سوريا حرة إلى الأبد: مقالات وتحليلات 10 أيار 2025

حرية إلى الأبد: كل المقالات والتحليلات والحوارات التي تناولت انتصار الثورة السورية اعتبارا من 08 كانون الأول 2024، ملاحقة يومية دون توقف تجدها في الرابط التالي:
سقوط بشار الأسد، الرئيس الفار والمخلوع
—————————-
من هو التاجر الأميركي الذي يسعى إلى بناء جسر بين ترمب والشرع؟/ عيسى النهاري
مصالح الغاز الطبيعي تقود جوناثان باس إلى القيام بدور الوسيط بصورة غامضة وغير رسمية
الجمعة 9 مايو 2025
في عالم دونالد ترمب تجار كثر ينفذون أجندته عبر رحلات رسمية وغير رسمية، وعلى رغم أن الرئيس الأميركي ما زال حذراً في التعامل مع الملف السوري، فإن رجل أعمال أميركياً اسمه جوناثان باس برز خلال الآونة الأخيرة كجسر محتمل بين إدارة ترمب وسوريا الجديدة التي تسعى إلى رفع العقوبات وتأمين الدعم الدولي لإعادة إعمار البلاد المدمرة، فماذا نعرف عن هذا التاجر، وما علاقته بالإدارة الأميركية؟
رئيس شركة للغاز الطبيعي
باس التقى الأسبوع الماضي الرئيس السوري أحمد الشرع في القصر الرئاسي بدمشق، حيث عرض عليه خطة لتطوير قطاع الطاقة السوري بمساعدة شركات غربية وإنشاء شركة نفط سورية يمكن إدراجها في الأسواق الأميركية، مما رحب به الشرع بشرط تخفيف العقوبات، ورغبة منها في دفع الجهود قدماً، أرسلت سوريا وزير الطاقة لمرافقة باس في رحلة العودة لإسطنبول.
ونقل الرئيس السوري رسالة عبر رجل الأعمال الأميركي برغبته في لقاء ترمب لعرض رؤيته لإعادة الإعمار، وتشابه هذه الرؤية “خطة مارشال”، في مسعاها لإعطاء الأولوية إلى الشركات الأميركية والغربية، على حساب الصين وقوى أخرى تتنافس على النفوذ في البلاد، لكن التحدي أمامها هو إقناع واشنطن بأن الشرع وأعوانه لن يجعلوا من سوريا منصة للجماعات الإرهابية، وفق صحيفة “وول ستريت جورنال”.
ويشغل باس منصب الرئيس التنفيذي لشركة “أرغنت” للغاز الطبيعي ومقرها لويزيانا، ومن الواضح أنه يسعى إلى رفع العقوبات الأميركية بهدف بناء علاقات تجارية مع الحكومة السورية الجديدة، مما يتطلب بناء جسور الثقة بين إدارة ترمب المتشككة والحكومة السورية الرازحة تحت وطأة العقوبات.
وما زالت علاقة رجل الأعمال بترمب غير واضحة، لكن منشوراته في مواقع التواصل الاجتماعي تظهر دعمه المطلق لسياسات ترمب حتى الجدلية منها في بعض دوائر رجال الأعمال مثل فرض الرسوم الجمركية، وفي منشور بتاريخ 19 أبريل (نيسان) الماضي اعتبر أن “ترمب بهذه الرسوم لا يجدد عظمة أميركا فحسب، بل ينقذها”.
ويتبنّى الموقع الإلكتروني للشركة التي يترأسها باس الخطاب السياسي للرئيس الأميركي، إذ يبرز شعار “البوابة إلى خليج أميركا” في واجهته الرئيسة، ويبدو أن باس يسعى إلى توسيع نطاق أعمال شركته في منطقة الشرق الأوسط، فيما يتمثل أبرز مشاريعها حالياً في اتفاق إيجار حصري طويل الأجل مع ميناء فورشون بولاية لويزيانا.
وتركز شركة “أرغنت” جهودها على إنتاج الغاز الطبيعي المسال وتوزيعه إلى أسواق تمتد عبر أربع قارات لتلبية الطلب العالمي المتزايد على حلول الطاقة النظيفة. ومن المقرر أن تبدأ العمليات التشغيلية لمشروع لويزيانا عام 2029 أو عام 2030. ويتمتع ميناء فورشون بموقع استراتيجي على الساحل الجنوبي للولايات المتحدة، مما يتيح له الوصول المباشر إلى “خليج أميركا” ويمنحه مزايا لوجستية كبيرة، من بينها تقليص أوقات وكلف الشحن.
اجتماع 4 ساعات
بعد اجتماع باس مع الشرع لنحو أربع ساعات، دعا إلى تطبيع العلاقات مع سوريا، وقال “لدينا فرصة لإخراج الروس والإيرانيين والصينيين من البلاد إلى الأبد، وتحقيق هزيمة دائمة لتنظيم ’داعش‘”. ولفت رجل الأعمال إلى أن سوريا ترغب في الاستعانة بالشركات الأميركية في إعادة الإعمار والالتزام بشراء طائرات “بوينغ” وعقد شراكات مع شركات الاتصالات الأميركية، وخلال مقابلة معه في إسطنبول، أخرج باس هاتفه وأظهر رسائل من وزير الاتصالات السوري الذي كان يرسل له يومياً رسالة مقتضبة عبارة عن “”AT&T، في إشارة إلى رابع أكبر شركة اتصالات أميركية.
وليس من الواضح ما إذا كانت مساعي باس ستؤدي إلى تغيير الإدارة الأميركية موقفها من سوريا، خصوصاً دوائر مكافحة الإرهاب التي لا تزال متشككة في شأن أفكار الرئيس السوري بسبب علاقته السابقة بتنظيم “القاعدة”. ولا يزال الشرع مدرجاً في قائمة الإرهاب الأميركية، على رغم إلغاء مكافأة بقيمة 10 ملايين دولار كان عرضها مكتب التحقيقات الفيدرالي لاعتقاله.
وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي جيمس هيويت إن “الولايات المتحدة أوضحت منذ البداية أن سلوك السلطات السورية الانتقالية هو ما سيحدد دعمها في المستقبل أو إمكان تخفيف العقوبات”. وحذر محللون ومسؤولون أميركيون سابقون مثل جيمس جيفري، أحد المشاركين في فرض العقوبات على سوريا، من أن غياب الدعم الأميركي قد يؤدي إلى عواقب سلبية منها عودة الجماعات المتطرفة، أو لجوء الشرع إلى إيران، إذا نفدت خياراته.
لكن واشنطن أقدمت على خطوات أكثر انفتاحاً تجاه سوريا في الآونة الأخيرة، من بينها إعطاء الضوء الأخضر لمبادرة قطرية لتمويل رواتب موظفي القطاع العام في سوريا باستثناء وزارتي الدفاع والداخلية، مما قد يفتح الباب لمزيد من المرونة في السياسات الدولية تجاه دمشق.
إعادة الإعمار
وبدأ الرئيس السوري الجديد المساعي للتواصل مع أميركا من خلال ملاحقة المتشددين وبدء مفاوضات غير مباشرة مع إسرائيل لتهدئة الوضع، كما أبدى استعداده لعقد صفقات تتيح لشركات النفط والغاز الأميركية العمل داخل سوريا. في المقابل قدمت واشنطن قائمة من المطالب للنظر في العقوبات، من بينها ملاحقة الجماعات الفلسطينية المسلحة وحماية الأقليات والتعهد بألا تكون سوريا منصة تهديد لأية دولة، إضافة إلى التعاون في تحديد أماكن الأميركيين المفقودين في سوريا، والسماح لمنظمة حظر الأسلحة الكيماوية بالتحقق من بقايا الترسانة الكيماوية في البلاد، وهما أمران بدأت الحكومة السورية بالعمل عليهما، وفق صحيفة “وول ستريت جورنال”.
ونقلت الصحيفة الأميركية عن مسؤول رفيع في وزارة الخارجية السورية أن بلاده ترغب في بناء علاقة استراتيجية مع الولايات المتحدة تقوم على المصالح المتبادلة، بما يشمل قطاع الطاقة والقطاعات الاقتصادية الأخرى، ضمن مساعيها لتصبح حليفاً مهماً ومؤثراً لواشنطن في المرحلة المقبلة.
وتحتاج سوريا إلى رفع العقوبات لبدء عملية إعادة إعمار أجزاء واسعة من المدن السورية الكبرى التي شهدت دماراً كبيراً، وإصلاح المطارات والطرق وشبكات الكهرباء والاتصالات. كما تحتاج إلى إصلاح منشآتها النفطية المتهالكة بعد أعوام من الحرب والعقوبات، حتى تعود لمستوى إنتاجها قبل اندلاع الثورة في 2010 عندما كانت تصدر كميات نفطية تقدر قيمتها بـ4.2 مليار دولار.
وسيكون لموقف ترمب من سوريا تأثير حاسم، فعلى رغم أنه لم يُدلِ بكثير من التصريحات العلنية حول الوضع هناك، فإن مبعوثه النافذ إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف قال إن “الشرع بات شخصاً مختلفاً عما كان عليه سابقاً”. ويرى بعض القادة العسكريين الأميركيين أن دعم حكومة الشرع قد يساعد في تقليص نفوذ “داعش” وغيره من الجماعات المتطرفة، وفي الوقت ذاته يسمح بتقليص الوجود العسكري الأميركي.
———————————-
نحو استقرار مستدام في سوريا/ د. أحمد يوسف أحمد
تحديث: 08 مايو ,2025
منذ سقوط نظام الأسد تشهد سوريا من حين لآخر مظاهر عدم استقرار تبدو طبيعية بالنظر لعدة عوامل، منها إرث النظام القديم الذي خلّف وراءه تراكماً من المشاكل المعقدة، وتداعيات الاحتراب الأهلي. وقد ثارت الشكوك حول قدرة السلطة الجديدة على حل هذه المشكلات، خاصة بالنظر لخلفيتها الأيديولوجية وممارساتها السابقة التي أثارت الخشية من أن تكون غير ملائمة للتعامل مع حقائق التنوع الديموغرافي السوري. غير أن الخطاب السياسي الرسمي للسلطات الجديدة بدا باعثاً على الاطمئنان إلى أن ثمة محاولة جادة للعبور بسوريا إلى وضع طبيعي يبعث الأمل في سوريا جديدة تقوم على المساواة والعدل. ولعل هذا يفسر السلاسة التي تم بها قبول الحكم الجديد عربياً ودولياً، غير أن الأمل بقي مقيداً بغياب شواهد قوية على تنوع حقيقي في السلطة، وظهر هذا بوضوح في الإعلان الدستوري.
غير أن العامل الأهم يتمثل في المؤشرات على أن ثمة فصائل كانت جزءاً من التحالف المشارك في إسقاط النظام السابق تمارس الآن سلوكاً منفلتاً لا يتسق مع الخطاب السياسي التصالحي لقيادة السلطة الحالية، وقد أقدمت غير مرة على ارتكاب تجاوزات بحق فئات بعينها من مكونات المجتمع السوري، وقد أثارت هذه الممارسات ردودَ فعل غاضبة داخل سوريا وخارجها، كما اهتمت القيادة السورية الجديدة بها، وشكلت لجنةً للتحقيق حولها، وإن لم تصل لنتيجة محددة حتى الآن. والأخطر أن هذه الأعمال تكررت بعد ذلك، وأنها معزَّزة بشرائط مصورة. وقد لوحظ أن بعض الدوائر في سوريا، وكذلك الدوائر الإعلامية المتعاطفة معها، تُلقي بالمسؤولية عن تكرار هذه الأعمال والممارسات على فلول النظام القديم، وبعض مكونات المجتمع السوري، وأخيراً التدخل الخارجي.
ولا شك في أن تلك التفسيرات ليست بلا أساس، فمن المنطقي أن يكون لنظام دام في السلطة أكثر من نصف قرن مؤيدوه الذين استفادوا منه، ويعملون من ثم على إسقاط السلطة الجديدة. كما أن مصالح بعض مكونات المجتمع السوري لا تتوافق بالضرورة مع توجهات القيادة الجديدة، ومن ثم فهي مؤهلة للصدام معها. ولسنا بحاجة للإشارة لحقيقة التدخل الخارجي.
لكنه سيكون من الخطورة بمكان أن يتصور البعض في سوريا أن ذلك التفسير يُمَثل الحقيقة كاملةً، فواقع الأمر أن سلوك بعض الفصائل يحتاج إلى ضبط بما يتسق والخطاب السياسي الرسمي المُعْلَن، وبدون هذا الضبط يمكن للخرق أن يتسع على الراتق، لا سيما وأن دوائر خارجية معروفة لا تخفي نواياها للتدخل في الشؤون الداخلية السورية بحجة حماية الأقليات، بغض النظر عن أن هذه الأقليات نفسها في العموم لا تطلب حمايةً دولية من أحد، ولذلك فسوريا مطالبة بمعالجة الأمر بما يضمن للشعب السوري وحدته وتماسكه، ويسد الذرائع في الوقت نفسه على كل من ينتوي بالبلاد شراً. كما أن الدول العربية التي لم تتردد في إعطاء الفرصة للسلطة الجديدة في سوريا، حرصاً عليها وعلى شعبها، مطالبة بلعب دور حكيم في إخراجها من هذه الحلقة المفرغة، وكلي ثقة في أن ثمة أطرافاً فاعلة في المعادلة السورية الجديدة قادرة على الخروج بسوريا إلى بر الأمان.
نقلا عن الاتحاد
—————————-
رياح التغيير: العراق وسورية في مرحلة ما بعد الأسد/ حيان دخان
نشر في 8 أيار/مايو ,2025
الملخص
تتشكل العلاقة المتطورة بين العراق وسورية، في مرحلة ما بعد الأسد، من خلال الديناميات الإقليمية المتغيرة والمخاوف الأمنية والاعتبارات الاقتصادية. وقد تأثّرت العلاقات بين البلدين، وهي التي اتّسمت تاريخيًا بالتنافس، بالروابط القبلية والسياسات الطائفية والجهات الفاعلة الخارجية، مثل إيران والولايات المتحدة. تواجه الحكومة السورية الجديدة حالةً من عدم الاستقرار الداخلي والتوترات الكردية والتهديدات الأمنية، في الوقت الذي يتعيّن على العراق أن يتعامل مع تحالفاته وتحدياته الأمنية الحدودية. ومن الناحية الاقتصادية، يمتلك العراق القدرة على مساعدة سورية في إعادة الإعمار، من خلال التجارة والتعاون في مجال الطاقة والجهود الإنسانية. ومع ذلك، فإن التهديدات الأمنية والتوترات الجيوسياسية تعقّد التعاون، ما يجعل العلاقات المستقبلية غير مؤكدة ومعقدة من الناحية الاستراتيجية.
الكلمات المفتاحية
التنافس الجيوسياسي، التحديات الأمنية، التعاون الاقتصادي، عدم الاستقرار الإقليمي.
مقدمة
اتسمت العلاقة بين العراق وسورية منذ زمن طويل بالتوتر والتنافس والتحالفات المتغيرة، متأثرةً بالديناميات الإقليمية والهياكل السياسية الداخلية. ويعود تاريخ التنافس بين البلدين إلى أيام فرعي حزب البعث المتنافسين، حيث سعت الدولتان إلى الهيمنة على المشهد الأيديولوجي والسياسي في العالم العربي (BBC News, 2006). وقد اشتدت حدة هذا التنافس في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، عندما دعمت سورية بفعالية الجماعات المتمردة في العراق، في أعقاب الغزو الأميركي للعراق عام 2003، وهو موقفٌ أدى إلى تفاقم التوترات (Mansour & Thompson, 2020). لكن مع مرور الوقت، تبدل الوضع، وبدأ العراق، لا سيّما بعد صعود النفوذ الإيراني، في دعم النظام السوري، خاصة خلال المراحل الأخيرة من الحرب الأهلية السورية.
يتشارك البلدان حدودًا طويلة وبينهما عدد من الروابط القبلية العابرة للحدود، التي كانت تاريخيًا مصدرًا للتعاون والمنافسة على حد سواء (Dukhan, 2019). وتلعب هذه الروابط دورًا في تشكيل التفاعلات بين البلدين، حيث إن كثيرًا من القبائل تسكن على طرفي الحدود، وتحافظ على روابط عميقة الجذور بين كلا الجانبين. إضافة إلى ذلك، تؤثر الديناميات الطائفية بالعراق، ولا سيّما الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران، تأثيرًا مباشرًا في سورية، في حين إن الديناميات الداخلية في سورية -خاصة المتعلقة بالقضية الكردية- تؤثر بدورها في العراق (Dhabian, 2025). تخلق هذه العوامل شبكة معقدة من المصالح والمخاوف والحسابات السياسية المشتركة، وتؤثر في كيفية تعامل العراق وسورية اليوم، خاصة في سياق انهيار النظام السوري وظهور حكومة جديدة في دمشق.
1- الديناميات الإقليمية والتوترات الجيوسياسية
غيّر انهيار نظام الأسد وظهور حكومة جديدة في سورية الديناميات الإقليمية، ما أثر في استراتيجيات العراق الدبلوماسية والأمنية. ومع ذلك، فمن المرجح أن تتسم المرحلة الانتقالية في سورية بعدم الاستقرار والصراع على السلطة، حيث تتصارع الفصائل المتنافسة داخل البلاد على النفوذ والسيطرة. بالنسبة للعراق، فإن وجود الميليشيات المدعومة من إيران ونفوذها الكبير داخل البنية السياسية العراقية يخلقان بؤرة محتملة للتوترات، ولا سيما للحكومة السورية الجديدة (Alaaldin, 2023). في مرحلة ما بعد الأسد، تشعر سورية بالقلق من علاقات العراق المتنامية مع إيران، التي تعدّها تهديدًا لحكمها الجديد، وترى الحكومة السورية أن علاقة العراق العميقة مع إيران تشكّل تحديًا لها، لأنها تنافس على النفوذ الإقليمي، وتمثل مصدرًا محتملًا للصراع.
في الوقت نفسه، يتشكل موقف العراق الحذر تجاه سورية نتيجة الضغوط الجيوسياسية الخارجية. ففي حين يتوجب على العراق أن يوازن علاقاته مع إيران، فإنه يسعى أيضًا إلى الحفاظ على علاقات إيجابية مع الولايات المتحدة التي لها وجود قوي في العراق (Uysal & Margolin, 2023). تعقّد هذه الدينامية مقاربة العراق تجاه سورية، حيث تعارض الولايات المتحدة تاريخيًا النفوذ الإيراني. إن الجهود التي يبذلها العراق لتجنب التحول إلى ساحة للصراعات بالوكالة بين القوى الإقليمية، مثل إيران والولايات المتحدة وإسرائيل، تجعل مقاربته الدبلوماسية تجاه سورية أكثر تقييدًا.
تلعب الفصائل الكردية العاملة عبر حدود العراق وسورية وتركيا دورًا حاسمًا في تشكيل العلاقات العراقية السورية، لا سيما بعد تشكيل الحكومة السورية الجديدة. على طول الحدود في سورية، يسيطر حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) المتحالف بشكل وثيق مع وحدات حماية الشعب (YPG) على أجزاء كبيرة من شمال سورية، وهو ما يعقد الديناميات الكردية في العراق (Hasan & Khaddour, 2021). وقد عزّز حزب العمال الكردستاني، بأجندته الثورية العابرة للحدود، وجوده في المناطق الحدودية، لا سيما في سنجار، خالقًا تحديات أمنية للعراق. تزيد العمليات العسكرية التي تشنها تركيا ضد حزب العمال الكردستاني، في كلٍّ من العراق وسورية، من الضغط على العراق -لا سيّما على حكومة إقليم كردستان التي يقودها الحزب الديمقراطي الكردستاني- لإدارة السياسة الكردية الداخلية والتهديدات الأمنية عبر الحدود والعلاقات الاستراتيجية مع أنقرة بعناية (Hasan & Khaddour, 2021).
أما في سورية، فإن تردّد الحكومة الجديدة تجاه الحكم الذاتي الكردي، مع عدم وجود دعم دولي مماثل لما حصل عليه أكراد العراق في التسعينيات، يعقّد إمكانية قيام منطقة حكم ذاتي كردية مستقرة على طول الحدود (Palani, 2025). يخلق هذا وضعًا حدوديًا هشًا يؤثر مباشرة في استقرار العراق الداخلي وعلاقاته مع سورية. ويتعين على العراق، ولا سيما حكومة إقليم كردستان التي يقودها الحزب الديمقراطي الكردستاني، أن تنهي التوترات مع حزب العمال الكردستاني، وأن تدير السياسة الكردية الداخلية مع السعي في الوقت نفسه إلى ترتيبات أمنية تعاونية مع الإدارة السورية الجديدة، لمنع مزيد من عدم الاستقرار الإقليمي. وتطرح الطموحات السياسية المستمرة لحزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) وولاءات الفصائل الكردية المنقسمة، التي تزيد من حدتها قوى إقليمية مثل تركيا وإيران، تحديات دبلوماسية وأمنية كبيرة أمام كلٍ من العراق وسورية (Hasan & Khaddour, 2021; Palani, 2025).
2- المخاوف الأمنية والتوترات العسكرية
لا تزال قضية الأمن حاسمةً في العلاقات العراقية السورية، حيث يساور كلا البلدين مخاوف عميقة بشأن المشهد الأمني لكل منهما. تتخوف الحكومة السورية الجديدة من فلول نظام الأسد الذين لجؤوا إلى العراق، حيث يمثل وجودهم تهديدًا للمرحلة الانتقالية في سورية ما بعد الأسد، بل تهديدًا لاستقرار المنطقة، إذ يمكّن أن يشكّل هؤلاء الفلول نواةً لنشاط مضاد للثورة، ويغذي الصراعات الداخلية على السلطة داخل سورية (Al-Haj, 2025). ويُنظر إلى هؤلاء الأفراد، الذين كان كثيرًا منهم متغلغلين بعمق في الأجهزة العسكرية والاستخباراتية السورية، على أنهم قوة محتملة لزعزعة الاستقرار يمكن أن تهدد المرحلة الانتقالية الهشة في سورية ما بعد الأسد، كما تنظر دمشق إلى وجودهم في العراق بعين الريبة، معتقدةً أنهم قد يستخدمون الأراضي العراقية لإعادة تجميع صفوفهم وتحدي الحكومة الجديدة.
في الوقت نفسه، لدى العراق مخاوفه الأمنية المتعلقة بسورية، فبعض القادة الجدد في سورية كانوا مشاركين سابقًا في التمرد العراقي ضد القوات الأميركية، حيث قاتلوا في العراق في منتصف العقد الأول من القرن الحالي. وتثير هذه الصلة التاريخية مخاوف في بغداد، حول احتمال أن تمكّن قيادتهم في سورية شبكات جديدة من عدم الاستقرار على طول الحدود المشتركة. في المقابل، يشعر العراق بقلق عميق بخصوص آلاف من أعضاء (داعش) الذين لا يزالون في مراكز الاحتجاز في شمال سورية (Menmy, 2025). إذا قُدِّر لهؤلاء المعتقلين أن يُطلَق سراحهم أو يهربوا من تلك المراكز، فقد يشكلون تهديدًا كبيرًا لاستقرار العراق، ولا سيما أن فلول داعش يحاولون بالفعل إعادة تشكيل خلايا في المناطق الغربية والشمالية من العراق.
ونتيجة لذلك، يكثّف العراق من إجراءاته الأمنية على الحدود، ويزيد درجة المراقبة والوجود العسكري لمنع أي تسلل للمتطرفين أو القوى المزعزعة للاستقرار (Calabrese, 2025). ومع ذلك، فإن انعدام الثقة المتجذر بين الحكومتين، الذي تغذيه كل من المظالم التاريخية والمعضلات الأمنية الحالية، قد يعوق التعاون الأمني الأوسع نطاقًا.
3- الاعتبارات الاقتصادية والتعاون
تواجه سورية ما بعد الأسد تحديات اقتصادية هائلة، أكثرها في إعادة الإعمار وتطوير البنية التحتية، فالصراع المطوّل قد ألحق أضرارًا بالغة بالاقتصاد السوري، مع شلل في القاعدة الصناعية، وتدمير للمدن، وانخفاض في الاستثمار الأجنبي، وهو ما تفاقم بفعل العقوبات الدولية المستمرة. في هذا السياق، يمكن للعراق أن يلعب دورًا محوريًا في تعافي سورية، نظرًا لقربه الجغرافي وقدراته الاقتصادية الحالية. وتتعدد حوافز العراق للتعاون الاقتصادي مع سورية، من ضمن ذلك تحفيز اقتصاده، وتنويع شركائه التجاريين، وتعزيز الاستقرار الإقليمي (Hassan, 2025).
سيستفيد العراق كثيرًا من زيادة التجارة عبر الحدود مع سورية، حيث تمثل إعادة الإعمار فيها فرصة مربحة للشركات العراقية المتخصصة في مواد البناء والخدمات اللوجستية والسلع الصناعية. إن تنشيط الطرق التجارية التاريخية، مثل معبر القائم الحدودي، لا يمكن أن يعزز النمو الاقتصادي في العراق فحسب، بل يمكن أن يعزز أيضًا استقرار الممرات التجارية الضرورية للاقتصاد الإقليمي الأوسع.
بالإضافة إلى ذلك، لدى العراق حافز واضح للمشاركة في إعادة إعمار سورية، من خلال التوسع المحتمل لأسواق الطاقة، فالبنية التحتية للطاقة في سورية التي دمرتها الحرب تخلق طلبًا كبيرًا على النفط والكهرباء، وهي قطاعات يمتلك العراق بالفعل قدرات كبيرة فيها. ومن خلال تصدير النفط وتطوير البنية التحتية للطاقة عبر الحدود، مثل خطوط الأنابيب وخطوط نقل الكهرباء، يمكن للعراق تأمين سوق مستقرة ومربحة، ما يقلل من اعتماده على أسواق الطاقة الدولية المتقلبة.
ويكمن الحافز الآخر في التعاون الزراعي، فالعراق، الذي يواجه تحديات زراعية خاصة به، يمكن أن يستفيد من الأراضي الخصبة والخبرة الزراعية السورية، لتعزيز الأمن الغذائي في كلا البلدين. حيث يمكن للمشاريع الزراعية المشتركة أن تتيح الاستثمارات المشتركة في أنظمة الري وإنتاج المحاصيل ونقل التكنولوجيا، وهو ما يعود بالنفع على اقتصاد البلدين بشكل كبير.
توفر الاعتبارات الإنسانية أيضًا حافزًا للعراق للمشاركة، فمع وجود مئات الآلاف من اللاجئين السوريين الذين يستضيفهم العراق، فإن تسهيل التعافي الاقتصادي لسورية يمكن أن يخلق ظروفًا مواتية للعودة الطوعية إلى الوطن، ويقلّل الأعباء الإنسانية والاقتصادية على العراق المرتبطة بدعم اللاجئين (UNICEF, 2021)، ويمكن أن يُعزز دور العراق الإنساني الاستباقي مكانته الدبلوماسية الدولية.
ومع ذلك، فإن مشاركة العراق الاقتصادية مع سورية تُخفّف من حدة عدم الاستقرار الذي لا يزال سائدًا داخل سورية، لا سيما في المناطق الشرقية، لكن المخاوف الأمنية المستمرة تشكل مخاطر على استمرارية الاستثمار والتجارة، ما يجعل الالتزامات الواسعة النطاق صعبة، ويجب أن تبقى استراتيجية العراق الاقتصادية تجاه سورية مرنة وتتكيف مع الظروف الأمنية المتغيرة. ويجب على العراق أن يوازن بعناية بين مصالحه الاقتصادية والتأثيرات الإقليمية المتنافسة بين إيران وجامعة الدول العربية. وقد يؤدي تعزيز التعاون مع الحكومة السورية الجديدة إلى استفزاز إيران وأعضاء محور المقاومة، المتخوفين من سقوط النظام السوري وتأثيره على نفوذ المحور في المنطقة.
4- المسارات المحتملة للعلاقات العراقية -السورية
لا تزال العلاقة بين العراق وسورية في مرحلة ما بعد الأسد سائلةً، وتعتمد على عوامل متعددة، من ضمنها التطورات السياسية الداخلية، والديناميات الإقليمية، والتحولات الجيوسياسية العالمية. وثمة مسارات كثيرة محتملة لعلاقتهما، يمكن أن تؤثر في تفاعلاتهما المستقبلية بطرق مختلفة.
المسار التعاوني: في أفضل السيناريوهات، يمكن أن يتجه العراق وسورية نحو علاقة أكثر استقرارًا وتعاونًا، خاصة من حيث الشراكة الاقتصادية والتنسيق الأمني. ويمكن أن يصبح العراق شريكًا تجاريًا مهمًّا لسورية، ويسهل الوصول إلى موارد الطاقة والطرق التجارية، وهو ما سيكون حاسمًا لإعادة إعمار سورية، كما يمكن للتعاون الاقتصادي الثنائي أن يساعد سورية في تلبية احتياجاتها الإنسانية الفورية، في حين يمكن للعراق الاستفادة من إمكانية الوصول إلى الأسواق السورية، وإمكانية تنفيذ مشاريع بنية تحتية مشتركة. وعلى الصعيد الأمني، قد يتعاون العراق وسورية بشكل أوثق لمكافحة الخلايا الإرهابية، مثل فلول (داعش) التي لا تزال تشكل تهديدًا لكلا البلدين. ومن المرجح أن تكون هذه الدينامية التعاونية أكثر احتمالًا، إذا تمكن البلدان من التغلب على انعدام الثقة التاريخي بينهما، لا سيّما ما يتعلق ببقايا نظام الأسد والحالة العدائية المتوترة عبر الحدود.
العلاقات المتوترة والحذرة: قد ينطوي السيناريو الأكثر ترجيحًا على تعاون حذر، حيث يوازن كل من العراق وسورية بين مصالحهما الاستراتيجية، مع الحفاظ على موقف حذر تجاه بعضهما البعض. ومن المرجح أن يستمر العراق في توخي الحذر، إزاء التحولات السياسية الداخلية والتحالفات الجيوسياسية في سورية، ولا سيّما علاقاته مع تركيا. وقد يؤدي ذلك إلى وضع ينخرط فيه كلا البلدين في تعاون محدود في المسائل الإنسانية والاقتصادية، مثل قضايا اللاجئين وإدارة الحدود، لكنهما يمتنعان عن التزامات أعمق، بسبب التعقيدات الجيوسياسية الأوسع، التي تشمل علاقات العراق مع إيران.
العلاقات المجزأة/ المتشظية: قد يشهد السيناريو الأسوأ فترة متجددة من التوترات والتشرذم، حيث يصبح العراق وسورية خصمين غير مباشرين، نتيجة تعرّض كل طرف بشكل متزايد للتأثيرات الخارجية. في هذا السيناريو، قد تكافح الحكومة السورية لاستعادة السيطرة الكاملة على أراضيها، وهو ما يؤدي إلى مزيد من عدم الاستقرار على طول حدودهما المشتركة. وإذا قُدِّر لفلول (داعش) أو غيرها من الجماعات المتمردة في سورية أن تنمو، فقد يمتدّ ذلك إلى العراق، ما يؤدي إلى زيادة التحديات الأمنية. وإضافة إلى ذلك، فإن حذر سورية من علاقات العراق المتنامية مع إيران وقلق القيادة السورية الجديدة من نفوذ فلول نظام الأسد قد يؤدي إلى مأزق دبلوماسي، يمكن أن يتفاقم بسبب قيام لاعبين إقليميين خارجيين بدفع البلدين إلى معسكرين متعارضين. في مثل هذا السيناريو، ستكون احتمالات نشوب صراعات بالوكالة، إلى جانب زيادة التوترات الطائفية والقبلية، عالية، وهو ما يصعّب التعاون ويزيد من احتمال الصراع.
الخاتمة
تتسم العلاقة بين العراق وسورية في مرحلة ما بعد الأسد بخليط معقّد من المظالم التاريخية والمخاوف الأمنية والفرص الاقتصادية والتحديات الجيوسياسية. لقد غيّر انهيار نظام الأسد وظهور حكومة جديدة في سورية الديناميات الإقليمية، وأثّر في استراتيجيات العراق الدبلوماسية والأمنية. وهناك مجالات محتملة للتعاون، لا سيّما في مجالي التجارة والطاقة، إلا أن كلا البلدين حذران من اصطفافاتهما السياسية الداخلية والخارجية، وهو ما يعقد العلاقات بينهما. إن موقف العراق الحذر، وموازنة علاقاته مع إيران والولايات المتحدة، إلى جانب قلقه من التحديات الأمنية في سورية، يعني أن المسار المستقبلي لعلاقتهما لا يزال غير مؤكد.
التوصيات
المشاركة الدبلوماسية
تعزيز العلاقات الثنائية: ينبغي للعراق وسورية الشروعُ في حوار دبلوماسي منتظم لمعالجة المخاوف الأمنية المتبادلة، لا سيما حالة التشدد والعدائية عبر الحدود وفلول نظام الأسد. إن إنشاء لجنة أمنية مشتركة يمكن أن يكون بمنزلة منصة لحلّ التوترات المستمرة وتعزيز التواصل.
الوساطة الدولية: تشجيع مشاركة جهات دولية محايدة، مثل جامعة الدول العربية، للتوسط في المناقشات بين العراق وسورية، حيث يمكن أن تساعد في تخفيف التوترات الدبلوماسية وتوفير أرضية محايدة للحوار حول القضايا الحساسة، مثل وضع الفصائل الكردية ودور إيران في كلا البلدين.
الشراكات الاقتصادية
التجارة وإعادة الإعمار: ينبغي للعراق أن يضطلع بدور قيادي في تعافي الاقتصاد السوري، من خلال تعزيز الشراكات التجارية والمشاركة في جهود إعادة الإعمار، لا سيّما في قطاعات مثل الطاقة والبنية التحتية والزراعة. إن إنشاء خطوط أنابيب الطاقة وشبكات الكهرباء العابرة للحدود يمكن أن يكون مفيدًا لكلا البلدين، حيث يضمن إمدادات طاقة مستقرة، ويعزز العلاقات الاقتصادية.
الدعم الإنساني: يمكن للعراق إعطاء الأولوية للمبادرات الرامية إلى معالجة الأزمة الإنسانية في سورية، لا سيما المناطق التي يتشارك فيها كلا البلدين أعدادًا كبيرة من اللاجئين. يمكن للجهود المشتركة لتسهيل عودة اللاجئين، بدعم دولي، أن تخفف العبء الاقتصادي على العراق، وتدعم تعافي سورية بعد الصراع.
التعاون الأمني
أمن الحدود ومكافحة الإرهاب: ينبغي لكلا البلدين وضع إطار عمل تعاوني، لإدارة أمن الحدود ومكافحة المنظمات الإرهابية العابرة للحدود، ولا سيما داعش. ويمكن أن يشمل ذلك تسيير دوريات عسكرية مشتركة على طول المناطق الحدودية الرئيسة، ووضع آليات لتبادل المعلومات الاستخبارية لمنع تحرّك الجماعات المتطرفة بين العراق وسورية.
التعامل مع الجماعات المسلّحة: لا تزال فلول نظام الأسد تُشكّل تهديدًا لاستقرار سورية. إن نهجًا منسقًا للقضاء على هذه البقايا يمكن أن يُسهم في استقرار المنطقة. وينبغي للعراق تسليم هذه الجماعات إلى سورية لمحاكمتها، مقابل ضمانات أمنية على طول حدودهما المشتركة، والتزامات من سورية بمنع عودة ظهور أنشطة المتمردين التي قد تُزعزع استقرار العراق.
References
Alaaldin, R. (2023, October 4). Iraq’s Prime Minister Sudani’s tricky balancing act. Middle East Council. https://mecouncil.org/publication/iraqs-prime-minister-sudanis-tricky-balancing-act/
Al-Haj, M. (2025, February 12). A timed bomb and another dysfunctional one: What threat do the “remnants of Assad” pose? Al Jazeera. https://www.aljazeera.net/politics/2025/2/12/%D9%82%D9%86%D8%A8%D9%84%D8%A9-%D9%85%D9%88%D9%82%D9%88%D8%AA%D8%A9-%D9%88%D8%A3%D8%AE%D8%B1%D9%89-%D9%85%D8%B9%D8%B7%D9%88%D8%A8%D8%A9-%D8%A3%D9%8A-%D8%AE%D8%B7%D8%B1-%D8%AA%D8%B4%D9%83%D9%84%D9%87
BBC News. (2006, November 28). Syria and Iraq sign security pact. BBC. http://news.bbc.co.uk/1/hi/world/middle_east/6167968.stm
Calabrese, J. (2025, January 25). Iraq on edge: The regional fallout from Syria’s unraveling. Modern Diplomacy. https://moderndiplomacy.eu/2025/01/25/iraq-on-edge-the-regional-fallout-from-syrias-unraveling/
Dhabian, O. (2025, January 14). Iraqi stance on events in Syria: Between legitimate fears and sectarian rhetoric. The Washington Institute for Near East Policy. https://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/iraqi-stance-events-syria-between-legitimate-fears-and-sectarian-rhetoric
Dukhan, H. (2019). State and tribes in Syria: Informal alliances and conflict patterns. Routledge.
Guneylioglu, M. (2025, January 31). Reconsidering Turkey’s influence on the Syrian conflict. Royal United Services Institute. https://www.rusi.org/explore-our-research/publications/commentary/reconsidering-turkeys-influence-syrian-conflict
Hassan, K. (2025). How Iraq can support post-Assad Syria. Stimson Center. https://www.stimson.org/2025/how-iraq-can-support-post-assad-syria/
Hasan, H., & Khaddour, K. (2021, March 4). The making of the Kurdish frontier: Power, conflict, and governance in the Iraqi-Syrian borderlands. Carnegie Endowment for International Peace. https://carnegieendowment.org/research/2021/03/the-making-of-the-kurdish-frontier-power-conflict-and-governance-in-the-iraqi-syrian-borderlands?lang=en¢er=middle-east
Mansour, I., & Thompson, W. R. (2020). Shocks and rivalries in the Middle East and North Africa. Georgetown University Press.
Menmy, D. T. (2025, February 26). Iraqi security delegation to visit Syria for talks on border security and ISIS threat. The New Arab. https://www.newarab.com/news/iraqi-delegation-visit-syria-border-security-isis-threat
Palani, K. (2025, February 6). Why Kurds in Syria are unlikely to follow the Iraqi Kurdistan path to autonomy. LSE Middle East Centre Blog. https://blogs.lse.ac.uk/mec/2025/02/06/why-kurds-in-syria-are-unlikely-to-follow-the-iraqi-kurdistan-path-to-autonomy/
UNICEF. (2021, March 15). Ten years on, Syrian refugees’ lives in Iraq are growing tougher, and past gains might be lost. UNICEF. https://www.unicef.org/iraq/press-releases/ten-years-syrian-refugees-lives-iraq-are-growing-tougher-and-past-gains-might-be
Uysal, S., & Margolin, D. (2023, June 17). A new era in Iraq’s relations with the West? The Washington Institute for Near East Policy. https://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/new-era-iraqs-relations-west
تحميل الموضوع
مركز حرمون
————————————–
أي شكل للنظام السياسي السوري المقبل؟/ سمير الزبن
لا تملك السلطة الجديدة في سوريا تصوراً لنموذج النظام السياسي المقبل بعد سقوط نظام بشار الأسد، والتصريحات التي أطلقها الرئيس أحمد الشرع، خلال إطلالاته الإعلامية، وحاول فيها طمأنة الخارج والداخل، لا تحمل مضموناً محدّداً حول شكل الدولة، ولا ملامح النظام السياسي المنشود لسوريا الجديدة.
من جهة أخرى، لم تحدّد الإجراءات التي اتخذتها السلطة الجديدة في دمشق، من تعيين الفصائل المسلحة لأحمد الشرع رئيساً للبلاد، وعقد مؤتمر الحوار الوطني المبستر، الإعلان الدستوري الإشكالي، شكلاّ للنظام السياسي المُبتغى. وتجعلنا هذه الإجراءات، رغم المشاكل التي اعترتها، نستبعد تمسك حكام سوريا الجدّد بنموذج الحركات الجهادية، التي تحدثت عن «خلافة إسلامية»، رغم بعض الاجراءات القمعية في الشارع، يمارسها الأمن العام على هذا الأساس، مثل التأكد من صلة قرابة بين شاب وفتاة في الشارع، وإذا لم يكن هناك قرابة، يُعاقب الشاب بالضرب أو الاعتقال، ويُبلغ أهل الفتاة، أو ضرب رجال في الجامع، لأنهم يقيمون مولداً نبوياً، مما يعتبرونه بدعة، كما جرى في حماة. رغم أن عصب الفصائل المسلحة، وعلى رأسها «هيئة تحرير الشام» دعت سابقاً لقيام «خلافة اسلامية»، لا يبدو أن السلطة الجديدة تستهدف ذلك، من دون أن يلغي ذلك أنها تستهدف شكلاً إسلامياً للدستور والدولة.
وبحكم عدم وجود تصور لشكل الدولة لدى السلطة الجديدة، أغرت الرعاية التركية للسلطة الجديدة، بالاعتقاد أن شكل الدولة السورية قد يعتمد النموذج العلماني التركي. وما عزز هذا التقدير، أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، حين كان رئيسا للوزراء، وأثناء زيارته القاهرة في عام 2011 بعد سقوط الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك بفعل ثورة 25 يناير/كانون الثاني، قال: «في تركيا دستور علماني، تقف الدولة من خلاله على مسافة متساوية من جميع الأديان، والعلمانية لا تعني الإلحاد بالتأكيد، وأنصح باعتماد دستور علماني في مصر». أثارت تصريحات أردوغان حينها استياء «الإخوان المسلمين» الساعين للسلطة في مصر حينها، واعتبروا ذلك محاولة لتسويق النموذج التركي في مصر بعد الثورة، وتدخلا في الشأن الداخلي المصري، رافضين هذه التصريحات، وطلبوا من أردوغان عدم التدخل في الشؤون المصرية، رافضين استيراد النماذج من الخارج. لا يجعل هذا التصريح المنفرد من أردوغان والإسلام السياسي الذي يمثله، دعاة للدولة العلمانية كشكل للحكم في البلدان الأخرى. والدولة العلمانية التي طلب من مصر اعتمادها بعد الثورة، من المستبعد أن يطلب من حلفائه حكام سوريا الجدّد اعتمادها. يُعلن الخطاب السياسي المستجد لأحمد الشرع وهيئة تحرير الشام، التي يُفترض أنها حلت نفسها، لكنها فعلياً تحكم عبر صيغة «الأمانة العامة للشؤون السياسية» التي أعلن تأسيسها وزير الخارجية أسعد الشيباني، تحولاً ذاتياً وعميقاً من موقع إلى آخر، بعد الإمساك بالسلطة، ولا أحد ينكر حق القوى السياسية في التحوّل، ولكن التغيرات الشكلية على مستوى لباس القادة الجهاديين، الذي أصبحوا وزراء ومسؤولين في السلطة الجديدة، لا تكفي للاستنتاج أن هؤلاء الجهادين قد غيّروا تفكيرهم بتغيير ملابسهم. ومما لا شك فيه، أن لتركيا أثراً مباشراً على هذه المتغيرات، التي ما زالت على المستوى الشكلي فقط، حتى على مستوى الخطاب السياسي، وهو ليس بعيداً عن الأيادي التركية، التي يبدو أنها تعمل في خلفية المشهد.
من الواضح، التناقض بين خطاب السلطة الجديدة المُطمئن، والسلوك على الأرض. وفي الوقت الذي تسعى التصريحات المرنة لطمأنه الخارج، فإن سلوك السلطة الداخلي هو سلوك استئثاري، فقد وزع أحمد الشرع كل المناصب التي شغرت بعد انهيار النظام وفرار أعوانه على مجموعته، حتى تلك التي تحتاج إلى تكنوقراط، وبعد تشكيل الحكومة الانتقالية جاءت التغيرات شكلية، بإشراك أشخاص لا وزناً سياسياً لهم، باستثناء وزراء الهيئة. والفصائل العسكرية هي التي اجتمعت وعينت الشرع رئيساً لسوريا، وجاء الإعلان الدستوري ليكرس احتكار الرئيس لكل السلطات. وكان أول ما فعلته السلطة الجديدة، انها لم تعترف بأي تشكيل سياسي، وتعاملت مع الجميع كأفراد، و«قسد» هي الجهة الوحيدة التي تعاملت معها على أساس قوة سياسية ووقعت معها اتفاقاً، وكانت مدفوعة لإنجاز سياسي بعد مذابح الساحل السوري، التي أودت بحياة المئات على أيدي فصائل من السلطة ذاتها وممن يؤيدونها. تدير السلطة الجديدة الأوضاع الحالية، للسيطرة المطلقة على الفترة الانتقالية، التي ستستمر لخمس سنوات، كما قرّر الإعلان الدستوري، فلا عمل للقوى السياسية، التي عليها انتظار قانون الأحزاب، ولا إدارة سياسية للمرحلة الانتقالية، سوى رجال الهيئة وبعض التكنوقراط، وبالتالي استمرار السلطة احتكاراً لجهة سياسية واحدة.
تقول كل المؤشرات إنه لن تكون هناك دولة علمانية على الطريقة التركية، ولا ديمقراطية، وهي الكلمة التي تجنبت كل الوثائق التي صدرت عن السلطة الجديدة وتصريحات قادتها، استخدامها، ولم يصدر عن أي مسؤول تركي، تصريح بهذا الشأن، كالتصريح الذي جاء على لسان أردوغان في مصر، ولا تُظهر ممارسات أو تصريحات السلطة الجديدة، أنه ستتم مناقشة دستور دائم ديمقراطي، وبحقوق مواطن وحرية تعبير، أو حرية تشكيل الأحزاب السياسية، وبضمانات دستورية لهذه الحريات، ولانتخابات سياسية تنافسية تقف على مسافة واحدة من الجميع. ما يجري هو إدارة استئثارية لا تُخفي نفسها.
الدستور العلماني على الطريقة التركية، أو المؤسس على الديمقراطية، ليس في الأفق السوري، فالحركة الإسلامية في تركيا، احتاجت لعقود للتكيّف مع معه، الذي فُرض من الأعلى وحماه الجيش منذ تأسيس الجمهورية التركية وإلغاء الخلافة، أي الدستور التركي لم يكن من صنع الحركة الإسلامية في تركيا، بقدر ما تكيّفت معه. في التجربة السورية، هناك القادمون من الحركات الجهادية، والذين كانوا يرون في الديمقراطية والتعددية كفراً لا يمكن التعامل معه، واليوم يريدون التكيّف وعدم معاداة المحيط والعالم، ولكن من المستبعد أن يخرجوا من جلدهم بالمطلق. وهذا ما يجعل شكل الدولة مسألة صراعية، خلال الفترة المقبلة، حيث على المجتمع السوري المنهك والمدمر، أن يجد تعبيراته السياسية والمدنية بأسرع وقت، لتكون شريكا في صياغة شكل النظام السياسي، الذي لا يرسمه أفراد، بقدر ما هو بحاجة إلى قوى سياسية واجتماعية قادرة على التعبير عن نفسها وعن مصالحها، وقادرة على صياغة ما يحمي الحريات والحقوق بوثائق تضمن المستقبل، وألا ستترك صناعة المستقبل لسلطة الأمر الواقع، غير القادرة هذه الفترة بقواها الذاتية على القبض على المجتمع. هناك أمل، ويكبر هذا الأمل كلما استطاع السوريون، ومن الأسفل خلق الهيئات التي تعبر عنهم وعن مصالحهم وعن مستقبلهم.
*كاتب فلسطيني
القدس العربي
——————————–
رسائل من الجزيرة السورية/ بشير البكر
10 مايو 2025
عرب الجزيرة السورية عاتبون على الرئيس أحمد الشرع لأنه لم يخصّهم بخطاب، أو تصريح مفصّل، يقدّم فيه تصوّره لمستقبل منطقتهم، التي تمثل قرابة ثلث مساحة سورية، ومصدر ثرواتها من النفط والغاز والحبوب والقطن. هم يدركون أن زيارته محافظاتهم الثلاث (الرقّة ودير الزور والحسكة) غير ممكنة في الوقت الحاضر، لأنها تحت سلطة الأمر الواقع المتمثلة في قوات سوريا الديموقراطية (قسد). ولكن ليس هناك ما يمنع رئيس الدولة من أن يخاطب ذلك الجزء المنسيّ من شعبه، الذي يعيش في غياب الدولة السورية منذ بداية الثورة عام 2011، وينتظر (بإلحاح) رؤيتها، لا سيّما أن مصير الجزيرة يتقرّر في هذه الفترة على طاولة مباحثات بين ممثّلين عن الحكومة و”قسد”. يريد عرب الجزيرة، بدءاً من أعلى مسؤول في الدولة أو من ينوب عنه، أن يكسر الرئيس حاجز الصمت ويخاطبهم بصراحة عن مآل هذا الجزء الكبير والغني من سورية، سياسياً واقتصادياً، وهم يطالبون بأن تكون لهم كلمة ذات وزن، ودور أساس في القرار وآلية إعمار محافظاتهم ومصير ثرواتها، وهذا يعزّز من موقع الدولة بوجه التدخّلات الأجنبية، التي تعمل على فرض حلول من الخارج.
عرب الجزيرة عاتبون على النُخب ووسائل الإعلام التي تولي عنايةً خاصّةً بمتابعة قضايا أهل الساحل والجنوب، وتنسى أن هناك عدّة ملايين من الشعب السوري تسكن في الجانب الآخر من الخريطة، لا تجد من يتحدّث عن أوضاعها السياسية والاقتصادية الصعبة، والمعاناة التي تعيشها بسبب غياب سلطة الدولة، ما ينعكس على الأحوال المدنية وخدمات الصحّة والتعليم والزراعة، التي تتنظر حلولاً عاجلةً للجفاف الزاحف منذ حوالي ثلاثة عقود. ولا يستثني العتب بقية المحافظات السورية الأخرى، التي تتعامل مع محافظاتهم باعتبارها مصدراً للثروة فقط، وتنسى أنها جزء من البلد يحتاج اليوم إلى الدعم بعد أن قدّم كثيراً من أجل بناء سورية الحديثة. آن الأوان لأن يتم الإقلاع عن النظرة الفوقية لهذه المنطقة، وأن تنال حقّها من معاملة متساوية مع محافظات الداخل على مستوى الخدمات والبنى التحتية.
وتتحمّل نخب الجزيرة السياسية والثقافية قسطاً من المسؤولية عن التقصير الذي نالت منه المنطقة، وما تعانيه من إهمال وتمييز تاريخي يعود إلى زمن سبق قيام الثورة، حينما حوّلها نظام آل الأسد إلى ديار للنهب، بعد أن نجح في تمزيق نسيجها العام، وجعل من نُخبها فئةً من التابعين، اشترى ولاءها بمنافع ذاتيه. ومن المؤسف أنّ هذا الحال المزري لم يتغيّر بعد الثورة وسقوط النظام، إذ لم تتشكّل هيئة عربية واحدة ذات وزن، على غرار تنظيم المكوّن الكردي نفسه، وفرض سيطرته السياسية والأمنية.
عانت الجزيرة خلال فترة الثورة من الإهمال، ولم تتعامل معها الهيئات التي تصدّرت القيادة بنحو يختلف عن النظام، ولم يتم الاهتمام الجاد بمصيرها بعد أن سلّم النظام بعض المناطق إلى حزب العمال الكردستاني، ومن ذلك آبار النفط في منطقة الرميلان. وقد أدت سياسة الفراغ وإشاعة الفوضى إلى انتشار تنظيم “داعش”، الذي أعلن مدينة الرقة عاصمة لدولته المزعومة. ولو أن القيادات العسكرية التابعة للائتلاف تحرّكت لسد الفراغ الذي تركه النظام، لما واجهت المنطقة المصير الذي عرفته بعد ذلك، من نمو قوّة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، ومن ثمّ الحرب الأميركية على الإرهاب، وتشكيل “قسد” في سياق ذلك. والمطلوب اليوم عدم التفريط بهذه المنطقة مرّةً أخرى، والتعامل معها من منظور وطني سوري، وهذا يتطلّب حلّ المسألة الكردية دستورياً بوصفها قضيةً سورية، وليس من خلال عقد صفقة مع حزب العمّال الكردستاني على حساب أهل المنطقة من العرب وبقية المكوّنات.
العربي الجديد
——————————-
اليوم العالمي للعيش معًا بأمان: نحتاج إلى ثقافة السلام/ سوسن جميل حسن
في 16 أيار/ مايو من كل عام، يتم الاحتفال باليوم العالمي للعيش معًا في سلام. وقد أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا اليوم في كانون الأول/ ديسمبر 2017، ويهدف إلى تعزيز السلام والتسامح والاندماج والتفاهم المتبادل والتضامن بين الأفراد والمجتمعات، فضلًا عن تشجيع احترام التنوّع الثقافي والديني، وترى فيه يومًا للاحتفال بالتنوع.
اعتماد هذا اليوم من أجل هذا الهدف يعدّ جزءًا من إطار ميثاق الأمم المتحدة، بما في ذلك المقاصد والمبادئ الواردة فيه، ولا سيما التصميم على إنقاذ الأجيال المقبلة من ويلات الحروب، والإعلان مع برنامج العمل المتعلق بثقافة السلام، هما الإطار العالمي الذي يجب على المجتمع الدولي، ولا سيما منظومة الأمم المتحدة، أن يعزز في إطاره ثقافة السلام واللاعنف لصالح البشرية، ولا سيما الأجيال المقبلة.
هذا اليوم لا يمكن أن يمرّ من دون أن ينبش مكنونات صدور كثير من السوريين، بل صدور كثير من شعوب المنطقة العربية الموّارة بالحروب والصراعات، البعيدة، كل البعد، عن الحياة الآمنة والسلام، حتى بعد صمت السلاح فيها، كما سورية اليوم، فالسلام ليس مجرد غياب الصراع، بل هو عملية إيجابية ودينامية وتشاركية تعزز الحوار وحل الصراعات بروح من التفاهم والتعاون المتبادلين.
وانطلاقًا من رؤيتها لأهمية احترام وفهم تنوع الأديان والثقافات في العالم، و”تفضيل الحوار والتفاوض على المواجهة ومساعدة بعضنا بعضًا”، اتخذت الجمعية العامة قرارات عديدة تندرج في إطار جدول الأعمال حول “ثقافة السلام”، مثل:
القرار A/RES/52/15 المؤرخ في 20 تشرين الثاني/ نوفمبر 1997، الذي أعلن فيه عام 2000 السنة الدولية لثقافة السلام. والقرار A/RES/53/15 المؤرخ في 10 تشرين الثاني/ نوفمبر 1998، الذي أعلنت فيه الفترة 2001-2010 “عقدًا دوليًا لثقافة السلام واللاعنف من أجل أطفال العالم”. ثم القرار A/RES/71/252 المؤرخ في 23 كانون الأول/ ديسمبر 2016 بشأن متابعة الإعلان وبرنامج العمل المتعلقين بثقافة السلام.
يرى كثير من الدارسين والباحثين، في العمل الذي لا يزال يتعين القيام به للحفاظ على السلام واللاعنف، أنه أمر ضروري، ويجب السعي نحو تفعيله وبنائه باستمرار، وهذا هو سبب وجود منظمة الأمم المتحدة التي أنشئت بعد الحرب العالمية الثانية التي تعدّ من أفظع الحروب في التاريخ البشري، بأهداف ومبادئ تهدف في المقام الأول إلى إنقاذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب. ويتمثل أحد هذه الأهداف في تحقيق التعاون الدولي على حل المشاكل الدولية ذات الطابع الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي أو الإنساني وتعزيز وتشجيع احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع من دون تمييز على أساس العرق أو الجنس أو اللغة أو الدين.
هذه الأهداف تشكل منتهى طموح الإنسانية في ما لو تحققت، أو على الأقل تحقق جزءًا كبيرًا منها، لكن الوقائع تشير، كما يشير التاريخ، إلى أن البشرية تعاني باضطراد من الحروب والتمييز والعنصرية وعدم المساواة والظلم وعدم التكافؤ أو غياب العدالة في توزيع الثروات والحقوق، فكيف يمكن لهذه المناسبات أن ترسم عتبات موجّهة في طريق استقرار العالم وازدهار الإنسانية في جو من السلام والأمان؟
إن العيش معا في سلام يشكّل تحديًا عالميًا، ومحليًّا أيضًا في مناطق كثيرة على الجغرافيا البشرية. وفي عالم يزداد تعقيدًا وتشابكًا، يشكل التعايش السلمي بين مختلف المجموعات العرقية والدينية والثقافية مسألة حساسة ودقيقة للسلام والاستقرار. لكن، ومع الأسف، لا تزال الصراعات العرقية والدينية حاضرة بكثافة في العالم ويمكن أن تؤدي إلى العنف والاضطهاد والتهجير أو النفي، وتشكل عائقًا كبيرًا في طريق الاستقرار والنهوض وإعادة بناء الدول والمجتمعات التي تهدمت. وإذا كان هذا اليوم يمثل فرصة لنتذكر أن التنوع الثقافي والديني هو أحد الثوابت في واقع وتاريخ المجتمعات البشرية، وأن السلام والازدهار ممكنان إذا عملنا معًا، فعلينا العمل المستدام من أجل تعزيز هذه الفكرة، وترسيخ هذه الثقافة في أذهان الناس.
يبقى سؤال كيف يمكن “تعزيز العيش معًا في سلام”؟ أحد أهم الأسئلة، وأكثرها إلحاحًا في واقعنا الحالي، وما هي الإجراءات المجدية التي يمكن اتخاذها والقيام بها وضمان فاعليتها حول هذه الغاية؟ في وقت تبدو فيه بعض الإجراءات مستحيلة أمام تمكّن نزعات إقصائية وثأرية وعنفية وعدم اعتراف لدى شرائح واسعة من المجتمع؟
بالنسبة لبلداننا، والبلدان التي تشبهنا في واقعها وصراعاتها وتناقضاتها البينية، لو نظرنا إلى مفهوم “المواطنة” التي تعدّ الضامن الأكبر للعدالة والمساواة بما يخص الحقوق، لرأينا أن هذا المفهوم غائب عن الواقع والتنظير، وغير مفعّل، أو هو مهمل في المجالات التي يمكن ترسيخه فيها مفهومًا وقيمة إنسانية، فتعليم التنوع الثقافي في المدارس والجامعات غائب، والتعليم أداة أساسية لمكافحة التعصب والتمييز وترسيخ القوالب النمطية المعيقة للاستقرار والازدهار، وكذلك تعزيز التفاهم والتسامح المتبادلين. لذلك نرى أن الحوارات بين الأديان والثقافات لتعزيز التفاهم المتبادل واحترام المعتقدات والتقاليد وإيجاد حلول سلمية للصراعات شبه معطّل، أو يقتصر على نخبة تبدو كما لو أنها مفصولة أو منفصلة عن القاعدة، وبالتالي فإن بياناتها وخطاباتها كمن يصرخ في قربة مثقوبة، فكيف إذا كان وضع السياسات لإدماج الأقليات الإثنية والدينية والثقافية في ميادين العمالة والتعليم والصحة والحياة الاجتماعية غائبًا عن اهتمام أصحاب القرار أو الحكومات التي تستلم السلطة وقيادة البلاد، عن قصد أو من دون قصد؟
تعزز المنظمة العامة للأمم المتحدة في مدوناتها وخطاباتها فكرة أنه يمكن للجميع أن يساهموا في هذه القضية من خلال تبني موقف إيجابي تجاه التنوّع الثقافي والديني، واحترام الاختلافات والسعي لفهم الآخر، فهل يمكن، على سبيل المثال، نشر رسائل السلام والتضامن على الشبكات الاجتماعية والمدونات ووسائل الإعلام في وقت يتغول فيه منطق القوة بمنتهى العنجهية والجبروت، حتى إن أصحاب الباع والمتنفذين الفاعلين في إدارة مواقع التواصل والشبكات كلها، يحاصرون أداء رواد هذه المواقع بادعاء انتهاك خصوصيتها أو معاييرها، في الوقت الذي تصوغ فيه هذه القوانين والمعايير بما يخدم أجنداتها؟ هذا ما لمسناه بكثافة ويقين خلال الحرب على غزة على مدى أكثر من ثمانية عشر شهرًا.
وعلى الرغم من أن “العيش معًا في سلام” يحقق كثيرًا من المزايا والفوائد للشعوب والمجتمعات، ومن خلاله يتم تمكين الناس من مختلف الثقافات والأديان من التعايش السلمي، ويعزز التفاهم والتسامح المتبادلين، ما يساعد في احترام التنوع الثقافي والديني الضروري والمهم جدًا للعيش معًا في سلام، إلّا أن كثيرًا من التحديات يمكن أن تبرز في وجه هذا الهدف وتعوق إنجازه، كتمكّن الثقافة العامة والمنظومة القيمية من الوعي الجمعي لدى بعض الجماعات أو الطوائف ضمن المجتمع الواحد وبالتالي بروز التحيز والتمييز في الممارسة تجاه بعضهم بعضًا، بالإضافة إلى الصور النمطية التي ترسم عن هذه المجموعة في وعي المجموعة الأخرى، وتستخدمها أداة وصم أو حكم قيمة أخلاقية تعيّرها به، ويمكن للقوالب النمطية السلبية هذه أن تغذي التوترات بين المجتمعات.
كذلك فإن العنف والصراع بقدر ما هما عقبة أمام العيش معًا في سلام، فهما يعززان التوترات الناجمة عن الاختلافات الثقافية أو الدينية أو السياسية، كما حصل في سورية خلال سنوات الثورة التي انزلقت بسبب العنف إلى حرب كارثية، ويطيلان أمد تأثيرها على السلم الأهلي.
أين هو دور الحكومات والأنظمة وأين دورنا كأفراد؟
هناك العديد من الطرائق لتشجيع “العيش معًا في سلام”، من أهمها التركيز على التنوع الثقافي والديني، وتقديره، وذلك بالاحتفاء بالاختلافات بدلًًا من الخوف منها وتعزيزها كأداة تفرقة وصراع، يمكن للمجتمعات أن تجتمع معًا وتعزز التفاهم المتبادل. هذا لا يتحقق من دون قيام الحكومات بوضع سياسات وبرامج تعزز التنوع الثقافي والديني، ودعم المبادرات المجتمعية لتعزيز العيش معًا في سلام، وأن تكون الحكومات قبل كل شيء منتخبة من الشعب، وحيادية في مواقفها تجاه الشعب، أي أن تقف على مسافة واحدة من جميع مكوناته. وفسح مجال أمام المجتمعات للعمل معا من أجل خلق مساحات للحوار واللقاء، حيث يمكن للناس التعلم من بعضهم بعضًا وتبادل الأفكار، وتشجيع التواصل الذي يعدّ وسيلة مهمة لحل النزاعات سلميًا.
على الصعيد الشخصي، يمكن لكل واحد منا أن يسهم في عالم أكثر أمنًا وينعم أفراده بالسلام من خلال تبني سلوكيات إيجابية. يمكننا جميعًا أن نتعلم أن نكون أكثر تسامحًا، وأن نفهم، ونشجع على فهم الغاية الأولى والأسمى للدين، وهي التشجيع والحث على القيم النبيلة ونقاء الأرواح، والإيمان بضرورة احترام إنسانية الإنسان ونبذ الخلافات والكراهية، وأن نصغي إلى الآخرين وأن نحترم التنوع الثقافي والديني، من خلال العمل معًا، فيمكننا إنشاء عالم أكثر سلامًا وانسجامًا.
يمثل هذا اليوم، السادس عشر من أيار/ مايو، بحمولته الرمزية، فرصة مهمة للتذكير بأهمية الحوار والتسامح والاحترام المتبادل لبناء عالم أكثر سلامًا وانسجامًا، ويفترض أن يدعونا إلى التفكير في مواقفنا وممارساتنا اليومية، وتفعيل حسنا النقدي في ما مارسنا سابقًا من ممارسات، ربما لم تكن على مستوى المسؤولية، والالتزام بمستقبل أفضل، حيث يتم الاحتفال بالتنوع الثقافي والسلام بما هما حقيقة واقعة للجميع. هذه مسؤولية كل فرد ممن ينتمي إلى المستقبل، ويحلم بمجتمع أفراده قادرون على العيش معًا في سلام، من دون حاجة إلى قوة خارجية للحفاظ على تماسك المجتمع، وعلينا ألّا نتشاءم من كون مجتمعاتنا ما زالت إلى اليوم غير اجتماعية فيما بينها، فبناء التاريخ كله لأي شعب أو أمة، متجذر في المؤسسات الاجتماعية بقدر ما هو قائم عليها، ونحن نعيش في هذا العالم، وفي هذه اللحظة التاريخية بفضل حركية المجتمع عبر التاريخ. لذلك من المهم أن يشعر الإنسان بأنه عضو في المجتمع، ومن هذه النقطة ينطلق في تفكيره وأداء واجبه تجاه المجتمع.
ويزداد حجم المسؤولية أمام النخبة الثقافية في تعزيز هذا الدور وهذه المهمة، خاصة بالنسبة إلى الأدب والأدباء، فالأدب لديه القدرة على فك رموز العالم وتوسيع آفاقنا وهز يقينياتنا، ما يجعله ثمينًا للغاية، ومهمًا في بناء أجيال الغد، وتعزيز ثقافة السلام.
التنوع مصدر للمعرفة، والاكتشاف، وبالتالي للإثراء. ومع ذلك، غالبًا ما تكون المواقف المختلفة، والخوف، والرفض، والعداء، وانعدام الثقة، هي المشاعر الطافية على السطح التي تثيرها المواجهة مع الآخرين، من الانسحاب الفردي إلى ظواهر التعصب الجماعية، خاصة في فترات التحولات الكبرى، إذ يولد الخوف من المجهول ردّات فعل عاطفية يمكن أن تؤدي عواقبها إلى أسوأ أشكال العصبية. هذه الحالة السلبية، المعيقة للنهوض والتطور، تتفاقم وتؤثر بشكل أكبر في المجتمعات، لدى الشعوب الخارجة من حروب بينية أضرمت مشاعر الكراهية القائمة على التعصب العرقي أو الطائفي، ويزداد خطرها وتأثيرها في حال تأخر بناء الدولة على أسس حديثة تقوم على المواطنة الفعلية وعلى المؤسسات.
ضفة ثالثة
———————-
عن الإعلام الرسمي السوري: قبل 8 ديسمبر وبعده/ صبري عيسى
في اليوم التالي لانقلاب البعث في 8 آذار/مارس 1963، قام الحزب المستولي على السلطة بالتنكر لخطابه العقائدي، كما كانوا يسمون منطلقاتهم النظرية التي عومتهم كحزب يحمل أيديولوجية محددة بشعاراته، التي كان أعضاؤه يرددونها منذ تأسيسه عام 1947، وهي ثلاثيته الشهيرة التي أطلقها وهي الوحدة والحرية والاشتراكية، مرفقة بالرسالة الخالدة، وكان يتمتع بكل حرية قبل انقلابه أيام حكومات ما قبل عام 1958 واستفاد من أجواء الديمقراطية للتغلغل والانتشار وسط الشباب السوري لنشر رسالته الخالدة، أيام الرجعية السورية كما كان يصفها الرفاق.
في اليوم التالي لانقلاب البعث قامت حكومته بإيقاف كل الصحف الخاصة ومصادرة مطابعها وفرض الحظر السياسي على رؤساء تحريرها وأصحابها، وكل السياسيين في ذلك الوقت، وأسس صحفا موالية له تنطق باسمه وتدافع عن سياساته، واختار لها رؤساء تحرير مارسوا عملهم كرؤساء مخافر، كانت مهمتهم منع انتقاد سياساتهم وحكوماتهم المتعاقبة، وتم تعيين كوادر صحافية من الموالين له، ومعظمهم يفتقد الحرفية المهنية، وبسبب انتهازية البعض وحرصهم على التدرج الوظيفي تحولوا إلى كتبة تقارير بحق زملائهم، واستمرت المسيرة واعتاد الناس على غياب صحافة حرة تنطق باسمهم.
النافذة الوحيدة للراغبين بقراءة الصحف هي الصحافة المقبلة من خارج الحدود، التي كانت تخضع لرقابة مشددة من قبل شرطة وزارة الإعلام، وفي مرات كثيرة كان يتم تمزيق عدة صفحات منها تحمل أخبارا ومقالات تتعارض مع الخطاب الإعلامي الرسمي، وانتهى الحال بإيقاف إدخال هذه الصحف ومنعها من التداول، وعندما بدأ البث التلفزيوني عبر المحطات الأرضية، قامت وزارة الإعلام باستيراد أجهزة تشويش لمنع رؤية المحطات التلفزيونية الأرضية، التي كانت تبث من الدول المجاورة لسوريا. بعد ظهور الأقمار الصناعية، التي تبث النقل التلفزيوني الفضائي، مع انتشار واسع للفضائيات خرج البث التلفزيوني عن التغطية، وأصبح انتشار الأخبار والمعلومات خارج رقابة وزارة الإعلام وسيطرتها على البث التلفزيوني، وبعد انتشار وسائل الاتصال لم يعد لوزارة الاعلام أي دور، خاصة بعد توقف الطباعة الورقية لصحفها الرسمية، التي تحولت إلى صفحات تفشل في منافسة صفحات فيسبوك.
بعد 8 ديسمبر 2024، يوم سقوط نظام بشار الأسد، توقف نشاط وزارة الإعلام وتوقفت محطاتها التلفزيونية عن البث، ودخلت الساحة فضائيات سورية وعربية كانت تبث من الخارج، وتغطي اهتمامات المواطن السوري، الذي أصبح يتلهف على معرفة ما يجري في بلده عبر الفضائيات ومواقع التواصل، التي حولت المتلقي السوري إلى شاهد إثبات يشاهد عبرها بشكل مباشر وقائع كل حدث حتى لو كان شجارا بين اثنين في أي شارع في بلده. تعدد الفضائيات والخطاب الإعلامي لها، يرتبط دائما برؤية الممول لها، سواء كانت دولا أو أفرادا، وأصبحت هناك فضائيات موالية وأخرى معادية، تعتمد الخطاب الإعلامي وفق مصالح مموليها، وأصبح المشاهد السوري حريصا على رؤية أكثر من فضائية للمقارنة ومعرفة حقيقة ما يجري. أصبح النظام الجديد يعتمد في نقل أخباره وإعلان مواقفه السياسية والمحلية عبر فضائيات أخرى، ووسائل تواصل معروفة يثق بها، ولم يؤسس لوسائل إعلام باسمه، وبسبب خياراته في تأسيس حكومته الأولى والثانية واعتماده على الموالين له فقط ممن يثق فيهم في تجربته في حكم إدلب، وقع في فخ اختيار الموالين له، دون أي اعتبار لخبراتهم والمقياس الوحيد كان ثقته بهم فقط، وتم تعيين رؤساء تحرير ومديرين لمؤسساته الإعلامية من لون واحد، لا يملكون الخبرة التي يحتاجها النظام الجديد لتسويق سياساته، ومواقفه للرأي العام السوري والخارجي. وعدنا إلى تكرار ما كان يجري قبل 8 ديسمبر وهي اختيار الموالين ومن يثق فيهم فقط. وهذا ينطبق على وسائل الإعلام من فضائيات وصحف ومواقع إخبارية تلتزم بالخطاب الرسمي.
بقيت معاناة السوريين مستمرة بوتيرة أقل مع انخفاض الأسعار وزيادة ساعات الوصل الكهربائي، والتأخر الطويل في دفع رواتب الموظفين والمتقاعدين، وتدني دخل السوريين أصبح مشكلة مستعصية على الحل، رغم الوعود بزيادة الرواتب، لكن فرحهم بالتخلص من نظام البعث والأسدين تحول إلى أمل بأن سوريا جديدة تولد من جديد، وعلى الجميع دعم النظام الجديد، ولم يشكل غياب الإعلام الرسمي أي نقص في معرفة ما يجري في البلد، وبقي الجميع ينتظر إعلاما جديدا ينطق باسمه ويعبر عن معاناته، لكن التعيينات الجديدة التي أعلنت عنها الحكومة على رأس المؤسسات الإعلامية لم تكن موفقة، لأنها اعتمدت على الآلية التي اعتمدها النظام السابق نفسها وهي الولاء بلا شروط ، وتأتي الخبرات المهنية في آخر اهتمامات أصحاب القرار.
تجربة البث الأولى للإخبارية السورية، كانت مثالا حيا على التخبط في اختيار المهنيين، وكانت تجربة فاشلة لا تختلف في مضمونها وشكلها عن إخبارية نظام الأسد البائد، مع أن هناك خبرات سورية مهمة، سواء داخل البلد أو خارجه وهم يمتلكون الخبرة المهنية، التي أفادت منها صحف وفضائيات عربية ناجحة بامتياز، ودعوتهم إلى المشاركة في التأسيس لإعلام وطني يتصالح مع الناس ويعبر عن معاناتهم ومصلحة الوطن، أصبح ضرورة، وانا متأكد أنهم سيلبون أي نداء بالعودة للعمل في إعلام بلدهم الوطني. توسيع دائرة الثقة بأصحاب الخبرات من غير المحسوبين مباشرة على النظام، وليسوا من أصحاب اللحى الطويلة والقصيرة ضرورة وطنية عاجلة.
صحافي سوري
القدس العربي
——————————
«سي دي» يوثّق الأصوات المعارضة في بلاد الشام 1920-1950/ زهرة مرعي
بأناقة وحُلة جميلة وتنظيم صدر (سي دي) «الأغاني الساخرة: أصوات معارضة من بلاد الشام 1920- 1950». اصدار يجمع بين النص التعريفي التحليلي، وأغنيات تفوق ال70 متاح سماعها عبر Qr code. المختصون المشاركون في دراسة وتحليل الأغنية الساخرة والمسؤولين عن هذه المادة الغنية التي تمثّل مرحلة هامة جداً من تاريخ منطقتنا المعروفة في بلاد الشام هم: ديانا عبّاني مؤرخة اجتماعية وباحثة في التاريخ الترفيهي والثقافي في الشرق الأوسط الحديث. نادر سراج أكاديمي، كاتب، وباحث في التاريخ الاجتماعي للمدن. والأب بديع الحاج متخصص في العلوم الموسيقية، واستاذ في كلية الموسيقى والفنون الأدائية في جامعة الروح القدس الكسليك في لبنان.
الأغنيات الساخرة التي عرِفتها بلاد الشام في المرحلة الممتدة من 1920 إلى 1950 توزعت إلى خمسة أنواع وهي: أغاني الواقع المعيشي. أغاني النضال والهويات. التأثيرات الثقافية والتمدّن. أغاني الحب والعائلة. الأغاني الساخرة والمرأة. وتضمّنت كلٍ من تلك الفئات عناوين الأغنيات المتاح سماعها عبر Qr code. «ليسقط كل ظالم ويحيا الشعب» هو العنوان الذي ظلل فئات الأغنيات الخمس كافة.
وفي المدخل التعريفي الخاص بهذا الإنجاز والذي وقعته الباحثة ديانا عبّاني من خلال عنوان «الموسيقى الساخرة كتعبير عن التحولات التأريخية في بلاد الشام»، انطلقت من سقوط الإمبراطورية العثمانية، وحلول الإنتدابين الفرنسي والبريطاني على بلاد الشام «سوريا، لبنان، فلسطين والأردن» إثر الحرب العالمية الأولى. وجاء في التعريف: شهدت المنطقة تحولات سياسية واجتماعية واقتصادية عميقة بين العشرينيات والأربعينيات. أدت إلى تقسيمها إلى دول جديدة، ورسم حدود سياسية غير مسبوقة. مما ساهم في اعادة تشكيل الواقع الجغرافي والاجتماعي، وفصل المجتمعات التي كانت تتشارك تاريخاً وثقافة واقتصاداً، وخلق شرخ في الهويات الجماعية التي كانت تعتمد على فضاء مشترك. بينما سعت القوى الاستعمارية إلى فرض نظم سياسية تخدم مصالحها، واجهت المجتمعات المحلية تحديات الحفاظ على هوياتها الجماعية أو بناء هوياتها الجماعية، أو بناء هويات جديدة تتكيف مع هذا الواقع الجديد.
من «رواد الأغاني الساخرة والنقدية والوطنية» ذكرت الباحثة ديانا عبّاني شاعر الشعب عمر الزعنّي في بيروت وبلاد الشام. عبّر عن معاناة الناس، وانتقد الإنتداب الفرنسي والفساد والتحولات الإجتماعية الناتجة عنه. وكذلك لور دكاش التي واصلت مسيرتها لاحقاً في القاهرة. وايليا بيضا الذي انتقل إلى الولايات المتحدة في اواخر الأربعينيات. كما برز في بيروت الملحنان محمد وسليم فليفل. والمرتل والملحن متري المرّ. ويوسف ضاهر المنذر الذي عُرف بأداء العتابات الوطنية التي عبّرت عن المشاعر القومية السورية. وحملت اصواتاً مسيسة تعكس هوية الساحل السوري واللبناني الموسيقية والسياسية. وقد سجّل يوسف تاج الاسم الذي عُرف به الزجال المتني يوسف ضاهر المنذر العديد من المواويل والعتابات مع الأميرة عليا المنذر، والدة الفنانين الشهرين اسمهان وفريد الأطرش.
وفي دمشق برز سلامة الأغواني وكان رائداً في تطوير المونولوجات الإجتماعية والسياسية خلال عقدي الثلاثينيات والأربعينيات. وقد تعرّض للإعتقال من قبل الاستعمار الفرنسي. وبرز كذلك في دمشق الملحن عبد الغني الشيخ، لكنه فرّ إلى العراق بعد اصدار الفرنسيين حكماً باعدامه بسبب انتقاده لهم. وفي حلب عُرفت المطربة فيروز ماميش.
وفي فلسطين عُرف نوح ابراهيم الشاعر الشعبي لثورة 1936. اعتقله الاستعمار البريطاني، واصد قراراً بمنع اغنياته واشعاره وذلك سنة 1938 قبل اشهر من استشهاده على يد القوات البريطانية وهو في ال25 من العمر.
هذا وتشير ديانا عبّاني في مقدمتها إلى تمدد هذا الفن نحو بلاد المهجر التي قصدها أهل بلاد الشام.
يُذكر أن المادة البحثية التي وقعها كل من ديانا عبّاني ونادر سراج والأب بديع الحاج مترجمة إلى الفرنسية والإنكليزية.
القدس العربي
——————————-
مخيما النيرب وحندرات: في معنى الأمل بسورية جديدة/ سمر شمة
9 مايو 2025
يحمل المخيم دلالات مؤلمة وقاسية في الذاكرة الفلسطينية، تتراوح بين التشرد والنزوح والغربة والحلم الأبدي بالعودة للوطن، وحتى أيامنا هذه ما زالت المخيمات الفلسطينية في كل مكان تشهد على النكبة التي اقتلعت شعب فلسطين من أرضه على يد العصابات الصهيونية، وعلى الجرائم والمجازر التي ارتُكبت بحقه عبر عقود طويلة.
وفي سورية تحديدًا تعرض الفلسطينيون إلى أوضاع مأساوية وخاصة بعد انطلاق الثورة السورية، وقد كان عددهم حتى آذار/ مارس 2011 يزيد على 570000 فلسطيني مسجلين بحسب وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، يعيش قرابة 48 بالمائة منهم في المخيمات والباقي في المجتمعات والمدن والبلدات السورية. وكشفت إحصاءات رسمية عام 2022 عن أن الذين بقوا في الأراضي السورية حتى ذلك العام بلغ 42000 بعد أن دُمرت مخيماتهم بشكل كلي أو جزئي واستشهد واعتُقل منهم الآلاف بينما بقي مصير أعداد كبيرة مجهولًا مما اضطرهم للنزوح واللجوء وذلك بعد انطلاق الثورة السورية.
عاش الفلسطينيون مع السوريين جنبًا إلى جنب وعملوا في القطاعين العام والخاص وسكنوا في منازل حقيقية وتوزعوا على 12 مخيمًا، تسعة منها رسمية وثلاثة غير رسمية في مختلف المحافظات.
وبعد انطلاق الثورة السورية قرر الفلسطينيون في البداية النأي بالنفس وحماية مخيماتهم من القتل والتدمير والخراب الذي سببه النظام الهارب وذلك لأنهم لا يشكلون قوة كبيرة ويفتقدون مرجعية وطنية ويعيشون انقسامًا حادًا على صعيد القوى السياسية الفلسطينية بخصوص الموقف من الثورة، إضافة إلى الآلام والخذلان والتجارب المريرة السابقة في لبنان والأردن والعراق والكويت التي مروا بها. ولكنهم في الوقت نفسه لم يتخلوا عن تقديم الخدمات الإنسانية والإغاثية من مأوى وطعام ودواء للسوريين في نكبتهم المفجعة. وهذا ما رفضه النظام البائد آنذاك رفضًا قاطعًا وبدأ باستخدام الورقة الفلسطينية – كعادته تاريخيًا – لمصلحته ولمصلحة استمراره في السلطة، وحوّل المخيمات إلى نقاط عسكرية لمهاجمة المدن والقرى الثائرة ونشر قوات الأمن والشبيحة والجيش وبعض الفصائل الفلسطينية التي وقفت إلى جواره فيها.
ارتقى أول شهيد فلسطيني في درعا في 21/3/2011 وهو وسام الغول، وذلك في إحدى المظاهرات السلمية، ثم تبعه آلاف الشهداء والمعتقلين الذين شاركوا في الثورة المدنية والعسكرية، وأسس بعض أبناء المخيمات تشكيلات عسكرية عملت إلى جانب الجيش السوري الحر وانضم بعضهم كأفراد إلى صفوفه. وبسبب احتدام الصراع والحل الأمني العسكري الهمجي للنظام لم تستطع المخيمات الفلسطينية أن تبقى معزولة عما حولها ودخلت على خط الثورة، ولكن تفاعلها لم يكن واحدًا وظلت الحركات الثورية الفلسطينية تسير في بعضها ببطء وصعوبة بالغة كما في مخيمي النيرب وحندرات في حلب.
يُعتبر مخيم النيرب أحد أكبر مخيم رسمي للاجئين الفلسطينيين في سورية والأكثر اكتظاظًا بالسكان، وكان واحة ذات تنوع سياسي وفكري واجتماعي وخرج منه سياسيون ومثقفون وأدباء وعلماء وفنانون. يقع على بعد 13 كم إلى الشرق من مدينة حلب، وبالقرب من مطارها. تم تأسيسه بين عامي 1948-1950 في الثكنات العسكرية التي تم بناؤها من قبل قوات الحلفاء خلال الحرب العالمية الثانية من أجل استيعاب اللاجئين القادمين من شمال فلسطين، الذين وجدوا فيها آنذاك ملجأ لهم وقاموا بتعديلها قدر الإمكان لتصبح صالحة للعيش تلبي احتياجاتهم الأساسية اليومية، في الوقت الذي حاولت “الأونروا” إدخال بعض التحسينات الضرورية على هذه الثكنات لكن الوضع بقي سيئًا لأن البناء قديم وبنيته التحتية معدومة.
يحد المخيم من الشمال مطار حلب الدولي، ومن الشرق قرية النيرب، ومن الجنوب والغرب أراضٍ زراعية تابعة للقرية. بلغ عدد سكانه الذين هُجروا من قرى فلسطين بعد النكبة مباشرة وقبل 2011 حوالي 20000 نسمة، ينحدر معظمهم من الجليل الأعلى: صفد – عكا – حيفا – طبريا ومن الطيرة وترشيحا وغيرها. وسكنت فيه إلى جانب الفلسطينيين عائلات سورية من أصحاب الدخل المحدود والفقراء.
وقد حاولت “الأونروا” عام 2000 تنفيذ مشروع فيه وفي مخيم حندرات يشمل بناء منازل لمئات العائلات وتركيب شبكات للمياه والصرف الصحي والطرق، ولكن الأعمال توقفت بعد 2011.
جعله موقعه القريب من المطار العسكري عرضة للخطر والقذائف والقصف المدفعي والصاروخي، وحوصر المخيم بعد اندلاع الثورة بسنتين لمدة سبعة أشهر مما أدى لمنع وصول الغذاء والدواء إليه، وتحول إلى مسرح لعمليات النظام العسكرية على مدى سنوات طوال، كما تعرض للقصف بالصواريخ والأسلحة المحرمة دوليًا في 24 أيار/ مايو 2019 عندما كانت العائلات مجتمعة لتناول وجبات الإفطار، مما أسفر عن استشهاد العشرات وإصابة أكثر من ثلاثين شخصًا بينهم أطفال على يد النظام المجرم وحلفائه.
ظل الوضع في النيرب متوترًا وخطيرًا حتى ربيع 2020 عندما استعاد الأسد سيطرته على ريف حلب المجاور، ومنذ ذلك الحين شهدت حلب عمومًا والمخيمات خصوصًا تحديات كبيرة تجلت في الفقر والبطالة والنزوح وفقدان الحماية والمخاطر الأمنية الكبيرة.
حاول النظام المخلوع وحلفاؤه من الإيرانيين والميليشيات الطائفية نخر النسيج الاجتماعي في هذا المخيم، واعتقل خيرة شبابه الذين انضموا للثورة، وأجبر الباقين على الهجرة والنزوح والهروب من القصف والموت والتعذيب في سجون ومسالخ الأسد، وساعدته بذلك بعض الجهات الفلسطينية ومنها “لواء القدس” الذي تشكل من 6000 مقاتل 500 منهم فقط من مخيم النيرب وحندرات، وأغلبهم من أصحاب السوابق وصغار السن المُغرر بهم والذين قاموا بنشر المخدرات وتوريط بعض من بقي في المخيم مستغلين حالة الفقر والفاقة التي يعيشونها.
أما المخيم الثاني في حلب فهو مخيم عين التل، ويقع فوق تلة تبعد 13 كم شمال شرق حلب، وسُمي “حندرات” نسبة إلى قرية مجاورة، تأسس عام 1962 ومعظم سكانه من بلدات وقرى الجليل وسهل الحولة وجبل الكرمل الذين نزحوا من شمال فلسطين. كان مسكنًا لحوالي 7000 شخص و300 عائلة من مخيم النيرب جاءت إليه عام 2003.
بعد انطلاق الثورة السورية وفي نيسان/ أبريل 2013 دخلت المعارضة المسلحة إليه، وطالبت سكانه بالنزوح خلال 48 ساعة حفاظًا على حياتهم، وأصبح بعد ذلك مباشرة مسرحًا لمعارك ونزاع مسلح بينها وبين النظام وحلفائه، وبقي كذلك حتى عام 2016، الأمر الذي أدى إلى تدميره وإلحاق أضرار جسيمة به، ورغم ذلك كله وبنهاية 2018 عاد إليه حوالي 90 بالمائة من قاطنيه رغم الدمار والخراب وافتقاده أبسط مقومات الحياة، ورغم التحديات الأمنية والاقتصادية والخدمية الكبيرة فيه، وقد استشهد في هذا المخيم خلال سنوات الثورة أعداد كبيرة من الفلسطينيين واعتُقل منهم المئات.
بعد سقوط النظام البائد في نهاية العام الفائت أعادت “الأونروا” افتتاح مراكز صحية فيه، في حين بقي سكانه يواجهون أزمة بيئية متفاقمة ويتعرضون للقنص أحيانًا من قوات سوريا الديموقراطية “قسد”، ويواجه سكان مخيم النيرب أيضًا ظروفًا مشابهة بعد أن عادوا إليه في محاولات فردية وجماعية لإعادة الإعمار وحل مآسي الفقر والعَوز، وكان هذا المخيم الأول الذي دخلته قوات ردع العدوان بعد تحريرها لحلب بهدوء وسلام وتطمينات لأهاليه وسكانه.
الجدير ذكره أن إعادة الإعمار في هذه المخيمات تتطلب دراسة شاملة قانونية وسياسية وإنسانية واجتماعية، وجهودًا دولية إلى جانب دور “الأونروا” التي تقع على عاتقها تحديات جِسام هي والحكومة الانتقالية السورية والدول المانحة.
تجدر الإشارة إلى أن مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سورية الحقوقية ومقرها في لندن أكدت استشهاد أكثر من 4294 فلسطينيًا واعتقال 3085 منهم 127 امرأة و45 طفلًا وفقدان 333 لم يُعرف مصيرهم وذلك منذ 2011 حتى سقوط النظام.
ترك الإجرام الأسدي دمارًا هائلًا وكوارث إنسانية لا تُحتمل وراء ظهره المثقل بالمجازر والتعذيب الوحشي والفساد والنهب في المخيمات وسورية عمومًا، وهناك أطراف فلسطينية ارتبطت به أثارت الفتن والإشاعات بين السوريين والفلسطينيين، وشاركت في الحل الأمني العسكري الهمجي. ومع ذلك يعود الكثير من سكان مخيمات حلب وغيرها إليها، يرافقهم الأمل بسورية جديدة تؤمن بحقهم في الحياة الكريمة الآمنة، وبالعودة إلى بلادهم لأن المخيمات في النهاية “منفى، وفلسطين هي الوطن”.
مراجع:
– موسوعة المخيمات الفلسطينية،
– بوابة فلسطين.
ضفة ثالثة
————————————
بغداد ـــ دمشق ـــ بيروت: الاستقرار والاستثمار/ مصطفى فحص
9 مايو 2025 م
تنهمك الحكومة العراقية في ترتيباتها لإنجاح مؤتمر القمة العربية المقبل في بغداد، فمن العاصمة وإليها تزدحم المواقف والزوار، وينهمك أصحاب القرار في تثبيت استقرارها من أجل تعزيز الاستثمار؛ هذا الاستثمار المركَّب بين ثنائيات السياسة والاقتصاد، الجغرافيا والثروة، المصدّر والمستورد، أي المنتج بين المصادر والممرات. لذلك، فإنَّ كلاً من الاستقرار السياسي والأمني يفرض نفسه شرطأً مسبقاً لأي استقرار يسبق كلاً من رأس المال العام والخاص في منطقة يعجُّ باطنها بالثروات وجغرافيتها بالأزمات.
تتطلّع بغداد إلى الممرات ببُعد جيواستراتيجي يعزز ارتباط اقتصادها بالعالم، بصفتها الوسيط الحيوي ما بين المنتِج والمستهلك. لذلك، اتجهت نحو دمشق وبيروت بوصفهما ممراً إلزامياً لثرواتها نحو حوض المتوسط والعالم. فالحكومة هنا قدّمت المصلحة على الموقف، متجاوزةً آثار الماضي، ومستندةً إلى براغماتية سياسية تتماشى مع واقع جيوسياسي متغير: إن لم تُدركه يُحاصرها، وإن رفضته يعزلها.
في دمشق، تدرك إدارتها السياسية الجديدة أهمية موقعها الجغرافي بين بغداد وبيروت، وأن ربط السياسة بالمصلحة يمنحها نفوذاً جيوسياسياً ويعيد تأهيلها للعب دور بين الدول التي تحاذيها. فموقعها كدولة ممرات حتمية يعني استثمار الجغرافيا من أجل العبور بسوريا الجديدة نحو الاستقرار، الذي تُقضّ مضاجعه دولٌ منافسة من مصلحتها عدم استقرار سوريا، وإعاقة مصالحها مع جوارها القريب العربي، والبعيد الأوروبي. وهذا ما جعل الرياض أول محطة عربية للرئيس السوري أحمد الشرع، وباريس أول محطة أوروبية، وهما الدولتان المهتمتان برفع العقوبات عن دمشق من أجل تسريع اندماجها السياسي والاقتصادي مع المجتمع الدولي.
تنظر تل أبيب بريبة إلى الحراك السوري، وتُقابله بعنفٍ أشبه بإعلان حرب، وبذرائع جماعاتية تستغلها من أجل تمزيق النسيج الاجتماعي والجغرافي لسوريا. فأحداث الساحل السوري، ومحاولة إشعال الفوضى، إلى الوضع المتوتر في الجنوب والسويداء… قد تكون في ظاهرها أزمة العلاقة بين المركز والأطراف، بين الأغلبية والأقلية… وهنا يبرز واجب الأغلبية في التمسك بالتعددية، وواجب الأقلية في الاندماج في دولة تحفظ حقوق جميع مواطنيها من دون امتياز لأحد على أحد. فتل أبيب ليست حامية لأحد، ولا حليفة إلا لمصالحها. أما باطن الأمر، فإنَّ إعادة تشغيل خط النفط العراقي إلى بانياس، وصولاً إلى طرابلس، أو تفكير دول الخليج بإعادة تشغيل خطوط نقل الطاقة عبر الجنوب السوري -التي توقفت بعد احتلال الجولان- أو بناء خطوط نقل جديدة، يُمثّل ضرراً جيواقتصادياً كبيراً لتل أبيب، ومن هنا تبدو واضحة أسباب حربها على الجغرافيا السورية.
في بيروت، باتت طريق المطار سالكة ذهاباً وإياباً، ومرافئها الجوية والبحرية في كامل جاهزيتها لاستقبال زوارها. فقد نجحت حكومة رئيس الوزراء نواف سلام في تأمين جميع المستلزمات الأمنية والخدماتية من أجل ضمان عودة الأشقاء العرب والأصدقاء إلى لبنان، وهي تستعد سياسياً وإصلاحياً من أجل انتقال اقتصادي، من عناوينه تحويل مرفأي بيروت وطرابلس إلى واجهة بحرية لسوريا والأردن والعراق، من خلال شركات جيواقتصادية بين الدول الثلاث، بدأها سلام في زيارته لدمشق، وتُستكمل في زيارته المرتقبة لبغداد.
يقول رئيس الوزراء العراقي، في مقال نشره أمس (الخميس)، في صحيفة «الشرق الأوسط» بعنوان «قمة بغداد: نحو نهج عربي جديد»: «لكنَّ بغداد، وهي تستقبل القادة العرب، لا ترى في ذلك مجرد اجتماع بروتوكولي، بل تراه علامة فارقة وفرصة تاريخية لتجديد مشروع العمل العربي المشترك، واستعادة زمام المبادرة، وتثبيت موقع العالم العربي كقوة فاعلة لا ساحة تنازع». وعليه، إذا كانت السياسة هي التعبير المكثف للاقتصاد، أو الاقتصاد هو التعبير المكثف للسياسة، ففي الحالتين فإنَّ الاقتصاد ليس مجرد أداة سياسية، بل هو الفاعل القادر على إعادة تشكيل الأولويات السياسية بين الدول بسرعة وثبات.
الشرق الأوسط
—————————-
آلاف الطلبة محرومون من الامتحانات في شمال شرقي سوريا/ شفان إبراهيم
9/5/2025
الحسكة- تحمل الطالبة في الثانوية العامة آرين إبراهيم كُتبها وتقف حائرة أمام أصعب مصير وقرار تعيشه، فالامتحانات تتزامن مع موسم الحصاد الذي ينشغل فيه والدها، ولن يتمكن من مرافقتها إلى دمشق للتقدم للاختبارات، بينما يزداد قلق والدتها عليها بسبب الظروف الأمنية الصعبة هناك، وهو ما يهدد مستقبلها التعليمي.
تقول آرين إنها منذ عامين تواظب وتجتهد في دراستها، وإن والدها أنفق على تعليمها عبر المدارس والدروس الخاصة أكثر من 10 آلاف دولار أميركي، وتضيف للجزيرة نت “أصبحت مشتتة ولا أركز في دراستي، وأتساءل دوما عن سبب كل هذه الإجراءات، ولا أجد جوابا”.
ومع سقوط النظام السوري، سارعت الإدارة الذاتية إلى وضع يدها على كامل المؤسسات والمرافق الحكومية، ومنها مديريات ومدارس الدولة السورية، وتمنع وزارة التربية والتعليم السورية من إجراء امتحانات الشهادتين الإعدادية والثانوية.
الإدارة الذاتية -ذات الأغلبية الكردية- تسيطر على مناطق واسعة في شمال شرقي سوريا (مواقع التواصل)
ضياع الحلم
وذكرت هيئة التربية والتعليم في الإدارة الذاتية -عبر بيان رسمي- أنها عقدت اجتماعا مع وزارة التربية والتعليم برعاية منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، وعُقد اجتماع ثلاثي يومي 13 و14 أبريل/نيسان الماضي للتباحث بشأن آلية سير الامتحانات لطلاب الشهادتين، وتم الاتفاق على ضرورة التنسيق والتعاون المشترك لضمان سير الامتحانات بسلاسة في جميع أنحاء سوريا.
كما اتفق الطرفان على عقد لقاءات دورية، إضافة إلى اجتماع مشترك بين الفرق التقنية لكلا الجانبين، للتوصل إلى رؤية شاملة لتذليل الصعوبات التي يواجهها الطلبة، كتمديد فترة التسجيل، وتحديد مراكز الامتحانات، وضمان تقديمها في مناطقهم.
من جهتها، استثنت وزارة التربية والتعليم السورية طلاب مناطق الإدارة الذاتية في شمال شرقي سوريا من مواعيد التسجيل لامتحانات الشهادتين للعام الدراسي الحالي، وسمحت لطلاب محافظات الحسكة ودير الزور والرقة بالتسجيل بأي محافظة يختارونها، وهو ما يعني عدم التوصل لأيّ حلول واضحة.
وأمام هذا المشهد، اضطر والد آرين للسفر إلى دمشق وتسجيل ابنته لدى مديرية التربية هناك، وقال للجزيرة نت “بت أدرك جيدا فقدان ابنتي شغفها للتحصيل العلمي والتفوُّق، ستتغير الظروف والبيئة والأشخاص من حولها، وأرى أن مستقبلهم غير واضح المعالم”.
وتحلم آرين -حسب والدها- بدراسة الطب البشري ونيل درجة الدكتوراه فيه، “كي تعود للتدريس في جامعة الفرات في الحسكة وعموم سوريا”.
تكاليف وهواجس
ويتحمَّل الآباء وفقا للناشط المدني خالد أمين مبالغ كبيرة لتعليم أبنائهم في ظل وضع اقتصادي خانق ومجاعة، ويقول إن لديه طالبين في الشهادتين الإعدادية والثانوية، وتبلغ المصاريف التعليمية نحو 13 ألف دولار سنويا (5 آلاف دولار للشهادة الإعدادية، و8 آلاف دولار للشهادة الثانوية).
ويضيف للجزيرة نت “بعد كل هذه المصاريف اضطر الأهالي لسحب أوراق أبنائهم من المدارس والتوجه لتقديم امتحانات دراسة حرة في محافظات مثل حلب وحمص ودمشق، وبالتالي تكبد مصاريف إضافية لا تقل عن ألف دولار، فضلا عن عامل الخوف بسبب خطاب الكراهية المتنامي”.
ويتابع “لا أرغب في التعميم ولا يصح أساسا، لكن بعض الموظفين في إحدى دوائر الامتحانات خارج الحسكة كانوا يتهامسون: لماذا نقبل الطلبة الأكراد لدينا؟ وهي رسالة خطيرة لم نعهدها في بلادنا ونخشى منها كثيرا”.
وفي المقابل، انتقد كادرا حجي، من أهالي سري كانيه، الوضع قائلا للجزيرة نت “أبناؤنا يتعلمون لدى الإدارة الذاتية من دون أي اعتراف أو مستقبل، بينما يرسل المسؤولون لدينا أبناءهم لمدارس وجامعات الدولة ويؤمنون مستقبلهم، ندعو للمساواة في كل شيء، ولذا أنا مع القرار”.
من جانبها، قالت المرشدة التربوية المنحدرة من الحسكة مرام كورية إن “طلاب الشهادات يعانون عادة من توتر وخوف من رهبة الامتحانات، أما المحرومون من تقديمها في مناطقهم فيعيشون التوتر الحاد، والإحباط، والقلق الوجودي”.
وأضافت للجزيرة نت أن هؤلاء الطلاب يمرّون بما يُعرف في علم النفس “بالصدمة التعليمية”، حيث “يُجبر الطالب على مواجهة واقع يتناقض مع جهوده الطويلة وتطلعاته المستقبلية، مما يولد شعورا بالعجز وفقدان السيطرة”، وقد يؤدي ذلك إلى عزوف بعض الطلاب عن متابعة تحصيلهم العلمي.
وحول خيار الأهالي بالهجرة المؤقتة للداخل السوري لتقديم الامتحانات وما يعتريها من مخاطر، يرى الناشط خالد أمين أن سياسات نظام الأسد مزَّقت سوريا لطوائف، وأوجدت بين أهلها الريبة والخوف والتخوين، مما خلق رعبا من السفر لباقي المحافظات، “ليأتي رفض الإدارة الذاتية إجراء الامتحانات في الحسكة والقامشلي وكأنه مقايضة للاعتراف السياسي بها، ليُجهز على آمال الطلاب بنيل مستقبل تعليمي آمن”، حسب قوله.
تسييس التعليم
من جهته، ينتقد الأكاديمي السابق فريد سعدون تحويل الامتحانات لمعضلة وقضية اجتماعية، ويقول للجزيرة نت “باتت تشكل خطرا واضحا على التماسك المجتمعي”، حسب قوله.
ويتحدث سعدون عن سياق التعليم قبل سقوط النظام بتأكيده أن الإدارة الذاتية كانت تضع جملة من العراقيل لمنع التعليم في مدارس الدولة، لكن النظام السابق خصص جزءا من مربعاته الأمنية في الحسكة والقامشلي للمدارس واستيعاب الطلاب لمتابعة التعليم.
ويضيف “حاليا بعد انهيار النظام البائد وسقوطه لم تعد هناك أيّ مربعات أمنية، وسيطرت الإدارة الذاتية على كامل المنطقة، بما فيها المدارس والمراكز التربوية”.
وعدد الناشط خالد أمين الآثار الجانبية لهذا القرار قائلا “انقسم الملف التعليمي في شمال شرقي سوريا إلى الشائك والعام والداخلي من حيث تعدد المناهج وثنائية القرار التربوي، ثم تحول لعامل خارجي نتيجة الهجرة لخارج الوطن لضمان مستقبل الأبناء التعليمي، وتحمل الأهالي كافة الأعباء لحصول أبنائهم على تعليم ذي مستقبل ومعترف به، كل ذلك قبل سقوط النظام السوري”.
لكن حاليا -يضيف أمين- “تسعى الإدارة الذاتية للاستثمار في الطالب والمنهاج والتعليم، وتريد الاعتراف بمناهجها الفاقدة لمعايير التعليم، والغريب أنها تتجاهل مصير الخريجين لديها ولم توفر لهم فرصا للعمل”.
وتواصلت الجزيرة نت مع مصادر من هيئة التربية والتعليم في الإدارة الذاتية ووزارة التربية السورية من دون الحصول على إجابات واضحة أو الخوض في التفاصيل، واكتفوا بالقول “مستعدون لإنجاح العملية الامتحانية”.
لكن مصادر خاصة بالجزيرة نت، قالت إن الإدارة الذاتية تسعى لاستغلال ورقة الامتحانات للحصول على مكاسب سياسية، في حين تصر وزارة التربية والتعليم على إشرافها الكامل على كل التفاصيل، أو “لن تجري الامتحانات”.
لا حلول
وهو ما أكده الأكاديمي فريد سعدون بقوله للجزيرة نت إن محاولاته بالتواصل مع مسؤولين كبار في وزارة التربية والتعليم السورية والإدارة الذاتية لتذليل العقبات وإيجاد حل، ولو لهذه السنة، فشلت بسبب تعنت الطرفين، وسعي كل منهما لفرض شروطه مقابل إنجاز الامتحانات.
ويتابع “الإدارة الذاتية تشترط الاعتراف بمناهجها ومدارسها وجامعاتها، بينما تريد الدولة فرض سيطرتها ومراقبتها على الامتحانات، لتحقيق شروط النزاهة والموضوعية”
ويؤكد سعدون أنه ورغم اللقاءات الكثيرة بينهما لم تتلاق شروط الطرفين في نقطة واحدة، مما سينعكس سلبا على المجتمع، “واحتمالية عدم تمكن الآلاف من التقدم للامتحانات، بسبب ضعف الإمكانات المالية لدى الأغلبية، وبالتالي حرمانهم من التسجيل الجامعي للعام المقبل”.
ويرى سعدون أن الحل يكمن في “تحييد” التعليم عن السياسة، وترك حرية اختيار المنهاج والامتحانات للطالب، وتقديم كافة التسهيلات لنجاح أيّ امتحانات، ودعا الدولة السورية للتفكير في وضع مقترح للاعتراف بمناهج الإدارة الذاتية ومدارسها وجامعاتها بعد إجراء التغييرات المطلوبة وفق المقاييس العلمية.
ويبلغ عدد طلبة الشهادتين الإعدادية والثانوية في محافظة الحسكة نحو 30 ألف طالب وطالبة، ورغم تظاهر الأهالي أمام المؤسسات الدولية فإنه لا حلول في الأفق.
الجزيرة
———————————–
كيف ستؤثر مبادرة قطر لتمويل رواتب الموظفين على اقتصاد سوريا؟/ شام السبسبي
10/5/2025
دمشق – في تطور اقتصادي وسياسي لافت، تقدّمت دولة قطر بمبادرة لتغطية رواتب القطاع العام في سوريا، في خطوة اعتبر مراقبون أنها نقطة تحوّل في مسار تعافي الاقتصاد السوري بعد عقود من الفساد و14 عامًا من الصراع المتواصل.
وتُعد المبادرة القطرية أول ضخّ مالي خارجي مباشر لصالح الحكومة السورية الجديدة، في ظل ظروف مالية حرجة تشهدها البلاد، وتدهور كبير في مستوى الرواتب والخدمات العامة.
وأعلن وزير المالية السوري محمد يسر برنية عن تفاصيل المنحة، موضحًا أنها تبلغ 29 مليون دولار شهريًا، وتمتد لثلاثة أشهر قابلة للتمديد.
وأضاف أن هذه المنحة مخصصة لتغطية جزء من فاتورة الأجور والرواتب في القطاع العام.
وأوضح برنية، في تصريح لوكالة “سانا”، أن المنحة ستُصرف للعاملين في قطاعات الصحة والتعليم والشؤون الاجتماعية، بالإضافة إلى المتقاعدين من غير العسكريين، كما أنها ستغطي نحو خمس إجمالي فاتورة الرواتب الحالية.
وأشار الوزير إلى أن إدارة هذه المنحة ستُنفذ من خلال برنامج الأمم المتحدة الإنمائي “يو إن دي بي” (UNDP).
بعد إستراتيجي
واعتبر الباحث في الشأن السياسي السوري مصطفى النعيمي أن هذه المنحة تمثل “بوابة لمنح مماثلة قد تُقدّم للدولة السورية الجديدة”، بما يسهم في التخفيف من معاناة الشعب السوري، ويُمهّد لعودة سوريا إلى محيطها العربي تدريجيا.
وأكد أن هذه الخطوة ليست مجرد دعم مالي، بل تمثل بعدًا إستراتيجيا يسعى لتحريك عجلة الاقتصاد في مختلف القطاعات.
مدخل مصرف سوريا المركزي_ الجزيرة نت_
الرواتب المدعومة تعيد شيئا من الثقة إلى المؤسسات الحكومية (الجزيرة)
وأشار النعيمي، في حديث للجزيرة نت، إلى أن الدور القطري كان فاعلا وإيجابيا خلال مرحلتي الثورة وإعادة بناء الدولة، معتبرًا أن إنقاذ سوريا في مرحلة ما بعد حقبة الأسد المظلمة يمثل هدفا مشتركًا على المستويين العربي والدولي.
ورأى أن هذه المبادرة القطرية قد تكون بداية لتحرك عربي وإقليمي أوسع باتجاه دعم سوريا، خاصة في ظل التطورات الأخيرة التي تشمل الرفع الجزئي الأميركي للقيود على التحويلات المالية، مما يمكن أن يمهد تدريجيا لرفع العقوبات بعد منح بعض الدول إعفاءات محددة، كما رأى أن هذه الخطوات قد توفر أرضية حقيقية لانفتاح اقتصادي أوسع نحو سوريا.
انعكاسات اقتصادية محتملة
من جانبه، يرى الخبير الاقتصادي السوري فراس شعبو أن هذه المنحة تمثل تدخلًا ماليا له آثار محتملة يمكن تلخيصها فيما يلي:
تحقيق قدر من الاستقرار المالي المؤقت.
تمكين الحكومة من إجراء إصلاحات إدارية في القطاعات المستهدفة.
السماح بإعادة توجيه جزء من الموازنة نحو مشاريع إنتاجية تحسن الواقع المعيشي والخدمي.
تخفيف الضغط عن الموازنة العامة المنهكة نتيجة ضعف الإيرادات وانكماش القاعدة الضريبية.
وأضاف شعبو، في حديثه للجزيرة نت، أن المنحة تمثل إشارة إيجابية على استعداد بعض الدول لتقديم منح مالية أكبر مستقبلًا، شرط توفر الشفافية واعتماد أسس الحوكمة الرشيدة في إدارة الأموال.
من جهته، اعتبر الخبير الاقتصادي يونس الكريم أن ضخ كتلة نقدية بهذا الحجم من شأنه أن يؤدي إلى زيادة الطلب على السلع الأساسية، مما قد يدفع نحو ارتفاع الأسعار، لا سيما مع استمرار ضعف السيولة العامة وعدم توفر مرونة في العرض.
واستبعد الكريم أن يكون لهذه المنحة أثر كبير على سعر صرف الليرة السورية، مستندًا إلى جملة من الأسباب، من بينها:
وجود سياسات تقيّد حركة السيولة لدى التجار.
عدم وجود توسع في الطلب على الدولار لغايات تمويل الاستيراد.
تحديد سعر الصرف يتم من قبل المصرف المركزي وليس وفق آليات السوق، مما يحدّ من تأثره بالتغيّرات المرحلية.
محدودية مبلغ المنحة مقارنة باحتياجات السوق السورية.
لكنه في المقابل، أكد أن هذه المنحة تمثل مؤشرًا معنويا إيجابيا على تحرك عربي لدعم الشعب السوري، وقد يُحسن هذا الانطباع من قيمة الليرة في السوق.
أثر متوقع على قطاعات حيوية
أشار فراس شعبو إلى أن المنحة يمكن أن تُستخدم لتحسين قطاعات حكومية مثل التعليم والصحة طالما أنها تخفف العبء عن الموازنة العامة، لكنه شدد في الوقت ذاته على أن الأثر يبقى مرهونًا بأداء الحكومة في تنفيذ برامج فعالة.
أما يونس الكريم، فرأى أن الأثر على التعليم قد يكون غير مباشر من خلال رفع رواتب المعلمين أو أولياء الأمور، مما قد يدفعهم لتعديل خططهم تجاه تعليم أبنائهم.
وأشار إلى أن دعم الجهاز التعليمي يمكن أن يسهم في الحد من تسرب المعلمين من القطاع العام نتيجة الضغوط المعيشية وغياب الحوافز.
واختتم الكريم حديثه للجزيرة نت بالإشارة إلى وجود نحو 900 ألف موظف حاليا في سوريا بعد موجات فصل واسعة، إلى جانب جهاز استشاري غير معروف الحجم، وموظفين قادمين من إدلب يتقاضون رواتبهم بالدولار، مما يجعل من الصعب تحديد الأثر الدقيق للمنحة.
قطر.. دعم متواصل في مرحلة ما بعد الأسد
شهدت الأشهر الأخيرة سلسلة من المبادرات القطرية التي تهدف إلى دعم ومساندة الشعب السوري في مرحلة ما بعد سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر/كانون الماضي الماضي. فإلى جانب الأنشطة الإغاثية، بادرت دولة قطر إلى تقديم مبادرات لتحسين الواقع الاقتصادي والخدمي في البلاد.
وكان من أبرز هذه المبادرات الشراكةُ القطرية مع تركيا في إعادة تأهيل المطارات السورية فور تولي حكومة تصريف الأعمال إدارة البلاد، وذلك ضمن خطة شاملة لإعادة بناء البنية التحتية للنقل الجوي التي تضررت بشدة خلال سنوات الحرب.
وفي مارس/آذار الماضي بدأت دولة قطر في تقديم إمدادات من الغاز الطبيعي إلى سوريا عبر الأراضي الأردنية، في خطوة تهدف إلى معالجة النقص الحاد في الكهرباء وتحسين أداء البنية التحتية للطاقة.
كما قامت قطر، بالتعاون مع المملكة العربية السعودية، في أبريل/نيسان الماضي بتسوية متأخرات سوريا لدى البنك الدولي والبالغة نحو 15 مليون دولار، مما أتاح للمؤسسة المالية الدولية استئناف تقديم المنح والمساعدات لسوريا بعد انقطاع دام لأكثر من 14 عامًا.
المصدر : الجزيرة
——————————–
4 استراتيجيات حاسمة يحكم بها الشرع/ عبد الرحمن الحاج
10/5/2025
ما إن انتهت الترتيبات الأساسية لحكومة الشرع حتى بدأت تظهر إلى السطح تحديات جديدة لها تضاف إلى التحديات التي ظهرت منذ اللحظات الأولى، متمثلة في التمرّد الفاشل في الساحل الذي قام به فلول النظام يوم 6 مارس/ آذار 2025، وتداعياته التي عرفت بأحداث الساحل، ثم تنسيق بين أطراف سورية أخرى شرق وجنوب سورية تسعى لإضعاف الحكومة المركزية مع دول تسعى لزعزعة الحكم، وأخيرًا بناء مؤسسات الجيش واحتواء القوى العسكرية الثورية المشاركة في عملية ردع العدوان.
وبعد مرور نحو خمسة أشهر على سقوط النظام ومن السعي الدؤوب مع الحلفاء الإقليميين والدوليين لا يزال موضوع الاقتصاد يراوح مكانه، والعقوبات الأميركية المعيقة ما زالت باقية، وما خفف منها لم تظهر آثاره بعد، وكان على الشرع أن يتبنّى إستراتيجية فعالة لمواجهة تلك التحديات.
بناء القوة من خلال السلام
في البداية استند الرئيس الشرع في مواجهة تلك التحديات إلى مبادئ أساسية لا تمثل إستراتيجية متكاملة، إلا أنها أخذت تتبلور مع الوقت وتسارع الأحداث، حتى أصبح بالإمكان النظر إليها كإستراتيجية واضحة المعالم، وبالتزامن مع نضوج هذه الإستراتيجية، يمكن ملاحظة أن ملامح الشخصية العسكرية المتسلحة بالقوة والتي ظهرت خلال معركة ردع العدوان أخذت بالتواري منذ اليوم الأول لصالح شخصية رجل الدولة.
لقد لاحظ الشرع بشيء من الواقعية أن مزيدًا من الحرب لن يؤدي إلى السلام بالضرورة، بل إلى تأجيل بناء الدولة، بل واحتمال انهيارها، وأن اللحظة التي أحدثها التغيير يجب ألا تنفد قبل استغلالها كاملة لاستعادة الدولة وعلاقاتها الدولية، وتنظيف البيئة المحلية والإقليمية المسمومة التي تسببت بها سياسات النظام السابق، إذا ما أراد تحقيق تقدم في استقرار الدولة، واستعادة مكانتها في المجتمع الدولي.
وجد الشرع كذلك أن الاستناد إلى السلام هو المدخل لبناء القوة، وأن استخدام المزيد من القوة لبناء الدولة سيكون بمنزلة تحطيم ما تبقى من القوة فيها، فقرر استخدام السلام وتصفير المشاكل إلى الحدود القصوى؛ باعتبار ذلك أنسب طريق لاستقرار الدولة وإعادة التموضع في العلاقات الخارجية.
هكذا بدأ سريعًا بالتحرك بالاستعانة بالحلفاء، لإنشاء علاقات دولية جديدة والتعريف بهُوية الحكم الجديد وسياساته العامة، آخذًا بالحسبان تهدئة المخاوف الناشئة عن الخلفية الأيديولوجية، وبالتزامن أخذ يرسل رسائل إلى كافة الدول المعني بها، عبر التصريحات ووسائل الإعلام، وقد نجح في تقديم ذلك، وفاجأ الجميع بالانفتاح والرغبة في بناء سوريا المستقرة، ومنْع أن تكون منطلقًا للهجمات أو الإضرار بالدول الأخرى، والتركيز على المستقبل والتنمية بدل الماضي، وأظهر عقلانية واعتدالًا على غير المتوقع.
الاستناد إلى نفوذ الحلفاء
عكس الشرع جميع السياسات الخارجية التي طبقها بشار الأسد، ونجح في تسويق صورة عن سوريا جديدة يطمح الجميع أن يكون مثلها، ولكن ذلك ما كان ليتحقق بسرعة كبيرة لولا مساعدة الحلفاء.
فالواقع أن الشرع استند إلى ثلاث دول رئيسية معنية أكثر من غيرها بتحقيق الاستقرار في سوريا، وتثبيت نتائج التحول الرئيسية المتمثلة في طرد الإيرانيين من سوريا، ووقف تدفق السلاح إلى حزب الله، وإنهاء التهديد الدولي المتمثل في صناعة وتصدير الكبتاغون إلى دول الإقليم والعالم، وتفكيك شبكاته، وإنهاء أزمات المنطقة التي تحول دون تنميتها، وفتح أفق جديد لها، هذه الدول التي استند لها هي: تركيا، والسعودية، وقطر.
كانت دول المنطقة قد تلقت خبر سقوط النظام وصعود الحكم الجديد بحذر ملحوظ، باستثناء تركيا وقطر، وأدرك الشرع منذ اللحظة الأولى الحاجة إلى حامل عربي مكافئ للحامل الإقليمي التركي.
كانت تركيا أول دولة أرسلت مسؤولًا رفيعًا إلى دمشق في الأيام الأولى لسقوط النظام، كان هذا أمرًا مفهومًا، فقد كانت تركيا حليفة للمعارضة وحاضنة لها في سنوات الثورة الأربع عشرة، ولكن التخلص من إرث نظام الأسد وتصفير المشاكل يتطلب احتضانًا عربيًا يتيح من جهة فرصة للتكافؤ والتوازن الإقليمي بين الشمال والجنوب، وفي نفس الوقت يكون بوابة للاحتضان العربي الشامل، وأساسًا لتبديد المخاوف، وهو أمر سيجنّب البلاد تكلفة نشوء سياسة المحاور والاستقطاب.
ساعدت تركيا وقطر في التمهيد لعلاقة جديدة مع المملكة، وفي الوقت نفسه أظهر الشرع وفريقه رغبة كبيرة بالعلاقة مع المملكة السعودية، وأرسل بالتزامن رسائل عديدة وتصريحات مختلفة تهدف للتأكيد على أن دمشق تسعى لعلاقات استثنائية مع المملكة، ولم يأخذ الأمر وقتًا طويلًا حتى استضاف ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الشرع وبدأت مرحلة جديدة.
ومع يقين المملكة بأن احتضان الحكم في دمشق في مصلحتها ومصلحة المنطقة لم تتردد في تقديم الدعم السياسي والمالي اللازم لإعادة سوريا إلى العالم، ورفع العقوبات المطبقة عليها بسبب سياسات الأسد القمعية في سنوات الثورة.
مع إعادة التموضع السوري في العلاقات الدولية، وتوسع الاحتضان العربي والأوروبي، وتزايد الاهتمام بترسيخ الاستقرار في سوريا لتعزيز نتائج التغيير الحاصل في الحكم، صارت الأرضية مواتية للعمل على رفع العقوبات بالتعاون والاستناد إلى الحلفاء، وقد تمّ بالفعل رفع معظم العقوبات الأوروبية، أو تجميدها أو تخفيفها، وبقيت العقوبات الأميركية تشكل العقبة الرئيسية.
ولا تزال الحكومة تعمل مستعينة بكل أوراقها وعلاقاتها الدولية الجديدة من أجل إزالة العقوبات الرئيسية منها، وبشكل خاص المتعلقة بالبنك المركزي ونظام سويفت للتحويلات المالية، وتفكيك المقاربة الأميركية الحذرة والمتأثرة بالمقاربة الإسرائيلية في التعامل مع الحكم الجديد بدمشق.
الاستناد إلى شرعية الثورة
على الرغم من أن علاقة هيئة تحرير الشام بالثورة السورية شهدت تطورات وعلى مراحل مختلفة، فإنها في نهاية المطاف تبنَّت علم الثورة بينما كانت تعد وتخطط لعملية ردع العدوان التي أنهت نظام الأسد.
وحين انتصرت قوات قيادة العمليات العسكرية، كان الشرع بحاجة لتوسيع القاعدة الاجتماعية لتوطين الحكم الجديد، ولم يكن هذا ممكنًا دون أن يتم نسبة النصر إلى تراكم طويل من النضال منذ أول يوم لاندلاع الثورة في 2011، وليس إلى هيئة تحرير الشام وحسب، وقد فعل ذلك، وصار الخطاب السياسي يقرّ ويؤكد بكل الطرق وفي كل المناسبات على هذه المرجعية للشرعية.
لكن بقدر ما ستسمح هذه الشرعية المستمدة من نضال السوريين وكفاحهم في الاستقرار ومساندة الحكم والعمل على استقراره وتعزيز السلام، بقدر ما سترفع الطموحات إلى مستوى تحقيق تطلعات السوريين من الثورة، وفي شكل أكثر تحديدًا إنشاء نظام سياسي ديمقراطي تعددي يحترم الحريات الشخصية والعامة، ويحافظ على الكرامة الإنسانية لمواطنيه.
وهو أمر سيقود إلى مؤتمر للحوار الوطني، ثم إعلان دستوري، ثم تشكيل حكومة انتقالية تعكس تنوّع المجتمع السوري، ومن الواضح أن إرضاء المجتمع السوري وأخذ تطلعاته بجدية حتى الآن عزز القاعدة الاجتماعية للحكم، وجعل معظم المناطق السورية مستقرة وداعمة للحكومة المركزية في دمشق.
مواجهة التقسيم والتمرّد
استخدم الشرع تكتيكًا مستمدًا من السيرة النبوية الشريفة، حين فتح النبي (صلى الله عليه وسلم) مكة عفا عن أعدائه إذا تركوا سلاحهم ودخلوا بيوتهم، فأعلن الشرع عند دخول دمشق أن الحكم الجديد سيتعامل بالعفو عن جميع منتسبي قوات الجيش والأمن السابقين باستثناء مرتكبي المجازر والجرائم ومن تلطخت أيديهم بدماء السوريين، أراد تغليب مصلحة الدولة على الانتقام، وتحقيق السلام على العقاب، ولكن أحداث الساحل ومحاولة التمرد المسلحة من فلول النظام أجبرت الحكومة في دمشق على استخدام القوة، ووقوع ضحايا، كان هذا هو الاستثناء الوحيد.
أراد الشرع رأب الصدع بالتفاوض واستخدام كل عناصر القوة لكن دون الدخول في صراع مسلح، فاتبع إستراتيجية تفاوض معقدة مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) الكردية التي أنشأت الإدارة الذاتية شمال شرق سوريا، مستفيدًا من تقاطع المصالح بين الولايات المتحدة، وتركيا، واستقرار المنطقة، وتضييق خيارات قيادة القوات مع الإعلان الأميركي عن نيّة الانسحاب العسكري من شرق الفرات، ورغبة الجيش التركي بعملية عسكرية حاسمة، فانتهى الأمر بلقاء تفاوضي مباشر سهّله الأميركيون، ثم توقيع اتفاق مشترك بناء على قاعدة سلطة سياسية مركزية في دمشق، ودمج قوات قسد العسكرية داخل الجيش، وُقع الاتفاق بإشراف أميركي، وهو في طريقه للتنفيذ.
وبطبيعة الحال يواجه بعض الصعوبات من قبل قيادات قسد؛ لأنه يعني فعليًا تفكيك مشروعهم، ومحاولات عرقلته من قبل أطراف أخرى تأمل بتدخل دولي جديد، ودور روسي يساند في إضعاف الحكم المركزي وإنشاء حكم لا مركزي سيمهّد بالضرورة للانفصال.
الأمر نفسه جرى في الجنوب، حيث سعى أحد رؤساء مشيخة العقل في السويداء إلى عرقلة استقرار الدولة وبسط سيطرتها على المحافظة والتواصل مع الإسرائيليين، إلا أن الشرع حافظ على مد العلاقة مع أطراف مختلفة، مؤيدة للحكومة المركزية في دمشق، واحتواء الأنشطة الهادفة إلى زعزعة الاستقرار وإفشال السيطرة الحكومية، فاتبع نهج النفس الطويل، وضبط ردود الأفعال والتصريحات، وأظهر سياسة ضبط النفس طويلة المدى.
وبالرغم من حدوث بعض الاشتباكات في منطقة جرمانا في محيط العاصمة مع مليشيات تتبع الشيخ الهجري، فإنها سرعان ما تنتهي باتفاق لإعادة الأمن.
وساهمت التصريحات الإسرائيلية المتكررة عن حماية إسرائيلية لدروز سوريا وقصف أماكن تابعة للقوات الحكومية لدعم مقاتلي جرمانا، في توسع القاعدة الاجتماعية الداعمة للشيخ الهجري ومشروعه في إضعاف الدولة، وإنشاء حكم ذاتي في السويداء موالٍ للإسرائيليين ومدعوم منهم.
استخدم الشرع الإستراتيجية نفسها في بناء مؤسسات الدولة، حيث تم تطبيق العزل السياسي في الحدود الدنيا، واستيعاب كوادر النظام في منظومة الحكم الجديد، وفي الوقت نفسه سعى لبناء مؤسسة الجيش على أساس الاحتواء وتوزيع المكاسب في مقايضة السلاح وبناء الجيش، الذي سيستغرق منه وقتًا طويلًا بعض الشيء، إذ من غير الممكن أن يتم بناء جيش من الصفر في وقت قصير.
ثم عمل على استيعاب المنشقين السابقين مجددًا في قوات الجيش، واستطاع بذلك منع اقتتال داخلي محتمل، وضمان حرص الجميع على استقرار الدولة، صحيح أن عمليات الإدماج الكاملة في الجيش للفصائل لا تزال بطيئة وفي بدايتها، لكن توفير التمويل والسلاح العسكري الإستراتيجي أمر ضروري.
في المآلات
لا يزال الرئيس الشرع يظهر التزامًا بالإستراتيجية التي اتّبعها، وقد حقّقت حتى الآن نجاحات في مختلف الصعد، هذه الإستراتيجية غير المألوفة والمرغوبة في آن معًا في سوريا ساعدت في الإمساك بزمام الأمور في العلاقات الدولية، وساهمت في الحد من التدخل الإسرائيلي الذي حاول الإسرائيليون استخدامه للضغط على دمشق، وعدم الانجرار إلى مواجهة مبكرة معها، وساعد في منح الشرع فرصة لتحقيق التوازن بين المصالح السورية ومصالح الدول المتضاربة: أوروبا، روسيا، الولايات المتحدة، وتركيا، والدول العربية، وضمان المكاسب الإستراتيجية للإقليم والأمن العالمي، والظهور بمظهر الضامن وتعزيز الثقة به كقائد.
نجحت إستراتيجية قوة السلام وعمليات الاحتواء المرافقة لها تلك في تغليب منطق الدولة، والحشد لبنائها، مستفيدة من زخم التغيير، وشرعية الثورة، لكن الوقت الطويل الذي تستلزمه تلك الإستراتيجية لتحقيق نتائجها قد يأكل من الشرعية وقد يضعف الحماس والالتفاف حول الحكم الجديد، وسيتطلب الإبقاء على الزخم أمرين على الأقل: تحقيق إنجازات ملموسة أكثر تظهر تحسينًا في حياة السوريين اليومية، وتوسيع مشاركة الكفاءات السورية في مؤسسات الحكم على نحو يضمن شعورها بعدم التهميش.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
أكاديمي وباحث متخصص في الحركات الإسلامية
الجزيرة
—————————-
دول إقليمية “كبرى” على حساب العرب/ رفيق خوري
إيران وتركيا وإسرائيل طبقت ولا تزال نظرية مورغنتاو التي مختصرها أن “الجغرافيا أهم عنصر ثابت في القوة الوطنية”
السبت 10 مايو 2025
ما يخطط له الرئيس دونالد ترمب هو تحجيم إيران كقوة إقليمية وتكبير حجم كل من تركيا وإسرائيل. وليس سراً أن هناك سباقاً بين أنقرة وطهران وموسكو وتل أبيب على النفوذ وتقديم الأسلحة في دول الساحل الأفريقي بعد انسحاب القوات الفرنسية.
ليس في الشرق الأوسط نظام أمني إقليمي وسط صراع الكبار على الأدوار في نظام عالمي جديد. وما يدور في المنطقة هو صراع القوى الإقليمية في اللانظام. قوى تقترض صفحة من كتاب القياصرة في القرون الماضية. صفحة اللااطمئنان إلى أمن روسيا إن لم يكن جيش القيصر على جانبي الحدود. وهي الصفحة التي أعاد قراءتها الرئيس فلاديمير بوتين بعد انهيار الاتحاد السوفياتي واستقلال الجمهوريات التي كانت ضمنه، واندفاع ملف “الناتو” نحو حدود بلاده المسطحة، بحيث غزا أوكرانيا ليضمن انتشار الجيش الروسي على جانبي الحدود. وهي أيضاً الصفحة التي فعلت إيران ما تجاوزها من زمان. ورأت تركيا وإسرائيل فرصة جديدة للتعلم منها بعد حرب غزة ولبنان وسقوط نظام أل الأسد في سوريا.
ذلك أن إيران وتركيا وإسرائيل طبقت ولا تزال نظرية مورغنتاو التي مختصرها أن “الجغرافيا أهم عنصر ثابت في القوة الوطنية”. طهران فعلت في المنطقة ما لم يفعله عبدالناصر ولا “البعث”، وهو تأسيس فصائل مسلحة أيديولوجية تشكل حزاماً دفاعياً عنها يمتد من اليمن والعراق إلى سوريا ولبنان وصولاً إلى غزة. وعلى رغم توجيه ضربة إسرائيلية قوية إلى “حماس” في غزة و”حزب الله” في لبنان، وسقوط النظام السوري الذي شكل الضربة الأقوى، فإن الجمهورية الإسلامية في إيران لا تزال متمسكة بمشروعها الإقليمي، وتعمل على استعادة نفوذها في سوريا ولبنان إلى جانب الحرص على “عسكرة” المكون الشيعي في اليمن والعراق.
ولا شيء يوحي أن إيران في طريقها إلى التخلي عن وكلائها في أي صفقة مع أميركا تدور المفاوضات حولها حالياً. إسرائيل التي هي في الأساس مشروع احتلالي توسعي وجدت فرصة في الحرب لاحتلال أراضٍ لبنانية وإقامه نوع من “منطقة عازلة” عبر الحدود مع لبنان، ثم وجدت فرصة أكبر في سوريا بعد سقوط نظام آل الأسد، فاحتلت “المنطقة المحايدة” في جبل الشيخ والجولان، حسب اتفاق فك الارتباط، وتوسعت في جنوب سوريا ودمرت ما بقي من قوة وأسلحة للبلد من أيام النظام المنهار. لا بل نتحدث عن “تفكيك سوريا” وضم الضفة الغربية وقتل حتى فكرة إقامة دولة فلسطينية. كذلك الأمر في غزة لجهة إقامة جدران ومناطق عازلة بعد تدمير القطاع، والإصرار على سحب السلاح من “حماس”.
تركيا حصلت على هدية تنتظرها من زمان في سوريا: أخذت “هيئة تحرير الشام” بيدها إلى الحكم في دمشق التي هرب رئيسها ومعاونوه. و”المنطقة العازلة” التي أرادتها شرق الفرات بعرض 30 كيلومتراً صارت صغيرة على طموحاتها. كذلك الجدار الذي بدأت إقامته على طول الحدود مع سوريا، فضلاً عن إقامة قواعد عسكرية داخل العراق والحديث عن جدار عازل. وأقل ما فاخر به الرئيس رجب طيب أردوغان هو أن “تركيا قرأت الأحداث بصورة صحيحة، وتحولت إلى قوة رئيسة في النظام العالمي، ولا شيء يمكن أن يمر في محيطها الإقليمي من دون موافقتها”. وهي أصلاً في ليبيا، كما أن دورها بارز في أحداث القوقاز والحرب بين أرمينيا وأذربيجان على إقليم قره باغ.
وما يخطط له الرئيس دونالد ترمب هو تحجيم إيران كقوة إقليمية، وتكبير حجم كل من تركيا وإسرائيل كقوتين إقليميتين. وليس سراً أن هناك سباقاً بين تركيا وإيران وروسيا وإسرائيل على النفوذ وتقديم الأسلحة في دول الساحل الأفريقي بعد انسحاب القوات الفرنسية، لكن التنافس التصارعي في سوريا برعاية أميركية ليس مفتوحاً إلى الأبد. ولا شيء يمنع التصعيد فيه إلى حد أن الدولة العبرية المنتشية التي تكرر القول بلسان نتنياهو أنها “غيرت الشرق الأوسط” تحذر أخيراً من أن “مصير أردوغان سيصبح مثل مصير صدام حسين”. فمن الصعب أن تستسلم أنقرة أمام الرفض الإسرائيلي لرغبتها في مد قواعدها العسكرية من الشمال إلى وسط سوريا، بما في ذلك إعادة بناء قاعدة جوية في البادية.
والأصعب على إسرائيل هو أن تنفذ ما تخطط له من منع أي وجود عسكري لسوريا من جنوب دمشق إلى القنيطرة. أما إيران التي خسرت سوريا وغزة ولبنان، فإنها تستغل أي نقطة ضعف في الوضع السوري الجديد والوضع اللبناني، وما أكثرها، وخصوصاً في مناخ الفوران الطائفي. وتركز على الحشد الشعبي في العراق والحوثيين في اليمن.
وبكلام آخر، فإن مشروع “إيران الكبرى” ليس ميتاً في نظر الملالي. ومشروع “تركيا الكبرى” جزء من إغراء “العثمانية الجديدة”. ومشروع “إسرائيل الكبرى” ينتقل من الحلم الصهيوني إلى الواقع. ثلاثة مشاريع على حساب العرب. بعضها يضم إلى الأرض مكوناً من أهل اليمن والعراق وسوريا ولبنان. وبعضها الآخر يبدل هوية الأرض والشعب. وهذه نقطة الضعف الكبرى. فالعرب قادرون على المواجهة. وهم اليوم يتمتعون بوزن استراتيجي سياسي وعسكري واقتصادي ومالي يستحيل على الكبار تجاهله. صحيح أنه لا مشروع لدولة عربية كبرى، لكن الصحيح أيضاً أن الفرصة مفتوحة أمام العودة إلى “قاطرة العمل العربي” التي شكلتها مصر وسوريا والسعودية في منتصف القرن الماضي. و”لا أحد يحب القوي في المجموعة”، كما كان يقول الرئيس الأميركي السابق جو بايدن.
———————————–
فنجان حرية.. المقاهي السورية مساحة للبوح والانتماء في زمن التحولات/ جولي بيطار
2025.05.10
في قلب شوارع سوريا تبدو المقاهي أكثر من مجرد محلات لاحتساء القهوة أو الشاي. فهذه الأماكن أصبحت، عبر الزمن، جزءًا لا يتجزأ من حياة السوريين اليومية. في حين تتغير الظروف السياسية والاجتماعية، تبقى المقاهي خيطًا ناعمًا يجمع الأرواح المشتاقة للمكان الآمن، فتمثل ميدانًا للبوح ومنبرًا للنقاش. هي فضاءات نابضة بالحياة تدمج بين ملامح الماضي وجمال الحاضر، وتتحول إلى معاقل للحرية الفكرية في زمن التحولات القاسية.
تظل المقاهي في المدن السورية المختلفة نقطة اللقاء بين الماضي والحاضر، حيث يمكن للمرء أن يروي حكاياته وتجاربه التي تشبه نبض المكان. وفي حين تشهد هذه المدن تقلبات اجتماعية وثقافية، تبقى هذه المقاهي مكانًا يستعيد فيه المرء جزءًا من ذاته، وكل فنجان قهوة يقدم فرصة للتنفّس بعيدًا عن ضجيج الحياة اليومية. وسط هذه الفوضى من الزمن، تبقى المقاهي مساحة لتجديد الحياة، وكأنها نوافذ صغيرة تطل على الأمل، رغم الحروب والهموم.
المقهى بديلا عن البيت
في ظل الحروب والضغوط التي تحيط بالجميع، أصبح المقهى أكثر من مجرد مكان لشرب القهوة، فقد تحول إلى ملاذ للعديد من الأشخاص الذين يبحثون عن المساحة الشخصية بعيدا عن الأعين، تلك المساحة التي غابت في منازلهم بسبب ضغوطا الحياة اليومية. “أنا بطبيعتي شخص اجتماعي، غير أنني ألوذ بالصمت في المنزل. لم أعتد التعبير عن رأيي هناك، إذ لم تكن في البيت مساحة للحوار، لا سيما بعد سفر عدد من أفراد أسرتي. وجدت في المقهى بديلا حقيقيا، أو بالأحرى وطنا صغيرا اخترته بإرادتي. أعرف هذا المكان عن قرب، وتربطني بمؤسسيه علاقة مودة وثقة، وكان الهدف من إنشائه أن يكون ملاذًا دافئًا لكل شاب وفتاة يبحثان عن فسحة للتعبير والسكينة”.
“في هذا المكان تعلمت أن أضحك من قلبي، وأن أتكلم دون خوف أو تردد، وأن أعبّر عمّا يجول في خاطري بحرية. تعرفت هنا إلى كثير من الأشخاص، ونسجت صداقات ثمينة، بل إنني عشت في هذا المكان قصة حب عظيمة، كانت من أجمل فصول حياتي. أشعر بانتماءٍ عميق إلى هذا المقهى؛ وكأنه يحمل جزءًا من روحي، ويمنحني ما لا تمنحه الأماكن الأخرى: الأمان، والحنين، وذاكرة لا تنسى.”هكذ يصف فجر قيسيّة، أحد رواد المقاهي الدمشقية علاقته بالمكان.
بين جدران المقاهي، يجد الناس أنفسهم في فضاء يتيح لهم فرصة التعبير عن مشاعرهم وأفكارهم بعيدا عن القيود الأسرية والاجتماعية. هذا الفضاء يجسد العلاقة المعقدة بين الفرد والمجتمع، فيمنح الشخص حرية التجربة والاختيار في محيطه. في بعض الأحيان، يصبح المقهى المكان الذي يتحرر فيه الشخص من عزلته ويكتشف علاقات جديدة تساعده على التأقلم مع الواقع. لذلك، يمكن القول إن المقهى في سوريا بات أكثر من مجرد مكان لارتشاف القهوة، بل هو بمنزلة “ملاذ داخلي” يحمل في ثناياه طابعا عاطفيا وإنسانيًا عميقًا.
هوية اجتماعية تتشكل في المقاهي السورية
المقاهي السورية ليست مجرد مواقع للاسترخاء، بل هي أماكن تنصهر فيها الهويات الاجتماعية لتتلاقى وتتبادل الآراء. هنا يلتقي الأصدقاء، ويبدأ بعضهم قصص حب، في حين يجلس آخرون يتناقشون في الشؤون السياسية أو الثقافية. إن هذه المقاهي أصبحت جزءا من الذاكرة الجماعية للشباب السوري، حيث يجد كل شخص فيه فكرته ومكانه. عروة الصايغ، أحد الزوار الدائمين لإحدى المقاهي الدمشقية، يصف تجربته بالقول: “منذ نحو أربع سنوات، اعتدتُ ارتياد مقهى بعينه بشكل يومي، حتى بات جزءا من روتيني اليومي ومن هويتي. أعتقد أن من أبرز الأسباب التي جعلتني أرتبط بهذا المكان وأشعر بالانتماء العميق إليه، هو أنه منحني بيئة آمنة، لم أجدها في أماكن أخرى، تتيح لي التعبير عن رأيي بحرية، وخوض نقاشات متنوعة في مواضيع شتى، دون أن أشعر بالخوف أو التقييد”.
ما يزيد هذا الشعور بالانتماء هو الجو العام الفريد الذي يسود المكان، حيث يستطيع شخصان لا يعرفان بعضهما، يجلسان على طاولتين مختلفتين، أن يجدا فجأة خيطا مشتركا لحديثٍ عابر، ينشئ بينهما مساحة من التلاقي الإنساني الجميل، بغضّ النظر عن خلفياتهما أو مدى معرفتهما السابقة ببعض.
“وأكثر ما يجعلني أتمسك بهذا المكان هو العلاقة الحميمة التي نشأت بيني وبين الفريق العامل فيه؛ شباب وصبايا يتمتعون بلطافة وراحة في التعامل، حتى شعرت مع الوقت أنني لا أنتمي فقط للمكان، بل لكل تفصيل فيه، من أكبر عناصره إلى أصغر جزئياته. لقد صار هذا المقهى بيتي الثاني بحق”.
المقهى في هذا السياق لا يمثل فقط نقطة تجمع، بل هو يمثل أيضًا مكانًا يتم فيه اختبار الهوية، وتشكيل مفاهيم جديدة تتعلق بالحرية والانتماء. وكأن فنجان القهوة في هذه الأماكن هو رابط غير مرئي بين الناس وأفكارهم، حيث يتناغم الجميع في محيط اجتماعي مشترك لا يشترط الوحدة الفكرية، بل حرية التنوع والاختلاف.
ما بين الشعبي والحداثي: المقاهي مرايا التحولات
من مقاهي الأحياء الشعبية إلى الكافيهات العصرية في المناطق الراقية، يعكس المشهد المقاهي في سوريا تحولًا اجتماعيًا ملحوظًا. فالمقاهي الشعبية في الأحياء القديمة، حيث يشرب كبار السن الشاي وتستمر لعبة الطاولة في الزمان والمكان ذاته، ليست مثل”الكافيهات” الحديثة، التي يغلب عليها الحضور الشبابي، والديكورات العصرية، وارتباطها بتقنيات حديثة مثل الإنترنت. ففي المقاهي الشعبية يذهب الناس للاستمتاع بلعب النرد، أما في المقاهي الحديثة فيجتمع الشباب للنقاش حول التكنولوجيا أو القضايا الاجتماعية المعاصرة أو مشكلاتهم العاطفية والحياتية وحتى السياسية.
وهذا التنوع في نوعية المقاهي يعكس التحولات الثقافية والاجتماعية في سوريا، حيث يعكس كل نوع من المقاهي طبقة اجتماعية معينة أو أيديولوجية مختلفة. وفي كل زاوية، تجد قصصًا تكشف عن فترات من التغيير والانفتاح، سواء عبر التفاعل الاجتماعي أو من خلال المزج بين الثقافات.
في دمشق.. لغة حرة بلا رقابة
أحاديث المقاهي لا تخضع للرقابة أو للحواجز الاجتماعية. يجد الزوار في هذه الأماكن متنفسًا للتعبير عن آرائهم بحرية. قد ترى هنا شخصًا يناقش السياسة بشكل محتدم، وآخر يتحدث عن مشاريعه التجارية المستقبلية، وآخر يقرأ بصوت عالٍ مقالًا عن الذكاء الاصطناعي. هي أمكنة يتنفس فيها الجميع بحرية. “نحن متفقون أن النقاشات السياسية هذه الأيام لم تعد تجدي نفعًا، بل تخلق توترًا. نخرج لنستعيد بعض الهدوء النفسي وسط هذا العنف، نتحدث عن أمور الحياة اليومية، نحاول أن نضحك ونبتعد عن ضغوطات الواقع”، تقول ماريا، شابة تفضل المقاهي كمكان للهدوء.
وتضيف لمنوقع تلفزيون سوريا “لا مكان للرقابة في هذا الفضاء المفتوح. هنا تجد الحوارات أكثر انفتاحًا، حيث يصبح الجميع قادرًا على مشاركة آرائهم بدون خوف من المراقبة لكن أيضًا يختار بعضهم إقصاء بعض المواضيع الشائكة لضمان الراحة المطلقة. وفي هذه البيئة، يمكن للناس أن يتفاعلوا بحرية، مما يعزز الشعور بالانتماء والتواصل الإنساني”.
المقهى كمساحة آمنة للتعبير السياسي
في بيئة مليئة بالقيود الاجتماعية والسياسية، تجد المقاهي ملاذًا للتعبير الحر. “في المقهى، أشعر أنني قادر على الكلام دون خوف، وهذا ليس ممكنًا دائمًا في البيت، لأن الأهل يخشون علينا من العواقب. في هذه البيئة، أعبّر عن رأيي وأعرف أنني مسموع، والأهم أنني محاط بأشخاص يفهمونني وأفهمهم وحتى في حال الاختلاف بالرأي فنحن نحرص على ضبط انفعالاتنا، لأننا نعلم أنه إن لم تُضبط هذه الانفعالات وتحولت إلى خلافات، فلن يعود الجو مريحًا أصلًا، وسنفقد أهم ما يجذبنا إلى هذه اللقاءات”، يقول آدم العكاري، أحد مرتادي المقاهي الذين يشعرون بالأمان في التعبير عن آرائهم السياسية.
المقهى هنا ليس مجرد مكان للترفيه، بل هو بمنزلة “مساحة آمنة” يسمح فيها الناس لأنفسهم بإطلاق العنان لأفكارهم وآرائهم بحرية، بعيدًا عن ضغوط الحياة اليومية.
الطبقات الاجتماعية السورية تحت سقف واحد
المقاهي السورية تجمع بين الطبقات الاجتماعية المختلفة تحت سقف واحد. في مقاهي الأحياء الشعبية، حيث يجلس العمال والفقراء، تجد فنجان القهوة يناسب الجميع، سواء كانوا يشربون القهوة العربية أو الشاي، أما في المقاهي الراقية تجد أسعارًا مرتفعة، حيث يطلب الزبائن مشروبات مختلفة مثل “ميلك شيك شوكولا” مثلًا. ومع ذلك، تبقى المقاهي في سوريا أماكن تشهد تقاطعًا بين مختلف الطبقات الاجتماعية، حيث يجلس الطالب بجانب الموظف، والعاشق بجانب الغريب.
وفي ظل نمط العمل عن بعد الذي اجتاح العالم، أصبحت المقاهي السورية بمنزلة “مكاتب متنقلة” للشباب العامل في مجالات مثل التصميم والبرمجة والترجمة. توفر هذه المقاهي مساحة للهدوء وخدمة الإنترنت، مما يجعلها خيارًا مثاليًا لمن يحتاجون للعمل في بيئة غير تقليدية. تقول ياسمين، 26 سنة: “أعمل على كل مشاريعي من هذا المكان نفسه، لا أشعر بالغربة أو الوحدة بسبب لطف العاملين هنا، أحيانًا عندما أعمل على تصميم معيّن أسألهم عن آرائهم في الألوان وأشاركهم بعض مشاكلي في العمل”.
فنجان من الانتماء في زمن التيه
في ظل التحديات الكبيرة التي يعيشها السوريون، تحولت المقاهي إلى أماكن لا تقتصر على توفير القهوة فقط، بل أصبحت أشبه بمرايا تعكس الروح البشرية للمجتمع السوري. في عالم مليء بالآلام والقلق، يمكن أن يكون فنجان قهوة في مقهى سوري هو آخر معقل للإنسانية. ورغم المجهول الذي يلوح في الأفق، تبقى هذه الأماكن الصغيرة، رغم بساطتها، الأمل الأخير للبحث عن معاني جديدة للانتماء والحرية. ففي هذه الأماكن الصغيرة، بين فنجان قهوة وأحاديث عفوية، نجد الأمل في أن الحياة، رغم قسوتها، تستمر.
تلفزيون سوريا
———————————
من دبلوماسية إلى علاقات عامة.. كيف تحوّلت السياسة إلى عرض إعلامي؟/ بشار الحاج علي
2025.05.10
في عالم اليوم، حيث تلتقي السياسة بالإعلام، وتتشابك الدبلوماسية مع العلاقات العامة، أصبح من الصعب تحديد الفارق بين المفاوضات السياسية الحقيقية وبين العروض الموجهة للجمهور.
فكل لقاء سياسي، سواء كان بين قادة دول أو ممثلين رسميين، لا يُشَاهَد فقط بوصفه لحظة لتبادل الأفكار والتفاوض على القضايا، بل هو أيضًا جزء من عملية تسويق سياسية، تُعرض بعناية على الجمهور في جميع أنحاء العالم، ولكن هل كل ما يُعرض هو الحقيقة، أم أن هناك ما يُراد لنا أن نصدّقه؟
في الماضي، كان الدبلوماسيون يُعتبرون خبراء في العمل خلف الكواليس، حيث تُدار المفاوضات في الغرف المغلقة بعيدًا عن الأنظار. كانت السياسة تُمثّل شيئًا معقدًا، لا يتم الكشف عنه إلا بعد التوصل إلى اتفاقات نهائية.
كان الهدف هو تحقيق النتائج، وتحقيق التوافق بين الأطراف المعنية، بغض النظر عن الطريقة التي يُعرض بها هذا التوافق للجمهور، وكان السفير في ذلك الحين يتنقل بين العواصم بهدوء، يختار كلماته بعناية شديدة، ويؤكد على أهمية السرية والحذر، لم تكن الصورة هي الأهم، بل ما يحدث خلف الكواليس.
لكن في العصر الحديث، تغيّر كل شيء.. أصبحت السياسة لا تقتصر على الفعل في حد ذاته، بل تُقدَّم أيضًا كعرض إعلامي.
والساسة اليوم ليسوا مجرد صناع قرارات، بل هم أيضًا “نجوم” في عرض سياسي تتم تغطيته على مدار الساعة، هذا التحول جعل الفواصل بين الدبلوماسية والعلاقات العامة أكثر ضبابية، وأدى إلى تحول مفاجئ في كيفية تقديم السياسة للجمهور.
في الوقت الراهن، يواجه الدبلوماسيون واقعًا مختلفًا تمامًا، لا يكفي أن يُحسنوا التفاوض في الغرف المغلقة؛ بل يجب عليهم أيضًا أن يكونوا ماهرين في تسويق هذه التفاهمات للعالم.
الصور، التصريحات العلنية، والتسريبات الإعلامية أصبحت جزءًا من اللعبة السياسية اليومية فكل لقاء دبلوماسي لم يعد يُنظر إليه فقط باعتباره فرصة لإيجاد حلول للمشاكل، بل كفرصة لتوجيه رسائل معينة للجمهور، ورسائل تُترجم في كثير من الأحيان إلى صور تُعرض على الشاشات.
وكمثال على ذلك، فإن المصافحة بين رئيسين أو ابتسامة متبادلة على المنصة يمكن أن تعني للمتابعين الكثير، حتى وإن كانت المفاوضات نفسها ما زالت في مراحلها الأولى، أو حتى في حالة توقف مؤقت.
لم يعد المشهد الدبلوماسي محصورًا فقط في المحادثات المباشرة أو في الاجتماعات الخاصة،أصبح “التسويق السياسي” عنصرًا أساسيًا في أي اتفاق أو علاقة دولية.
اليوم، يكفي أن يتم تصوير لقاء سياسي بعناية ليصبح مادة إعلامية تلقى رواجا على وسائل الإعلام، بغض النظر عن فحوى الاجتماع، صورة واحدة لرئيسين يتصافحان قد توحي بأن العلاقات بين دولتين قد تحسنت، حتى وإن كانت المفاوضات الحقيقية لا تزال تراوح مكانها.
الصور أصبحت أداة في يد السياسيين، لكنها أيضًا أداة لخدمة مصالحهم السياسية، فمثلاً تجد أن العديد من الدول تستخدم صور القمم الدولية أو الاجتماعات الثنائية ليس فقط لتمثيل الاتفاقات، بل لتمرير رسائل ضمنية إلى الشعب المحلي أو إلى المجتمع الدولي. فتُصبح هذه الصور بديلاً عن الوقائع، وتُقدَّم كدليل على نجاح السياسة أو الدبلوماسية، رغم أن الجوهر قد يكون مفقودًا.
هذه “العروض السياسية” تشمل أيضًا التسريبات الإعلامية، التي قد لا تكون عفوية كما يظن البعض، بل قد تكون موجهة ومدروسة.
يتم تسريب معلومات أو صور معينة لتوجيه الرأي العام أو تحويله أو لاختبار ردود الفعل قبل اتخاذ قرارات معينة. ما يُعتقد أنه “مصدر دبلوماسي مطّلع” قد يكون ببساطة أداة أخرى في سياق علاقات عامة مُخطط لها بعناية.
التسريبات التي تخرج من “مصادر رسمية” لا تُنشر دائمًا لمجرد كشف الحقائق، بل أحيانًا لخلق انطباع معين أو لتحفيز الجمهور على التحليل والمناقشة.
وفي سياق آخر، تأتي المؤتمرات الصحفية كجزء من هذه اللعبة، فالعديد من التصريحات التي تُقدّم في هذه المؤتمرات لا تعبّر بالضرورة عن الحقائق الكاملة أو عن المواقف النهائية للأطراف المعنية، وبدلاً من ذلك، يتم ترتيب الكلمات بعناية لتوجيه الانطباعات بطريقة معينة. تصريحات مثل “نحن نعمل من أجل السلام” أو “لقد حققنا تقدمًا هائلًا في المفاوضات” هي في بعض الأحيان مجرد “شعارات” تهدف إلى إبقاء الجمهور في حالة من التفاؤل، حتى وإن كانت المفاوضات نفسها قد تكون في وضع معقد أو متوقف.
لكن وراء كل هذا التسويق السياسي، تكمن حقيقة ربما تكون أكثر تعقيدًا مما يُعرض على السطح، فبينما يُشاع أن العلاقات بين دولتين قد تحسنت من خلال صور مبهجة في الصحف، قد تكون هناك قضايا معلقة وصعوبات غير مرئية ما زالت تعترض طريق الحلول. لكن الجمهور، في كثير من الأحيان، لا يرى إلا الصورة الملتقطة، ويظن أن الأمور قد حُسمت.
ومع مرور الوقت، أصبح من الصعب على الجمهور التمييز بين ما هو حقيقي وما هو مُصطنع ، إذاً أصبح السؤال الأهم ليس فقط ما يحدث وراء الأبواب المغلقة، بل كيف يُعرض هذا الحدث على الشاشات؟ وإذا كنا نتلقى هذا الكم الهائل من الصور والتصريحات، كيف لنا أن نميز بين الحقيقة وبين مجرد لعبة العلاقات العامة؟
في النهاية، لا ينبغي لنا أن ننسى أن السياسة، في جوهرها، لا تتمحور حول ما نراه في وسائل الإعلام، بل حول ما يحدث في الواقع ، والقدرة على التفريق بين الصورة والواقع هي التي تحدد مدى فاعليتنا كمواطنين في التأثير على العملية السياسية، فكلما أصبحنا أكثر وعيًا بحقيقة التسويق السياسي الذي يشوّه الحقائق أحيانًا، كلما أصبحنا قادرين على طرح الأسئلة الصحيحة والبحث عن الحقيقة وراء الصورة التي يُراد لنا أن نراها.
إذن، قد يكون الفارق بين السياسة الحقيقية والسياسة المدارة من خلال العلاقات العامة هو الفارق بين الواقعية والمسرحية.
في عصر الصورة، قد لا تكون الحقيقة هي ما نراه، بل ما نبحث عنه وراء ما يُعرض لنا.
تلفزيون سوريا
———————————
وسط تنافس إقليمي وقلق متزايد.. تركيا تدفع باتجاه تسليح وتدريب الجيش السوري/ محمد كساح
10 مايو 2025
في الوقت الذي يرفض فيه مراقبون ربط إمكانية إقدام أنقرة على تسليح وتدريب الجيش السوري بتزايد الهجمات الإسرائيلية على الأراضي السورية، تسود الترجيحات بأن انتقال سوريا من منظومة السلاح الشرقية إلى المنظومة الغربية بات قاب قوسين أو أدنى، يعزز من ذلك اعتبار تركيا هذه المهمة إحدى الأولويات، خاصةً وأن سوريا تمثل مجالًا حيويًا لأمنها القومي.
وكانت صحيفة “حرييت” التركية أفادت بأن أنقرة ستزود الجيش السوري بأسلحة حديثة، وأضافت: “في إطار التعاون العسكري مع سوريا ستساهم تركيا في إعادة هيكلة الجيش السوري وستعمل على تزويده بمنتجات صناعاتها الدفاعية المتطورة لتعزيز قدراته”. ولفتت إلى “تعيين أحد الضباط الأتراك مستشارًا عسكريًا للجيش السوري، وقد بدأ الملحق العسكري التركي بالفعل أداء مهامه”.
أولوية تركية
يلاحظ الصحفي المختص بالشؤون التركية، عبد الله سليمان أوغلو، أن تركيا أوعزت، منذ اليوم الأول لسقوط النظام، بتقديم كل أشكال التعاون والدعم للسلطة السورية الجديدة، مؤكدًا، في حديث لـ”الترا سوريا”، أن القطاع العسكري لاقى اهتمامًا كبيرًا من الجانب التركي بحيث شاهدنا دائمًا شخصية عسكرية ترافق معظم الوفود التركية التي زارت سوريا عقب إسقاط النظام.
ويؤكد سليمان أوغلو أن “تركيا تعتبر تقوية وتمكين الجيش السوري أولوية لأن ذلك يحمي الأمن القومي التركي من تهديدات المنظمات الإرهابية ومن بعض الدول مثل اسرائيل وإيران”، موضحًا أن “مجال التدريب والتأهيل من أهم أوجه التعاون المستقبلي بين دمشق وأنقرة، نظرًا لأن تركيا مهتمة بتدريب الجيش السوري ورفع قدراته القتالية وكذلك تسليحه بأسلحة نوعية”.
ويضع سليمان أوغلو الزيارات التي أجرتها الفرق التركية التقنية للمواقع العسكرية السورية ضمن هذا السياق، موضحًا أن الزيارات استهدفت دراسة إمكانية إقامة قواعد عسكرية تركية، الشيء الذي قوبل بردة فعل إسرائيلية عنيفة في رسالة بأن التموضع التركي العسكري غير مقبول إسرائيليًا.
نقلة نوعية
ولا يستبعد الباحث في “مركز جسور للدراسات”، رشيد حوراني، شروع تركيا في إجراء تدريبات للجيش السوري الجديد، بالموازاة مع المساهمة في تسليحه بمعدات حديثة، لكنه يرفض ربط هذه الإجراءات، في حال حصلت، بتزايد الهجمات الإسرائيلية على دمشق.
ويوضح حوراني، خلال حديث لـ”الترا سوريا”، أن تركيا تستخدم الطرق السياسية لوضع حد للهجمات الإسرائيلية الجوية والبرية وحتى البحرية، لافتًا إلى أن “أنقرة اقترحت بعد سقوط النظام ترسيم الحدود البحرية مع سوريا، لزيادة نفوذها وتأثيرها على الدول المتشاطئة معها”.
ويضيف: “منذ سقوط النظام البائد صرح القادة العسكريون في تركيا باستعدادهم لتدريب وتسليح الجيش السوري”، مؤكدًا أنه لا يستبعد حصول ذلك، نظرًا لأنه “ينقل الدولة السورية من منظومة التسليح الشرقي إلى منظومة التسليح الغربي “الناتو”، انطلاقًا من كون تركيا تعتمد المنظومة الغربية، وتعتبر ثاني أكبر قوة في حلف “الناتو”، وقد يكون ذلك أيضًا ضامنًا لإسرائيل ألا تشكل سوريا أي تهديد لها، كما يمكن تطوير قاعدة التصنيع الحربي التي قطعت تركيا فيها أشواطًا كبيرة، من خلال ما يتوفر في سوريا من مراكز بحثية في هذا المجال”.
وبما أن سوريا تمثل مجالًا حيويًا لأمن تركيا القومي، يرجح حوراني أن نرى دعمًا تركيًا لدمشق في مجال تعزيز القدرات العسكرية وتدريب الجيش، مشيرًا إلى أن تركيا تقدمت خطوات جيدة في هذا المجال وعينت ملحقًا عسكريًا لها في سوريا، يقع على عاتقه التقييم وتقدير الموقف العسكري بشكل يومي، وما يجب أن تقوم به بلاده لدعم القوات السورية.
عراقيل وعقبات كبيرة
وحول أبرز العقبات التي قد تواجه الدور التركي في التسليح، يوضح حوراني أنها تتمثل في موقف روسيا من الدور التركي المتنامي في سوريا بشكل عام، والدور العسكري بشكل خاص، حيث تعتبر موسكو أن سوريا سوقًا رئيسيًا لسلاحها، وبما أن الدور التركي مرتبط بالتنسيق مع تل أبيب، فإنه من شأن روسيا وإسرائيل الضغط على تركيا لتحقيق أهدافهما.
ويرصد حوراني مرافقة الطيران الحربي الروسي للضربات العسكرية الإسرائيلية التي استهدفت سوريا مؤخرًا، معتبرًا أن هذا الإجراء الذي لم يحدث منذ سقوط النظام يدل على تنسيق بين موسكو وتل أبيب ضد تركيا.
بينما يؤكد عبد الله سليمان أوغلو أن تركيا تسعى إلى توقيع اتفاقية دفاع مشترك مع دمشق تتيح لها التدخل في حال وجود أي تهديد ضد سوريا أو تركيا، لكنها تواجه عقبات كبيرة أبرزها العقوبات الأميركية على سوريا وتضارب مصالح الدول الفاعلة في الملف السوري وخصوصًا الولايات المتحدة وبعض دول الاتحاد الأوربي وروسيا ودول الخليج، مؤكدًا أهمية تحقيق تفاهم وتوافق على المصالح دون تنازع، إذ تأتي محادثات تركيا مع اسرائيل في أذربيجان، والتواصل المستمر مع أميركا وغيرها، في سياق منع ذلك الاشتباك وتعارض المصالح.
الترا سوريا
———————————-
==========================
عن الأحداث التي جرت في الساحل السوري أسبابها، تداعياتها ومقالات وتحليلات تناولت الحدث تحديث 10 أيار 2025
لمتابعة مكونات الملف اتبع الرابط التالي
الأحداث التي جرت في الساحل السوري
—————————-
كي لا ننسى: ماذا ترك لنا آل الأسد؟/ د. فيصل القاسم
لو أحصينا عدد الشعارات التي رفعها النظام السوري الهارب والتي تدعو إلى الوحدة على الصعيدين الداخلي والعربي على مدى أكثر من ستين عاماً لوجدنا أمامنا آلاف الشعارات التي كانت تغطي جدران سوريا من أقصاها إلى أقصاها، فقد كانت تلك الشعارات «الوحدوية» تحاصر السوريين من كل حدب وصوب، وكانت ترفرف على واجهات المدارس والجامعات والمؤسسات الحكومية وخلفيات السيارات. وليس عندي شك أن تلك الشعارات أو الأقمشة واللوحات الخشبية والمعدنية التي استخدمها النظام لكتابة تلك الشعارات عليها كلفت ملايين الدورات من الميزانيات السورية على مدى عقود. وحدث ولا حرج عن الخطاب الإعلامي الذي ساد فترة حكم آل الأسد، فقد كان يفطر السوريون «وحدة»، ويتغدون «وحدة» ويتعشون «وحدة» ويتحلون «وحدة» برز بحليب، مع ذلك اكتشفنا بعد سقوط النظام أن «الوحدة» التي كان يروجها النظام ووسائل إعلامه وتُقحمها على نواظرنا ومسامعنا ليل نهار كانت لذر الرماد في العيون والضحك على الذقون، فقد كان حافظ الأسد ومن بعده ابنه الموتور ألد أعداء الوحدة بمفهوميها السوري والعربي، فكيف يمكن أن تكون نظاماً طائفياً وأقلوياً وعصبوياً وفي الآن ذاته نظاماً وحدوياً. مستحيل، فهناك تناقض طبيعي بين الوحدة والعصبية السياسية أو الطائفية.
لا شك أن معظم السوريين يعرفون أن النظام الساقط كان يمارس التفرقة ودق الأسافين والتطييف داخل الطائفة التي كان يزعم أنه ينتمي إليها ألا وهي الطائفة العلوية. مخطئ من يعتقد أن العلويين كانوا كتلة واحدة، لا أبداً، بل كان داخلها أفخاذ وعشائر متناحرة مثلها مثل كل الطوائف والمذاهب الأخرى، فليس كل العلويين كانوا بمرتبة واحدة لدى آل الأسد، بل كانت هناك عائلات وعشائر، بعضها كان يحظى بالعناية والرعاية، والبعض الآخر كان منبوذاً ومغضوباً عليه. وقد كان آل الأسد يعادون بعض العشائر العلوية أكثر مما يعادون الطوائف والمذاهب السورية الأخرى، وبالتالي فإن كل الشعارات الوحدوية التي ضحكوا بها على السوريين على مدار حكمهم كانت شعارات مزيفة وكاذبة. وكل السوريين يعرفون أن النظام القومجي الوحدوي المزعوم كان يرفع شعارات عربية عريضة تدعو إلى توحيد العرب من المحيط إلى الخليج، بينما في الحقيقة كان يحكم على أساس دون الطائفي، أي أنه لم يكن حتى طائفياً بالمعنى الشامل للكلمة، بل كان يضرب مكونات الطائفة الواحدة وحتى العائلة الواحدة بعضها ببعض.
ولم تقتصر هذه اللعبة القذرة على التلاعب بأطياف الطائفة العلوية فحسب، بل انسحب على بقية الطوائف والمذاهب. وكانت لعبة النظام المفضلة تخويف مكونات الشعب السوري من بعضهم البعض ودق الأسافين بينهم وجعلهم مرتابين من الآخرين على الدوام. وأتذكر مثلاً أن رئيس المخابرات العسكرية في المنطقة الجنوبية الضابط سيئ الصيت وفيق ناصر كان يفعل كل ما بوسعه لضرب الموحدين الدروز بجيرانهم المسلمين في حوران المجاورة، لأنه هو ونظامه الهالك كان يخشى أي نوع من التعاضد والتلاحم بين أي مكوّنيّن سورييّن، فقد كان وفيق ناصر يأتي إلى الشباب الدروز في السويداء ويقول لهم إن أهل درعا سيهجمون عليكم وسيقتلونكم وسيهدمون منازلكم، لهذا من الأفضل لكم أن تتحالفوا معنا كي نحميكم من غدر جيرانكم. وكان يفعل الشيء نفسه مع سكان درعا ليحرضهم على جيرانهم الموحدين الدروز، مع ذلك فقد فشل النظام في تأليب الدروز على أهل حوران والعكس صحيح. ولعل أخطر الأسافين التي دقها النظام كانت بين العلويين وبقية مكونات الشعب السوري، فقد كان يدعمهم لترهيب السوريين والتنمر والتسلط عليهم حتى من خلال اللهجة العلوية وحرف القاف تحديداً، فقد كان بقية السوريين على مدى نصف قرن يرتعبون عندما يسمعون شخصاً يتحدث باللهجة العلوية المتسلطة، لأنه كان يمثل وقتها إرهاب السلطة وجبروتها وإجرامها. لم يكن حافظ الأسد ولا ابنه من بعده يهمه مدى الضرر الذي سيقع على الطائفة العلوية بعد سقوطه. لقد كان يستخدمها فقط لتحقيق أطماعه السلطوية ضد السوريين، وليأتِ الطوفان عليها بعد سقوطه. وهذا ما حصل، ولا شك أن المكونات السورية تحتاج زمناً طويلاً كي تدفن أحقادها لأن حجم الحقد والكراهية التي زرعها آل الأسد بين السوريين كان مرعباً للغاية.
وقد تندر الكاتب السوري الراحل نبيل فياض الذي كان أحد أذرع أجهزة الأمن لتفكيك المجتمع السوري، تندر بعد اندلاع الثورة قائلاً أمامي: «عجيب يا أخي، خمسون عاماً من الشعارات الوحدوية والبعثية والأدلجة الحزبية والتلقين والتدجين لم تنجح في جمع السوريين على قلب رجل واحد، لا بل إن النظام فشل حتى في جمع السوريين حول أي شخصية وطنية أو قيادية، بدليل أن غالبية السوريين راحوا يتجمعون ويلتفون حول قياداتهم الطائفية والمذهبية والدينية والقبلية والعشائرية، بدل التجمهر حول قائد وطني جامع». طبعاً لم يكن ذلك مفاجئاً، فقد كان الهدف الأول والأخير للنظام الذي كان يتشدق بالشعارات الوحدوية زوراً وبهتاناً تفريق السوريين وتأليبهم على بعضهم البعض كي يعيش هو على تناحرهم وتناقضاتهم، ولعلنا نتذكر أنه في بداية الثورة فإن كل الشعارات الطائفية التي انتشرت آنذاك كانتشار النار في الهشيم كانت من صناعة أجهزة المخابرات السورية، وخاصة شعار «المسيحي على بيروت والعلوي على التابوت»، وذلك لضرب السوريين بعضهم ببعض كي تفشل ثورتهم ضد النظام الغاشم. باختصار، فإن النظام الساقط لم يحرق فقط الشجر والحجر، بل دمر أيضاً النسيج الوطني نفسه.
وعندما تنظر اليوم للأسف إلى التفكك الخطير للمجتمع السوري لا بد أن تسأل: هل يقف الذباب الإلكتروني فعلاً وراء السُعار الطائفي والصراعات العقدية والتناحر الاجتماعي المتفشي على مواقع التواصل الاجتماعي هذه الأيام، أم إن كل ذلك من رواسب ومخلفات وإرث نظام البعث البائد؟
كاتب واعلامي سوري
القدس العربي
————————————
إرث الطائفية.. سلاح يهدد مساعي السوريين لبناء دولتهم/ علاء الدين الكيلاني
9/5/2025
بعد 6 عقود من حكم حزب البعث، وهيمنة عائلة الأسد على السلطة في سوريا، يتركز اهتمام السوريين على بناء دولة وطنية ديمقراطية، تتوفر فيها شروط الحياة الكريمة، على الرغم مما يواجهونه من تحديات، وواقع معيشي مثقل بالهموم والمصاعب.
وحذر خبراء من أن الطريق إلى هذا الهدف لا يزال يواجه عوائق كثيرة، فبالإضافة إلى إرث الرئيس المخلوع بشار الأسد وتداعياته على بلد خرج لتوه من الجحيم، ولا يزال يعاني من أزمة إنسانية متواصلة منذ 2011، تواجه سوريا هجمة مضادة، تسعى من خلالها فلول النظام السابق إلى جانب قوى محلية وجهات خارجية إلى تقويض ما أنجزته الثورة، وصبغ المرحلة الانتقالية بصبغة طائفية، تمهيدا لإنشاء كيانات تخدم مصالحها وتوجهاتها.
سياسة الأسد الطائفية
يوارى أحمد، خلفَ هدوئه، وهو يتحدث، أوجاع سنوات من القهر والعذاب، فقد فر مع عائلته إلى تركيا إثر تعرض أحياء مدينة حمص الثائرة وسط البلاد لقصف بري وجوي حوّلها إلى ركام.
وبعد سقوط الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول الماضي، استفاد كغيره من السوريين الخاضعين للحماية المؤقتة في تركيا، من تسهيلات قدمتها الحكومة التركية، سمحت لهم بزيارة مدنهم الأصلية، والاطمئنان على سلامة أوضاعها، قبل أن يقرروا العودة ومغادرة تركيا بشكل طوعي.
وتحدث أحمد للجزيرة نت عما شاهده قائلا “رأيت منزلي مجرد أطلال، الحياة شبه معدومة داخل الحي بسبب الخراب، وعلى مشارف أحياء أخرى تتمركز قوات الأمن العام تراقب بحذر حركة السيارات دون إزعاج، بعد أن تعرض بعض عناصرها لكمائن محكمة من قبل فلول النظام السابق، أسفرت عن مقتل العشرات”.
وخلال الفترة التي قضاها، شنت تجمعات عسكرية لفلول النظام السابق في مدن مجاورة لمدينته هجمات مسلحة على عناصر الأمن العام ومقرات الحكومة، ما دعاه ليؤكد أن ما يجري لا يشكل تهديدا أمنيا فحسب، بل من شأنه تفكيك المجتمع، رغم هشاشة تماسكه متأثرا بإرث سياسة الأسد الطائفية.
وكانت مدن الساحل السوري إلى جانب أحياء في حمص يقطنها علويون قد شهدت خلال الأشهر الثلاثة الماضية، اشتباكات وتوترات طائفية على إثر هجمات مسلحة شنها موالون للأسد على قوات الأمن العام أدت إلى مقتل المئات.
وامتدت التوترات والصدامات مؤخرا إلى مناطق بريف دمشق تسيطر عليها مليشيات درزية إثر سجالات من التصريحات الطائفية، تخللها تدخل إسرائيلي.
طريق المستقبل ليس ممهدا بالكامل
بعد عقود من حكم الاستبداد، بات السوريون يأملون أن يشكل انهيار نظام الأسد فرصة ثمينة لتجسيد ما دعت إليه ثورتهم ضد النظام السابق، بالانتقال إلى دولة ديمقراطية، تضمن الحرية والكرامة للجميع، وتصون وحدة أراضيها.
ويخشى كثيرون -بحسب منشورات على منصات التواصل الاجتماعي- من أن يفسد الحراك الطائفي والمناطقي عليهم فرحتهم بسقوط الأسد، أو يحبط ما تبقى لديهم من طموحات وآمال بمستقبل أفضل.
وفي هذا الإطار، استبعد الخبير الحقوقي عبد الملك الأحدب أن تمتلك الحكومة المؤقتة حلا سحريا لمشكلات سوريا الراهنة في ظل استمرار العقوبات التي فرضها الغرب على النظام السابق.
وأشار الأحدب، في حديثه للجزيرة نت، إلى أن الطريق نحو المستقبل ليس ممهدا بالكامل، إذ تعترضه تحديات، منها:
الوضع الحياتي، حيث يحتاج الاقتصاد إلى رافعة تمكن البلد من تلبية متطلبات نهوضه وإعادة إعماره، ومن ثم تهيئة الظروف لعودة ملايين اللاجئين.
أزمة الأقليات، التي انحرف بعض من تصدروا لتمثيلها على خلفية انفصالية للاستقواء بدول أجنبية، من بينها إسرائيل.
التحدي الخارجي، ويتصل بالعقوبات التي ما زال الغرب يفرضها، ويربط رفعها بمطالب قد تمس سيادة الدولة.
إلى جانب ما تشكله هجمات إسرائيل العسكرية، واستثمارها الجانب الطائفي من الأزمة الداخلية، من خطر يهدد الأمن القومي السوري.
السرديات الطائفية تدعم الفلول
وانتقد الأحدب السردية التي تروجها الأطراف المتضررة من سقوط الأسد، معتبرا أن “ما يتم تصويره كصراع طائفي أو مواجهة بين أغلبية سنية وأقليات المجتمع السوري، هو تضليل خطير، يراد منه توجيه رسالة للغرب مفادها أن الأقليات تتعرض لمذابح على يد الإسلاميين (النظام الجديد) وعلى المجتمع الدولي إنقاذها”.
ويتفق ما طرحه الخبير الأحدب، مع ما ذهب إليه الباحث في معهد دراسات الحرب، رايان كارتر، حيث أوضح في تقرير أن السرديات الطائفية التي تنشرها جهات مناهضة لحكومة أحمد الشرع، تدعم أهداف المتمردين.
وحث الحكومات الغربية على توخي الحذر عند تقييم العنف الناشئ، لأن الجهات الفاعلة في سوريا والمنطقة تحاول دعم روايات المتمردين -عن قصد أو بغير قصد- المصممة لتقويض النظام الجديد.
كما كشف كارتر وجود حسابات شعبية على مواقع التواصل الاجتماعي، بعضها باللغة الإنجليزية، تنشر محتوى يهدف إلى تأجيج هذا التوتر. ومن المرجح -بحسب رأيه- أن يكون هدفها هو نزع الشرعية عن الحكومة لدى الجمهور الأجنبي، وتعزيز مشاعر الخوف والحرمان الكامنة لدى العلويين.
إسرائيل في عمق المشهد
لطالما ادعت إسرائيل -التي ربطتها مع النظام المخلوع تفاهمات فرضت استقرارا يحفظ أمنها- وقوفها على الحياد من المذابح والمجازر التي كان يرتكبها الأسد بحق شعبه طوال الأعوام الماضية.
دفع سقوط النظام السابق المدوي على يد الثوار الإسلاميين، إسرائيل إلى العودة لسياسة كانت قد استخدمتها سابقا في العراق ولبنان، ترتكز في مبادئها على إضعاف خصومها، وشل قدراتهم، وتشجيع الأقليات على إنشاء كانتونات تخدم مصالحها.
وذكرت صحيفة وول ستريت جورنال، نقلا عن مصادر لم تسمها، أن تل أبيب تعمل حاليا على إقناع القوى العالمية بدعم فكرة تبني الدولة الناشئة في سوريا، نظاما اتحاديا، يضم مناطق عرقية مستقلة، مع جعل المناطق الحدودية الجنوبية منزوعة السلاح، معتبرة “سعي الإسلاميين لتوحيد سوريا إنما يشكل تهديدا لها”.
وفي المقابل، ذهب يائير رافيد رافيتز، رئيس فرع عمليات الموساد في بيروت، إلى أبعد من ذلك، عندما طلب من حكومته التعاون مع الأقليات السورية لمواجهة من أسماهم أعداء اسرائيل.
وذكر لصحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية، وجود تنسيق يجرى على الأرض بين إسرائيل والدروز، شارحا، أنه رغم غياب المعلومات المؤكدة لديه، إلا أنه يقدّر، استنادا إلى معرفته، أن الأسلحة الإسرائيلية تنقَل بالفعل إلى محافظة السويداء.
واستعرض رافيتز خطط تل أبيب المستقبلية لاستخدام الأكراد والعلويين في تحقيق أهدافها، مؤكدا -وفق الصحيفة- أن الظروف مهيأة لدعم الحركة الكردية في سوريا سرّا، وحتى تزويدها بالسلاح. أما بالنسبة للعلويين، فيرى أنه من المناسب تقديم دعم سري لهم، وتزويدهم بالسلاح والمعدات “لاستنزاف دماء أعدائنا الرئيسين في سوريا حاليا، وهم السنة المنتمون لتنظيم القاعدة”.
“كفوا عن مناصرة الأقليات”
بَيد أن حدثا مهما كشف جانبا من الوضع السائد، وقدم صورة مغايرة للسردية الرائجة حول حقيقة الأوضاع في سوريا. ففي فبراير/شباط الماضي، التقت رئيسة الأمانة الدولية للحرية الدينية، نادين ماينزا، بطاركة وأساقفة وقساوسة مسيحيين أثناء زيارتها لدمشق برفقة وفد رسمي يمثل منظمات دولية.
ونقلت ماينزا عن رجال الدين المسيحيين في سوريا قولهم “على الغرب أن يكف عن مناصرة وحماية الأقليات في سوريا، لأن من شأن ذلك أن يعزز الرواية الخطيرة التي استخدمها الأسد، وقسمت سوريا إلى أغلبية وأقلية. وبدلًا من ذلك، عليه السعي للاعتراف بهم كعناصر متساوية في المجتمع حتى ولو قلت أعدادهم”.
وذكرت ماينزا في تقرير أعدته عن الزيارة، ونشره مركز ويلسون، الذي يقدم المشورة والرؤى حول الشؤون العالمية لصناع القرار في الولايات المتحدة، أنها استمعت لأغلب الحضور، وكان من جملة ما أكدوا عليه أن معظم جيرانهم المسلمين السنة يرفضون الطائفية والعنف، وأنه في فترة ما قبل حكم الأسد، عاشت الطوائف الدينية والعرقية المتنوعة في سوريا معًا في سلام نسبي، ويأملون استعادة هذا التاريخ.
وأكدوا كذلك أن تأجيج التوترات الطائفية الذي أثبت فشله في العراق بعد الإطاحة بصدام حسين، غذى عدم الاستقرار بدلًا من تعزيز التعافي، ودعوا إلى عدم تكرار نظام المحاصّة العراقي أو النظام الطائفي اللبناني، خشية أن يرسّخ الانقسامات الطائفية نفسها.
وأفادت ماينزا بأن هناك إجماعا على الحاجة الملحة لرفع العقوبات، إذ تنذر الأزمة الاقتصادية المتفاقمة في سوريا بالتحول إلى مجاعة جماعية. وقالت “أعرب معظم الذين قابلتهم عن امتنانهم للرئيس أحمد الشرع الذي أطاح بالأسد، على الرغم من وجود مخاوف جدية لديهم بشأن صِلاته القديمة”.
من وجهة نظر الكاتب البريطاني، سيمون تيسدال، الذي يرى في تدخل القوى الأجنبية بالشأن السوري أمرا قد يعرض ثورة السوريين للخطر، بدأت سخرية المواقف الحالية تخطف الأنفاس. فالأصدقاء والجيران تكالبوا كالذئاب المفترسة، على جثة نظام البعث المخلوع، التي لا تزال تنتفض، وإذا لم يتم كبح جماحهم -كما يرى- فقد يمزقون سوريا من جديد.
وأوضح في مقال، نشرته صحيفة غارديان البريطانية، أن على القوى الأجنبية أن تدع سوريا وشأنها، وترْكَ أمر مستقبل السوريين للسوريين.
وأضاف “ليس للمجتمع الدولي الحق بإبداء رأيه بعد 13 عاما من الفشل في سوريا، خصوصا أن “تدخلات الغرب الجبانة” أجّجت الحرب، وأمام القيادة الحالية العديد من المصاعب، من إعادة اللاجئين والتخلص من الألغام إلى إصلاح اقتصاد البلاد المتهالك والتعافي من السنوات السابقة.
وتساءل تيسدال “كم سيكون من المنعش أن يثق العالم ولو لمرة واحدة فقط بشعب تحرَّر للتوّ، كي يرسم طريقه نحو العدالة والمصالحة وإعادة الإعمار بعيدا عن التدخل الخارجي؟”.
المصدر : الجزيرة
——————————–
الصراع والاشتراطات على سوريا/ أحمد عيشة
2025.05.09
ركزت السياسة الاستعمارية الفرنسية وغيرها على التعامل مع السكان كمجموعات دينية متناحرة، وزاد في الأمر تشكّل إسرائيل كجزء مكمل لسياسة تلك القوى، التي ما تزال تستثمر في سياسة “حماية” الأقليات.
بعد خروج القوات الفرنسية، لم ينته هذا التقسيم، وإنما بقي جزءاً من التركة، سواء بين الجيش، أو في على مستوى السياسة، وتنامى بشكل خطير بعد استلام البعث للسلطة عام 1963، الذي غذى تلك التقسيمات تحت غطاء خطاب عنتري، أفضى فيما بعد إلى تسلم حافظ الأسد للسلطة عام 1970، الذي أدخل سوريا في نفق مرعب، يعتمد فيما يعتمد عليه على التمييز الطائفي، إضافة إلى اختراق وتفتيت المجتمع السوري وفق سياسة الولاء والمحسوبية.
عارض كثير من السوريين سياسة الأسد الأب، لكن قوة قمعه وشراكته الطبقية مع برجوازيي دمشق وتمكّنه من تصوير الحركة المناهضة لسلطته عام 1980 بأنها حركة تتبع تنظيم الطليعة والإخوان المسلمين وطبيعة الاستقطاب الدولي في تلك الأيام ساعدته على سحق الحركة وتدمير أجزاء من المدن، وصولاً إلى إسكات الأصوات المعارضة من خلال رميها في السجون لفترات طويلة أو تهجيرها. ومع وراثة الابن للسلطة، وسّع تغلغله بين السوريين لدرجة الهيمنة على مفاصل الحياة (أمن وسياسة واقتصاد واجتماع)، وفق الأسس ذاتها الطائفية والمحسوبية، فكان لها آثار مدمرة في بنية المجتمع السوري، لكن في الوقت نفسه دفعت الناس إلى التمرّد والثورة بعد أن وصلت إهانة نظامه إلى عمق لا يمكن تحمّله، ناهيك عن حالة الإفقار والابتزار. لقد عمّق كل الانقسامات سواء الأفقية أو العمودية بين السوريين، لدرجة التنميط الثابت.
بدأت ثورة السوريين بمطالبة في الإصلاح والحقوق الأساسية، لكن فظاعة المواجهة وتصوير الناس كـ “جراثيم”، وتصوير الثورة كعمل إرهابي طائفي تدعمه دول تتصارع وفق الأساس ذاته، وأنها تحمل صراعاً وجودياً مع جمهوره، سواء على مستوى الطوائف أم المحسوبيات، دفعت الأمور نحو مناح أخرى، وهي العسكرة كحق طبيعي بالمقاومة، حيث أدرك الثوار أنها الطريق الوحيد للخلاص من نظامه. دخلت البلاد في حالة من الانقسامات المدعومة بالسلاح، من خلال كثير من الفصائل والميليشيات، فكانت إلى جانب النظام إيران وعموم الميليشيات الطائفية وكتائب الدفاع الوطني التي تعمل وفق رؤية النظام الطائفية، وفي المقابل، تشكلت كثير من الفصائل المناهضة، وأكثرها بمرجعية إسلامية، وبعضها بتوجه طائفي معتمداً على ما عانته الأكثرية السنية، ومحاولاً احتكار تمثيلها. وفي الوقت نفسه تشكلت القوة المسلحة الكردية -وليدة حزب العمال الكردستاني- صاحب العلاقات القوية مع نظام الأسد، التي قامت في جزء منها على أساس طائفي.
كان يوم 8 كانون الأول 2024، يوماً تاريخياً سيبقى محفوراً في ذاكرة السوريين، يوم الخلاص من النظام الأسدي الذي تصور وأوهم جمهوره بأنه أبدي. تنفست البلاد نسائم الحرية، وكانت حالة الابتهاج لدى عموم السوريين، بينما أبدت قلة لدوافع مختلفة “قلقها”، وشعرت فئات بأنها متضررة، وبدأت حالة الاشتراطات على الإدارة الجديدة، وبصيغة “ما يتوجب” تنفيذه من الإدارة، اشتراطات ظاهرها شيء يتلطى خلف مطالب مختلفة، وجوهرها رفض النظام الجديد تحت حجة أنه تكفيري وأنه سيقتل الجماعات الدينية في ترداد لدعايات الأسدية، على الرغم من التطمينات الكثيرة التي قدمتها الهيئة الحاكمة في الفترة الأولى، تطمينات لاقت رفضاً شعبياً خاصة بقضية التسامح مع القتلة.
تمثلت الاشتراطات بقسم من الجماعات الدينية (العلويين والدروز) من جهة، والعرقيات (الأكراد ممثلة بقسد التي يقودها حزب الاتحاد الديمقراطي ذو البنية الأمنية والعقلية الشمولية)، فظهر اسم الشيخ الهجري رافعاً من سقف المطالب، ورافضاً التعاون مع الحكم الجديد، بحجة أنه يخضع لتنظيم تكفيري، واضعاً الشرط تلو الآخر، مستغلاً حالة الحكم الوليد والتهديدات الإسرائيلية التي توهمه وغيره أنها ستحميه، فبدأت بإطلاق التصريحات حول حماية الدروز، سواء في السويداء أو حتى في ضاحية جرمانا (دمشق)، وأنها لن تسمح بنشر الجيش السوري جنوب دمشق، حيث عدّها الهجري وكأنها دعم له أو لأجله غير مدرك أن السياسة الإسرائيلية لا تُرسَم من أجل قلة من المأجورين، وأن مصلحة إسرائيل هي عدم قيام نظام وبلد قويين في سوريا، لا اليوم ولا غداً، ومع ذلك، فإن وهم الهجري الذي يستظل بتلك العنجهية الإسرائيلية قد يضاعف حالة الاستقطاب الديني أكثر ويمهد لاقتتال أطول.
إضافة لحركة الهجري، كانت حركة التمرد في الساحل، بقيادة ضباط سابقين من قوات الأسد وبدعم إيراني، التي كادت أن تدخل البلاد بحالة من الاقتتال الطائفي المرعب، فكانت عمليات القتل لقوات الحكومة من جهة ولأبناء الطائفة بالمجان، قتل يغذيه حالة الاحتقان الطائفي في البلاد التي غرسها نظام الأسد.
عكست حركة الهجري وتمرد الساحل حالة الاحتقان الطائفي المزمن، فغدا الحديث إضافة للقتل بناء على تصنيف “نحن” و”هم” من جهة، ومن جهة أخرى، عكس ضعف الدولة الجديدة وكشف التحديات الكبرى أمامها، وأهمّها عملية توحيد الفصائل العسكرية تحت هيكل واحد، وتخليصها من الحالة الفصائلية التي مثلت أهم المشكلات أمام الدولة الوليدة.
الاشتراط الأخير أتى من مجموعة الأحزاب الكردية وقوات (قسد) بقيادة حزب الاتحاد الديمقراطي التي تسيطر قواته على ربع مساحة البلاد وأهمّ ثرواته، وتمتلك قوة عسكرية كبرى مدعومة من الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية، وذلك من خلال الاجتماع الأخير في القامشلي، وما صدر عنه من بيان تصعيدي يرفع سقف المطالب الكردية، مناقضاً الاتفاق بين الشرع وعبدي، حيث تزامن البيان هذا مع رفع سقف مطالب الهجري، وصولاً إلى رفض التعامل مع الحكومة الجديدة ما لم تنصَع لشروطه.
لا شك أن الأكراد تعرضوا لكثير من المظالم والانتهاكات على مستويات المختلفة، ويتطلب الأمر إنصافهم بالكامل من خلال الإطار الوطني الديمقراطي الذي يضمن حقوق وحرية وكرامة الأكراد، ضمن أشكال يتم التوافق عليها، بعيداً عن المطالب التي تؤسس لكيانٍ معطل على طريقة حزب الله في لبنان.
ما تكشفه الصراعات والتمردات الأخيرة في البلاد بوجه الحكومة الجديدة هو عمق حالة التطييف والانقسامات في البلاد، التي رسخها نظام الأسد من خلال الامتيازات التي قدمها، ومن خلال بنية أجهزة القمع لديه، سواء الجيش أم المخابرات التي كانت تعمم العنف في مناطق وتخصصه في أخرى تبعاً للتركيبة السكانية، ناهيك عن خلق فئة من رجال المحسوبية ضمن تلك الطوائف المرتبطة عضوياً مع نظام الأسد، التي تشربت العداء للسنّة، من خلال تصويرهم كجماعة “متخلفة” ومنبع لـ “الإرهاب” و”تكفيريين”، وغير ذلك من التهم التي تبرر عمليات القتل الجماعية بحقهم، هذه الحالة مهدت التربة لنشوء جماعات تكفيرية وفق خطاب وممارسة طائفية تدعي احتكار مظلومية السنة، وتصور الصراع على أساس طائفي فقط ناسفة أسبابه الأخرى، وأهمها الاستبداد وتغييب الحريات وهدر كرامة الناس.
بالطبع، لا يمكن فصل ما يحدث في الداخل من حركات تمرّد ومطالبات عن صراعات القوى الإقليمية والدولية على سوريا، فإيران التي خسرت “واسطة العقد” في محورها المقاوم لن توفر أي جهد لزعزعة الوضع، وكذلك إسرائيل التي لن تسمح بوجود قوي لتركيا في جوارها، خاصة بعد إنهاء الوجود الإيراني، ناهيك عن الصراع العالمي بين أميركا والغرب من جهة، والصين وروسيا من جهة، على الهيمنة، لكن ما يتوجب علينا فهمه أن تلك الدول تتصارع وفقاً لمصالحها وأمنها، وليس من أجل السوريين، ربما ما يلزمها منهم هو الديكور أو الاستخدام المؤقت المأجور.
أمام الواقع السوري الذي تنخره الصراعات، وأهمّها الطائفي الذي برز مؤخراً والذي يصعب نكرانه وتجاوزه، يجب على الجميع، وأولهم الدولة الوليدة، معالجة الأمر سياسياً -كون أساس التطييف سياسياً وليس دينياً- وهذا يستدعي أولاً مشاركة أوسع القطاعات في عمليات البناء، فعلاً لا قولاً، في عملية بناء أجهزة الدولة، والعمل على فرض القانون على الجميع، وخاصة على من خلال القضاء وأجهزة إنفاذ القوانين، وخاصة على كبار القتلة أولاً وعلى ما يطلق عليهم الجماعات “المنفلتة”، وإطلاق حوار سياسي واسع في البلاد حول أهم القضايا، والعودة عن القرارات الخاطئة، إن تبيّن عدم رضا الناس عنها.
الأمر الأكثر أهمية هو عدم التعامل مع الجماعات الدينية أو الإثنية كجماعة متماسكة، فلا حركة الهجري تمثل الدروز، ولا مجلس الطائفة العلوي يمثل العلويين، ولا حزب الاتحاد الديمقراطي، ومن باب أولى لا يمثل السنة أي تنظيم أو جماعة سياسية، وينبغي التعامل كمواقف سياسية وتيارات لها مصالح وارتباطات ومطالب سياسية، مما يسهّل حتى عزلها وتجنب المزيد من الخسائر، وبالتالي تحويل حتى
الصراعات إلى عملية سياسية تحكمها القوانين، بعيداً عن الصراع على أسس هوياتية يمكن أن يفتح باب الجحيم من جديد على البلاد.
تلفزيون سوريا
—————————-
التصوّرات الطائفيّة تدمّر الدولة السورية/ راتب شعبو
09 مايو 2025
التصوّرات التي نرى من خلالها حدثاً ما تحكم مواقفنا وتحدّد سلوكنا تجاهه. وللتصوّرات قدرةٌ على مقاومة الواقع وإرغامه على التوافق معها عبر آليات نفسية أكثر منها عقلية، مثل انتقاء الوقائع وزيادة أو إنقاص وزن الحقائق بما يناسب التصوّر… إلخ. على سبيل المثال، التصوّر بأن الكوارث التي أصابت المسلمين السُّنة في سورية منذ انطلاق الثورة في 2011، هي استهداف تمييزي ضدّ السُّنة من نظام سياسي طائفي يقلب الموازين بطريقة تضرب على العصب، فيضع أبناء الأقلّية العلوية في موقع مميّز في الدولة، وتسانده الأقلّيات التي لم تعترض (كما يجب) على السياسة الإجرامية الاستباحية التي مارسها نظام الأسد ضدّ جمهور الثورة السورية، الذي كان في غالبيته من السُّنة، في حين لم يلحق بالأقلّيات القدر نفسه من الأذى الذي لحق بهؤلاء… نقول إن هذا التصوّر يجعل من يحمله من المسلمين السُّنة (نستثني الكرد لأن لهم قضية قومية مستقلّة عن الانتماء الديني فلا يتطوّر لديهم مثل هذا التصور) في موقف شديد العداء للأقلّيات الدينية، وقد يجعله متساهلاً مع (أو ربّما راغباً في) الاقتصاص منهم، وصولاً إلى تقبلّ المجازر بحقّهم، حتى لو كان هذا الشخص ذا ثقافة حديثة، وحتى لو كان ذا ميول ضدّ إسلامية في السياسة.
سيجعلك هذا التصوّر ترى أن هناك ظلماً كبيراً وقع على السُّنة في سورية، فقط لأنهم سنّة، على يد الأقلّيات الامتياز نفسه، وسيبدو هذا الظلم أكثر ثقلاً إذا ذهب التفكير بك إلى محاكمة تقول إن السُّنة ليسوا فقط مسلوبي الحقّ في حكم البلد الذي هم أكثريته السكّانية، بل يتعرّضون، فوق ذلك، إلى صنوف البطش على يد “أقلّيات متحالفة”. مع تعثّر الثورة في سورية وارتفاع منسوب بطش نظام الأسد إلى حدودٍ غير مسبوقة، تعزّز حضور النظرة الطائفية في الإعلام، وفي الوسطَين الشعبي والعالِم المضادّ للنظام السابق. والحقّ يحتاج المرء إلى قدر جيّد من العقل النقدي للتغلّب على الغريزة الهُويَّاتية التي تجعله يستسلم لانطباعات سطحية سهلة.
وفوق ذلك، سيبدو الظلم رهيباً أكثر لدى الفئة التي تحمل تصوراً دينياً دنيوياً يرى في المسلمين السادة الأجدر للعالم، فكيف يكونون إذاً محكومين ومظلومين ومبطوشا بهم في بلدهم. ويظهر ثقل هذه المفارقة الحادّة في اللغة الإبادية الصريحة التي بات سماعها مألوفاً ويمرّ من دون تبعات، اللغة التي تنظر إلى الصراع الجاري على أنه استمرار لصراع مذهبي، ولكنّه مفتوح اليوم على إبادة لا محلّ فيه للهداية. شيوع هذا التصوّر الطائفي هو ما يفسّر التأييد الذي تحظى به السلطة الجديدة في دمشق، وضعف الموقف الاحتجاجي منها، مع غلبة النزوع التبريري من جانب غالبية المسلمين السُّنة، بصرف النظر عما تفعله أو لا تفعله هذه السلطة. هناك خشيةٌ واضحةٌ لدى المسلمين السُّنة من سقوط السلطة الجديدة، تشبه خشية العلويين السابقة من سقوط نظام الأسد. وهذه الخشية، يضاف إليها وجود تصوّر خرافي عن قدرات غامضة يمتلكها العلويون وبقايا النظام، كانت في أصل التلبية الواسعة للنداء إلى النفير في السادس من مارس/ آذار الماضي، بطريقة تشبه ردّة الفعل المناعي على فيروس سبق للجسم أن تلقّى لقاحاً ضدّه، ولكن المستهدف في هذه الحالة ليس سوى الجسم نفسه، ذلك أن التصوّر الطائفي السائد لدى أهل السلطة وأنصارهم يحرّض في الجسم السوري مرضاً له الآليات نفسها لما يسمى في اللغة الطبّية “أمراض المناعة الذاتية” التي تنهك المريض، فتقوم وسائل حماية الجسم بمهاجمة خلايا الجسم نفسه.
في كلّ حال، يسحق التصوّر الطائفي كلّ مقوّمات التصوّر الوطني، ويبقى ضيّقاً على استيعاب دولة عمومية. حين سيطر التصوّر الطائفي عند المسيطرين على الدولة السورية من العلويين، برز لديهم الشعور بخصوصية الدولة الذي عبّر عن نفسه في “نحن الدولة” في مواجهة الأخرين، وقد دفعت ممارسة هذا التصوّر من موقع قيادة الدولة إلى تحفيز عصبية طائفية علوية تتماهى مع الدولة وتتمسّك بها حتى اللحظة الأخيرة، رغم كلّ الموت والبؤس الذي أوصلتهم “دولتهم” إليه. وفي المقابل، دفعت طائفية نظام الأسد إلى تحفيز عصبيةٍ سنّيةٍ مضادّة، حين استقرّ في وعي عموم السُّنة أنهم في مرتبة أقلّ في بلدهم، عصبية لم تنفع معها محاولات نظام الأسد اختراق المتن السُّني وجذبه من طريق الغزل الديني في بناء المساجد ومعاهد تحفيظ القرآن وإنشاء قناة تلفزيونية دينية وقبيسيات وتقريب رموز دينية… إلخ، أو الغزل السياسي في المناصب الإدارية أو الاقتصادي في مجالات التجارة والصناعة، الأمر الذي انتهى إلى تحطيم الدولة عقب صراع مدمّر أخرج من المجتمع السوري أسوأ نوازعه.
واليوم، حين يسيطر التصوّر الطائفي على المُمسكين بمقاليد الحكم في سورية، ويسيطر لدى السُّنة شعور التماهي بالدولة كما كان حال العلويين من قبل، تتحوّل الدولة دولةً خاصّةً، وتتحوّل الطوائف الأخرى محمياتٍ وخواصرَ رخوةً تكون الدولة ضعيفة بهم، بقدر ضعف تماهيهم بها. كان أنصار الأسد يعلنون إنهم يدافعون عن الدولة السورية، فيما يحمل العلويون منهم بوجه خاص، دافعاً أعمق هو صدّ الإسلاميين بوصفهم العدو المباشر لهم. هكذا كانت تتحوّل الدولة أداةً أو حتى ذريعةً في صراع مذهبي. يتكرّر الحال اليوم مع أنصار السلطة الجديدة، حين يبرّرون الممارسات العنيفة ضدّ الأقليات المذهبية بأنها حرص على بناء الدولة. في الحالتين، يبرّر المناصرون المجازر باسم الدولة. في الحالتَين، يدافعون عمّا يدمّر الدولة باسم الحرص على الدولة، وهو حرص غير حقيقي، ويُضمِر نزعةً طائفيةً ربّما لا يدركها المناصر. من الطريف اليوم أن عناصر الفصائل التي تسيطر في الدولة لا يتكلّفون عناء تجميل دوافعهم الطائفية، ذلك لأنهم الأقوى على هذا الصعيد، على خلاف العلويين من قبل.
يبقى من الصعب أن يستقرّ الحال في سورية على هذه الصورة، لأنه من الصعب أن تلعب العصبية السُّنية، الدور نفسه الذي لعبته العصبية العلوية في النظام السابق، فالسُّنة هم أغلبية المجتمع وبيئة التنوع السياسي فيه. فضلاً عن أن أسباب الخوف الأقلّوي العلوي غير متوفّرة عند الأكثرية السُّنية. صحيح أن مثل هذا الخوف محسوس اليوم لدى غالبية السُّنة، ولكنّه غير قابل للاستمرار ليكون سنداً دائماً للنظام الذي يتشكّل في دمشق. على هذا سيكون استقرار النظام السياسي في سورية مرهوناً بمدى ابتعاده من النزوع الطائفي غير الوطني، أي بمدى قدرته على تحدّي نفسه. هذا وحده ما يشكّل أرضيةً لتماهي الجماعات السورية غير السُّنية، مع الدولة، وأيضاً لرضى الغالبية السُّنية نفسها واستقرار علاقتها بالدولة الجديدة.
العربي الجديد
——————————
اصطفافات جديدة تعزّز الكارثة/ رشا عمران
09 مايو 2025
في عام 2011، مع بدايات الثورة السورية، حدثت انقسامات حادّة في المجتمع السوري، طاولت حتى العائلات والأُسر، ولم تقتصر على الكتل المجتمعية المختلفة (دينيةً ومذهبيةً ومناطقيةً). انقطعت أواصر أُسر وأزواج وأصدقاء (خسرت كاتبة هذه السطور أصدقاء عُمُرٍ انحازوا إلى النظام وردّدوا سرديته ضدّ الثورة والثوّار)، وتشكّلت بنية علاقات جديدة، قوامها الانحياز إلى الحدث الثوري وظروف اللجوء والهجرة إلى مجتمعاتٍ جديدةٍ غريبةٍ في لغتها وعاداتها، فرضت على السوريين وقتها المزيد من التلاحم والتكتّل في مجتمعاتٍ خاصّة بهم، خصوصاً في السنوات الأولى، حين كان العمل في الإغاثة ودعم المناطق المُحاصَرة ومناصرة المهجّرين والضحايا يستلزم تكاتفاً جمعيّاً من سوريّي الخارج.
تشكّلت وقتها علاقاتٌ بين أفرادٍ سوريين ما كانوا ليكونوا أصدقاءَ، لولا تلك الظروف التي نتحدّث عنها. ومع مرور الوقت، وانشغال البشر في حياتهم اليومية، وخروج الوضع السوري من أيدي السوريين وثباته على ما كان عليه في سنوات الأسد الأخيرة، لم يعد أولئك السوريون يلتقون إلا في المناسبات، عدا الذين استطاعوا الشغل في بنية تلك العلاقات وتحويلها من علاقة مؤقّتة، فرضها ظرف سياسي ما، إلى علاقات صداقة متينة لا تخضع لمزاج المتغيّر السياسي.
سقط الأسد وانتصرت الثورة، وعمّت الاحتفالات بالنصر المجتمعات السورية كلّها في الخارج، مثلما حدث في الداخل السوري. الفرح والنشوة بالانتصار جعلا السوريين يشعرون كما لو أنهم استعادوا سورية جميعاً، ومعها استعادوا الثقة بأنهم أبناء مجتمع متماسك ومتين، فما فرّقهم ذات يوم قد اختفى الآن، ما يعني أن القُطَب المفكوكة في بِساط المجتمع قد رمّمها الانتصار واستعادة الوطن وهُويَّته. لكنّ هذا لم يدم فترةً طويلةً. انتهت الأفراح وليالي النصر الملاح، وبدأ الواقع الهشّ والمهترئ يتكشّف شيئاً فشيئاً، ومع كلّ انكشاف كان ثمّة صدمة كبيرة وقاسية تغلق (شيئاً فشيئاً) نوافذ الأمل المفتوحة على آفاق مستقبلٍ سوريٍّ جديد يتسم بالعدالة والشفافية، والتغيير الشامل لكلّ البنى السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي رسّخها نظام الأسد عبر 50 عاماً.
لكن الانتهاكات (سمّيت فردية) بحقّ العلويين مبدئياً، ثمّ مجازر الساحل السوري، ثمّ ما حدث في مناطق الدروز في ريف دمشق ومحافظة السويداء، والخطاب الطائفي التحريضي المعمّم في وسائل التواصل، الذي يقوده إعلاميون مقرّبون من السلطة المؤقتة، وإقصاء وتهميش شرائحَ واسعة من المجتمع السوري، والتّدخل السافر في عادات السوريين وحياتهم الاجتماعية، والأسئلة المُحرجة عن طوائفهم، والغياب الكامل للعدالة ومعاقبة المرتكبين… ذلك كلّه ترك الباب مفتوحاً للعدالة الانتقامية، والثأر على الطريقة القَبلية، وفلتان الوضع الأمني وعدم القدرة على ضبطه. ومع كثير ممّا يحدُث يومياً، أُسدل الستارُ نهائياً على حلم سورية الجديدة الموحّدة، ودُقَّ مسمارٌ أخير في نعش الهُويَّة الوطنية السورية لمصلحة هُويَّات ما قبل وطنية، خصوصاً الدينية والطائفية.
انعكس هذا التغيّر على العلاقات المجتمعية وأعاد الاصطفافات السابقة إلى نقطة الصفر، لتبدأ اصطفافاتٌ مبنيةٌ على الموقف من السلطة الحالية، ومعظمها ذو طابع طائفي يعزّز الخراب القائم. وكما حدث في أوّل الثورة، الانحياز هنا أيضاً متطرّفٌ ويصل إلى حدّ القطيعة، وكأنّه لا يجوز لأحد أخذ مسافة ما لفهم سياقات ما يحدُث، والتريّث في الحديث عنه، أو كأنّ ثنائية “مع أو ضدّ” القاتلة يجب أن تبقى هي السائدة، وهي (للأسف!) مدعّمة من السلطة المؤقّتة بالكامل، ما أبعد من واجهة المشهد السوري العام شخصيات مؤهّلة عِلمياً واقتصادياً ومجتمعياً ودولياً للمساهمة في إعادة ترتيب أولويات السوريين لبناء سورية الحلم، لمصلحة شخصيات ميزتها الوحيدة هي التطبيل لكلّ ما يصدر من السلطة، وترويجه، وإيجاد المبرّرات والذرائع للأخطاء القاتلة التي سوف تؤدّي حتماً إلى تفتيت سورية التي نعرفها.
أمّا أسوأ ما يحدث الآن فهو أن يُعتبَر الشبّيحة السابقون من مؤيّدي مجازر الأسد واقفين في صفّ واحد مع الديمقراطيين والعلمانيين ممّن يعترضون اليوم على سياسات ومجازر السلطة المؤقّتة، بقوة اعتراضهم نفسها على سياسات الأسد ومجازره، وهو لا يقترب من الحقيقة قيد أنملة، ذلك أن ما نراه اليوم ليس سوى نتيجة سلسلة طويلة ومهولة من الجرائم التي ارتكبها نظام الأسد، وهلّل لها مؤيّدون لا يملكون ضميراً وطنياً، ولا يختلفون عن مؤيّدي جرائم اليوم وضمائرهم الميّتة.
العربي الجديد
—————————-
تحالف “أسدي” في أميركا يرفع شعار الديمقراطية ويخفي مشروعاً طائفياً للتقسيم
2025.05.09
كشفت مصادر خاصة لموقع “تلفزيون سوريا” عن نشاطات سياسية وإعلامية تقودها مجموعة تدّعي تمثيل العلويين السوريين في الولايات المتحدة، تحت اسم “رابطة العلويين في الولايات المتحدة”، وتعمل بتنسيق وثيق مع تيار مدني يضم شخصيات كانت على ارتباط مباشر بالأجهزة الأمنية التابعة لنظام المخلوع بشار الأسد.
ووفقاً لوثائق وصور حصل عليها موقع “تلفزيون سوريا”، فقد أرسلت الرابطة خلال الأشهر الماضية رسائل إلى الكونغرس الأميركي تزعم فيها أن العلويين يتعرضون لـ “تطهير عرقي”، و”إبادة جماعية” في سوريا، مطالبةً بدعم مؤتمر تنظمه الرابطة في 12 و13 من أيار الجاري في مبنى الكونغرس بواشنطن.
654
ويظهر البحث عبر المصادر المفتوحة ووسائل التواصل الاجتماعي أن “رابطة العلويين في الولايات المتحدة” أعلنت عن انطلاقاتها في شباط الماضي
، أي قبيل اندلاع التوترات الأخيرة في الساحل السوري، ما يشير إلى وجود خطة عمل ممنهجة.
شخصيات بارزة وصلات أمنية
تُظهر الوثائق التي اطلع عليها تلفزيون سوريا أن الرسائل الموجهة إلى الكونغرس تحمل توقيع شخص يُدعى عيسى سلامة، وهو زوج سارة حيدر، العضو البارز في الرابطة، ويُعتقد أنه مقرّب وأحد أفراد عائلة العميد أديب سلامة
، أحد أبرز قادة المخابرات الجوية سابقاً، والمعروف بـ “سفاح حلب”.
والعميد أديب سلامة أحد أبرز رموز نظام الأسد الأمنية، ومدرج على قوائم العقوبات الأميركية والأوروبية والبريطانية الكندية، ويُتهم بإشرافه المباشر على عمليات القتل والاعتقال التعسفي والتعذيب التي كان يقوم بها عناصر فرع المخابرات الجوية في شمالي سوريا.
كما ورد ذكر العميد أديب سلامة في تقرير منظمة “هيومن رايتس ووتش” بعنوان “أقبية التعذيب: الاعتقال التعسفي والتعذيب والاختفاء القسري في مراكز الاعتقال السورية”، والذي يؤكد عمليات التعذيب التي تعرض لها المعتقلون في محافظة حلب على يد العميد أديب سلامة، فضلاً عن ارتباطه مع ميليشيات إيرانية ارتكبت انتهاكات واسعة بحق السوريين.
ويرأس “رابطة العلويين في الولايات المتحدة” الدكتور مرهف إبراهيم، وهو طبيب سوري مغترب، ينحدر من محافظة حمص، ومقيم في الولايات المتحدة منذ العام 2004.
ويُعرف عن الدكتور مرهف إبراهيم ارتباطه الوثيق بنظام الأسد ومؤسساته، بما في ذلك “مؤسسة العرين الإنسانية”، وهي كيان مدني رديف لمؤسسات الأسد الأمنية، تديره أسماء الأسد، ويخضع للعقوبات الدولية، وصُنفت المؤسسة بأنها “توزع المساعدات وفق سياسات وأولويات النظام، وبالتالي الاستفادة منها ودعمها”.
كما ارتبط اسم الدكتور مرهف إبراهيم بإجراء عمليات جراحية لمصابي وجرحى جيش نظام الأسد، بتمويل من “مؤسسة العرين”، حيث روّجت وسائل إعلام الأسد أن الدكتور إبراهيم يطلق “مبادرات إنسانية
” لمساعدة مرضى القلب في سوريا.
“شبيحة” يعودون بثوب مدني
تظهر إحدى الوثائق اجتماعاً عقده أعضاء من الرابطة مع شخصيات داعمة لنظام الأسد في الولايات المتحدة الأميركية، بينهم عزيز وهبي، الذي ينتمي إلى ما يُسمى “التيار السوري المدني الحر”، وهو تيار يضم فيه أشخاصاً عملوا سابقاً ضمن تشكيلات “الشبيحة”، قبل أن يعيدوا تقديم أنفسهم كناشطين مدنيين عقب سقوط نظام الأسد.
وتشير معلومات صفحة “التيار السوري المدني الحر” إلى أنه أنشأ في كانون الثاني
الماضي، أي قبيل أحداث الساحل والتوترات الأخيرة فيه، ما يشير إلى خطة عمل ممنهجة أيضاً.
وتؤكد المنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي لكل من عزيز وهبة و”رابطة العلويين في الولايات المتحدة” و”التيار السوري المدني الحر” إلى تعاون وثيق، يروج لجملة من الخطابات المثيرة للجدل، منها:
الدعوة العلنية لتقسيم سوريا إلى كانتونات طائفية، كما صرح بذلك عزيز وهبي على حسابه الشخصي.
تصوير العلويين كمستهدفين من قبل الحكومة السورية الجديدة.
رفض أي حل سياسي في سوريا من دون تمثيل الأقليات.
“مؤتمر من أجل الديمقراطية”: مغالطات ومزاعم تمثيل العلويين
وتستعد “رابطة العلويين في الولايات المتحدة” لعقد مؤتمر بعنوان “المؤتمر السوري الأميركي من أجل الديمقراطية”، يومي 12 و13 أيار الجاري، داخل مبنى الكونغرس الأميركي، وذلك تحت مزاعم “حماية الأقليات وتعزيز التعددية”، إلا أن الوثائق التي حصل عليها موقع “تلفزيون سوريا” تكشف عن جوهر مختلف تماماً.
وتكشف الوثائق والصور عن شبكة أمنية وسياسية موالية لنظام الأسد المخلوع، تعمل على إعادة تدوير رموزها عبر خطاب مدني مزيف، يتهم الحكومة السورية الجديدة بأنها عبارة عن “جهاديين” ينفذون “حملة تطهير طائفي”.
وتستخدم الوثائق الرسمية للمؤتمر لغة قانونية حقوقية تستند إلى مفاهيم العدالة والحرية، إلا أنها تتضمن مزاعم كاذبة ومغالطات بارزة، منها:
اتهام الحكومة السورية الجديدة بارتكاب جرائم تطهير عرقي وطائفي.
تقديم الطائفة العلوية كمجموعة محايدة لا علاقة لها بالحرب في سوريا أو جرائم نظام الأسد.
تجاهل دور الأجهزة الأمنية في الجرائم وانتهاكات حقوق الإنسان في سوريا.
المطالبة بما يسمى “حقوق رئاسية” للعلويين كشرط لأي تسوية سياسية.
اشتراط بقاء هيئة تحرير الشام على قوائم الإرهاب إلى حين منح الأقليات حق الرئاسة.
مطالبة الولايات المتحدة بربط رفع العقوبات عن سوريا بمصير العلويين.
المطالبة بدعوة وفود أميركية لزيارة الساحل السوري بذريعة التحقق من المجازر بحق الأقليات.
تزعم الرابطة أنها تمثل “مجموعة من الأطباء والمهنيين”، في محاولة لإضفاء شرعية أكاديمية على نشاطها.
تحالف أمني – مدني يروّج للتقسيم تحت غطاء الأقليات
ولدى البحث عبر المصادر المفتوحة ووسائل التواصل الاجتماعي عن الشخصيات المرتبطة بـ “رابطة العلويين في الولايات المتحدة” و”التيار السوري المدني الحر” والمشاركين في “المؤتمر السوري الأميركي من أجل الديمقراطية”، تبرز الأسماء التالية:
مرهف إبراهيم: يشغل منصب رئيس “رابطة العلويين في الولايات المتحدة”، وهو طبيب ينحدر من محافظة حمص، يعرف عنه ارتباطه الوثيق بنظام الأسد ومؤسساته، بما في ذلك “مؤسسة العرين الإنسانية”، ويرتبط اسمه بإجراء عمليات جراحية لمصابي وجرحى جيش نظام الأسد، بتمويل من “مؤسسة العرين”، الخاضعة للعقوبات.
عيسى سلامة: ويعتبر الذراع التنفيذي للرابطة في واشنطن، وهو من وقّع على المراسلات الرسمية باسمها الموجهة إلى الكونغرس الأميركي، ويُعرف بكونه قريباً للعميد أديب سلامة، أحد أبرز قادة المخابرات الجوية في عهد النظام السابق، والمعروف “سفاح حلب”.
سارة حيدر: زوجة عيسى سلامة وإحدى الشخصيات الفاعلة في نشاطات الرابطة، تنتمي إلى عائلة أمنية، وظهرت في عدة صور تمثّل الرابطة خلال لقاءات ومؤتمرات، وتعد أحد الوجوه الساعين لترويج خطاب “العلويين المضطهدين” في الأوساط السياسية الأميريكية.
عزيز وهبي: أحد أبرز وجوه “التيار السوري المدني الحر”، شارك في عدة فعاليات مشتركة مع الرابطة، ودعا بشكل علني إلى تقسيم سوريا إلى أقاليم طائفية، وظهر في صور إلى جانب سفير نظام الأسد في روسيا، بشار الجعفري، وشارك بعدة تظاهرات وتجمعات مؤيدة للأسد في الولايات المتحدة.
عدي حسن: أحد المشاركين في الاجتماعات المشتركة بين الرابطة والتيار، وكان سابقاً جزءاً من مجموعات “الشبيحة”، قبل أن يعيد تقديم نفسه كناشط مدني، وتربطه صلات مباشرة بمسؤولين رفيعي المستوى في النظام المخلوع.
إعادة تدوير أدوات الأسد
تؤكد مصادر موقع “تلفزيون سوريا” أن هذه المبادرات تأتي في سياق مشاريع دولية تهدف إلى تقسيم سوريا إلى كيانات طائفية وإثنية بذريعة حماية الأقليات، بدعم غير معلن من شخصيات سياسية أميركية ذات توجهات يمينية.
ويؤكد أحد المصادر أن “ما يجري هو إعادة تدوير لأدوات نظام الأسد، كاستخدام خطاب الأقليات، بهدف كسب اعتراف سياسي وربما حصة مستقبلية في أي حل دولي”.
ويشير المصدر إلى أن “ما يظهر للعلن أن هذه المجموعات تسعى لمؤتمر يروّج للديمقراطية وحقوق الأقليات في سوريا، لكن في الحقيقة يخفي في جوهره مشروعاً موجهاً لإعادة إدماج بقايا نظام الأسد الأمنية في المعادلة السياسية السورية”.
وشدد المصدر على أن “استخدام يافطة (العلويين المضطهدين) باتت أداة لترويج تقسيم سوريا، والطعن في شرعية مؤسسات الحكومة السورية، والمطالبة برفع العقوبات عن شخصيات ارتبطت عضوياً بالآلة القمعية للنظام المخلوع مع إبقاء العقوبات على سورية والضغط الدولي على الحكومة السورية مستمرا”.
تلفزيون سوريا
—————–
==========================
=========================
واقع وكواليس الاتفاق بين “قسد” وحكومة الجمهورية العربية السورية مقالات وتحليلات تتحدث يوميا تحديث 10 أيار 2025
لمتابعة تفاصيل هذا الملف اتبع الرابط التالي
دوافع وكواليس الاتفاق بين “قسد” وأحمد الشرع
—————————-
عقدة اللامركزية: تأثير الحسابات الكردية على إقامة الدولة السورية
8 مايو 2025
اتفقت الفصائل الكردية بمشاركة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) على مطلب الدولة اللامركزية الديمقراطية، وذلك يتعارض مع الاتفاق بين قسد والقيادة السورية الجديدة، ويعقِّد عملية إقامة الدولة السورية الموحدة.
عُقِد في مدينة القامشلي، شمال شرقي سوريا، يوم السبت 26 أبريل/نيسان 2025، مؤتمر بعنوان “وحدة الموقف والصف الكردي”. شارك فيه، كما ذكرت تقارير صحفية، زهاء 400 عضو، سواء من ممثلي التنظيمات الكردية السورية، السياسية وغير السياسية، أو الشخصيات المستقلة، وممثلون من حزب العمال الكردستاني التركي وعدد من الأكراد العراقيين. والأهم، كان مشاركة مندوب عن مسعود البارزاني، الرئيس السابق لإقليم كردستان العراق والشخصية الأبرز في الإقليم، وبمشاركة أحد المسؤولين الأميركيين. ولكن الواضح أن قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، أو بالأحرى العنصر الكردي المهيمن على قسد، كان المحرك الرئيس خلف المؤتمر. بدون قسد، التي تتمتع بسيطرة حصرية على شمال الشرق السوري، ما كان للمؤتمر أن يُعقد. والراجح أن بيان المؤتمر النهائي قد كُتب أيضًا باللغة التي أرادتها قسد، أو على الأقل التي وافقت عليها.
وكان فيصل يوسف، المتحدث الرسمي باسم المجلس الوطني الكردي، الذي كان طُرد من شمال شرقي سوريا عندما سيطرت قوات حزب الاتحاد الديمقراطي (المكوِّن الكردي لقسد) على المنطقة، قد أشار قبل انعقاد المؤتمر، إلى أن هدف المؤتمر هو مباركة الاتفاق الذي كان سبق التوصل إليه بين المجلس الوطني الكردي وحزب الاتحاد الديمقراطي، وطرحه بصفته رؤية كردية سورية جامعة. وقال يوسف: إن الرؤية الكردية التوافقية تسير باتجاه اللامركزية، “وإنْ كنَّا لم نحدد بعد ما إن كانت باتجاه لا مركزية إدارية أو لا مركزية سياسية”.
في نهاية المؤتمر، ولتوكيد وحدة الصف الكردي، كان القيادي في المجلس الوطني الكردي، محمد إسماعيل، هو من قام بتلاوة البيان النهائي، الذي يفترض أنه استند إلى الرؤية السياسية الكردية المشتركة. تبنَّى البيان التوافقي للمؤتمر المطالبة ببناء “دولة ديمقراطية لا مركزية” في سوريا، يضمن دستورها حقوق الأكراد ومشاركة المرأة الفعالة في كافة المؤسسات السياسية والاجتماعية والعسكرية. كما تبنى الدعوة إلى أن تصبح اللغة الكردية لغة رسمية ثانية في سوريا، وإلى استحداث تقسيمات إدارية جديدة في البلاد، مثل تحويل القامشلي أو عفرين أو كوباني (عين العرب) إلى محافظات، لتكون هناك محافظات ذات غالبية كردية.
وقال محمد إسماعيل خلال تلاوته البيان الختامي: إن الرؤية المشتركة الكردية تشكل “وثيقة تأسيسية” في إطار “سوريا موحدة”، بهويتها المتعددة القوميات والأديان والثقافات. بمعنى أن المؤتمر لا يطالب بكينونة لا مركزية للأكراد وحسب، ولكنه ينادي بإقامة الجمهورية السورية عمومًا على أسس هوياتية تعددية. دعا البيان، إضافة إلى ذلك، إلى اعتماد الرؤية الكردية المشتركة “أساسًا للحوار الوطني” بين القوى الكردية المؤتلفة والإدارة الجديدة في دمشق، على أن يتم تشكيل وفد للتواصل مع الأطراف المعنية لترجمة مضامين الرؤية إلى اتفاق سياسي.
عمومًا، مهما كان الهدف خلف مؤتمر القامشلي، فإن ردَّ الإدارة السورية الجديدة لم يتأخر. ففي بيان لها، أكدت الرئاسة السورية أن حقوق الأكراد محفوظة في إطار الدولة السورية الواحدة على قاعدة المواطنة الكاملة والمساواة أمام القانون “دون الحاجة لأي تدخل خارجي أو وصاية أجنبية”. كما أعرب البيان عن القلق من “الممارسات التي تشير إلى توجهات خطرة نحو تغيير ديمغرافي في بعض المناطق؛ مما يهدد التماسك الاجتماعي السوري ويضعف فرص الحل الوطني الشامل”. وحذَّر البيان من تعطيل عمل مؤسسات الدولة في المناطق التي تسيطر عليها قسد واحتكار الموارد الوطنية، ومن محاولة قسد الاستئثار بالقرار في شمال شرقي سوريا حيث تتعايش مكونات أصيلة من العرب والمسيحيين والكرد.
في المجمل، أعرب البيان عن رفض الرئاسة السورية القاطع لأي محاولات “لفرض واقع تقسيمي أو إنشاء كيانات منفصلة بمسميات الفيدرالية أو الإدارة الذاتية دون توافق وطني شامل”. وأشار إلى أن تحركات وتصريحات قيادة قسد تتعارض مع مضمون الاتفاق المبرم بين قسد والإدارة السورية (الاتفاق بين مظلوم عبدي والرئيس الشرع)، في 10 مارس/آذار 2025، وتهدد وحدة البلاد وسلامة ترابها.
فما الذي يعنيه عقد هذا المؤتمر لمسار المسألة الكردية في سوريا؟ لماذا لجأت قسد إلى عقد المؤتمر في هذا الوقت بالذات؟ ولماذا نظرت الرئاسة السورية إلى المؤتمر باعتباره تهديدًا لوحدة سوريا؟ وإلى أين يمكن للمؤتمر أن يأخذ المسألة الكردية في سوريا؟
حزب الاتحاد الديمقراطي والمجلس الوطني الكردي
لم يكن خافيًا، بالنظر إلى القوى الكردية الرئيسة التي ارتكز إليها تجمع القامشلي، أن منظمي المؤتمر عملوا على إظهار صورة لوحدة الصف الكردي السوري، وعلى طرح بيان المؤتمر باعتباره تجليًا للإجماع الكردي. لم يكن المؤتمر ممكنًا بالطبع بدون إرادة من قسد ورغبتها. تسيطر قسد بقبضة حديدية على معظم شمال شرقي سوريا، ولم تترد طوال سنوات في قمع كافة القوى الكردية السورية الأخرى. ولكن قسد حرصت هذه المرة على مشاركة خصمها السابق، المجلس الوطني الكردي، بل وقدمت قيادات المجلس الوطني للرأي العام الكردي ولوسائل الإعلام لتنطق باسم المؤتمر.
تعرف الساحة الكردية السورية بأنها أكثر الساحات الكردية السياسية تشظيًا. تعود قسد في جذورها إلى حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني(PYD) ، الذي أُسِّس في سبتمبر/أيلول 2003 باعتباره فرعًا لحزب العمال الكردستاني التركي(PKK). منذ سنوات عاش رئيس حزب العمال، عبد الله أوجلان، في رعاية نظام حافظ الأسد. وضع الحزب قدمًا له في أوساط أكراد شمال شرقي سوريا، الذين يعودون قي أغلبهم إلى أصول تركية لجأت إلى سوريا بعد فشل المواجهات المسلحة الكردية مع الجمهورية التركية الوليدة في منتصف عشرينات القرن العشرين. ولكن تأسيس حزب الاتحاد الديمقراطي لم يأت من توسع الالتفاف الشعبي الكردي حول حزب العمال الكردستاني، بل في سياق من الزلزال السياسي الهائل الذي أحدثه الغزو الأميركي للعراق، ومحاولة حزب العمال استغلال فوضى ما بعد الغزو لتعزيز وجوده ونشاطه في تركيا والعراق وسوريا.
في أواخر 2011، وبعد عدة شهور من اندلاع الثورة السورية ضد نظام بشار الأسد، شكَّل حزب الاتحاد الديمقراطي فصائل مسلحة في مناطق الوجود الكردي في شمال شرقي سوريا باسم الهيئة الكردية العليا. وهذه الفصائل هي التي تحولت إلى وحدات حماية الشعب، في 2014، مع اندلاع المواجهات في العراق وسوريا ضد تنظيم الدولة الإسلامية. بدعم أميركي كبير، أحرزت وحدات حماية الشعب نصرًا كبيرًا على تنظيم الدولة الإسلامية في عين العرب (كوباني)، في أوائل 2015، وأسست بذلك تحالفًا وثيقًا وطويل الأمد مع القوات الأميركية التي تقدمت من شمال العراق لتقيم عدة قواعد لها في شرق وشمال شرقي سوريا. وكان الأميركيون هم الذين اقترحوا على القيادات الكردية في وحدات حماية الشعب توسيع إطارها، لتضم مسلحين عربًا ومسيحيين أشوريين، وتغيير اسمها إلى قوات سوريا الديمقراطية.
ولكن حزب الاتحاد الديمقراطي (وجناحه المسلح، قوات حماية الشعب)، على الرغم من صعوده السريع بعد المواجهة مع تنظيم الدولة والتحالف مع الأميركيين، لم يكن في الحقيقة القوة السياسية الرئيسة في شمال شرقي سوريا بعد اندلاع الثورة الشعبية ضد نظام الأسد. القوة الرئيسة كانت المجلس الوطني الكردي. أُعلن عن تأسيس المجلس في أربيل، في أكتوبر/تشرين الأول 2011، بعد أسابيع قليلة من إطلاق المجلس الوطني السوري، أول إطار سياسي للثورة السورية، والذي ضم قيادات ونشطين عربًا وأكرادًا، مسلمين ومسيحيين، وإسلاميين وعلمانيين.
تأسس المجلس الوطني الكردي برعاية الرئيس مسعود بارزاني، الذي كان يرأس إقليم كردستان العراق آنذاك ويعمل نحو إيجاد تجمع للقوى السياسية الكردية في سوريا، ليمثل المجتمع الكردي السوري ويشارك باسم قوى هذا المجتمع ليس في نشاطات الثورة وحسب، بل وفيما يمكن أن ينجم عنها من متغيرات في بنية الدولة السورية. ولأن البارزاني كان يخوض معركة مكتومة مع حزب العمال الكردستاني حول زعامة عموم الأكراد في المشرق، فقد سعى إلى أن يقف المجلس الوطني الكردي مانعًا أمام زحف حزب الاتحاد الديمقراطي، وثيق الصلة بحزب العمال الكردستاني، نحو المجتمعات الكردية السورية.
ضم المجلس الوطني الكردي عند تأسيسه زهاء 11 حزبًا كرديًّا، أبرزها الحزب الديمقراطي الكردستاني، الذي يكاد أن يكون فرعًا لنظيره العراقي الأقدم تاريخًا. في مايو/أيار 2012، التحق بالمجلس أربعة أحزاب أخرى؛ ولكن عدد مكونات المجلس تراجعت في 2018 إلى 13 حزبًا، إضافة إلى عدد من المنظمات الشبابية والنسوية والشخصيات المستقلة. وفي 2015، عندما كانت الثورة السورية قد تطورت إلى ثورة مسلحة، أنشأ المجلس ذراعًا مسلحة باسم بيشمركة روج آفا، التي تكاد أن تكون امتدادًا لبيشمركة كردستان العراق. شارك المجلس الوطني الكردي في الائتلاف الوطني السوري، وريث المجلس الوطني السوري، الذي سرعان ما برز ممثلًا للثورة السورية سواء على الصعيد الإقليمي أو الدولي، ولكن ممثلي المجلس الوطني الكردي لم يخفوا اختلافهم مع قيادات الائتلاف الأخرى حول مطلب اللامركزية لأكراد سوريا، وإمكانية أن تقتصر على اللامركزية الإدارية، أو أن تكون لا مركزية سياسية.
بيد أن المنافسة على تمثيل الأكراد السوريين لم تلبث أن حُسمت لصالح حزب الاتحاد الديمقراطي وقوات حماية الشعب، ومن ثم قوات سوريا الديمقراطية. ما ساعد على حسم المنافسة كان الدعم الكبير الذي قدمه الأميركيون، وبدون انقطاع، لقسد، إضافة إلى الموارد المالية التي حققتها من السيطرة على حقول النفط والغاز في شرق وشمالي شرق سوريا. كما كان الاتحاد الديمقراطي (بتجلياته المسلحة) أكثر تنظيمًا ومركزية، مستلهمًا تجربة حزب العمال الكردستاني، ومؤيدًا بعدد ملموس من قيادات وكوادر الأخير، التي انحدرت من جبال قنديل في العراق إلى شرق وشمال شرقي سوريا لتسهم في إقامة وقيادة التنظيم.
في أكثر من موقع، عقدت قوات حماية الشعب وقسد صفقات تعاون وإحلال مع قوات نظام الأسد التي لم تكن قد أُجليت كلية بعد في الشرق والشمال الشرقي. في 2018، أجرى وفد كردي برئاسة إلهام أحمد، المسؤولة عن الجناح السياسي لقسد، مفاوضات مع أركان النظام في دمشق لتنسيق العلاقة بين الطرفين. ولكن الأكثر وقعًا طوال عقد كامل من السيطرة أن قادة قسد، حسب تقارير موثقة مثل تقرير الأطفال والنزاعات المسلحة الصادر عن الأمم المتحدة في 2023، لم يترددوا مطلقًا في استخدام الإكراه، تمامًا كما هي تجربة حزب العمال الكردستاني، في تجنيد الشباب والفتيات، وفي السيطرة على المعارضين.
وحتى خريف 2024، قبل أشهر قليلة من سقوط نظام الأسد، ظلت قسد تطارد المعارضين الأكراد السوريين في مناطق سيطرتها وتشتبك مع الجماعات العشائرية العربية المسلحة المناهضة.
بذلت قيادات إقليم كردستان العراق جهودًا حثيثة لدفع الأطراف الكردية الرئيسية في سوريا للتوافق، ولكن إقامة قسد إدارة ذاتية في مناطق سيطرتها وعزمها على التفرد بإدارة مناطقها أفشل كافة محاولات التوافق. لم ينجم عن الضغوط الأميركية على قيادات قسد والمجلس الوطني الكردي إلى غاية 2020، أية نتائج فعلية. ولكن نجاح الثوار السوريين في إدلب في إطاحة نظام الأسد، في ديسمبر/كانون الأول 2024، وإقامة حكومة سورية جديدة في دمشق، فاجآ قسد كما كافة القوى الكردية الأخرى، وصنع ظروفًا موضوعية جديدة كلية للصراع على سوريا.
الأكراد والإدارة السورية الجديدة
لم تستطع قسد ولا المجلس الوطني الكردي تجاهل الانتصار الذي حققته قوى الثورة، وتحرير سوريا من نظام الأسد، الانتصار الذي وجد صدى إيجابيًّا واسعًا في سوريا، كما في النطاقين، الإقليمي والدولي. أطلقت قيادات قسد تصريحات ترحيبية حذرة بالسلطة السورية الجديدة، وتحدثت عن ضرورة بدء حوار مع دمشق حول المسألة الكردية. وأشارت تقارير، يصعب التيقن من صحتها، إلى أن ممثلين عن قسد زاروا دمشق وأجروا نوعًا من الحوار المبكر مع الرئيس الشرع في أوائل 2025، بدون نتائج ملموسة. ولكن عدة عوامل كانت تلتقي معًا لتدفع قيادة قسد إلى محاولة بناء إجماع كردي، من ناحية، وإلى التوصل إلى اتفاق ما مع دمشق الجديدة، من ناحية أخرى.
العامل الأول، يتعلق ببناء إجماع كردي ردًّا على السرعة الملموسة التي استطاعت بها هيئة تحرير الشام، التي مثَّلت القوة الرئيسة في عملية ردع العدوان، تثبيت أقدامها في دمشق، وبقبول شعبي واسع لقيادة الدولة الجديدة، وبالتأييد المعلن لهذه الدولة من تركيا، الطرف الأهم في تقرير مستقبل المسألة الكردية، ومن أغلب الدول العربية. أما العامل الثاني فهو إطلاق مسار تفاوضي مع القيادة السورية الجديدة لأنه بدا واضحًا أنه لا يوجد طرف مهما بلغ من قوة قادر على إعادة عقارب الساعة إلى الوراء في سوريا.
في الوقت نفسه، كانت الاشتباكات المسلحة بين قوات قسد وقوات الجيش الوطني السوري، وثيقة الصلة بالجيش التركي، وبدعم من الأخير، تزداد احتدامًا في شرق حلب، وتجبر قوات قسد على التراجع عن مواقع لها. وقد صاحب تقدم قوات الجيش الوطني في شرق حلب تصريحات عسكرية رسمية تركية تنذر بعزم تركيا على حسم ما تصفه أنقرة بالتواجد الإرهابي على حدودها مع سوريا. كانت الأوضاع في تركيا، منذ أواخر العام الماضي 2024، تتجه إلى تحولات كبرى في علاقة الدولة التركية بحزب العمال الكردستاني، قد تنتهي بحل الحزب نهائيًّا والانضواء في الساحة السياسية التركية. وعلى الرغم من ادعاء قسد بأنها غير معنية بتطورات الساحة التركية، وأنها قوة كردية سورية مستقلة عن حزب العمال الكردستاني، فإن من الصعب تجاهل الأثر الذي يمكن أن يتركه التوصل إلى تسوية سياسية نهائية للمسألة الكردية في تركيا على وضع قسد ومصيرها.
ولكن العامل الأهم تعلق ببوادر متغيرات في سياسة إدارة ترامب تجاه سوريا والتواجد العسكري الأميركي في شرق وشمال شرق سوريا. فقد ذكرت مصادر مختلفة، منذ يناير/كانون الثاني 2025، أن مسؤولين أميركيين عسكريين في سوريا أبلغوا قيادة قسد بأن إدارة الرئيس الأميركي الجديد تتجه إلى الانسحاب من سوريا، وعلى الرغم من أنه لم يصدر قرار بعد بهذا الشأن فإن القيادة المركزية الأميركية ستقوم باستعدادات لتنفيذ مثل هذا القرار في حال صدوره، بما في ذلك التخلي عن بعض نقاط التواجد في الشرق السوري وخفض عدد القوات الأميركية المتواجدة في المنطقة. ويبدو أن الأميركيين وجهوا النصيحة لقيادة قسد بالتحرك للتوصل إلى اتفاقٍ ما مع دمشق وإدارة الرئيس الشرع.
على المستوى الكردي، كانت حكومة إقليم كردستان العراق بين أولى الحكومات التي رحبت بانتصار الشعب السوري وبالإدارة السورية الجديدة. ويبدو أن اتصالات بين الطرفين جرت بالفعل حتى قبل اللقاء الذي عُقد بين رئيس الإقليم الحالي، نيجرفان بارزاني، والرئيس الشرع على هامش مؤتمر أنطاليا، في منتصف أبريل/نيسان 2025. وكان طبيعيًّا أن يسارع المؤتمر الوطني الكردي، حليف حكومة الإقليم، إلى التعبير عن موقف إيجابي من حكومة الشرع. وهذا ما دفع المسؤول العسكري لقسد، مظلوم عبدي، إلى السفر إلى أربيل، في منتصف يناير/كانون الثاني، للقاء مسعود بارزاني، اللقاء الذي عُدَّ مؤشرًا على التصالح الكردي الداخلي.
مباشرة بعد اللقاء مع بارزاني، بدأت قسد خطوات متسارعة لمواجهة التحديات التي فرضتها تحولات الظروف المحيطة، كرديًّا وسوريًّا، إقليميًّا ودوليًّا.
أعلنت قسد عن خروج كافة عناصر حزب العمال الكردستاني التي تواجدت في مناطق سيطرتها السورية، كما أطلقت حوارًا مع المجلس الوطني الكردي، الذي بادر إلى توجيه التهنئة للرئيس أحمد الشرع، في أوائل فبراير/شباط، بتوليه رئاسة البلاد، والإعلان عن انسحابه من الائتلاف الوطني السوري لقوى المعارضة، على أساس أن مهمة الائتلاف قد انتهت وأن مرحلة جديدة قد بدأت في سوريا. ولم يلبث الحوار بين قسد والمجلس الوطني الكردي أن توصل إلى رؤية مشتركة للتباحث مع دمشق.
في 10 مارس/آذار، وفَّر الأميركيون وسيلة نقل وحراسة لتسهيل لقاء مظلوم عبدي بالرئيس الشرع، اللقاء الذي نجم عنه الاتفاق-الإطار بين الطرفين، الذي نص على ما يلي:
ضمان حقوق جميع السوريين في المشاركة في العملية السياسية وكافة مؤسسات الدولة بناءً على الكفاءة، دون تمييز ديني أو عرقي.
الاعتراف بالمجتمع الكردي جزءًا أصيلًا من الدولة السورية، وضمان حقوقه في المواطنة والحقوق الدستورية.
وقف إطلاق النار على جميع الأراضي السورية لإنهاء النزاع المسلح.
دمج المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرق سوريا ضمن إدارة الدولة السورية، بما يشمل المعابر الحدودية والمطارات وحقول النفط والغاز.
تأمين عودة جميع المهجرين السوريين إلى مدنهم وقراهم، وضمان حمايتهم من قبل الدولة السورية.
دعم الدولة السورية في مواجهة بقايا نظام الأسد وجميع التهديدات التي تستهدف أمن سوريا ووحدتها.
رفض دعوات التقسيم وخطاب الكراهية ومحاولات بث الفرقة بين كافة مكونات المجتمع السوري.
تعمل وتسعى اللجان التنفيذية لتطبيق الاتفاق بما لا يتجاوز نهاية العام الحالي.
عُدَّ الاتفاق، من زاوية نظر قسد، أنه وفر مركبة إنقاذ ضرورية لحمايتها من هجمات تركية وشيكة، وأنه حافظ على بقاء قسد آمنة في منطقتها لأطول زمن ممكن، ومنحها الدور الكردي الرئيس للحوار مع دمشق حول مستقبل المسألة الكردية السورية. وعُدَّ من زاوية نظر إدارة الرئيس الشرع أنه يوفر مناخًا سلميًّا لمسار إعادة توحيد سوريا الشاق والطويل، ويجنِّب الأطراف المعنية سفك الدماء، ويمنح دمشق زمنًا ضروريًّا لبناء الدولة السورية ومؤسستها الدفاعية. لم يطرح الاتفاق خطوات تنفيذية، ضمن جدول زمني محدد، وكان المفترض أن لجنة مشتركة من الطرفين ستتولى تنزيل بنوده الممكنة التحقق على أرض الواقع، وأن تترك المسائل الشائكة لمزيد من الحوار والزمن.
توصل الطرفان بالفعل إلى عدد من الإجراءات التنفيذية خلال الأسابيع القليلة التالية على توقيع اتفاق العاشر من مارس/آذار. فقد انسحبت قوات قسد من أحياء الأشرفية والشيخ مسكين ذات الأغلبية الكردية في شمال شرقي حلب، التي كانت مسرحًا دمويًّا للاشتباكات. كما شهدت حلب أكثر من عملية لتبادل الأسرى من الطرفين؛ وتم التوافق على تشكيل إدارة مشتركة لسد تشرين. ولكن قسد لم تتخذ أية خطوة ملموسة بعد لإعادة حقول النفط والغاز إلى سيطرة الدولة السورية، وهي خطوة بالغة الضرورة لسد حاجات البلاد من مصادر الطاقة. ثم جاء انعقاد مؤتمر القامشلي ليوحي بانعطاف كردي عن روح اتفاق عبدي-الشرع والآمال التي حملها لتسوية سلمية للمسألة الكردية السورية.
أفق مفتوح على الاحتمالات
يقول المدافعون عن مظلوم عبدي: إن قائد قسد لم يتراجع عن اتفاقه مع الشرع، حتى بعد المشاركة في مؤتمر القامشلي. كل ما في الأمر أن عبدي يعمل في بيئة كردية بالغة التشظي، وعلى الرغم من موقعه بالغ الأهمية والنفوذ، فإنه لا يستطيع السيطرة والتحكم في كافة أطراف المشهد الكردي السوري، ولا حتى في قرار قيادة حزب الاتحاد الديمقراطي. ويقول هؤلاء: إن مؤتمر القامشلي يجب ألا يثير كثيرًا من القلق، وإن بيانه لابد أن يُرى باعتباره سقف المطالب الكردية، السقف الذي كان ضروريًّا لتحقيق إجماع كردي. ولكن هذا السقف سيكون بالتأكيد معرضًا للنزول في المفاوضات النهائية مع دمشق.
وتقف قيادة إقليم كردستان العراق، ذات الصلة الوثيقة بالمجلس الوطني الكردي، إلى جانب المتفائلين في الإشارة إلى أنها أيدت عقد مؤتمر القامشلي وحرصت على دعمه وأرسلت ممثلًا إليه، بهدف الاحتفاظ بقدر من التأثير الإيجابي على مخرجاته، ومنع حزب العمال الكردستاني من التفرد بتوجيه أعماله. وتؤكد قيادة الإقليم أن الأمور، وبغض النظر عن لغة بيان المؤتمر، تمضي باتجاه المسار السياسي-التفاوضي بين الأكراد السوريين ودمشق، وليس إلى الصدام. ويقول المدافعون عن أربيل: إنه وعلى الرغم من تباطؤ عمل اللجنة المشتركة المكلفة بتطبيق اتفاق 10 مارس/آذار فإن اللجنة عادت بالفعل إلى الاجتماع في 5 مايو/أيار.
بيد أن واقع التشظي الكردي السوري (ومناخ المزايدات الناجم عنه)، الذي يُستخدم مسوِّغًا لتبرير التعثر في تطبيق اتفاق الشرع-عبدي، واللغة عالية السقف التي كُتب بها بيان القامشلي، قد تدفع من جهة أخرى إلى مزيد من استعصاء المسألة الكردية السورية. فما لم تذهب دمشق إلى التفاوض والاتفاق مع ممثلي كل طرف من أطراف الساحة الكردية، كبيرها وصغيرها، فمن الصعب القول: إن المسألة الكردية السورية في طريقها إلى التسوية. والواضح أن طرفًا ما، أو أطرافًا، في القامشلي رأت في انشغال القيادة السورية الجديدة بالوضع في السويداء فرصة لإعادة تشديد الضغط على دمشق ومحاولة تحقيق بعض المكاسب من الإدارة السورية الجديدة.
وتتعلق العقبة الكبرى الأخرى في طريق التسوية بأطروحة اللامركزية، إدارية كانت أو سياسية، التي تبدو أنها تسيطر على العقل السياسي الكردي السوري بمعسكريه الرئيسين: حزب الاتحاد الديمقراطي والمجلس الوطني الكردي. فالمؤكد أن الإدارة السورية الجديدة، ومهما بلغت الضغوط، لن تقبل بإقامة أي قدر من الحكم الفيدرالي، وترى أن التفاوض حول النظام الفيدرالي مع أي مجموعة أقلية يعنى الموافقة على تقسيم سوريا. في الجهة المقابلة، يدرك كافة دارسي الدولة الحديثة أن ليس ثمة تعريف مستقر ومجمع عليه للَّامركزية، وأن اللامركزية تبدأ من إقامة بلديات ذات صلاحيات محلية معتبرة، ولا تنتهي عند الحكم الذاتي. والمشكلة في بيان القامشلي أنه تحدث عن مطالب لا تخص الأكراد السوريين وحسب، بل إنه يتوقع من دمشق كذلك إعادة تصور الدولة السورية باعتبارها دولة متعددة الهويات وليست دولة مواطنة.
ولكنْ ثمة تطور إيجابي أيضًا في الساحة الكردية الأوسع، يمكن أن يترك أثرًا ما على الساحة الكردية السورية. تقول تقارير من أنقرة: إن مؤتمر حزب العمال الكردستاني، الذي يُتوقع أن ينتهي إلى حل حزب العمال الكردستاني والتخلي كلية عن العمل المسلح، ربما سيُعقد في النصف الأول من مايو/أيار 2025. يدعي قادة قسد وحزب الاتحاد الديمقراطي، بالطبع، أنهم غير معنيين بتطورات المسألة الكردية في تركيا، وأنهم ليسوا جزءًا من العمال الكردستاني وليسوا ملزمين بالتالي بخياراته. علاوة على أن هذا الادعاء غير قابل للتصديق، فالمؤكد أن الجهات الكردية التي تقود عملية التفاوض مع الدولة التركية ستكون حريصة على ألا يدفع التقدم نحو حل سياسي ونهائي للمسألة الكردية في تركيا إلى انفجار المسألة الكردية في سوريا، سيما أن اهتمام أنقره بتطورات الوضع الكردي في سوريا لا يقل عن اهتمامها بتطوراته في تركيا ذاتها.
ما تشير إليه هذه التعقيدات، باختصار، أن قدرًا من المبالغة قد أحاط بالتفاؤل الذي أطلقه توقيع الشرع وعبدي على اتفاق 10 مارس/آذار، وأن اشتباكَ ما هو كردي وما هو وطني سوري، وإقليمي، ودولي، سيجعل طريق حل المسألة الكردية في سوريا أكثر وعورة مما أوحت به لحظة الاتفاق. ولكن تسارع المتغيرات في الشرق الأوسط منذ سقوط النظام السوري السابق، في الوقت نفسه، قد تساعد فعلًا على تجاوز مطرد لكثير من عقبات هذا الطريق. ومهما كان الأمر، على أية حال، فإن الكثير من المراهنة سيظل معلقًا بتدابير القيادات الكردية السورية، ومدى إدراك هذه القيادات لمعنى التحول الكبير الذي أحدثه انتصار قوى ثورية في سوريا ذاتها، وفي الإقليم.
مركز الجزيرة للدراسات
——————————
الصراع والاشتراطات على سوريا/ أحمد عيشة
2025.05.09
ركزت السياسة الاستعمارية الفرنسية وغيرها على التعامل مع السكان كمجموعات دينية متناحرة، وزاد في الأمر تشكّل إسرائيل كجزء مكمل لسياسة تلك القوى، التي ما تزال تستثمر في سياسة “حماية” الأقليات.
بعد خروج القوات الفرنسية، لم ينته هذا التقسيم، وإنما بقي جزءاً من التركة، سواء بين الجيش، أو في على مستوى السياسة، وتنامى بشكل خطير بعد استلام البعث للسلطة عام 1963، الذي غذى تلك التقسيمات تحت غطاء خطاب عنتري، أفضى فيما بعد إلى تسلم حافظ الأسد للسلطة عام 1970، الذي أدخل سوريا في نفق مرعب، يعتمد فيما يعتمد عليه على التمييز الطائفي، إضافة إلى اختراق وتفتيت المجتمع السوري وفق سياسة الولاء والمحسوبية.
عارض كثير من السوريين سياسة الأسد الأب، لكن قوة قمعه وشراكته الطبقية مع برجوازيي دمشق وتمكّنه من تصوير الحركة المناهضة لسلطته عام 1980 بأنها حركة تتبع تنظيم الطليعة والإخوان المسلمين وطبيعة الاستقطاب الدولي في تلك الأيام ساعدته على سحق الحركة وتدمير أجزاء من المدن، وصولاً إلى إسكات الأصوات المعارضة من خلال رميها في السجون لفترات طويلة أو تهجيرها. ومع وراثة الابن للسلطة، وسّع تغلغله بين السوريين لدرجة الهيمنة على مفاصل الحياة (أمن وسياسة واقتصاد واجتماع)، وفق الأسس ذاتها الطائفية والمحسوبية، فكان لها آثار مدمرة في بنية المجتمع السوري، لكن في الوقت نفسه دفعت الناس إلى التمرّد والثورة بعد أن وصلت إهانة نظامه إلى عمق لا يمكن تحمّله، ناهيك عن حالة الإفقار والابتزار. لقد عمّق كل الانقسامات سواء الأفقية أو العمودية بين السوريين، لدرجة التنميط الثابت.
بدأت ثورة السوريين بمطالبة في الإصلاح والحقوق الأساسية، لكن فظاعة المواجهة وتصوير الناس كـ “جراثيم”، وتصوير الثورة كعمل إرهابي طائفي تدعمه دول تتصارع وفق الأساس ذاته، وأنها تحمل صراعاً وجودياً مع جمهوره، سواء على مستوى الطوائف أم المحسوبيات، دفعت الأمور نحو مناح أخرى، وهي العسكرة كحق طبيعي بالمقاومة، حيث أدرك الثوار أنها الطريق الوحيد للخلاص من نظامه. دخلت البلاد في حالة من الانقسامات المدعومة بالسلاح، من خلال كثير من الفصائل والميليشيات، فكانت إلى جانب النظام إيران وعموم الميليشيات الطائفية وكتائب الدفاع الوطني التي تعمل وفق رؤية النظام الطائفية، وفي المقابل، تشكلت كثير من الفصائل المناهضة، وأكثرها بمرجعية إسلامية، وبعضها بتوجه طائفي معتمداً على ما عانته الأكثرية السنية، ومحاولاً احتكار تمثيلها. وفي الوقت نفسه تشكلت القوة المسلحة الكردية -وليدة حزب العمال الكردستاني- صاحب العلاقات القوية مع نظام الأسد، التي قامت في جزء منها على أساس طائفي.
كان يوم 8 كانون الأول 2024، يوماً تاريخياً سيبقى محفوراً في ذاكرة السوريين، يوم الخلاص من النظام الأسدي الذي تصور وأوهم جمهوره بأنه أبدي. تنفست البلاد نسائم الحرية، وكانت حالة الابتهاج لدى عموم السوريين، بينما أبدت قلة لدوافع مختلفة “قلقها”، وشعرت فئات بأنها متضررة، وبدأت حالة الاشتراطات على الإدارة الجديدة، وبصيغة “ما يتوجب” تنفيذه من الإدارة، اشتراطات ظاهرها شيء يتلطى خلف مطالب مختلفة، وجوهرها رفض النظام الجديد تحت حجة أنه تكفيري وأنه سيقتل الجماعات الدينية في ترداد لدعايات الأسدية، على الرغم من التطمينات الكثيرة التي قدمتها الهيئة الحاكمة في الفترة الأولى، تطمينات لاقت رفضاً شعبياً خاصة بقضية التسامح مع القتلة.
تمثلت الاشتراطات بقسم من الجماعات الدينية (العلويين والدروز) من جهة، والعرقيات (الأكراد ممثلة بقسد التي يقودها حزب الاتحاد الديمقراطي ذو البنية الأمنية والعقلية الشمولية)، فظهر اسم الشيخ الهجري رافعاً من سقف المطالب، ورافضاً التعاون مع الحكم الجديد، بحجة أنه يخضع لتنظيم تكفيري، واضعاً الشرط تلو الآخر، مستغلاً حالة الحكم الوليد والتهديدات الإسرائيلية التي توهمه وغيره أنها ستحميه، فبدأت بإطلاق التصريحات حول حماية الدروز، سواء في السويداء أو حتى في ضاحية جرمانا (دمشق)، وأنها لن تسمح بنشر الجيش السوري جنوب دمشق، حيث عدّها الهجري وكأنها دعم له أو لأجله غير مدرك أن السياسة الإسرائيلية لا تُرسَم من أجل قلة من المأجورين، وأن مصلحة إسرائيل هي عدم قيام نظام وبلد قويين في سوريا، لا اليوم ولا غداً، ومع ذلك، فإن وهم الهجري الذي يستظل بتلك العنجهية الإسرائيلية قد يضاعف حالة الاستقطاب الديني أكثر ويمهد لاقتتال أطول.
إضافة لحركة الهجري، كانت حركة التمرد في الساحل، بقيادة ضباط سابقين من قوات الأسد وبدعم إيراني، التي كادت أن تدخل البلاد بحالة من الاقتتال الطائفي المرعب، فكانت عمليات القتل لقوات الحكومة من جهة ولأبناء الطائفة بالمجان، قتل يغذيه حالة الاحتقان الطائفي في البلاد التي غرسها نظام الأسد.
عكست حركة الهجري وتمرد الساحل حالة الاحتقان الطائفي المزمن، فغدا الحديث إضافة للقتل بناء على تصنيف “نحن” و”هم” من جهة، ومن جهة أخرى، عكس ضعف الدولة الجديدة وكشف التحديات الكبرى أمامها، وأهمّها عملية توحيد الفصائل العسكرية تحت هيكل واحد، وتخليصها من الحالة الفصائلية التي مثلت أهم المشكلات أمام الدولة الوليدة.
الاشتراط الأخير أتى من مجموعة الأحزاب الكردية وقوات (قسد) بقيادة حزب الاتحاد الديمقراطي التي تسيطر قواته على ربع مساحة البلاد وأهمّ ثرواته، وتمتلك قوة عسكرية كبرى مدعومة من الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية، وذلك من خلال الاجتماع الأخير في القامشلي، وما صدر عنه من بيان تصعيدي يرفع سقف المطالب الكردية، مناقضاً الاتفاق بين الشرع وعبدي، حيث تزامن البيان هذا مع رفع سقف مطالب الهجري، وصولاً إلى رفض التعامل مع الحكومة الجديدة ما لم تنصَع لشروطه.
لا شك أن الأكراد تعرضوا لكثير من المظالم والانتهاكات على مستويات المختلفة، ويتطلب الأمر إنصافهم بالكامل من خلال الإطار الوطني الديمقراطي الذي يضمن حقوق وحرية وكرامة الأكراد، ضمن أشكال يتم التوافق عليها، بعيداً عن المطالب التي تؤسس لكيانٍ معطل على طريقة حزب الله في لبنان.
ما تكشفه الصراعات والتمردات الأخيرة في البلاد بوجه الحكومة الجديدة هو عمق حالة التطييف والانقسامات في البلاد، التي رسخها نظام الأسد من خلال الامتيازات التي قدمها، ومن خلال بنية أجهزة القمع لديه، سواء الجيش أم المخابرات التي كانت تعمم العنف في مناطق وتخصصه في أخرى تبعاً للتركيبة السكانية، ناهيك عن خلق فئة من رجال المحسوبية ضمن تلك الطوائف المرتبطة عضوياً مع نظام الأسد، التي تشربت العداء للسنّة، من خلال تصويرهم كجماعة “متخلفة” ومنبع لـ “الإرهاب” و”تكفيريين”، وغير ذلك من التهم التي تبرر عمليات القتل الجماعية بحقهم، هذه الحالة مهدت التربة لنشوء جماعات تكفيرية وفق خطاب وممارسة طائفية تدعي احتكار مظلومية السنة، وتصور الصراع على أساس طائفي فقط ناسفة أسبابه الأخرى، وأهمها الاستبداد وتغييب الحريات وهدر كرامة الناس.
