أبحاثسقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوع

لا أسباب تخفيفية للسلطة السورية/ أرنست خوري

07 مايو 2025

لا بد أنّ الأمر أصبح محرجاً للموالين للسلطة السورية التي لم يعد من الجائز تسميتها جديدة، إذ إنها أتمّت يومها الـ150 في الحكم، وهي مهلة تتجاوز فترة السماح المعروفة عالمياً بأول مائة يوم من الإدارة. وغالباً ما يسقط المدافعون عن السلطة في دمشق بفخّ تبريراتهم لإخفاقاتها التي تتضاعف بشكل تدريجي وعنفي. وإن كان يحقّ للحكومة أن تدفع ببراءتها كاملة من تدمير إسرائيل المقومات الدفاعية السورية واحتلالها أراضي سورية جنوبية شاسعة واستراتيجية، فضلاً عن الانهيار الاقتصادي، فإنّ معظم غير ذلك مما يلجأ إليه الموالون بوصفها مبرّرات لفشل عهد أحمد الشرع وفريقه، يدين هؤلاء بدل أن يشفع لهم. فلولا التركة الهائلة والدموية لنظام الأسد، لو لم يكن بهذا الإجرام والعدمية والبشاعة والسادية والخبث والفساد، لما سنحت الفرصة لمن خلفوه لكي يُظهروا للسوريين أولاً أنّ نموذجاً مختلفاً من الحكم ومن إدارة الخلافات والتنوّع والصعوبات والأزمات ممكن في بلد معقّد كسورية. أما وأن كل شيء يمكن تصحيحه والتسامح معه إن ظهر دليل على وطنية مرتكبه ونزاهته، وانعدام وجود نيّة جرمية لديه، كأخطاء الإدارة وانعدام الكفاءة والقصور المعرفي والفوضى الناتجة عن نقص الخبرة في الحكم، فإنّ التساهل مع أخذ البلد إلى حرب أهلية طائفية، ومع ضرب الحرّيات الفردية (قبل العامة)، جُرمان تزول عنهما أية أسباب تخفيفية، ويصبح عندها الحديث عن النيات الحسنة تماماً كتبرير إجرام بشار أو حافظ الأسد على أساس أنهما كانا عاجزين عن ضبط رجالهما وأجهزتهما وجيشهما، أو أنهما كانا “جيدين ولكن المحيطين بهما أشرار” مثلما تقول النكتة السمجة الشهيرة.

في جرائم الساحل الطائفية، وفي الاقتتال من جرمانا إلى صحنايا فريف السويداء، لا مساواة في توزيع المسؤوليات بين “مليشيات حكومية” من جهة، بما أنها هي نفسها السلطة أو يدها الضاربة أو الداعمة الرئيسية لها (نتيجةً لكارثة حلّ الجيش)، ومن جهة ثانية مليشيات “غير حكومية” في الحالة الدرزية، ومدنيين ضحايا علويين. وعندما تقول أي سلطة إنها عاجزة عن ضبط مسلحيها، ينحسر التعاطي الجدّي معها بوصفها جهة رسمية مسؤولة إلى أدنى درجة. كيف بالأحرى عندما تعرب وزارة الداخلية السورية في بيان 29 إبريل/ نيسان الماضي “عن بالغ شكرها وتقديرها للمواطنين الكرام على مشاعرهم الصادقة وغيرتهم الدينية دفاعاً عن مقام النبي”، قاصدة المسلحين الذين قتلوا مدنيين من الطائفة الدرزية في جرمانا لأن تسجيلاً صوتياً (مشكوكاً في صحته بالمناسبة) يشتم رسول المسلمين انتشر على وسائل التجهيل الاجتماعي؟ عندما يحصل ذلك وغيره، نكون قد قطعنا مسافة طويلة من طريق الكفر بكل ما حصل منذ الثامن من ديسمبر/ كانون الأول وإعلان الاستسلام التام والنهائي أمام هذه المنطقة البائسة. السلطة السورية بدل أن تعتبر مسلّحي المليشيات السلفية الجهادية الذين فجّروا اقتتالاً مذهبياً ضد جماعة سورية لأنّ مخبولاً شتم الرسول، أعداء لها، وعوض أن تحاربهم أو أن تتبرّأ منهم وتحاسبهم، فهي تصوّر جريمتهم غيرةً على الدين وتشكرهم، وبعد ذلك يُلام من يتهم السلطة بأخذ البلد إلى حرب أهلية وربما إلى تقسيم، ويُعلن خائناً مَن يطلب حماية كل شياطين الأرض من قتل على الهوية.

وما يجهد الموالون للعثور عليه تبريراً لقتلٍ على الهوية على اعتبار أن المقتول قد لا يكون ملاكاً ــ وليس مطلوباً منه أن يكون كذلك على أي حال ــ يعجزون عن إيجاده في جرائم الاعتداء على الحرّيات الفردية، على صورة تعذيب مواطنين أو توقيفهم أو إذلالهم لأنهم من ديانة أو مذهب لا يعجبان المسلّح التكفيري، أو تفجير متجر يبيع كحولاً أو أزياء نسائية “غير شرعية”، أو اقتحام ملهى ليلي وإطلاق النار على رواده. والحريات الفردية تلك يستحيل على التكفيريين عموماً أن يفهموا أنها مقدّسة تماماً كما يعتبرون هم قناعاتهم مقدّسة. الفارق أن مقدّس جماعة الحرية أفقه واسع، يستوعب الجميع، لا يقتل ولا يظلم ولا يعتبر نموذج حركة طالبان مثالاً وجب استنساخه في سورية.

العربي الجديد

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى