مشيراً إلى خفض توليد الكهرباء بنسبة 40 في المائة من طاقتها التوليدية: «فرضنا إجراءات صارمة لمرور المياه من السد حفاظاً على المخزون الاستراتيجي بعد أن انخفض منسوب المياه بأكثر من 5 أمتار عمودية، وفقدان 4 مليارات متر مكعب من مياه بحيرة الفرات».
اتفاقات هشة برعاية أميركية
وتوصلت الحكومة السورية والإدارة الذاتية إلى اتفاق برعاية أميركية في 11 أبريل الماضي، يقضي بتشكيل إدارة مشتركة لسد تشرين، على أن يتم تقليص الوجود العسكري وانسحاب جميع الأطراف المتحاربة من محيطه، في خطوة تندرج ضمن اتفاق ثنائي أوسع وقعه رئيس المرحلة الانتقالية أحمد الشرع، وقائد «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد)، مظلوم عبدي، في مارس (آذار) الماضي، يقضي بدمج مؤسسات الإدارة في هياكل ومؤسسات الدولة السورية.
من جانبها؛ نشرت وكالة «هاوار» الكردية للأنباء، المقربة من الإدارة الذاتية، صوراً ومقاطع فيديو على موقعها الرسمي (الأربعاء)، تظهر وصول قافلة مدنية جديدة من سكان المقاطعات التابعة لها للانضمام إلى حركة الاحتجاجات المستمرة منذ 5 أشهر، ضد ما وصفته بـ«هجمات الاحتلال التركي ومرتزقته وحماية السد من الانهيار».
وتزامنت هذه الاحتجاجات مع دخول القوات الحكومية محيط السد وإقامة عدة نقاط عسكرية على أطراف السد الذي يقع في ريف محافظة حلب الشرقي، بعد أن دفعت دمشق بتعزيزات عسكرية من مدينة حلب باتجاه سد تشرين، لفض الاشتباك بين الفصائل السورية المسلحة الموالية لتركيا، وقوات «قسد» التي تتمركز في قرية أبو قلقل على بُعد 7 كيلومترات من السد، بالتوازي مع توجيه أوامر لتشكيلاتها برفع الجاهزية القتالية.
وبحسب مصادر كردية ووكالة «هاوار» عاد القصف التركي بطائرات مسيرة ليزيد التوتر المتصاعد في المنطقة، حيث استهدفت أنقرة محيط السد بأربعة ضربات جوية مؤخراً، تسببت في سقوط ضحايا من الطرفين؛ الأمر الذي يهدد بانهيار الاتفاق الجزئي الذي تم التوصل إليه في وقت سابق، والذي يقضي بإدارة مشتركة للسد، وينذر بتصعيد الموقف وهشاشة الاتفاقات التي رعتها الولايات المتحدة.
ويرى مراقبون أن أهمية السد لا ترتبط بخدماته الكهرومائية بما توفر من كهرباء ومياه للشمال السوري أو تغذية السلة الغذائية، بل يشكل خط دفاع رئيسياً اتخذته قوات «قسد» لحماية مناطق نفوذها شرق الفرات، وينظر الأكراد بريبة إلى أن أي تصعيد عسكري في السد، على أنه تراجع من دمشق عن الاتفاقيات المبرمة وبمثابة مقدمة إعلان حرب ضدها.
——————————–
تركيا تؤكد معارضتها لنظام حكم لامركزي في سوريا
ا1 مايو 2025 م
كشفت مصادر تركية عن أن أنقرة ترفض أي خطط من شأنها تقويض الحكومة المركزية في سوريا أو تهديد سيادتها وسلامة أراضيها، وذلك رداً على مطالب الأكراد بتبني سوريا لنظام حكم لا مركزي، وفقاً لوكالة «رويترز».
ودعمت تركيا المعارضة المسلحة ضد الرئيس السابق بشار الأسد لسنوات، وينظر إليها على أنها أقرب حليف أجنبي لحكام سوريا الجدد، وتعهدت بمساعدتهم في إعادة بناء واستقرار البلاد التي دمرتها حرب استمرت 14 عاماً.
وترى أنقرة أن مطالب الأكراد السوريين بنظام حكم لا مركزي تشكل تهديداً بسبب ما تقول إنها صلات تربطهم بمسلحين أكراد في تركيا، في حين تتطلع إلى إنهاء صراع مستمر منذ عقود مع جماعة «حزب العمال الكردستاني» المحظورة.
واتفقت أحزاب كردية سورية متنافسة، بما في ذلك تحالف «قوات سوريا الديمقراطية» المهيمن في شمال شرقي البلاد، في اجتماع يوم السبت، على رؤية سياسية مشتركة للأقلية الكردية في البلاد، وعلى فكرة نظام الحكم اللامركزي، وهي الدعوة التي رفضتها القيادة السورية.
وتحدثت مصادر تركية عن تعليقات الرئيس التركي رجب طيب إردوغان الذي قال أمس الأربعاء إن مطالب الحكم اللامركزي في سوريا «ليست أكثر من مجرد حلم».
وقال مصدر في وزارة الخارجية التركية: «تركيا لا تقبل أي مبادرة تستهدف وحدة الأراضي السورية، أو تمس سيادتها، أو تسمح بحمل الأسلحة من قِبَل آخرين خارج السلطة المركزية السورية».
وتعتبر تركيا، العضو في حلف شمال الأطلسي، «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من الولايات المتحدة منظمة إرهابية.
ورحبت أنقرة بالاتفاق الذي تم التوصل إليه في مارس (آذار) بين تحالف «قوات سوريا الديمقراطية» ودمشق لدمج الهيئات الحاكمة وقوات الأمن التي يقودها الأكراد مع الحكومة المركزية، لكنها قالت إنه يجب عليها أيضاً ضمان تفكيك جماعة «وحدات حماية الشعب الكردية» التي تقود التحالف، وسلسلة القيادة في «قوات سوريا الديمقراطية».
توفير «المساحة»
أفاد المصدر بأن تركيا أتاحت لدمشق «المساحة اللازمة» لمعالجة مخاوفها بشأن المسلحين الأكراد في سوريا. وحذرت في السابق من أنها ستقوم بعمل عسكري إذا لم تعالج مخاوفها.
وذكر مصدر بوزارة الدفاع التركية، أمس الأربعاء، أن مطالب الحكم الذاتي قد تضر بسيادة سوريا واستقرار المنطقة.
وأضاف المصدر في إفادة صحافية بأنقرة: «لا يمكن أن نوافق على تفكك وحدة أراضي سوريا وسقوط بناء الوحدة لديها تحت أي غطاء».
واستطرد يقول: «نعارض خطاب المنطقة ذاتية الحكم أو اللامركزية والأنشطة الرامية إلى ذلك، مثل الإدارة السورية الجديدة تماماً».
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية التركية، أونجو كيسيلي، في وقت متأخر من أمس الأربعاء، إن كل دول المنطقة يجب أن تساهم في أمن واستقرار سوريا، ودعا إسرائيل إلى وقف «غاراتها الجوية التي تضر بوحدة سوريا وسلامة أراضيها».
وتشن إسرائيل غارات جوية داخل سوريا، فيما وصفته تركيا بأنه استفزاز غير مقبول يهدف إلى النيل من وحدة سوريا في حقبة ما بعد الأسد. وتركيا من أشد منتقدي إسرائيل منذ أن شنت حرب غزة.
وتريد أنقرة أيضاً رفع كل العقوبات الغربية المفروضة على سوريا بشكل كامل وانسحاب القوات الأميركية المتمركزة في شمال شرقي البلاد.
—————————-
==================================