بالطبع، لا يمكن فصل ما يحدث في الداخل من حركات تمرّد ومطالبات عن صراعات القوى الإقليمية والدولية على سوريا، فإيران التي خسرت “واسطة العقد” في محورها المقاوم لن توفر أي جهد لزعزعة الوضع، وكذلك إسرائيل التي لن تسمح بوجود قوي لتركيا في جوارها، خاصة بعد إنهاء الوجود الإيراني، ناهيك عن الصراع العالمي بين أميركا والغرب من جهة، والصين وروسيا من جهة، على الهيمنة، لكن ما يتوجب علينا فهمه أن تلك الدول تتصارع وفقاً لمصالحها وأمنها، وليس من أجل السوريين، ربما ما يلزمها منهم هو الديكور أو الاستخدام المؤقت المأجور.
أمام الواقع السوري الذي تنخره الصراعات، وأهمّها الطائفي الذي برز مؤخراً والذي يصعب نكرانه وتجاوزه، يجب على الجميع، وأولهم الدولة الوليدة، معالجة الأمر سياسياً -كون أساس التطييف سياسياً وليس دينياً- وهذا يستدعي أولاً مشاركة أوسع القطاعات في عمليات البناء، فعلاً لا قولاً، في عملية بناء أجهزة الدولة، والعمل على فرض القانون على الجميع، وخاصة على من خلال القضاء وأجهزة إنفاذ القوانين، وخاصة على كبار القتلة أولاً وعلى ما يطلق عليهم الجماعات “المنفلتة”، وإطلاق حوار سياسي واسع في البلاد حول أهم القضايا، والعودة عن القرارات الخاطئة، إن تبيّن عدم رضا الناس عنها.
الأمر الأكثر أهمية هو عدم التعامل مع الجماعات الدينية أو الإثنية كجماعة متماسكة، فلا حركة الهجري تمثل الدروز، ولا مجلس الطائفة العلوي يمثل العلويين، ولا حزب الاتحاد الديمقراطي، ومن باب أولى لا يمثل السنة أي تنظيم أو جماعة سياسية، وينبغي التعامل كمواقف سياسية وتيارات لها مصالح وارتباطات ومطالب سياسية، مما يسهّل حتى عزلها وتجنب المزيد من الخسائر، وبالتالي تحويل حتى
الصراعات إلى عملية سياسية تحكمها القوانين، بعيداً عن الصراع على أسس هوياتية يمكن أن يفتح باب الجحيم من جديد على البلاد.
تلفزيون سوريا
—————————-
بعد إعلان “الكردستاني”.. ما هي الخطوات “التاريخية” المرتقبة؟
العربية.نت ـ جوان سوز
09 مايو ,2025
أعلن حزب العمال الكردستاني، اليوم الجمعة، عن عقد مؤتمر كان متوقعاً بعد نداء تاريخي أطلقه قبل أكثر من شهرين زعيمه المسجون في تركيا عبدالله أوجلان.
حيث اعتبر الحزب الذي يخوض تمرّداً مسلّحاً ضد أنقرة منذ العام 1984 في بيان صدر عنه قبل ساعات، أنه عقد مؤتمره بنجاح بين يومي 7 و9 مايو/أيار الجاري تلبية لنداء أوجلان، واتخذ قرارات تاريخية، إلا أنه لم يعلن عن مضمونها.
فما هي القرارات التي اتخذها “الكردستاني” في مؤتمره الثاني عشر والتي اعتبرها “ذات أهمية تاريخية”؟
في السياق، اعتبر مصدر مقرّب من حزب “المساواة وديمقراطية الشعوب” التركي المؤيد للأكراد والذي يلعب دور الوسيط بين “العمال الكردستاني” وتركيا، أن أجواء التفاوض بين الجانبين “إيجابية”، وفق تعبيره. ولفت إلى الحضور الحكومي الرسمي وغير الرسمي في تركيا لمراسم تشييع وعزاء النائب في البرلمان التركي عن الحزب المؤيد للأكراد ونائب رئيس البرلمان سري سريا أوندر الذي توفي يوم 3 مايو بعد صراعٍ مع مرضٍ عضال. وكان أوندر “مهندس السلام” بين أنقرة و”الكردستاني”.
كما كشف المصدر لـ”العربية.نت” أن “حضور مسؤولين بارزين في الحكومة التركية، مثل رئيس جهاز الاستخبارات إبراهيم كالين، والمتحدّث باسم حزب العدالة والتنمية الحاكم عمر تشليك، والرئيس السابق عبدالله غول، ورئيس الوزراء الأسبق أحمد داوود أوغلو، ونائبه آنذاك علي باجان، وآخرين لمراسم تشييع وعزاء أوندر كان لافتاً ويوحي بوجود رغبة حقيقية في الأوساط التركية للمضي قدماً في عملية السلام مع الكردستاني”.
ضمانات تركية
في حين أفاد مصدر مقرب من الحزب بأنه من المتوقع أن يعلن “العمال الكردستاني قريباً حلّ نفسه لينتقل بعد ذلك إلى الخطوات الفعلية المتعلقة بنزع السلاح وعودة مقاتليه إلى الأراضي التركية مقابل ضمانات تقدّمها لهم الحكومة مع إمكانية نقل أوجلان من سجنه إلى الإقامة الجبرية”.
وبحسب المصدر السابق، فإن وفد حزب “المساواة وديمقراطية الشعوب” سيقوم بزيارة لأوجلان في سجنه بجزيرة إيمرالي خلال أيام على أن يلي ذلك الإعلان عن خطوات ثنائية من قبل الجانبين التركي الحكومي و”العمال الكردستاني”.
إلقاء السلاح
من جهته، رأى حيدر تشاكماك، وهو أكاديمي تركي وخبير في العلاقات الدولية، أن “بيان الكردستاني اليوم يوحي بوجود اجتماع مفصل واتفاق بين الحكومة التركية وحزب العمال يتمّ ضمن جدول زمني معيّن”.
وقال تشاكماك لـ”العربية.نت” إن “الكردستاني عقد مؤتمره كما كان متوقعاً، ويبدو أنه وافق على إلقاء السلاح في خطوة مقبلة”.
كما أضاف “أن لا أحد يعترض على السلام، لكن ليس معلوماً ما الذي ستقدمه الحكومة للأكراد مقابل تخلي الكردستاني عن السلاح، هذا ما يمكن أن نعرفه لاحقاً، خاصة مع وجود أطراف دولية على خط التفاوض بين أنقرة والكردستاني والحزب المؤيد للأكراد”.
إلى ذلك، قال طارق حمو، الأكاديمي الكردي والباحث في المركز الكردي للدراسات، إن “مؤتمر العمال الكردستاني جاء تلبيةً لنداء قائده التاريخي، واتخذت فيه قرارات سيعلن عنها لاحقاً، وهو استكمال لمرحلة الحوار بين تركيا والحزب، وستليه خطوات من الجانب التركي”.
كما أضاف لـ”العربية.نت” أن “تركيا شهدت مفاوضات مماثلة في السابق امتدت بين عامي 2013 و2015، لكن أنقرة انقلبت عليها لاحقاً”. وشدد على أن “المفاوضات الحالية انطلقت من رغبة دولت بهتشلي حليف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قبل أشهر، وقد دخلت هذه مرحلة جديدة تتمثل بالحل الديمقراطي والتمثيل الكردي في الدولة، والاعتراف بحقوقهم بعد فشل كلا الطرفين في الوصول إلى حلول نهائية بالطرق العسكرية خلال عقود”.
وتابع حمو أن “أوجلان تجاوب مع رغبة بهتشلي وطرح هذه المبادرة واستجاب لها الكردستاني، والآن ننتظر الخطوات المقبلة من الجانب التركي بعدما تحدّث أوجلان عن تاريخ مشترك بين الأكراد والأتراك يمتد لألف عام، وقد كرر بهتشلي ذلك”. ولفت إلى أن “العمال الكردستاني بدأ بمرحلة جديدة وكذلك تركيا التي تهدف لتخلي الأكراد عن السلاح واللجوء إلى الحوار والحل السلمي، لاسيما أن الحركات الكردية قامت بتغيير نفسها في ضوء المتغيرات التي شهدتها المنطقة”.
وكان أوجلان الذي يقضي عقوبة السجن المؤبد مدى الحياة، قد دعا في إعلان وصف بالتاريخي نهاية فبراير الماضي، وتلاه نواب أتراك من “حزب المساواة وديمقراطية الشعوب” (Dem) المؤيد للأكراد، زاروه في سجنه حينها “جميع المجموعات المسلحة إلى إلقاء السلاح وحل حزب العمال الكردستاني”.
فيما اعتبرت تلك الدعوة من قبل العديد من المراقبين مهمة جداً، لاسيما أنها قد تنهي حملة التمرد التي يشنها “الكردستاني” ضد الدولة التركية منذ عام 1984 والتي أسفرت عن مقتل أكثر من 40 ألف شخص على الأقل.
—————————–
==========================
=========================
الموقف الأميركي اتجاه سوريا، مسالة رفع العقوبات، الشروط التي تفرضها الولايات المتحدة الاميركية على الحكومة السورية تحديث 10 أيار 2025
لمتابعة هذا الملف التبع الرابط التالي
العقوبات الأميركية على سوريا الجديدة وسبل إلغائها
—————————-
من هو التاجر الأميركي الذي يسعى إلى بناء جسر بين ترمب والشرع؟/ عيسى النهاري
مصالح الغاز الطبيعي تقود جوناثان باس إلى القيام بدور الوسيط بصورة غامضة وغير رسمية
الجمعة 9 مايو 2025
في عالم دونالد ترمب تجار كثر ينفذون أجندته عبر رحلات رسمية وغير رسمية، وعلى رغم أن الرئيس الأميركي ما زال حذراً في التعامل مع الملف السوري، فإن رجل أعمال أميركياً اسمه جوناثان باس برز خلال الآونة الأخيرة كجسر محتمل بين إدارة ترمب وسوريا الجديدة التي تسعى إلى رفع العقوبات وتأمين الدعم الدولي لإعادة إعمار البلاد المدمرة، فماذا نعرف عن هذا التاجر، وما علاقته بالإدارة الأميركية؟
رئيس شركة للغاز الطبيعي
باس التقى الأسبوع الماضي الرئيس السوري أحمد الشرع في القصر الرئاسي بدمشق، حيث عرض عليه خطة لتطوير قطاع الطاقة السوري بمساعدة شركات غربية وإنشاء شركة نفط سورية يمكن إدراجها في الأسواق الأميركية، مما رحب به الشرع بشرط تخفيف العقوبات، ورغبة منها في دفع الجهود قدماً، أرسلت سوريا وزير الطاقة لمرافقة باس في رحلة العودة لإسطنبول.
ونقل الرئيس السوري رسالة عبر رجل الأعمال الأميركي برغبته في لقاء ترمب لعرض رؤيته لإعادة الإعمار، وتشابه هذه الرؤية “خطة مارشال”، في مسعاها لإعطاء الأولوية إلى الشركات الأميركية والغربية، على حساب الصين وقوى أخرى تتنافس على النفوذ في البلاد، لكن التحدي أمامها هو إقناع واشنطن بأن الشرع وأعوانه لن يجعلوا من سوريا منصة للجماعات الإرهابية، وفق صحيفة “وول ستريت جورنال”.
ويشغل باس منصب الرئيس التنفيذي لشركة “أرغنت” للغاز الطبيعي ومقرها لويزيانا، ومن الواضح أنه يسعى إلى رفع العقوبات الأميركية بهدف بناء علاقات تجارية مع الحكومة السورية الجديدة، مما يتطلب بناء جسور الثقة بين إدارة ترمب المتشككة والحكومة السورية الرازحة تحت وطأة العقوبات.
وما زالت علاقة رجل الأعمال بترمب غير واضحة، لكن منشوراته في مواقع التواصل الاجتماعي تظهر دعمه المطلق لسياسات ترمب حتى الجدلية منها في بعض دوائر رجال الأعمال مثل فرض الرسوم الجمركية، وفي منشور بتاريخ 19 أبريل (نيسان) الماضي اعتبر أن “ترمب بهذه الرسوم لا يجدد عظمة أميركا فحسب، بل ينقذها”.
ويتبنّى الموقع الإلكتروني للشركة التي يترأسها باس الخطاب السياسي للرئيس الأميركي، إذ يبرز شعار “البوابة إلى خليج أميركا” في واجهته الرئيسة، ويبدو أن باس يسعى إلى توسيع نطاق أعمال شركته في منطقة الشرق الأوسط، فيما يتمثل أبرز مشاريعها حالياً في اتفاق إيجار حصري طويل الأجل مع ميناء فورشون بولاية لويزيانا.
وتركز شركة “أرغنت” جهودها على إنتاج الغاز الطبيعي المسال وتوزيعه إلى أسواق تمتد عبر أربع قارات لتلبية الطلب العالمي المتزايد على حلول الطاقة النظيفة. ومن المقرر أن تبدأ العمليات التشغيلية لمشروع لويزيانا عام 2029 أو عام 2030. ويتمتع ميناء فورشون بموقع استراتيجي على الساحل الجنوبي للولايات المتحدة، مما يتيح له الوصول المباشر إلى “خليج أميركا” ويمنحه مزايا لوجستية كبيرة، من بينها تقليص أوقات وكلف الشحن.
اجتماع 4 ساعات
بعد اجتماع باس مع الشرع لنحو أربع ساعات، دعا إلى تطبيع العلاقات مع سوريا، وقال “لدينا فرصة لإخراج الروس والإيرانيين والصينيين من البلاد إلى الأبد، وتحقيق هزيمة دائمة لتنظيم ’داعش‘”. ولفت رجل الأعمال إلى أن سوريا ترغب في الاستعانة بالشركات الأميركية في إعادة الإعمار والالتزام بشراء طائرات “بوينغ” وعقد شراكات مع شركات الاتصالات الأميركية، وخلال مقابلة معه في إسطنبول، أخرج باس هاتفه وأظهر رسائل من وزير الاتصالات السوري الذي كان يرسل له يومياً رسالة مقتضبة عبارة عن “”AT&T، في إشارة إلى رابع أكبر شركة اتصالات أميركية.
وليس من الواضح ما إذا كانت مساعي باس ستؤدي إلى تغيير الإدارة الأميركية موقفها من سوريا، خصوصاً دوائر مكافحة الإرهاب التي لا تزال متشككة في شأن أفكار الرئيس السوري بسبب علاقته السابقة بتنظيم “القاعدة”. ولا يزال الشرع مدرجاً في قائمة الإرهاب الأميركية، على رغم إلغاء مكافأة بقيمة 10 ملايين دولار كان عرضها مكتب التحقيقات الفيدرالي لاعتقاله.
وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي جيمس هيويت إن “الولايات المتحدة أوضحت منذ البداية أن سلوك السلطات السورية الانتقالية هو ما سيحدد دعمها في المستقبل أو إمكان تخفيف العقوبات”. وحذر محللون ومسؤولون أميركيون سابقون مثل جيمس جيفري، أحد المشاركين في فرض العقوبات على سوريا، من أن غياب الدعم الأميركي قد يؤدي إلى عواقب سلبية منها عودة الجماعات المتطرفة، أو لجوء الشرع إلى إيران، إذا نفدت خياراته.
لكن واشنطن أقدمت على خطوات أكثر انفتاحاً تجاه سوريا في الآونة الأخيرة، من بينها إعطاء الضوء الأخضر لمبادرة قطرية لتمويل رواتب موظفي القطاع العام في سوريا باستثناء وزارتي الدفاع والداخلية، مما قد يفتح الباب لمزيد من المرونة في السياسات الدولية تجاه دمشق.
إعادة الإعمار
وبدأ الرئيس السوري الجديد المساعي للتواصل مع أميركا من خلال ملاحقة المتشددين وبدء مفاوضات غير مباشرة مع إسرائيل لتهدئة الوضع، كما أبدى استعداده لعقد صفقات تتيح لشركات النفط والغاز الأميركية العمل داخل سوريا. في المقابل قدمت واشنطن قائمة من المطالب للنظر في العقوبات، من بينها ملاحقة الجماعات الفلسطينية المسلحة وحماية الأقليات والتعهد بألا تكون سوريا منصة تهديد لأية دولة، إضافة إلى التعاون في تحديد أماكن الأميركيين المفقودين في سوريا، والسماح لمنظمة حظر الأسلحة الكيماوية بالتحقق من بقايا الترسانة الكيماوية في البلاد، وهما أمران بدأت الحكومة السورية بالعمل عليهما، وفق صحيفة “وول ستريت جورنال”.
ونقلت الصحيفة الأميركية عن مسؤول رفيع في وزارة الخارجية السورية أن بلاده ترغب في بناء علاقة استراتيجية مع الولايات المتحدة تقوم على المصالح المتبادلة، بما يشمل قطاع الطاقة والقطاعات الاقتصادية الأخرى، ضمن مساعيها لتصبح حليفاً مهماً ومؤثراً لواشنطن في المرحلة المقبلة.
وتحتاج سوريا إلى رفع العقوبات لبدء عملية إعادة إعمار أجزاء واسعة من المدن السورية الكبرى التي شهدت دماراً كبيراً، وإصلاح المطارات والطرق وشبكات الكهرباء والاتصالات. كما تحتاج إلى إصلاح منشآتها النفطية المتهالكة بعد أعوام من الحرب والعقوبات، حتى تعود لمستوى إنتاجها قبل اندلاع الثورة في 2010 عندما كانت تصدر كميات نفطية تقدر قيمتها بـ4.2 مليار دولار.
وسيكون لموقف ترمب من سوريا تأثير حاسم، فعلى رغم أنه لم يُدلِ بكثير من التصريحات العلنية حول الوضع هناك، فإن مبعوثه النافذ إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف قال إن “الشرع بات شخصاً مختلفاً عما كان عليه سابقاً”. ويرى بعض القادة العسكريين الأميركيين أن دعم حكومة الشرع قد يساعد في تقليص نفوذ “داعش” وغيره من الجماعات المتطرفة، وفي الوقت ذاته يسمح بتقليص الوجود العسكري الأميركي.
———————————-
الحوار بين إدارة ترمب وحكومة الشرع هو الحل الأمثل/ رضوان زيادة
الاندماج في المجتمع الدولي على قائمة الأولويات
آخر تحديث 08 مايو 2025
سلم مسؤولون رفيعو المستوى في وزارة الخارجية الأميركية وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني لائحة بالمطالب الأميركية خلال مؤتمر بروكسل في مارس/آذار الماضي، ضمت هذه المطالب ثمانية مطالب رئيسة على الإدارة السورية الجديدة أن تحققها حتى تقوم بالاعتراف بها وحتى تقوم بتخفيف العقوبات وخاصة المالية منها.
من المهم على إدارة ترمب أن تقوم بانخراط سياسي أوسع حول القضايا التي تثير قلقها من الإدارة السورية الجديدة حتى تستطيع سوريا تجاوز صعوبات المرحلة الانتقالية التي تمر بها وحتى تضمن الاستقرار طويل المدى لسوريا على المدى الطويل.
ووضعت الحكومة السورية الجديدة رفع العقوبات من ضمن أولوياتها منذ اليوم الأول لوصولها إلى الحكم بعد أكثر من ستة عقود من حكم نظام الأسد الدكتاتوري الذي كلف الشعب السوري الكثير من الأرواح والمعاناة وكلفه اقتصاديا وماليا مما يجعل من الصعوبة على الحكومة السورية أن تحقق طموحات الشعب السوري أولا والمجتمع الدولي ثانيا في ظل استمرار العقوبات المفروضة عليها والتي تكبل قدرتها على تحقيق ما يصبو إليه الشعب السوري ويتطلع إليه المجتمع الدولي. كما وضعت الإدارة السورية الجديدة في مقدمة أولوياتها في السياسة الخارجية الانخراط مع المجتمع الدولي بهدف إعادة ترميم العلاقات السورية مع محيطها الإقليمي والدولي.
كما سعت الحكومة السورية إلى تحقيق الاستقرار وضمان الأمن كأولوية استرتيجية لها، وهو ما يشعر به المواطنون السوريون والأجانب الذي يزورون المدن السورية المختلفة كل يوم، وعلى الرغم من الصعوبات المالية الخانقة التي تمر بها الحكومة السورية فإنها مصرة على زيادة الإنفاق المالي والاستثمار في القدرات البشرية بهدف ضمان أمن مواطنيها والمواطنين الأجانب الذي يزورونها، وعلى رأسهم مواطنو الولايات المتحدة الأميركية، حيث تعتز الحكومة السورية بوجود كبير للمواطنين السوريين من حملة الجنسية الأميركية والذين يشكلون جسر عبور وتواصل بين الحكومتين، وعليه وضعت الحكومة السورية على رأس أولوياتها البحث عن مصير الأميركيين المفقودين.
ومنذ اليوم الأول لوصول الحكومة السورية الجديدة للحكم في شهر ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي أوضحت وبشكل علني أهمية تخلص سوريا من مخزونها من السلاح الكيماوي الذي استخدمه نظام الأسد ضد الشعب في أكثر من 38 مرة وفقا لتقارير منظمة حظر السلاح الكيماوي كان أفظعها في 21 أغسطس/آب من عام 2012 في الغوطة الشرقية حيث راح ضحية هذا الهجوم أكثر من 1400 شخص من المدنيين الأبرياء، ولذلك تعهد وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، في شهر مارس الماضي وخلال اجتماع المجلس التنفيذي لمنظمة حظر الأسلحة الكيماوية في لاهاي، بأن “برنامج الأسلحة الكيماوية الذي تم تطويره في عهد الأسد ليس برنامجنا، لكن التزامنا اليوم هو تفكيكه بالكامل ووضع حد لهذا الإرث المؤلم”.وأضاف أن سوريا ستحتاج إلى دعم دولي لضمان التنفيذ الفعّال لهذه العملية، داعيا منظمة حظر الأسلحة الكيماوية إلى تقديم المساعدة الفنية واللوجستية المطلوبة لتدمير جميع الأسلحة الكيماوية المتبقية في البلاد، ولذلك ستتعاون الحكومة السورية مع الولايات المتحدة في هذا الإطار ويجب على الحكومة الأميركية أن تتعاون وتساعد الحكومة السورية في هذا الإطار.
كما أن التزام الحكومة السورية بمكافحة الإرهاب هو التزام كامل وثابت، فليس هناك شعب دفع ثمنا لعبث الإرهاب في وطنه كما دفع الشعب السوري، سواء ذلك الإرهاب الذي مارسه نظام الأسد بشكل منهجي على الشعب السوري على مدى 14 عاما أو المنظمات الإرهابية الأخرى من مثل “داعش” التي نشأت على الأرض السورية بسبب فشل المجتمع السوري في إنهاء المعاناة الطويلة التي عاشها الشعب السوري، ولذلك تلتزم الحكومة السورية بالتعاون الكامل مع الحكومة الأميركية في التبادل الاستخباراتي بما يهدف لمكافحة “داعش” وتعلن رغبتها في الانضمام إلى التحالف الدولي لمحاربة “داعش”.
وقامت الحكومة السورية وبهدف بسط سيادتها فوق كل الأراضي السورية كما تقتضي مواثيق الأمم المتحدة، قامت بطرد إيران كليا من أراضيها وإغلاق كل وكالاتها وممثلياتها بشكل كامل، وتقوم بتعقب العملاء الإيرانيين على الأرض السورية ورفع دعاوى قضائية في المستقبل ضد الميليشيات الإيرانية والمتعاونين معهم. وترحب بإعلان الحكومة الأميركية باحترام سيادة الحكومة فوق كل أراضيها، فإنها وحفظا لدماء الشعب السوري ورغبة في مشاركة كل المكونات السوري في العملية السياسية قامت بتوقيع اتفاق إطاري مع “قوات سوريا الديمقراطية” في نهاية الشهر الماضي. وقد أبدت الحكومة السورية خلال المفاوضات التي قادت إلى توقيع الاتفاق رغبتها في نقل سجناء “داعش” المحتجزين لدى قوات “قسد” إلى السجون الخاصة التي تخضع لإشراف الحكومة السورية واحتجازهم وفق المعايير الدولية للقانون الدولي وبنفس الوقت تحث الحكومة السورية كل الحكومات الأجنبية التي ما زال لديها مقاتلون محتجزون في هذه السجون بأن يقوموا باستلامهم وفقا للأصول الدولية المرعية وبما يخفف الأعباء المادية والفنية على الحكومة السورية في احتجاز هذا العدد الكبير من المقاتلين السابقين لمقاتلي “داعش”.
إنهاء الوجود الإيراني
لقد دفع الشعب السوري ثمنا غاليا نتيجة الوجود الإيراني على الأرض السورية بدعم كبير من نظام الأسد السابق، والذي سمح للميليشيات الإيرانية التابعة له من مثل “حزب الله” بقتل المواطنين السوريين على الأرض السورية، وتمكنت الحكومة السورية وبدعم شعبي كبير من طرد كل القوات والمستشارين والبعثات الدبلوماسية الإيرانية وتلك التابعة لها من مثل “حزب الله” وميليشيا “فاطميون” و”زينبيون” وغيرها من كل الأراضي السورية.
وتتعهد الحكومة السورية بمجرد صدور قانون جديد لمكافحة نشاط المنظمات الإرهابية من قبل مجلس الشعب السوري القادم بوضع هذه الميليشيات على لائحة المنظمات الإرهابية التي يحظر نشاطها على الأرض السورية، وترغب الحكومة السورية أن تعلم الحكومة الأميركية أنها تدعم بقوة الدعاوى القانونية التي رفعت في سوريا وخارجها ضد الأشخاص الناشطين ضمن الحرس الثوي الإيراني أو “حزب الله”.
سادسا، بالنسبة للمقاتلين الأجانب في صفوف الجيش العربي السوري الجديد، أخذت الحكومة السورية ملاحظات الجانب الأميركي بعناية شديدة في هذا الإطار، وتتطلع إلى معالجة هذا الملف بهدوء وحذر بما يضمن استقرار سوريا وأمنها وتحقيق رفاهية شعبها. كما أعلنت الحكومة السورية أنها قامت بتجميد نشرة الترفيعات العسكرية وستقوم بمراجعة النشرات السابقة بما يأخذ بعين الاعتبار تحفظات الدول المعنية، كما تصر الحكومة السورية على حقها الكامل في بسط سيادتها فوق أراضيها برا وبحرا وجوا وهو حق كفلته لها المواثيق الدولية، وتتطلع الحكومة السورية إلى احترام حكومة الولايات المتحدة لهذا الحق كما عبرت في بياناتها الصادرة عن وزارة الخارجية الأميركية.
أعتقد أن الرد السوري على رسالة المطالب الأميركية كان إيجابيا ووافيا ويجب أن يقود إلى حوار موسع بين الحكومتين بحيث يقود إلى بناء العلاقات السورية-الأميركية على أفق جديد لما فيه مصالح البلدين.
المجلة
—————————
لا تطورات جدية بين الإدارة الأميركية ودمشق/ عدنان علي
10 مايو 2025
تشهد العلاقة بين الإدارة الأميركية ودمشق نشاطاً مكثفاً، في ظلّ محاولات التقريب بينهما، وذلك على وقع إبلاغ الرئيس الأميركي دونالد ترامب الكونغرس بتجديد “حالة الطوارئ الوطنية” الأميركية المتعلّقة بسورية عاماً إضافياً، وذلك في ضوء ما وصفه باستمرار “التهديدات غير العادية والاستثنائية التي تشكلها سياسات الحكومة السورية على الأمن القومي والسياسة الخارجية والاقتصاد الأميركي”. وجاء في الإخطار أن حالة الطوارئ ستبقى سارية بعد تاريخ 11 مايو/ أيار 2025 (غداً الأحد) عاماً إضافياً، عملاً بقانون الطوارئ الوطني الأميركي. وجاء في مسوغات القرار المؤثر على علاقات الإدارة الأميركية ودمشق أن “افتقار سورية للهيكلية وقدرتها المحدودة على الحكم في ما يتعلق بالأسلحة الكيميائية ومكافحة المنظمات الإرهابية، يشكلان تهديداً غير عادي واستثنائي للأمن القومي والسياسة الخارجية والاقتصاد للولايات المتحدة”. وأوضح القرار أن الولايات المتحدة “ستنظر في التغييرات في سياسات وإجراءات سورية لتحديد ما إذا كانت ستُبقي أو تُنهي حالة الطوارئ الوطنية هذه في المستقبل”.
ظروف حالة الطوارئ
وكانت إدارة الرئيس الأميركي الأسبق، جورج بوش الابن، قد فرضت حالة الطوارئ على سورية بموجب “قانون محاسبة سورية واستعادة سيادة لبنان” لعام 2004، وقانون “الصلاحيات الاقتصادية الطارئة الدولية”. وفُرضت تلك الحالة حينها نتيجة لاتهام نظام الأسد بدعم الإرهاب، واحتلال لبنان آنذاك، والسعي إلى امتلاك أسلحة دمار شامل، إلى جانب عرقلة جهود الولايات المتحدة والمجتمع الدولي في العراق. ومنذ ذلك الوقت، ظل هذا القرار يمدد تلقائياً كل عام، ومدّده الرئيس الأميركي السابق، جو بايدن في 11 أكتوبر/تشرين الأول 2024، معتبراً أن الوضع في سورية “يعرض المدنيين للخطر، ويستمر في تشكيل تهديد استثنائي للأمن القومي الأميركي”. ويأتي هذا التمديد، في وقت حساس لدمشق، التي تسعى بدأب لتحسين العلاقات مع واشنطن، من منطلق أن ذلك يشكل المدخل الرئيسي لرفع العقوبات الدولية المفروضة على البلاد، منذ عهد النظام السابق، والتي جرى تخفيفها جزئياً وبشكل محدود أميركياً وأوروبياً، بعد إطاحة نظام بشار الأسد في الثامن من ديسمبر/كانون الأول الماضي.
ووفق تقارير نشرت أخيراً فإن الحكومة السورية، تسعى لدى أطراف عربية وإقليمية ودولية، فضلاً عن شخصيات أميركية رسمية وغير رسمية زارت دمشق، لفتح خطوط مع إدارة ترامب، من أجل رفع العقوبات وبناء علاقة استراتيجية بين الإدارة الأميركية ودمشق والقطيعة أو الابتعاد عن المحاور الأخرى الإقليمية والدولية، مثل إيران وروسيا والصين. ووفق تقرير لصحيفة وول ستريت جورنال أخيراً، فإن حكومة أحمد الشرع اتخذت عدداً من الخطوات للاستجابة للمطالب الأميركية، بما في ذلك اعتقال قادة في فصائل فلسطينية، والتواصل مع الاحتلال الإسرائيلي من خلال وسطاء، للتعبير عن رغبتها في تفادي الحرب، وكذلك من خلال إبداء رغبتها في إبرام صفقات مع شركات النفط والغاز الأميركية لتنفيذ مشاريع في سورية. ووفق الصحيفة، فإن الرئيس السوري يسعى لتنفيذ خطة لإعادة الإعمار على غرار “مشروع مارشال” الأميركي الذي أعاد إعمار أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945)، بشراكة مع الشركات الغربية. وأشارت الصحيفة إلى أن المهمة الأكثر إلحاحاً بالنسبة للشرع تتمثل في إقناع إدارة ترامب المشككة في نياته، بأن التغيير الذي حصل في مواقفه حقيقي. ولفتت إلى أن الشرع يحاول عقد لقاء مع ترامب من أجل تبادل الرؤى حول خطة على غرار “مشروع مارشال”.
حول هذه التطورات على خط الإدارة الأميركية ودمشق اعتبر الباحث السوري رضوان زيادة في حديث مع “العربي الجديد”، أن “هناك الكثير من الدعوات والأماني بشأن العلاقات مع الولايات المتحدة، لكن، للأسف ليس هناك أية تطورات جدية”. وأضاف في ما يتعلق بعلاقات الإدارة الأميركية مع دمشق أن “هناك خطوات من الجانب الأميركي، لكنها جزئية جداً ومحدودة تتعلق بالسماح لقطر بدفع رواتب موظفي القطاع العام، ما عدا وزارتي الدفاع والداخلية، لكن إدارة ترامب ما زالت لا تعترف بالحكومة الجديدة، رغم إيجابيتها في التعامل مع المطالب الأميركية”. واستبعد زيادة عقد لقاء بين ترامب والشرع في السعودية بسبب التحفظات التي أبداها الطرف الأميركي.
ومثل هذا ما ذهبت إليه المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية تامي بروس في تعليقها على موافقة واشنطن بأن تموّل قطر دفع رواتب العاملين في سورية لفترة محددة، قائلة إن هذا لا يشكل تغييراً في السياسة الأميركية تجاه سورية، لأن هناك إعفاءات بالفعل تسمح بخطوات كهذه، مستبعدة أي تحرك أميركي جديد باتجاه تخفيف العقوبات المفروضة على سورية. وانتقدت بروس تعيين أحمد إحسان فياض الهايس، المعروف باسم أبو حاتم شقرا، المدرج على قوائم العقوبات الأميركية، قائداً لإحدى الفرق العسكرية في الجيش السوري الجديد.
وكانت الإدارة الأميركية قد سلمت الحكومة السورية الشهر الماضي قائمة مطالب لتخفيف العقوبات، تضمنت منع تسلم المقاتلين الأجانب مناصب في الدولة السورية، وأن يصدر الشرع موقفاً علنياً يرحب بنشاط وعمل “التحالف الدولي للقضاء على داعش”، إضافة إلى حظر نشاط الفصائل الفلسطينية السياسي والأمني والعسكري ووقف حملات التبرعات الخاصة بها، ومنع النشاط الإيراني في سورية مع حظر استخدام الأراضي السورية لنقل السلاح والأموال إلى حزب الله. كما تضمنت المطالب ضرورة كشف مخازن الأسلحة الكيميائية والتعاون الكامل مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية لتفكيك الترسانة السورية، فضلاً عن تخصيص جهة اتصال مباشرة لمتابعة مصير المفقودين الأميركيين في سورية البالغ عددهم 12 شخصاً، من بينهم الصحافي أوستن تايس. وقد أرسلت الحكومة السورية رداً لم يكشف عن مضمونه، بشأن هذه المطالب. كما أجرى وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني لقاءات عدة في نيويورك، لكن ذلك، لم يسهم كثيراً في إحداث تغيير ملموس في مسار العلاقات بين البلدين.
الإدارة الأميركية ودمشق
من جانب آخر، رأى بعض المراقبين أن جولة ترامب الوشيكة في المنطقة، التي ستشمل السعودية وقطر والإمارات، إلى جانب الاتصالات التركية مع واشنطن بخصوص سورية، وتأييد ترامب المعلن لدور أنقرة في هذا البلد، قد يمثل كل ذلك بداية تغيير في علاقة الإدارة الأميركية ودمشق وتعاطي واشنطن مع الملف السوري. وكان ترامب قد أجرى اتصالاً مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان، في الخامس من مايو/أيار الحالي، مشيراً إلى أنه تناول موضوعات منها الحرب في أوكرانيا والملف السوري والأوضاع في قطاع غزة. وأضاف ترامب أن أردوغان سيزور واشنطن وأن الأخير دعاه أيضاً إلى زيارة تركيا. من جهتها، ذكرت الرئاسة التركية أن أردوغان قال لترامب إن أنقرة تعمل على المساعدة في الحفاظ على وحدة الأراضي السورية، وحث ترامب على النظر في تخفيف العقوبات عن دمشق.
في هذا الصدد، قال المحلل السياسي غازي دحمان لـ”العربي الجديد” إن “مباحثات ترامب، خصوصاً في الرياض والدوحة، لا بد أن تتطرق إلى الملف السوري، حيث سيسعى المسؤولون في هذين البلدين إلى إقناع الرئيس الأميركي بتبني مقاربة جديدة مع الحكم الجديد في سورية، يقفز من خلالها عن المبالغات الإسرائيلية بشأن سورية، وعن الانطباعات الخاطئة لبعض أركان إدارته بهذا الخصوص، المستمدة أساساً من معطيات إسرائيلية”. واعتبر دحمان أن ترامب الذي يغلب لغة المصالح، ويميل إلى عقد الصفقات، هو أيضاً رجل المفاجآت، ولا يتقيد بالضرورة بالرغبات الإسرائيلية، خصوصاً في ظل وجود قدر من عدم الثقة بينه وبين رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، مستشهداً باتفاق التهدئة الذي توصلت إليه واشنطن مع الحوثيين في اليمن، خلافاً لرغبة إسرائيل.
العربي الجديد
—————————–
مدير منظمة الطوارئ السورية: الشرع يرغب بلقاء ترامب
بيروت – جوني فخري
09 مايو ,2025
في مطلع الشهر الجاري، عقد مسؤولون أميركيون ومعهم معاذ مصطفى، المدير التنفيذي لمنظمة الطوارئ السورية (SETF)، اجتماعاً مطوّلًا مع الرئيس السوري أحمد الشرع استمر لأكثر من ثلاث ساعات، “بعث خلاله الشرع برسائل عدة إلى الرئيس الاميركي دونالد ترامب الذي يحطّ في المنطقة خلال أيام في جولة شرق اوسطية تشمل دولاً عدة.
وقال مصطفى في تصريحات للعربية.نت إن الشرع، يرغب بلقاء ترامب، “لمشاركة رؤيته في تحقيق السلام بالمنطقة وإعادة إعمار سوريا”.
كما اعتبر مدير المنظمة غير الحكومية التي تعنى بدعم الشعب السوري والذي ساهم في تقديم “قيصر”، المصور العسكري السوري المنشق، إلى الكونغرس الأميركي سابقا، أن “لقاء ترمب-الشرع برعاية السعودية فرصة ذهبية من شأنها تحقيق السلام بالمنطقة وإضعاف إيران”.
إلى ذلك، أشار إلى أن “الشرع أبدى خلال اللقاء استعداده لزيارة المملكة بالتزامن مع زيارة الرئيس الأميركي وعقد اجتماع معه للبحث في هذه القضايا”.
النفط السوري
وأوضح أن الملف الاقتصادي وإعادة الأعمار طرحا على طاولة الاجتماع، بحضور جوناثان باسس رجل الأعمال الاميركي وخبير النفط الذي يمثل المصالح الاقتصادية الأميركية، ويملك شبكة علاقات واسعة مع دوائر القرار في واشنطن.
كما لفت إلى أن الشرع ” أعرب عن اهتمامه الشديد بالشراكة مع الولايات المتحدة في قطاع الطاقة السوري”، وأشار إلى “نيّته وضع دراسة مُجدية لمقترح يسمح للجانب الأميركي بإدارة حقول النفط والغاز السورية”.
منع عودة إيران
كما أفاد بأن الرئيس السوري أكّد “التزامه بمنع عودة إيران إلى سوريا، ومواصلة التعاون الوثيق مع واشنطن في جهود مكافحة الإرهاب، بما في ذلك التعامل مع مُعتقلي داعش وإعادة العائلات المُهجّرة”.
وفي الإطار، أوضح مصطفى “أن رجل الاعمال الاميركي جوناثان باسس، أبدى امام الشرع اهتمام ترمب بإدارة الموارد الطبيعية في سوريا والاستثمار في حقول النفط وإبعاد الصين عن اي مشاريع في هذا المجال”.
شراكة أميركية- سورية
وأكد “أن باسس طرح فكرة الشراكة الأميركية-السورية للموارد الطبيعية من خلال تأسيس شركة عالمية تستثمر فيها شركات دولية ويتم تسجيلها في البورصة الأميركية، وذلك بهدف الشفافية ومنع الفساد الذي ربما يقود إلى وضعها على لائحة العقوبات”.
أما في ما يتعلق بموضوع رفع العقوبات الذي تطالب به الإدارة السورية الجديدة، فلفت مصطفى إلى “أن العقوبات فرضت بسبب الرئيس السابق بشار الأسد، ومن حق الشعب السوري رفعها الآن بعد التغييرات التي حصلت”.
من جهة أخرى، شدد المتحدث على أن “الرئيس السوري أكد رفض بلاده الدخول بحرب مع الدول المجاورة، مشددا على أن سوريا لن تُشكّل أي خطر أو تهديد على الدولة المحيطة بها، وهدفها الحالي إعادة الإعمار”.
وكانت الخارجية الأميركية أعلنت أمس الخميس أن لديها آلية محددة للإعفاءات الخاصة بسوريا. كما أضافت أنها تنتظر من السلطات السورية الرد على مطالبها.
علماً أن مصادر مطلعة كانت أفادة سابقا بأن دمشق ردت على المطالب الأميركية، مبدية تجاوبها في العديد منها، مع إشارتها إلى أن بعض هذه المطالب أو الشروط يتطلب بحثا إضافيا، وفق ما أفادت حينها وكالة رويترز.
يذكر أن البنك الدولي كان قدر تكاليف إعادة الإعمار في البلاد التي أنهكتها سنوات طويلة من الحرب دامت 14 عاما، بأكثر من 250 مليار دولار.
—————————
==========================
العدالة الانتقالية تحديث 10 أيار 2025
لمتابعة هذا الملف اتبع الرابط التالي
—————————-
أهمية إطلاق هيئة العدالة الانتقالية في سورية اليوم/ رضوان زيادة
09 مايو 2025
بسبب العدد الكبير لجرائم الحرب والجرائم ضدّ الإنسانية التي ارتكبها النظام البائد بحقّ السوريين على مدى الـ14 سنة الماضية، لا بدّ من تشكيل هيئة وطنية للعدالة الانتقالية من أجل تحقيق أهداف مباشرة، وضمان تحقيق السلم على المستوى البعيد عبر تحقيق المحاسبة والعدالة للضحايا بما يمنع من عمليات الانتقام التي بدأت تتصاعد كثيراً في حمص وحلب والساحل السوري، وإعادة النقاش السياسي إلى التركيز على جرائم الأسد الفظيعة بحقّ السوريين، ولا سيّما أن النقاش انحرف كثيراً بالتركيز في ما يجري في الساحل فقط. ويتحقق ذلك عبر ما تسمّى جلسات الاستماع العمومية التي تركز على جرائم الأسد، وإنصاف الضحايا عبر إطلاق مسار رسمي يشمل الكشف عن مصير المختفين قسرياً عبر البحث عن مصيرهم، وضمان تحقيق العدالة لهم عبر التعاون مع وزارة العدل لتأسيس ما تسمّى المحكمة السورية الخاصّة بجرائم الحرب والجرائم ضدّ الإنسانية، وتأسيس معادل وطني للمؤسّسات الدولية التي تشكّلت بعد بداية الثورة، مثل لجنة التحقيق الدولية المستقلّة والآلية الدولية المحايدة الخاصّة بالمساءلة الجنائية والمؤسّسة المستقلّة المعنية بالمفقودين، وكلتا الآليتين شكّلتها الجمعية العامّة للأمم المتحدة. ولذلك يجب أن تتشكّل الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية نظيراً وطنياً يستطيع التعامل مع هذه الآليات، وتحقيق العدالة بالنسبة إلى كثير من أسر الضحايا في ما يتعلّق بتقدير التعويضات الضرورية الخاصّة لهم، وضمان مسؤولية نظام الأسد عن ارتكاب هذه الجرائم، وتحقيق المصالحة الوطنية هدفاً بعيداً عبر تجنّب مبدأ الإدانة العامّة لطائفة بعينها، وإنما تقديم المسؤولين الفرادى المسؤولين عن ارتكاب الجرائم للعدالة، وهو ما يفتح الباب لتحقيق المصالحة الوطنية وضمان السلم الأهلي.
أشار الرئيس أحمد الشرع، في أكثر من خطاب له، وبخاصّة الخطاب الموجّه إلى مؤتمر الحوار الوطني، إلى تأسيس هذه الهيئة، كذلك نصّ البيان الختامي للمؤتمر المذكور على تأسيس هذه الهيئة، ونصّ الإعلان الدستوري على تأسيس الهيئة السورية للعدالة الانتقالية في مادته الـ”49″، على أن “تُحدث هيئة لتحقيق العدالة الانتقالية تعتمد آليات فاعلة تشاورية مرتكزة على الضحايا، لتحديد سبل المساءلة، والحق في معرفة الحقيقة، وإنصاف للضحايا والناجين، إضافة إلى تكريم الشهداء”.
ولذلك، لا بدّ من التزام تأسيس هذه الهيئة كما وعد الرئيس في أكثر من خطاب له.
وفي معنى العدالة الانتقالية، نقول إن مجتمعاتٍ كثيرة مرّت بما مرّت به سورية، ولا سيّما في أفريقيا وأميركا اللاتينية، لكنّها استطاعت فيما بعد أن تخرج من تلك الفترة السوداء في تاريخها عبر فتح صفحة جديدة قائمة على الحقيقة والمحاسبة والعدالة، ومن ثمّ المصالحة، وهو ما يطلق عليه “العدالة الانتقالية”. وتشير العدالة الانتقالية إلى حقلٍ من النشاط أو التحقيق يركّز في المجتمعات التي تمتلك إرثاً كبيراً من انتهاكات حقوق الإنسان والإبادة الجماعية أو أشكال أُخرى من الانتهاكات تشمل جرائم الحرب والجرائم ضدّ الإنسانية، من أجل بناء مجتمع أكثر استقراراً لمستقبل آمن. يمكن إدراك المفهوم من خلال عدة مصطلحات تدخل ضمنه مثل إعادة البناء الاجتماعي، والمصالحة الوطنية، وتأسيس لجان الحقيقة، والتعويض للضحايا، وإصلاح مؤسّسات الدولة العامّة، التي غالباً ما ترتبط بها الشبهات في أثناء النزاعات الداخلية المسلّحة مثل الشرطة وقوى الأمن والجيش.
وهو ما حصل في تشيلي (1990) وغواتيمالا (1994) وجنوب أفريقيا (1994) وبولندا (1997) وسيراليون (1999) وتيمور الشرقية (2001) والمغرب (2004) وتونس (2011)، فمع حدوث التحوّل السياسي، بعد فترة من العنف أو القمع في أي مجتمع، يجد المجتمع نفسه، في أحيانٍ كثيرة، أمام تركة صعبة من انتهاكات حقوق الإنسان، ولذلك تسعى الدولة للتعامل مع جرائم الماضي، رغبةً منها في تعزيز العدالة والسلام والمصالحة. وستتركّز أهداف الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية والمصالحة في عدد من البرامج الرئيسة:
أولاً: لجان الحقيقة وجلسات الاستماع العمومية: ستجمع الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية والمصالحة البيانات والمعلومات الخاصّة بالضحايا، وتُشكَّل لجان خاصّة بالتحقيق في كلّ من عمليات القتل وتوثيق حالات التعذيب والاعتقال السياسي والاختفاء القسري. وستقوم هذه اللجان بتحقيقات رسمية في أنماط الانتهاكات التي وقعت لوضع سجلّ تاريخي دقيق لما وقع من الأحداث. إن إنشاء هذه اللجان المختلفة الخاصّة بالانتهاكات من شأنه أن يعمل على إنشاء أجهزة تحقيق قوية لكشف الحقائق المتعلّقة بالعنف الذي ارتكبته جهات تابعة لنظام الأسد أو جهات غير تابعة لها، بشكل غير مباشر مثل مليشيا الدفاع الوطني أو حزب الله أو المليشيات الإيرانية، التي كثيراً ما تتعرّض للإنكار أو الإخفاء.
من المفروض لهذه اللجان المشكلة أن تعمل على إثبات الحقيقة بشأن ما حدث من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان بحقّ السوريين على يد نظام الأسد، ومحاسبة مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان عبر تقديم ملفاتٍ للمحاكم والهيئات القضائية عبر تشكيل المحكمة السورية الخاصّة بجرائم الحرب والجرائم ضدّ الإنسانية، وأن توفّر منبراً عاماً للضحايا، كذلك تحفّز على النقاش العام وإثرائه بشأن قضايا العدالة الانتقالية والمصالحة، وتوصي بتعويضات للضحايا عبر إيجاد حوار مباشر معهم، وتوصي بالإصلاحات القانونية والمؤسّسية اللازمة، وتعزّز المصالحة الوطنية لأنها تعمل على مستويات مختلفة أهمها المستويَين الشعبي والمحلّي، مع تنظيم عدد من جلسات “الاستماع العامّة” التي يشارك فيها الضحايا بشكل رئيس، ويتحدّثون عن معاناتهم، وهو ما من شأنه أن يكسر الحاجز الطائفي عندما تظهر الضحايا بوصفها تنتمي إلى طوائف مختلفة، ما يلعب دوراً مهمّاً في ما يسمى الشفاء الاجتماعي، بعد الحالة المرضيّة التي عاشها المجتمع السوري من استخدام العنف المكثّف أكثر من 14 عاماً.
ثانياً: رفع الدعاوى القضائية والمحاسبة: تعتبر إقامة العدالة الجنائية عنصراً أساسياً من عناصر التصدّي المتكامل للانتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان في سورية، لذا لا بدّ أن ينصبّ رفع الدعوى على المتهمين من الأفراد، وينبغي أن تهدف برامج إقامة الدعوى أيضاً على استعادة كرامة الضحايا واسترداد ثقة الشعب السوري في سيادة القانون.
تشمل المحاكمات القيام بالتحقيقات واتخاذ الإجراءات القضائية ضدّ مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضدّ الإنسانية في سورية خلال فترة الثورة، ويمكن لهذه المحاكمات استهداف المرتكبين لهذه الجرائم أو التركيز على العاملين في المستويات القيادية العليا فقط في هيكلية نظام الأسد، المسؤولين عن إصدار أوامر بتلك الانتهاكات والجرائم، أو الذين لديهم صلاحيات إدارة نافذة على مرتكبي تلك الجرائم، ولا يُستثنى من ذلك من ارتكب الانتهاكات ضدّ المدنيين ، ويتعيّن إجراء هذه المحاكمات بما يتّفق مع معايير المحاكمات العادلة في إجراءاتها، وذلك لتجنّب أي طعون في مشروعيتها.
ثالثاً: التعويضات: أمام الانتشار الواسع لانتهاكات حقوق الإنسان في سورية، أصبح لزاماً على الحكومات السورية اللاحقة، ليس التصدّي لمرتكبي هذه التجاوزات فقط، بل ضمان حقوق الضحايا كذلك. وبوسع الحكومة السورية الانتقالية أن تهيّئ الظروف الملائمة لصيانة كرامة الضحايا وتحقيق العدل بواسطة التعويض عن بعض ما لحق بهم من الضرر والمعاناة. وينطوي مفهوم التعويض على عدّة معانٍ، من بينها التعويض المباشر (عن الضرر أو ضياع الفرص)، ورد الاعتبار (لمساندة الضحايا معنوياً وفي حياتهم اليومية) والاسترجاع (استعادة ما فقد قدر المستطاع)، ويمكن التمييز بين التعويضات بحسب النوع (مادّية ومعنوية) والفئة المستهدفة (فردية/ جماعية). ويمكن أن يحصل التعويض المادي من طريق منح أموال أو حوافز مادّية، كذلك يمكن أن يشمل تقديم خدمات مجّانية أو تفضيلية، كالصّحة والتعليم والإسكان. أمّا التعويض المعنوي، فيكون مثلاً عبر إصدار اعتذار رسمي، أو تكريس مكان عام (مثل متحف أو حديقة أو نصب تذكاري) أو إعلان يوم وطني للذكرى.
أما الأهداف المتوخّاة من تدابير التعويض (مادّيةً كانت أو معنويةً)، فهي عديدة ومتنوعة، ومنها الإقرار بفضل الضحايا جماعات وأفراداً، وترسيخ ذكرى الانتهاكات في الذاكرة الجماعية، وتشجيع التضامن الاجتماعي مع الضحايا، وإعطاء ردّ ملموس على مطالب رفع الظلم وتهيئة المناخ الملائم للمصالحة عبر استرجاع ثقة الضحايا في الدولة، إضافة إلى أن مبدأ التعويضات أصبح إلزامياً بموجب القانون الدولي.
ولذلك، ستلعب الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية والمصالحة دوراً رئيساً في تحديد وتقدير حجم وشكل ونوع طريقة التعويضات المناسبة والضرورية للضحايا من كلّ الأطراف من خلال عدة لجان يجب أن تشكّلها الهيئة لهذا الموضوع، منها لجنة التعويض وصيغ جبر الضرر المادّية.
رابعاً: إصلاح المؤسّسات: تحتاج سورية الخارجة حديثاً من الديكتاتورية إلى تبنّي إصلاحات تشمل مؤسّساتها وقوانينها وسياستها، بهدف تمكين البلاد من تحقيق الأهداف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية البعيدة المدى، التي تعتبر ضروريةً لتفادي وقوع انهيار حضاري و/أو ديمقراطي في المستقبل. الإصلاحات المؤسّساتية بشكل عام يكون الهدف منها إزالة الشروط التي أدّت إلى نشوء فترة النزاع أو القمع. ولذلك ستسعى الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية والمصالحة لضمان إصلاح المؤسّسات بما يهدف إلى إعادة هيكلة مؤسّسات الدولة التي تواطأت في أعمال العنف وانتهاكات حقوق الإنسان،
وإزالة التمييز الحزبي أو الطائفي الذي يشعر بعضهم أنه مورس ضدّهم من حزب البعث في مؤسّسات الدولة، وبخاصّة الجيش والأجهزة الأمنية، ومنع مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان من الاستمرار في الاستفادة من شغل مناصب في المؤسّسات الحكومية.
خامساً: إحياء الذكرى من طريق أيّ حدث أو واقعة أو بناء يستخدم بمثابة آلية للتذكّر. ويمكن إحياء الذكرى رسمياً، مثل إقامة نصب تذكاري، أو غير رسمي مثل بناء جدارية في مجتمع محلّي، سواء كان ذلك من الدولة، أو تلقائياً من المواطنين. ويسعى الناس لإحياء ذكرى أحداث الماضي لأسباب عديدة، منها الرغبة في استحضار ذكرى الضحايا والتعرّف إليهم، وتعريف الناس بماضيهم، وزيادة وعي المجتمع، ودعم رواية تاريخية أو تعديلها، وتشجيع تبنّي الاحتفال بالذكرى وتبنّي عملية العدالة الانتقالية من مستوى محلّي.
إن بناء نُصب تذكاري عملية تنطوي في طيّاتها على عناصر السياسة والتاريخ والجمالية. وتعتبر النُّصب التذكارية، من حيث إنها ممارسات في عملية بناء الأمّة، جزءاً من بيئة مادّية واجتماعية يمكن أن تساعد في تحديد وبناء مفهوم مشترك للتجربة الجماعية والخيال والنظرة الذاتية لشعب من الشعوب. وتتفاعل جميع النُّصب التذكارية مع الأشخاص الذين يشتركون في إقامتها، وليس لها أيّ سلطة ذاتية، وإنما تنشّط من الناس، وهي تتوقّف في تأثيرها النهائي لإحياء الذكرى على الناس الذين يأتون لزيارتها.
لا مخرج لسورية من استحكام خروجها من الشرخ الاجتماعي العميق الذي سيعقب إنهاء الصراع المسلّح، إلا بقرار تاريخي من نمط “المصالحة الوطنية”، والمصالحة هنا تأتي تتويجاً لكلّ مراحل العدالة الانتقالية التي أشير إليها آنفاً، وعندها يستطيع المجتمع السوري أن يخرج من انقساماته الاجتماعية والطائفية العميقة باتجاه الشراكة في بناء المستقبل.
العربي الجديد
——————————
سوريّون في فخ الكراهية/ مالك الحافظ
2025.05.09
ربما يعرف كثير من السوريين قصة رواندا، ذلك البلد الذي شهد في عام 1994 واحدة من أفظع الإبادات الجماعية في العصر الحديث، حين قُتل نحو 800 ألف شخص في مئة يوم فقط، على خلفية تحريض متواصل بثّته إذاعة “راديو ميل كولين”.
الكلمات هناك لم تكن بريئة، “اقطعوا الأشجار الطويلة!” كانت هذه العبارة الأخطر، الشيفرة المباشرة للدعوة إلى قتل التوتسي، حيث تحوّلت اللغة إلى أداة قتل منهجي، مُجرِّدة الضحايا من إنسانيتهم وممهّدة الطريق لجرائم إبادة لا توصف.
هذه التجربة هي مرآة مخيفة تعكس كيف يمكن لخطاب الكراهية، إذا تُرك دون مواجهة، أن يشق طريقه من الشاشات إلى النفوس، فيحوّل الخلافات العادية إلى صراعات مدمّرة تمزق النسيج الاجتماعي قطعةً قطعة.
لعل ما يعمّق خطورة مشهدنا السوري اليوم هو أن المحرّضين لدينا يظهرون على هيئة صفحات وأسماء يدّعي أصحابها أنهم “مؤثرون” على وسائل التواصل الاجتماعي.
أغلبهم ليسوا إعلاميين محترفين ولا مفكرين، بل سطحيون فارغون فكرياً يمارسون التحريض بدم بارد، فيجعلون من صفحاتهم مزارع تعبئة غوغائية، ويدفعون جمهورهم إلى لعب أدوار الذباب الإلكتروني الذي يهدد النسيج السوري المتشظي أصلاً بمزيد من الانهيار.
إن جوهر الانحدار في خطاب الكراهية يتمثل في مفعوله التراكمي بنزع الصفة الإنسانية عن الضحية، فحين يُسمّى البشر “صراصير” كما حصل مع التوتسي مثلاً، فإن المسألة قد تحوّلت إلى صناعة سرديات شيطنة تُحوّل الآخر إلى شيء، إلى مادة، إلى عدو خارجي يُلقى خارج حدود الإنسانية.
ما نراه اليوم من انحدار خطير في الخطاب الرقمي السوري لا يُعبّر عن قوة موقف أو شجاعة تعبيرية، إنما في جوهره، تعبير فجّ عن الضعف الأخلاقي والعجز الفكري. هؤلاء المؤثرين لا يتقنون سوى تكرار سرديات التخوين وتضخيم العصبيات المناطقية والطائفية، ويقودون من حيث لا يعلمون حملات ممنهجة لتدمير أي بذرة حوار وطني حقيقي. الأكثر مدعاة للقلق أن هؤلاء يتخفّون وراء شعارات الوطنية، في حين أن ممارساتهم قد لا تختلف كثيراً عن أدوات الحرب النفسية التي تخدم مصالح التقسيم والانقسام.
لا يمكن النظر إلى هذه الظاهرة كحالة سورية خاصة فقط، بل بوصفها جزءاً من نمط عالمي يتكرر في أزمنة الأزمات الكبرى، كما يوضح مانويل كاستلز، الفيلسوف وعالم الاجتماع الإسباني، مشيراً إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي تنتج أيضاً شبكات تعبئة للغضب الجماعي، تتحول عبرها المشاعر الفردية إلى حركات جماهيرية رقمية قابلة للتوسع والتطرف. يرى كاستلز أن الطبيعة اللامركزية لهذه الشبكات تجعلها بيئة مثالية لتكريس الانقسام، لأنها تُضخّم الصدمات العاطفية وتُعيد إنتاجها بلا توقف.
إن من أخطر معوّقات مواجهة خطاب الكراهية في سوريا هو ما يمكن تسميته بثقافة تقديس الأشخاص، فحين يتحول الأفراد إلى تماثيل رمزية شبه مقدسة، يصبح المساس بهم، حتى نقداً بسيطاً أو تلميحاً عابراً، بمثابة ارتكاب “فجور فكري” أو “خيانة جماعية”.
هذه الظاهرة هي جزء من بنية عصبوية عميقة وصفها ابن خلدون قبل قرون بأنها “الروح الجامعة للجماعة”، لكنها في حالتنا المعاصرة تحولت إلى أداة تدمير داخلي. يقول ابن خلدون إن العصبية ضرورية لتماسك الدولة، لكنها إذا تجاوزت حدودها المعقولة تحولت إلى سبب سقوطها، لأن “التغلب والاستبداد مؤذن بالفساد”، أي أن العصبويات حين تعمى تفقد غايتها الأصلية في الحماية، وتتحول إلى دائرة مغلقة من الكراهية والصدام.
حين نقدّس الأشخاص، فنحن نتحوّل عملياً إلى وكلاء كراهية ضد كل من لا يشاطرنا عبادة تلك الأصنام البشرية. نغفر الأخطاء، ونتجاهل الكوارث، ونشيطن المختلفين، لأن نقد “الزعيم” أو “الشخصية الرمزية” يُفسَّر تلقائياً كاعتداء على الجماعة كلها. هذه آلية ذهنية خطيرة، لأنها تصنع مجتمعات عاجزة عن المراجعة الذاتية وتحوّلها إلى مصانع إنتاج متواصل لخطاب التحريض. من لا ينتبه لهذه الآلية يقع ضحية لها، إذ نجد مثلاً أن كثيرين من أنصار أي سلطة أو أي تيار سياسي يتحدثون بحدة تحريضية ضد منتقديهم، معتبرين أن الدفاع عن شخص أو مؤسسة أهم من الدفاع عن الحقيقة أو المصلحة العامة.
ليس تقديس الأشخاص وحده ما يغذي خطاب الكراهية، بل أيضاً موجات التطبيل الشديدة التي تحاصر الوعي السوري. نرى مشهداً سريالياً متكرراً حيث تتخذ السلطة قراراً فتنهال الإشادات من البعض بحكمتها الخارقة، ثم ما تلبث أن تتراجع عنه لتتسابق من جديد جوقة المصفقين لتبجل “عبقرية التراجع الاستثنائية”! هذا التناقض يغذي عقلية الانقياد الأعمى ويحوّل المجتمع إلى مسرح صراع بين من يصفقون، ومن يجرؤون على الاعتراض فيواجهون بسياط التخوين والتحريض.
من المفيد هنا التذكير بأن تقديس الأشخاص وموجات التطبيل ليسا ظواهر سورية فريدة، بل جزء من آليات المجتمعات التي تمر بأزمات هوية أو انتقالات سياسية حادة، لكنها في الحالة السورية تتفاقم لأنها تتداخل مع تراث عميق من الخوف الجماعي والتجارب المتراكمة في القمع والاستبداد. نقد السلطة، أو حتى نقد الزعيم المحلي أو شيخ العشيرة أو رجل الدين، يصبح نوعاً من “الخروج من الجماعة” وتهديداً مباشراً لهوية المجموع، وفي مثل هذا السياق، فإن مواجهة خطاب الكراهية تتطلب أولاً تفكيك هذه الأوثان، لأن أي مشروع لمصالحة وطنية أو إعادة بناء مجتمعي لا يمكن أن ينجح في ظل استمرار القداسة الكاذبة، سواء لقداسة الأشخاص أو قداسة الخطابات العصبوية نفسها.
هربرت بلومر، عالم الاجتماع الأميركي ومؤسس النظرية التفاعلية الرمزية، قدّم مفهوم “تهديد الجماعة” لتفسير كيف يشعر الأفراد بأن مواردهم أو مكانتهم مهددة بوجود مجموعات أخرى، مما يزيد من احتمالات التحريض والعداء الاجتماعي. بحسب بلومر، فإن هذه الديناميكية لا تعتمد على التهديد الحقيقي بقدر ما تعتمد على تصورات جماعية متخيلة، تتحوّل بسرعة إلى مبررات لصنع أعداء وهميين وتعزيز الكراهية المتبادلة.
في بعض الأحيان، أصبحت قوالب التخوين جاهزة ومعلبة لكل من يتجرأ على التعبير، حتى الفنانين القديرين مثل سميح شقير لم يسلموا منها. هذا الفنان الذي لطالما غنى لسوريا الثائرة، وللكرامة والحرية، صار هدفاً لحملتين من خطاب الكراهية، آخرهما مع إطلاقه أغنية “مزنّر بخيطان”. وماذا كان ذنبه؟ أنه رفض الانجرار وراء غوغائيات اللحظة وأصرّ أن يكون صوته دائماً فوق جهل المتعصبين واستبداد الطغاة. ظاهرة التخويف الجماعي اليوم لا تستثني أحداً، فكل من يرفض الانخراط في جنون الشتائم والولاءات اللحظية يُتهم فوراً بأنه “فلول”، أو يباغته السؤال المعتاد “أين كنتَ من 14 سنة؟”. النساء، تحديداً، يدفعن الثمن الأغلى هنا، لأنهن في كثير من الحالات الأكثر عرضة للترهيب الرقمي، وهن أيضاً الأكثر صمتاً، إلا إذا كنا يتبنين الخطاب الأكثر شيوعاً ذاته فيمارس بعضهن نفس خطاب الكراهية وبقسوة حتى تجاه النساء الأخريات المعنفات ليشاركن في إسكات الأصوات المخالفة لهم/لهن.
الاستهداف لا يطول فقط آراء النساء السوريات السياسية أو الاجتماعية، وإنما التركيز المهين على أجسادهن، وتشويه صورهن وابتزازهن، بل وحتى تركيب صور مفبركة تسيء إليهن بهدف إذلالهن علناً وهذا ما يجب أن يكون مرفوضاً أياً كانت مواقفهن. ما نشهده هنا هو منظومة من العنف الرقمي المركب، تنشط فيها عصابات إلكترونية بلا رادع، لتدفع المرأة خارج المجال العام وتجعلها أسيرة الخوف، وتمنعها من التعبير والمشاركة.
علينا أن نقولها بوضوح وبلا مواربة؛ إن استهداف المرأة عبر جسدها هو مرآة لانهيار أخلاقي وسياسي يضرب أعماق المجتمع. هذا النوع من العنف الرقمي يفتح الباب أمام أخطر الأشكال والمتمثل بعنف سياسي موجه على أساس النوع، يُضاف إلى منظومات العنف الاجتماعي السائدة، ليكمل دائرة الإقصاء الممنهج ضد النساء وضد كل من يدافع عن قضاياهن ومواقفهن أو يتضامن معهن.
وفي خضم التحريض الذي اجتاح صفحات التواصل الاجتماعي السورية، وجد كثير من السوريين أنفسهم في موقع صعب، فهم ليسوا مع الخطاب التحريضي، ولا منخرطين في ماكينة الشتم والكراهية، لكنهم مع ذلك متعبون ومُنهَكون. هذه الفئة التي تحمل عبء المراقبة الصامتة وتشعر بثقل الانسحاب التدريجي من الساحة الرقمية، لأن المشهد بات خانقاً. ليس من الطبيعي ولا المقبول أن يصل الانقسام في الخطاب إلى درجة تجعل الأفراد يشعرون أن وجودهم في الفضاء العام ولو كمتابعين، بات خطراً على صحتهم النفسية وسلامتهم الاجتماعية. النتيجة هنا تفكك روحي وجماعي، وتهديد صريح للسلم الأهلي، لأن خطاب الكراهية والتحريض إذا استمر، فسيتحوّل إلى عدوى مجتمعية تنفجر في لحظة أزمات لاحقة بحدة وتأثير ربما أعظم من كل ما رأيناه سابقاً.
ما نشهده اليوم في سوريا هو تهديد مباشر للسلم الأهلي، لأن الخطاب الرقمي عوض أن يصبح مساحة لإعادة بناء النسيج المجتمعي، صار أداة تفتيت إضافية. لدينا ثقافة ثأر عميقة تُترجم حتى في طريقة تعبيرنا على صفحات التواصل الاجتماعي، فأغلب النقاشات والخلافات تتحوّل إلى معركة وجودية، وكأن السوري لا يستطيع التعبير عن غضبه أو ألمه أو رفضه واستنكاره أو رأيه وموقفه إلا عبر تحويله إلى ساحة تصفية حسابات. نحن نندفع نحو الرغبة في الانتقام من الآخر، حتى لو على حساب كرامتنا وإنسانيتنا ووطننا نفسه. هذا الانفجار العاطفي يأتي من تاريخ طويل من القمع والتأزيم، لكنه في الوقت نفسه لا يعفي الأفراد من مسؤولياتهم؛ فنحن اليوم بأيدينا نعيد إنتاج أيديولوجيا الكراهية بدل الخروج منها.
من المهم الإشارة إلى أن حماية المجتمع من خطاب الكراهية لا تعني المساس بجوهر حرية التعبير، بل تستدعي تطبيق مبدأ “الحد المعقول” الذي تحدّث عنه الفقيه القانوني الأميركي رونالد دوركين، والذي يرى أن الحرية لا تصبح مطلقة إذا ما وصلت إلى نقطة تهدد فيها الحقوق الأساسية للآخرين بالسلامة والكرامة.
علينا أن نعترف بجرأة بأن خطاب الكراهية في سوريا ينمو على أرضية عدم احترامنا للاختلاف، وإنكارنا لحق الآخر في أن يحمل رأياً معارضاً، حتى لو كان ذلك الرأي يخالف السائد والمقبول شعبياً لأسباب ووقائع يطول شرحها. إن جرأة البعض على إطلاق الصفات الجاهزة، ووصم خصومهم بها بلا تروٍّ أو مساءلة ذاتية، هي طعنة في خاصرة أي مشروع وطني يسعى إلى بناء وطن متماسك لا يُقصي أبناءه ولا يشيطن المختلفين.
إذا واصلنا الانحدار في هذا المسار، فلن يكون بمقدور حتى أولئك الذين اختاروا الوقوف على الحياد، أو اتخاذ المواقف المتوازنة، أن يظلوا صامتين أمام موجات التحريض والوصم. وما لا ينبغي أن نستهين به أبداً هو الأثر العميق الذي يتركه خطاب الكراهية في نفوس جيل الشباب السوري، الجيل الذي ينمو اليوم وسط بيئة رقمية هشة، تنتقل فيها موجات الكراهية والتحريض بسرعة خاطفة ليشارك فيها، في ظل غياب قواعد واضحة لاستخدام مسؤول لمنصات التواصل الاجتماعي.
لقد علّمنا التاريخ، من رواندا إلى يوغوسلافيا، أن الصمت أمام خطاب التحريض هو مشاركة غير معلنة في الجريمة. من لا يرفع صوته اليوم ضد الشيطنة والتحريض والتخوين، سيجد نفسه غداً وحيداً أمام آلة الكراهية، تماماً كما وصف القس الألماني نيمولر زمن النازية: “عندما جاؤوا ليأخذوني، لم يكن هناك أحد يدافع عني”.
تلفزيون سوريا
———————————–
سؤال يتكرّر في كل مناسبة.. كيف نعرف المتورطين بارتكاب جرائم؟/ نور الخطيب
2025.05.09
بعد سقوط النظام السوري، تدخل البلاد مرحلة جديدة عنوانها العريض هو العدالة الانتقالية، والبحث عن الحقيقة، والمحاسبة، ثم المصالحة.
لكن هذه المرحلة، التي من المفترض أن تؤسس لثقافة جديدة تقطع عقوداً من الإفلات من العقاب، تُواجهها ظواهر مقلقة، أحدها تكرار ظهور شخصيات من الحكومة الانتقالية أو مسؤولين في مؤسسات عامة في صور أو لقاءات مع أشخاص متورطين بانتهاكات حقوق الإنسان، أو ارتبطت أسماؤهم بممارسات تعذيب واعتقال تعسفي، أو حتى تورطوا بشكل مباشر في جرائم قتل ومجازر.
وجوهٌ قديمة تعود، أسماء مألوفة تظهر من جديد في صور ولقاءات واجتماعات، إلى جانب مسؤولين جدد يفترض أنهم يمثلون القطيعة مع القسوة.
حين تواجه هذه الشخصيات بعاصفة من النقد على وسائل التواصل الاجتماعي، تأتي الإجابة السهلة: “لم أكن أعرف من هو.”
“لم أكن أعرف أنه متورط.” وكأنّ التورط بجرائم ضد الإنسانية أمرٌ يمكن إخفاؤه بسهولة، أو أنه تفصيل هامشي يمكن تجاوزه باسم المجاملة الاجتماعية أو العفوية أو “عادي كان موجود وما عرفنا مين هو”.
لكن السؤال الحقيقي الذي يجب أن يُطرح في هذا السياق هو: كيف نعرف المتورطين بارتكاب الجرائم؟ ولماذا نختار ألا نعرفهم؟
ليس صعباً… حين تكون هناك إرادة
في زمن الثورة، تحوّلت الذاكرة إلى أرشيف حيّ: تقارير، شهادات، صور، مقاطع فيديو، مذكرات قضائية وقوائم عقوبات، سرديات متداولة في الحارات والمخيمات والمنفى. لا أحد بحاجة إلى أكثر من دقائق بحث ليعرف من هو هذا الشخص الذي يقف بجانبه، وماذا فعل، وماذا رأى الناس فيه.
مع مرور أكثر من عقد على انطلاق الثورة السورية، تراكمت كمية ضخمة من التوثيق الحقوقي، سواء من منظمات محلية مثل الشبكة السورية لحقوق الإنسان، أو منظمات دولية مثل هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية، أو من المبادرات المدنية التي نشطت في أرشفة الشهادات، والوثائق، والصور، والفيديوهات. أسماء الآمرين والمنفذين والداعمين لم تعد مجهولة كما كان الأمر في سنوات الرعب الأولى. يكفي اسم بسيط وبحث دقيق حتى تظهر الخلفية الكاملة لأغلب الأفراد المشتبه بتورطهم.
فهل المسؤول، الذي يمتلك فريقاً ومستشارين وإمكانات، يعجز عن القيام بهذا البحث البسيط؟ أم أن المسألة ليست جهلاً بقدر ما هي تجاهل؟ هل نحن أمام قلة معرفة أم قلة مسؤولية؟
لكن المعرفة هنا ليست مجرد معلومة… إنها موقف. قرار داخلي بألا نشارك الجلاد مكانًا، ولا نظلله بابتسامتنا، ولا نمدّ له يدًا لم يمدّها أبدًا لضحاياه.
أن تقول “لم أكن أعلم”، وأنت مسؤول عن رسم ملامح المستقبل، لا يعفيك. بل يفضح اختلالًا في البوصلة الأخلاقية. لأن من يُكلّف بالمسير نحو العدالة، لا يملك رفاهية التغافل.
ما الفرق بين “الجهل” و”التواطؤ”؟
في بعض السياقات، يمكن اعتبار الجهل بالمعلومة عذراً، أو ضعفًا إنسانيًا، لكن حين يكون الشخص مسؤولاً في مرحلة انتقالية، مرحلة ما بعد الكارثة، التي من المفترض أنها تؤسس لعقد اجتماعي جديد وأن تعيد صياغة العلاقة بين الدولة والمجتمع على أسس العدالة، فإن الادعاء بالجهل يُصبح شكلاً من أشكال التواطؤ الناعم، أو الحد الأدنى من التقاعس عن أداء الواجب، وتطبيع صامت مع ما لا ينبغي تطبيعه.
أن يظهر مسؤول في صورة مع شخص ارتكب جرائم ضد المعتقلين، أو كان جزءاً من أجهزة أمنية مارست الإبادة بحق المدن، أو تورّط في سرقة أموال السوريين خلال الحرب، ثم يقول: “ما كنت بعرف مين هو” , فهذا ليس عذراً، بل إهانة للعدالة، وعبور فوق ذاكرة الضحايا. وتجاوزٌ لمبدأ أساسي في العدالة الانتقالية: عدم إعادة دمج الجلاد قبل كشف الحقيقة.
وهنا نلامس سؤالًا أشد قسوة: هل نحن في طور إعادة إنتاج النظام، ولكن بوجهٍ ناعم؟ هل نحن نحمل على أكتافنا نفس الجلادين، ولكن في غلاف جديد اسمه “التسامح” أو “الانفتاح” أو “الحياد”؟
من هم المتورطون؟ وكيف نعرفهم أو نراهم؟
تحديد المتورطين ليس مهمة مستحيلة، يمكننا تحديد المتورطين من خلال عدة مصادر ومؤشرات يمكن الاعتماد عليها، منها:
1. الرتب والمناصب الأمنية والعسكرية: أغلب من شغلوا مناصب قيادية في أجهزة الأمن أو في الجيش السوري خلال سنوات القمع الدموي، يحملون مسؤولية مباشرة أو غير مباشرة عن الجرائم التي ارتُكبت. لا يمكن مثلاً تبرئة رئيس فرع أمني أو ضابط كبير في فرقة عسكرية كانت معروفة بمجزرة معينة.
2. المذكّرات القضائية الدولية: مثل التي أصدرتها دول أوروبية بحق عدد من ضباط النظام. هذه مراجع قانونية متاحة للعموم.
3. تقارير المنظمات الحقوقية: وهي متوفرة على المواقع الرسمية، ومرتبطة عادةً باسم الشخص وانتهاكاته وتاريخه.
4. الشهادات الميدانية: آلاف الناجين من المعتقلات ومن مجازر النظام السوري أدلوا بشهاداتهم، وذكروا أسماء ضباط وسجّانين ومحققين وميليشيات. هذه الشهادات باتت مراجع أساسية في العدالة الانتقالية.
5. الأرشيف البصري والصوتي: مقاطع الفيديو والتسجيلات التي وثّقت التعذيب أو القصف أو الإعدامات، وتُستخدم اليوم كأدلة في محاكم أوروبية.
إذن، الحديث عن صعوبة معرفة من هو المتورط لا يستقيم. بل هو تهرّب من المسؤولية. وليس مبررًا أخلاقيًا أو سياسيًا، ونحتاج فقط، إلى وعي. إلى حسّ داخلي يرى ما وراء الوجوه. نعرف المتورطين من رتبهم، من مناصبهم، من ماضيهم، من تقارير الحقوقيين، من شهادات الأمهات، من وجوه المعتقلين الذين خرجوا وعليها آثار الخوف. هناك من لا يحتاج إلى دليل مكتوب. مجرد ظهوره يوقظ فينا ذاكرة الرعب. هؤلاء، لا مكان لهم في المساحات التي تُبنى فيها حياة جديدة.
هل هناك قائمة سوداء؟ الذاكرة الجمعية أهم من القوائم
لا توجد “قائمة رسمية” بعد تضم كل المتورطين، لأن العدالة في سوريا لم تكتمل بعد، ولم تُفعّل المؤسسات القضائية على مستوى وطني. لكن هناك ما يشبه “الذاكرة الجمعية”، مبنية على وثائق وشهادات ودعاوى. وعلى المسؤولين في هذه المرحلة أن يتعاملوا مع هذه الذاكرة بمنتهى الجدية.
إن كنت مسؤولاً في مرحلة ما بعد النظام، فإن من أولوياتك أن تعرف من تصافح، ومن تلتقي، ومن تجلس معه، ومن تنشر صورك إلى جانبه. لأنك لا تمثّل نفسك فقط، بل تمثّل جرحاً وطنياً مفتوحاً لا يحتمل مزيداً من الاستفزاز.
نحن لا نبحث عن انتقام… بل عن ذاكرة لا تُداس
العدالة الانتقالية ليست خريطة طريق قانونية فقط، بل أخلاقٌ جمعية. هي طريقة في النظر إلى أنفسنا: من نُكرّم؟ من نُحاسب؟ من نُنسّي؟ ومن نُعيد إلى الواجهة؟ وحين نعيد من تلطخت أيديهم إلى الأماكن العامة، دون حساب، فإننا لا نغفر… بل نمحو.
الضحايا لا يُقتَلون فقط في السجون، بل يُغتالون مرة أخرى حين تُلتقط صورة علنية مع جلادهم، ويقال لهم بعدها: “عادي، لم نكن نعرف”.
العدالة تبدأ بالانتباه
نحن في مرحلة دقيقة وحرجة. والانزلاق إلى “التسامح الاجتماعي” مع الجلادين، تحت شعارات الوحدة أو الواقعية أو الحياد، لا يخدم إلا تكريس ثقافة الإفلات من العقاب. لا يمكن بناء سوريا الجديدة بوجوه النظام القديم، ولا يمكن ترميم الثقة مع المجتمع دون احترام ذاكرة الضحايا.
العدالة ليست فقط محكمة وحكم، بل وعي ومسؤولية وحساسية أخلاقية. وكل مسؤول اليوم عليه أن يسأل قبل أن يلتقط صورة: هل من إلى جانبي يحمل على يده دماً.
ربما لن تصل المحاسبة غدًا. وربما لن يمثل كل مجرم أمام قاضٍ. لكن العدالة الحقيقية تبدأ من أمر أبسط: من ألا نُخون الذاكرة. من أن لا نضع المجرم في مكان البطل. من أن نُصغي لصوت من كُسرت أرواحهم، ونقول لهم: “نحن نعرف. ولن ننسى.”
العدالة تبدأ من الانتباه، من الفطنة، من الحساسية الأخلاقية. أن تعرف من تصافح، ومن تجلس بجانبه، هو اختبار يومي للصدق مع الذات. في هذه المرحلة، لا أحد محايد. الصمت موقف. الجهل موقف. المجاملة موقف.
لا تُبنى سوريا جديدة بوجوه من دمّرها. ولا تُرمّم ثقة الناس بدولة، إذا رأوا نفس الوجوه التي كانت تقود المذابح، تعود لتجلس على المقاعد الأمامية.
في النهاية…
لسنا بحاجة إلى محاكم فقط. نحن بحاجة إلى ذاكرة حية، وإلى من يحملها بصدق ومسؤولية. نحن بحاجة إلى مسؤولين لا يقتلون الضحايا مرة أخرى، بابتسامة أو صورة أو عذر واهٍ. لأن من يقف بجانب القاتل، يقف في الجهة الخطأ من التاريخ. ولأن الدم لا يُغسل بالتجاهل. ولأن بعض الأيادي…لا يجب أن تُصافَح.
————————————
بعد ستة أشهر من التحرير المبارك
١- من الضروري إعادة كتابة الإعلان الدستوري من لجنة أعمق تخصصاً وتحظى بشجاعة سياسية أكبر .
٢- المجتمع والدولة السورية التي هي ملك للشعب ليست حقل تجارب وصار الوقت مناسباً لتوسيع الاستفادة من الكفاءات السورية.
٣- الوطنية نوعان شيطانية رسمتها أيدي سايكس بيكو ، ووطنية تلم الناس لايمكن لمن يحب بلده أن لايعمل من أجلها.
٤-المشروع الأممي الذي ممكن أن تحمله سورية بخصوصيّتها الفريدة يقوم على مد الجسور مع الأمم والتعارف وبناء الأمن والسلام
٥- ترحل الأنظمة ويجب على الشعوب ان لاتحمل عداواتها ومكونات المنطقة الأربعة وهي الكورد والترك والفرس والعرب مدعوة لبناء نموذج حضاري يحمل الاستقرار والازدهار.
٦- التطبيع القسري مرفوض والشعوب هي التي تقرر بوصلتها وليس الحكومات، وقد فشلت جميع أنواع التطبيع بالإكراه.
٧- المقاومة عقيدة وفكر وليست مجرد سلاح والسلام مطلب ضروري في حال التكافؤ والندية (مثل تحريم السلاح الكيماوي من كل الأطراف).
٨- سحب السلاح يجب أن يكون بالتوازي ومن كل المناطق.
٩- امتلك الشعب السوري بمجموعه خلال كفاحه ضد الديكتاتورية خبرات يمكنها التعامل مع أكبر امبراطوريات العالم.
١٠- النسيج الاجتماعي السوري من أبدع مكونات الأرض والعبث به جريمة بحق الجميع.
١١- المكون السني ليس طائفة ولا أقلية ولا أكثرية بل هو الملاط والأساس الذي يجمع بين كل المكونات وتقزيمه وحشره في مسارات ضيقة تآمر عليه وإشعال للحرائق وسيرتد بشكل حاد على كل العابثين.
١٢- الكفاءات الاقتصادية السورية الحرة هي التي تستطيع إخراج سورية من الحصار الاقتصادي فهي تمتلك الخبرة والعلاقات الدولية والشراكات الفعالة.
١٣- وظيفة الأجسام الدينية لم قلوب الناس وجمعهم على المشتركات وإبراز الخصائص المميزة لانتمائهم بعيداً عن التحريض وزرع العداوات والكراهية .
١٢-العدل أساس الملك، والعدالة الانتقالية أحد مساراتها الضرورية التي ينتظرها السوريون.
١٣- المشروع القائم لبناء سورية يجب دعمه والتعاون مع المخلصين فيه وليسوا بقلة وتقويم مساره منا جميعاً حتى ينجح فقد يكون لنا جميعاً السوريين قارب النجاة الأخير .
أحمد معاذ الخطيب
—————————–
==========================
مقالات تناولت زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع لفرنسا تحديث 10 أيار 2025
مقالات تناولت زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع لفرنسا تحديث 06 أيار
——————————
الشرع في باريس: أن يصل ماكرون متأخراً…/ صبحي حديدي
في استهلال مؤتمره الصحافي مع الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع، خلال أوّل زيارة يقوم بها الأخير إلى دولة أوروبية، وكبرى في هذا المضمار؛ حرص الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على إعطاء الانطباع بأنه، وبلده فرنسا، ليس في وارد إسداء النصائح وإعطاء الدروس، لأنّ هذا «ليس الدبلوماسية التي نمارسها» كما قال، والغاية في المقابل هي «التفكير في الشعب السوري الذي واجه كلّ التحديات».
الانطباع المرادف، المنتظَر تلقائياً وذاتياً بالطبع، كان منح فرنسا شهادة حسن سلوك تامة في العلاقة مع نظام بشار الأسد، لا تشوبها شائبة بعد سنة 2011 وانطلاق الانتفاضة الشعبية السورية؛ ليس، في المقابل، من دون إغفال تاريخ العلاقات ذاتها أثناء 30 سنة من نظام حافظ الأسد، والعقد الأوّل من حكم وريثه بشار، حيث السجلّ لا يؤكد النقائض وحدها، بل الوقائع المخزية والمعيبة.
وبالطبع، كان بعيداً تماماً عن الانتظار أن يعود ماكرون نفسه إلى مواقفه الشخصية، في سنة 2017 خلال رئاسته الأولى، حين كانت هويته الإيديولوجية الأوضح هي الذرائعية الباردة على الطريقة الأمريكية الأثيرة؛ التي صقلتها فترة عمله كمستشار استثماري لدى مصارف روتشيلد. ففي صيف ذلك العام، وخلافاً للسياسة الرسمية المناهضة للنظام السوري كما اعتمدها سلفه فرنسوا هولاند، قال ماكرون: «منظوري الجديد بشأن هذه المسألة، هو أنني لم أقل إنّ رحيل بشار الأسد شرط مسبق لكل شيء، لأني لم أر بديلاً شرعياً»، وكذلك: «الأسد عدو للشعب السوري لكن ليس عدواً لفرنسا، وأولوية باريس هي الالتزام التام بمحاربة الجماعات الإرهابية».
بذلك فإنّ ماكرون احتاج إلى ثماني سنوات لاحقة، ولكن توجّب أيضاً أن يسقط نظام «الحركة التصحيحية» ويتفكك تباعاً إرث الأسدَين الأب والابن معاً؛ كي يستذكر، خلال مؤتمره الصحافي مع الشرع في باريس مؤخراً، حقيقة أولى ساطعة وفارقة: أنّ دمشق على أبواب فرنسا، ومنها يمكن الوصول إلى باريس سيراً على الأقدام، حسب تعبيره. وأياً كان مقدار المجاز في هذه العبارة، فإنّ مؤشرات الواقع الفعلي وأشدّ واقعية في معظم ما يخصّ مقادير المسافات الجيو ـ سياسية والجيو ــ أمنية، ومثلها الجيو ـ اقتصادية والجيو ـ اجتماعية والجيو ـ تاريخية والجيو ـ ثقافية… بين دمشق وسائر أوروبا.
ذلك، من جانب آخر، لا يُبطل إلا النزر القليل ربما، من نهج إعطاء الدروس الذي طبع استقبال فرنسا للشرع، على نحو يمكن وصفه بـ«الناعم» غالباً، المبطّن بدبلوماسية لم تفتقد إلى الصراحة وبعض الأستذة (حول الأقليات، والمكوّنات، و«قسد» خصوصاً)؛ عبّر عنها أوّلاً، بلسان رئيسه ضمناً وأصولاً بالطبع، وزيرُ الخارجية الفرنسي جان ـ نويل بارو خلال زيارة أولى مبكرة إلى دمشق، مطلع كانون الثاني (يناير) هذه السنة، ثم أعقبه ماكرون نفسه بعد شهر على هامش مؤتمر دولي احتضنته باريس بهدف دعم الانتقال السياسي في سوريا. «نعومة» الدروس اتخذت هذه المرّة وجهة تأييد جهود سلطة الشرع في تلك الميادين، من جهة أولى؛ ثمّ ربط المساندة الفرنسية بتفكير رغبوي أن تُنفّذ تطلعات باريس، من دون اشتراط أو إرغام، من جهة ثانية.
ولعلّ المراقب العادي، المتمرس قليلاً فقط بخيارات ماكرون في ملفات شتى داخلية وخارجية عموماً وشرق ــ أوسطية ومشرقية خصوصاً، وليس بالضرورة ذلك المراقب المتعمق الضليع المتفذلك؛ لا يفوته الأصل في المبادرة الفرنسية (غير البعيدة أيضاً عن توجّه ألماني، عكسته زيارتا وزيرة الخارجية إلى دمشق) أي النيابة عن أوروبا في الانفتاح على الرئيس السوري الانتقالي، وريادة ما سيأتي من مكاسب اقتصادية واستثمارية هائلة تحت بند إعادة الإعمار. وليس الوصول مشياً على الأقدام من دمشق إلى باريس، أو إلى برلين استطراداً، سوى كناية عن عقود أشغال ماراثونية آتية، تخدم الاقتصاد والأعمال والوظائف.
للرئيس ماكرون فضيلة المبادرة إلى تمكين الشرع من زيارة أوروبا، عبر بوابة غير عادية وغير هامشية مثل فرنسا، خاصة وأنّ ملابسات سفر الرئيس السوري الانتقالي تكشفت عن حقيقة أخرى مريرة بصدد العقوبات المفروضة على سوريا وتراث الفصائل الجهادية في البلد؛ إذْ اتضح أنّ في عدادها أيضاً منع الجولاني/ الشرع من السفر بقرار أممي ساري المفعول حتى بعد سقوط النظام، اقتضى من فرنسا استصدار إذن خاصّ من المنظمة الدولية. لا يخفى، كذلك، أنّ لماكرون فضيلة الاتكاء على خطاب جديد بصدد الانتفاضة السورية، أكثر تسيّساً بالمعنى النضالي (إشارة الإطراء إلى فتية درعا والكتابة على الجدران)؛ ولكن ليس أقلّ انحيازاً، في الآن ذاته، إلى شخصيات علمانية التوجّه أمثال بسمة قضماني وعمر عزيز، حيث امتزج الرحيل الطبيعي بالتصفية تحت التعذيب في أقبية النظام السوري.
فإذا وضع المرء جانباً أدوات المراقب المحترف في تحليل الخطاب وتركيب المعطيات، وانتقل إلى بلاغة الصورة الفوتوغرافية ولغة الجسد، فالأرجح أنّ شرائح واسعة من السوريات والسوريين توقفت عند شريط الفيديو الختامي عند مغادرة الشرع قصر الإليزيه، حيث المصافحة الحارّة المطوّلة اقترنت بطراز من الجذل وطلاقة الأسارير لدى ماكرون؛ ولعلها قارنت، في المقابل، سلوك الحدود الدنيا المطلوبة من اللباقة، التي طبعت الاستقبال ساعة وصول الشرع إلى القصر الرئاسي. غير مستبعد، استطراداً، أن يكون ماكرون قد لمس من الشرع ما هو أكثر طمأنة من التقارير الدبلوماسية والأمنية الفرنسية التي وُضعت على مكتبه؛ أو أنّ نرجسية الرئيس الفرنسي، الأثيرة، شاءت الطفو على خواتيم اللقاء، فخال ماكرون أنه نجح في إيصال رسالة باريس.
وفي كلّ حال، قد يكون من الإنصاف المبدئي الافتراض بأنّ الشعبين، السوري والفرنسي، باتا خلال زيارة الشرع إلى باريس على مبعدة ملموسة، قد تكون كبيرة واسعة أيضاً، عن أزمنة سابقة في علاقة قصر الإليزيه بآل الأسد، الأب الدكتاتور مجرم الحرب مثل الابن وريث الدكتاتورية والإجرام. وللمرء أن يدع جانباً «مآثر» فرنسوا ميتيران، أوّل رئيس اشتراكي في الجمهورية الخامسة، صاحب التوجيه بحسن وفادة رفعت الأسد، مجرم الحرب الآخر من آل الأسد؛ أو نيكولا ساركوزي، الرئيس المتهم بالفساد وحامل السوار القضائي، الذي دعا الأسد الابن إلى احتفالات الثورة الفرنسية؛ إذْ يكفي الذهاب إلى جاك شيراك، السبّاق إلى ثلاث في تلميع استبداد آل الأسد.
الأولى استقبال الأسد الابن، في تشرين الثاني (نوفمبر) 1999، حين كان الأخير لا يشغل أيّ منصب حكومي رسمي، بل لا شغل له علانية سوى رئاسة «الجمعية المعلوماتية السورية»؛ وذلك تلبية لرغبة رفيق الحريري، الذي سوف تشاء الأقدار أن يتمّ اغتياله بأوامر من ضيف الإليزيه، الأسد الأبن. الثانية مشاركة شيراك في جنازة الأسد الأب، حزيران (يونيو) 2000، وكان بذلك الرئيس الوحيد الأوروبي، وممثل قوّة عظمى وديمقراطية عريقة؛ فصرّح يومها أنّ «الأسد طبع التاريخ على مدى ثلاثة عقود، وكان رجل دولة متمسكاً بعظمة بلاده». الثالثة كانت استقبال الأسد الابن مجدداً، صيف 2001، بعد أقلّ من سنة على الكرنفال السياسي والدستوري والبرلماني الذي انتهى إلى تنصيب الأخير وريثاً لأبيه في حكم سوريا.
وأن يصل ماكرون متأخراً إلى مسافة نأي عن أسلافه الرؤساء، ثمّ عن نفسه أيضاً، أمر قد يمنحه قصب سبق من طراز ما، بالقياس إلى معظم ساسة الغرب، من دون أن يجنّبه استحقاق اقتران النوايا الحسنة بالأفعال الملموسة؛ تجاه سوريا جديدة يصعب أن تحتمل المزيد من سياسات الكيل بمكاييل شتى، ودغدغة الطغاة.
كاتب وباحث سوري يقيم في باريس
القدس العربي
———————————————–
الشرع في الإليزيه/ وائل قنديل
09 مايو 2025
من قصر الأليزيه، تحدّث أحمد الشرع، بعد أن صار الرئيس السوري أحمد الشرع، عن مفاوضات مع الكيان الصهيوني تدور عبر وسطاء من أجل وقف التدخّلات الإسرائيلية في الشأن الداخلي السوري، وسئُل كذلك عما جرى في الساحل السوري من مجازر بحقّ مواطنين (كان السؤالان من مراسلة التلفزيون العربي) فردّ بأنه شُكّلت لجان تحقيق.
لم يتوقّف جمهور الشرع عند كارثية الإعلان عن التفاوض مع العدو الذي كان أول من احتفل بسقوط بشّار الأسد، الطاغية القاتل مرتكب الجرائم ضدّ الإنسانية، قل ما شئت فيه، لكن لا تنسى أن الصهاينة لا يكفّون عن ادّعاء أنهم أطاحوا بشّار، الصهاينة الذين وسّعوا احتلالهم الأراضي السورية في زخم الاحتفالات بصعود الشرع/ سقوط بشار. لم يصدم أحد من وصف رئيس سورية الجديد العدوان العسكري لاحتلال مزيد من الأرض وقصف قصر الرئيس بأنه مجرّد تدخّل في الشؤون السورية، ولم ينزعج أحدٌ من اقتراب دخول دمشق نادي التطبيع وأرضها محتلّة، إذ تبدأ المسألة عادة باتصالات سرّية، ثمّ سرعان ما تصير علنيةً، عبر وسطاء، ثمّ تتطوّر إلى اللقاءات المباشرة.
انزعج جمهور الشرع وأرعد وأبرق وأرغى وأزبد منتفضاً ضدّ مراسلة التلفزيون العربي، وسبّها وسبّ المؤسّسة التي تعمل بها لأنها استخدمت تعبير”مجزرة” في وصف مقتلةٍ أسفرت عن جريان الدم السوري بالسلاح السوري في اشتباكاتٍ طائفيةٍ مجنونةٍ في منطقة الساحل، التي يواجه أهلها اتهاماتٍ من مؤيّدي الرئيس الجديد بأنهم فلول النظام السابق، ويتحمّلون المسؤولية عن سقوط هذا العدد كلّه من الضحايا.
مثير للدهشة والأسى أن يحاول أحد اختراع وصفٍ آخر غير المجزرة أو المذبحة لإزهاق أرواح عدّة مئات من البشر، قتلاً على الهُويَّة، مهما كانت الأسباب التي أدّت إلى سقوط هذا العدد من الضحايا، فإذا لم تكن هذه مجزرة، فليتفضل رافضو التسمية أن يقدّموا وصفاً آخر لما جرى، يحترم العقل ويتوخّى الإنصاف والعدل، ويتحدّث عن الوقائع كما جرت.
فكرة استخدام فزّاعة الحنين للنظام الساقط في وجه كلّ من يأسى على وقوف الحكومة السورية الحالية عاجزةً أمام الاعتداءات الإسرائيلية المُهينة، ثمّ ذهابها في اتجاه التطبيع، وكذلك في كل وجه من يعبّر عن حزنٍ أو غضبٍ من دوّامة القتل على الهُويَّة واعتبارها جريمةً، هي واحدةٌ من أسوأ الأفكار اللصيقة بتاريخ نشوء الاستبداد وتمدّده، حتى يستفحل وينسف القيم والمعاني كلّها، التي فجّرت ثورات شعبية تحوّلت مع الوقت ديكتاتوريةً جديدةً لا تختلف كثيراً عما ثارت عليه.
إن أحداً لا يتمنّى للتجربة السورية أن تتعثّر أو تفشل، غير أن النجاح لن يأتي بالسكوت عن الأخطاء أو التغاضي عن انتهاكاتٍ بحجّة رخاوة الأوضاع المستجدّة، والأخطر أن تسلّم ثورة نفسها لنظام رسمي عربي يستدرجها إلى كهوف التطبيع مع الاحتلال، وما يستتبعه ذلك من تطبيعٍ مع حزمة القيم التي تعتنقها هذه الأنظمة، وتعتبرها الضمانة الأولى للبقاء والاحتفاظ بالسلطة، وفي صدارة هذه القيم التحوّل إلى الاستبداد بحجّة حماية الوطن من الخطر الخارجي.
مرّة أخرى، ليس معنى أن سورية كانت مستباحةً من العدو الصهيوني في ظلّ حكم الطاغية المخلوع بشّار الأسد، أن يصبح إبداء القلق من استمرار الاستباحة ذاتها في ظلّ الإدارة السورية الجديدة تربّصاً بهذه الإدارة، أو طعناً فيها، أو حنيناً لزمن الطاغية الهارب، على نحو ما تفعل مجموعات هستيريا الابتزاز والاستقطاب التي كانت المسمار الأول في نعش تجارب سابقة، ساهم في إفشالها مؤيّدوها بالقدر ذاته الذي فعله خصومها.
وبالقياس ذاته، ليس انحياز النظام الساقط لطائفة وقمعه باقي مكوّنات الشعب مبرّراً لتكرار القمع نفسه في الاتجاه العكسي، ذلك أن ما كان يحلم به محبّو سورية هو القطيعة مع إرث نظام أذاق شعبها الويلات، غير أن هذه القطيعة لا ينبغي أن تمتدّ لتشمل التغيير في التعاطي مع العدو التاريخي لسورية، سواء سورية الأسد أو سورية الشرع.
العربي الجديد
———————————–
سوريا: هل تمنع نجاحات الدبلوماسية أخطار الداخل؟
رأي القدس
ازدحمت أحداث الواقع السوري هذا الأسبوع بشدة فبدت البلاد، في عيون أهلها والعالم، مثل سفينة تتلقى موجات تدفعها بعضها إلى الوراء وموجات أخرى تتقدم بها بسرعة نحو وجهتها.
أدت «موجة» اضطرابات داخلية إلى اشتباكات بين مسلحين من فصائل سنية ونظراء لهم من الطائفة الدرزية في ريف دمشق (جرمانا ثم أشرفية صحنايا وريف السويداء) فوسّعت إسرائيل تدخلاتها العسكرية التي لم تنقطع منذ سقوط نظام بشار الأسد، لكنها أكدت، هذه المرة، أنها تقوم بذلك لـ»حماية الدروز».
من المفروغ منه أن تحرّكات إسرائيل تقوم على خطط استراتيجية خطيرة أبعد بكثير من هذه المزاعم تجاه سوريا والأردن ولبنان (وفلسطينيي الضفة وغزة بطبيعة الحال) لكن ذلك لا يعني عدم وجود وضعية خاصة لدروز سوريا، الذين عانوا، مثل غيرهم من السوريين، من آثار 14 سنة حرب، فاعتمد عدد كبير منهم على الدعم القادم من أشقائهم خلف أسلاك إسرائيل الشائكة على الحدود، وأن هذا الدعم تضافر مع خوف الأقلية الصغيرة من العصبية السنّية لفصائل السلطة الجديدة، ليصنع رابطا قويا مع أولاد عمومتهم في فلسطين التاريخية، الذين يشكلون عنصرا داخليا مهما في تركيبة إسرائيل التي جنّدت أفراد الطائفة (حوالى 150 ألف نسمة حاليا) منذ إنشائها عام 1948، ضمن قواتها العسكرية والشرطية.
شهدنا في المقابل موجة نجاح دبلوماسي مهم للسلطات السورية الجديدة تمثّلت بدعوة الرئيس أحمد الشرع إلى باريس ولقائه نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي وجّه انتقادات مهمة فيما يخصّ معاملة دمشق للدروز والعلويين والكرد لكنه وعد في المقابل بالسعي لوقف العقوبات الأوروبية على سوريا، والضغط على أمريكا بالاتجاه نفسه، الأمر الذي بدأت تباشيره بالتحقق بسرعة مع إعلان موافقة واشنطن على مبادرة قطر لتمويل القطاع العام السوري مما يوفر شريان حياة مالي للحكومة السورية الجديدة الساعية لإعادة دولة دمرها الصراع.
يحاول «ربان السفينة» السورية الجديد، بوضوح، بلورة مزيد من السعي الدبلوماسي مستفيدا من التوقيت المناسب لزيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الشرق الأوسط، فحسب صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية فإن الشرع يعمل على إقناع إدارة ترامب «المتشككة» من تاريخه الجهادي السابق بأن التغير الذي طرأ على مفاهيمه حقيقي، وأنه يرغب في كسب دعم واشنطن في إعادة إعمار سوريا متخذا، في هذا السياق، إجراءات ملموسة لتلبية المطالب الأمريكية، بما في ذلك التواصل مع إسرائيل عبر وسطاء، وأن الشرع أعرب عن رغبته في لقاء ترامب لإقناعه بنجاعة «خطة مارشال» أمريكية لسوريا.
كان هناك تحرّك آخر على الأرض في هذا الاتجاه، كما تقول الصحيفة، حيث أن رئيس شركة أمريكية للغاز الطبيعي المسال، مقرّب من ترامب، عرض على الشرع خطة لتطوير موارد الطاقة في البلاد، وأن الرئيس السوري رد على الاقتراح بشكل إيجابي، مشيرا، في الوقت نفسه، أن تنفيذ ذلك يستلزم تخفيف العقوبات الأمريكية على البلاد، فيما أكد مسؤولون سوريون آخرون لرجل الأعمال أن «دمشق تأمل أن تصبح حليفة مهمة لواشنطن»، مع تقديم وعود لإخراج الروس والإيرانيين والصينيين من سوريا و«إلحاق الهزيمة بتنظيم الدولة الإسلامية».
تزامنت هذه التطوّرات المتلاحقة مع حدث مهم أيضا تمثل في محادثات بدأت أمس الخميس بين الجانبين التركي والإسرائيلي في العاصمة الأذربيجانية باكو بشأن الملف السوري. حسب المصادر الإسرائيلية فإن تل أبيب ستطرح مطالب تتضمن «عدم وجود قوة عسكرية قرب الحدود»، و«خلو سوريا من أسلحة استراتيجية»، و«عدم تشكيل سوريا تهديدا مباشرا لإسرائيل»، وكذلك مع إعلان صحيفة «هآرتس» اليسارية الإسرائيلية عن فتح دمشق «قناة اتصال» مع إسرائيل بوساطة من دولة الإمارات.
تشير هذه الأحداث إلى توجّه استراتيجي لدى السلطات السورية الجديدة يناقض بشكل جذري استراتيجيات نظام الأسد، وإلى إرادة براغماتية كبيرة لتجاوز العوائق الأيديولوجية المكرّسة حول تاريخ فصائلها الجهادي، وإلى إدراك واضح أن أخطار الداخل متراكبة بشكل كبير مع أخطار الخارج.
يثير هذا التوجه، بغض النظر عن دوافعه، التساؤل عن الحكمة في تواصل حكومة دمشق مع إسرائيل في ظل القصف الذي لم ينقطع ضد سوريا، وعن تجاهل السلطات السورية لسياسة الإبادة التي ترتكبها إسرائيل في غزة، وخططها للتطهير العرقي للفلسطينيين، ومنها خطط لتهجيرهم إلى سوريا نفسها.
القدس العربي
—————————————-
فرنسا تقود عملية إعادة تأهيل سورية دولياً/ بشير البكر
10 مايو 2025
تشكّل زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى باريس يوم الأربعاء الماضي حدثاً مهماً، في سياق التحوّل الجديد الذي تشهده سورية منذ سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، إذ باتت أبواب أوروبا مفتوحة رسمياً أمام سورية بعد أكثر من عقد على القطيعة والتوتر، الأمر الذي يمهّد لبناء علاقات دولية على أسس جديدة، يتحدد فيها توجّه النظام السوري الجديد سياسياً واقتصادياً.
الانفتاح الفرنسي على سورية يشكّل خطوة رمزية، تتجاوز تقديم الدعم المباشر، إلى ما يشبه الرعاية للدولة الجديدة حتى تخرج من غرفة الإنعاش، وتنهض لتقف على قدميها. هي محاولة للوقوف إلى جانب السوريين من أجل التقاط الأنفاس، ومواكبة خطواتهم في المرحلة الانتقالية عن كثب، وتبادل مصالح سياسية واقتصادية وأمنية، يقدّم من أجلها كل طرف تنازلات للطرف الآخر، ريثما تستقر السلطة السورية الجديدة.
علاقات سورية وفرنسا
الصلات بين سورية وفرنسا تتسم بالمتانة، وذات حمولة تاريخية، تعود إلى ما قبل الانتداب الفرنسي على سورية ولبنان بعد الحرب الثانية، وهي بعيدة ومتشابكة في أواصر الجوار، وتمتد إلى المشتركات في تاريخ وثقافة حوض البحر الأبيض المتوسط، ونظرة فرنسا الوجدانية والسياسية نحو الشرق بموروثه الديني والثقافي، التي تعكس نفسها في الأدب الفرنسي، وزوايا نظر السياسيين من نابليون بونابرت إلى الجنرال شارل ديغول تجاه هذه المنطقة من العالم العربي، وعلى هذا لم يشذّ رئيس فرنسي عن هذه القاعدة السياسية الاستراتيجية ذات البعد العاطفي، وكلما بدا أنّ حماس فرنسا المشرقي يتراجع ويخفت، فإنّ المؤشر يرتفع من جديد، ولذلك يظهر أن هناك فروقات في درجة هذه العاطفة بين رئيسين كفرانسوا ميتران البارد، وجاك شيراك الحار والودود.
سورية لا تهم فرنسا وحدها، بل عموم أوروبا، خصوصاً تلك التي ترتبط مع العرب والمسلمين بتماس قريب في المصالح وتاريخ مشترك كبريطانيا، وألمانيا، وإيطاليا، وإسبانيا. وليست مصادفة أنّ بلدان الاتحاد الأوروبي حريصة على معرفة خيارات النظام السوري الجديد وتوجّهاته السياسية والثقافية والاقتصادية، بما يتجاوز المخاوف المباشرة التي يروّج لها إعلام اليمين المتطرف القائمة على الإسلاموفوبيا، إلى منطق الشراكة المتوسطية التي اعتمدها الاتحاد الأوروبي في مبادرة برشلونة لعام 1995، التي وضعت أسساً لعلاقات إقليمية جديدة، تمثّل نقطة تحوّل في العلاقات الأوروبية المتوسطية، وهدفت لبناء علاقات جوار جغرافي بكل ما تحمله من أبعادٍ ثقافية وأمنية واقتصادية، وكانت تطمح لتأسيس منطقة مشتركة للسّلام والاستقرار، عبر تعزيز حوار في حوض البحر المتوسط، يراعي الخصوصيات الجغرافية والتاريخية والثقافية بين الضفتَين.
وفي إطار هذه الروحية، سارعت فرنسا وألمانيا وبريطانيا وإيطاليا وإسبانيا للاتصال مع الإدارة السورية الجديدة بمجرد وصولها إلى دمشق، والخلفية الفعلية لهذا التحرك الأوروبي تقوم على إدراك أهمية أن البيئة المتوسّطية غير مستقرّة في الاتجاهَين، بسبب غياب آليات للتعاون والتنسيق، ولا يمكن لذلك أن يجري إلّا على أساس من الندية والتعاون القائم على الشراكة بين الضفتَين، وهو المبدأ ذاته الذي كان هدف الاتحاد الأوروبي في مرحلة التسعينيات، لإقامة تكامل متوسّطي بنّاء، يحترم خصوصيات الدول في الضفة الجنوبية، ومساعدتها على تجاوز التحدّيات الاقتصادية والتنموية، بما يخدم الاستقرار السياسي، والحوكمة الرشيدة، وبناء تجارب محلية، تحول دون حصول حروبٍ وموجات هجرة داخلية وخارجية.
لعبت فرنسا في تلك المرحلة دور المحرّك لمبادرة برشلونة، وعمل الرئيس الفرنسي الراحل جاك شيراك على إعطاء سورية موقعاً خاصاً في تلك الشراكة، لكنّ الجانب السوري لم يلاقه في منتصف الطريق، وحصلت المواجهة بينه وبين رئيس النظام السابق بشار الأسد عام 2004 بسبب القرار 1559، القاضي بانسحاب القوات السورية من لبنان، وأدى ذلك إلى شرخ كبير في العلاقات الثنائية لم يجرِ إصلاحه حتى سقوط الأسد.
استراتيجية ماكرون تجاه سورية
يتّبع الرئيس الفرنسي الحالي إيمانويل ماكرون استراتيجية عمل خاصة بسورية، تسير في اتجاهات عدّة؛ فرنسي سوري، فرنسي عربي، فرنسي دولي. وعلى المستوى الثنائي تتعدد انشغالات فرنسا تجاه سورية بين سياسية، واقتصادية، وثقافية، وأمنية. وتولي باريس اهتماماً خاصة ببناء شراكة متطورة على هذه الصعد، ولذلك عيّنت سفيراً في دمشق هو السفير الفرنسي في الدوحة جان باتيست فافر، الذي يتحدث اللغة العربية بطلاقة، كي يتواصل مباشرة مع المسؤولين السوريين، وسوف يباشر مهامه في الفترة القريبة، إذ قام بإجراءات التوديع في الدوحة. وحسب مصادر فرنسية من وزارة الخارجية تحدثت لـ”العربي الجديد”، فإنّ باريس بصدد ترجمة النتائج التي توصل إليها لقاء ماكرون مع الشرع على نحو سريع، من خلال إطلاق سلسلة من المبادرات لدعم مساعي سورية من أجل النهوض، ومن المنتظر تقديم مساعدات عاجلة في مجالات عدّة كالتعليم والصحة والأمن. واستبقت دمشق الزيارة بتوقيع عقد لمدة 30 عاماً مع شركة فرنسية ستدير ميناء اللاذقية وتعمل على تطويره، وبعائدات أقل من التي كانت تدفعها الشركة عندما كانت تستثمر الميناء زمن نظام الأسد منذ عام 2009.
وبدأت باريس منذ وصول الإدارة السورية الجديدة خطوات مهمة على هذا الطريق، إذ قامت في 12 فبراير/ شباط الماضي بترتيب مؤتمر دولي حول الانتقال السياسي والتحديات الأمنية والاقتصادية الكبيرة التي تواجهها سورية بعد سقوط الأسد، وذلك بمشاركة وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني وهي أول زيارة رسمية له لدولة في الاتحاد الأوروبي، بعدما شارك في منتدى دافوس الاقتصادي في سويسرا في يناير/ كانون الثاني الماضي، كما شاركت الدول العربية على مستوى الوزراء فضلاً عن تركيا ودول مجموعة السبع ودول أوروبية، وكذلك الولايات المتحدة بصفة مراقب. وكان الهدف من المؤتمر حسب تصريحات ماكرون، إقامة “طوق أمان” لحماية العملية الانتقالية السورية من التدخّلات الأجنبية وتنسيق المساعدات وتمرير رسائل إلى السلطة السورية الجديدة، وإلى دعم القضاء الانتقالي ومكافحة الإفلات من العقاب.
ولم تقف باريس أمام حملات التحريض ضدّ الإدارة السورية الجديدة، بل حاولت موازنة موقفها، ومن أجل الرد على وسائل الإعلام التي أثارت مسألة الخلفية الجهادية للشرع، قال السفير الفرنسي السابق لدى سورية ميشال دوكلو “لم يرتكب الشرع حتى الآن أي خطأ”. وعلى هذا المنوال جاءت إجابة ماكرون على سؤال بهذا الصدد خلال زيارة الشرع لباريس، وهو ما ينسجم مع مواقف كل من أوروبا والولايات المتحدة، التي قرّرت فتح صفحة جديدة مع الإدارة السورية، تقوم على طلبات وشروط عدّة بخصوص الوضع الداخلي، وهي مرتبطة بخطوات الانفتاح الغربية تجاه سورية، وتسير معها خطوة بخطوة، وهذا هو تفسير الرفع التدريجي للعقوبات التي تحدث عنها أكثر من طرف دولي.
وفي ما يخصّ الجانب الفرنسي العربي، تعمل باريس مع الدوحة والرياض من أجل فتح الأبواب أمام سورية على الصعيد الدولي، والعمل معاً لتعزيز وضع الإدارة الجديدة، بما يمكّنها من تجاوز التحديات الصعبة، وخصوصاً على المستوى الاقتصادي. وقد لوحظ أن وسائل الإعلام الفرنسية المقربة من اليمين المتطرف الموالي لإسرائيل، هاجمت زيارة الشرع لباريس، ومن بين ما تحدثت عنه هو الدور القطري في ترتيبها، وادّعت أن الدوحة هي التي أقنعت ماكرون باستقبال الشرع.
ويتوجّه الجهد العربي الفرنسي المشترك إلى العمل على الساحة الدولية، وهو يخاطب الولايات المتحدة وأوروبا من أجل رفع العقوبات الاقتصادية على نحو يسهّل ضخ مساعدات واستثمارات مالية في الاقتصاد السوري المنهك. ولوحظ أن الاجتماع الفرنسي السوري جاء في اليوم ذاته الذي شهد زيارة المستشار الألماني الجديد فريدريش ميرز إلى باريس، وانعقاد سلسلة اجتماعات مع ماكرون وجزء من حكومته. وقد حضرت سورية في الاجتماع، وحصل توافق بين الطرفَين على تقديم الدعم لسورية من أجل تسريع عملية إعادة التعافي الاقتصادي، بما يساعد على عودة طوعية للاجئين السوريين.
يشار هنا إلى أن هناك نتيجة إيجابية تحققت بفضل المساعي العربية الأوروبية، وهي الحصول على موافقة أميركية لتمويل دولة قطر جزءاً من رواتب موظفي الدولة السورية بمعدل 29 مليون دولار شهرياً، وذلك يعدّ خطوة أولى، إذ من المنتظر تقديم مساعدة مالية مهمة من الدوحة والرياض. ومن الناحية السياسية هناك اتصالات مع البيت الأبيض من أجل ترتيب اجتماع للشرع مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب أثناء زيارته العاصمة السعودية الأسبوع المقبل، وفي حال نجاح هذا المسعى الدبلوماسي، فإن حملاً كبيراً يُزاح عن كاهل الإدارة السورية التي تسعى للحصول على اعتراف دولي كامل وتطبيع علاقاتها مع دول العالم كافة.
يبقى أن زيارة الشرع تساعد دمشق في تسهيل حل عقدة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، التي تسيطر على منطقة الجزيرة السورية بمحافظاتها الثلاث؛ الرقة، ودير الزور، والحسكة. وما تسعى له الإدارة الجديدة هو التوصل إلى استعادة هذا الجزء من سورية من دون حرب، وفي وسع باريس أن تساعد على ذلك، بما تملكه من علاقات جيدة ونفوذ على “قسد”.
العربي الجديد
———————————–
هل تريد دمشق نجاح زيارة الشرع إلى باريس؟/ عمر قدور
السبت 2025/05/10
لا تنقص ماكرون مهارات الدبلوماسية الغربية، فهو أجّل رسالته الأساسية ليقولها في ختام مؤتمره الصحافي مع الشرع. حيث كانت له الكلمة الأخيرة، وفيها ردّ على منتقديه في فرنسا بسبب دعوته الشرع إلى باريس، موضّحاً أن من مقتضيات العمل الدبلوماسي استقبال من لا يكون ثمة اتفاق معه، وأنه أجرى مع ضيفه حواراً مفيداً، لكنه صارم. لينهي مداخلته بالقول: سنرى ما سيحدث في الشهور الستة المقبلة.. إن لم تأتِ الأفعال وفقاً للأقوال سنعيد النظر.
قبل ذلك، نوّه ماكرون بإجراءات اتخذها ضيفه، منها التصدي لحزب الله، والتصدي لداعش، وخفض كبير في إنتاج الكبتاغون. والملفت في الأمر أنه أشار بذلك إلى إنجازات لا تخص الداخل السوري، على الأرجح في دلالة على عدم الرضا باستثناء إشارته إلى اتفاق الشرع مع قسد، وهو ما أشار إليه أيضاً في كلمته السابقة على أخذ أسئلة الصحافيين. وكان في كلمته الافتتاحية تلك قد ركّز على الشأن الداخلي السوري، مطالباً بمشاركة سياسية أوسع للسوريين، وبمحاكمة مرتكبي المجازر الأخيرة.
أشار ماكرون إلى رمزية أن تكون باريس أول عاصمة غربية تستقبل الشرع، ولا شكّ في أن هذه الرمزية كانت طاغية من خلال الاهتمام الإعلامي المواكب لها. وهي محمّلة بالتأكيد بالوضع الخاص للضيف، فهناك قادة أحزاب عبّروا صراحة عن اعتراضهم على دعوة الشرع، واسترجعوا تاريخه الجهادي كوصمة يُفترض بها منع استضافته، وإن كان بعض الانتقادات لا يصدر حقاً عن مبدئية سواء إزاء حقوق السوريين في عهد الأسد، أو إزاء فكرة الإرهاب نفسها، فبعض المعترضين يكنّ الودّ لبوتين من دون حساسية إزاء ما فعله في الشيشان وفي سوريا وأوكرانيا… إلخ. هذا ما دفع ماكرون إلى القول أن الاعتراض على دعوته الشرع هو للتكسب السياسي الداخلي ليس إلا.
لكن تبقى رمزية الزيارة هي الأكثر طغياناً على الجانب السوري، حتى يصح تماماً القولُ إن السوريين لم يُظهروا اكتراثاً بمجريات اللقاء نفسه، أو بالمؤتمر الصحافي الذي تلاه، أو حتى بالنتائج المتوقَّعة لاحقاً. المهم من وجهة النظر هذه أن دعوة الشرع تنطوي على الاعتراف به، أي منحه شرعية دولية، وهذا بالطبع ما يرضي أنصاره ويزعج الخصوم. وفي الخلفية ثمة ما يجعل الرمزية ذات مغزى إضافي مع استذكار استقبال بشار الأسد من قبل شيراك، في الإليزيه قبل وفاة أبيه وتسلمه الرئاسة بشهور، وقد حدث ذلك حينها بوساطة من الرئيس الراحل رفيق الحريري، وأثار استياء في الأوساط السياسية الفرنسية.
المزاج السوري السائد إزاء فرنسا كان سلبياً بمعظمه خلال السنوات الماضية، فمنذ الثورة انتعشت محاولات تأريخ جديدة، ترمي على فرنسا بمسؤولية تمكين الأقليات من الحكم في سوريا أثناء مرحلة الانتداب، بل تنص على أن الجيش السوري أنشئ على نحو طائفي منذ أيام جيش الشرق في الحقبة ذاتها. للإسلاميين أيضاً أسبابهم ومن المعتاد، باستثناء هجوم الحادي عشر من سبتمبر، أن تُهاجَم السياسة الأميركية من قبل الجهاديين، في حين ينفّذون عملياتهم الإرهابية في فرنسا. في خلفية هذا العداء لفرنسا هناك التاريخ الذي بموجبه توقفت الفتوحات الإسلامية عند بواتييه في فرنسا، والحافز الآخر المباشر أن العلاقة بين إسلاميي تركيا وفرنسا ليست جيدة، وهو ما يؤثّر بالسوريين المقرّبين من أنقرة.
يُذكر أن العلاقة بين الأسد وفرنسا لم تكن أيضاً على ما يرام، فهي علاقة الضرورة منذ أدخل قواته إلى لبنان في منتصف السبعينات برضا أميركي آنذاك، وصار اللاعب الأكبر في الساحة التي ترعاها فرنسا تقليدياً. لا توجد في سوريا منجزات ذات وزن تدل على علاقة جيدة مستدامة مع فرنسا، وعيْن الأسد الأب ثم الابن كانت طوال الوقت على واشنطن وتل أبيب. ومن المعلوم أن الابن تحديداً كان سخيّاً في الوعود التي قدّمها لفرنسا قبل وبعد تسلّمه الرئاسة، إلا أنه تنصّل منها كلها؛ على صعيد الإصلاح السياسي والإداري، وعلى صعيد الاستثمارات في مجال النفط، وغير ذلك مما كذب فيه.
والحق أن المزاج نفسه كان حاضراً مؤخراً بين نسبة كبرى من السوريين ترى أن المباركة الفرنسية للعهد الجديد خطوة مفيدة معنوياً، بينما الاهتمام منصرف بثقله إلى المباركة الأميركية التي يُنظر إليها كجائزة حقيقية وتطويب للسلطة الجديدة. أيضاً هذا التصور معطوف على رأي راج خلال السنوات الماضية يرى أن باريس كانت بوابة بشار الأولى إلى الغرب، أما تطويبه الفعلي فتمّ في الاجتماع المغلق بينه وبين مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية الأميركية، لمناسبة حضورها لتقديم العزاء بأبيه.
وثمة فيما قاله ماكرون في المؤتمر الصحافي ما يوحي بخلاف مع واشنطن حول الأولويات، مما لا يروق لنسبة كبيرة من مؤيدي السلطة التي لا تُعرف حتى الآن توجهاتها. فماكرون أعلن عن نيّته التوسّط لدى واشنطن من أجل رفع العقوبات الأميركية، في حين أفصح عن تفضيله بقاء القوات الأميركية التي يشكّل وجودها مظلة حماية لقسد. وكانت الأخبار الواردة من واشنطن مؤخراً قد أفادت بأن إدارة ترامب تفكّر في سحب قواتها من شرق الفرات، ومنح دمشق إعفاءات مضبوطة من العقوبات الأميركية، بعضها لمدة ستة شهور قابلة للتمديد، وبعضها الآخر بموجب استثناءات تُمنح لمرات محدودة.
كان واضحاً في المؤتمر الصحافي أن ماكرون يعلن عن توقعاته من الحكم الجديد في سوريا، وموضوع التغيير في هذه الحالة يمكن وصفه بأنه حقاً بِناءٌ جديد للعلاقة بين الجانبين. أهم ما في الأمر أن العلاقة المستجدة هي بطبيعة الحال متحررة من وطأة التأثير السوري في لبنان، وحساباته المرجِّحة تالياً في الدبلوماسية الفرنسية، حتى يجوز القول إن العديد من السياسات الفرنسية “القذرة” من منظور السوريين كانت بتأثير المصالح الفرنسية في لبنان. لقد ظلّ ذلك الشبح مخيّماً حتى مع انسحاب القوات السورية من لبنان، إذ بقي نفوذ الأسد موجوداً رغم رحيل قواته، ولو أنه كان مسنوداً في جانب مهم منه بسطوة حزب الله.
الفصل بين سوريا ولبنان يعطي المسعى الفرنسي الحالي جدية أكبر، وإن وُضعت في واجهته مصالح فرنسية تتعلق بالأمن ومحاربة داعش، وملف اللاجئين الحاضر في حسابات الاتحاد الأوروبي ككل. البعض في سوريا يعتقد أن باريس تسعى إلى حصة من كعكة إعادة الإعمار، وهو ما قد يحتمل الصواب بالإضافة إلى مشروعيته في عالم المصالح. الأهم في جميع الملفات ما أشار إليه ماكرون بدبلوماسية إذ قال إنه يثق بالشرع ويعتمد عليه، فالعلاقات الفرنسية مع الأسد تخللها الكثير من انعدام الثقة، وباريس بحاجة إلى مناخ الثقة لبناء علاقة مستدامة.
بالطبع، يتمنى ماكرون النجاح لمسعاه، لكن ذلك يتوقف على الحكم في دمشق، وما تسمح به طبيعته. الأمر ليس كما كانت تصوِّره الثقافة السياسية الدارجة لجهة وجود مطالب يمسّ بعضها بالسيادة الوطنية، أو كما تصوّرها انتهازية العلاقة مع الخارج والحصول على أمكن من مكاسب بَخْسة مع قصر نظر فيما يخص علاقات أكثر رسوخاً. المحك هو في الخلاص من ذلك الإرث، وفي القدرة على أن تكون سوريا جزءاً من العالم، ومن ثقافة العصر، وأن تبني علاقات خارجية متوازنة بناء على ذلك، وهذا استحقاق تأخر عقوداً بسبب رغبة الأسد في تسوير سوريا كمزرعة خاصة به.
لم يكن بلا مغزى قولُ ماكرون: “كنا دائماً إلى جانب الكرد لأنهم كانوا دائماً إلى جانبنا”. فهو يشير إلى طبيعة العلاقة التي يريدها مع دمشق. هي من هذه الزاوية فرصة حقيقية تتجاوز الحمولة المعنوية الحالية، والقرار المنتظر من دمشق مزدوج، لأنه يقتضي الإرادة وتحدي القدرة على التغيير.
المدن
——————————–
كيتش سوري في باريس: “أدونيسيون” و”مُطبّلون” يتوسّطهم صدّام حسين!/ عمّار المأمون
09.05.2025
أثناء التظاهرات والتجمّعات السورية في باريس، سواء كانت مع أو ضد زيارة أحمد الشرع، ردد المحتشدون شعار “واحد واحد واحد… الشعب السوري واحد”، تناقضات هائلة وقع فيها السوريون يكشفها تكرار هذا الشعار ضمن سياقات كانت متناقضة ومتباينة حد الخصومة الجذرية.
استنفر السوريون سكّان باريس منذ إعلان زيارة أحمد الشرع؛ الرئيس المؤقت لسوريا، إلى فرنسا، أولئك الذين جعل بعضهم من المدينة عاصمة منفاهم، إذ استقبلت تظاهراتهم ضدّ الأسد، وشجاراتهم مع موظّفي سفارة الأسد، وفيها رفعوا قضاياهم ضدّ نظام الأسد، ويحضر فيها تمثال المعرّي شاهداً حجرياً على الفظاعات في سوريا. واليوم، يزور باريس “رئيس” تختلف الآراء حوله بشدّة، حدّ تداخل التصنيفات التي تلخَّص بسؤال أصبح أقلّ وضوحاً عمّا كان عليه، سؤال من المعارض والموالي الآن؟
سؤال يطرحه كثيرون، خصوصاً مع تغيّر الاصطفافات السياسية بين محبّي أحمد الشرع، وكارهي أبو محمد الجولاني، وتشكّل أجسام مدنية وسياسية جديدة، لا ترى في الشرع “محرّراً” بل قائد ميليشيا سيطرت على “الدولة”.
أول ملامح الإجابة عن هذا الانقسام تتّضح في أنواع التظاهرات التي شهدتها المدينة منذ مجازر العلويين في الساحل، والتي صادف أنها تزامنت مع تظاهرات داعمة لأحمد الشرع؛ نتفادى كلمة “مؤيّدة” لحساسيتها لدى السوريين، ويوم زيارة الشرع، انقسمت التجمّعات والتظاهرات أيضاً، واختلفت فيها الآراء والصور وأحياناً الأعلام.
تحوّلات علم الثورة: بين ساحة القدّيس أوغسطين وساحة الجمهورية
الاحتشاد الأوّل كان في ساحة القدّيس أوغسطين، التي لا تبعد إلا مسير دقائق عن قصر الإليزيه، هناك اجتمع سوريون، وحملوا أعلام الثورة، بانتظار الموكب الرئاسي، حينها وقبل تجمّع الناس، كان “نجم” الموجودين رجل جاء من أقصى المدينة يسعى، رجل يحمل علماً سوريالياً، علم الثورة وعليه عبارة “لا إله إلا الله محمد رسول الله”، وصورتا عبد الباسط الساروت وصدّام حسين. مشهد أذهل الكثيرين، لكن لم يتجرّأ أحد على انتقاده، ظننا أنه سيُستبعد أو يقف وحيداً، لكنّ كثير من المتحمّسين للشرع، سارعوا إلى التقاط الصور معه، كانت هذه الصدمة الأولى بيننا أسود للسنّة، لا أسد واحد!
كنت مع مجموعة قرّرنا الابتعاد عن الحشود، والمراقبة من بعيد، خصوصاً أن الصورة في أي مظاهرة الآن أصبحت تهمة، إما “أدونيسيون” وإما مطبّلون، والحلّ هو المسافة وتفادي الكاميرات، لكن هناك المؤثّرون و”التيكتوكرز” في كلّ مكان، والحذر قد لا ينفع أحياناً أمام عدساتهم!
“زيّن” الحشد أبيات شعر كُتبت على لافتة على سور الكنيسة في الساحة، أبيات شديدة الابتذال نطقها وزير الثقافة المُكلّف محمد ياسين في خطاب تولّيه منصبه: “لقد صمنا عن الأفراح دهراً… وأفطرنا على طبق الكرامة”،كيتش سوري بامتياز.
تضخّم الحشد وبدأ الهاتفون بالهتاف، وأبرز شعار رُفع “واحد واحد واحد… الشعب السوري واحد”، الشعار الذي اتّضح منذ العام 2011 أنه غير واقعي، واشتدّ معناه المتخيّل والإقصائي بعد سقوط النظام، مع تعالي الهتافات وانتظام شكل الجمع وأطياف من فيه، اتّجهت ومن معي نحو ساحة الجمهورية.
في ساحة الجمهورية مظاهرة أخرى ضدّ زيارة أحمد الشرع، لكنّها مظاهرة أخطر، إذ نظّمها بعض المعروفين بكونهم من شبّيحة النظام السابق الذين اعتدوا على المتظاهرين بالضرب خلال سنوات الثورة الأولى، لكن الآن، الأمر اختلف، هم يرفعون صور الضحايا من العلويين، ويهتفون ضدّ الشرع وضدّ زيارته، بل إن أحدهم بدأ يدعو الناس إلى عدم رفع علم الثورة، كونه علم الانتداب!
لكن من أين جاء علم الثورة؟ كان هناك مظاهرة أخرى، ترفع “علم الحدود الخمسة” الخاصّ بالطائفة الدرزية، وتندّد أيضاً بزيارة الشرع، وتشير إلى مجازر الساحل والهجمات على الدروز، لكنّ القائمين عليها أصرّوا على رفع علم الثورة، كونه “ليس علم الجولاني!”.
بدأت المناوشات بين الطرفين، وانفصل الحشدان، وجاءت الشرطة لمحاولة فهم ما يحصل، ولم يفهموا بدقّة، لكنّهم تركوا الحشدين، قسم وقف دقيقة صمت على أرواح الضحايا، وقسم هتف ضدّ الشرع.
المفارقة أنه في كلّ التظاهرات والتجمّعات، ردّد كلّ الأطراف، شعار “واحد واحد واحد… إلخ”، تناقضات هائلة وقع فيها السوريون يكشفها تكرار هذا الشعار، أي شعب واحد هذا الذي اتّفق على شعار غامض، لم يعد له معنى في ظلّ الانفلات الأمني الذي تشهده سوريا.
الطريق نحو الإليزيه
اتّجهنا نحو قصر الإليزيه، بانتظار وصول موكب الشرع، الذي مرّ لاحقاً من قرب تجمّع ساحة القدّيس أوغسطين، وارتمى أحدهم في سيارته، بينما نحن نتأمّل القصر، وطوابير الصحافيين الذين ينتظرون الدخول، كنّا نحن في الخارج، نضحك مع الأصدقاء، ليفاجئنا موسى العمر بالظهور في ساحة القدّيس أوغسطين، وكأنه اختار أن يسرق الأضواء من الشرع، بينما يتّجه الأخير نحو القصر الرئاسي، حيث التقى سابقاً، فريد المذهان (قيصر) صورة رمزية تثير القشعريرة، وكأن المذهان يحمّل صرخات الضحايا ومطالبهم بالعدالة لرجل لا نعلم قدر التزامه بتحقيقها!
طلب منّا حرس القصر الرئاسي الابتعاد، فقد وصل الشرع، والمؤتمر الصحافي والمراسم على وشك أن تبدأ، هنا كلّ واحد التقف هاتفه المحمول، لمشاهدة المؤتمر الصحافي، الذي قال فيه ماكرون عبارة مسّت الكثيرين منّا ، إذ ذكر ماكرون أسماء ثلاثة سوريين: حسّان عبّاس، بسمة قضماني، عمر عزيز… ثلاثة لا يشبهون أبو محمد بشيء.
أمام الإنتركونتيننتال
علمنا لاحقاً أن الشرع سيلتقي مساء مع “الجالية السورية”؛ الكلمة الغامضة في باريس وفرنسا، كونه لا توجد جالية بالمعنى الرسمي والتمثيلي، هناك أفراد وجماعات وتيّارات مختلفة، لكن لا يهمّ، انتظرنا عند باب الإنتركونتيننتال قرب أوبرا غارنييه في باريس، سبقنا إلى هناك مجموعة من الشبّان والشابّات، “تيكتوكرز” ومؤثّرين ومحبّين للشرع، حين سألت أحدهم: “لِمَ أنتم هنا؟”، أجاب: “لالتقاط صورة مع السيّد الرئيس”، قلت له: “الرئيس غير المنتخب تقصد”، فامتعض، واتّهمني بصورة غير مباشرة بأني من فلول النظام السابق!
“إنفلونسرز” ومعجبون وصحافيون ومدعوّون، كلّهم كانوا أمام الفندق، لا يتجاوز عددهم الثلاثين، لكن ما زال هناك قرابة ساعتين، ولا منطق لدخول البناء الآن، وفجأة، ظهر موسى العمر مرّة أخرى أمامنا، تراكض محبّو الصور إليه فالتقطوا ما يمكن التقاطه من صور، ثم بدأت الأسئلة، متى يصل الشرع؟ من مسموح له بالدخول!؟
موسى العمر لا يملك إجابات واضحة، مرّة يقول “ستدخلون جميعاً بنور الله”، ومرّة أخرى “حادثت الشيباني وقال ستدخلون”، في هذه الأثناء بدأ يتوافد المدعوّون الذين كنّا منهم! وحين بحثنا عن أسمائنا في قائمة المدعوّيين مع أمن الفندق، قالوا إن اسمي وأسماء آخرين معي غير موجودة!
كثير من المنتظرين خارجاً لم تكن أسماؤهم موجودة، بعضهم قدم من مدن أخرى، وترك عمله ليجد نفسه ينتظر خارجاً، وبالطبع كلّ يتّصل بمن يعرفه علّه يستطيع إدخاله، لنكتشف لاحقاً أن قائمة المدعوّين تغيّرت عدّة مرات، من دعتهم الخارجية الفرنسية غير الذين دعاهم وفد الشرع، الذي تدخّل في أسماء المدعوّين، طبعاً المفارقة، أن برهان غليون نفسه، لم يجد اسمه في قائمة المدعوّين! فاتّصل بأحدهم ودخل.
دخلت أيضاً أسر بكاملها، ومحسوبون على “الإخوان المسلمين”، أصدقاء وخصوم، و”إنفلونسرز” وصنّاع محتوى، الواضح أن علاقات القوّة لعبت دوراً في من يدخل ومن لا يدخل، وبينما ننتظر وصول “أبو محمد”؛ لم نعد نناديه أحمد الشرع بعد ساعات الانتظار، حاولنا الالتفاف ودخول الفندق من باب خلفي، ففشلنا، وبعد فقدان الأمل، قلنا لننتظر خارجاً على الأقلّ نراه داخلاً، ليتبيّن أنه دخل من باب آخر!
غضبنا، حاولنا الدخول، تواصلنا مع الأصدقاء في الداخل أثناء الاجتماع مع الشرع، أخبرنا بعضهم أن هناك الكثير من المقاعد فارغة، ادخلوا! لكن لا جدوى، ومع فقدان الأمل بدأت السخرية، أكثر من 10 سيّارات لحماية أحمد الشرع ومن معه، ضحكنا، منذ نحو 6 أشهر فقط، كان الرجل مطلوباً عالمياً، مكروهاً من طيف واسع من السوريين، اليوم، في الإنتركونتيننتال مع مرافقة، أُحبطنا إثر تأخّر الشرع في النزول، فقرّرنا المغادرة للأكل، وأنشد بعضنا سخرية: “سلامي على النصرة، على الكفر منتصرة… قايدها جولاني، أهديه ألحاني”.
ملاحظة: انتشرت شائعة أثناء اتّجاهنا للأكل، أن الشرع سيحضر النصف الثاني من مباراة فريق “باري سان جيرمان” ضدّ “أرسنال”، لكن تبيّن أنه اتّجه إلى ساحة تروكاديرو كي يشاهد السيّدة الحديدية، أو برج إيفيل، هناك قرب متحف الإنسان، حيث تقبع جمجمة سليمان الحلبي.
درج
——————————————–
الشرع يقبل «الامتحان» الفرنسي: هل النجاح ممكن؟/ عبد المنعم علي عيسى
السبت 10 أيار 2025
في دولة مثل فرنسا، لا تغيب عن غرف صناعة القرار ذهنية “التفكير الإمبراطوري” الراغبة في استعادة “المجد” الضائع. فمشاريع الدول عندما تتحطّم – ومشاريع فرنسا جرى تحطيمها تماماً، رفقة بريطانيا، خريف عام 1956 -، لا تستسلم بسهولة، بل تعاود الكرّة على نحو ما يظهر عبر منظمة “الفرنكوفونية” التي اجترحتها باريس عام 1970، كوسيلة للتمدّد، أو المحافظة على “النفس” الإمبراطوري، في موازاة الخيار البريطاني الذي راح في اتجاه تعزيز الجنيه الإسترليني، الذي هوت سيطرته بعد نهاية الحرب العالمية الثانية بعدما دامت لنحو قرنين من الزمن.
واقع الأمر أن باريس كانت قد استندت زمن انتدابها على سوريا (1920 – 1946)، إلى تركيبة بسيطة تقوم على استمالة البرجوازية السنيّة مع تعويم دور الأقليات، خصوصاً في مجال العسكرة، حيث كان الميْل واضحاً عند الأخيرة إلى الانخراط في ذلك المجال لاعتبارات اقتصادية بالدرجة الأولى، الأمر الذي خلق نوعاً من “الوشائج” بين باريس وتلك الأقليات، حتى بعد مغادرتها سوريا. لكنّ “الخيبة” الفرنسية راحت تتدحرج بعد وصول حزب “البعث” إلى السلطة عام 1963، وكبُرت مع انقلاب حافظ الأسد عام 1970.
فالرجل الذي اشتهر باللعب على التوازنات الدولية، كانت عينه على واشنطن، ولم تكن علاقته بباريس أكثر من جسر عبور إلى الأولى، وهو حارب بشدة “الفرنكوفونية” في سوريا، بل وفي لبنان الذي دخله جيشه صيف عام 1976 بضوء أخضر أميركي. أما زمن ابنه بشار، الذي استقبله جاك شيراك في الإليزيه وهو لم يكن يحمل أي منصب رسمي بعد، فكانت الخيبة أكبر، خصوصاً عندما راح الرئيس السابق يعمل على “هندسة” المشهد اللبناني وفق سياسات كاسرة للكثير من التقاطعات والمصالح، بل وكاسرة أيضاً للتوافقات الداخلية اللبنانية التي أرسيت في ميثاق 1943 وفي “اتفاق الطائف” عام 1989.
هنا، قد يصح القول إن خيارات باريس كانت ماضية نحو استغلال فرصة سانحة لاستعادة نفوذها في بقعة إستراتيجية تشهد أهم تحوّل جيوسياسي منذ اتفاقية “سايكس بيكو” التي أثبتت، حتى الآن، أنها عصية على الاختراق، وإن كان الكثير من التباشير التي تلوح في الأفق يفيد بأنها لم تعد كذلك. وعليه، كان استقبال الرئيس السوري الانتقالي، أحمد الشرع، في الإليزيه، يندرج في الإطار المشار إليه، على رغم المحاذير الكبرى التي يحملها هذا الاستقبال. فدولة مثل فرنسا، ذات الثقل الأوروبي الوازن، ناهيك عن الحمولات التي فرضها رفع رايات التنوير ومناصرة حقوق الإنسان، تُخضِع خطواتها لمعايير محسوبة بمقاييس لا تصح معها “مسطرة” الذهنية الآنفة الذكر.
بزيارة الشرع إلى فرنسا، وهي لم تكن خياراً لأنها الدعوة الأوروبية الوحيدة التي وُجهت إليه، يمكن الجزم بأن الأخير قرّر “الانكفاء” إلى الوراء، ومراجعة حساباته في ما يخص”خارطة الطريق الفرنسية” التي سبق أن رفضها قبل أشهر. ويرمي هذا الانكفاء إلى تعديل بعض البنود التي أُوحي إليه أنها تهدف إلى زعزعة استقرار سلطته، مثل “إنشاء مجلس عسكري متنوّع على أن تُنقل إليه الصلاحيات الأمنية والعسكرية”، و”إجراء انتخابات رئاسية شاملة خلال عام”.
ومن يراقب الأيام القليلة التي سبقت الزيارة، يرى أن السلوك الفرنسي كان ضاغطاً بدرجة ترمي إلى وضع الشرع أمام “الخيار صفر”، الذي يعني قبول الخارطة من دون تحفّظات تُذكر. وفي الإعلام الفرنسي، راحت تتكاثر التقارير التي تُظهر “الخلفية الجهادية” للرئيس السوري، ما يحول بين الفرنسيين و”الثقة فيه”، وهو ما ورد حرفياً على لسان الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، خلال مؤتمره الصحافي الذي عقده مع الشرع.
والبعض من هذه التقارير كان يقذف الشرع بسلسلة لا تنتهي من الانتهاكات المرتكبة بحق الدروز والعلويين، ويقول إن “الأقمار الصناعية رصدت مقاطع تفوق تلك التي رصدتها كاميرات الجوالات الميدانية”، فيما دعا البعض الآخر إلى “اشتراط خروج الشرع من العقلية الفصائلية إلى عقلية الدولة، التي، وإن أعلن عنها، لكنّ الأمر بقي عند تخوم الإعلان فحسب، وهو ما تؤيده الوقائع اليومية”.
وكل هذا، جنباً إلى جنب مؤشرات عدة من نوع طريقة الاستقبال مثلاً، يرمي إلى خلق مناخ ضاغط، نجح في تحقيق الكثير مما يرمي إليه. فوفقاً لصحيفة “نيويورك تايمز”، تحفّظ الرئيس السوري فقط على الطرح الفرنسي (وهو أميركي أكثر) المتعلّق بملف المقاتلين الأجانب وطرق حلّه، وهو قال إن “هذا ملف سيادي تصعب مناقشته”، مضيفة أن “ماكرون أبلغ الشرع أنه تحت رقابة غربية دقيقة، وأن الوقت يضيق”.
المؤكّد الآن هو أن الشرع قد تخلّى عن فكر “السلفية الجهادية”، بل إن العديد من المؤشرات يقول إنه تخلى عنه منذ وقت غير قصير قبل وصوله إلى السلطة، لكنه لا يستطيع الدخول في صدام معه لأنه ببساطة يمثّل الركيزة الأساسية التي يقوم عليها حكمه الآن، وهو يدرك أن ظهوره بنموذج “الوسطي الإسلامي”، المطلوب داخلياً وإقليمياً ودولياً، إنما يمثّل الخطر الأول الداهم عليه.
ولعل ما يؤكد ذلك أكثر هو السلوك الذي تمارسه الجماعات المتشدّدة بصور شتى من دون القدرة على ردعها، ضاربة عرض الحائط برزمة القرارات “الخجولة” التي صدرت كمحاولة للحد من تأثيراتها، بل وبفتوى “تحريم الدم السوري” التي أطلقها مفتي الجمهورية، الشيخ أسامة الرفاعي، قبل أيام. ومن دون شك، تدخل التجربتان المصرية 2012 – 2013، والتونسية التي استمرت بعدها ثماني سنوات، في صلب حسابات الشرع، فما أسقطهما هو عدم القدرة على احتواء التطرّف، ومنْع تحوّله إلى قوة معطّلة لمشروع بناء الدولة، لكنّ السؤال الذي لا إجابة عليه هو: ما السبيل إلى ذلك؟
الأخبار
———————————————-
فرنسا تفتح أبواب أوروبا أمام الرئيس الشرع: ماذا تقدم سوريا في المقابل؟
عقد فرنسي لتطوير ميناء اللاذقية.. وبوادر شراكة اقتصادية بين باريس ودمشق
أعطت زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى فرنسا زخما كبيرا لمساعي الحكومة السورية الجديدة في انتزاع اعتراف دولي لشرعيتها لا يزال يتأرجح على زئبق المصالح الدولية وتناقضاتها.
وإذا كانت واشنطن قد أمعنت في إملاء شروطها على الحكم الجديد الذي أبدى انفتاحه على مناقشة كل الملفات الجدلية والحساسة العالقة فإن زيارة الشرع إلى فرنسا قد تفتح أمامه أبواب أوروبا دون إغفال لحزمة الشروط التي لوحت بها فرنسا قبيل الزيارة وأعاد رئيسها ماكرون ترديدها على مسامع الرئيس الضيف.
زيارة وبصرف النظر عن الملاحظات التي أحاطت بها على مستوى الشكل والبروتوكول ودعوة البعض إلى عدم تحميلها ما لا تحتمل من مفاعيل إيجابية ربطا بكونها بالون اختبار ليس إلا فإنها سجلت نقطة هامة في رصيد دمشق، فالثقل الاستراتيجي الذي تتمتع به فرنسا دولياً وأوروبا قد يشجع دولا غربية أخرى على سلوك المسار نفسه خاصة إذا ما نجحت دمشق بالإيفاء بوعودها للغرب أو الوصول معه إلى تسويات بشأنها تعزز الثقة وتؤسس لمسار مختلف.
الشرع يغتنم الموقف الفرنسي
يرى المحلل السياسي فهد العمري أن استقبال رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا أحمد الشرع في فرنسا جاء استكمالاً لما بدأته باريس من مسار الانفتاح السياسي على دمشق والذي بدأ مع إرسال وزير خارجيتها جان نويل بارو رفقة نظيرته الألمانية إلى العاصمة السورية حيث كانت فرنسا من أوائل الدول الأوروبية التي اعتقدت بوجوب الرهان على الحكم الجديد وانتظار ما يمكن البناء عليه من مرونة سياسية طبعت أداءه السياسي خلال المرحلة الماضية.
وفي تصريح له أكد العمري أن باريس تأخذ على محمل الجد رغبة وقدرة الحكومة السورية الجديدة على بناء منظومة علاقات دولية تقطع مع كل مسببات العزلة التي فرضتها سياسة النظام السابق وهي تضع نصب عينيها رفع العقوبات المفروضة عليها من خلال ولوج البوابة الفرنسية التي قد تختصر عليها الطريق إلى بناء الشراكة الحقيقية مع الغرب من خلال التزكية الفرنسية المنتظرة بعد اجتياز امتحان الشروط التي تواضع الغرب على وضعها كمجاز لمرحلة بناء الثقة مشيرا إلى أن النظام الحاكم في دمشق اليوم أمام فرصة يجب اغتنامها لجهة استغلال الغزل الفرنسي الحالي به وإن كان مشروطا في مسألة رفع العقوبات والتعافي المبكر وإعادة الإعمار واستقبال المساعدات والهبات التي تحتاجها سوريا اليوم أكثر من أي وقت مضى.
ووفقاً للعمري فإن رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا أحمد الشرع قد نجح من على المنبر الفرنسي الهام في الإسهاب بشرح المخاطر الكبيرة التي قد تحيط بالمجتمع الدولي إذا تمنع عن لعب دور جدي في إسناد الحكومة السورية التي عرفت كيف تسوق للأمر من باب النصيحة المسؤولة لا التهديد الضمني مشيرا إلى أن دمشق اليوم أحوج ما تكون إلى دعم دولي في مواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية التي تعصف بالبلاد وهي قد تجد في باريس ضمانتها الحقيقية في إلزام تل أبيب بوقف اعتداءاتها على سوريا بعد طمأنة هذه الأخيرة بشأن نواياها الإيجابية تجاه الدولة العبرية التي تقضم في الجنوب وتعربد في السماء السورية.
هذا ما تريده فرنسا
واستدل المحلل السياسي على تلاقي المصالح الحالية بين دمشق وباريس من خلال سعي هذه الأخيرة لإحياء دورها التاريخي المنكفئ في الشرق الأوسط عبر بوابة كل من سوريا ولبنان ولعل هذا ما يفسر مسارعة ماكرون إلى تهنئه الرئيس الشرع بانتخابه وإعادة افتتاح السفارة الفرنسية في دمشق وتعيين قائم بالأعمال الفرنسي هناك واحتضان المؤتمر الدولي حول سوريا الذي عقد في شباط الماضي بمشاركة وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني فيما بدا أنه مسعى أوروبي بقيادة فرنسا لرعاية عملية القطيعة النهائية لسوريا مع الاستبداد والإرهاب.
وقلل العمري من خطورة الحديث الفرنسي عن الشروط المسبقة التي قد تمهد لعودة سوريا إلى لعب دورها المنشود على المستوى الدولي من قبيل عدم التمييز بين مكونات المجتمع السوري ومشاركة جميع الأقليات الدينية والعرقية في حكم البلاد ووقف الانتهاكات التي حصلت بحق العلويين والدروز وإقصاء المقاتلين الأجانب عن المراكز القيادية في الجيش والمؤسسات الأمنية مشيرا إلى أنها لزوم تمرير الزيارة بعيداً عن الصخب الإعلامي الذي لا زال يبحث في تاريخ جهادي منسي عند قيادة سورية قررت القطيعة مع الماضي والأخذ بالأسباب التي تجعل منها دولة مدنية متحضرة في حين أن دولة كفرنسا تفخر بأنها بلد الحرية لا يمكنها أن تسقط من الزيارة عناوين العدالة والمساواة بين السوريين في حين أنها تعلم أن قرار الانفتاح على دمشق قد اتخذ وبصرف النظر عن السرديات الكلاسيكية المتعلقة بمعاني العدالة والحرية التي تفخر بها عاصمة النور الفرنسية.
وشدد المحلل السياسي السوري على أن فرنسا تدرك خطورة نشاط “داعش” على الساحة السورية وهذا ما دفعها لحث الشرع على التعاضد مع قوات سوريا الديمقراطية في قتال التنظيم التكفيري بعد اشراكها الفعلي في الحكومة السورية كما أن باريس تخشى من عودة النفوذ الإيراني إلى سوريا و تجتهد في إبقاء سوريا بعيدة عن روسيا ولهذا فإنها تحرص على استقطاب الشرع الذي لم يظهر مواقف متشددة تجاه موسكو على النحو الذي يتمناه الغرب.
وختم العمري حديثه بالإشارة إلى أن فرنسا ترغب في أن يكون لها دور اقتصادي بارز في سوريا من خلال المشاركة الكبيرة للشركات الفرنسية في مرحلة إعادة الإعمار المرتقبة وقد بدأت بالفعل في جني ثمار سياستها السورية هذه من خلال العقد الذي وقعته” الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية السورية” مع شركة “سي إم إيه سي جي إم” الفرنسية لمدة ثلاثين عاما ويقضي بقيام الشركة الفرنسية بتطوير وتشغيل ميناء اللاذقية بقيمة 230 مليون يورو الأمر الذي يجعل من استقرار سوريا حاجة فرنسية ملحة على مختلف الأوجه السياسية والأمنية والاقتصادية.
ايلاف
—————————-
زيارة الشرع إلى فرنسا تبشر بمكاسب متعددة الأوجه/ حسن الشاغل
2025.05.10
تُعد زيارة الرئيس السوري الشرع إلى فرنسا أول زيارة رسمية لرئيس سوري إلى أوروبا منذ عام 2011.
وتمثل الزيارة نقطة تحول مهمة في مسار العلاقات السورية الفرنسية – والسورية الأوروبية. وتأتي هذه الزيارة في ظل تعقيدات المشهد الإقليمي والدولي. وتُشير هذه الزيارة إلى وجود نية متبادلة لتجاوز مرحلة الجمود والانفتاح على فرص التعاون المشترك. ولا تقتصر أهمية الزيارة على بعدها الرمزي في كسر العزلة السياسية، بل تتعداها إلى آفاق ومكاسب متعددة الأوجه، تشمل الجوانب الاقتصادية، والاستثمارية، والسياسية والأمنية.
وتأتي الزيارة في وقت حساس من عدة نواح، حيث تشهد سوريا توترات داخلية، وبعد تشكيل الحكومة المؤقتة والإعلان الدستوري واستعداد السلطة الجديدة في سوريا على التموضع في المنظومة العالمية والاقليمية، وتوترات مع اسرائيل.
ويُنتظر أن تفتح هذه الخطوة الباب أمام مرحلة جديدة من التفاعل السوري-الأوروبي، تقوم على المصالح المتبادلة، والاستقرار الإقليمي. ومن هذا المنطلق، تهدف هذه المقالة إلى مناقشة المكاسب المحتملة من جراء زيارة الرئيس الشرع إلى فرنسا.
ضبط الحالة الأمنية
لا يمكن إغفال الدور الأمني الفرنسي في منطقة الشرق الأوسط. ففي آخر اجتياح إسرائيلي للبنان بعد طوفان الاقصى، ضغطت فرنسا بجدية على إسرائيل لإنهاء العمليات العسكرية البرية، وإلى تراجع قواتها، بما يضمن استقرار لبنان، وعدم جرها إلى حرب مفتوحة مدمرة تخلط الموازين الداخلية. وهذا المقاربة التي تبنتها فرنسا تجاه لبنان ليست ببعيدة عن مقاربتها تجاه سوريا، وقد تحاول باريس أن تتدخل في الملف السوري الأمني المرتبط بإسرائيل، من خلال لعبها دوراً في التنسيق أو التفاوض غير المباشر بين الدولة السورية وإسرائيل، لوضع الخطوط العريضة التي تضمن الأمن على حدود الطرفين، ويمنع الانزلاق في حرب قد تدخل المنطقة في حالة عدم استقرار كبيرة.
ومن المهم التنويه له، أن إسرائيل تعمل من خلال الضربات العسكرية الجوية على إضعاف “نسبي” قوة الحكومة في المركز الممثلة بحكومة دمشق الحالية لصالح الأطراف الممثلين بقوات قسد، والفصائل الدرزية، وفلول النظام في الساحل، إلا أنها حذرة بذلك ولا تريد إسقاط حكومة الشرع، الذي يعد الشخصية الوحيدة القادرة على ضبط الحالة الأمنية في البلاد، وهنا لا نقصد فقط فلول النظام وقوات قسد والقوات الدرزية، بل ضبط الحالة الفصائلية التي كانت منتشرة في سوريا.
وإذا ما تدخلت فرنسا لضبط سلوك إسرائيل تجاه سوريا من عمليات قصف واحتلال أجزاء من محافظة القنيطرة، فإن ذلك سيساعد في استقرار البلاد، ويبدد حالة التخوف بين الطرفين، وينهي حالة التمرد لبعض الأطراف داخل سوريا، ويقطع الطريق أمام حصولهم على الدعم الإسرائيلي.
مكاسب اقتصادية
قبل عام 2011، كان الاتحاد الأوروبي الشريك التجاري الأكبر لسوريا، بحجم تبادل تجاري بلغ نحو 7.18 مليار يورو عام 2010. لكن بعد اندلاع الثورة السورية، فرض الاتحاد عقوبات صارمة شملت حظر استيراد النفط، وتجميد الأصول، وفرض قيود على التصدير والاستثمار، مما أدى إلى تراجع كبير في التبادل التجاري إلى 396 مليون يورو بحلول عام 2023.
في فبراير 2025، اتخذ الاتحاد الأوروبي خطوة نوعية بتعليق بعض العقوبات الاقتصادية، خصوصاً في قطاعات الطاقة، النقل، والمؤسسات المالية، في إطار السعي لإعادة دمج سوريا في المنظومة الاقتصادية العالمية.
وبعد انتهاء زيارة الرئيس السوري الشرع إلى فرنسا صرّح وزير الخارجية أسعد الشيباني “أن الزيارة مثلت نقطة تحول نحو رفع العقوبات، وتعزيز السلام والاستثمار في المنطقة”.
رفع العقوبات وإحياء الشراكة السورية الأوروبية سيفتح المجال أمام سوريا لتصدير صناعتها الرائدة في قطاع الصناعات النسيجية والزراعية إلى الأسواق الأوروبية مجدداً.
وفيما يتعلق بملف إعادة الإعمار، الذي تُقدر تكلفته بأكثر من 300 مليار دولار، يُعد فرصة اقتصادية واعدة لكل من سوريا والدول الأوروبية، من خلال تبادل الاستثمار والخبرات. ومشاركة الدول الأوروبية سينعش السوق السورية.
وسوريا في موقع جغرافي يسمح لها بأن تكون عقدة لطرق التجارة الدولية البرية والبحرية، فهي تعد حلقة الوصل بين قارتي آسيا وأوروبا وبين أسواق الخليج العربي وتركيا ودول الاتحاد الأوروبي، وهذا الموقع يوفر للبلاد المرونة والسهولة للوصول إلى الأسواق الدولية المنتجة والمستهلكة، وأن تكون معبراً للسلع الأوروبية المتجهة لأسواق الخليج العربي، ما يمنح سوريا مصدر دخل كبيراً من خلال رسوم تجارة الترانزيت.
ويمكن أن تكون سوريا ممراً لخطوط الأنابيب القادمة من دول الخليج العربي إلى دول الاتحاد الأوروبي. وبحسب منصة الطاقة المتخصصة، تسعى السعودية لتصدير الهيدروجين الأخضر إلى دول الاتحاد الأوروبي. وهو ما يكسب سوريا أهمية جيواستراتيجية للدول الأوروبية، ويكسب سوريا إيرادات مرور خط الأنابيب.
شرعية دولية
لا شك أن الزيارة ستكون بمثابة اختبار لمستوى الانفتاح الذي يمكن أن تحظى به حكومة الشرع حالياً ولجدية واستعداد الدول الغربية للتعامل مع القيادة السورية الجديدة. وفي الغالب ستشكل هذه الزيارة نقطة تحول في العلاقات بين سوريا وأوروبا، وقد تفتح الباب أمام إعادة دمج سوريا في المجتمع الدولي، وفق معايير وشروط معينة قد أثارتها فرنسا.
وتأتي هذه الزيارة بعد تعيين قائم بالأعمال فرنسي في دمشق مؤخراً، والذي يمثل اعترافاً رسمياً بالحكومة السورية، والذي سيكون له انعكاس إيجابي على سياسة الدول الأوروبية تجاه سوريا، وقد نشهد في الأيام المقبلة جنوح الدول الأوروبية الأخرى للتعامل الرسمي مع الدولة السورية.
في الخلاصة، يمثل التقارب الفرنسي السوري تحركاً استراتيجياً يحمل أبعاداً أمنية واقتصادية وسياسية. تسعى فرنسا لضبط الاستقرار الإقليمي عبر الحد من التصعيد الإسرائيلي، فيما تفتح الخطوات الأوروبية نحو رفع العقوبات باباً لفرص اقتصادية واسعة تشمل إعادة الإعمار والتبادل التجاري. أما دبلوماسياً، فإن هذا الانفتاح يمنح الحكومة السورية اعترافاً متزايداً ويمهّد لإعادة دمجها في المجتمع الدولي وفق شروط متوازنة.
تلفزيون سوريا،
————————————-
زيارة الشرع إلى فرنسا: دبلوماسية طموحة وسط رهانات سياسية وإقليمية
في خطوة دبلوماسية طموحة لكن محفوفة بالتحديات السياسية والإقليمية، استقبل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الرئيس السوري أحمد الشرع في باريس يوم 7 أيار/ مايو 2025، في أول زيارة له إلى دولة أوروبية منذ توليه السلطة عقب سقوط النظام البائد وفرار بشار أسد إلى روسيا في 8 كانون الأول/ ديسمبر 2024.
الزيارة، التي تطلبت موافقة خاصة من الأمم المتحدة بسبب إدراج الشرع سابقًا على قوائم مكافحة الإرهاب لقيادته هيئة تحرير الشام، تهدف إلى تمهيد إعادة دمج سوريا دوليًا، لكنها أثارت جدلاً داخليًا حادًا في فرنسا وتساؤلات حول قدرة الشرع على تنفيذ إصلاحات وسط توترات إقليمية.
مباحثات دبلوماسية ورهانات استراتيجية
استقبل ماكرون الشرع، الذي وصل برفقة وزيري الخارجية والطوارئ، في قصر الإليزيه، وفق وكالة فرانس برس. ركزت المباحثات على إعادة إعمار سوريا، رفع العقوبات، وحماية الأقليات. أيدت فرنسا رفع بعض العقوبات القطاعية الأوروبية، معتبرة أن الإجراءات الأمريكية “تثقل كاهل السلطات الانتقالية في إعادة الإعمار وجذب الاستثمارات”، لكنها ترى أن إزالة الشرع من قائمة عقوبات الأمم المتحدة سابق لأوانه. طالب ماكرون بحماية العلويين والدروز بعد انتهاكات مارس 2025، وحث الاتحاد الأوروبي على معاقبة الجناة.
قال وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو: “عدم الحوار مع السلطات الانتقالية غير مسؤول تجاه الشعب الفرنسي، ويمهد لعودة داعش”، مشيرًا إلى دور سوريا في مكافحة الإرهاب، السيطرة على الهجرة، تهريب المخدرات، واستقرار لبنان. وصف ماكرون الشرع بأنه “قائد موجود في مكانه” بعد “حرب دموية”، لكنه انتقد الضربات الإسرائيلية في سوريا، واصفًا إياها بـ”ممارسة سيئة”، وقال: “لا يمكنك ضمان أمن بلدك بانتهاك أراضي جيرانك”.
رد الشرع أن العقوبات “تعاقب الشعب السوري”، واعدًا بتحقيق دولي في الانتهاكات الطائفية. وأكد: “بتحرير سوريا، أنقذنا المنطقة من إرهاب محتمل كان يجثم على السوريين”، مضيفًا: “لن نسمح بالفتن الطائفية أو بانتهاك سيادة سوريا، ومستقبلها لن يُقرر في عواصم بعيدة”. كشف عن مباحثات غير مباشرة مع إسرائيل لوقف الغارات المستمرة منذ ديسمبر 2024، واصفًا إياها بـ”انتهاك اتفاق 1974″.
أعلن الشرع تبادل التمثيل الدبلوماسي مع فرنسا، وهي خطوة رمزية لتعزيز العلاقات. في سياق منفصل، نشر وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني على حسابه الرسمي في إكس أن الزيارة “شكلت نقطة تحول لرفع العقوبات، تعزيز الأمن الإقليمي، وخلق بيئة للسلام والاستثمار”.
مؤكدا أن نجاح هذه الزيارة لا يقتصر على المستوى السياسي فقط، بل يعكس أيضًا الإرادة المستمرة في تعزيز بناء علاقاتنا الدولية على أسس قوية من التعاون المشترك والاحترام المتبادل مع الجميع.
التقى الشرع نخبًا سورية، بما في ذلك “قيصر”، لمناقشة الوحدة الوطنية.
رئيس الجمهورية العربية السورية السيد أحمد الشرع ووزير الخارجية والمغتربين السيد أسعد الشيباني يلتقيان السيد فريد المذهان المعروف بـ “قيصر” على هامش زيارتهما إلى جمهورية فرنسا.
مؤتمر صحفي تحت المجهر
في مؤتمر صحفي مشترك، واجه الشرع أسئلة حادة عكست تعقيدات ماضيه وتحديات الحاضر. سأل صحفي: “كيف تثق فرنسا بقائد كان مدرجًا على قوائم مكافحة الإرهاب؟” رد الشرع: “كافحنا نظامًا مجرمًا أسقط براميل كيميائية على شعبه، ولم نشارك في أي أعمال إرهابية في أوروبا”. عن مصير الجهاديين الأجانب، قال: “إنهم جاءوا فرادى وليس جماعات، وسيخضعون للقانون، مع إمكانية تجنيسهم إذا تزوجوا سوريات وأنجبوا أطفالًا، وهو حل كريم لمن قاتلوا إلى جانب الشعب السوري”.
وعن الانتهاكات الطائفية، أكد: “لن نسمح بالفتن الطائفية ولا بانتهاك سيادة سوريا من أطراف خارجية ومستقبل سوريا لن يصاغ في غرف مغلقة ولن يقرر في عواصم بعيدة
أثارت الزيارة عاصفة سياسية في فرنسا. قالت مارين لوبان، زعيمة التجمع الوطني: “ذهول وذهول”، واصفة الاستقبال بـ”الفضيحة”. أكد لوران فوكييه، زعيم نواب الجمهوريين: “نحن لا نستقبل قادة إرهابيين سابقين وأعضاء منظمات تريد مهاجمة فرنسا”. . ردت الرئاسة أن الحوار ضرورة استراتيجية.
———————————-
—————————–
عن أشتباكات صحنايا وجرمانا تحديث 10 أيار 2025
لمتابعة تفاصيل هذا الملف اتبع الرابط التالي
———————————————-
الهجري يدعو لتدخل دولي: إسرائيل ليست العدو
السبت 2025/05/10
قال الزعيم الروحي لطائفة الموحدين الدروز حكمت الهجري، إن “إسرائيل ليست العدو”، مطالباً بتدخل دولي في سوريا.
كلام الهجري جاء بعد أيام على الأحداث التي شهدتها مناطق الدروز في البلاد، في جرمانا وأشرفية صحنايا والسويداء.
موقف معارض للسوريين
وقال الهجري في مقابلة مع صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية: “نحن في أزمة. ندعو إلى تدخل دولي”، كما صرح بموقف “يتعارض مع آراء كثير من السوريين”، قائلاً “إن إسرائيل ليست العدو”. وأضاف: “لقد عشنا تحت هذه الشعارات لعقود. في سوريا، يجب أن نهتم فقط بالقضية السورية”، في إشارة إلى شعارات نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد حول مناصرة القضية الفلسطينية وعدائه المعلن لإسرائيل.
ووفق الصحيفة، فإن موجة العنف الطائفي التي شهدتها مناطق الدروز، مثلما حدث في مناطق سورية أخرى في السابق، ” أثارت مخاوف عميقة لدى أبناء الطائفة الدرزية التي تهيمن على محافظة السويداء، لدرجة أن بعضهم يقول إنه بات يبحث عن الدعم من جهة غير متوقعة: إسرائيل”.
وأشارت إلى أن الدروز السوريين “كانوا يرفضون في السابق أي تقارب مع إسرائيل على الأقل علناً”، لكن “الهجمات التي تعرض لها الدروز على يد مسلحين إسلاميين يدعمون الحكومة السورية الجديدة دفعت البعض إلى إعادة النظر”.
وما جرى، منح إسرائيل فرصة لتعزيز نفوذها في سوريا، إذ يقول محللون سياسيون إن ذلك يمكن أن يساعدها في إبقاء الحكام الجدد في حالة من الارتباك، خوفاُ من أن يشكل حكم إسلامي قوي مدعوم من تركيا تهديداً محتملاً.
استهداف الطائفة
وعلى الرغم من التصريحات اللافتة للهجري، إلا أن لعديد من الشخصيات الدرزية البارزة نأت بنفسها علناً عن أي تقارب مع إسرائيل، خشية أن تعرّض هذه الخطوة الطائفة لمزيد من الاستهداف، فيما برزت مواقف أكثر براغماتية من ميدانيين محليين يرون أن الخطر المحدق بهم يستوجب البحث عن أي دعم، مهما كان مصدره.
وقال مقاتل في السويداء يدعى ربيع مرشد لـ”واشنطن بوست”، إن المجتمع الدرزي لا يثق بنوايا إسرائيل، لكنه مستعد لتقبّل مساعدتها. وأضاف أن “إسرائيل لا تفعل هذا لمساعدة الدروز، بل لمصلحتها الخاصة. لكن بصراحة، لا مانع لدينا من مساعدتها ضد هذه الحكومة”.
من جهته، قال ثروت، شقيق مرشد، وهو مقاتل أيضاً، إن “إسرائيل تضعنا في موقع يجعلنا في مواجهة مع باقي أبناء الشعب السوري”. إلا أن ربيع تمسّك بموقفه قائلاً: “ليس لدينا خيار آخر. هؤلاء الناس يريدون إبادتنا بالقوة”.
إسرائيل تدعم الدروز
وفي وقت لاحق، قالت مصادر إسرائيلية إن القوات الإسرائيلية نقلت العشرات من الدروز السوريين لتلقّي العلاج في مستشفيات داخل إسرائيل، كما أكّد قادة دروز في الداخل أنهم ساعدوا في نقل نساء وأطفال من صحنايا وجرمانا في دمشق، إلى قرية تقع ضمن منطقة تسيطر عليها إسرائيل جنوب سوريا.
وقال رضا منصور، وهو درزي إسرائيلي شغل في السابق منصباً دبلوماسياً في إسرائيل، إن هناك حملة واسعة تجري الآن لجمع المال والمعدات في جميع القرى الدرزية في إسرائيل لتوفير الدعم للنازحين.
وأضاف منصور لـ”واشنطن بوست”، أن على إسرائيل تقديم الدعم للدروز في سوريا، مثل تنفيذ غارات جوية في حال وقوع عنف جديد، لكنها يجب أن تتجنب إرسال قوات برية.
وشهدت مناطق الدروز في جرمانا وأشرفية صحنايا في ريف دمشق، مواجهات بين الجيش السوري ومجموعات من المقاتلين الدروز، أسفرت عن سقوط عشرات القتلى والجرحى من الجانبين، قبل أن تمتد الاشتباكات إلى قرى في السويداء، تلا ذلك اتفاق بين الحكومة السورية ومشايع العقل في المحافظة، على تفعيل دور الشرطة والضابطة العدلية من أبناء السويداء
المدن
—————————–
دروز سورية وخيارات الحكم الجديد في دمشق/ عمار ديوب
10 مايو 2025
السوريون الدروز أقلّية مذهبية، بينما الإدارة الجديدة في دمشق تمثّل تيّاراً سلفياً سنّياً. دارت بين هذه الأقلية والإدارة معارك سابقة قبل سقوط نظام بشار الأسد، في إطار الصراع المسلّح بين مجموعات عسكرية (منها جبهة النصرة) كانت توجد في درعا والسويداء، وهناك هجوم دموي شنّه تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) على السويداء في 2018. ومن ثم، من الطبيعي أن تكون ثقة دروز سورية متزعزعة وتحفّظهم شديداً تجاه الإدارة. لم تسر الإدارة في خيارات إشراك الشعب منذ وصولها إلى الحكم، وهاجمت جماعات عسكرية مناطق فيها كتلة درزية كبيرة، في جرمانا وصحنايا وأشرفية صحنايا والسويداء في أواخر الشهر الماضي (إبريل/ نيسان). كان لهذه الهجمات (قُتل بسببها قرابة مائة سوري درزي، وكان هناك انتهاكات في الأشرفية تحديداً) الدور الكبير في رفض الدروز شروط الإدارة في تسليم السلاح خاصّة. ولكن المعرفة الدقيقة لقيادات الدروز من مشايخ ومثقّفين وسياسيين بأحوال السلطة الانتقالية دفعهم إلى تقديم التفاوض، والبحث عن صلات هادئة مع دمشق، مع التحفّظ على تسليم السلاح، بينما دخلت قوات الإدارة أشرفية صحنايا، وهو ما لم يحدث في جرمانا والسويداء.
في هامش هذه التطوّرات، جاء تحذير الزعيم اللبناني الدرزي وليد جنبلاط من المخطّط الصهيوني لتوظيف دروز سورية من أجل توسيع التدخّل الصهيوني في الأراضي السورية، متجاهلاً أن هذا التدخّل كان أساسياً في المشهد السوري قبل سقوط النظام، ودمّر البنية العسكرية السورية بشكل شبه كامل، وقاصداً إضعاف السلطة الجديدة بحيث لا تشكّل السلطة والبنية العسكرية تهديداً مستقبلياً لها. ومن ثم، استهدفت الضربات أخيراً إحداث مذبحة للدروز، وإغراق سورية في حرب أهلية، تجعلها غير آمنة، وتجعلها بلداً مستباحاً بموافقة دولية وإقليمية. شَكلت لغة التفاوض من الإدارة ووجهاء السويداء وجرمانا والأشرفية ضربة معلّم وطنية لمنع تلك الاستباحة، وليس موفقاً جنبلاط في اتهام السويداء بأنّها تغرّد خارج السرب الوطني، ولا سيّما الشيخ الهجري، وإذا كنّا نرفض بعض توجّهات الأخير بطلب الحماية والتدخّل الدوليين الفوريين (وقد طالب بهما السوريون في 2011 و2012)، فإن تلك التوجّهات لعبت دوراً في تغليب دمشق لغة التفاوض، والضغط على المجموعات المهاجمة للدروز من أجل إيقاف هجماتها، وشكّل هذا إنقاذاً للطرفين، الإدارة والهجري، من أن يستمرئوا الاستمرار في تصريحات وممارسات تُهدّد مصير سورية بأكملها، ولهذا مالا إلى التفاوض ورفض الانفصال أو التقسيم أو الانفكاك.
السياسة الوطنية للشعب تتعزّز بمقدار السياسات الوطنية للإدارة وللسلطة وللدولة. وعكس ذلك، يميل المجتمع إلى هُويَّاته المحلّية الطائفية، الدينية والمناطقية والعشائرية، الآن في سورية، ولأسباب متعدّدة، وسابقة ولاحقة على 2011، ولاحقة كذلك على الخلاص من الأسد في 8 ديسمبر/ كانون الأول 20124، ومنها نهج السلطة الاستئثاري بالدولة وأجهزتها، ما أدى إلى تسييس متضخم للهُويَّات الفرعية السابقة الذكر، وهناك فصائل سلفية وجهادية لم تسلّم سلاحها، وليست متّفقة مع سياسات السلطة ذاتها في استئثاريتها، وتريد المزيد منها، وأن تكون قواتها ضمن الأمن العام والجيش وإدارة شؤون الدولة. ومن ثم من الطبيعي أن تكون الهُويَّة الدرزية في أوج فاعليتها.
تقتضي مشكلات سورية مرجعيةً غير سلفية للسلطة، وللدولة كذلك، وتقتضي أيضاً إيقاف سياسات فاقمت أوجه الأزمات السورية، الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، بين الطوائف. وستتفاقم الأزمات أعلاه باستمرار المرجعية السلفية. ومن ثم، لا خيار أمام السلطة الحالية إلّا مواجهة الفصائل السلفية والجهادية، والسير نحو التصالح مع المجتمع بكلّيته.
ليس في مقدور السلطة الحسم عسكرياً، وحسناً فعلت بانتهاجها التفاوض، ولكن مكمن الخطأ (علاوة على ما ذكرناه) هو في تذرّعها بوجود فصائل منفلتة، محلّية وأجنبية، سلفية وجهادية، ومجموعات إجرامية، فتُكرّر الذريعة نفسها في الساحل، وما حدث للدروز، لتُبرّئ نفسها. يعلم السوريون كافّة أن المرحلة انتقالية، ولكن بعد خمسة أشهر من الحكم يرى أغلبية السوريين تهاوناً مع هذه الفصائل، وبعضهم يقول إن هناك تبادلاً للأدوار بين الإدارة السياسية السورية وتلك الفصائل؛ تفاوض الأولى بينما تقتل الثانية وتطيّف وتبثّ الكراهية.
لقد أخفقت الدولة الصهيونية في الاستثمار في دروز سورية، فلم ينخرطوا في مشروعها التقسيمي التفكيكي، ولكنّ مشروعها هذا سيستمرّ ما لم تقابله الإدارة بمشروع وطني، يدفع أغلبية السوريين إلى الالتفاف حولها في مواجهة هذا المشروع الاستعماري، والذي يُعلِن وبوضوح أنه من أجل “حماية الأقليات في سورية”. وكما تتحجّج الدولة الصهيونية بالأقلّيات، ولا سيّما الدروز، تتحجج تركيا بقوات سوريا الديمقراطية “قسد” وبحزب الاتحاد الديمقراطي (الكردي)، وأنه وإدارته الذاتية و”قسد” يشكّلون تهديداً، ومن ثم، ستظلّ تركيا تتدخّل في الشأن السوري، وعدا ذلك، يستدعي كلّ تدخّل من إحدى الدولتَين تدخّلَ الثانية، وتصبح سورية بلداً مستباحاً، وهي كذلك منذ التحرير، فلا تكمن المشكلة في خوف الأقلّيات، بل في سياسات الإدارة الاستئثارية.
الخيار الاستئثاري للإدارة بالسلطة هو أسّ المشكلات منذ لحظة التحرير، فاستأثرت بالرئاسة ولم تجعلها قيادةً جماعيةً انتقاليةً، وكان الحوار الوطني شكلياً وبديلاً من مؤتمرٍ وطنيٍّ عام لمناقشة قضايا الدولة، وأيضاً جاء الإعلان الدستوري أقرب إلى دستورٍ دائم، ولم تتخط الحكومة الانتقالية الانتقادات التي وجّهت إلى الحكومة المؤقّتة، فجاءت بكتلة صلبة من الوزراء الآتين من الحكومة السابقة أو من قيادات هيئة تحرير الشام. والآن، يخشى السوريون أن يأتي مجلس الشعب على المنوال نفسه، مجلساً يعيّنه الشرع ومن يثق بهم من لجان.
تغيير الخيار السياسي أعلاه وإشراك الشعب وحده يشكّل بداية الشرعية الحقيقية، ويعطي السلطة قوّة ومنعة في مواجهة الشروط الدولية كافّة، وليس في مواجهة مشاريع الدولة الصهيونية أو تركيا فقط، وستظلُّ هذه الشروط قائمة، ولا سيّما العقوبات الأميركية، ما لم تسر إدارة دمشق فيما ذكرناه.
وهناك تخوّفات وجودية لدى الأقلّيات الدينية والقومية، ولدى الأكثرية السُّنية، ولديها مطالب محقّة بالمشاركة في إدارة شؤون الدولة والنهوض بها، وتُختصَر تلك المطالب بأن تنتهج السلطة سياسات واضحة تجاه الدولة المدنية والديمقراطية وفصل السلطات، والابتعاد عن المرجعية السلفية والتطييف العام، والركون إلى مبادئ المواطنة. إن المعاندة ورفض السير في هذا الخيار سيؤدّيان إلى المبالغة في تسييس مختلف أشكال الهُويَّات، وربّما إلى الحرب الأهلية. وبالتأكيد، ستظلّ سورية ساحةً للتدخّلات الإقليمية والدولية والسلطة في غاية الهشاشة والضعف. السلطة أمام خيارات واضحة، فهل توقف خياراتها الفاشلة؟
العربي الجديد
————————————
مفاوضات غير مباشرة… أين المشكلة؟/ معن البياري
09 مايو 2025
حسناً صنع الرئيس السوري، أحمد الشرع، أنه أجاب بوضوح، وبلا أي شعورٍ بحرج، على سؤال زميلةٍ في تلفزيون العربي، في باريس، عمّا إذا كانت هناك، حقّاً، مفاوضاتٌ غير مباشرة بين دمشق وإسرائيل، عندما أفاد بأن هذا صحيحٌ، وبأن هذه المفاوضات تتم عبر وسطاء (ليس واحداً إذن!)، وذلك “لتهدئة الأوضاع ومحاولة امتصاص الوضع، لكي لا تصل الأمور إلى حدٍّ تفقد السيطرة عليه من كلا الطرفين”. ولئن يبدو هذا التوضيح القاطع غير جديدٍ تماماً، بعد محادثاتٍ تركيةٍ إسرائيليةٍ في أذربيجان في هذا الخصوص، عُقدت أمس الخميس جولةٌ ثالثة منها، فإن الجديد المتعيّن فيه أنه ينهي القيل والقال الكثير، سيّما وأن كلاماً يشيع عن استعداد السلطة الحاكمة في سورية للذهاب إلى إقامة سلام “إبراهيمي” مع دولة الاحتلال، من دون قرائن أو دلائل ظاهرة. وهنا، لا يُعتدّ بقول عضو الكونغرس الأميركي، كوري ميلز (لتلفزيون العربي)، بعد لقاء الشرع به في دمشق قبل أسبوعين، إنه “يعتقد” (!) أن الرئيس السوري “أظهر استعداداً للعمل مع إسرائيل”، للذهاب إلى أن ثمّة ميولاً تطبيعيّةً لدى الرئاسة السورية الحالية نحو علاقاتٍ طبيعيةٍ مع دولة الاحتلال، إلا إذا استبدّ بنا أن سوء الظن من حسن الفطن.
ما الذي في وُسع الحكم الراهن في سورية أن يفعل من أجل أن تكفّ إسرائيل شرورَها عن البلد؟ هل من خيارٍ آخر غير الاتصالات السياسية مع الدول العربية والصديقة، من أجل عملٍ ضاغط، ما أمكن، على دولة العدوان؟ ليس حراماً ولا جُرماً أن يفاوض أحمد الشرع إسرائيل، عبر وسطاء، من أجل هذا الهدف، خصوصاً إذا ما مضى في استخدام لغةٍ أكثر دقّة ووضوحاً، في إدانة كل اعتداء إسرائيلي على البلاد، مما كانت عليه لغته في الأسابيع الأولى عقب انتصار 8 ديسمبر. وعندما يجد واحدُنا مشروعيّة سياسية، بل ووطنيّة أيضاً، في كلام دمشق “مع كل الدول التي لديها تواصلٌ مع الجانب الإسرائيلي للضغط عليهم للتوقّف عن التدخّل في الشأن السوري واختراق أجوائه وقصف بعض منشآته”، بتعبير الشرع في باريس، فذلك يعني أن الرئاسة السورية مدعوّةٌ إلى مزيدٍ من هذه الشفافية، فتنير للرأي العام السوري (ومعه العربي) مضامين تلك المفاوضات غير المباشرة، فالإسرائيليون لن يتوقّفوا عن اعتداءاتهم الشنيعة من دون أثمانٍ يقبضونها من دمشق. وإذا كان صنيعاً جيّداً من الشرع أنه أكّد، مجدّدا، التزام سورية باتفاقية فضّ الاشتباك في 1974، فالمتوقّع أن تتمادى دولة الاحتلال في تلك المباحثات والمفاوضات، فتُطالِب بما هو أكثر من هذا، استثماراً منها لاستضعاف سورية في راهنها الصعب والمرتبك والمُقلق. ولا نظنّها براغماتيةُ أحمد الشرع، الذي يضع الكرات في سلالِها، والمرجّح أن شعبيّته بين السوريين تزيد عن الـ80% التي أوضحها استطلاع مجلة إيكونوميست، ستأخذُه إلى تنازلاتٍ لا مدعاة لها. والثقة في شخصه هنا هي التي تجعلنا على الثقة نفسها بأن سقف هذه المفاوضات، غير المباشرة، لن يهبط إلى ما يتجاوز تلك الاتفاقية، ويذهب بسورية إلى ارتهاناتٍ والتزاماتٍ تطوّقها، وتجعل أولى وظائفها تأمين حماية دولة الاحتلال، فضلاً عن أن أولوية الأولويات أن تتمسّك سورية بحقّها الكامل في وضع أي قوةٍ وأي سلاحٍ تريد في مقبل الأيام على الحدود مع فلسطين، على غير ما يُحدّث به مبعوثو نتنياهو مبعوثي أردوغان في أذربيجان.
ليس الموضوع أن السلطة في سورية تخوض مفاوضاتٍ غير مباشرة مع إسرائيل، فما من مشكلةٍ هنا، فالأعداء والخصوم هم الذين يتفاوضون، وإسرائيل في عدوانها النشط على سورية توّجت الشرع عدوّاً غير عاديٍّ لها عندما تعمّدت قصف محيط قصره الرئاسي. الموضوع أن على دولة الاحتلال “التوقّف عن تصرّفاتها العشوائية وتدخّلها في الشأن السوري”، بتعبير الرئيس الشرع، وأن الغرض من هذه المفاوضات هو هذا، لتلتقط سورية أنفاسها، ولتتعافى، وليُباشر أهلوها، ومعهم الحكم الانتقالي الراهن فيها، عبورَهم إلى دولةٍ عادلةٍ تقوى بمواطنيها ومواطنتهم المتحقّقة لكل فردٍ فيهم. وهذا مسارٌ شاقّ وطويل. … لنتسلح بالأمل والتفاؤل، وإنْ يلزمهما عملٌ كثير، صادقٌ وجدّي، لا يتوسّل إنشائياتٍ ومكابراتٍ تغطّي على كل عوارٍ وعطب.
العربي الجديد
—————————
“وول ستريت”: الشرع يعرض النفط والتواصل مع إسرائيل مقابل رفع العقوبات
08 مايو 2025
الرئيس السوري يسعى لخطة لإعادة الإعمار على غرار “مشروع مارشال”
دمشق تأمل أن تصبح حليفاً مهماً ومؤثراً بالنسبة لواشنطن
الشرع بعث رسائل لواشنطن تحمل رغبة بلقاء ترامب خلال جولته الخليجية
قال تقرير لصحيفة “وول ستريت جورنال” إن الرئيس السوري أحمد الشرع يحاول إقناع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب برفع العقوبات الاقتصادية عن بلاده، مضيفا أن حكومة الشرع اتخذت عدداً من الخطوات للاستجابة للمطالب الأميركية، بما في ذلك اعتقال قادة في فصائل فلسطينية، والتواصل مع الاحتلال الإسرائيلي من خلال وسطاء للتعبير عن رغبتها في تفادي الحرب في ظل نشر جيش الاحتلال الإسرائيلي عناصره بالجنوب السوري وشنه غارة جوية بالقرب من القصر الرئاسي في دمشق الأسبوع الماضي، وكذلك من خلال إبداء رغبتها في إبرام صفقات مع شركات النفط والغاز الأميركية لتنفيذ مشاريع في سورية.
وأشارت إلى أن الرئيس السوري يسعى لتنفيذ خطة لإعادة الإعمار على غرار “مشروع مارشال” بشراكة مع الشركات الغربية. وقررت الولايات المتحدة إطلاق “مشروع مارشال” لإعادة بناء أوروبا عندما انتهت الحرب العالمية الثانية، حيث كانت أوروبا تواجه وضعاً كارثياً بعدما شمل الدمار المدن والبنى التحتية، والاقتصاد كان في حالة انهيار.
وجاء في التقرير أن المهمة الأكثر إلحاحاً بالنسبة للشرع تتمثل في إقناع إدارة ترامب المشككة في نواياه بأن التغيير الذي حصل في مواقفه حقيقي، وبأنه ينبغي رفع العقوبات التي تحول دون بدء إعادة الإعمار في سورية. وأضاف أن الرئيس السوري يحاول عقد لقاء مع ترامب من أجل تبادل الرؤى حول خطة على غرار “مشروع مارشال”، مشيراً إلى أن مسؤولين في الحكومة السورية قالوا إن من شأن ذلك أن يسمح للشركات الأميركية ونظيراتها الغربية بالتفوق في أي منافسة بوجه الصين وغيرها من القوى الدولية.
وفي هذا الصدد، ذكرت “وول ستريت جورنال” أن الجمهوري الموالي لترامب والرئيس التنفيذي لشركة “ارجنت إل إن جي” للغاز الطبيعي التي تتخذ مقرها في لويزيانا، جوناثان باص، توجه الأسبوع الماضي إلى دمشق لكي يقدم أمام الرئيس السوري مخططاً لتطوير الموارد الطاقية السورية بشراكة مع الشركات الغربية وشركة وطنية سورية للنفط يتم إدراجها حديثا على القوائم الأميركية.
وأشارت الصحيفة إلى أن الشرع رد بشكل إيجابي على الفكرة وربط إمكانية تحقيقها بتخفيف العقوبات، بحسب ما أكده لها باص ومعز مصطفى، رئيس “المنظمة السورية للطوارئ”، الذي شارك في الاجتماع. وقال مسؤول كبير في الخارجية السورية لـ”وول ستريت جورنال” إن “سورية الحرة الجديدة تسعى لبناء علاقات استراتيجية قوية مع الولايات المتحدة، تقوم على المصالح المشتركة والشراكة بما في ذلك الطاقة وغيرها من الروابط الاقتصادية”. وأضاف: “تأمل دمشق أن تصبح حليفاً مهماً ومؤثراً بالنسبة لواشنطن خلال المرحلة القادمة في سورية”.
وضمن مساعيه لإقناع الإدارة الأميركية بالانفتاح على سورية، قال باص في تصريح بعد لقائه الشرع في قصر الشعب بدمشق: “أمامنا فرصة لطرد الروس والإيرانيين والصينيين من البلاد للأبد وإلحاق هزيمة دائمة بتنظيم داعش”. وسلطت الصحيفة الضوء على التحذيرات التي أطلقها خبراء من أنه بدون دعم أميركي ومن دون إمكانية الولوج إلى المنظومة المالية الأميركية، فإن سورية تواجه مخاطر أن تصبح دولة فاشلة ما قد يؤدي مجدداً إلى صعود الجماعات المتطرفة، وبالتالي التسبب في تعميق عدم الاستقرار في المنطقة.
من جهة أخرى، أشارت “وول ستريت جورنال” إلى أن الرئيس السوري بعث رسائل إلى البيت الأبيض عبر باص ومصطفى حملت رغبته في إجراء لقاء مع ترامب على هامش جولته الخليجية الأسبوع المقبل. ومن المقرر أن يصل ترامب إلى السعودية في 13 مايو/أيار الجاري لعقد لقاءات ثنائية، فيما ينتظر أن يشارك في قمة مع قادة دول الخليج صبيحة اليوم الموالي. وبعد القمة، سيتوجه ترامب إلى الدوحة لعقد لقاء رسمي مع أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني. وفي 15 مايو، يزور أبوظبي. وبهذا الخصوص، قالت الصحيفة نقلا عن مصادر مطلعة على الاستعدادات التي تخص جولة ترامب، إنه من المنتظر أن يطلب القطريون والسعوديون من الرئيس الأميركي الانفتاح على سورية ضمن جهود أكبر لتحقيق الاستقرار بالشرق الأوسط.
العربي الجديد
——————————
الصراع والاشتراطات على سوريا/ أحمد عيشة
2025.05.09
ركزت السياسة الاستعمارية الفرنسية وغيرها على التعامل مع السكان كمجموعات دينية متناحرة، وزاد في الأمر تشكّل إسرائيل كجزء مكمل لسياسة تلك القوى، التي ما تزال تستثمر في سياسة “حماية” الأقليات.
بعد خروج القوات الفرنسية، لم ينته هذا التقسيم، وإنما بقي جزءاً من التركة، سواء بين الجيش، أو في على مستوى السياسة، وتنامى بشكل خطير بعد استلام البعث للسلطة عام 1963، الذي غذى تلك التقسيمات تحت غطاء خطاب عنتري، أفضى فيما بعد إلى تسلم حافظ الأسد للسلطة عام 1970، الذي أدخل سوريا في نفق مرعب، يعتمد فيما يعتمد عليه على التمييز الطائفي، إضافة إلى اختراق وتفتيت المجتمع السوري وفق سياسة الولاء والمحسوبية.
عارض كثير من السوريين سياسة الأسد الأب، لكن قوة قمعه وشراكته الطبقية مع برجوازيي دمشق وتمكّنه من تصوير الحركة المناهضة لسلطته عام 1980 بأنها حركة تتبع تنظيم الطليعة والإخوان المسلمين وطبيعة الاستقطاب الدولي في تلك الأيام ساعدته على سحق الحركة وتدمير أجزاء من المدن، وصولاً إلى إسكات الأصوات المعارضة من خلال رميها في السجون لفترات طويلة أو تهجيرها. ومع وراثة الابن للسلطة، وسّع تغلغله بين السوريين لدرجة الهيمنة على مفاصل الحياة (أمن وسياسة واقتصاد واجتماع)، وفق الأسس ذاتها الطائفية والمحسوبية، فكان لها آثار مدمرة في بنية المجتمع السوري، لكن في الوقت نفسه دفعت الناس إلى التمرّد والثورة بعد أن وصلت إهانة نظامه إلى عمق لا يمكن تحمّله، ناهيك عن حالة الإفقار والابتزار. لقد عمّق كل الانقسامات سواء الأفقية أو العمودية بين السوريين، لدرجة التنميط الثابت.
بدأت ثورة السوريين بمطالبة في الإصلاح والحقوق الأساسية، لكن فظاعة المواجهة وتصوير الناس كـ “جراثيم”، وتصوير الثورة كعمل إرهابي طائفي تدعمه دول تتصارع وفق الأساس ذاته، وأنها تحمل صراعاً وجودياً مع جمهوره، سواء على مستوى الطوائف أم المحسوبيات، دفعت الأمور نحو مناح أخرى، وهي العسكرة كحق طبيعي بالمقاومة، حيث أدرك الثوار أنها الطريق الوحيد للخلاص من نظامه. دخلت البلاد في حالة من الانقسامات المدعومة بالسلاح، من خلال كثير من الفصائل والميليشيات، فكانت إلى جانب النظام إيران وعموم الميليشيات الطائفية وكتائب الدفاع الوطني التي تعمل وفق رؤية النظام الطائفية، وفي المقابل، تشكلت كثير من الفصائل المناهضة، وأكثرها بمرجعية إسلامية، وبعضها بتوجه طائفي معتمداً على ما عانته الأكثرية السنية، ومحاولاً احتكار تمثيلها. وفي الوقت نفسه تشكلت القوة المسلحة الكردية -وليدة حزب العمال الكردستاني- صاحب العلاقات القوية مع نظام الأسد، التي قامت في جزء منها على أساس طائفي.
كان يوم 8 كانون الأول 2024، يوماً تاريخياً سيبقى محفوراً في ذاكرة السوريين، يوم الخلاص من النظام الأسدي الذي تصور وأوهم جمهوره بأنه أبدي. تنفست البلاد نسائم الحرية، وكانت حالة الابتهاج لدى عموم السوريين، بينما أبدت قلة لدوافع مختلفة “قلقها”، وشعرت فئات بأنها متضررة، وبدأت حالة الاشتراطات على الإدارة الجديدة، وبصيغة “ما يتوجب” تنفيذه من الإدارة، اشتراطات ظاهرها شيء يتلطى خلف مطالب مختلفة، وجوهرها رفض النظام الجديد تحت حجة أنه تكفيري وأنه سيقتل الجماعات الدينية في ترداد لدعايات الأسدية، على الرغم من التطمينات الكثيرة التي قدمتها الهيئة الحاكمة في الفترة الأولى، تطمينات لاقت رفضاً شعبياً خاصة بقضية التسامح مع القتلة.
تمثلت الاشتراطات بقسم من الجماعات الدينية (العلويين والدروز) من جهة، والعرقيات (الأكراد ممثلة بقسد التي يقودها حزب الاتحاد الديمقراطي ذو البنية الأمنية والعقلية الشمولية)، فظهر اسم الشيخ الهجري رافعاً من سقف المطالب، ورافضاً التعاون مع الحكم الجديد، بحجة أنه يخضع لتنظيم تكفيري، واضعاً الشرط تلو الآخر، مستغلاً حالة الحكم الوليد والتهديدات الإسرائيلية التي توهمه وغيره أنها ستحميه، فبدأت بإطلاق التصريحات حول حماية الدروز، سواء في السويداء أو حتى في ضاحية جرمانا (دمشق)، وأنها لن تسمح بنشر الجيش السوري جنوب دمشق، حيث عدّها الهجري وكأنها دعم له أو لأجله غير مدرك أن السياسة الإسرائيلية لا تُرسَم من أجل قلة من المأجورين، وأن مصلحة إسرائيل هي عدم قيام نظام وبلد قويين في سوريا، لا اليوم ولا غداً، ومع ذلك، فإن وهم الهجري الذي يستظل بتلك العنجهية الإسرائيلية قد يضاعف حالة الاستقطاب الديني أكثر ويمهد لاقتتال أطول.
إضافة لحركة الهجري، كانت حركة التمرد في الساحل، بقيادة ضباط سابقين من قوات الأسد وبدعم إيراني، التي كادت أن تدخل البلاد بحالة من الاقتتال الطائفي المرعب، فكانت عمليات القتل لقوات الحكومة من جهة ولأبناء الطائفة بالمجان، قتل يغذيه حالة الاحتقان الطائفي في البلاد التي غرسها نظام الأسد.
عكست حركة الهجري وتمرد الساحل حالة الاحتقان الطائفي المزمن، فغدا الحديث إضافة للقتل بناء على تصنيف “نحن” و”هم” من جهة، ومن جهة أخرى، عكس ضعف الدولة الجديدة وكشف التحديات الكبرى أمامها، وأهمّها عملية توحيد الفصائل العسكرية تحت هيكل واحد، وتخليصها من الحالة الفصائلية التي مثلت أهم المشكلات أمام الدولة الوليدة.
الاشتراط الأخير أتى من مجموعة الأحزاب الكردية وقوات (قسد) بقيادة حزب الاتحاد الديمقراطي التي تسيطر قواته على ربع مساحة البلاد وأهمّ ثرواته، وتمتلك قوة عسكرية كبرى مدعومة من الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية، وذلك من خلال الاجتماع الأخير في القامشلي، وما صدر عنه من بيان تصعيدي يرفع سقف المطالب الكردية، مناقضاً الاتفاق بين الشرع وعبدي، حيث تزامن البيان هذا مع رفع سقف مطالب الهجري، وصولاً إلى رفض التعامل مع الحكومة الجديدة ما لم تنصَع لشروطه.
لا شك أن الأكراد تعرضوا لكثير من المظالم والانتهاكات على مستويات المختلفة، ويتطلب الأمر إنصافهم بالكامل من خلال الإطار الوطني الديمقراطي الذي يضمن حقوق وحرية وكرامة الأكراد، ضمن أشكال يتم التوافق عليها، بعيداً عن المطالب التي تؤسس لكيانٍ معطل على طريقة حزب الله في لبنان.
ما تكشفه الصراعات والتمردات الأخيرة في البلاد بوجه الحكومة الجديدة هو عمق حالة التطييف والانقسامات في البلاد، التي رسخها نظام الأسد من خلال الامتيازات التي قدمها، ومن خلال بنية أجهزة القمع لديه، سواء الجيش أم المخابرات التي كانت تعمم العنف في مناطق وتخصصه في أخرى تبعاً للتركيبة السكانية، ناهيك عن خلق فئة من رجال المحسوبية ضمن تلك الطوائف المرتبطة عضوياً مع نظام الأسد، التي تشربت العداء للسنّة، من خلال تصويرهم كجماعة “متخلفة” ومنبع لـ “الإرهاب” و”تكفيريين”، وغير ذلك من التهم التي تبرر عمليات القتل الجماعية بحقهم، هذه الحالة مهدت التربة لنشوء جماعات تكفيرية وفق خطاب وممارسة طائفية تدعي احتكار مظلومية السنة، وتصور الصراع على أساس طائفي فقط ناسفة أسبابه الأخرى، وأهمها الاستبداد وتغييب الحريات وهدر كرامة الناس.
بالطبع، لا يمكن فصل ما يحدث في الداخل من حركات تمرّد ومطالبات عن صراعات القوى الإقليمية والدولية على سوريا، فإيران التي خسرت “واسطة العقد” في محورها المقاوم لن توفر أي جهد لزعزعة الوضع، وكذلك إسرائيل التي لن تسمح بوجود قوي لتركيا في جوارها، خاصة بعد إنهاء الوجود الإيراني، ناهيك عن الصراع العالمي بين أميركا والغرب من جهة، والصين وروسيا من جهة، على الهيمنة، لكن ما يتوجب علينا فهمه أن تلك الدول تتصارع وفقاً لمصالحها وأمنها، وليس من أجل السوريين، ربما ما يلزمها منهم هو الديكور أو الاستخدام المؤقت المأجور.
أمام الواقع السوري الذي تنخره الصراعات، وأهمّها الطائفي الذي برز مؤخراً والذي يصعب نكرانه وتجاوزه، يجب على الجميع، وأولهم الدولة الوليدة، معالجة الأمر سياسياً -كون أساس التطييف سياسياً وليس دينياً- وهذا يستدعي أولاً مشاركة أوسع القطاعات في عمليات البناء، فعلاً لا قولاً، في عملية بناء أجهزة الدولة، والعمل على فرض القانون على الجميع، وخاصة على من خلال القضاء وأجهزة إنفاذ القوانين، وخاصة على كبار القتلة أولاً وعلى ما يطلق عليهم الجماعات “المنفلتة”، وإطلاق حوار سياسي واسع في البلاد حول أهم القضايا، والعودة عن القرارات الخاطئة، إن تبيّن عدم رضا الناس عنها.
الأمر الأكثر أهمية هو عدم التعامل مع الجماعات الدينية أو الإثنية كجماعة متماسكة، فلا حركة الهجري تمثل الدروز، ولا مجلس الطائفة العلوي يمثل العلويين، ولا حزب الاتحاد الديمقراطي، ومن باب أولى لا يمثل السنة أي تنظيم أو جماعة سياسية، وينبغي التعامل كمواقف سياسية وتيارات لها مصالح وارتباطات ومطالب سياسية، مما يسهّل حتى عزلها وتجنب المزيد من الخسائر، وبالتالي تحويل حتى
الصراعات إلى عملية سياسية تحكمها القوانين، بعيداً عن الصراع على أسس هوياتية يمكن أن يفتح باب الجحيم من جديد على البلاد.
تلفزيون سوريا
—————————-
كي لا ننسى: ماذا ترك لنا آل الأسد؟/ د. فيصل القاسم
لو أحصينا عدد الشعارات التي رفعها النظام السوري الهارب والتي تدعو إلى الوحدة على الصعيدين الداخلي والعربي على مدى أكثر من ستين عاماً لوجدنا أمامنا آلاف الشعارات التي كانت تغطي جدران سوريا من أقصاها إلى أقصاها، فقد كانت تلك الشعارات «الوحدوية» تحاصر السوريين من كل حدب وصوب، وكانت ترفرف على واجهات المدارس والجامعات والمؤسسات الحكومية وخلفيات السيارات. وليس عندي شك أن تلك الشعارات أو الأقمشة واللوحات الخشبية والمعدنية التي استخدمها النظام لكتابة تلك الشعارات عليها كلفت ملايين الدورات من الميزانيات السورية على مدى عقود. وحدث ولا حرج عن الخطاب الإعلامي الذي ساد فترة حكم آل الأسد، فقد كان يفطر السوريون «وحدة»، ويتغدون «وحدة» ويتعشون «وحدة» ويتحلون «وحدة» برز بحليب، مع ذلك اكتشفنا بعد سقوط النظام أن «الوحدة» التي كان يروجها النظام ووسائل إعلامه وتُقحمها على نواظرنا ومسامعنا ليل نهار كانت لذر الرماد في العيون والضحك على الذقون، فقد كان حافظ الأسد ومن بعده ابنه الموتور ألد أعداء الوحدة بمفهوميها السوري والعربي، فكيف يمكن أن تكون نظاماً طائفياً وأقلوياً وعصبوياً وفي الآن ذاته نظاماً وحدوياً. مستحيل، فهناك تناقض طبيعي بين الوحدة والعصبية السياسية أو الطائفية.
لا شك أن معظم السوريين يعرفون أن النظام الساقط كان يمارس التفرقة ودق الأسافين والتطييف داخل الطائفة التي كان يزعم أنه ينتمي إليها ألا وهي الطائفة العلوية. مخطئ من يعتقد أن العلويين كانوا كتلة واحدة، لا أبداً، بل كان داخلها أفخاذ وعشائر متناحرة مثلها مثل كل الطوائف والمذاهب الأخرى، فليس كل العلويين كانوا بمرتبة واحدة لدى آل الأسد، بل كانت هناك عائلات وعشائر، بعضها كان يحظى بالعناية والرعاية، والبعض الآخر كان منبوذاً ومغضوباً عليه. وقد كان آل الأسد يعادون بعض العشائر العلوية أكثر مما يعادون الطوائف والمذاهب السورية الأخرى، وبالتالي فإن كل الشعارات الوحدوية التي ضحكوا بها على السوريين على مدار حكمهم كانت شعارات مزيفة وكاذبة. وكل السوريين يعرفون أن النظام القومجي الوحدوي المزعوم كان يرفع شعارات عربية عريضة تدعو إلى توحيد العرب من المحيط إلى الخليج، بينما في الحقيقة كان يحكم على أساس دون الطائفي، أي أنه لم يكن حتى طائفياً بالمعنى الشامل للكلمة، بل كان يضرب مكونات الطائفة الواحدة وحتى العائلة الواحدة بعضها ببعض.
ولم تقتصر هذه اللعبة القذرة على التلاعب بأطياف الطائفة العلوية فحسب، بل انسحب على بقية الطوائف والمذاهب. وكانت لعبة النظام المفضلة تخويف مكونات الشعب السوري من بعضهم البعض ودق الأسافين بينهم وجعلهم مرتابين من الآخرين على الدوام. وأتذكر مثلاً أن رئيس المخابرات العسكرية في المنطقة الجنوبية الضابط سيئ الصيت وفيق ناصر كان يفعل كل ما بوسعه لضرب الموحدين الدروز بجيرانهم المسلمين في حوران المجاورة، لأنه هو ونظامه الهالك كان يخشى أي نوع من التعاضد والتلاحم بين أي مكوّنيّن سورييّن، فقد كان وفيق ناصر يأتي إلى الشباب الدروز في السويداء ويقول لهم إن أهل درعا سيهجمون عليكم وسيقتلونكم وسيهدمون منازلكم، لهذا من الأفضل لكم أن تتحالفوا معنا كي نحميكم من غدر جيرانكم. وكان يفعل الشيء نفسه مع سكان درعا ليحرضهم على جيرانهم الموحدين الدروز، مع ذلك فقد فشل النظام في تأليب الدروز على أهل حوران والعكس صحيح. ولعل أخطر الأسافين التي دقها النظام كانت بين العلويين وبقية مكونات الشعب السوري، فقد كان يدعمهم لترهيب السوريين والتنمر والتسلط عليهم حتى من خلال اللهجة العلوية وحرف القاف تحديداً، فقد كان بقية السوريين على مدى نصف قرن يرتعبون عندما يسمعون شخصاً يتحدث باللهجة العلوية المتسلطة، لأنه كان يمثل وقتها إرهاب السلطة وجبروتها وإجرامها. لم يكن حافظ الأسد ولا ابنه من بعده يهمه مدى الضرر الذي سيقع على الطائفة العلوية بعد سقوطه. لقد كان يستخدمها فقط لتحقيق أطماعه السلطوية ضد السوريين، وليأتِ الطوفان عليها بعد سقوطه. وهذا ما حصل، ولا شك أن المكونات السورية تحتاج زمناً طويلاً كي تدفن أحقادها لأن حجم الحقد والكراهية التي زرعها آل الأسد بين السوريين كان مرعباً للغاية.
وقد تندر الكاتب السوري الراحل نبيل فياض الذي كان أحد أذرع أجهزة الأمن لتفكيك المجتمع السوري، تندر بعد اندلاع الثورة قائلاً أمامي: «عجيب يا أخي، خمسون عاماً من الشعارات الوحدوية والبعثية والأدلجة الحزبية والتلقين والتدجين لم تنجح في جمع السوريين على قلب رجل واحد، لا بل إن النظام فشل حتى في جمع السوريين حول أي شخصية وطنية أو قيادية، بدليل أن غالبية السوريين راحوا يتجمعون ويلتفون حول قياداتهم الطائفية والمذهبية والدينية والقبلية والعشائرية، بدل التجمهر حول قائد وطني جامع». طبعاً لم يكن ذلك مفاجئاً، فقد كان الهدف الأول والأخير للنظام الذي كان يتشدق بالشعارات الوحدوية زوراً وبهتاناً تفريق السوريين وتأليبهم على بعضهم البعض كي يعيش هو على تناحرهم وتناقضاتهم، ولعلنا نتذكر أنه في بداية الثورة فإن كل الشعارات الطائفية التي انتشرت آنذاك كانتشار النار في الهشيم كانت من صناعة أجهزة المخابرات السورية، وخاصة شعار «المسيحي على بيروت والعلوي على التابوت»، وذلك لضرب السوريين بعضهم ببعض كي تفشل ثورتهم ضد النظام الغاشم. باختصار، فإن النظام الساقط لم يحرق فقط الشجر والحجر، بل دمر أيضاً النسيج الوطني نفسه.
وعندما تنظر اليوم للأسف إلى التفكك الخطير للمجتمع السوري لا بد أن تسأل: هل يقف الذباب الإلكتروني فعلاً وراء السُعار الطائفي والصراعات العقدية والتناحر الاجتماعي المتفشي على مواقع التواصل الاجتماعي هذه الأيام، أم إن كل ذلك من رواسب ومخلفات وإرث نظام البعث البائد؟
كاتب واعلامي سوري
القدس العربي
—————————-
إرث الطائفية.. سلاح يهدد مساعي السوريين لبناء دولتهم/ علاء الدين الكيلاني
9/5/2025
بعد 6 عقود من حكم حزب البعث، وهيمنة عائلة الأسد على السلطة في سوريا، يتركز اهتمام السوريين على بناء دولة وطنية ديمقراطية، تتوفر فيها شروط الحياة الكريمة، على الرغم مما يواجهونه من تحديات، وواقع معيشي مثقل بالهموم والمصاعب.
وحذر خبراء من أن الطريق إلى هذا الهدف لا يزال يواجه عوائق كثيرة، فبالإضافة إلى إرث الرئيس المخلوع بشار الأسد وتداعياته على بلد خرج لتوه من الجحيم، ولا يزال يعاني من أزمة إنسانية متواصلة منذ 2011، تواجه سوريا هجمة مضادة، تسعى من خلالها فلول النظام السابق إلى جانب قوى محلية وجهات خارجية إلى تقويض ما أنجزته الثورة، وصبغ المرحلة الانتقالية بصبغة طائفية، تمهيدا لإنشاء كيانات تخدم مصالحها وتوجهاتها.
سياسة الأسد الطائفية
يوارى أحمد، خلفَ هدوئه، وهو يتحدث، أوجاع سنوات من القهر والعذاب، فقد فر مع عائلته إلى تركيا إثر تعرض أحياء مدينة حمص الثائرة وسط البلاد لقصف بري وجوي حوّلها إلى ركام.
وبعد سقوط الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول الماضي، استفاد كغيره من السوريين الخاضعين للحماية المؤقتة في تركيا، من تسهيلات قدمتها الحكومة التركية، سمحت لهم بزيارة مدنهم الأصلية، والاطمئنان على سلامة أوضاعها، قبل أن يقرروا العودة ومغادرة تركيا بشكل طوعي.
وتحدث أحمد للجزيرة نت عما شاهده قائلا “رأيت منزلي مجرد أطلال، الحياة شبه معدومة داخل الحي بسبب الخراب، وعلى مشارف أحياء أخرى تتمركز قوات الأمن العام تراقب بحذر حركة السيارات دون إزعاج، بعد أن تعرض بعض عناصرها لكمائن محكمة من قبل فلول النظام السابق، أسفرت عن مقتل العشرات”.
وخلال الفترة التي قضاها، شنت تجمعات عسكرية لفلول النظام السابق في مدن مجاورة لمدينته هجمات مسلحة على عناصر الأمن العام ومقرات الحكومة، ما دعاه ليؤكد أن ما يجري لا يشكل تهديدا أمنيا فحسب، بل من شأنه تفكيك المجتمع، رغم هشاشة تماسكه متأثرا بإرث سياسة الأسد الطائفية.
وكانت مدن الساحل السوري إلى جانب أحياء في حمص يقطنها علويون قد شهدت خلال الأشهر الثلاثة الماضية، اشتباكات وتوترات طائفية على إثر هجمات مسلحة شنها موالون للأسد على قوات الأمن العام أدت إلى مقتل المئات.
وامتدت التوترات والصدامات مؤخرا إلى مناطق بريف دمشق تسيطر عليها مليشيات درزية إثر سجالات من التصريحات الطائفية، تخللها تدخل إسرائيلي.
طريق المستقبل ليس ممهدا بالكامل
بعد عقود من حكم الاستبداد، بات السوريون يأملون أن يشكل انهيار نظام الأسد فرصة ثمينة لتجسيد ما دعت إليه ثورتهم ضد النظام السابق، بالانتقال إلى دولة ديمقراطية، تضمن الحرية والكرامة للجميع، وتصون وحدة أراضيها.
ويخشى كثيرون -بحسب منشورات على منصات التواصل الاجتماعي- من أن يفسد الحراك الطائفي والمناطقي عليهم فرحتهم بسقوط الأسد، أو يحبط ما تبقى لديهم من طموحات وآمال بمستقبل أفضل.
وفي هذا الإطار، استبعد الخبير الحقوقي عبد الملك الأحدب أن تمتلك الحكومة المؤقتة حلا سحريا لمشكلات سوريا الراهنة في ظل استمرار العقوبات التي فرضها الغرب على النظام السابق.
وأشار الأحدب، في حديثه للجزيرة نت، إلى أن الطريق نحو المستقبل ليس ممهدا بالكامل، إذ تعترضه تحديات، منها:
الوضع الحياتي، حيث يحتاج الاقتصاد إلى رافعة تمكن البلد من تلبية متطلبات نهوضه وإعادة إعماره، ومن ثم تهيئة الظروف لعودة ملايين اللاجئين.
أزمة الأقليات، التي انحرف بعض من تصدروا لتمثيلها على خلفية انفصالية للاستقواء بدول أجنبية، من بينها إسرائيل.
التحدي الخارجي، ويتصل بالعقوبات التي ما زال الغرب يفرضها، ويربط رفعها بمطالب قد تمس سيادة الدولة.
إلى جانب ما تشكله هجمات إسرائيل العسكرية، واستثمارها الجانب الطائفي من الأزمة الداخلية، من خطر يهدد الأمن القومي السوري.
السرديات الطائفية تدعم الفلول
وانتقد الأحدب السردية التي تروجها الأطراف المتضررة من سقوط الأسد، معتبرا أن “ما يتم تصويره كصراع طائفي أو مواجهة بين أغلبية سنية وأقليات المجتمع السوري، هو تضليل خطير، يراد منه توجيه رسالة للغرب مفادها أن الأقليات تتعرض لمذابح على يد الإسلاميين (النظام الجديد) وعلى المجتمع الدولي إنقاذها”.
ويتفق ما طرحه الخبير الأحدب، مع ما ذهب إليه الباحث في معهد دراسات الحرب، رايان كارتر، حيث أوضح في تقرير أن السرديات الطائفية التي تنشرها جهات مناهضة لحكومة أحمد الشرع، تدعم أهداف المتمردين.
وحث الحكومات الغربية على توخي الحذر عند تقييم العنف الناشئ، لأن الجهات الفاعلة في سوريا والمنطقة تحاول دعم روايات المتمردين -عن قصد أو بغير قصد- المصممة لتقويض النظام الجديد.
كما كشف كارتر وجود حسابات شعبية على مواقع التواصل الاجتماعي، بعضها باللغة الإنجليزية، تنشر محتوى يهدف إلى تأجيج هذا التوتر. ومن المرجح -بحسب رأيه- أن يكون هدفها هو نزع الشرعية عن الحكومة لدى الجمهور الأجنبي، وتعزيز مشاعر الخوف والحرمان الكامنة لدى العلويين.
إسرائيل في عمق المشهد
لطالما ادعت إسرائيل -التي ربطتها مع النظام المخلوع تفاهمات فرضت استقرارا يحفظ أمنها- وقوفها على الحياد من المذابح والمجازر التي كان يرتكبها الأسد بحق شعبه طوال الأعوام الماضية.
دفع سقوط النظام السابق المدوي على يد الثوار الإسلاميين، إسرائيل إلى العودة لسياسة كانت قد استخدمتها سابقا في العراق ولبنان، ترتكز في مبادئها على إضعاف خصومها، وشل قدراتهم، وتشجيع الأقليات على إنشاء كانتونات تخدم مصالحها.
وذكرت صحيفة وول ستريت جورنال، نقلا عن مصادر لم تسمها، أن تل أبيب تعمل حاليا على إقناع القوى العالمية بدعم فكرة تبني الدولة الناشئة في سوريا، نظاما اتحاديا، يضم مناطق عرقية مستقلة، مع جعل المناطق الحدودية الجنوبية منزوعة السلاح، معتبرة “سعي الإسلاميين لتوحيد سوريا إنما يشكل تهديدا لها”.
وفي المقابل، ذهب يائير رافيد رافيتز، رئيس فرع عمليات الموساد في بيروت، إلى أبعد من ذلك، عندما طلب من حكومته التعاون مع الأقليات السورية لمواجهة من أسماهم أعداء اسرائيل.
وذكر لصحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية، وجود تنسيق يجرى على الأرض بين إسرائيل والدروز، شارحا، أنه رغم غياب المعلومات المؤكدة لديه، إلا أنه يقدّر، استنادا إلى معرفته، أن الأسلحة الإسرائيلية تنقَل بالفعل إلى محافظة السويداء.
واستعرض رافيتز خطط تل أبيب المستقبلية لاستخدام الأكراد والعلويين في تحقيق أهدافها، مؤكدا -وفق الصحيفة- أن الظروف مهيأة لدعم الحركة الكردية في سوريا سرّا، وحتى تزويدها بالسلاح. أما بالنسبة للعلويين، فيرى أنه من المناسب تقديم دعم سري لهم، وتزويدهم بالسلاح والمعدات “لاستنزاف دماء أعدائنا الرئيسين في سوريا حاليا، وهم السنة المنتمون لتنظيم القاعدة”.
“كفوا عن مناصرة الأقليات”
بَيد أن حدثا مهما كشف جانبا من الوضع السائد، وقدم صورة مغايرة للسردية الرائجة حول حقيقة الأوضاع في سوريا. ففي فبراير/شباط الماضي، التقت رئيسة الأمانة الدولية للحرية الدينية، نادين ماينزا، بطاركة وأساقفة وقساوسة مسيحيين أثناء زيارتها لدمشق برفقة وفد رسمي يمثل منظمات دولية.
ونقلت ماينزا عن رجال الدين المسيحيين في سوريا قولهم “على الغرب أن يكف عن مناصرة وحماية الأقليات في سوريا، لأن من شأن ذلك أن يعزز الرواية الخطيرة التي استخدمها الأسد، وقسمت سوريا إلى أغلبية وأقلية. وبدلًا من ذلك، عليه السعي للاعتراف بهم كعناصر متساوية في المجتمع حتى ولو قلت أعدادهم”.
وذكرت ماينزا في تقرير أعدته عن الزيارة، ونشره مركز ويلسون، الذي يقدم المشورة والرؤى حول الشؤون العالمية لصناع القرار في الولايات المتحدة، أنها استمعت لأغلب الحضور، وكان من جملة ما أكدوا عليه أن معظم جيرانهم المسلمين السنة يرفضون الطائفية والعنف، وأنه في فترة ما قبل حكم الأسد، عاشت الطوائف الدينية والعرقية المتنوعة في سوريا معًا في سلام نسبي، ويأملون استعادة هذا التاريخ.
وأكدوا كذلك أن تأجيج التوترات الطائفية الذي أثبت فشله في العراق بعد الإطاحة بصدام حسين، غذى عدم الاستقرار بدلًا من تعزيز التعافي، ودعوا إلى عدم تكرار نظام المحاصّة العراقي أو النظام الطائفي اللبناني، خشية أن يرسّخ الانقسامات الطائفية نفسها.
وأفادت ماينزا بأن هناك إجماعا على الحاجة الملحة لرفع العقوبات، إذ تنذر الأزمة الاقتصادية المتفاقمة في سوريا بالتحول إلى مجاعة جماعية. وقالت “أعرب معظم الذين قابلتهم عن امتنانهم للرئيس أحمد الشرع الذي أطاح بالأسد، على الرغم من وجود مخاوف جدية لديهم بشأن صِلاته القديمة”.
من وجهة نظر الكاتب البريطاني، سيمون تيسدال، الذي يرى في تدخل القوى الأجنبية بالشأن السوري أمرا قد يعرض ثورة السوريين للخطر، بدأت سخرية المواقف الحالية تخطف الأنفاس. فالأصدقاء والجيران تكالبوا كالذئاب المفترسة، على جثة نظام البعث المخلوع، التي لا تزال تنتفض، وإذا لم يتم كبح جماحهم -كما يرى- فقد يمزقون سوريا من جديد.
وأوضح في مقال، نشرته صحيفة غارديان البريطانية، أن على القوى الأجنبية أن تدع سوريا وشأنها، وترْكَ أمر مستقبل السوريين للسوريين.
وأضاف “ليس للمجتمع الدولي الحق بإبداء رأيه بعد 13 عاما من الفشل في سوريا، خصوصا أن “تدخلات الغرب الجبانة” أجّجت الحرب، وأمام القيادة الحالية العديد من المصاعب، من إعادة اللاجئين والتخلص من الألغام إلى إصلاح اقتصاد البلاد المتهالك والتعافي من السنوات السابقة.
وتساءل تيسدال “كم سيكون من المنعش أن يثق العالم ولو لمرة واحدة فقط بشعب تحرَّر للتوّ، كي يرسم طريقه نحو العدالة والمصالحة وإعادة الإعمار بعيدا عن التدخل الخارجي؟”.
المصدر : الجزيرة
——————————–
إعلام عبري يكشف تفاصيل ثلاثة اجتماعات بين مسؤولين سوريين وإسرائيليين في أبو ظبي
2025.05.09
كشفت صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية عن عقد ثلاثة اجتماعات سرية بين ممثلين عن الحكومة السورية وإسرائيل في أبو ظبي، بوساطة من الإمارات، لمناقشة ملفات أمنية واقتصادية حساسة.
وفي تقرير لها، قالت الصحيفة إن ممثلي الجانبين عقدوا حتى الآن ثلاثة لقاءات داخل منزل أحد كبار المسؤولين الإماراتيين في أبو ظبي، ناقشوا خلالها الغارات الجوية والعمليات البرية التي ينفذها الجيش الإسرائيلي داخل الأراضي السورية، وقضايا أخرى متعلقة بالوضع الأمني على الأرض والتعاون الاقتصادي.
وأشارت الصحيفة العبرية إلى أن وزارة الخارجية الإماراتية نفت الوساطة في المحادثات، إلا أن الرئيس السوري، أحمد الشرع، أكد وجود محادثات غير مباشرة جرت بوساطة دولة ثالثة من دون أن يسميها، لكن كُشف لاحقًا أن هذه الدولة هي الإمارات.
“مناقشات أولية وغير ملزمة”
وذكرت الصحيفة أن الرئيس السوري أوضح أن الهدف من المحادثات بين أكاديميين إسرائيليين سابقين في الأجهزة الأمنية وثلاثة مساعدين مقربين من الشرع هو مناقشة مسائل أمنية، مشيرة إلى أنه حتى الآن عُقدت ثلاثة اجتماعات في مقر إقامة عضو بارز في القيادة الإماراتية في أبو ظبي.
وأشارت إلى أن الإسرائيليين والسوريين جلسوا حول نفس الطاولة، المليئة بمجموعة غنية من المرطبات، والتي كان مضيفوهم الإماراتيين يأملون أن تخلق أجواء هادئة.
وقال مسؤول إسرائيلي رفض تأكيد حضوره للمحادثات إن “الوسطاء الإماراتيين يتمتعون بالصبر والخبرة المثبتة”.
وأضاف المصدر الإسرائيلي أنه “كانت هناك مناقشات أولية وغير ملزمة”، مشيراً إلى أن الجانبين سيقدمان بعد ذلك تقاريرهما إلى رؤسائهما.
ولفتت مصادر الصحيفة إلى أن أعضاء الوفد السوري الستة، الذين حصلوا على إذن رسمي للمشاركة في المحادثات، تحدثوا عن صورة قاتمة للوضع في سوريا.
“دولة إسرائيل” وليس “الكيان الصهيوني”
وقالت “يديعوت أحرونوت” إن الوفد السوري طالب بوقف الغارات الجوية على سوريا، ومنح القيادة الجديدة وقتًا لترتيب شؤونها الداخلية.
وأوضحت مصادر الصحيفة أن السوريين اشتكوا من عمليات جيش الدفاع الإسرائيلي داخل سوريا واحتلاله تسع قمم تلال ترفض إسرائيل الانسحاب منها، وطلبوا من نظرائهم السماح للقيادة الجديدة بترسيخ نظام داخلي جديد، واشتكوا من الأزمة الاقتصادية الخانقة.
وأشارت المصادر إلى أنه في الاجتماع الأخير، نقل السوريون عن الرئيس الشرع قوله إن سوريا لا مصلحة لها في الصراع مع جيرانها، بما في ذلك إسرائيل.
وكشف مسؤولون إسرائيليون أنه على عكس نظام الأسد السابق، يستخدم الرئيس السوري الجديد مصطلح “دولة إسرائيل” وليس “الكيان الصهيوني”.
“دفء تجاه الإسرائيليين”
وعُقدت الجلسة الأخيرة من المفاوضات بعد زيارة الرئيس الشرع إلى أبو ظبي في 13 نيسان الماضي، وأكد أحد المسؤولين السوريين أن طرد إيران وعدم السماح لها بالعودة دليل قاطع على مواقف الحكومة السورية الجديدة.
وقالت الصحيفة العبرية إن اللقاءات بين الجانبين تهدف إلى مواصلة الحديث والانتقال إلى المسائل الاقتصادية، وخيارات إسرائيل في توفير الخبرة الطبية ودعوة الطلاب السوريين للتخصص في إسرائيل، فضلاً عن مسائل أخرى تهم القيادة والشعب السوري.
من جانب آخر، ناقش الوفدان ما وصفته الصحيفة “هشاشة وضع الدروز في سوريا”، وقالت إن الوفد الإسرائيلي أكد أن الدولة العبرية لن تتسامح مع الهجمات على الدروز الذين تعتبرهم “إخوتنا في الدم”.
ونقلت الصحيفة العبرية عن أعضاء من الوفد الإسرائيلي قولهم إن تصريحات الشرع بأن سوريا لا تسعى إلى صراع مع جيرانها، بما في ذلك إسرائيل، كان إيجابياً، ولكنه غير كافٍ.
وأشارت “يديعوت أحرونوت” إلى أن خبراء إسرائيليين وسوريين في مجال الدفاع والاقتصاد التقوا مؤخراً، في مؤتمرات دولية عقدت في أوروبا، أعرب خلالها ممثلو الحكومة السورية الجديدة عن “دفئهم تجاه الإسرائيليين”.
———————————–
صحيفة تنقل شروط التفاوض بين سوريا وإسرائيل
ذكرت صحيفة “يدعوت أحرنوت” الإسرائيلية تفاصيل من مفاوضات جرت بين وفد سوري وآخر إسرائيلي في الإمارات، والتي شهدت مناقشات في الوضع الأمني بين البلدين.
وقالت “يدعوت أحرنوت” إن وفدًا حكوميًا سوريًا اجتمع مع أكاديميين إسرائيليين من خلفية أمنية على طاولة واحدة في العاصمة الإماراتية أبو ظبي.
وقالت الصحيفة، مساء 8 من أيار، إن الإمارات استضافت بأحد المقرات الحكومية ثلاثة لقاءات جمعت أكاديميين إسرائيليين من خلفية أمنية مع ثلاثة من مساعدي الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية أحمد الشرع.
ووفق الصحيفة، طلب السوريون، بحضور وسطاء من أبو ظبي، في تلك المحادثات أن تمنح إسرائيل الشرع “وقتًا للاستعداد وتثبيت نظام داخلي جديد داخل سوريا”.
وطالبوها “بحزم” بوقف الهجمات الجوية على أراضيهم.
وخلال الاجتماع، نقل السوريون للجانب الإسرائيلي عن الشرع قوله، إن سوريا ليست لها مصلحة في الصراعات مع جيرانها، بما في ذلك إسرائيل.
بالمقابل، ناقش الإسرائيليون الهجمات على الطائفة الدرزية في سوريا وقالوا إن إسرائيل لن تتحمل الهجمات على الدروز الذين هم “إخواننا في الدماء” وفق تعبيرهم.
وحول تصريح الشرع بأن سوريا لا تبحث عن صراع مع جيرانها، بما في ذلك إسرائيل، قال أعضاء الفريق الإسرائيلي، إنه كان “إيجابيًا، لكنه لم يكن كافيًا”.
تركيز على الأمن
لم تحدد الصحيفة الإسرائيلية موعد اللقاء الذي جرى بالإمارات، إلا أنها أشارت إلى أن آخر المباحثات جرت بعد زيارة الرئيس السوري الشرع إلى الإمارات، في 13 من نيسان الماضي.
وركّز الجانبان، السوري والإسرائيلي على الوضع الأمني، مؤكدين أن الجانب السوري “قضى تمامًا على الإيرانيين” الذين كانوا يؤرقون إسرائيل، ويهددونها من الحدود السورية.
وبحسب الصحيفة الإسرائيلية، الهدف هو مواصلة الحديث والانتقال إلى المسائل الاقتصادية، وخيارات إسرائيل لتوفير المعرفة الطبية ودعوة الطلاب السوريين للتخصص في إسرائيل، بالإضافة إلى أمور أخرى تهم القيادة السورية والشعب السوري.
وكانت وكالة “رويترز” نقلت عن ثلاثة مصادر لم تسمهم، في 7 من أيار الحالي، أن الإمارات العربية المتحدة أنشأت قناة للمحادثات بين إسرائيل وسوريا.
وقالت إن الاتصالات غير المباشرة التي لم يعلن عنها من قبل، تركز على مسائل الأمن والاستخبارات وبناء الثقة بين سوريا وإسرائيل اللتين لا تربطهما علاقات رسمية.
ووصف أحد المصادر للوكالة، الجهود التي بدأت بعد أيام من زيارة الشرع، إلى الإمارات، بأنها تركز حاليًا على “المسائل الفنية”، وقال إنه لا يوجد حد لما قد يناقش في نهاية المطاف.
مسؤولون سوريون في إسرائيل
صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية نقلت عن مصادر سورية غير حكومية، أن إسرائيل على اتصال مباشر مع النظام السوري، مضيفة، أن وفدًا من المسؤولين السوريين، بينهم مسؤولان رفيعو المستوى، زاروا إسرائيل مؤخرًا.
وقالت الصحيفة إن الزيارة التي وصفتها بـ”السرية” جرت في نهاية نيسان الماضي، واستمرت عدة أيام التقى خلالها أعضاء الوفد بمسؤولين أمنيين إسرائيليين.
وكان الرئيس السوري الشرع، صرّح خلال مؤتمر صحفي مع نظيره الفرنسي إمانويل ماكرون، في 7 من أيار، أن مفاوضات غير مباشرة تجري مع إسرائيل لتهدئة الأوضاع، وإيقاف التدخلات الإسرائيلية.
وتتعامل إسرائيل مع الحكومة السورية الجديدة بعداوة بسبب خلفية الأخيرة الجهادية، وتقوم بقصف متكرر لأهداف داخل سوريا.
وطالت إحدى الغارات الجوية الإسرائيلية القصر الجمهوري بدمشق.
وازداد المشهد الإسرائيلي- السوري، تعقيدًا بعد توترات شهدتها المناطق التي تحوي غالبية من الطائفة الدرزية، وهددت إسرائيل عدة مرات الحكومة السورية الاقتراب من القرى الدرزية.
—————————–
صحنايا والأشرفية: الدولة بسطت سيطرتها الكاملة/ محمد كساح
السبت 2025/05/10
يختلف حضور الدولة السورية في كل من صحنايا وأشرفية صحنايا بريف دمشق، عن حضورها المحدود في محافظة السويداء، من خلال السيطرة الكاملة للأمن العام على البلدتين وعمليات تسليم السلاح الموسعة التي يشرف عليها الأمن العام بعد دخوله إليهما، عشية اندلاع أحداث عنف دامية نفذتها مجموعات مسلحة بدون مسميات واضحة حتى الآن.
وأفاد مصدر أمني مطلع “المدن”، بأن قرابة 300 شخص قاموا بتسليم أسلحتهم للأمن العام في مركز البلدية ببلدة صحنايا، بعد أن فرض الجهاز الأمني سيطرته عليها متسلماً زمام الأمور وحده دون تدخل أي فصيل أو مجموعة محلية، بالتزامن مع مغادرة جميع الفصائل المحلية البلدتين باتجاه السويداء.
لكن بالرغم من ذلك يؤكد المصدر انضمام العشرات من أبناء البلدتين إلى جهاز الأمن العام، حرصاً على ضبط الواقع الأمني وتلافي الحوادث والاشتباكات التي جرت في المنطقة مؤخراً.
ويقول المصدر الأمني إن الجهاز الأمني التابع للدولة، قام بجمع كمية كبيرة من الذخائر والقنابل التي وجدت مرمية في طرقات المدينة وبالقرب من حاويات القمامة، ما شكل خطراً على السكان الذين أبدوا رغبة واضحة في حفظ السلم الأهلي وسيطرة الدولة على المنطقة بشكل تام.
داريا.. تدخل إيجابي
وبدا التدخل الإيجابي من منطقة داريا المتاخمة لكل من صحنايا وأشرفية صحنايا، ملموساً في أثناء وعقب أحداث العنف التي شهدتها المنطقة، حيث أجرى مدير منطقة داريا جميل مدور، جولات مكوكية اجتمع خلالها مع الوجهاء ورجال الدين والمسؤولين المحليين، كما شهدت داريا اجتماعاً ضم مشيخة العقل وقادة فصائل عسكرية من السويداء.
ووفقاً للمصدر الأمني المطلع، أسفرت الاجتماعات عن مخرجات عديدة تخص صحنايا، أبرزها مغادرة جميع الفصائل العسكرية المنطقة مع خضوعها لإدارة الأمن العام بشكل حصري، بالتوازي مع تشكيل لجنة مشتركة مؤقتة للمتابعة.
كما نصت على إلغاء جميع المظاهر المسلحة وتشكيل دوريات وحواجز من الأمن العام الذي انضم إليها عشرات الشبان المحليين لحفظ السلم الأهلي، إضافة لعدم دخول عناصر الأمن العام إلى المنازل لتفتيشها إلا بموجب مهمة رسمية.
ولا يزال مدير منطقة داريا يتابع الواقع الأمني والخدمي ميدانياً في البلدتين، كما أرسلت بلدية داريا آليات لترحيل القمامة وتفريغ الحاويات في حملة تنظيف ساهم فيها عدد من شبان صحنايا.
وكان مسؤول منطقة داريا قد صرح لوكالة “سانا”، أن الحياة عادت إلى طبيعتها بالكامل في صحنايا وأشرفية صحنايا، حيث توجه الطلاب إلى مدارسهم، كما افتُتحت المراكز الصحية.
خطوات لاحقة
وفي خطوات لاحقة على عملية بسط سيطرة الدولة، أفرجت السلطات عن عشرات الموقوفين من أبناء المدينتين. وقالت مصادر أمنية لـ”المدن”، إن إطلاق سراح الموقوفين سيكون تمهيداً لإحداث مكتب للتسوية الأمنية، سيعلن عنه لاحقاً ريثما يستقر الوضع الأمني في المنطقة.
وتشير المصادر إلى أن التسويات ستكون رمزية كون الدافع لحمل السلاح من قبل أبناء صحنايا والأشرفية، كان بقصد الدفاع عن البلدتين وضبط الأوضاع الأمنية فيها.
بينما تؤكد مصادر أهلية عودة الاستقرار إلى المدينتين بالتوازي مع الحركة التجارية النشطة والحياة الطبيعية، في ظل انتشار مكثف لعناصر الأمن العام في الشوارع والأحياء وأمام الأماكن العامة والمؤسسات الحكومية.
المدن
————————————–
الصراع المقبل على سوريا/ ديفيد ماكوفسكي و سيموني سعيد مهر
إسرائيل وتركيا على طريق التصادم
السبت 10 مايو 2025 0:01
بعد أشهر على سقوط الأسد تتصاعد التوترات بين إسرائيل وتركيا، إذ قصفت إسرائيل قاعدة التيفور الجوية لمنع تركيا من نصب أنظمة دفاع جوي هناك، وهو تصعيد ينذر بخطر اندلاع مواجهة مباشرة بين الدولتين. ولمنع تدهور الأمور ينبغي على أنقرة وتل أبيب الاتفاق على خطوط حمراء واضحة وتوزيع نفوذ موقت، فالبلدان لا يريدان عودة إيران إلى الساحة السورية
خلال ديسمبر (كانون الأول) 2024، أطاح تحالف من فصائل متمردة بقيادة جماعة “هيئة تحرير الشام”، بصورة غير متوقعة، الديكتاتور بشار الأسد الذي حكمت عائلته سوريا على امتداد خمسة عقود. وورث النظام الجديد في دمشق بلداً دمرته حرب أهلية دامت 13 عاماً. وتولى أحمد الشرع، وهو زعيم الجماعة، زمام الأمور في سوريا، وتأمل القوى الأجنبية أن تنجح في توجيه سياساته. واستغلت دولتان جارتان للبلاد، هما إسرائيل وتركيا، فراغ السلطة فيها من أجل ترسيخ وجودهما هناك، وبدأتا بالفعل في التصادم معاً.
وبرزت تركيا كقوة عسكرية مهيمنة في سوريا. فمنذ عام 2019، سيطرت جماعة “هيئة تحرير الشام” على إدلب شمال غربي سوريا، وساعدتها أنقرة بصورة غير مباشرة على امتداد أعوام، من خلال إقامة منطقة عازلة شمال سوريا وفرت الحماية للجماعة من قوات الأسد. والآن تريد تركيا تحقيق مزيد من النفوذ في البلاد حتى تتمكن من سحق أمل الأكراد [السوريين] في نيل الحكم الذاتي، وهو حلم ازدهر في سياق الفوضى الناجمة عن الحرب الأهلية، والقيام بالترتيبات اللازمة من أجل عودة 3 ملايين لاجئ سوري يعيشون في تركيا.
ومع ذلك، فإن إسرائيل هي الأخرى تريد الحصول على مزيد من النفوذ في سوريا أيضاً. وعلى رغم توقيعها اتفاق فك الارتباط بوساطة أميركية مع سوريا عام 1974 في أعقاب حرب يوم الغفران (تشرين)، فإن الأسد تحالف بصورة وثيقة خلال العقود الأخيرة مع إيران، الخصم الرئيس لإسرائيل. وشكلت سوريا في عهده ممراً حيوياً تدفقت عبره الصواريخ الإيرانية وغيرها من الأسلحة إلى “حزب الله” اللبناني، مما أدى إلى تفاقم التوترات مع إسرائيل.
وباعتبار أن هذا العداء المستفحل موجود منذ عقود، نظر القادة الإسرائيليون إلى إزاحة الأسد على أنها مكسب استراتيجي لم يكن متوقعاً، وراحوا يتسابقون للاستفادة من إطاحته بإنشاء مناطق عازلة ومناطق نفوذ غير رسمية جنوب سوريا. وتشعر إسرائيل بقلق خاص من الوجود التركي في البلاد، خشية أن تشجع أنقرة سوريا على إيواء مسلحين مناهضين لإسرائيل. وحاولت تركيا نشر الإسلام السياسي، كما أن لها تاريخاً من العداء لإسرائيل. على سبيل المثال، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في إطار تهنئته بعيد الفطر خلال الـ30 من مارس (آذار) الماضي “[ندعو] الله أن يدمر إسرائيل الصهيونية”.
ويتزايد قلق القادة الإسرائيليين من أن طموحات تركيا في سوريا تتجاوز حدودهما المشتركة إلى داخل البلاد. وفي الثاني من أبريل (نيسان) الماضي قصفت إسرائيل عدة مواقع عسكرية سورية، بما في ذلك قاعدة التياس الجوية المعروفة باسم مطار التيفور (T4)، وذلك من أجل منع أنقرة من إقامة أنظمة دفاع جوي هناك. وتبدي إسرائيل اهتماماً بالغاً بأجواء جيرانها، إذ إنها شنت خلال أكتوبر (تشرين الأول) 2023، غارة جوية على إيران عبر المجال الجوي السوري.
على رغم أن مخاوف إسرائيل الأمنية مشروعة، فإنه ينبغي عليها بذل قصارى جهدها بغية تجنب وقوع مواجهة عسكرية مباشرة مع تركيا. ويجب على إسرائيل أن تضمن عدم تحول علاقتها مع أنقرة إلى ضحية لاندفاعها بهدف تعزيز موقعها العسكري في سوريا. ونظراً إلى تشتت قواتها وتراجع سمعتها الدولية، فإن آخر ما تحتاج إليه إسرائيل هو خلق عدو جديد.
المناطق العازلة والتهديدات
خلال تسعينيات القرن الماضي، وفي ظل تصاعد الآمال بالتوصل إلى سلام إسرائيلي-فلسطيني، تمتعت تل أبيب بعلاقات وثيقة مع تركيا، بيد أن صلاتهما تدهورت مع تراجع القوى العلمانية في كلتا الدولتين. وخلال عام 2010، على سبيل المثال، قتل الجيش الإسرائيلي تسعة ناشطين مدنيين وجرح 30 آخرين، توفي أحدهم خلال وقت لاحق، وذلك عندما اعترض سفينة تركية حاولت كسر الحصار البحري المضروب حول قطاع غزة، مما دفع أنقرة إلى خفض مستوى العلاقات الدبلوماسية مع تل أبيب. واتهمت تركيا إسرائيل مرة تلو أخرى بارتكاب إبادة جماعية داخل غزة. وفي شهر مايو (أيار) 2024، أعلن أردوغان حظراً على التجارة مع إسرائيل على سبيل الاحتجاج على العمليات التي تقوم بها داخل القطاع. في غضون ذلك، يتهم الإسرائيليون أنقرة بالسماح لقادة حركة “حماس” الفلسطينية المسلحة، مثل نائب رئيس المكتب السياسي السابق للجماعة صالح العاروري، بالتخطيط لشن هجمات ضد إسرائيل من الأراضي التركية. ومع ذلك وعلى رغم كل خلافاتهما لا تريد تركيا ولا إسرائيل أن يعود النفوذ الإيراني إلى سوريا.
من الواضح أن تركيا هي القوة الدافعة وراء النظام السوري الجديد، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى علاقاتها الطويلة مع جماعة “هيئة تحرير الشام”، وهي ساعدت قادة سوريا الجدد في التخطيط لإعادة الإعمار. ويبدو أيضاً أن أنقرة تسعى إلى إبرام اتفاق دفاع مع سوريا من شأنها أن توسع نفوذ تركيا، المتمركز حالياً شمال البلاد، لكي يتمدد إلى بقية البلاد.
تشعر إسرائيل بقلق بالغ إزاء هذا المسار، وبرزت مدرستان فكريتان متنافستان حول كيفية إدارة العلاقات مع النظام السوري الجديد. وترى مجموعة من المسؤولين الإسرائيليين أن على بلادهم اختبار العمل مع الشرع قبل اعتباره عدواً، إلا أن مجموعة أخرى تضم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تعتقد أنه من غير المرجح ظهور حكومة سورية مركزية معتدلة بقيادة إسلامية سنية، وأن على إسرائيل الاستعداد [للتعامل مع إدارة ستبدي لها] العداء، من خلال إنشاء مناطق نفوذ غير رسمية.
بعد فرار الأسد من دمشق خلال ديسمبر 2024 سيطرت إسرائيل على منطقة عازلة جنوب غربي سوريا، متاخمة للجزء الذي تسيطر عليه إسرائيل من مرتفعات الجولان. وقصفت إسرائيل منذ ذلك الوقت مئات المواقع العسكرية السورية التي تخشى أن تستخدمها الحكومة الجديدة. وخلال الـ11 من مارس الماضي صرح وزير الدفاع الإسرائيلي إسرائيل كاتس بأن القوات الإسرائيلية ستبقى في سوريا “لفترة غير محددة”، لحماية التجمعات السكانية شمال إسرائيل.
مراقبة الجوار
يبدو أن الرغبة في تجنب تكرار الأخطاء التي بلغت ذروتها في هجمات السابع من أكتوبر 2023 الدموية، تمثل الدافع الجزئي على توغل إسرائيل في سوريا. ويرى القادة الإسرائيليون الآن أن المناطق العازلة أمر جوهري، ويأملون أن يسهموا بصورة فعالة في تشكيل البيئات الأمنية للدول المجاورة بدلاً من مجرد الرد على التطورات. كما أن كارثة “السابع من أكتوبر” دفعتهم إلى الحذر من العمل مع الإسلاميين من أي نوع. وتسامحت إسرائيل لأعوام عدة مع وجود زعيم “حماس” يحيى السنوار في غزة. وقد بنى لنفسه سمعة بأنه براغماتي في بعض الأحيان من خلال الابتعاد من حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية، وهي جماعة إرهابية أكثر تشدداً، والسماح لعدد من سكان غزة بالعمل داخل إسرائيل. لكن في النهاية، دبر السنوار أعنف هجوم شهدته إسرائيل على الإطلاق.
يبدو أن الدرس الذي استخلصه المسؤولون الإسرائيليون من تلك التجربة أنهم لا يستطيعون التسامح مع وجود أي جهاديين قرب حدودهم. وبعد اشتباك القوات السورية مع المتمردين العلويين الموالين للأسد خلال مارس الماضي، والذي أسفر عن سقوط مئات القتلى، قال كاتس إن الشرع “خلع القناع وكشف عن وجهه الحقيقي، إنه إرهابي جهادي من مدرسة ’القاعدة‘”. وعلى رغم أن للشرع جذوراً جهادية، إذ إن “هيئة تحرير الشام” بدأت كفرع انبثق عن “القاعدة”، فإنه نبذ التطرف بصورة علنية، مؤكداً أنه لا يسعى إلى مواجهة مع إسرائيل. إلا أن القادة الإسرائيليين الذين يتوقعون أن نظاماً معادياً سيرسخ أقدامه في دمشق، يعتقدون أن الشرع سيقول أي شيء لكي تُخفف العقوبات عن بلاده، ويخشون أن يغير موقفه بعد أن يحسن الأوضاع الاقتصادية المتردية في سوريا.
ومع ذلك، فإن “السابع من أكتوبر” ليس سوى جزء من القصة، فقد قال نتنياهو أيضاً إن استراتيجيته مدفوعة برغبة في حماية الأقلية الدينية الدرزية جنوب سوريا. وخلال أواخر أبريل/مطلع مايو الجاري، قتل أكثر من 100 سوري في اشتباكات بين مقاتلين إسلاميين سنة ومسلحين دروز. وفي الثاني من مايو الجاري قصفت إسرائيل دمشق، وأعلن نتنياهو وكاتس أنهما “لن يسمحا بإرسال قوات إلى جنوب دمشق أو بأي تهديد للدروز”.
يتأثر نهج إسرائيل تجاه سوريا أيضاً بالقلق بخصوص استمرار الوجود العسكري الأميركي داخل البلاد. وفي الثامن من ديسمبر 2024، أعلن الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب على وسائل التواصل الاجتماعي أن “سوريا في حال فوضى” وأن [بالأحرف الكبيرة] “الولايات المتحدة لا ينبغي أن يكون لها أية علاقة بها”. وفي الـ18 من أبريل الماضي، أعلنت الحكومة الأميركية نيتها خفض عدد قواتها المتمركزة شرق سوريا من نحو 2000 إلى أقل من 1000، وتخشى إسرائيل أن يسمح الانسحاب الأميركي لتركيا بأن تهيمن بصورة أكبر على شمال سوريا، وربما داخل مناطق أبعد من ذلك.
الحوار الصريح أفضل من الحرب
لكن ينبغي على إسرائيل أن تحرص على أن تتفادى تحويل تركيا أو سوريا إلى عدو، وأن تترك مجالاً للحوار. ومن حق القادة الإسرائيليين أن يتعلموا الدروس من الإخفاقات الاستراتيجية التي شهدها “السابع من أكتوبر”، غير أن عليهم أيضاً الموازنة بين الاعتبارات الأمنية من جهة واستراتيجية طويلة المدى من جهة ثانية. قد تضع إسرائيل معايير واضحة لحكومة الشرع في شأن كيفية تعاملها مع الأقليات ومعالجة قضايا كتهريب الأسلحة والتخلص من الأسلحة الكيماوية. وإذا استوفيت هذه المعايير، فيمكن لإسرائيل حينها أن تدرس دعوة الولايات المتحدة والدول الأوروبية لتخفيف العقوبات على سوريا. كما قد تشجع إسرائيل الدول الأوروبية والخليج على الاستثمار هناك. وعلاوة على ذلك، يتعين على إسرائيل أن تعلن صراحة أنه لا توجد لديها أية أطماع في أراض أو مناطق داخل سوريا، وأن منطقتها العازلة ستكون موقتة ما دام أداء الحكومة الجديدة يحقق معايير معينة. إن استمرار الوجود الإسرائيلي في سوريا من شأنه أن يعزز موقف خصوم إسرائيل الذين يدعون أنها دولة محتلة.
إن علاقة إسرائيل بالحكومة السورية الجديدة لها أهمية حاسمة، إلا أن الأهم من ذلك هو علاقتها بتركيا. فكلا البلدين حليف للولايات المتحدة ويتمتع بقدرات عسكرية قوية. وكان القصف الإسرائيلي لمطار التيفور بمثابة تذكير صارخ بمدى سرعة تصاعد الأمور، ويجدر بالبلدين أن ينظرا في إمكانية وضع خطوط حمراء، ويجب عليهما كحد أدنى الاتفاق على العمل ضمن مناطق نفوذ مختلفة داخل سوريا من أجل تجنب الأعمال العدائية.
يثق ترمب بقدرته على تحسين العلاقات الإسرائيلية التركية، وأخبر نتنياهو أن لديه “علاقة جيدة جداً مع تركيا وزعيمها”. يجب على ترمب أن يثني أردوغان عن نشر أنظمة دفاع جوي في سوريا. ويمكن لترمب أيضاً مساعدة إسرائيل وتركيا على إيجاد سبل لخفض التصعيد. وقد يتعاون البلدان، على سبيل المثال، في مواجهة النفوذ الإيراني وتهريب الأسلحة.
من الضروري أن تستخدم إسرائيل قنواتها الدفاعية والاستخباراتية للتواصل مع تركيا، وأن تستعمل وسائل غير مباشرة للتحدث مع السوريين. لقد عقد حتى الآن اجتماع واحد في الأقل معلن بين مسؤولين إسرائيليين وأتراك، وذلك داخل أذربيجان خلال أبريل الماضي. وينبغي على تركيا وإسرائيل البناء على هذا الحوار، ولا سيما أن كلاً منهما يؤكد عدم رغبته في حصول مواجهة عسكرية. لا بد أن يكون هدف إسرائيل هو تأكيد المخاوف الأمنية المشروعة من دون إثارة استياء أنقرة أو دمشق، وهذا التوازن مهم خصوصاً خلال فترة التقلبات الاستثنائية التي تمر بها سوريا، فالنظام الجديد لم يرسخ سيطرته على البلاد بعد، وتبدو مواقفه السياسية مرنة. وفي هذه اللحظة التاريخية الحاسمة، وبعد إضعاف عدوهما المشترك إيران، يتعين على إسرائيل وتركيا السعي جاهدين من أجل صياغة نظام إقليمي جديد يعود بالفائدة المتبادلة على البلدين، ولا يفضي إلى صراعات.
ديفيد ماكوفسكي مدير مشروع كوريت للعلاقات العربية الإسرائيلية في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، ومحاضر مساعد في دراسات الشرق الأوسط داخل كلية الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جونز هوبكنز. شغل بين عامي 2013 و2014 منصب مستشار أول للمبعوث الخاص للمفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية في وزارة الخارجية الأميركية.
سيموني سعيد مهر باحثة مساعدة في مشروع كوريت للعلاقات العربية الإسرائيلية داخل معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى.
مترجم عن “فورين أفيرز”، السادس من مايو (أيار) 2025
المجلة
—————————–
استغلال الأقليات لتغذية الفوضى/ محمود سمير الرنتيسي
2025.05.10
لدولة الاحتلال الإسرائيلي تاريخ سيئ في استغلال الأقليات سواء كانوا كيانات أو حركات في معظم دول منطقة الشرق الأوسط، ومن ذلك استغلال المسيحيين في لبنان في اجتياح عام 1982 ودعمها للأقلية الكردية في العراق ضد العراق في عهد صدام حسين، ثم إعقاب هذا التبني والدعم بتخل كبير عن هذه المكونات وتركها تواجه مصيرها منفردة، ولعل النقطة الأكثر أهمية التي يمكن أن نبدأ بها هي أن على كل الأقليات الموجودة في المجتمعات العربية أن تدرك أن الانسجام مع البيئة المحلية التي تتواجد فيها أكثر أمنا لها من التحول لأدوات في المخططات الإسرائيلية التي تروج أنها تتصرف أخلاقيا.
في سوريا تحاول دولة الاحتلال الإسرائيلي أن تقدم نفسها كحام للدروز وهي في الحقيقة لا تفكر إلا في جعلهم أدوات لمخططاتها التوسعية والتحكمية في مستقبل المنطقة، وبالتالي هذا يفتح سيناريو التخلي عنهم في حال توفرت مسارات أخرى لتنفيذ مخططاتها. وقد ذكر أكثر من مسؤول إسرائيلي وجود مصالح أمنية قصوى لدولة الاحتلال الإسرائيلي في السيطرة على مناطق الدروز في سوريا وهذا يؤكد أن الحديث عن قمع الأقليات والتدخل لحمايتها ليس سوى حجة مكشوفة.
وفي هذا السياق نستحضر ما قاله زعيم حزب معسكر الدولة بيني غانتس الذي قال إنه “يجب أن يفهم الجميع أن التحالف مع الدروز هو في المقام الأول تحالف أخلاقي بين الذين يقاتلون معنا ويعيشون معنا وأقاربهم الذين في خطر”. وهذا الاستحضار للمعنى الأخلاقي في هذا الإطار ليس إلا تعجرف واضح في ظل الانحدار الأخلاقي الذي يمارسه الجيش الإسرائيلي في قتل النساء والأطفال والصحفيين ورجال الإطفاء وقصف المستشفيات والمخابز ومراكز إيواء المدنيين في قطاع غزة.
في دولة الاحتلال يعتبر بعض الأطراف أن الانسحاب من جنوب لبنان قبل 25 عاما كان تصرفا مخزيا وأن مساعدة الدروز في سوريا حاليا هو واجب وفرصة لمسح العار الذي لحق بدولة الاحتلال الإسرائيلي بسبب ما يسمونه الإخفاق الاستراتيجي في جنوب لبنان. يحاول هؤلاء أن يظهروا أن مساعدة الدروز في سوريا هو تكفير
عن خطأ التخلي عن حلفائهم من المسيحيين في لبنان سابقا، وفرصة لتصحيح المسار لجعل الأقليات في المنطقة تؤمن مجددا أن دولة الاحتلال الإسرائيلي يمكن أن تكون راعية لهم.
إن ملف الدروز والحديث عن حمايتهم ليس إلا ركيزة واحدة في المخطط الصهيوني للسيطرة على المنطقة والذي تحدث عنه رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو كثيرا وهو تغيير وجه الشرق الأوسط وستعمد دولة الاحتلال الإسرائيلي للعمل مع أقليات أخرى وقد تحدث في وقت سابق جدعون ساعر وزير الخارجية في دولة الاحتلال قائلا إن منهجية السيطرة على المنطقة تعتمد على التحالف مع الأقليات وإن اسرائيل ستكون أقلية دائما ولذلك عليها أن تتحالف مع الأقليات.
وفي الحقيقة يمكننا القول أن اسرائيل نفسها تدرك أن التحالف مع الأقليات لن يصنع لها نموذجا ناجحا للسيطرة على المنطقة ولكنه يصنع لها نموذجا في نشر الفوضى في المنطقة ولو جزئيا بحيث تبقي دول المنطقة الأساسية بعيدة عن الاستقرار وغارقة في الفوضى ولذلك من المهم لكل مكونات هذه المنطقة أن تدرك المخطط الصهيوني الخبيث ولا تنزلق إليه.
وفي هذا السياق فإن التفاهمات الداخلية التي تؤدي لاستقرار وانسجام بين كافة المكونات المحلية هي دائما مصدر إزعاج لدولة الاحتلال الصهيوني التي لا تهتم إلا بفتح الطريق لعدم الاستقرار وتغذية الخلافات والصراعات.
إن دولة الاحتلال الإسرائيلي تنظر لهذه المنطقة على أنها منطقة معادية وأن التحالف مع الأقليات هو عامل تفتيت داخلي في كل دولة ويمكن أن يمتد لعدة دول وبالتالي هذا المنهج جزء لا يتجزأ من استراتيجية أمنية وجيوسياسية تتصرف في بيئة معادية وعليه ينبغي أن يكون السلوك الذي تتعامل به دول المنطقة منطلقا من إدراك لهذه الحقائق.
تلفزيون سوريا
—————————————
==========================